المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌خلافة الصديق رضي الله عنه وأرضاه قال هشام - تاريخ الإسلام - ت بشار - جـ ٢

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌خلافة الصديق رضي الله عنه وأرضاه

قال هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة - أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وأبو بكر بالسنح، فقال عمر: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه الله فيقطع أيدي رجال وأرجلهم.

فجاء أبو بكر الصديق، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا! والذي نفسي بيده لا يذيقك الله موتتين أبدا!

ثم خرج فقال: أيها الحالف، على رسلك! فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} الآية.

فنشج الناس يبكون، واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فذهب عمر يتكلم فسكته أبو بكر.

فكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، فتكلم فأبلغ، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال الحباب بن المنذر: لا والله لا نفعل أبدا، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء؛ قريش أوسط العرب دارا وأعزهم أحسابا، فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة!

فقال عمر: بل نبايعك؛ أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم! وأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس.

فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر:

ص: 5

قتله الله! رواه سليمان بن بلال عنه، وهو صحيح السند.

وقال مالك عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس - أن عمر خطب الناس فقال في خطبته: وقد بلغني أن قائلا يقول: لو مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: كانت بيعة أبي بكر فلتة، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، وإنه كان من خيرنا.

حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع المهاجرون، وتخلف علي والزبير في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلفت الأنصار في سقيفة بني ساعدة.

فقلت: يا أبا بكر، انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار. فانطلقنا نؤمهم، فلقينا رجلان صالحان من الأنصار. فقالا: لا عليكم أن لا تأتوهم وأبرموا أمركم. فقلت: والله لنأتينهم!

فأتيناهم في سقيفة بني ساعدة. فإذا هم مجتمعون على رجل مزمل بالثياب، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة مريض. فجلسنا، وقام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإيمان، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفت إليكم دافة يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويحضنونا من الأمر.

قال عمر: فلما سكت أردت أن أتكلم بمقالة قد كانت أعجبتني بين يدي أبي بكر، فقال أبو بكر: على رسلك! وكنت أعرف منه الحد، فكرهت أن أغضبه، وهو كان خيرا مني وأوفق وأوقر. ثم تكلم، فوالله ما ترك كلمة أعجبتني إلا قد قالها وأفضل منها حتى سكت.

ثم قال: أما بعد، ما ذكرتم من خير فهو فيكم معشر الأنصار، وأنتم أهله وأفضل منه، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا. وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح.

قال: فما كرهت شيئا مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر

ص: 6

على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تتغير نفسي عند الموت.

فقال رجل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير معشر المهاجرين. قال: وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر! فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعته الأنصار. ونزوا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سعدا! فقلت: قتل الله سعدا!

قال عمر: فوالله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن نحن فارقنا القوم، ولم تكن بيعة - أن يحدثوا بعدنا بيعة؛ فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما خالفناهم فيكون فساد!

رواه يونس بن يزيد عن الزهري بطوله، فزاد فيه: قال عمر: فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت، فإنها قد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها، فمن بايع رجلا عن غير مشورة فإنه لا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا. متفق على صحته.

وقال عاصم بن بهدلة عن زر، عن عبد الله قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. فأتاهم عمر، فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن أبا بكر قد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤم الناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر، يعني في الصلاة؟ فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر! رواه الناس عن زائدة عنه.

وقال يزيد بن هارون: أخبرنا العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عمر أبا عبيدة، فقال: ابسط يدك

ص: 7

لأبايعك؛ فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو عبيدة لعمر: ما رأيت لك فهة قبلها منذ أسلمت، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين؟

وروي نحوه عن مسلم البطين عن أبي البختري.

وقال ابن عون عن ابن سيرين: قال أبو بكر لعمر: ابسط يدك نبايع لك. فقال له عمر: أنت أفضل مني! فقال أبو بكر: أنت أقوى مني. قال: إن قوتي لك مع فضلك.

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي اجتمعت الأنصار إلى سعد، فأتاهم أبو بكر وجماعة، فقام الحباب بن المنذر وكان بدريا، فقال: منا أمير ومنكم أمير.

وقال وهيب: حدثنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار، فجعل منهم من يقول: يا معشر المهاجرين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان منا ومنكم. قال: وتتابعت خطباء الأنصار على ذلك. فقام زيد بن ثابت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وإنما يكون الإمام من المهاجرين، ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقام أبو بكر فقال: جزاكم الله خيرا من حي يا معشر الأنصار وثبت قائلكم، أم والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم. ثم أخذ زيد بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه.

قال: فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به. فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه، أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله! فبايعه.

ثم لم ير الزبير، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله! فبايعاه.

ص: 8

روى منه أحمد في: مسنده إلى قوله: لما صالحناكم - عن عفان، عن وهيب. ورواه بتمامه ثقة عن عفان.

وقال الزهري عن عبيد الله، عن ابن عباس: قال عمر في خطبته: وإن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا، وتخلفت الأنصار عنا بأسرها، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر. فبينا نحن في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل ينادي من وراء الجدار: اخرج يا ابن الخطاب! فخرجت، فقال: إن الأنصار قد اجتمعوا، فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرا يكون بيننا وبينهم فيه حرب!

وقال في الحديث: وتابعه المهاجرون والأنصار، فنزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سعدا! قال عمر: فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعدا؛ فإنه صاحب فتنة وشر!

وهذا من حديث جويرية بن أسماء عن مالك، وروى مثله الزبير بن بكار عن ابن عيينة، عن الزهري.

وقال أبو بكر الهذلي عن الحسن، عن قيس بن عباد، وابن الكواء - أن عليا رضي الله عنه ذكر مسيره وبيعة المهاجرين أبا بكر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت فجاءة، مرض ليالي، يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيقول: مروا أبا بكر بالصلاة! فأرادت امرأة من نسائه أن تصرفه إلى غيره، فغضب وقال: إنكن صواحب يوسف. فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اخترنا واختار المهاجرون والمسلمون لدنياهم من اختاره رسول الله لدينهم، وكانت الصلاة عظم الأمر وقوام الدين.

وقال الوليد بن مسلم: فحدثني محمد بن حرب، قال: حدثنا الزبيدي: حدثني الزهري عن أنس أنه سمع خطبة عمر الآخرة. قال: حين جلس أبو بكر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتشهد عمر، ثم قال: أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وما وجدت في المقالة التي قلت لكم في كتاب الله ولا في عهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن رجوت أنه يعيش حتى يدبرنا - يقول: حتى يكون

ص: 9

رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرنا - فاختار الله لرسوله ما عنده على الذي عندكم، فإن يكن رسول الله قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم كتابه الذي هدى به محمدا، فاعتصموا به تهتدوا بما هدى به محمدا صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين، وأنه أحق الناس بأمرهم - فقوموا فبايعوه، وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت البيعة على المنبر بيعة العامة. صحيح غريب.

وقال موسى بن عقبة عن سعد بن إبراهيم: حدثني أبي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس، وقال: والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة، ولا سألتها الله في سر ولا علانية. فقبل المهاجرون مقالته، وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشاورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخيره. ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي.

وقد قيل: إن عليا رضي الله عنه تمادى عن المبايعة مدة، فقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان عن عروة، عن عائشة قالت: لما توفيت فاطمة بعد وفاة أبيها بستة أشهر اجتمع إلى علي أهل بيته، فبعثوا إلى أبي بكر: ائتنا. فقال عمر: لا والله لا تأتهم. فقال أبو بكر: والله لآتينهم، وما تخاف علي منهم!

فجاءهم حتى دخل عليهم فحمد الله، ثم قال: إني قد عرفت رأيكم، قد وجدتم علي في أنفسكم من هذه الصدقات التي وليت عليكم، ووالله ما صنعت ذاك إلا أني لم أكن أريد أن أكل شيئا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أرى أثره فيه وعمله إلى غيري حتى أسلك به سبيله وأنفذه فيما جعله الله.

ووالله لأن أصلكم أحب إلي من أن أصل أهل قرابتي؛ لقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعظيم حقه.

ثم تشهد علي، وقال: يا أبا بكر، والله ما نفسنا عليك خيرا جعله الله لك أن لا تكون أهلا لما أسند إليك، ولكنا كنا من الأمر حيث قد علمت فتفوت به علينا، فوجدنا في أنفسنا. وقد رأيت أن أبايع وأدخل فيما دخل فيه الناس، وإذا كانت

ص: 10

العشية فصل بالناس الظهر، واجلس على المنبر حتى آتيك فأبايعك.

فلما صلى أبو بكر الظهر ركب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الذي كان من أمر علي، وما دخل فيه من أمر الجماعة والبيعة، وهاهو ذا فاسمعوا منه!

فقام علي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر أبا بكر وفضله وسنه، وأنه أهل لما ساق الله إليه من الخير، ثم قام إلى أبي بكر فبايعه.

أخرجه البخاري من حديث عقيل عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، وفيه: وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته.

‌قصة الأسود العنسي

قال سيف بن عمر التميمي: حدثنا المستنير بن يزيد النخعي عن عروة بن غزية، عن الضحاك بن فيروز الديلمي، عن أبيه قال: أول ردة كانت في الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد عبهلة بن كعب، وهو الأسود في عامة مذحج.

خرج بعد حجة الوداع، وكان شعباذا يريهم الأعاجيب، ويسبي قلوب من يسمع منطقه. فوثب هو ومذحج بنجران إلى أن سار إلى صنعاء فأخذها، ولحق بفروة من تم على إسلامه.

ولم يكاتب الأسود رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه، وصفا له ملك اليمن.

فروى سيف عن سهل بن يوسف، عن أبيه، عن عبيد بن صخر قال: بينما نحن بالجند قد أقمناهم على ما ينبغي، وكتبنا بيننا وبينهم الكتب - إذ جاءنا كتاب من الأسود أن أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه.

فبينا نحن ننظر

ص: 11

في أمرنا إذ قيل: هذا الأسود بشعوب، وقد خرج إليه شهر بن باذام، ثم أتانا الخبر أنه قتل شهرا وهزم الأبناء، وغلب على صنعاء بعد نيف وعشرين ليلة، وخرج معاذ هاربا حتى مر بأبي موسى الأشعري بمأرب، فاقتحما حضرموت.

وغلب الأسود على ما بين أعمال الطائف إلى البحرين وغير ذلك، وجعل يستطير استطارة الحريق، وكان معه سبعمائة فارس يوم لقي شهرا، وكان قواده: قيس بن عبد يغوث، ويزيد بن مخزوم، وفلان، وفلان. واستغلظ أمره، وغلب على أكثر اليمن.

وارتد معه خلق، وعامله المسلمون بالتقية. وكان خليفته في مذحج عمرو بن معد يكرب، وأسند أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث. وأمر الأبناء إلى فيروز الديلمي، وذادويه.

فلما أثخن في الأرض استخف بهؤلاء، وتزوج امرأة شهر، وهي بنت عم فيروز. قال: فبينا نحن كذلك بحضرموت، ولا نأمن أن يسير إلينا الأسود، وقد تزوج معاذ في السكون - إذ جاءتنا كتب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا فيها أن نبعث الرجال لمجاولته ومصاولته. فقام معاذ في ذلك، فعرفنا القوة ووثقنا بالنصر.

وقال سيف: حدثنا المستنير عن عروة، عن الضحاك بن فيروز، عن جشنس ابن الديلمي قال: قدم علينا وبر بن يحنس بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا فيه بالنهوض في أمر الأسود، فرأينا أمرا كثيفا، ورأينا الأسود قد تغير لقيس بن عبد يغوث. فأخبرنا قيسا وأبلغناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنما وقعنا عليه فأجابنا. وجاء وبر، وكاتبنا الناس ودعوناهم.

فأخبر الأسود

ص: 12

شيطانه، فأرسل إلى قيس، فقال: ما يقول الملك؟ قال: يقول: عمدت إلى قيس فأكرمته، حتى إذا دخل منك كل مدخل مال ميل عدوك. فحلف له وتنصل، فقال: أتكذب الملك؟ قد صدق وعرفت أنك تائب. قال: فأتانا قيس وأخبرنا، فقلنا: كن على حذر.

وأرسل إلينا الأسود: ألم أشرفكم على قومكم؟ ألم يبلغني عنكم؟ فقلنا: أقلنا مرتنا هذه! فقال: فلا يبلغني عنكم فأقتلكم. فنجونا ولم نكد. وهو في ارتياب من أمرنا.

قال: فكاتبنا عامر بن شهر وذو الكلاع وذو ظليم، فأمرناهم أن لا يتحركوا بشيء. قال: فدخلت على امرأته آزاد فقلت: يا ابنة عم، قد عرفت بلاء هذا الرجل، وقتل زوجك وقومك وفضح النساء، فهل من ممالأة عليه؟ قالت: ما خلق الله أبغض إلي منه، ما يقوم لله على حق ولا ينتهي عن حرمة! فخرجت فإذا فيروز وزادوية ينتظراني، وجاء قيس ونحن نريد أن نناهضه، فقال له رجل قبل أن يجلس: الملك يدعوك. فدخل في عشرة فلم يقدر على قتله، وقال: أنا عبهلة أمني تتحصن بالرجال؟ ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذب؟ تريد قتلي؟ فقال: كيف وأنت رسول الله، فمرني بما أحببت!

فأما الخوف والفزع فأنا فيهما، فاقتلني وأرحني. فرق له وأخرجه، فخرج علينا وقال: اعملوا عملكم.

وخرج علينا الأسود في جمع، فقمنا له، وبالباب مائة بقرة وبعير فنحرها، ثم قال: أحق ما بلغني عنك يا فيروز؟ لقد هممت بقتلك. فقال: اخترتنا لصهرك، وفضلتنا على الأبناء، وقد جمع لنا أمر آخرة ودنيا، فلا تقبلن علينا أمثال ما يبلغك! فقال: اقسم هذه.

فجعلت آمر للرهط بالجزور، ولأهل البيت بالبقرة. ثم اجتمع بالمرأة، فقالت: هو متحرز، والحرس محيطون بالقصر سوى هذا الباب فانقبوا عليه! وهيأت لنا سراجا.

وخرجت، فتلقاني الأسود خارجا من القصر، فقال: ما أدخلك؟ ووجأ رأسي فسقطت، فصاحت المرأة وقالت: ابن عمي زارني. فقال: اسكتي لا أبا لك فقد وهبته لك! فأتيت أصحابي وقلت: النجاء! وأخبرتهم الخبر.

فأنا على ذلك إذ جاءني رسولها: لا تدعن ما فارقتك عليه. فقلنا لفيروز: ائتها وأتقن أمرنا، وجئنا بالليل ودخلنا، فإذا سراج تحت جفنة، فاتقينا بفيروز. وكان

ص: 13

أنجدنا، فلما دنا من البيت سمع غطيطا شديدا، وإذا المرأة جالسة. فلما قام فيروز على الباب أجلس الأسود شيطانه وكلمه، فقال: وأيضا فما لي ولك يا فيروز؟ فخشي إن رجع أن يهلك هو والمرأة، فعاجله وخالطه وهو مثل الجمل، فأخذ برأسه فدق عنقه وقتله، ثم قام ليخرج، فأخذت المرأة بثوبه تناشده.

فقال: أخبر أصحابي بقتله، فأتانا فقمنا معه، فأردنا حز رأسه فحركه الشيطان واضطرب، فلم نضبطه. فقال: اجلسوا على صدره، فجلس اثنان، وأخذت المرأة بشعره، وسمعنا بربرة فألجمته بملاءة، وأمر الشفرة على حلقه، فخار كأشد خوار ثور.

فابتدر الحرس الباب: ما هذا؟ ما هذا؟ قالت: النبي يوحى إليه. قال: وسمرنا ليلتنا كيف نخبر أشياعنا، فأجمعنا على النداء بشعارنا ثم بالأذان. فلما طلع الفجر نادى داذويه بالشعار، ففزع المسلمون والكافرون، واجتمع الحرس فأحاطوا بنا، ثم ناديت بالأذان، وتوافت خيولهم إلى الحرس.

فناديتهم: أشهد أن محمدا رسول الله، وأن عبهلة كذاب. وألقينا إليهم الرأس، وأقام وبر الصلاة، وشنها القوم غارة.

ونادينا: يا أهل صنعاء، من دخل عليه داخل فتعلقوا به، فكثر النهب والسبي، وخلصت صنعاء والجند، وأعز الله الإسلام. وتنافسنا الإمارة، وتراجع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاصطلحنا على معاذ بن جبل، فكان يصلي بنا. وكتبنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الخبر. فقدمت رسلنا، وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم صبيحتئذ فأجابنا أبو بكر رضي الله عنه.

وروى الواقدي عن رجاله قال: بعث أبو بكر قيس بن مكشوح إلى اليمن، فقتل الأسود العنسي هو وفيروز الديلمي. ولقيس هذا أخبار، وقد ارتد، ثم أسره المسلمون فعفا عنه أبو بكر، وقتل مع علي بصفين.

ص: 14

‌جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما

قال هشام بن عروة عن أبيه قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه: أنفذوا جيش أسامة! فسار حتى بلغ الجرف، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول: لا تعجل؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل! فلم يبرح حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض رجع إلى أبي بكر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وأنا أتخوف أن تكفر العرب، وإن كفرت كانوا أول من نقاتل، وإن لم تكفر مضيت؛ فإن معي سروات الناس وخيارهم!

قال: فخطب أبو بكر الناس، ثم قال: والله، لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: فبعثه أبو بكر، واستأذن لعمر أن يتركه عنده، وأمر أن يجزر في القوم، أي يقطع الأيدي والأرجل والأوساط في القتال. قال: فمضى حتى أغار، ثم رجعوا وقد غنموا وسلموا.

فكان عمر يقول: ما كنت لأحيي أحدا بالإمارة غير أسامة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو أمير،. قال: فسار، فلما دنوا من الشام أصابتهم ضبابة شديدة فسترتهم، حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم. قال: فقدم بنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هرقل، وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبرا واحدا، فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم وأغاروا على أرضنا؟

وعن الزهري قال: سار أسامة في ربيع الأول حتى بلغ أرض الشام وانصرف، فكان مسيره ذاهبا وقافلا أربعين يوما.

وقيل: كان ابن عشرين سنة.

وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة قال: فلما فرغوا من البيعة، واطمأن الناس - قال أبو بكر لأسامة بن زيد: امض لوجهك! فكلمه رجال من المهاجرين والأنصار، وقالوا: أمسك أسامة وبعثه؛ فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: أنا أحبس جيشا

ص: 15

بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لقد اجترأت على أمر عظيم! والذي نفسي بيده، لأن تميل علي العرب أحب إلي من أن أحبس جيشا بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم! امض يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به، ثم اغز حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين، وعلى أهل مؤتة؛ فإن الله تعالى سيكفي ما تركت. ولكن إن رأيت أن تأذن لعمر فأستشيره وأستعين به فافعل، ففعل أسامة.

ورجع عامة العرب عن دينهم، وعامة أهل المشرق وغطفان وأسد، وعامة أشجع. وتمسكت طيئ بالإسلام.

‌شأن أبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما

قال الزهري عن عروة عن عائشة: إن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقة! فغضبت، وهجرت أبا بكر حتى توفيت.

وأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن مما أفاء الله على رسوله، حتى كنت أنا رددتهن فقلت لهن: ألا تتقين الله؟ ألم تسمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث، ما تركنا صدقة! إنما يأكل آل محمد في هذا المال.

وقال أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي، ومؤونة عاملي -

ص: 16

فهو صدقة.

وقال محمد بن السائب وهو متروك، عن أبي صالح مولى أم هانئ - أن فاطمة دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر، أرأيت لو مت اليوم من كان يرثك؟ قال: أهلي وولدي. فقالت: مالك ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون أهله وولده؟ فقال: ما فعلت يا ابنة رسول الله! قالت: بلى، قد عمدت إلى فدك، وكانت صافية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتها! وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته منا! فقال: لم أفعل؛ حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يطعم النبي الطعمة ما كان حيا، فإذا قبضه رفعها. قالت: أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم، ما أنا بسائلتكه بعد مجلسي هذا!

ابن فضيل عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت وريث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم أهله؟ فقال: لا، بل أهله. قالت: فأين سهمه؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله إذا أطعم نبيا طعمة، ثم قبضه - جعلها للذي يقوم من بعده. فرأيت أن أرده على المسلمين. قالت: أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم!

رواه أحمد في مسنده، وهو منكر، وأنكر ما فيه قوله: لا، بل أهله.

وقال الوليد بن مسلم وعمر بن عبد الواحد: حدثنا صدقة أبو معاوية عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن يزيد الرقاشي، عن أنس - أن فاطمة أتت أبا بكر فقالت: قد علمت الذي خلفنا عنه من الصدقات أهل البيت، ثم قرأت عليه {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} إلى آخر الآية. فقال لها: بأبي

ص: 17

وأمي أنت ووالدك وولدك، وعلي السمع والصبر، كتاب الله وحق رسوله وحق قرابته.

أنا أقرأ من كتاب الله مثل الذي تقرئين، ولا يبلغ علمي فيه أن لذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السهم كله من الخمس يجري بجماعته عليهم.

قالت: أفلك هو ولقرابتك؟ قال: لا، وأنت عندي أمينة مصدقة؛ فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليك في ذلك عهدا، ووعدك موعدا أوجبه لكم حقا - صدقتك، وسلمته إليك!

قالت: لا، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه في ذلك قال: أبشروا آل محمد؛ فقد جاءكم الغنى! فقال أبو بكر: صدقت، فلك الغنى! ولم يبلغ علمي فيه ولا بهذه الآية أن يسلم هذا السهم كله كاملا، ولكن لكم الغنى الذي يغنيكم، ويفضل عنكم. فانظري هل يوافقك على ذلك أحد منهم؟ فانصرفت إلى عمر فذكرت له كما ذكرت لأبي بكر، فقال لها مثل الذي راجعها به أبو بكر. فعجبت، وظنت أنهما قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه.

وبالإسناد إلى محمد بن عبد الله، من دون ذكر الوليد بن مسلم - قال: حدثني الزهري قال: حدثني من سمع ابن عباس يقول: كان عمر عرض علينا أن يعطينا من الفيء بحق ما يرى أنه لنا من الحق، فرغبنا عن ذلك وقلنا: لنا ما سمى الله من حق ذي القربى، وهو خمس الخمس. فقال عمر: ليس لكم ما تدعون لكم حق، إنما جعل الله الخمس لأصناف سماهم، فأسعدهم فيه حظا أشدهم فاقة وأكثرهم عيالا! قال: فكان عمر يعطي من قبل منا من الخمس والفيء نحو ما يرى أنه لنا، فأخذ ذلك منا ناس وتركه ناس.

وذكر الزهري أن مالك بن أوس بن الحدثان النصري قال: كنت عند عمر رضي الله عنه، فقال لي: يا مالك، إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات، وقد أمرت فيهم برضخ فاقسمه بينهم. قلت: لو أمرت به غيري! قال: اقبضه أيها المرء! قال: وأتاه حاجبه يرفأ، فقال: هل لك في عثمان،

ص: 18

والزبير، وعبد الرحمن، وسعد - يستأذنون؟ قال: نعم، فدخلوا وسلموا وجلسوا. ثم لبث يرفأ قليلا، ثم قال لعمر: هل لك في علي والعباس؟ قال: نعم. فلما دخلا سلما فجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا الظالم الفاجر الغادر الخائن! فاستبا.

فقال عثمان وغيره: يا أمير المؤمنين، اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر! فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقة؟ قالا: قد قال ذلك؟ قال: فإني أحدثكم عن هذا الأمر: إن الله كان قد خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره، فقال تعالى:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}

فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يجعل ما بقي مجعل مال الله.

أنشدكم بالله، هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. ثم توفى الله نبيه، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبضها وعمل فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وأنتما تزعمان أن أبا بكر فيها كاذب فاجر غادر، والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد.

ثم توفاه الله، فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بعمله، وأنتم حينئذ. وأقبل علي علي وعباس يزعمون أني فيها كاذب فاجر غادر، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق.

ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، فجئتني تسألني عن نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا يسألني عن نصيب امرأته من أبيها - فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقة.

فلما بدا لي أن أدفعها إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما عمل فيها أبو بكر، وإلا فلا تكلماني! فقلتما: ادفعها إلينا بذلك! فدفعتها إليكما.

أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم. فأقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله، هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم. قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك! فوالذي بإذنه تقوم

ص: 19

السماء والأرض لا أقضي فيها غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي أكفيكماها.

قال الزهري: وحدثني الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والذي نفسي بيده، لا يقتسم ورثتي شيئا مما تركت، ما تركنا صدقة. فكانت هذه الصدقة بيد علي غلب عليها العباس، وكانت فيها خصومتهما، فأبى عمر أن يقسمها بينهما حتى أعرض عنها عباس غلبه عليها علي.

ثم كانت على يدي الحسن، ثم كانت بيد الحسين، ثم بيد علي بن الحسين والحسن بن الحسن، كلاهما يتداولانها، ثم بيد زيد، وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا.

‌خبر الردة

لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالنواحي ارتد طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام، ومنعوا الزكاة - فنهض أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقتالهم، فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم. فقال: والله، لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها!

فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، وقد قال: إلا بحقها!

قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق.

فعن عروة وغيره قال: فخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار حتى بلغ نقعا حذاء نجد، وهربت الأعراب بذراريهم، فكلم الناس أبا بكر

ص: 20

وقالوا: ارجع إلى المدينة وإلى الذرية والنساء، وأمر رجلا على الجيش، ولم يزالوا به حتى رجع وأمر خالد بن الوليد، وقال له: إذا أسلموا وأعطوا الصدقة فمن شاء منكم فليرجع. ورجع أبو بكر إلى المدينة.

وقال غيره: كان مسيره في جمادى الآخرة فبلغ ذا القصة، وهي على بريدين وأميال من ناحية طريق العراق، واستخلف على المدينة سنانا الضمري، وعلى حفظ أنقاب المدينة عبد الله بن مسعود.

وقال ابن لهيعة: أخبرنا أسامة بن زيد عن الزهري، عن حنظلة بن علي الليثي - أن أبا بكر بعث خالدا، وأمره أن يقاتل الناس على خمس، من ترك واحدة منهن قاتله كما يقاتل من ترك الخمس جميعا: على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان.

وقال عروة عن عائشة: لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها، اشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها من الإسلام.

وعن يزيد بن رومان أن الناس قالوا له: إنك لا تصنع بالمسير بنفسك شيئا، ولا تدري لمن تقصد، فأمر من تثق به وارجع إلى المدينة؛ فإنك تركت بها النفاق يغلي. فعقد لخالد على الناس، وأمر على الأنصار خاصة ثابت بن قيس بن شماس، وأمر خالدا أن يصمد لطليحة الأسدي.

وعن الزهري قال: سار خالد بن الوليد من ذي القصة في ألفين وسبعمائة إلى ثلاثة آلاف يريد طليحة، ووجه عكاشة بن محصن الأسدي حليف بني عبد شمس وثابت بن أقرم الأنصاري رضي الله عنهما فانتهوا إلى

ص: 21

قطن، فصادفوا فيها حبالا متوجها إلى طليحة بثقله، فقتلوه وأخذوا ما معه، فساق وراءهم طليحة وأخوه سلمة فقتلا عكاشة وثابتا.

وقال الوليد الموقري عن الزهري قال: فسار خالد فقاتل طليحة الكذاب فهزمه الله، وكان قد تابع عيينة بن حصن. فلما رأى طليحة كثرة انهزام أصحابه قال: ما يهزمكم؟ فقال رجل: أنا أحدثك، ليس منا رجل إلا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله، وإنا نلقى قوما كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه. وكان طليحة رجلا شديد البأس في القتال، فقتل طليحة يومئذ عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم.

وقال طليحة: عشية غادرت ابن أقرم ثاويا وعكاشة الغنمي تحت مجالي أقمت لهم صدر الحمالة إنها معاودة قبل الكماة نزالي فيوما تراها في الجلال مصونة ويوما تراها في ظلال عوال فما ظنكم بالقوم إذ تقتلونهم أليسوا وإن لم يسلموا برجال فإن يك ذا ود أصبن ونسوة فلم ترهبوا فرغا بقتل حبال فلما غلب الحق طليحة ترجل. ثم أسلم وأهل بعمرة، فركب يسير في الناس آمنا، حتى مر بأبي بكر بالمدينة، ثم سار إلى مكة فقضى عمرته، ثم حسن إسلامه.

وفي غير هذه الرواية أن خالدا لقي طليحة ببزاخة، ومع طليحة عيينة بن حصن، وقرة بن هبيرة القشيري، فاقتتلوا قتالا شديدا. ثم هرب طليحة وأسر عيينة وقرة، وبعث بهما إلى أبي بكر فحقن دماءهما.

وذكر أن قيس بن مكشوح أحد من قتل الأسود العنسي ارتد. وتابعه جماعة من أصحاب الأسود، وخافه أهل صنعاء. وأتى قيس إلى فيروز الديلمي وذادويه يستشيرهما في شأن أصحاب الأسود خديعة منه، فاطمأنا إليه، وصنع لهما من الغد طعاما، فأتاه ذادويه فقتله. ثم أتاه فيروز ففطن

ص: 22

بالأمر فهرب.

ولقيه جشيش بن شهر، ومضى معه إلى جبال خولان. وملك قيس صنعاء، فكتب فيروز إلى أبي بكر يستمده، فأمده. فلقوا قيسا فهزموه، ثم أسروه وحملوه إلى أبي بكر رضي الله عنه فوبخه، فأنكر الردة، فعفا عنه أبو بكر.

وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة قال: فسار خالد وكان سيفا من سيوف الله، فأسرع السير حتى نزل ببزاخة. وبعثت إليه طيء: إن شئت أن تقدم علينا فإنا سامعون مطيعون، وإن شئت نسير إليك؟ قال خالد: بل أنا ظاعن إليكم إن شاء الله.

فلم يزل ببزاخة، وجمع له هناك العدو بنو أسد وغطفان فاقتتلوا، حتى قتل من العدو خلق وأسر منهم أسارى. فأمر خالد بالحظر أن تبنى، ثم أوقد فيها النيران وألقى الأسارى فيها. ثم ظعن يريد طيئا، فأقبلت بنو عامر وغطفان والناس مسلمين مقرين بأداء الحق، فقبل منهم خالد.

وقتل في ذلك الوجه مالك بن نويرة التميمي في رجال معه من تميم، فقالت الأنصار: نحن راجعون، قد أقرت العرب بالذي كان عليها، فقال خالد ومن معه من المهاجرين: قد لعمري آذن لكم! وقد أجمع أميركم بالمسير إلى مسيلمة بن ثمامة الكذاب، ولا نرى أن تفرقوا على هذه الحال؛ فإن ذلك غير حسن، وإنه لا حجة لأحد منكم فارق أميره وهو أشد ما كان إليه حاجة.

فأبت الأنصار إلا الرجوع، وعزم خالد ومن معه. وتخلفت الأنصار يوما أو يومين ينظرون في أمرهم، وندموا وقالوا: ما لكم والله عذر عند الله ولا عند أبي بكر إن أصيب هذا الطرف وقد خذلناهم! فأسرعوا نحو خالد ولحقوا به، فسار إلى اليمامة.

وكان مجاعة بن مرارة سيد بني حنيفة خرج في ثلاثة وعشرين فارسا يطلب دما في بني عامر، فأحاط بهم المسلمون، فقتل أصحاب مجاعة وأوثقه.

وقال العطاف بن خالد: حدثني أخي عبد الله عن بعض آل عدي، عن وحشي قال: خرجنا حتى أتينا طليحة فهزمهم الله، فقال خالد: لا أرجع

ص: 23

حتى آتي مسيلمة حتى يحكم الله بيننا وبينهم! فقال له ثابت بن قيس: إنما بعثنا إلى هؤلاء، وقد كفى الله مؤونتهم، فلم يقبل منه. وسار، ثم تبعه ثابت بعد يوم في الأنصار.

‌مقتل مالك بن نويرة التميمي الحنظلي اليربوعي

قال ابن إسحاق: أتي خالد بن الوليد بمالك بن نويرة في رهط من قومه بني حنظلة، فضرب أعناقهم، وسار في أرض تميم. فلما غشوا قوما منهم أخذوا السلاح وقالوا: نحن مسلمون، فقيل لهم: ضعوا السلاح. فوضعوه، ثم صلى المسلمون وصلوا.

فروى سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قدم أبو قتادة الأنصاري على أبي بكر فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه، فجزع لذلك، ثم ودى مالكا ورد السبي والمال.

وروي أن مالكا كان فارسا شجاعا مطاعا في قومه وفيه خيلاء، كان يقال له: الجفول. قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم، فولاه صدقة قومه، ثم ارتد. فلما نازله خالد قال: أنا آتي بالصلاة دون الزكاة، فقال: أما علمت أن الصلاة والزكاة معا، لا تقبل واحدة دون الأخرى؟! فقال: قد كان صاحبك يقول ذلك. قال خالد: وما تراه لك صاحبا؟ والله لقد هممت أن أضرب عنقك.

ثم تحاورا طويلا فصمم على قتله. فكلمه أبو قتادة الأنصاري وابن عمر، فكره كلامهما، وقال لضرار بن الأزور: اضرب عنقه. فالتفت مالك إلى زوجته وقال: هذه التي قتلتني، وكانت في غاية الجمال! قال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام! فقال: أنا على الإسلام! فقال: اضرب عنقه.

فضرب عنقه، وجعل رأسه أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام. ثم

ص: 24

تزوج خالد بالمرأة، فقال أبو زهير السعدي من أبيات: قضى خالد بغيا عليه لعرسه وكان له فيها هوى قبل ذلكا وذكر ابن الأثير في كامله وفي معرفة الصحابة، قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب، وظهرت سجاح، وادعت النبوة - صالحها مالك، ولم تظهر منه ردة، وأقام بالبطاح. فلما فرغ خالد من أسد وغطفان سار إلى مالك وبث سرايا، فأتي بمالك. فذكر الحديث، وفيه: فلما قدم خالد قال عمر: يا عدو الله، قتلت امرأ مسلما، ثم نزوت على امرأته، لأرجمنك! وفيه أن أبا قتادة شهد أنهم أذنوا وصلوا.

وقال الموقري عن الزهري قال: وبعث خالد إلى مالك بن نويرة سرية فيهم أبو قتادة، فساروا يومهم سراعا حتى انتهوا إلى محلة الحي، فخرج مالك في رهطه فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المسلمون. فزعم أبو قتادة أنه قال: وأنا عبد الله المسلم! قال: فضع السلاح، فوضعه في اثني عشر رجلا. فلما وضعوا السلاح ربطهم أمير تلك السرية، وانطلق بهم أسارى. وسار معهم السبي حتى أتوا بهم خالدا.

فحدث أبو قتادة خالدا أن لهم أمانا، وأنهم قد ادعوا إسلاما. وخالف أبا قتادة جماعة السرية فأخبروا خالدا أنه لم يكن لهم أمان، وإنما أسروا قسرا، فأمر بهم خالد فقتلوا وقبض

ص: 25

سبيهم.

فركب أبو قتادة فرسه، وسار قبل أبي بكر. فلما قدم عليه قال: تعلم أنه كان لمالك بن نويرة عهد، وأنه ادعى إسلاما، وإني نهيت خالدا فترك قولي وأخذ بشهادات الأعراب الذين يريدون الغنائم! فقام عمر، فقال: يا أبا بكر، إن في سيف خالد رهقا، وإن هذا لم يكن حقا، فإن حقا عليك أن تقيده! فسكت أبو بكر.

ومضى خالد قبل اليمامة، وقدم متمم بن نويرة، فأنشد أبا بكر مندبة ندب بها أخاه، وناشده في دم أخيه وفي سبيهم - فرد إليه أبو بكر السبي، وقال لعمر وهو يناشد في القود: ليس على خالد ما تقول، هبه تأول فأخطأ.

قلت: ومن المندبة: وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا وقال الثوري عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: لما قدم وفد بزاخة أسد وغطفان على أبي بكر يسألونه الصلح خيرهم أبو بكر بين حرب مجلية أو خطة مخزية، فقالوا: يا خليفة رسول الله، أما الحرب فقد عرفناها، فما الخطة المخزية؟ قال: يؤخذ منكم الحلقة والكراع، وتتركون أقواما تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه والمؤمنين أمرا يعذرونكم به، وتؤدون ما أصبتم منا ولا نؤدي ما أصبنا منكم، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وأن قتلاكم في النار، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم!

فقال عمر: أما قولك: تدون قتلانا -فإن قتلانا قتلوا على أمر الله، لا ديات لهم. فاتبع عمر، وقال عمر في الباقي: نعم ما رأيت.

ص: 26

‌قتال مسيلمة الكذاب

ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة قال: سار خالد إلى اليمامة إلى مسيلمة، وخرج مسيلمة بجموعه، فنزلوا بعفرا، فحل بها خالد عليهم، وهي طرف اليمامة. وجعلوا الأموال خلفها كلها وريف اليمامة وراء ظهورهم.

وقال شرحبيل بن سلمة: يا بني حنيفة، اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم ستردف النساء سبيات وينكحن غير حظيات، فقاتلوا عن أحسابكم!

فاقتتلوا بعفرا قتالا شديدا، فجال المسلمون جولة، ودخل ناس من بني حنيفة فسطاط خالد وفيه مجاعة أسير، وأم تميم امرأة خالد، فأرادوا أن يقتلوها، فقال مجاعة: أنا لها جار، ودفع عنها.

وقال ثابت بن قيس حين رأى المسلمين مدبرين: أف لكم ولما تعملون، وكر المسلمون فهزم الله العدو، ودخل نفر من المسلمين فسطاط خالد، فأرادوا قتل مجاعة، فقالت أم تميم: والله لا يقتل! وأجارته.

وانهزم أعداء الله حتى إذا كانوا عند حديقة الموت اقتتلوا عندها أشد القتال. وقال محكم بن الطفيل: يا بني حنيفة، ادخلوا الحديقة فإني سأمنع أدباركم، فقاتل دونهم ساعة، وقتل.

وقال مسيلمة: يا قوم، قاتلوا عن أحسابكم! فاقتتلوا قتالا شديدا، وقتل مسيلمة وحشي مولى بني نوفل.

وقال الموقري عن الزهري: قاتل خالد مسيلمة ومن معه من بني حنيفة، وهم يومئذ أكثر العرب عددا وأشده شوكة، فاستشهد خلق كثير، وهزم الله بني حنيفة، وقتل مسيلمة، قتله وحشي بحربة.

وكان يقال: قتل وحشي خير أهل الأرض بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر أهل الأرض.

وعن وحشي قال: لم أر قط أصبر على الموت من أصحاب مسيلمة، ثم ذكر أنه شارك في قتل مسيلمة.

وقال ابن عون عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: لما كان يوم اليمامة دخل ثابت بن قيس، فتحنط، ثم قام، فأتى الصف والناس منهزمون، فقال: هكذا عن وجوهنا. فضارب القوم، ثم قال: بئسما عودتم أقرانكم، ما

ص: 27

هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم! فاستشهد رضي الله عنه.

وقال الموقري عن الزهري قال: ثم تحصن من بني حنيفة من أهل اليمامة ستة آلاف مقاتل في حصنهم، فنزلوا على حكم خالد فاستحياهم.

وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة قال: وعمدت بنو حنيفة حين انهزموا إلى الحصون فدخلوها، فأراد خالد أن ينهد إليهم الكتائب، فلم يزل مجاعة حتى صالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع، وعلى نصف الرقيق وعلى حائط من كل قرية، فتقاضوا على ذلك.

وقال سلامة بن عمير الحنفي: يا بني حنيفة، قاتلوا ولا تقاضوا خالدا على شيء، فإن الحصن حصين، والطعام كثير، وقد حضر الشتاء! فقال مجاعة: لا تطيعوه؛ فإنه مشؤوم.

فأطاعوا مجاعة، وقاضاهم. ثم إن خالدا دعاهم إلى الإسلام والبراءة مما كانوا عليه، فأسلم سائرهم.

وقال ابن إسحاق: إن خالدا قال: يا بني حنيفة، ما تقولون؟ قالوا: منا نبي ومنكم نبي. فعرضهم على السيف، يعني العشرين الذين كانوا مع مجاعة بن مرارة، وأوثقه هو في الحديد. ثم التقى الجمعان، فقال زيد بن الخطاب حين كشف الناس: لا نجوت بعد الرحال، ثم قاتل حتى قتل.

وقال ابن سيرين: كانوا يرون أن أبا مريم الحنفي قتل زيدا.

وقال ابن إسحاق: رمى عبد الرحمن بن أبي بكر محكم اليمامة ابن طفيل بسهم فقتله.

قلت: واختلفوا في وقعة اليمامة متى كانت؟ فقال خليفة بن خياط، ومحمد بن جرير الطبري: كانت في سنة إحدى عشرة.

ص: 28

قال عبد الباقي بن قانع: كانت في آخر سنة إحدى عشرة.

وقال أبو معشر: كانت اليمامة في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة. فجميع من قتل يومئذ أربعمائة وخمسون رجلا.

وقال الواقدي: كانت سنة اثنتي عشرة. وكذلك قال أبو نعيم، ومعن بن عيسى، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وغيرهم.

قلت: ولعل مبدأ وقعة اليمامة كان في آخر سنة إحدى عشرة كما قال ابن قانع، ومنتهاها في أوائل سنة اثنتي عشرة، فإنها بقيت أياما لمكان الحصار. وسأعيد ذكرها والشهداء بها في أول سنة اثنتي عشرة.

‌وفاة فاطمة رضي الله عنها

وهي سيدة نساء هذه الأمة، كنيتها فيما بلغنا: أم أبيها. دخل بها علي رضي الله عنه بعد وقعة بدر، وقد استكملت خمس عشرة سنة أو أكثر.

روى عنها: ابنها الحسين، وعائشة، وأم سلمة، وأنس، وغيرهم.

وقد ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليها في مرضه.

وقالت لأنس: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ولها مناقب مشهورة، وقد جمعها أبو عبد الله الحاكم.

وكانت أصغر من زينب ورقية، وانقطع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منها؛ لأن أمامة بنت بنته زينب تزوجت بعلي، ثم بعده بالمغيرة بن نوفل، وجاءها منهما أولاد. قال الزبير بن بكار: انقرض عقب زينب.

وصح عن المسور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.

وفي فاطمة وزوجها وبنيها نزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}

ص: 29

فجللهم رسول الله بكساء وقال: اللهم، هؤلاء أهل بيتي.

وأخرج الترمذي من حديث عائشة أنها قيل لها: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة من قبل النساء، ومن الرجال زوجها، وإن كان ما علمت صواما قواما.

وفي الترمذي عن زيد أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة وابنيهما: أنا حرب لمن حاربتم، سلم لمن سالمتم.

وقد أخبرها أبوها أنها سيدة نساء هذه الأمة في مرضه كما تقدم.

وخلفت من الأولاد: الحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم. فأما زينب فتزوجها عبد الله بن جعفر، فتوفيت عنده وولدت له عونا وعليا.

وأما أم كلثوم فتزوجها عمر، فولدت له زيدا، ثم تزوجها بعد قتل عمر عون بن جعفر فمات. ثم تزوجها أخوه محمد بن جعفر، فولدت له نبتة. ثم تزوج بها أخوهما عبد الله بن جعفر، فماتت عنده. قاله الزهري.

وقال الأعمش عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: قال علي

ص: 30

لأمه: اكفي فاطمة الخدمة خارجا، وتكفيك العمل في البيت والعجن والخبز والطحن.

أبو العباس السراج قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا على بن هاشم عن كثير النواء، عن عمران بن حصين - أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة وهي مريضة، فقال لها: كيف تجدينك؟ قالت: إني وجعة، وإنه ليزيدني أني مالي طعام آكله. قال: يا بنية، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟ قالت: فأين مريم؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك. أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة. هذا حديث ضعيف، وأيضا فقد سقط بين كثير وعمران رجل.

وقال علباء بن أحمر عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم، وآسية. رواه أبو داود.

وقال أبو جعفر الرازي عن ثابت، عن أنس - مثله مرفوعا، ولفظه: خير نساء العالمين أربع.

وقال معمر عن قتادة، عن أنس يرفعه: حسبك من نساء العالمين أربع، فذكرهن. ويروى نحوه من حديث أبي هريرة وغيره.

وقال ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها كما كانت هي تصنع به، وقد شبهت عائشة مشيتها بمشية النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 31

وقد كانت وجدت على أبي بكر حين طلبت سهمها من فدك، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما تركنا صدقة.

وقال أبو حمزة السكري عن ابن أبي خالد، عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة رضي الله عنها أتاها أبو بكر فاستأذن، فقال علي: يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك! فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له. فدخل عليها يترضاها، وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله، ومرضاتكم أهل البيت! ثم ترضاها حتى رضيت.

وقال الزهري عن عروة، عن عائشة - أن فاطمة عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، ودفنت ليلا.

وقال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل عندنا. قال: وصلى عليها العباس، ونزل في حفرتها هو وعلي، والفضل بن العباس.

وقال سعيد بن عفير: ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان، وهي بنت سبع وعشرين سنة أو نحوها، ودفنت ليلا.

وقال يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث قال: مكثت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، وهي تذوب.

وقال أبو جعفر الباقر: ماتت بعد أبيها بثلاثة أشهر.

وروي عن الزهري أنه توفيت بعده بثلاثة أشهر.

وروي عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: كان بينها وبين أبيها شهران. وهذا غريب.

قلت: والصحيح أن عمرها أربع وعشرون سنة رضي الله عنها وأرضاها.

ص: 32

وقد روي عن أبي جعفر محمد بن علي أنها توفيت بنت ثمان وعشرين سنة، كان مولدها وقريش تبني الكعبة، وغسلها علي.

قال قتيبة: حدثنا محمد بن موسى عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن أمه أم جعفر. وعن عمارة بن مهاجر، عن أم جعفر - أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس: إني أستقبح ما يصنع بالنساء! يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت: يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة، فحنتها، ثم طرحت عليها ثوبا. فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله! إذا أنا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل أحد علي.

فلما توفيت جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي! فشكت إلى أبي بكر، فجاء، فوقف على الباب، فكلم أسماء، فقالت: هي أمرتني. قال: فاصنعي ما أمرتك. ثم انصرف.

قال ابن عبد البر: فهي أول من غطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة.

‌وفاة أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته

ورثها من أبيه، واسمها بركة، من كبار المهاجرات. وقد زارها أبو بكر وعمر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فبكت، فقال لها أبو بكر: أتبكين؟ ما عند الله خير لرسوله. فقالت: ما أبكي لذلك، ولكن أبكي؛ لأن الوحي انقطع عنا من السماء، فهيجتهما على البكاء!

توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر، وهي أم أسامة بن زيد.

ومن مناقب أم أيمن، قال جرير بن حازم: سمعت عثمان بن القاسم يقول: لما هاجرت أم أيمن أمست بدون الروحاء، فعطشت وليس معها ماء، فدلي عليها من السماء دلو فشربت، وكانت تقول: ما عطشت بعدها، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر فما عطشت.

وعن أبي الحويرث أن أم أيمن قالت يوم حنين: سبت الله أقدامكم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسكتي يا أم أيمن؛ فإنك عسراء اللسان!

ص: 33

وذكر الواقدي أنها بقيت إلى أول خلافة عثمان.

‌وفاة عبد الله بن أبي بكر الصديق

قيل: إنه أسلم قديما، لكن لم يسمع له بمشهد قبل، جرح يوم الطائف. رماه يومئذ بسهم أبو محجن الثقفي، فلم يزل يتألم منه، ثم اندمل الجرح، ثم إنه انتقض عليه. وتوفي في شوال سنة إحدى عشرة، ونزل في حفرته عمر، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر أخوه. ذكره محمد بن جرير وغيره.

وقيل: هو الذي كان يأتي بالطعام وبأخبار قرش إلى الغار تلك الليالي الثلاث.

‌عكاشة بن محصن الأسدي أبو محصن

من السابقين الأولين، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث سبقك بها عكاشة. وهو أيضا بدري أحدي، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على سرية الغمر فلم يلقوا كيدا.

ويروى عن أم قيس بنت محصن قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعكاشة ابن أربع وأربعين سنة. وقتل بعد ذلك بسنة ببزاخة في خلافة أبي بكر سنة اثنتي عشرة، وكان من أجمل الرجال.

كذا روي أن بزاخة سنة اثنتي عشرة، والصحيح أنها سنة إحدى عشرة، قتله طليحة الأسدي.

وقد أبلى عكاشة يوم بدر بلاء حسنا، وانكسر في يده سيف، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عرجونا أو عودا فعاد سيفا، فقاتل به، ثم

ص: 34

شهد به المشاهد.

روى عنه أبو هريرة وابن عباس.

‌ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن الجد بن العجلان

، وبنو العجلان حلفاء بني زيد بن مالك بن عوف.

شهد بدرا والمشاهد، سيره خالد بن الوليد مع عكاشة طليعة على فرسين، فقتلهما طليحة وأخوه. وذكر الواقدي أن قتلهما كان يوم بزاخة سنة اثنتي عشرة، كذا قال. وكان ثابت من سادة الأنصار.

‌الوليد بن عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي

أخو أبي عبيدة، قتلا بالبطاح مع عمهما خالد في سنة إحدى عشرة. وأبوهما هو الذي سار مع عمرو بن العاص إلى النجاشي، وقصته مشهورة. تأخرت وفاته.

ص: 35

‌سنة اثنتي عشرة

في أوائلها - على الأشهر - وقعة اليمامة، وأمير المسلمين خالد بن الوليد، ورأس الكفر مسيلمة الكذاب. فقتله الله. واستشهد خلق من الصحابة.

‌أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي

، قيل: اسمه مهشم.

أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وشهد بدرا وما بعدها، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة، فولد له بها محمد بن أبي حذيفة - الذي حرض المصريين على قتال عثمان - من سهلة بنت سهيل بن عمرو.

وعن أبي الزناد قال: دعا أبو حذيفة بن عتبة يوم بدر أباه إلى البراز، فقالت أخته هند بن عتبة وهي والدة معاوية:

الأحول الأثعل الملعون طائره أبو حذيفة شر الناس في الدين أما شكرت أبا رباك من صغر حتى شببت شبابا غير محجون قال: وكان أبو حذيفة طويلا، حسن الوجه، مرادف الأسنان، وهو الأثعل، وكان أحول، وقتل يوم اليمامة، وله ثلاث وخمسون سنة، رضي الله عنه.

‌سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة

قال موسى بن عقبة: هو سالم بن معقل، أصله من إصطخر، والى أبا حذيفة. وإنما أعتقته ثبيتة بنت يعار الأنصارية زوجة أبي حذيفة، وتبناه أبو حذيفة.

قال ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد: إن سهلة بنت سهيل بن عمرو أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي امرأة أبي حذيفة، فقالت: سالم معي، وقد أدرك ما يدرك الرجال! فقال: أرضعيه، فإذا أرضعتيه فقد حرم عليك ما

ص: 36

يحرم من ذي المحرم.

فعن أم سلمة قالت: أبى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل أحد عليهن بهذا الرضاع، وقلن: إنما هذا رخصة من رسول الله لسالم خاصة.

وعن ابن عمر قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين من مكة حتى قدم المدينة؛ لأنه كان أقرأهم.

وقال الواقدي: حدثني أفلح بن سعيد عن ابن كعب القرظي قال: كان سالم يؤم المهاجرين بقباء، فيهم عمر بن الخطاب - قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال حنظلة بن أبي سفيان، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عائشة قالت: استبطأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقال: ما حبسك؟ قلت: إن في المسجد لأحسن من سمعت صوتا بالقرآن، فأخذ رداءه وخرج يستمعه، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة. فقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك. إسناده قوي.

وقال عبد الله بن نمير عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: إن المهاجرين نزلوا بالعصبة إلى جنب قباء، فأمهم سالم مولى أبي حذيفة؛ لأنه كان أكثرهم قرآنا، فيهم عمر، وأبو سلمة بن عبد الأسد.

وعن محمد بن إبراهيم التيمي: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح.

ص: 37

وفي مسند أحمد قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد عن علي بن زيد، عن أبي رافع - أن عمر قال: من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حر من مال الله. فقال سعيد بن زيد: أما إنك لو أشرت برجل من المسلمين لائتمنك الناس! وقد فعل ذلك أبو بكر وائتمنه الناس، فقال: قد رأيت من أصحابي حرصا سيئا، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر الستة. ثم قال: لو أدركني أحد رجلين، ثم جعلت إليه الأمر لوثقت به: سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجراح.

وقال عبد الله بن عمرو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي، ومعاذ، وسالم مولى أبي حذيفة.

ومن طريق الواقدي بإسناده عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال: لما انكشف المسلمون يوم اليمامة قال سالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفر لنفسه حفرة، فقام فيها ومعه راية المهاجرين يومئذ، ثم قاتل حتى قتل شهيدا سنة اثنتي عشرة رضي الله عنه.

وقال عبيد بن أبي الجعد عن عبد الله بن شداد بن الهاد: إن سالما باع عمر ميراثه، فبلغ مائتي درهم، فأعطاها أمه فقال: كليها.

وقال غيره: وجد سالم ومولاه رأس أحدهما عند رجلي الآخر صريعين.

وقد شهد سالم بدرا والمشاهد.

‌شجاع بن وهب بن ربيعة الأسدي

، أبو وهب

مهاجري بدري. كان رجلا طوالا نحيفا أجنى. وقد هاجر إلى

ص: 38

الحبشة، يقال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أوس بن خولي. وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم على سرية أربعة وعشرين رجلا، فأصابوا نعما وشاء. وكان رسول رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر الغساني، بدمشق بالغوطة، فلم يسلم، وأسلم حاجبه مري.

وشهد شجاع بدرا والمشاهد، واستشهد باليمامة عن بضع وأربعين سنة. وكان من حلفاء بني عبد شمس.

م د:‌

‌ زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي

، أبو عبد الرحمن

كان أسن من عمر، وأسلم قبله. وكان طويلا بمرة، أسمر، شهد بدرا والمشاهد. قال له عمر يوم بدر: خذ درعي، قال: إني أريد من الشهادة كما تريد، فتركاها.

وكان له من لبابة بنت أبي لبابة بن عبد المنذر ولد اسمه عبد الرحمن. وقيل: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين زيد ومعن بن عدي العجلاني، واستشهد باليمامة.

وقد روى عاصم بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرقاءكم أرقاءكم! أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون

الحديث.

وجاء أن راية المسلمين يوم اليمامة كانت مع زيد، فلم يزل يتقدم بها في نحر العدو، ثم قاتل حتى قتل. فأخذها سالم مولى أبي حذيفة. وكان زيد يقول ويصيح: اللهم، إني أعتذر إليك من فرار أصحابي، وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة ومحكم بن الطفيل.

ص: 39

وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر عن ابن أبي عون قال: وحدثني عبد العزيز بن الماجشون - قالا: قال عمر لمتمم بن نويرة: ما أشد ما لقيت على أخيك من الحزن؟ فقال: كانت عيني هذه قد ذهبت، فبكيت بالصحيحة حتى أسعدتها الذاهبة وجرت بالدمع! فقال: إن هذا لحزن شديد. ثم قال عمر: يرحم الله زيد بن الخطاب! إني لأحسب أني لو كنت أقدر على أن أقول الشعر لبكيته كما بكيت أخاك!

فقال: لو قتل أخي يوم اليمامة كما قتل زيد ما بكيته أبدا! فأبصر عمر وتعزى عن أخيه. وكان قد حزن عليه حزنا شديدا، وكان يقول: إن الصبا لتهب فتأتيني بريح زيد. قال ابن أبي عون: ما كان عمر يقول من الشعر ولا بيتا واحدا.

وعن عمر أنه كان يقول: أسلم قبلي، واستشهد قبلي.

وقد روى عنه ابنه، وابن عمر. له عنه النهي عن قتل ذوات البيوت.

‌حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم المخزومي

له هجرة، وقيل: أسلم يوم الفتح، وهو جد سعيد بن المسيب. أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغير اسمه وقال: أنت سهل، فقال: لا أغير اسمي. قتل يوم اليمامة، وقيل: يوم بزاخة.

‌عبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود القرشي العامري

، أبو سهيل

استشهد يومئذ وله ثمان وثلاثون سنة. وكان أقبل يوم بدر مع قريش، فانحاز إلى المسلمين وشهد بدرا.

وقال الواقدي: لما حج أبو بكر لقي أباه بمكة، فعزاه به. فقال سهيل: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يشفع الشهيد لسبعين من أهله،

ص: 40

فأرجو أن يبدأ بي. وقد كان عبد الله هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى.

‌مالك بن عمرو، حليف بني غنم

مهاجري بدري، استشهد يومئذ رضي الله عنه.

‌الطفيل بن عمرو الدوسي الأزدي

كان يسمى ذا الطفيتين، أسلم بمكة ورجع إلى بلاد قومه. ثم وافى النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية، وفي الفتح. وقدم المدينة في خلافة أبي بكر، وغزا اليمامة فاستشهد هو وابنه. وكان شريفا شاعرا لبيبا.

طول ابن عبد البر ترجمة الطفيل، وساق قصة إسلامه بمكة، وفي آخر الخبر قال: فلما بعث الصديق بعثه إلى مسيلمة خرجت ومعي ابني عمرو، فرأيت كأن رأسي حلق وخرج من فمي طائر، وكأن امرأة أدخلتني فرجها، فأولتها حلق رأسي: قطعه، وأما الطائر فروحي، وأما المرأة فالأرض أدفن فيها. فاستشهد يوم اليمامة.

‌يزيد بن رقيس بن رئاب الأسدي

شهد بدرا، وقتل يوم اليمامة.

وممن استشهد يومئذ:

الحكم بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، والسائب بن عثمان بن مظعون - وهو شاب - أصابه سهم.

ويزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد الأنصاري، أخو زيد بن ثابت.

ص: 41

ومخرمة بن شريح الحضرمي، حليف بني عبد شمس. وجبير بن مالك، وأمه بحينة، وهو أخو عبد الله بن مالك، من الأزد، وهم حلفاء بني المطلب بن عبد مناف.

والسائب بن العوام بن خويلد الأسدي، أخو الزبير. ووهب بن حزن بن أبي وهب المخزومي، عم سعيد بن المسيب. وأخوه حكيم، وأخوهما عبد الرحمن بن حزن. وأبوهم، وقد ذكر.

وعامر بن البكير الليثي حليف بني عدي، وهو أحد من شهد بدرا. ومالك بن ربيعة حليف بني عبد شمس، وأبو أمية صفوان بن أمية بن عمرو، وأخوه مالك المتقدم. ويزيد بن أوس حليف بني عبد الدار.

وحبى - وقيل: معلى - بن جارية الثقفي، وحبيب بن أسيد بن جارية الثقفي، والوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي، وعبد الله بن عمرو بن بجرة العدوي، وأبو قيس بن الحارث بن قيس السهمي، وعبد الله بن الحارث بن قيس السهمي أخوه، وهما من مهاجرة الحبشة.

وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر العامري. من المهاجرين الأولين، شهد بدرا والمشاهد، كنيته أبو محمد. وعاش إحدى وأربعين سنة. ومن ذريته نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة.

وعمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح العامري،

ص: 42

وسليط بن سليط بن عمرو العامري، وربيعة بن أبي خرشة العامري، وعبد الله بن الحارث بن رحضة من بني عامر.

والسائب بن عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وأمه خولة بنت حكيم السلمية بنت ضعيفة بنت العاص بن أمية بن عبد شمس. هاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة.

قيل: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين حارثة بن سراقة الأنصاري، واستشهد حارثة ببدر، وكان السائب من الرماة المذكورين، شهد بدرا على الصحيح، أصابه يوم اليمامة سهم فمات منه.

واستشهد من الأنصار:

عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأوسي البدري، أبو الربيع. من فضلاء الصحابة، عاش خمسا وأربعين سنة، وهو الذي أضاءت عصاه ليلة حين انقلب إلى منزله، وكان قد سمر عند النبي صلى الله عليه وسلم.

أسلم عباد على يد مصعب بن عمير، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف.

واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات مزينة وبني سليم، وعلى حرسه بتبوك. وأبلى يوم اليمامة بلاء حسنا، وكان من الشجعان.

وعن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر. رواه ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه، عن عائشة.

روي عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة قالت: تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فسمع صوت عباد بن بشر، فقال: يا عائشة، هذا صوت عباد؟ قلت: نعم، قال: اللهم، اغفر له.

قلت: روي حديث لعباد قاله حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن حصين بن عبد الرحمن بن عبد الله الخطمي، عن عبد الرحمن بن ثابت

ص: 43

الأنصاري عنه مرفوعا: يا معشر الأنصار، أنتم الشعار والناس الدثار.

قال ابن المديني: لا أحفظ لعباد غيره.

معن بن عدي بن الجد بن العجلان الأنصاري، أحد حلفاء بني مالك بن عوف، وهو أحد من شهد العقبة وبدرا، وكان يكتب العربية قبل الإسلام، وله عقب اليوم. قاله ابن سعد.

وقال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس - أن معن بن عدي أحد اللذين لقيا أبا بكر وعمر، وهما يريدان سقيفة بني ساعدة، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، واقضوا أمركم.

وقال عروة: بلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ليتنا متنا قبله؛ نخشى أن نفتتن بعده! فقال معن: لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما أصدقه حيا! فقتل يوم مسيلمة.

عبد الله بن عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم - الذي يقال له: الحبلى؛ لعظم بطنه - بن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصاري، المعروف بابن سلول. وهي أم أبي بن مالك، وكانت خزاعية. وأبوه المنافق المشهور.

كان عبد الله من فضلاء الصحابة، وكان اسمه الحباب، وبه كان يكنى أبوه. فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله. شهد بدرا وما بعدها.

وذكر ابن منده أن أنفه أصيبت يوم أحد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب.

وروي عن عائشة عن عبد الله بن عبد الله قال: ندرت ثنيتي، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أتخذ ثنية من ذهب. وهذا أثبت من قول ابن منده. استشهد يوم اليمامة رحمه الله.

خ د: ثابت بن قيس بن شماسالأنصاري، من بني الحارث بن

ص: 44

الخزرج. لم يشهد بدرا، وكان أمير الأنصار في قتال أهل الردة كما ذكرنا.

قال ابن إسحاق: قال ثابت بن قيس: بئسما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين! ثم قاتل حتى قتل، وزحف المسلمون حتى ألجؤوهم إلى الحديقة وفيها مسيلمة عدو الله، فقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين، ألقوني عليهم، فاحتمل حتى إذا أشرف على الجدار اقتحم إليهم فقاتلهم حتى فتح الحديقة للمسلمين.

أبو دجانة سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد الساعدي.

كانت عليه يوم بدر عصابة حمراء. قيل: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عتبة بن غزوان.

وقال الواقدي: وثبت أبو دجانة يوم أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه على الموت، وهو ممن شرك في قتل مسيلمة، وقتل يومئذ.

وقال ابن سعد: لأبي دجانة عقب بالمدينة وبغداد إلى اليوم.

وقال زيد بن أسلم: دُخل على أبي دُجانة وهو مريض - وكان وجهه يتهلل - فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما.

وقال ثابت عن أنس أن أبا دجانة رمى بنفسه إلى داخل الحديقة، فانكسرت رجله، فقاتل وهو مكسور الرجل حتى قتل.

عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان، من بني مالك بن النجار، وهو أخو عمرو بن حزم.

شهد عمارة العقبة وبدرا، وكانت معه راية بني مالك بن النجار يوم الفتح، ولم يعقب.

عقبة بن عامر بن نابئ بن زيد بن حرام السلمي.

شهد العقبة الأولى، ويجعل في الستة النفر الذين أسلموا بمكة أول الأنصار، وشهد بدرا والمشاهد، وليس له عقب.

ص: 45

ثابت بن هزال، من بني سالم بن عوف. شهد بدرا في قول جماعة، وقتل يومئذ.

أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة، من بني جحجبا، اسمه: عبد الرحمن. شهد بدرا والمشاهد كلها، وكان من سادة الأنصار. أصابه سهم يوم اليمامة فنزعه، وتحزم وأخذ السيف وقاتل حتى قتل، فوجد به جراحات كثيرة.

وممن استشهد يومئذ من الأنصار:

عبد الله بن عتيك، ورافع بن سهل، وحاجب بن يزيد الأشهلي، وسهل بن عدي، ومالك بن أوس بن عتيك، وعمير بن أوس أخوه، وطلحة بن عتبة من بني جحجبا، ورباح مولى الحارث، ومعبد بن عدي العجلاني بخلف.

واستشهد من الأنصار يومئذ:

جرو بن مالك بن عامر الأنصاري من بني جحجبا، وقيل: جزء بالزاي. وودقة بن إياس بن عمرو الخزرجي الأنصاري أحد من شهد بدرا، وجرول بن العباس، وعامر بن ثابت، وبشر بن عبد الله الخزرجي، وكليب بن تميم، وعبد الله بن عتبان، وإياس بن وديعة، وأسيد بن يربوع، وسعد بن حارثة، وسهل بن حمان، ومخاشن من حمير. وسلمة بن مسعود، وقيل: مسعود بن سنان.

وضمرة بن عياض، وعبد الله بن أنيس، وأبو حبة بن غزية المازني، وحبيب بن زيد، وحبيب بن عمرو بن محصن، وثابت بن خالد، وفروة بن النعمان، وعائذ بن ماعص.

ص: 46

قال خليفة: فجميع من استشهد من المهاجرين والأنصار ثمانية وخمسون رجلا، يعني يوم اليمامة.

وقيل: إن مسيلمة لعنه الله قتل عن مائة وخمسين سنة، وكان قد ادعى النبوة وتسمى برحمان اليمامة فيما قيل قبل أن يولد عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم، وقرآن مسيلمة ضحكة للسامعين.

‌وقعة جواثا

بعث الصديق رضي الله عنه العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وكانوا قد ارتدوا إلا نفرا ثبتوا مع الجارود، فالتقوا بجواثا فهزمهم الله.

قال ابن إسحاق: حاصرهم العلاء بجواثا حتى كاد المسلمون يهلكون من الجهد، ثم إنهم سكروا ليلة في حصنهم، فبيتهم العلاء، فقيل: إن عبد الله بن عبد الله بن أبي استشهد يوم جواثا لا يوم اليمامة، شهد بدرا.

وفيها بعث الصديق عكرمة بن أبي جهل إلى عمان وكانوا ارتدوا، وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى أهل النجير وكانوا ارتدوا، وبعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى طائفة من المرتدة.

فقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن زيادا بيتهم فقتل ملوكا أربعة: جمدا، ومخوصا، ومشرحا، وأبضعة.

وفيها أقام الحج أبو بكر للناس.

‌أبو العاص بن الربيع

، اسم أبي العاص لقيط بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، وقيل: ابن الربيع بن ربيعة، بدل عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف العبشمي.

ص: 47

زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن خالتها هالة بنت خويلد بن أسد. فولدت من أبي العاص عليا ومات صغيرا، وأمامة وهي التي حملها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة. وقد تزوج علي أمامة بعد موت خالتها فاطمة.

وكان أبو العاص يسمى جرو البطحاء، أسلم قبل الحديبية بخمسة أشهر، ثم رجع إلى مكة.

وقال المسور بن مخرمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى على أبي العاص في مصاهرته، وقال: حدثني فصدقني، ووعدني فوفاني.

قلت: كان وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم زوجته، فوفى بذلك وفارقها مع حبه لها. وكان من تجار قريش وأمنائهم، وقد تقدم من شأنه بعد بدر. توفي في ذي الحجة، وأوصى إلى الزبير.

ع:‌

‌ الصعب بن جثامة الليثي الحجازي

كان ينزل ودان، وهو الذي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش.

روى عنه حديثه ابن عباس. توفي في إمرة أبي بكر.

م د ت ن:‌

‌ أبو مرثد الغنوي

، اسمه كناز بن الحصين، حليف حمزة بن عبد المطلب.

شهد بدرا والمشاهد، وابنه مرثد بدري أيضا. ولابن ابنه أنيس بن مرثد صحبة.

روى عن أبي مرثد واثلة بن الأسقع حديث لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها.

وفيها: بعد فراغ قتال أهل الردة بعث أبو بكر الصديق خالد بن الوليد إلى أرض البصرة، وكانت تسمى أرض الهند، فسار خالد بمن معه من اليمامة إلى أرض البصرة، فغزا الأبلة فافتتحها، ودخل ميسان فغنم وسبى من

ص: 48

القرى، ثم سار نحو السواد، فأخذ على أرض كسكر وزندورد بعد أن استخلف على البصرة قطبة بن قتادة السدوسي.

وصالح خالد أهل ألليس على ألف دينار في شهر رجب من السنة. ثم افتتح نهر الملك، وصالحه ابن بقيلة صاحب الحيرة على تسعين ألفا، ثم سار نحو أهل الأنبار فصالحوه.

ثم حاصر عين التمر ونزلوا على حكمه، فقتل وسبى.

وقتل من المسلمين بعين التمر بشير بن سعد بن ثعلبة أبو النعمان الأنصاري الخزرجي، وكان من كبار الأنصار. شهد بدرا والعقبة، وقيل: إنه أول من أسلم من الأنصار رضي الله عنه.

وفيها لما استحر القتل بقراء القرآن يوم اليمامة أمر أبو بكر بكتابة القرآن زيد بن ثابت، فأخذ يتتبعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى جمعه زيد في صحف.

قال محمد بن جرير الطبري: ولما فرغ خالد من فتوح مدائن كسرى التي بالعراق صلحا وحربا خرج لخمس بقين من ذي القعدة مكتتما بحجته، ومعه جماعة يعتسف البلاد حتى أتى مكة. فتأتى له من ذلك ما لم يتأت لدليل، فسار طريقا من طرق الحيرة لم ير قط أعجب منه ولا أصعب، فكانت غيبته عن الجند يسيرة. فلم يعلم بحجه أحد إلا من أفضى إليه بذلك. فلما علم أبو بكر بحجه عتبه وعنفه وعاقبه بأن صرفه إلى الشام.

ص: 49

فلما وافاه كتاب أبي بكر عند منصرفه من حجه بالحيرة يأمره بانصرافه إلى الشام حتى يأتي من بها من جموع المسلمين باليرموك، ويقول له: إياك أن تعود لمثلها.

قلت: وإنما جاء الكتاب بأن يسير إلى الشام في أوائل سنة ثلاث عشرة.

قلت: سار خالد بجيشه من العراق إلى الشام في البرية، وكادوا يهلكون عطشا.

قال الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر أن اكتب إلى خالد بن الوليد يسير بمن معه إلى عمرو بن العاص مددا له. فلما أتى كتاب أبي بكر خالدا قال: هذا عمل عمر؛ حسدني على فتح العراق، وأن يكون على يدي، فأحب أن يجعلني مددا لعمرو؛ فإن كان فتح كان ذكره له دوني.

ص: 50

‌سنة ثلاث عشرة

قال ابن إسحاق: لما قفل أبو بكر رضي الله عنه عن الحج بعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، ويزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، وأمرهم أن يسلكوا على البلقاء.

وروى ابن جرير قال: قالوا: لما وجه أبو بكر الجنود إلى الشام أول سنة ثلاث عشرة، فأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاص، ثم عزله قبل أن يسير خالد، وقيل: بل عزله بعد أشهر من مسيره. وكتب إلى خالد فسار إلى الشام، فأغار على غسان بمرج راهط، ثم سار فنزل على قناة بصرى، وقدم أبو عبيدة وصاحباه فصالحوا أهل بصرى، فكانت أول ما فتح من مدائن الشام. وصالح خالد في وجهه ذلك أهل تدمر.

قال ابن إسحاق: ثم ساروا جميعا قبل فلسطين، فالتقوا بأجنادين بين الرملة وبيت جبرين، والأمراء كل على جنده، وقيل: إن عمرا كان عليهم جميعا. وعلى الروم القيقلان فقتل، وانهزم المشركون يوم السبت لثلاث من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة.

فاستشهد نعيم بن عبد الله بن النحام، وهشام بن العاص، والفضل بن العباس، وأبان بن سعيد.

وقال الواقدي: الثبت عندنا أن أجنادين كانت في جمادى الأولى، وبشر بها أبو بكر وهو بآخر رمق.

وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة، قال: قتل من المسلمين يوم أجنادين عمرو وأبان وخالد بنو سعيد بن العاص بن أمية، والطفيل بن عمرو وعبد الله بن عمرو الدوسيان، وضرار بن الأزور، وعكرمة بن أبي جهل بن هشام، وسلمة بن هشام بن المغيرة عم عكرمة، وهبار بن

ص: 51

سفيان المخزومي.

ونعيم بن النحام وصخر بن نصر العدويان، وهشام بن العاص السهمي، وتميم وسعيد ابنا الحارث بن قيس.

وقال محمد بن سعد: قتل يومئذ طليب بن عمير، وأمه أروى هي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن أبي الحويرث قال: برز يوم أجنادين بطريق، فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنه، فقتله عبد الله. ثم برز بطريق آخر فقتله عبد الله بعد محاربة طويلة. فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز، فقال: والله ما أجدني أصبر، فلما اختلطت السيوف وجد مقتولا.

قال الواقدي: عاش ثلاثين سنة، ولا نعلمه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه كان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين.

وقال ابن جرير: قتل يوم أجنادين: الحارث بن أوس بن عتيك، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري. كذا قال ابن جرير.

‌وقعة مرج الصفر

قال خليفة: كانت لاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى، والأمير خالد بن الوليد. قال ابن إسحاق: وعلى المشركين يومئذ قلقط، وقتل من المشركين مقتلة عظيمة وانهزموا.

وروى خليفة عن الوليد بن هشام، عن أبيه قال: استشهد يوم مرج الصفر خالد بن سعيد بن العاص، ويقال: أخوه عمرو قتل أيضا، والفضل بن العباس، وعكرمة بن أبي جهل، وأبان بن سعيد يومئذ بخلف.

ص: 52

وقال غيره: قتل يومئذ نميلة بن عثمان الليثي، وسعد بن سلامة الأشهلي، وسلم بن أسلم الأشهلي.

وقيل: إن وقعة مرج الصفر كانت في أول سنة أربع عشرة، والأول أصح.

وقال سعيد بن عبد العزيز: التقوا على النهر عند الطاحونة، فقتلت الروم يومئذ حتى جرى النهر وطحنت طاحونتها بدمائهم فأنزل النصر.

وقتلت يومئذ أم حكيم سبعة من الروم بعمود فسطاطها، وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل، ثم تزوجها خالد بن سعيد بن العاص.

قال محمد بن شعيب: فلم يقم معها إلا سبعة أيام عند قنطرة أم حكيم بالصفر، وهي بنت الحارث بن هشام المخزومي، ثم تزوجها فيما قيل عمر.

‌وقعة فحل

قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: كانت وقعة فحل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة.

وعن عبد الله بن عمرو قال: شهدنا أجنادين ونحن يومئذ عشرون ألفا، وعلينا عمرو بن العاص، فهزمهم الله. ففاءت فئة إلى فحل في خلافة عمر، فسار إليهم عمرو في الجيش فنفاهم عن فحل.

وفيها توفي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق لثمان بقين من جمادى الآخرة، وعهد بالأمر بعده إلى عمر، وكتب له بذلك كتابا.

فأول ما فعل عمر عزل خالد بن الوليد عن إمرة أمراء الشام، وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وكتب إليه بعهده. ثم بعث جيشا من المدينة إلى العراق أمر عليهم أبا عبيد بن مسعود الثقفي والد المختار الكذاب، وكان أبو عبيد من فضلاء الصحابة، فالتقى مع أهل العراق كما سيأتي.

ص: 53

‌المتوفون على الحروف في هذه السنة

‌أبان بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي

، أبو الوليد ابن أبي أحيحة.

له صحبة، وكان يتجر إلى الشام، وتأخر إسلامه. وهو الذي أجار عثمان يوم صلح الحديبية حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فتلقاه أبان هذا وهو يقول: أقبل وأسبل ولا تخف أحدا بنو سعيد أعزة البلد فلما قدم أخواه من هجرة الحبشة، خالد وعمرو، أرسلا إليه إلى مكة يدعوانه إلى الإسلام فأجابهما، وقدم المدينة مسلما. ثم خرج الإخوة الثلاثة من المدينة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر. وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم في آخر سنة تسع على البحرين، ثم استشهد يوم أجنادين على الأصح.

‌أنسة مولى رسول الله

صلى الله عليه وسلم، من مولدي السراة

روى الواقدي بإسناده عن ابن عباس أنه قتل يوم بدر، وقال الواقدي: رأيت أهل العلم يثبتون أنه لم يقتل ببدر، وأنه قد شهد أحدا، وبقي بعد ذلك زمانا.

وحدثني ابن أبي الزناد عن محمد بن يوسف قال: مات أنسة في خلافة أبي بكر، وكان يكنى أبا مسرح.

وعن الزهري أن أنسة كان يأذن الناس على النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 54

‌تميم بن الحارث بن قيس

، وأخوه سعيد.

قتلا بأجنادين وهما من بني سهم، لهما صحبة، وللحارث الذي بعدهما، وهم من مهاجرة الحبشة.

‌الحارث بن أوس بن عتيك

قتل بأجنادين، وقد أسلم قبل الهجرة.

‌خالد بن سعيد بن العاص بن أمية

، أبو سعيد الأموي

من السابقين الأولين؛ فعن أم خالد بنته قالت: كان أبي خامسا في الإسلام، وهاجر إلى أرض الحبشة، وأقام بها بضع عشرة سنة. وولدت أنا بها.

وروى إبراهيم بن عقبة عنها قالت: أبي أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم.

وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على صنعاء، وأن أبا بكر أمره على بعض الجيش في فتوح الشام. فقال موسى بن عقبة: أخبرنا أشياخنا أنه قتل مشركا ثم لبس سلبه ديباجا أو حريرا، فنظر الناس إليه وهو مع عمرو فقال: ما تنظرون! من شاء فليعمل مثل عمل خالد، ثم يلبس لباسه.

ويروى أن الذي قتل خالدا أسلم، وقال: من هذا الرجل؟ فإني رأيت له نورا ساطعا إلى السماء. وقيل: كان خالد وسيما جميلا، قتل يوم أجنادين.

‌السائب بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي

من مهاجرة الحبشة هو وإخوته، قتل يوم فحل.

‌سعد بن عبادة

، سيد الخزرج

توفي فيها في قول، ويشهد له ما قال أبو صالح السمان وابن سيرين وغيرهما: إن سعدا قسم ماله، وخرج إلى الشام فمات. وولد له بعد موته،

ص: 55

فجاء أبو بكر وعمر إلى ابنه قيس فقالا: إن سعدا يرحمه الله توفي، وإنا نرى أن تردوا على هذا الولد! فقال: ما أنا بمغير شيئا صنعه سعد، ولكن نصيبي له.

‌سلمة بن هشام بن المغيرة

، أبو هاشم المخزومي، أخو أبي جهل

كان قديم الإسلام، وهو الذي كان يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت، وكان قد رجع من الحبشة إلى مكة فحبسه أبو جهل وأجاعه، ثم انسل فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الخندق. استشهد يوم أجنادين.

‌ضرار بن الأزور الأسدي

له صحبة. كان من أبطال الأعراب وفرسانهم. مر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحلب، فقال: دع داعي اللبن! قاله الأعمش عن عبد الله بن سنان، عنه.

وقيل: إنما اسمه مالك بن أوس، وكان على ميسرة خالد بن الوليد يوم بصرى، وشهد حروبا وفتوحا كثيرة، ونزل الجزيرة ومات بها.

وأما موسى بن عقبة وعروة فذكرا أنه قتل بأجنادين.

‌طليب بن عمير بن وهب بن كبير بن عبد بن قصي القرشي

العبدي

وأمه أروى بنت عبد المطلب، من المهاجرين الأولين. يقال: شهد بدرا. قاله ابن إسحاق والواقدي والزبير. وقد هاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة.

قال الزبير بن بكار: هو أول من دمى مشركا، فقيل: إن أبا جهل سب النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ طليب لحي جمل فشج أبا جهل به.

استشهد يوم أجنادين

ص: 56

وقد شاخ.

وقد انقرض ولد عبد بن قصي بن كلاب، وآخر من بقي منهم لم يكن له من يرثه من بني عبد، فورثه عبد الصمد بن علي العباسي، وعبيد الله بن عروة بن الزبير بالقعدد إلى قصي، وهما سواء.

‌عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي

قتل يوم أجنادين، ووجدوا حوله عصبة من الروم قتلهم، ثم أثخنته الجراح فمات. وكان أحد الأبطال، فعن الواقدي قال: أول من قتل من الروم يوم أجنادين بطريق برز وهو معلم، فبرز إليه عبد الله بن الزبير فقتله، ولم يعرض لسلبه. ثم برز آخر فبرز إليه عبد الله فاقتتلا بالرمحين، ثم بالسيفين، فحمل عليه عبد الله بالسيف فضربه على عاتقه، وذكر الحديث. فلما فرغوا وجد عبد الله وحوله عشرة من الروم قتلى وهو مقتول بينهم. وعاش نحو ثلاثين سنة.

‌عبد الله بن عمرو الدوسي

استشهد بأجنادين. مجهول، وذكره ابن سعد.

‌عثمان بن طلحة الحجبي

وهم من قال: إنه قتل بأجنادين، بقي إلى بعد الأربعين.

‌عتاب بن أسيد بن أبي العيص

بن أمية الأموي أبو عبد الرحمن، أمير مكة.

أسلم يوم الفتح، فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة. أرسل عنه سعيد بن المسيب حديثا خرجوه في السنن، وأقره أبو بكر على مكة، فتوفي بها فيما قيل يوم وفاة أبي بكر الصديق، ومات شابا.

ص: 57

‌عكرمة بن أبي جهل

، أبي الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو عثمان القرشي المخزومي.

كان من رؤوس الجاهلية كأبيه، ثم أسلم وحسن إسلامه.

قال ابن أبي مليكة: كان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال: لا والذي نجاني يوم بدر.

أسلم بعد الفتح، وقدم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبا بالراكب المهاجر.

واستعمله الصديق على عمان حين ارتدوا، فقاتلهم، فأظفره الله بهم. ثم خرج إلى الشام مجاهدا، فكان أميرا على بعض الكراديس.

أرسل عنه مصعب بن سعد حديثا رواه الترمذي، وهو: مرحبا بالراكب المهاجر، فقلت: والله يا رسول الله لا أدع نفقة أنفقها عليك إلا أنفقت مثلها في سبيل الله. والحديث ضعيف السند.

ولم يعقب عكرمة.

قال الشافعي: كان عكرمة محمود البلاء في الإسلام.

قال عروة وغيره: استشهد بأجنادين.

وقال ابن سعد وخليفة: بها، وقيل: باليرموك.

وقال أبو إسحاق السبيعي: نزل عكرمة يوم اليرموك، فقاتل قتالا شديدا وقتل، فوجدوا به بضعا وسبعين ما بين ضربة ورمية وطعنة.

‌عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي

. أخو أبان وخالد أولاد أبي أحيحة.

أسلم عمرو ولحق بأخيه خالد بالحبشة، وقدم معه أيام خيبر، وشهد فتح مكة، واستشهد يوم أجنادين رضي الله عنه.

‌الفضل بن العباس

الأصح موته سنة ثماني عشرة.

ص: 58

‌نعيم بن عبد الله النحام

، أحد بني كعب بن عدي القرشي.

من المهاجرين. أسلم قبل عمر، ولم يتهيأ له هجرة إلى زمن الحديبية. وقيل: له رواية.

استشهد يوم أجنادين، وقيل: يوم اليرموك.

ويروى أنه إنما سمي النحام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم. والنحمة: السعلة، وقيل: النحنحاء الممدود آخرها.

وكان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم، فقالت قريش: أقم عندنا على أي دين شئت، فوالله لا يتعرض إليك أحد إلا ذهبت أنفسنا دونك.

ويقال: لما هاجر إلى المدينة كان معه أربعون من أهل بيته.

أرسل عنه نافع، ومحمد بن إبراهيم التيمي.

‌هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد

، أبو الأسود القرشي الأسدي.

له صحبة ورواية. روى عنه عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار مرسلا إن كان استشهد بأجنادين، وابناه عبد الملك، وأبو عبد الله.

قال ابن عيينة عن ابن أبي نجيح: إن هبار بن الأسود تناول زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعنة رمح فأسقطت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فقال: إن وجدتموه فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أحرقوه، ثم قال: سبحان الله! ما ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله!

ثم أسلم وهاجر، فقيل: إنه كان يسب ولا يسب من سبه، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من سبك سبه.

‌هبار بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي

.

قديم الإسلام، من مهاجرة الحبشة. استشهد يوم أجنادين على الأصح، ويقال: يوم مؤتة قبل ذلك، وهو ابن أخي أبي سلمة.

ص: 59

‌هشام بن العاص بن وائل

، أبو مطيع القرشي السهمي، أخو عمرو.

وكان هشام الأصغر. شهد لهما النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان فقال: ابنا العاص مؤمنان. وله عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث رواه عنه ابن أخيه عبد الله.

وقد أرسله الصديق رسولا إلى ملك الروم. وأسلم قبل عمرو، وهاجر إلى الحبشة، فلما بلغه هجرة النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة فحبسه أبوه، ثم هاجر بعد الخندق.

وجاء أنه كان يتمنى الشهادة فرزقها يوم أجنادين على الصحيح، وقيل: يوم اليرموك. وكان فارسا شجاعا مذكورا، ولم يعقب.

حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابنا العاص مؤمنان هشام وعمرو.

جرير بن حازم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال عمرو بن العاص: شهدت أنا وأخي هشام اليرموك، فبات وبت ندعو الله أن يرزقنا الشهادة. فلما أصبحنا رزقها، وحرمتها.

وقيل: إن هشام بن العاص كان يحمل فيهم فيقتل النفر منهم حتى قتل ووطئته الخيل. حتى جمع أخوه لحمه في نطع فواراه.

وعن زيد بن أسلم قال: لما بلغ عمر قتله قال: رحمه الله! فنعم العون كان للإسلام!

ع:‌

‌ أبو بكر الصديق، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم

.

اسمه عبد الله - ويقال: عتيق - بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي رضي الله عنه.

ص: 60

روى عنه خلق من الصحابة وقدماء التابعين. من آخرهم: أنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وقيس بن أبي حازم، ومرة الطيب.

قال ابن أبي مليكة وغيره: إنما كان عتيق لقبا له.

وعن عائشة قالت: اسمه الذي سماه أهله به عبد الله، ولكن غلب عليه عتيق.

وقال ابن معين: لقبه عتيق؛ لأن وجهه كان جميلا، وكذا قال الليث بن سعد.

وقال غيره: كان أعلم قريش بأنسابها.

وقيل: كان أبيض نحيفا خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب شيبه بالحناء والكتم. وكان أول من آمن من الرجال.

وقال ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عتيق.

وعن عائشة قالت: ما أسلم أبوا أحد من المهاجرين إلا أبو بكر.

وعن الزهري قال: كان أبو بكر أبيض أصفر لطيفا جعدا مسترق الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه.

وجاء أنه اتجر إلى بصرى غير مرة، وأنه أنفق أمواله على النبي صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر.

وقال عروة بن الزبير: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف دينار.

وقال عمرو بن العاص: يا رسول الله، أي الرجال أحب إليك؟ قال: أبو بكر.

ص: 61

وقال أبو سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن، ولا يحبهما منافق.

وقال الشعبي عن الحارث، عن علي: إن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر فقال: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي.

وروي نحوه من وجوه مقاربة عن زر بن حبيش، وعن عاصم بن ضمرة، وهرم - عن علي. وقال طلحة بن عمرو عن عطاء، عن ابن عباس - مثله.

وقال محمد بن كثير عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس - مثله. أخرجه الترمذي، قال: حديث حسن غريب. ثم رواه من حديث الموقري عن الزهري، ولم يصح.

قال ابن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا.

روى مثله ابن عباس، فزاد: ولكن أخي وصاحبي في الله، سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر.

ص: 62

هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن عمر - أنه قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. صححه الترمذي.

وصحح من حديث الجريري، عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت: عمر، قلت: ثم من؟ قالت: ثم أبو عبيدة، قلت: ثم من؟ فسكتت.

مالك في الموطأ عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر، فقال: إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده! فقال أبو بكر: فديناك يا رسول الله بآبائنا وأمهاتنا! قال: فعجبنا، فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا! قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا به!

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر. متفق على صحته.

وقال أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أبي المعلى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه، والأول أصح.

ص: 63

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن صاحبكم خليل الله. قال الترمذي: حديث حسن غريب.

وكذا قال في حديث كثير النواء، عن جميع بن عمير، عن ابن عمر - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: أنت صاحبي على الحوض، وصاحبي في الغار.

وروى عن القاسم، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره. تفرد به عيسى بن ميمون، عن القاسم، وهو متروك الحديث.

وقال محمد بن جبير بن مطعم: أخبرني أبي أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمته في شيء، فأمرها بأمر، فقالت: أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال: إن لم تجديني فأتي أبا بكر. متفق على صحته.

وقال أبو بكر الهذلي عن الحسن، عن علي قال: لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس، وإني لشاهد وما بي مرض. فرضينا لدنيانا من رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا.

ص: 64

وقال صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. هذا حديث صحيح.

وقال نافع بن عمر: حدثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: ادعوا لي أبا بكر وابنه فليكتب لكيلا يطمع في أمر أبي بكر طامع ولا يتمنى متمن، ثم قال: يأبى الله ذلك والمسلمون. تابعه غير واحد؛ منهم عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة، ولفظه: معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر.

وقال زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر فأم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر رضي الله عنه.

وأخرج البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني قال: سمعت أبا الدرداء يقول: كان بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضبا، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء: ونحن عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم هذا فقد غامر. قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ إني قلت: يا أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعا،

ص: 65

فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت.

وأخرج أبو داود من حديث عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني قال: حدثني أبو خالد مولى جعدة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل فأخذ بيدي، فأراني الباب الذي تدخل منه أمتي الجنة، فقال أبو بكر: وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه، قال: أما إنك أول من يدخل الجنة من أمتي. أبو خالد مولى جعدة لا يعرف إلا بهذا الحديث.

وقال إسماعيل بن سميع، عن مسلم البطين، عن أبي البختري، قال: قال عمر لأبي عبيدة: ابسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنت أمين هذه الأمة، فقال: ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنا، فأمنا حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو بكر بن عياش: أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن؛ لأن في القرآن في المهاجرين: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} فمن سماه الله صادقا لم يكذب، هم سموه وقالوا: يا خليفة رسول الله.

وقال إبراهيم بن طهمان، عن خالد الحذاء، عن حميد بن هلال قال: لما بويع أبو بكر أصبح وعلى ساعده أبراد، فقال عمر: ما هذا؟ قال: يعني لي عيال، قال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة. فانطلقنا إلى أبي عبيدة، فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين وكسوته، ولك ظهرك إلى البيت.

وقالت عائشة: لما استخلف أبو بكر ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت المال، وقال: قد كنت أتجر فيه وألتمس به، فلما وليتهم شغلوني.

ص: 66

وقال عطاء بن السائب: لما استخلف أبو بكر أصبح وعلى رقبته أثواب يتجر فيها، فلقيه عمر وأبو عبيدة فكلماه، فقال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا: انطلق حتى نفرض لك. قال: ففرضوا له كل يوم شطر شاة، وماكسوه في الرأس والبطن. وقال عمر: إلي القضاء، وقال أبو عبيدة: إلي الفيء. فقال عمر: لقد كان يأتي علي الشهر ما يختصم إلي فيه اثنان.

وعن ميمون بن مهران قال: جعلوا له ألفين وخمسمائة.

وقال محمد بن سيرين: كان أبو بكر أعبر هذه الأمة لرؤيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الزبير بن بكار، عن بعض أشياخه قال: خطباء الصحابة أبو بكر وعلي.

وقال عنبسة بن عبد الواحد: حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها كانت تدعو على من زعم أن أبا بكر قال هذه الأبيات، وقالت: والله ما قال أبو بكر شعرا في جاهلية ولا في إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية.

وقال كثير النواء، عن أبي جعفر الباقر: إن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} الآية.

وقال حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر صعد المنبر، ثم قال: ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتر، عليه ما على المفتري.

وقال أبو معاوية وجماعة: حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن عمر قال: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ذهب أبو بكر وعمر وعثمان استوى الناس، فيبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره.

ص: 67

وقال علي رضي الله عنه: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر. هذا والله العظيم قاله علي وهو متواتر عنه، لأنه قاله على منبر الكوفة، فلعن الله الرافضة ما أجهلهم.

وقال السدي، عن عبد خير، عن علي قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر؛ كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. إسناده حسن.

وقال عقيل، عن الزهري أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحد، قال: فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة.

وعن عائشة قالت: أول ما بدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل، وكان يوما باردا، فحم خمسة عشر يوما لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة، وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه. وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة. وكانت خلافته سنتين ومائة يوم.

وقال أبو معشر: سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، عن ثلاث وستين سنة.

وقال الواقدي: أخبرني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن أبي سلمة. قال: وأخبرنا بردان بن أبي النضر، عن محمد بن إبراهيم التيمي. وأخبرنا عمرو بن عبد الله، عن أبي النضر، عن عبد الله النخعي، دخل حديث بعضهم في بعض: أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، قال: وإن، فقال: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان فسأله عن عمر، فقال: علمي فيه أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله. فقال: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن الحضير، وغيرهما، فقال قائل: ما تق ل لربك إذا سألك عن

ص: 68

استخلافك عمر وقد ترى غلظته؟ فقال: أجلسوني، أبالله تخوفوني! أقول: استخلفت عليهم خير أهلك.

ثم دعا عثمان فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرا، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} وقال بعضهم في الحديث: لما أن كتب عثمان الكتاب أغمي على أبي بكر، فكتب عثمان من عنده اسم عمر، فلما أفاق أبو بكر قال: اقرأ ما كتبت، فقرأ، فلما ذكر (عمر) كبر أبو بكر وقال: أراك خفت إن افتلتت نفسي الاختلاف، فجزاك الله عن الإسلام خيرا، والله إن كنت لها أهلا.

وقال علوان بن داود البجلي، عن حميد بن عبد الرحمن، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه. وقد رواه الليث بن سعد، عن علوان، عن صالح نفسه قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه، فسلمت عليه وسألته: كيف أصبحت؟ فقال: بحمد الله بارئا، أما إني على ما ترى وجع، وجعلتم لي شغلا مع وجعي، جعلت لكم عهدا بعدي، واخترت لكم خيركم في نفسي فكلكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له.

ثم قال: أما إني لا آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتهن، وثلاث لم أفعلهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن؛ وددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الخرب، وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق عمر أو أبي عبيدة، ووددت أني كنت

ص: 69

وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة وأقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون وإلا كنت لهم مددا وردءا، ووددت أني يوم أتيت بالأشعث أسيرا ضربت عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يكون شر إلا طار إليه، ووددت أني يوم أتيت بالفجاءة السلمي لم أكن حرقته وقتلته أو أطلقته، ووددت أني حيث وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فأكون قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله. ووددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في من هذا الأمر ولا ينازعه أهله، وأني سألته هل للأنصار في هذا الأمر شيء؟ وأني كنت سألته عن العمة وبنت الأخ، فإن في نفسي منها حاجة. رواه هكذا وأطول من هذا ابن وهب عن الليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، أخرجه كذلك ابن عائذ.

وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبيه، عن جده أن عائشة قالت: حضرت أبي وهو يموت، فأخذته غشية فتمثلت:

من لا يزال دمعه مقنعا فإنه لا بد مرة مدفوق فرفع رأسه وقال: يا بنية، ليس كذلك، ولكن كما قال الله تعالى:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} وقال موسى الجهني، عن أبي بكر بن حفص بن عمر أن عائشة تمثلت لما احتضر أبو بكر:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر فقال: ليس كذاك، ولكن:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} إني قد نحلتك حائطا وإن في نفسي منه شيئا، فرديه على الميراث، قالت: نعم، قال: أما إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما، ولكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المسلمين شيء إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر، ففعلت.

وقال القاسم، عن عائشة: إن أبا بكر حين حضره الموت قال: إني لا

ص: 70

أعلم عند آل أبي بكر غير هذه اللقحة وغير هذا الغلام الصيقل، كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا، فإذا مت فادفعيه إلى عمر، فلما دفعته إلى عمر قال: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده.

وقال الزهري: أوصى أبو بكر أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، فإن لم تستطع استعانت بابنه عبد الرحمن.

وقال عبد الواحد بن أيمن وغيره، عن أبي جعفر الباقر قال: دخل علي على أبي بكر بعدما سجي فقال: ما أحد ألقى الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجى.

وعن القاسم قال: أوصى أبو بكر أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفر له، وجعل رأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأس عمر عند حقوي أبي بكر.

وقالت عائشة: مات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح.

وعن مجاهد قال: كلم أبو قحافة في ميراثه من ابنه، فقال: قد رددت ذلك على ولده، ثم لم يعش بعده إلا ستة أشهر وأياما.

وجاء أنه ورثه أبوه وزوجتاه أسماء بنت عميس وحبيبة بنت خارجة والدة أم كلثوم، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم.

ويقال: إن اليهود سمته في أرزة فمات بعد سنة، وله ثلاث وستون سنة.

‌ذكر عمال أبي بكر

قال موسى بن أنس بن مالك: إن أبا بكر استعمل أباه أنسا على البحرين.

وقال خليفة: وجه أبو بكر زياد بن لبيد على اليمن أو المهاجر بن أبي أمية، واستعمل الآخر على كذا، وأقر على الطائف عثمان بن أبي

ص: 71

العاص. ولما حج استخلف على المدينة قتادة بن النعمان. وكان كاتبه عثمان بن عفان، وحاجبه سديد مولاه، ويقال: كتب له زيد بن ثابت، وكان وزيره عمر بن الخطاب، وكان أيضا على قضائه. وكان مؤذنه سعد القرظ مولى عمار بن ياسر.

أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه سليم، من مولدي أرض دوس.

شهد بدرا والمشاهد كلها، ولما هاجر إلى المدينة نزل على سعد بن خيثمة فيما قيل، وتوفي يوم الثلاثاء صبيحة وفاة أبي بكر الصديق.

ص: 72

‌سنة أربع عشرة

فيها فتحت دمشق، وحمص، وبعلبك، والبصرة، والأبلة، ووقعة جسر أبي عبيد بأرض نجران، ووقعة فحل بالشام، في قول ابن الكلبي.

فأما دمشق فقال الوليد بن هشام، عن أبيه، عن جده، قال: كان خالد على الناس فصالح أهل دمشق، فلم يفرغ من الصلح حتى عزل وولي أبو عبيدة، فأمضى صلح خالد ولم يغير الكتاب.

وهذا غلط؛ لأن عمر عزل خالدا حين ولي. قاله خليفة بن خياط، وقال: حدثني عبد الله بن المغيرة، عن أبيه قال: صالحهم أبو عبيدة على أنصاف كنائسهم ومنازلهم وعلى رؤوسهم، وأن لا يمنعوا من أعيادهم.

وقال ابن الكلبي: كان الصلح يوم الأحد للنصف من رجب سنة أربع عشرة، صالحهم أبو عبيدة.

وقال ابن إسحاق: صالحهم أبو عبيدة في رجب.

وقال ابن جرير: سار أبو عبيدة إلى دمشق، وخالد على مقدمة الناس، وقد اجتمعت الروم على رجل يقال له: باهان بدمشق، وكان عمر عزل خالدا واستعمل أبا عبيدة على الجميع، والتقى المسلمون والروم فيما حول دمشق، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم هزم الله الروم، ودخلوا دمشق وغلقوا أبوابها، ونازلها المسلمون حتى فتحت، وأعطوا الجزية، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد، فاستحيا أبو عبيدة أن يقرئ خالدا الكتاب حتى فتحت دمشق وجرى الصلح على يدي خالد، وكتب الكتاب باسمه، فلما صالحت دمشق لحق باهان بصاحب الروم هرقل. وقيل: كان حصار دمشق أربعة أشهر.

وقال محمد بن إسحاق: إن عمر كان واجدا على خالد بن الوليد

ص: 73

لقتله ابن نويرة، فكتب إلى أبي عبيدة أن انزع عمامته وقاسمه ماله، فلما أخبره قال: ما أنا بالذي أعصي أمير المؤمنين، فاصنع ما بدا لك، فقاسمه حتى أخذ نعله الواحدة.

وقال ابن جرير: كان أول محصور بالشام أهل فحل ثم أهل دمشق، وبعث أبو عبيدة ذا الكلاع حتى كان بين دمشق وحمص ردءا، وحصروا دمشق، فكان أبو عبيدة على ناحية، ويزيد بن أبي سفيان على ناحية، وعمرو بن العاص على ناحية، وهرقل يومئذ على حمص، فحاصروا أهل دمشق نحوا من سبعين ليلة حصارا شديدا بالمجانيق، وجاءت جنود هرقل نجدة لدمشق، فشغلتها الجنود التي مع ذي الكلاع، فلما أيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم فشلوا ووهنوا.

وكان صاحب دمشق قد جاءه مولود فصنع طعاما واشتغل يومئذ، وخالد بن الوليد لا ينام ولا ينيم قد هيأ حبالا كهيئة السلالم، فلما أمسى هيأ أصحابه وتقدم هو والقعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدي وأمثالهم، وقالوا: إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا وانهدوا الباب. قال: فلما انتهى خالد ورفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشرف، وعلى ظهورهم القرب التي سبحوا بها في الخندق، وتسلق القعقاع ومذعور فلم يدعا أحبولة إلا أثبتاها في الشرف، وكان ذلك المكان أحصن مكان بدمشق، فاستوى على السور خلق من أصحابه ثم كبروا، وانحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين، وثار أهل البلد إلى مواقفهم لا يدرون ما الشأن، فتشاغل أهل كل جهة بما يليهم، وفتح خالد الباب ودخل أصحابه عنوة، وقد كان المسلمون دعوهم إلى الصلح والمشاطرة فأبوا، فلما رأوا البلاء بذلوا الصلح، فأجابهم من يليهم وقبلوا، فقالوا: ادخلوا وامنعونا من أهل ذاك الباب، فدخل أهل كل باب بصلح ما يليهم، فالتقى خالد والأمراء في وسط البلد، هذا استعراضا ونهبا، وهؤلاء صلحا، فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة. وكتب إلى عمر بالفتح.

ص: 74

وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يجهز جيشا إلى العراق نجدة لسعد بن أبي وقاص، فجهز له عشرة آلاف عليهم هاشم بن عتبة، وبقي بدمشق يزيد بن أبي سفيان في طائفة من أمداد اليمن، فبعث يزيد دحية بن خليفة الكلبي في خيل إلى تدمر، وأبا الأزهر إلى البثنية وحوران فصالحهم، وسار طائفة إلى بيسان فصالحوا.

وفيها كان سعد بن أبي وقاص فيما ورد إلينا على صدقات هوازن، فكتب إليه عمر بانتخاب ذي الرأي والنجدة ممن له سلاح أو فرس، فجاءه كتاب سعد: إني قد انتخبت لك ألف فارس، ثم قدم عليه فأمره على حرب العراق، وجهزه في أربعة آلاف مقاتل، فأبى عليه بعضهم إلا المسير إلى الشام، فجهزهم عمر إلى الشام.

ثم إن عمر أمد سعدا بعد مسيره بألفي نجدي وألفي يماني، فشتا سعد بزرود، وكان المثنى بن حارثة على المسلمين بما فتح الله من العراق، فمات من جراحته التي جرحها يوم جسر أبي عبيد، فاستخلف المثنى على الناس بشير بن الخصاصية، وسعد يومئذ بزرود، ومع بشير وفود أهل العراق. ثم سار سعد إلى العراق، وقدم عليه الأشعث بن قيس في ألف وسبعمائة من اليمانيين.

‌وقعة الجسر

كان عمر قد بعث في سنة ثلاث عشرة جيشا، عليهم أبو عبيد الثقفي رضي الله عنه، فلقي جابان في سنة ثلاث عشرة - وقيل: في أول سنة أربع عشرة - بين الحيرة والقادسية. فهزم الله المجوس، وأسر جابان، وقتل مردانشاه، ثم إن جابان فدى نفسه بغلامين وهو لا يعرف أنه المقدم، ثم سار أبو عبيد إلى كسكر فالتقى هو ونرسي فهزمه، ثم لقي جالينوس فهزمه.

ص: 75

ثم إن كسرى بعث ذا الحاجب، وعقد له على اثني عشر ألفا، ودفع إليه سلاحا عظيما، والفيل الأبيض، فبلغ أبا عبيد مسيرهم، فعبر الفرات إليهم وقطع الجسر، فنزل ذو الحاجب قس الناطف، وبينه وبين أبي عبيد الفرات، فأرسل إلى أبي عبيد: إما أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك. فقال أبو عبيد: نعبر إليكم، فعقد له ابن صلوبا الجسر وعبر، فالتقوا في مضيق في شوال. وقدم ذو الحاجب جالينوس معه الفيل، فاقتتلوا أشد قتال، وضرب أبو عبيد مشفر الفيل، وضرب أبو محجن عرقوبه.

ويقال: إن أبا عبيد لما رأى الفيل قال:

يا لك من ذي أربع ما أكبرك لأضربن بالحسام مشفرك وقال: إن قتلت فعليكم ابني جبر، فإن قتل فعليكم حبيب بن ربيعة أخو أبي محجن، فإن قتل فعليكم أخي عبد الله. فقتل جميع الأمراء، واستحر القتل في المسلمين فطلبوا الجسر، وأخذ الراية المثنى بن حارثة فحماهم في جماعة ثبتوا معه، وسبقهم إلى الجسر عبد الله بن يزيد فقطعه، وقال: قاتلوا عن دينكم، فاقتحم الناس الفرات، فغرق ناس كثير، ثم عقد المثنى الجسر وعبره الناس.

واستشهد يومئذ فيما قال خليفة ألف وثمانمائة، وقال سيف: أربعة آلاف ما بين قتيل وغريق.

وعن الشعبي قال: قتل أبو عبيد في ثمانمائة من المسلمين.

وقال غيره: بقي المثنى بن حارثة الشيباني على الناس وهو جريح إلى أن توفي، واستخلف على الناس ابن الخصاصية كما ذكرنا.

‌حمص

وقال أبو مسهر: حدثني عبد الله بن سالم قال: سار أبو عبيدة إلى حمص في اثني عشر ألفا، منهم من السكون ستة آلاف، فافتتحها.

وعن أبي عثمان الصنعاني قال: لما فتحنا دمشق خرجنا مع أبي

ص: 76

الدرداء في مسلحة برزة، ثم تقدمنا مع أبي عبيدة ففتح الله بنا حمص.

وورد أن حمص وبعلبك فتحتا صلحا في أواخر سنة أربع عشرة، وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى قسطنطينية.

وقيل: إن حمص فتحت سنة خمس عشرة.

‌البصرة

وقال علي المدائني، عن أشياخه: بعث عمر في سنة أربع عشرة شريح بن عامر أحد بني سعد بن بكر إلى البصرة، وكان ردءا للمسلمين، فسار إلى الأهواز فقتل بدارس، فبعث عمر عتبة بن غزوان المازني في السنة، فمكث أشهرا لا يغزو.

وقال خالد بن عمير العدوي: غزونا مع عتبة الأبلة فافتتحناها، ثم عبرنا إلى الفرات، ثم مر عتبة بموضع المربد، فوجد الكذان الغليظ، فقال: هذه البصرة، انزلوها باسم الله.

وقال الحسن: افتتح عتبة الأبلة فقتل من المسلمين سبعون رجلا في موضع مسجد الأبلة، ثم عبر إلى الفرات فأخذها عنوة.

وقال شعبة، عن عقيل بن طلحة، عن قبيصة قال: كنا مع عتبة بالخريبة.

وفيها أمر عتبة بن غزوان محجن بن الأدرع فخط مسجد البصرة الأعظم وبناه بالقصب، ثم خرج عتبة حاجا وخلف مجاشع بن مسعود وأمره بالغزو، وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس حتى يقدم مجاشع، فمات عتبة في الطريق.

وأقر عمر المغيرة على البصرة. وبعث جرير بن عبد الله على السواد،

ص: 77

فلقي جرير مهران، فقتل مهران، ثم بعث عمر سعدا فأمر جريرا أن يطيعه.

وفيها ولد عبد الرحمن بن أبي بكرة، وهو أول من ولد بالبصرة.

وفيها استشهد جماعة عظيمة، ومات طائفة:

أوس بن أوس بن عتيك: استشهد يوم جسر أبي عبيد، على يومين من الكوفة بينها وبين نجران.

بشير بن عنبس بن يزيد الظفري: شهد أحدا، وهو ابن عم قتادة بن النعمان، وكان يعرف بفارس الحواء وهو اسم فرسه، قتل يومئذ.

ثابت بن عتيك من بني عمرو بن مبذول: أنصاري له صحبة، قتل يومئذ.

ثعلبة بن عمرو بن محصن: قتل يوم الجسر، وهو أحد بني مالك بن النجار، وكان بدريا رضي الله عنه.

الحارث بن عتيك بن النعمان، أبو أخزم: قتل يومئذ، وهو من بني النجار، شهد أحدا، وهو أخو سهل الذي شهد بدرا.

الحارث بن مسعود بن عبدة: له صحبة، وقتل يومئذ.

الحارث بن عدي بن مالك: قتل يومئذ، وقد شهد أحدا، وكلاهما من الأنصار.

خالد بن سعيد بن العاص الأموي، قيل: استشهد يوم مرج الصفر، وأن يوم مرج الصفر كان في المحرم سنة أربع عشرة، وقد ذكر.

خزيمة بن أوس بن خزيمة الأشهلي: يوم الجسر.

ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب: ورخه ابن قانع.

زيد بن سراقة: يوم الجسر.

سعد بن سلامة بن وقش الأشهلي.

سعد بن عبادة الأنصاري، يقال: مات فيها.

سلمة بن أسلم بن حريش: يوم الجسر.

سلمة بن هشام: يوم مرج الصفر، وقد تقدم.

سليط بن قيس بن عمرو الأنصاري: يوم الجسر.

ص: 78

ضمرة بن غزية: يوم الجسر.

عبد الله، وعبد الرحمن، وعباد؛ بنو مربع بن قيظي بن عمرو: قتلوا يومئذ.

م ت ق عتبة بن غزاون بن جابر بن وهب، أبو غزوان المازني، حليف بني عبد شمس.

من السابقين الأولين، أسلم سابع سبعة في الإسلام، وهاجر إلى الحبشة، وشهد بدرا وغيرها، وكان من الرماة المذكورين. وقيل: هو حليف لبني نوفل بن عبد مناف، أمره عمر على جيش ليقاتل من بالأبلة من فارس، فسار وافتتح الأبلة. وكان طويلا جميلا، خطب بالبصرة فقال: إن الدنيا قد ولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء. وقال في خطبة: لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى قرحت أشداقنا. روى عنه: خالد بن عمير، وقبيصة، والحسن البصري، وهارون بن رئاب، ولم يدركاه.

عقبة، وعبد الله؛ ابنا قيظي بن قيس: حضرا مع أبيهما يوم جسر أبي عبيد، وقتلا يومئذ.

العلاء بن الحضرمي: يقال: فيها، وسيأتي.

عمر بن أبي اليسر: يوم الجسر.

وغنيم بن قيس المازني، وهو الذي اختط البصرة. وقيل: كنيته أبو عبد الله، عاش سبعا وخمسين سنة. وقيل: توفي سنة خمس عشرة ما بين الحجاز والبصرة. وقيل: توفي سنة سبع عشرة.

قيس بن السكن بن قيس بن زعوراء بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار، أبو زيد الأنصاري النجاري، مشهور بكنيته، شهد بدرا، واستشهد يوم جسر أبي عبيد فيما ذكر موسى بن عقبة.

قال الواقدي وابن الكلبي: هو أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليله قول أنس؛ لأنه قال: أحد عمومتي، وكلاهما يجتمعان في

ص: 79

حرام. وكذا ساق الكلبي نسب أبي زيد، لكنه جعل عوض زعوراء زيدا، ولا عبرة بقول من قال: إن الذي جمع القرآن أبو زيد سعد بن عبيد الأوسي، فإن قول أنس بن مالك: أحد عمومتي، ينفي قول من قال: هو سعد بن عبيد، لكونه أوسيا. ويؤيده أيضا ما روى قتادة عن أنس، قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر؛ عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش؛ سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين؛ خزيمة بن ثابت، فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أبي، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.

المثنى بن حارثة الشيباني، الذي أخذ الراية وتحيز بالمسلمين يوم الجسر.

نافع بن غيلان: يومئذ.

نوفل بن الحارث: يقال: توفي فيها، وكان أسن من عمه العباس.

واقد بن عبد الله: يوم.

هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، أم معاوية بن أبي سفيان، توفيت في أول العام.

يزيد بن قيس بن الخطيم - بفتح الخاء المعجمة - الأنصاري الظفري: صحابي شهد أحدا والمشاهد، وجرح يوم أحد عدة جراحات، وأبوه من الشعراء الكبار، قتل يزيد يوم الجسر.

أبو عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي، والد المختار وصفية زوجة ابن عمر.

أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمله عمر وسيره على جيش كثيف إلى العراق، وإليه ينسب جسر أبي عبيد، وكانت الوقعة عند هذا الجسر كما ذكرنا، وقتل يومئذ أبو عبيد رحمه الله، والجسر بين القادسية والحيرة، ولم

ص: 80

يذكره أحد في الصحابة إلا ابن عبد البر، ولا يبعد أن يكون له رؤية وإسلام.

أبو قحافة عثمان بن عامر التيمي: في المحرم عن بضع وتسعين سنة، وقد أسلم يوم الفتح، فأتى به ابنه أبو بكر الصديق يقوده لكبره وضرره ورأسه كالثغامة، فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلا تركت الشيخ حتى نأتيه إكراما لأبي بكر، وقال: غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد.

عبد الله بن صعصعة بن وهب الأنصاري: أحد بني عدي بن النجار، شهد أحدا وما بعدها، وقتل يوم جسر أبي عبيد. قاله ابن الأثير.

ص: 81

‌سنة خمس عشرة

في أولها افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن كلها عنوة إلا طبرية؛ فإنهم صالحوه، وذلك بأمر أبي عبيدة.

‌يوم اليرموك

كانت وقعة مشهودة، نزلت الروم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة، وقيل: سنة ثلاث عشرة، وأراه وهما، فكانوا في أكثر من مائة ألف، وكان المسلمون ثلاثين ألفا، وأمراء الإسلام أبو عبيدة، ومعه أمراء الأجناد، وكانت الروم قد سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة في السلسلة لئلا يفروا، فلما هزمهم الله جعل الواحد يقع في وادي اليرموك فيجذب من معه في السلسلة حتى ردموا في الوادي، واستووا فيما قيل بحافتيه، فداستهم الخيل، وهلك خلق لا يحصون، واستشهد يومئذ جماعة من أمراء المسلمين.

وقال محمد بن إسحاق: نزلت الروم اليرموك وهم مائة ألف، عليهم السقلاب، خصي لهرقل.

وقال ابن الكلبي: كانت الروم ثلاثمائة ألف، عليهم ماهان؛ رجل من أبناء فارس تنصر ولحق الروم، قال: وضم أبو عبيدة إليه أطرافه، وأمده عمر بسعيد بن عامر بن حذيم، فهزم الله المشركين بعد قتال شديد في خامس رجب سنة خمس عشرة.

وقال سعيد بن عبد العزيز: إن المسلمين - يعني يوم اليرموك - كانوا أربعة وعشرين ألفا، وعليهم أبو عبيدة، والروم عشرون ومائة ألف، عليهم باهان وسقلاب.

ص: 82

إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن المسيب، عن أبيه، قال: خمدت الأصوات يوم اليرموك والمسلمون يقاتلون الروم، إلا صوت رجل يقول: يا نصر الله اقترب، يا نصر الله اقترب. فرفعت رأسي فإذا هو أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه يزيد بن أبي سفيان.

الواقدي: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن ابن المسيب، عن جبير بن الحويرث، قال: حضرت اليرموك فلا أسمع إلا نقف الحديد، إلا أني سمعت صائحا يقول: يا معشر المسلمين، يوم من أيام الله أبلوا الله فيه بلاء حسنا، فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه.

قال سويد بن عبد العزيز، عن حصين، عن الشعبي، عن سويد بن غفلة قال: لما هزمنا العدو يوم اليرموك أصبنا يلامق ديباج فلبسناها، فقدمنا على عمر ونحن نرى أنه يعجبه ذلك، فاستقبلناه وسلمنا عليه، فشتمنا ورجمنا بالحجارة حتى سبقناه نعدو، فقال بعضنا: لقد بلغه عنكم شر، وقال بعض القوم: لعله في زيكم هذا، فضعوه، فوضعنا تلك الثياب وسلمنا عليه، فرحب وساءلنا وقال: إنكم جئتم في زي أهل الكفر، وإنكم الآن في زي أهل الإيمان، وإنه لا يصلح من الديباج والحرير إلا هكذا، وأشار بأربع أصابعه.

وعن مالك بن عبد الله قال: ما رأيت أشرف من رجل رأيته يوم اليرموك إنه خرج إليه علج فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم انهزموا وتبعهم وتبعته، ثم انصرف إلى خباء عظيم له فنزل، فدعا بالجفان ودعا من حوله، قلت: من هذا؟ قالوا: عمرو بن معدي كرب.

وعن عروة: قتل يومئذ النضر بن الحارث بن علقمة العبدري، وعبد الله بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي.

وقال ابن سعد: قتل يومئذ نعيم بن عبد الله النحام العدوي. قلت: وقد ذكر.

ص: 83

وقيل: كان على مجنبة أبي عبيدة يومئذ قباث بن أشيم الكناني الليثي.

ويقال: قتل يومئذ عكرمة بن أبي جهل، وعبد الرحمن بن العوام، وعياش بن أبي ربيعة، وعامر بن أبي وقاص الزهري.

‌وقعة القادسية

كانت وقعة القادسية بالعراق في آخر السنة فيما بلغنا، وكان على الناس سعد بن أبي وقاص، وعلى المشركين رستم ومعه الجالينوس وذو الحاجب.

قال أبو وائل: كان المسلمون ما بين السبعة إلى الثمانية آلاف. ورستم في ستين ألفا، وقيل: كانوا أربعين ألفا، وكان معهم سبعون فيلا.

وذكر المدائني أنهم اقتتلوا قتالا شديدا ثلاثة أيام في آخر شوال، وقيل: في رمضان، فقتل رستم وانهزموا، وقيل إن رستم مات عطشا، وتبعهم المسلمون فقتل جالينوس وذو الحاجب، وقتلوهم ما بين الخرار إلى السيلحين إلى النجف، حتى ألجؤوهم إلى المدائن، فحصروهم بها حتى أكلوا الكلاب، ثم خرجوا على حامية بعيالهم فساروا حتى نزلوا جلولاء.

قال أبو وائل: اتبعناهم إلى الفرات فهزمهم الله، واتبعناهم إلى الصراة فهزمهم الله، فألجأناهم إلى المدائن.

وعن أبي وائل قال: رأيتني أعبر الخندق مشيا على الرجال، قتل بعضهم بعضا.

وعن حبيب بن صهبان قال: أصبنا يومئذ من آنية الذهب حتى جعل الرجل يقول: صفراء ببيضاء، يعني ذهبا بفضة.

ص: 84

وقال المدائني: ثم سار سعد من القادسية يتبعهم، فأتاه أهل الحيرة فقالوا: نحن على عهدنا. وأتاه بسطام فصالحه، وقطع سعد الفرات، فلقي جمعا عليهم بصبهرا، فقتله زهرة بن حوية، ثم لقوا جمعا بكوثا عليهم الفيرزان فهزموهم، ثم لقوا جمعا كثيرا بدير كعب عليهم الفرخان فهزموهم، ثم سار سعد بالناس حتى نزل المدائن فافتتحها.

وأما محمد بن جرير فإنه ذكر القادسية في سنة أربع عشرة، وذكر أن في سنة خمس عشرة مصر سعد الكوفة، وأن فيها فرض عمر الفروض ودون الدواوين، وأعطى العطاء على السابقة.

قال: ولما فتح الله على المسلمين غنائم رستم، وقدمت على عمر الفتوح من الشام والعراق جمع المسلمين، فقال: ما يحل للوالي من هذا المال؟ قالوا: أما لخاصته فقوته وقوت عياله لا وكس ولا شطط، وكسوته وكسوتهم، ودابتان لجهاده وحوائجه، وحمالته إلى حجة وعمرته، والقسم بالسوية أن يعطي أهل البلاء على قدر بلائهم، ويرم أمور المسلمين ويتعاهدهم. وفي القوم علي رضي الله عنه ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف.

وقيل: إن عمر قعد على رزق أبي بكر حتى اشتدت حاجته، فأرادوا أن يزيدوه فأبى عليهم.

وكان عماله في هذه السنة: عتاب بن أسيد، كذا قال ابن جرير، وقد قدمنا موت عتاب، قال: وعلى الطائف يعلى بن منية، وعلى الكوفة سعد، وعلى قضائها أبو قرة، وعلى البصرة المغيرة بن شعبة، وعلى اليمامة والبحرين عثمان بن أبي العاص، وعلى عمان حذيفة بن محصن، وعلى ثغور الشام أبو عبيدة بن الجراح.

ص: 85

‌المتوفون فيها

الحارث بن هشام: يقال: فيها، وسيأتي في طاعون عمواس.

سعد بن عبادة بن ديلم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي، سيد الخزرج، أبو ثابت، ويقال: أبو قيس.

أحد النقباء ليلة العقبة، وقد اجتمعت عليه الأنصار يوم السقيفة وأرادوا أن يبايعوه بالخلافة، ولم يذكر أهل المغازي أنه شهد بدرا، وذكر البخاري وأبو حاتم أنه شهدها، وروي ذلك عن عروة.

قال الواقدي: كان سعد وأبو دجانة والمنذر بن عمرو لما أسلموا يكسرون أصنام بني ساعدة، وكان سيدا جوادا، لم يشهد بدرا، وكان يتهيأ للخروج، فنهش قبل أن يخرج، فأقام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن كان سعد لم يشهد بدرا، لقد كان عليها حريصا. هكذا حكاه ابن سعد في الطبقات بلا سند، وقد شهد أحدا والمشاهد. قال: وكان يبعث كل يوم بجفنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة.

وقال عروة: كان ينادي على أطم سعد: من أحب شحما ولحما فليأت سعد بن عبادة. وقد أدركت ابنه يفعل ذلك.

وقال ابن عباس: إن أم سعد توفيت فتصدق عنها بحائطه المخراف.

ولسعد ذكر في حديث الإفك.

وقد حدث عنه بنوه؛ قيس وسعيد وإسحاق، وابن عباس، وأبو أمامة بن سهل، وسعيد بن المسيب، ولم يدركه.

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني محمد بن

ص: 86

صالح، عن الزبير بن المنذر بن أبي أسيد الساعدي أن أبا بكر بعث إلى سعد بن عبادة أن أقبل فبايع، فقد بايع الناس. فقال: لا، والله لا أبايع حتى أراميكم بما في كنانتي وأقاتلكم بمن معي. قال: فقال بشير بن سعد: يا خليفة رسول الله، إنه قد أبى ولج وليس بمبايعكم أو يقتل، ولن يقتل حتى يقتل معه ولده وعشيرته، ولن يقتلوا حتى تقتل الخزرج، فلا تحركوه فقد استقام لكم الأمر وليس بضاركم، إنما هو رجل واحد ما ترك. فقبل أبو بكر نصيحة بشير. قال: فلما ولي عمر لقيه ذات يوم فقال: إيه يا سعد. فقال: إيه يا عمر. فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه؟ قال: نعم، وقد أفضى إليك هذا الأمر، وكان والله صاحبك أحب إلينا منك، وقد والله أصبحت كارها لجوارك. فقال عمر: إنه من كره جوار جاره تحول عنه، فقال سعد: أما إني غير مستنسئ بذلك، وأنا متحول إلى جوار من هو خير منك. فلم يلبث أن خرج مهاجرا إلى الشام، فمات بحوران.

قال محمد بن عمر: حدثنا يحيى بن عبد العزيز بن سعد بن عبادة، عن أبيه قال: توفي سعد بحوران لسنتين ونصف من خلافة عمر.

قال محمد بن عمر: كأنه مات سنة خمس عشرة.

قال عبد العزيز: فما علم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان في بئر ميتة أو بئر سكن - وهم يقتحمون نصف النهار - قائلا من البئر:

قتلنا سيد الخزر ج سعد بن عباده رميناه بسهمين فلم تخط فؤاده فذعر الغلمان، فحفظ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد، وإنما جلس يبول في نفق فاقتتل فمات من ساعته، وجدوه قد اخضر جلده.

وقال ابن أبي عروبة: سمعت محمد بن سيرين يحدث أنه بال قائما، فلما رجع قال لأصحابه: إني لأجد دبيبا، فمات فسمعوا الجن تقول: قتلنا سيد الخزرج - البيتين.

ص: 87

وقال سعيد بن عبد العزيز: أول مدينة فتحت بالشام بصرى، وفيها مات سعد بن عبادة.

سعد بن عبيد بن النعمان، أبو زيد الأنصاري الأوسي:

أحد القراء الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، استشهد بوقعة القادسية، وقيل: إنه والد عمير بن سعد الزاهد أمير حمص لعمر. شهد سعد بدرا وغيرها، وكان يقال له: سعد القارئ.

وذكر محمد بن سعد أن القادسية سنة ست عشرة، وأنه قتل بها وله أربع وستون سنة.

وقال قيس بن مسلم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سعد بن عبيد أنه خطبهم فقال: إنا لاقو العدو غدا، وإنا مستشهدون غدا، فلا تغسلوا عنا دما ولا نكفن إلا في ثوب كان علينا.

سعيد بن الحارث بن قيس بن عدي القرشي السهمي، هو وإخوته؛ الحجاج، ومعبد، وتميم، وأبو قيس، وعبد الله، والسائب، كلهم من مهاجرة الحبشة، ذكرهم ابن سعد، استشهد أكثرهم يوم اليرموك ويوم أجنادين رضي الله عنهم.

سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن حسل بن عامر بن لؤي، أبو يزيد العامري:

أحد خطباء قريش وأشرافهم، أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وكان قد أسر يوم بدر، وكان قد قام بمكة وحض على النفير، فقال: يا آل غالب، أتاركون أنتم محمدا والصباة يأخذون عيركم، من أراد مالا فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة. وكان سمحا جوادا فصيحا، قام خطيبا بمكة أيضا عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو خطبة أبي بكر فسكنهم، وهو الذي مشى في صلح الحديبية.

ص: 88

وقال الزبير بن بكار: كان سهيل بعد كثير الصلاة والصوم والصدقة، وخرج بجماعته إلى الشام مجاهدا رضي الله عنه، وقيل: إنه صام وقام حتى شحب لونه وتغير، وكان كثير البكاء عند قراءة القرآن.

قال المدائني وغيره: إنه استشهد يوم اليرموك.

وقال الشافعي والواقدي: إنه توفي بطاعون عمواس.

روى عنه يزيد بن عميرة الزبيدي وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقيل: كان أميرا على كردوس يوم اليرموك.

عامر بن مالك بن أهيب الزهري، أخو سعد بن أبي وقاص، من مهاجرة الحبشة:

قدم دمشق بكتاب عمر على أبي عبيدة بإمرته على الشام وعزل خالد، استشهد يوم اليرموك على الصحيح.

عبد الله بن سفيان:

هذا ابن أخي أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، له صحبة وهجرة إلى الحبشة ورواية، روى عنه عمرو بن دينار منقطعا، واستشهد باليرموك.

عبد الرحمن، أخو الزبير بن العوام لأبيه:

حضر بدرا هو وأخوه عبيد الله الأعرج مشركين، فهربا، فأدرك عبيد الله فقتل، ثم أسلم فيما بعد هذا، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، واستشهد باليرموك.

عتبة بن غزوان رضي الله عنه: يقال: مات فيها، وقد تقدم.

عكرمة بن أبي جهل المخزومي: يقال: استشهد يوم اليرموك، وقد تقدم.

د ن ق: عمرو ابن أم مكتوم الضرير:

كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلفه على المدينة في غير غزوة، قيل: كان اللواء معه يوم القادسية، واستشهد يومئذ.

ص: 89

وقال ابن سعد: رجع إلى المدينة بعد القادسية، ولم نسمع له بذكر بعد عمر.

قلت: روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو رزين الأسدي، وله ترجمة طويلة في كتاب ابن سعد.

عمرو بن الطفيل بن عمرو بن طريف: قتل باليرموك.

عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عياش المخزومي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سماه في القنوت ودعا له بالنجاة:

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه ابنه عبد الله وغيره، وهو أخو أبي جهل لأمه، كنيته: أبو عبد الله، استشهد يوم اليرموك.

فراس بن النضر بن الحارث: يقال: استشهد باليرموك.

قيس بن عدي بن سعد بن سهم: من مهاجرة الحبشة، قتل باليرموك.

قيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري المازني:

شهد العقبة وبدرا، وورد له حديث من طريق ابن لهيعة عن حبان بن واسع بن حبان، عن أبيه، عنه، قلت: في كم أقرأ القرآن يا رسول الله؟ قال: في خمس عشرة، قلت: أجدني أقوى من ذلك. وفيه دليل على أنه جمع القرآن، وكان أحد أمراء الكراديس يوم اليرموك.

نضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي العبدري القرشي:

من مسلمة الفتح ومن حلماء قريش، وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من الإبل من غنائم حنين، تألفه بذلك. فتوقف في أخذها وقال: لا أرتشي على الإسلام، ثم قال: والله ما طلبتها ولا سألتها، وهي عطية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها، وحسن إسلامه، واستشهد يوم اليرموك، وأخوه النضر قتل كافرا في نوبة بدر.

ص: 90

نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، أبو الحارث ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم:

وهو أسن من أسلم من بني هاشم، وقد أسر يوم بدر ففداه العباس، فلما فداه أسلم.

وقيل: إنه هاجر أيام الخندق، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين العباس، وكانا شريكين في الجاهلية متحابين، شهد نوفل الحديبية والفتح، وأعان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بثلاثة آلاف رمح، وثبت معه يومئذ. توفي سنة خمس عشرة بخلف، وقيل: سنة عشرين.

هشام بن العاص السهمي: عند ابن سعد أنه قتل يوم اليرموك.

ص: 91

‌سنة ست عشرة

قيل: كانت وقعة القادسية في أولها، واستشهد يومئذ مائتان، وقيل: عشرون ومائة رجل.

قال خليفة: فيها فتحت الأهواز ثم كفروا، فحدثني الوليد بن هشام، عن أبيه، عن جده قال: سار المغيرة بن شعبة إلى الأهواز فصالحه البيروان على ألفي ألف درهم وثماني مائة ألف درهم، ثم غزاهم الأشعري بعده.

وقال الطبري: فيها دخل المسلمون مدينة بهرشير وافتتحوا المدائن، فهرب منها يزدجرد بن شهريار.

فلما نزل سعد بن أبي وقاص بهرشير - وهي المدينة التي فيها منزل كسرى - طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى، فلم يقدر على شيء منها، وجدهم قد ضموا السفن، فبقي أياما حتى أتاه أعلاج فدلوه على مخاضة، فأبى، ثم إنه عزم له أن يقتحم دجلة، فاقتحمها المسلمون وهي زائدة ترمي بالزبد، ففجئ أهل فارس أمر لم يكن لهم في حساب، فقاتلوا ساعة ثم انهزموا وتركوا جمهور أموالهم، واستولى المسلمون على ذلك كله، ثم أتوا إلى القصر الأبيض، وبه قوم قد تحصنوا ثم صالحوا.

وقيل: إن الفرس لما رأوا اقتحام المسلمين الماء تحيروا، وقالوا: والله ما نقاتل الإنس ولا نقاتل إلا الجن، فانهزموا.

ونزل سعد القصر الأبيض، واتخذ الإيوان مصلى، وإن فيه لتماثيل

ص: 92

جص فما حركها. ولما انتهى إلى مكان كسرى أخذ يقرأ: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ} الآية.

قالوا: وأتم سعد الصلاة يوم دخلها، وذلك أنه أراد المقام بها، وكانت أول جمعة جمعت بالعراق، وذلك في صفر سنة ست عشرة.

قال الطبري: قسم سعد الفيء بعدما خمسه، فأصاب الفارس اثنا عشر ألفا، وكل الجيش كانوا فرسانا.

وقسم سعد دور المدائن بين الناس وأوطنوها، وجمع سعد الخمس وأدخل فيه كل شيء من ثياب كسرى وحليه وسيفه، وقال للمسلمين: هل لكم أن تطيب أنفسكم عن أربعة أخماس هذا القطف فنبعث به إلى عمر، فيضعه حيث يرى ويقع من أهل المدينة موقعا؟ قالوا: نعم، فبعثه على هيئته، وكان ستين ذراعا في ستين ذراعا بساطا واحدا مقدار جريب، فيه طرق كالصور، وفصوص كالأنهار، وخلال ذلك كالدر، وفي حافاته كالأرض المزروعة، والأرض كالمبقلة بالنبات في الربيع من الحرير على قصبات الذهب، ونواره بالذهب والفضة ونحوه، فقطعه عمر وقسمه بين الناس، فأصاب عليا قطعة منه فباعها بعشرين ألفا.

واستولى المسلمون في ثلاثة أعوام على كرسي مملكة كسرى، وعلى كرسي مملكة قيصر، وعلى أمي بلادهما. وغنم المسلمون غنائم لم يسمع بمثلها قط من الذهب والجوهر والحرير والرقيق والمدائن والقصور، فسبحان الله العظيم الفتاح.

وكان لكسرى وقيصر ومن قبلهما من الملوك في دولتهم دهر طويل؛ فأما الأكاسرة والفرس وهم المجوس فملكوا العراق والعجم نحوا من خمسمائة سنة، فأول ملوكهم دارا، وطال عمره، فيقال: إنه بقي في الملك مائتي سنة، وعدة ملوكهم خمسة وعشرون نفسا، منهم امرأتان، وكان آخر القوم يزدجرد الذي هلك في زمن عثمان. وممن ملك منهم ذو الأكتاف سابور، عقد له بالأمر وهو في بطن أمه، لأن أباه مات وهذا حمل، فقال الكهان: هذا يملك الأرض، فوضع التاج على بطن الأم، وكتب منه إلى

ص: 93

الآفاق وهو بعد جنين، وهذا شيء لم يسمع بمثله قط، وإنما لقب بذي الأكتاف لأنه كان ينزع أكتاف من غضب عليه، وهو الذي بنى الإيوان الأعظم وبنى نيسابور وبنى سجستان.

ومن متأخري ملوكهم أنوشروان، وكان حازما عاقلا، كان له اثنتا عشرة ألف امرأة وسرية، وخمسون ألف دابة، وألف فيل إلا واحدا، وولد نبينا صلى الله عليه وسلم في زمانه، ثم مات أنوشروان وقت موت عبد المطلب، ولما استولى الصحابة على الإيوان أحرقوا ستره، فطلع منه ألف ألف مثقال ذهبا.

‌وقعة جلولاء

في هذه السنة قال ابن جرير الطبري: فقتل الله من الفرس مائة ألف، جللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسميت جلولاء. وقال غيره: كانت في سنة سبع عشرة. وعن أبي وائل قال: سميت جلولاء لما تجللها من الشر. وقال سيف: كانت سنة سبع عشرة.

وقال خليفة بن خياط: هرب يزدجرد بن كسرى من المدائن إلى حلوان، فكتب إلى الجبال، وجمع العساكر ووجههم إلى جلولاء، فاجتمع له جمع عظيم، عليهم خرزاد بن جرمهر، فكتب سعد إلى عمر يخبره، فكتب إليه: أقم مكانك ووجه إليهم جيشا، فإن الله ناصرك ومتمم وعده. فعقد لابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، فالتقوا، فجال المسلمون جولة، ثم هزم الله المشركين، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وحوى المسلمون عسكرهم وأصابوا أموالا عظيمة وسبايا، فبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف. وجاء عن الشعبي أن فيء جلولاء قسم على ثلاثين ألف ألف. وقال أبو وائل: سميت جلولاء فتح الفتوح.

ص: 94

وقال ابن جرير: أقام هاشم بن عتبة بجلولاء، وخرج القعقاع بن عمرو في آثار القوم إلى خانقين، فقتل من أدرك منهم، وقتل مهران، وأفلت الفيرزان، فلما بلغ ذلك يزدجرد تقهقر إلى الري.

وفيها جهز سعد جندا فافتتحوا تكريت واقتسموها، وخمسوا الغنائم، فأصاب الفارس منها ثلاثة آلاف درهم.

وفيها سار عمر رضي الله عنه إلى الشام وافتتح البيت المقدس، وقدم إلى الجابية - وهي قصبة حوران - فخطب بها خطبة مشهورة متواترة عنه. قال زهير بن محمد المروزي: حدثني عبد الله بن مسلم بن هرمز أنه سمع أبا الغادية المزني قال: قدم علينا عمر الجابية، وهو على جمل أورق، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه عمامة ولا قلنسوة، بين عودين، وطاؤه فرو كبش نجدي، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته شملة أو نمرة محشوة ليفا وهي وسادته، عليه قميص قد انخرق بعضه ودسم جيبه. رواه أبو إسماعيل المؤدب عن ابن هرمز، فقال: عن أبي العالية الشامي.

‌قنسرين

وفيها بعث أبو عبيدة عمرو بن العاص - بعد فراغه من اليرموك - إلى قنسرين، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية على الجزية، وفتح سائر بلاد قنسرين عنوة.

وفيها افتتحت سروج والرها على يدي عياض بن غنم.

وفيها، قال ابن الكلبي: سار أبو عبيدة وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فحاصر أهل إيلياء، فسألوه الصلح على أن يكون عمر هو الذي يعطيهم ذلك ويكتب لهم أمانا، فكتب أبو عبيدة إلى عمر، فقدم عمر إلى الأرض المقدسة فصالحهم، وأقام أياما ثم شخص إلى المدينة.

ص: 95

وفيها كانت وقعة قرقيسياء، وحاصرها الحارث بن يزيد العامري، وفتحت صلحا.

وفيها كتب التاريخ في شهر ربيع الأول، فعن ابن المسيب قال: أول من كتب التاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة علي رضي الله عنهما.

وفيها ندب لحرب أهل الموصل ربعي بن الأفكل.

من توفي فيها:

مارية أم إبراهيم القبطية، وكانت أهداها المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثمان، وعاش ابنها إبراهيم عليه السلام عشرين شهرا، وصلى عليها عمر رضي الله عنه، ودفنت بالبقيع في المحرم.

ويقال: توفي فيها سعد بن عبادة، وأبو زيد سعد بن عبيد القارئ.

ص: 96

‌سنة سبع عشرة

يقال: كانت فيها وقعة جلولاء المذكورة.

وفيها خرج عمر رضي الله عنه إلى سرغ، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت، فوجد الطاعون بالشام، فرجع لما حدثه عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الطاعون.

وفيها زاد عمر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وعمله كما كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيها كان القحط بالحجاز، وسمي عام الرمادة، واستسقى عمر للناس بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيها كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري بإمرة البصرة، وبأن يسير إلى كور الأهواز، فسار واستخلف على البصرة عمران بن حصين، فافتتح أبو موسى الأهواز صلحا وعنوة، فوظف عمر عليها عشرة آلاف ألف درهم وأربعمائة ألف، وجهد زياد في إمرته أن يخلص العنوة من الصلح فما قدر.

قال خليفة: وفيها شهد أبو بكرة ونافع ابنا الحارث، وشبل بن معبد وزياد على المغيرة بالزنى، ثم نكل بعضهم، فعزله عمر عن البصرة وولاها أبا موسى.

وقال خليفة: حدثنا ريحان بن عصمة، حدثنا عمر بن مرزوق، عن أبي فرقد قال: كنا مع أبي موسى الأشعري بالأهواز وعلى خيله تجافيف الديباج.

ص: 97

وفيها تزوج عمر بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراء، وأصدقها أربعين ألف درهم فيما قيل.

وفيها توفي جماعة، الأصح أنهم توفوا قبل هذه السنة وبعدها.

فتوفي عتبة بن غزوان رضي الله عنه في قول سعيد بن عفير ورواية الواقدي.

وتوفي فيها الحارث بن هشام، وإسماعيل بن عمرو في قول ابن عفير.

وفي قوله أيضا: شرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان بن حرب.

وفي قول هشام ابن الكلبي، وابن عفير: توفي أبو عبيدة بن الجراح.

وقال أبو مسهر: قرأت في كتاب يزيد بن عبيدة: توفي أبو عبيدة ومعاذ بن جبل سنة سبع عشرة.

ص: 98

‌سنة ثماني عشرة

فيها قال ابن إسحاق: استسقى عمر للناس وخرج ومعه العباس، فقال: اللهم إنا نستسقيك بعم نبيك.

وفيها افتتح أبو موسى جنديسابور والسوس صلحا، ثم رجع إلى الأهواز.

وفيها وجه سعد بن أبي وقاص جرير بن عبد الله البجلي إلى حلوان بعد جلولاء، فافتتحها عنوة. ويقال: بل وجه هاشم بن عتبة، ثم انتقضوا حتى ساروا إلى نهاوند، ثم سار هاشم إلى ماه فأجلاهم إلى أذربيجان، ثم صالحوا.

ويقال: فيها افتتح أبو موسى رامهرمز، ثم سار إلى تستر فنازلها.

وقال أبو عبيدة بن المثنى: فيها حاصر هرم بن حيان أهل دست هر، فرأى ملكهم امرأة تأكل ولدها من الجوع، فقال: الآن أصالح العرب، فصالح هرما على أن خلى لهم المدينة.

وفيها نزل الناس الكوفة، وبناها سعد باللبن، وكانوا بنوها بالقصب فوقع بها حريق هائل.

وفيها كان طاعون عمواس بناحية الأردن، فاستشهد فيه خلق من المسلمين. ويقال: إنه لم يقع بمكة ولا بالمدينة طاعون.

ذكر من توفي بهذا الطاعون

ع: أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي الفهري.

أمين هذه الأمة وأحد العشرة، وأحد الرجلين الذين عينهما أبو بكر للخلافة يوم السقيفة.

ص: 99

روى عنه جابر، وأبو أمامة، وأسلم مولى عمر، وجماعة.

ولي إمرة أمراء الأجناد بالشام، وكان من السابقين الأولين، شهد بدرا، ونزع الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بأسنانه رفقا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فانتزعت ثنيتاه، فحسن ذهابهما فاه، حتى قيل: ما رؤي أحسن من هتم أبي عبيدة. وقد انقرض عقبه. وقيل: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين محمد بن مسلمة.

وعن مالك بن يخامر أنه وصف أبا عبيدة، فقال: كان نحيفا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالا، أجنى، أثرم الثنيتين.

وقال موسى بن عقبة في غزوة ذات السلاسل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمد عمرو بن العاص بجيش فيهم أبو بكر وعمر، وأمر عليهم أبا عبيدة.

وقال راشد بن سعد وغيره: إن عمر قال: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته، فإن سألني الله لم استخلفته قلت: إني سمعت نبيك يقول: إن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح.

وقال عبد الله بن شقيق: سألت عائشة؛ أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر، ثم عمر، ثم أبو عبيدة.

وقال عروة بن الزبير: قدم عمر الشام فتلقوه، فقال: أين أخي أبو عبيدة؟ قالوا: يأتيك الآن، فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه، ثم قال للناس: انصرفوا عنا، فسار معه حتى أتى منزله فنزل عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: لو اتخذت متاعا - أو قال: شيئا - قال: يا أمير المؤمنين، إن هذا سيبلغنا المقيل.

ومناقب أبي عبيدة كثيرة، ذكرها الحافظ أبو القاسم في تاريخ دمشق.

ص: 100

وقال أبو الموجه المروزي: زعموا أن أبا عبيدة كان في ستة وثلاثين ألفا من الجند، فلم يبق من الطاعون، يعني إلا ستة آلاف.

وقال عروة: إن وجع عمواس كان معافى منه أبو عبيدة وأهله، فقال: اللهم نصيبك في آل أبي عبيدة، فخرجت به بثرة، فجعل ينظر إليها، فقيل: إنها ليست بشيء، فقال: إني لأرجو أن يبارك الله فيها.

وعن عروة بن رويم أن أبا عبيدة أدركه أجله بفحل فتوفي بها، وهي بقرب بيسان.

قال الفلاس وجماعة: إنه توفي سنة ثماني عشرة. زاد الفلاس: وله ثمان وخمسون سنة.

وكان يخضب بالحناء والكتم، وله عقيصتان، رضي الله عنه.

ع: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي، من بني سلمة، الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن.

شهد العقبة وبدرا، وكان إماما ربانيا، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ، والله إني أحبك.

وعن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأتي معاذ أمام العلماء برتوة.

وقال ابن مسعود: كنا نشبه معاذا بإبراهيم الخليل، كان أمة قانتا لله حنيفا، وما كان من المشركين.

وقال محمد بن سعد: كان معاذ رجلا طوالا أبيض، حسن الثغر، عظيم العينين، مجموع الحاجبين، جعدا قططا.

وقيل: إنه أسلم وله ثماني عشرة سنة، وعاش بضعا وثلاثين سنة، وقبره بالغور.

ص: 101

روى عنه أنس، وأبو الطفيل، وأبو مسلم عبد الله بن ثوب الخولاني، وأسلم مولى عمر، والأسود بن يزيد، ومسروق، وقيس بن أبي حازم، وخلق سواهم. واستشهد هو وابنه في طاعون عمواس، وأصيب بابنه عبد الرحمن قبله.

وقال بشير بن يسار: لما بعث معاذ إلى اليمن معلما، وكان رجلا أعرج؛ فصلى بالناس فبسط رجله، فبسطوا أرجلهم، فلما فرغ قال: أحسنتم ولا تعودوا، واعتذر عن رجله.

وفي الصحيح من حديث أنس يرفعه: أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل.

وعن جابر قال: كان معاذ من أحسن الناس وجها، وأحسنه خلقا، وأسمحه كفا، فادان دينا كثيرا فلزمه غرماؤه حتى تغيب، ثم طلبه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه غرماؤه، فقال: رحم الله من تصدق عليه، فأبرأه ناس، وقال آخرون: خذ لنا نصف حقنا منه، فخلعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماله ودفعه إلى الغرماء، فاقتسموه وبقي لهم عليه، ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال: لعل الله يجبرك، فلم يزل بها حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم على أبي بكر.

وقال شهر بن حوشب، عن الحارث بن عميرة الزبيدي قال: إني لجالس عند معاذ وهو يموت، فأفاق وقال: اخنق علي خنقك، فوعزتك إني لأحبك.

وعن عبد الله بن كعب بن مالك أن معاذا توفي في سنة ثماني عشرة وله ثمان وثلاثون سنة.

ق: يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية الأموي، ويقال له: يزيد الخير، أمه زينب بنت نوفل الكنانية.

أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وشهد حنينا، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من

ص: 102

الغنائم فيما قيل مائة بعير وأربعين أوقية، وكان جليل القدر شريفا سيدا فاضلا، وهو أحد أمراء الأجناد الأربعة الذين عقد لهم أبو بكر الصديق وسيرهم لغزو الشام، فلما فتحت دمشق أمره عمر على دمشق، ثم ولى بعد موته أخاه معاوية.

له عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء، وعن أبي بكر. روى عنه أبو عبد الله الأشعري، وجنادة بن أبي أمية. توفي في الطاعون.

وقال الوليد بن مسلم: إنه توفي سنة تسع عشرة بعد أن افتتح قيسارية التي بساحل الشام.

عوف الأعرابي: حدثنا مهاجر أبو مخلد، حدثني أبو العالية قال: غزا يزيد بن أبي سفيان بالناس، فوقعت جارية نفيسة في سهم رجل، فاغتصبها يزيد، فأتاه أبو ذر فقال: رد على الرجل جاريته، فتلكأ فقال: لئن فعلت ذلك لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد، فقال: نشدتك بالله أنا منهم؟ قال: لا، فرد على الرجل جاريته. أخرجه الروياني في مسنده.

ق: شرحبيل بن حسنة وهي أمه، واسم أبيه عبد الله بن المطاع، حليف بني زهرة، أبو عبد الله، من كندة.

هاجر هو وأمه إلى الحبشة، وله رواية حديثين. روى عنه عبد الرحمن بن غنم، وأبوه عبد الله الأشعري. وكان أحد الأمراء الأربعة الذين أمرهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

ع: الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم.

وكان جميلا مليحا وسيما، توفي شابا، لأنه يوم حجة الوداع كان أمرد، وكان يومئذ رديف النبي صلى الله عليه وسلم، له صحبة ورواية. روى عنه أخوه عبد الله، وأبو هريرة، وربيعة بن الحارث. توفي بطاعون عمواس في قول

ص: 103

ابن سعد، والزبير بن بكار، وأبي حاتم، وابن البرقي، وهو الصحيح. ويقال: قتل يوم مرج الصفر. ويقال: يوم أجنادين. ويقال: يوم اليرموك. ويقال: سنة ثمان وعشرين.

الحارث بن هاشم بن المغيرة المخزومي، أبو عبد الرحمن، أخو أبي جهل.

أسلم يوم الفتح، وكان سيدا شريفا، تألفه النبي صلى الله عليه وسلم لحسبه بمائة من الإبل من غنائم حنين، ثم حسن إسلامه. ولما خرج من مكة إلى الجهاد بالشام جزع لذلك أهل مكة وخرجوا يشيعونه ويبكون لفراقه، وتزوج عمر رضي الله عنه بعده بامرأته فاطمة.

وقال ابن سعد: تزوج عمر بابنته أم حكيم.

مات الحارث في الطاعون.

سهيل بن عمرو العامري، خطيب قريش. في الطاعون بخلف، وقد مر سنة خمس عشرة.

أبو جندل بن سهيل بن عمرو، اسمه العاص.

من خيار الصحابة، وهو الذي جاء يوم صلح الحديبية يرسف في قيوده، وكان أبوه قيده لما أسلم، فقال أبوه للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده، فرده.

له صحبة وجهاد، توفي بطاعون عمواس، وقتل أخوه عبد الله يوم اليمامة، وكان بدريا.

م د ن ق: أبو مالك الأشعري.

قدم مع أصحاب السفينتين أيام خيبر، ونزل الشام. اسمه كعب بن عاصم، وقيل: عمرو، وقيل: عامر بن الحارث.

روى عنه عبد الرحمن بن غنم، وأم الدرداء، وربيعة الجرشي، وأبو سلام الأسود. وأرسل عنه عطاء بن يسار، وشهر بن حوشب.

ص: 104

قال شهر بن حوشب، عن ابن غنم: طعن معاذ وأبو عبيدة وأبو مالك في يوم واحد.

وقال ابن سعد وغيره: توفي في خلافة عمر.

وقد أعدت ذكر أبي مالك في طبقة ابن عباس.

وفيها افتتح أبو موسى الأشعري الرها وسميساط عنوة.

وفي أوائلها وجه أبو عبيدة بن الجراح عياض بن غنم الفهري إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى قد قدم من البصرة، فمضيا فافتتحا حران ونصيبين وطائفة من الجزيرة عنوة، وقيل: صلحا.

وفيها سار عياض بن غنم إلى الموصل فافتتحها ونواحيها عنوة.

وفيها بنى سعد جامع الكوفة.

ص: 105

‌سنة تسع عشرة

قال خليفة: فيها فتحت قيسارية، وأمير العسكر معاوية بن أبي سفيان وسعد بن عامر بن حذيم، كل أمير على جنده، فهزم الله المشركين وقتل منهم مقتلة عظيمة، ورخها ابن الكلبي. وأما ابن إسحاق فقال: سنة عشرين.

وفيها كانت وقعة صهاب - بأرض فارس - في ذي الحجة، وعلى المسلمين الحكم بن أبي العاص، فقتل سهرك مقدم المشركين.

قال خليفة: وفيها أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي.

وقيل: فيها فتحت تكريت.

ويقال: فيها كانت جلولاء، وهي وقعة أخرى كانت بالعجم أو بفارس.

وفيها وجه عمر عثمان بن أبي العاص إلى أرمينية الرابعة، فكان عندها شيء من قتال، أصيب فيه صفوان بن المعطل بن رحضة السلمي الذكواني، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم الذي له ذكر في حديث الإفك، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ما علمت إلا خيرا. وقال هو: ما كشفت كنف أنثى قط. له حديثان. روى عنه سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وسعيد المقبري، وروايتهم عنه مرسلة إن كان توفي في هذه الغزوة، وإن كان توفي كما قال الواقدي سنة ستين بسميساط فقد سمعوا منه. وقال خليفة: مات بالجزيرة. وكان على ساقة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شاعرا. وقال ابن إسحاق: قتل في غزوة أرمينية هذه، وكان أحد الأمراء يومئذ.

ص: 106

وفيها توفي:

يزيد بن أبي سفيان في قول، وقد تقدم.

ع: أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، أبو المنذر الأنصاري، وقيل: يكنى أيضا أبا الطفيل، سيد القراء.

شهد العقبة وبدرا. روى عنه بنوه محمد والطفيل وعبد الله، وابن عباس، وأنس، وسويد بن غفلة، وأبو عثمان النهدي، وزر بن حبيش، وخلق سواهم.

عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قال: كان أبي دحداحا، ليس بالقصير ولا بالطويل.

وعن عباس بن سهل قال: كان أبيض الرأس واللحية.

وقال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} قال: وسماني لك؟ قال: نعم، فبكى.

وقال أنس: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي.

وقال ابن عباس: قال أبي لعمر: إني تلقيت القرآن ممن تلقاه من جبريل وهو رطب.

وقال ابن عباس: قال عمر: أقرؤنا أبي، وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبي، وهو يقول: لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}

ص: 107

وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرأ أمتي أبي بن كعب.

وعن محمد بن أبي، عن أبيه - وروي من وجه آخر عن أبي سعيد الخدري - قال أبي: يا رسول الله، ما جزاء الحمى؟ قال: تجري الحسنات على صاحبها، فقال: اللهم إني أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك، فلم يمس أبي قط إلا وبه حمى.

قلت: ولهذا يقول زر: كان أبي فيه شراسة.

وقال أبو نضرة العبدي: قال رجل منا يقال له: جابر أو جويبر: طلبت حاجة إلى عمر وإلى جنبه رجل أبيض الثياب والشعر، فقال: إن الدنيا فيها بلاغنا وزادنا إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة، فقلت: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا سيد المسلمين أبي بن كعب.

وقال معمر: عامة علم ابن عباس من ثلاثة: عمر، وعلي، وأبي.

قال الهيثم بن عدي: توفي أبي سنة تسع عشرة.

وقال ابن معين: توفي سنة عشرين أو تسع عشرة.

وقال أبو عمر الضرير، وأبو عبيد، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ورواه الواقدي عن غير واحد أنه توفي سنة اثنتين وعشرين.

وقال خليفة والفلاس: في خلافة عثمان.

وقال ابن سعد: قد سمعت من يقول: مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين، قال: وهو أثبت الأقاويل عندنا.

ص: 108

وفيها مات بالمدينة خباب مولى عتبة بن غزوان.

له صحبة وسابقة، صلى عليه عمر.

لم يذكره ابن أبي حاتم، وذكره الواقدي فيمن شهد بدرا، وكناه أبا يحيى.

وقال أبو أحمد الحاكم: شهد بدرا، ومات سنة تسع عشرة وله خمسون سنة.

ص: 109

‌سنة عشرين

فيها فتحت مصر.

روى خليفة - عن غير واحد - وغيره أن فيها كتب عمر إلى عمرو بن العاص أن يسير إلى مصر، فسار وبعث عمر الزبير بن العوام مددا له، ومعه بسر بن أرطاة، وعمير بن وهب الجمحي، وخارجة بن حذافة العدوي، حتى أتى باب أليون فتحصنوا، فافتتحها عنوة وصالحه أهل الحصن، وكان الزبير أول من ارتقى سور المدينة ثم تبعه الناس، فكلم الزبير عمرا أن يقسمها بين من افتتحها، فكتب عمرو إلى عمر، فكتب عمر: أكلة، وأكلات خير من أكلة، أقروها.

وعن عمرو بن العاص أنه قال على المنبر: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر علي عهد ولا عقد، إن شئت قتلت، وإن شئت بعت، وإن شئت خمست إلا أهل أنطابلس، فإن لهم عهدا نفي به.

وعن علي بن رباح قال: المغرب كله عنوة.

وعن ابن عمر قال: افتتحت مصر بغير عهد. وكذا قال جماعة.

وقال يزيد بن أبي حبيب: مصر كلها صلح إلا الإسكندرية.

‌غزوة تستر

قال الوليد بن هشام القحذمي، عن أبيه وعمه أن أبا موسى لما فرغ من الأهواز ونهر تيرى وجنديسابور ورامهرمز، توجه إلى تستر، فنزل باب الشرقي، وكتب يستمد عمر، فكتب إلى عمار بن ياسر أن أمده، فكتب إلى جرير وهو بحلوان أن سر إلى أبي موسى، فسار في ألف فأقاموا شهرا،

ص: 110

ثم كتب أبو موسى إلى عمر: إنهم لم يغنوا شيئا. فكتب عمر إلى عمار أن سر بنفسك، وأمده عمر من المدينة.

وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: أقاموا سنة أو نحوها، فجاء رجل من تستر فقال لأبي موسى: أسألك أن تحقن دمي وأهل بيتي ومالي، على أن أدلك على المدخل، فأعطاه، قال: فابغني إنسانا سابحا ذا عقل يأتيك بأمر بين، فأرسل معه مجزأة بن ثور السدوسي، فأدخل من مدخل الماء ينبطح على بطنه أحيانا ويحبو حتى دخل المدينة وعرف طرقها، وأراه العلج الهرمزان صاحبها، فهم بقتله ثم ذكر قول أبي موسى: لا تسبقني بأمر، ورجع إلى أبي موسى، ثم إنه دخل بخمسة وثلاثين رجلا كأنهم البط يسبحون، وطلعوا إلى السور وكبروا، واقتتلوا هم ومن عندهم على السور، فقتل مجزأة وفتح أولئك البلد، فتحصن الهرمزان في برج.

وقال قتادة، عن أنس: لم نصل يومئذ الغداة حتى انتصف النهار، فما يسرني بتلك الصلاة الدنيا كلها.

وقال ابن سيرين: قتل يومئذ البراء بن مالك.

وقيل: أول من دخل تستر عبد الله بن مغفل المزني.

وعن الحسن قال: حوصرت تستر سنتين.

وعن الشعبي قال: حاصرهم أبو موسى ثمانية عشر شهرا، ثم نزل الهرمزان على حكم عمر.

فقال حميد، عن أنس: نزل الهرمزان على حكم عمر. فلما انتهينا إليه - يعني إلى عمر - بالهرمزان قال: تكلم، قال: كلام حي أو كلام ميت؟ قال: تكلم فلا بأس، قال: إنا وإياكم معشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم، كنا نغصبكم ونقتلكم ونفعل، فلما كان الله معكم لم تكن لنا بكم يدان. قال: يا أنس ما تقول؟ قلت: يا أمير المؤمنين، تركت بعدي عددا كثيرا وشوكة شديدة، فإن تقتله ييأس القوم من الحياة ويكون أشد

ص: 111

لشوكتهم، قال: فأنا أستحيي قاتل البراء ومجزأة بن ثور؟! فلما أحسست بقتله قلت: ليس إلى قتله سبيل، قد قلت له: تكلم فلا بأس، قال: لتأتيني من يشهد به غيرك، فلقيت الزبير فشهد معي، فأمسك عنه عمر، وأسلم الهرمزان، وفرض له عمر، وأقام بالمدينة.

وفيها هلك هرقل عظيم الروم، وهو الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، وقام بعده ابنه قسطنطين.

وفيها قسم عمر خيبر وأجلى عنها اليهود، وقسم وادي القرى، وأجلى يهود نجران إلى الكوفة. قاله محمد بن جرير الطبري.

ذكر‌

‌ من توفي في هذا العام

ع: بلال بن رباح الحبشي، مولى أبي بكر الصديق، وأمه حمامة.

كان من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله، شهد بدرا، وكان مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه ابن عمر، وأبو عثمان النهدي، والأسود بن يزيد، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وجماعة. كنيته أبو عبد الكريم، وقيل: أبو عبد الله، ويقال: أبو عمر.

قال ابن مسعود في حديث المعذبين في الله، قال: فأما بلال فهانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد.

وقال هشام بن عروة، عن أبيه قال: مر ورقة بن نوفل ببلال وهو يعذب على الإسلام، يلصق ظهره برمضاء البطحاء وهو يقول: أحد أحد، فقال ورقة: أحد أحد، يا بلال صبرا، والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا.

ص: 112

ورواه بعضهم عن هشام، عن أبيه، عن أسماء. وهذا مشكل، لم يثبت أن ورقة أدرك المبعث ولا عد صحابيا.

وقال غيره: فلما رأى أبو بكر بلالا يعذبه قومه اشتراه منهم بسبع أواق وأعتقه.

وعن أبي أمامة وأنس يرفعانه، قال: بلال سابق الحبشة.

وقال أبو حيان التيمي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت الليلة خشفة نعليك في الجنة. قال: ما تطهرت إلا صليت ما كتب لي.

ويروى عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم المرء بلال، سيد المؤذنين يوم القيامة.

وقال عروة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا عام الفتح فأذن فوق الكعبة.

وقال علي بن زيد وغيره، عن سعيد بن المسيب: إن أبا بكر لما قعد على المنبر يوم الجمعة قال له بلال: أعتقتني لله أو لنفسك؟ قال: لله، قال: فأذن لي حتى أغزو في سبيل الله، فأذن له، فذهب إلى الشام، فمات هناك.

وقال زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قدمنا الشام مع عمر فأذن بلال، فذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم، فلم أر باكيا أكثر من يومئذ.

وروى سليمان بن بلال بن أبي الدرداء، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر الشام سأل بلال عمر أن يقره بالشام ففعل،

ص: 113

قال: وأخي أبو رويحة الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبيني، قال: نعم، فنزل داريا في خولان، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان، فقالا: إنا قد أتيناكم خاطبين، وقد كنا كافرين فهدانا الله، ومملوكين فأعتقنا الله، وفقيرين فأغنانا الله، فإن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله، فزوجوهما.

ثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: ما هذه الجفوة؟ أما آن لك أن تزورني؟ فانتبه، وركب راحلته حتى أتى المدينة، فذكر أنه أذن بها فارتجت المدينة، فما رئي يوم أكثر باكيا بالمدينة من ذلك اليوم.

وقال ابن المنكدر، عن جابر: كان عمر يقول: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا؛ يعني بلالا.

وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال: بلغ بلالا أن ناسا يفضلونه على أبي بكر، فقال: كيف وإنما أنا حسنة من حسناته!

وقال مكحول: حدثني من رأى بلالا رجلا آدم شديد الأدمة، نحيفا، طوالا، أجنى، له شعر كثير، خفيف العارضين، به شمط كثير.

قال يحيى بن بكير: توفي بلال بدمشق في الطاعون سنة ثماني عشرة.

وقال محمد بن إبراهيم التيمي، وابن إسحاق، وأبو عمر الضرير، وجماعة: توفي سنة عشرين بدمشق.

وقال الواقدي: دفن بباب الصغير وله بضع وستون سنة.

وقال علي بن عبد الله التميمي: دفن بباب كيسان.

وقال ابن زبر: توفي بداريا، ودفن بباب كيسان. وقال غيره:

ص: 114

دفن بداريا. وروي أنه مات بحلب؛ رواه عثمان بن خرزاذ عن شيخ له.

ع: أسيد بن الحضير بن سماك الأوسي الأشهلي الأنصاري، أبو يحيى، وقيل: أبو عتيك، وقيل غير ذلك.

أحد النقباء ليلة العقبة، وكان أبوه رئيس الأوس يوم بعاث، فقتل يومئذ، وذلك قبل الهجرة بست سنين، وكان يدعى حضير الكتائب. وكان أسيد بعد أبيه شريفا في قومه وفي الإسلام، يعد من عقلائهم وذوي رأيهم.

قال ابن سعد: وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة، ولم يشهد بدرا.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث. روى عنه كعب بن مالك، وعائشة، وأنس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.

وذكر الواقدي أنه قدم الجابية مع عمر، وأنه جعله على ربع الأنصار.

وروى الواقدي وغيره أنه أسلم على يد مصعب بن عمير هو وسعد بن معاذ في يوم.

وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أسيد بن الحضير، وذكر جماعة. أخرجه الترمذي بإسناد صحيح.

وورد أنه كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن.

وروى ابن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، عن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار من بني عبد الأشهل لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر.

ص: 115

وقال يحيى بن بكير: إنه مات سنة عشرين، وحمله عمر بين عمودي السرير حتى وضعه بالبقيع، ثم صلى عليه. وكذا ورخ موته الواقدي، وأبو عبيد، وجماعة.

أنيس بن مرثد بن أبي مرثد الغنوي، أبو يزيد.

كان عين النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، وهو وأبوه وجده صحابيون.

قال إبراهيم بن المنذر الحزامي وغيره: إنه توفي في ربيع الأول سنة عشرين، وقيل: إن اسمه أنس، وقيل: إنه المذكور في الرجم في قوله عليه السلام: واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها.

روى عنه الحكم بن مسعود حديثا في الفتنة.

البراء بن مالك، أخو أنس بن مالك، الأنصاري النجاري.

كان أحد الأبطال الأفراد الذين يضرب بهم المثل في الفروسية والشدة، وكان من فضلاء الأنصار وأحد السادة الأبرار، قتل من المشركين مائة مبارزة.

روى ابن سيرين، عن أنس قال: دخلت على البراء وهو يتغنى بالشعر، فقلت: يا أخي، تتغنى بالشعر وقد أبدلك الله به القرآن! فقال: أتخاف علي أن أموت على فراشي وقد تفردت بقتل مائة سوى من شاركت في قتله، إني لأرجو أن لا يفعل الله ذلك بي. وقد روى مثله ثمامة بن أنس عن أبيه.

شهد البراء أحدا وما بعدها.

وعن ابن سيرين قال: كتب عمر أن لا تستعملوا البراء بن مالك على جيش، فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم.

قال ابن عبد البر: استشهد البراء بتستر، رضي الله عنه.

السري بن يحيى، عن ابن سيرين أن المسلمين انتهوا إلى حائط فيه رجال من المشركين، فقعد البراء على ترس وقال: ارفعوني برماحكم

ص: 116

فألقوني إليهم، فألقوه وراء الحائط، قال: فأدركوه وقد قتل منهم عشرة.

ابن عون، عن ابن سيرين قال: بارز البراء مرزبان الزارة فطعنه فصرعه وأخذ سلبه بنيف وثلاثين ألفا.

ع: زينب بنت جحش بن رئاب الأسدي أسد خزيمة، أم المؤمنين، أخت أبي أحمد وحمنة، وأمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم.

تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث، وقيل: سنة خمس، وقيل: سنة أربع، وهو أصح، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، قال الله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} فكانت زينب تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق عرشه.

وكانت دينة ورعة كثيرة البر والصدقة، وكانت أول نسائه صلى الله عليه وسلم لحوقا به، وصلى عليها عمر.

خرج مسلم من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لنسائه: أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا، فكانت زينب أطولنا يدا؛ لأنها كانت تعمل وتتصدق.

ابن عبد البر قال: روينا من وجوه عن عائشة قالت: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، رضي الله عنها.

لها أحاديث. روى عنها أم حبيبة بنت أبي سفيان، وزينب بنت أبي سلمة، وابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش. وأرسل عنها القاسم بن محمد.

توفيت سنة عشرين، وكان عمر قد قسم لأمهات المؤمنين في السنة اثني عشر ألف درهم لكل واحدة، إلا جويرية وصفية؛ فقسم لهما ستة آلاف

ص: 117

لكل واحدة، لكونهما سبيتا. قاله الزهري.

وقال الواقدي: حدثني عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لهلال ذي القعدة سنة خمس وهي بنت خمس وثلاثين سنة، قال: وكانت امرأة صالحة صوامة قوامة صنعا، تصدق بذلك كله على المساكين.

قال الواقدي: وحدثني موسى بن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أمه عمرة، عن عائشة قالت: يرحم الله زينب، لقد نالت شرف الدنيا الذي لا يبلغه شرف، إن الله زوجها نبيه ونطق به القرآن، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ونحن حوله: أطولكن يدا أسرعكن لحوقا بي. فبشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرعة لحوقها به، وهي زوجته في الجنة.

وقال خليفة وحده: توفيت سنة إحدى وعشرين.

سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي، من أشراف بني جمح.

له صحبة ورواية. روى عنه عبد الرحمن بن سابط، وشهر بن حوشب، وحسان بن عطية مرسلا.

ذكر ابن سعد أنه شهد خيبر.

وقال حسان بن عطية: بلغ عمر أن سعيد بن عامر - وكان قد استعمله على بعض الشام؛ يعني حمص - أصابته حاجة فأرسل إليه ألف دينار، فقال لزوجته: ألا نعطي هذا المال من يتجر لنا فيه؟ قالت: نعم، فخرج فتصدق به، وذكر الحديث.

وروى يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن سابط قال: أرسل عمر إلى سعيد بن عامر: إنا مستعملوك على هؤلاء، تسير بهم إلى أرض العدو فتجاهد بهم. فقال: يا عمر، لا تفتني. قال: والله لا أدعكم، جعلتموها في

ص: 118

عنقي ثم تخليتم عني! إنما أبعثك على قوم لست بأفضلهم.

وقال خليفة: فتحت قيسارية وأميرها سعيد بن عامر بن حذيم ومعاوية بن أبي سفيان؛ كل واحد أمير على جنده، فهزم الله المشركين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وولي سعيد بن عامر حمص.

وذكر ابن سعد أنه شهد خيبر، وكان سعيد من سادة الصحابة.

عياض بن غنم الفهري، أبو سعد.

من المهاجرين الأولين، شهد بدرا وغيرها، واستخلفه أبو عبيدة عند وفاته على الشام، وكان رجلا صالحا زاهدا سمحا جوادا، فأقره عمر على الشام، وهو الذي افتتح الجزيرة صلحا، وعاش ستين سنة. وهو عياض بن غنم بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة.

وأما ابن سعد فقال: شهد الحديبية وما بعدها، وكان أحد الأمراء الخمسة يوم اليرموك. يروي عنه عياض بن عمرو الأشعري.

أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، اسمه المغيرة.

وهو الذي كان آخذا يوم حنين بلجام بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت يومئذ معه، وهو أخو نوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث.

قال أبو إسحاق السبيعي: لما حضر أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الموت قال: لا تبكوا علي؛ فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت.

وقد روى عنه ابنه عبد الملك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني هاشم، إياكم والصدقة.

وقيل: إن نوفلا أخاه توفي في هذه السنة، وقد مر.

ص: 119

وكان أبو سفيان أخا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة؛ أرضعتهما حليمة السعدية، سماه مغيرة ابن الكلبي والزبير، وقال آخرون: اسمه كنيته، وأخوه المغيرة. وبلغنا أن الذين كانوا يشبهون رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعفر بن أبي طالب، والحسن بن علي، وقثم بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث.

وكان أبو سفيان من شعراء بني هاشم، أسلم أيام الفتح، وكان قد وقع منه كلام في النبي صلى الله عليه وسلم، وإياه عنى حسان بقوله:

ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقد برح الخفاء هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء ثم أسلم وحسن إسلامه، وحضر فتح مكة مسلما، وأبلى يوم حنين بلاء حسنا؛ فروى ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عمن حدثه قال: وتراجع الناس يوم حنين.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أبا سفيان وشهد له بالجنة، وقال: أرجو أن يكون خلفا من حمزة.

قال ابن إسحاق: وقال يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أرقت فبات ليلي لا يزول وليل أخي المصيبة فيه طول وأسعدني البكاء وذاك فيما أصيب المسلمون به قليل فقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل: قد قبض الرسول فقدنا الوحي والتنزيل فينا يروح به ويغدو جبريل وذاك أحق ما سالت عليه نفوس الناس أو كادت تسيل نبي كان يجلو الشك عنا بما يوحى إليه وما يقول ويهدينا فلا نخشى ضلالا علينا والرسول لنا دليل فلم نر مثله في الناس حيا وليس له من الموتى عديل أفاطم إن جزعت فذاك عذر وإن لم تجزعي فهو السبيل

ص: 120

فعوذي بالعزاء فإن فيه ثواب الله والفضل الجزيل وقولي في أبيك ولا تملي وهل يجزي بفضل أبيك قيل فقبر أبيك سيد كل قبر وفيه سيد الناس الرسول قيل: إن أبا سفيان حج فحلق رأسه، فقطع الحلاق ثؤلولا كان في رأسه، فمرض منه ومات بعد مقدمه من الحج بالمدينة، وصلى عليه عمر.

توفي بعد أخيه نوفل بأربعة أشهر، في قول.

صفية، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وشقيقة حمزة وحجل والمقوم، وأمهم زهرية، تزوجها الحارث بن حرب بن أمية فتوفي عنها، وتزوجها العوام بن خويلد، فولدت له الزبير حواري رسول الله وعبد الكعبة.

والصحيح أنه لم يسلم من عمات الرسول صلى الله عليه وسلم سواها. ووجدت على أخيها حمزة وجدا شديدا، وصبرت واحتسبت. وكانت يوم الخندق في حصن حسان بن ثابت، قالت: وهو معنا في الحصن مع الذرية، فمر بالحصن يهودي فجعل يطيف بالحصن والمسلمون في نحور عدوهم، فذكرت الحديث وأنها نزلت وقتلت اليهودي بعمود كما تقدم في غزوة الخندق.

توفيت صفية سنة عشرين، ودفنت بالبقيع عن بضع وسبعين سنة.

أبو الهيثم بن التيهان البلوي، حليف بني عبد الأشهل.

كان أحد نقباء الأنصار، شهد بدرا والمشاهد كلها، وكان من خيار الصحابة، وهو الذي أضاف النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور. واسمه

ص: 121

مالك بن التيهان بن مالك بن عبيد البلوي القضاعي حليف بني عبد الأشهل. وقيل: هو أنصاري من أنفسهم، شهد العقبتين.

وقيل: بل توفي سنة إحدى وعشرين، وأخطأ من قال: قتل بصفين مع علي؛ بل ذاك أخوه عبيد.

والتيهان بالتخفيف، كذا يقوله أهل الحجاز، وشدده ابن الكلبي.

ص: 122

‌سنة إحدى وعشرين

قيل: فيها فتح عمرو بن العاص الإسكندرية. وقد مرت.

وفيها شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص وتعنتوه، فصرفه عمر وولى عمار بن ياسر على الصلاة، وابن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف على مساحة أرض السواد.

وفيها سار عثمان بن أبي العاص فنزل توج ومصرها.

وبعث سوار بن المثنى العبدي إلى سابور، فاستشهد، فأغار عثمان بن أبي العاص على سيف البحر والسواحل، وبعث الجارود بن المعلى فقتل الجارود أيضا.

عن المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس القتباني، وعن غير واحد أن عمرا سار من فلسطين بالجيش من غير أمر عمر إلى مصر فافتتحها، فعتب عمر عليه إذ لم يعلمه، فكتب يستأذن عمر بمناهضة أهل الإسكندرية، فسار عمرو في سنة إحدى وعشرين، وخلف على الفسطاط خارجة بن حذافة العدوي، فالتقى القبط فهزمهم بعد قتال شديد، ثم التقاهم عند الكريون فقاتلوا قتالا شديدا، ثم انتهى إلى الإسكندرية، فأرسل إليه المقوقس يطلب الصلح والهدنة منه، فأبى عليه، ثم جد في القتال حتى دخلها بالسيف، وغنم ما فيها من الروم، وجعل فيها عسكرا عليهم عبد الله بن حذافة السهمي، وبعث إلى عمر بالفتح، وبلغ الخبر قسطنطين بن هرقل فبعث خصيا له يقال له منويل في ثلاثمائة مركب حتى دخلوا الإسكندرية، فقتلوا بها المسلمين ونجا من هرب، ونقض أهلها، فزحف إليها عمرو في خمسة عشر ألفا، ونصب عليها المجانيق، وجد في القتال حتى فتحها عنوة، وخرب جدرها. رؤي عمرو يخرب بيده. رواه حماد بن سلمة، عن أبي عمران، عن علقمة.

ص: 123

‌نهاوند

وقال النهاس بن قهم، عن القاسم بن عوف الشيباني، عن السائب بن الأقرع قال: زحف للمسلمين زحف لم ير مثله قط، زحف لهم أهل ماه وأهل أصبهان وأهل همذان والري وقومس ونهاوند وأذربيجان، قال: فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فشاور المسلمين، فقال علي رضي الله عنه: أنت أفضلنا رأيا وأعلمنا بأهلك. فقال: لأستعملن على الناس رجلا يكون لأول أسنة يلقاها، يا سائب اذهب بكتابي هذا إلى النعمان بن مقرن، فليسر بثلثي أهل الكوفة، وليبعث إلى أهل البصرة، وأنت على ما أصابوا من غنيمة، فإن قتل النعمان فحذيفة الأمير، فإن قتل حذيفة فجرير بن عبد الله، فإن قتل ذلك الجيش فلا أراك.

وروى علقمة بن عبد الله المزني عن معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان؛ فأيتهن يبدأ، فقال: يا أمير المؤمنين، أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت أحد الجناحين مال الرأس بالجناح الآخر، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فدخل عمر المسجد فوجد النعمان بن مقرن يصلي، فسرحه وسرح معه الزبير بن العوام، وحذيفة بن اليمان، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن معدي كرب، والأشعث بن قيس، وعبد الله بن عمر، فسار حتى أتى نهاوند، فذكر الحديث إلى أن قال النعمان لما التقى الجمعان: إن قتلت فلا يلوي علي أحد، وإني داعي الله بدعوة فأمنوا. ثم دعا: اللهم ارزقني الشهادة بنصر المسلمين والفتح عليهم، فأمن القوم وحملوا، فكان النعمان أول صريع.

وروى خليفة بإسناد قال: التقوا بنهاوند يوم الأربعاء، فانكشفت مجنبة المسلمين اليمنى شيئا، ثم التقوا يوم الخميس فثبتت الميمنة وانكشف أهل الميسرة، ثم التقوا يوم الجمعة فأقبل النعمان يخطبهم

ص: 124

ويحضهم على الحملة، ففتح الله عليهم.

وقال زياد الأعجم: قدم علينا أبو موسى بكتاب عمر إلى عثمان بن أبي العاص: أما بعد، فإني قد أمددتك بأبي موسى، وأنت الأمير، فتطاوعا، والسلام. فلما طال حصار إصطخر بعث عثمان بن أبي العاص عدة أمراء فأغاروا على الرساتيق.

وقال ابن جرير في وقعة نهاوند: لما انتهى النعمان إلى نهاوند في جيشه طرحوا له حسك الحديد، فبعث عيونا فساروا لا يعلمون، فزجر بعضهم فرسه وقد دخل في حافره حسكة، فلم يبرح، فنزل فإذا الحسك، فأقبل بها، وأخبر النعمان، فقال النعمان: ما ترون؟ فقالوا: تقهقر حتى يروا أنك هارب فيخرجوا في طلبك، فتأخر النعمان، وكنست الأعاجم الحسك وخرجوا، فعطف عليهم النعمان وعبأ كتائبه وخطب الناس، وقال: إن أصبت فعليكم حذيفة، فإن أصيب فعليكم جرير البجلي، وإن أصيب فعليكم قيس بن مكشوح، فوجد المغيرة في نفسه إذ لم يستخلفه، قال: وخرجت الأعاجم وقد شدوا أنفسهم في السلاسل لئلا يفروا، وحمل عليهم المسلمون، فرمي النعمان بسهم فقتل، ولفه أخوه سويد بن مقرن في ثوبه وكتم قتله حتى فتح الله عليهم، ودفع الراية إلى حذيفة.

وقتل الله ذا الحاجب؛ يعني مقدمهم، وافتتحت نهاوند، ولم يكن للأعاجم بعد ذلك جماعة.

وبعث عمر السائب بن الأقرع مولى ثقيف - وكان كاتبا حاسبا - فقال: إن فتح الله على الناس فاقسم عليم فيئهم واعزل الخمس. قال السائب: فإني لأقسم بين الناس إذ جاءني أعجمي، فقال: أتؤمنني على نفسي وأهلي على أن أدلك على كنز يزدجرد يكون لك ولصاحبك؟ قلت: نعم، وبعثت معه رجلا، فأتى بسفطين عظيمين ليس فيهما إلا الدر والزبرجد واليواقيت، قال: فاحتملتهما معي، وقدمت على عمر بهما، فقال: أدخلهما بيت

ص: 125

المال، ففعلت، ورجعت إلى الكوفة سريعا، فما أدركني رسول عمر إلا بالكوفة، أناخ بعيره على عرقوب بعيري، فقال: الحق بأمير المؤمنين، فرجعت حتى أتيته، فقال: ما لي ولابن أم السائب، وما لابن أم السائب ولي، قلت: وما ذاك؟ قال: والله ما هو إلا أن نمت، فباتت ملائكة تسحبني إلى ذينك السفطين يشتعلان نارا، يقولون: لنكوينك بهما، فأقول: إني سأقسمهما بين المسلمين، فخذهما عني لا أبا لك، فالحق بهما في أعطية المسلمين وأرزاقهم، قال: فخرجت بهما حتى وضعتهما في مسجد الكوفة، وغشيني التجار، فابتاعهما مني عمرو ابن حريث بألفي ألف درهم، ثم خرج بهما إلى أرض العجم فباعها بأربعة آلاف ألف، فما زال أكثر أهل الكوفة مالا.

وفيها سار عمرو بن العاص إلى برقة فافتتحها، وصالحهم على ثلاثة عشر ألف دينار.

وفيها صالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس على أنطاكية وملقية، وغير ذلك. وأبو هاشم من مسلمة الفتح، حسن إسلامه، وله حديث في سنن النسائي وغيرها. روى عنه أبو هريرة، وسمرة بن سهم. وهو خال معاوية، شهد فتوح الشام.

وفيها توفي:

‌طليحة بن خويلد بن نوفل الأسدي

رضي الله عنه.

أسلم سنة تسع، ثم ارتد وتنبأ بنجد وحارب المسلمين، ثم انهزم ولحق بنواحي دمشق عند آل جفنة، فلما توفي الصديق تاب وخرج محرما بالحج، فلما رآه عمر قال: يا طليحة، لا أحبك بعد قتل عكاشة بن

ص: 126

محصن، وثابت بن أقرم. فقال: يا أمير المؤمنين، رجلين أكرمهما الله بيدي ولم يهني بأيديهما. ثم حسن إسلامه وشهد القادسية، وكتب عمر إلى سعد أن شاور طليحة في أمر الحرب ولا توله شيئا.

وقال ابن سعد: كان طليحة يعد بألف فارس لشجاعته وشدته. وقال غيره: استشهد طليحة بنهاوند.

سوى ت:‌

‌ خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله

بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، أبو سليمان المكي، سيف الله تعالى، كذلك لقبه النبي صلى الله عليه وسلم.

وأمه لبابة أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين، شهد غزوة مؤتة وما بعدها، وله أحاديث؛ روى عنه ابن عباس، وقيس بن أبي حازم، وجبير بن نفير، وأبو وائل، وجماعة.

وكان بطلا شجاعا ميمون النقيبة، باشر حروبا كثيرة، ومات على فراشه وهو ابن ستين سنة، ولم يكن في جسده نحو شبر إلا وعليه طابع الشهداء، رضي الله عنه.

وقال جويرية بن أسماء: كان خالد من أمد الناس بصرا.

وقال عروة بن الزبير: لما استخلف عمر كتب إلى أبي عبيدة: إني قد وليتك وعزلت خالدا. قال خليفة: فولى أبو عبيدة لما افتتح الشام خالدا على دمشق.

وقال أبو عبيد، وإبراهيم بن المنذر، وجماعة: إنه توفي سنة إحدى وعشرين بحمص. وقال دحيم وحده: مات بالمدينة.

مناقب خالد كثيرة ساقها ابن عساكر، من أصحها ما رواه ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت خالد بن الوليد أتي بسم، فقال:

ص: 127

ما هذا؟ قالوا: سم، فقال: باسم الله وشربه.

وروى يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال: قالوا لخالد: احذر الأعاجم لا يسقونك السم، فقال: ائتوني به، فأتي به، فاقتحمه وقال: باسم الله، فلم يضره شيئا.

وقال الأعمش، عن خيثمة قال: أتي خالد برجل معه زق خمر، فقال: اللهم اجعله خلا، فصار خلا.

جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: وقع بين خالد بن الوليد وعمار كلام، فقال عمار: لقد هممت أن لا أكلمك أبدا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا خالد، مالك ولعمار، رجل من أهل الجنة قد شهد بدرا. وقال: يا عمار، إن خالدا سيف من سيوف الله على الكفار. قال خالد: فما زلت أحب عمارا من يومئذ.

سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل قال: بلغ عمر أن نسوة من نساء بني المغيرة قد اجتمعن في دار يبكين على خالد بن الوليد، فقال عمر: وما عليهن أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة.

وحشي بن حرب بن وحشي، عن أبيه، عن جده أن أبا بكر عقد لخالد وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله سله على الكفار والمنافقين. رواه أحمد في مسنده.

ع:‌

‌ العلاء بن الحضرمي

، واسم الحضرمي عبد الله بن عباد بن أكبر بن ربيعة بن مقنع بن حضرموت.

حليف بني أمية، وإلى أخيه تنسب بئر ميمون التي بأعلى مكة،

ص: 128

احتفرها في الجاهلية ميمون بن الحضرمي، ولهما أخوان: عمرو، وعامر.

وكان العلاء من فضلاء الصحابة، ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أبو بكر، وعمر البحرين، وقيل: إن عمر ولاه البصرة فمات قبل أن يصل إليها، واستعمل عمر بعد العلاء أبا هريرة على البحرين.

له عن النبي صلى الله عليه وسلم: مكث المهاجر بعد قضاء نسكه بمكة ثلاثا.

روى عنه السائب بن يزيد، وحيان الأعرج، وزياد بن حدير.

وقال منصور بن زاذان، عن ابن سيرين: إن العلاء بن الحضرمي كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه.

وقال محمد بن إسحاق: كان الحضرمي حليف حرب بن أمية. وقيل له الحضرمي؛ لأنه جاء من بلاد حضرموت.

وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: بعث أبو بكر الصديق العلاء في جيش قبل البحرين، وكانوا قد ارتدوا، فسار إليهم وبينه وبينهم عرض البحر حتى مشوا فيه بأرجلهم، وقطعوا كذلك في مكان كانت تجري فيه السفن، وهي اليوم تجري فيه، فقاتلهم وأظهره الله عليهم، وسلموا ما منعوا من الزكاة.

أخبرنا إسحاق بن أبي بكر قال: أخبرنا يوسف بن خليل قال: أخبرنا محمد بن أبي زيد قال: أخبرنا محمود، قال: أخبرنا ابن فاذشاه، قال: حدثنا سليمان الطبراني، قال: حدثنا الحسين بن أحمد بسطام، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم صاحب الهروي، قال: حدثنا أبي، عن أبي كعب صاحب الحرير، عن الجريري، عن أبي السليل، عن أبي هريرة قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى البحرين تبعته فرأيت منه ثلاث خصال لا أدري أيتهن أعجب: انتهينا إلى شاطئ البحر فقال: سموا واقتحموا فسمينا واقتحمنا، فعبرنا فما بل الماء إلا أسافل خفاف إبلنا، فلما قفلنا صرنا بعد بفلاة من الأرض، فليس معنا ماء، فشكونا إليه، فصلى ركعتين، ثم دعا فإذا سحابة مثل الترس، ثم أرخت عزاليها فسقينا

ص: 129

واستقينا. ومات بعدما بعثه أبو بكر إلى البحرين لما ارتدت ربيعة، فأظفره الله بهم، وأعطوا ما منعوا من الزكاة، ومات فدفناه في الرمل، فلما سرنا غير بعيد قلنا: يجيء سبع فيأكله، فرجعنا فلم نره. روى نحوه مجالد بن سعيد، عن الشعبي مرسلا بأطول منه.

مجالد، عن الشعبي، أن عمر كتب إلى العلاء بن الحضرمي - وهو بالبحرين - أن سر إلى عتبة بن غزوان فقد وليتك عمله، إني ظننت أنك أغنى عن المسلمين منه، فمات العلاء قبل أن يصل إلى البصرة. كذا هذا.

عن أبي هريرة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمي، وكنت أؤذن له.

وعن المسور بن مخرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، ثم عزله بأبان بن سعيد.

وذكر ابن سعد أن أبا بكر استعمل العلاء على سرية فسبى وغنم.

‌الجارود العبدي

، سيد عبد القيس

هو أبو عتاب، وقيل: أبو غياث، وقيل: أبو المنذر، الجارود بن المعلى، وقيل: اسمه بشر بن حنش. ولقب جارودا لكونه أغار على بكر بن وائل فأصابهم وجردهم.

وفد في عبد القيس سنة عشر من الهجرة - وكانوا نصارى - فأسلم الجارود، وفرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وأكرمه. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه عبد الله بن عمرو بن العاص، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وزيد بن علي القموصي، وأبو مسلم الجذمي، وغيرهم. اختط بالبصرة.

ص: 130

قتل شهيدا ببلاد فارس سنة إحدى وعشرين، وقيل: قتل مع النعمان بن مقرن.

ع:‌

‌ النعمان بن مقرن المزني

، أبو عمرو، ويقال: أبو حكيم

من سادة الصحابة، كان معه لواء مزينة يوم الفتح. روى عنه ابنه معاوية، ومعقل بن يسار، ومسلم بن الهيصم، وجبير حية الثقفي. وكان أمير الجيش يوم فتح نهاوند، فاستشهد يومئذ، ونعاه عمر على المنبر وبكى.

ص: 131

‌سنة اثنتين وعشرين

فيها فتحت أذربيجان على يد المغيرة بن شعبة، قاله ابن إسحاق، فيقال: إنه صالحهم على ثمانمائة ألف درهم.

وقال أبو عبيدة: افتتحها حبيب بن مسلمة الفهري بأهل الشام عنوة ومعه أهل الكوفة، وفيهم حذيفة، فافتتحها بعد قتال شديد. فالله أعلم.

وفيها غزا حذيفة مدينة الدينور فافتتحها عنوة، وقد كانت فتحت لسعد ثم انتقضت.

ثم غزا حذيفة ماه سندان فافتتحها عنوة، على خلف في ماه، وقيل: افتتحها سعد، فانتقضوا.

وقال طارق بن شهاب: غزا أهل البصرة ماه فأمدهم أهل الكوفة، عليهم عمار بن ياسر، فأرادوا أن يشركوا في الغنائم، فأبى أهل البصرة، ثم كتب إليهم عمر: الغنيمة لمن شهد الوقعة.

وقال أبو عبيدة: ثم غزا حذيفة همذان، فافتتحها عنوة، ولم تكن فتحت. وإليها انتهى فتوح حذيفة، وكل هذا في سنة اثنتين.

قال: ويقال همذان افتتحها المغيرة بن شعبة سنة أربع وعشرين، ويقال: افتتحها جرير بن عبد الله بأمر المغيرة.

وقال خليفة بن خياط: فيها افتتح عمرو بن العاص أطرابلس المغرب، ويقال: في السنة التي بعدها.

وفيها عزل عمار عن الكوفة.

وفيها افتتحت جرجان.

وفيها فتح سويد بن مقرن الري، ثم عسكر وسار إلى قومس فافتتحها.

وفيها أبي بن كعب، توفي في قول الواقدي، ومحمد بن عبد الله بن نمير

ص: 132

ومحمد بن يحيى الذهلي، والترمذي، وقد مر سنة تسع عشرة.

‌معضد بن يزيد الشيباني:

استشهد بأذربيجان، ولا صحبة له.

وولد فيها يزيد بن معاوية.

وقال محمد بن جرير: إن عمر أقر على فرج الباب عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي، وأمره بغزو الترك، فسار بالناس حتى قطع الباب، فقال له شهريران: ما تريد أن تصنع؟ قال: أناجزهم في ديارهم، وبالله إن معي لأقواما لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لبلغت بهم السد.

ولما دخل عبد الرحمن على الترك حال الله بينهم وبين الخروج عليه وقالوا: ما اجترأ على هذا الأمر إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت، ثم هربوا وتحصنوا، فرجع بالظفر والغنيمة، ثم إنه غزاهم مرتين في خلافة عثمان فيسلم ويغنم، ثم قاتلهم فاستشهد - أعني عبد الرحمن بن ربيعة رحمه الله تعالى - فأخذ أخوه سلمان بن ربيعة الراية، وتحيز بالناس، قال: فهم - يعني الترك - يستسقون بجسد عبد الرحمن حتى الآن.

‌خبر السد

الوليد: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، قال: أخبرني رجلان، عن أبي بكرة الثقفي، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيت السد، قال: كيف رأيته؟ قال: رأيته كالبرد المحبر. رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة مرسلا، وزاد: طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال: قد رأيته، قلت: يريد حمرة النحاس وسواد الحديد.

سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، يروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم، حتى إذا كادوا أن يروا شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا، فيعيده الله كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم حفروا، حتى إذا كادوا أن يروا الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه إن شاء الله غدا،

ص: 133

فيعودون إليه كهيئته حين تركوه فيحفرونه، فيخرجون على الناس، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع فيها كهيئة الدماء، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفا فيقتلهم بها.

ذكر ابن جرير في تاريخه من حديث عمرو بن معدي كرب، عن مطر بن بلج التميمي قال: دخلت على عبد الرحمن بن ربيعة بالباب وشهريران عنده، فأقبل رجل عليه شحوبة حتى دخل على عبد الرحمن فجلس إلى شهريران، وكان على مطر قباء برد يمني أرضه حمراء ووشيه أسود. فتساءلا، ثم إن شهريران قال: أيها الأمير أتدري من أين جاء هذا الرجل؟ هذا رجل بعثته نحو السد منذ سنتين ينظر ما حاله ومن دونه، وزودته مالا عظيما، وكتبت له إلى من يليني وأهديت له، وسألته أن يكتب له إلى من وراءه، وزودته لكل ملك هدية، ففعل ذلك بكل ملك بينه وبينه، حتى انتهى إلى ذلك السد في ظهره، فكتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه، فبعث معه بازياره ومعه عقابه وأعطاه حريرة، فلما انتهينا إذا جبلان، بينهما سد مسدود حتى ارتفع على الجبلين، وإن دون السد خندقا أشد سوادا من الليل لبعده، فنظرت إلى ذلك كله وتفرست فيه، ثم ذهبت لأنصرف، فقال لي البازيار: على رسلك أكافئك لأنه لا يلي ملك بعد ملك إلا تقرب إلى الله بأفضل ما عنده من الدنيا فيرمي به هذا اللهب، قال: فشرح بضعة لحم معه وألقاها في ذلك الهواء، وانقضت عليها العقاب، وقال: إن أدركتها قبل أن تقع فلا شيء، فخرج عليه العقاب باللحم في مخاليبه، فإذا قد لصق فيه ياقوتة فأعطانيها وها هي ذه، فتناولها شهريران

ص: 134

فرآها حمراء، فتناولها عبد الرحمن ثم ردها، فقال شهريران: إن هذه لخير من هذا - يعني الباب - وايم الله لأنتم أحب إلي ملكة من آل كسرى، ولو كنت في سلطانهم ثم بلغهم خبرها لانتزعوها مني، وأيم الله لا يقوم لكم شيء ما وفيتم أو وفى ملككم الأكبر. فأقبل عبد الرحمن على الرسول، وقال: ما حال السد وما شبهه؟ فقال: مثل هذا الثوب الذي على مطر، فقال مطر: صدق والله الرجل لقد بعد ورأى ووصف صفة الحديد والصفر. فقال عبد الرحمن لشهريران: كم كانت قيمة هاتيك؟ قال: مائة ألف في بلادي هذه، وثلاثة آلاف ألف في تلك البلدان.

وحدث سلام الترجمان، قال: لما رأى الواثق بالله كأن السد الذي بناه ذو القرنين قد فتح وجهني، وقال لي: عاينه وجئني بخبره، وضم إلي خمسين رجلا، وزودنا، وأعطانا مائتي بغل تحمل الزاد، فشخصنا من سامراء بكتابه إلى إسحاق وهو بتفليس، فكتب لنا إسحاق إلى صاحب السرير، وكتب لنا صاحب السرير إلى ملك اللان، وكتب لنا ملك اللان إلى فيلانشاه، وكتب لنا إلى ملك الخزر، فوجه معنا خمسة أدلاء، فسرنا من عنده ستة وعشرين يوما، ثم صرنا إلى أرض سوداء منتنة، فكنا نشتم الخل، فسرنا فيها عشرة أيام، ثم صرنا إلى مدائن خراب ليس فيها أحد، فسرنا فيها سبعة وعشرين يوما، فسألنا الأدلاء عن تلك المدن، فقالوا: هي التي كان يأجوج ومأجوج يطرقونها فأخربوها. ثم صرنا إلى حصون عند السد بها قوم يتكلمون بالعربية والفارسية، مسلمون يقرؤون القرآن، لهم مساجد وكتاتيب، فسألونا، فقلنا: نحن رسل أمير المؤمنين، فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أمير المؤمنين! فنقول: نعم، فقالوا: أشيخ هو أم شاب؟ قلنا: شاب، فقالوا: أين يكون؟ فقلنا: بالعراق بمدينة يقال لها: سر من رأى، فقالوا: ما سمعنا بهذا قط.

ثم صرنا إلى جبل أملس ليس عليه خضراء، وإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة ذراع، فرأينا عضادتين مبنيتين مما يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا، الظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب، وكله بناء بلبن من حديد مغيب في نحاس في سمك خمسين

ص: 135

ذراعا، قد ركب على العضادتين على كل واحدة بمقدار عشرة أذرع في عرض خمسة، وفوق الدروند بناء بذلك اللبن الحديد إلى رأس الجبل، وارتفاعه مدى البصر، وفوق ذلك شرف حديد لها قرنان يلج كل واحد منهما إلى صاحبه، وإذا باب حديد له مصراعان مغلقان عرضهما مائة ذراع في طول مائة ذراع في ثخانة خمسة أذرع، وعليه قفل طوله سبعة أذرع في غلظ باع، وفوقه بنحو قامتين غلق طوله أكثر من طول القفل، وقفيزاه كل واحد منهما ذراعان، وعلى الغلق مفتاح معلق ط له ذراع ونصف، في سلسلة طولها ثمانية أذرع، وهي في حلقة كحلقة المنجنيق، ورئيس تلك الحصون يركب في كل جمعة في عشرة فوارس، مع كل فارس مرزبة من حديد فيضربون القفل بتلك المرازب ثلاث ضربات، يسمع من وراء الباب الضرب فيعلمون أن هناك حفظة، ويعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا في الباب حدثا، وإذا ضربوا القفل وضعوا آذانهم يتسمعون، فيسمعون دويا كالرعد.

وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير، ومع الباب حصنان يكون مقدار كل واحد منهما مائتا ذراع، في مائتي ذراع، وعلى باب كل حصن شجرة، وبين الحصنين عين عذبة، وفي أحد الحصنين آلة بناء السد من قدور ومغارف وفضلة اللبن قد التصق بعضه ببعض من الصدأ، وطول اللبنة ذراع ونصف في مثله في سمك شبر. فسألنا أهل الموضع هل رأوا أحدا من يأجوج ومأجوج، فذكروا أنهم رأوا مرة أعدادا منهم فوق الشرف، فهبت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم، وكان مقدار الرجل منهم شبرا ونصفا، فلما انصرفنا أخذ بنا الأدلاء، إلى ناحية خراسان، فسرنا إليها حتى خرجنا خلف سمرقند بتسعة فراسخ، وكان أصحاب الحصون زودونا ما كفانا. ثم صرنا إلى عبد الله بن طاهر. قال سلام الترجمان: فأخبرته خبرنا، فوصلني بمائة ألف درهم، ووصل كل رجل معي بخمس مائة درهم، ووصلنا إلى سر من رأى بعد خروجنا منها بثمانية وعشرين شهرا. قال مصنف كتاب المسالك والممالك: هكذا أملى علي سلام الترجمان.

ص: 136

‌سنة ثلاث وعشرين

فيها: بينما عمر رضي الله عنه يخطب إذ قال: يا سارية، الجبل، وكان عمر قد بعث سارية بن زنيم الديلي إلى فسا ودارابجرد فحاصرهم، ثم إنهم تداعوا وجاؤوه من كل ناحية والتقوا بمكان، وكان إلى جهة المسلمين جبل لو استندوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فلجؤوا إلى الجبل، ثم قاتلوهم فهزموهم. وأصاب سارية الغنائم فكان منها سفط جوهر، فبعث به إلى عمر فرده وأمره أن يقسمه بين المسلمين، وسأل النجاب أهل المدينة عن الفتح وهل سمعوا شيئا، فقال: نعم يا سارية، الجبل الجبل وقد كدنا نهلك، فلجأنا إلى الجبل، فكان النصر. ويروى أن عمر رضي الله عنه سئل فيما بعد عن كلامه يا سارية، الجبل فلم يذكره.

وفيها كان فتح كرمان، وكان أميرها سهيل بن عدي.

وفيها فتحت سجستان، وأميرها عاصم بن عمرو.

وفيها فتحت مكران، وأميرها الحكم بن عثمان، وهي من بلاد الجبل.

وفيها رجع أبو موسى الأشعري من أصبهان، وقد افتتح بلادها.

وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمورية.

(وفيها توفي):

خ ت ن ق:‌

‌ قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن كعب

- واسمه ظفر - بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، أبو عمر الأنصاري الظفري، أخو أبي سعيد الخدري لأمه، وقتادة الأكبر.

شهد بدرا وأصيبت عينه ووقعت على خده يوم أحد، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فغمز حدقته وردها إلى موضعها، فكانت أصح عينيه.

ص: 137

وكان على مقدمة عمر في مقدمه إلى الشام، وكان من الرماة المذكورين. وله أحاديث، روى عنه أخوه أبو سعيد، وابنه عمر بن قتادة، ومحمود بن لبيد، وغيرهم.

وعاش خمسا وستين سنة رضي الله عنه. توفي فيها على الصحيح، ونزل عمر في قبره، وقيل: توفي في التي قبلها.

‌عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى

بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، أمير المؤمنين، أبو حفص، القرشي العدوي، الفاروق رضي الله عنه.

استشهد في أواخر ذي الحجة. وأمه حنتمة بنت هشام المخزومية أخت أبي جهل. أسلم في السنة السادسة من النبوة وله سبع وعشرون سنة.

روى عنه علي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو هريرة، وعدة من الصحابة، وعلقمة بن وقاص، وقيس بن أبي حازم، وطارق بن شهاب، ومولاه أسلم، وزر بن حبيش، وخلق سواهم.

وعن عبد الله بن عمر، قال: كان أبي أبيض تعلوه حمرة، طوالا، أصلع، أشيب.

وقال غيره: كان أمهق، طوالا، أصلع، آدم، أعسر يسر.

وقال أبو رجاء العطاردي: كان طويلا جسيما، شديد الصلع، شديد الحمرة، في عارضيه خفة. وسبلته كبيرة وفي أطرافها صهبة، إذا حزبه أمر فتلها.

ص: 138

وقال سماك بن حرب: كان عمر أروح كأنه راكب والناس يمشون، كأنه من رجال بني سدوس. والأروح: الذي يتدانى قدماه إذا مشى.

وقال أنس: كان يخضب بالحناء.

وقال سماك: كان عمر يسرع في مشيته.

ويروى عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: كان عمر يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى، ويثب على فرسه فكأنما خلق على ظهره.

وعن ابن عمر وغيره - من وجوه جيدة - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب. وقد ذكرنا إسلامه في الترجمة النبوية.

وقال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر.

وقال سعيد بن جبير: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} نزلت في عمر خاصة.

وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.

وقال شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر: إن الناس يزيدهم حرصا على الإسلام أن يروا عليك زيا حسنا من الدنيا. فقال: أفعل، وايم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدا.

وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض، فوزيراي من أهل السماء: جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض: أبو بكر وعمر. وروي نحوه من وجهين عن أبي سعيد الخدري.

قال الترمذي في حديث أبي سعيد: حديث حسن.

قلت: وكذلك حديث ابن عباس حسن.

ص: 139

وعن محمد بن ثابت البناني، عن أبيه، عن أنس نحوه.

وفي مسند أبي يعلى من حديث أبي ذر يرفعه: إن لكل نبي وزيرين، ووزيراي أبوبكر وعمر.

وعن أبي سلمة، عن أبي أروى الدوسي قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلع أبو بكر وعمر، فقال: الحمد لله الذي أيدني بكما. تفرد به عاصم بن عمر، وهو ضعيف.

وقد مر في ترجمة الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين فقال: هذان سيدا كهول أهل الجنة

الحديث.

وروى الترمذي من حديث ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فدخل المسجد، وأبو بكر وعمر معه وهو آخذ بأيديهما فقال: هكذا نبعث يوم القيامة. إسناده ضعيف.

وقال زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

ورواه سالم أبو العلاء - وهو ضعيف - عن عمرو بن هرم، عن ربعي، وحديث زائدة حسن.

وروى عبد العزيز بن المطلب بن حنطب، عن أبيه، عن جده قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال: هذان السمع والبصر.

ويروى نحوه من حديث ابن عمر وغيره.

وقال يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقرئ عمر السلام وأخبره أن غضبه عز وجل ورضاه حكم. المرسل أصح، وبعضهم يصله عن ابن عباس.

ص: 140

وقال محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إيها يا ابن الخطاب، فوالذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك.

وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يفرق من عمر. رواه مبارك بن فضالة، عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة.

وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زفن الحبشة لما أتى عمر: إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر. صححه الترمذي.

وقال حسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن أمة سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رجع من غزاة، فقالت: إني نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب عندك بالدف، قال: إن كنت نذرت فافعلي فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عمر فجعلت دفها خلفها وهي مقعية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليفرق منك يا عمر.

وقال يحيى بن يمان، عن الثوري، عن عمر بن محمد، عن سالم بن عبد الله قال: أبطأ خبر عمر على أبي موسى الأشعري، فأتى امرأة في بطنها شيطان فسألها عنه، فقالت: حتى يجيء شيطاني، فجاء فسألته عنه، فقال: تركته مؤتزرا وذاك رجل لا يراه شيطان إلا خر لمنخريه، الملك بين عينيه وروح القدس ينطق بلسانه.

وقال زر: كان ابن مسعود يخطب ويقول: إني لأحسب الشيطان يفرق

ص: 141

من عمر أن يحدث حدثا فيرده، وإني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه.

وقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب. رواه مسلم.

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه. رواه جماعة عن نافع، عنه. وروي نحوه عن جماعة من الصحابة.

وقال الشعبي: قال علي رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر.

وقال أنس: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي قوله {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ}

وقال حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن مشرح، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان بعدي نبي لكان عمر.

وجاء من وجهين مختلفين عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله باهى بأهل عرفة عامة وباهى بعمر خاصة.

ص: 142

ويروى مثله عن ابن عمر، وعقبة بن عامر.

وقال معن القزاز: ثنا الحارث بن عبد الملك الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أخيه الفضل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحق بعدي مع عمر حيث كان.

وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر. قالوا: فما أولت ذلك؟ قال: العلم.

وقال أبو سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر علي عمر عليه قميص يجره. قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين.

وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر.

وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فرأيت قصرا من ذهب فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لشاب من قريش، فظننت أني أنا هو، فقيل: لعمر بن الخطاب.

وفي الصحيح أيضا من حديث جابر مثله.

ص: 143

وقال أبو هريرة، عن النبي ص ى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة توضأ إلى جانب قصر فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرة عمر، فوليت مدبرا. قال: فبكى عمر وقال: بأبي أنت يا رسول الله، أعليك أغار؟

وقال الشعبي وغيره: قال علي رضي الله عنه: بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي.

هذا الحديث سمعه الشعبي من الحارث الأعور، وله طرق حسنة عن علي، منها: عاصم، عن زر. وأبو إسحاق، عن عاصم بن ضمرة. قال الحافظ ابن عساكر: والحديث محفوظ عن علي رضي الله عنه.

قلت: وروي نحوه من حديث أبي هريرة، وابن عمر، وأنس، وجابر.

وقال مجالد عن أبي الوداك، وقاله جماعة عن عطية، كلاهما عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن أهل الدرجات العلا ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما.

وعن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر فقال: هكذا نبعث يوم القيامة. تفرد به سعيد بن مسلمة الأموي وهو ضعيف عن إسماعيل.

وقال علي رضي الله عنه بالكوفة على منبرها في ملأ من الناس أيام خلافته: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته. وهذا متواتر عن علي رضي الله عنه، فقبح الله الرافضة.

ص: 144

وقال الثوري، عن أبي هاشم القاسم بن كثير، عن قيس الخارفي، قال: سمعت عليا يقول: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى أبو بكر، وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة فكان ما شاء الله. ورواه شريك، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، عن علي مثله.

وقال ابن عيينة، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

وكذا رواه سفيان بن حسين الواسطي، عن عبد الملك، وكان سفيان ربما دلسه وأسقط منه زائدة. ورواه سفيان الثوري، عن عبد الملك، عن هلال مولى ربعي عن ربعي.

وقالت عائشة: قال أبو بكر: ما على ظهر الأرض رجل أحب إلي من عمر.

وقالت عائشة: دخل ناس على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يسعك أن تولي علينا عمر وأنت ذاهب إلى ربك، فماذا تقول له؟ قال: أقول: وليت عليهم خيرهم.

وقال الزهري: أول من حيا عمر بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة.

وقال القاسم بن محمد: قال عمر: ليعلم من ولي هذا الأمر من بعدي أن سيريده عنه القريب والبعيد، إني لأقاتل الناس عن نفسي قتالا، ولو علمت أن أحدا أقوى عليه مني لكنت أن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أليه.

وعن ابن عباس قال: لما ولي عمر قيل له: لقد كاد بعض الناس أن يحيد هذا الأمر عنك، قال: وما ذاك؟ قال: يزعمون أنك فظ غليظ. قال:

ص: 145

الحمد لله الذي ملأ قلبي لهم رحما، وملأ قلوبهم لي رعبا.

وقال الأحنف بن قيس: سمعت عمر يقول: لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين: حلة للشتاء وحلة للصيف، وما حج به واعتمر، وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم، ثم أنا رجل من المسلمين.

وقال عروة: حج عمر بالناس إمارته كلها.

وقال ابن عمر: ما رأيت أحدا قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض أجد ولا أجود من عمر.

وقال الزهري: فتح الله الشام كله على عمر، والجزيرة ومصر والعراق كله، ودون الدواوين قبل أن يموت بعام، وقسم على الناس فيئهم.

وقال عاصم بن أبي النجود، عن رجل من الأنصار، عن خزيمة بن ثابت، أن عمر كان إذا استعمل عاملا كتب له واشترط عليه أن لا يركب برذونا، ولا يأكل نقيا، ولا يلبس رقيقا، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات، فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة.

وقال طارق بن شهاب: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول: احبس هذه، ثم يحدثه بالحديث فيقول: احبس هذه، فيقول له: كل ما حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه.

وقال ابن مسعود: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر؛ إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله.

وقال ابن مسعود: لو أن علم عمر وضع في كفه ميزان ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح علم عمر بعلمهم.

وقال شمر، عن حذيفة قال: كأن علم الناس مدسوسا في جحر مع عمر.

وقال ابن عمر: تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما تعلمها نحر جزورا.

وقال العوام بن حوشب: قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم

ص: 146

ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهرا لبطن.

وقال عكرمة بن خالد وغيره: إن حفصة، وعبد الله، وغيرهما كلموا عمر، فقالوا: لو أكلت طعاما طيبا كان أقوى لك على الحق. قال: أكلكم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم. قال: قد علمت نصحكم ولكني تركت صاحبي على جادة، فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل.

قال: وأصاب الناس سنة فما أكل عامئذ سمنا ولا سمينا.

وقال ابن أبي مليكة: كلم عتبة بن فرقد عمر في طعامه، فقال: ويحك، آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها؟!

وقال مبارك، عن الحسن: دخل عمر على ابنه عاصم وهو يأكل لحما، فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا إليه. قال: أوكلما قرمت إلى شيء أكلته! كفى بالمرء سرفا أن يأكل كل ما اشتهى.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، قال عمر: لقد خطر على قلبي شهوة السمك الطري، قال: ورحل يرفأ راحلته وسار أربعا مقبلا ومدبرا، واشترى مكتلا فجاء به، وعمد إلى الراحلة فغسلها، فأتى عمر فقال: انطلق حتى أنظر إلى الراحلة، فنظر وقال: نسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنها، عذبت بهيمة في شهوة عمر، لا والله لا يذوق عمر مكتلك.

وقال قتادة: كان عمر يلبس، وهو خليفة، جبة من صوف مرقوعة بعضها بأدم، ويطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب الناس بها، ويمر بالنكث والنوى فيلقطه ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا به.

قال أنس: رأت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه.

وقال أبو عثمان النهدي: رأيت على عمر إزارا مرقوعا بأدم.

وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: حججت مع عمر، فما ضرب فسطاطا

ص: 147

ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة ويستظل تحته.

وقال عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن أبي الغادية الشامي قال: قدم عمر الجابية على جمل أورق تلوح صلعته بالشمس، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة، قد طبق رجليه بين شعبتي الرحل بلا ركاب، ووطاؤه كساء أنبجاني من صوف، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته محشوة ليفا، وهي إذا نزل وساده، وعليه قميص من كرابيس قد دسم وتخرق جيبه، فقال: ادعوا لي رأس القرية، فدعوه له فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه وأعيروني قميصا، فأتي بقميص كتان، فقال: ما هذا؟ قيل: كتان، قال: وما الكتان؟ فأخبروه، فنزع قميصه فغسلوه ورقعوه ولبسه، فقال له رأس القرية: أنت ملك العرب وهذه بلاد لا تصلح فيها الإبل. فأتي ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل، فلما سار هنيهة قال: احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان، هاتوا جملي.

وقال المطلب بن زياد، عن عبد الله بن عيسى: كان في وجه عمر بن الخطاب خطان أسودان من البكاء.

وعن الحسن قال: كان عمر يمر بالآية من ورده فيسقط حتى يعاد منها أياما.

وقال أنس: خرجت مع عمر فدخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ، والله لتتقين الله بني الخطاب أو ليعذبنك.

وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض، فقال: يا ليتني هذه التبنة، ليتني لم أك شيئا، ليت أمي لم تلدني.

وقال عبيد الله بن عمر بن حفص: إن عمر بن الخطاب حمل قربة على عنقه، فقيل له في ذلك، فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها.

وقال الصلت بن بهرام، عن جميع بن عمير التيمي، عن ابن عمر، قال: شهدت جلولاء فابتعت من المغنم بأربعين ألفا، فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، أكنت مفتدي به؟

ص: 148

قلت: والله ما من شيء يؤذيك إلا كنت مفتديك منه، قال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه، وأنت كذلك، فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإني قاسم مسؤول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهم. قال: ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعمائة ألف درهم، فدفع إلي ثمانين ألفا وبعث بالباقي إلى سعد بن أبي وقاص ليقسمه.

وقال الحسن: رأى عمر جارية تطيش هزالا، فقال: من هذه؟ فقال عبد الله: هذه إحدى بناتك. قال: وأي بناتي هذه؟ قال: بنتي، قال: ما بلغ بها ما أرى؟ قال: عملك، لا تنفق عليها، قال: إني والله ما أعول ولدك فاسع عليهم أيها الرجل.

وقال محمد بن سيرين: قدم صهر لعمر عليه، فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال فانتهره عمر، وقال: أردت أن ألقى الله ملكا خائنا؟! فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم.

قال حذيفة: والله ما أعرف رجلا لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر.

وقال حذيفة: كنا جلوسا عند عمر، فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قلت: أنا. قال: إنك لجريء، قلت: فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس عنها أسألك، ولكن الفتنة التي تموج موج البحر، قلت: ليس عليك منها بأس، إن بينك وبينها بابا مغلقا، قال: أيكسر أم يفتح؟ قلت: بل يكسر، قال: إذا لا يغلق أبدا، قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط، فسأله مسروق: من الباب؟ قال: الباب عمر. أخرجه البخاري.

ص: 149

وقال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أتي عمر بكنوز كسرى، فقال عبد الله بن الأرقم: أتجعلها في بيت المال حتى تقسمها؟ فقال عمر: لا والله لا آويها إلى سقف حتى أمضيها، فوضعها في وسط المسجد وباتوا يحرسونها، فلما أصبح كشف عنها فرأى من الحمراء والبيضاء ما يكاد يتلألأ، فبكى فقال له أبي: ما يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن هذا ليوم شكر ويوم سرور! فقال: ويحك إن هذا لم يعطه قوم إلا ألقيت بينهم العداوة والبغضاء.

وقال أسلم مولى عمر: استعمل عمر مولى له على الحمى، فقال: يا هني، اضمم جناحك عن المسلمين واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين! أفتاركهم أنا لا أبا لك! فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والفضة، وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا. أخرجه البخاري.

وقال أبو هريرة: دون عمر الديوان، وفرض للمهاجرين الأولين خمسة آلاف خمسة آلاف، وللأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف، ولأمهات المؤمنين اثني عشر ألفا اثني عشر ألفا.

وقال إبراهيم النخعي: كان عمر يتجر وهو خليفة.

وقال الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمان عمر، فجاء رجل إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله، استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال:

ص: 150

ائت عمر فأقره مني السلام وأخبره أنهم مسقون، وقل له: عليك الكيس الكيس، فأتى الرجل فأخبر عمر فبكى، وقال: يا رب، ما آلو ما عجزت عنه.

وقال أنس: تقرقر بطن عمر من أكل الزيت عام الرمادة؛ كان قد حرم نفسه السمن، قال: فنقر بطنه بإصبعه وقال: إنه ليس عندنا غيره حتى يحيا الناس.

وقال الواقدي: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: لما كان عام الرمادة جاءت العرب من كل ناحية فقدموا المدينة، فكان عمر قد أمر رجالا يقومون بمصالحهم، فسمعته يقول ليلة: أحصوا من يتعشى عندنا. فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل، وأحصوا الرجال المرضى والعيالات فكانوا أربعين ألفا. ثم بعد أيام بلغ الرجال والعيال ستين ألفا، فما برحوا حتى أرسل الله السماء، فلما مطرت رأيت عمر قد وكل بهم يخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوتا وحملانا إلى باديتهم، وكان قد وقع فيهم الموت فأراه مات ثلثاهم، وكانت قدور عمر يقوم إليها العمال من السحر يعملون الكركور ويعملون العصائد.

وعن أسلم قال: كنا نقول: لو لم يرفع الله المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت.

وقال سفيان الثوري: من زعم أن عليا كان أحق بالولاية من أبي بكر وعمر فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار.

وقال شريك: ليس يقدم عليا على أبي بكر وعمر أحد فيه خير.

وقال أبو أسامة: تدرون من أبو بكر وعمر؟ هما أبو الإسلام وأمه.

وقال الحسن بن صالح بن حي: سمعت جعفر بن محمد الصادق يقول: أنا بريء ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير.

ص: 151

‌ذكر نسائه وأولاده

تزوج زينب بنت مظعون، فولدت له عبد الله، وحفصة، وعبد الرحمن.

وتزوج مليكة الخزاعية، فولدت له عبيد الله، وقيل: أمه وأم زيد الأصغر أم كلثوم بنت جرول.

وتزوج أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية، فولدت له فاطمة.

وتزوج جميلة بنت عاصم بن ثابت فولدت له عاصما.

وتزوج أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء وأصدقها أربعين ألفا، فولدت له زيدا ورقية.

وتزوج لهية امرأة من اليمن فولدت له عبد الرحمن الأصغر.

وتزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل التي تزوجها بعد موته الزبير.

‌الفتوح في عهده

وقال الليث بن سعد: استخلف عمر فكان فتح دمشق، ثم كان اليرموك سنة خمس عشرة، ثم كانت الجابية سنة ست عشرة، ثم كانت إيلياء وسرغ لسنة سبع عشرة، ثم كانت الرمادة وطاعون عمواس سنة ثماني عشرة، ثم كانت جلولاء سنة تسع عشرة، ثم كان فتح باب ليون وقيسارية بالشام، وموت هرقل سنة عشرين، وفيها فتحت مصر، وسنة إحدى وعشرين فتحت نهاوند، وفتحت الإسكندرية سنة اثنتين وعشرين، وفيها فتحت إصطخر وهمذان، ثم غزا عمرو بن العاص أطرابلس المغرب، وغزوة عمورية، وأمير مصر وهب بن عمير الجمحي، وأمير أهل الشام أبو الأعور سنة ثلاث وعشرين. ثم قتل عمر مصدر الحاج في آخر السنة.

قال خليفة: وقعة جلولاء سنة سبع عشرة.

ص: 152

(استشهاده)

وقال سعيد بن المسيب: إن عمر لما نفر من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة من بطحاء، واستلقى ورفع يديه إلى السماء، ثم قال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط، فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات.

وقال أبو صالح السمان: قال كعب لعمر: أجدك في التوراة تقتل شهيدا، قال: وأنى لي بالشهادة وأنا بجزيرة العرب؟

وقال أسلم، عن عمر أنه قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك. أخرجه البخاري.

وقال معدان بن أبي طلحة اليعمري: خطب عمر يوم جمعة وذكر نبي الله وأبا بكر، ثم قال: رأيت كأن ديكا نقرني نقرة أو نقرتين، وإني لا أراه إلا حضور أجلي، وإن قوما يأمروني أن أستخلف وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.

وقال الزهري: كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا ويستأذنه أن يدخل المدينة ويقول: إن عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للناس: إنه حداد نقاش نجار، فأذن له أن يرسل به، وضرب عليه المغيرة مائة درهم في الشهر، فجاء إلى عمر يشتكي شدة الخراج، قال: ما خراجك بكثير. فانصرف ساخطا يتذمر، فلبث عمر ليالي ثم دعاه فقال: ألم أخبر أنك تقول: لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح؟ فالتفت إلى عمر عابسا وقال:

ص: 153

لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها. فلما ولى قال عمر لأصحابه: أوعدني العبد آنفا. ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه، فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس.

وقال عمرو بن ميمون الأودي: إن أبا لؤلؤة عبد المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان وطُعن معه اثنا عشر رجلا، مات منهم ستة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبا، فلما اغتم فيه قتل نفسه.

وقال عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: جئت من السوق وعمر يتوكأ علي، فمر بنا أبو لؤلؤة، فنظر إلى عمر نظرة ظننت أنه لولا مكاني بطش به، فجئت بعد ذلك إلى المسجد الفجر فإني لبين النائم واليقظان، إذ سمعت عمر يقول: قتلني الكلب، فماج الناس ساعة، ثم إذا قراءة عبد الرحمن بن عوف.

وقال ثابت البناني، عن أبي رافع: كان أبو لؤلؤة عبدا للمغيرة يصنع الأرحاء، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي عمر فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه، فقال: أحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يكلم المغيرة فيه، فغضب وقال: يسع الناس كلهم عدله غيري، وأضمر قتله واتخذ خنجرا وشحذه وسمه، وكان عمر يقول: أقيموا صفوفكم قبل أن يكبر، فجاء فقام حذاءه في الصف وضربه في كتفه وفي خاصرته، فسقط عمر، وطعن ثلاثة عشر رجلا معه، فمات منهم ستة، وحمل عمر إلى أهله وكادت الشمس أن تطلع، فصلى ابن عوف بالناس بأقصر سورتين، وأتي عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه فلم يتبين، فسقوه لبنا فخرج من جرحه فقالوا: لا بأس عليك، فقال: إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت. فجعل الناس يثنون عليه ويقولون: كنت وكنت، فقال: أما والله وددت أني خرجت منها كفافا لا علي ولا لي وأن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت لي.

وأثنى عليه ابن عباس، فقال: لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع، وقد جعلتها شورى في عثمان وعلي وطلحة والزبير

ص: 154

وعبد الرحمن، وسعد. وأمر صهيبا أن يصلي بالناس، وأجل الستة ثلاثا.

وعن عمرو بن ميمون أن عمر قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام، ثم قال لابن عباس: كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة. وكان العباس أكثرهم رقيقا.

ثم قال: يا عبد الله، انظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوها، فقال: إن وفى مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فاسأل في بني عدي، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش، اذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه، فذهب إليها، فقالت: كنت أريده - تعني المكان - لنفسي ولأؤثرنه اليوم على نفسي، قال: فأتى عبد الله، فقال: قد أذنت لك، فحمد الله.

ثم جاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسترنها، فلما رأيناها قمنا، فمكثت عنده ساعة، ثم استأذن الرجال فولجت داخلة ثم سمعنا بكاءها. وقيل له: أوص يا أمير المؤمنين واستخلف، قال: ما أرى أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى الستة، وقال: يشهد عبد الله بن عمر معهم وليس له من الأمر شيء - كهيئة التعزية له - فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة، ثم قال: أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله، وأوصيه بالمهاجرين والأنصار، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، في مثل ذلك من الوصية.

فلما توفي خرجنا به نمشي، فسلم عبد الله بن عمر وقال: عمر يستأذن، فقالت عائشة: أدخلوه، فأدخل فوضع هناك مع صاحبيه.

فلما فرغ من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، قال: فخلا هؤلاء الثلاثة فقال عبد الرحمن: أنا لا أريدها فأيكما يبرأ من هذا الأمر ونجعله إليه، والله عليه والإسلام، لينظرن

ص: 155

أفضلهم في نفسه، وليحرصن على صلاح الأمة، قال: فكست الشيخان علي وعثمان، فقال عبد الرحمن: اجعلوه إلي والله علي لا آلو عن أفضلكم، قالا: نعم، فخلا بعلي وقال: لك من القدم في الإسلام والقرابة ما قد علمت، الله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن، قال: ثم خلا بالآخر فقال له كذلك، فلما أخذ ميثاقهما بايع عثمان وبايعه علي.

وقال المسور بن مخرمة: لما أصبح عمر بالصلاة من الغد، وهو مطعون فزعوه فقالوا: الصلاة، ففزع، وقال: نعم ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. فصلى وجرحه يثعب دما.

وقال النضر بن شميل: حدثنا أبو عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: لما طعن عمر جاء كعب فقال: والله لئن دعا أمير المؤمنين ليبعثنه الله وليرفعنه لهذه الأمة حتى يفعل كذا وكذا. حتى ذكر المنافقين فيمن ذكر، قال: قلت: أبلغه ما تقول؟ قال: ما قلت إلا وأنا أريد أن تبلغه، فقمت وتخطيت الناس حتى جلست عند رأسه فقلت: يا أمير المؤمنين فرفع رأسه، فقلت: إن كعبا يحلف بالله لئن دعا أمير المؤمنون ليبقينه الله وليرفعنه لهذه الأمة. قال: ادعوا كعبا فدعوه فقال: ما تقول؟ قال: أقول كذا وكذا، فقال: لا والله لا أدعو الله ولكن شقي عمر إن لم يغفر الله له. قال: وجاء صهيب فقال: واصفياه واخليلاه واعمراه، فقال: مهلا يا صهيب أو ما بلغك أن المعول عليه يعذب ببعض بكاء أهله عليه.

وعن ابن عباس قال: كان أبو لؤلؤة مجوسيا.

ص: 156

وعن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال ابن عمر: يا أمير المؤمنين ما عليك لو أجهدت نفسك ثم أمرت عليهم رجلا؟ فقال عمر: أقعدوني. قال عبد الله: فتمنيت أن بيني وبينه عرض المدينة فرقا منه حين قال أقعدوني، ثم قال: من أمرتم بأفواهكم؟ قلت: فلانا. قال: إن تؤمروه فإنه ذو شيبتكم، ثم أقبل على عبد الله، فقال: ثكلتك أمك أرأيت الوليد ينشأ مع الوليد وليدا وينشأ معه كهلا، أتراه يعرف من خلقه؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فما أنا قائل لله إذا سألني عمن أمرت عليهم فقلت: فلانا، وأنا أعلم منه ما أعلم! فلا والذي نفسي بيده لأرددنها إلى الذي دفعها إلي أول مرة، ولوددت أن عليها من هو خير مني لا ينقصني ذلك مما أعطاني الله شيئا.

وقال سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: دخل على عمر عثمان، وعلي، والزبير، وابن عوف، وسعد - وكان طلحة غائبا - فنظر إليهم ثم قال: إني قد نظرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقا إلا أن يكون فيكم، ثم قال: إن قومكم إنما يؤمروا أحدكم أيها الثلاثة، فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عثمان فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحملن أقاربك على رقاب الناس. وإن كنت على شيء من أمر الناس يا علي فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس، قوموا فتشاوروا وأمروا أحدكم، فقاموا يتشاورون.

قال ابن عمر: فدعاني عثمان مرة أو مرتين ليدخلني في الأمر ولم يسمني عمر، ولا والله ما أحب أني كنت معهم علما منه بأنه سيكون من أمرهم ما قال أبي، والله لقل ما سمعته حول شفتيه بشيء قط إلا كان حقا، فلما أكثر عثمان دعائي قلت: ألا تعقلون! تؤمرون وأمير المؤمنين حي! فوالله لكأنما أيقظتهم، فقال عمر: أمهلوا فإن حدث بي حدث فليصل للناس صهيب ثلاثا ثم اجمعوا في اليوم الثالث أشراف الناس وأمراء الأجناد فأمروا أحدكم، فمن تأمر عن غير مشورة فاضربوا عنقه.

ص: 157

وقال ابن عمر: كان رأس عمر في حجري، فقال: ضع خدي على الأرض، فوضعته فقال: ويل لي وويل أمي إن لم يرحمني ربي.

وعن أبي الحويرث قال: لما مات عمر ووضع ليصلى عليه أقبل علي وعثمان أيهما يصلي عليه، فقال عبد الرحمن: إن هذا لهو الحرص على الإمارة، لقد علمتما ما هذا إليكما ولقد أمر به غيركما، تقدم يا صهيب فصل عليه. فصلى عليه.

وقال أبو معشر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: وضع عمر بين القبر والمنبر، فجاء علي حتى قام بين الصفوف فقال: رحمة الله عليك ما من خلق أحب إلي من أن ألقى الله بصحيفته بعد صحيفة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسجى عليه ثوبه. وقد روي نحوه من عدة وجوه عن علي.

وقال معدان بن أبي طلحة: أصيب عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة. وكذا قال زيد بن أسلم وغير واحد.

وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: إنه دفن يوم الأحد مستهل المحرم.

وقال سعيد بن المسيب: توفي عمر وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة، كذا رواه الزهري عنه.

وقال أيوب، وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: مات عمر وهو ابن خمس وخمسين سنة. وكذا قال سالم بن عبد الله، وأبو الأسود يتيم عروة وابن شهاب.

وروى أبو عاصم، عن حنظلة، عن سالم، عن أبيه: سمعت عمر قبل أن يموت بعامين أو نحوهما يقول: أنا ابن سبع أو ثمان وخمسين. تفرد به أبو عاصم.

ص: 158

وقال الواقدي: أخبرنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: توفي عمر وله ستون سنة. قال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل، وكذا قال مالك.

وقال قتادة: قتل عمر وهو ابن إحدى وستين سنة.

وقال عامر بن سعد البجلي، عن جرير بن عبد الله، سمع معاوية يخطب ويقول: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وعمر وهما ابنا ثلاث وستين.

وقال يحيى بن سعيد: سمعت سعيد بن المسيب قال: قبض عمر وقد استكمل ثلاثا وستين. قد تقدم لابن المسيب قول آخر.

وقال الشعبي مثل قول معاوية.

وأكثر ما قيل قول ابن جريج، عن أبي الحويرث، عن ابن عباس: قبض عمر وهو ابن ست وستين سنة، والله أعلم.

ص: 159

‌ذكر من توفي في خلافة عمر

رضي الله عنه مجملا.

‌الأقرع بن حابس التميمي المجاشعي

أحد المؤلفة قلوبهم وأحد الأشراف، أقطعه أبو بكر، له ولعيينة بن بدر، فعطل عليهما عمر ومحا الكتاب الذي كتب لهما أبو بكر، وكانا من كبار قومهما، وشهد الأقرع مع خالد حرب أهل العراق وكان على المقدمة.

وقيل: إن عبد الله بن عامر استعمله على جيش سيره إلى خراسان فأصيب هو والجيش بالجوزجان وذلك في خلافة عثمان.

وقال ابن دريد: اسمه فراس بن حابس بن عقال، ولقب الأقرع لقرع برأسه.

‌الحباب بن المنذر بن الجموح، أبو عمرو الأنصاري

. أحد بني سلمة بن سعد، وقيل: كنيته أبو عمر، وكان يقال له: ذو الرأي.

أشار يوم بدر على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل على آخر ماء ببدر ليبقى المشركون على غير ماء، وهو الذي قال يوم سقيفة بني ساعدة: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير.

والجذل: هو عود ينصب للإبل الجربى لتحتك به. والعذق: النخلة، والمرجب: أن تدعم النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خيف عليها لكثرة حملها أن تقع، يقال: رجبتها فهي مرجبة. روى عنه أبو الطفيل، وتوفي بالمدينة في خلافة عمر.

ت ن:‌

‌ ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي

، أبو أروى، وأمه غزية بنت قيس الفهرية.

له صحبة، وهو من مسلمة الفتح. روى عنه ابنه عبد المطلب، وله أيضا صحبة.

خ د ن:‌

‌ سودة بنت زمعة بن قيس

، أم المؤمنين القرشية العامرية.

أول من تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت خديجة، وكانت قبله عند السكران أخي سهيل بن عمرو العامري، ولما تكهلت وهبت يومها لعائشة

ص: 160

لتكون من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة. روى عنها ابن عباس، ويحيى بن عبد الله الأنصاري. وتوفيت في آخر خلافة عمر، وقد انفردت بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع سنين لا يشاركها فيه امرأة ولا سرية، ثم بنى بعائشة بعد، ولها تسع سنين، وكانت سودة من سادات النساء.

قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما رأيت امرأة أحب أن أكون في مسلاخها من سودة من امرأة فيها حدة، فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة.

وقال الواقدي: حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم، قال: حدثنا أبي، قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة في رمضان سنة عشر من النبوة بعد وفاة خديجة، وهاجر بها. وتوفيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين. قال الواقدي: وهذا الثبت عندنا.

وروى عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال، قال: توفيت سودة زمن عمر.

‌عتبة بن مسعود الهذلي

، أخو عبد الله لأبويه، وهو جد الفقيه عبيد الله بن عبد الله شيخ الزهري.

أسلم بمكة وهاجر إلى الحبشة مع أخيه، وشهد أحدا وكان فقيها فاضلا. توفي في إمرة عمر على الصحيح، ويقال: زمن معاوية.

‌علقمة بن علاثة بن عوف العامري الكلابي

من المؤلفة قلوبهم. أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أشراف قومه، وكان يكون بتهامة، وقد قدم دمشق قبل فتحها في طلب ميراث له، ووفد على عمر في خلافته. روى عنه أنس.

‌علقمة بن مجزز بن الأعور المدلجي

استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض جيوشه، وولاه الصديق حرب فلسطين، وحضر الجابية مع عمر، ثم سيره عمر في جيش إلى الحبشة في ثلاثمائة،

ص: 161

فغرقوا كلهم، وقيل: كان ذلك في أيام عثمان بن عفان. وأبوه مجزز هو المعروف بالقيافة.

‌عمرو بن عوف حليف بني عامر من لؤي

من مولدي مكة، سماه ابن إسحاق عمرا، وسماه موسى بن عقبة عميرا. شهد بدرا وأحدا. وروى عنه المسور بن مخرمة حديث قدوم أبي عبيدة بمال من البحرين، أخرجه البخاري، وصلى عليه عمر رضي الله عنه.

‌عويم بن ساعدة بن عابس

، أبو عبد الرحمن الأنصاري، أحد بني عمرو بن عوف

بدري مشهور، وقيل: هو من بلي، له حلف في بني أمية بن زيد، وقد شهد العقبة أيضا. وله حديث في مسند أحمد من رواية شرحبيل بن سعد عنه، ولم يدركه

وقال ابن عبد البر: توفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: مات في خلافة عمر، فقال وهو واقف على قبره: لا يستطيع أحد أن يقول: أنا خير من صاحب هذا القبر، ما نصبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم راية إلا وعويم تحتها.

‌عمارة بن الوليد

، أخو خالد بن الوليد المخزومي

قال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون قال: لما كان من أمر عمرو بن العاص ما كان بالحبشة، وصنع النجاشي بعمارة بن الوليد ما صنع، وأمر السواحر فنفخن في إحليله، فهام مع الوحش، فخرج إليه في خلافة عمر عبد الله بن أبي ربيعة ابن عمه فرصده على ماء بأرض الحبشة كان يرده فأقبل في حمر الوحش، فلما وجد ريح الإنس هرب حتى

ص: 162

إذا جهده العطش ورد فشرب، قال عبد الله: فالتزمته فجعل يقول: يا بحير أرسلني إني أموت إن أمسكوني. وكان عبد الله يسمى بحيرا، قال: فضبطته فمات في يدي مكانه، فواريته ثم انصرفت، وكان شعره قد غطى كل شيء منه.

‌غيلان بن سلمة الثقفي

له صحبة ورواية، وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة. وكان شاعرا محسنا. وفد قبل الإسلام على كسرى فسأله أن يبني له حصنا في الطائف. أسلم زمن الفتح. روى عنه ابنه عروة، وبشر بن عاصم.

‌معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب الجمحي

، أخو حاطب وحطاب، وأمهم قيلة أخت عثمان بن مظعون

أسلم معمر قبل دخول دار الأرقم، وهاجر، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاذ بن عفراء، وشهد بدرا.

‌ميسرة بن مسروق العنسي

شيخ صالح، يقال: له صحبة، شهد اليرموك، وروى عن أبي عبيدة. وعنه أسلم مولى عمر. ودخل الروم أميرا على ستة آلاف، فوغل فيها وقتل وسبى وغنم، فجمعت له الروم، وذلك في سنة عشرين، فواقعهم ونصره الله عليهم، وكانت وقعة عظيمة.

‌الهرمزان صاحب تستر

قد مر من شأنه في سنة عشرين، وهو من جملة الملوك الذين تحت يد يزدجرد.

قال ابن سعد: بعثه أبو موسى الأشعري إلى عمر ومعه اثنا عشر نفسا من العجم، عليهم ثياب الديباج ومناطق الذهب وأساورة الذهب، فقدموا بهم المدينة، فعجب الناس من هيئتهم، فدخلوا فوجدوا عمر في المسجد نائما متوسدا رداءه، فقال الهرمزان: هذا ملككم؟ قالوا: نعم، قال: أما له

ص: 163

حاجب ولا حارس؟! قالوا: الله حارسه حتى يأتيه أجله، قال: هذا الملك الهني.

فقال عمر: الحمد لله الذي أذل هذا وشيعته بالإسلام، ثم قال للوفد: تكلموا، فقال أنس بن مالك: الحمد لله الذي أنجز وعده، وأعز دينه، وخذل من حاده، وأورثنا أرضهم وديارهم، وأفاء علينا أبناءهم وأموالهم. فبكى عمر ثم قال للهرمزان: كيف رأيت صنيع الله بكم؟ فلم يجبه، قال: مالك لا تتكلم؟ قال: أكلام حي أم كلام ميت؟ قال: أولست حيا! فاستسقى الهرمزان، فقال عمر: لا يجمع عليك القتل والعطش، فأتوه بماء فأمسكه، فقال عمر: اشرب لا بأس عليك، فرمى بالإناء وقال: يا معشر العرب كنتم وأنتم على غير دين نتعبدكم ونقتلكم وكنتم أسوأ الأمم عندنا حالا، فلما كان الله معكم لم يكن لأحد بالله طاقة، فأمر عمر بقتله، فقال: أولم تؤمني! قال: كيف؟ قال: قلت لي: تكلم لا بأس عليك، وقلت: اشرب لا أقتلك حتى تشربه، فقال الزبير وأنس: صدق، فقال عمر: قاتله الله أخذ أمانا وأنا لا أشعر، فنزع ما كان عليه، فقال عمر لسراقة بن مالك بن جعشم وكان أسود نحيفا: البس سواري الهرمزان، فلبسهما ولبس كسوته.

فقال عمر: الحمد لله الذي سلب كسرى وقومه حليهم وكسوتهم وألبسها سراقة، ثم دعا الهرمزان إلى الإسلام فأبى، فقال علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، فرق بين هؤلاء، فحمل عمر الهرمزان وجفينة وغيرهما في البحر وقال: اللهم اكسر بهم، وأراد أن يسير بهم إلى الشام فكسر بهم ولم يغرقوا فرجعوا فأسلموا، وفرض لهم عمر في ألفين ألفين، وسمى الهرمزان عرفطة.

قال المسور بن مخرمة: رأيت الهرمزان بالروحاء مهلا بالحج مع عمر.

وروى إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده قال: رأيت الهرمزان مهلا بالحج مع عمر، وعليه حلة حبرة.

وقال علي بن زيد بن جدعان، عن أنس قال: ما رأيت رجلا أخمص بطنا ولا أبعد ما بين المنكبين من الهرمزان.

ص: 164

عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب، أن عبد الرحمن بن أبي بكر - ولم تجرب عليه كذبة قط - قال: انتهيت إلى الهرمزان وجفينة وأبي لؤلؤة وهم نجي فبغتهم، وسقط من بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فقال عبد الرحمن: فانظروا بم قتل عمر، فنظروا بم قتل عمر، فنظروا فوجدوه خنجرا على تلك الصفة، فخرج عبيد الله بن عمر بن الخطاب مشتملا على السيف حتى أتى الهرمزان، فقال: اصحبني ننظر فرسا لي - وكان بصيرا بالخيل - فخرج يمشي بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حد السيف قال: لا إله إلا الله فقتله. ثم أتى جفينة وكان نصرانيا، فلما أشرف له علاه بالسيف فصلب بين عينيه. ثم أتى بنت أبي لؤلؤة جارية صغيرة تدعي الإسلام فقتلها، وأظلمت الأرض يومئذ على أهلها، ثم أقبل بالسيف صلتا في يده وهو يقول: والله لا أترك في المدينة سبيا إلا قتلته وغيرهم، كأنه يعرض بناس من المهاجرين، فجعلوا يقولون له: ألق السيف، فأبى، ويهابونه أن يقربوا منه، حتى أتاه عمرو بن العاص فقال: أعطني السيف يا ابن أخي. فأعطاه إياه. ثم ثار إليه عثمان فأخذ برأسه فتناصيا حتى حجز الناس بينهما. فلما ولي عثمان، قال: أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فأشار المهاجرون بقتله، وقال جماعة الناس: قتل عمر بالأمس ويتبعونه ابنه اليوم! أبعد الله الهرمزان وجفينة، فقال عمرو: إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الأمر في ولايتك فاصفح عنه، فتفرق الناس على قول عمرو، وودى عثمان الرجلين والجارية.

رواه ابن سعد عن الواقدي عن معمر، وزاد فيه: كان جفينة من نصارى الحيرة وكان ظئرا لسعد بن أبي وقاص يعلم الناس الخط بالمدينة، وقال فيه: وما أحسب عمرا كان يومئذ بالمدينة بل بمصر إلا أن يكون قد حج، قال: وأظلمت الأرض فعظم ذلك في النفوس، وأشفقوا أن تكون عقوبة.

ص: 165

وعن أبي وجزة، عن أبيه قال: رأيت عبيد الله يومئذ وإنه ليناصي عثمان، وعثمان يقول له: قاتلك الله قتلت رجلا يصلي وصبية صغيرة وآخر له ذمة، ما في الحق تركك. وبقي عبيد الله بن عمر وقتل يوم صفين مع معاوية.

معمر، عن الزهري: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر، أن أباه قال: يرحم الله حفصة، إن كانت لمن شيع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة.

قال معمر: بلغنا أن عثمان قال: أنا ولي الهرمزان وجفينة والجارية، وإني قد جعلتها دية.

وذكر محمد بن جرير الطبري بإسناد له أن عثمان أقاد ولد الهرمزان من عبيدالله، فعفا ولد الهرمزان عنه.

‌هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس العبشمية

، أم معاوية بن أبي سفيان.

أسلمت زمن الفتح وشهدت اليرموك. وهي القائلة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطي ما يكفيني وولدي، قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.

وكان زوجها قبل أبي سفيان حفص بن المغيرة عم خالد بن الوليد، وكان من الجاهلية. وكانت هند من أحسن نساء قريش وأعقلهن، ثم إن أبا سفيان طلقها في آخر الأمر، فاستقرضت من عمر من بيت المال أربعة آلاف درهم، فخرجت إلى بلاد كلب فاشترت وباعت. وأتت ابنها معاوية وهو أمير على الشام لعمر، فقالت: أي بني إنه عمر وإنما يعمل لله. ولها شعر جيد.

‌واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عزيز الحنظلي اليربوعي

، حليف بني عدي.

من السابقين الأولين، أسلم قبل دار الأرقم، وشهد بدرا والمشاهد كلها، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين بشر بن البراء بن معرور، وكان واقد في سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة فقتل واقد عمرو بن الحضرمي، فكانا

ص: 166

أول قاتل ومقتول في الإسلام. وتوفي واقد في خلافة عمر.

‌أبو خراش الهذلي الشاعر

، اسمه خويلد بن مرة، من بني قرد بن عمرو الهذلي.

وكان أبو خراش ممن يعدو على قدميه فيسبق الخيل، وكان في الجاهلية من فتاك العرب ثم أسلم.

قال ابن عبد البر: لم يبق عربي بعد حنين والطائف إلا أسلم، فمنهم من قدم، ومنهم من لم يقدم، وأسلم أبو خراش وحسن إسلامه. وتوفي زمن عمر، أتاه حجاج فمشى إلى الماء ليملأ لهم فنهشته حية، فأقبل مسرعا فأعطاهم الماء وشاة وقدرا ولم يعلمهم بما تم له، ثم أصبح وهو في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوه.

‌أبو ليلى المازني

، واسمه عبد الرحمن بن كعب بن عمرو.

شهد أحدا وما بعدها، وكان أحد البكائين الذين نزل فيهم:{تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}

‌أبو محجن الثقفي

في اسمه أقوال. قدم مع وفد ثقيف فأسلم، ولا رواية له، وكان فارس ثقيف في زمانه إلا أنه كان يدمن الخمر زمانا، وكان أبوبكر رضي الله عنه يستعين به، وقد جلد مرارا حتى إن عمر نفاه إلى جزيرة، فهرب ولحق بسعد بن أبي وقاص بالقادسية، فكتب عمر إلى سعد فحبسه. فلما كان يوم قس الناطف، والتحم القتال سأل أبو محجن من امرأة سعد أن تحل قيده وتعطيه فرسا لسعد، وعاهدها إن سلم أن يعود إلى القيد، فحلته وأعطته فرسا فقاتل وأبلى بلاء جميلا ثم عاد إلى قيده.

قال ابن جريج: بلغني أنه حد في الخمر سبع مرات.

وقال أيوب، عن ابن سيرين قال: كان أبو محجن لا يزال يجلد في الخمر، فلما أكثر سجنوه، فلما كان يوم القادسية رآهم فكلم أم ولد سعد فأطلقته وأعطته فرسا وسلاحا، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدق

ص: 167

صلبه، فنظر إليه سعد فبقي يتعجب ويقول: من الفارس؟ فلم يلبثوا أن هزمهم، ورجع أبو محجن وتقيد، فجاء سعد وجعل يخبر المرأة ويقول: لقينا ولقينا، حتى بعث الله رجلا على فرس أبلق لولا أني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنها بعض شمائله. قالت: والله إنه لأبو محجن، وحكت له، فدعا به وحل قيوده، وقال: لا نجلدك على خمر أبدا، فقال: وأنا والله لا أشربها أبدا، كنت آنف أن أدعها لجلدكم، فلم يشربها بعد.

روى نحوه أبو معاوية الضرير، عن عمرو بن مهاجر، عن إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أبيه قال: لما كان يوم القادسية أتي بأبي محجن سكران فقيده سعد، وذكر الحديث.

ونقل أهل الأخبار أن أبا محجن هو القائل:

إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت ألا أذوقها فزعم الهيثم بن عدي أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن بأذربيجان - أو قال: في نواحي جرجان - وقد نبتت عليه كرمة وظللت وأثمرت، فعجب الرجل وتذكر شعره.

ص: 168

‌سنة أربع وعشرين

‌خلافة عثمان

دفن عمر رضي الله عنه في أول المحرم، ثم جلسوا للشورى، فروي عن عبد الله بن أبي ربيعة أن رجلا قال قبل الشورى: إن بايعتم لعثمان أطعنا، وإن بايعتم لعلي سمعنا وعصينا.

وقال المسور بن مخرمة: جاءني عبد الرحمن بن عوف بعد هجع من الليل، فقال: ما ذاقت عيناي كثير نوم منذ ثلاث ليال فادع لي عثمان وعليا والزبير وسعدا، فدعوتهم، فجعل يخلو بهم واحدا واحدا يأخذ عليه، فلما أصبح صلى صهيب بالناس، ثم جلس عبد الرحمن فحمد الله وأثنى عليه، وقال في كلامه: إني رأيت الناس يأبون إلا عثمان.

وقال حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أخبرني المسور أن النفر الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا فقال عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم هذا الأمر ولكن إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، قال: فوالله ما رأيت رجلا بذ قوما قط أشد ما بذهم حين ولوه أمرهم، حتى ما من رجل من الناس يبتغي عند أحد من أولئك الرهط رأيا ولا يطؤون عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه ويناجونه تلك الليالي، لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدا، وذكر الحديث إلى أن قال: فتشهد وقال: أما بعد يا علي، فإني قد نظرت في الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا، ثم أخذ بيد عثمان فقال: نبايعك على سنة الله وسنة رسوله وسنة الخليفتين بعده. فبايعه عبد الرحمن بن عوف وبايعه المهاجرون والأنصار.

وعن أنس قال: أرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاري فقال: كن في خمسين من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدا يدخل

ص: 169

عليهم ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم، اللهم أنت خليفتي عليهم.

وفي زيادات مسند أحمد من حديث أبي وائل، قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا! قال: ما ذنبي قد بدأت بعلي فقلت: أبايعك على كتاب الله، وسنة رسوله، وسيرة أبي بكر وعمر، فقال: فيما استطعت. ثم عرضت ذلك على عثمان، فقال: نعم.

وقال الواقدي: اجتمعوا على عثمان لليلة بقيت من ذي الحجة.

ويروى أن عبد الرحمن قال لعثمان خلوة: إن لم أبايعك فمن تشير علي؟ فقال: علي، وقال لعلي خلوة: إن لم أبايعك فمن تشير علي؟ قال: عثمان، ثم دعا الزبير، فقال: إن لم أبايعك فمن تشير علي؟ قال علي، أو عثمان، ثم دعا سعدا فقال: من تشير علي؟ فأما أنا وأنت فلا نريدها. فقال: عثمان، ثم استشار عبد الرحمن الأعيان فرأى هوى أكثرهم في عثمان.

ثم نودي: الصلاة جامعة وخرج عبد الرحمن عليه عمامته التي عممه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا سيفه، فصعد المنبر ووقف طويلا يدعو سرا، ثم تكلم فقال: أيها الناس، إني قد سألتكم سرا وجهرا على أمانتكم فلم أجدكم تعدلون عن أحد هذين الرجلين: إما علي، وإما عثمان، قم إلي يا علي، فقام فوقف بجنب المنبر فأخذ بيده وقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي. فقال: قم يا عثمان، فأخذ بيده في موقف علي، فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم نعم. قال: فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يده، ثم قال: اللهم اشهد، اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان.

ص: 170

فازدحم الناس يبايعون عثمان حتى غشوه عند المنبر وأقعدوه على الدرجة الثانية، وقعد عبد الرحمن مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر. قال: وتلكأ علي، فقال عبد الرحمن:{فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} فرجع علي يشق الناس حتى بايع عثمان وهو يقول: خدعة وأيما خدعة.

ثم جلس عثمان في جانب المسجد ودعا بعبيد الله بن عمر بن الخطاب، وكان محبوسا في دار سعد، وسعد الذي نزع السيف من يد عبيد الله بعد أن قتل جفينة والهرمزان وبنت أبي لؤلؤة، وجعل عبيد الله يقول: والله لأقتلن رجالا ممن شرك في دم أبي، يعرض بالمهاجرين والأنصار، فقام إليه سعد فنزع السيف من يده وجبذه بشعره حتى أضجعه وحبسه، فقال عثمان لجماعة من المهاجرين: أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فقال علي: أرى أن تقتله، فقال بعضهم: قتل أبوه بالأمس ويقتل هو اليوم؟! فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث ولك على المسلمين سلطان، إنما تم هذا ولا سلطان لك، قال عثمان: وأنا وليهم وقد جعلتها دية واحتملتها من مالي.

قلت: والهرمزان هو ملك تستر، وقد تقدم إسلامه، قتله عبيد الله بن عمر لما أصيب عمر، فجاء عمار بن ياسر فدخل على عمر فقال: حدث اليوم حدث في الإسلام، قال: وما ذاك؟ قال: قتل عبيد الله الهرمزان، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون علي به، وسجنه.

قال سعيد بن المسيب: اجتمع أبو لؤلؤة وجفينة، رجل من الحيرة، والهرمزان، معهم خنجر له طرفان مملكه في وسطه، فجلسوا مجلسا فأثارهم دابة فوقع الخنجر، فأبصرهم عبد الرحمن بن أبي بكر، فلما طعن عمر حكى عبد الرحمن شأن الخنجر واجتماعهم وكيفية الخنجر، فنظروا فوجدوا الأمر كذلك، فوثب عبيد الله فقتل الهرمزان، وجفينة، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما استخلف عثمان قال له علي: أقد عبيد الله من الهرمزان،

ص: 171

فقال عثمان: ماله ولي غيري، وإني قد عفوت ولكن أديه.

ويروى أن الهرمزان لما عضه السيف قال: لا إله إلا ال هـ. وأما جفينة فكان نصرانيا، وكان ظئرا لسعد بن أبي وقاص أقدمه إلى المدينة للصلح الذي بينه وبينهم وليعلم الناس الكتابة.

وفيها افتتح أبو موسى الأشعري الري، وكانت قد فتحت على يد حذيفة، وسويد بن مقرن، فانتقضوا.

وفيها أصاب الناس رعاف كثير، فقيل لها: سنة الرعاف، وأصاب عثمان رعاف حتى تخلف عن الحج وأوصى، وحج بالناس عبد الرحمن بن عوف.

خ 4:‌

‌ سراقة بن مالك بن جعشم أبو سفيان المدلجي

توفي في هذه السنة، وكان ينزل قديدا، وهو الذي ساخت قوائم فرسه. ثم أسلم وحسن إسلامه، وله حديث في العمرة.

روى عنه جابر بن عبد الله، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وطاوس، ومجاهد، وجماعة. وكان إسلامه بعد غزوه الطائف.

وقيل: توفي بعد مقتل عثمان، والله أعلم.

وفيها عزل عثمان عن الكوفة المغيرة بن شعبة وولاها سعد بن أبي وقاص.

وفيها غزا الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية لمنع أهلها ما كانوا صالحوا عليه، فسبى وغنم ورجع.

وفيها جاشت الروم حتى استمد أمراء الشام من عثمان مددا فأمدهم بثمانية آلاف من العراق، فمضوا حتى دخلوا إلى أرض الروم مع أهل الشام. وعلى أهل العراق سلمان بن ربيعة الباهلي، وعلى أهل الشام حبيب

ص: 172

ابن مسلمة الفهري، فشنوا الغارات وسبوا وافتتحوا حصونا كثيرة.

وفيها ولد عبد الملك بن مروان الخليفة.

ص: 173

‌سنة خمس وعشرين

فيها عزل عثمان سعدا عن الكوفة واستعمل عليها الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية الأموي، أخو عثمان لأمه، كنيته أبو وهب، له صحبة ورواية. روى عنه أبو موسى الهمداني، والشعبي.

قال طارق بن شهاب: لما قدم الوليد أميرا أتاه سعد، فقال: أكست بعدي أو استحمقت بعدك؟ قال: ما كسنا ولا حمقت، ولكن القوم استأثروا عليك بسلطانهم. وهذا مما نقموا على عثمان كونه عزل سعدا وولى الوليد بن عقبة، فذكر حضين بن المنذر أن الوليد صلى بهم الفجر أربعا وهو سكران، ثم التفت وقال: أزيدكم!

ويقال: فيها سار الجيش من الكوفة عليهم سلمان بن ربيعة إلى برذعة، فقتل وسبى.

وفيها انتقض أهل الإسكندرية، فغزاهم عمرو بن العاص أمير مصر وسباهم، فرد عثمان السبي إلى ذمتهم، وكان ملك الروم بعث إليها منويل الخصي في مراكب فانتقض أهلها - غير المقوقس - فغزاهم عمرو في ربيع الأول، فافتتحها عنوة غير المدينة فإنها صلح.

وفيها عزل عثمان عمرا عن مصر، واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح.

والصحيح أن ذلك في سنة سبع وعشرين. واستأذن ابن أبي سرح عثمان في غزو إفريقية فأذن له.

ويقال: فيها ولد يزيد بن معاوية.

وحج بالناس عثمان رضي الله عنه.

ص: 174

‌سنة ست وعشرين

فيها زاد عثمان في المسجد الحرام ووسعه، واشترى الزيادة من قوم، وأبى آخرون، فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال، فصاحوا بعثمان فأمر بهم إلى الحبس، وقال: ما جرأكم علي إلا حلمي، وقد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا عليه، ثم كلموه فيهم فأطلقهم.

وفيها فتحت سابور، أميرها عثمان بن أبي العاص الثقفي، فصالحهم على ثلاثة آلاف ألف وثلاثمائة ألف.

وقيل: عزل عثمان سعدا عن الكوفة؛ لأنه كان تحت دين لابن مسعود فتقاضاه واختصما، فغضب عثمان من سعد وعزله، وقد كان الوليد عاملا لعمر على بعض الجزيرة وكان فيه رفق برعيته.

ص: 175

‌سنة سبع وعشرين

فيها غزا معاوية قبرس فركب البحر بالجيوش، وكان معه عبادة بن الصامت، وزوجة عبادة أم حرام (سوى ت) بنت ملحان الأنصارية خالة أنس، فصرعت عن بغلتها فماتت شهيدة رحمها الله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغشاها ويقيل عندها، وبشرها بالشهادة، فقبرها بقبرس، يقولون: هذا قبر المرأة الصالحة.

روت عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنها أنس بن مالك، وعمير بن الأسود العنسي، ويعلى بن شداد بن أوس، وغيرهم.

وقال داود بن أبي هند: صالح عثمان بن أبي العاص وأبو موسى سنة سبع وعشرين أهل أرجان على ألفي ألف ومائتي ألف، وصالح أهل دارابجرد على ألف ألف وثمانين ألفا.

وقال خليفة: فيها عزل عثمان عن مصر عمرا وولى عليها عبد الله بن سعد، فغزا إفريقية ومعه عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، فالتقى هو وجرجير بسبيطلة على يومين من القيروان، وكان جرجير في مائتي ألف مقاتل، وقيل: في مائة وعشرين ألفا، وكان المسلمون في عشرين ألفا.

قال مصعب بن عبد الله: حدثنا أبي، والزبير بن خبيب، قالا: قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير في معسكرنا في عشرين ومائة ألف، فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفا. واختلف الناس على عبد الله بن أبي سرح، فدخل فسطاطا له فخلا فيه، ورأيت أنا غرة من جرجير بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس، وبينه وبين جنده أرض بيضاء ليس بها أحد، فخرجت إلى ابن أبي سرح فندب لي

ص: 176

الناس، فاخترت منهم ثلاثين فارسا وقلت لسائرهم: البثوا على مصافكم، وحملت في الوجه الذي رأيت فيه جرجير، وقلت لأصحابي: احموا لي ظهري، فوالله ما نشبت أن خرقت الصف إليه فخرجت صامدا له، وما يحسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه فعرف الشر، فوثب على برذونه وولى مبادرا، فأدركته ثم طعنته، فسقط، ثم دففت عليه بالسيف، ونصبت رأسه على رمح وكبرت، وحمل المسلمون، فارفض أصحابه من كل وجه، وركبنا أكتافهم.

وقال خليفة: حدثنا من سمع ابن لهيعة يقول: حدثنا أبو الأسود، قال: حدثني أبو إدريس أنه غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية فافتتحها، فأصاب كل إنسان ألف دينار.

وقال غيره: سبوا وغنموا، فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار، وفتح الله إفريقية سهلها وجبلها، ثم اجتمعوا على الإسلام وحسنت طاعتهم.

وقسم ابن أبي سرح ما أفاء الله عليهم وأخذ خمس الخمس بأمر عثمان، وبعث إليه بأربعة أخماسه، وضرب فسطاطا في موضع القيروان، ووفدوا وفدا، فشكوا عبد الله فيما أخذ، فقال: أنا نفلته، وذلك إليكم الآن، فإن رضيتم فقد جاز، وإن سخطتم فهو رد، قالوا: إنا نسخطه، قال: فهو رد، وكتب إلى عبد الله برد ذلك واستصلاحهم. قالوا: فاعزله عنا. فكتب إليه أن استخلف على إفريقية رجلا ترضاه واقسم ما نفلتك فإنهم قد سخطوا، فرجع عبد الله بن أبي سرح إلى مصر، وقد فتح الله إفريقية، فما زال أهلها أسمع الناس وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك.

وروى سيف بن عمر، عن أشياخه، أن عثمان أرسل عبد الله بن نافع بن الحصين، وعبد الله بن نافع الفهري من فورهما ذلك إلى الأندلس، فأتياها من قبل البحر، وكتب عثمان إلى من انتدب إلى الأندلس: أما بعد فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس، وإنكم إن افتتحتموها كنتم

ص: 177

شركاء في فتحها في الأجر، والسلام. فعن كعب قال: يعبر البحر إلى الأندلس أقوام يفتحونها يعرفون بنورهم يوم القيامة. قال: فخرجوا إليها فأتوها من برها وبحرها، ففتحها الله على المسلمين، وزاد في سلطان المسلمين مثل إفريقية. ولم يزل أمر الأندلس كأمر إفريقية، حتى أمر هشام فمنع البربر أرضهم.

ولما نزع عثمان عمرا عن مصر غضب وحقد على عثمان، فوجه عبد الله بن سعد فأمره أن يمضي إلى إفريقية، وندب عثمان الناس معه إلى إفريقية، فخرج إليها في عشرة آلاف، وصالح ابن سعد أهل إفريقية على ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار. وبعث ملك الروم من قسطنطينية أن يؤخذ من أهل إفريقية ثلاثمائة قنطار ذهبا، كما أخذ منهم عبد الله بن سعد، فقالوا: ما عندنا مال نعطيه، وما كان بأيدينا فقد افتدينا به، فأما الملك فإنه سيدنا فليأخذ ما كان له عندنا من جائزة كما كنا نعطيه كل عام، فلما رأى ذلك منهم الرسول أمر بحبسهم، فبعثوا إلى قوم من أصحابهم فقدموا عليهم فكسروا السجن وخرجوا.

وعن يزيد بن أبي حبيب، قال: كتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول: إن عمرو بن العاص كسر الخراج، وكتب عمرو: إن عبد الله بن سعد أفسد علي مكيدة الحرب. فكتب عثمان إلى عمرو: انصرف وول عبد الله الخراج والجند، فقدم عمرو مغضبا، فدخل على عثمان وعليه جبة له يمانية محشوة قطنا، فقال له عثمان: ما حشو جبتك؟ قال: عمرو. قال: قد علمت أن حشوها عمرو، ولم أرد هذا، إنما سألتك أقطن هو أم غيره؟

وبعث عبد الله بن سعد إلى عثمان مالا من مصر وحشد فيه، فدخل عمرو، فقال عثمان: هل تعلم أن تلك اللقاح درت بعدك؟ قال عمرو: إن فصالها هلكت.

وفيها حج عثمان بالناس.

ص: 178

‌سنة ثمان وعشرين

قيل: في أولها غزوة قبرس، وقد مرت. فروى سيف، عن رجاله، قالوا: ألح معاوية في إمارة عمر عليه في غزو البحر وقرب الروم من حمص، فقال عمر: إن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلابهم وصياح ديوكهم أحب إلي من كل ما في البحر، فلم يزل بعمر حتى كاد أن يأخذ بقلبه. فكتب عمر إلى عمرو بن العاص أن صف لي البحر وراكبه، فكتب إليه: إني رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير، إن ركد حرق القلوب، وإن تحرك أراع العقول، تزاد فيه العقول قلة، والشك كثرة، وهم فيه كدود على عود، إن مال غرق، وإن نجا برق. فلما قرأ عمر الكتاب كتب إلى معاوية: والله لا أحمل فيه مسلما أبدا.

وقال أبو جعفر الطبري: غزا معاوية قبرس فصالح أهلها على الجزية.

وقال الواقدي: في هذه السنة غزا حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم.

وفيها تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة فأسلمت قبل أن يدخل بها.

وفيها غزا الوليد بن عقبة أذربيجان فصالحهم مثل صلح حذيفة.

وقل من مات وضبط موته في هذه السنوات كما ترى.

ص: 179

‌سنة تسع وعشرين

فيها عزل عثمان أبا موسى عن البصرة بعبد الله بن عامر بن كريز، وأضاف إليه فارس.

وفيها افتتح عبد الله بن عامر إصطخر عنوة فقتل وسبى، وكان على مقدمته عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي أحد الأجواد؛ وكل منهما رأى النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان على إصطخر قتال عظيم قتل فيه عبيد الله بن معمر، وكان من كبار الأمراء، افتتح سابور عنوة وقلعة شيراز، وقتل وهو شاب، فأقسم ابن عامر لئن ظفر بالبلد ليقتلن حتى يسيل الدم من باب المدينة، وكان بها يزدجرد بن شهريار بن كسرى فخرج منها في مائة ألف وسار فنزل مرو، وخلف على إصطخر أميرا من أمرائه في جيش يحفظونها. فنقب المسلمون المدينة فما دروا إلا والمسلمون معهم في المدينة، فأسرف ابن عامر في قتلهم وجعل الدم لا يجري من الباب، فقيل له: أفنيت الخلق، فأمر بالماء فصب على الدم حتى خرج الدم من الباب، ورجع إلى حلوان فافتتحها ثانيا فأكثر فيهم القتل لكونهم نقضوا الصلح.

وفيها انتقضت أذربيجان فغزاهم سعيد بن العاص فافتتحها.

وفيها غزا ابن عامر وعلى مقدمته عبد الله بن بديل الخزاعي، فأتى أصبهان، ويقال افتتح أصبهان سارية بن زنيم عنوة وصلحا.

وقال أبو عبيدة: لما قدم ابن عامر البصرة قدم عبيد الله بن معمر إلى فارس، فأتى أرجان فأغلقوا في وجهه، وكان عن يمين البلد وشماله الجبال والأسياف. وكانت الجبال لا تسلكها الخيل ولا تحمل الأسياف - يعني السواحل - الجيش، فصالحهم أن يفتحوا له باب المدينة فيمر فيها مارا ففعلوا، ومضى حتى انتهى إلى النوبندجان فافتتحها، ثم نقضوا الصلح، ثم

ص: 180

سار فافتتح قلعة شيراز، ثم سار إلى جور فصالحهم وخلف فيهم رجلا من تميم، ثم انصرف إلى إصطخر فحاصرها مدة، فبينما هم في الحصار إذ قتل أهل جور عاملهم، فساق ابن عامر إلى جور فناهضهم فافتتحها عنوة فقتل منها أربعين ألفا يعدون بالقصب، ثم خلف عليهم مروان بن الحكم أو غيره، ورد إلى إصطخر وقد قتلوا عبيد الله بن معمر فافتتحها عنوة. ثم مضى إلى فسا فافتتحها. وافتتح رساتيق من كرمان. ثم إنه توجه نحو خراسان على المفازة فأصابهم الرمق فأهلك خلقا.

وقال ابن جرير: كتب ابن عامر إلى عثمان بفتح فارس، فكتب عثمان يأمره أن يولي هرم بن حيان اليشكري، وهرم بن حيان العبدي، والخريت بن راشد على كور فارس. وفرق خراسان بين ستة نفر: الأحنف بن قيس على المروين، وحبيب بن قرة اليربوعي على بلخ، وخالد بن زهير على هراة، وأمير بن أحمر اليشكري على طوس، وقيس بن هبيرة السلمي على نيسابور.

وفيها زاد عثمان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوسعه وبناه بالحجارة المنقوشة وجعل عمده من حجارة وسقفه بالساج، وجعل طوله ستين ومائة ذراع، وعرضه خمسين ومائة ذراع، وجعل أبوابه كما كانت زمن عمر ستة أبواب.

وحج عثمان بالناس وضرب له بمنى فسطاط، وأتم الصلاة بها وبعرفة، فعابوا عليه ذلك، فجاءه علي، فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد، ولقد عهدت نبيك صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين، ثم أبا بكر، ثم عمر، ثم أنت صدرا من ولايتك، فقال: رأي رأيته. وكلمه عبد الرحمن بن عوف، فقال: إني أخبرت عن جفاة الناس قد قالوا: إن الصلاة للمقيم ركعتان، وقالوا: هذا عثمان يصلي ركعتين، فصليت أربعا لهذا، وإني قد اتخذت بمكة زوجة، فقال عبد الرحمن: ليس هذا بعذر. قال: هذا رأي رأيته.

ص: 181

‌سنة ثلاثين

فيها عزل الوليد بن عقبة عن الكوفة بسعيد بن العاص، فغزا سعيد طبرستان، فحاصرهم، فسألوه الأمان، على ألا يقتل منهم رجلا واحدا، فقتلهم كلهم إلا رجلا واحدا، يفتي نفسه بذلك.

وفيها فتحت جور من أرض فارس على يد ابن عامر فغنم شيئا كثيرا. وافتتح ابن عامر في هذا القرب بلادا كثيرة من أرض خراسان.

قال داود بن أبي هند: لما افتتح ابن عامر أرض فارس سنة ثلاثين، هرب يزدجرد بن كسرى فأتبعه ابن عامر، ومجاشع بن مسعود السلمي، ووجه ابن عامر، فيما ذكر خليفة، زياد بن الربيع الحارثي إلى سجستان فافتتح زالق وناشروذ، ثم صالح أهل مدينة زرنج على ألف وصيف مع كل وصيف جام من ذهب. ثم توجه ابن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الأحنف بن قيس، فلقي أهل هراة فهزمهم.

ثم افتتح ابن عامر أبرشهر - وهي نيسابور - صلحا، ويقال: عنوة. وكان بها فيما ذكر غير خليفة ابنتا كسرى بن هرمز. وبعث جيشا فتحوا طوس وأعمالها صلحا. ثم صالح من جاءه من أهل سرخس على مائة وخمسين ألفا. وبعث الأسود بن كلثوم العدوي إلى بيهق. وبعث أهل مرو يطلبون الصلح، فصالحهم ابن عامر على ألفي ألف ومائتي ألف.

وسار الأحنف بن قيس في أربعة آلاف، فجمع له أهل طخارستان وأهل الجوزجان والفارياب، وعليهم طوقانشاه، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم هزم الله المشركين، وكان النصر.

ثم سار الأحنف على بلخ، فصالحوه على أربعمائة ألف. ثم أتى خوارزم فلم يطقها ورجع. وفتحت هراة ثم نكثوا.

ص: 182

وقال ابن إسحاق: بعث ابن عامر جيشا إلى مرو فصالحوا وفتحت صلحا.

ثم خرج ابن عامر من نيسابور معتمرا وقد أحرم منها، واستخلف على خراسان الأحنف بن قيس، فلما قضى عمرته أتى عثمان رضي الله عنه واجتمع به، ثم إن أهل خراسان نقضوا وجمعوا جمعا كثيرا وعسكروا بمرو، فنهض لقتالهم الأحنف وقاتلهم فهزمهم، وكانت وقعة مشهورة.

ثم قدم ابن عامر من المدينة إلى البصرة، فلم يزل عليها إلى أن قتل عثمان، وكذا معاوية على الشام.

ولما فتح ابن عامر هذه البلاد الواسعة كثر الخراج على عثمان وأتاه المال من كل وجه حتى اتخذ له الخزائن وأدر الأرزاق، وكان يأمر للرجل بمائة ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف وافية.

وقال أبو يوسف القاضي: أخرجوا من خزائن كسرى مائتي ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف.

‌ذكر من توفي في سنة ثلاثين

ع:‌

‌ أبي بن كعب

وقال الواقدي: هو أثبت الأقاويل عندنا.

‌جبار بن صخر بن أمية بن خنساء

أبو عبد الرحمن الأنصاري السلمي.

شهد بدرا والعقبة، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارصا إلى خيبر. توفي بالمدينة، وله ستون سنة.

‌حاطب بن أبي بلتعة اللخمي

، حليف بني أسد بن عبد العزى

شهد بدرا والمشاهد، وهو الذي كتب إلى المشركين قبل الفتح

ص: 183

يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والقصة مشهورة، فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم واعتذر فقبل عذره، ثم كان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية.

واسم أبي بتلعة: عمرو بن عمير.

‌الطفيل بن الحارث بن المطلب المطلبي

، فيما قاله سعيد بن عفير.

وهو أخو عبيدة بن الحارث والحصين بن الحارث. كان من السابقين الأولين، شهد بدرا.

‌عبد الله بن كعب بن عمرو المازني الأنصاري البدري

كان على الخمس يوم بدر، يكنى أبا الحارث، وقيل: أبا يحيى، وصلى عليه عثمان، وهو أخو أبي ليلى المازني.

‌عبد الله بن مظعون بن حبيب الجمحي القرشي

، أخو عثمان وقدامة

كان أحد من شهد بدرا وممن هاجر إلى الحبشة.

‌عياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال

، أبو سعد القرشي الفهري

شهد بدرا والمشاهد بعدها. هكذا ذكره ابن سعد، وفرق بينه وبين ابن أخيه عياض بن غنم بن زهير الفهري أمير الشام المتوفى سنة عشرين.

‌معمر بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال القرشي

، أبو سعد الفهري

وقيل اسمه عمرو، كذا سماه ابن إسحاق وغيره، وهو بدري قديم الصحبة.

‌مسعود بن ربيعة

، وقيل: ابن الربيع، أبو عمير القاري، والقارة حلفاء بني زهرة. شهد بدرا وغيرها، وعاش نيفا وستين سنة، تقدم.

ص: 184

‌أبو أسيد مالك بن ربيعة الساعدي

والأصح سنة أربعين، وهذا قول أبي حفص الفلاس، وأوردنا أنه سنة ستين، فالله أعلم.

ص: 185

فصل.

فيه ذكر من توفي في خلافة عثمان تقريبا

د:‌

‌ أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم الأنصاري

أخو عبادة، وكلاهما قد شهدا بدرا. وأوس هو زوج المجادلة في زوجها خولة - ويقال لها: خويلة - بنت ثعلبة، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين مرثد بن أبي مرثد الغنوي.

‌أنس بن معاذ بن أنس بن قيس الأنصاري النجاري

، ويقال: اسمه أنيس، فربما صغر

شهد بدرا والمشاهد، توفي في خلافة عثمان.

‌أوس بن خولي

من بني الحبلى

أنصاري شهد بدرا. وهو الذي حضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل قبره. توفي قبل مقتل عثمان.

‌الجد بن قيس

، يقال: إنه تاب من النفاق وحسن أمره.

ن:‌

‌ الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي

.

استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إنه نزل البصرة واختط بها دارا، وهو والد عبد الله بن الحارث الذي يقال له: ببة.

‌الحطيئة الشاعر، أبو مليكة العبسي

، قيل: اسمه جرول.

عاش دهرا في الجاهلية وصدرا في الإسلام، ودخل على عمر وأنشده:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس وكان جوالا في الآفاق يمتدح الكبار ويستجديهم، وكان سؤولا بخيلا، ركب مرة ليفد على الملوك، فقال لأهله:

عدي السنين إذا خرجت لغيبة ودعي الشهور فإنهن قصار

ص: 186

‌خبيب بن يساف بن عتبة الأنصاري الخزرجي

شهد بدرا، وهو جد شيخ شعبة خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب.

ن:‌

‌ زيد بن خارجة بن زيد بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي

المتكلم بعد الموت

له صحبة ورواية، قتل أبوه يوم أحد.

قال سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: إن زيد بن خارجة توفي زمن عثمان، فسجي بثوب، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الضعيف في نفسه، القوي في أمر الله في الكتاب الأول، صدق صدق عمر القوي الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان على منهاجهم، مضت أربع سنين وبقيت سنتان، أتت الفتن وأكل الشديد الضعيف، وقامت الساعة، وسيأتيكم خبر بئر أريس وما بئر أريس.

قال ابن المسيب: ثم هلك رجل من بني خطمة، فسجي بثوب فسمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: إن أخا بني الحارث بن الخزرج صدق صدق.

قال ابن عبد البر: هذا هو الذي تكلم بعد الموت، لا يختلفون في ذلك، وذلك أنه غشي عليه وأسري بروحه، ثم راجعته نفسه فتكلم بكلام في أبي بكر، وعمر، وعثمان، ثم مات لوقته. رواه ثقات الشاميين عن النعمان بن بشير.

م:‌

‌ سلمان بن ربيعة الباهلي

يقال: له صحبة، وقد سمع من عمر. روى عنه أبو وائل، والصبي بن معبد، وعمرو بن ميمون. وكان بطلا شجاعا فاضلا عابدا، ولاه عمر قضاء الكوفة، ثم ولي زمن عثمان غزو أرمينية فقتل ببلنجر، وقيل: بل الذي قتل بها أخوه عبد الرحمن، وقيل: إن الترك إذا قحطوا يستسقون بقبر سلمان،

ص: 187

وهو مدفون عندهم، وقد جعلوا عظامه في تابوت. روى له مسلم.

ن:‌

‌ عبد الله بن حذافة بن قيس القرشي السهمي

، أبو حذافة

من المهاجرين الأولين. هاجر مع أخيه قيس إلى الحبشة، وكان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، وكانت فيه دعابة، وقد أسره الروم زمن عمر فأرادوه على الكفر فأبى عليهم، فقال له ملكهم: قبل رأسي حتى أطلقك ومن معك، ففعل فأطلقه وثمانين أسيرا، فلما قدم قال له عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأسك وأنا أبدأ، فقام فقبل رأسه.

له حديث. روى عنه أبو وائل، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، ولم يدركاه.

عبد الله بن سراقة بن المعتمر العدوي

له صحبة ورواية، شهد أحدا وغيرها، وقال الزهري: إنه شهد بدرا. روى عنه عبد الله بن شقيق، وعقبة بن وساج، وغيرهما. وروى أيضا عن أبي عبيدة، وهو أخو عمرو. وقيل: إن الذي روى عن أبي عبيدة، وروى عنه عبد الله بن شقيق في الدجال. أزدي شريف من أهل دمشق. قاله الغلابي وغيره.

عبد الله بن قيس بن خالد الأنصاري النجاري المالكي، شهد بدرا

قال الواقدي: لم يبق له عقب، وتوفي في زمن عثمان.

عبد الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري الحارثي

قال ابن عبد البر: شهد بدرا.

وقال أبو نعيم: شهد أحدا، والخندق، وهو الذي نهش فرقاه عمارة بن

ص: 188

حزم. استعمله عمر على البصرة بعد موت عتبة بن غزوان.

وعن القاسم بن محمد، قال: جاءت جدتان إلى أبي بكر فأعطى السدس أم الأم دون أم الأب، فقال له عبد الرحمن بن سهل، رجل من بني حارثة قد شهد بدرا: أعطيت التي لو ماتت لم يرثها، وتركت التي لو ماتت لورثها، فجعله أبو بكر بينهما.

وقد ورد أن هذا غزا في خلافة عثمان.

عمرو بن سراقة بن المعتمر بن أنس القرشي العدوي

بدري كبير، وهو أخو عبد الله. روى عامر بن ربيعة، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ومعنا عمرو بن سراقة - وكان لطيف البطن طويلا - فجاع، فانثنى صلبه فأخذنا صفيحة من حجارة فربطناها على بطنه، فمشى يوما، فجئنا قوما فضيفونا، فقال عمرو: كنت أحسب الرجلين تحمل البطن فإذا البطن يحمل الرجلين.

ت ن:‌

‌ عمير بن سعد بن شهيد بن قيس الأنصاري

الأوسي

له صحبة ورواية. روى عنه أبو طلحة الخولاني، وحبيب بن عبيد، وغيرهما، وكان من زهاد الصحابة. كان يقال له: نسيج وحده.

روى عبد الرحمن بن عمير بن سعد قال: قال لي ابن عمر: ما كان بالشام من المسلمين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من أبيك.

وشهد عمير فتح الشام مع أبي عبيدة، وولي إمرة حمص ودمشق لعمر، فلما ولي الخلافة عثمان عزله عن حمص واستعمل معاوية على جميع الشام. وله أخبار في الحلية.

‌عروة بن حزام، أبو سعيد

شاب عذري قتله الغرام، وهو الذي كان يشبب بابنة عمه عفراء بنت مهاصر، خرج أهلها من الحجاز إلى الشام فتبعهم عروة وامتنع عمه من تزويجه بها لفقره، وزوجها بابن عم آخر غني فهلك في محبتها عروة.

ص: 189

ومن قوله فيها:

وما هو إلا أن أراها فجاءة فأبهت حتى ما أكاد أجيب وأصرف عن رأيي الذي كنت أرتئي وأنسى الذي أعددت حين تغيب

‌عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة

بن عدي بن فزارة الفزاري

من قيس عيلان، واسم عيينة: حذيفة، فأصابته لقوة فجحظت عيناه، فسمي عيينة، ويكنى أبا مالك، وهو سيد بني فزارة وفارسهم.

قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، قال: أجدبت بلاد آل بدر، فسار عيينة في نحو مائة بيت من آله حتى أشرف على بطن نخل فهاب النبي صلى الله عليه وسلم، فورد المدينة ولم يسلم ولم يبعد، وقال: أريد أدنو من جوارك فوادعني. فوادعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر، فلما فرغت انصرف عيينة إلى بلادهم، فأغار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة، فقال له الحارث بن عوف: ما جزيت محمدا سمنت في بلاده ثم غزوته؟!

وقال الواقدي: حدثني عبد العزيز بن عقبة بن سلمة، عن عمه إياس بن سلمة، عن أبيه قال: أغار عيينة في أربعين رجلا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عشرين لقحة فساقها وقتل ابنا لأبي ذر كان فيها، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم إلى ذي قرد فاستنقذ عشر لقاح وأفلت القوم بالباقي، وقتلوا حبيب بن عيينة، وابن عمه مسعدة، وجماعة.

الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: كان عيينة بن حصن أحد رؤوس الأحزاب، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه وإلى الحارث بن عوف: أرأيتما إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة، أترجعان بمن معكما؟ فرضيا بذلك، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتب لهم الصلح جاء أسيد بن حضير، وعيينة ماد رجليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عين

ص: 190

الهجرس اقبض رجليك، والله لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم خضبتك بالرمح، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن كان أمر من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف، متى طمعتم بهذا منا. وقال السعدان كذلك.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: شق الكتاب، فشقه، فقال عيينة: أما والله للتي تركتم خير لكم من الخطة التي أخذتم، وما لكم بالقوم طاقة، فقال عباد بن بشر: يا عيينة، أبالسيف تخوفنا! ستعلم أينا أجزع، والله لولا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصلتم إلى قومكم، فرجعا وهما يقولان: والله ما نرى أنا ندرك منهم شيئا.

قال الواقدي: فلما انكشف الأحزاب رد عيينة إلى بلاده، ثم أسلم قبل الفتح بيسير.

ابن سعد: أخبرنا علي بن محمد، عن علي بن سليم، عن الزبير بن خبيب، قال: أقبل عيينة بن حصن، فتلقاه ركب خارجين من المدينة، فسألهم فقالوا: الناس ثلاثة: رجل أسلم فهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل العرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله، ورجل يظهر الإسلام ويظهر لقريش أنه معهم، قال: ما يسمى هؤلاء؟ قال: يسمون المنافقين. قال: ما في من وصفتم أحزم من هؤلاء، اشهدوا أنني منهم.

ثم ساق ابن سعد قصة طويلة بلا إسناد في نفاق عيينة يوم الطائف، وفي أسره عجوزا يوم هوزان يلتمس بها الفداء، فجاء ابنها فبذل فيها مائة من الإبل، فتقاعد عيينة، ثم غاب عنه، ونزله إلى خمسين، فامتنع ثم لم يزل به إلى أن بذل فيها عشرة من الإبل، فغضب وامتنع، ثم جاءه فقال: يا عم، أطلقها وأشكرك، قال: لا حاجة لي بمدحك، ثم قال: ما رأيت كاليوم أمرا أنكد، وأقبل يلوم نفسه، فقال الفتى: أنت صنعت هذا: عمدت إلى عجوز والله ما ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد، ولا صاحبها بواجد،

ص: 191

فأخذتها من بين من ترى، فقال: خذها لا بارك الله لك فيها. قال الفتى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كسا السبي فأخطأها من بينهم الكسوة، فهلا كسوتها؟ قال: لا والله. فما فارقه حتى أخذ منه سمل ثوب، ثم ولى الفتى وهو يقول: إنك لغير بصير بالفرص.

وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم عيينة من الغنائم مائة من الإبل.

الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عنده، فقال: من هذه الحميراء؟ قال: هذه عائشة بنت أبي بكر. فقال: ألا أنزل لك عن أحسن الناس: ابنة جمرة؟ قال: لا، فلما خرج، قلت: يا رسول الله، من هذا؟ قال: هذا الحمق المطاع.

قال ابن سعد: قالوا وارتد عيينة حين ارتدت العرب، ولحق بطليحة الأسدي حين تنبأ فآمن به، فلما هزم طليحة أخذ خالد بن الوليد عيينة فأوثقه وبعث به إلى الصديق، قال ابن عباس، فنظرت إليه والغلمان ينخسونه بالجريد ويضربونه ويقولون: أي عدو الله كفرت بعد إيمانك! فيقول: والله ما كنت آمنت، فلما كلمه أبو بكر رجع إلى الإسلام فأمنه.

المدائني، عن عامر بن أبي محمد، قال: قال عيينة لعمر: احترس أو أخرج العجم من المدينة فإني لا آمن أن يطعنك رجل منهم.

المدائني، عن عبد الله بن فائد، قال: كانت أم البنين بنت عيينة عند عثمان، فدخل عيينة على عثمان بلا إذن، فعتبه عثمان، فقال: ما كنت أرى أنني أحجب عن رجل من مضر، فقال عثمان: أدن فأصب من العشاء، قال: إني صائم، قال: تصوم الليل! قال: إني وجدت صوم الليل أيسر علي! قال المدائني: ثم عمي عيينة في إمرة عثمان.

أبو الأشهب، عن الحسن قال: عاتب عثمان عيينة، فقال: ألم أفعل، ألم أفعل، وكنت تأتي عمر ولا تأتينا؟! فقال: كان عمر خيرا لنا منك، أعطانا فأغنانا، وأخشانا فأتقانا.

ص: 192

‌قطبة بن عامر

، أبو زيد الأنصاري السلمي.

شهد بدرا والعقبتين.

‌قيس بن قهد بن قيس بن ثعلبة الأنصاري

، أحد بني مالك بن النجار.

قال مصعب الزبيري: هو جد يحيى بن سعيد الأنصاري. وخالفه الأكثر، وقيل: هو جد أبي مريم عبد الغفار بن القاسم الكوفي.

وقال ابن ماكولا: إنه شهد بدرا، روى عنه ابنه سليم، وقيس بن أبي حازم.

وله حديث في الركعتين بعد الفجر.

‌لبيد بن ربيعة العامري

، الشاعر المشهور الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل قال مالك: بلغني أن لبيدا عمر مائة وأربعين سنة، ويكنى أبا عقيل.

قال ابن أبي حاتم: بعث الوليد بن عقبة إلى منزل لبيد عشرين جزورا فنحرت.

وقيل: إنه توفي سنة إحدى وأربعين.

خ م د ن:‌

‌ المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي

.

ممن بايع تحت الشجرة.

روى عنه ابنه سعيد بن المسيب.

‌معاذ بن عمرو بن الجموح الأنصاري

.

شهد بدرا وغيرها. وروى عنه ابن عباس، وهو الذي قال: جعلت

ص: 193

يوم بدر أبا جهل من شأني، فلما أمكنني حملت عليه فضربته فقطعت قدمة بنصف ساقه، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فبقيت معلقة بجلدة بجنبي، وأجهضني عنه القتال، فقاتلت عامة يومي، وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت قدمي عليها، ثم تمطيت عليها حتى طرحتها.

‌محمد بن جعفر بن أبي طالب، أبو القاسم الهاشمي

.

ولدته أسماء بنت عميس بالحبشة في أيام هجرة أبويه إليها، وتوفي شابا.

قال أبو أحمد الحاكم: إنه تزوج بأم كلثوم بنت علي بعد عمر بن الخطاب.

وقال ابن عبد البر: إنه استشهد بتستر، فالله أعلم.

قال جرير بن حازم: حدثنا محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نعى أباه جعفرا أمهل ثلاثا لا يأتيهم، ثم أتاهم، فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ثم قال: ادعوا لي بني أخي، فجيء بنا كأننا أفرخ، فأمر بحلاق فحلق رؤوسنا، ثم قال: أما محمد فيشبه عمنا أبا طالب، وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي، ثم أخذ بيدي فأشالها، وقال: اللهم اخلف جعفرا في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه، ثلاثا، ثم جاءت أمنا أسماء، فذكرت يتمنا، فقال: العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة!

‌معبد بن العباس بن عبد المطلب، أبو العباس الهاشمي

.

قتل شابا بالمغرب في وقعة إفريقية.

ع:‌

‌ معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي

، حليف بني عبد شمس.

قديم الإسلام، له هجرة إلى الحبشة، شهد خيبر وما بعدها، وقيل: شهد بدرا وسيأتي في سنة أربعين.

ص: 194

‌منقذ بن عمرو الأنصاري

أحد بني مازن بن النجار.

كان قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه ونازعت عقله، وهو الذي كان يغبن في البيوع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا بعت فقل: لا خلابة.

د: نعيم بن مسعود أبو سلمة الغطفاني الأشجعي، أسلم زمن الخندق، وهو الذي خذل بين الأحزاب، وكان يسكن المدينة. وله عقب.

روى عنه ابنه سلمة.

‌أبو خزيمة بن أوس بن زيد

، أحد بني النجار.

شهد بدرا والمشاهد، وهو الذي وجد زيد بن ثابت معه الآيتين من آخر سورة براءة، توفي زمن عثمان.

‌أبو ذؤيب الهذلي

، خويلد بن خالد، الشاعر المشهور.

أدرك الجاهلية وأسلم في خلافة الصديق، وكان أشعر هذيل، وكانت هذيل أشعر العرب، ومن شعره:

وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع توفي غازيا بإفريقية في خلافة عثمان، وقد شهد سقيفة بني ساعدة، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.

‌أبو زبيد الطائي الشاعر

، اسمه حرملة بن المنذر النصراني.

أنشد عثمان قصيدة في الأسد بديعة، فقال له: تفتأ تذكر الأسد ما حييت إني لأحسبك جبانا، وكان أبو زبيد يجالس الوليد بن عقبة.

‌أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى

بن أبي قيس بن عبد ود

ص: 195

‌القرشي العامري

.

قديم الإسلام، يقال: إنه هاجر إلى الحبشة، وقد شهد بدرا والمشاهد بعدها، وهو أخو أبي سلمة بن عبد الأسد، وأمهما برة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم.

آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي سبرة وبين سلمة بن سلامة بن وقش.

قال الزبير بن بكار: لا نعلم أحدا من أهل بدر رجع إلى مكة فنزلها، غير أبي سبرة فإنه سكنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وولده ينكرون ذلك، وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه.

خ م د ق:‌

‌ أبو لبابة بن عبد المنذر بن زنبر

بن زيد بن أمية الأنصاري، اسمه بشير، وقيل: رفاعة.

رده النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر من الروحاء، فاستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره، وكان من سادة الصحابة.

توفي في خلافة عثمان، وقيل: في خلافة علي، وقيل: في خلافة معاوية، وهو أحد النقباء ليلة العقبة.

روى عنه ابناه السائب، وعبد الرحمن، وعبد الله بن عمر، وسالم بن عبد الله، ونافع مولى ابن عمر، وعبيد الله بن أبي يزيد، وعبد الله بن كعب بن مالك، وسلمان الأغر، ورواية بعض هؤلاء عنه مرسلة لعدم إدراكهم إياه.

ت ن ق:‌

‌ أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة

.

تقدم في سنة إحدى وعشرين، وتوفي في خلافة عثمان، اسمه خالد، وقيل: شيبة، وقيل: هشيم، وقيل: مهشم، وهو أخو أبي حذيفة.

كان صالحا زاهدا، وهو أخو مصعب بن عمير لأمه، أسلم يوم الفتح وذهبت عينه يوم اليرموك.

ص: 196

‌الطبقة الرابعة

.

31 -

40 هـ.

ص: 197

ثم دخلت‌

‌ سنة إحدى وثلاثين

قال أبو عبد الله الحاكم: أجمع مشايخنا على أن نيسابور فتحت صلحا، وكان فتحها في سنة إحدى وثلاثين، ثم روى بإسناده إلى مصعب بن أبي الزهراء أن كنار صاحب نيسابور كتب إلى سعيد بن العاص والي الكوفة، وإلى عبد الله بن عامر والي البصرة، يدعوهما إلى خراسان ويخبرهما أن مرو قد قتل أهلها يزدجرد، فندب سعيد بن العاص الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير لها، فأتى ابن عامر دهقان، فقال: ما تجعل لي إن سبقت بك؟ قال: لك خراجك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة، فأخذ به على قومس، وأسرع إلى أن نزل على نيسابور، فقاتل أهلها سبعة أشهر ثم فتحها، فاستعمله عثمان عليها أيضا، وكان ابن خالة عثمان، ويقال: تفل النبي صلى الله عليه وسلم في فيه وهو صغير.

وفيها قال خليفة: أحرم عبد الله بن عامر من نيسابور، واستخلف قيس بن الهيثم وغيره على خراسان، وقيل: إن ذلك كان في السنة الماضية.

وفيها غزوة الأساود، فغزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح من مصر في البحر، وسار فيه إلى ناحية مصيصة.

و‌

‌ فيها توفي:

‌الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي أبو مروان

.

وكان له من الولد عشرون ذكرا وثمان بنات، أسلم يوم الفتح، وقدم المدينة، فكان فيما قيل يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطرده وسبه، وأرسله إلى بطن وج، فلم يزل طريدا إلى أن ولي عثمان، فأدخله المدينة ووصل

ص: 198

رحمه وأعطاه مائة ألف درهم، لأنه كان عم عثمان بن عفان. وقيل: إنما نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لأنه كان يحكيه في مشيته وبعض حركاته.

وقد رويت أحاديث منكرة في لعنه لا يجوز الاحتجاج بها، وليس له في الجملة خصوص الصحبة بل عمومها.

قال حماد بن سلمة وجرير، عن عطاء بن السائب، عن أبي يحيى النخعي قال: كنت بين مروان، والحسن، والحسين، والحسين يساب مروان، فقال مروان: إنكم أهل بيت ملعونون، فغضب الحسن وقال: والله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه وأنت في صلبه، أبو يحيى مجهول.

وقال العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام كأن بني الحكم ينزون على منبره، فأصبح كالمتغيظ، وقال: مالي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة.

وقال معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش بن قيس، عن عطاء، عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل علي يقود الحكم بأذنه فلعنه نبي الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، قال الدارقطني: تفرد معتمر.

وقال جعفر بن سليمان الضبعي: حدثنا سعيد أخو حماد بن زيد، عن علي بن الحكم، عن أبي الحسن الجزري، عن عمرو بن مرة - وله صحبة - قال: استأذن الحكم بن أبي العاص على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ائذنوا له لعنه الله وكل من خرج من صلبه إلا المؤمنين، إسناده فيه من يجهل.

وعن عبد الله بن عمرو قال: كان الحكم يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقل حديثه إلى قريش، فلعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يخرج من صلبه إلى

ص: 199

يوم القيامة. تفرد به سليمان بن قرم، وهو ضعيف.

وقال أحمد في مسنده: حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا عثمان بن حكيم، عن أبي أمامة بن سهل، عن عبد الله بن عمرو قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ليدخلن عليكم رجل لعين، فما زلت أتشوف حتى دخل فلان، يعني: الحكم.

وقال الشعبي: سمعت ابن الزبير يقول: ورب هذا البيت إن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. إسناده صحيح.

وعن إسحاق بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرته، فسمع حسا فاستنكره، فذهبوا فنظروا فإذا الحكم يطلع على النبي صلى الله عليه وسلم، فلعنه وما في صلبه ونفاه. رواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن عبادة بن زياد أن مدرك بن سليمان الطائي حدثه عن إسحاق فذكره.

وقال أبو سلمة التبوذكي: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا عثمان بن حكيم، قال: حدثنا شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل عليكم رجل لعين، قال: وكنت تركت أبي يلبس ثيابه، فأشفقت، فدخل الحكم بن أبي العاص.

سوى ق:‌

‌ أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي

، واسمه صخر.

أحد دهاة العرب، وشيخ قريش، وقائدهم نوبة الأحزاب، ثم أسلم

ص: 200

يوم الفتح وشهد حنينا، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم مائة من الإبل وأربعين أوقية، وقد فقئت عينه يوم الطائف، ثم شهد اليرموك، فكان يذكر يومئذ ويحض على القتال.

روى عنه ابن عباس، وقيس بن أبي حازم.

وقيل: فقئت عينه الأخرى يوم اليرموك في سبيل الله رحمه الله، وكان مقدم جيش الجاهلية يوم أحد.

وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، وكان يتجر إلى الشام وغيرها.

وكان يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد بن أبي سفيان، فكان يقاتل ويقول: يا نصر الله اقترب. وكان يقف على الكراديس يقص ويقول: الله الله إنكم دارة العرب وأنصار الإسلام، وهؤلاء دارة الروم وأنصار المشركين، اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك.

توفي سنة إحدى وثلاثين، وقيل: سنة اثنتين، وقيل: سنة ثلاث، وقيل: سنة أربع وثلاثين، وله نحو تسعين سنة.

ويقال: توفي فيها المقداد، والعباس، وابن عوف، وعامر بن ربيعة، وسيأتون بعدها رضي الله عنهم.

‌يزدجرد بن شهريار بن برويز المجوسي الفارسي

، كسرى زمانه.

انهزم من المسلمين في دار ملكه إلى مرو، وضعفت دولة الأكاسرة وولت أيامهم، فكان هذا خاتمتهم، ثار عليه أمراء مرو، وقيل: بل بيته الترك وقتلوا خواصه، فهرب والتجأ إلى بيت رجل فقتله غدرا، ثم قتل به، والله أعلم.

ص: 201

‌سنة اثنتين وثلاثين

فيها كانت وقعة المضيق بالقرب من قسطنطينية، وأميرها معاوية.

و‌

‌ توفي فيها:

أبي بن كعب، قاله خليفة وحده. وأوس بن الصامت، أخو عبادة، وقد تقدما.

‌سنان بن أبي سنان بن محصن الأسدي

، حليف بني عبد شمس.

وكان أسن من عمه عكاشة، هاجر هو وأبوه وشهد بدرا.

توفي أبوه والنبي صلى الله عليه وسلم يحاصر بني قريظة، وكان سنان من سادة الصحابة.

قال الواقدي: هو أول من بايع تحت الشجرة.

الطفيل بن الحارث بن المطلب، فيها في قول، وقد ذكر.

وأخوه الحصين توفي بعده بأربعة أشهر، وقد شهد بدرا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام.

ع:‌

‌ العباس بن عبد المطلب بن هاشم

، أبو الفضل عم النبي صلى الله عليه وسلم.

ولد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث، وحضر بدرا فأسره المسلمون، ثم أسلم بعد أن فدى نفسه وقدم مكة. له أحاديث.

روى عنه: ابناه عبد الله وعبيد الله، والأحنف بن قيس، وعامر بن سعد، ومالك بن أوس بن الحدثان، ونافع بن جبير بن مطعم، وأم كلثوم بنته، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وله فضائل ومناقب رضي الله عنه.

قال الكلبي: كان العباس شريفا مهيبا عاقلا.

ص: 202

وقال غيره: كان أبيض بضا جميلا طويلا فخما مهيبا، له ضفيرتان، عاش ثمانيا وثمانين سنة، وصلى عليه عثمان، ودفن بالبقيع، وعلى ضريحه قبة عظيمة.

وقال خليفة وحده: توفي سنة أربع وثلاثين.

وقال الزبير بن بكار: كان للعباس ثوب لعاري بن هاشم وجفنة لجائعهم، وكان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب، وكان نديم أبي سفيان بن حرب في الجاهلية.

وعن سهل بن سعد قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدر استأذنه العباس أن يرجع إلى مكة حتى يهاجر منها، فقال: اطمئن يا عم فإنك خاتم المهاجرين كما أنا خاتم النبيين. رواه أبو يعلى والهيثم بن كليب في مسنديهما.

وروى يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن المطلب بن ربيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عم الرجل صنو أبيه ومن آذى العباس فقد آذاني. وصحح الترمذي من حديث يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث هذا الحديث إلى آخره.

وقال محمد بن طلحة التميمي - وهو ثقة - عن أبي سهيل بن مالك، عن سعيد بن المسيب، عن سعد قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل العباس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا العباس عم نبيكم أجود قريش كفا وأوصلها، أخرجه النسائي.

ص: 203

وروى عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن العباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العباس مني وأنا منه.

وقال ثور بن يزيد، عن مكحول، عن كريب عن ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل على العباس وولده كساء ثم قال: اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا، اللهم اخلفه في ولده. تفرد به عبد الوهاب بن عطاء، عن ثور، حسنه الترمذي.

وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل أحدا ما يجل العباس، أو يكرم العباس.

وقال أنس: قحط الناس، فاستسقى عمر بالعباس وقال: اللهم إنا كنا إذا قحطنا نتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فسقوا. أخرجه البخاري.

وقال أبو معشر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، وعن غيره، أن عمر فرض لمن شهد بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف، وفرض للعباس اثني عشر ألفا.

وروى ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الثقة قال: كان العباس إذا مر بعمر أو بعثمان وهما راكبان نزلا حتى يجاوزهما إجلالا لعم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال عمرو بن مرة، عن أبي صالح السمان، عن صهيب مولى العباس قال: رأيت عليا يقبل يد العباس ورجله ويقول: يا عم ارض عني.

ص: 204

وقال ثور بن يزيد، عن مكحول، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: العباس خير هذه الأمة وراث النبي صلى الله عليه وسلم وعمه. إسناده صحيح.

وقال الضحاك بن عثمان الحزامي: كان يكون للعباس الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة، فيقف على سلع في آخر الليل فيناديهم فيسمعهم، والغابة على نحو من تسعة أميال.

وقال علي بن عبد الله بن عباس: أعتق العباس عند موته سبعين مملوكا.

وقال المدائني: إنه توفي سنة ثلاث وثلاثين.

‌عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي

، أبو محمد المدني، وقيل: إن ذكر ثعلبة في نسبه خطأ.

شهد بدرا والعقبة، وهو الذي أري الأذان. روى عنه ابنه محمد، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن المسيب، وآخرون. عاش هذا أربعا وستين سنة.

ورى يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن زيد أن عبد الله شهد النبي صلى الله عليه وسلم عند المنحر وحلق رأسه، فقسم منه على رجال وقلم أظفاره، فأعطاه. قال محمد: فإنه عندنا مخضوب بالحناء والكتم.

ع:‌

‌ عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب

، أبو عبد الرحمن الهذلي، حليف بني زهرة، وأمه أم عبد هذيلة أيضا.

كان من السابقين الأولين، شهد بدرا والمشاهد كلها، وكان له أصحاب سادة، منهم: علقمة، والأسود، ومسروق، وعبيدة السلماني، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وزر بن حبيش وأبو عمرو الشيباني، وأبو

ص: 205

الأحوص، وزيد بن وهب، وخلق سواهم، وكان صاحب نعل النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا خلعها حملها أو شالها. وكان يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويخدمه ويلزمه. وتلقن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة.

قال ابن سيرين: قال عبد الله بن مسعود: لو أعلم أحدا أحدث بالعرضة الأخيرة مني تناله الإبل لرحلت إليه.

وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي، وسئل عن عبد الله، فقال: علم القرآن والسنة ثم انتهى.

وعن ابن مسعود، قال: كناني النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبد الرحمن قبل أن يولد لي.

وعن ابن المسيب قال: رأيت ابن مسعود عظيم البطن أحمش الساقين.

وقال قيس بن أبي حازم: رأيته آدم خفيف اللحم.

وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: كان نحيفا قصيرا، شديد الأدمة وكان لا يخضب.

وعن غيره قال: كان ابن مسعود لطيف القد، وكان من أجود الناس ثوبا، أبيض، وأطيب الناس ريحا.

وقال ابن إسحاق: أسلم ابن مسعود بعد اثنتين وعشرين نفسا.

وقال أبو الأحوص: سمعت أبا مسعود البدري وأبا موسى حين مات ابن مسعود، وأحدهما يقول لصاحبه: أتراه ترك بعده مثله؟ قال: لئن قلت ذاك لقد كان يؤذن له إذا حجبنا ويشهد إذا غبنا.

وقال أبو موسى: مكثت حينا وما أحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة دخولهم وخروجهم عليه.

وقال القاسم بن عبد الرحمن: كان عبد الله بن مسعود يلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه ويمشي أمامه بالعصا، حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه، فأخذهما عبد الله وأعطاه العصا، وكان يدخل الحجرة أمامه بالعصا.

وعن عبيد الله بن عبد الله، قال: كان عبد الله صاحب سواد رسول الله

ص: 206

صلى الله عليه وسلم - يعني سره -، وصاحب وساده، يعني: فراشه، وصاحب سواكه ونعليه وطهوره، وهذا يكون في السفر.

وعن عبيدة عن عبد الله قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط فبشرني بالجنة.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد.

قال ابن مسعود: ثم قعدت أدعو فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سل تعطه، فكان فيما قلت: اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد، ونعيما لا ينفد، ومرافقة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد.

وقال أبو إسحاق السبيعي، عن الحارث، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت مؤمرا أحدا عن غير مشورة لأمرت عليهم ابن أم عبد. رواه أحمد في مسنده والترمذي.

وعن علي قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود فصعد شجرة فنظر الصحابة إلى ساقي عبد الله، فضحكوا من حموشة ساقيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تضحكون؟ لهما في اميزان يوم القيامة أثقل من أحد. رواه مغيرة، عن أم موسى، عن علي.

وقال عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد، حسنه الترمذي لكن لفظه: وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه.

ص: 207

وقال منصور، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد. وروي نحوه من طرق أخر.

وقال علقمة: كان ابن مسعود يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته.

وقال أبو إسحاق السبيعي: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول: قلنا لحذيفة: أخبرنا برجل قريب السمت والدل برسول الله صلى الله عليه سلم حتى نلزمه، قال: ما أعلم أحدا أقرب سمتا ولا هديا ولا دلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يواريه جدار بيته من ابن أم عبد، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله زلفة.

وقال أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب قال: كتب عمر إلى أهل الكوفة: إنني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا، وابن مسعود معلما ووزيرا، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بدر، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، فقد آثرتكم بعبد الله على نفسي.

وقال عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة.

وقال مسروق، عن عبد الله قال: ما من آية إلا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغنيه الإبل لأتيته.

ص: 208

وقال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، أن ابن مسعود كره لزيد نسخ المصاحف، وقال: يا معشر المسلمين، أعزل عن نسخ كتاب المصاحف ويتولاها رجل غيري، والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب أبيه، يا أهل الكوفة، اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها.

قلت: قال ذلك لما جعل عثمان زيد بن ثابت على كتابة المصاحف، وتطلب سائر مصاحف الصحابة ليغسلها أو يحرقها، فعل ذلك ليجمع الأمة على مصحف واحد.

قال أبو وائل: خطب ابن مسعود، وقال: غلوا مصاحفكم، كيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، وإن زيدا ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان.

وقال أبو وائل: إني لجالس مع عمر، إذ جاء ابن مسعود، فكاد الجلوس يوارونه من قصره - يعني وهو قائم - فضحك عمر حين رآه، وجعل يكلم عمر ويضاحكه وهو قائم عليه، ثم ولى فأتبعه عمر بصره حتى توارى، فقال: كنيف ملئ علما.

وقال الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي موسى أنه قال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم، يعني ابن مسعود.

وقال أبو إسحاق، عن أبي عبيدة بن عبد الله: سمعت أبا موسى يقول: مجلس كنت أجالسه ابن مسعود أوثق في نفسي من عمل سنة.

وقال الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير قال: جاء نعي عبد الله إلى أبي الدرداء، فقال: ما ترك بعده مثله.

وقال مسروق: انتهى علم الصحابة إلى علي وابن مسعود.

وقال زيد بن وهب: رأيت بعيني عبد الله أثرين أسودين من البكاء.

ص: 209

وعن ابن مسعود قال: حبذا المكروهان الموت والفقر، وايم الله ما هو إلا الغنى والفقر، وما أبالي بأيهما ابتدئت.

وقال سيف بن عمر، عن عطية، عن أبي سيف قال: اتخذ ابن مسعود ضيعة برذان، ومات عن تسعين ألف مثقال، سوى رقيق وعروض وماشية.

وقال عامر بن عبد الله بن الزبير: إن ابن مسعود أوصى إلى الزبير بن العوام.

وقال قيس بن أبي حازم: دخل الزبير على عثمان بعد وفاة ابن مسعود، فقال: أعطني عطاء عبد الله فعيال عبد الله أحق به من بيت المال، فأعطاه خمسة عشر ألفا.

همام، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن ابن مسعود، في الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها، قال: هما زانيان ما اجتمعا، قال قتادة: فقلت لسالم: أي رجل كان أبوك؟ قال: كان قارئا لكتاب الله.

الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبي الأحوص: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: والله ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ترك أحدا أعلم بكتاب الله من هذا، يريد عبد الله بن مسعود.

الطيالسي: حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: حدثني حبة العرني، قال: كتب عمر: يا أهل الكوفة، أنتم رأس العرب وجمجمتها، وسهمي الذي أرمي به، قد بعثت إليكم بعبد الله وخرت لكم وآثرتكم به على نفسي.

توفي عبد الله بالمدينة، وكان قدمها فمرض أياما ودفن بالبقيع، وله ثلاث وستون سنة، في أواخر السنة.

ع:‌

‌ عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف

بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب، أبو محمد القرشي الزهري.

أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى.

ص: 210

روى عنه بنوه إبراهيم، وحميد، وعمرو، ومصعب، وأبو سلمة، ومالك بن أوس بن الحدثان، وأنس بن مالك، ومحمد بن جبير بن مطعم، وغيلان بن شرحبيل، وآخرون.

وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة. وكان على ميمنة عمر في قدمته إلى الجابية، وعلى ميسرته في نوبة سرغ.

مولده بعد الفيل بعشر سنين، وقد أسقط البخاري وغيره عبدا من نسبه.

وقال الهيثم بن كليب وغيره: عبد الحارث في عبد بن الحارث.

وعن عبد الرحمن قال: كان اسمي عبد عمرة، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن.

وعن سهلة بنت عاصم قالت: كان عبد الرحمن أبيض، أعين، أهدب الأشفار، أقنى، طويل النابين الأعليين، ربما أدمى نابه شفته. له جمة أسفل أذنيه، أعنق، ضخم الكفين.

وقال ابن إسحاق: كان عبد الرحمن ساقط الثنيتين، أهتم أعسر، أعرج، كان قد أصيب يوم أحد فهتم، وجرح عشرين جراحة، بعضها في رجله فعرج.

وعن يعقوب بن عتبة قال: كان طوالا، حسن الوجه، رقيق البشرة، فيه جنأ، أبيض بحمرة، لا يغير شيبه.

وقال صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: كنا نسير مع عثمان، فرأى أبي فقال عثمان: ما يستطيع أحد أن يعتد على هذا الشيخ، فضلا في الهجرتين جميعا.

وعن أنس قال: قدم عبد الرحمن المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الخزرجي، فقال: إن لي زوجتين، فانظر أيهما شئت حتى

ص: 211

أطلقها لتتزوجها وأشاطرك نصف مالي، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلوني على السوق، فذهب ورجع وقد حصل شيئا.

وقد روى أحمد في مسنده من حديث أنس، أن عبد الرحمن أثرى وكثر ماله حتى قدمت له مرة سبع مائة راحلة تحمل البر والدقيق، فلما قدمت سمع لها أهل المدينة رجة، فبلغ ذلك عائشة، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عبد الرحمن بن عوف لا يدخل الجنة إلا حبوا، فلما بلغه قال: يا أمه أشهدك أنها بأحمالها وأحلاسها في سبيل الله.

قلت: كان تاجرا سعيدا فتح عليه في التجارة وتمول، حتى إنه باع مرة أرضا بأربعين ألف دينار فتصدق بها، وحمل على خمس مائة فرس في سبيل الله، ثم على خمس مائة راحلة.

وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم غاب مرة فقدموا عبد الرحمن يصلي بالناس، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس، فأراد أن يتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اثبت مكانك، فصلى وصلى رسول الله صلى عليه وسلم خلفه، وهذه منقبة عظيمة.

وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبيه قال: رأيت الجنة، وأني دخلتها حبوا، ورأيت أنه لا يدخلها إلا الفقراء.

وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: شكا عبد الرحمن خالدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا خالد لا تؤذ رجلا من أهل بدر، فلو أنفقت مثل أُحُدٍ ذهبا لم تدرك عمله.

ص: 212

وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خياركم خياركم لنسائي. قال: فأوصى عبد الرحمن لهن بحديقة قومت بأربع مائة ألف.

وقال عبد الله بن جعفر: حدثتني أم بكر بنت المسور، أن عبد الرحمن بن عوف باع أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار، فقسمها في فقراء بني زهرة، وفي المهاجرين، وأمهات المؤمنين، فقالت عائشة: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة، زاد يحيى الحماني فيه عن عبد الله أنها قالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم: لن يحنو عليكن بعدي إلا الصالحون.

وقال ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الرحمن بن حصين، عن عوف بن الحارث، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: إن الذي يحنو عليكن بعدي لهو الصادق البار، اللهم اسق ابن عوف من سلسبيل الجنة.

وعن نيار الأسلمي قال: كان عبد الرحمن ممن يفتي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال يزيد بن هارون: حدثنا المعلى الجزري، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، أن عبد الرحمن قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن أختار لكم وأنفصل منها؟ قال علي: أنا أول من رضيت، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك أمين في أهل السماء والأرض.

وقال ابن لهيعة، عن يحيى بن سعيد، عن أبي عبيد بن أزهر، عن أبيه أن عثمان اشتكى رعافا، فدعا حمران، فقال: اكتب لعبد الرحمن العهد من

ص: 213

بعدي، فكتب له، فانطلق حمران إلى عبد الرحمن، فقال: لك البشرى، إن عثمان كتب لك العهد من بعده، فقام بين القبر والمنبر فقال: اللهم إن كان من تولية عثمان إياي هذا الأمر فأمتني قبل عثمان، فلم يعش إلا ستة أشهر.

وعن سعد بن الحسن قال: كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده.

وعن الزهري قال: أوصى عبد الرحمن بن عوف لمن شهد بدرا، فوجدوا مائة، لكل رجل أربع مائة دينار، وأوصى بألف فرس في سبيل الله.

وقال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: سمعت عليا يقول يوم مات أبي: اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوها وسبقت رنقها.

وقال محمد بن سيرين: اقتسم نساء ابن عوف ثمنهن فكان ثلاث مائة وعشرين ألفا.

توفي سنة اثنتين وثلاثين، وله خمس وسبعون سنة، ودفن بالبقيع رضي الله عنه.

خ د ت ن:‌

‌ كعب الأحبار

، أبو إسحاق بن ماتع الحميري اليماني الكتابي.

أسلم في خلافة أبي بكر، أو أول خلافة عمر.

روى عن عمر، وصهيب، وعن كتب أهل الكتاب، وكان في الغالب يعرف حقها من باطلها لسعة علمه وكثرة اطلاعه.

روى عنه ابن امرأته تبيع الحميري، وأسلم مولى عمر، وأبو سلام الأسود، وآخرون. ومن الصحابة أبو هريرة، وابن عباس، ومعاوية.

وسكن الشام وغزا بها، وتوفي بحمص طالب غزاة.

قال خالد بن معدان، عن كعب الأحبار: لأن أبكي من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بوزني ذهبا.

ع: أبو الدرداء، واسمه عويمر بن عبد الله، وقيل: ابن زيد، وقيل: ابن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، وقيل: عويمر بن قيس بن زيد،

ص: 214

ويقال: عامر بن مالك، حكيم هذه الأمة.

له عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث.

روى عنه أنس، وأبو أمامة، وجبير بن نفير، وعلقمة، وزيد بن وهب، وقبيصة بن ذؤيب، وأهله أم الدرداء، وابنه بلال بن أبي الدرداء، وسعيد بن المسيب، وخالد بن معدان، وخلق سواهم.

ولي قضاء دمشق، وداره بباب البريد وتعرف اليوم بدار الغزي. كذا قال ابن عساكر.

وقيل: كان أقنى، أشهل، يخضب بالصفرة.

وقال الأعمش، عن خيثمة، قال أبو الدرداء: كنت تاجرا قبل المبعث، فلما جاء الإسلام جمعت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا، فتركت التجارة ولزمت العبادة.

تأخر إسلام أبي الدرداء، فقال سعيد بن عبد العزيز: إنه أسلم يوم بدر وشهد أحدا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يرد من على الجبل يوم أحد، فردهم وحده، وكان يومئذ حسن البلاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الفارس عويمر.

وعنه صلى الله عليه وسلم قال: حكيم أمتي عويمر.

وفي البخاري من حديث أنس، قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد الأنصاري.

ص: 215

وقال الشعبي: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة، فسمى الأربعة وأبي بن كعب، وسعد بن عبيد، قال: وكان بقي على مجمع بن جارية سورة أو سورتان، حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان ابن مسعود قد أخذ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، وتعلم بقية القرآن من مجمع، ولم يجمع أحد من خلفاء الصحابة القرآن غير عثمان.

وعن أبي الزاهرية قال: كان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلاما.

وقال معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله وعدني إسلام أبي الدرداء قال: فأسلم.

وقال ابن إسحاق: كان الصحابة يقولون: أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء.

وقال أبو جحيفة السوائي: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فجاءه سلمان يعوده، فإذا أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار، وليس له في شيء من الدنيا حاجة، فجاءه أبو الدرداء فرحب بسلمان وقرب إليه طعاما، فقال سلمان: كل، قال: إني صائم، قال: أقسمت عليك لتفطرن، فأفطر، ثم بات سلمان عنده، فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان، وقال: إن لجسدك عليك حقا، ولربك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، صم وأفطر وصل وأت أهلك وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان وجه الصبح قال: قم الآن إن شئت، فقاما وتوضئا ثم ركعا ثم خرجا، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان، فقال له: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا مثل ما قال لك سلمان.

ص: 216

وقال سالم بن أبي الجعد: قال أبو الدرداء: سلوني فوالله لئن فقدتموني لتفقدن رجلا عظيما.

وقال يزيد بن عميرة: احتضر معاذ، قالوا: أوصنا، قال: التمسوا العلم عند أربعة: أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام.

وعن أبي ذر أنه قال: ما أظلت خضراء أعلم منك يا أبا الدرداء.

قال أبو عمرو الداني: عرض على أبي الدرداء القرآن: عبد الله بن عامر، وخليد بن سعد القارئ، وراشد بن سعد، وخالد بن معدان.

قلت: في عرض هؤلاء عليه نظر.

قال الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث قال: كان أبو الدرداء يقرئ رجلا أعجميا، فقرأ {طَعَامُ الأَثِيمِ} طعام اليتيم، فقال أبو الدرداء:{طَعَامُ الأَثِيمِ} فلم يقدر يقولها، فقال أبو الدرداء: طعام الفاجر، فأقرأه طعام الفاجر.

وقال خالد بن معدان: كان ابن عمر يقول: حدثونا عن العاقلين، فيقال: من العاقلان؟ فيقول: معاذ، وأبو الدرداء.

روى الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن خيثمة قال: كان أبو الدرداء يصلح قدرا له، فوقعت على وجهها فجعلت تسبح، فقال: يا سلمان تعال إلى ما لم يسمع أبوك مثله قط، فجاء سلمان وسكن الصوت، فأخبره، فقال سلمان: لو لم تصح لرأيت أو لسمعت من آيات الله الكبرى. حديث صحيح.

وقال مالك، عن يحيى بن سعيد قال: كان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما فقال: ارجعا إلي أعيدا علي قضيتكما.

وقال أبو وائل، عن أبي الدرداء قال: إني لآمركم بالأمر وما أفعله، ولكن لعل الله أن يأجرني فيه.

ص: 217

وقال ميمون بن مهران: قال أبو الدرداء: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات.

وقال عون بن عبد الله قلت لأم الدرداء: أي عبادة أبي الدرداء كانت أكثر. قالت: التفكر والاعتبار.

وعن أبي الدرداء أنه قيل له: كم تسبح في كل يوم؟ وكان لا يفتر من الذكر - قال: مائة ألف، إلا أن تخطئ الأصابع.

وقال معاوية بن قرة: قال أبو الدرداء: ثلاثة أحبهن ويكرههن الناس: الفقر والمرض والموت.

وعنه قال: أحب الموت اشتياقا لربي، وأحب الفقر تواضعا لربي، وأحب المرض تكفيرا لخطيئتي.

وقال عكرمة بن عمار، عن أبي قدامة محمد بن عبيد الحنفي، عن أم الدرداء قالت: كان لأبي الدرداء ستون وثلاث مائة خليل في الله يدعو لهم في الصلاة، قالت: فقلت له في ذلك، فقال: إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به ملكين يقولان: ولك بمثل ذلك، أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة.

قال الواقدي وأبو مسهر: مات أبو الدرداء سنة اثنتين وثلاثين.

ع:‌

‌ أبو ذر الغفاري

، اسمه جندب بن جنادة على الصحيح، وقيل: جندب بن سكن، وقيل: برير بن عبد الله، أو ابن جنادة.

أحد السابقين الأولين، يقال: كان خامسا في الإسلام، ثم انصرف إلى بلاد قومه، وأقام بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم هاجر أبو ذر إلى المدينة.

وروي أنه كان آدم جسيما، كث اللحية.

ص: 218

قال أبو داود: لم يشهد أبو ذر بدرا، وإنما ألحقه عمر مع القراء، وكان يوازي ابن مسعود في العلم والفضل، وكان زاهدا أمارا بالمعروف، لا تأخذه في الله لومة لائم.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر. حسنه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو.

وعن علي رضي الله عنه، وسئل عن أبي ذر فقال: وعى علما عجز الناس عنه، ثم أوكى عليه، فلم يخرج منه شيئا.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي فلا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم.

وقال أبو غسان النهدي: حدثنا مسعود بن سعد، عن الحسن بن عبيد الله، عن رياح بن الحارث، عن ثعلبة، أن عليا قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ولا نفسي، ثم ضرب بيده على صدره.

وقال بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن مسعود قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، جعل لا يزال يتخلف الرجل، فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان، فيقول: دعوه فإن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم، حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر، فقال ماكان يقوله، فتلوم عليه بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ أبو ذر متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا، ونظر ناظر من المسلمين، فقال: إن هذا لرجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر، فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال: يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويحشر وحده، فضرب الدهر من

ص: 219

ضربه، وسير أبو ذر إلى الربذة، فمات بها، واتفق مرور عبد لله بن مسعود به من الكوفة فصلى عليه وشهده، ومناقب أبي ذر كثيرة.

روى عنه أنس، وجبير بن نفير، وزيد بن وهب، وسعيد بن المسيب، وأبو سالم الجيشاني سفيان بن هانئ، والأحنف بن قيس، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وأبو مراوح، وقيس بن عباد، وسويد بن غفلة، وأبو إدريس الخولاني، وعبد الله بن الصامت، والمعرور بن سويد، وأبو عثمان النهدي، وخلق سواهم.

وقد استوعب ابن عساكر في تاريخ دمشق أخباره وأحواله.

قال حسين المعلم، عن ابن بريدة: كان أبو ذر رجلا أسود، كث اللحية. كان أبو موسى يكرمه، ويقول: مرحبا بأخي، فيقول: لست بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل.

ومن أخبار أبي ذر أنه كان شجاعا مقداما.

قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال حدثنا ابن أبي سبرة، عن يحيى بن شبل، عن خفاف بن إيماء بن رحضة قال: كان أبو ذر رجلا يصيب، وكان شجاعا ينفرد وحده ويقطع الطريق، ويغير على الصرم، كأنه السبع، ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام.

فضيل بن مرزوق، قال: حدثتني جبلة بنت مصفى، عن حاطب، قال: قال أبو ذر: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما صبه جبريل وميكائيل في صدره إلا قد صبه في صدري، ولا تركت شيئا مما صبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في

ص: 220

صدري إلا وقد صببته في صدر مالك بن ضمرة.

أبو إسحاق السبيعي، عن هانئ بن هانئ، سمع عليا يقول: أبو ذر وعاء ملئ علما، ثم أوكي عليه، فلم يخرج منه شيء حتى قبض.

شريك، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت بحب أربعة لأن الله يحبهم: علي، وأبي ذر، وسلمان، والمقداد. أبو ربيعة هذا خرج له أبو داود وغيره، قال أبو حاتم: منكر الحديث.

عبد الحميد بن بهرام: حدثنا شهر، حدثتني أسماء أن أبا ذر كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد، وكان هو بيته، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ليلة فوجده نائما، فنكته برجله، فجلس فقال له: ألا أراك نائما؟ قال: فأين أنام؟ فجلس إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أنت إذا أخرجوك منه؟ قال: ألحق بالشام. قال: كيف أنت إذا أخرجوك منها؟ قال: إذا أرجع إلى المسجد فيكون بيتي ومنزلي. قال: فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية؟ قال: إذا آخذ سيفي فأقاتل حتى أموت، قال: فكشر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أدلك على خير من ذلك: تنقاد لهم حيث قادوك حتى تلقاني وأنت على ذلك. أخرجه الإمام أحمد.

الأوزاعي قال: حدثني أبو كثير، عن أبيه، قال: أتيت أبا ذر، وقد اجتمعوا عليه عند الجمرة الوسطى يستفتونه، فأتاه رجل فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فرفع رأسه وقال: أرقيب أنت علي! لو وضعتم الصمصامة على هذه، ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها.

رواه غير واحد عن الأوزاعي. واسم أبي أبي كثير مرثد، صدوق.

ص: 221

عن ثعلبة بن الحكم، عن علي قال: لم يبق أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ولا نفسي. ثم ضرب بيده على صدره.

الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير، عن الأحنف، قال: رأيت أبا ذر قام بالمدينة على ملأ من قريش، فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليه فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، فما رأيت أحدا رد عليه شيئا، وذكر الحديث وهو حديث صحيح.

ابن لهيعة قال: حدثنا أبو قبيل: قال: سمعت مالك بن عبد الله الزيادي، يحدث عن أبي ذر أنه دخل على عثمان، فقال عثمان: يا كعب، إن عبد الرحمن توفي وترك مالا فما ترى؟ قال: إن كان - يعني زكى - فلا بأس، فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبا، وقال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: ما أحب أن لي هذا الجبل ذهبا أنفقه ويتقبل مني أذر خلفي منه ست أواق. أنشدك الله يا عثمان أسمعته مرارا؟ قال: نعم.

جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، عن عبد الله بن سيدان قال: تناجى عثمان وأبو ذر حتى ارتفعت أصواتهما، ثم انصرف أبو ذر مبتسما وقال: سامع مطيع ولو أمرني أن آتي عدن. وأمره أن يخرج إلى الربذة.

الأعمش، عن ميمون بن مهران، عن عبد الله بن سيدان، عن أبي ذر، قال: لو أمرني عثمان أن أمشي على رأسي لمشيت.

وعن أبي جويرية، عن زيد بن خالد الجهني، أن أبا ذر قال لعثمان: والله لو أمرتني أن أحبو لحبوت ما استطعت.

أبو عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر لعثمان: يا أمير المؤمنين، افتح الباب لا تحسبني من قوم يمرقون من الدين

ص: 222

كما يمرق السهم من الرمية، يعني الخوارج.

العوام بن حوشب قال: حدثني رجل عن شيخ وامرأته من بني ثعلبة، قالا: نزلنا بالربذة، فمر بنا شيخ أشعث، فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذناه أن نغسل رأسه، فأذن لنا واستأنس بنا، فبينا نحن كذلك إذ أتاه نفر من أهل العراق، فقالوا: يا أبا ذر فعل بك هذا الرجل وفعل، فهل أنت ناصب لك راية؟ فقال: لا تذلوا السلطان فإنه من أذل السلطان فلا توبة له، والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة لسمعت وصبرت ورأيت أن ذلك خير لي.

حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر - تعني إلى الربذة - ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إذا بلغ البناء سلعا فاخرج منها.

ابن شوذب، عن غالب القطان قال: قلت: يا أبا سعيد أعثمان أخرج أبا ذر؟ قال: معاذ الله.

أبو سعيد هو الحسن.

أبو هلال، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف، فإذا أخذه دعا خادمه فسأله ما يكفيه للسنة فاشتراه، ثم اشترى فلوسا بما بقي، وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكأ عليه إلا وهو يتلظى على صاحبه.

الأوزاعي، عن يحيى قال: كان لأبي ذر ثلاثون فرسا يحمل عليها، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزو عليها ويريح بقيتها، فإذا رجعت حمل على الخمسة عشر الأخرى.

ثابت البناني قال: بنى أبو الدرداء مسكنا فمر عليه أبو ذر، فقال: ما هذا؟ تعمر دارا أمر الله بخرابها!؟

حسين المعلم، عن ابن بريدة، قال: كان أبو موسى يكرم أبا ذر، وكان أبو موسى خفيف اللحم، قصيرا، وكان أبو ذر رجلا أسود، كث

ص: 223

الشعر، فكان أبو موسى، يقول: مرحبا بأخي، فيقول: لست بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل.

قيل: لم يعش بعده ابن مسعود إلا نحو عشر أيام.

وقال الجريري: حدثنا أبو العلاء بن عبد الله، عن نعيم بن قعنب قال: أتيت أبا ذر فجاءت امرأته بثريدة، فقال: كل فإني صائم، ثم قام يصلي، ثم انفتل فأكل، فقلت: إنا لله ما كنت أخاف أن تكذبني! قال: ما كذبت، إني صمت من هذا الشهر ثلاثة أيام، فكتب لي أجره وحل لي الطعام.

ص: 224

‌سنة ثلاث وثلاثين

فيها كانت غزوة قبرس - قاله ابن إسحاق وغيره - وغزوة إفريقية، وأمير الناس عبد الله بن سعد بن أبي سرح. قاله الليث.

وفيها قال خليفة: جمع قارن جمعا عظيما بباذغيس وهراة، وأقبل في أربعين ألفا فترك قيس بن الهيثم البلاد وهرب، فقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم السلمي، وجمع أربعة آلاف مقاتل، والتقى هو وقارن، ونصره الله وقتل وسبى، وكتب إلى ابن عامر بالفتح، فاستعمله ابن عامر على خراسان، ثم وجه ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة على سجستان، فصالحه صاحب زرنج وبقي بها حتى حوصر عثمان.

قال خليفة: وفيها غزا معاوية ملطية وحصن المرأة من أرض الروم.

قال: وفيها غزا عبد الله بن أبي سرح الحبشة، فأصيبت فيها عين معاوية بن حديج.

‌وفيها توفي:

‌عبد الله بن كعب الأنصاري المازني

.

أحد البدريين، ورخه المدائني، وقد تقدم ذكره في سنة ثلاثين.

وعبد الله بن مسعود في قول، وقد تقدم.

ع:‌

‌ المقداد بن الأسود الكندي البهراني

.

كان في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري، فيقال: تبناه، وقيل: كان عبدا حبشيا له فتبناه، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة بن مالك من ولد الحاف بن قضاعة وقيل: إنه أصاب دما في كندة، فهرب إلى مكة، وحالف الأسود بن عبد يغوث.

ص: 225

كان من السابقين الأولين، شهد بدرا، ولم يصح أنه كان في المسلمين فارس يومئذ غيره، واختلفوا في الزبير.

روى عنه: على بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وجبير بن نفير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وهمام بن الحارث، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، وآخرون. عاش سبعين سنة، وصلى عليه عثمان.

وكان رجلا آدم طوالا، أبطن، كثير شعر الرأس، أعين، مقرون الحاجبين، وكان يوم فتح مكة على ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عون، عن عمير بن إسحاق، عن المقداد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مبعثا، فلما رجع قال: كيف وجدت الإمارة؟ قلت: يا رسول الله ما ظننت إلا أن الناس كلهم لي خول، والله لا ألي على عمل ما عشت.

وقال ثابت البناني: كان عبد الرحمن والمقداد يتحدثان، فقال له ابن عوف: مالك لا تزوج. قال زوجني بنتك، قال: فأغلظ عليه وأحنقه، فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف الغم في وجهه فقال: لكني أزوجك ولا فخر، فزوجه بابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، فكان بها من الجمال والعقل والتمام مع قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرني الله بحب أربعة: علي، وأبي ذر، وسلمان، والمقداد. رواه أحمد في مسنده.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة تشتاق إلى أربعة، فذكرهم. إسناده ضعيف.

ص: 226

وعن كريمة بنت المقداد أن المقداد أوصى للحسن والحسين لكل واحد منهما بثمانية عشر ألف درهم، وأوصى لأمهات المؤمنين لكل واحدة بسبعة آلاف درهم.

وعن أبي فائد، أن المقداد بن عمرو شرب دهن الخروع، فمات.

وقيل: إنه مات بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة، ودفن بالبقيع.

ص: 227

‌سنة أربع وثلاثين

فيها وثب أهل الكوفة على أميرهم سعيد بن العاص فأخرجوه، ورضوا بأبي موسى الأشعري، وكتبوا فيه إلى عثمان فولاه عليهم، ثم إنه بعد قليل رد إليهم على الإمرة سعيد بن العاص، فخرجوا ومنعوه.

وفيها كانت غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية الإسكندرية، وأميرها ابن أبي سرح.

‌وفيها توفي:

‌ إياس بن أبي البكير بن عبد ياليل الكناني

حليف بني عدي.

كان من المهاجرين، شهد بدرا هو وإخوته: خالد، وعاقل، وعامر، ولم يشهد بدرا إخوة أربعة سواهم، وقد شهد إياس فتح مصر.

أخوه عاقل بن البكير، ويقال: ابن أبي البكير، كأنه كان يكنى باسمه. قتل ببدر؛ قال ابن سعد: كان اسم عاقل غافلا، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو معشر والواقدي يقولان: ابن أبي البكير، وكان موسى بن عقبة، وابن إسحاق، وابن الكلبي يقولون: ابن البكير.

وعن يزيد بن رومان أن الإخوة الأربعة أسلموا في دار الأرقم.

ع:‌

‌ عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم

أبو الوليد الأنصاري الخزرجي.

أحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدرا والمشاهد، وولي قضاء فلسطين، وسكن الشام.

روى عنه أبو أمامة، وأنس بن مالك، وجبير، وحطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو الأشعث شراحيل الصنعاني، وأبو إدريس عائذ الله الخولاني، وخلق سواهم.

وكان فيما بلغنا رجلا طوالا جسيما جميلا، توفي بالرملة، ويقال: توفي ببيت المقدس.

ص: 228

وقال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ، وأبي، وأبو أيوب، وأبو الدرداء، وعبادة، فلما استخلف عمر، كتب يزيد بن أبي سفيان إليه: إن أهل الشام كثير، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فقال: أعينوني بثلاثة، فخرج معاذ، وأبو الدرداء، وعبادة.

وروى إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب، عن أبيه، أن عبادة بن الصامت أنكر على معاوية شيئا، فقال: لا أساكنك بأرض، ورحل إلى المدينة، فقال له عمر: ما أقدمك؟ فأخبره بفعل معاوية، فقال له: ارحل إلى مكانك فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك، فلا إمرة له عليك.

وقال عبادة: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وأن نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.

وفي مسند أحمد من حديث إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، قال: كتب معاوية إلى عثمان: إن عبادة قد أفسد علي الشام وأهله، فإما أن يكف، وإما أن أخلي بينه وبين الشام، فكتب إليه أن رحل عبادة حتى ترده إلينا، قال: فدخل على عثمان فلم يفجأه إلا به وهو معه في الدار، فالتفت إليه، فقال: يا عبادة مالنا ولك؟ فقام عبادة بين ظهري الناس، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى، ولا تضلوا بربكم.

وقال الهيثم بن عدي وحده: إن عبادة توفي سنة خمس وأربعين، ولا متابع له، وقال جماعة: إنه توفي سنة أربع وثلاثين.

ص: 229

كعب الأحبار توفي فيها، قاله شريح بن عبيد، وقد تقدم.

‌مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب

بن عبد مناف المطلبي، المذكور في حديث الإفك.

شهد بدرا والمشاهد بعدها، وكان فقيرا ينفق عليه أبو بكر الصديق.

قال ابن سعد: كان قصيرا شثن الأصابع، غائر العينين، عاش ستا وخمسين سنة.

أبو سفيان بن حرب فيما قاله المدائني، وقد تقدم.

ع:‌

‌ أبو طلحة الأنصاري

واسمه زيد بن سهل بن الأسود، أحد بني مالك بن النجار.

كان من النقباء ليلة العقبة، شهد بدرا والمشاهد بعدها.

روى عنه ابن زوجته أنس بن مالك، وزيد بن خالد الجهني، وابنه عبد الله بن أبي طلحة، وابن عباس، وغيرهم.

وسرد الصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وغزا بحر الشام، فمات فيه في السفينة، وقيل: توفي بالمدينة، وصلى عليه عثمان.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة.

وقال أنس: قتل أبو طلحة يوم حنين عشرين رجلا وأخذ أسلابهم، وكان أكثر الأنصار مالا.

وقال علي بن زيد: سمعت أنسا يقول: كان أبو طلحة يجثو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وينثر كنانته ويقول: وجهي لوجهك الوقاء، ونفسي لنفسك الفداء.

قال ابن سعد: كان آدم مربوعا لا يغير شيبه.

ص: 230

وعن أنس قال: كان أبو طلحة يأكل البرد وهو صائم ويقول: ليس بطعام ولا شراب. إسناده صحيح.

وقال علي بن زيد بن جدعان، عن أنس قال: قرأ أبو طلحة: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} فقال: ما استمع الله عذر أحد، فخرج إلى الغزو وهو شيخ كبير.

وصح عن أنس أنه غزا البحر فمات، فلم يجدوا جزيرة إلا بعد سبعة أيام، فدفنوه ولم يتغير.

وقال أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه وأعطى شق رأسه أبا طلحة.

وقد أبلى أبو طلحة بلاء عظيما يوم أحد كما تقدم.

قال الواقدي والمدائني وجماعة: توفي سنة أربع وثلاثين.

وقال خليفة: سنة اثنتين وثلاثين.

خ ت ن:‌

‌ أبو عبس بن جبر بن عمرو الأنصاري الأوسي

.

اسمه على الأصح عبد الرحمن، وكان اسمه عبد العزى، فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان من قتلة كعب بن الأشرف اليهودي. شهد بدرا وغيرها. روى عنه ابنه زيد، وحفيده أبو عبس بن محمد، وعباية بن رفاعة، وغيرهم.

وتوفي بالمدينة، وصلى عليه عثمان.

وفيها ولد زين العابدين علي بن الحسين.

ص: 231

‌سنة خمس وثلاثين

فيها غزوة ذي خشب وأمير المسلمين عليها معاوية.

وفيها حج بالناس وأقام الموسم عبد الله بن عباس. ‌

(مقتل عثمان)

وفيها مقتل عثمان رضي الله عنه: خرج المصريون وغيرهم على عثمان وصاروا إليه ليخلعوه من الخلافة.

قال إسماعيل بن أبي خالد: لما نزل أهل مصر الجحفة، وأتوا يعاتبون عثمان صعد عثمان المنبر، فقال: جزاكم الله يا أصحاب محمد عني شرا: أذعتم السيئة وكتمتم الحسنة، وأغريتم بي سفهاء الناس، أيكم يذهب إلى هؤلاء القوم فيسألهم ما نقموا وما يريدون؟ قال ذلك ثلاثا ولا يجيبه أحد. فقام علي فقال: أنا، فقال عثمان: أنت أقربهم رحما، فأتاهم فرحبوا به، فقال: ما الذي نقمتم عليه؟ قالوا: نقمنا أنه محا كتاب الله - يعني كونه جمع الأمة على مصحف - وحمى الحمى، واستعمل أقرباءه، وأعطى مروان مائة ألف، وتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فرد عليهم عثمان: أما القرآن فمن عند الله، إنما نهيتكم عن الاختلاف فاقرؤوا على أي حرف شئتم، وأما الحمى فوالله ما حميته لإبلي ولا لغنمي، وإنما حميته لإبل الصدقة، وأما

ص: 232

قولكم: إني أعطيت مروان مائة ألف، فهذا بيت مالهم فليستعملوا عليه من أحبوا، وأما قولكم: تناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنما أنا بشر أغضب وأرضى، فمن ادعى قبلي حقا أو مظلمة فها أنا ذا، فإن شاء قودا وإن شاء عفوا، فرضي الناس واصطلحوا ودخلوا المدينة.

وقال محمد بن سعد: قالوا: رحل من الكوفة إلى المدينة: الأشتر النخعي - واسمه مالك بن الحارث -، ويزيد بن مكنف، وثابت بن قيس، وكميل بن زياد، وزيد، وصعصعة ابنا صوحان، والحارث الأعور، وجندب بن زهير، وأصفر بن قيس، يسألون عثمان عزل سعيد بن العاص عنهم، فرحل سعيد أيضا إلى عثمان، فوافقهم عنده، فأبى عثمان أن يعزله، فخرج الأشتر من ليلته في نفر، فسرى عشرا إلى الكوفة واستولى عليها وصعد المنبر، فقال: هذا سعيد بن العاص قد أتاكم يزعم أن السواد بستان لأغيلمة من قريش، والسواد مساقط رؤوسكم ومراكز رماحكم، فمن كان يرى لله عليه حقا فلينهض إلى الجرعة. فخرج الناس فعسكروا بالجرعة، فأقبل سعيد حتى نزل العذيب، فجهز الأشتر إليه ألف فارس مع يزيد بن قيس الأرحبي، وعبد الله بن كنانة العبدي، فقال: سيروا وأزعجاه وألحقاه بصاحبه، فإن أبى فاضربا عنقه، فأتياه، فلما رأى منهما الجد رجع، وصعد الأشتر منبر الكوفة، وقال: يا أهل الكوفة ما غضبت إلا لله ولكم، وقد وليت أبا موسى الأشعري صلاتكم، وحذيفة بن اليمان فيئكم، ثم نزل، وقال: يا أبا موسى اصعد، فقال: ما كنت لأفعل، ولكن هلموا فبايعوا لأمير المؤمنين وجددوا البيعة في رقابكم، فأجابه الناس، وكتب إلى عثمان بما صنع، فأعجب عثمان، فقال عتبة بن الوعل شاعر أهل الكوفة:

تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب وأمر علينا الأشعري لياليا

ص: 233

فقال عثمان: نعم وشهورا وسنين إن عشت، وكان الذي صنع أهل الكوفة بسعيد أول وهن دخل على عثمان حين اجترئ عليه.

وعن الزهري، قال: ولي عثمان، فعمل ست سنين لا ينقم عليه الناس شيئا، وإنه لأحب إليهم من عمر؛ لأن عمر كان شديدا عليهم، فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم، ثم إنه توانى في أمرهم، واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر، وكتب لمروان بخمس مصر أو بخمس إفريقية، وآثر أقرباءه بالمال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتخذ الأموال، واستسلف من بيت المال، وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك.

قلت: ومما نقموا عليه أنه عزل عمير بن سعد عن حمص، وكان صالحا زاهدا، وجمع الشام لمعاوية، ونزع عمرو بن العاص عن مصر، وأمر ابن أبي سرح عليها، ونزع أبا موسى الأشعري عن البصرة، وأمر عليها عبد الله بن عامر، ونزع المغيرة بن شعبة عن الكوفة وأمر عليها سعيد بن العاص.

وقال القاسم بن الفضل: حدثنا عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد قال: دعا عثمان ناسا من الصحابة فيهم عمار، فقال: إني سائلكم وأحب أن تصدقوني: نشدتكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر قريشا على سائر الناس، ويؤثر بني هاشم على سائر قريش؟ فسكتوا، فقال: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوها.

وعن أبي وائل أن عبد الرحمن بن عوف كان بينه وبين عثمان كلام، فأرسل إليه: لم فررت يوم أحد وتخلفت عن بدر وخالفت سنة عمر؟ فأرسل إليه: تخلفت عن بدر لأن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شغلتني بمرضها، وأما يوم أحد فقد عفا الله عني، وأما سنة عمر فوالله ما استطعتها أنا ولا أنت.

وقد كان بين علي وعثمان شيء فمشى بينهما العباس، فقال علي: والله لو أمرني أن أخرج من داري لفعلت، فأما أداهن أن لا يقام بكتاب الله فلم أكن لأفعل.

ص: 234

وقال سيف بن عمر، عن عطية، عن يزيد الفقعسي قال: لما خرج ابن السوداء إلى مصر نزل على كنانة بن بشر مرة، وعلى سودان بن حمران مرة، وانقطع إلى الغافقي فشجعه الغافقي فتكلم، وأطاف به خالد بن ملجم، وعبد الله بن رزين وأشباه لهم، فصرف لهم القول فلم يجدهم يجيبون إلى شيء ما يجيبون إلى الوصية، فقال: عليكم بناب العرب وحجرهم، ولسنا من رجاله، فأروه أنكم تزرعون، ولا تزرعوا العام شيئا حتى تنكسر مصر، فتشكوه إلى عثمان فيعزله عنكم، ونسأل من هو أضعف منه ونخلو بما نريد، ونظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان أسرعهم إلى ذلك محمد بن أبي حذيفة، وهو ابن خال معاوية، وكان يتيما في حجر عثمان، فكبر، وسأل عثمان الهجرة إلى بعض الأمصار، فخرج إلى مصر، وكان الذي دعاه إلى ذلك أنه سأل عثمان العمل، فقال: لست هناك.

قال: ففعلوا ما أمرهم به ابن السوداء، ثم إنهم خرجوا ومن شاء الله منهم، وشكوا عمرا واستعفوا منه، وكلما نهنه عثمان عن عمرو قوما وسكتهم انبعث آخرون بشيء آخر، وكلهم يطلب عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فقال لهم عثمان: أما عمرو فسننزعه عنكم ونقره على الحرب، ثم ولى ابن أبي سرح خراجهم، وترك عمرا على الصلاة، فمشى في ذلك سودان، وكنانة بن بشر، وخارجة، فيما بين عبد الله بن سعد، وعمرو بن العاص، وأغروا بينهما حتى تكاتبا على قدر ما أبلغوا كل واحد، وكتبا إلى عثمان، فكتب ابن أبي سرح: إن خراجي لا يستقيم ما دام عمرو على الصلاة، وخرجوا فصدقوه واستعفوا من عمرو، وسألوا ابن أبي سرح، فكتب عثمان إلى عمرو: إنه لا خير لك في صحبة من يكرهك فأقبل، ثم جمع مصر لابن أبي سرح.

ص: 235

وقد روي أنه كان بين عمار بن ياسر، وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان.

وقال سيف، عن مبشر، وسهل بن يوسف، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، قال: قدم عمار بن ياسر من مصر وأبي شاك، فبلغه، فبعثني إليه أدعوه، فقام معي وعليه عمامة وسخة وجبة فراء، فلما دخل على سعد قال له: ويحك يا أبا اليقظان إن كنت فينا لمن أهل الخير، فما الذي بلغني عنك من سعيك في فساد بين المسلمين والتأليب على أمير المؤمنين، أمعك عقلك أم لا؟! فأهوى عمار إلى عمامته وغضب فنزعها، وقال: خلعت عثمان كما خلعت عمامتي هذه، فقال سعد: إنا لله وإنا إليه راجعون ويحك حين كثرت شيبتك ورق عظمك ونفد عمرك خلعت ربقة الإسلام من عنقك وخرجت من الدين عريانا، فقام عمار مغضبا موليا وهو يقول: أعوذ بربي من فتنة سعد، فقال سعد: ألا في الفتنة سقطوا، اللهم زد عثمان بعفوه وحلمه عندك درجات. حتى خرج عمار من الباب، فأقبل علي سعد يبكي حتى أخضل لحيته وقال: من يأمن الفتنة يا بني لا يخرجن منك ما سمعت منه، فإنه من الأمانة، وإني أكره أن يتعلق به الناس عليه يتناولونه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحق مع عمار ما لم تغلب عليه دلهة الكبر، فقد دله وخرف.

وممن قام على عثمان محمد بن أبي بكر الصديق، فسئل سالم بن عبد الله فيما قيل عن سبب خروج محمد، قال: الغضب والطمع، وكان من الإسلام بمكان، وغره أقوام فطمع، وكانت له دالة، ولزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره.

وحج معاوية، فقيل: إنه لما رأى لين عثمان واضطراب أمره قال: انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به، فإن أهل الشام على الطاعة، فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وإن كان فيه قطع

ص: 236

خيط عنقي، قال: فأبعث إليك جندا، قال: أنا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند تساكنهم! قال: يا أمير المؤمنين والله لتغتالن ولتغزين. قال: حسبي الله ونعم الوكيل.

وقد كان أهل مصر بايعوا أشياعهم من أهل الكوفة والبصرة وجميع من أجابهم، واتعدوا يوما حيث شخص أمراؤهم، فلم يستقم لهم ذلك، لكن أهل الكوفة ثار فيهم يزيد بن قيس الأرحبي واجتمع عليه ناس، وعلى الحرب يومئذ القعقاع بن عمرو، فأتاه وأحاط الناس بهم فناشدوهم، وقال يزيد للقعقاع: ما سبيلك علي وعلى هؤلاء، فوالله إني لسامع مطيع، وإني لازم لجماعتي إلا أني أستعفي من إمارة سعيد، ولم يظهروا سوى ذلك، واستقبلوا سعيدا فردوه من الجرعة، واجتمع الناس على أبي موسى فأقره عثمان.

ولما رجع الأمراء لم يكن للسبئية سبيل إلى الخروج من الأمصار، فكاتبوا أشياعهم أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون، وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف، وأنهم يسألون عثمان عن أشياء لتطير في الناس ولتحقق عليه، فتوافوا بالمدينة، فأرسل عثمان رجلين من بني مخزوم ومن بني زهرة، فقال: انظرا ما يريدون، وكانا ممن ناله من عثمان أدب، فاصطبرا للحق ولم يضطغنا، فلما رأوهما باثوهما وأخبروهما، فقالا: من معكم على هذا من أهل المدينة؟ قالوا: ثلاثة، قالا: فكيف تصنعون؟ قالوا: نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس، ثم نرجع إليهم ونزعم لهم أنا قد قررناه بها، فلم يخرج منها ولم يتب، ثم نخرج كأننا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه، فإن أبى قتلناه.

فرجعا إلى عثمان بالخبر، فضحك وقال: اللهم سلم هؤلاء فإنك إن لم تسلمهم شقوا، فأما عمار فحمل علي ذنب ابن أبي لهب وعركه بي،

ص: 237

وأما محمد بن أبي بكر فإنه أعجب حتى رأى أن الحقوق لا تلزمه، وأما ابن سارة فإنه يتعرض للبلاء.

وأرسل إلى المصريين والكوفيين، ونادى: الصلاة جامعة - وهم عنده في أصل المنبر - فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم بالأمر، وقام الرجلان، فقال الناس: اقتل هؤلاء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى نفسه أو إلى أحد، وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله، فاقتلوه، وقال عثمان: بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهدنا، إن هؤلاء قالوا: أتم الصلاة في السفر، وكانت لا تتم، إلا وإني قدمت بلدا فيه أهلي فأتتمت لهذا.

قالوا: وحميت الحمى، وإني والله ما حميت إلا ما حمي قبلي، وإني قد وليت وإني لأكثر العرب بعيرا وشاء، فمالي اليوم غير بعيرين لحجتي، أكذاك؟ قالوا: نعم.

قال: وقالوا: كان القرآن كتبا فتركتها إلا واحدا، ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد، وإنما أنا في ذلك تابع هؤلاء، أفكذاك؟ قالوا: نعم. وقالوا: إني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رده، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو رده، أفكذاك؟ قالوا: نعم.

وقالوا: استعملت الأحداث، ولم أستعمل إلا مجتمعا مرضيا، وهؤلاء أهل عملي فسلوهم، وقد ولى من قبلي أحدث منه، وقيل في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قيل لي في استعماله أسامة، أكذاك؟ قالوا: نعم.

وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه، وإني إنما نفلته خمس الخمس، فكان مائة ألف، وقد نفل مثل ذلك أبو بكر وعمر، وزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم، وليس ذلك لهم، أكذاك؟ قالوا: نعم.

وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيهم، فأما حبهم فلم يوجب جورا، وأما إعطاؤهم، فإنما أعطيهم من مالي، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي

ص: 238

ولا لأحد، وكان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية، وجعل ولده كبعض من يعطى.

قال: ورجع أولئك إلى بلادهم وعفا عنهم، قال: فتكاتبوا وتواعدوا إلى شوال، فلما كان شوال خرجوا كالحجاج حتى نزلوا بقرب المدينة، فخرج أهل مصر في أربع مائة، وأمراؤهم عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر الليثي، وسودان بن حمران السكوني، وقتيرة السكوني، ومقدمهم الغافقي بن حرب العكي، ومعهم ابن السوداء.

وخرج أهل الكوفة في نحو عدد أهل مصر، فيهم زيد بن صوحان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم، ومقدمهم عمرو بن الأصم.

وخرج أهل البصرة وفيهم حكيم بن جبلة، وذريح بن عباد العبديان، وبشر بن شريح القيسي، وابن محرش الحنفي، وعليهم حرقوص بن زهير السعدي.

فأما أهل مصر فكانوا يشتهون عليا، وأما أهل البصرة، فكانوا يشتهون طلحة، وأما أهل الكوفة فكانوا يشتهون الزبير، وخرجوا ولا تشك كل فرقة أن أمرها سيتم دون الأخرى، حتى كانوا من المدينة على ثلاث، فتقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب، وتقدم ناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم ناس من أهل مصر، ونزل عامتهم بذي المروة، ومشى فيما بين أهل البصرة وأهل مصر زياد بن النضر، وعبد الله بن الأصم ليكشفوا خبر المدينة، فدخلا فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وطلحة، والزبير، وعليا، فقالا: إنما نؤم هذا البيت، ونستعفي من بعض عمالنا، واستأذنوهم للناس بالدخول، فكلهم أبى ونهى، فرجعا، فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليا،

ص: 239

ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير، وقال كل فريق منهم: إن بايعنا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم، ثم كررنا حتى نبغتهم، فأتى المصريون عليا وهو في عسكر عند أحجار الزيت، وقد سرح ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فسلم على علي المصريون، وعرضوا له، فصاح بهم وطردهم، وقال: لقد علم الصالحون أنكم ملعونون، فارجعوا لا صحبكم الله، فانصرفوا، وفعل طلحة والزبير نحو ذلك، فذهب القوم وأظهروا أنهم راجعون إلى بلادهم، فذهب أهل المدينة إلى منازلهم، فلما ذهب القوم إلى عساكرهم كروا بهم، وبغتوا أهل المدينة ودخلوها وضجوا بالتكبير، ونزلوا في مواضع عساكرهم، وأحاطوا بعثمان، وقالوا: من كف يده فهو آمن، ولزم الناس بيوتهم، فأتى علي رضي الله عنه، فقال: ما ردكم بعد ذهابكم؟ قالوا: وجدنا مع بريد كتابا بقتلنا، وقال الكوفيون والبصريون: نحن نمنع إخواننا وننصرهم، فعلم الناس أن ذلك مكر منهم، وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم، فساروا إليه على الصعب والذلول، وبعث معاوية إليه حبيب بن مسلمة، وبعث ابن أبي سرح معاوية بن حديج وسار إليه من الكوفة القعقاع بن عمرو، فلما كان يوم الجمعة صلى عثمان بالناس وخطب، فقال: يا هؤلاء الغزاء الله الله، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فامحوا الخطأ بالصواب، فإن الله لا يمحو السيء إلا بالحسن، فقام محمد بن مسلمة، فقال: أنا أشهد بذلك، فأقعده حكيم بن جبلة، فقام زيد بن ثابت، فقال: ابغني الكتاب، فثار إليه من ناحية أخرى محمد بن أبي قتيرة فأقعده وتكلم فأفظع، وثار القوم بأجمعهم، فحصبوا الناس حتى أخرجوهم، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيا عليه، فاحتمل وأدخل الدار، وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن ينصرهم إلا

ص: 240

ثلاثة، فإنهم كانوا يراسلونهم، وهم: محمد بن أبي بكر الصديق، ومحمد بن جعفر، وعمار بن ياسر، قال: واستقتل أناس منهم: زيد بن ثابت، وأبو هريرة، وسعد بن مالك، والحسن بن علي، ونهضوا لنصرة عثمان، فبعث إليهم يعزم عليهم لما انصرفوا، فانصرفوا، وأقبل علي حتى دخل على عثمان هو وطلحة والزبير يعودونه من صرعته، ثم رجعوا إلى منازلهم.

وقال عمرو بن دينار، عن جابر، قال: بعثنا عثمان خمسين راكبا، وعلينا محمد بن مسلمة حتى أتينا ذا خشب، فإذا رجل معلق المصحف في عنقه، وعيناه تذرفان، والسيف بيده وهو يقول: ألا إن هذا - يعني المصحف - يأمرنا أن نضرب بهذا، يعني السيف، على ما في هذا، يعني المصحف، فقال محمد بن مسلمة: اجلس فقد ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، فجلس فلم يزل يكلمهم حتى رجعوا.

وقال الواقدي: حدثني ابن جريج وغيره، عن عمرو، عن جابر، أن المصريين لما أقبلوا يريدون عثمان دعا عثمان محمد بن مسلمة، فقال: اخرج إليهم فارددهم وأعطهم الرضا، وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس، وسودان بن حمران، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وابن البياع، فأتاهم ابن مسلمة، فلم يزل بهم حتى رجعوا، فلما كانوا بالبويب رأوا جملا عليه ميسم الصدقة، فأخذوه، فإذا غلام لعثمان، ففتشوا متاعه، فوجدوا قصبة من رصاص، فيها كتاب في جوف الإداوة في الماء: إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح أن افعل بفلان كذا، وبفلان كذا، من القوم الذين شرعوا في قتل عثمان، فرجع القوم ثانية ونازلوا عثمان وحصروه.

قال الواقدي: فحدثني عبد الله بن الحارث، عن أبيه، قال: أنكر عثمان أن يكون كتب ذلك الكتاب وقال: فعل ذلك بلا أمري.

ص: 241

وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد، فذكر طرفا من الحديث، إلى أن قال: ثم رجعوا راضين، فبينما هم بالطريق ظفروا برسول إلى عامل مصر أن يصلبهم ويفعل ويفعل، فردوا إلى المدينة، فأتوا عليا، فقالوا: ألم تر إلى عدو الله، فقم معنا، قال: والله لا أقوم معكم، قالوا: فلم كتبت إلينا؟ قال: والله ما كتبت إليكم، فنظر بعضهم إلى بعض، وخرج علي من المدينة، فانطلقوا إلى عثمان، فقالوا: أكتبت فينا بكذا؟ فقال: إنما هما اثنان، تقيمون رجلين من المسلمين - يعني شاهدين -، أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا علمت، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم على الخاتم، فقالوا: قد أحل الله دمك، ونقض العهد والميثاق، وحصروه في القصر.

وقال ابن سيرين: إن عثمان بعث إليهم عليا، فقال: تعطون كتاب الله وتعتبون من كل ما سخطتم، فأقبل معه ناس من وجوههم، فاصطلحوا على خمس: على أن المنفي يقلب، والمحروم يعطى، ويوفر الفيء، ويعدل في القسم، ويستعمل ذو الأمانة والقوة، كتبوا ذلك في كتاب، وأن يردوا ابن عامر إلى البصرة وأبا موسى إلى الكوفة.

وقال أبو الأشهب، عن الحسن قال: لقد رأيتهم تحاصبوا في المسجد حتى ما أبصر السماء، وإن رجلا رفع مصحفا من حجرات النبي صلى الله عليه وسلم ثم نادى: ألم تعلموا أن محمدا قد برئ ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعا.

وقال سلام: سمعت الحسن، قال: خرج عثمان يوم الجمعة، فقام إليه رجل، فقال: أسألك كتاب الله، فقال: ويحك، أليس معك كتاب الله! قال: ثم جاء رجل آخر فنهاه، وقام آخر، وآخر، حتى كثروا، ثم تحاصبوا حتى لم أر أديم السماء.

وروى بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام قال: بينما عثمان يخطب، فقام رجل فنال منه، فوذأته فاتذأ، فقال رجل: لا يمنعك مكان ابن

ص: 242

سلام أن تسب نعثلا، فإنه من شيعته، فقلت له: لقد قلت القول العظيم في الخليفة من بعد نوح.

وذأته: زجرته وقمعته، وقالوا لعثمان: نعثلا، تشبيها له برجل مصري اسمه نعثل كان طويل اللحية، والنعثل: الذكر من الضباع، وكان عمر يشبه بنوح في الشدة.

وقال ابن عمر: بينما عثمان يخطب إذ قام إليه جهجاه الغفاري، فأخذ من يده العصا فكسرها على ركبته، فدخلت منها شظية في ركبته، فوقعت فيها الأكلة، وقال غيره: ثم إنهم أحاطوا بالدار وحصروه، فقال سعد بن إبراهيم، عن أبيه: سمعت عثمان يقول: إن وجدتم في الحق أن تضعوا رجلي في القيود فضعوهما.

وقال ثمامة بن حزن القشيري: شهدت الدار وأشرف عليهم عثمان، فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم، فدعيا له كأنهما جملان أو حماران، فقال: أنشدكما الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء عذب غير بئر رومة، فقال: من يشتريها فيكون دلوه كدلاء المسلمين، وله في الجنة خير منها فاشتريتها، وأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من الماء المالح؟ قالا: اللهم نعم، قال: أنشدكما الله والإسلام، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشتري بقعة بخير له منها في الجنة، فاشتريتها وزدتها في المسجد، وأنتم تمنعوني اليوم أن أصلي فيها؟ قالا: اللهم نعم، قال: أنشدكما الله، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة، فتحرك وعليه أبو بكر وعمر وأنا، فقال: أسكن فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان؟ قالا: اللهم نعم، فقال: الله أكبر شهدا ورب الكعبة أني شهيد.

ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن بنحوه، وزاد فيه أنه جهز جيش العسرة.

ثم قال: ولكن طال عليكم أمري فاستعجلتم، وأردتم خلع سربال سربلنيه الله، وإني لا أخلعه حتى أموت أو أقتل.

ص: 243

وعن ابن عمر قال: فأشرف عليهم، وقال: علام تقتلونني؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل قتل نفسا، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام، ولا قتلت رجلا ولا كفرت.

قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف: إني لمع عثمان وهو محصور، فكنا ندخل إليه مدخلا – إذا دخل إليه الرجل - سمع كلام من على البلاط، فدخل يوما فيه وخرج إلينا وهو متغير اللون، فقال: إنهم يتوعدوني بالقتل، فقلنا: يكفيكهم الله.

وقال سهل السراج، عن الحسن، قال عثمان: لئن قتلوني لا يقاتلون عدوا جميعا أبدا، ولا يقتسمون فيئا جميعا أبدا، ولا يصلون جميعا أبدا، وقال مثله عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي ليلى الكندي، وزاد فيه: ثم أرسل إلى عبد الله بن سلام، فقال: ما ترى؟ فقال: الكف الكف، فإنه أبلغ لك في الحجة، فدخلوا عليه، فقتلوه وهو صائم رضي الله عنه وأرضاه.

وقال الحسن: حدثني وثاب، قال: بعثني عثمان، فدعوت له الأشتر، فقال: ما يريد الناس؟ قال: إحدى ثلاث: يخيرونك بين الخلع، وبين أن تقتص من نفسك، فإن أبيت فإنهم قاتلوك، فقال: ما كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله، وبدني ما يقوم لقصاص.

وقال حميد بن هلال: حدثنا عبد الله بن مغفل، قال: كان عبد الله بن سلام يجيء من أرض له على حمار يوم الجمعة، فلما هاجوا بعثمان قال: يا أيها الناس، لا تقتلوا عثمان، واستعتبوه، فوالذي نفسي بيده ما قتلت أمة نبيها فصلح ذات بينهم حتى يهريقوا دم سبعين ألفا، وما قتلت أمة خليفتها فيصلح الله بينهم حتى يهريقوا دم أربعين ألفا، وما هلكت أمة حتى يرفعوا

ص: 244

القرآن على السلطان. قال: فلم ينظروا فيما قال، وقتلوه، فج س على طريق علي بن أبي طالب، فقال له: لا تأت العراق والزم منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالذي نفسي بيده لئن تركته لا تراه أبدا، فقال من حول علي: دعنا نقتله، قال: دعوا عبد الله بن سلام، فإنه رجل صالح.

قال عبد الله بن مغفل: كنت استأمرت عبد الله بن سلام في أرض اشتريها، فقال بعد ذلك: هذه رأس أربعين سنة، وسيكون صلح فاشترها، قيل لحميد بن هلال: كيف ترفعون القرآن على السلطان؟ قال: ألم تر إلى الخوارج كيف يتأولون القرآن على السلطان؟ ودخل ابن عمر على عثمان وهو محصور، فقال: ما ترى؟ قال: أرى أن نعطيهم ما سألوك من وراء عتبة بابك غير أن لا تخلع نفسك، فقال: دونك عطاءك - وكان واجدا عليه - فقال: ليس هذا اليوم ذاك، ثم خرج ابن عمر إليهم، فقال: إياكم وقتل هذا الشيخ، والله لئن قتلتموه لم تحجوا البيت جميعا أبدا، ولم تجاهدوا عدوكم جميعا أبدا، ولم تقتسموا فيئكم جميعا أبدا إلا أن تجتمع الأجساد والأهواء مختلفة، ولقد رأيتنا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون نقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه عاصم بن محمد العمري، عن أبيه، عن ابن عمر.

وعن أبي جعفر القارئ قال: كان المصريون الذين حصروا عثمان ست مائة: رأسهم كنانة بن بشر، وابن عديس البلوي، وعمرو بن الحمق، والذين قدموا من الكوفة مائتين، رأسهم الأشتر النخعي، والذين قدموا من البصرة مائة، رأسهم حكيم بن جبلة، وكانوا يدا واحدة في الشر، وكانت حثالة من الناس قد ضووا إليهم، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين خذلوه كرهوا الفتنة وظنوا أن الأمر لا يبلغ قتله، فلما قتل ندموا على ما ضيعوا في أمره، ولعمري لو قاموا أو قام بعضهم فحثا في وجوه أولئك التراب لانصرفوا خاسئين.

وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن قال: لما كثر الطعن على عثمان تنحى علي إلى ماله بينبع، فكتب إليه عثمان: أما بعد فقد بلغ

ص: 245

الحزام الطبيين، وخلف السيل الزبى، وبلغ الأمر فوق قدره، وطمع في الأمر من لا يدفع عن نفسه:

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل وإلا فأدركني ولما أمزق والبيت لشاعر من عبد القيس.

الطبي: موضع الثدي من الخيل.

وقال محمد بن جبير بن مطعم: لما حصر عثمان أرسل إلى علي: إن ابن عمك مقتول، وإنك مسلوب.

وعن أبان بن عثمان قال: لما ألحوا على عثمان بالرمي، خرجت حتى أتيت عليا، فقلت: يا عم أهلكتنا الحجارة، فقام معي، فلم يزل يرمي حتى فتر منكبه، ثم قال: يا ابن أخي، اجمع حشمك، ثم يكون هذا شأنك.

وقال حبيب بن أبي ثابت، عن أبي جعفر محمد بن علي: إن عثمان بعث إلى علي يدعوه وهو محصور، فأراد أن يأتيه، فتعلقوا به ومنعوه، فحسر عمامة سوداء عن رأسه وقال: اللهم لا أرضى قتله ولا آمر به.

وعن أبي إدريس الخولاني قال: أرسل عثمان إلى سعد، فأتاه، فكلمه، فقال له سعد: أرسل إلى علي، فإن أتاك ورضي صلح الأمر، قال: فأنت رسولي إليه، فأتاه، فقام معه علي، فمر بمالك الأشتر، فقال الأشتر لأصحابه: أين يريد هذا؟ قالوا: يريد عثمان، فقال: والله لئن دخل عليه لتقتلن عن آخركم، فقام إليه في أصحابه حتى اختلجه عن سعد وأجلسه في أصحابه، وأرسل إلى أهل مصر: إن كنتم تريدون قتله، فأسرعوا، فدخلوا عليه فقتلوه.

وعن أبي حبيبة قال: لما اشتد الأمر، قالوا لعثمان - يعني الذين عنده في الدار - أئذن لنا في القتال، فقال: أعزم على من كانت لي عليه طاعة أن لا يقاتل.

أبو حبيبة هو مولى الزبير، روى عنه موسى بن عقبة.

ص: 246

وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وحدثني عبد الحميد بن عمران، عن أبيه، عن مسور بن مخرمة. (ح)، وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمه، عن ابن الزبير. (ح)، وحدثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قالوا: بعث عثمان المسور بن مخرمة إلى معاوية يعلمه أنه محصور، ويأمره أن يجهز إليه جيشا سريعا، فلما قدم على معاوية، ركب معاوية لوقته هو ومسلم بن عقبة، ومعاوية بن حديج، فساروا من دمشق إلى عثمان عشرا، فدخل معاوية نصف الليل، وقبل رأس عثمان، فقال: أين الجيش؟ قال: ما جئت إلا في ثلاثة رهط، فقال عثمان: لا وصل الله رحمك، ولا أعز نصرك، ولا جزاك خيرا، فوالله لا أقتل إلا فيك، ولا ينقم علي إلا من أجلك، فقال: بأبي أنت وأمي، لو بعثت إليك جيشا فسمعوا به عاجلوك فقتلوك، ولكن معي نجائب، فاخرج معي، فما شعر بي أحد، فوالله ما هي إلا ثلاث حتى نرى معالم الشام، فقال: بئس ما أشرت به، وأبى أن يجيبه، فأسرع معاوية راجعا، ورد المسور يريد المدينة فلقي معاوية بذي المروة راجعا، وقدم على عثمان وهو ذام لمعاوية غير عاذر له، فلما كان في حصره الآخر، بعث المسور ثانيا إلى معاوية لينجده، فقال: إن عثمان أحسن فأحسن الله به، ثم غير فغير الله به، فشددت عليه فقال: تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حنجرته قلتم: اذهب فادفع عنه الموت، وليس ذلك بيدي، ثم أنزلني في مشربة على رأسه، فما دخل علي داخل حتى قتل عثمان.

وأما سيف بن عمر، فروى عن أبي حارثة، وأبي عثمان قالا: لما أتى معاوية الخبر أرسل إلى حبيب بن مسلمة الفهري، فقال: أشر علي برجل منفذ لأمري، ولا يقصر، قال: ما أعرف لذاك غيري، قال: أنت لها، وجعل على مقدمته يزيد بن شجعة الحميري في ألف، وقال: إن قدمت

ص: 247

يا حبيب وقد قتل، فلا تدعن أحدا أشار إليه ولا أعان عليه إلا قتلته، وإن أتاك الخبر قبل أن تصل، فأقم حتى أنظر، وبعث يزيد شجعة في ألف على البغال، يقودون الخيل، معهم الإبل عليها الروايا فأغذ السير، فأتاه قتله بقرب خيبر. ثم أتاه النعمان بن بشير، معه القميص الذي قتلوه فيه، فيه الدماء وأصابع امرأته نائلة، قد قطعوها بضربة سيف، فرجعوا، فنصب معاوية القميص على منبر دمشق، والأصابع معلقة فيه، وآلى رجال من أهل الشام لا يأتون النساء ولا يمسون الغسل إلا من حلم، ولا ينامون على فراش حتى يقتلوا قتلة عثمان، أو تفنى أرواحهم، وبكوه سنة.

وقال الأوزاعي: حدثني محمد بن عبد الملك بن مروان، أن المغيرة بن شعبة، دخل على عثمان وهو محصور، فقال: إنك إمام العامة، وقد نزل بك ما نرى، وإني أعرض عليك خصالا: إما أن تخرج فتقاتلهم، فإن معك عددا وقوة، وإما أن تخرق لك بابا سوى الباب الذي هم عليه، فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة، فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما أن تلحق بالشام، فإنهم أهل الشام، وفيهم معاوية، فقال: إني لن أفارق دار هجرتي، ولن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء.

وقال نافع، عن ابن عمر: أصبح عثمان يحدث الناس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في المنام، فقال: أفطرعندنا غدا، فأصبح صائما، وقتل من يومه.

وقال محمد بن سيرين: ما أعلم أحدا يتهم عليا في قتل عثمان، وقتل وإن الدار غاصة، فيهم ابن عمر، والحسن بن علي، ولكن عثمان عزم عليهم أن لا يقاتلوا.

ومن وجه آخر، عن ابن سيرين قال: انطلق الحسن والحسين وابن عمر، ومروان، وابن الزبير، كلهم شاك السلاح، حتى دخلوا على عثمان، فقال: أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فقال ابن الزبير، ومروان: نحن نعزم على أنفسنا أن لا نبرح، وخرج الآخرون.

ص: 248

وقال ابن سيرين: كان مع عثمان يومئذ في الدار سبع مائة، لو يدعهم لضربوهم حتى يخرجوهم من أقطارها.

وروي أن الحسن بن علي ما راح حتى جرح.

وقال عبد الله بن الزبير: قلت لعثمان: قاتلهم، فوالله لقد أحل الله لك قتالهم، فقال: لا أقاتلهم أبدا، فدخلوا عليه وهو صائم، وقد كان عثمان أمر ابن الزبير على الدار، وقال: أطيعوا عبد الله بن الزبير.

وقال ابن سيرين: جاء زيد بن ثابت في ثلاث مائة من الأنصار، فدخل على عثمان، فقال: هذه الأنصار بالباب، فقال: أما القتال فلا.

وقال أبو صالح، عن أبي هريرة قال: دخلت على عثمان يوم الدار، فقلت: طاب الضرب، فقال: أيسرك أن يقتل الناس جميعا وأنا معهم؟ قلت: لا، قال فإنك إن قتلت رجلا واحدا، فكأنما قتلت الناس جميعا، فانصرفت ولم أقاتل.

وعن أبي عون مولى المسور قال: ما زال المصريون كافين عن القتال، حتى قدمت أمداد العراق من عند ابن عامر، وأمداد ابن أبي سرح من مصر، فقالوا: نعاجله قبل أن تقدم الأمداد.

وعن مسلم أبي سعيد قال: أعتق عثمان عشرين مملوكا، ثم دعا بسراويل، فشدها عليه، ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام، وقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة، وأبا بكر، وعمر، فقال: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم نشر المصحف بين يديه، فقتل وهو بين يديه.

وقال ابن عون، عن الحسن: أنبأني وثاب مولى عثمان قال: جاء رويجل كأنه ذئب، فاطلع من باب، ثم رجع، فجاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلا، فدخل حتى انتهى إلى عثمان، فأخذ بلحيته، فقال بها حتى سمعت وقع أضراسه، فقال: ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك ابن عامر، ما أغنت عنك كتبك، فقال: أرسل لحيتي يا ابن أخي، قال: فأنا رأيته استعدى رجلا من القوم عليه يعينه، فقام إلى عثمان بمشقص، حتى وجأ به في رأسه ثم تعاوروا عليه حتى قتلوه.

ص: 249

وعن ريطة مولاة أسامة قالت: كنت في الدار، إذ دخلوا، فجاء محمد فأخذ بلحية عثمان فهزها، فقال: يا ابن أخي دع لحيتي، فإنك لتجذب ما يعز على أبيك أن تؤذيها، فرأيته كأنه استحيى، فقام، فجعل بطرف ثوبه هكذا: ألا ارجعوا ألا ارجعوا، قالت: وجاء رجل من خلف عثمان بسعفة رطبة، فضرب بها جبهته فرأيت الدم يسيل، وهو يمسحه ويقول: اللهم لا يطلب بدمي غيرك، وجاء آخر فضربه بالسيف على صدره فأقعصه، وتعاوروه بأسيافهم، فرأيتهم ينتهبون بيته.

وقال مجالد، عن الشعبي قال: جاء رجل من تجيب من المصريين، والناس حول عثمان، فاستل سيفه، ثم قال: افرجوا، ففرجوا له، فوضع ذباب سيفه في بطن عثمان، فأمسكت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان السيف لتمنع عنه، فحز السيف أصابعها.

وقيل: الذي قتله رجل يقال له: حمار.

وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد، أن محمد بن أبي بكر تسور من دار عمرو بن حزم على عثمان، ومعه كنانة بن بشر، وسودان، وعمرو بن الحمق، فوجدوه عند نائلة يقرأ في المصحف، فتقدمهم محمد، فأخذ بلحيته وقال: يا نعثل قد أخزاك الله، فقال: لست بنعثل ولكنني عبد الله، وأمير المؤمنين، فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان، قال: يا بن أخي دع لحيتي، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت، فقال: ما يراد بك أشد من قبضتي، وطعن جنبه بمشقص، ورفع كنانة مشاقص فوجأ بها في أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقه، ثم علاه بالسيف. قال عبد الرحمن بن عبد العزيز: فسمعت ابن أبي عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه بعمود حديد، وضربه سودان المرادي فقتله، ووثب عليه عمرو بن الحمق، وبه رمق، وطعنه تسع طعنات وقال: ثلاث لله، وست لما في نفسي عليه.

ص: 250

وعن المغيرة قال: حصروه اثنين وعشرين يوما، ثم أحرقوا الباب، فخرج من في الدار.

وقال سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: فتح عثمان الباب ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجل فقال: بيني وبينك كتاب الله، فخرج وتركه، ثم دخل عليه آخر، فقال: بيني وبينك كتاب الله، فأهوى إليه بالسيف، فاتقاه بيده فقطعها، فقال: أما والله إنها لأول كف خطت المفصل، ودخل عليه رجل يقال له: الموت الأسود، فخنقه قبل أن يضرب بالسيف، قال: فوالله ما رأيت شيئا ألين من حلقه، لقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل الجان تردد في جسده.

وعن الزهري قال: قتل عند صلاة العصر، وشد عبد لعثمان على كنانة بن بشر فقتله، وشد سودان على العبد فقتله.

وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد قال: ضربوه فجرى الدم على المصحف على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

وقال عمران بن حدير، إلا يكن عبد الله بن شقيق حدثني: أن أول قطرة قطرت من دمه على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فإن أبا حريث ذكر أنه ذهب هو وسهيل المري، فأخرجوا إليه المصحف، فإذا قطرة الدم على {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} قال: فإنها في المصحف ما حكت.

وقال محمد بن عيسى بن سميع، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري: قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان؟ قال: قتل مظلوما، ومن خذله كان معذورا، ومن قتله كان ظالما، وإنه لما استخلف كره ذلك نفر من الصحابة؛ لأنه كان يحب قومه ويوليهم، فكان يكون منهم ما تنكره الصحابة فيستعتب فيهم، فلا يعزلهم، فلما كان في الست الحجج الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم وما أشرك معهم، فولى عبد الله بن أبي

ص: 251

سرح مصر، فمكث عليها، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه، وقد كان قبل ذلك من عثمان هنات إلى ابن مسعود، وأبي ذر وعمار، فحنق عليه قومهم، وجاء المصريون يشكون ابن أبي سرح، فكتب إليه يتهدده فأبى وضرب بعض من أتاه ممن شكاه فقتله.

فخرج من أهل مصر سبع مائة رجل، فنزلوا المسجد وشكوا إلى الصحابة ما صنع ابن أبي سرح بهم، فقام طلحة فكلم عثمان بكلام شديد، وأرسلت إليه عائشة تقول له: أنصفهم من عاملك، ودخل عليه علي، وكان متكلم القوم، فقال: إنما يسألونك رجلا مكان رجل، وقد ادعوا قبله دما، فاعزله، واقض بينهم، فقال: اختاروا رجلا أوله، فأشاروا عليه بمحمد بن أبي بكر، فكتب عهده، وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح، فلما كان محمد على مسيرة ثلاث من المدينة، إذا هم بغلام أسود على بعير مسرعا، فسألوه، فقال: وجهني أمير المؤمنين إلى عامل مصر، فقالوا له: هذا عامل أهل مصر، وجاؤوا به إلى محمد، وفتشوه فوجدوا إداوته تتقلقل، فشقوها، فإذا فيها كتاب من عثمان إلى محمد بن أبي سرح، فجمع محمد من عنده من الصحابة، ثم فك الكتاب، فإذا فيه: إذا أتاك محمد، وفلان، وفلان فاستحل قتلهم، وأبطل كتابه، واثبت على عملك، فلما قرأوا الكتاب رجعوا إلى المدينة، وجمعوا طلحة، وعليا، والزبير، وسعدا، وفضوا الكتاب، فلم يبق أحد ألا حنق على عثمان، وزاد ذلك غضبا وحنقا أعوان أبي ذر، وابن مسعود، وعمار.

وحاصر أولئك عثمان، وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة، والزبير، وعمار، ثم دخل على عثمان، ومعه الكتاب والغلام والبعير، فقال: هذا الغلام والبعير لك؟ قال: نعم، قال: فهذا كتابك؟ فحلف أنه ما كتبه ولا أمر به، قال: فالخاتم خاتمك؟ قال: نعم، فقال: كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به!. وعرفوا أنه خط مروان، وسألوه أن يدفع إليهم مروان، فأبى وكان عنده في الدار، فخرجوا من عنده غضابا، وشكوا في أمره، وعلموا أنه لا يحلف بباطل ولزموا بيوتهم.

ص: 252

وحاصره أولئك حتى منعوه الماء، فأشرف يوما فقال: أفيكم علي؟ قالوا: لا، قال: أفيكم سعد؟ قالوا: لا، فسكت، ثم قال: ألا أحد يسقينا ماء، فبلغ ذلك عليا، فبعث إليه بثلاث قرب فجرح في سببها جماعة حتى وصلت إليه، وبلغ عليا أن عثمان يراد قتله، فقال: إنما أردنا منه مروان، فأما عثمان، فلا ندع أحدا يصل إليه، وبعث إليه الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من الصحابة أبناءهم، يمنعون الناس منه، ويسألونه إخراج مروان، فلما رأى ذلك محمد بن أبي بكر، ورمى الناس عثمان بالسهام، حتى خضب الحسن بالدماء على بابه، وأصاب مروان سهم، وخضب محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى علي. فخشي محمد أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن، فاتفق هو وصاحباه، وتسوروا من دار، حتى دخلوا عليه، ولا يعلم أحد من أهل الدار؛ لأنهم كانوا فوق البيوت، ولم يكن مع عثمان إلا امرأته، فدخل محمد فأخذ بلحيته، فقال: والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني، فتراخت يده، ووثب الرجلان عليه فقتلاه، وهربوا من حيث دخلوا، ثم صرخت المرأة، فلم يسمع صراخها لما في الدار من الجلبة، فصعدت إلى الناس وأخبرتهم، فدخل الحسن والحسين وغيرهما، فوجدوه مذبوحا، وبلغ عليا وطلحة والزبير الخبر، فخرجوا - وقد ذهبت عقولهم - ودخلوا فرأوه مذبوحا، وقال علي، كيف قتل وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم ابن الزبير، وابن طلحة، وخرج غضبان إلى منزله، فجاء الناس يهرعون إليه ليبايعوه، قال: ليس ذاك إليكم، إنما ذاك إلى أهل بدر، فمن رضوه فهو خليفة، فلم يبق أحد من البدريين إلا أتى عليا، فكان أول من بايعه طلحة بلسانه، وسعد بيده، ثم خرج إلى المسجد فصعد المنبر، فكان أول من صعد إليه طلحة، فبايعه بيده، ثم بايعه الزبير وسعد والصحابة جميعا، ثم نزل فدعا الناس، وطلب مروان، فهرب منه هو وأقاربه.

ص: 253

وخرجت عائشة باكية تقول: قتل عثمان، وجاء علي إلى امرأة عثمان، فقال: من قتله؟ قالت: لا أدري، وأخبرته بما صنع محمد بن أبي بكر، فسأله علي، فقال: تكذب، قد والله دخلت عليه، وأنا أريد قتله، فذكر لي أبي، فقمت وأنا تائب إلى الله، والله ما قتلته ولا أمسكته، فقالت: صدق، ولكنه أدخل اللذين قتلاه.

وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبيه، عن جده قال: اجتمعنا في دار مخرمة للبيعة بعد قتل عثمان، فقال أبو جهم بن حذيفة: أما من بايعنا منكم فلا يحول بيننا وبين قصاص، فقال عمار: أما دم عثمان فلا، فقال: يا ابن سمية، أتقتص من جلدات جلدتهن، ولا تقتص من دم عثمان! فتفرقوا يومئذ عن غير بيعة.

وروى عمر بن علي بن الحسين، عن أبيه قال: قال مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم - يعني عليا - عن عثمان، قال: فقلت: ما بالكم تسبونه على المنابر! قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك، رواه ابن أبي خيثمة. بإسناد قوي، عن عمر.

وقال الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن سعيد بن أبي زيد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله قال: كان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم، وخمسون ومائة ألف دينار، فانتهبت وذهبت، وترك ألف بعير بالربذة، وترك صدقات بقيمة مائتي ألف دينار.

وقال ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: بلغني أن الركب الذين ساروا إلى عثمان عامتهم جنوا.

وقال ليث بن أبي سليم، عن طاووس، عن ابن عباس سمع عليا يقول: والله ما قتلت - يعني عثمان - ولا أمرت، ولكن غلبت، يقول ذلك ثلاثا، وجاء نحوه عن علي من طرق، وجاء عنه أنه لعن قتلة عثمان.

وعن الشعبي قال: ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك:

ص: 254

فكف يديه ثم أغلق بابه وأيقن أن الله ليس بغافل وقال لأهل الدار لا تقتلوهم عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل فكيف رأيت الله صب عليهم الـ عداوة والبغضاء بعد التواصل وكيف رأيت الخير أدبر بعده عن الناس إدبار النعام الجوافل ورثاه حسان بن ثابت بقوله:

من سره الموت صرفا لا مزاج له فليأت مأدبة في دار عثمانا ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا صبرا فدى لكم أمي وما ولدت قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا ليسمعن وشيكا في ديارهم الله أكبر يا ثارات عثمانا

و‌

‌ ممن توفي في هذه السنة:

‌صلة بن أشيم العدوي

.

قيل: إنه قتل بسجستان، وهذا وهم؛ لأنه يروي عنه ثابت البناني وغيره، وكان عبدا صالحا.

ن:‌

‌ الحارث بن نوفل بن الحارث

بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي.

له صحبة، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض صدقات مكة، ثم استعمله أبو بكر، وعمر، وعثمان، على مكة، ثم انتقل إلى البصرة، وبنى بها دارا، وتوفي في هذه السنة. وإنما للحارث حديث واحد عند النسائي، عن عائشة.

ع:‌

‌ عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي

، عنز بن وائل، كان حليف آل الخطاب العدوي.

أسلم قبل عمر، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا. وله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر.

وعنه ابنه عبد الله، وابن الزبير، وابن عمر، وأبو أمامة بن

ص: 255

سهل، وغيرهم، وكان الخطاب قد تبناه، وكان معه لواء عمر لما قدم الجابية.

وقال ابن إسحاق: أول من قدم المدينة مهاجرا أبو سلمة بن عبد الأسد، وبعده عامر بن ربيعة.

وقال الواقدي: كان موت عامر بن ربيعة بعد قتل عثمان بأيام، وكان لزم بيته؛ ولم يشعر الناس إلا بجنازته قد أخرجت.

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، أن أباه أتي في المنام، حين طعنوا على عثمان، فقيل له: قم فسل الله أن يعيذك من الفتنة.

قيل: توفي قبل مقتل عثمان بيسير.

ت ق:‌

‌ عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود

بن المطلب بن أسد القرشي الأسدي.

وأمه قريبة أخت أم سلمة أم المؤمنين. قيل: له صحبة، والأصح أنه لا صحبة له، روى عنه عروة، وغيره، وقتل يوم الدار مع عثمان.

ن ق:‌

‌ عبد الله بن أبي ربيعة

بن المغيرة بن عبد الله المخزومي.

والد الشاعر المشهور عمر، وأخو عياش، كان اسمه بحيرا، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله.

وكان أحد الأشراف، ومن أحسن الناس صورة، وهو الذي بعثته قريش مع عمرو بن العاص إلى النجاشي لأذية مهاجرة الحبشة، ثم أسلم وحسن إسلامه.

ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجند ومخاليفها، فبقي فيها إلى أيام فتنة عثمان، فجاء لينصره، فوقع عن راحلته فمات بقرب مكة.

وقد استقرض منه النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفا، فأقرضه.

له حديث عند حفيده إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه.

ص: 256

الواقدي: حدثنا كثير بن زيد، عن المطلب بن حنطب قال: قال لهم عمر: إن هذا الأمر لا يصلح للطلقاء، فإن اختلفتم فلا تظنوا عبد الله بن أبي ربيعة عنكم غافلا.

الواقدي: عن رجل أن عبد الله بن أبي ربيعة قال: أدخلوني معكم في الشورى فلا يعدمكم مني رأي. قالوا: لا تدخل معنا. فقال: إن بايعتم لعلي سمعنا وعصينا، وإن بايعتم لعثمان سمعنا وأطعنا.

ولما حصر عثمان، أقبل عبد الله مسرعا ينصره من صنعاء. فلقيه صفوان بن أمية على فرس وهو على بغلة فجفلت من الفرس، فطرحت عبد الله فكسرت فخذه، فوضع في سرير، ثم جهز ناسا كثيرة في الطلب بدم عثمان.

‌عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس

، أمير المؤمنين، أبو عمرو، وأبو عبد الله، القرشي الأموي

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الشيخين.

قال الداني: عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، والمغيرة بن أبي شهاب، وأبو الأسود، وزر بن حبيش.

روى عنه بنوه: أبان، وسعيد، وعمرو، ومولاه حمران، وأنس، وأبو أمامة بن سهل، والأحنف بن قيس، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وعلقمة، وأبو عبد الرحمن السلمي، ومالك ابن أوس بن الحدثان، وخلق سواهم.

أحد السابقين الأولين، وذو النورين، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين. قدم الجابية مع عمر. وتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، فولدت له عبد الله، وبه كان يكنى، وبابنه عمرو.

وأمه أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم. فهاجر برقية إلى الحبشة، وخلفه النبي صلى الله عليه وسلم عليها في

ص: 257

غزوة بدر ليداويها في مرضها، فتوفيت بعد بدر بليال، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه من بدر وأجره، ثم زوجه بالبنت الأخرى أم كلثوم.

ومات ابنه عبد الله، وله ست سنين، سنة أربع من الهجرة.

وكان عثمان - فيما بلغنا - لا بالطويل ولا بالقصير، حسن الوجه، كبير اللحية، أسمر اللون، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين يخضب بالصفرة، وكان قد شد أسنانه بالذهب.

وعن أبي عبد الله مولى شداد، قال: رأيت عثمان يخطب، وعليه إزار غليظ ثمنه أربعة دراهم، وريطة كوفية ممشقة، ضرب اللحم - أي خفيفه - طويل اللحية، حسن الوجه.

وعن عبد الله بن حزم قال: رأيت عثمان، فما رأيت ذكرا ولا أنثى أحسن وجها منه.

وعن الحسن قال: رأيته وبوجهه نكتات جدري، وإذا شعره قد كسا ذراعيه.

وعن السائب قال: رأيته يصفر لحيته، فما رأيت شيخا أجمل منه.

وعن أبي ثور الفهمي، قال: قدمت على عثمان، فقال: لقد اختبأت عند ربي عشرا: إني لرابع أربعة في الإسلام، وما تعتيت ولا تمنيت، ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مرت بي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة، إلا أن لا يكون عندي فأعتقها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط.

ص: 258

وعن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم – صلى الله عليه وسلم.

وعن عائشة نحوه إن صحا.

وعن أبي هريرة، أن رسول صلى الله عليه وسلم أتى عثمان عند باب المسجد، فقال: يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية، وعلى مثل صحبتها. أخرجه ابن ماجه.

ويروى عن أنس أو غيره، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أبو أيم، ألا أخو أيم يزوج عثمان، فإني قد زوجته ابنتين، ولو كان عندي ثالثة لزوجته وما زوجته إلا بوحي من السماء.

وعن الحسن قال: إنما سمي عثمان ذا النورين لأنا لا نعلم أحدا أغلق بابه على ابنتي نبي غيره.

وروى عطية، عن أبي سعيد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان.

وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه، حين جهز جيش العسرة، فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يقلبها بيده ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم. رواه أحمد في مسنده، وغيره.

وفي مسند أبي يعلى، من حديث عبد الرحمن بن عوف، أنه جهز

ص: 259

جيش العسرة بسبعمائة أوقية من ذهب.

وقال خليد، عن الحسن قال: جهز عثمان بسبعمائة وخمسين ناقة، وخمسين فرسا، يعني في غزوة تبوك.

وعن حبة العرني، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله عثمان تستحييه الملائكة.

وقال المحاربي، عن أبي مسعود، عن بشر بن بشير الأسلمي، عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها: رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبيعها بعين في الجنة؟ فقال: ليس لي يا رسول الله عين غيرها، لا أستطيع ذلك. فبلغ ذلك عثمان، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي مثل الذي جعلت له عينا في الجنة إن اشتريتها؟ قال: نعم. قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين.

وعن أبي هريرة قال: اشترى عثمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين: يوم رومة، ويوم جيش العسرة.

وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، ثم عمر، وهو على تلك الحال فتحدثا، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، فدخل فتحدث، فلما خرج قلت: يا رسول الله دخل أبو بكر، فلم تجلس له، ثم دخل عمر، فلم تهش له، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، قال: ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة؟ رواه مسلم.

ص: 260

وروي نحوه من حديث علي، وأبي هريرة، وابن عباس.

وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان.

وعن طلحة بن عبيد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي رفيق، ورفيقي عثمان. أخرجه الترمذي.

وفي حديث القف: ثم جاء عثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه.

وقال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: قال الوليد بن سويد: إن رجلا من بني سليم قال: كنت في مجلس فيه أبو ذر، وأنا أظن في نفسي أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلما ذكر له عثمان عرض له بعض أهل المجلس بذلك، فقال أبو ذر: لا تقل في عثمان إلا خيرا، فإني أشهد لقد رأيت منظرا وشهدت مشهدا لا أنساه، كنت التمست خلوات النبي صلى الله عليه وسلم لأسمع منه، فجاء أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيات، فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل، ثم ناولهن أبا بكر، فسبحن في كفه، ثم وضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عمر، فسبحن في كفه، ثم أخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه، ثم أخذهن منه، فوضعهن فخرسن.

ص: 261

وقال سليمان بن يسار: أخذ جهجاه الغفاري عصا عثمان التي كان يتخصر بها، فكسرها على ركبته، فوقعت في ركبته الأكلة.

وقال ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه جماعة عن ابن عمر.

وقال الشعبي: لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء من الصحابة غير عثمان، ولقد فارق علي الدنيا وما جمعه.

وقال ابن سيرين: كان أعلمهم بالمناسك عثمان، وبعده ابن عمر.

وقال ربعي، عن حذيفة: قال لي عمر بمنى: من ترى الناس يولون بعدي؟ قلت: قد نظروا إلى عثمان.

وقال أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب قال: حججت مع عمر، فكان الحادي يحدو: إن الأمير بعده ابن عفان.

وحججت مع عثمان، فكان الحادي يحدو: إن الأمير بعده علي.

وقال الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن الأقرع مؤذن عمر، أن عمر دعا الأسقف فقال: هل تجدونا في كتبكم؟ قال: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم، قال: كيف تجدني؟ قال: قرن من حديد، قال: ما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد. قال عمر: الله أكبر، قال: فالذي بعدي؟ قال:

ص: 262

رجل صالح يؤثر أقرباءه، قال عمر: يرحم الله ابن عفان، قال: فالذي من بعده؟ قال: صدع - وكان حماد بن سلمة يقول: صدأ - من حديد، فقال عمر: وادفراه وادفراه، قال: مهلا يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء.

وقال حماد بن زيد: لئن قلت إن عليا أفضل من عثمان، لقد قلت إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خانوا.

وقال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان قال: كان نقش خاتم عثمان آمنت بالذي خلق فسوى.

وقال ابن مسعود حين استخلف عثمان: أمرنا خير من بقي ولم نأل.

وقال مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: رأيت عثمان نائما في المسجد، ورداؤه تحت رأسه، فيجيء الرجل فيجلس إليه، ويجيء الرجل فيجلس إليه، كأنه أحدهم، وشهدته يأمر في خطبته بقتل الكلاب، وذبح الحمام.

وعن حكيم بن عباد قال: أول منكر ظهر بالمدينة طيران الحمام، والرمي - يعني بالبندق - فأمر عثمان رجلا فقصها، وكسر الجلاهقات.

ص: 263

وصح من وجوه، أن عثمان قرأ القرآن كله في ركعة.

وقال عبد الله بن المبارك، عن الزبير بن عبد الله، عن جدته، أن عثمان كان يصوم الدهر.

وقال أنس: إن حذيفة قدم على عثمان، وكان يغزو مع أهل العراق قبل أرمينية، فاجتمع في ذلك الغزو أهل الشام، وأهل العراق، فتنازعوا في القرآن حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما يكره، فركب حتى أتى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى في الكتب. ففزع لذلك عثمان، فأرسل إلى حفصة أم المؤمنين: أن أرسلي إلي بالصحف التي جمع فيها القرآن، فأرسلت إليه بها، فأمر زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن ينسخوها في المصاحف، وقال: إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن إنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى كتبت المصاحف، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل إليهم به، فذلك زمان حرقت فيه المصاحف بالنار.

وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص: خطب عثمان الناس، فقال: أيها الناس، عهدكم بنبيكم بضع عشرة، وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون قراءة أبي، وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، فأعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به. فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثيرا، ثم

ص: 264

دخل عثمان، فدعاهم رجلا رجلا، فناشدهم: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمله عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب مصاحف ففرقها في الناس.

وروى رجل، عن سويد بن غفلة قال: قال علي في المصاحف: لولم يصنعه عثمان لصنعته.

وقال أبو هلال: سمعت الحسن يقول: عمل عثمان اثنتي عشرة سنة، ما ينكرون من إمارته شيئا.

وقال سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يكون ملكا.

وقال قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن مرة البهزي قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تهيج فتنة كالصياصي، فهذا ومن معه على الحق. قال: فذهبت وأخذت بمجامع ثوبه فإذا هو عثمان.

ورواه الأشعث الصنعاني، عن مرة. ورواه محمد بن سيرين، عن كعب بن عجرة، وروي نحوه عن ابن عمر.

وقال قيس بن أبي حازم، عن أبي سهلة مولى عثمان، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يسار عثمان، ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر

ص: 265

فيها، قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا، وإني صابر نفسي عليه.

أبو سهلة وثقه أحمد العجلي.

وقال الجريري: حدثني أبو بكر العدوي قال: سألت عائشة: هل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد من أصحابه عند موته؟ قالت: معاذ الله إلا أنه سار عثمان، أخبره أنه مقتول، وأمره أن يكف يده.

وقال شعبة: أخبرني أبو حمزة: سمعت أبي يقول: سمعت عليا يقول: الله قتل عثمان وأنا معه، قال أبو حمزة: فذكرته لابن عباس فقال: صدق، يقول: الله قتل عثمان ويقتلني معه.

قلت: قد كان علي يقول: عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم: لتخضبن هذه من هذه.

وقد روى شعبة، عن حبيب بن الزبير، عن عبد الرحمن بن الشرود، أن عليا قال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله - تعالى -: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}

ورواه عبد الله بن الحارث، عن علي.

وقال مطرف بن الشخير: لقيت عليا فقال: يا أبا عبد الله ما بطأ بك، أحب عثمان؟ ثم قال: لئن قلت ذاك، لقد كان أوصلنا للرحم، وأتقانا للرب.

ص: 266

وقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: لو انقض أحد لما صنعتم بابن عفان لكان حقيقا.

وقال هشام: حدثنا محمد بن سيرين، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو قال: يكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة، منهم أبو بكر الصديق، أصبتم اسمه، وعمر الفاروق قرن من حديد، أصبتم اسمه، وعثمان ذو النورين، أوتي كفلين من الرحمة، قتل مظلوما، أصبتم اسمه. رواه غير واحد عن محمد.

وقال عبد الله بن شوذب: حدثني زهدم الجرمي قال: كنت في سمر عند ابن عباس فقال: لأحدثنكم حديثا: إنه لما كان من أمر هذا الرجل – يعني عثمان - ما كان، قلت لعلي: اعتزل هذا الأمر، فوالله لو كنت في جحر لأتاك الناس حتى يبايعوك، فعصاني، وأيم الله ليتأمرن عليه معاوية، ذلك بأن الله يقول:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}

وقال أبو قلابة الجرمي: لما بلغ ثمامة بن عدي قتل عثمان - وكان أميرا على صنعاء - بكى فأطال البكاء، ثم قال: هذا حين انتزعت خلاف النبوة من أمة محمد، فصار ملكا وجبرية، من غلب على شيء أكله.

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: قال أبو حميد الساعدي - وكان بدريا - لما قتل عثمان: اللهم إن لك علي أن لا أضحك حتى ألقاك.

ص: 267

قال قتادة: ولي عثمان اثنتي عشرة سنة، غير اثني عشر يوما. وكذا قال خليفة بن خياط وغيره.

وقال أبو معشر السندي: قتل لثماني عشرة خلت من ذي الحجة، يوم الجمعة، زاد غيره فقال: بعد العصر، ودفن بالبقيع بين العشاءين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وهو الصحيح، وقيل: عاش ستا وثمانين سنة.

وعن عبد الله بن فروخ قال: شهدته ودفن في ثيابه بدمائه، ولم يغسل، رواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند. وقيل: صلى عليه مروان، ولم يغسل.

وجاء من رواية الواقدي: أن نائلة خرجت وقد شقت جيبها وهي تصرخ، ومعها سراج، فقال جبير بن مطعم: أطفئي السراج لا يفطن بنا، فقد رأيت الغوغاء، ثم انتهوا إلى البقيع، فصلى عليه جبير بن مطعم، وخلفه أبو جهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم، وزوجتا عثمان نائلة، وأم البنين، وهما دلتاه في حفرته على الرجال الذين نزلوا في قبره. ولحدوا له وغيبوا قبره، وتفرقوا.

ويروى أن جبير بن مطعم صلى عليه في ستة عشر رجلا، والأول أثبت.

وروي أن نائلة بنت الفرافصة كانت مليحة الثغر، فكسرت ثناياها بحجر، وقالت: والله لا يجتليكن أحد بعد عثمان، فلما قدمت على معاوية الشام، خطبها، فأبت.

ص: 268

وقال فيها حسان بن ثابت:

قتلتم ولي الله في جوف داره وجئتم بأمر جائر غير مهتدي فلا ظفرت أيمان قوم تعاونوا على قتل عثمان الرشيد المسدد وقال كعب بن مالك:

يا للرجال لأمر هاج لي حزنا لقد عجبت لمن يبكي على الدمن إني رأيت قتيل الدار مضطهدا عثمان يهدى إلى الأجداث في كفن وقال بعضهم:

لعمر أبيك فلا تكذبن لقد ذهب الخير إلا قليلا لقد سفه الناس في دينهم وخلى ابن عفان شرا طويلا

ص: 269

‌سنة ست وثلاثين

‌وقعة الجمل

لما قتل عثمان صبرا، سقط في أيدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوا عليا، ثم إن طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وأم المؤمنين عائشة، ومن تبعهم رأوا أنهم لا يخلصهم مما وقعوا فيه من توانيهم في نصرة عثمان، إلا أن يقوموا في الطلب بدمه، والأخذ بثأره من قتلته، فساروا من المدينة بغير مشورة من أمير المؤمنين علي، وطلبوا البصرة.

قال خليفة: قدم طلحة، والزبير، وعائشة البصرة، وبها عثمان بن حنيف الأنصاري واليا لعلي، فخاف وخرج عنها، ثم سار علي من المدينة، بعد أن استعمل عليها سهل بن حنيف أخا عثمان، وبعث ابنه الحسن، وعمار بن ياسر إلى الكوفة بين يديه يستنفران الناس، ثم إنه وصل إلى البصرة.

وكان قد خرج منها قبل قدومه إليها حكيم بن جبلة العبدي في سبعمائة، وهو أحد الرؤوس الذين خرجوا على عثمان كما سلف، فالتقى هو وجيش طلحة والزبير، فقتل الله حكيما في طائفة من قومه، وقتل مقدم جيش الآخرين أيضا مجاشع بن مسعود السلمي.

ثم اصطلحت الفئتان، وكفوا عن القتال، على أن يكون لعثمان بن حنيف دار الإمارة والصلاة، وأن ينزل طلحة والزبير حيث شاءا من البصرة، حتى يقدم علي رضي الله عنه.

وقال عمار لأهل الكوفة: أما والله إني لأعلم أنها - يعني عائشة - زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها لينظر أتتبعونه أو إياها.

ص: 270

قال سعد بن إبراهيم الزهري: حدثني رجل من أسلم قال: كنا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة.

وقال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار، وأربعمائة ممن شهد بيعة الرضوان. رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد.

وقال المطلب بن زياد، عن السدي: شهد مع علي يوم الجمل مائة وثلاثون بدريا وسبعمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل بينهما ثلاثون ألفا، لم تكن مقتلة أعظم منها.

وكان الشعبي يبالغ ويقول: لم يشهدها إلا علي، وعمار، وطلحة، والزبير من الصحابة.

وقال سلمة بن كهيل: فخرج من الكوفة ستة آلاف، فقدموا على علي بذي قار، فسار في نحو عشرة آلاف، حتى أتى البصرة.

وقال أبو عبيدة: كان على خيل علي يوم الجمل عمار، وعلى الرجالة محمد بن أبي بكر الصديق، وعلى الميمنة علباء بن الهيثم السدوسي، ويقال: عبد الله بن جعفر، ويقال: الحسن بن علي، وعلى الميسرة الحسين بن علي، وعلى المقدمة عبد الله بن عباس، ودفع اللواء إلى ابنه محمد بن الحنفية، وكان لواء طلحة والزبير مع عبد الله بن حكيم بن حزام، وعلى الخيل طلحة، وعلى الرجالة عبد الله بن الزبير، وعلى الميمنة عبد الله بن عامر بن كريز، وعلى الميسرة مروان بن الحكم. وكانت الوقعة يوم الجمعة، خارج البصرة، عند قصر عبيد الله بن زياد.

قال الليث بن سعد وغيره: كانت وقعة الجمل في جمادى الأولى.

وقال أبو اليقظان: خرج يومئذ كعب بن سور الأزدي في عنقه

ص: 271

المصحف، ومعه ترس، فأخذ بخطام جمل عائشة، فجاءه سهم غرب فقتله.

قال محمد بن سعد: وكان كعب قد طين عليه بيتا، وجعل فيه كوة يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالا للفتنة، فقيل لعائشة: إن خرج معك لم يتخلف من الأزد أحد، فركبت إليه فنادته وكلمته فلم يجبها، فقالت: ألست أمك؟ ولي عليك حق، فكلمها، فقالت: إنما أريد أن أصلح بين الناس. فذلك حين خرج ونشر المصحف، ومشى بين الصفين يدعوهم إلى ما فيه، فجاءه سهم فقتله.

وقال حصين بن عبد الرحمن: قام كعب بن سور فنشر مصحفا بين الفريقين، ونشدهم الله والإسلام في دمائهم، فما زال حتى قتل.

وقال غيره: اصطف الفريقان، وليس لطلحة ولا لعلي رأسي الفريقين قصد في القتال، بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة، فترامى أوباش الطائفتين بالنبل، وشبت نار الحرب، وثارت النفوس، وبقي طلحة يقول: أيها الناس أنصتوا، والفتنة تغلي، فقال: أف فراش النار، وذئاب طمع، وقال: اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى، إنا داهنا في أمر عثمان، كنا أمس يدا على من سوانا، وأصبحنا اليوم جبلين من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان مني في أمر عثمان ما لا أرى كفارته، إلا بسفك دمي، وبطلب دمه.

فروى قتادة، عن الجارود بن أبي سبرة الهذلي قال: نظر مروان بن الحكم إلى طلحة يوم الجمل، فقال: لا أطلب ثأري بعد اليوم، فرمى طلحة بسهم فقتله.

وقال قيس بن أبي حازم: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم، فوقع في ركبته، فما زال يسح حتى مات. وفي بعض

ص: 272

طرقه: رماه بسهم، وقال: هذا ممن أعان على عثمان.

وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمه، أن مروان رمى طلحة، والتفت إلى أبان بن عثمان وقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك.

وروى زيد بن أبي أنيسة، عن رجل، أن عليا قال: بشروا قاتل طلحة بالنار.

وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرجنا مع علي إلى الجمل في ستمائة رجل، فسلكنا على طريق الربذة، فقام إليه ابنه الحسن، فبكى بين يديه وقال: ائذن لي فأتكلم، فقال: تكلم، ودع عنك أن تحن حنين الجارية، قال: لقد كنت أشرت عليك بالمقام، وأنا أشيره عليك الآن، إن للعرب جولة، ولو قد رجعت إليها عوازب أحلامها، لضربوا إليك آباط الإبل، حتى يستخرجوك، ولو كنت في مثل جحر الضب. فقال علي: أتراني لا أبا لك كنت منتظرا كما ينتظر الضبع اللدم. وروي نحوه من وجهين آخرين.

روح بن عبادة، قال: حدثنا أبو نعامة العدوي، قال: حدثنا حميد بن هلال، عن حجير بن الربيع، أن عمران بن حصين أرسله إلى بني عدي أن ائتهم فأتاهم، فقال: يقرأ عليكم السلام ويقول: إني لكم ناصح، ويحلف بالله لأن يكون عبدا مجدعا يرعى في رأس جبل حتى يموت أحب إليه من أن يرمي في واحد من الفريقين بسهم، فأمسكوا فداكم أبي وأمي. فقالوا: دعنا منك، فإنا والله لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فغزوا يوم الجمل، فقتل خلق حول عائشة يومئذ سبعون كلهم قد جمعوا القرآن، ومن لم يجمع القرآن أكثر.

روى الواقدي عن رجاله، قال: كان يعلى بن منية التميمي حليف بني

ص: 273

نوفل بن عبد مناف عاملا لعثمان على الجند، فوافى الموسم عام قتل عثمان.

وعن ابن أبي مليكة، قال: جاء يعلى بن أمية إلى عائشة وهي في الحج فقال: قد قتل خليفتك الذي كنت تحرضين عليه. قالت: برئت إلى الله من قاتله.

وعن الواقدي، عن الوليد بن عبد الله، قال: قال يعلى بن أمية: أيها الناس من خرج يطلب بدم عثمان فعلي جهازه.

وعن علي بن أبي سارة، قال: قدم يعلى بأربعمائة ألف فأنفقها في جهازهم إلى البصرة.

وعن غيره، قال: حمل يعلى بن أمية عائشة على جمله عسكر، وقال: هذه عشرة آلاف دينار من غر مالي أقوي بها من طلب بدم عثمان. فبلغ عليا، فقال: من أين له؟ سرق اليمن ثم جاء! والله لئن قدرت عليه لآخذن ما أقر به.

وعن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عم له قال: لما كان يوم الجمل نادى علي في الناس: لا ترموا أحدا بسهم، وكلموا القوم، فإن هذا مقام من فلح فيه، فلح يوم القيامة، قال: فتوافينا حتى أتانا حر الحديد، ثم إن القوم نادوا بأجمعهم: يا لثارات عثمان، قال: وابن الحنفية أمامنا رتوة معه اللواء، فمد علي يديه وقال: اللهم أكب قتلة عثمان على وجوههم، ثم إن الزبير قال لأساورة معه: ارموهم ولا تبلغوا، وكأنه إنما أراد أن ينشب القتال. فلما نظر أصحابنا إلى النشاب لم ينتظروا أن يقع إلى الأرض، وحملوا عليهم فهزمهم الله. ورمى مروان طلحة بسهم فشك ساقه بجنب فرسه.

وعن أبي جرو المازني قال: شهدت عليا والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك تقاتلني وأنت ظالم لي؟ قال: نعم ولم أذكر إلا في موقفي هذا، ثم انصرف.

ص: 274

وقال الحسن البصري، عن قيس بن عباد قال: قال علي يوم الجمل: يا حسن، ليت أباك مات منذ عشرين سنة، فقال له: يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بني لم أر أن الأمر يبلغ هذا.

وقال ابن سعد: إن محمد بن طلحة تقدم فأخذ بخطام الجمل، فحمل عليه رجل، فقال محمد: أذكركم (حم) فطعنه فقتله، ثم قال في محمد:

وأشعث قوام بآيات ربه قليل الأذى فيما ترى العين مسلم هتكت له بالرمح جيب قميصه فخر صريعا لليدين وللفم يذكرني (حم) والرمح شاجر فهلا تلا (حم) قبل التقدم على غير شيء غير أن ليس تابعا عليا ومن لا يتبع الحق يندم

فسار علي ليلته في القتلى، معه النيران، فمر بمحمد بن طلحة قتيلا، فقال: يا حسن محمد السجاد ورب الكعبة، ثم قال: أبوه صرعه هذا المصرع، ولولا بره بأبيه ما خرج. فقال الحسن: ما كان أغناك عن هذا! فقال: ما لي وما لك يا حسن.

وقال شريك، عن الأسود بن قيس: حدثني من رأى الزبير يوم الجمل، وناداه علي: يا أبا عبد الله، فأقبل حتى التقت أعناق دوابهما، فقال: أنشدك بالله، أتذكر يوم كنت أناجيك، فأتانا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: تناجيه فوالله ليقاتلنك وهو لك ظالم. قال: فلم يعد أن سمع الحديث، فضرب وجه دابته وانصرف.

وقال هلال بن خباب، فيما رواه عنه أبو شهاب الحناط، وغيره، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال يوم الجمل للزبير: يا ابن صفية، هذه عائشة تملك طلحة، فأنت على ماذا تقاتل قريبك عليا؟ فرجع الزبير، فلقيه ابن جرموز فقتله.

ص: 275

وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: انصرف الزبير يوم الجمل عن علي، وهم في المصاف، فقال له ابنه عبد الله: جبنا جبنا، فقال: قد علم الناس أني لست بجبان، ولكن ذكرني علي شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفت أن لا أقاتله، ثم قال:

ترك الأمور التي أخشى عواقبها في الله أحسن في الدنيا وفي الدين وكيع، عن عصام بن قدامة - وهو ثقة - عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حواليها قتلى كثيرون، وتنجو بعدما كادت.

وقيل: إن أول قتيل كان يومئذ مسلم الجهني، أمره علي فحمل مصحفا، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقتل. وقطعت يومئذ سبعون يدا من بني ضبة بالسيوف، صار كلما أخذ رجل بخطام الجمل الذي لعائشة، قطعت يده، فيقوم آخر مكانه ويرتجز، إلى أن صرخ صارخ اعقروا الجمل، فعقره رجل مختلف في اسمه، وبقي الجمل والهودج الذي عليه، كأنه قنفذ من النبل، وكان الهودج ملبسا بالدروع، وداخله أم المؤمنين، وهي تشجع الذين حول الجمل: فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

ثم إنها رضي الله عنها ندمت وندم علي رضي الله عنه لأجل ما وقع.

‌ذكر من توفي في هذه السنة

‌الأسود بن عوف الزهري

له صحبة وهجرة قبل الفتح، وهو أخو عبد الرحمن بن عوف. قتل يوم الجمل. وقد ولي ابنه جابر المدينة لعبد الله بن الزبير.

ت:‌

‌ جندب بن زهير الغامدي الأزدي

كوفي، يقال: له صحبة. يأتي في السنة الآتية.

ص: 276

ع:‌

‌ حذيفة بن اليمان

، واسم اليمان حسل - ويقال: حسيل على التصغير - بن جابر بن أسيد، وقيل: ابن عمرو، أبو عبد الله العبسي، حليف الأنصار، وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد المهاجرين.

وكان أبوه أصاب دما في قومه، فهرب إلى المدينة وحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان لحلفه لليمانية، فاستشهد يوم أحد.

وشهد حذيفة أحدا وما بعدها من المشاهد، واستعمله عمر رضي الله عنه على المدائن، فبقي عليها إلى حين وفاته. وتوفي بعد عثمان بأربعين يوما.

روى عنه زيد بن وهب، وزر بن حبيش، وأبو وائل، وربعي بن حراش، وجماعة.

قال خيثمة بن عبد الرحمن: أتيت المدينة فسألت الله أن ييسر لي جليسا صالحا، فيسر لي أبا هريرة، فجلست إليه، فقلت: جئت من الكوفة ألتمس الخير، فقال: أليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة، وابن مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه، وحذيفة صاحب سر رسول الله – صلى لله عليه وسلم -، وعمار الذي أجاره الله على لسان نبيه من الشيطان، وسلمان صاحب الكتابين، يعني الإنجيل والقرآن. صححه الترمذي.

وقال أبو اليقظان، عن زاذان، عن حذيفة قالوا: يا رسول الله لو استخلفت، قال: إن استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم، ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه وما أقرأكم عبد الله فاقرؤوه. حسنه الترمذي.

أبو نعيم، عن مالك بن مغول عن طلحة: قدم حذيفة المدائن على حمار، عليه إكاف، سادلا رجليه، ومعه عرق ورغيف وهو يأكل. وأخباره مستوفاة في تاريخ ابن عساكر.

ص: 277

عن حذيفة قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي الحسيل، فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا علينا عهد الله لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال: فوا لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم. رواه مسلم.

وحذيفة أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الأربعة عشر النجباء، كان النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليه أسماء المنافقين، وحفظ عنه الفتن التي تكون بين يدي الساعة، وناشده عمر بالله: أنا من المنافقين؟ فقال: اللهم لا، ولا أزكي أحدا بعدك.

وقد ذكرنا ما أبلى حذيفة رضي الله عنه ليلة الأحزاب. وافتتحت الدينور عنوة على يديه رضي الله عنه. وحديثه في الكتب الستة.

‌حكيم بن جبلة العبدي

.

كان متدينا عابدا شريفا مطاعا، بعثه عثمان على السند، ثم إنه ظن أن أهلها نقضوا فقدم منها، فسأله عثمان عنها، فقال: ماؤها وشل، ولصها بطل، وسهلها جبل، إن كثر الجند بها جاعوا، وإن قلوا بها ضاعوا. فلم يوجه عثمان عليها أحدا بعده.

ثم إنه نزل البصرة. وقد ذكرنا أنه أحد من سار إلى الفتنة، ثم قتل في فتنة الجمل - سامحه الله -، قيل: إنه لم يزل يقاتل حتى قطعت رجله، فأخذها وضرب بها الذي قطعها فقتله بها، ثم أخذ يقاتل ويقول:

يا ساق لن تراعي إن معي ذراعي أحمي بها كراعي حتى نزفه الدم، فاتكأ على المقتول الذي قطع رجله، فمر به رجل، فقال له: من قطع رجلك؟ قال: وسادتي، فما رؤي أشجع منه، ثم قتله

ص: 278

سحيم الحداني.

ع:‌

‌ الزبير بن العوام بن خويلد

بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو عبد الله القرشي الأزدي المكي.

حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى. شهد بدرا والمشاهد كلها، أسلم وهو ابن ست عشرة سنة، وكان من السابقين إلى الإسلام. وهو أول من سل سيفه في سبيل الله.

له أحاديث يسيرة. روى عنه ابناه عبد الله، وعروة، ومالك بن أوس بن الحدثان، والأحنف بن قيس، وحكيم مولى الزبير وغيرهم.

قال الليث: حدثني أبو الأسود، عن عروة قال: أسلم أبي وله ثماني سنين. ونفحت نفحة من الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة، ومعه السيف، فمن رآه عجب وقال: الغلام معه سيف، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لك؟ فأخبره، فقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك. وقد روي أنه كان طويلا إذا ركب تخط رجلاه الأرض، وأنه كان خفيف العارضين واللحية.

وذكر يعقوب بن شيبة بإسناد لين، عن الزهري قال: كان الزبير طويلا أزرق أخضر الشعر.

وقال أبو نعيم: كان ربعة. خفيف اللحم واللحية، أسمر أشعر لا يخضب.

وقال الواقدي: ليس بالقصير ولا بالطويل خفيف اللحية أسمر.

وقد ذكرنا أنه انصرف عن القتال يوم الجمل، فلحقه ابن جرموز فقتله غيلة.

وثبت في الصحيح أن الزبير خلف أملاكا بنحو أربعين ألف ألف

ص: 279

درهم وأكثر، وما ولي إمارة قط ولا خراجا، بل كان يتجر ويأخذ عطاءه، وقيل: إنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فربما تصدق بخراجهم كله في مجلسه قبل أن يقوم.

وقال الليث بن سعد، عن أبي فروة أخي إسحاق، قال: قال علي رضي الله عنه: حاربني خمسة: حاربني أطوع الناس في الناس عائشة، وأشجع الناس الزبير، وأمكر الناس طلحة بن عبيد الله، لم يدركه ماكر قط، وحاربني أعبد الناس محمد بن طلحة بن عبيد الله، كان محمودا حتى استزله أبوه، فخرج به، وحاربني أعطى الناس يعلى بن منية، كان يعطي الرجل الواحد الثلاثين دينارا والسلاح والفرس على أن يقاتلني.

وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله، أن عليا والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص ولدوا في عام واحد.

وقال الليث، عن أبي الأسود: إن الزبير أسلم وهو ابن ثماني سنين.

وقد ذكرنا أن الزبير كان يوم بدر على فرس، وأنه كان لابسا، عمامة صفراء، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر.

وفيه يقول حسان بن ثابت:

أقام على عهد النبي وهديه حواريه والقول بالفعل يكمل أقام على منهاجه وطريقه يوالي ولي الحق والحق أعدل هو الفارس المشهور والبطل الذي يصول إذا ما كان يوم محجل إذا كشفت عن ساقها الحرب حشها بأبيض سباق إلى الموت يرقل فما مثله فيهم ولا كان قبله وليس يكون الدهر ما دام يذبل ثناؤك خير من فعال معاشر وفعلك يا ابن الهاشمية أفضل فكم كربة ذب الزبير بسيفه عن المصطفى والله يعطي فيجزل وفيه يقول عامر بن عبد الله بن الزبير:

ص: 280

جدي ابن عمة أحمد ووزيره عند البلاء وفارس الشقراء وغداة بدر كان أول فارس شهد الوغى في اللأمة الصفراء نزلت بسيماه الملائك نصرة بالحوض يوم تألب الأعداء وعن عروة - وهو في الصحيح - أن عائشة قالت: يا ابن أختي كان أبي - تعني أبا بكر الصديق - والزبير من الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القرح.

وقال محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: من يأتينا بخبر بني قريظة؟ فقال الزبير: أنا، فذهب على فرس فجاء بخبرهم، ثم ندب الناس ثانيا وثالثا، فانتدب الزبير، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير.

وقال ابن المنكدر، عن جابر أيضا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي.

وقال عاصم، عن زر: استأذن ابن جرموز على علي وأنا عنده، فقال: بشر قاتل ابن صفية بالنار، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لكل نبي حواري وحواري الزبير.

الحواري: الناصر. وقال الكلبي: الحواري: الخليل. قال مصعب الزبيري: الحواري: الخالص من كل شيء.

وقال عروة، عن أخيه عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه قال: ارم فداك أبي وأمي.

ص: 281

وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد: ضرب الزبير يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف فقده إلى القربوس، فقالوا: ما أجود سيفك، فغضب، يعني أن العمل ليده لا لسيفه.

وعن الزبير أنه دخل يوم الفتح ومعه لواءان: لواؤه، ولواء سعد بن عبادة.

وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام، عن أبيه، قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الزبير يلمق حرير، محشو بالقز يقاتل فيه.

وقال سفيان الثوري: كان هؤلاء الثلاثة نجدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: حمزة وعلي والزبير.

وقال عروة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف، إحداهن في عاتقه، إن كنت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك. وقال عروة: أخذ بعضنا سيف الزبير بثلاثة آلاف.

وقال سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء فتحرك الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، وكان عليه هو، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في العشرة إنهم في الجنة فذكر منهم الزبير.

وقال عروة: قال عمر بن الخطاب: لو عهدت أو تركت تركة، كان

ص: 282

أحبهم إلي الزبير، إنه ركن من أركان الدين.

وقال عروة: أوصى سبعة من الصحابة إلى الزبير منهم: عثمان، وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، فكان ينفق عليهم من ماله، ويحفظ عليهم أموالهم.

وقال هشام بن عروة: لما قتل عمر محا الزبير بن العوام نفسه من الديوان.

وروى أحمد في مسنده من حديث مطرف قال: قلت للزبير: يا أبا عبد الله ما جاء بكم ضيعتم عثمان حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟! فقال الزبير: إنا قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} ولم نكن نحسب أنا أهلها، حتى وقعت منا حيث وقعت.

يزيد بن هارون، عن عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه قال: كانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط تحت الزبير، وكانت فيه شدة على النساء، وكانت له كارهة، تسأله الطلاق، فيأبى حتى ضربها الطلق وهو لا يعلم، فألحت عليه وهو يتوضأ، فطلقها تطليقة، ثم خرج، فوضعت، فأدركه إنسان من أهله، فأخبره، فقال خدعتني خدعها الله. وأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: سبق فيها كتاب الله فاخطبها، قال: لا ترجع إلي أبدا.

قال الواقدي: ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف، فولدت له إبراهيم وحميدا. قاله يعقوب بن شيبة.

وروى هشام بن عروة، عن أبيه قال: قال الزبير: إن طلحة يسمي بنيه بأسماء الأنبياء. وقد علم أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وإني أسمي بني بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدوا: عبد الله بعبد الله بن جحش، والمنذر بالمنذر بن عمرو، وعروة بعروة بن مسعود، وحمزة بحمزة، وجعفر بجعفر بن أبي طالب، ومصعب بمصعب بن عمير، وعبيدة بعبيدة بن الحارث، وخالد

ص: 283

بخالد بن سعيد، وعمرو بعمرو بن سعيد بن العاص. قتل باليرموك.

وقال فضيل بن مرزوق: حدثني شقيق بن عقبة، عن قرة بن الحارث، عن جون بن قتادة، قال: كنت مع الزبير يوم الجمل، فكانوا يسلمون عليه بالإمرة.

وقال حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن جاوان قال: كان أول قتيل طلحة، وانهزموا، فانطلق الزبير فلقيه النعر المجاشعي فقال: تعال يا حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت في ذمتي، فسار معه، وجاء رجل إلى الأحنف بن قيس، فذكر أنه رأى الزبير بسفوان فقال: حمل بين المسلمين، حتى إذا ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيف، أراد أن يلحق ببنيه، قال: فسمعها عمير بن جرموز المجاشعي، وفضالة بن حابس، ورجل، فانطلقوا حتى لقوه مع النعر، فأتاه ابن جرموز من خلفه، فطعنه طعنة ضعيفة. فحمل عليه الزبير، فلما استلحمه وظن أنه قاتله، قال يا فضالة يا فلان، فحملوا على الزبير فقتلوه، وقيل: طعنه ابن جرموز ثانية فوقع.

وقال ابن عون: رأيت قاتل الزبير، وقد أقبل على الزبير، فأقبل عليه الزبير، فقال للزبير: أذكرك الله، فكف عنه الزبير حتى صنع ذلك غير مرة، فقال الزبير: ما له - قاتله الله - يذكرنا بالله وينساه.

وعن أبي نضرة قال: جاء أعرابي برأس الزبير إلى علي، فقال: يا أعرابي تبوأ مقعدك من النار.

وقال أبو جعفر محمد بن علي الباقر: قال علي: إني لأرجو أن أكون أنا، وطلحة، والزبير من الذين قال الله:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}

وقال منصور بن عبد الرحمن الغداني: سمعت الشعبي يقول: أدركت

ص: 284

خمسمائة أو أكثر من أصحاب رسول الله يقولون: علي، وعثمان، وطلحة، والزبير في الجنة.

وفيه يقول جرير:

إن الرزية من تضمن قبره وادي السباع لكل جنب مصرع لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع وقال عروة: ترك أبي من العروض خمسين ألف ألف درهم، ومن العين خمسين ألف ألف درهم.

هذه رواية أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه. وروى ابن عيينة عنه، عن أبيه قال: اقتسم مال الزبير على أربعين ألف ألف.

وادي السباع على سبعة فراسخ من البصرة. وقال البخاري: إنه قتل في رجب.

وقال ابن عيينة: جاء ابن جرموز إلى مصعب بن الزبير، يعني أيام ولي العراق لأخيه فقال: أقدني بالزبير، فكتب في ذلك إلى عبد الله بن الزبير، فكتب إليه: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير؟ ولا بشسع نعليه.

وعن عبد الله بن عروة، أن ابن جرموز مضى من عند مصعب، حتى إذا كان ببعض السواد، لحق بقصر هناك، عليه أزج، ثم أمر إنسانا أن يطرحه عليه، فطرحه فقتله، وكان قد كره الحياة لما كان يهول عليه، ويرى في منامه، وذلك دعاه إلى ما فعل.

‌زيد بن صوحان العبدي

، أخو صعصعة

يقال: له وفادة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع من عمر، وعلي. روى عنه أبو وائل، والعيزار بن حريث.

وكان صواما قواما، فقال له سلمان الفارسي: إن لبدنك عليك حقا، ولزوجك عليك حقا، فأقل مما تصنع،

ص: 285

قتل يوم الجمل.

ع:‌

‌ سلمان الفارسي

، أبو عبد الله الرامهرمزي، وقيل: الأصبهاني.

سابق الفرس إلى الإسلام، خدم النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه. روى عنه ابن عباس، وأنس أبو الطفيل، وأبو عثمان النهدي، وأبو عمر زاذان، وجماعة سواهم.

ابن سفيان: حدثنا يعقوب بن سفيان الفسوي، قال: حدثنا زكريا بن نافع الأرسوفي، قال: حدثنا السري بن يحيى، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال: كان سلمان من أهل رامهرمز، فجاء راهب إلى جبالها يتعبد، فكان يأتيه ابن دهقان القرية، قال: ففطنت له، فقلت: اذهب بي معك، فقال: لا، حتى أستأمره، فاستأمره، فقال: جيء به معك، فكنا نختلف إليه، حتى فطن لذلك أهل القرية، فقالوا: يا راهب، إنك قد جاورتنا فأحسنا جوارك، وإنا نراك تريد أن تفسد علينا غلماننا، فاخرج عن أرضنا، قال: فخرج، وخرجت معه، فجعل لا يزداد ارتفاعا في الأرض، إلا ازداد معرفة وكرامة، حتى أتى الموصل، فأتى جبلا من جبالها، فإذا رهبان سبعة، كل رجل في غار يتعبد فيه، يصوم ستة أيام ولياليهن، حتى إذا كان يوم السابع، اجتمعوا فأكلوا وتحدثوا.

فقلت لصاحبي: اتركني عند هؤلاء إن شئت، قال: فمضى وقال: إنك لا تطيق ما يطيق هؤلاء، وكان ملك بالشام يقتل الناس، فأبى عليهم إلا أن ننطلق، فقلت: فإني أخرج معك، قال: فانطلقت معه. فلما انتهينا إلى باب بيت المقدس، فإذا على باب المسجد رجل مقعد قال: يا عبد الله تصدق علي، فلم يكن معه شيء يعطيه إياه، فدخل المسجد فصلى ثلاثة أيام ولياليهن، ثم إنه انصرف، فخط خطا وقال: إذا رأيت الظل بلغ هذا الخط فأيقظني، فنام، وقال: فرثيت له من طول ما سهر، فلم أوقظه حتى جاوز الخط، فاستيقظ فقال: ألم أقل لك! قلت: إني رثيت لك من طول ما سهرت، فقال: ويحك إني أستحي من الله أن تمضي ساعة من ليل أو نهار

ص: 286

لا أذكره فيها، ثم خرج، فقال له المقعد: أنت رجل صالح دخلت وخرجت ولم تصدق علي، فنظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا، قال: أرني يدك، قم بإذن الله، فقام ليس به علة، فشغلني النظر إليه، ومضى صاحبي في السكك، فالتفت فلم أره، فانطلقت أطلبه. قال: ومرت رفقة من العراق، فاحتملوني، فجاءوا بي إلى المدينة، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: ذكرت قولهم: إنه لا يأكل الصدقة ويقبل الهدية، فجئت بطعام إليه، فقال: ما هذا؟ قلت: صدقة، فقال لأصحابه: كلوا ولم يذقه، ثم إني رجعت طعيما، فقال: ما هذا يا سلمان؟ قلت: هدية، فأكل، قلت: يا رسول الله أخبرني عن النصارى، قال: لا خير فيهم، فقمت وأنا مثقل، قال: فرجعت إليه رجعة أخرى، فقلت له: يا رسول الله أخبرني عن النصارى، قال: لا خير فهم ولا فيمن يحبهم، فقمت وأنا مثقل، فأنزل الله - تعالى - {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} فأرسل إلي فقال: يا سلمان إن صاحبك أو أصحابك من هؤلاء الذين ذكر الله - تعالى -. إسناده جيد، وزكريا الأرسوفي صدوق إن شاء الله.

وقد ذكرنا قصته وكيف تنقل في البلدان في طلب الهدى، إلى أن وقع في الأسر بالمدينة، وكيف كاتب مولاه.

قال أبو عبد الرحمن القاسم: إن سلمان زار الشام، فصلى الإمام الظهر، ثم خرج، وخرج الناس يتلقونه كما يتلقى الخليفة، فلقيناه وقد صلى بأصحابه العصر وهو يمشي، فوقفنا نسلم عليه، فلم يبق فينا شريف إلا عرض عليه أن ينزل به، فقال: جعلت على نفسي مرتي هذه أن أنزل على بشير بن سعد، وسأل عن أبي الدرداء، فقالوا: هو مرابط، قال: أين مرابطكم؟ قالوا: بيروت، فتوجه قبله.

ص: 287

وقال أبو عثمان النهدي، عن سلمان، تداولني بضعة عشر من رب إلى رب. أخرجه البخاري.

وقال يونس بن عبيد، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلمان سابق الفرس.

وقال الواقدي: أول غزوة غزاها سلمان الخندق.

وقال شريك: حدثنا أبو ربيعة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب من أصحابي أربعة، وأمرني أن أحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد بن الأسود.

وعن أنس قال: الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان. رفعه.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إليها.

ص: 288

وقال علي: سلمان أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت.

وقال العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} قالوا: يا رسول الله من هؤلاء؟ فضرب على فخذ سلمان الفارسي، ثم قال: هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس.

وقال الأعمش، عن أبي صالح قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول سلمان لأبي الدرداء: إن لأهلك عليك حقا، فقال: ثكلت سلمان أمه لقد اتسع من العلم.

وقال قتادة: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} هو سلمان، وعبد الله بن سلام.

وعن علي، وذكر سلمان فقال: ذاك مثل لقمان الحكيم بحر لا ينزف.

وقال أبو إدريس الخولاني، عن يزيد بن خمير قال: قلنا لمعاذ: أوصنا، قال: التمسوا العلم عند أربعة: أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام.

ويروى أن سلمان قال مرة: لو حدثتهم بكل ما أعلم لقالوا: رحم الله قاتل سلمان.

ص: 289

وقال حجاج بن فروخ الواسطي - وقد ضعفه النسائي - قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قدم سلمان من غيبة، فتلقاه عمر، فقال لسلمان: أرضاك لله عبدا، قال: فزوجني، فسكت عنه، فقال: أترضاني لله عبدا ولا ترضاني لنفسك، فلما أصبح أتاه قوم عمر ليضرب عن خطبة عمر، فقال: والله ما حملني على هذا إمرته ولا سلطانه، ولكن قلت: رجل صالح عسى الله أن يخرج منه ومني نسمة صالحة، فتزوج في كندة، فلما جاء ليدخل على أهله، إذا البيت منجد، وإذا فيه نسوة، فقال: أتحولت الكعبة إلى كندة أم حم، يعني: بيتكم! أمرني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إذا تزوج أحدنا أن لا يتخذ من المتاع إلا أثاثا كأثاث المسافر، ولا يتخذ من النساء إلا ما ينكح، فقام النسوة وخرجن، وهتكن ما في البيت، ودخل بأهله فقال: أتطيعيني؟ قالت: نعم، قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا دخل أحدنا على أهله أن يقوم فيصلي، ويأمرها فتصلي خلفه، ويدعو وتؤمن، ففعل وفعلت، فلما أصبح جلس في كندة، فقال له رجل: يا أبا عبد الله كيف أصبحت، كيف رأيت أهلك. فسكت، فأعاد القول، فسكت عنه. ثم قال: ما بال أحدكم يسأل الشيء قد وارته الأبواب والحيطان، إنما يكفي أحدكم أن يسأل عن الشيء، أجيب أو سكت عنه.

وقال عقبة بن أبي الصهباء: حدثنا ابن سيرين، قال: حدثنا عبيدة، أن سلمان الفارسي مر بجسر المدائن غازيا، وهو أمير الجيش، وهو ردف رجل من كندة، على بغل موكوف، فقال أصحابه: أعطنا اللواء أيها الأمير نحمله، فيأبى ويقول: أنا أحق من حمله، حتى قضى غزاته ورجع، وهو ردف ذلك الرجل، حتى رجع إلى الكوفة.

وعن رجل قال: رأيت سلمان على حمار عري، وكان رجلا طويل الساقين، وعليه قميص سنبلاني، فقلت للصبيان: تنحوا عن الأمير، فقال: دعهم فإن الخير والشر فيما بعد اليوم.

وقال عطاء بن السائب، عن ميسرة: إن سلمان كان إذا سجدت له العجم طأطأ رأسه وقال: خشعت لله، خشعت لله.

وقال جرير بن حازم: سمعت شيخا من عبس يحدث عن أبيه قال:

ص: 290

أتيت السوق، فاشتريت علفا بدرهم، فرأيت رجلا فسخرته، فحملت عليه العلف، فمر بقوم فقالوا: نحمل عنك يا أبا عبد الله، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا سلمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لم أعرفك، فضعه عافاك الله، فأبى حتى أتى منزلي به.

وقال الحسن البصري: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرا على ثلاثين ألفا، يخطب في عباءة، يفترش نصفها ويلبس نصفها، وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يده.

وقال النعمان بن حميد: رأيت سلمان وهو يعمل الخوص، فسمعته يقول: أشتري خوصا بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهما فيه، وأنفق درهما على عيالي، وأتصدق بدرهم، ولو أن عمر نهاني عنه ما انتهيت، رواها بعضهم فزاد فيها: فقلت له: فلم تعمل؟ يعني: لم وليت، قال: إن عمر أكرهني، فكتبت إليه فأبى علي مرتين. وكتبت إليه فأوعدني.

وقال عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ظبيان، عن جرير بن عبد الله قال: نزلت بالصفاح في يوم شديد الحر، فإذا رجل نائم مستظل بشجرة، معه شيء من الطعام في مزود تحت رأسه، وقد التف في عباءة. فأمرت أن يظلل عليه، ونزلنا، فانتبه، فإذا هو سلمان، فقلت: ما عرفناك، فقال: يا جرير تواضع في الدنيا، فإنه من تواضع في الدنيا يرفعه الله يوم القيامة، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة. يا جرير لو حرصت على أن تجد عودا يابسا في الجنة لم تجده، لأن أصول الشجر ذهب وفضة، وأعلاها الثمار، يا جرير تدري ما ظلمة النار؟ قلت: لا، قال: ظلم الناس بعضهم بعضا.

وقال عبد الله بن بريدة: كان سلمان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئا اشترى به لحما أو سمكا، ثم يدعو المجذومين فيأكلون معه.

وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد، أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان: أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه: إن الأرض لا تقدس أحدا، وإنما يقدس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا، فإن كنت

ص: 291

تبرئ فنعما لك، وإن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النار، فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما وقال: متطبب والله، ارجعا إلي أعيدا علي قصتكما.

وقال سليمان بن قرم، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلف لتكلفت لكم، ثم جاءنا بخبز وملح، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر، فبعث سلمان بمطهرته فرهنها، وجاء بصعتر، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو قنعت لم تكن مطهرتي مرهونة.

حبيب بن الشهيد، عن ابن بريدة، قال: سلمان يصنع الطعام للمجذومين، ثم يجلس فيأكل معهم.

وقال أبو عثمان النهدي: كان سلمان لا يفقه كلامه من شدة عجمته، وكان يسمي الخشب خشبان.

وعن ثابت قال: بلغني أن سلمان لم يخلف إلا بضعة وعشرين درهما.

قال أبو عبيدة وابن زنجويه: توفي سلمان بالمدائن سنة ست وثلاثين، زاد ابن زنجويه: قبل الجمل.

وقال الواقدي: توفي في خلافة عثمان. ذكر ما يدل على أنه توفي في خلافة عثمان كما قال الوقدي؛ فروى جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: دخل سعد، وابن مسعود على سلمان عند الموت، فبكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نحفظه: قال: ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب.

وقال خليفة: توفي سنة سبع وثلاثين.

ص: 292

وقيل: عاش مائتين وخمسين سنة، وأكثر ما قيل: إنه عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، والأول أصح.

ع:‌

‌ طلحة بن عبيد الله بن عثمان

بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي، أبو محمد

أحد السابقين الأولين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة. روى عنه بنوه يحيى، وموسى، وعيسى، وقيس بن أبي حازم، والأحنف بن قيس، والسائب بن يزيد، وأبو عثمان النهدي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن.

وغاب عن بدر في تجارة بالشام، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، وخرج مع عمر إلى الجابية، وكان على المهاجرين. وكان رجلا آدم، كثير الشعر، ليس بالجعد، وبالسبط، حسن الوجه، إذا مشى أسرع، ولا يغير شيبه.

روى الترمذي بإسناد حسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: أوجب طلحة.

وقال الصلت بن دينار، عن أبي نضرة، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه فلينظر إلى طلحة.

ص: 293

وقال عبد العزيز بن عمران: حدثني إسحاق بن يحيى، حدثني موسى بن طلحة، قال: كان طلحة أبيض يضرب إلى حمرة، مربوعا، إلى القصر أقرب، رحب الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم القدمين إذا التفت التفت جميعا.

وعن عائشة، وأم إسحاق ابنتي طلحة قالتا: جرح أبونا يوم أحد أربعا وعشرين جراحة، وقع منها في رأسه شجة، وقطع نساه، وشلت أصابعه.

وعن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلحة ممن قضى نحبه. رواه الطيالسي في مسنده.

وفي مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثبت حراء، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد.

وعن علي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة والزبير جاراي في الجنة. رواه الترمذي.

وعن سلمة بن الأكوع قال: ابتاع طلحة بئرا بناحية الجبل، ونحر

ص: 294

جزورا فأطعم الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت طلحة الفياض.

وقال مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جابر: صحبت طلحة، فما رأيت أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه.

وقال أبو إسماعيل الترمذي: حدثنا سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة التيمي، قال: حدثني أبي، عن جدي، عن موسى بن طلحة، أن أباه أتاه مال من حضرموت سبعمائة ألف، فبات ليلته يتململ، فقالت له زوجته: ما لك؟ فقال: تفكرت فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته، قالت: فأين أنت عن بعض أخلائك، فإذا أصبحت فاقسمها، فقال: إنك موفقة - وهي أم كلثوم بنت الصديق - فقسمها بين المهاجرين والأنصار، فبعث إلى علي منها، وأعطى زوجته ما فضل، فكان نحو ألف درهم.

أخبرنا عبد الرحمن بن أبي عمرو وجماعة كتابة، أن عمر بن طبرزد أخبرهم، قال: أخبرنا هبة الله بن الحصين، قال أخبرنا ابن غيلان، قال: حدثنا أبو بكر الشافعي، قال: حدثنا إبراهيم الحربي، قال: حدثنا عبد الله بن عمر، قال: حدثنا محمد بن يعلى، قال: حدثنا الحسن بن دينار، عن علي بن زيد قال: جاء أعرابي إلى طلحة، فسأله وتقرب إليه برحم، فقال: إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك، إن لي أرضا قد أعطاني بها عثمان ثلاثمائة ألف، فإن شئت الأرض، وإن شئت ثمنها، قال: بل الثمن، فأعطاه.

وروي أنه فدى عشرة من أسارى بدر بماله، ولطلحة حكايات

ص: 295

سوى هذه في السخاء.

وعن محمد بن إبراهيم التيمي، قال: كان يغل طلحة بالعراق أربعمائة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار، وكان يكفي ضعفاء بني تيم، ويقضي ديونهم، ويرسل إلى عائشة كل سنة بعشرة آلاف.

وقال عمرو بن دينار: حدثني مولى لطلحة أن غلته كانت كل يوم ألف درهم.

وقال الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة، أن معاوية سأله: كم ترك أبو محمد من العين؟ قال: ترك ألفي ألف ومائتي درهم، ومائتي ألف دينار، فقال: عاش سخيا حميدا، وقتل فقيدا.

قد ذكرنا أن مروان كان في جيش طلحة والزبير يوم الجمل، وأنه رمى بسهم على طلحة فقتله، فقال مجالد، عن الشعبي قال: رأى علي طلحة في بعض الأودية ملقى، فنزل فمسح التراب عن وجهه، ثم قال: عزيز علي أبا محمد أن أراك مجدلا في الأودية، ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري.

قال الأصمعي: معناه: سرائري وأحزاني التي تموج في جوفي.

وقال ليث، عن طلحة بن مصرف، إن عليا انتهى إلى طلحة وقد مات، فنزل وأجلسه، ومسح الغبار، عن وجهه ولحيته، وهو يترحم عليه وهو يقول: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة.

قال أبو أسامة: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: حدثنا قيس قال: رمى مروان يوم الجمل طلحة بسهم في ركبته، فجعل الدم يسيل، فإذا أمسكوه استمسك، وإذا تركوه سال، فقال دعوه، فإنما هو سهم أرسله الله، قال: فمات، فدفناه على شاطئ الكلاء، فرآه بعض أهله أنه أتاه في المنام فقال: ألا تريحوني من هذا الماء، فإني قد غرقت - ثلاث مرات يقولها - قال: فنبشوه، فإذا هو أخضر كأنه السلق، فنزعوا عنه الماء فاستخرجوه، فإذا

ص: 296

ما يلي الأرض من لحيته ووجهه قد أكلته الأرض. فاشتروا له دارا من دور آل أبي بكرة، بعشرة آلاف فدفنوه فيها.

الكلاء بالمد والتشديد: مرسى المراكب، ويسمى الميناء.

وقال أبو معاوية وغيره: حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن أبي حبيبة مولى طلحة قال: دخلت على علي مع عمران بن طلحة بعد الجمل، فرحب به وأدناه منه ثم قال: إني لأرجو الله أن يجعلني وأباك ممن قال فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ِخْوَانًا} الآية. فقال رجلان عنده: الله أعدل من ذلك، فقال: قوما أبعد أرضا وأسحقها، فمن هو إذا لم أكن أنا وطلحة، يا ابن أخي إذا كانت لك حاجة فأتنا.

وعن أم يحيى قالت: قتل طلحة وفي يد خازنه ألف ألف درهم، ومائتا ألف درهم، وقومت أصوله وعقاره بثلاثين ألف ألف درهم.

وقد مضى من أخباره في وقعة الجمل، حشرنا الله معه.

‌عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري

، أبو يحيى، أخو عثمان من الرضاعة له صحبة، ولاه عثمان مصر، ولما مات عثمان اعتزل الفتنة. وجاء من مصر إلى الرملة، فتوفي بها. وكان صاحب ميمنة عمرو بن العاص في حروبه. وكان بطلا شجاعا مذكورا. غزا بالجيش غير مرة المغرب. وكان أمير غزوة ذات الصواري من أرض الروم، غزاها في البحر. وكان قد أسلم وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد ولحق بالمشركين. فلما كان يوم الفتح أهدر دمه، فأجاره عثمان. ثم حسن إسلامه وبلاؤه.

وقال الليث بن سعد: إنه كان محمود السيرة، وإنه غزا إفريقية، وقتل جرير صاحبها، وغزا ذات الصواري، فالتقى الروم وكانوا في ألف مركب، فقتلهم مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها.

ولما احتضر قال: اللهم اجعل آخر عملي صلاة الصبح، فلما طلع

ص: 297

الفجر توضأ وصلى، فلما ذهب يسلم عن يساره فاضت نفسه.

وقيل: شهد صفين مع معاوية.

وقال أبو سعيد بن يونس المصري: توفي بعسقلان.

‌عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العيص الأموي

ولد قديما. وأمه جويرية بنت أبي جهل بن هشام التي كان قد خطبها علي، ثم تزوجها عتاب بن أسيد أمير مكة.

كان عبد الرحمن يوم الجمل مع عائشة، فكان يصلي بهم، وقتل يومئذ. وقيل: لما رآه علي قتيلا قال: هذا يعسوب القوم. وقيل: إن يده قطعت فحملها الطير حتى ألقتها بالمدينة، فعرفوا أنها يده بخاتمه، فصلوا عليه.

‌عبد الرحمن بن عديس، أبو محمد البلوي

له صحبة، وبايع تحت الشجرة. وله رواية. سكن مصر. وكان ممن خرج على عثمان وسار إلى قتاله - نسأل الله العافية - ثم ظفر به معاوية فسجنه بفلسطين في جماعة، ثم هرب من السجن، فأدركوه بجبل لبنان فقتل. ولما أدركوه قال لمن قتله: ويحك اتق الله في دمي، فإني من أصحاب الشجرة، فقال: الشجر بالجبل كثير، وقتله.

قال ابن يونس: كان رئيس الخيل التي سارت من مصر إلى عثمان.

وعن محمد بن يحيى الذهلي قال: لا يحل أن يحدث عنه بشيء، هو رأس الفتنة.

‌عمرو بن أبي عمرو، الحارث بن شداد

. وقيل: الحارث بن زهير بن شداد القرشي الفهري

ص: 298

أحد من شهد بدرا في قول الواقدي وابن عقبة.

‌قدامة بن مظعون أبو عمر الجمحي

توفي فيها عن ثمان وستين سنة. شهد بدرا، واستعمله عمر على البحرين. وهو خال عبد الله وحفصة ابني عمر، وزوج عمتهما صفية بنت الخطاب. وله هجرة إلى الحبشة.

ثم إن عمر عزله عن البحرين لما شرب الخمر، وتأول:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} وحده عمر.

‌كعب بن سور الأزدي

قاضي البصرة لعمر بن الخطاب. أتاه - وهو يذكر الناس يوم الجمل - سهم فقتله.

‌كنانة بن بشر التجيبي

أحد رؤوس المصريين الذين ساروا إلى حصار عثمان، ثم إنه هرب وقتل في هذه المدة.

خ م د ق:‌

‌ مجاشع بن مسعود بن ثعلبة السلمي

له صحبة. روى عنه أبو عثمان النهدي، وكليب بن وائل، وغيرهما. قتل في هذه السنة كما ذكرنا.

خ م:‌

‌ مجالد بن مسعود

، أخو مجاشع المذكور

له رواية عن أخيه. روى عنه أبو عثمان النهدي، وقتل مع أخيه.

محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي

ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسماه محمدا، وكناه أبا سليمان. وكان يلقب السجاد لكثرة صلاته وعبادته، لم يزل به أبوه حتى وافقه وخرج معه

ص: 299

على علي. وأمه حمنة بنت جحش، قتل يوم الجمل.

‌مسلم الجهني

أمره علي يوم الجمل بحمل مصحف، فطاف به على القوم يدعوهم إلى الطاعة، فقتل.

‌هند بن أبي هالة التيمي

، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخو أولاده من أمهم خديجة

اختلف في اسم أبيه فقيل: نباش بن زرارة، وقيل: مالك بن زرارة، وقيل: مالك بن النباش بن زرارة. والأول أكثر.

شهد هند أحدا ويقال: بدرا. وكان وصافا لحلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولشمائله.

روى عنه ابن أخته الحسن بن علي. وقتل يوم الجمل مع علي، وقتل ابنه هند بن هند مع مصعب بن الزبير. يقال: انفرجت وقعة الجمل عن ثلاثة عشر ألف قتيل.

وعن قتادة قال: قتل يوم الجمل عشرون ألفا.

وم‌

‌ من قتل يومئذ:

‌عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر بن كريز

، وعبد الله بن مسافع بن طلحة العبدري، وعبد الله بن حكيم بن حزام الأسدي، ومعبد بن مقداد بن الأسود الكندي. والله أعلم.

ص: 300

‌سنة سبع وثلاثين

‌وقعة صفين

قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه، كتبت نائلة زوجته إلى الشام إلى معاوية كتابا تصف فيه كيف دخل على عثمان رضي الله عنه وقتل، وبعثت إليه بقميصه بالدماء، فقرأ معاوية الكتاب على أهل الشام، وطيف بالقميص في أجناد الشام، وحرضهم على الطلب بدمه، فبايعوا معاوية على الطلب بدمه.

ولما بويع علي بالخلافة قال له ابنه الحسن وابن عباس: اكتب إلى معاوية فأقره على الشام، وأطمعه فإنه سيطمع ويكفيك نفسه وناحيته، فإذا بايع لك الناس أقررته أو عزلته، قال: فإنه لا يرضى حتى أعطيه عهد الله - تعالى - وميثاقه أن لا أعزله. قالا: لا تعطه ذلك. وبلغ ذلك معاوية. فقال: والله لا ألي له شيئا ولا أبايعه، وأظهر بالشام أن الزبير بن العوام قادم عليهم، وأنه مبايع له، فلما بلغه أمر الجمل أمسك، فلما بلغه قتل الزبير ترحم عليه، وقال: لو قدم علينا لبايعناه وكان أهلا.

فلما انصرف علي من البصرة، أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية، فكلم معاوية، وعظم أمر علي ومبايعته واجتماع الناس عليه، فأبى أن يبايعه، وجرى بينه وبين جرير كلام كثير، فانصرف جرير إلى علي فأخبره، فأجمع على المسير إلى الشام، وبعث معاوية أبا مسلم الخولاني إلى علي بأشياء يطلبها منه، منها أن يدفع إليه قتلة عثمان، فأبى علي، وجرت بينهما رسائل.

ثم سار كل منهما يريد الآخر، فالتقوا بصفين لسبع بقين من المحرم، وشبت الحرب بينهم في أول صفر، فاقتتلوا أياما.

فحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: استعملني عثمان على الحج، فأقمت للناس الحج، ثم قدمت وقد قتل وبويع لعلي، فقال: سر إلى الشام فقد وليتكها.

ص: 301

قلت: ما هذا برأي، معاوية ابن عم عثمان وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان، وأدنى ما هو صانع أن يحبسني. قال علي: ولم؟ قلت: لقرابتي منك، وأن كل من حمل عليك حمل علي، ولكن اكتب إلى معاوية فمنه وعده. فأبى علي وقال: لا والله لا كان هذا أبدا.

روى أبو عبيد القاسم بن سلام، عمن حدثه، عن أبي سنان العجلي قال: قال ابن عباس لعلي: ابعثني إلى معاوية، فوالله لأفتلن له حبلا لا ينقطع وسطه، قال: لست من مكرك ومكره في شيء، ولا أعطيه إلا السيف، حتى يغلب الحق الباطل، فقال ابن عباس: أو غير هذا؟ قال: كيف؟ قال: لأنه يطاع ولا يعصى، وأنت عن قليل تعصى ولا تطاع. قال: فلما جعل أهل العراق يختلفون على علي رضي الله عنه قال: لله در ابن عباس، إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق.

وقال مجالد، عن الشعبي، قال: لما قتل عثمان، أرسلت أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى أهل عثمان: أرسلوا إلي بثياب عثمان التي قتل فيها، فبعثوا إليها بقميصه مضرجا بالدم، وخصلة الشعر التي نتفت من لحيته، ثم دعت النعمان بن بشير، فبعثته إلى معاوية، فمضى بذلك وبكتابها، فصعد معاوية المنبر، وجمع الناس، ونشر القميص عليهم، وذكر ما صنع بعثمان، ودعا إلى الطلب بدمه. فقام أهل الشام، فقالوا: هو ابن عمك وأنت وليه، ونحن الطالبون معك بدمه، وبايعوا له.

وقال يونس، عن الزهري قال: لما بلغ معاوية قتل طلحة والزبير، وظهور علي، دعا أهل الشام للقتال معه على الشورى والطلب بدم عثمان، فبايعوه على ذلك أميرا غير خليفة.

وذكر يحيى الجعفي في كتاب صفين بإسناده أن معاوية قال لجرير بن عبد الله: اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قال: وبعث الوليد بن عقبة إليه يقول:

ص: 302

معاوي إن الشام شامك فاعتصم بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا وحام عليها بالقنابل والقنا ولا تك مخشوش الذراعين وانيا فإن عليا ناظر ما تجيبه فأهد له حربا تشيب النواصيا وحدثني يعلى بن عبيد: قال: حدثنا أبي، قال: قال أبو مسلم الخولاني وجماعة لمعاوية: أنت تنازع عليا! أم أنت مثله؟ فقال: لا والله إني لأعلم أن عليا أفضل مني وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدمه، فأتوا عليا فقولوا له، فليدفع إلي قتلة عثمان وأسلم له. فأتوا عليا فكلموه بذلك، فلم يدفعهم إليه.

وحدثني خلاد بن يزيد الجعفي، قال: حدثنا عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن الشعبي - أو أبي جعفر الباقر شك خلاد - قال: لما ظهر أمر معاوية دعا علي رضي الله عنه رجلا، وأمره أن يسير إلى دمشق، فيعقل راحلته على باب المسجد، ويدخل بهيئة السفر، ففعل الرجل، وكان قد وصاه بما يقول، فسألوه: من أين جئت؟ قال: من العراق، قالوا: ما وراءك؟ قال: تركت عليا قد حشد إليكم ونهد في أهل العراق. فبلغ معاوية، فأرسل أبا الأعور السلمي يحقق أمره، فأتاه فسأله، فأخبره بالأمر الذي شاع، فنودي: الصلاة جامعة. وامتلأ الناس في المسجد، فصعد معاوية المنبر وتشهد، ثم قال: إن عليا قد نهد إليكم في أهل العراق، فما الرأي؟ فضرب الناس بأذقانهم على صدورهم، ولم يرفع إليه أحد طرفه، فقام ذو الكلاع الحميري، فقال: عليك الرأي وعلينا أم فعال - يعني الفعال - فنزل معاوية ونودي في الناس: اخرجوا إلى معسكركم، ومن تخلف بعد ثلاث أحل بنفسه. فخرج رسول علي حتى وافاه، فأخبره بذلك،

ص: 303

فأمر علي فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن رسولي الذي أرسلته إلى الشام قد قدم علي، وأخبرني أن معاوية قد نهد إليكم في أهل الشام فما الرأي؟ قال: فأضب أهل المسجد يقولون: يا أمير المؤمنين الرأي كذا، الرأي كذا، فلم يفهم على كلامهم من كثرة من تكلم، وكثر اللغط، فنزل وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب بها ابن أكالة الأكباد، يعني معاوية.

وقال الأعمش: حدثني من رأى عليا يوم صفين يصفق بيديه ويعض عليها ويقول: واعجبا! أعصى ويطاع معاوية.

وقال الواقدي: اقتتلوا أياما حتى قتل خلق وضجروا، فرفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه، وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص، يعني لما رأى ظهور جيش علي. فاصطلحوا كما يأتي.

وقال الزهري: اقتتلوا قتالا لم تقتتل هذه الأمة مثله قط، وغلب أهل العراق على قتلى أهل حمص، وغلب أهل الشام على قتلى أهل العالية، وكان على ميمنة علي: الأشعث بن قيس الكندي، وعلى الميسرة: عبد الله بن عباس، وعلى الرجالة: عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، فقتل يومئذ. ومن أمراء علي يومئذ: الأحنف بن قيس التميمي، وعمار بن ياسر العنسي، وسليمان بن صرد الخزاعي، وعدي بن حاتم الطائي، والأشتر النخعي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وشبث بن ربعي الرياحي، وسعيد بن قيس الهمداني، وكان رئيس همدان: المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي، وقيس بن مكشوح المرادي، وخزيمة بن ثابت الأنصاري، وغيرهم.

وكان علي في خمسين ألفا، وقيل: في تسعين ألفا، وقيل: كانوا مائة ألف.

ص: 304

وكان معاوية في سبعين ألفا، وكان لواؤه مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي، وعلى ميمنته عمرو بن العاص، وقيل: ابنه عبد الله بن عمرو، وعلى الميسرة حبيب بن مسلمة الفهري، وعلى الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب، ومن أمرائه يومئذ: أبو الأعور السلمي، وزفر بن الحارث، وذو الكلاع الحميري، ومسلمة بن مخلد، وبسر بن أرطاة العامري، وحابس بن سعد الطائي، ويزيد بن هبيرة السكوني، وغيرهم.

قال عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمار بن ياسر بصفين، ورأى راية معاوية فقال: إن هذه راية قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات. ثم قاتل حتى قتل.

وقال غيره: برز الأشعث بن قيس في ألفين، فبرز لهم أبو الأعور في خمسة آلاف، فاقتتلوا: ثم غلب الأشعث على الماء وأزالهم عنه.

ثم التقوا يوم الأربعاء سابع صفر، ثم يوم الخميس والجمعة وليلة السبت، ثم رفع أهل الشام لما رأوا الكسرة المصاحف بإشارة عمرو، ودعوا إلى الصلح والتحكيم، فأجاب علي إلى تحكيم الحكمين، فاختلف عليه حينئذ جيشه وقالت طائفة: لا حكم إلا لله. وخرجوا عليه فهم الخوارج.

وقال ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه قال: قتل مع علي بصفين خمسة وعشرون بدريا. ثوير متروك.

قال الشعبي: كان عبد الله بن بديل يوم صفين عليه درعان ومعه سيفان، فكان يضرب أهل الشام ويقول:

لم يبق إلا الصبر والتوكل ثم التمشي في الرعيل الأول مشي الجمال في حياض المنهل والله يقضي ما يشا ويفعل فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه، وأقبل أصحاب معاوية يرمونه بالحجارة حتى أثخنوه وقتل، فأقبل إليه معاوية، وألقى عبد الله بن عامر عليه عمامته غطاه بها وترحم عليه، فقال معاوية لعبد الله: قد وهبناه لك، هذا كبش القوم ورب الكعبة، اللهم أظفر بالأشتر

ص: 305

والأشعث، والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت يوما به الحرب شمرا كليث هزبر كان يحمي ذماره رمته المنايا قصدها فتقصرا ثم قال: لو قدرت نساء خزاعة أن تقاتلني فضلا عن رجالها لفعلت.

وفي الطبقات لابن سعد، من حديث عمرو بن شراحيل، عن حنش بن عبد الله الصنعاني عن عبد الله بن زرير الغافقي قال: لقد رأيتنا يوم صفين، فاقتتلنا نحن وأهل الشام، حتى ظننت أنه لا يبقى أحد، فأسمع صائحا يصيح: معشر الناس، الله الله في النساء والولدان، من للروم ومن للترك، الله الله. والتقينا، فأسمع حركة من خلفي، فإذا علي يعدو بالراية حتى أقامها، ولحقه ابنه محمد بن الحنفية، فسمعته يقول: يا بني الزم رايتك، فإني متقدم في القوم، فأنظر إليه يضرب بالسيف حتى يفرج له، ثم يرجع فيهم.

وقال خليفة: شهد مع علي من البدريين: عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، وخوات بن جبير، وأبو سعد الساعدي، وأبو اليسر، ورفاعة بن رافع الأنصاري، وأبو أيوب الأنصاري بخلف فيه، قال: وشهد معه من الصحابة ممن لم يشهد بدرا: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وأبو قتادة، وسهل بن سعد الساعدي، وقرظة بن كعب، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، والحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبو مسعود عقبة بن عمرو، وأبو عياش الزرقي، وعدي بن حاتم، والأشعث بن قيس، وسليمان بن صرد، وجندب بن عبد الله، وجارية بن قدامة السعدي.

وعن ابن سيرين قال: قتل يوم صفين سبعون ألفا يعدون بالقصب.

ص: 306

وقال خليفة وغيره: افترقوا عن ستين ألف قتيل، وقيل: عن سبعين ألفا، منهم خمسة وأربعون ألفا من أهل الشام.

وقال عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن، عن جعفر - أظنه بن أبي المغيرة - عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون رجلا، منهم عمار.

وقال أبو عبيدة وغيره: كانت راية علي مع هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وكان على الخيل عمار بن ياسر.

وقال غيره: حيل بين علي وبين الفرات، لأن معاوية سبق إلى الماء، فأزالهم الأشعث عن الماء.

قلت: ثم افترقوا وتواعدوا ليوم الحكمين.

وقتل مع علي: خزيمة بن ثابت، وعمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، وعبد الله بن بديل، وعبد الله بن كعب المرادي، وعبد الرحمن بن كلدة الجمحي، وقيس بن مكشوح المرادي، وأبي بن قيس النخعي أخو علقمة، وسعد بن الحارث بن الصمة الأنصاري، وجندب بن زهير الغامدي، وأبو ليلى الأنصاري.

وقتل مع معاوية: ذو الكلاع، وحوشب ذو ظليم، وحابس بن سعد الطائي قاضي حمص، وعمرو بن الحضرمي، وعبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، وعروة بن داود، وكريب بن الصباح الحميري أحد الأبطال، قتل يومئذ جماعة، ثم بارزه علي فقتله.

قال نصر بن مزاحم الكوفي الرافضي: حدثنا عمر بن سعد، عن الحارث بن حصيرة، أن ولد ذي الكلاع أرسل إلى الأشعث بن قيس يقول: إن ذا الكلاع قد أصيب، وهو في الميسرة، أفتأذن لنا في دفنه؟ فقال الأشعث لرسوله: أقرئه السلام، وقل إني أخاف أن يتهمني أمير المؤمنين،

ص: 307

فاطلبوا ذلك إلى سعيد بن قيس الهمداني فإنه في الميمنة، فذهب إلى معاوية فأخبره، فقال: ما عسيت أن أصنع، وقد كانوا منعوا أهل الشام أن يدخلوا عسكر علي، خافوا أن يفسدوا أهل العسكر، فقال معاوية لأصحابه: لأنا أشد فرحا بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو افتتحتها، لأن ذا الكلاع كان يعرض لمعاوية في أشياء كان يأمر بها، فخرج ابن ذي الكلاع إلى سعيد بن قيس، فاستأذنه في أبيه فأذن له، فحملوه على بغل وقد انتفخ.

وشهد صفين مع معاوية من الصحابة: عمرو بن العاص السهمي، وابنه عبد الله، وفضالة بن عبيد الأنصاري، ومسلمة بن مخلد، والنعمان بن بشير، ومعاوية بن حديج الكندي، وأبو غادية الجهني قاتل عمار، وحبيب بن مسلمة الفهري، وأبو الأعور السلمي، وبسر بن أرطاة العامري.

‌تحكيم الحكمين

عن عكرمة، قال: حكم معاوية عمرو بن العاص، فقال الأحنف بن قيس لعلي: حكم أنت ابن عباس، فإنه رجل مجرب، قال: أفعل، فأبت اليمانية وقالوا: لا، حتى يكون منا رجل، فجاء ابن عباس إلى علي لما رآه قد هم أن يحكم أبا موسى الأشعري، فقال له: علام تحكم أبا موسى، فوالله لقد عرفت رأيه فينا، فوالله ما نصرنا، وهو يرجو ما نحن فيه، فتدخله الآن في معاقد أمرنا، مع أنه ليس بصاحب ذاك، فإذ أبيت أن تجعلني مع عمرو فاجعل الأحنف بن قيس، فإنه مجرب من العرب، وهو قرن لعمرو. فقال علي: أفعل، فأبت اليمانية أيضا. فلما غلب جعل أبا موسى، فسمعت ابن عباس يقول: قلت لعلي يوم الحكمين: لا تحكم أبا موسى، فإن معه رجلا حذرا مرسا قارحا، فلزني إلى جنبه، فإنه لا يحل عقدة إلا

ص: 308

عقدتها ولا يعقد عقدة إلا حللتها. قال: يا ابن عباس ما أصنع: إنما أوتى من أصحابي، قد ضعفت نيتهم وكلوا في الحرب، هذا الأشعث بن قيس يقول: لا يكون فيها مضريان أبدا حتى يكون أحدهما يمان، قال: فعذرته وعرفت أنه مضطهد، وأن أصحابه لا نية لهم. وقال أبو صالح السمان: قال علي لأبي موسى: احكم ولو على حز عنقي.

وقال غيره: حكم معاوية عمرا، وحكم علي أبا موسى، على أن من ولياه الخلافة فهو الخليفة، ومن اتفقا على خلعه خلع. وتواعدا أن يأتيا في رمضان، وأن يأتي مع كل واحد جمع من وجوه العرب. فلما كان الموعد سار هذا من الشام، وسار هذا من العراق، إلى أن التقى الطائفتان بدومة الجندل، وهي طرف من الشام من جهة زاوية الجنوب والشرق.

فعن عمر بن الحكم قال: قال ابن عباس لأبي موسى الأشعري: احذر عمرا، فإنما يريد أن يقدمك ويقول: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسن مني فتكلم حتى أتكلم، وإنما يريد أن يقدمك في الكلام لتخلع عليا. قال: فاجتمعا على إمرة، فأدار عمرو أبا موسى، وذكر له معاوية فأبى، وقال أبو موسى: بل عبد الله بن عمر، فقال عمرو: أخبرني عن رأيك؟ فقال أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرجلين، ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين، فيختاروا لأنفسهم من أحبوا. قال عمرو: الرأي ما رأيت.

قال: فأقبلا على الناس وهم مجتمعون بدومة الجندل، فقال عمرو: يا أبا موسى أعلمهم أن رأينا قد اجتمع، فقال: نعم، إن رأينا قد اجتمع على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر الأمة، فقال عمرو: صدق وبر، ونعم الناظر للإسلام وأهله، فتكلم يا أبا موسى، فأتاه ابن عباس، فخلا به، فقال: أنت في خدعة، ألم أقل لك لا تبدأه وتعقبه، فإني أخشى أن يكون أعطاك أمرا خاليا، ثم ينزع عنه على ملأ من الناس، فقال: لا تخش ذلك فقد اجتمعنا واصطلحنا.

ص: 309

ثم قام أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، قد نظرنا في هذا الأمر وأمر هذه الأمة، فلم نر شيئا هو أصلح لأمرنا ولا ألم لشعثها من أن لا نثير أمرها ولا بعضه، حتى يكون ذلك عن رضا منها وتشاور، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد: على خلع علي ومعاوية، وتستقيل الأمة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولون من أحبوا، وإني قد خلعت عليا ومعاوية، فولوا أمركم من رأيتم. ثم تأخر.

وأقبل عمرو فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، وإني خلعت صاحبه وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان، والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه، فقال سعد بن أبي وقاص: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكايده، فقال: ما أصنع به؟ جامعني على أمر، ثم نزع عنه، فقال ابن عباس: لا ذنب لك، الذنب للذي قدمك، فقال: رحمك الله غدر بي، فما أصنع؟ وقال أبو موسى: يا عمرو إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، فقال عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا. فقال ابن عمر: إلى ما صير أمر هذه الأمة! إلى رجل لا يبالي ما صنع، وآخر ضعيف.

قال المسعودي في المروج: كان لقاء الحكمين بدومة الجندل في رمضان، سنة ثمان وثلاثين، فقال عمرو لأبي موسى: تكلم، فقال: بل تكلم أنت، فقال: ما كنت لأفعل، ولك حقوق كلها واجبة. فحمد الله أبو موسى وأثنى عليه، ثم قال: هلم يا عمرو إلى أمر يجمع الله به الأمة، ودعا عمرو بصحيفة، وقال للكاتب: اكتب وهو غلام لعمرو، وقال: إن للكلام أولا وآخرا، ومتى تنازعنا الكلام لم نبلغ آخره حتى ينسى أوله، فاكتب ما نقول، قال: لا تكتب شيئا يأمرك به أحدنا حتى تستأمر الآخر، فإذا أمرك فاكتب، فكتب: هذا ما تقاضى عليه فلان وفلان. إلى أن قال عمرو: وإن عثمان كان مؤمنا، فقال أبو موسى: ليس لهذا قعدنا. قال عمرو: لا بد أن يكون مؤمنا أو كافرا. قال: بل كان مؤمنا. قال: فمره أن يكتب، فكتب،

ص: 310

قال عمرو: ظالما قتل أو مظلوما؟ قال أبو موسى: بل قتل مظلوما، قال عمرو: أفليس قد جعل الله لوليه سلطانا يطلب بدمه؟ قال أبو موسى: نعم، قال عمرو: فعلى قاتله القتل، قال: بلى. قال: أفليس لمعاوية أن يطلب بدمه حتى يعجز؟ قال: بلى، قال عمرو: فإنا نقيم البينة على أن عليا قتله.

قال أبو موسى: إنما اجتمعنا لله، فهلم إلى ما يصلح الله به أمر الأمة، قال: وما هو؟ قال: قد علمت أن أهل العراق لا يحبون معاوية أبدا، وأهل الشام لا يحبون عليا أبدا، فهلم نخلعهما معا، ونستخلف ابن عمر - وكان ابن عمر على بنت أبي موسى - قال عمرو: أيفعل ذلك عبد الله؟ قال: نعم إذا حمله الناس على ذلك. فصوبه عمرو وقال: فهل لك في سعد؟ وعدد له جماعة، وأبو موسى يأبى إلا ابن عمر، ثم قال: قم حتى نخلع صاحبينا جميعا، واذكر اسم من تستخلف، فقام أبو موسى وخطب وقال: إنا نظرنا في أمرنا، فرأينا أقرب ما نحقن به الدماء ونلم به الشعث خلعنا معاوية وعليا، فقد خلعتهما كما خلعت عمامتي هذه، واستخلفنا رجلا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وله سابقة: عبد الله بن عمر، فأطراه ورغب الناس فيه.

ثم قام عمرو فقال: أيها الناس، إن أبا موسى قد خلع عليا، وهو أعلم به، وقد خلعته معه، وأثبت معاوية علي وعليكم، وإن أبا موسى كتب في هذه الصحيفة أن عثمان قتل مظلوما، وأن لوليه أن يطلب بدمه، فقام أبو موسى فقال: كذب عمرو، ولم نستخلف معاوية، ولكنا خلعنا معاوية وعليا معا.

قال المسعودي: ووجدت في رواية أنهما اتفقا وخلعا عليا ومعاوية، وجعلا الأمر شورى، فقام عمرو بعده، فوافقه على خلع علي، وعلى إثبات معاوية، فقال له: لا وفقك الله، غدرت. وقنع شريح بن هانئ الهمداني عمرا بالسوط. وانخذل أبو موسى، فلحق بمكة، ولم يعد إلى الكوفة، وحلف لا ينظر في وجه علي ما بقي. ولحق سعد بن أبي وقاص، وابن عمر ببيت المقدس فأحرما، وانصرف عمرو، فلم يأت معاوية، فأتاه وهيأ طعاما كثيرا، وجرى بينهما كلام كثير، وطلب الأطعمة، فأكل عبيد عمرو، ثم قاموا ليأكل عبيد معاوية، وأمر من أغلق الباب وقت أكل عبيده، فقال

ص: 311

عمرو: فعلتها؟ قال: إي والله بايع وإلا قتلتك. قال: فمصر، قال: هي لك ما عشت.

وقال الواقدي: رفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه. فاصطلحوا، وكتبوا بينهما كتابا على أن يوافوا رأس الحول أذرح ويحكموا حكمين، ففعلوا ذلك فلم يقع اتفاق، ورجع علي بالاختلاف والدغل من أصحابه، فخرج منهم الخوارج، وأنكروا تحكيمه، وقالوا: لا حكم إلا لله، ورجع معاوية بالألفة واجتماع الكلمة عليه. ثم بايع أهل الشام معاوية بالخلافة في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين. كذا قال.

وقال خليفة وغيره: إنهم بايعوه في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين، وهو أشبه، لأن ذلك كان إثر رجوع عمرو بن العاص من التحكيم.

وقال محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه، قال: قام علي على منبر الكوفة، فقال: حين اختلف الحكمان: لقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة فعصيتموني، فقام إليه شاب آدم، فقال: إنك والله ما نهيتنا ولكن أمرتنا ودمرتنا، فلما كان منها ما تكره برأت نفسك ونحلتنا ذنبك. فقال علي: ما أنت وهذا الكلام قبحك الله؟ والله لقد كانت الجماعة فكنت فيها خاملا، فلما ظهرت الفتنة نجمت فيها نجوم الماغرة. ثم قال: لله منزل نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، والله لئن كان ذنبا إنه لصغير مغفور، وإن كان حسنا إنه لعظيم مشكور.

قلت: ما أحسنها لولا أنها منقطعة السند.

وقال الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: دخلت على حفصة، فقلت: قد كان بين الناس ما ترين، ولم يجعل لي من الأمر شيء، قالت: فالحق بهم، فإنهم ينتظرونك، وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فذهب.

فلما تفرق الحكمان خطب معاوية، فقال: من كان يريد أن يتكلم في

ص: 312

هذا الأمر فليطلع إلي قرنه فلنحن أحق بهذا الأمر منه ومن أبيه - يعرض بابن عمر - قال ابن عمر: فحللت حبوتي وهممت أن أقول: أحق به من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع وتسفك الدم، فذكرت ما أعد الله في الجنان.

قال جرير بن حازم، عن يعلى، عن نافع، قال: قال أبو موسى: لا أرى لها غير ابن عمر، فقال عمرو لابن عمر: أما تريد أن نبايعك؟ فهل لك أن تعطي مالا عظيما على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك. فغضب ابن عمر وقام. رواه معمر، عن الزهري.

وفيها أخرج علي سهل بن حنيف على أهل فارس، فمانعوه، فوجه علي زيادا، فصالحوه وأدوا الخراج.

وفيها قال أبو عبيدة: خرج أهل حروراء في عشرين ألفا، عليهم شبث بن ربعي، فكلمهم علي فحاجهم، فرجعوا.

وقال سليمان التيمي، عن أنس قال: قال شبث بن ربعي: أنا أول من حرر الحرورية، فقال رجل: ما في هذا ما تمتدح به.

وعن مغيرة قال: أول من حكم ابن الكواء وشبث.

قلت: معنى قوله: حكم هذه كلمة قد صارت سمة للخوارج. يقال: حكم إذا خرج وقال: لا حكم إلا لله.

(و‌

‌ توفي فيها):

‌أويس القرني بن عامر بن جزء بن مالك المرادي

القرني الزاهد، سيد التابعين، في نسبه أقوال مختلفة، وكنيته أبو عمرو.

قال ابن الكلبي: استشهد أويس يوم صفين مع علي.

وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: إن أويسا شهد

ص: 313

صفين مع علي، ثم روى عن رجل أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أويس خير التابعين بإحسان.

وقال غيره: إن أويسا وفد على عمر من اليمن، وروى عنه، وعن علي. روى عنه يسير بن عمرو، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد رب الدمشقي. وسكن الكوفة، وليس له حديث مسند، بل له حكايات.

قال أسير بن جابر، عن عمر بن الخطاب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير التابعين رجل يقال له: أويس بن عامر، كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته، لا يدع باليمن غير أم له، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم. قال عمر: فقدم علينا رجل فقلت له: من أين أنت؟ قال: من اليمن، قلت: ما اسمك؟ قال: أويس. قلت: فمن تركت باليمن؟ قال: أما لي، قلت: أكان بك بياض، فدعوت الله فأذهبه عنك؟ قال: نعم، قلت: فاستغفر لي، قال: أو يستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين! قال: فاستغفر لي، وقلت له: أنت أخي لا تفارقني، قال: فانملس مني.

فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة، قال: فجعل رجل كان يسخر بأويس بالكوفة ويحقره، يقول: ما هذا فينا ولا نعرفه، فقال عمر: بلى إنه رجل كذا وكذا، فقال - كأنه يضع شأنه -: فينا رجل يا أمير المؤمنين يقال له أويس، فقال عمر: أدركه فلا أراك تدركه، قال: فأقبل ذلك الرجل حتى دخل على أويس قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس: ما هذه عادتك، فما بدا لك؟ قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول فيك كذا وكذا فاستغفر لي، قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر مني فيما بعد، وأن لا تذكر ما سمعته من عمر لأحد، قال: نعم، فاستغفر له، قال أسير: فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة، قال: فدخلت عليه فقلت: يا أخي إن أمرك لعجب ونحن لا نشعر، فقال: ما كان في هذا ما أتبلغ به في الناس، وما يجزى كل عبد إلا

ص: 314

بعمله، قال: وانملس مني فذهب. رواه مسلم.

وفي أول الحديث: قال أسير: كان رجل بالكوفة يتكلم بكلام لا أسمع أحدا يتكلم به، ففقدته فسألت عنه، فقالوا: ذاك أويس فاستدللت عليه وأتيته، فقلت: ما حبسك عنا؟ قال: العري. قال: وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه، فقلت: هذا برد فخذه، فقال: لا تفعل فإنهم إذن يؤذونني، فلم أزل به حتى لبسه، فخرج عليهم فقالوا: من ترون خدع عن هذا البرد! قال: فجاء فوضعه، فأتيت فقلت: ما تريدون من هذا الرجل؟ فقد آذيتموه والرجل يعرى مرة ويكتسي أخرى، وآخذتهم بلساني، فقضي أن أهل الكوفة وفدوا على عمر، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: ما ها هنا أحد من القرنيين؟ فقام ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس فذكر الحديث.

وروى نحو هذه القصة عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، وزاد فيها؛ ثم إنه غزا أذربيجان، فمات، فتنافس أصحابه في حفر قبره.

وعن علقمة بن مرثد، عن عمر - وهو منقطع - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل الجنة بشفاعة أويس مثل ربيعة ومضر.

وقال فضيل بن عياض: حدثنا أبو قرة السدوسي، عن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بمنى على المنبر: يا أهل قرن، فقام مشايخ، فقال: أفيكم من اسمه أويس؟ فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ذاك مجنون يسكن القفار لا يألف ولا يؤلف، قال: ذاك الذي أعنيه، فإذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامي وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فعادوا إلى قرن، فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر، وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: عرفني أمير المؤمنين وشهر باسمي، اللهم صل على محمد وعلى آله، السلام على رسول الله، ثم هام على وجهه، فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهرا، ثم عاد في أيام علي فاستشهد معه بصفين، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة.

ص: 315

وقال هشام بن حسان، عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة أويس أكثر من ربيعة ومضر.

وقال خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم.

وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: لما كان يوم صفين، نادى مناد أصحاب معاوية: أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم، فضرب دابته ودخل معهم وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير التابعين أويس القرني. قال: فوجد في قتلى صفين رضي الله عنه.

قال ابن عدي: أويس ثقة صدوق، ومالك ينكر أويسا. قال: ولا يجوز أن يشك فيه.

قلت: وروى قصة أويس مبارك بن فضالة، عن مروان الأصفر، عن صعصعة بن معاوية. ورواه هدبة، عن مبارك، عن أبي الأصفر، وقد ذكر ابن حبان أبا الأصفر في الضعفاء، وساق الحديث بطوله. وأخبار أويس مستوعبة في تاريخ دمشق، ليس في التابعين أحد أفضل منه، وأما أن يكون أحد مثله في الفضل فيمكن كسعيد بن المسيب، وهم قليل.

‌جندب بن زهير بن الحارث الغامدي الأزدي

كوفي، يقال: له صحبة. وله حديث تفرد به السري بن اسماعيل،

ص: 316

وهو ضعيف. وكان يوم صفين على الرجالة مع علي، فقتل.

‌جهجاه بن قيس

، وقيل: ابن سعيد الغفاري

مدني، له صحبة. شهد بيعة الرضوان، وكان في غزوة المريسيع أجيرا لعمر، ووقع بينه وبين سنان الجهني، فنادى: يا للمهاجرين: ونادى سنان: يا للأنصار.

وعن عطاء بن يسار، عن جهجاه أنه هو الذي شرب حلاب سبع شياه قبل أن يسلم، فلما أسلم لم يتم حلاب شاة.

وقال ابن عبد البر: هو الذي تناول العصا من يد عثمان رضي الله عنه وهو يخطب، فكسرها على ركبته، فوقعت فيها الآكلة، وكانت عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي بعد عثمان بسنة.

ق:‌

‌ حابس بن سعد الطائي

ولي قضاء حمص زمن عمر، وكان أبو بكر قد وجهه إلى الشام، وكان من العباد. روى عنه جبير بن نفير. قتل يوم صفين مع معاوية.

ع:‌

‌ خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة التميمي

، مولى أم سباع بنت أنمار أبو عبد الله

من المهاجرين الأوليين. شهد بدرا والمشاهد بعدها. وروى عدة أحاديث. وعنه أبو وائل، ومسروق، وعلقمة، وقيس بن أبي حازم، وخلق سواهم.

قيل: كان أصابه سبي، فبيع بمكة، فاشترته أم سباع بنت أنمار الخزاعية من حلفاء بني زهرة، ويقال: كانت ختانة بمكة. أسلم قبل دخول دار الأرقم، وكان من المستضعفين بمكة الذين عذبوا في الله.

وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب إلى عمر فقال: ادنه، فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار بن ياسر، قال:

ص: 317

فجعل خباب يريه آثارا في ظهره مما عذبه المشركون.

وقال مجالد، عن الشعبي: دخل خباب بن الأرت على عمر، فأجلسه على متكئه، وقال: ما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا، إلا رجل واحد وهو بلال، فقال: ما هو بأحق به مني، إنه كان من المشركين من يمنعه، ولم يكن لي أحد يمنعني، لقد رأيتني يوما أخذوني وأوقدوا لي نارا، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتقيت الأرض إلا بظهري، قال: ثم كشف عن ظهره، فإذا هو قد برص.

وقال حارثة بن مضرب: دخلت على خباب وقد اكتوى سبع كيات، فسمعته يقول: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا ينبغي لأحد أن يتمنى الموت لألفاني قد تمنيته، قال: وقد أتي بكفنه قباطي، فبكى، ثم قال: لكن حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم كفن في بردة، إذا مدت على قدميه قلصت عن رأسه، وإذا مدت على رأسه قلصت عن قدميه، ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أملك دينارا ولا درهما، وإن في ناحية بيتي في تابوتي لأربعين ألف واف، ولقد خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا.

وقال الواقدي: سمعت من يقول: هو أول من قبره علي بالكوفة، وصلى عليه منصرفه من صفين.

وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: إن خباب بن الأرت لبس خاتما من ذهب، فدخل به على ابن مسعود، فقال له: أما آن لهذا الخاتم أن يطرح، فقال: لا تراه علي بعد اليوم رضي الله عنه.

م 4:‌

‌ خزيمة بن ثابت بن الفاكه

، أبو عمارة الأنصاري الخطمي، ذو الشهادتين.

ص: 318

يقال: إنه بدري، والصحيح أنه شهد أحدا وما بعدها. له أحاديث.

روى عنه إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، وعمرو بن ميمون الأودي، وابنه عمارة بن خزيمة، وأبو عبد الله الجدلي، وغيرهم.

شهد صفين مع علي، وقاتل حتى قتل.

‌ذو الكلاع الحميري

، اسمه السميفع، ويقال: سميفع بن ناكور. وقيل: اسمه أيفح، كنيته أبو شرحبيل

أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: له صحبة، فروى ابن لهيعة، عن كعب بن علقمة، عن حسان بن كليب، سمع ذا الكلاع يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اتركوا الترك ما تركوكم.

كان ذو الكلاع سيد قومه، شهد يوم اليرموك، وفتح دمشق، وكان على ميمنة معاوية يوم صفين. روى عن عمر، وغير واحد. روى عنه أبو أزهر بن سعيد، وزامل بن عمرو، وأبو نوح الحميري.

والدليل على أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ما روى إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير قال: كنت باليمن، فلقيت رجلين من أهل اليمن: ذا الكلاع، وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلا معي، حتى إذا كنا في بعض الطريق، رفع لنا ركب من قبل المدينة، فسألناهم، فقالوا: قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر

. الحديث، رواه مسلم.

وروى علوان بن داود، عن رجل قال: بعثني أهلي بهدية إلى ذي الكلاع، فلبثت على بابه حولا لا أصل إليه، ثم إنه أشرف من القصر، فلم يبق حوله أحد إلا سجد له، فأمر بهديتي فقبلت، ثم رأيته بعد في الإسلام، وقد اشترى لحما بدرهم فسمطه على فرسه.

وروي أن ذا الكلاع لما قدم مكة كان يتلثم خشية أن يفتتن أحد بحسنه. وكان عظيم الخطر عند معاوية، وربما كان يعارض معاوية، فيطيعه

ص: 319

معاوية.

‌عبد الله بن بديل بن ورقاء

بن عبد العزى الخزاعي، كنيته أبو عمرو

روى البخاري في تاريخه أنه ممن دخل على عثمان، فطعن عثمان في ودجه، وعلا التنوخي عثمان بالسيف.

أسلم مع أبيه قبل الفتح، وشهد الفتح وما بعدها، وكان شريفا وجليلا. قتل هو وأخوه عبد الرحمن يوم صفين مع علي، وكان على الرجالة.

قال الشعبي: كان على عبد الله يومئذ درعان وسيفان، فأقبل يضرب أهل الشام حتى انتهى إلى معاوية، فتكاثروا عليه فقتلوه، فلما رآه معاوية صريعا قال: والله لو استطاعت نساء خزاعة لقاتلتنا فضلا عن رجالها.

‌عبد الله بن كعب المرادي

، من كبار عسكر علي

قتل يوم صفين، ويقال: إن له صحبة.

عبيد الله بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني

ولد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع أباه، وعثمان، وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. كنيته أبو عيسى. غزا في أيام أبيه، وأمه أم كلثوم الخزاعية.

وعن أسلم، أن عمر ضرب ابنه عبيد الله بالدرة وقال: أتكتني بأبي عيسى، أو كان لعيسى أب!.

وقد ذكرنا أن عبيد الله لما قتل عمر أخذ سيفه وشد على الهرمزان فقتله، وقتل جفنية، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما بويع عثمان هم بقتله، ثم عفا عنه. وكان قد أشار علي على عثمان بقتله، فلما بويع ذهب عبيد الله هاربا منه إلى الشام. وكان مقدم جيش معاوية يوم صفين، فقتل يومئذ. ويقال: قتله عمار بن ياسر، وقيل: رجل من همدان، ورثاه بعضهم بقصيدة

ص: 320

مليحة.

ع:‌

‌ عمار بن ياسر بن عامر بن مالك

بن كنانة بن قيس بن الحصين المذحجي العنسي أبو اليقظان مولى بني مخزوم.

من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، شهد بدرا والمشاهد كلها، وعاش ثلاثا وتسعين سنة، وكان من السابقين إلى الإسلام، وممن عذب في الله في أول الإسلام.

وأمه سمية أول شهيدة في الإسلام، طعنها أبو جهل في قبلها بحربة فقتلها.

له نحو ثلاثين حديثا؛ روى عنه ابن عباس، وجابر، ومحمد ابن الحنفية، وزر بن حبيش، وهمام بن الحارث، وآخرون.

قدم ياسر بن عامر وأخواه من اليمن إلى مكة يطلبون أخا لهم، فرجع أخواه وحالف ياسر أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فزوجه أمة اسمها سمية، فولدت له عمارا، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم عمار وأبواه وأخوه عبد الله، وقتل أخوهما حريث في الجاهلية.

وعن عمار قال: لقيت صهيبا على باب دار الأرقم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فدخلنا فأسلمنا.

وعن عمر بن الحكم قال: كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول، وكذا صهيب، وعامر بن فهيرة. وفيهم نزلت {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا}

وقال أبو بلج عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر به ويمر يده على رأسه فيقول: يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم. تقتلك الفئة الباغية.

رواه ابن سعد، عن يحيى بن حماد قال: أخبرنا أبو عوانة، عنه.

وقال القاسم بن الفضل: حدثنا عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي

ص: 321

الجعد، عن عثمان بن عفان قال: أقبلت أنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بيدي نتماشى في البطحاء حتى أتينا على أبي عمار، وعمار، وأمه، وهم يعذبون، فقال ياسر: الدهر هكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اصبر، اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلت.

كذا رواه مسلم بن إبراهيم، وموسى بن إسماعيل، وأبو قطن عمرو بن الهيثم، عن القاسم، وهو الحداني، ورواه معتمر بن سليمان، عن القاسم الحداني، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن سلمان الفارسي.

وقال هشام الدستوائي: حدثنا أبو الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بآل عمار وهم يعذبون، فقال: أبشروا آل عمار، فإن موعدكم الجنة. مرسل.

وقال ابن سيرين: لقي النبي صلى الله عليه وسلم عمارا وهو يبكي، فجعل يمسح عن عينيه ويقول: أخذك الكفار فغطوك في الماء، فقلت كذا وكذا، فإن عادوا فقل ذاك لهم.

قلت: حتى تكلم يعني بالكفر، فرخص له في ذلك لأنه مكره.

وقال المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن: أول من بنى مسجدا يصلى فيه عمار.

وقال ابن سعد: قالوا: وهاجر عمار إلى الحبشة الهجرة الثانية.

وقال فطر بن خليفة وغيره، عن كثير النواء، سمع عبد الله بن مليل قال: سمعت عليا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يكن نبي قط إلا وقد أعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة، وأبو بكر، وعمر، وعلي، وجعفر، وحسن، وحسين، وابن مسعود، وأبو ذر،

ص: 322

والمقداد، وحذيفة، وعمار، وبلال، وسلمان.

وقال أبو إسحاق السبيعي، عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: استأذن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: مرحبا بالطيب المطيب. صححه الترمذي.

وقال الأعمش، عن أبي عمار الهمداني، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمار ملئ إيمانا إلى مشاشه.

وقال عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد. حسنه الترمذي.

وقال ابن عون، عن الحسن، قال: قال عمرو بن العاص: كنا نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب رجلا، قالوا: من هو؟ قال: عمار بن ياسر، قالوا: فذاك قتيلكم يوم صفين، قال: قد والله قتلناه. رواه جرير بن حازم،

ص: 323

عن الحسن.

وقال سلمة بن كهيل، عن علقمة، عن خالد بن الوليد قال: كان بيني وبين عمار كلام، فأغلظت له، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من عادى عمارا عاداه الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله. رواه أحمد في مسنده، عن يزيد بن هارون، قال: حدثنا العوام عنه. وأخرجه النسائي - لكن له علة - وهو ما رواه عمرو بن مرزوق، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن الأشتر قال: كان بين عمار وخالد كلام، فذكر الحديث.

روى أبو ربيعة الإيادي، عن الحسن، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان. حسنه الترمذي.

وعن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دم عمار ولحمه حرام على النار.

وقال عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: أرأيت إن أدركت فتنة، قال: عليك بكتاب الله، قال: أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق. فيه انقطاع.

ص: 324

وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمار ما عرض عليه أمران إلا اختار أرشدهما. أخرجه النسائي والترمذي، وإسناده صحيح.

وقال أبو نعيم: حدثنا سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى، أن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أبو اليقظان على الفطرة، لن يدعها حتى يموت، أو يلبسه الهرم هذا منكر، وسعد ضعيف.

ويروى عن عائشة، وعن سعد: إن عمارا يموت على الفطرة إلا أن تدركه هفوة من كبر.

وقال علقمة: سمعت أبا الدرداء يقول: أليس فيكم صاحب السواك والوساد؟ يعني - ابن مسعود -، أليس فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيه من الشيطان - يعني عمارا -، أليس فيكم صاحب السر حذيفة. أخرجه البخاري.

ص: 325

وقال داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد، فجعل ينقل عمار لبنتين لبنتين، فترب رأسه، فحدثني أصحابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينفض رأسه ويقول: ويحك يا ابن سمية! تقتلك الفئة الباغية.

روى آخره شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: حدثني من هو خير مني أبو قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

وقال شعبة: أخبرني عمرو بن دينار، قال: سمعت أبا هشام يحدث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية.

وقال أحمد بن المقدام العجلي، عن عبد الله بن جعفر، حدثني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، نحوه.

وقال عبد العزيز الدراوردي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر عمار تقتلك الفئة الباغية. قال الترمذي: صحيح غريب من حديث العلاء.

وقال خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال لي ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد الخدري واسمعا من حديثه، فانطلقنا، فإذا هو في

ص: 326

حائط له، فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، فجعل عمار يقول: أعوذ بالله من الفتن. أخرجه البخاري.

وروى ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن زياد مولى عمرو بن العاص، عن مولاه، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتل عمارا الفئة الباغية. رواه شعبة عن عمرو بن دينار، فقال، عن رجل، عن عمرو بن العاص.

وقال الأعمش، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: إني لأسير مع معاوية منصرفه من صفين، بينه وبين عمرو، فقال عبد الله بن عمرو: يا أبه، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: ويحك يا ابن سمية! تقتلك الفئة الباغية؟ قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا؟! فقال: لا تزال تأتينا بهنة، ما نحن قتلناه، إنما قتله الذين جاءوا به.

ص: 327

وقال جماعة عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية.

وقال عبد الله بن طاووس، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، قال: لما قتل عمار دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص، فقال: قتل عمار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تقتله الفئة الباغية، فدخل عمرو بن العاص على معاوية، فقال: قتل عمار، قال معاوية: فماذا! قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. قال: دحضت في بولك أو نحن قتلناه، إنما قتله علي وأصحابه.

وعن عثمان بن عفان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تقتل عمارا الفئة الباغية. رواه أبو عوانة في مسنده.

وقال عبد الله بن أبي الهذيل وغيره، عن عمار، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقتلك الفئة الباغية. وله طرق عن عمار.

ويروى هذا الحديث عن ابن عباس، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي رافع، وابن أبي أوفى، وجابر بن سمرة، وأبي اليسر السلمي، وكعب بن مالك، وأنس، وجابر، وغيرهم، وهو متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال أحمد بن حنبل: في هذا غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قتلته الفئة الباغية.

ص: 328

وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب، فقال عمر: ادن، فما أحد أحق بهذا المجلس منك، إلا عمار.

وقال حارثة بن مضرب: قرئ علينا كتاب عمر: إني بعثت إليكم - يعني إلى الكوفة - عمار بن ياسر أميرا، وابن مسعود معلما ووزيرا، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، من أهل بدر، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، وقد آثرتكم بهما على نفسي.

وعن سالم بن أبي الجعد، أن عمر جعل عطاء عمار ستة آلاف.

وعن ابن عمر قال: رأيت عمارا يوم اليمامة على صخرة، وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون، أنا عمار بن ياسر، هلموا إلي، وأنا أنظر إلى أذنه وقد قطعت، فهي تذبذب، وهو يقاتل أشد القتال.

وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عمار بن ياسر اشترى قتا بدرهم، فاستزاد حبلا، فأبى، فجاذبه حتى قاسمه نصفين، وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة.

وقد روي أنهم قالوا لعمر: إن عمارا غير عالم بالسياسة، فعزله.

قال الشعبي: قال عمر لعمار: أساءك عزلنا إياك؟ قال: لئن قلت ذاك، لقد ساءني حين استعملتني، وساءني حين عزلتني.

وقال نوفل بن أبي عقرب: كان عمار قليل الكلام، طويل السكوت، وكان عامة أن يقول: عائذ بالرحمن من فتنة، عائذ بالرحمن من فتنة، قال: فعرضت له فتنة عظيمة. يعني مبالغته في القيام في أمر عثمان وبعده.

وعن ابن عمر قال: ما أعلم أحدا خرج في الفتنة يريد الله إلا عمار بن ياسر، وما أدري ما صنع.

وعن عمار أنه قال وهو يسير إلى صفين: اللهم لو أعلم أنه أرضى لك عني أن أرمي بنفسي من هذا الجبل لفعلت، وإني لا أقاتل إلا أريد وجهك.

وقال حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري قال: قال عمار يوم صفين: ائتوني بشربة لبن، قال: فشرب، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن

ص: 329

آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن، ثم تقدم فقاتل حتى قتل.

وقال سعد بن إبراهيم، عن رجل، سمع عمارا بصفين ينادي: أزفت الجنان، وزوجت الحور العين، اليوم نلقى حبيبنا صلى الله عليه وسلم.

وقال حماد بن سلمة: حدثنا أبو حفص، وكلثوم بن جبر، عن أبي غادية الجهني، قال: سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة، فتوعدته بالقتل، فلما كان يوم صفين جعل يحمل على الناس، فحملت عليه وطعنته في ركبته فوقع، فقتلته. تمام الحديث، فقيل: قتل عمار. وأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل عمار وسالبه في النار.

وقال أيوب، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاتل عمار وسالبه في النار.

وقال الواقدي وغيره: استلحمت الحرب بصفين، وكادوا يتفانون، فقال معاوية: هذا يوم تفانى فيه العرب إلا أن تدركهم خفة العبد، يعني عمارا، وكان القتال الشديد ثلاثة أيام ولياليهن آخرهن ليلة الهرير، فلما كان اليوم الثالث، قال عمار لهاشم بن عتبة ومعه اللواء: احمل فداك أبي وأمي، فقال هاشم: يا عمار إنك رجل تستخفك الحرب، وإني إنما أزحف باللواء رجاء أن أبلغ بذلك بعض ما أريد.

وقال قيس بن أبي حازم: قال عمار: ادفنوني في ثيابي، فإني رجل مخاصم.

ص: 330

قال أبو عاصم النبيل: توفي عن ثلاث وتسعين سنة. وكان لا يركب على سرج، وكان يركب راحتله من الكبر.

وفيها غزا الحارث بن مرة العبدي أرض الهند، إلى أن جاوز مكران، وبلاد قندابيل، ووغل في جبل القيقان، فآب بسبي وغنائم، فأخذوا عليه بمضيق فقتل هو وعامة من معه في سبيل الله تعالى.

‌قيس بن المكشوح أبو شداد المرادي

.

أحد شجعان العرب، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم باليمن ولم يره. وهو أحد من أعان على قتل الأسود العنسي، وشهد اليرموك، وأصيبت عينه يومئذ.

وقد ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فيما قيل، وقتل دادويه الأبناوي. ثم حمل عليه المهاجر بن أبي أمية فأوثقه، وبعث به إلى أبي بكر رضي الله عنه، فهم بقتله وقال: قتلت الرجل الصالح، فأنكر وحلف خمسين يمينا قسامة أنه ما قتله، فقال: يا خليفة رسول الله استبقني لحربك، فإن عندي بصرا بالحرب ومكيدة للعدو، فخلاه، ثم إنه كان من أعوان علي، وقتل يوم صفين رحمه الله تعالى.

‌هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري

، ابن أخي سعد، ويعرف بالمرقال.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تثبت له صحبة، وشهد اليرموك وأصيبت عينه يومئذ، وشهد فتح دمشق، وكان أحد الأشراف، وكانت معه راية علي يوم صفين فيما ذكر حبيب بن أبي ثابت. وقال: كان أعور فجعل علي يقول له: أقدم يا أعور، لا خير في أعور لا يأتي الفرج. فيستحي فيتقدم.

قال عمرو بن العاص: إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملا، لئن دام على ما أرى لتقتلن العرب اليوم، قال: فما زال أبو اليقظان حتى لف بينهم.

وعن الشعبي أن عليا صلى على عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، فجعل عمارا مما يليه، فلما قبرهما جعل عمارا أمام هاشم.

ص: 331

‌أبو فضالة الأنصاري

.

بدري، قتل مع علي يوم صفين. انفرد بهذا القول محمد بن راشد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وليسا بحجة.

ن:‌

‌ أبو عمرة الأنصاري

.

بشير بن عمرو بن محصن الخزرجي النجاري. وقيل اسم أبي عمرة: بشير، وقيل: ثعلبة، وقيل: عمرو.

بدري كبير. له رواية في النسائي.

روى عنه ابنه عبد الرحمن بن أبي عمرة، ومحمد ابن الحنفية. وقتل يوم صفين مع علي. قاله ابن سعد.

ص: 332

‌سنة ثمان وثلاثين

.

فيها وجه معاوية من الشام عبد الله بن الحضرمي في جيش إلى البصرة ليأخذها، وبها زياد ابن أبيه من جهة علي، فنزل ابن الحضرمي في بني تميم، وتحول زياد إلى الأزد، فنزل على صبرة بن شيمان الحداني، وكتب إلى علي فوجه علي أعين بن ضبيعة المجاشعي، فقتل أعين غيلة على فراشه. فندب علي جارية بن قدامة السعدي، فحاصر ابن الحضرمي في الدار التي هو فيها، ثم حرق عليه.

(أمر الخوارج)

.

وفي شعبان ثارت الخوارج وخرجوا على علي رضي الله عنه، وأنكروا عليه كونه حكم الحكمين، وقالوا: حكمت في دين الله الرجال، والله يقول:{إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ} وكفروه، واحتجوا بقوله:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} فناظرهم، ثم أرسل إليهم عبد الله بن عباس، فبين لهم فساد شبههم، وفسر لهم، واحتج بقوله تعالى:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} وبقوله {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} فرجع إلى الصواب منهم خلق، وسار الآخرون، فلقوا عبد الله بن خباب بن الأرت، ومعه امرأته فقالوا: من أنت؟ فانتسب لهم، فسألوه عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فأثنى عليهم كلهم، فذبحوه وقتلوا امرأته، وكانت حبلى، فبقروا بطنها، وكان من سادات أبناء الصحابة.

وفيها سارت الخوارج لحرب علي، فكانت بينهم وقعة النهروان، وكان على الخوارج عبد الله بن وهب السبئي، فهزمهم علي وقتل أكثرهم، وقتل ابن وهب. وقتل من أصحاب علي اثنا عشر رجلا.

وقيل في تسميتهم: الحرورية لأنهم خرجوا على علي من الكوفة، وعسكروا بقرية قريب من الكوفة يقال لها: حروراء، واستحل علي قتلهم

ص: 333

لما فعلوا بابن خباب وزوجته. وكانت الوقعة في شعبان سنة ثمان، وقيل: في صفر.

قال عكرمة بن عمار: حدثني أبو زميل أن ابن عباس قال: لما اجتمعت الخوارج في دارها، وهم ستة آلاف أو نحوها، قلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي ألقى هؤلاء، فإني أخافهم عليك، قال: كلا، قال: فلبس ابن عباس حلتين من أحسن الحلل، وكان جهيرا جميلا، قال: فأتيت القوم، فلما رأوني قالوا: مرحبا بابن عباس وما هذه الحلة؟ قلت: وما تنكرون من ذلك؟ لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من أحسن الحلل، قال: ثم تلوت عليهم: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} قالوا: فما جاء بك؟ قلت: جئتكم من عند أمير المؤمنين، ومن عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أرى فيكم أحدا منهم، ولأبلغنكم ما قالوا، ولأبلغنهم ما تقولون: فما تنقمون من ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره؟ فأقبل بعضهم على بعض، فقالوا: لا تكلموه فإن الله يقول: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} وقال بعضهم: ما يمنعنا من كلامه، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعونا إلى كتاب الله، قال: فقالوا: ننقم عليه ثلاث خلال: إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله، وما للرجال ولحكم الله، والثانية: أنه قاتل فلم يسب ولم يغنم، فإن كان قد حل قتالهم فقد حل سبيهم، وإلا فلا، والثالثة: محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير المشركين. قلت: هل غير هذا؟ قالوا: حسبنا هذا.

قلت: أرأيتم إن خرجت لكم من كتاب الله وسنة رسوله أراجعون أنتم؟ قالوا: وما يمنعنا، قلت: أما قولكم إنه حكم الرجال في أمر الله، فإني سمعت الله تعالى يقول في كتابه:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} وذلك في ثمن صيد أرنب أو نحوه قيمته ربع درهم فوض الله الحكم فيه إلى الرجال، ولو شاء أن يحكم لحكم. وقال:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ} الآية. أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. قلت: وأما قولكم: قاتل فلم يسب، فإنه قاتل أمكم، لأن الله يقول:

ص: 334

{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} فإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها أمكم فما حل سباؤها، فأنتم بين ضلالتين، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. قلت: وأما قولكم: إنه محا اسمه من أمير المؤمنين، فإني أنبئكم عن ذلك: أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية جرى الكتاب بينه وبين سهيل بن عمرو، فقال: يا علي اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال: اللهم إنك تعلم أني رسولك، ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده، ثم قال: يا علي اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، فوالله ما أخرجه ذلك من النبوة، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. قال: فرجع ثلثهم، وانصرف ثلثهم، وقتل سائرهم على ضلالة.

قال عوف: حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفترق أمتي فرقتين، تمرق بينهما مارقة تقتلهم، أولى الطائفتين بالحق. وكذا رواه قتادة وسليمان التيمي، عن أبي نضرة.

وقال ابن وهب: أخبرنا عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن عبيد الله بن أبي رافع، أن الحرورية لما خرجت على علي قالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء الذين يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم - وأشار إلى حلقه - من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي، فلما قاتلهم علي، قال: انظروا، فنظروا فلم يجدوا شيئا، قال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت، ثم وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه. قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم.

وقال يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن عبيد الله بن عياض، أن عبد الله

ص: 335

ابن شداد بن الهاد دخل على عائشة ونحن عندها ليالي قتل علي، فقالت: حدثني عن هؤلاء الذين قاتلهم علي، قال: إن عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس - يعني عبادهم - فنزلوا بأرض حروراء من جانب الكوفة وقالوا: انسلخت من قميص ألبسك الله وحكمت في دين الله الرجال، ولا حكم إلا لله. فلما بلغ عليا ما عتبوا عليه، جمع أهل القرآن، ثم دعا بالمصحف إماما عظيما، فوضع بين يديه، فطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف حدث الناس، فناداه الناس، ما تسأل؟ إنما هو مداد وورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟ فقال: أصحابكم الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله تعالى: يقول في كتابه: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} فأمة محمد أعظم حقا وحرمة من رجل وامرأة، وذكر الحديث شبه ما تقدم، قال: فرجع منهم أربعة آلاف، فيهم ابن الكواء، ومضى الآخرون، قالت عائشة فلم قتلهم؟ قال: قطعوا السبيل، واستحلوا أهل الذمة، وسفكوا الدم.

و‌

‌ فيها توفي:

ن:‌

‌ الأشتر النخعي

، واسمه مالك بن الحارث.

شريف كبير القدر في النخع، روى عن عمر، وخالد بن الوليد. وشهد اليرموك، وقلعت عينه يومئذ. وكان ممن ألب على عثمان، وسار إليه وأبلى شرا. وكان خطيبا بليغا فارسا. حضر صفين وتميز يومئذ، وكاد أن يظهر على معاوية، فحمل عليه أصحاب علي لما رأوا المصاحف على الأسنة، فوبخهم الأشتر، وما أمكنه مخالفة علي، وكف بقومه عن القتال.

قال عبد الله بن سلمة المرادي: نظر عمر بن الخطاب إلى الأشتر، وأنا عنده فصعد فيه عمر النظر، ثم صوبه، ثم قال: إن للمسلمين من هذا يوما عصيبا. ثم إن عليا لما انصرف من صفين أو بعدها، بعث الأشتر على مصر، فمات في الطريق مسموما، وكان علي يتبرم به ويكرهه، لأنه كان صعب المراس، فلما بلغه موته قال: للمنخرين والفم.

ص: 336

وقيل: إن عبدا لعثمان لقيه فسم له عسلا وسقاه، فبلغ عمرو بن العاص فقال: إن لله جنودا من عسل.

وقال عوانة بن الحكم وغيره: لما جاء نعي الأشتر إلى علي رضي الله عنه قال: إنا لله، مالك وما مالك وكل هالك، وهل موجود مثل ذلك، لو كان من حديد لكان قيدا، أو كان من حجر لكان صلدا، على مثل مالك فلتبك البواكي.

ع:‌

‌ سهل بن حنيف بن واهب بن عكيم الأنصاري الأوسي

، والد أبي أمامة، وأخو عثمان.

شهد بدرا والمشاهد، وله رواية.

روى عنه ابناه أبو أمامة، وعبد الله، وأبو وائل، وعبيد بن السباق، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ويسير بن عمرو.

وقال ابن سعد: قالوا: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سهل بن حنيف، وعلي بن أبي طالب. وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبايعه على الموت، وجعل ينضح يومئذ بالنبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نبلوا سهلا فإنه سهل.

وقال الزهري لم يعط رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير أحدا من الأنصار، إلا سهل بن حنيف، وأبا دجانة. وكانا فقيرين.

وقال أبو وائل: قال سهل بن حنيف يوم صفين: أيها الناس اتهموا رأيكم، فإنا والله ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر يفظعنا إلا أسهل بنا إلى أمر نعرفه، إلا أمرنا هذا.

وعن أبي أمامة قال: مات أبي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه علي رضي الله عنه.

وقال الشعبي، عن عبد الله بن معقل قال: صليت مع علي على سهل، فكبر عليه ستا.

وروى نحوه عن حنش بن المعتمر، وزاد: فكأن بعضهم أنكر ذاك،

ص: 337

فقال علي: إنه رضي الله عنه.

‌صفوان ابن بيضاء

وهي أمه، وأبوه وهب بن ربيعة بن هلال القرشي الفهري، أبو عمرو، أخو سهل وسهيل.

قال ابن سعد: قالوا: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صفوان ورافع بن المعلى. وقتلا يوم بدر.

قال الواقدي: قد روي لنا أن صفوان ابن بيضاء لم يقتل يوم بدر، وأنه شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفي في رمضان سنة ثمان وثلاثين، والله أعلم.

ع:‌

‌ صهيب بن سنان الرومي

، لأن الروم سبته من نينوى بالموصل، وهو من النمر بن قاسط.

كان أبوه أو عمه عاملا بنينوى لكسرى، ثم إنه جلب إلى مكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي، وقيل: بل هرب من الروم فقدم مكة، وحالف ابن جدعان.

كان صهيب من السابقين الأولين، شهد بدرا والمشاهد.

روى عنه من أولاده: حبيب، وزياد، وحمزة، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وكعب الأحبار، وغيرهم.

وكنيته أبو يحيى، توفي بالمدينة في شوال، ونشأ صهيب بالروم، فبقيت فيه عجمة، وكان رجلا أحمر شديد الحمرة ليس بالطويل ولا بالقصير، وكان كثير شعر الرأس، ويخضب بالحناء.

صح من مراسيل الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صهيب سابق الروم.

ص: 338

وورد أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كناه أبا يحيى.

وعن صيفي بن صهيب قال: إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه.

وقال منصور، عن مجاهد قال: أول من أظهر الإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب.

وعن عمر بن الحكم قال: كان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول.

وقال عوف الأعرابي، عن أبي عثمان النهدي إن صهيبا حين أراد الهجرة إلى المدينة، قال له أهل مكة: أتيتنا صعلوكا حقيرا فتنطلق بنفسك ومالك، والله لا يكون هذا أبدا، قال: أرأيتم إن تركت مالي، أمخلون أنتم سبيلي؟ قالوا: نعم، فترك لهم ماله أجمع، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ربح صهيب، ربح صهيب.

وروى أنهم أدركوه، وقد سار عن مكة، فأطلق لهم ماله، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعد بقباء، قال: فلما رآني قال: ربح البيع أبا يحيى قالها ثلاثا، فقلت: يا رسول الله ما أخبرك إلا جبريل.

وعن محمد بن إبراهيم التيمي قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صهيب والحارث بن الصمة.

وقد ذكرنا أن صهيبا استخلفه عمر على الصلاة، حتى يتفق أهل الشورى على خليفة، وأنه الذي صلى على عمر.

ص: 339

وقال الواقدي: كان صهيب أحمر، شديد الصهبة، تحتها حمرة، وعاش سبعين سنة.

وقال المدائني: عاش ثلاثا وسبعين سنة.

س ق:‌

‌ محمد بن أبي بكر الصديق

خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيره ومؤنسه في الغار، وصديق الأمة أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشي التيمي المدني.

الذي ولدته أسماء بنت عميس في حجة الوداع، وكان أحد الرؤوس الذين ساروا إلى حصار عثمان كما قدمنا، ثم انضم إلى علي، فكان من أعيان أمرائه، فبعثه على إمارة مصر في رمضان سنة سبع وثلاثين، وجمع له صلاتها وخراجها، فسار إليها في جيش من العراق.

وسير معاوية من الشام معاوية بن حديج على مصر أيضا، وعلى حرب محمد. فالتقى الجمعان، فكسره ابن حديج، وانهزم عسكر محمد، واختفى هو بمصر في بيت امرأة، فدلت عليه فقال: احفظوني لأبي بكر، فقال معاوية بن حديج: قتلت ثمانين رجلا من قومي في دم عثمان، وأتركك وأنت صاحبه، فقتله ثم جعله في بطن حمار وأحرقه.

وقال عمرو بن دينار: أتي عمرو بن العاص بمحمد بن أبي بكر أسيرا، فقال: هل معك عقد من أحد؟ قال: لا. فأمر به فقتل.

روى محمد عن أبيه مرسلا. وعنه ابنه القاسم بن محمد، ولم يسمع منه.

‌محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشي العبشمي

أبو القاسم.

كان أبوه من السابقين إلى الإسلام، وهاجر إلى الحبشة فولد له هذا بها. واستشهد يوم اليمامة، فنشأ محمد في حجر عثمان، ثم إنه غضب على عثمان لكونه لم يستعمله أو لغير ذلك، فصار إلبا على عثمان. فلما

ص: 340

وفد أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى عثمان، وكان محمد بمصر، فتوثب على مصر، وأخرج عنها نائب ابن أبي سرح عقبة بن مالك وخلع عثمان واستولى على مصر، فلم يتم أمره، وكان يسمى مشؤوم قريش.

وقيل: إنه كان مع علي، فسيره على مصر، فقتلته شيعة عثمان بفلسطين. وقيل: قتلوه سنة ست وثلاثين، وقيل بعدها.

‌أبو قتادة الأنصاري

فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فارس شجاع، له شأن مذكور في سنة أربع وخمسين.

وأما أهل الكوفة فيقولون: توفي بالكوفة، وصلى عليه علي رضي الله عنهما.

قال غسان بن الربيع: توفي سنة ثمان وثلاثين.

ص: 341

‌سنة تسع وثلاثين

.

فيها كانت وقعة الخوارج بحروراء بالنخيلة، قاتلهم علي رضي الله عنه فكسرهم، وقتل رؤوسهم وسجد شكرا لله تعالى لما أتي بالمخدج إليه مقتولا، وكان رؤوس الخوارج زيد بن حصن الطائي، وشريح بن أوفى العبسي، وكانا على المجنبتين، وكان رأسهم عبد الله بن وهب السبئي، وكان على رجالتهم حرقوص بن زهير.

وفيها بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ليقيم الحج، فنازعه قثم بن العباس ومانعه، وكان من جهة علي، فتوسط بينهما أبو سعيد الخدري وغيره، فاصطلحا، على أن يقيم الموسم شيبة بن عثمان العبدري حاجب الكعبة.

وقيل توفي فيها أم المؤمنين، ميمونة، وحسان بن ثابت الأنصاري، وسيأتيان.

وكان علي قد تجهز يريد معاوية، فرد من عانات، واشتغل بحرب الخوارج الحرورية، وهم العباد والقراء من أصحاب علي الذين مرقوا من الإسلام، وأوقعهم الغلو في الدين إلى تكفير العصاة بالذنوب، وإلى قتل النساء والرجال، إلا من اعترف لهم بالكفر وجدد إسلامه.

ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، سمع محمد ابن الحنفية يقول: كان أبي يريد الشام، فجعل يعقد لواءه، ثم يحلف لا يحله حتى يسير، فيأبى عليه الناس، وينتشر عليه رأيهم، ويجبنون فيحله ويكفر عن يمينه، فعل ذلك أربع مرات، وكنت أرى حالهم فأرى ما لا يسرني. فكلمت المسور بن مخرمة يومئذ، وقلت: ألا تكلمه أين يسير بقوم لا والله ما أرى عندهم طائلا. قال: يا أبا القاسم يسير الأمر قد حم، قد كلمته فرأيته يأبى إلا المسير. قال ابن الحنفية: فلما رأى منهم ما رأى قال: اللهم إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، فأبدلني خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني.

ص: 342

سنة أربعين.

فيها بعث معاوية إلى اليمن بسر بن أبي أرطاة القرشي العامري في جنود، فتنحى عنها عامل علي عبيد الله بن عباس، وبلغ عليا فجهز إلى اليمن جارية بن قدامة السعدي، فوثب بسر على ولدي عبيد الله بن عباس صبيين، فذبحهما بالسكين وهرب، ثم رجع عبيد الله على اليمن.

قال ابن سعد: قالوا انتدب ثلاثة من الخوارج، وهم: عبد الرحمن بن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، فاجتمعوا بمكة، فتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ويريحوا العباد منهم. فقال ابن ملجم: أنا لعلي، وقال البرك: أنا لكم لمعاوية، وقال الآخر: أنا أكفيكم عمرا. فتواثقوا أن لا ينكصوا، واتعدوا بينهم أن يقع ذلك ليلة سبع عشرة من رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى بلد بها صاحبه، فقدم ابن ملجم الكوفة، فاجتمع بأصحابه من الخوارج، فأسر إليهم، وكان يزورهم ويزورونه. فرأى قطام بنت شجنة من بني تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النهروان، فأعجبته، فقالت: لا أتزوجك حتى تعطيني ثلاثة آلاف درهم، وتقتل عليا، فقال: لك ذلك، ولقي شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه. وبقي ابن ملجم في الليلة التي عزم فيها على قتل علي يناجي الأشعث بن قيس في مسجده حتى كاد يطلع الفجر، فقال له الأشعث: فضحك الصبح، فقام هو وشبيب، فأخذا أسيافهما، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فذكر مقتل علي رضي الله عنه، فلما قتل أخذوا عبد الرحمن بن ملجم، وعذبوه وقتلوه.

وقال حجاج بن أبي منيع: حدثنا جدي، عن الزهري، عن أنس،

ص: 343

قال: تعاهد ثلاثة من أهل العراق على قتل معاوية، وعمرو بن العاص، وحبيب بن مسلمة، وأقبلوا بعد ما بويع معاوية.

‌من توفي فيها:

ع:‌

‌ الأشعث بن قيس أبو محمد الكندي

نزيل الكوفة.

له صحبة ورواية، وقد ارتد أيام الردة، فحوصر وأخذ بالأمان له ولسبعين من قومه، وقيل: لم يأخذ لنفسه أمانا، فأتي به أبو بكر، فقال أبو بكر: إنا قاتلوك لا أمان لك. فقال: أتمن علي وأسلم؟ قال: نعم. فمن عليه وزوجه بأخته فروة بنت أبي قحافة. وكان سيد كندة، وأصيبت عينه يوم اليرموك.

روى عنه قيس بن أبي حازم، وأبو وائل، وجماعة. وكان على ميمنة علي يوم صفين. وقد استعمله معاوية على أذربيجان. وكان سيدا جوادا. وهو أول من مشت الرجال في خدمته وهو راكب، وتوفي بعد علي بأربعين ليلة، وصلى عليه الحسن رضي الله عنه.

م 4:‌

‌ تميم بن أوس بن خارجة

بن سود بن جذيمة، أبو رقية اللخمي الدراي.

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف في نسبه إلى الدار بن هانئ أحد بني لخم، ولخم من يعرب بن قحطان.

وفد تميم الداري سنة تسع فأسلم، وحدث النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر بقصة الجساسة في أمر الدجال عن تميم الداري.

ولتميم عدة أحاديث، روى عنه أنس، وابن عباس، وكثير بن مرة،

ص: 344

وعطاء بن يزيد الليثي، وعبد الله بن موهب، وزرارة بن أوفى، وشهر بن حوشب، وطائفة.

قال ابن سعد: لم يزل بالمدينة حتى تحول بعد قتل عثمان إلى الشام رضي الله عنه.

وقال البخاري: هو أخو أبي هند الداري.

وروى ابن سعد بإسنادين أن وفد الداريين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك، وهم عشرة، فيهم تميم.

وقال ابن جريج: قال عكرمة: لما أسلم تميم قال: يا رسول الله، إن الله مظهرك على الأرض كلها، فهب لي قريتي من بيت لحم، قال: هي لك وكتب له بها، قال: ثم جاء تميم بالكتاب إلى عمر فقال: أنا شاهد ذلك، وأعطاه إياه.

وذكر الليث بن سعد، أن عمر قال لتميم: ليس لك أن تبيع، فهي في أيدي أهل بيته إلى اليوم.

وقال الواقدي: ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالشام قطيعة غير حبرى وبيت عينون، أقطعهما تميما الداري وأخاه نعيما.

وفي البخاري من حديث ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بدا، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وجدوا الجام بمكة، فقيل: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء

ص: 345

السهمي، فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأن الجام لصاحبهم.

وفيهم نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}

وقال قتادة في قوله: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قال: سلمان، وابن سلام، وتميم الداري.

وقال قرة بن خالد، عن ابن سيرين: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي، وعثمان، وزيد، وتميم الداري.

أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب قال: كان تميم الداري يختم القرآن في سبع.

وقال عاصم بن سليمان، عن ابن سيرين: إن تميما الداري كان يقرأ القرآن في ركعة.

وقال عمرو بن مرة، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيكم تميم الداري، صلى ليلة حتى أصبح أو كاد يقرأ آية يرددها ويبكي:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} الآية.

وقال أبو نباتة يونس بن يحيى، عن المنكدر بن محمد، عن أبيه، أن تميما الداري نام ليلة لم يقم بتهجد، فقام سنة لم ينم فيها، عقوبة للذي صنع.

الجريري، عن أبي العلاء، عن رجل قال: أتيت تميما الداري فتحدثنا حتى استأنست إليه، فقلت: كم جزؤك؟ قال: لعلك من الذين يقرأ أحدهم القرآن ثم يصبح فيقول: قد قرأت القرآن في هذه الليلة، فوالذي نفسي بيده لأن أصلي ثلاث ركعات نافلة أحب إلي من أن أقرأ في ليلة، ثم أصبح فأقول: قرأت القرآن الليلة، فلما أغضبني قلت: والله إنكم معاشر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بقي منكم لجدير أن تسكتوا، فلا تعلموا وأن تعنفوا من سألكم، فلما رآني قد غضبت لان وقال: ألا أحدثك يا ابن أخي، أرأيت إن كنت أنا مؤمنا قويا، وأنت مؤمن ضعيف، فتحمل قوتي على ضعفك، فلا تستطيع فتنبت، أو رأيت إن كنت مؤمنا قويا وأنا مؤمن ضعيف، أتيتك بنشاطي حتى أحمل قوتك على ضعفي، فلا أستطيع، ولكن خذ من نفسك

ص: 346

لدينك، ومن دينك لنفسك، حتى يستقيم بك الأمر على عبادة تطيقها. رواه ابن المبارك في كتاب الزهد، عن الجريري.

وروى حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن معاوية بن حرمل قال: قدمت المدينة فلبثت في المسجد ثلاثا لا أطعم، فأتيت عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين تائب من قبل أن يقدر علي، قال: من أنت؟ قلت: معاوية بن حرمل، قال: اذهب إلى خير المؤمنين فانزل عليه.

قال: وكان تميم الداري إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وشماله، فأخذ رجلين فذهب بهما، فصليت إلى جنبه، فأخذني، فأتينا بطعام، فأكلت أكلا شديدا، وما شبعت من شدة الجوع. فبينا نحن ذات ليلة إذ خرجت نار بالحرة، فجاء عمر إلى تميم فقال: قم إلى هذه النار. فقال: يا أمير المؤمنين، ومن أنا، وما أنا، فلم يزل به حتى قام معه، وتبعتهما، فانطلق إلى النار، فجعل تميم يحوشها بيده، حتى دخلت الشعب، ودخل تميم خلفها، فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير، قالها ثلاثا. رواه عفان عنه. ومعاوية هذا لا يعرف.

قتادة، عن ابن سيرين، أن تميما الداري اشترى رداء بألف درهم يخرج فيه إلى الصلاة.

الأصح همام، عن قتادة، عن أنس، فذكره، وقال حماد بن سلمة، عن ثابت: أن تميما الداري اشترى حلة بألف، كان يلبسها في الليلة التي ترى فيها ليلة القدر.

الزبيدي، عن الزهري، عن السائب بن يزيد قال: أول من قص تميم الداري، استأذن عمر فأذن له فقص قائما.

وعن سهيل بن مالك، عن أبيه، أن تميما استأذن عمر في القصص فأذن له، ثم مر به بعد فضربه بالدرة، ثم قال له: بكرة وعشية!.

عبد الله بن نافع، عن أسامة، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، أن تميما استأذن عمر في القصص سنين، ويأبى عليه. فلما أكثر عليه قال: ما تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير، وأنهاهم عن

ص: 347

الشر، قال عمر: ذلك الذبح، ثم قال: عظ قبل أن أخرج للجمعة، فكان يفعل ذلك، فلما كان عثمان استزاده فزاده يوما آخر.

وقال عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، أن تميما الداري استأذن عمر في القصص، فقال له: على مثل الذبح، قال: إني أرجو العاقبة، فأذن له.

وقال خالد بن عبد الله، عن بيان، عن وبرة قال: رأى عمر تميما الداري يصلي بعد العصر، فضربه بدرته على رأسه، فقال له تميم: يا عمر تضربني على صلاة صليتها مع رسول الله! قال: يا تميم ليس كل الناس يعلم ما تعلم.

خالد بن إياس، وهو واه، عن يحيى بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري قال: أول من أسرج المساجد تميم الداري. أخرجه ابن ماجه.

قيل: وجد على نصيبة قبر تميم أنه مات سنة أربعين رضي الله عنه.

‌الحارث بن خزمة بن عدي أبو بشير الأنصاري الأشهلي

.

شهد بدرا والمشاهد كلها، وهو من حلفاء بني عبد الأشهل، توفي بالمدينة سنة أربعين وله سبع وستون سنة.

وخزمة: بفتحتين، قيدة ابن ماكولا.

د ت ق:‌

‌ خارجة بن حذافة بن غانم

.

قال ابن ماكولا: له صحبة، وشهد فتح مصر، وكان أمير ربع المدد الذين أمد بهم عمر بن الخطاب عمرو بن العاص، وكان على شرطة مصر في خلافة عمر، وفي خلافة معاوية، قتله عمرو بن بكير الخارجي بمصر، وهو يعتقد أنه عمرو بن العاص.

ص: 348

روى عنه عبد الله بن أبي مرة حديثا.

م:‌

‌ خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري

.

شهد بدرا والمشاهد بعدها.

فائدة: لم يشهد خوات بن جبير بدرا. قال عبد الرحمن بن أبي ليلى وغيره: أصابه في ساقه حجر بالصفراء، فرجع فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه.

يونس بن محمد: أخبرنا فليح بن سليمان، عن ضمرة بن سعيد، عن قيس بن أبي حذيفة، عن خوات بن جبير قال: خرجنا حجاجا مع عمر، فسرنا في ركب، فيهم أبو عبيدة، وعبد الرحمن بن عوف، فقال القوم: غننا فقال عمر: دعوا أبا عبد الله فليغن من شعره، فما زلت أغنيهم حتى كان السحر، فقال عمر: ارفع لسانك يا خوات، فقد أسحرنا.

وكان أحد الأبطال المشهورين. له أحاديث.

روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعطاء بن يسار، وابنه صالح بن خوات، وبسر بن سعيد.

روى له البخاري في كتاب الأدب، خارج الصحيح.

وقيل: هو صاحب ذات النحيين.

قال زيد بن أسلم: قال خوات: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، فإذا بنسوة يتحدثن، فأعجبنني، فرجعت، فأخرجت حلة لي فلبستها، وجئت فجلست معهن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته فقال: أبا عبد الله ما يجلسك معهن؟ وذكر الحديث.

ص: 349

توفي خوات بن جبير بن النعمان سنة أربعين. وقيل: سنة اثنتين وأربعين، بعد أن كف بصره.

روى له البخاري في الأدب موقوفا: النوم أول النهار خرق، وأوسطه خلق، وآخره حمق.

م 4:‌

‌ شرحبيل بن السمط بن الأسود الكندي

، أبو يزيد، ويقال: أبو السمط.

له صحبة ورواية. وروى أيضا عن عمر، وسلمان الفارسي. وعنه جبير بن نفير، وكثير بن مرة، وجماعة.

قال البخاري: كان على حمص، وهو الذي افتتحها. وكان فارسا بطلا شجاعا، قيل: إنه شهد القادسية. وكان قد غلب الأشعث بن قيس على شرف كندة. واستقدمه معاوية قبل صفين يستشيره.

وقد قال الشعبي: إن عمر استعمل شرحبيل بن السمط على المدائن، واستعمل أباه بالشام، فكتب إلى عمر: إنك تأمر أن لا يفرق بين السبايا وأولادهن، فإنك قد فرقت بيني وبين ابني، قال: فألحقه بابنه.

قال يزيد بن عبد ربه الحمصي: توفي شرحبيل سنة أربعين.

ع:‌

‌ علي بن أبي طالب

- عبد مناف - بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. أمير المؤمنين، أبو الحسن القرشي الهاشمي.

وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي بنت عم أبي طالب، كانت من المهاجرات، توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

قال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي: قلت لأمي اكفي

ص: 350

فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك هي الطحن والعجن، وهذا يدل على أنها توفيت بالمدينة.

روى الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه القرآن وأقرأه.

عرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الأسود الدؤلي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.

وروى عن علي: أبو بكر، وعمر، وبنوه: الحسن، والحسين، ومحمد، وعمر، وابن عمه ابن عباس، وابن الزبير، وطائفة من الصحابة، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس، وعبيدة السلماني، ومسروق، وأبو رجاء العطاردي، وخلق كثير.

وكان من السابقين الأولين، شهد بدرا وما بعدها، وكان يكنى أبا تراب أيضا.

قال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل: إن رجلا من آل مروان استعمل على المدينة، فدعاني وأمرني أن أشتم عليا فأبيت، فقال: أما إذا أبيت فالعن أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه منه، إن كان ليفرح إذا دعي به. فقال له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب؟ فقال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليا في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ فقالت: قد كان بيني وبينه شيء فغاظني، فخرج ولم يقل عندي، فقال لإنسان: اذهب انظر أين هو. فجاء فقال: يا رسول الله هو راقد في المسجد، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه، فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عنه التراب ويقول: قم أبا تراب قم أبا تراب. أخرجه مسلم.

وقال أبو رجاء العطاردي: رأيت عليا شيخا أصلع، كثير الشعر، كأنما اجتاب إهاب شاة، ربعة عظيم البطن، عظيم اللحية.

ص: 351

وقال سوادة بن حنظلة: رأيت عليا أصفر اللحية. وعن محمد ابن الحنفية قال: اختضب علي بالحناء مرة ثم تركه.

وعن الشعبي قال: رأيت عليا ورأسه ولحيته بيضاء، كأنهما قطن.

وقال الشعبي: رأيت عليا أبيض اللحية، ما رأيت أعظم لحية منه، وفي رأسه زغيبات.

وقال أبو إسحاق: رأيته يخطب، وعليه إزار ورداء، أنزع، ضخم البطن، أبيض الرأس واللحية.

وعن أبي جعفر الباقر قال: كان علي آدم، شديد الأدمة، ثقيل العينين، عظيمهما، وهو إلى القصر أقرب.

قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان.

وقال الحسن بن زيد بن الحسن: أسلم وهو ابن تسع.

وقال المغيرة: أسلم وله أربع عشرة سنة. رواه جرير عنه.

وثبت عن ابن عباس، قال: أول من أسلم علي.

وعن محمد القرظي قال: أول من أسلم خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر، وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام، وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه، حتى لقيه أبو طالب فقال: أسلمت؟ قال: نعم، قال وازر ابن عمك وانصره، وأسلم علي قبل أبي بكر.

ص: 352

وقال قتادة: إن عليا كان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وفي كل مشهد.

وقال أبو هريرة وغيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويفتح الله على يديه. قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ، قال: فدعا عليا فدفعها إليه، وذكر الحديث، كما تقدم في غزوة خيبر بطرقه.

وقال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبد الله بن أبي ليلى قال: كان أبي يسمر مع علي، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلت لأبي: لو سألته فسأله، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول الله إني أرمد، فتفل في عيني، وقال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد، فما وجدت حرا ولا بردا منذ يومئذ.

وقال جرير، عن مغيرة، عن أم موسى: سمعت عليا يقول: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهي وتفل في عيني.

وقال المطلب بن زياد، عن ليث، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله، أن عليا حمل الباب على ظهره يوم خيبر، حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها يعني خيبر، وأنهم جروه بعد ذلك، فلم يحمله إلا أربعون رجلا.

ص: 353

تفرد به إسماعيل ابن بنت السدي، عن المطلب.

وقال ابن إسحاق في المغازي: حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته، فلما دنا من الحصن، خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود، فطرح ترسه من يده، فتناول علي بابا عند الحصن، فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتى فتح الله علينا، ثم ألقاه، فلقد رأيتنا ثمانية نفر، نجهد أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه.

وقال غندر: حدثنا عوف، عن ميمون أبي عبد الله، عن البراء، وزيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت مني كهارون من موسى، غير أنك لست بنبي. ميمون صدوق.

وقال بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: أمر معاوية سعدا فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وخلف عليا في بعض مغازيه، فقال: يا رسول الله، أتخلفني مع النساء والصبيان!؟ قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. أخرجه الترمذي، وقال: صحيح غريب.

وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله

ص: 354

ورسوله ويحبه الله ورسوله، فدفعها إليه، ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة، وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي. بكير احتج به مسلم.

وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثنا إبراهيم بن مهاجر بن مسمار، عن أبيه، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: أما والله أشهد لقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم غدير خم، وأخذ بضبعيه: أيها الناس من مولاكم؟ قالوا: الله ورسوله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه

الحديث.

إبراهيم هذا، قال النسائي: ضعيف.

ويروى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة: قد زوجتك أعظمهم حلما، وأقدمهم سلما، وأكثرهم علما، وروى نحوه جابر الجعفي - وهو متروك - عن ابن بريدة عن أبيه.

وقال الأجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بريدة لا تقعن في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.

وقال الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت وليه فعلي وليه.

وقال غندر: حدثنا شعبة، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. هذا حديث صحيح.

ص: 355

وقال أبو الجواب: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنبتين على إحداهما علي، وعلى الآخرة خالد بن الوليد، وقال: إذا كان قتال فعلي على الناس، فافتتح علي حصنا، فأخذ جارية لنفسه، فكتب خالد في ذلك، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب قال: ما تقول في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله؟ قلت: أعوذ بالله من غضب الله.

أبو الجواب ثقة، أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن.

قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق، أخبركم الفتح بن عبد الله بن محمد. (ح)، وأخبرنا يحيى بن أبي منصور، وجماعة إجازة قالوا: أخبرنا أبو الفتوح محمد بن علي ابن الجلاجلي؛ قالا: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسين الحاسب، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور، قال: حدثنا عيسى بن علي بن الجراح إملاء سنة تسع وثمانين وثلاث مائة، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد، قال: حدثنا سويد بن سعيد، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو هو. رواه ابن ماجه عن سويد، ورواه الترمذي، عن إسماعيل بن موسى، عن شريك، وقال: صحيح غريب. ورواه يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن جده. أخرجه النسائي في الخصائص.

وقال جعفر بن سليمان الضبعي: حدثنا يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، واستعمل عليهم عليا، وكان المسلمون إذا قدموا من سفر أو غزو، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 356

قبل أن يأتوا رحالهم، فأخبروه بمسيرهم، فأصاب علي جارية، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنخبرنه، قال: فقدمت السرية فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بمسيرهم، فقام إليه أحد الأربعة فقال: يا رسول الله قد أصاب علي جارية، فأعرض عنه، ثم قام الثاني فقال: صنع كذا وكذا، فأعرض عنه، ثم الثالث كذلك، ثم الرابع، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مغضبا فقال: ما تريدون من علي، علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. أخرجه أحمد في المسند والترمذي، وحسنه، والنسائي.

وقالت زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيد قال: اشتكى الناس عليا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا، فقال: لا تشكوا عليا، فوالله إنه لأخشن في ذات الله - أو في سبيل الله. رواه سعد بن إسحاق، وابن عمه سليمان بن محمد ابنا كعب، عن عمتهما.

ويروى عن عمرو بن شاس الأسلمي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من آذى عليا فقد آذاني.

وقال فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل قال: جمع علي رضي الله عنه الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟. قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من

ص: 357

والاه، وعاد من عاداه ثم قال لي زيد بن أرقم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.

قال شعبة، عن سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة - أو زيد بن أرقم، شك شعبة - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. حسنه الترمذي، ولم يصححه لأن شعبة رواه عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم نحوه، والظاهر أنه عند شعبة من طريقين، والأول رواه بندار، عن غندر، عنه.

وقال كامل أبو العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وروى نحوه يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أنه سمع عليا ينشد الناس في الرحبة. وروى نحوه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه، من حديث سماك بن عبيد، عن ابن أبي ليلى، وله طرق أخرى ساقها الحافظ ابن عساكر في ترجمة علي يصدق بعضها بعضا.

وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، وأبي هارون، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فلما أتينا على غدير خم كسح لرسول صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، ونودي في الناس: الصلاة جامعة، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فأخذ بيده، وأقامه عن يمينه، فقال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، فقال: فإن هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر بن الخطاب،

ص: 358

فقال: هنيئا لك يا علي، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن علي بن زيد.

وقال عبيد الله بن موسى، وغيره، عن عيسى بن عمر القارئ، عن السدي قال: حدثنا أنس بن مالك، قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيار، فقسمها، وترك طيرا فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك فجاء علي، وذكر حديث الطير. وله طرق كثيرة عن أنس متكلم فيها، وبعضها على شرط السنن، من أجودها حديث قطن بن نسير شيخ مسلم، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا عبد الله بن المثنى، عن عبد الله بن أنس بن مالك، عن أنس قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل مشوي فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي. وذكر الحديث.

وقال جعفر الأحمر، عن عبد الله بن عطاء، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، ومن الرجال علي. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.

وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة، فقالت لي: أيسب فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم! قلت: معاذ الله قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سب عليا فقد سبني. رواه أحمد في مسنده.

وقال الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر، عن علي قال: إنه لعهد

ص: 359

النبي صلى الله عليه وسلم إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. أخرجه مسلم، والترمذي وصححه.

وقال أبو صالح السمان، وغيره، عن أبي سعيد قال: إن كنا لنعرف المنافقين ببغضهم عليا.

وقال أبو الزبير، عن جابر قال: ما كنا نعرف منافقي هذه الأمة إلا ببغضهم عليا.

قال المختار بن نافع - أحد الضعفاء - حدثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه، عن علي قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالا. رحم الله عمر، يقول الحق، وإن كان مرا، تركه الحق وما له من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. رحم الله عليا، اللهم أدر الحق معه حيث دار. أخرجه الترمذي، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن الحارث، عن علي قال: يهلك في رجلان، مبغض مفتر، ومحب مطر.

وقال يحيى الحماني: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن عائشة قالت: كنت قاعدة مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل علي فقال: يا عائشة هذا سيد العرب قلت: يا رسول الله، ألست سيد العرب؟ قال: أنا سيد ولد آدم، وهذا سيد العرب. وروي من وجهين مثله، عن

ص: 360

عائشة. وهو غريب.

وقال أبو الجحاف، عن جميع بن عمير التيمي قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فسئلت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال، فقالت: زوجها، وإن كان ما علمت صواما قواما. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.

قلت: جميع كذبه غير واحد.

وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نخيل امرأة من الأنصار، فقال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع أبو بكر، فبشرناه، ثم قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع عمر، فبشرناه، ثم قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة وجعل ينظر من النخل ويقول: اللهم إن شئت جعلته عليا. فطلع علي رضي الله عنه. حديث حسن.

وعن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد وعليه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. وذكر بقية العشرة.

وقال محمد بن كعب القرظي: قال علي: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقة مالي لتبلغ اليوم أربعين ألفا. رواه شريك، عن عاصم بن كليب، عنه. أخرجه أحمد في مسنده.

وعن الشعبي قال: قال علي: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على

ص: 361

ناحية، وتعجن فاطمة على ناحيته، يعني: ننام على وجهٍ، وتعجن على وجه.

وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأنا حديث السن، ليس لي علم بالقضاء، فضرب صدري وقال: اذهب فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك قال: فما شككت في قضاءٍ بين اثنين بعد.

وقال الأعمش عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: خطبنا علي فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، وفيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات، فقد كذب.

وعن سليمان الأحمسي، عن أبيه قال: قال علي: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت، وعلى من نزلت، وإن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا ناطقا.

وقال محمد بن سيرين: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطأ علي عن بيعة أبي بكر، فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي؟! فقال: لا، ولكن آليت لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة، حتى أجمع القرآن، فزعموا أنه كتبه على تنزيله قال محمد: لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم.

وقال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: سلوني إلا علي.

وقال ابن عباس: قال عمر: علي أقضانا، وأبي أقرؤنا.

ص: 362

وقال ابن مسعود: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي.

وقال ابن المسيب، عن عمر قال: أعوذ بالله من معضلةٍ ليس لها أبو حسن.

وقال ابن عباس: إذا حدثنا ثقة بفتيا عن علي لم نتجاوزها.

وقال سفيان، عن كليب، عن جسرة، قالت: ذكر عند عائشة صوم عاشوراء، فقالت: من يأمركم بصومه؟ قالوا: علي. قالت: أما إنه أعلم من بقي بالسنة.

وقال مسروق: انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر، وعلي، وعبد الله.

وقال محمد بن منصور الطوسي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما ورد لأحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما ورد لعلي رضي الله عنه.

وقال أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر يوم طعن، فذكر قصة الشورى، فلما خرجوا من عنده قال عمر: إن يولوها الأجيلح يسلك بهم الطريق المستقيم، فقال له ابنه عبد الله فما يمنعك؟! - يعني أن توليه - قال: أكره أن أتحملها حيا وميتا.

وقال سفيان الثوري، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو، قال: خطبنا علي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئا، ولكن رأي رأيناه، فاستخلف أبو بكر، فقام واستقام، ثم استخلف عمر، فقام واستقام، ثم ضرب الدين بجرانه، وإن أقواما طلبوا الدنيا، فمن شاء

ص: 363

الله أن يعذب منهم عذب، ومن شاء أن يرحم رحم.

وقال علي بن زيد بن جدعان، عن الحسن، عن قيس بن عباد قال: سمعت عليا يقول: والله ما عهد إلي رسول الله عهدا إلا شيئا عهده إلى الناس، ولكن الناس وقعوا في عثمان فقتلوه، فكان غيري فيه أسوأ حالا وفعلا مني، ثم إني رأيت أني أحقهم بهذا الأمر، فوثبت عليه، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا.

قرأت على أبي الفهم بن أحمد السلمي، أخبركم أبو محمد عبد الله بن أحمد الفقيه سنة سبع عشرة وست مائة، قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا مالك بن أحمد سنة أربع وثمانين وأربع مائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل إملاء سنة ست وأربع مائة، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة، قال: حدثنا عبد الله بن روح، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن الحسن قال: لما قدم علي رضي الله عنه البصرة قام إليه ابن الكواء، وقيس بن عباد فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه، تتولى على الأمة، تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله عهده إليك، فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت، فقال، أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا، والله إن كنت أول من صدق به، فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك، ما تركت أخا بني تيم بن مرة، وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلا، ولم يمت فجاءة، مكث في مرضه أياما وليالي، يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال: أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر يصلي بالناس. فلما قبض الله نبيه، نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله

ص: 364

لديننا. وكانت الصلاة أصل الإسلام، وهي عظم الأمر، وقوام الدين. فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلا، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض، ولاها عمر، فأخذ بسنة صاحبه، وما يعرف من أمره، فبايعنا عمر، ولم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة. فأديت إلى عمر حقه، وعرفت طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدل بي، ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة، أنا أحدهم. فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن مواثيقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده، فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعنا عثمان، فأديت له حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخد إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما أصيب نظرت في أمري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا، وهذا الذي قد أخذ له الميثاق، قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين، وأهل هذين المصرين.

روى إسحاق بن راهويه نحوه، عن عبدة بن سليمان، قال: حدثنا أبو

ص: 365

العلاء سالم المرادي، سمعت الحسن، روى نحوه وزاد في آخره: فوثب فيها من ليس مثلي، ولا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحق بها منه.

قالا: فأخبرنا عن قتالك هذين الرجلين - يعنيان: طلحة والزبير - قال: بايعاني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أن رجلا ممن بايع أبا بكر وعمر خلعه لقاتلناه.

وروى نحوه الجريري، عن أبي نضرة.

وقال أبو عتاب الدلال: حدثنا مختار بن نافع التيمي، قال: حدثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالا. رحم الله عمر، يقول الحق، وإن كان مرا، تركه الحق وما له من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. رحم الله عليا، اللهم أدر الحق معه حيث دار.

وقال إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله. فقال أبو بكر: أنا هو؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل، وكان أعطى عليا نعله يخصفها.

قلت: فقاتل الخوارج الذين أولوا القرآن برأيهم وجهلهم.

وقال خارجة بن مصعب، عن سلام بن أبي القاسم، عن عثمان بن أبي عثمان قال: جاء أناس إلى علي فقالوا: أنت هو، قال: من أنا! قالوا: أنت هو، قال: ويلكم من أنا؟ قالوا: أنت ربنا، قال: ارجعوا، فأبوا، فضرب

ص: 366

أعناقهم، ثم خد لهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر ائتني بحزم الحطب، فحرقهم بالنار وقال:

لما رأيت الأمر أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا وقال أبو حيان التيمي: حدثني مجمع، أن عليا – رضي الله عنه كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه، رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين 0

وقال أبو عمرو بن العلاء، عن أبيه قال: خطب علي رضي الله عنه فقال: أيها الناس، والله الذي لا إله إلا هو، ما رزأت من مالكم قليلا ولا كثيرا، إلا هذه القارورة، وأخرج قارورة فيها طيب، ثم قال: أهداها إلي دهقان.

وقال ابن لهيعة: حدثنا عبد الله بن هبيرة، عن عبد الله بن زرير الغافقي قال: دخلت على علي يوم الأضحى فقرب إلينا خزيرة، فقلت: لو قربت إلينا من هذا الوز، فإن الله قد أكثر الخير، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان، قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس.

وقال سفيان الثوري: إذا جاءك عن علي شيء فخذ به، ما بنى لبنة، على لبنة، ولا قصبة على قصبة، ولقد كان يجاء بجيوبه في جراب.

وقال عباد بن العوام، عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: دخلت على علي بالخورنق، وعليه سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبا، وأنت تفعل هذا بنفسك! فقال: إني والله ما أرزؤكم شيئا، وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من بيتي.

ص: 367

وعن علي أنه اشترى قميصا بأربعة دراهم فلبسه، وقطع ما فضل عن أصابعه من الكم.

وعن جرموز قال: رأيت عليا وهو يخرج من القصر، وعليه إزار إلى نصف الساق، ورداء مشمر، ومعه درة له يمشي بها في الأسواق، ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع، ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ولا تنفخوا اللحم.

وقال الحسن بن صالح بن حي: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فقال: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.

وعن رجل أنه رأى عليا قد ركب حمارا ودلى رجليه إلى موضع واحد، ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا.

وقال هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن عمار الحضرمي، عن أبي عمر زاذان، أن رجلا حدث عليا بحديث، فقال: ما أراك إلا قد كذبتني، قال: لم أفعل، قال: إن كنت كذبت أدعو عليك، قال: ادع، فدعا، فما برح حتى عمي.

وقال عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن علي قال: وأبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم.

وقال خيثمة بن عبد الرحمن: قال علي: من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحب لهم ما يحب لنفسه.

وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: جاء رجل إلى علي فأثنى عليه، وكان قد بلغه عنه أمر، فقال: إني لست كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك.

وقال محمد بن بشر الأسدي - وهو صدوق - حدثنا موسى بن مطير - وهو واه - عن أبيه، عن صعصعة بن صوحان قال: لما ضرب علي أتيناه،

ص: 368

فقلنا: استخلف، قال: إن يرد الله بكم خيرا استعمل عليكم خيركم، كما أراد بنا خيرا واستعمل علينا أبا بكر.

وروى الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن أبي وائل قال: قيل لعلي: ألا توصي؟ قال: ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصي، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا سيجمعهم على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم.

وروي بإسناد آخر، عن الشعبي، عن أبي وائل.

روى عبد الملك بن سلع الهمداني، عن عبد خير، عن علي قال: استخلف أبو بكر، فعمل بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته

الحديث.

وقال الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن سبع، سمع عليا يقول: لتخضبن هذه من هذه، فما ينتظرني إلا شقي، قالوا: يا أمير المؤمنين، فأخبرنا عنه لنبيرن عترته، قال: أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي، قالوا: فاستخلف علينا، قال: لا، ولكني أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته؟ قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك، وأنت فيهم، إن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم.

وقال الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد الحماني قال: سمعت عليا يقول: أشهد أنه كان يسر إلي النبي صلى الله عليه وسلم: لتخضبن هذه من هذه - يعني لحيته من رأسه - فما يحبس أشقاها.

وقال شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن زيد بن وهب قال: قدم على علي قوم من البصرة من الخوارج، فقال منهم الجعد بن بعجة: اتق الله يا علي فإنك ميت، فقال علي: بل مقتول؛ ضربة على هذه تخضب هذه، عهد معهود وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى. قال: وعاتبه في لباسه،

ص: 369

فقال: ما لكم ولباسي، هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم.

وقال فطر، عن أبي الطفيل: إن عليا رضي الله عنه تمثل:

أشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا ولا تجزع من القتل إذا حل بواديكا.

وقال ابن عيينة، عن عبد الملك بن أعين، عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه، عن علي قال: أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت قدمي في الغرز، فقال لي، لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف، قلت: وايم الله لقد أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو الأسود: فما رأيت كاليوم قط محاربا يخبر بذا عن نفسه.

قال ابن عيينة: كان عبد الملك رافضيا.

وقال يونس بن بكير: حدثني علي بن أبي فاطمة، قال: حدثني الأصبغ الحنظلي قال: لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي رضي الله عنه أتاه ابن النباح حين طلع الفجر، يؤذنه بالصلاة، فقام يمشي، فلما بلغ الباب الصغير، شد عليه عبد الرحمن بن ملجم، فضربه، فخرجت أم كلثوم فجعلت تقول: ما لي ولصلاة الصبح، قتل زوجي عمر صلاة الغداة، وقتل أبي صلاة الغداة.

وقال أبو جناب الكلبي: حدثني أبو عون الثقفي، عن ليلة قتل علي قال: قال الحسن بن علي: خرجت البارحة وأمير المؤمنين يصلي فقال لي: يا بني إني بت البارحة أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة بدر، لسبع عشرة من رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟! فقال: ادع عليهم.

ص: 370

فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني. فجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة، فخرج، وخرجت خلفه، فاعتوره رجلان: أما أحدهما فوقعت ضربته في السدة، وأما الآخر فأثبتها في رأسه.

وقال جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليا رضي الله عنه كان يخرج إلى الصلاة، وفي يده درة يوقظ الناس بها، فضربه ابن ملجم، فقال علي: أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا ولي دمي.

رواه غيره، وزاد: فإن بقيت قتلت أو عفوت فإن مت فاقتلوه قتلتي، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.

وقال محمد بن سعد: لقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه بما عزم عليه من قتل علي، فوافقه، قال: وجلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي. قال الحسن: وأتيته سحرا، فجلست إليه فقال: إني ملكتني عيناي وأنا جالس، فسنح لي النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر المنام المذكور. قال: وخرج وأنا خلفه، وابن النباح بين يديه، فلما خرج من الباب نادى: أيها الناس الصلاة الصلاة، وكذلك كان يصنع في كل يوم، ومعه درته يوقظ الناس، فاعترضه الرجلان، فضربه ابن ملجم على دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمع الناس عليا يقول: لا يفوتنكم الرجل، فشد الناس عليهما من كل ناحية، فهرب شبيب، وأخذ عبد الرحمن، وكان قد سم سيفه.

ومكث علي يوم الجمعة والسبت، وتوفي ليلة الأحد، لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان. فلما دفن أحضروا ابن ملجم، فاجتمع الناس، وجاؤوا بالنفط والبواري، فقال محمد ابن الحنفية، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: دعونا نشتف منه، فقطع عبد الله يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه، فلم يجزع، وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك، وجعل يقرأ:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حتى ختمها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطع، فجزع، فقيل له في ذلك. فقال: ما ذاك بجزع، ولكني أك هـ أن أبقى في الدنيا فواقا لا أذكر

ص: 371

الله، فقطوا لسانه، ثم أحرقوه في قوصرة، وكان أسمر، حسن الوجه، أفلج، شعره مع شحمة أذنيه، وفي جبهته أثر السجود.

ويروى أن عليا رضي الله عنه أمرهم أن يحرقوه بعد القتل.

وقال جعفر بن محمد، عن أبيه قال: صلى الحسن على علي، ودفن بالكوفة، عند قصر الإمارة، وعمي قبره.

وعن أبي بكر بن عياش قال: عموه لئلا تنبشه الخوارج.

وقال شريك، وغيره: نقله الحسن بن علي إلى المدينة.

وذكر المبرد عن محمد بن حبيب قال: أول من حول من قبر إلى قبر علي.

وقال صالح بن أحمد النحوي: حدثنا صالح بن شعيب، عن الحسن بن شعيب الفروي، أن عليا- رضي الله عنه صير في صندوق، وكثروا عليه الكافور، وحمل على بعير، يريدون به المدينة، فلما كان ببلاد طيء، أضلوا البعير ليلا، فأخذته طيء وهم يظنون أن في الصندوق مالا، فلما رأوه خافوا أن يطلبوا فدفنوه ونحروا البعير فأكلوه.

وقال مطين: لو علمت الرافضة قبر من هذا الذي يزار بظاهر الكوفة لرجمته، هذا قبر المغيرة بن شعبة.

قال أبو جعفر الباقر: قتل علي رضي الله عنه وهو ابن ثمان وخمسين.

وعنه رواية أخرى أنه عاش ثلاثا وستين سنة، وكذا روي عن ابن الحنفية، وقاله أبو إسحاق السبيعي، وأبو بكر بن عياش، وينصر ذلك ما

ص: 372

رواه ابن جريج، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، أنه أخبره أن عليا توفي لثلاث أو أربع وستين سنة.

وعن جعفر الصادق، عن أبيه، قال: كان لعلي سبع عشرة سرية.

وقال أبو إسحاق السبيعي، عن هبيرة بن يريم، قال: خطبنا الحسن بن علي فقال: لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه إلا الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية، فلا ينصرف حتى يفتح له، ما ترك بيضاء ولا صفراء، إلا سبع مائة درهم فضلت من عطائه، كان أرصدها، لا خادم لأهله.

وقال أبو إسحاق، عن عمرو الأصم، قال: قلت للحسن بن علي: إن الشيعة يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة، فقال: كذبوا والله ما هؤلاء بشيعة، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه. ورواه شريك عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، بدل عمرو.

ولو استوعبنا أخبار أمير المؤمنين رضي الله عنه لطال الكتاب.

‌عبد الرحمن بن ملجم المرادي

قاتل علي رضي الله عنه.

: خارجي مفتر، ذكره ابن يونس في تاريخ مصر فقال: شهد فتح مصر، واختط بها مع الأشراف. وكان ممن قرأ القرآن، والفقه. وهو أحد بني تدول، وكان فارسهم بمصر. قرأ القرآن على معاذ بن جبل. وكان من العباد. ويقال: هو الذي أرسل صبيغا التميمي إلى عمر فسأله عما سأله من مستعجم القرآن.

وقيل: إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص: أن قرب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلم الناس القرآن والفقه، فوسع له مكان داره، وكانت إلى جانب دار عبد الرحمن بن عديس البلوي، يعني أحد من أعان

ص: 373

على قتل عثمان. ثم كان ابن ملجم من شيعة علي بالكوفة سار إليه إلى الكوفة، وشهد معه صفين.

قلت: ثم أدركه الكتاب، وفعل ما فعل، وهو عند الخوارج من أفضل الأمة، وكذلك تعظمه النصيرية.

قال الفقيه أبو محمد بن حزم: يقولون إن ابن ملجم أفضل أهل الأرض، خلص روح اللاهوت من ظلمة الجسد وكدره، فاعجبوا يا مسلمين لهذا الجنون.

وفي ابن ملجم يقول عمران بن حطان الخارجي:

يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره حينا فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا وابن ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة. وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار، ونجوز أن الله يتجاوز عنه، لا كما يقول الخوارج والروافض فيه. وحكمه حكم قاتل عثمان: وقاتل الزبير، وقاتل طلحة، وقاتل سعيد بن جبير، وقاتل عمار، وقاتل خارجة، وقاتل الحسين. فكل هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله، ونكل أمورهم إلى الله عز وجل.

ع:‌

‌ معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي

حليف بني عبد شمس، من مهاجرة الحبشة.

قال ابن منده وحده: إنه شهد بدرا.

كان معيقيب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله أبو بكر وعمر على بيت المال. له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان.

روى عنه حفيده إياس بن الحارث، وأبو سلمة بن عبد الرحمن.

ع:‌

‌ أبو أسيد الساعدي

واسمه مالك بن ربيعة بن البدن الأنصاري.

من كبار الصحابة. شهد بدرا والمشاهد كلها، وذهب بصره في آخر عمره. له عدة أحاديث.

روى عنه بنوه المنذر، والزبير، وحمزة، وأنس بن

ص: 374

مالك، وعباس بن سهل بن سعد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعلي بن عبيد الساعدي مولاه.

توفي سنة أربعين، قاله خليفة وغيره، وهو الصحيح.

وقال المدائني: توفي سنة ستين.

وقال ابن منده، سنة خمس وستين.

وقال أبو حفص الفلاس: توفي سنة ثلاثين.

وقال ابن سعد: كانت مع أبي أسيد راية بني ساعدة يوم الفتح.

وأخبرني محمد بن عمر، حدثني أبي بن عباس بن سهل، عن أبيه، قال: رأيت أبا أسيد بعد أن ذهب بصره قصيرا دحداحا أبيض الرأس واللحية.

وقال ابن عجلان عن عبيد الله بن أبي رافع، قال: رأيت أبا أسيد يحفي شاربه كأخي الحلق.

وقال ابن أبي ذئب، عن عثمان بن عبيد الله، قال: رأيت أبا أسيد، وأبا هريرة، وأبا قتادة، وابن عمر، يمرون بنا ونحن في الكتاب، فنجد منهم ريح العبير، وهو الخلوق يصفرون به لحاهم.

وقال عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، والزبير بن المنذر بن أبي أسيد أنهما نزعا من يد أبي أسيد خاتما من ذهب حين مات. وكان بدريا.

قيل: إنه عاش ثمانيا وسبعين سنة، وله عقب بالمدينة وبغداد. رضي الله عنه.

ع:‌

‌ أبو مسعود البدري

.

ولم يكن بدريا بل سكن ماء ببدر فنسب إليه، بل شهد العقبة، وكان أصغر من السبعين حينئذ.

اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة الأنصاري. نزل الكوفة وكان من الفقهاء.

ص: 375

روى عنه ابنه بشير بن أبي مسعود، وأوس بن ضمعج، وربعي بن حراش، وعلقمة، وهمام بن الحارث، وقيس بن أبي حازم، وأبو وائل، وآخرون.

وقال الحكم بن عتيبة: كان بدريا.

وقال ابن أبي ذئب: قال عمر لأبي مسعود الأنصاري: نبئت أنك تفتي الناس، ولست بأمير، فول حارها من تولى قارها.

وقال خليفه: لما خرج علي يريد معاوية استخلف أبا مسعود على الكوفة.

حماد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي، قال: لما خرج علي إلى صفين استخلف أبا مسعود الأنصاري على الكوفة، فكانوا يقولون له: قد والله أهلك الله أعداءه وأظهر أمير المؤمنين، فيقول: إني والله ما أعده ظفرا أن تظهر إحدى الطائفتين على الأخرى. قالوا: فمه؟ قال: الصلح. فلما قدم علي ذكروا له ذلك، فقال له علي: اعتزل عملنا. قال: ممه؟ قال: إنا وجدناك لا تعقل عقلة. فقال أبو مسعود: أما أنا فقد بقي في عقلي أن الآخر شر.

عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن خيثمة بن عبد الرحمن، قال: قام أبو مسعود على منبر الكوفة فقال: من كان تخبأ فليظهر، فإن كان إلى الكثرة، فإن أصحابنا أكثر، وما يعد فتحا أن يلتقي هذان الحيان، فيقتل هؤلاء هؤلاء، حتى إذا لم يبق إلا رجرجة من هؤلاء وهؤلاء، ظهرت إحدى الطائفتين. ولكن الفتح أن يحقن الله دماءهم، ويصلح بينهم.

قال المدائني وغيره: توفي سنة أربعين. وقال خليفة توفي قبل الأربعين.

وقال الشيخ محيي الدين النووي في شرحه للبخاري: الجمهور على أنه

ص: 376

سكن بدرا، ولم يشهدها، وقال أربعة كبار شهدوها. قاله الزهري، وابن إسحاق، والبخاري، والحكم.

وقال الواقدي: مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة.

وله مائة حديث وحديثان، اتفقا منها على تسعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بسبعة.

‌المتوفون في خلافة علي

تحديدا وتقريبا على الحروف.

خ 4:‌

‌ رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان

، أبو معاذ الأنصاري الزرقي، أخو مالك، وخلاد.

شهد بدرا هو وأخوه خلاد، وكان أبوه من نقباء الأنصار. له أحاديث.

روى عنه ابناه: عبيد، ومعاذ، وابن أخيه يحيى بن خلاد، وغيرهم.

وله عقب كثير بالمدينة، وبغداد.

توفي في حدود سنة أربعين.

وقال ابن سعد: توفي في أول خلافة معاوية.

‌سراقة بن مالك بن جعشم الكناني المدلجي

، أبو سفيان.

أسلم بعد حصار الطائف، وقيل: بل شهد حنينا. وهو المذكور في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي سأل عن متعة الحج أللأبد هي؟ وكان ينزل قديدا.

توفي بعد عثمان بعامين، توفي سنة أربع وعشرين كما مر.

ت ن ق:‌

‌ صفوان بن عسال المرادي

.

غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة. وله أحاديث.

روى عنه زر بن حبيش، وعبد الله بن مسلمة المرادي وأبو الغريف عبيد الله بن خليفة، وأبو

ص: 377

سلمة بن عبد الرحمن. وسكن الكوفة.

ق:‌

‌ قرظة بن كعب الأنصاري الخزرجي

.

أحد فقهاء الصحابة. وهو أحد العشرة الذين وجههم عمر إلى الكوفة ليعلموا الناس، ثم شهد فتح الري زمن عمر. وولاه علي على الكوفة. ثم سار إلى الجمل مع علي، ثم شهد صفين.

توفي بالكوفة، وصلى عليه علي على الصحيح. وهو أول من نيح عليه بالكوفة. وقيل: توفي بعد علي.

القعقاع بن عمرو التميمي.

قيل: إنه شهد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله أثر عظيم في قتال الفرس في القادسية وغيرها. وكان أحد الأبطال المذكورين.

يقال: إن أبا بكر قال: صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل. وشهد الجمل مع علي وكان الرسول في الصلح يومئذ بين الفريقين. وسكن الكوفة.

م د ن:‌

‌ هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد

بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي.

هو وأبوه من مسلمة الفتح. ولهذا رواية.

وعنه جبير بن نفير، وعروة بن الزبير، وغيرهما.

وهو الذي صارعه النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه.

قال ابن سعد: كان صليبا مهيبا.

وقال الزهري: كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان عمر إذا رأى منكرا قال: أما ما عشت أنا وهشام بن حكيم، فلا يكون هذا.

وقال ابن سعد: توفي في أول خلافة معاوية. وقيل: إنه قتل بأجنادين،

ص: 378

ولا يصح.

د:‌

‌ الوليد بن عقبة بن أبي معيط

، واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، القرشي الأموي، أبو وهب.

له صحبة يسيرة، وهو أخو عثمان لأمه.

روى عنه الشعبي، وأبو موسى الهمداني. وولي الكوفة لعثمان. ولما قتل عثمان سكن الجزيرة، ولم يشهد الفتنة. وكان سخيا شاعرا شريفا.

قال ابن سعد: إنه أسلم يوم الفتح، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق، وولاه عمر صدقات بني تغلب. وولاه عثمان الكوفة بعد سعد، ثم عزله عنها، فقدم المدينة، ولم يزل بها حتى بويع علي، فخرج إلى الرقة فنزلها، واعتزل عليا ومعاوية. وقبره بعين الروحية على بريد من الرقة، وولده بالرقة إلى اليوم.

وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ليصدقوه، فتلقوه بالصدقة، فتوهم منهم، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق قد جمعوا لك ليقاتلوك. فنزلت: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية. وكذا قال قتادة، ويزيد بن رومان، وزاد يزيد فقال: كان رجلا جبانا، فلما ركبوا يتلقونه ظن أنهم يريدون قتله.

وقال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة لعلي: أنا أحد منك سنانا، وأبسط منك لسانا، وأملأ للكتيبة منك. فقال علي: اسكت فإنما أنت فاسق، فنزلت {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ}

وقال طارق بن شهاب: لما قدم الوليد أميرا على الكوفة، أتاه سعد فقال: يا أبا وهب، أكست بعدي أو استحمقت بعدك.

وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا في جيش بالروم

ص: 379

، ومعنا حذيفة، وعلينا الوليد، فشرب الخمر، فأردنا أن نحده، فقال حذيفة: أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم، فبلغه فقال:

لأشربن وإن كانت محرمة وأشربن على رغم أنف من رغما وقال سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الله الداناج، عن أبي ساسان حضين بن المنذر قال: صلى الوليد بن عقبة بالناس الفجر أربع ركعات وهو سكران، ثم التفت إليهم وقال: أزيدكم. فركب ناس من الكوفة إلى عثمان فكلمه علي في ذلك، فقال له عثمان: دونك ابن عمك فخذه. قال: قم يا حسن فاجلده. قال: فيم أنت وهذا؟ قال: بل ضعفت ووهنت، قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده، فقام فجلده علي يعد حتى بلغ أربعين. رواه مسلم.

وقيل: إن أهل الكوفة كذبوا عليه.

وذكر أبو مخنف لوط - وهو واه - عن خاله الصعق بن زهير، عن محمد بن مخنف قال: كان أول عمال عثمان أحدث الوليد بن عقبة: كان يدني السحرة، ويشرب الخمر، ويجالسه أبو زبيد الطائي النصراني. قال: وجاء ساحر من أهل بابل، فأخذ يريهم حبلا في المسجد مستطيلا، وعليه فيل يمشي، وناقة تخب، والناس يتعجبون، ثم يريهم حبلا يشتد حتى يدخل في فيه، فيخرج من دبره، ثم يضرب رأس رجل فيقع ناحية، ثم يقول: قم. فيقوم. فرأى جندب بن كعب ذلك، فأخذ سيفا وضرب عنق الساحر وقال: أحيي نفسك، فأمر الوليد بقتله، فقام رجال من الأزد فمنعوه، وقالوا: تقتله بعلج ساحر، فسجنه، وساق القصة بطولها.

ع:‌

‌ أبو رافع القبطي مولى رسول الله

صلى الله عليه وسلم، اسمه إبراهيم، وقيل: أسلم.

وكان عبدا للعباس، فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما بشرة بإسلام العباس أعتقه.

روى عنه ابنه عبيد الله، وحفيده الحسن بن علي بن أبي رافع، وحفيده الفضل بن عبيد الله بن أبي رافع، وعلي بن الحسين، وأبو سعيد المقبري، وعمرو بن الشريد الثقفي، وجماعة كثيرة.

ص: 380

وشهد أحدا والخندق. توفي بعد مقتل عثمان. ورواية علي بن الحسين عنه مرسلة. وقيل: توفي سنة أربعين بالكوفة.

أبو لبابة بن عبد المنذر.

قيل: بقي إلى خلافة علي. وقد تقدم.

وممن كان في هذا الوقت:

‌سحيم عبد بني الحسحاس

.

شاعر مفلق، بديع القول، لا صحبة له.

روى معمر، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن السائب قال: قيل لعمر رضي الله عنه: هذا عبد بني الحسحاس يقول الشعر، فدعاه فقال: كيف قلت؟ فقال:

ودع سليمى إن تجهزت غاديا كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا قال: حسبك، صدقت صدقت. هذا حديث صحيح.

وهذه قصيدة طنانة يقول بها:

جنونا بها فيما اعتلقنا علاقة علاقة حب ما استسر وباديا ليالي تصطاد الرجال بفاحم تراه أثيثا ناعم النبت عافيا وجيد كجيد الريم ليس بعاطل من الدر والياقوت أصبح حاليا كأن الثريا علقت فوق نحرها وجمر غضى هبت له الريح زاكيا إذا اندفعت في ريطة وخميصة وألقت بأعلى الرأس سبا يمانيا تريك غداة البين كفا ومعصما ووجها كدينار الأعزة صافيا فلو كنت وردا لونه لعشقتني ولكن ربي شانني بسواديا أتكتم حييتم على الناي تكتما تحية من أمسى بحبك مغرما وماشية مشي القطاة اتبعتها من السير تخشى أهلها أن تكلما

ص: 381

فقالت له يا ويح غيرك إنني سمعت كلاما بينهم يقطر الدما

وله من قصيدة:

وإن لا تلاقي الموت في اليوم فاعلمن بأنك رهن أن تلاقيه غدا رأيت المنايا لم يدعن محمدا ولا أحدا إلا له الموت أرصدا وقيل: إن سحيما لما أكثر التشبيب بنساء الحي عزموا على قتله، فبكت امرأة كان يرمى بها، فقال:

أمن سمية دمع العين مذروف لو أن ذا منك قبل اليوم معروف المال مالكم والعبد عبدكم فهل عذابك عني اليوم مصروف كأنها يوم صدت ما تكلمنا ظبي بعسفان ساجي الطرف مطروف ثم قتل عفا الله عنه.

ص: 382

الطبقة الخامسة.

41 -

50 هـ.

ص: 383

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحوادث)

ثم دخلت‌

‌ سنة إحدى وأربعين

ويسمى عام الجماعة لاجتماع الأمة فيه على خليفة واحد، وهو معاوية.

قال خليفة: اجتمع الحسن بن علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان بمسكن، وهي من أرض السواد من ناحية الأنبار، فاصطلحا وسلم الحسن الأمر إلى معاوية وذلك في ربيع الآخر أو جمادى الأولى واجتمع الناس على معاوية فدخل الكوفة.

وقال عبد الله بن شوذب: سار الحسن في أهل العراق يطلب الشام، وأقبل معاوية في أهل الشام فالتقوا، فكره الحسن القتال، وبايع معاوية على أن يجعل العهد من بعده للحسن، فكان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار المؤمنين، فيقول: العار خير من النار.

وقال جرير بن حازم: بايع أهل الكوفة الحسن بعد أبيه، وأحبوه أكثر من أبيه.

وعن عوانة بن الحكم قال: سار الحسن حتى نزل المدائن، وبعث قيس بن سعد بن عبادة على المقدمة في اثني عشر ألفا، فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد ألا إن قيسا قد قتل، فاختبط الناس، وانتهب الغوغاء سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا تحته، وطعنه رجل من الخوارج من بني أسد بخنجر، فوثب الناس على الرجل فقتلوه، لا رحمه الله، نزل الحسن القصر الأبيض بالمدائن، وكاتب معاوية في الصلح. وقال نحو هذا: أبو إسحاق، والشعبي.

وروي أنه إنما خلع نفسه لهذا، وهو أنه قام فيهم فقال: ما ثنانا عن

ص: 385

أهل الشام شك ولا زيغ، لكن كنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم.

وروي أن الخنجر الذي جرح به في إليته كان مسموما، فتوجع منه أشهرا ثم عوفي، ولله الحمد.

وقال أبو روق الهمداني: حدثنا أبو الغريف قال: لما رد الحسن إلى الكوفة وبايع معاوية، قال له رجل منا يقال له أبو عامر: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: لست بمذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك.

وروي أنه قال في شرطه لمعاوية: إن علي عدات وديونا، فأطلق له من بيت المال نحو أربعمائة ألف أو أكثر.

وكان الحسن رضي الله عنه سيدا لا يرى القتال، وقد قال جده رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.

وقال سكين بن عبد العزيز - بصري ثقة -: حدثنا هلال بن خباب قال: قال الحسن بن علي: يا أهل الكوفة لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث لذهلت: لقتلكم أبي، وطعنكم في فخذي، وانتهابكم ثقلي.

ولما دخل معاوية الكوفة خرج عليه عبد الله بن أبي الحوشاء بالنخيلة في جمع، فبعث لحربه خالد بن عرفطة، فقتل ابن أبي الحوشاء.

وفي جمادى الآخرة خرج بناحية البصرة سهم بن غالب الهجيمي والخطيم الباهلي، فقتلا عبادة بن قرط الليثي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بناحية الأهواز، فانتدب لحربهما عبد الله بن عامر بن كريز، فخافا واستأمنا، فأمنهما فقتل طائفة من أصحابهما.

ص: 386

وفيها ولي عبد الله بن عامر البصرة، وولي مروان بن الحكم المدينة لمعاوية.

وحج بالناس عتبة أخو معاوية.

وفيها غزا إفريقية عقبة بن نافع الفهري.

وفيها توفي صفوان بن أمية الجمحي، وحفصة أم المؤمنين، ولبيد الشاعر المشهور، وفيهم خلف.

‌سنة اثنتين وأربعين

فيها توفي بخلف: الأسود بن سريع، والأشعث بن قيس، وحبيب بن مسلمة، وعتبة بن أبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعثمان بن طلحة الحجبي، وعمرو بن العاص، وفي سائرهم خلف.

وفيها وجه عبد الله بن عامر على إمرة سجستان عبد الرحمن بن سمرة، وهو من بني عمه، وكان معه في تلك الغزوة من الشباب؛ الحسن البصري، والمهلب بن أبي صفرة، وقطري بن الفجاءة، فافتتح زرنج وبعض كور الأهواز.

وفيها وجه ابن عامر راشد بن عمرو إلى ثغر الهند، فشن الغارات وتوغل في بلاد السند.

‌سنة ثلاث وأربعين

فيها توفي عمرو بن العاص على الصحيح، وعبد الله بن سلام الحبر، ومحمد بن مسلمة.

وأقام الحج مروان.

وفيها فتح عبد الرحمن بن سمرة الرخج وغيرها من بلاد سجستان.

وفيها افتتح عقبة بن نافع الفهري كورا من بلاد السودان وودان وهي من برقة.

وفيها شتى بسر بن أرطاة بأرض الروم مرابطا.

ص: 387

‌سنة أربع وأربعين

فيها توفي على الصحيح: أبو موسى الأشعري، ويقال: فيها توفي الحكم بن عمرو الغفاري. وحبيب بن مسلمة الأمير. وأم المؤمنين أم حبيبة.

وقتل بكابل أبو قتادة العدوي، وقيل: بل هو أبو رفاعة، وافتتحها ابن سمرة.

وفيها غزا المهلب بن أبي صفرة أرض الهند، وسار إلى قندابيل، وكسر العدو وسلم وغنم، وهي أول غزواته. وكان من سبي كابل فيما ذكر خليفة: مكحول، ونافع مولى ابن عمر، وكيسان والد أيوب السختياني، وسالم الأفطس.

وفيها استلحق معاوية زياد بن أبيه.

وفيها حج معاوية بالناس.

‌سنة خمس وأربعين

فيها توفي: زيد بن ثابت على الصحيح. وعاصم بن عدي. والمستورد بن شداد الفهري. وسلمة بن سلامة بن وقش. وحفصة أم المؤمنين بخلف. وأبو بردة بن نيار.

وفيها عزل معاوية: عبد الله بن عامر عن البصرة، واستعمل عليها الحارث بن عمرو الأزدي، ثم عزل عن قريب، وولي عليها زياد بن أبيه، فبادر زياد وقتل سهم بن غالب الهجيمي الذي كان قد خرج في أول إمرة معاوية وصلبه.

وفيها غزا معاوية بن حديج إفريقية.

وفيها سار عبد الله بن سوار العبدي فافتتح القيقان وغنم وسلم.

ص: 388

‌سنة ست وأربعين

فيها توفي: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي على الأصح، ومحمد بن مسلمة، وقد مر.

وفيها عزل معاوية عبد الرحمن بن سمرة عن سجستان، وولاها الربيع بن زياد الحارثي، فخاف الترك.

وفيها جمع كابل شاه وزحف إلى المسلمين، فنزَّح المسلمين عن كابل، ثم لقيهم الربيع بن زياد فهزمهم الله، وساق وراءهم المسلمون إلى الرخج. وفيها شتى المسلمون بأرض الروم والله أعلم.

‌سنة سبع وأربعين

فيها غزا عبد الله بن سوار العبدي القيقان، فجمع له الترك والتقوا، فاستشهد عبد الله، وسار ذلك الجيش، وغلب المشركون على القيقان.

وفيها سار رويفع بن ثابت الأنصاري من أطرابلس المغرب فدخل إفريقية، ثم انصرف من سنته.

وأقام الموسم عنبسة بن أبي سفيان.

وفيها عزل عقبة بن عامر عن مصر وأمر عليها مسلمة بن مخلد.

وفيها شتى مالك بن هبيرة بأرض الروم.

وفيها توفي أهبان بن أوس، وعتي بن ضمرة.

‌سنة ثمان وأربعين

فيها عزل معاوية مروان عن المدينة وولاها سعيد بن العاص الأموي، وكتب معاوية إلى زياد لما بلغه قتل عبد الله بن سوار: انظر رجلا يصلح

ص: 389

لثغر الهند فوجهه إليه. قال: فوجه زياد سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي.

وفيها قتل بالهند عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي.

وقيل: توفي فيها الحارث بن قيس الجعفي الفقيه صاحب ابن مسعود، وخريم الأسدي.

‌سنة تسع وأربعين

فيها توفي الحسن بن علي رضي الله عنهما. وأبو بكرة الثقفي في قول. وعبد الله بن قيس العتقي، له صحبة.

وفيها قتل زياد بالبصرة الخطيم الباهلي الخارجي.

وفي ولاية المغيرة على الكوفة خرج شبيب بن بجرة الأشجعي فوجه إليه المغيرة: كثير بن شهاب الحارثي فقتله بأذربيجان، وكان شبيب ممن شهد النهروان.

وفيها شتى مالك بن هبيرة بأرض الروم، وقيل: بل شتاها فضالة بن عبيد الأنصاري.

وأقام الحج سعيد بن العاص.

‌سنة خمسين

فيها توفي: الحسن بن علي، قاله جماعة. وعبد الرحمن بن سمرة. وعمرو بن الحمق الخزاعي. وكعب بن مالك الأنصاري الشاعر. والمغيرة بن شعبة. ومدلاج بن عمرو. وصفية أم المؤمنين.

ولما احتضر المغيرة استخلف على الكوفة ابنه عروة أو جرير بن عبد الله، فجمع معاوية المصرين؛ البصرة والكوفة تحت إمرة زياد، فعزل زياد عن سجستان الربيع واستعمل عليها عبيد الله بن أبي بكرة.

وفيها نفذ معاوية عقبة بن نافع إلى إفريقية، فخط القيروان وأقام بها ثلاث سنين.

ص: 390

وقال محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: لما افتتح عقبة إفريقية وقف على مكان القيروان، فقال: يا أهل الوادي إنا حالون إن شاء الله فأظعنوا ثلاث مرات، قال: فما رأينا حجرا ولا شجرا إلا يخرج من تحته دابة حتى هبطن بطن الوادي، ثم قال للناس: انزلوا باسم الله.

وفيها وجه زيادٌ الربيعَ الحارثي إلى خراسان فغزا بلخ، وكانت قد أغلقت بعد رواح الأحنف بن قيس عنها، فصالحوا الربيع، ثم غزا الربيع قهستان ففتحها عنوة.

وفيها فتح معاوية بن حديج فتحا بالمغرب، وكان قد جاءه عبد الملك بن مروان في مدد أهل المدينة، وهذه أول غزاة لعبد الملك.

وفيها غزوة القسطنطينية، كان أمير الجيش إليها يزيد بن معاوية، وكان معه وجوه الناس، وممن كان معه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه.

وقال سعيد بن عبد العزيز: لما قتل عثمان لم يكن للناس غازية ولا صائفة، حتى اجتمعوا على معاوية سنة أربعين، فأغزى الصوائف وشتاهم بأرض الروم، ثم غزاهم ابنه يزيد في جماعة من الصحابة في البر والبحر حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها ثم قفل راجعا.

وفيها دعا معاوية أهل الشام إلى البيعة بولاية العهد من بعده لابنه يزيد فبايعوه.

وفيها غزا سنان بن سلمة بن المحبق القيقان، فجاءه جيش عظيم من العدو، فقال سنان لأصحابه: أبشروا فإنكم بين خصلتين؛ الجنة أو الغنيمة. ففتح الله عليه ونصره وما أصيب من المسلمين إلا رجل واحد.

ص: 391

بسم الله الرحمن الرحيم

‌تراجم أهل هذه الطبقة على ترتيب الحروف

1 -

‌ الأرقم بن أبي الأرقم بن أسد

بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، أحد السابقين الأولين، واسم أبيه: عبد مناف.

استخفى النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل الإسلام في داره، وهي عند الصفا، شهد بدرا وعاش إلى دهر معاوية، وسيأتي.

ص: 392

2 -

ن:‌

‌ الأسود بن سريع بن حمير بن عبادة التميمي السعدي

، أبو عبد الله.

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو أول من قص بجامع البصرة. روى عنه الأحنف بن قيس، والحسن، وعبد الرحمن بن أبي بكرة.

يقال: توفي سنة اثنتين وأربعين.

3 -

‌ أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس الأموية النبوية

، بنت السيدة زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي كان يحملها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة.

تزوجها علي رضي الله عنه في إمرة عمر، وبقيت معه إلى أن استشهد وجاءه منها الأولاد، ثم تزوجها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فتوفيت عنده بعد أن ولدت له يحيى.

ص: 393

4 -

خ:‌

‌ أهبان بن أوس الأسلمي أبو عقبة

، مكلم الذئب، وكان من أصحاب الشجرة.

روى له البخاري حديثا واحدا.

5 -

ت ق:‌

‌ أهبان بن صيفي

، الغفاري أبو مسلم. نزل البصرة.

روت عنه بنته عديسة، أن عليا رضي الله عنه أتاه بعد فتنة الجمل فقال: ما خلفك عنا؟! وكان قد اتخذ سيفا من خشب.

وله قصة مشهورة صحيحة عن بنته، قال: لما احتضر: كفنوني في ثوبين، فزدناه ثوبا فدفناه فيه، فأصبح ذلك القميص موضوعا على المشجب.

6 -

‌ جارية بن قدامة

، التميمي السعدي، أبو أيوب، ويقال: أبو يزيد.

له صحبة، وكان بطلا شجاعا شريفا مطاعا من كبار أمراء علي، وشهد معه صفين، ثم وفد بعده على معاوية مع ابن عمه الأحنف.

وكان سفاكا فاتكا، ويدعى محرقا لأن معاوية وجه ابن الحضرمي إلى البصرة ينعى عثمان ويستنفرهم، فوجه علي جارية هذا، فتحصن منه ابن الحضرمي كما ذكرنا، فأحرق عليه الدار، فاحترق فيها خلق.

ويروى أن عليا بلغه ما صنع بسر بن أرطاة من السفك بالحجاز، فبعث جارية هذا، فجعل لا يجد أحدا خلع عليا إلا قتله وحرقه بالنار حتى انتهى إلى اليمن، فسمي محرقا.

7 -

‌ جبلة بن الأيهم

، أبو المنذر الغساني ملك آل جفنة عرب الشام، وكان ينزل الجولان.

ص: 394

كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، فأسلم، وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فلما كان زمن عمر داس جبلة رجلا من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذه وانطلق به إلى أبي عبيدة، فقالوا: هذا لطم جبلة. قال: فليلطمه، قالوا: وما يقتل ولا تقطع يده؟ قال: لا، فغضب جبلة وقال: بئس الدين هذا، ثم دخل بقومه إلى أرض الروم وتنصر.

وقيل: إنه إنما أسلم بعد اليرموك ثم ندم على تنصره، فلم يسلم فيما علمت.

8 -

‌ جبلة بن عمرو بن أوس بن عامر الأنصاري الساعدي

.

وهم بعضهم وقال: هو أخو أبي مسعود البدري، فأبو مسعود من بني الحارث بن الخزرج.

شهد أحدا وغيرها، وشهد فتح مصر وصفين.

قال ابن عبد البر: كان فاضلا من فقهاء الصحابة، روى عنه ثابت بن عبيد، وسليمان بن يسار.

وقال ابن سيرين: كان بمصر جبلة الأنصاري له صحبة، جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها.

وقال ابن يونس: غزا جبلة بن عمرو إفريقية مع معاوية بن حديج سنة خمسين

قال سليمان بن يسار: نفلنا معاوية بإفريقية فأبى جبلة أن يأخذ من النفل شيئا.

9 – ت:‌

‌ جندب بن كعب بن عبد الله بن غنم الأزدي الغامدي

الذي قتل الساحر على الصحيح.

وكان هذا الساحر يقتل رجلا ثم يحييه، ويدخل في فم ناقة ويخرج من حياها، فضرب جندب بن كعب عنقه ثم قال: أحي نفسك. وتلا: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} فرفعوا جندبا إلى الوليد بن عقبة فحبسه، فلما رأى السجان قومه وصلاته أطلقه.

ص: 395

وقيل: بل قتل السجان أقرباء جندب وأطلقوه، فذهب إلى أرض الروم يجاهد، ومات سنة خمسين، وكان شريفا كبيرا في الأزد.

وقيل: بل الذي قتل الساحر جندب الخير المذكور بعد الستين.

10 -

‌ جعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي

ابن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شهد حنينا مع أبيه وثبتا يومئذ، لا أعلم له رواية.

قال ابن سعد: مات وسط إمرة معاوية.

11 -

‌ حارثة بن النعمان بن رافع

، وقيل: نفع بدل رافع، الأنصاري الخزرجي.

أحد من شهد بدرا وبقي إلى هذا الوقت.

12 – ن:‌

‌ الحارث بن قيس

، الجعفي الكوفي العابد.

صحب عليا، وابن مسعود، ولا يكاد يوجد له حديث مسند، بل روى عنه خيثمة بن عبد الرحمن قال: إذا كنت في الصلاة، فقال لك الشيطان: إنك ترائي، فزدها طولا.

وحكى عنه أبو داود الأعمى، ويحيى بن هانئ المرادي.

قال خيثمة: كان الحارث بن قيس من أصحاب ابن مسعود، وكانوا معجبين به، كان يجلس إليه الرجل والرجلان فيحدثهما، فإذا كثروا قام وتركهم.

وقال حجاج بن دينار: كان أصحاب عبد الله ستة: علقمة، والحارث بن قيس، والأسود، وعبيدة، ومسروق، وعمرو بن شرحبيل.

قال ابن المديني: قتل الحارث مع علي.

وأما خيثمة بن عبد الرحمن فقال: صلى عليه أبو موسى الأشعري،

ص: 396

رحمه الله.

13 -

د ق:‌

‌ حبيب بن مسلمة القرشي الفهري

.

له صحبة. روى عنه زياد بن جارية في النفل. وهو الذي افتتح أرمينية زمن عثمان، ثم كان من خواص معاوية، وله معه آثار محمودة شكرها له معاوية.

يروى أن الحسن قال: يا حبيب رب مسير لك في غير طاعة الله، قال: أما إلى أبيك فلا، قال: بلى والله، ولقد طاوعت معاوية على دنياه وسارعت في هواه، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك، فليتك إذ أسأت الفعل أحسنت القول.

قيل: توفي سنة اثنتين، وقيل: سنة أربع وأربعين، قيل: لم يبلغ الخمسين، وكان شريفا مطاعا معظما.

14 -

‌ حجر بن يزيد بن سلمة الكندي

المعروف بحجر الشر، لأنه كان شريرا. وقالوا في حجر بن عدي: حجر الخير.

له وفادة على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، ثم رجع إلى اليمن، ثم نزل الكوفة، وشهد الحكمين، ثم ولاه معاوية أرمينية.

15 -

‌ الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب

، أبو محمد الهاشمي السيد، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن بنته السيدة فاطمة.

ولد في شعبان سنة ثلاث من الهجرة، وقيل: في نصف رمضان منها؛ قاله الواقدي. له صحبة ورواية عن أبيه وجده.

روى عنه: ابنه الحسن، وسويد بن غفلة، والشعبي، وأبو الحوراء السعدي، وآخرون.

وكان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم. قاله: أبو جحيفة وأنس فيما صح عنهما.

ص: 397

وقد رآه أبو بكر الصديق يلعب فأخذه وحمله على عنقه وقال: بأبي شبيه بالنبي ليس شبيه بعلي وعلي يبتسم.

وقال أسامة بن زيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن فيقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما.

وقال أبو بكرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقول: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين. أخرجه البخاري.

وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. صححه الترمذي.

وعن أسامة بن زيد قال: خرج إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وهو مشتمل على شيء، فلما فرغت من حديثي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشف فإذا حسن وحسين على وركيه، فقال: هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما. قال الترمذي: حديث حسن غريب.

قلت: رواه من حديث عبد الله بن أبي بكر بن زيد بن المهاجر، مدني مجهول، عن مسلم بن أبي سهل النبال، وهو مجهول أيضا، عن الحسن بن أسامة بن زيد، وهو كالمجهول، عن أبيه، وما أظن لهؤلاء الثلاثة ذكر في

ص: 398

رواية إلا في هذا الواحد، تفرد به موسى بن يعقوب الزمعي، عن عبد الله.

وتحسين الترمذي لا يكفي في الاحتجاج بالحديث، فإنه قال: وما ذكرنا في كتابنا من حديث حسن فإنما أردنا بحسن إسناده عندنا كل حديث لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا، ويروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن.

وقال يوسف بن إبراهيم: سمعت أنسا يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: الحسن والحسين، وكان يقول لفاطمة: ادعوا لي ابني، فيشمهما ويضمهما إليه. حسنه الترمذي.

وقال ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن زر، عن حذيفة: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. قال الترمذي: حسن غريب.

وصحح الترمذي من حديث عدي بن ثابت، عن البراء قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعا الحسن على عاتقه وهو يقول: اللهم إني أحبه فأحبه.

وصحح أيضا بهذا السند أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر الحسن والحسين فقال: اللهم إني أحبهما فأحبهما.

ص: 399

وقال جرير بن عبد الحميد، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرج بين فخذي الحسن وقبل زبيبته. قابوس: حسن الحديث.

ومناقب الحسن رضي الله عنه كثيرة، وكان سيدا حليما ذا سكينة ووقار وحشمة، كان يكره الفتن والسيف، وكان جوادا ممدحا، تزوج سبعين امرأة ويطلقهن، وقلما كان تفارقه أربع ضرائر.

وعن جعفر الصادق قال: قال علي: يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق، فقال رجل: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك، وما كره طلق.

وقال ابن سيرين: تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية، مع كل جارية ألف درهم.

وقال ابن سيرين: إن الحسن كان يجيز الرجل الواحد بمائة ألف درهم.

وقال غيره: حج الحسن بن علي خمس عشرة مرة.

وقيل: إنه حج أكثرهن ماشيا من المدينة إلى مكة، وإن نجائبه تقاد معه.

وقال جرير: بايع أهل الكوفة الحسن وأحبوه أكثر من أبيه.

روى الحاكم في مستدركه من طريق عمرو بن محمد العنقزي: حدثنا زمعة، عن سلمة بن وهرام، عن طاوس، عن ابن عباس قال: أقبل

ص: 400

النبي صلى الله عليه وسلم قد حمل الحسن على كتفه، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ونعم الراكب هو.

شعبة: حدثنا يزيد بن خمير، سمع عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، قال: قلت للحسن: إنهم يقولون إنك تريد الخلافة، فقال: قد كانت جماجم العرب في يدي، يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت، تركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء الأمة، ثم أبتزها بأتياس أهل الحجاز؟

ابن عيينة: حدثنا أبو موسى: سمعت الحسن يقول: استقبل الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: والله إني لأرى كتائب لا تولي أو تقتل أقرانها. وقال معاوية - وكان خير الرجلين -: أرأيت إن قتل هؤلاء هؤلاء، من لي بذراريهم، من لي بأمورهم، من لي بنسائهم؟ قال: فبعث عبد الرحمن بن سمرة، فصالح الحسن معاوية وسلم الأمر له، وبايعه بالخلافة على شروط ووثائق، وحمل إليه معاوية مالا، يقال: خمسمائة ألف في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين.

وقال عبد الله بن بريدة: قدم الحسن فاجتمع بمعاوية بعدما سلم إليه الخلافة، فقال معاوية: لأجيزنك بجائزة ما أجزت بها أحدا قبلك ولا أجيز بها أحدا بعدك. فأعطاه أربعمائة ألف، ثم إن الحسن رضي الله عنه رجع بآل بيته من الكوفة ونزل المدينة.

قال ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: عدنا الحسن بن علي قبل موته، فقام وخرج من الخلاء فقال: إني والله قد لفظت طائفة من كبدي قلبتها بعود، وإني قد سقيت السم مرارا فلم أسق مثل هذا قط، فحرض به الحسين أن يخبره من سقاه، فلم يخبره وقال: الله أشد نقمة إن كان الذي أظن، وإلا فلا يقتل بي، والله، بريء.

وقال قتادة: قال الحسن بن علي: لم أسق مثل هذه المرة.

وقال حريز بن عثمان: حدثنا عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي قال: لما بايع الحسن معاوية قال له عمرو بن العاص وأبو الأعور السلمي: لو أمرت الحسن فصعد المنبر فتكلم عيي عن المنطق، فيزهد فيه

ص: 401

الناس، فقال معاوية: لا تفعلوا، فوالله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه وشفته، ولن يعيا لسان مصه النبي صلى الله عليه وسلم أو شفه. قال: فأبوا على معاوية، فصعد معاوية المنبر، ثم أمر الحسن فصعد، وأمره أن يخبر الناس: إني قد بايعت معاوية، فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإني قد أخذت لكم على معاوية أن يعدل فيكم وأن يوفر عليكم غنائمكم، وأن يقسم فيكم فيأكم، ثم أقبل على معاوية فقال: أكذاك؟ قال: نعم.

ثم هبط من المنبر وهو يقول ويشير بإصبعه إلى معاوية: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} فاشتد ذلك على معاوية، فقالوا: لو دعوته فاستنطقته يعني استفهمته ما عنى بالآية، فقال: مهلا، فأبوا عليه، فدعوه فأجابهم، فأقبل عليه عمرو، فقال له الحسن: أما أنت فقد اختلف فيك رجلان، رجل من قريش وجزار أهل المدينة فادعياك، فلا أدري أيهما أبوك، وأقبل عليه أبو الأعور فقال له الحسن: ألم يلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رعلا وذكوان وعمرو بن سفيان، هذا اسم أبي الأعور، ثم أقبل عليه معاوية يعينهما، فقال له الحسن: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن قائد الأحزاب وسائقهم، وكان أحدهما أبو سفيان والآخر أبو الأعور السلمي.

زهير بن معاوية: حدثنا أبو روق الهمداني، قال: حدثنا أبو الغريف، قال: كنا في مقدمة الحسن اثني عشر ألفا تقطر سيوفنا من الجدة على قتال الشاميين، فلما أتانا صلح الحسن لمعاوية كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ، قال: وقام سفيان بن الليل إلى الحسن، فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: لا تقل ذاك، إني كرهت أن أقتلكم في طلب الملك.

قال ابن عبد البر: قال قتادة، وأبو بكر بن حفص: سم الحسن زوجته بنت الأشعث بن قيس. وقالت طائفة: كان ذلك بتدسيس معاوية إليها، وبذل لها على ذلك، وكان لها ضرائر.

ص: 402

قلت: هذا شيء لا يصح، فمن الذي اطلع عليه؟

قال ابن عبد البر: روينا من وجوه أنه لما احتضر قال: يا أخي، إياك أن تستشرف لهذا الأمر، فإن أباك استشرف لهذا الأمر فصرفه الله عنه، ووليها أبو بكر، ثم استشرف لها فصرفت عنه إلى عمر، ثم لم يشك وقت الشورى أنها لا تعدوه، فصرفت عنه إلى عثمان، فلما مات عثمان بويع، ثم نوزع حتى جرد السيف، فما صفت له، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا النبوة والخلافة، فلا أعرفن ما استخفك سفهاء الكوفة فأخرجوك، وقد كنت طلبت إلى عائشة أن أدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: نعم، وإني لا أدري لعل ذلك كان منها حياء، فإذا ما مت فاطلب ذلك إليها، وما أظن القوم إلا سيمنعونك، فإن فعلوا فلا تراجعهم. فلما مات أتى الحسين عائشة فقالت: نعم وكرامة، فمنعهم مروان، فلبس الحسين ومن معه السلاح حتى رده أبو هريرة، ثم دفن في البقيع إلى جنب أمه، وشهده سعيد بن العاص وهو الأمير، فقدمه الحسين للصلاة عليه وقال: هي السنة.

توفي الحسن رضي الله عنه في ربيع الأول سنة خمسين، ورخه فيها المدائني، وخليفة العصفري، وهشام ابن الكلبي، والزبير بن بكار، والغلابي، وغيرهم.

وقال الواقدي، ومحمد بن سعد: توفي سنة تسع وأربعين بالمدينة، رضي الله عنه.

16 -

خ 4:‌

‌ الحكم بن عمرو الغفاري

، أخو رافع بن عمرو، وإنما هما من بني ثعلبة أخي غفار.

للحكم صحبة ورواية، ونزل البصرة، وكان رجلا صالحا فاضلا، قد ولي غزو خراسان فسبى وغنم، وتوفي بمرو. وروى عنه أبو الشعثاء جابر بن زيد، وسوادة بن عاصم، والحسن البصري، وابن سيرين.

ص: 403

وكان محمود السيرة. توفي سنة خمس وأربعين، وقيل: سنة خمسين.

هشام بن حسان: إن زيادا بعث الحكم بن عمرو على خراسان، فأصابوا غنائم، فكتب إليه: لا تقسم ذهبا ولا فضة، فكتب إليه: أقسم بالله لو كانت السماوات والأرض رتقا على عبد فاتقى الله يجعل الله له من بينهما مخرجا، والسلام.

وروي أن عمر نظر إلى الحكم بن عمرو وقد خضب بصفرة فقال: هذا خضاب أهل الإيمان.

17 -

ع:‌

‌ حفصة أم المؤمنين بنت أبي حفص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب

.

تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة.

قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

ويروى أنها ولدت قبل النبوة بخمس سنين.

لها عدة أحاديث؛ روى عنها: أخوها عبد الله بن عمر، وحارثة بن وهب الخزاعي، وشتير بن شكل، والمطلب بن أبي وداعة، وعبد الله بن صفوان الجمحي، وغيرهم. وأمهما - أعني حفصة وعبد الله - هي زينب أخت عثمان بن مظعون.

وكانت حفصة قبل النبي صلى الله عليه وسلم تحت خنيس بن حذافة السهمي، أحد من شهد بدرا فتوفي بالمدينة، فلما تأيمت عرضها عمر على أبي بكر فلم يجبه، فغضب عمر، ثم عرضها على عثمان فقال: لا أريد أن أتزوج اليوم، فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان

ص: 404

من هي خير من حفصة ثم خطبها منه فزوجه عمر، ثم لقي أبو بكر عمر فقال: لا تجد علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذكر حفصة فلم أكن لأفشي سره، فلو تركها لتزوجتها.

عفان وجماعة: عن حماد بن سلمة قال: أخبرنا أبو عمران الجوني، عن قيس بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، فأتاها خالاها عثمان وقدامة ابنا مظعون، فبكت وقالت: والله ما طلقني عن شبع، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فتجلببت فقال: إن جبريل قال: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة.

حديث مرسل قوي الإسناد.

هشيم: أخبرنا حميد، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلق حفصة أمر أن يراجعها.

عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر أوصى إلى حفصة.

موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة، فبلغ ذلك عمر، فحثا على رأسه التراب وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها، فنزل جبريل من الغد فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر. وفي رواية: وهي زوجتك في الجنة. رواه موسى بن علي بن موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر.

توفيت سنة إحدى وأربعين، وقيل: سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان وهو والي المدينة؛ قاله الواقدي.

18 -

م ت ن ق:‌

‌ حنظلة بن الربيع بن صيفي التميمي الحنظلي الأسيدي الكاتب

، كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن أخي حكيم العرب أكثم بن صيفي.

ص: 405

كان حنظلة ممن اعتزل الفتنة، وكان بالكوفة، فلما شتموا عثمان انتقل إلى قرقيسياء.

روى عنه مرقع بن صيفي، وأبو عثمان النهدي، ويزيد بن عبد الله بن الشخير، والحسن، وغيرهم.

19 -

4:‌

‌ خريم بن فاتك أبو أيمن الأسدي

، واسم أبيه الأخرم بن شداد، وخريم هو أخو سبرة، ووالده فاتك.

قيل: إنه شهد بدرا، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن كعب. روى عنه ابنه فاتك، ووابصة بن معبد، وأبو هريرة، وابن عباس، والمعرور بن سويد، وشمر بن عطية. ونزل الرقة، وبها توفي زمن معاوية.

روى أبو إسحاق السبيعي، عن شمر بن عطية، عن خريم بن فاتك قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل أنت يا خريم لولا خلتين فيك، قلت: وما هما؟ قال: إسبالك إزارك وإرخاؤك شعرك. رواه أحمد في مسنده.

وقال البخاري في تاريخه: خريم بن فاتك شهد بدرا، وقال: قال أبو إسحاق: كنيته أبو يحيى.

20 -

د:‌

‌ دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبي القضاعي

.

أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى قيصر، وله أحاديث. روى عنه الشعبي، وعبد الله بن شداد بن الهاد، ومحمد بن كعب القرظي، وخالد بن يزيد بن معاوية، ومنصور بن سعيد.

وكان يوم اليرموك أميرا على كردوس. ثم سكن المزة.

قال ابن سعد: أسلم دحية قبل بدر ولم يشهدها وكان يشبه بجبريل عليه السلام، وبقي إلى زمن معاوية.

ص: 406

وقال عفير بن معدان، عن قتادة، عن أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: يأتيني جبريل في صورة دحية. وكان دحية رجلا جميلا.

وقال رجل لعوانة بن الحكم: أجمل الناس جرير بن عبد الله، فقال: بل أجمل الناس من نزل جبريل على صورته، يعني دحية.

وقال ابن قتيبة في حديث ابن عباس: كان دحية إذا قدم لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه.

المعصر: هي التي دنت من الحيض، ويقال: هي التي أدركت.

21 -

ت ق:‌

‌ ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي

.

من مسلمة الفتح، له صحبة ورواية. وعنه: ابنه يزيد وغيره. وهو الذي صارع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وكان أشد قريش، فقال: يا محمد إن صرعتني آمنت بك، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد إنك ساحر.

ولما أسلم أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم خمسين وسقا بخيبر، وسكن المدينة وبها توفي في أول خلافة معاوية.

22 -

د ت ن:‌

‌ رويفع بن ثابت الأنصاري النجاري

.

له صحبة، شهد فتح مصر، وروى أحاديث. روى عنه حنش الصنعاني، وبسر بن عبيد الله، ومرثد اليزني. وولي غزو إفريقية لمعاوية سنة ست وأربعين.

وقال أحمد بن عبد الله البرقي: توفي ببرقة وهو أمير عليها، رأيت قبره ببرقة رضي الله عنه.

23 -

ق:‌

‌ زياد بن ثعلبة بن سنان

، أبو عبد الله الخزرجي. أحد بني بياضة.

ص: 407

شهد بدرا والعقبة، وكان لبيبا فقيها، ولي للنبي صلى الله عليه وسلم حضرموت، وله أثر حسن في قتال أهل الردة.

روى عنه أبو الدرداء ومات قبله، وعوف بن مالك، وسالم بن أبي الجعد، وروايته مرسلة.

وقد كان أسلم وسكن مكة ثم هاجر، فهو أنصاري مهاجري. له حديث في ذهاب العلم.

قال خليفة: مات في أول خلافة معاوية.

24 -

ع:‌

‌ زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار أبو سعيد

، وأبو خارجة الأنصاري النجاري المقرئ الفرضي، كاتب الوحي.

قتل أبوه يوم بعاث قبل الهجرة، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وزيد صبي ابن إحدى عشرة سنة، فأسلم وتعلم الخط العربي والخط العبراني، وكان فطنا ذكيا إماما في القرآن إماما في الفرائض.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه القرآن، وروى أيضا عن أبي بكر، وعمر. وعنه ابنه خارجة، وابن عباس، وابن عمر، ومروان بن الحكم، وعبيد بن السباق، وعطاء بن يسار، وبشر بن سعيد، وعروة بن الزبير، وطاوس، وخلق سواهم، وعرض عليه القرآن طائفة.

قال أبو عمرو الداني: عرض عليه ابن عباس، وأبو العالية، وأبو عبد الرحمن السلمي، وشهد الخندق وما بعدها. وكان عمر إذا حج استخلفه على المدينة. وهو الذي ندبه عثمان لكتابة المصاحف، وهو الذي تولى قسمة غنائم اليرموك.

وقال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن أبيه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن إحدى عشرة سنة، وأمرني أن أتعلم كتاب يهود، فكنت أقرأ إذا كتبوا إليه، ولما قدم أبي بي إليه فقالوا: هذا غلام من بني النجار، وقد قرأ مما أنزل عليك بضع عشرة سورة، فقرأت عليه فأعجبه

ص: 408

ذلك وقال: يا زيد تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمنهم على كتابي. قال: فتعلمته فحذقته في نصف شهر.

وعن زيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل الوحي بعث إلي فكتبته.

وقال زيد: قال لي أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه. فقلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك.

وقال أنس: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد الأنصاري.

وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرض أمتي زيد بن ثابت.

ويروى عن معمر، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد، وأقرأهم أبي، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح.

رواه الترمذي وقال: غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلا من هذا الوجه. وقد رواه أبو قلابة، عن أنس.

قلت: هو صحيح من حديث أبي قلابة، رواه جماعة عن خالد

ص: 409

الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعلمهم بالفرائض زيد.

وقال الشعبي: غلب زيد الناس على اثنتين: على الفرائض والقرآن.

وقال مسروق: كان أهل الفتوى من الصحابة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأبو موسى.

وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد لما قال قائل الأنصار: منكم أمير ومنا أمير، قال: فقام زيد بن ثابت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين ونحن أنصاره. فقال أبو بكر: جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا وثبت قائلكم، ولو قلتم غير هذا ما صالحناكم.

وعن ابن عمر قال: فرق عمر الصحابة في البلدان، وحبس زيد بن ثابت بالمدينة يفتي أهلها.

وعن سليمان بن يسار، قال: ما كان عمر وعثمان يقدمان أحدا على زيد بن ثابت في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة.

وقال حجاج بن أرطاة، عن نافع، قال: استعمل عمر زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقا.

وقال ابن شهاب: لو هلك عثمان وزيد بن ثابت في بعض الزمان لهلك علم الفرائض، لقد أتى على الناس زمان وما يعلمها غيرهما.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي: الناس على قراءة زيد، وفرض زيد.

وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن ابن عباس: إنه قدم إلى زيد بن ثابت، فأخذ له بركابه فقال: تنح يا ابن عم رسول الله، قال: إنا هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا.

وقال الأعمش، عن ثابت بن عبيد قال: كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في أهله ومن أزمته عند القوم.

ص: 410

وقال يحيى بن سعيد: لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: مات حبر الأمة، ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفا.

الأنصاري: حدثنا هشام بن حسان، قال: حدثنا محمد بن سيرين قال: خرج زيد بن ثابت يريد الجمعة فاستقبله الناس راجعين، فدخل دارا، فقيل له، فقال: إنه من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله.

قال الواقدي، ويحيى بن بكير، وخليفة، ومحمد بن عبد الله بن نمير: توفي سنة خمس وأربعين.

وقال علي ابن المديني: توفي سنة أربع وخمسين.

وقال أحمد بن حنبل وأبو حفص الفلاس: سنة إحدى وخمسين.

وقال الهيثم بن عدي، والمدائني، ويحيى بن معين: توفي سنة خمس وخمسين.

25 -

‌ زيد بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي

، وأمه أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء.

قال عطاء الخراساني: توفي شابا ولم يعقب.

وقال ابن عمر: إنه صلى على أخيه زيد، وأمه أم كلثوم.

وقال أبو عمرو بن العلاء، عن رجل من الأنصار، عن أبيه، قال: وفدنا مع زيد بن عمر إلى معاوية، فأجلسه على السرير، وهو يومئذ من أجمل الناس، فأسمعه بسر بن أبي أرطاة كلمة، فنزل إليه زيد فخنقه حتى صرعه، وبرك على صدره، وقال لمعاوية: إني لأعلم أن هذا عن رأيك وأنا ابن الخليفتين، ثم خرج إلينا زيد وقد تشعث رأسه وعمامته، ثم اعتذر إليه معاوية، وأمر له بمائة ألف، وأمر لكل واحد منا بأربعة آلاف، ونحن عشرون رجلا.

يقال: أصابه حجر في خرابة ليلا فمات.

26 -

‌ سالم بن عمير بن ثابت بن النعمان الأنصاري الأوسي

.

ص: 411

أحد البكائين، شهد بدرا والمشاهد، وبقي إلى خلافة معاوية.

27 -

م ت ن ق:‌

‌ سفيان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث

، وقيل: ابن عبد الله بن حطيط بن عمرو الثقفي الطائفي.

ولي الطائف لعمر بن الخطاب، وله صحبة ورواية، وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله ثم استقم.

روى عنه ابناه عبيد الله، وعاصم، وعروة بن الزبير، وعبد الرحمن بن ماعز، وآخرون.

28 -

‌ سفيان بن مجيب الأزدي

.

ولي بعلبك لمعاوية، وله صحبة.

روى إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن يوسف، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلام، عن حجاج الثمالي، وله صحبة، قال: حدثني سفيان بن مجيب، وكان من قدماء الصحابة.

29 -

د ن ق:‌

‌ السائب بن أبي السائب

، صيفي بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

مختلف في إسلامه، فابن إسحاق يقول: قتل يوم بدر كافرا. ثم تبعه الزبير بن بكار، ثم نقض الزبير ذلك في موضعين من كتابه، والظاهر إسلامه وبقاؤه إلى خلافة معاوية، وأنه هو شريك النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل المبعث.

وفي السنن حديث لمجاهد، عن قائد السائب، عن السائب، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى الزبير بإسناده، عن كعب مولى سعيد بن العاص، أن معاوية طاف في خلافته بالبيت في جنده، فزحموا السائب بن صيفي بن عائذ فوقع. فقال: ما هذا يا معاوية، تصرعوننا حول البيت! أما والله لقد أردت أن أتزوج أمك. قال: ليتك فعلت، فجاءت بمثل ولدك أبي السائب.

ص: 412

وقد ورد عن ابن عباس، أن السائب أسلم يوم الفتح، وأنه من المؤلفة قلوبهم.

قال ابن عبد البر: وهو ممن حسن إسلامه. وقد اختلف في اسم شريك النبي صلى الله عليه وسلم على أقوال، فقيل: هو عبد الله ولد السائب هذا.

30 -

‌ سلمة بن وقش الأنصاري الأشهلي

، أبو عوف.

من أهل المدينة. كان أحد من شهد بدرا والعقبتين، وعاش سبعين سنة.

توفي سنة خمس وأربعين، وقيل: سنة أربع وثلاثين.

روى عنه محمود بن لبيد في مسند أحمد.

31 -

ع:‌

‌ سهل بن أبي حثمة

، أبو عبد الرحمن، وأبو يحيى الأنصاري الخزرجي المدني.

قال أبو حاتم: كان دليل النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أحد، وشهد المشاهد كلها سوى بدر، حدثني بذلك رجل من ولده.

وأما الواقدي فقال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين، وهذا غلط.

روى عنه من الصحابة محمد بن مسلمة، وأبو ليلى الأنصاريان، وابنه محمد، وابن أخيه محمد بن سليمان، وصالح بن خوات، وبشير بن يسار، وعروة بن الزبير، ونافع بن جبير، وآخرون.

أظنه توفي في خلافة معاوية، ورواية الزهري عنه مرسلة، وفي اسم أبيه أقوال.

ص: 413

32 -

د ت:‌

‌ سهل بن الحنظلية

، وهي أمه، واسم أبيه عمرو، ويقال: الربيع بن عمرو الأنصاري.

شهد بيعة الرضوان، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه بشر أبو قيس التغلبي، وأبو كبشة السلولي.

وكان رجلا متوحدا ما يجالس أحدا، إنما هو في صلاة، فإذا انصرف إنما هو في تسبيح وذكر، وشهد أحدا والخندق، وسكن الشام، وتوفي في صدر خلافة معاوية.

33 -

م 4:‌

‌ صفوان بن أمية بن خلف

، أبو وهب الجمحي المكي.

قتل أبوه يوم بدر، وأسلم هو يوم الفتح بل بعده، وكان من المؤلفة قلوبهم، ثم شهد اليرموك أميرا على كردوس.

روى عنه: ابنه أمية، وابن أخيه حميد بن حجير، وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وطاوس.

وشهد حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو على شركه بعد، وأعار النبي صلى الله عليه وسلم سلاحا وأدرعا يومئذ. وكان شريفا مطاعا كثير المال، ورد أنه ملك قنطارا من الذهب.

يقال: إنه وفد على معاوية، فأقطعه زقاق صفوان.

وعن أبي حصين الهذلي، قال: استقرض النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية خمسين ألفا فأقرضه.

قال الهيثم بن عدي، والمدائني: مات صفوان سنة إحدى وأربعين.

وقال خليفة: سنة اثنتين.

34 -

ع: صفية، أم المؤمنين بنت حيي بن أخطب بن سعنة، من سبط لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ثم من ولد هارون أخي موسى عليهما السلام.

ص: 414

تزوجها سلام اليهودي، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق، وكانا من شعراء اليهود، ثم قتل كنانة يوم خيبر، فسباها رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، وجعل صداقها عتقها.

روى عنها علي بن الحسين، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث، ومولاها كنانة، وغيرهم.

قال ابن عبد البر: روينا أن جارية لصفية أتت عمر، فقالت: إن صفية تحب السبت وتصل اليهود، فبعث إليها عمر فسألها فقالت: أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحما، فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: الشيطان، قالت: فاذهبي فأنت حرة.

وفي الترمذي من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، حدثنا كنانة، قال: حدثتنا صفية بنت حيي قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام، فذكرت ذلك له، فقال: ألا قلت: وكيف تكونان خيرا مني وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى. وكان بلغها أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله منها، نحن أزواجه، وبنات عمه.

وقال ثابت البناني: حدثتني سمية أو سمسمة، عن صفية بنت حيي أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بنسائه، فبرك بصفية جملها، فبكت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبروه، فجعل يمسح دموعها بيده، وهي تبكي، وهو ينهاها، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش: أفقري أختك جملا وكانت من أكثرهن ظهرا، فقالت: أنا أفقر يهوديتك،

ص: 415

فغضب صلى الله عليه وسلم فلم يكلمها حتى رجع إلى المدينة ومحرم وصفر، فلم يأتها، ولم يقسم لها، ويئست منه، فلما كان ربيع الأول دخل عليها، فلما رأته قالت: يا رسول الله ما أصنع؟ قال: وكانت لها جارية تخبئها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: فلانة لك. قال: فمشى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سريرها، وكان قد رفع، فوضعه بيده، ورضي عن أهله.

وقال الحسين بن الحسن الأشقر: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مالك بن مالك، عن صفية بنت حيي قالت: قلت: يا رسول الله ليس من نسائك أحد إلا ولها عشيرة، فإن حدث بك حدث فإلى من ألجأ؟ قال: إلى علي.

مالك مجهول، والحديث غريب.

وكانت من عقلاء النساء، توفيت سنة خمسين، وقيل: سنة ست وثلاثين.

35 -

د ن ق:‌

‌ ضباعة بنت الزيبر بن عبد المطلب الهاشمية

، بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجة المقداد بن الأسود.

روى عنها زوجها، وبنتها كريمة بنت المقداد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والأعرج.

36 -

ن:‌

‌ عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان البلوي

، أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الله. حليف بني عمرو بن عوف.

رده النبي صلى الله عليه وسلم من بدر إلى مسجد الضرار لشيء بلغه عنهم، وضرب له بسهمه وأجره. وطال عمره، وكان سيد بني العجلان.

روى عنه ابنه أبو البداح حديثا أخرجه النسائي في رمي الجمار.

ص: 416

وقال ابن إسحاق: رده رسول الله صلى الله عليه وسلم من الروحاء، واستخلفه على العالية في غزوة بدر.

وقيل: إنه توفي سنة خمس وأربعين، وله من العمر مائة وخمس عشرة سنة. كذا قال الواقدي في سنه.

37 -

م 4:‌

‌ عبد الله بن أنيس

، الجهني، ثم الأنصاري، حليف الأنصار.

شهد العقبة، وبدرا لم يشهدها، بل شهد أحدا. كنيته أبو يحيى، وقيل: يقال له: الجهني، وليس بجهني، بل ذلك لقب له، وهو من قضاعة.

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه مخصرة كان يتخصر بها. وهو الذي رحل إليه جابر بن عبد الله إلى مصر، وسمع منه حديث القصاص.

توفي في خلافة معاوية، وسيعاد.

38 -

ع:‌

‌ عبد الله بن سلام بن الحارث

، أبو يوسف الإسرائيلي النسب حليف الأنصار.

أسلم عند مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان اسمه الحصين فسماه عبد الله، وشهد له بالجنة.

حماد بن سلمة: أخبرنا عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بقصعة فقال: يجيء رجل من هذا الفج من أهل الجنة يأكل هذه الفضلة، فجاء عبد الله بن سلام فأكلها. رواه عبد في مسنده عن عفان، عنه.

روى عنه أنس بن مالك، وقاضي البصرة، وزرارة بن أوفى، وأبو سعيد المقبري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بردة بن أبي موسى، وابناه

ص: 417

يوسف ومحمد ابنا عبد الله، وجماعة. وشهد فتح بيت المقدس مع عمر.

وقيل: إنه من ذرية يوسف عليه السلام، وحلفه في القواقلة، وكان من الأحبار.

تقدم خبر إسلامه في الترجمة النبوية، وأن اليهود شهدوا فيه أنه عالمهم وابن عالمهم.

وفي الصحيح من حديث سعد، قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد أنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام.

وقال سعد: فيه نزلت: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ}

وجاء من غير وجه: أن عبد الله رأى رؤيا، فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: تموت وأنت مستمسك بالعروة الوثقى.

وثبت عن يزيد بن عميرة قال: لما احتضر معاذ قيل: أوصنا، قال: أجلسوني، ثم قال: إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، فالتمسوا العلم عن أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة.

أخرجه الترمذي من حديث أبي إدريس الخولاني، عن يزيد، ورواه زيد بن رفيع، عن معبد الجهني، عن يزيد بن عميرة.

اتفقوا على وفاته في سنة ثلاث وأربعين.

39 -

‌ عبد الله بن قيس العتقي

.

ص: 418

شهد فتح مصر وله صحبة. توفي سنة تسع وأربعين، ولا تحفظ له رواية.

40 -

‌ عبد الرحمن بن خالد بن الوليد

، بن المغيرة المخزومي.

أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، وشهد اليرموك مع أبيه، وسكن حمص. وكان أحد الأبطال كأبيه، وكان معه لواء معاوية يوم صفين. وكان يستعمله معاوية على غزو الروم. وكان شريفا شجاعا ممدحا.

روى عنه خالد بن سلمة، وعمرو بن قيس، وغيرهما.

وقال سيف: كان عمره يوم اليرموك ثمان عشرة سنة، وكان يومئذ على كردوس.

وقال غيره: ولي إمرة حمص مدة وكان مشكور السيرة.

قال أبو عبيد وغيره: توفي سنة ست وأربعين.

41 -

ع:‌

‌ عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي

، أبو سعيد القرشي العبشمي.

هكذا نسبه ابن الكلبي، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو عبيد، وجماعة، وزاد في نسبه مصعب الزبيري، وابن أخيه الزبير بن بكار بعد حبيب: ربيعة.

أسلم يوم الفتح، ونزل البصرة، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسأل الإمارة. وغزا سجستان أميرا كما مضى.

روى عنه ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وحيان بن عمير، ومحمد بن سيرين، وحميد بن هلال، والحسن البصري، وأخوه سعيد.

ويروى أن اسمه كان: عبد كلال، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 419

توفي سنة خمسين بالبصرة، ويقال: سنة إحدى وخمسين.

42 -

ن:‌

‌ عتبة بن فرقد السلمي

، أبو عبد الله.

له صحبة ورواية، وكان من كبار قومه. نزل الكوفة. روى عنه قيس بن أبي حازم، والشعبي، وغيرهما.

43 -

‌ عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموي

.

شهد يوم الدار مع عثمان، وداره بدمشق بدرب الحبالين. ولي المدينة وإمرة الحج غير مرة.

وحكى عنه ابنه الوليد أنه شهد الجمل مع عائشة، ثم نجا ولحق بأخيه، وذهبت عينه يومئذ. وولي مصر سنة ثلاث وأربعين، وكان فصيحا مفوها.

توفي بثغر الإسكندرية في ذي القعدة سنة أربع وأربعين، وهو أخو معاوية لأبويه.

44 -

ت ن ق:‌

‌ عثمان بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي

.

له صحبة، ولاه عمر السواد، وتولى مساحته بأمر عمر.

روى عنه ابن أخيه أبو أمامة بن سهل، وعمارة بن خزيمة بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله، وغيرهم، وكان أميرا شريفا.

شعيب بن أبي حمزة، مما روى عنه ابنه بشر، عن الزهري، عن عمر بن عبد العزيز، عن حريث بن نوفل بن مساحق قال: انتجى عمر وعثمان بن حنيف في المسجد والناس محيطون بهما، فلم يزالا يتجادلان في الرأي حتى أغضب عثمان عمر، فقبض من حصباء المسجد قبضة ضرب بها وجه عثمان، فشج الحصى بجبهته آثارا من شجاج، فلما رأى عمر كثرة تسرب الدم على لحيته قال: امسح عنك الدم، فقال: يا أمير المؤمنين لا يهولنك، فوالله إني لأنتهك مما وليتني أمره من رعيتك أكثر مما انتهكت مني، فأعجب بها عمر من رأيه وحلمه وزاد به عنده خيرا.

ص: 420

45 -

م د:‌

‌ عثمان بن طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار

بن قصي القرشي العبدري الحجبي، حاجب الكعبة.

هاجر مع عمرو بن العاص وخالد ثم سكن مكة. روى عنه ابن عمر، وعروة بن الزبير، وابن عمه شيبة بن عثمان، وغيرهم. ودفع إليه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح.

وقال عوف الأعرابي عن رجل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المفتاح شيبة بن عثمان عام الفتح وقال: دونك هذا فأنت أمين الله على بيته.

قلت: شيبة أسلم يوم حنين، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ولاه الحجابة لما اعتمر من الجعرانة مشاركا لعثمان هذا في الحجابة، فإن شيبة كان حاجب الكعبة يوم قال له عمر: أريد أن أقسم مال الكعبة، كما في البخاري.

فعن أبي بشر، عن مسافع بن شيبة، عن أبيه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة يصلي، فإذا فيها تصاوير، فقال: يا شيبة اكفني هذه، فاشتد ذلك عليه، فقال له رجل: طينها ثم الطخها بزعفران، ففعل.

وقالت صفية بنت شيبة: أخبرتني امرأة من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من الكعبة أمر عثمان بن طلحة أن يغيب قرني الكبش، يعني كبش إسماعيل، وقال: لا ينبغي للمصلي أن يصلي وبين يديه شيء يشغله.

قتل طلحة يوم أحد مشركا.

وقال عبد الله بن المؤمل المخزومي، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، يعني الحجابة.

قال مصعب: قتل بأجنادين سنة ثلاث عشرة.

ص: 421

وقال الهيثم بن عدي، والمدائني: توفي سنة إحدى وأربعين.

وقال خليفة: توفي سنة اثنتين وأربعين.

46 -

ن ق:‌

‌ عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي

، أبو يزيد، ويقال: أبو عيسى، وكان أكبر من جعفر وعلي.

أسلم وشهد غزوة مؤتة، وله عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه ابنه محمد، وحفيده عبد الله بن محمد، وموسى بن طلحة، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وأبو صالح السمان.

ووفد على معاوية فأكرمه، وكان أكبر من علي بعشرين سنة، وعاش بعده مدة، وكان علامة بالنسب وأيام العرب.

قال ابن سعد: وكان عقيل ممن أخرج من بني هاشم كرها إلى بدر، فأسر يومئذ، وكان لا مال له، ففداه العباس. ثم هاجر في أول سنة ثمان، ثم عرض له مرض بعد شهوده غزوة مؤتة، فلم يسمع له بذكر في الفتح ولا ما بعدها، وقد أطعمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر كل سنة مائة وأربعين وسقا.

وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطي كل نبي سبعة رفقاء نجباء، وأعطيت أنا أربعة عشر، فذكر منهم عقيلا.

وروي من وجوه مرسلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعقيل: يا أبا يزيد إني أحبك حبين، حبا لقرابتك مني، وحبا لحب أبي طالب إياك.

وعن داود بن أبي هند، أن عليا دخل عليه عقيل ومعه كبش فقال: إن أحد الثلاثة أحمق، فقال عقيل: أما أنا وكبشي فلا.

وقال عطاء: رأيت عقيلا شيخا كبيرا غرب زمزم.

وقال أبو جعفر الباقر: أتى عقيل عليا بالعراق ليعطيه، فأبى، فقال:

ص: 422

أذهب إلى من هو أوصل منك، فذهب إلى معاوية، فعرف له معاوية قدومه، ثم قال: هذا عقيل وعمه أبو لهب، فقال: هذا معاوية وعمته حمالة الحطب.

وقال غسان بن مضر: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا حميد بن هلال، أن عقيلا سأل عليا فقال: إني محتاج وفقير. فقال: اصبر حتى يخرج عطائي، فألح عليه. فقال لرجل: خذ بيده، فانطلق به إلى الحوانيت، فقل: دق الأقفال وخذ ما في الحوانيت. فقال: تريد أن تتخذني سارقا! قال: وأنت تريد أن تتخذني سارقا وأعطيك أموال الناس. قال: لآتين معاوية. قال: أنت وذاك، فأتى معاوية، فأعطاه مائة ألف، ثم قال: اصعد على المنبر فاذكر ما أولاك علي وما أوليتك، قال: فصعد المنبر فحمد الله ثم قال: أيها الناس إني أخبركم أني أردت عليا على دينه، فاختار دينه علي، وأردت معاوية على دينه فاختارني على دينه. فقال معاوية: هذا الذي تزعم قريش أنه أحمق!!.

توفي عقيل في خلافة معاوية.

47 – ن ق:‌

‌ عمارة بن حزم

، بن زيد بن لوذان الأنصاري النجاري، أبو عبد الله.

أحد من شهد بدرا، ذهب بصره، وبقي إلى خلافة معاوية.

48 – ع:‌

‌ عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله بن إياس

، أبو أمية الضمري.

أسلم بعد أحد، وشهد بئر معونة وما بعدها، وكان من أولي النجدة والشجاعة والإقدام، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وحده. وبعثه بكتابه إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام فأسلم.

روى عنه ابناه جعفر، وعبد الله، وابن أخيه الزبرقان بن عبد الله، والشعبي، وأبو سلمة، وأبو قلابة الجرمي. وتوفي بالمدينة، وشهد بدرا مع

ص: 423

المشركين، وبقي إلى أيام معاوية.

49 -

ن ق:‌

‌ عمرو بن الحمق الخزاعي

.

له صحبة ورواية، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وسمع منه. روى عنه رفاعة بن شداد، وجبير بن نفير، وعبد الله بن عامر المعافري.

وقال ابن سعد: كان أحد الرؤوس الذين ساروا إلى عثمان، وقتله ابن أم الحكم بالجزيرة.

وقال خليفة: كان عمرو بن الحمق يوم صفين على خزاعة مع علي.

وعن الشعبي قال: لما قدم زياد الكوفة أثاره عمارة بن عقبة بن أبي معيط فقال: إن عمرو بن الحمق من شيعة علي، فسير إليه يقول: ما هذه الزرافات التي تجتمع عندك! من أرادك أو أردت كلامه ففي المسجد.

وعنه قال: تطلب زياد رؤساء أصحاب حجر، فخرج عمرو إلى الموصل هو ورفاعة بن شداد، فكمنا في جل، فبلغ عامل ذلك الرستاق، فاستنكر شأنهما، فسار إليهما في الخيل، فأما عمرو بن الحمق فكان مريضا، فلم يكن عنده امتناع، وأما رفاعة فكان شابا، فركب وحمل عليهم، فأفرجوا له، ثم طلبته الخيل، وكان راميا فرماهم فانصرفوا، وبعثوا بعمرو إلى عبد الرحمن بن أم الحكم أمير الموصل، فكتب فيه إلى معاوية، فكتب إليه معاوية: إنه زعم أنه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص، ونحن لا نعتدي عليه فاطعنه كذلك، ففعل به ذلك، فمات في الثانية.

وقال أبو إسحاق، عن هنيدة الخزاعي قال: أول رأس أهدي في الإسلام رأس عمرو بن الحمق.

وقال عمار الدهني: أول رأس نقل رأس ابن الحمق، وذلك لأنه لدغ فمات، فخشيت الرسل أن تتهم به، فحزوا رأسه وحملوه.

ص: 424

قلت: هذا أصح مما مر، فإن ذاك من رواية ابن الكلبي، فالله أعلم هل قتل أو لدغ.

وقال خليفة: قتل سنة خمسين.

50 -

‌ عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب

، أبو عبد الله، وأبو محمد القرشي السهمي.

أسلم في الهدنة وهاجر، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش غزوة ذات السلاسل، وفيه أبو بكر وعمر، لخبرته بمكيدة الحرب. ثم ولي الإمرة في غزوة الشام لأبي بكر وعمر. ثم افتتح مصر ووليها لعمر.

وله عدة أحاديث. روى عنه ابناه عبد الله ومحمد، وأبو عثمان النهدي، وقبيصة بن ذؤيب، وعلي بن رباح، وعبد الرحمن بن شماسة، وآخرون.

وقال ابن عبد البر: أسلم عمرو بن العاص في صفر سنة ثمان، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية نحو الشام في جمادى الآخرة سنة ثمان فيما ذكره الواقدي إلى السلاسل، ثم أمده النبي صلى الله عليه وسلم بمائتي فارس، فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، إلى أن قال: ثم ولي مصر لمعاوية، ومات بها يوم الفطر سنة ثلاث وأربعين على الأصح، فصلى ابنه عليه، ثم رجع فصلى بالناس صلاة العيد، ثم ولي مصر بعده عتبة أخو معاوية، فبقي سنة ومات، فولي مصر مسلمة بن مخلد، انتهى.

وقدم عمرو دمشق رسولا من أبي بكر إلى هرقل، وله بدمشق دار عند سقيفة كردوس، ودار عند باب الجابية، تعرف ببني حجيجة، ودار عند عين الحمى. وأمه عنزية، وكان قصيرا يخضب بالسواد.

قال حماد بن سلمة: عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي

ص: 425

هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ابنا العاص مؤمنان، هشام وعمرو.

ابن لهيعة عن مشرح، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص. رواه الترمذي.

وقال ابن أبي مليكة: قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عمرو بن العاص من صالحي قريش. أخرجه الترمذي، وفيه انقطاع.

وقال ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أخبرني سويد بن قيس، عن قيس بن شفي، أن عمرو بن العاص قال: يا رسول الله أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، قال: إن الإسلام والهجرة يجبان ما كان قبلهما، قال: فوالله ما ملأت عيني منه ولا راجعته بما أريد، حتى لحق بالله حياء منه.

وقال الحسن البصري: قال رجل لعمرو بن العاص: أرأيت رجلا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبه، أليس رجلا صالحا؟ قال: بلى، قال: قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبك، وقد استعملك، قال: بلى، فوالله ما أدري أحبا كان لي منه، أو استعانة بي، ولكن سأحدثك برجلين مات وهو

ص: 426

يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر. فقال الرجل: ذاك قتيلكم يوم صفين. قال: قد والله فعلنا.

وروي أن عمرا لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان على عمان، فأتاه كتاب أبي بكر بذلك.

قال ضمرة، عن الليث بن سعد، أن عمر نظر إلى عمرو بن العاص يمشي فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا.

وقال جويرية بن أسماء: حدثني عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا أشياخنا أن الفتنة وقعت، وما رجل من قريش له نباهة أعمى فيها من عمرو بن العاص، وما زال معتصما بمكة ليس في شيء مما فيه الناس، حتى كانت وقعة الجمل، فلما فرغت بعث إلى ولديه عبد الله ومحمد فقال: إني قد رأيت رأيا، ولستما باللذين ترداني عن رأيي، ولكن أشيرا علي، إني رأيت العرب صاروا غارين يضطربان، وأنا طارح نفسي بين جزاري مكة، ولست أرضى بهذه المنزلة، فإلى أي الفريقين أعمد؟ قال له عبد الله: إن كنت لا بد فاعلا، فإلى علي. قال: إني إن أتيت عليا قال: إنما أنت رجل من المسلمين، وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه، ويشركني في أمره، فأتى معاوية.

وعن عروة، أو غيره قال: دعا ابنيه، فأشار عليه عبد الله أن يلزم بيته، لأنه أسلم له، فقال له محمد: أنت شريف من أشراف العرب، وناب من أنيابها، لا أرى أن تتخلف، فقال لعبد الله: أما أنت فأشرت علي بما هو خير لي في آخرتي، وأما أنت يا محمد فأشرت علي بما هو أنبه لذكري، ارتحلا. فارتحلوا إلى معاوية، فأتوا رجلا قد عاد المرضى، ومشى بين الأعراض، يقص على أهل الشام غدوة وعشية: يا أهل الشام إنكم على خير وإلى خير، تطلبون بدم خليفة قتل مظلوما، فمن عاش منكم فإلى خير، ومن مات فإلى خير. فقال عبد الله: ما أرى الرجل إلا قد انقطع بالأمر دونك، قال: دعني وإياه، ثم إن عمرا قال: يا معاوية أحرقت كبدي

ص: 427

بقصصك، أترى أنا خالفنا عليا لفضل منا عليه، لا والله، إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها، وايم الله لتقطعن لي قطعة من دنياك، أو لأنابذنك، قال: فأعطاه مصر، يعطي أهلها عطاءهم، وما بقي فله.

ويروى أن عليا كتب إلى عمرو يتألفه، فلما أتاه الكتاب أقرأه معاوية وقال: قد ترى، فإما أن ترضيني، وإما أن ألحق به، قال: فما تريد؟ قال: مصر، فجعلها له.

وعن يزيد بن أبي حبيب وغيره، أن الأمر لما صار لمعاوية استكثر طعمة مصر لعمرو، ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره وعنائه، وظن أن معاوية سيزيده الشام مع مصر، فلم يفعل معاوية، فتنكر له عمرو، فاختلفا وتغالظا، فدخل بينهما معاوية بن حديج، فأصلح أمرهما، وكتب بينهما كتابا: أن لعمرو ولاية مصر سبع سنين، وأشهد عليهما شهودا، ثم مضى عمرو إليها سنة تسع وثلاثين، فما مكث نحو ثلاث سنين حتى مات.

ويروى أن عمرا ومعاوية اجتمعا، فقال معاوية له: من الناس؟ قال: أنا، وأنت، والمغيرة بن شعبة، وزياد، قال: وكيف ذاك؟ قال: أما أنت فللتأني، وأما أنا فللبديهة، وأما مغيرة فللمعضلات، وأما زياد فللصغير والكبير، قال: أما ذانك فقد غابا، فهات أنت بديهتك، قال: وتريد ذلك؟ قال: نعم، قال: فأخرج من عندك، فأخرجهم، فقال: يا أمير المؤمنين أسارك، قال: فأدنى منه رأسه، فقال: هذا من ذاك، من معنا في البيت حتى أسارك؟!.

وقال جويرية بن أسماء: إن عمرا قال لابن عباس: يا بني هاشم، أما والله لقد تقلدتم بقتل عثمان قرم الإماء العوارك، أطعتم فساق أهل العراق في عتبة، وأجزرتموه مراق أهل مصر، وآويتم قتلته. فقال ابن عباس: إنما تكلم لمعاوية، وإنما تكلم عن رأيك، وإن أحق الناس أن لا يتكلم في أمر عثمان لأنتما، أما أنت يا معاوية فزينت له ما كان يصنع، حتى إذا حصر طلب منك نصرك، فأبطأت عنه، وأحببت قتله وتربصت به، وأما أنت يا عمرو، فأضرمت المدينة عليه، وهربت إلى فلسطين تسأل عن أبنائه،

ص: 428

فلما أتاك قتله أضافتك عداوة علي أن لحقت بمعاوية، فبعت دينك منه بمصر، فقال معاوية: حسبك يرحمك الله، عرضني لك عمرو، وعرض نفسه.

وكان عمرو من أفراد الدهر دهاء، وجلادة، وحزما، ورأيا، وفصاحة.

ذكر محمد بن سلام الجمحي: أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى رجلا يتلجلج في كلامه قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد.

وقال مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جابر قال: صحبت عمر، فما رأيت رجلا أقرأ لكتاب الله منه، ولا أفقه في دين الله منه، ولا أحسن مداراة منه، وصحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت رجلا أعطى لجزيل منه من غير مسألة، وصحبت معاوية، فما رأيت أحلم منه، وصحبت عمرو بن العاص، فما رأيت رجلا أبين، أو قال أنصع، طرفا منه، ولا أكرم جليسا، ولا أشبه سريرة بعلانية منه، وصحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب، لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها.

وقال موسى بن علي بن رباح، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو قيس مولى عمرو بن العاص، أن عمرا كان يسرد الصوم، وقلما كان يصيب من العشاء أول الليل أكثر مما كان يأكل من السحر.

وقال عمرو بن دينار: وقع بين المغيرة بن شعبة وبين عمرو بن العاص كلام، فسبه المغيرة، فقال عمرو: يا لهصيص، أيسبني ابن شعبة! فقال عبد الله ابنه: إنا لله، دعوت بدعوى القبائل وقد نهي عنها. فأعتق ثلاثين رقبة.

وقال عمرو بن دينار: أخبرني مولى لعمرو بن العاص، أن عمرا أدخل في تعريش الوهط - وهو بستان له بالطائف - ألف ألف عود، كل عود بدرهم.

وقال يزيد بن أبي حبيب: حدثني عبد الرحمن بن شماسة قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى، فقال له ابنه: لم تبكي، أجزعا من الموت؟! قال: لا والله ولكن ما بعد، قال: قد كنت على خير، فجعل

ص: 429

يذكره صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتوحه الشام، فقال عمرو: تركت أفضل من ذلك كله، شهادة أن لا إله إلا الله، إني كنت على ثلاث أطباق، ليس منها طبقة إلا عرفت نفسي فيها؛ كنت أول شيء كافرا، وكنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو مت حينئذ لوجبت لي النار، فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أشد الناس منه حياء، ما ملأت عيني منه، فلو مت حينئذ لقال الناس: هنيئا لعمرو، أسلم على خير، ومات على خير أحواله، ثم تلبست بعد ذلك بأشياء، فلا أدري أعلي أم لي، فإذا أنا مت فلا يبكى علي ولا تتبعوني نارا، وشدوا علي إزاري، فإني مخاصم، فإذا واريتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعها، أستأنس بكم، حتى أعلم ما أراجع رسل ربي.

أخرجه أبو عوانة في مسنده.

وقال الزهري: عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو؛ أن أباه قال: اللهم أمرت بأمور ونهيت عن أمور، تركنا كثيرا مما أمرت، ووقعنا في كثير مما نهيت، اللهم لا إله إلا أنت. ثم أخذ بإبهامه، فلم يزل يهلل حتى توفي.

وقال أبو فراس مولى عبد الله بن عمرو: إن عمرا توفي ليلة الفطر، فصلى عليه ابنه ودفنه، ثم صلى بالناس صلاة العيد.

قال الليث، والهيثم بن عدي، والواقدي، وابن بكير، وغيرهم: توفي سنة ثلاث وأربعين ليلة عيد الفطر، زاد يحيى بن بكير: وسنه نحو مائة سنة.

وقال أحمد العجلي: وعمره تسع وتسعون سنة.

ص: 430

وقال ابن نمير: توفي في سنة اثنتين وأربعين.

فائدة: قال الطحاوي: حدثنا المزني، قال: سمعت الشافعي يقول: دخل ابن عباس على عمرو بن العاص وهو مريض فقال: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلا، وأفسدت من ديني كثيرا، فلو كان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت، فعظني بموعظة أنتفع بها يا ابن أخي. فقال: هيهات يا أبا عبد الله. فقال: اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك، فخذ مني حتى ترضى.

ولعمرو بن العاص ترجمة طويلة في طبقات ابن سعد ثمان عشرة ورقة.

51 -

‌ عمرو بن معدي كرب بن عبد الله بن عمرو بن عصم بن عمرو بن زبيد

، أبو ثور الزبيدي.

له وفادة على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد اليرموك وأبلى بلاء حسنا يوم القادسية. وكان فارسا بطلا ضخما عظيما، أجش الصوت، إذا التفت التفت جميعا، وهو أحد الشجعان المذكورين، وارتد عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع وحسن إسلامه.

وقيل: كان يأكل أكل جماعة، أكل مرة عنزا رباعيا وثلاثة آصع ذرة.

وقال جويرية بن أسماء: شهد صفين غير واحد أبناء خمسين ومائة سنة، منهم عمرو بن معدي كرب.

توفي عمرو هذا في إمرة معاوية.

52 -

ت:‌

‌ عمير بن سعد بن شهيد بن قيس الأنصاري الأوسي

، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان من زهاد الصحابة وفضلائهم، روى عنه ابنه محمود، وكثير بن مرة، وأبو إدريس الخولاني، وراشد بن سعد، وغيرهم.

ص: 431

وكان يقال له: نسيج وحده، واستعمله عمر على حمص.

ووهم ابن سعد فقال: إنه عمير بن سعد بن عبيد، وإنما هو ابن عم أبيه.

وقال عبد الصمد بن سعيد. ولي حمص بعد سعيد بن عامر بن حذيم.

وعن الزهري قال: فبقي على إمرة حمص حتى قتل عمر، ثم نزعه عثمان.

وقال عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمير بن سعد قال: قال لي ابن عمر: ما كان في المسلمين رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من أبيك.

وقال ابن سيرين: إن عمر من عجبه بعمير بن سعد كان يسميه: نسيج وحده.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الواحد البخاري سنة اثنتين وعشرين وستمائة، قال: أخبرنا أبو الكرم علي بن عبد الكريم بهمذان، قال: أخبرنا أبو غالب أحمد بن محمد المقرئ سنة ست وخمسمائة، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن شبابة، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن عبيد الأسدي، قال: حدثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، قال: أخبرنا عبد الله بن صالح كاتب الليث، قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز أنه بلغه أن الحسن بن أبي الحسن قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث عمير بن سعد أميرا على حمص، فأقام بها حولا، فأرسل إليه عمر وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. من عمر بن الخطاب إلى عمير بن سعد، السلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وقد كنا وليناك شيئا من أمر المسلمين، فلا أدري ما صنعت، أوفيت بعهدنا، أم خنتنا، فإذا أتاك كتابي هذا - إن شاء الله تعالى - فاحمل إلينا ما قبلك من فيء المسلمين، ثم أقبل، والسلام عليك. قال: فأقبل عمير ماشيا من حمص، وبيده عكازة،

ص: 432

وإداوة، وقصعة، وجراب، شاحبا، كثير الشعر، فلما قدم على عمر قال له: يا عمير، ما هذا الذي أرى من سوء حالك، أكانت البلاد بلاد سوء، أم هذه منك خديعة؟ قال عمير: يا عمر بن الخطاب ألم ينهك الله عن التجسس وسوء الظن؟ ألست تراني طاهر الدم، صحيح البدن ومعي الدنيا بقرابها! قال عمر: ما معك من الدنيا؟ قال: مزودي أجعل فيه طعامي، وقصعة آكل فيها، ومعي عكازتي هذه أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا إن لقيته، وأقتل بها حية إن لقيتها. فما بقي من الدنيا! قال: صدقت، فأخبرني ما حال من خلفت من المسلمين. قال: يصلون ويوحدون، وقد نهى الله أن نسأل عما وراء ذلك. قال: ما صنع أهل العهد؟ قال عمير: أخذنا منهم الجزية عن يد وهم صاغرون. قال: فما صنعت بما أخذت منهم؟ قال: وما أنت وذاك يا عمر! أرسلتني أمينا، فنظرت لنفسي، وايم الله لولا أني أكره أن أغمك لم أحدثك يا أمير المؤمنين، قدمت بلاد الشام، فدعوت المسلمين، وأمرتهم بما حق لهم علي فيما افترض الله تعالى عليهم، ودعوت أهل العهد، فجعلت عليهم من يجبيهم، فأخذناه منهم، ثم رددناه على فقرائهم ومجهوديهم، ولم ينلك من ذلك شيء، فلو نالك بلغناكه. قال عمر: سبحان الله، ما كان فيهم رجل يتبرع عليك بخير ويحملك على دابة، جئت تمشي، بئس المعاهدون فارقت، وبئس المسلمون، أما والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: لتوطأن حرمهم وليجارن عليهم في حكمهم، وليستأثرن عليهم بفيئهم، وليلينهم رجال إن تكلموا قتلوهم، وإن سكتوا اجتاحوهم. فقال عمير: ما لك يا عمر تفرح بسفك دمائهم وانتهاك محارمهم! قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عز وجل عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم. ثم إن عمر قال: هاتوا صحيفة لنجدد لعمير عهدا، قال عمير: والله لا أعمل لك، اتق الله يا أمير المؤمنين واعفني بغيري.

وذكر حديثا طويلا منكرا. وروي نحوه، عن هارون بن عنترة، عن أبيه.

ص: 433

قال المفضل الغلابي: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وشداد بن أوس، وعمير بن سعد، رضي الله عنهم.

53 – م 4:‌

‌ عنبسة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية الأموي

، أبو عامر، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو الوليد.

روى عن أخته أم المؤمنين أم حبيبة. وعنه مكحول، وعمرو بن أوس، وشهر بن حوشب، وأبو صالح السمان، والقاسم أبو عبد الرحمن، وعطاء بن أبي رباح.

ولعله بقي إلى بعد هذا الزمان، لكنه حج بالناس في سنة سبع وأربعين.

54 -

د ت ن:‌

‌ قيس بن عاصم بن سنان التميمي السعدي المنقري

.

قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم، فأسلم، وكان عاقلا حليما كريما جوادا شريفا.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا سيد أهل الوبر.

يروى أن الأحنف بن قيس قيل له: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم.

ويقال: إن قيسا كان ممن حرم على نفسه في الجاهلية شرب الخمر.

روى عنه الأحنف، والحسن البصري، وشعبة بن التوأم، وابنه حكيم بن قيس، وحفيده خليفة بن حصين. يكنى أبا علي، ويقال: كنيته أبو طلحة، وقيل: أبو قبيصة. نزل البصرة، وتوفي عن اثنين وثلاثين ذكرا من أولاده وأولادهم. حديثه في السنن.

ص: 434

55 -

ع:‌

‌ كعب بن مالك بن عمرو بن القين الأنصاري الخزرجي السلمي

، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن.

شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم، شهد العقبة وأحدا، وحديثه في تخلفه عن غزوة تبوك في الصحيحين.

روى عنه بنوه عبد الرحمن، وعبد الله، وعبيد الله، ومحمد، وابن عباس، وعمر بن الحكم، وعمر بن كثير بن أفلح، وحفيده عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب.

ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين طلحة وكعب بن مالك، وقيل: بل آخى بين كعب والزبير بن العوام؛ قاله عروة.

وفي مغازي الواقدي: إن كعبا قاتل يوم أحد قتالا شديدا، حتى جرح سبعة عشر جرحا.

وقال ابن سيرين: كان شعراء الصحابة: عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك.

وقال عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه، أنه قال: يا رسول الله، قد أنزل الله في الشعراء ما أنزل، قال: إن المجاهد يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده ترمونهم به نضح النبل.

قال ابن سيرين: أما كعب فكان يذكر الحرب ويقول: فعلنا ونفعل ويتهددهم. وأما حسان فكان يذكر عيوبهم وأيامهم. وأما ابن رواحة فكان يعيرهم بالكفر.

وقد أسلمت دوس فرقا من بيت قاله كعب:

نخيرها ولو نطقت لقالت قواطعهن دوسا أو ثقيفا وعن ابن المنكدر، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن مالك:

ص: 435

ما نسي ربك، وما كان نسيا، بيتا قلته. قال: ما هو؟ قال: أنشده يا أبا بكر، فقال:

زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغالب الغلاب عن الهيثم والمدائني أن كعبا مات سنة أربعين، وروى الواقدي: أنه مات سنة خمسين. وعن الهيثم بن عدي أيضا: أنه توفي سنة إحدى وخمسين.

56 -

‌ لبيد بن ربيعة بن مالك

، أبو عقيل الهوازني العامري.

الشاعر المشهور، الذي له:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أصدق كلمة قالها الشاعر، كلمة لبيد:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل.

يقال: إن لبيدا عاش مائة وخمسين سنة، وقيل: إنه لم يقل شعرا بعد إسلامه، وقال: أبدلني الله به القرآن.

ويقال: قال بيتا واحدا وهو:

ما عاتب المرء الكريم كنفسه والمرء يصلحه القرين الصالح وكان أحد أشراف قومه، نزل الكوفة، وكان لا تهب الصبا إلا نحر وأطعم. وكان قد اعتزل الفتن.

وقيل: إنه لم يبق إلى هذا الوقت، بل توفي في إمرة عثمان. وقيل مات يوم دخل معاوية الكوفة.

ص: 436

وقال ابن أبي الزناد: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: رويت للبيد اثني عشر ألف بيت من الشعر.

وللبيد:

ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس كيف لبيد

57 – ع:‌

‌ محمد بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة

؛ ويقال: محمد بن مسلمة بن سلمة بن حريش الأشهلي الأنصاري، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سعيد.

شهد بدرا والمشاهد بعدها، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة مرة. وكان رجلا طويلا، معتدلا، أسمر، أصلع، عاش سبعا وسبعين سنة، وهو حارثي من حلفاء بني عبد الأشهل.

روى عنه ابنه محمود، وسهل بن أبي حثمة، وقبيصة بن ذؤيب، وعروة بن الزبير، وأبو بردة بن أبي موسى، وآخرون. وكان على مقدمة عمر في قدومه إلى الجابية.

وقال ابن سعد: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة، واستخلفه في غزوة تبوك على المدينة.

قلت: وكان ممن اعتزل الفتنة.

قال علي بن زيد، عن أبي بردة: مررنا بالربذة فإذا فسطاط محمد بن مسلمة، فقلت: لو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت، فقال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون فرقة وفتنة واختلاف، فاكسر سيفك، واقطع وترك، واجلس في بيتك، ففعلت ما أمرني به.

وقال أبو بردة، عن رجل قال: قال حذيفة: إني لأعرف رجلا لا تضره الفتنة، فإذا فسطاط مضروب لما أتينا المدينة، وإذا محمد بن مسلمة،

ص: 437

فسألناه فقال: لا يشتمل على شيء من أمصاركم حتى ينجلي الأمر.

وقال عباية بن رفاعة: كان محمد بن مسلمة أسود طويلا عظيما.

وقال ابن عيينة: عن موسى بن أبي عيسى قال: أتى عمر بن الخطاب مشربة بني حارثة، فإذا محمد بن مسلمة، فقال له عمر: كيف تراني؟ قال: أراك كما أحب، وكما يحب من يحب لك الخير، أراك قويا على جمع المال، عفيفا عنه، عدلا في قسمته، ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف. فقال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني.

وعن جابر قال: بعثنا عثمان في خمسين راكبا، أميرنا محمد بن مسلمة نكلم الذين جاؤوا من مصر في فتنة، فاستقبلنا رجل منهم، وفي يده مصحف، متقلدا سيفا تذرف عيناه، فقال: ها إن هذا يأمرنا أن نضرب بهذا على ما في هذا، فقال محمد بن مسلمة: اسكت، فنحن ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، وقبل أن تولد.

وعن زيد بن أسلم، أن محمد بن مسلمة، قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا فقال: جاهد في سبيل الله، حتى إذا رأيت من المسلمين فئتين يقتتلان، فاضرب به الحجر حتى تكسره، ثم كف لسانك ويدك حتى تأتيك منية قاضية، أو يد خاطئة. فلما قتل عثمان خرج إلى صخرة، فضربها بسيفه حتى كسره.

وقال إسحاق بن أبي فروة: كان محمد يقال له: حارس نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما كسر سيفه اتخذ سيفا من خشب، وصيره في الجفن في داره وقال: علقته أهيب به ذاعرا.

وقال محمد بن مصفى: حدثنا يحيى بن سعيد، عن موسى بن وردان، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: قدم معاوية ومعه أهل الشام، يعني إن شاء الله: إلى المدينة، فبلغ رجلا شقيا من أهل الأردن جلوس محمد بن مسلمة عن علي ومعاوية، فاقتحم عليه المنزل فقتله.

ص: 438

وقال يحيى بن بكير، وإبراهيم بن المنذر، وابن نمير، وخليفة: توفي سنة ثلاث وأربعين في صفر، رضي الله عنه، ومن قال سنة ست فقد غلط.

58 -

‌ مدلاج بن عمرو

، حليف بني عبد شمس.

شهد بدرا، وتوفي سنة خمسين. وبعضهم يقول: مدلج بن عمرو، حليف لبني غنم بن ذودان، والله أعلم.

59 -

‌ المستورد بن شداد

، القرشي الفهري.

يقال: توفي سنة خمسين. سيأتي، وهو صحابي مشهور. روى عنه قيس بن أبي حازم، وغيره.

60 -

‌ معقل بن قيس

، الرياحي.

توفي سنة اثنتين وأربعين. لا أعرفه، وليست له صحبة.

61 -

د ن ق:‌

‌ معقل بن أبي الهيثم

، ويقال: معقل بن أبي معقل، ويقال: معقل بن أم معقل، الأسدي، حليف لهم.

له صحبة، حديثه في فضل العمرة في رمضان، وفي النهي عن التغوط إلى القبلة.

عداده في أهل المدينة. روى عنه: مولاه أبو زيد، وأم معقل، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وتوفي في أيام معاوية.

62 -

ع:‌

‌ المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي

، أبو عيسى، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد.

ص: 439

صحابي مشهور، كان رجلا طوالا، ذهبت عينه يوم اليرموك، وقيل: يوم القادسية.

وروى المغيرة بن الريان، عن الزهري، قال: قالت عائشة: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام المغيرة بن شعبة ينظر إليها، فذهبت عينه.

وقال ابن سعد: كان المغيرة أصهب الشعر جدا، يفرق رأسه فروقا أربعة، أقلص الشفتين، مهتوما، ضخم الهامة، عبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين. قال: وكان داهية، يقال له: مغيرة الرأي.

وعن الشعبي: أن المغيرة سار من دمشق إلى الكوفة خمسا.

وقال الواقدي: حدثني محمد بن سعيد الثقفي وجماعة، قالوا: قال المغيرة: كنا قوما متمسكين بديننا، ونحن سدنة اللات، فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم، فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس، وإهداء هدايا له، فأجمعت الخروج معهم، فاستشرت عمي عروة بن مسعود، فنهاني وقال: ليس معك من بني أبيك أحد، فأبيت وخرجت معهم، وما معهم من الأحلاف غيري، حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر، فركبت زورقا حتى حاذيت مجلسه، فنظر إلي فأنكرني، وأمر من يسألني، فأخبرته بأمرنا وقدومنا، فأمر أن ننزل في الكنيسة، وأجرى علينا ضيافة، ثم أدخلنا عليه، فنظر إلى رأس بني مالك، فأدناه وأجلسه معه، ثم سأله عن القوم: أكلهم من بني مالك؟ قال: نعم، إلا هذا، قال: فكنت أهون القوم عليه، وسر بهداياهم، وأعطاهم الجوائز، وأعطاني شيئا يسيرا، وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم وهم مسرورون، لم يعرض علي رجل منهم مواساة، وخرجوا وحملوا معهم الخمر، فكانوا يشربون وأشرب معهم وتأبى نفسي أن تدعني ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا، ويخبرون قومي بكرامتهم على الملك، وتقصيره بي وازدرائه إياي، فأجمعت على قتلهم، فتمارضت وعصبت رأسي، فوضعوا شرابهم، فقلت: رأسي يصدع، ولكني أجلس وأسقيكم،

ص: 440

فجعلت أصرف لهم، يعني لا أمزج، وأترع الكأس، فيشربون ولا يدرون، حتى ناموا سكرا، ما يعقلون، فوثبت وقتلتهم جميعا، وأخذت ما معهم، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فأجده جالسا في المسجد، وعلي ثياب سفري، فسلمت، فعرفني أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي هداك للإسلام، فقال أبو بكر: أمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم، قال: فما فعل المالكيون؟ قلت: قتلتهم وجئت بأسلابهم إلى رسول الله ليخمسها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إسلامك فنقبله، وأما أموالهم فلا آخذ منها شيئا، هذا غدر، ولا خير في الغدر، قال: فأخذني ما قرب وما بعد، وقلت: يا رسول الله إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت حيث دخلت عليك الساعة، قال: فإن الإسلام يجب ما قبله. قال: وكان قد قتل ثلاثة عشر نفسا، فبلغ ذلك أهل الطائف، فتداعوا للقتال، ثم اصطلحوا، على أن تحمل عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية.

قال المغيرة: وأقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كانت الحديبية سنة ست، فخرجت معه، وكنت أكون مع أبي بكر، وألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يلزمه، فبعثت قريش عروة بن مسعود في الصلح، فأتاه فكلمه، وجعل يمس لحيته، وأنا قائم على رأسه مقنع في الحديد، فقلت لعروة: كف يدك قبل أن لا تصل إليك، فقال: من هذا يا محمد، فما أفظه وأغلظه؟! فقال: هذا ابن أخيك المغيرة، فقال: يا غدر والله ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس.

روى عنه بنوه: عروة، وحمزة، وعقار، والمسور بن مخرمة، وأبو أمامة، وقيس بن أبي حازم، ومسروق، وأبو وائل، والشعبي، وعروة بن الزبير، وزياد بن علاقة، وغيرهم.

وروى الشعبي، عن المغيرة، قال: أنا آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم، لما دفن خرج علي من القبر، ألقيت خاتمي وقلت: يا أبا حسن خاتمي، قال: انزل فخذه، قال: فنزلت فمسحت يدي على الكفن، ثم خرجت.

ص: 441

وقال زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين، فأبغضوه، فعزله، فخافوا أن يرده، فقال دهقانهم: إن فعلتم ما آمركم لم يرده علينا، قالوا: مرنا، قال: تجمعون مائة ألف درهم، فأذهب بها إلى عمر فأقول: هذا اختان هذا المال فدفعه إلي، فجمعوا له مائة ألف وأتى بها عمر، فدعا المغيرة فقال: ما هذا؟ قال: كذب، أصلحك الله إنما كانت مائتي ألف، قال: فما حملك على ذلك؟ قال: العيال والحاجة، فقال عمر للدهقان: ما تقول؟ قال: لا والله لأصدقنك: والله ما دفع إلي شيئا، وقص له أمره.

قد ذكرنا أن المغيرة ولي البصرة وغيرها لعمر، وكان ممن قعد عن علي ومعاوية.

وقال ابن أبي عروة، عن قتادة: إن أبا بكرة، وشبل بن معبد، وزيادا، ونافع بن عبد الحارث شهدوا على المغيرة، سوى زياد، أنهم رأوه يولجه ويخرجه، يعني يزني بامرأة، فقال عمر: - وأشار إلى زياد -: إني أرى غلاما لسنا لا يقول إلا حقا، ولم يكن ليكتمني شيئا، فقال زياد: لم أر ما قال هؤلاء، ولكني قد رأيت ريبة وسمعت نفسا عاليا، قال: فجلد عمر الثلاثة.

وعن ابن سيرين قال: كان يقول الرجل للرجل: غضب عليك الله كما غضب عمر على المغيرة، عزله عن البصرة فولاه الكوفة.

قلت: وقد غزا المغيرة بالجيوش غير مرة في إمرته، وحج بالناس سنة أربعين.

وقال جرير، عن مغيرة، قال: قال المغيرة بن شعبة لعلي: ابعث إلى معاوية عهده، ثم بعد ذلك اخلعه، فلم يفعل فاعتزله المغيرة باليمن، فلما اشتغل علي ومعاوية، فلم يبعثوا إلى الموسم أحدا، جاء المغيرة فصلى بالناس ودعا لمعاوية.

قال الليث بن سعد: حج سنة أربعين، لأنه كان معتزلا بالطائف، فافتعل كتابا عام الجماعة بإمرة الموسم، فقدم الحج يوما خشية أن يجيء أمير، فتخلف عنه ابن عمر، وصار معظم الناس مع ابن عمر. قال الليث: قال نافع: لقد رأيتنا ونحن غادون من منى، واستقبلونا مفيضين من جمع، فأقمنا بعدهم ليلة.

ص: 442

وقال الزهري: دعا معاوية عمرو بن العاص، وهما بالكوفة، فقال: يا أبا عبد الله أعني على الكوفة، قال: فكيف بمصر؟ قال: استعمل عليها ابنك عبد الله، قال: فنعم إذن، فبينا هم على ذلك طرقهم المغيرة بن شعبة، وكان معتزلا بالطائف، فناجاه معاوية، فقال المغيرة له: تؤمر عمرا على الكوفة وابنه على مصر، وتكون كقاعد بين لحيي الأسد! قال: فما ترى؟ قال: أنا أكفيك الكوفة، قال: فافعل، فقال معاوية لعمرو حين أصبح: يا أبا عبد الله إني قد رأيت أن أفعل بك واستوحشنا إليك، ففهمها عمرو فقال: ألا أدلك على أمير الكوفة؟ قال: بلى، قال: المغيرة بن شعبة، واستعن برأيه وقوته على المكيدة، واعزل عنه المال، كان من قبلك عمر وعثمان قد فعلا ذلك، قال: نعم ما رأيت، فدخل عليه المغيرة فقال: إني كنت أمرتك على الجند والأرض، ثم ذكرت سنة عمر وعثمان قبلي، قال: قد قبلت، فلما خرج قال: قد عزلت الأرض عن صاحبكم.

وقال عبد الله بن شوذب: إن المغيرة أحصن أربعة من بنات أبي سفيان بن حرب.

وعن الشعبي قال: دهاة العرب: معاوية، والمغيرة، وعمرو بن العاص، وزياد.

وقال المغيرة: تزوجت سبعين امرأة.

وقال مالك: كان المغيرة بن شعبة نكاحا للنساء، ويقول: صاحب المرأة إن مرضت مرض، وإن حاضت حاض، وصاحب المرأتين بين نارين تشتعلان، وكان ينكح أربعا، ثم يطلقهن جميعا.

وقال ابن المبارك: كان تحت المغيرة أربع نسوة، فصفهن بين يديه وقال: أنتن حسان الأخلاق، طويلات الأعناق، ولكني رجل مطلاق، فأنتن الطلاق.

المحاربي: حدثني عبد الملك بن عمير قال: رأيت المغيرة بن شعبة يخطب في العيد على بعير، ورأيته يخضب بالصفرة.

محمد بن معاوية النيسابوري: حدثنا داود بن خالد، عن عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس، قال: أول من خضب بالسواد المغيرة بن شعبة.

أبو عوانة، ومسعر، عن زياد بن علاقة: سمعت جرير بن عبد الله حين مات المغيرة يقول: استغفروا لأميركم، فإنه كان يحب العافية.

ص: 443

وقال عبد الملك بن عمير: رأيت زيادا واقفا على قبر المغيرة، وهو يقول:

إن تحت الأحجار حزما وعزما وخصيما ألد ذا معلاق حية في الوجار أربد لا تنـ ـفع منه السليم نفثة راق قالوا: توفي المغيرة بالكوفة أميرا عليها سنة خمسين، زاد بعضهم: في شعبان.

63 -

‌ المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي

.

ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة أو بعدها، كنيته أبو يحيى.

تزوج بعد مقتل علي رضي الله عنه بأمامة بنت أبي العاص بن الربيع. فأولدها يحيى، وكان قد ولي القضاء في خلافة عثمان، وشهد صفين مع علي. وكان شديد القوة، وهو الذي ألقى على عبد الرحمن بن ملجم بساطا لما رآه يحمل على الناس، ثم احتمله وضرب به الأرض، وأخذ منه السيف.

له حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أولاده عنه. وذكره أبو نعيم في الصحابة.

64 -

4:‌

‌ ناجية بن جندب بن كعب الأسلمي

.

صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، له رواية أحاديث يسيرة، وشهد الحديبية.

روى عنه عروة بن الزبير، وغيره، وبقي إلى زمن معاوية، ويقال: إنه خزاعي، وليس بشيء.

65 -

‌ نعيمان بن عمرو بن رفاعة الأنصاري

من بني مالك بن النجار.

ص: 444

هو صاحب الحكايات الظريفة والمزاح، شهد بدرا. يقال: إنه توفي زمن معاوية. اسمه النعمان.

66 -

د ن:‌

‌ نعيم بن همار

، ويقال: ابن هبار، وقيل في أبيه غير ذلك، الغطفاني.

شامي له صحبة ورواية. روى عنه كثير بن مرة، وأبو إدريس الخولاني، وقيس الجذامي، وقد روى عن عقبة بن عامر، فلهذا وهم بعضهم وقال: هو تابعي.

67 – م 4: النواس بن سمعان الكلابي العامري.

سكن الشام، له صحبة ورواية.

روى عنه جبير بن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وجماعة.

68 – م 4:‌

‌ وائل بن حجر بن سعد

، أبو هنيد الحضرمي.

له صحبة ورواية، وكان سيد قومه، وفد على معاوية لما دخل الكوفة.

روى عنه ابناه: علقمة، وعبد الجبار، ووائل بن علقمة، وكليب بن شهاب، وآخرون.

وقيل: إنه كان على راية حضرموت بصفين مع علي.

وروى سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعه أرضا، وأرسل معه معاوية بن أبي سفيان ليعرفه بها. قال: فقال لي معاوية: أردفني خلفك، فقلت: إنك لا تكون من أرداف الملوك، قال: أعطني نعلك، فقلت: انتعل ظل الناقة. فلما استخلف أتيته، فأقعدني معه على السرير فذكرني الحديث، فقلت في نفسي: ليتني كنت حملته بين يدي.

ص: 445

69 -

خ د ق:‌

‌ وحشي بن حرب الحبشي العبد

، مولى جبير بن مطعم، وقيل: مولى ابنة الحارث بن نوفل.

هو قاتل حمزة، وقاتل مسيلمة الكذاب. لما أسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تستطيع أن تغيب وجهك عني.

روى عنه ابنه حرب، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، وجعفر بن عمرو بن أمية. وسكن حمص.

70 -

‌ أبو الأعور السلمي

، اسمه عمرو بن سفيان، وقيل: عمرو بن عبد الله بن سفيان، ويقال: غير ذلك.

يقال له صحبة، وكان يوم اليرموك أميرا على كردوس، وكان أمير الميسرة يوم صفين مع معاوية.

روى عنه قيس بن أبي حازم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعمرو البكالي.

وقال الوليد بن مسلم: حدثنا عثمان بن حصن، عن يزيد بن عبيدة، قال: غزا أبو الأعور السلمي قبرس ثانيا سنة سبع وعشرين.

وعن سنان بن مالك أنه قال لأبي الأعور: إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته، فسكت طويلا ثم قال: إن الأشتر، خفته وسوء رأيه حملاه على إجلاء عمال عثمان من العراق، ثم سار إلى عثمان، فأعان على قتله، لا حاجة لي بمبارزته.

توفي أبو الأعور في خلافة معاوية؛ لأني وجدت أن حريز بن عثمان روى عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي قال: لما بايع الحسن معاوية قال له عمرو بن العاص وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي: لو أمرت الحسن فتكلم على الناس على المنبر عيي عن المنطق، فيزهد فيه الناس، فقال معاوية: لا تفعلوا، فوالله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه وشفته، فأبوا على معاوية. وذكر الحديث تقدم.

ص: 446

71 -

ع:‌

‌ أبو بردة بن نيار بن عمرو بن عبيد

. اسمه هانئ حليف الأنصار، وهو بلوي.

شهد بدرا والمشاهد بعدها. روى عنه ابن أخته البراء بن عازب، وجابر بن عبد الله، وبشير بن يسار، وغيرهم.

توفي بعد سنة اثنتين وأربعين.

72 – ع:‌

‌ أم حبيبة، أم المؤمنين، بنت أبي سفيان

صخر بن حرب بن أمية الأموية، اسمها رملة.

روى عنها: أخواها معاوية، وعنبسة، وابن أخيها عبد الله بن عتبة، وعروة، وأبو صالح السمان، وصفية بنت شيبة، وجماعة.

وقد تزوجها أولا عبيد الله بن جحش بن رئاب الأسدي، حليف بني عبد شمس، فولدت منه حبيبة بأرض الحبشة في الهجرة، ثم توفي عبيد الله وقد تنصر بالحبشة، فكاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي، فزوجها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأصدق عنه أربعمائة دينار في سنة ست، وكان الذي ولي عقد النكاح خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، ودخل بها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع، وعمرها يومئذ بضع وثلاثون سنة.

قال عروة، عن أم حبيبة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بالحبشة، زوجها إياه النجاشي، ومهرها أربعة آلاف درهم من عنده، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهازها كله من عند النجاشي.

وقال حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قال: نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.

ص: 447

قال الواقدي والفسوي وأبو عبيد القاسم: توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين.

وقال المفضل الغلابي: توفيت سنة اثنتين وأربعين.

ووهم من قال: توفيت قبل معاوية بسنة، إنما تلك أم سلمة.

توفيت أم حبيبة رضي الله عنها بالمدينة على الصحيح، وقيل: توفيت بدمشق، وكانت قد أتتها تزور أخاها.

73 -

‌ أبو حثمة، والد سهل بن أبي حثمة الأنصاري

الحارثي، اسمه عامر بن ساعدة.

شهد الخندق وما بعدها، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر خارصا إلى خيبر غير مرة.

توفي في أول خلافة معاوية.

74 -

‌ أبو رفاعة العدوي

.

له صحبة ورواية، عداده في البصريين. روى عنه حميد بن هلال، ومحمد بن سيرين، وصلة بن أشيم، وغيرهم.

قال خليفة: هو من فضلاء الصحابة، اسمه عبد الله بن الحارث بن أسد، من بني عدي الرباب.

وقيل: اسمه تميم بن أسيد، أخباره في الطبقات، علقتها في منتقى الاستيعاب.

وكان صاحب ليل وعبادة وغزو، استشهد في سرية عليهم عبد الرحمن بن سمرة، تهجد فنام على الطريق فذبح غيلا.

75 -

‌ أبو الغادية الجهني

، وجهينة قبيلة من قضاعة، اسمه يسار بن أزهر، وقيل ابن سبع، المزني، وقيل اسمه: مسلم.

ص: 448

وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعه.

وروى عنه ابنه سعد، وكلثوم بن جبر، وخالد بن معدان، والقاسم أبو عبد الرحمن، وغيرهم.

وقال ابن عبد البر: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام.

وقال الدارقطني وغيره: هو قاتل عمار بن ياسر يوم صفين.

وقال حماد بن سلمة: حدثنا كلثوم بن جبر، عن أبي غادية قال: سمعت عمار بن ياسر يشتم عثمان، فتوعدته بالقتل، فلما كان يوم صفين طعنته، فوقع، فقتلته.

76 – م ن ق:‌

‌ أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق

تزوجها طلحة بن عبيد الله، وهي أم عائشة بنت طلحة. مولدها بعد موت أبي بكر، وتزوجت بعد طلحة برجل مخزومي، وهو عبد الرحمن ولد عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة، فولدت له أربعة أولاد.

77 – خ م د ت ن:‌

‌ أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط

.

لها حديث في الصحيحين. وهي أخت عثمان رضي الله عنه لأمه، من المهاجرات الأول.

لها ترجمة أيضا في الطبقات لابن سعد.

78 -

‌ أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية

.

ولدت في حياة جدها صلى الله عليه وسلم، وتزوجها عمر وهي صغيرة، فقيل له: ما كنت تريد إليها وهي صغيرة، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي.

فروى عبد الله بن زيد

ص: 449

ابن أسلم، عن أبيه، عن جده أن عمر تزوجها على أربعين ألف درهم. وعبد الله ضعيف الحديث.

قال الزهري وغيره: ولدت له زيدا.

وقال ابن إسحاق: توفي عنها عمر، فتزوجت بعون بن جعفر بن أبي طالب، فحدثني أبي قال: دخل الحسن والحسين عليها لما مات عمر فقالا: إن مكنت أباك من رمتك أنكحك بعض أيتامه، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالا عظيما لتصيبينه، فلم يزل بها علي حتى زوجها بعون فأحبته، ثم مات عنها.

قال ابن إسحاق: فزوجها أبوها بمحمد بن جعفر، فمات عنها، ثم زوجها بعبد الله بن جعفر، فماتت عنده.

قلت: ولم يجئها ولد من الإخوة الثلاثة.

وقال الزهري: ولدت جارية من محمد بن جعفر اسمها نبتة.

وقال غيره: ولدت لعمر زيدا ورقية، وقد انقرضا.

وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: جئت وقد صلى عبد الله بن عمر على أخيه زيد بن عمر، وأمه أم كلثوم بنت علي.

وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار: إن أم كلثوم وزيد بن عمر ماتا فكفنا، وصلى عليهما سعيد بن العاص، يعني إذ كان أمير المدينة.

قال ابن عبد البر: إن عمر قال لعلي: زوجنيها أبا حسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد، قال: فأنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها، يعتل بصغرها، قال: فبعثها إليه ببرد وقال لها: قولي له: هذا البرد الذي قلت لك، فقالت له ذلك، فقال: قولي له: قد رضيت، رضي الله عنك، ووضع يده على ساقها فكشفها، فقالت: أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك، ثم مضت إلى أبيها فأخبرته وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء، قال: يا بنية إنه زوجك.

روى نحوا من هذا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي.

ص: 450

79 -

ع:‌

‌ أبو موسى الأشعري هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار اليماني

، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قدم عليه مسلما سنة سبع، مع أصحاب السفينتين من الحبشة، وكان قدم مكة، فحالف بها أبو أحيحة سعيد بن العاص، ثم رجع إلى بلاده، ثم خرج منها في خمسين من قومه قد أسلموا، فألقتهم سفينتهم والرياح إلى أرض الحبشة، فأقاموا عند جعفر بن أبي طالب، ثم قدموا معه.

استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى على زبيد وعدن، ثم ولي الكوفة والبصرة لعمر.

وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، وعن أبي بكر، وعمر، ومعاذ، وأبي بن كعب، وكان من أجلاء الصحابة وفضلائهم.

روى عنه أنس، وربعي بن حراش، وسعيد بن المسيب، وزهدم الجرمي، وخلق كثير، وبنوه أبو بكر، وأبو بردة، وإبراهيم، وموسى.

وفتحت أصبهان على يده وتستر وغير ذلك، ولم يكن في الصحابة أطيب صوتا منه.

قال سعيد بن عبد العزيز: حدثني أبو يوسف صاحب معاوية، أن أبا موسى قدم على معاوية، فنزل في بعض الدور بدمشق، فخرج معاوية من الليل يتسمع قراءته.

وقال الهيثم بن عدي: أسلم أبو موسى بمكة، وهاجر إلى الحبشة.

وقال عبد الله بن بريدة: كان أبو موسى قصيرا أثط خفيف الجسم ولم يذكره ابن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة.

وقال أبو بردة، عن أبي موسى، قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم لما قدمنا حين افتتحت خيبر: لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إلي.

وقال يحيى بن أيوب، عن حميد عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 451

يقدم عليكم غدا قوم أرق قلوبا للإسلام منكم، قال: فقدم الأشعريون، فيهم أبو موسى، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون: غدا نلقى الأحبه محمدا وحزبه فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا أول من أحدث المصافحة. رواه أحمد في مسنده.

وقال سماك بن حرب: حدثنا عياض الأشعري، قال: لما نزل: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم قومك يا أبا موسى. صححه الحاكم.

وعياض نزل الكوفة، مختلف في صحبته، بقي إلى بعد السبعين.

ورواه ثقات، عن شعبة، عن سماك، عن عياض فقال، عن أبي موسى.

وقال مالك بن مغول عن أبي بريدة، عن أبيه قال: خرجت ليلة من المسجد، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم عند باب المسجد قائم، وإذا رجل في المسجد يصلي، فقال لي: يا بريدة أتراه يرائي؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: بل هو مؤمن منيب، ثم قال: لقد أعطي هذا مزمارا من مزامير آل داود، فأتيته فإذا هو أبو موسى، فأخبرته.

وفي الصحيحين من حديث أبي بردة، عن أبي موسى، في قصة جيش أوطاس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما.

ص: 452

وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أوتي أبو موسى من مزامير آل داود.

وقال ثابت، عن أنس قال: قرأ أبو موسى ليلة فقمن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يستمعن لقراءته، فلما أصبح أخبر بذلك، فقال: لو علمت لحبرته تحبيرا ولشوقت تشويقا.

وقال أبو البختري: سألنا عليا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسألناه عن أبي موسى، فقال: صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه.

وقال الأسود بن يزيد: لم أر بالكوفة أعلم من علي وأبي موسى.

وقال مسروق: كان القضاء في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي، وزيد بن ثابت، وأبي موسى.

وقال الشعبي: قضاة هذه الأمة أربعة: عمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وأبو موسى.

وقال الحسن: ما قدم البصرة راكب خير لأهلها من أبي موسى.

وقال قتادة: بلغ أبا موسى أن ناسا يمنعهم من الجمعة أنه ليس لهم ثياب، قال: فخرج على الناس في عباءة.

وقال ابن شوذب: دخل أبو موسى البصرة على جمل أورق، وعليه خرج لما عزل.

قلت: عزله عثمان عنها، وأمر عليها عبد الله بن عامر.

وقال أبو بردة: سمعت أبي يقسم بالله أنه ما خرج حين نزع عن البصرة إلا بست مائة درهم.

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: كان عمر ربما قال لأبي موسى: ذكرنا يا أبا موسى، فيقرأ.

وقال أبو عثمان النهدي: ما سمعت مزمارا ولا طنبورا ولا صنجا أحسن من صوت أبي موسى، إن كان ليصلي بنا، فنود أنه قرأ البقرة من

ص: 453

حسن صوته. رواه سليمان التيمي، عن أبي عثمان.

وعن أبي بردة، قال: كان أبو موسى لا تكاد تلقاه في يوم حار إلا صائما.

وقال زيد بن الحباب: حدثنا صالح بن موسى الطلحي، عن أبيه، قال: اجتهد الأشعري قبل موته اجتهادا شديدا، فقيل له: لو رفقت بنفسك؟ قال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك، قال: فلم يزل على ذلك حتى مات.

وقال أبو صالح السمان: قال علي رضي الله عنه في أمر الحكمين: يا أبا موسى احكم ولو على حز عنقي.

وقال زيد بن الحباب: حدثنا سليمان بن المغيرة البكري، عن أبي بردة، عن أبي موسى، أن معاوية كتب إليه: سلام عليك، أما بعد، فإن عمرو بن العاص قد بايعني على ما أريد، وأقسم بالله لئن بايعتني على الذي بايعني عليه، لأستعملن أحد ابنيك على الكوفة، والآخر على البصرة، ولا يغلق دونك باب، ولا تقضى دونك حاجة، وقد كتبت إليك بخط يدي، فاكتب إلي بخط يدك، قال: فقال لي أبي: يا بني إنما تعلمت المعجم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتبت إليه كتابا مثل العقارب، فكتب إليه: أما بعد، فإنك كتبت إلي في جسيم أمر أمة محمد، فماذا أقول لربي إذا قدمت عليه، ليس لي فيما عرضت من حاجة، والسلام عليك.

قال أبو بردة: فلما ولي معاوية أتيته، فما أغلق دوني بابا، وقضى حوائجي.

قال أبو نعيم، وابن نمير، وأبو بكر بن أبي شيبة، وقعنب: توفي سنة أربع وأربعين.

وقال الهيثم: توفي سنة اثنتين وأربعين، وحكاه ابن منده.

وقال الواقدي: توفي سنة اثنتين وخمسين.

وقال المدائني: توفي سنة ثلاث وخمسين.

آخر الطبقة والحمد لله رب العالمين.

ص: 454

‌الطبقة السادسة

.

51 – 60 هـ.

ص: 455

بسم الله الرحمن الرحيم ‌

(الحوادث)

ثم دخلت‌

‌ سنة إحدى وخمسين

توفي فيها: زيد بن ثابت في قول، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وجرير بن عبد الله البجلي بخلف، وعثمان بن أبي العاص الثقفي، وأبو أيوب الأنصاري، وكعب بن عجرة في قول، وميمونة أم المؤمنين، وعمرو بن الحمق في قول، وقتل حجر بن عدي وأصحابه، كما في ترجمته. ورافع بن عمرو الغفاري، ويقال: سنة ثلاث، وله خمس وسبعون سنة.

وفيها حج بالناس معاوية وأخذهم ببيعة يزيد.

قال أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا القاسم بن الفضل، عن محمد بن زياد، قال: قدم زياد المدينة فخطبهم وقال: يا معشر أهل المدينة إن أمير المؤمنين حسن نظره لكم، وإنه جعل لكم مفزعا تفزعون إليه، يزيد ابنه. فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: يا معشر بني أمية اختاروا منا بين ثلاثة، بين سنة رسول الله، أو سنة أبي بكر، أو سنة عمر، إن هذا الأمر قد كان، وفي أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من لو ولاه ذلك لكان لذلك أهلا، ثم كان أبو بكر، فكان في أهل بيته من لو ولاه، لكان لذلك أهلا، فولاها عمر فكان بعده، وقد كان في أهل بيت عمر من لو ولاه ذلك، لكان له أهلا، فجعلها في نفر من المسلمين، ألا

ص: 457

وإنما أردتم أن تجعلوها قيصرية، كلما مات قيصر كان قيصر، فغضب مروان بن الحكم، وقال لعبد الرحمن: هذا الذي أنزل الله فيه: والذي قال لوالديه أف لكما فقالت عائشة: كذبت، إنما أنزل ذلك في فلان، وأشهد أن الله لعن أباك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وأنت في صلبه.

وقال سالم بن عبد الله: لما أرادوا أن يبايعوا ليزيد، قام مروان فقال: سنة أبي بكر الراشدة المهدية، فقام عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: ليس بسنة أبي بكر، قد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة، وعدل إلى رجل من بني عدي، أن رأى أنه لذلك أهلا، ولكنها هرقلية.

وقال النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ذكوان مولى عائشة، قال: لما أجمع معاوية على أن يبايع لابنه حج، فقدم مكة في نحو من ألف رجل، فلما دنا من المدينة خرج ابن عمر، وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فلما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر ابنه يزيد، فقال: من أحق بهذا الأمر منه، ثم ارتحل فقدم مكة، فقضى طوافه، ودخل منزله، فبعث إلى ابن عمر، فتشهد، وقال: أما بعد يا ابن عمر، إنك كنت تحدثني أنك لا تحب تبيت ليلة سوداء، ليس عليك فيها أمير، وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين، أو تسعى في فساد ذات بينهم. فحمد ابن عمر الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإنك قد كانت قبلك خلفاء لهم أبناء، ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين، ولم أكن لأفعل، إنما أنا رجل من المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم. فقال: يرحمك الله، فخرج ابن عمر.

ثم أرسل إلى ابن أبي بكر، فتشهد، ثم أخذ في الكلام، فقطع عليه كلامه، فقال: إنك والله لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله

ص: 458

لا نفعل، والله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين، أو لنعيدنها عليك جذعة، ثم وثب ومضى، فقال معاوية: اللهم اكفنيه بما شئت، ثم قال: على رسلك أيها الرجل، لا تشرفن على أهل الشام، فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك، حتى أخبر العشية أنك قد بايعت، ثم كن بعد على ما بدا لك من أمرك.

ثم أرسل إلى ابن الزبير فقال: يا ابن الزبير، إنما أنت ثعلب رواغ، كلما خرج من جحر دخل آخر، وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما وحملتهما على غير رأيهما. فقال ابن الزبير: إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها، وهلم ابنك فلنبايعه، أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكما نسمع ونطيع! لا نجمع البيعة لكما أبدا، ثم راح. وصعد معاوية المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار، زعموا أن ابن عمر، وابن أبي بكر، وابن الزبير، لن يبايعوا يزيد، وقد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له، فقال أهل الشام: والله لا نرضى حتى يبايعوا على رؤوس الأشهاد، وإلا ضربنا أعناقهم، فقال: سبحان الله ما أسرع الناس إلى قريش بالشر، لا أسمع هذه المقالة من أحد منكم بعد اليوم، ثم نزل، فقال الناس: بايع ابن عمر وابن الزيبر وابن أبي بكر وهم يقولون: لا والله ما بايعنا. فيقول الناس: بلى، وارتحل معاوية فلحق بالشام.

وقال أيوب، عن نافع، قال: خطب معاوية، فذكر ابن عمر فقال: والله ليبايعن أو لأقتلنه، فخرج إليه ابنه عبد الله فأخبره، فبكى ابن عمر، فقدم معاوية مكة، فنزل بذي طوى، فخرج إليه عبد الله بن صفوان، فقال: أنت الذي تزعم أنك تقتل عبد الله بن عمر إن لم يبايع ابنك؟ فقال: أأنا أقتل ابن عمر! والله لا أقتله.

وقال ابن المنكدر: قال ابن عمر حين بويع يزيد: إن كان خيرا رضينا، وإن كان بلاء صبرنا.

ص: 459

وقال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخ أهل المدينة يحدثون: أن معاوية لما رحل عن مر قال لصاحب حرسه: لا تدع أحدا يسير معي إلا من حملته أنا، فخرج يسير وحده حتى إذا كان وسط الأراك، لقيه الحسين فوقف وقال: مرحبا وأهلا بابن بنت رسول الله، وسيد شباب المسلمين، دابة لأبي عبد الله يركبها، فأتي ببرذون فتحول عليه، ثم طلع عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: مرحبا وأهلا بشيخ قريش وسيدها وابن صديق الأمة، دابة لأبي محمد، فأتي ببرذون فركبه، ثم طلع ابن عمر، فقال: مرحبا وأهلا بصاحب رسول الله، وابن الفاروق، وسيد المسلمين، فدعا له بدابة فركبها، ثم طلع ابن الزبير، فقال: مرحبا وأهلا بابن حواري رسول الله، وابن الصديق، وابن عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا له بدابة فركبها، ثم أقبل يسير بينهم لا يسايره غيرهم، حتى دخل مكة، ثم كانوا أول داخل وآخر خارج، وليس في الأرض صباح إلا ولهم حباءٌ وكرامة، ولا يعرض لهم بذكر شيء، حتى قضى نسكه وترحلت أثقاله، وقرب مسيره، فأقبل بعض القوم على بعض فقال: أيها القوم لا تخدعوا، إنه والله ما صنع بكم ما صنع لحبكم ولا لكرامتكم، ولا صنعه إلا لما يريد، فأعدوا له جوابا.

وأقبلوا على الحسين فقالوا: أنت يا أبا عبد الله! فقال: وفيكم شيخ قريش وسيدها هو أحق بالكلام. فقالوا لعبد الرحمن: يا أبا محمد! قال: لست هناك، وفيكم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد المسلمين. فقالوا لابن عمر: أنت! قال: لست بصاحبكم، ولكن ولوا الكلام ابن الزبير. قال:

ص: 460

نعم، إن أعطيتموني عهودكم أن لا تخالفوني، كفيتكم الرجل، قالوا: ذاك لك. قال: فأذن لهم ودخلوا، فحمد الله معاوية وأثنى عليه، ثم قال: قد علمتم مسيري فيكم، وصلتي لأرحامكم، وصفحي عنكم، ويزيد أخوكم، وابن عمكم، وأحسن الناس فيكم رأيا، وإنما أردت أن تقدموه، باسم، وتكونوا أنتم الذين تنزعون، وتؤمرون، وتقسمون، فسكتوا، فقال: ألا تجيبوني! فسكتوا، فأقبل على ابن الزبير فقال: هات يا ابن الزبير، فإنك لعمري صاحب خطبة القوم.

قال: نعم يا أمير المؤمنين، نخيرك بين ثلاث خصال، أيها ما أخذت فهو لك، قال: لله أبوك، اعرضهن، قال: إن شئت صنع ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن شئت صنع ما صنع أبو بكر، وإن شئت صنع ما صنع عمر. قال: ما صنعوا؟ قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعهد عهدا، ولم يستخلف أحدا، فارتضى المسلمون أبا بكر. فقال: إنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر، إن أبا بكر كان رجلا تقطع دونه الأعناق، وإني لست آمن عليكم الاختلاف. قال: صدقت، والله ما نحب أن تدعنا، فاصنع ما صنع أبو بكر. قال: لله أبوك وما صنع؟ قال: عمد إلى رجل من قاصية قريش، ليس من رهطه فاستخلفه، فإن شئت أن تنظر أي رجل من قريش شئت، ليس من بني عبد شمس، فنرضى به. قال: فالثالثة ما هي؟ قال: تصنع ما صنع عمر. قال: وما صنع؟ قال: جعل الأمر شورى في ستة، ليس فيهم أحد من ولده، ولا من بني أبيه، ولا من رهطه. قال: فهل عندك غير هذا؟ قال: لا، قال: فأنتم؟ قالوا: ونحن أيضا. قال: أما لي فإني أحببت أن أتقدم

ص: 461

إليكم، إنه قد أعذر من أنذر، وإنه قد كان يقوم القائم منكم إلي فيكذبني على رؤوس الناس، فأحتمل له ذلك، وإني قائم بمقالة، إن صدقت فلي صدقي، وإن كذبت فعلي كذبي، وإني أقسم بالله لئن رد علي إنسان منكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمته حتى يسبق إلي رأسه، فلا يرعين رجل إلا على نفسه، ثم دعا صاحب حرسه فقال: أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين من حرسك، فإن ذهب رجل يرد علي كلمة في مقامي، فليضربا عنقه، ثم خرج، وخرجوا معه، حتى رقي المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، لا يستبد بأمر دونهم، ولا يقضى أمر إلا عن مشورتهم، وإنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد ابن أمير المؤمنين من بعده، فبايعوا بسم الله، قال: فضربوا على يده بالمبايعة، ثم جلس على رواحله، وانصرف الناس فلقوا أولئك النفر فقالوا: زعمتم وزعمتم، فلما أرضيتم وحبيتم فعلتم، فقالوا: إنا والله ما فعلنا. قالوا: ما منعكم؟ ثم بايعه الناس.

‌سنة اثنتين وخمسين

توفي فيها: أبو بكرة الثقفي، في قول وعمران بن حصين وكعب بن عجرة ومعاوية بن حديج وسعيد بن زيد في قول، وسفيان بن عوف الأزدي أمير الصوائف، وحويطب بن عبد العزى القرشي. وأبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، بخلف فيها. ورويفع بن ثابت، أمير برقة.

وفيها ولد يزيد بن أبي حبيب فقيه أهل مصر.

وفيها صالح عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي رتبيل وبلاده على ألف ألف درهم.

وأقام الحج سعيد بن العاص.

وشتى بسر بن أبي أرطاة بأرض

ص: 462

الروم.

وفيها، أو في حدودها، قال جرير بن حازم، عن جرير بن يزيد، قال: خرج قريب وزحاف في سبعين رجلا في رمضان فأتوا بني ضبيعة، وهم في مسجدهم بالبصرة، فقتلوا رؤبة بن المخبل.

قال جرير بن حازم: فحدثني الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد: أن رؤبة قال في العشية التي قتل فيها، لرجل في كلام: إن كنت صادقا فرزقني الله الشهادة قبل أن أرجع إلى بيتي.

قال جرير عن قطن بن الأزرق، عن رجل منهم، قال: ما شعرنا وإنا لقيام في المسجد، حتى أخذوا بأبواب المسجد ومالوا في الناس، فقتلوهم، فوثب القوم إلى الجدر، وصعد رجل المنارة فجعل ينادي: يا خيل الله اركبي، قال: فصعدوا فقتلوه، ثم مضوا إلى مسجد المعاول، فقتلوا من فيه، فحدثني جرير بن يزيد، أنهم انتهوا إلى رحبة بني علي، فخرج عليهم بنو علي، وكانوا رماة، فرموهم بالنبل حتى صرعوهم أجمعين.

قال جرير بن حازم: واشتد زياد بن أبيه في أمر الحرورية، بعد قتل قريب وزحاف فقتلهم، وأمر سمرة بن جندب بقتلهم، فقتل منهم بشرا كثيرا.

قال أبو عبيدة: زحاف: طائي، وقريب: أزدي.

‌سنة ثلاث وخمسين

.

فيها توفي: فضالة بن عبيد الأنصاري، وقيل: سنة تسع. والضحاك بن فيروز الديلمي. وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بمكة، وزياد بن أبيه وعمرو بن حزم الأنصاري، بخلف فيه.

ص: 463

وفيها بعد موت زياد استعمل معاوية على الكوفة الضحاك بن قيس الفهري، وعلى البصرة سمرة بن جندب، وعزل عبيد الله بن أبي بكرة عن سجستان وولاها عباد بن زياد، فغزا ابن زياد القندهار حتى بلغ بيت الذهب، فجمع له الهند جمعا هائلا، فقاتلهم فهزمهم، ولم يزل على سجستان حتى توفي معاوية.

وفيها شتى عبد الرحمن ابن أم الحكم بأرض الروم.

وأقام الموسم سعيد بن العاص.

وفيها أمر معاوية على خراسان عبيد الله بن زياد.

وفيها قتل عائذ بن ثعلبة البلوي، أحد الصحابة، قتله الروم بالبرلس.

يزيد بن هارون: أخبرنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، قال حدثني محمد بن أبي يحيى، عن أبيه - أو عن أمه - أن أسماء بنت أبي بكر اتخذت خنجرا زمن سعيد بن العاص للصوص، وكانوا قد استعدوا بالمدينة، فكانت تجعله تحت رأسها.

‌سنة أربع وخمسين

.

فيها توفي: جبير بن مطعم. وفيها: أسامة بن زيد على الصحيح، وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمرو بن حزم، وفيها حسان بن ثابت، وعبد الله بن أنيس الجهني، وسعيد بن يربوع المخزومي، وحكيم بن حزام، ومخرمة بن نوفل، وفيها بخلف: حويطب بن عبد العزى، وأبو قتادة الحارث بن ربعي.

وفيها عزل عن المدينة سعيد بن العاص بمروان.

وفيها غزا عبيد الله بن زياد، فقطع النهر إلى بخارى، وافتتح زامين،

ص: 464

وصيف ببيكند، فقطع النهر على الإبل، فكان أول عربي قطع النهر.

وفيها وجه الضحاك بن قيس من الكوفة مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى طبرستان، فصالح أهلها على خمس مائة ألف درهم.

وفيها عزل معاوية عن البصرة سمرة بعبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي.

وحج بالناس مروان. وفيها توفيت سودة أم المؤمنين في قول، وقد مرت في خلافة عمر.

‌سنة خمس وخمسين

.

فيها توفي: زيد بن ثابت في قول المدائني. وسعد بن أبي وقاص، على الأصح. والأرقم بن أبي الأرقم، في قول. وأبو اليسر كعب بن عمرو السلمي.

وفيها عزل عن البصرة عبد الله الثقفي، ووليها عبيد الله بن زياد.

وفيها غزا يزيد بن شجرة الرهاوي، فقتل، وقيل: لم يقتل، إنما قتل في سنة ثمان وخمسين.

وأقام الحج مروان بن الحكم.

وشتى بأرض الروم مالك بن عبد الله.

‌سنة ست وخمسين

فيها توفي: عبد الله بن قرط الثمالي. وجويرية أم المؤمنين المصطلقية، وقيل: توفيت سنة خمسين. وفيها: إسحاق بن طلحة بن عبيد الله.

وفيها: ولد أبو جعفر محمد بن علي، وعمرو بن دينار.

وقد مر أن معاوية ولى على البصرة عبيد الله بن زياد، فعزله في هذه السنة عن خراسان، وأمر عليها سعيد بن عثمان بن عفان، فغزا سعيد ومعه

ص: 465

المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وطلحة الطلحات، وأوس بن ثعلبة فغزا سمرقند، وخرج إليه الصغد فقاتلوه، فألجأهم إلى مدينتهم، فصالحوه وأعطوه رهائن.

وفيها شتى المسلمون بأرض الروم.

وفيها اعتمر معاوية في رجب.

وفيها توفيت الكلابية التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فاستعاذت منه، ففارقها، أرخها الواقدي.

‌سنة سبع وخمسين

.

فيها توفيت أم المؤمنين عائشة، أو في سنة ثمان، وفيها: السائب بن أبي وداعة السهمي، ومعتب بن عوف ابن الحمراء وعبد الله بن السعدي العامري، وفي قول: أبو هريرة.

وفيها: كعب بن مرة، أو مرة بن كعب البهزي، وقثم بن العباس.

ويقال: توفي فيها سعيد بن العاص. وعبد الله بن عامر بن كريز.

وفيها عزل الضحاك عن الكوفة، ووليها عبد الرحمن ابن أم الحكم. وفيها وجه معاوية حسان بن النعمان الغساني إلى إفريقية، فصالحه من يليه من البربر، وضرب عليهم الخراج، وبقي عليها حتى توفي معاوية.

وفيها عزل معاوية مروان عن المدينة، وأمر عليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وعزل عن خراسان سعيد بن عثمان، وأعاد عليها عبيد الله بن زياد.

وشتى عبد الله بن قيس بأرض الروم.

ص: 466

‌سنة ثمان وخمسين

فيها توفي: شداد بن أوس، وعبد الله بن حوالة، وعبيد الله بن العباس وعقبة بن عامر الجهني وأبو هريرة، ويزيد بن شجرة الرهاوي، وجبير بن مطعم في قول المدائني.

وفيها غزا عقبة بن نافع من قبل مسلمة بن مخلد، فاختط مدينة القيروان وابتناها.

وصلى أبو هريرة على عائشة، وكان مروان غائبا في العمرة.

وفيها حج بالناس الوليد بن عتبة.

‌سنة تسع وخمسين

فيها توفي: سعيد بن العاص الأموي، على الصحيح، وجبير بن مطعم، في قول، وأوس بن عوف الطائفي، له صحبة. وشيبة بن عثمان الحجبي في قول، وأبومحذورة المؤذن، وعبد الله بن عامر بن كريز على الصحيح.

وأبو هريرة في قول سعيد بن عفير. ويقال: توفيت فيها أم سلمة، وتأتي سنة إحدى وستين.

وفيها ولد عوف الأعرابي.

وفيها غزا أبو المهاجر دينار فنزل على قرطاجنة، فالتقوا، فكثر القتل في الفريقين، وحجز الليل بينهم، وانحاز المسلمون من ليلتهم، فنزلوا جبلا في قبلة تونس، ثم عاودوهم القتال، فصالحوهم على أن يخلو لهم الجزيرة، وافتتح أبو المهاجر ميلة، وكانت إقامته في هذه الغزاة نحوا من سنتين.

وفيها شتى عمرو بن مرة بأرض الروم في البر.

ص: 467

وأقام الحج للناس الوليد بن عتبة.

‌سنة ستين

فيها توفي: معاوية بن أبي سفيان، وبلال بن الحارث المزني، وسمرة بن جندب الفزاري، وعبد الله بن مغفل. وفي قول الواقدي: صفوان بن المعطل السلمي، وفيها توفي في قول: أبو حميد الساعدي. وفيها: أبو أسيد الساعدي، في قول ابن سعد.

بيعة يزيد:

قال مجالد، عن الشعبي: قال علي رضي الله عنه: لا تكرهوا إمرة معاوية، فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها. قلت: قد مضى أن معاوية جعل ابنه ولي عهده بعده، وأكره الناس على ذلك، فلما توفي لم يدخل في طاعة يزيد الحسين بن علي، ولا عبد الله بن الزبير، ولا من شايعهما.

قال أبو مسهر: حدثنا خالد بن يزيد، قال: حدثني سعيد بن حريث، قال: لما كان الغداة التي مات في ليلتها معاوية فزع الناس إلى المسجد، ولم يكن قبله خليفة بالشام غيره، فكنت فيمن أتى المسجد، فلما ارتفع النهار، وهم يبكون في الخضراء، وابنه يزيد غائب في البرية، وهو ولي عهده، وكان نائبه على دمشق الضحاك بن قيس الفهري، فدفن معاوية، فلما كان بعد أسبوع بلغنا أن ابن الزبير خرج بالمدينة وحارب، وكان معاوية قد غشي عليه مرة، فركب بموته الركبان، فلما بلغ ذلك ابن الزبير خرج، فلما كان يوم الجمعة صلى بنا الضحاك ثم قال: تعلمون أن خليفتكم يزيد قد قدم، ونحن غدا متلقوه، فلما صلى الصبح ركب، وركبنا معه، فسار إلى

ص: 468

ثنية العقاب، فإذا بأثقال يزيد، ثم سرنا قليلا، فإذا يزيد في ركب معه أخواله من بني كلب، وهو على بختي له رحل، ورائطه مثنية في عنقه، ليس عليه سيف ولا عمامة، وكان ضخما سمينا، قد كثر شعره وشعث، فأقبل الناس يسلمون عليه ويعزونه، وهو ترى فيه الكآبة والحزن وخفض الصوت، والناس يعيبون ذلك منه ويقولون: هذا الأعرابي الذي ولاه أمر الناس، والله سائله عنه، فسار، فقلنا: يدخل من باب توما، فلم يدخل، ومضى إلى باب شرقي، فلم يدخل منه وأجازه، ثم أجاز باب كيسان إلى باب الصغير، فلما وافاه أناخ ونزل، ومشى الضحاك بين يديه إلى قبر معاوية، فصفنا خلفه، وكبر أربعا، فلما خرج من المقابر أتى ببغلة فركبها إلى الخضراء، ثم نودي الصلاة جامعة لصلاة الظهر، فاغتسل ولبس ثيابا نقية، ثم جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر موت أبيه، وقال: إنه كان يغزيكم البر والبحر، ولست حاملا واحدا من المسلمين في البحر، وإنه كان يشتيكم بأرض الروم، ولست مشتيا أحدا بها، وإنه كان يخرج لكم العطاء أثلاثا، وأنا أجمعه لكم كله. قال: فافترقوا، وما يفضلون عليه أحدا.

وعن عمرو بن ميمون: أن معاوية مات وابنه بحوارين، فصلى عليه الضحاك.

وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس قال: خطب معاوية فقال: اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله، فبلغه ما أملت وأعنه، وإن كنت إنما حملني حب الوالد لولده، وإنه ليس بأهل، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك.

وقال حميد بن عبد الرحمن: دخلنا على بشير، وكان صحابيا، حين استخلف يزيد فقال: يقولون إنا يزيد ليس بخير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا أقول ذلك، ولكن لأن يجمع الله أمة محمد أحب إلي من أن تفترق.

ص: 469

وقال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخنا بالمدينة، ما لا أحصي يقولون: إن معاوية لما هلك، وعلى المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، أتاه موته من جهة يزيد قال: فبعث إلى مروان وبني أمية فأخبرهم، فقال مروان: ابعث الآن إلى الحسين وابن الزبير، فإن بايعا، وإلا فاضرب أعناقهما، فأتاه ابن الزبير فنعى له معاوية، فترحم عليه، فقال: بايع يزيد، قال: ما هذه ساعة مبايعة ولا مثلي يبايع هاهنا ولكن نصبح فترقى المنبر، وأبايعك علانية ويباعيك الناس. فوثب مروان، فقال: اضرب عنقه فإنه صاحب فتنة وشر. فقال: إنك هاهنا يا ابن الزرقاء. واستبا، فقال الوليد: أخرجوهما عني، وكان رجلا رفيقا سريا كريما، فأخرجا، فجاءه الحسين على تلك الحال، فلم يكلم في شيء، حتى رجعا جميعا، ثم رد مروان إلى الوليد فقال: والله لا تراه بعد مقامك إلا حيث يسوؤك، فأرسل العيون في أثره، فلم يزد حين دخل منزله على أن توضأ وصلى، وأمر ابنه حمزة أن يقدم راحلته إلى ذي الحليفة، مما يلي الفرع، وكان له بذي الحليفة مال عظيم، فلم يزل صافا قدميه إلى السحر، وتراجعت عنه العيون، فركب دابة إلى ذي الحليفة، فجلس على راحلته، وتوجه إلى مكة، وخرج الحسين من ليلته فالتقيا بمكة، فقال ابن الزبير للحسين: ما يمنعك من شيعتك وشيعة أبيك! فوالله لو أن لي مثلهم ما توجهت إلا إليهم، وبعث يزيد بن معاوية عمرو بن سعيد بن العاص أميرا على المدينة، خوفا من ضعف الوليد، فرقي المنبر، وذكر صنيع ابن الزبير، وتعوذه بمكة، يعني أنه عاذ ببيت الله وحرمه، فوالله لنغزونه، ثم لئن دخل الكعبة لنحرقها عليه على رغم أنف من رغم.

وقال جرير بن حزم: حدثنا محمد بن الزبير، قال: حدثني رزيق مولى معاوية، قال: بعثني يزيد إلى أمير المدينة، فكتب إليه بموت معاوية، وأن يبعث إلى هؤلاء الرهط، ويأمرهم بالبيعة، قال: فقدمت المدينة ليلا، فقلت للحاجب: استأذن لي ففعل، فلما قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية جزع جزعا شديدا، وجعل يقوم على رجليه، ثم يرمي بنفسه على فراشه، ثم بعث إلى مروان، فجاء وعليه قميص أبيض وملاءة موردة، فنعى له معاوية وأخبره، فقال: ابعث إلى هؤلاء، فإن بايعوا، وإلا فاضرب أعناقهم، قال: سبحان الله! أقتل الحسين وابن الزبير! قال: هو ما أقول لك.

ص: 470

قلت: أما ابن الزبير فعاذ ببيت الله، ولم يبايع، ولا دعا إلى نفسه، وأما الحسين بن علي رضي الله عنهما، فسار من مكة لما جاءته كتب كثيرة من عامة الأشراف بالكوفة، فسار إليها، فجرى ما جرى وكان أمر الله قدرا مقدورا.

مجالد، عن الشعبي. (ح) والواقدي من عدة طرق أن الحسين رضي الله عنه قدم مسلم بن عقيل، وهو ابن عمه، إلى الكوفة، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة المرادي، وينظر إلى اجتماع الناس عليه، ويكتب إليه بخبرهم، فلما قدم عبيد الله بن زياد من البصرة إلى الكوفة، طلب هانئ بن عروة فقال: ما حملك على أن تجير عدوي وتنطوي عليه؟ قال: يا ابن أخي إنه جاء حق هو أحق من حقك، فوثب عبيد الله بعنزة طعن بها في رأس هانئ حتى خرج الزج، واغترز في الحائط، وبلغ الخبر مسلم بن عقيل، فوثب بالكوفة، وخرج بمن خف معه، فاقتتلوا، فقتل مسلم، وذلك في أواخر سنة ستين.

وروى الواقدي، والمدائني بإسنادهم: أن مسلم بن عقيل بن أبي طالب خرج في أربع مائة، فاقتتلوا، فكثرهم أصحاب عبيد الله، وجاء الليل، فهرب مسلم حتى دخل على امرأة من كندة، فاستجار بها، فدل عليه محمد بن الأشعث، فأتي به إلى عبيد الله، فبكته وأمر بقتله، فقال: دعني أوصي، فقال: نعم، فنظر إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال: إن لي إليك حاجة وبيننا رحم، فقام إليه فقال: يا هذا ليس هاهنا رجل من قريش غيري وغيرك وهذا الحسين قد أظلك، فأرسل إليه فلينصرف، فإن القوم قد غروه وخدعوه وكذبوه، وعلي دين فاقضه عني، واطلب جثتي من عبيد الله بن زياد فوارها، فقال له عبيد الله: ما قال لك؟ فأخبره، فقال: أما ماله فهو لك لا نمنعك منك، وأما الحسين فإن تركنا لم نرده، وأما جثته فإذا قتلناه لم نبال ما صنع به. فأمر به، فقتل رحمه الله.

ص: 471

ثم قضى عمر بن سعد دين مسلم، وكفنه ودفنه، وأرسل رجلا على ناقة إلى الحسين يخبره بالأمر، فلقيه على أربع مراحل، وبعث عبيد الله برأس مسلم وهانئ إلى يزيد بن معاوية، فقال علي لأبيه الحسين: ارجع يا أبه، فقالت بنو عقيل: ليس ذا وقت رجوع.

ص: 472

بسم الله الرحمن الرحيم.

‌تراجم أهل هذه الطبقة

1 -

‌ الأرقم بن أبي الأرقم

، عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، الذي استخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره المعروفة بدار الخيزران عند الصفا، أبو عبد الله.

نفله النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر سيفا، واستعمله على الصدقات.

قال ابن عبد البر: ذكر ابن أبي خيثمة أن والد الأرقم قد أسلم أيضا فغلط.

وذكر أبو حاتم أن عبد الله بن الأرقم هو ولد الأرقم هذا، فغلط لأنه زهري، ولي بيت المال لعثمان.

وقال غيره: عاش الأرقم بضعا وثمانين سنة، ومات بالمدينة، وصلى عليه سعد بن أبي وقاص بوصيته، وبقي ابنه عبيد الله إلى حدود المائة.

وروى أحمد في مسنده من حديث هشام بن زياد، عن عثمان بن الأرقم، عن أبيه، في ذم تخطي الرقاب يوم الجمعة، رفع الحديث.

قال عثمان: توفي أبي سنة ثلاث وخمسين، وله ثلاث وثمانون سنة.

2 – ع:‌

‌ أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي

، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه ومولاه، أبو زيد، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حارثة.

ص: 473

وفي الصحيح عن أسامة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن فيقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما.

روى عنه ابناه حسن ومحمد، وابن عباس، وأبو وائل، وأبو عثمان النهدي، وأبو سعيد المقبري، وعروة، وأبو سلمة، وعطاء بن أبي رباح، وجماعة.

وأمه أم أيمن بركة حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ومولاته.

وكان أسود كالليل، وكان أبوه أبيض أشقر؛ قاله إبراهيم بن سعد.

قالت عائشة: دخل مجزز المدلجي القائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى أسامة وزيدا، وعليهما قطيفة، قد غطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأعجبه.

وقال أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه: أخبرني أسامة أن عليا، قال: يا رسول الله أي أهلك أحب إليك؟ قال: فاطمة، قال: إنما أسألك عن الرجال، قال: من أنعم الله عليه وأنعمت عليه؛ أسامة بن زيد، قال: ثم من؟ قال: ثم أنت، وهذا حديث حسن.

وقال مغيرة، عن الشعبي أن عائشة قالت: لا ينبغي لأحد أن يبغض أسامة بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة. هذا صحيح غريب.

وقالت عائشة في شأن المخزومية التي سرقت فقالوا: من يجترئ

ص: 474

يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها إلا حب رسول الله أسامة.

وقال موسى بن عقبة وغيره، عن سالم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلي أسامة. ما حاشى فاطمة ولا غيرها.

قال زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر أنه فرض لأسامة ثلاثة آلاف وخمس مائة، وفرض لعبد الله بن عمر في ثلاثة آلاف، فقال عبد الله: لم فضلته علي، فوالله ما سبقني إلى مشهد! قال: لأن زيدا كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان أسامة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فآثرت حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبي.

قال الترمذي: حسن غريب.

وفي الصحيحين من حديث ابن عمر، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فطعنوا في إمارته، فقال: إن يطعنوا في إمارته فقد طعنوا في إمارة أبيه، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي وأن ابنه هذا لمن أحب الناس إلي بعده.

قد ذكرنا في المغازي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسامة على جيش، فيهم أبو بكر وعمر، وله ثمان عشرة سنة.

وفي: صحيح مسلم، من حديث عائشة، قالت: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن

ص: 475

يمسح مخاط أسامة، فقلت: دعني حتى أكون أنا الذي أفعله، فقال: يا عائشة أحبيه فإني أحبه.

وقال مجالد، عن الشعبي، عن عائشة قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن أغسل وجه أسامة بن زيد وهو صبي، قالت: وما ولدت، ولا أعرف كيف يغسل وجه الصبيان، فآخذه فأغسله غسلا ليس بذاك، قالت: فأخذه وجعل يغسل وجهه ويقول: لقد أحسن بنا أسامة إذ لم يكن جارية، ولو كنت جارية لحليتك وأعطيتك.

وفي مسند أحمد من حديث البهي، عن عائشة، قالت: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه.

وعن عبد الله بن دينار، وغيره قال: لم يلق عمر أسامة قط إلا قال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات وأنت علي أمير.

وقال عبيد الله بن عمر، عن نافع: قال ابن عمر: فرض عمر لأسامة أكثر مما فرض لي فقلت: إنما هجرتي وهجرته واحدة، فقال: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وإنه كان أحب إلى رسول الله منك.

وقال قيس بن أبي حازم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن الراية صارت إلى خالد بن الوليد قال: فهلا إلى رجل قتل أبوه، يعني أسامة.

ص: 476

وقال الزهري: مات أسامة بالجرف، وحمل إلى المدينة.

وعن سعيد المقبري قال: شهدت جنازة أسامة، فقال ابن عمر: عجلوا بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تطلع الشمس.

ابن سعد: حدثنا يزيد، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الإفاضة من عرفة من أجل أسامة ينتظره، فجاء غلام أسود أفطس، فقال أهل اليمن: إنما حبسنا من أجل هذا! فلذلك ارتدوا، يعني أيام الصديق.

وقال وكيع: سلم من الفتنة من المعروفين أربعة: سعد، وابن عمر، وأسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، واختلط سائرهم.

وقال ابن سعد: مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة.

قلت: وقد سكن المزة مدة، ثم انتقل إلى المدينة، وتوفي بها، ومات وله قريب من سبعين سنة.

وقيل: توفي سنة أربع وخمسين، فالله أعلم.

وقال وهب بن جرير: حدثنا أبي، قال: سمعت ابن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله قال: رأيت أسامة بن زيد مضطجعا على باب حجرة عائشة، رافعا عقيرته يتغنى، ورأيته يصلي عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فمر به مروان فقال: أتصلي عند قبر! وقال له قولا قبيحا ثم أدبر، فانصرف أسامة ثم قال: يا مروان إنك فاحش متفحش، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يبغض الفاحش المتفحش.

ص: 477

3 – ت ق:‌

‌ إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التيمي

.

توفي سنة ست وخمسين بخراسان.

روى عن أبيه، وعائشة.

وعنه ابنه معاوية، وابن أخيه إسحاق بن يحيى.

ووفد على معاوية، وخطب إليه أخته. وهو ابن خالة معاوية، لأن أمه أم أبان بنت عتبة بن ربيعة.

قال المدائني: كان قد ولي خراج خراسان لمعاوية فتوفي بها سنة ست وخمسين.

4 – 4:‌

‌ أسماء بنت عميس الخثعمية

.

هاجرت مع زوجها جعفر إلى الحبشة، فلما استشهد بمؤتة تزوجها بعده أبو بكر الصديق، ثم بعده علي. فعبد الله بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر، ويحيى بن علي أبي طالب إخوة لأم.

روت أحاديث. وعنها: ابنها عبد الله، وابن أختها عبد الله بن شداد بن الهاد، وسعيد بن المسيب، والشعبي، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وفاطمة بنت علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت الحسين، وآخرون.

وهي أخت ميمونة أم المؤمنين، وأم الفضل زوجة العباس من الأم.

وقيل: كن تسع أخوات.

5 -

د ن ق:‌

‌ أوس بن عوف، الطائفي

.

قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد قومه ثقيف.

قال خليفة: توفي سنة تسع وخمسين.

وقال أبو نعيم الحافظ: هو أوس بن حذيفة، نسب إلى جده الأعلى.

ص: 478

وقيل: هو أوس بن أبي أوس روى عنه: ابنه عبد الله، وحفيده عثمان بن عبد الله.

وقيل: هو أوس بن أوس الذي نزل الشام، وهو بعيد.

6 -

4:‌

‌ بلال بن الحارث المزني

، أبو عبد الرحمن، عداده في أهل المدينة.

صحابي معروف عاش ثمانين سنة، وكان ينزل جبل مزينة المعروف بالأجرد، ويتردد إلى المدينة.

روى عنه ابنه الحارث، وعلقمة بن وقاص. وحديثه في السنن.

توفي سنة ستين.

7 – م 4:‌

‌ ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

.

سبي من نواحي الحجاز، فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يخدمه حضرا وسفرا، وحفظ عنه كثيرا، وسكن حمص.

روى عنه جبير بن نفير، وخالد بن معدان، وأبو أسماء الرحبي، وراشد بن سعد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وجماعة كثيرة.

توفي سنة أربع وخمسين.

8 -

‌ جبير بن الحويرث بن نقيد القرشي

.

أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دم أبيه يوم الفتح، لكونه كان مؤذيا لله ورسوله.

ولجبير رؤية. روى عن: أبي بكر، وعمر، وشهد اليرموك.

روى عنه عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، وعروة، وسعيد بن المسيب.

9 -

ع:‌

‌ جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي النوفلي أبو محمد

، ويقال: أبو عدي.

قدم المدينة مشركا في فداء أسارى بدر، ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، وكان من حلماء قريش وأشرافهم. وأبوه هو الذي قام في نقض

ص: 479

الصحيفة، وأجار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طاف بالبيت لما رجع من الطائف. ومات مشركا.

لجبير أحاديث، روى عنه ابناه محمد، ونافع، وسليمان بن صرد، وسعيد بن المسيب، وآخرون.

توفي سنة ثمان وخمسين في قول المدائني، وقيل: سنة تسع وخمسين.

10 -

ع:‌

‌ جرير بن عبد الله أبو عمرو البجلي

، الأحمسي، اليمني.

وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر، فأسلم في رمضان، فأكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه.

وكان بديع الجمال، مليح الصورة إلى الغاية، طويلا، يصل إلى سنام البعير، وكان نعله ذراعا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على وجهه مسحة ملك.

وروي عن عمر رضي الله عنه، قال: جرير يوسف هذه الأمة.

اعتزل عليا ومعاوية، وأقام بنواحي الجزيرة.

روى عنه حفيده أبو زرعة بن عمرو بن جرير، والشعبي، وزياد بن علاقة، وأبو إسحاق السبيعي، وجماعة.

توفي سنة إحدى وخمسين على الصحيح.

وقيل: توفي سنة أربع وخمسين.

قال مغيرة: عن الشعبي: إن عمر كان في بيت، فوجد ريحا، فقال: عزمت على صاحب الريح لما قام فتوضأ، فقال جرير: يا أمير المؤمنين أو نتوضأ جميعا؟ فقال عمر: نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام.

قال ابن إسحاق: وفيه يقول الشاعر:

ص: 480

لولا جرير هلكت بجيله نعم الفتى وبئست القبيله يونس بن أبي إسحاق، عن المغيرة بن شبيل، قال جرير: لما دنوت من المدينة حللت عيبتي، ولبست حلتي، ثم دخلت المسجد، وإذ برسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فرماني الناس بالحدق، فقلت لجليسي: هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمري شيئا؟ قال: نعم ذكرك بأحسن الذكر.

وقال جرير: ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة وقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.

وقيل: رمى إليه بردته ليجلس عليها.

11 -

‌ جعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي

.

شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا، وبقي إلى زمن معاوية، وهو وأبوه من مسلمة الفتح.

12 -

ع:‌

‌ جويرية، أم المؤمنين بنت الحارث

بن أبي ضرار المصطلقي.

سباها النبي صلى الله عليه وسلم يوم المريسيع في السنة الخامسة، وكان اسمها برة، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت قبله عند ابن عمها صفوان بن أبي الشفر

ص: 481

فتزوجها، وجعل صداقها عتق جماعة من قومها. ثم قدم أبوها الحارث بن أبي ضرار على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم.

وعن جويرية، قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت عشرين سنة.

زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية واستنكحها، وجعل صداقها عتق كل مملوك من بني المصطلق. وكانت في ملك اليمين، فأعتقها وتزوجها.

قال ابن سعد وغيره: وبنو المصطلق من خزاعة.

لها أحاديث، روى عنها: ابن عباس، وعبيد بن السباق، وكريب، ومجاهد، وأبو أيوب الأزدي يحيى بن مالك، وغيرهم.

توفيت بالمدينة سنة ست وخمسين، وصلى عليها مروان.

وعن عائشة، قالت: كانت جويرية امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه. والحديث قد مر في سنة خمس.

13 -

‌ الحارث بن كلدة

، الثقفي الطائفي، طبيب العرب.

سافر في البلاد، وتعلم الطب بناحية فارس، وتعلم أيضا ضرب العود بفارس واليمن. ويقال: إنه بقي إلى أيام معاوية، وهو بعيد، فإن ابنه النضر بن الحارث ابن خالة النبي صلى الله عليه وسلم أسر يوم بدر، وقتله علي بالصفراء.

ويروى أن سعد بن أبي وقاص لما مرض بمكة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ادعوا له الحارث بن كلدة.

14 -

‌ حجر بن عدي ويدعى حجر بن الأدبر بن جبلة الكندي الكوفي

، أبو عبد الرحمن. وقيل لأبيه: الأدبر، لأنه طعن موليا.

ص: 482

ولحجر صحبة ووفادة، ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا.

سمع من علي وعمار، وعنه مولاه أبو ليلى، وأبو البختري الطائي. شهد صفين أميرا مع علي. وكان صالحا عابدا، يلازم الوضوء، ويكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يكذب زياد بن أبيه الأمير على المنبر، وحصبه مرة فكتب فيه إلى معاوية، فسر حجر عن الكوفة في ثلاثة آلاف بالسلاح، ثم تورع وقعد عن الخروج، فسيره زياد إلى معاوية، وجاء الشهود فشهدوا عند معاوية عليه، وكان معه عشرون رجلا فهم معاوية بقتلهم، فأخرجوا إلى عذراء.

وقيل: إن رسول معاوية جاء إليهم لما وصلوا إلى عذراء يعرض عليهم التوبة والبراءة من علي رضي الله عنه، فأبى من ذلك عشرة، وتبرأ عشرة، فقتل أولئك، فلما انتهى القتل إلى حجر رضي الله عنه جعل يرعد، فقيل له: ما لك ترعد! فقال: قبر محفور، وكفن منشور، وسيف مشهور.

ولما بلغ عبد الله بن عمر قتلة حجر قام من مجلسه موليا يبكي.

ولما حج معاوية استأذن على أم المؤمنين عائشة فقالت له: أقتلت حجرا! فقال: وجدت في قتله صلاح الناس، وخفت من فسادهم.

وقيل: إن معاوية ندم كل الندم على قتلهم، وكان قتلهم في سنة إحدى وخمسين.

ابن عون: عن نافع، قال: كان ابن عمر في السوق، فنعي إليه حجر، فأطلق حبوته وقام، وقد غلبه النحيب.

هشام: عن ابن سيرين، قال: لما أتي معاوية بحجر، قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: أو أمير المؤمنين أنا! اضربوا عنقه. فصلى ركعتين، وقال لمن حضر من أهله: لا تطلقوا عني حديدا، ولا تغسلوا عني دما، فإني ملاق معاوية على الجادة.

ص: 483

15 -

سوى ت:‌

‌ حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري النجاري

، أبو عبد الرحمن، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أيده بروح القدس.

روى عنه ابنه عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وغيرهم.

بلغنا أن حسان، وأباه، وجده، وجد أبيه، عاش كل منهم مائة وعشرين سنة. وكان في حسان جبن، وأضر بأخرة. وله شعر فائق في الفصاحة.

توفي سنة أربع وخمسين.

16 -

ع:‌

‌ حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي أبو خالد

، وعمته خديجة رضي الله عنها.

كان يوم الفيل مراهقا، وهو والد هشام، له صحبة ورواية، وشرف في قومه وحشمة.

روى عنه ابنه حزام، وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وعروة بن الزبير، وموسى بن طلحة، ويوسف بن ماهك، وغيرهم.

حضر بدرا مشركا، وأسلم عام الفتح، وكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نجاني يوم بدر من القتل. وله منقبة؛ وهو أنه ولد في جوف الكعبة. وأسلم وله ستون سنة أو أكثر، وكان من المؤلفة قلوبهم. أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين مائة من الإبل؛ قاله ابن إسحاق.

حصل حكيم أموالا من التجارة، وكان شديد الأدمة نحيفا. ولما ضيقت قريش على بني هاشم بالشعب، كان حكيم تأتيه العير، تحمل الحنطة، فيقبلها الشعب، ثم يضرب أعجازها، فتدخل عليهم.

ص: 484

وقال عروة: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: من دخل دار حكيم فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار بديل بن ورقاء فهو آمن.

وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما سلف لك من خير.

وكان سمحا جوادا كريما، عالما بالنسب، أعتق في الجاهلية مائة رقبة، وفي الإسلام مائة رقبة، وكان ذا رأي وعقل تام، وهو أحد من دفن عثمان سرا. وباع دارا لمعاوية بستين ألفا، وتصدق بها، وقال: اشتريتها في الجاهلية بزق خمر.

وروي أن الزبير لما توفي، قال حكيم بن حزام لابن الزبير: كم على أخي من الدين؟ قال: ألف ألف درهم، قال: علي منها خمس مائة ألف.

ودخل على حكيم عند الموت وهو يقول: لا إله إلا الله، قد كنت أخشاك، وأنا اليوم أرجوك.

توفي رضي الله عنه سنة أربع وخمسين.

17 -

خ م ن:‌

‌ حويطب بن عبد العزى القرشي العامري

.

من مسلمة الفتح، له صحبة، وهو أحد النفر الذين أمرهم عمر بتجديد أنصاب الحرم، وأحد من دفن عثمان، وكان حميد الإسلام. عمر مائة وعشرين سنة.

ويروى أنه باع من معاوية دارا بالمدينة بأربعين ألف دينار.

روى عن عبد الله بن السعدي حديث رزق العامل، رواه عنه السائب بن يزيد، وهو في الصحيحين، قد اجتمع في إسناده أربعة من

ص: 485

الصحابة.

توفي حويطب سنة أربع، ويقال: سنة اثنتين وخمسين.

18 -

ت ن:‌

‌ خالد بن عرفطة العذري

.

له صحبة ورواية.

روى عنه مولاه مسلم، وأبو عثمان النهدي، وعبد الله بن يسار. وكان أحد الأبطال المذكورين. توفي بالكوفة سنة ستين.

قال ابن سعد: وكان سعد ولى خالدا القتال يوم القادسية، وهو الذي قتل الخوارج يوم النخيلة، وله بالكوفة دار وعقب.

19 -

‌ خراش بن أمية الكعبي الخزاعي

.

له دار بالمدينة بسوق الدجاج. شهد بيعة الرضوان وحلق رأس النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، وتوفي في آخر أيام معاوية. قاله ابن سعد. لم يرو شيئا.

20 -

‌ دغفل بن حنظلة الشيباني الذهلي

، النسابة.

مختلف في صحبته. وقال أحمد بن حنبل: لا أرى له صحبة.

توفي في دهر معاوية.

21 -

د ق: ذو مخمر، ويقال: ذو مخبر الحبشي، ابن أخي النجاشي.

هاجر، وخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه.

روى عنه: جبير بن نفير، وخالد بن معدان، وأبو الزاهرية حدير بن كريب، ويزيد بن صليح.

ص: 486

توفي بالشام.

22 -

‌ الربيع بن زياد الحارثي الأمير

، يكنى أبا عبد الرحمن.

روى عن أبي بن كعب، وكعب الأحبار.

وعنه أبو مجلز لاحق، ومطرف بن الشخير، وحفصة بنت سيرين، وأرسل عنه قتادة.

ولي خراسان لمعاوية، وكان الحسن البصري كاتبا له.

وروى الهيثم، عن مجالد، عن الشعبي، قال: قال عمر: دلوني على رجل أستعمله، فذكروا له جماعة، فلم يردهم، قالوا: من تريد؟ قال: من إذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم، وإذا لم يكن أميرهم كان كأنه أميرهم، قالوا: ما نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي، قال: صدقتم.

قال أبو أحمد الحاكم في الكنى: لما بلغ الربيع بن زياد مقتل حجر بن عدي، دعا فقال: اللهم إن كان للربيع عندك خير، فاقبضه إليك وعجل، فزعموا أنه لم يبرح من مجلسه حتى مات، رحمه الله.

23 -

د ت ن:‌

‌ رويفع بن ثابت الأنصاري

، أمير المغرب.

يقال: توفي سنة اثنتين وخمسين، وقد ذكر في الطبقة الماضية. وأما ابن يونس فقال: توفي سنة ست وخمسين.

24 -

‌ زياد بن عبيد

، الأمير الذي ادعاه معاوية أنه أخوه والتحق به، وجمع له إمرة العراق، كنيته أبو المغيرة.

أسلم في عهد أبي بكر، وكان كاتب أبي موسى في إمرته على البصرة. سمع من عمر.

روى عنه محمد بن سيرين، وعبد الملك بن عمير، وجماعة.

وولد سنة الهجرة، وأمه سمية جارية الحارث بن كلدة الثقفي.

ص: 487

قال البخاري: هو أخو أبي بكرة الثقفي لأمه.

وكان زياد لبيبا فاضلا، حازما، من دهاة العرب، بحيث يضرب به المثل. يقال: إنه كتب لأبي موسى، وللمغيرة بن شعبة، ولعبد الله بن عامر، وكتب بالبصرة لابن عباس.

وذكر الشعبي: أن عبد الله بن عباس لما سار من البصرة مع علي إلى صفين استخلف زيادا على بيت المال.

وذكر عوانة بن الحكم أن أبا سفيان بن حرب صار إلى الطائف فسكر، فالتمس بغيا، فأحضرت له سمية، فواقعها، وكانت مزوجة بعبيد مولى الحارث بن كلدة، قال: فولدت زيادا، فادعاه معاوية في خلافته، وأنه من ظهر أبي سفيان.

ولما توفي علي كان زياد عامله على فارس، فتحصن في قلعة، ثم كاتب معاوية وأن يصالحه على ألفي ألف درهم، ثم أقبل زياد من فارس.

وقال محمد بن سيرين: إن زيادا قال لأبي بكرة، وهو أخوه لأمه: ألم تر أن أمير المؤمنين أرادني على كذا وكذا، وقد ولدت على فراش عبيد وأشبهته، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه، فليتبوأ مقعده من النار. ثم جاء العام المقبل، وقد ادعاه.

قال الشعبي: ما رأيت أحدا أخطب من زياد.

وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت أخصب ناديا، ولا أكرم جليسا، ولا أشبه سريرة بعلانية من زياد.

وقال أبو إسحاق السبيعي: ما رأيت قط أحدا خيرا من زياد ما كان إلا عروسا.

ص: 488

وقال الفقيه الوزير أبو محمد بن حزم في كتاب الفصل: ولقد امتنع زياد وهو فقعة القاع لا عشيرة له ولا نسب، ولا سابقة، ولا قدم، فما أطاقه معاوية إلا بالمداراة، وحتى أرضاه وولاه.

وقال أبو الشعثاء جابر بن زيد: كان زياد أقتل لأهل دينه ممن يخالف هواه من الحجاج، وكان الحجاج أعم بالقتل.

وقال ابن شوذب: بلغ ابن عمر أن زيادا كتب إلى معاوية: إني قد ضبطت العراق بيميني، وشمالي فارغة، فسأله أن يوليه الحجاز، فقال ابن عمر: اللهم إنك إن تجعل في القتل كفارة، فموتا لابن سمية لا قتلا، فخرج في إصبع زياد الطاعون، فمات.

وقال الحسن البصري: بلغ الحسن بن علي أن زيادا يتتبع شيعة علي بالبصرة فيقتلهم، فدعا عليه.

وروى ابن الكلبي: أن زيادا جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من علي، فخرج خارج من القصر، فقال: إن الأمير مشغول، فانصرفوا، وإذا الطاعون قد ضربه.

توفي سنة ثلاث وخمسين. وله أخبار تطول.

25 -

ع:‌

‌ زيد بن ثابت رضي الله عنه

.

قد ذكر في الماضية، وقال أحمد بن حنبل، والفلاس: توفي سنة إحدى وخمسين. وقال المدائني، وغيره: توفي سنة خمس وخمسين.

26 -

4:‌

‌ السائب بن خلاد بن سويد بن ثعلبة

، أبو سهلة الأنصاري الخزرجي.

له صحبة، وأحاديث قليلة.

روى عنه ابنه خلاد، وعطاء بن يسار، ومحمد بن كعب القرظي، وصالح بن خيوان السبئي، وعبد الرحمن بن

ص: 489

عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة.

وقيل: هما اثنان، وإن والد خلاد ما روى عنه إلا ولده.

27 -

‌ السائب بن أبي وداعة

، القرشي السهمي.

أسر يوم بدر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تمسكوا به فإن له ابنا كيسا بمكة. فخرج ابنه المطلب سرا حتى قدم، ففدى أباه بأربعة آلاف درهم، ثم أسلم السائب، وتوفي سنة سبع وخمسين.

28 -

م 4:‌

‌ سبرة بن معبد

، ويقال: سبرة بن عوسجة بن حرملة الجهني.

له صحبة ورواية.

روى عنه ابنه الربيع أحاديث.

أخرج له مسلم وغيره، وكان رسول علي إلى معاوية من المدينة، بعد مقتل عثمان.

وكنيته: أبو ثرية.

29 -

ع:‌

‌ سعد بن أبي وقاص

، مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، أبو إسحاق الزهري.

أحد العشرة المشهود له بالجنة، وأحد السابقين الأولين، كان يقال له: فارس الإسلام، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله.

وكان مقدم الجيوش في فتح العراق، مجاب الدعوة، كثير المناقب، هاجر إلى المدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد بدرا.

روى عنه بنوه: عامر ومصعب، وإبراهيم وعمر ومحمد وعائشة بنو سعد، وبسر بن سعيد، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وعلقمة بن قيس، وعروة بن الزبير، وأبو صالح السمان، وآخرون.

وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس.

أسلم وهو ابن تسع عشرة سنة، وكان قصيرا دحداحا غليظا، ذا هامة، شثن الأصابع، جعد الشعر، أشعر الجسد، آدم، أفطس.

ص: 490

قال سعيد بن المسيب: سمعت سعدا يقول: مكثت سبع ليال، وإني لثلث الإسلام.

وقال قيس بن أبي حازم: قال سعد: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد قبلي، قال لي: يا سعد فداك أبي وأمي. وإني لأول من رمى المشركين بسهم، ولقد رأيتني مع النبي صلى الله عليه وسلم سابع سبعة، ما لنا طعام إلا ورق السمر، حتى إن أحدنا ليضع مثل ما تضع الشاة، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام، لقد خبت إذن وضل سعيي.

وقال بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه، قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارم فداك أبي وأمي، قال: فنزعت بسهم ليس فيه نصل، فأصبت جبهته، فوقع، فانكشفت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه.

وعن الزهري، قال: قتل سعد يوم أحد بسهم رمي به ثلاثة؛ رموا به فأخذه سعد فرمى به فقتل فرموا به فأخذه سعد الثانية فقتل، فرموا به فرمى به سعد ثالثا، فقتل ثالثا، فعجب الناس من فعله.

قال ابن المسيب: كان سعد جيد الرمي.

وقال علي: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع أبويه لأحد غير سعد.

وقال ابن مسعود: لقد رأيت سعدا يقاتل يوم بدر قتال الفارس في الرجال.

ص: 491

وروى عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها سعد بن أبي وقاص إلى رابغ، وهو من جانب الجحفة، فانكفأ المشركون على المسلمين، فحماهم سعد يومئذ بسهامه، وهذا أول قتال كان في الإسلام، فقال سعد: ألا هل أتى رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي فما يعتد رام في عدو بسهم يا رسول الله قبلي

وقال ابن مسعود: اشتركت أنا، وسعد، وعمار، يوم بدر فيما نغنم، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجيء أنا ولا عمار بشيء.

وعن أبي إسحاق، قال: كان أشد الصحابة أربعة: عمر، وعلي، والزبير، وسعد.

وجاء عن ابن عمر، وأنس، وعبد الله بن عمرو، من وجوه ضعيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول من يدخل من هذا الباب عليكم رجل من أهل الجنة، فدخل سعد بن أبي وقاص.

وقال سعد: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي. نزلت في ستة، أنا وابن مسعود منهم. أخرجه مسلم.

وقال مجالد، عن الشعبي، عن جابر، قال: أقبل سعد بن أبي وقاص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خالي، فليرني امرؤ خاله.

وقال قيس بن أبي حازم: حدثني سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: اللهم استجب لسعد إذا دعاك.

ص: 492

وقال عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعدا، يعني لما كان أميرا عليهم، إلى عمر فقالوا: إنه لا يحسن يصلي. فقال سعد: أما إني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاتي العشاء، لا أخرم منها، أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين، فقال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. ثم بعث رجالا يسألون عنه، فكانوا لا يأتون مسجدا من مساجد الكوفة إلا قالوا خيرا، حتى أتوا مسجدا من مساجد بني عبس، فقال رجل يقال له: أبو سعدة: أما إذ نشدتمونا بالله، فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يغزو في السرية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذبا، فأعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن. قال عبد الملك: أنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك، فإذا سئل كيف أنت؟ يقول: شيخ كبير فقير مفتون، أصابتني دعوة سعد.

وقال الزبير بن عدي، عن مصعب بن سعد: إن سعدا خطبهم بالكوفة، ثم قال: يا أهل الكوفة، أي أمير كنت لكم؟ فقام رجل فقال: إن كنت ما علمتك لا تعدل في الرعية، ولا تقسم بالسوية، ولا تغزو في السرية. فقال: اللهم إن كان كاذبا فأعم بصره، وعجل فقره، وأطل عمره، وعرضه للفتن، قال: فما مات حتى عمي وافتقر وسأل، وأدرك فتنة المختار فقتل فيها.

وقال شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن سعيد بن المسيب قال: خرجت جارية لسعد، وعليها قميص جديد، فكشفتها الريح، فشد عمر عليها بالدرة، وجاء سعد ليمنعه فتناوله بالدرة، فذهب سعد ليدعو على عمر، فناوله الدرة وقال: اقتص، فعفا عن عمر.

وقال زياد البكائي عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال: قال ابن عمٍّ لنا يوم القادسية:

ص: 493

ألم تر أن الله أنزل نصره وسعد بباب القادسية معصم فأبنا وقد آمت نساء كثيرة ونسوة سعد ليس فيهن أيم فبلغ سعدا فقال: اللهم اقطع عني لسانه، فجاءت نشابة، فأصابت فاه، فخرس، ثم قطعت يده في القتال. وكان في جسد سعد قروح، فأخبر الناس بعذره عن القتال.

وقال مصعب بن سعد، وغيره: إن رجلا نال من علي، فنهاه سعد، فلم ينته، فدعا عليه، فما برح حتى جاء بعير ناد، فخبطه حتى مات. لها طرق عن سعد.

وقال جرير عن مغيرة، عن أمه قالت: زرنا آل سعد بن أبي وقاص، فرأينا جارية كأن طولها شبر. قلت: من هذه؟ قالوا: ما تعرفينها، هذه بنت سعد، غمست يدها في طهوره فقال: قطع الله قرنك، فما شبت بعد.

قد ذكرنا فيما مر لنا أن سعدا جعله عمر أحد الستة أهل الشورى، وقال: إن أصابت الخلافة سعدا، وإلا فليستعن به الخليفة بعدي، فإني لم أعزله من ضعف ولا من خيانة.

وسعد كان ممن اعتزل عليا ومعاوية.

قال أيوب، عن ابن سيرين: نبئت أن سعدا قال: ما أزعم أني بقميصي هذا أحق مني بالخلافة، قد جاهدت إذ أنا أعرف الجهاد، ولا أبخع نفسي إن كان رجل خيرا مني ولا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان، فيقول هذا مؤمن وهذا كافر.

وقال محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه: إن عليا رضي الله عنه خطب بعد الحكمين فقال: لله منزل نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر والله لئن كان ذنبا - يعني اعتزالهما - إنه لصغير مغفور، ولئن كان حسنا، إنه لعظيم مشكور.

وقال عمر بن الحكم، عن عوانة: دخل سعد على معاوية، فلم يسلم عليه بالإمارة، فقال معاوية: لو شئت أن تقول غيرها لقلت، قال: فنحن

ص: 494

المؤمنون ولم نؤمرك، فإنك معجب بما أنت فيه، والله ما يسرني أني على الذي أنت عليه، وإني هرقت محجمة دم.

وقال محمد بن سيرين: إن سعدا طاف على تسع جوار في ليلة، ثم أيقظ العاشرة، فغلبه النوم، فاستحيت أن توقظه.

وقال الزهري: إن سعدا لما حضرته الوفاة، دعا بخلق جبة من صوف فقال: كفنوني فيها، فإني لقيت فيها المشركين يوم بدر، وإنما خبأتها لهذا.

وقال حماد بن سلمة، عن سماك، عن مصعب بن سعد قال: كان رأس أبي في حجري، وهو يقضي، فبكيت، فرفع رأسه إلي فقال: أي بني ما يبكيك؟ قلت: لمكانك وما أرى بك، قال: لا تبك، فإن الله لا يعذبني أبدا، وإني من أهل الجنة.

وعن عائشة بنت سعد، أن أباها أرسل إلى مروان بزكاة عين ماله، خمسة آلاف، وخلف يوم مات مائتين وخمسين ألف درهم.

قال الزبير بن بكار: كان سعد قد اعتزل في الآخر في قصر بناه بطرف حمراء الأسد.

قال الواقدي، والمدائني، وجماعة كثيرة: توفي سنة خمس وخمسين.

وقال قعنب بن المحرر: سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة سبع، وليس بشيء.

وقال ابن سعد: توفي في قصره بالعقيق، على سبعة أميال من المدينة، وحمل إلى المدينة، وصلى عليه مروان، وله أربع وسبعون سنة.

30 -

ع:‌

‌ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى

، القرشي العدوي، أبو الأعور.

ص: 495

أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وكان أميرا على ربع المهاجرين، وولي دمشق نيابة لأبي عبيدة، وشهد فتحها.

روى عنه ابن عمر، وأبو الطفيل، وعمرو بن حريث، وزر بن حبيش، وحميد بن عبد الرحمن، وقيس بن أبي حازم، وعروة بن الزبير، وجماعة.

وقال أهل المغازي: إن سعيد بن زيد قدم من الشام بعيد بدر، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فضرب له بسهمه وأجره.

أسلم سعيد قبل دخول دار الأرقم، وكان مزوجا بفاطمة أخت عمر، وهي بنت عم أبيه.

وقال سعيد: ولقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام، ولم يكن عمر أسلم بعد.

وعن ابن مكيث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سعيدا وطلحة يتحسسان خبر عير قريش، فلهذا غابا عن وقعة بدر، فرجعا إلى المدينة وقدماها في يوم الوقعة، فخرجا يؤمانه، وشهد سعيد أحدا وما بعدها.

وقال عبد الله بن ظالم المازني، عن سعيد بن زيد، قال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم، يعني نفسه.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن الشهادة لأبي بكر وعمر بالجنة، فقال: نعم، أذهب إلى حديث سعيد بن زيد.

وقال هشام بن عروة، عن أبيه، إن أروى بنت أوس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ من أرضها شيئا، فخاصمته إلى مروان، فقال: أنا آخذ من أرضها شيئا بعدما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ سمعت يقول: من أخذ شيئا من الأرض طوقه من سبع أرضين .. فقال مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واقتلها في أرضها، فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت. رواه مسلم.

ص: 496

وقال عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار: إن معاوية كتب إلى مروان بالمدينة يبايع لابنه يزيد، فقال رجل من أهل الشام: ما يحبسك؟ قال: حتى يجيء سعيد بن زيد فيبايع، فإنه سيد أهل البلد، إذا بايع بايع الناس.

وقال نافع: إن ابن عمر لما سمع بموت سعيد بالعقيق، ذهب إليه، وترك الجمعة.

وقالت عائشة بنت سعد بن أبي وقاص: مات سعيد بن زيد بالعقيق، فغسله سعد وكفنه، وخرج معه.

قال مالك: كلاهما مات بالعقيق.

وقال الواقدي: توفي سنة إحدى وخمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وقبر بالمدينة، ونزل في قبره سعد وابن عمر، وكان رجلا آدم، طويلا، أشعر.

وكذا ورخ موته ابن بكير وجماعة، وشذ عبيد الله بن سعد الزهري فقال: سنة اثنتين وخمسين، وغلط الهيثم بن عدي فقال: توفي بالكوفة.

31 -

م ن:‌

‌ سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي

، والد عمرو، ويحيى.

قتل أبوه يوم بدر مشركا وخلف سعيدا طفلا.

وقال أبو حاتم: له صحبة.

روى عن: عمر، وعائشة.

وعنه ابناه، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله.

وكان أحد الأشراف الأجواد الممدحين، والحلماء العقلاء .. ولي إمرة المدينة غير مرة لمعاوية، وولي الكوفة لعثمان، واعتزل عليا ومعاوية من عقله، فلما صفا الأمر لمعاوية وفد إليه، فأمر له بجائزة عظيمة، وقد غزا سعيد طبرستان في إمرته على الكوفة، فافتتحها، وفيه يقول الفرزدق:

ص: 497

ترى الغر الجحاجح من قريش إذ ما الأمر ذو الحدثان عالا قياما ينظرون إلى سعيد كأنهم يرون به هلالا وقال ابن سعد: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسعيد بن العاص بن أبي أحيحة تسع سنين أو نحوها. ولم يزل في ناحية عثمان لقرابته منه، فاستعمله على الكوفة لما عزل عنها الوليد بن عقبة، فقدمها سعيد شابا مترفا، فأضر بأهلها إضرارا شديدا، وعمل عليها خمس سنين إلا أشهرا، ثم قام عليه أهل الكوفة وطردوه، وأمروا عليهم أبا موسى، فأبى عليهم، وجدد البيعة في رقابهم لعثمان، وكتب إليه فاستعمله عليهم. وكان سعيد بن العاص يوم الدار مع عثمان يقاتل عنه، ولما خرج طلحة والزبير نحو البصرة خرج معهم سعيد، ومروان، والمغيرة بن شعبة، فلما نزلوا مر الظهران قام سعيد خطيبا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن عثمان عاش حميدا، وخرج فقيدا شهيدا، فضاعف الله له حسناته، وقد زعمتم أنكم خرجتم تطلبون بدمه، فإن كنتم تريدون ذلك، فإن قتلة عثمان على صدور هذه المطي وأعجازها، فميلوا عليهم بأسيافكم. فقال مروان: لا بل نضرب بعضهم ببعض، فمن قتل ظفرنا منه، ويبقى الباقي فنطلبه وقد وهى. وقام المغيرة فقال: الرأي ما رأى سعيد، وذهب إلى الطائف، ورجع سعيد بن العاص بمن اتبعه، فلم يزل بمكة حتى مضت الجمل وصفين.

وقال قبيصة بن جابر: إنهم سألوا معاوية: من ترى لهذا الأمر بعدك؟ قال: أما كريمة قريش فسعيد بن العاص وأما فلان، وذكر جماعة.

ابن سعد: حدثنا علي بن محمد، عن يزيد بن عياض بن جعدبة، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: خطب سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر بن الخطاب، وبعث إليها بمائة ألف، فدخل عليها أخوها الحسين فقال: لا تزوجيه، فأرسلت إلى الحسن فقال: أنا أزوجه، واتعدوا لذلك، وحضر الحسن، وأتاهم سعيد بن العاص ومن معه، فقال سعيد: أين أبو عبد الله؟ قال الحسن: سأكفيك، قال: فلعل أبا عبد الله كره

ص: 498

هذا؟ قال: نعم، قال: لا أدخل في شيء يكرهه، ورجع ولم يعرض في المال، ولم يأخذ منه شيئا.

وقال الوليد بن مزيد: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، قال: عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص بن سعيد لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى الواقدي، عن رجاله، أن سعيد بن العاص خرج من الدار، فقاتل حتى أم، ضربه رجل ضربة مأمومة، قال الذي رآه: فلقد رأيته، وإنه ليسمع صوت الرعد، فيغشى عليه.

وقال هشيم: قدم الزبير الكوفة زمن عثمان، وعليها سعيد بن العاص، فبعث إلى الزبير بسبع مائة ألف فقبلها.

وعن صالح بن كيسان، قال: كان سعيد بن العاص حليما وقورا، ولقد كانت المأمومة التي أصابت رأسه يوم الدار، قد كان أن يخف منها بعض الخفة وهو على ذلك من أوقر الرجال وأحلمهم.

وقال ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: كان مروان أميرا علينا بالمدينة ست سنين، فكان يسب عليا في الجمع، ثم عزل، فاستعمل علينا سعيد بن العاص، فكان لا يسب عليا.

وقال ابن عيينة: كان سعيد بن العاص إذا سأله سائل، فلم يكن عنده شيء قال: اكتب علي بمسألتك سجلا إلى أيام ميسرتي.

وروى الأصمعي أن سعيد بن العاص كان يدعو إخوانه وجيرانه كل جمعة، فيصنع لهم الطعام، ويخلع عليهم الثياب الفاخرة، ويأمر لهم بالجوائز الواسعة.

وروى عبد الأعلى بن حماد، قال: استسقى سعيد بن العاص من دار بالمدينة، فسقوه، ثم حضر صاحب الدار في الوقت مع جماعة يعرض الدار

ص: 499

للبيع، وكان عليه أربعة آلاف دينار، فبلغ ذلك سعيدا فقال: إن له عليه ذماما لسقيه، فأداها عنه.

وعن يحيى بن سعيد الأموي: أن سعيد بن العاص أطعم الناس في سنة جدبة، حتى أنفق ما في بيت المال وادان، فعزله معاوية لذلك.

ويروى: أنه توفي وعليه ثمانون ألف دينار.

الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: لما مات الحسن بعث سعيد بن العاص بريدا يخبر معاوية، وبعث مروان أيضا بريدا، وأن الحسن أوصى أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك لا يكون وأنا حي، فلما دفن الحسن بالبقيع، أرسل مروان بذلك وبقيامه مع بني أمية ومواليهم، وأني يا أمير المؤمنين عقدت لوائي، ولبسنا السلاح في ألفي رجل، فدرأ الله، أن يكون مع أبي بكر وعمر ثالث أبدا، حيث لم يكن أمير المؤمنين عثمان وكانوا هم الذين فعلوا بعثمان ما فعلوا. فكتب معاوية إلى مروان يشكر له، وولاه المدينة، وعزل سعيد بن العاص، وكتب إلى مروان أن لا تدع لسعيد مالا إلا أخذته، فلما جاء مروان الكتاب بعث به مع ابنه عبد الملك إلى سعيد، فلما قرأه أخرج كتابين، وقال لعبد الملك: اقرأهما، فإذا فيهما: من معاوية إلى سعيد، يأمره حين عزل مروان أن يقبض أمواله، ولا يدع له عذقا، فجزاه عبد الملك خيرا وقال: والله لولا أنك جئتني بهذا الكتاب، ما ذكرت مما ترى حرفا واحدا، فجاء عبد الملك بن مروان بالكتاب إلي أبيه، فقال مروان: هو كان أوصل لنا منا له.

وعن صالح بن كيسان قال: كان سعيد بن العاص من أوقر الرجال وأحلمهم، وكان مروان حديد اللسان، سريع الجواب، ذلق اللسان، قلما صبر إن كان في صدره حب أحد أو بغضه إلا ذكره، وكان سعيد خلاف ذلك ويقول: إن الأمور تغير، والقلوب تتغير، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحا اليوم، عائبا غدا.

وقال الزبير: مات سعيد في قصره بالعرصة، على ثلاثة أميال من المدينة، وحمل إلى البقيع، وركب ابنه عمرو بن سعيد إلى معاوية، فباعه

ص: 500

منزله وبستانه بالعرصة بثلاثمائة ألف درهم، وقيل: بألف ألف درهم؛ قاله الزبير بن بكار.

وفي ذلك المكان يقول عمرو بن الوليد بن عقبة:

القصر ذو النخل والجمار فوقها أشهى إلى النفس من أبواب جيرون.

قال خليفة وغيره: توفي سنة تسع وخمسين.

وقال مسدد: مات سعيد بن العاص، وعائشة، وأبو هريرة، وعبد الله بن عامر: سنة سبع أو ثمان وخمسين.

وقال أبو معشر: سنة ثمان وخمسين.

32 -

د:‌

‌ سعيد بن يربوع المخزومي

.

من مسلمة الفتح، وشهد حنينا، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائمها خمسين بعيرا يتألفه بذلك، وكان ممن يجدد أنصاب الحرم لخبرته بحدود الحرم.

روى ابنه عبد الرحمن، عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا.

توفي سنة أربع وخمسين، وعاش مائة وعشرين سنة، وهو من أقران حكيم بن حزام.

33 -

‌ سفيان بن عوف

، الأزدي الغامدي الأمير.

شهد فتح دمشق، وولي غزو الصائفة لمعاوية، وتوفي مرابطا

ص: 501

بأرض الروم سنة اثنتين وخمسين، ولا صحبة له.

34 -

ع:‌

‌ سمرة بن جندب بن هلال الفزاري

.

له صحبة ورواية وشرف، ولي إمرة الكوفة والبصرة خلافة لزياد.

روى عنه ابنه سليمان، وأبو قلابة الجرمي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو نضرة العبدي، وعبد الله بن بريدة، ومحمد بن سيرين، والحسن بن أبي الحسن، وسماعه منه ثابت، فالصحيح لزوم الاحتجاج بروايته عنه، ولا عبرة بقول من قال من الأئمة: لم يسمع الحسن من سمرة، لأن عندهم علما زائدا على ما عندهم من نفي سماعه منه.

وكان سمرة شديدا على الخوارج، قتل منهم جماعة، وكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه.

وقال معاذ بن معاذ: حدثنا شعبة، عن أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعشرة من أصحابه في بيت: آخركم موتا في النار فيهم سمرة بن جندب، قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتا.

أبو نضرة لم يسمع من أبي هريرة، لكن للحديث مع غرابته شاهد من حديث أبي هريرة، وهو ما رواه إسماعيل بن حكيم ولم يذكره أحد بجرح قال: حدثنا يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبي، قال: كنت أمر بالمدينة، فألقى أبا هريرة، فلا يبدأ بشيء حتى يسألني عن سمرة، فإذا أخبرته بحياته فرح، فقال: إنا كنا عشرة في بيت،

ص: 502

وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ونظر في وجوهنا، وأخذ بعضادتي الباب، ثم قال: آخركم موتا في النار. فقد مات منا ثمانية، ولم يبق غيري وغير سمرة، فليس شيء أحب إلي من أن أكون قد ذقت الموت.

وروى مثله حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أوس بن خالد قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة، فسألته، فقال: إني كنت أنا وسمرة، وأبو هريرة في بيت، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: آخركم موتا في النار، فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة.

وقال معمر: حدثنا عبد الله بن طاوس، وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لسمرة بن جندب، ولأبي هريرة، ولآخر: آخركم موتا في النار. فمات الرجل، فكان الرجل إذا أراد أن يغيظ أبا هريرة يقول: مات سمرة، فإذا سمعه غشي عليه وصعق، ثم مات أبو هريرة قبل سمرة. وقتل سمرة بشرا كثيرا.

وقال سليمان بن حرب: حدثنا عامر بن أبي عامر، قال: كنا في مجلس يونس بن عبيد في أصحاب الخز، فقالوا: ما في الأرض بقعة نشفت من الدم ما نشفت هذه البقعة - يعنون دار الإمارة - قتل بها سبعون ألفا، فجاء يونس بن عبيد، فقلت: إنهم يقولون كذا وكذا، فقال: نعم من بين قتيل وقطيع، قيل له: ومن فعل ذلك يا أبا عبد الله؟ قال: زياد وابنه عبيد الله وسمرة.

قال البيهقي: نرجو لسمرة بصحبته رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى عبد الله بن معاوية الجمحي، عن رجل: أن سمرة استجمر، فغفل عن نفسه، وغفلوا عنه حتى أخذته.

وهب بن جرير، عن أبيه، سمع أبا يزيد المديني يقول: لما مرض

ص: 503

سمرة أصابه برد شديد، فأوقدت له نار في كانون بين يديه، وكانون خلفه، وكانون عن يمينه، وآخر عن شماله، فجعل لا ينتفع بذلك، وكان يقول: كيف أصنع بما في جوفي، فلم يزل كذلك حتى مات. إن صح هذا فيكون إن شاء الله قوله عليه السلام آخركم موتا في النار متعلقا بموته في النار، لا بذاته.

قال عبد الله بن صبيح، عن ابن سيرين: كان سمرة - ما علمت - عظيم الأمانة، صدوقا، يحب الإسلام وأهله.

توفي سمرة سنة تسع وخمسين، ويقال: في أول سنة ستين.

35 -

‌ سودة أم المؤمنين

مرت في خلافة عمر.

قال الواقدي: الثابت عندنا أنها توفيت سنة أربع وخمسين فيما حدثنا به محمد بن عبد الله بن مسلم، عن أبيه.

36 -

ع:‌

‌ شداد بن أوس بن ثابت

، أبو يعلى، ويقال: أبو عبد الرحمن، الأنصاري النجاري، ابن أخي حسان بن ثابت.

له صحبة ورواية، أحد سادة الصحابة.

روى عنه بشير بن كعب، وخالد بن معدان، وأبو الأشعث الصنعاني شراحيل، وأبو إدريس الخولاني، وأبو أسماء الرحبي، وجماعة، ومحمد، ويعلى ابناه.

فعن عبادة بن الصامت قال: شداد ممن أوتي العلم والحلم.

ابن جوصا: حدثنا محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عمرو بن محمد بن شداد بن أوس: قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، قال: كان لأبي يعلى شداد بن أوس خمسة أولاد، منهم بنته أسماء نشأ لها نسل إلى سنة ثلاثين ومائة.

ذكرت باقي الحديث في تلك السنة.

قال البخاري: شداد بن أوس، قيل: إنه بدري، ولم يصح.

ص: 504

وقال محمد بن سنان القزاز، وليس بحجة: حدثنا عمر بن يونس اليماني، قال: أخبرنا عكرمة بن عمارة، قال: سمعت شدادا، أبا عمار، يحدث عن شداد بن أوس، وكان بدريا.

وقال محمد بن سعد: لشداد بقية وعقب ببيت المقدس، وبها مات سنة ثمان وخمسين، وله خمس وسبعون سنة.

وعن خالد بن معدان، قال: لم يبق من الصحابة بالشام أحد كان أوثق ولا أفقه ولا أرضى من عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، وعمير بن سعد الذي ولاه عمر حمص.

وذكر غير واحد وفاة شداد سنة ثمان وخمسين، إلا ما رواه ابن جوصا، عن محمد بن عبد الوهاب بن محمد المذكور، عن آبائه، أنه توفي سنة أربع وستين.

وقال سعيد بن عبد العزيز: فضل شداد بن أوس الأنصار بخصلتين: ببيان إذا نطق، وبكظم إذا غضب.

وقال ابن سعد: كان عابدا مجتهدا، قيل: إن أباه استشهد يوم أحد. وقال غيره: لما قتل عثمان اعتزل شداد الفتنة وتعبد.

وقال فرج بن فضالة، عن أسد بن وداعة، عن شداد بن أوس: إنه كان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه، لا يأتيه النوم، فيقول: اللهم إن النار أذهبت مني النوم، فيقوم فيصلي حتى يصبح.

نزل شداد بيت المقدس، وأخباره في تاريخ دمشق.

37 -

‌ شريك بن شداد

، الحضرمي التنعي.

أحد العشرة الذين قتلوا مع حجر بعذراء صبرا، في سنة إحدى وخمسين. وهو من التابعين.

ص: 505

38 – خ د ق:‌

‌ شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى العبدري المكي الحجبي

، أبو صفية، ويقال: أبو عثمان.

حاجب الكعبة، ابن أخت مصعب بن عمير العبدري، وإليه ينسب بنو شيبة حجبة الكعبة.

وأبوه قتله علي يوم أحد، فلما كان عام الفتح خرج شيبة مع النبي صلى الله عليه وسلم كافرا إلى حنين، ومن نيته اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هداه الله، ومنَّ عليه بالإسلام، فأسلم، وقاتل يومئذ وثبت ولم يول.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر.

وعنه ابناه مصعب بن شيبة، وصفية بنت شيبة، وأبو وائل، وعكرمة، وحفيده مسافع بن عبد الله.

توفي سنة تسع وخمسين، وقيل: سنة ثمان وخمسين.

وحديثه في البخاري عن عمر.

39 – ن:‌

‌ صعصعة بن صوحان بن حجر العبدي الكوفي

.

أحد شيعة علي، أمره على بعض الكراديس يوم صفين، وكان شريفا، مطاعا، خطيبا، بليغا، مفوها، واجه عثمان بشيء فأبعده إلى الشام.

روى عن علي، وغيره.

روى عنه الشعبي، وأبو إسحاق، وابن بريدة، والمنهال بن عمرو.

وقال ابن سعد: هو ثقة.

وفد على معاوية فخطب، فقال معاوية: إن كنت لأبغض أن أراك خطيبا. قال: وأنا إن كنت لأبغض أن أراك خليفة.

قال ابن سعد: توفي في خلافة معاوية، وكنيته أبو عمر، له حكايات.

40 -

‌ صفوان بن المعطل السُلَمِي

، الذي له ذكر في حديث الإفك.

ص: 506

قد مر في سنة تسع عشرة.

وقال الواقدي: توفي سنة ستين بسميساط.

41 -

‌ صيفي بن قشيل

، أو فسيل الربعي.

كوفي من شيعة علي. قتل صبرا بعذراء مع حجر بن عدي، وكان من رؤوس أصحابه.

42 -

4:‌

‌ طارق بن عبد الله المحارب

ي.

له صحبة ورواية.

روى عنه ربعي بن حراش، وأبو صخرة جامع بن شداد.

وله حديثان إسنادهما صحيح، وهو في عداد أهل الكوفة.

43 – ع:‌

‌ عائشة أم المؤمنين بنت أبي بكر الصديق

، التيمية أم عبد الله، فقيهة نساء الأمة.

دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال بعد بدر، ولها من العمر تسع سنين.

روى عنها جماعة من الصحابة، والأسود، ومسروق، وابن المسيب، وعروة، والقاسم، والشعبي، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، ومعاذة العدوية، وعمرة الأنصارية، ونافع مولى ابن عمر، وخلق كثير.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام.

وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما: يا عائشة، هذا جبريل يقرئك

ص: 507

السلام. فقلت: عليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى.

وعن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة. رواه الترمذي وحسنه.

وقال عبد العزيز بن المختار: حدثنا خالد الح اء، عن أبي عثمان النهدي، عن عمرو بن العاص، قلت: يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: ومن الرجال؟ قال: أبوها. وهذا صحيح صححه الترمذي. وروي بإسناد صحيح من حديث أنس نحوه.

وقال زياد بن أيوب: حدثنا مصعب بن سلام، قال: حدثنا محمد بن سوقة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، قال: انتهينا إلى علي، فذكر عائشة فقال: خليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: هذا حديث حسن، فإن مصعبا لا بأس به إن شاء الله.

ومن عجيب ما ورد أن أبا محمد بن حزم، مع كونه أعلم أهل زمانه، ذهب إلى أن عائشة أفضل من أبيها، وهذا مما خرق به الإجماع.

قال ابن علية، عن أبي سفيان بن العلاء المازني، عن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرونيه، فلما مر قيل لها: هذا ابن عمر، قالت: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلا قد غلب عليك وظننت أنك لا تخالفينه - يعني ابن الزبير - قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت - تعني مسيرها في فتنة يوم الجمل.

أخبرنا عبد الخالق بن عبد السلام الشافعي، قال: أخبرنا ابن قدامة سنة

ص: 508

إحدى عشرة وست مائة، قال: أخبرنا محمد هو ابن البطي، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن، قال: أخبرنا أبو القاسم بن بشران، قال: أخبرنا أبو الفضل بن خزيمة، قال: حدثنا محمد بن أبي العوام، قال: حدثنا موسى بن داود، قال: حدثنا أبو مسعود الجرار، عن علي بن الأقمر، فقال: كان مسروق إذا حدث عن عائشة رضي الله عنها قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سماوات، فلم أكذبها.

وقال أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عنه عائشة، إلا وجدنا عندها منه علما.

وقال مسروق: رأيت مشيخة الصحابة يسألونها عن الفرائض.

وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة.

وقال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.

وقال أبو إسحاق السبيعي، عن عمرو بن غالب: إن رجلا نال من عائشة رضي الله عنها، عند عمار بن ياسر، فقال: أغرب مقبوحا منبوحا، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. صححه الترمذي.

وقال عمار أيضا: هي زوجته في الدنيا والآخرة. قال الترمذي: حسن صحيح.

وقال عروة: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة.

وقال الزهري، عن القاسم بن محمد: إن معاوية لما قدم المدينة حاجا، دخل على عائشة، فلم يشهد كلامهما إلا ذكوان مولى عائشة فقالت له: أمنت أن أخبئ لك رجلا يقتلك بأخي محمد! قال: صدقت، ثم إنها وعظته وحضته على الاتباع، فلما خرج اتكأ على ذكوان وقال: والله ما سمعت خطيبا، ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبلغ من عائشة.

ص: 509

وقال سعيد بن عبد العزيز: قضى معاوية عن عائشة ثمانية عشر ألف دينار.

وقال عروة بن الزبير: بعث معاوية مرة إلى عائشة بمائة ألف، فوالله ما أمست حتى فرقتها، فقالت لها مولاتها: لو اشتريت لنا من هذه الدراهم بدرهم لحما! فقالت: ألا قلت لي.

وقال عروة: ما رأيت أعلم بالطب من عائشة، فقلت: يا خالة من أين تعلمت الطب؟ قالت: كنت أسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه.

وعن عروة قال: ما رأيت أعلم بالشعر منها.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي، وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها.

وقال القاسم بن محمد: اشتكت عائشة، فجاء ابن عباس فقال: يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق أبي بكر رضي الله عنه. ولو لم يكن إلا ما في القرآن من البراءة لكفى بذلك شرفا.

ولها حظ وافر من الفصاحة والبلاغة، مع ما لها من المناقب رضي الله عنها.

توفيت على الصحيح سنة سبع وخمسين بالمدينة؛ قاله هشام بن عروة، وأحمد بن حنبل، وشباب.

وقال أبو عبيد وغيره: في رمضان سنة ثمان.

وقال الواقدي: في ليلة سابع عشر رمضان.

ودفنت بالبقيع ليلا، فاجتمع الناس وحضروا، فلم تر ليلة أكثر ناسا منها، وصلى عليها أبو هريرة، ولها ست وستون سنة، وذلك في سنة ثمان.

ص: 510

ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني ابن أبي سبرة عن عثمان بن أبي عتيق، عن أبيه، قال: رأيت ليلة ماتت عائشة حمل معها جريد في الخرق والزيت فيه نار ليلا، ورأيت النساء بالبقيع كأنه عيد.

قال محمد بن عمر: حدثني ابن جريج، عن نافع: شهدت أبا هريرة صلى على عائشة بالبقيع، وكان خليفة مروان على المدينة، وقد اعتمر تلك الأيام.

وقال هشام بن عروة، عن أبيه: إن عائشة دفنت ليلا.

قال حفص بن غياث: حدثنا إسماعيل، عن أبي إسحاق، قال: قال مسروق: لولا بعض الأمر، لأقمت المناحة على أم المؤمنين.

وعن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: أما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه.

وخرج البخاري في تفسير النور من حديث ابن أبي مليكة: أن ابن عباس استأذن عليها وهي مغلوبة، فقالت: أخشى أن يثني علي، فقيل: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له، فقال: كيف تجدينك؟ قالت: بخير إن اتقيت، قال: فأنت بخير إن شاء الله، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج بكرا غيرك، ونزل عذرك من السماء، فلما جاء ابن الزبير قالت: جاء ابن عباس، وأثنى علي، ووددت أني كنت نسيا منسيا.

أبو معاوية، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، رأيتها تصدق بسبعين ألفا، وإنها لترقع جانب درعها.

أبو معاوية: حدثنا هشام بن عروة، عن ابن المنكدر، عن أم ذرة، قالت: بعث ابن الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين، يكون مائة ألف، فدعت بطبق، فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست قالت: يا جارية هاتي فطري، فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين، أما استطعت أن تشتري بدرهم لحما مما أنفقت! فقالت: لا تعنفيني، لو أذكرتيني لفعلت.

ص: 511

القاسم بن عبد الواحد بن أيمن: حدثنا عمر بن عبد الله بن عروة، عن جده، عن عائشة قالت: فخرت بمال أبي في الجاهلية، وكان ألف ألف أوقية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة كنت لك كأبي زرع لأم زرع. أخرجه النسائي.

مطرف بن طريف، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد قال: فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف، عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين، وقال: إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شعبة: أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: أن عائشة كانت تصوم الدهر.

حجاج الأعور، عن ابن جريج، عن عطاء: كنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير، وهي مجاورة في جوف ثبير، في قبة لها تركية، عليها غشاؤها، ولكن قد رأيت عليها درعا معصفرا، وأنا صبي.

ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يخفى علي حين ترضين وحين تغضبين، في الرضا تحلفين: لا ورب محمد، وفي الغضب تحلفين: لا ورب إبراهيم، فقلت: صدقت يا رسول الله.

رواه أبو أسامة، عن هشام، وفي آخره فقلت: والله ما أهجر إلا اسمك.

الواقدي، عن عبد الحكيم بن أبي فروة، عن الأعرج، قال: أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بخيبر ثمانين وسقا تمرا وعشرين وسقا شعيرا.

ص: 512

سليمان بن بلال: عن عمرو بن أبي عمرو، قال: سمعت القاسم يقول: كانت عائشة تلبس الأحمرين الذهب والمعصفر وهي محرمة.

وقال ابن أبي مليكة: رأيت عليها درعا مضرجا.

معلى بن أسد: حدثنا المعلى بن زياد: حدثنا بكرة بنت عقبة، أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة، فسألتها عن الحناء فقالت: شجرة طيبة، وماء طهور، وسألتها عن الحفاف فقالت لها: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك، فتصنعيهما أحسن مما هما فافعلي.

المعليان ثقتان.

وعن معاذة، قالت: رأيت على عائشة ملحفة صفراء.

الواقدي: قال ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، قال: ربما روت عائشة القصيدة ستين بيتا وأكثر.

هشام بن عروة: عن أبيه، عن عائشة، قالت: وددت أني إذا مت كنت نسيا منسيا.

مسعر: عن حماد، عن إبراهيم، قال: قالت عائشة: يا ليتني كنت ورقة من هذه الشجرة.

ابن أبي مليكة: إن ابن عباس دخل على عائشة، وهي تموت، فأثنى عليها، فقالت: دعني منك، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيا منسيا.

وعن عمارة بن عمير، عمن سمع عائشة إذا قرأت:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} بكت حتى تبل خمارها رضي الله عنها.

44 -

4:‌

‌ عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة

، الزهري الكاتب.

كان ممن أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم لأبي بكر، وعمر. ثم ولي بيت المال لعمر، وعثمان مديدة، وكان من فضلاء الصحابة وصلحائهم.

ص: 513

قال مالك: بلغني أنه أجازه عثمان رضي الله عنه وهو على بيت المال بثلاثين ألف درهم، فأبى أن يقبلها.

وعن عمرو بن دينار: أنها كانت ثلاث مائة ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: إنما عملت لله، وإنما أجري على الله.

وروي عن عمر أنه قال لعبد الله بن الأرقم: لو كانت لك سابقة ما قدمت عليك أحدا. وكان يقول: ما رأيت أخشى لله من عبد الله بن الأرقم.

وروى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه، قال: والله ما رأيت رجلا قط، أراه كان أخشى لله من عبد الله بن الأرقم.

قلت: روى عنه عروة، وغيره.

45 -

م 4:‌

‌ عبد الله بن أنيس الجهني

.

شذ خليفة بن خياط، فقال: شهد بدرا. والمشهور أنه شهد العقبة وأحدا. قد ذكرنا من أخباره في الطبقة الماضية، وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وحده سرية إلى خالد بن نبيح العنزي، فقتله.

قيل: إنما قيل له: الجهني، لقبا، وإلا فهو من قضاعة.

روى عنه جابر بن عبد الله ورحل إليه، وبسر بن سعيد، وضمرة ابنه، وابنا كعب بن مالك؛ عبد الله، وعبد الرحمن، وآخرون.

توفي سنة أربع وخمسين.

46 -

خ م د ن:‌

‌ عبد الله بن السعدي

، اسم أبيه عمرو بن وقدان على الصحيح، أبو محمد القرشي العامري. ولقب عمرو بالسعدي لأنه كان مسترضعا في بني سعد.

لعبد الله صحبة ورواية، نزل الأردن، وروى عن عمر بن الخطاب.

ص: 514

روى عنه حويطب بن عبد العزى، وعبد الله بن محيريز، وبسر بن سعيد، وأبو إدريس الخولاني، وغيرهم.

قال الواقدي: توفي سنة سبع وخمسين.

47 -

د:‌

‌ عبد الله بن حوالة الأزدي

.

له صحبة ورواية، نزل الشام. وروى عنه جبير بن نفير، وكثير بن مرة، وربيعة بن يزيد القصير، وجماعة.

كنيته أبو حوالة، ويقال: أبو محمد.

قال ابن سعد: توفي سنة ثمان وخمسين وله اثنتان وسبعون.

48 -

‌ عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس القرشي

، العبشمي، أبو عبد الرحمن.

رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وله حديث وهو: من قتل دون ماله فهو شهيد.

روى عنه حنظلة بن قيس. وأسلم والده يوم الفتح، وبقي إلى زمن عثمان، وقدم البصرة على ابنه عبد الله في ولايته عليها. وهو خال عثمان بن عفان، وابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولي عبد الله البصرة وغيرها، وافتتح خراسان، وأحرم من نيسابور شكرا لله، وكان سخيا كريما جوادا.

وفد على معاوية، فزوجه بابنته هند، وكان له بدمشق دار بالحويرة، تعرف اليوم ببني ابن الحرستاني.

قال الزبير بن بكار: هو الذي دعا طلحة والزبير إلى البصرة، يعني في نوبة الجمل، وقال: إن لي بها صنائع، فشخصا معه.

وقال ابن سعد: قالوا: إنه ولد بعد الهجرة بأربع سنين، وحنكه النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء، وهو ابن ثلاث سنين، فتلمظ، وولد له ابنه

ص: 515

عبد الرحمن، وعمره ثلاث عشرة سنة.

وقال غيره: هو ابن خال عثمان رضي الله عنه.

وقال أبو عبيدة: إن عامر بن كريز أتى بابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن خمس سنين، فتفل في فيه، فجعل يردد ريق النبي صلى الله عليه وسلم ويتلمظ، فقال: إن ابنك هذا لمسقى، قال: وكان يقال: لو أن عبد الله بن عامر قدح حجرا أماهه، يعني يخرج الماء منه.

قال مصعب الزبيري: يقال: إنه كان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء.

وقال الأصمعي: أرتج على ابن عامر بالبصرة يوم أضحى، فمكث ساعة، ثم قال: والله لا أجمع عليكم عيا ولؤما، من أخذ شاة من السوق، فثمنها علي.

وقد فتح الله على يدي عبد الله فتوحا عظيمة، كما ذكرنا في حدود سنة ثلاثين.

وكان سخيا، شجاعا، وصولا لرحمه، فيه رفق بالرعية، ربما غزا، فيقع الحمل في العسكر، فينزل بنفسه، فيصلحه.

قال ابن سعد: لما قتل عثمان حمل ابن عامر ما في بيت مال البصرة من الأموال، ثم سار إلى مكة، فوافى بها عائشة، وطلحة، والزبير، وهم يريدون الشام فقال: لا، بل ائتوا البصرة، فإن لي بها صنائع، وهي أرض الأموال، وبها عدد الرجال، فلما كان من أمر وقعة الجمل ما كان، لحق بالشام فنزل بدمشق، وقد قتل ولده عبد الرحمن يوم الجمل، ولم يسمع لعبد الله بذكر في يوم صفين، ثم لما بايع الناس معاوية ولى على البصرة بسر بن أرطاة، ثم عزله، فقال له ابن عامر: إن لي بها ودائع، فإن لم تولينها ذهبت، فولاه البصرة ثلاث سنين.

ومات قبل معاوية بعام، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن، بمن نفاخر بعده!، وبمن نباهي!.

وقال أبو بكر الهذلي: قال علي رضي الله عنه يوم الجمل: أتدرون من حاربت، حاربت أمجد الناس، وأنجد الناس، يعني عبد الله بن عامر،

ص: 516

وأشجع الناس، يعني الزبير، وأدهى الناس، يعني طلحة.

قال خليفة ومحمد بن سعد: توفي سنة تسع وخمسين.

49 -

د ن:‌

‌ عبد الله بن قرط الأزدي الثمالي

.

ولي حمص لأبي عبيدة، وقيل: بل وليها لمعاوية، له صحبة.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل يوم النحر، وعن خالد بن الوليد. وعنه أبو عامر الهوزني عبد الله بن لحي، وسليم بن عامر الخبائري، وشريح بن عبيد، وعمرو بن قيس السكوني، وغيرهم.

يقال: إنه أخو عبد الرحمن بن قرط.

قال إسماعيل بن عياش، عن بكر بن زرعة، عن مسلم بن عبد الله الأزدي قال: جاء ابن قرط الأزدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما اسمك؟ قال: شيطان بن قرط، قال: أنت عبد الله.

وعن جنادة بن مروان: أن عبد الله بن قرط والي حمص خرج يحرس ليلة على شاطئ البحر، فلقيه فاثور الروم، فقتله بين بلنياس ومرقية.

يقال: إنه استشهد سنة ست وخمسين.

50 – ع:‌

‌ عبد الله بن مالك ابن بحينة

، وهي أمه، أبو محمد الأزدي، حليف بني المطلب بن عبد مناف.

رجل قديم الإسلام والصحبة فاضل ناسك، له عدة أحاديث.

نزل بطن ريم، على مرحلة من المدينة، وكان يصوم الدهر.

ص: 517

روى عنه حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، والأعرج، ومحمد بن يحيى بن حبان.

توفي في آخر أيام معاوية.

51 -

ع:‌

‌ عبد الله بن مغفل بن عبد نهم بن عفيف المزني

، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو زياد.

صحابي مشهور، شهد بيعة الشجرة، ونزل المدينة، ثم سكن البصرة.

قال الحسن البصري: كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر بن الخطاب، يفقهون الناس.

مات والد عبد الله بن مغفل بطريق مكة مع الناس، قبل فتح مكة.

وكان عبد الله من البكائين الذين نزلت فيهم {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} وقال: إني لممن رفع أغصان الشجرة يوم الحديبية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عوف الأعرابي، عن خزاعي بن زياد المزني، قال: أري عبد الله بن مغفل المزني أن الساعة قد قامت وأن الناس حشروا، وثم مكان، من جازه فقد نجا، وعليه عارض، فقيل لي: أتريد أن تنجو وعندك ما عندك! فاستيقظت فزعا، قال: فأيقظ أهله، وعنده عيبة مملوءة دنانير، ففرقها كلها.

روى عنه الحسن، ومعاوية بن قرة، وحميد بن هلال، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وابن بريدة، وثابت البناني، وغيرهم، وما أدري هل سمع منه ثابت أو أرسل عنه.

توفي سنة ستين، وستأتي له قصة في ترجمة عبيد الله بن

ص: 518

زياد.

52 -

‌ عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي

، أبو محمد، وهو أخو الحارث.

ولي القضاء بالمدينة زمن معاوية، فيما قيل، وكان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحفظ له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم.

توفي في خلافة معاوية. وقيل: قتل يوم الحرة، سنة ثلاث وستين.

53 -

خ 4:‌

‌ عبد الله بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي

، أبو محمد، والد أبي بكر الفقيه وإخوته، وأحد الذين عينهم عثمان لكتابة مصاحف الأمصار.

سمع أباه، وعمر، وعثمان، وعليا، وحفصة أم المؤمنين، وجماعة.

وعنه ابنه أبو بكر، والشعبي، وأبو قلابة الجرمي، وهشام بن عمرو الفزاري، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب.

رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه. وأرسلته عائشة إلى معاوية يكلمه في حجر بن الأدبر، فوجده قد قتله.

قال ابن سعد قالت عائشة: لأن أكون قعدت عن مسيري إلى البصرة أحب إلي من أن يكون لي عشرة من الولد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

قلت: وكان من سادة بني مخزوم بالمدينة، وهو ابن أخي أبي جهل، توفي في أيام معاوية في آخرها، وتوفي أبوه في طاعون عمواس.

54 -

د ن ق:‌

‌ عبد الرحمن بن شبل بن عمرو الأنصاري الأوسي

.

أحد كبار الأنصار، كان فقيها فاضلا نزل حمص، وله أحاديث عن

ص: 519

النبي صلى الله عليه وسلم.

روى عنه أبو راشد الحبراني، وأبو سلام الأسود، وتميم بن محمود، وغيرهم.

توفي زمن معاوية.

55 -

ع:‌

‌ عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق

، عبد الله بن عثمان، أبو محمد التيمي، ويقال: أبو عثمان، شقيق أم المؤمنين عائشة.

حضر بدرا مشركا، ثم أسلم قبل الفتح وهاجر، وكان أسن ولد أبي بكر، وكان شجاعا راميا، قتل يوم اليمامة سبعة.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه.

وعنه ابناه عبد الله، وحفصة، وابن أخيه القاسم بن محمد، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عثمان النهدي، وعمرو بن أوس الثقفي، وابن أبي مليكة، وجماعة.

وكان يتجر إلى الشام.

قال مصعب الزبيري: ذهب إلى الشام قبل الإسلام، فرأى هناك امرأة يقال لها: ابنة الجودي الغساني، فكان يذكرها في شعره ويهذي بها.

وقال ابن سعد: إنه أسلم في هدنة الحديبية وهاجر، وأطعمه النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أربعين وسقا، وكان يكنى أبا عبد الله، ومات سنة ثلاث وخمسين.

وقال هشام بن عروة، عن أبيه، إن عبد الرحمن قدم الشام، فرأى ابنة الجودي على طنفسة، وحولها ولائد، فأعجبته، فقال فيها: تذكرت ليلى والسماوة دونها فما لابنة الجودي ليلى وماليا وأنى تعاطى قلبه حارثية تدمن بصرى أو تحل الجوابيا وأنى تلاقيها؟ بلى ولعلها إن الناس حجوا قابلا أن توافيا قال: فلما بعث عمر جيشه إلى الشام قال لمقدمهم: إن ظفرت بليلى بنت الجودي عنوة فادفعها إلى عبد الرحمن، فظفر بها، فدفعها إليه، فأعجب بها، وآثرها على نسائه، حتى شكونه إلى أخته عائشة، فقالت له: لقد أفرطت، فقال: والله إني أرشف بأنيابها حب الرمان، قال: فأصابها

ص: 520

وجع سقط له فوها، فجفاها حتى شكته إلى عائشة، فقالت: يا عبد الرحمن لقد أحببت ليلى فأفرطت، وأبغضتها فأفرطت، فإما أن تنصفها، وإما أن تجهزها إلى أهلها، فجهزها إلى أهلها، قال: وكانت بنت ملك، يعني من ملوك العرب.

قال ابن أبي مليكة: إن عبد الرحمن توفي بالصفاح، فحمل فدفن بمكة - والصفاح على أميال من مكة - فقدمت أخته عائشة فقالت: أين قبر أخي؟ فأتته فصلت عليه. رواه أيوب السختياني عنه.

قال الواقدي، والمدائني، وغيرهما: توفي سنة ثلاث.

وقال يحيى بن بكير: سنة أربع وخمسين.

وقد صح في الوضوء من صحيح مسلم عن سالم سبلان مولى المهري، قال: خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر إلى جنازة سعد بن أبي وقاص.

وصح أن سعدا مات سنة خمس وخمسين.

56 -

د ن:‌

‌ عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب

، أبو محمد ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

له صحبة ورواية، وهو أصغر من عبد الله بسنة، وأمهما واحدة.

روى عنه محمد بن سيرين، وسليمان بن يسار، وعطاء بن أبي رباح. وأردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه.

توفي بالمدينة سنة ثمان وخمسين. وكان جوادا ممدحا، وكان يتعانى التجارة.

ولي اليمن لعلي ابن عمه، وبعث معاوية بسر بن أبي أرطاة على

ص: 521

اليمن، فهرب منه عبيد الله، فأصاب بسر لعبيد الله ولدين صغيرين. فذبحهما، ثم وفد فيما بعد عبيد الله على معاوية، وقد هلك بسر، فذكر ولديه لمعاوية، فقال: ما عزلته إلا لقتلهما.

وكان يقال بالمدينة: من أراد العلم والجمال والسخاء فليأت دار العباس، أما عبد الله فكان أعلم الناس، وأما عبيد الله فكان أكرم الناس، وأما الفضل فكان أجمل الناس.

وروي أن عبيد الله كان ينحر كل يوم جزورا، وكان يسمى تيار الفرات.

قال خليفة وغيره: توفي سنة ثمان وخمسين.

وقال أبو عبيد، ويعقوب بن شيبة وغيرهما: توفي سنة سبع وثمانين، وأنا أستبعد أنه بقي إلى هذا الوقت. وقيل: إنه مات باليمن.

57 – خ م ن ق:‌

‌ عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصاري الخزرجي

.

بدري كبير القدر، أضر بأخرة، له أحاديث.

روى عنه أنس، ومحمود بن الربيع، والحصين بن محمد السالمي. وتوفي في وسط خلافة معاوية.

58 -

م 4:‌

‌ عثمان بن أبي العاص الثقفي

، أبو عبد الله الطائفي. أخو الحكم، ولهما صحبة.

قدم عثمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، فأسلم، واستعمله على الطائف لما رأى من فضله وحرصه على الخير والدين، وكان أصغر الوفد سنا.

وأقره أبو بكر، ثم عمر على الطائف، ثم استعمله عمر على عمان والبحرين، وهو الذي افتتح توج ومصرها، وسكن البصرة.

ص: 522

ذكره الحسن البصري فقال: ما رأيت أفضل منه.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شهدت أمه ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

روى عنه: سعيد بن المسيب، ونافع بن جيبر بن مطعم، ويزيد، ومطرف ابنا عبد الله بن الشخير، وموسى بن طلحة بن عبيد الله.

توفي سنة إحدى وخمسين.

روي عن عثمان بن أبي العاص قال: الناكح مغترس، فلينظر أين يضع غرسه، فإن عرق السوء لا بد أن ينزع ولو بعد حين.

فائدة:

سالم بن نوح: عن الجريري، عن أبي العلاء، عن عثمان بن أبي العاص: أنه بعث غلمانا له تجارا، فجاءوا، قال: ما جئتم به؟ قالوا: جئنا بتجارة يربح الدرهم عشرة، قال: ما هي؟ قالوا: خمر. قال: خمر! وقد نهينا عن شرابها وبيعها!! فجعل يفتح أفواه الزقاق ويصبها.

وروى يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص، مثله.

59 -

م د ن ق:‌

‌ عدي بن عميرة الكندي

، أبو زرارة.

وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه.

روى عنه ابنه عدي، وأخوه العرس بن عميرة، وقيس بن أبي حازم، ورجاء بن حيوة.

وسكن الجزيرة، وكان من وجوه كندة.

60 – ع: عقبة بن عامر بن عبس الجهني، أبو حماد.

صحابي مشهور، له رواية وفضل.

روى عنه جبير بن نفير، وأبو عشانة حي بن يؤمن، وأبو قبيل حيي بن هانئ المعافريان، وبعجة الجهني، وسعيد المقبري، وعلي بن رباح، وأبو الخير مرثد اليزني، وطائفة سواهم.

وقد ولي إمرة مصر لمعاوية، وليها بعد عتبة بن أبي سفيان، ثم عزله معاوية، وأغزاه البحر في سنة سبع وأربعين، وكان يخضب بالسواد.

له معرفة بالقرآن والفرائض، وكان فصيحا شاعرا.

ص: 523

قال أبو سعيد بن يونس: مصحفه الآن موجود بخطه، رأيته عند علي بن الحسن بن قديد، على غير التأليف الذي في مصحف عثمان، وكان في آخره: وكتب عقبة بن عامر بيده. ولم أزل أسمع شيوخنا يقولون: إنه مصحف عقبة، لا يشكون فيه. وكان عقبة كاتبا قارئا، له هجرة وسابقة.

وقال عبد الله بن وهب: سمعت حيي بن عبد الله يحدث، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، أن عقبة بن عامر كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، فقال له عمر: أعرض علي. فعرض عليه سورة براءة، فبكى عمر، ثم قال: ما كنت أظن أنها نزلت.

قلت: معناه ما كأني كنت سمعتها، لحسن ما حبرها عقبة بتلاوته، أو يكون الضمير في نزلت عائدا إلى آيات من السورة استغربها عمر، والله أعلم.

61 -

ع:‌

‌ عمران بن حصين بن عبيد بن خلف

، أبو نجيد الخزاعي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أسلم هو وأبوه، وأبو هريرة معا، ولعمران أحاديث.

ولي قضاء البصرة، وكان عمر بن الخطاب بعثه إليهم ليفقههم، وكان الحسن البصري يحلف: ما قدم عليهم البصرة خير لهم من عمران بن حصين.

روى عنه الحسن، ومحمد بن سيرين، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وزرارة بن أوفى، وزهدم الجرمي، والشعبي، وأبو رجاء العطاردي، وعبد الله بن بريدة، وطائفة سواهم.

قال زرارة بن أوفى: رأيت عمران بن حصين يلبس الخز.

وقال مطرف بن الشخير: قال لي عمران بن حصين: أنا أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة، ولم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه، وأنه كان يسلم علي، يعني الملائكة، فلما اكتويت، أمسك، فلما تركته عاد إلي.

متفق عليه.

ص: 524

ولعمران غزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكون ببلاد قومه ويتردد إلى المدينة.

أبو خشينة حاجب بن عمر، عن الحكم بن الأعرج، عن عمران بن حصين، قال: ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هشام، عن ابن سيرين، قال: ما قدم البصرة أحد يفضل على عمران بن حصين.

هشام الدستوائي، عن قتادة: بلغني أن عمران بن حصين، قال: وددت أني رماد تذروني.

قلت: وكان ممن اعتزل الفتنة وذمها.

قال أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة، قال: قال لي عمران بن حصين: الزم مسجدك. قلت: فإن دخل علي؟ قال: الزم بيتك، قلت: فإن دخل بيتي؟ فقال: لو دخل علي رجل يريد نفسي ومالي، لرأيت أن قد حل لي قتاله.

ثابت، عن مطرف، عن عمران، قال: قد اكتوينا، فما أفلحن ولا أنجحن يعني المكاوي.

قتادة، عن مطرف قال: أرسل إلي عمران بن حصين في مرضه، فقال: إنه كان يسلم علي - يعني الملائكة - فإن عشت، فاكتم علي، وإن مت، فحدث به إن شئت.

حميد بن هلال، عن مطرف، قلت لعمران: ما يمنعني من عيادتك إلا ما أرى من حالك. قال: فلا تفعل، فإن أحبه إلي أحبه إلى الله.

قال يزيد بن هارون: أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين. عن أبيه: أن عمران قضى على رجل بقضية، فقال: والله لقد قضيت علي بجور، وما ألوت. قال: وكيف ذاك؟ قال: شهد علي بزور، قال: ما قضيت عليك فهو في مالي، ووالله لا أجلس مجلسي هذا أبدا.

وكان نقش خاتم عمران تمثال رجل، متقلدا لسيف.

ص: 525

شعبة: حدثنا فضيل بن فضالة، رجل من قريش، عن أبي رجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين في مطرف خز، لم نره عليه قبل ولا بعد، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.

وقال محمد بن سيرين: سقى بطن عمران بن حصين ثلاثين سنة، كل ذلك يعرض عليه الكي فيأبى، حتى كان قبل موته بسنتين، فاكتوى. رواه يزيد بن إبراهيم، عنه.

وقال عمران بن حدير، عن أبي مجلز، قال: كان عمران ينهى عن الكي فابتلي، فاكتوى، فكان يعج.

وقال حميد بن هلال، عن مطرف: قال لي عمران: لما اكتويت انقطع عني التسليم، قلت: أمن قبل رأسك كان يأتيك التسليم؟ قال: نعم، قلت: سيعود، فلما كان بعد ذلك قال: أشعرت أن التسليم عاد إلي؟ ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى مات.

ابن علية، عن سلمة بن علقمة، عن الحسن: أن عمران بن حصين أوصى لأمهات أولاده بوصايا وقال: أيما امرأة منهن صرخت علي، فلا وصية لها.

توفي عمران سنة اثنتين وخمسين.

62 -

خ م د ن ق:‌

‌ عمرو بن الأسود العنسي

، ويسمى عميرا.

سكن داريا، وهو مخضرم أدرك الجاهلية. وروى عن عمر، ومعاذ، وابن مسعود، وجماعة.

وعنه خالد بن معدان، وزياد بن فياض، ومجاهد بن جبر، وشرحبيل بن مسلم الخولاني، وابنه حكيم بن عمير، وجماعة.

وكان من عباد التابعين وأتقيائهم، كنيته أبو عياض، وقيل: أبو عبد الرحمن.

ص: 526

قال بقية: عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: حج عمرو بن الأسود، فلما انتهى إلى المدينة نظر إليه عبد الله بن عمر قائما يصلي، فسأل عنه، فقيل: هذا رجل من أهل الشام يقال له: عمرو بن الأسود، فقال: ما رأيت أحدا أشبه صلاة ولا هديا ولا خشوعا ولا لبسة برسول الله صلى الله عليه وسلم، من هذا الرجل.

هكذا رواه عيسى بن المنذر الحمصي، عن بقية.

ورواه عنه عبد الوهاب بن نجدة، عن أرطاة بن المنذر، حدثني رزيق أبو عبد الله الألهاني أن عمرو بن الأسود قدم المدينة، فرآه ابن عمر يصلي فقال: من سره أن ينظر إلى أشبه الناس صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا. ثم بعث ابن عمر بقرى ونفقة وعلف إليه، فقبل القرى والعلف، ورد النفقة.

وأما ما رواه أبو بكر بن أبي مريم الغساني، عن ضمرة بن حبيب وحكيم بن عمير، قالا: قال عمر بن الخطاب: من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلينظر إلى عمرو بن الأسود. فهذا منقطع.

وعن شرحبيل، قال: كان عمرو بن الأسود يدع كثيرا من الشبع، مخافة الأشر.

قرأت على أحمد بن إسحاق: أخبرنا الفتح بن عبد السلام، قال: أخبرنا ابن الداية، وأبو الفضل الأرموي، ومحمد بن أحمد، قالوا: أخبرنا ابن المسلمة، قال: أخبرنا أبو الفضل الزهري، قال: حدثنا جعفر الفريابي قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء الحمصي: قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عمرو بن الأسود العنسي: أنه كان إذا خرج إلى المسجد، قبض بيمينه على شماله، فسئل عن ذلك فقال:

ص: 527

مخافة أن تنافق يدي، يعني لئلا يخطر بها في مشيته، فيكون ذلك نفاقا.

63 -

ن ق:‌

‌ عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان بن حارثة

، أبو الضحاك - وقيل: أبو محمد - الأنصاري النجاري.

قال ابن سعد: شهد الخندق، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران، وهو ابن سبع عشرة سنة، وبعثه أيضا بكتاب فيه فرائض إلى اليمن.

روى عنه ابنه محمد، وحفيده أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، والنضر بن عبد الله السلمي، وزياد الحضرمي، وامرأته سودة.

توفي سنة ثلاث، وقيل: سنة أربع، وقيل: سنة إحدى وخمسين.

64 – ن ق:‌

‌ عمرو بن الحمق

.

يقال: قتل سنة إحدى وخمسين.

65 – د ت ق:‌

‌ عمرو بن عوف بن زيد بن مليحة المزني

، أبو عبد الله.

قديم الصحبة، وكان أحد البكائين في غزوة تبوك، شهد الخندق وسكن المدينة.

روى كثير بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه، عن جده هذا عدة أحاديث، وكثير واهي الحديث.

توفي عمرو في آخر زمن معاوية.

66 -

ت:‌

‌ عمرو بن مرة بن عبس الجهني

.

له صحبة ورواية قليلة، وكان قوالا بالحق، وقد وفد على معاوية،

ص: 528

وكان ينزل فلسطين، وكان بطلا شجاعا، أسلم وهو شيخ، وكان معاوية يسميه أسد جهينة.

روى عنه عيسى بن طلحة، والقاسم بن مخيمرة، وحجر بن مالك، وغيرهم.

وهو والد طلحة، صاحب درب طلحة بداخل باب توما بدمشق.

وبقي عمرو إلى أن غزا سنة تسع وخمسين، ولعله بقي بعدها.

67 -

‌ عمير بن جودان العبدي

.

بصري، أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول: له صحبة.

روى عنه ابنه أشعث، ومحمد بن سيرين.

68 -

م 4:‌

‌ عياض بن حمار المجاشعي التميمي

.

له صحبة ونزل البصرة، ولما وفد على النبي صلى الله عليه وسلم أهدى له نجيبة، فقال: إنا نهينا أن نقبل زبد المشركين، فلما أسلم قبلها منه.

روى عنه العلاء بن زياد العدوي، ومطرف، ويزيد، ابنا عبد الله بن الشخير، والحسن البصري. وله حديث طويل في صحيح مسلم.

69 -

م ق:‌

‌ عياض بن عمرو الأشعري

.

نزل الكوفة، وله صحبة إن شاء الله.

روى الشعبي عنه أنه شهد عيدا بالأنبار فقال: ما لي أراهم لا يقلسون كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلس له.

ص: 529

وقال شعبة، عن سماك، عن عياض، قال: لما نزلت {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قوم أبي موسى.

70 -

ع:‌

‌ فاطمة بنت قيس الفهرية

.

أخت الضحاك بن قيس التي كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي، فطلقها، فخطبها معاوية وأبو جهم، فنصحها النبي صلى الله عليه وسلم وأشار عليها بأسامة، فتزوجت به.

وهي التي تروي حديث السكنى والنفقة في الطلاق والعدة.

وهي راوية حديث الجساسة.

روى عنها الشعبي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وغيرهم.

توفيت فيما أرى بعد الخمسين.

71 – م 4:‌

‌ فضالة بن عبيد

، أبو محمد الأنصاري، قاضي دمشق.

كان أحد من بايع بيعة الرضوان، ولي الغزو لمعاوية، ثم ولي له قضاء دمشق، وناب عنه بها. له عدة أحاديث.

روى عنه عبد الله بن محيريز، وحنش الصنعاني، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، وعلي بن رباح، والقاسم أبو عبد الرحمن، وغيرهم.

قال سعيد بن عبد العزيز: كان أصغر من شهد بيعة الرضوان.

وقال علي بن رباح: أمسكت على فضالة بن عبيد القرآن، حتى فرغ منه.

توفي سنة ثلاث وخمسين؛ قاله المدائني.

وقال خليفة: توفي سنة تسع وخمسين.

ص: 530

ورد أنه قرأ: وأصبح فؤاد أم موسى فازعا بالزاي.

72 -

4:‌

‌ فيروز، أبو الضحاك الديلمي

.

قاتل الأسود العنسي، له صحبة ورواية، وهو من أبناء الفرس الذين نزلوا اليمن، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس الأسود - فيما بلغنا - فوجده قد توفي.

روى عنه ابناه؛ عبد الله والضحاك.

وتوفي سنة ثلاث وخمسين.

73 -

‌ قثم بن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم

.

وأمه لبابة بنت الحارث الهلالية، وكانت أول امرأة أسلمت فيما قاله الكلبي بعد خديجة، وقد أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه. وكان آخر من خرج من لحد النبي صلى الله عليه وسلم؛ قاله ابن عباس.

ولما ولي علي الخلافة استعمل قثم على مكة، فلم يزل عليها حتى استشهد علي. قاله خليفة.

وقال الزبير بن بكار: استعمله علي على المدينة، ثم إن قثم سار أيام معاوية مع سعيد بن عثمان إلى سمرقند، فاستشهد بها.

قال ابن سعد: غزا قثم خراسان، وعليها سعيد بن عثمان بن عفان، فقال له: أضرب لك بألف سهم؟ فقال: لا بل خمس، ثم أعط الناس حقوقهم، ثم أعطني بعد ما شئت. وكان قثم ورعا فاضلا.

كان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وله صحبة ورواية، ولم يعقب.

74 – م ت ن ق:‌

‌ قطبة بن مالك الثعلبي الذبياني

.

ص: 531

صحابي معروف، نزل الكوفة، وله رواية.

وعنه ابن أخيه زياد بن علاقة.

75 -

ع:‌

‌ قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي المدني

.

كان من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، له عدة أحاديث.

روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعروة بن الزبير، والشعبي، وميمون بن أبي شبيب، وعريب بن حميد الهمداني، وجماعة.

وكان ضخما جسيما طويلا جدا، سيدا مطاعا، كثير المال، جوادا كريما، يعد من دهاة العرب.

قال عمرو بن دينار: كان ضخما جسيما، صغير الرأس، وكان ليست له لحية، وإذا ركب الحمار خطت رجلاه الأرض.

روي عنه أنه، قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المكر والخديعة في النار لكنت من أمكر هذه الأمة.

وقال مسعر، عن معبد بن خالد، كان قيس بن سعد لا يزال هكذا رافعا إصبعه المسبحة، يدعو.

وقال الزهري: أخبرني ثعلبة بن أبي مالك؛ أن قيس بن سعد كان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال جويرية بن أسماء: كان قيس يستدين ويطعمهم، فقال أبو بكر وعمر: إن تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه، فمشيا في الناس، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فقام سعد بن عبادة خلفه، فقال: من يعذرني من ابن أبي قحافة، وابن الخطاب يبخلان علي ابني.

وقال موسى بن عقبة: وقفت على قيس عجوز فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان، فقال: ما أحسن هذه الكناية، املؤوا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا.

ص: 532

وقال عمرو بن دينار: قال قيس بن سعد: لولا الإسلام لمكرت مكرا لا تطيقه العرب.

وقال ابن سيرين: أمَّر علي قيس بن سعد على مصر، زاد غيره في سنة ست وثلاثين، وعزله سنة سبع، لأن أصحاب علي شنعوا على أنه قد كاتب معاوية، فلما عزل بمحمد بن أبي بكر، عرف قيس أن عليا قد خدع، ثم كان علي بعد يطيع قيسا في الأمر كله.

قال عروة: كان قيس بن سعد مع علي في مقدمته، ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم بعد موت علي، فلما دخل الجيش في بيعة معاوية، أبى قيس أن يدخل، وقال لأصحابه: ما شئتم، إن شئتم جالدت بكم أبدا حتى يموت الأعجل، وإن شئتم أخذت لكم أمانا، قالوا: خذ لنا، ففعل، فلما ارتحل نحو المدينة جعل ينحر كل يوم جزورا.

وقال أبو تميلة يحيى بن واضح: أخبرني أبو عثمان من ولد الحارث بن الصمة، قال: بعث قيصر إلى معاوية: ابعث إلي سراويل أطول رجل من العرب، فقال لقيس بن سعد: ما أظننا إلا قد احتجنا إلى سراويلك، فقام فتنحى، وجاء بها فألقاها، فقال: ألا ذهبت إلى منزلك ثم بعثت بها! فقال:

أردت بها كي يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه سراويل عادي نمته ثمود وإني من الحي اليماني لسيد وما الناس إلا سيد ومسود فكدهم بمثلي إن مثلي عليهم شديد وخلقي في الرجال مديد فأمر معاوية أطول رجل في الجيش فوضعها على أنفه، قال: فوقفت بالأرض.

قال الواقدي وغيره: إنه توفي في آخر خلافة معاوية.

76 -

م ن:‌

‌ قيس بن السكن

، الأسدي الكوفي.

ص: 533

روى عن: علي، وابن مسعود، وأبي ذر، وكان ثقة.

توفي زمن مصعب بن الزبير؛ قاله محمد بن سعد، له أحاديث.

77 – د ت ق:‌

‌ قيس بن عمرو

ويقال: قيس بن قهد، ويقال: قيس بن عمرو بن قهد، وقيل: قيس بن سهل، وقيل: قيس بن عمرو بن سهل الأنصاري النجاري.

له صحبة ورواية. وهو جد يحيى بن سعيد الأنصاري الفقيه.

روى عنه ابنه سعيد، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وعطاء بن أبي رباح، وله أحاديث.

قال الترمذي: لم يسمع منه محمد بن إبراهيم.

78 -

‌ كدام بن حيان العنزي

.

أحد من قتل بعذراء مع حجر بن عدي الكندي.

79 –‌

‌ كرز بن علقمة الخزاعي

.

له صحبة، ورواية في مسند أحمد.

روى عنه عروة بن الزبير، وغيره.

قال ابن سعد: هو الذي قفا أثر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، فانتهى إلى باب الغار فقال: هنا انقطع الأثر، قال: وهو الذي نظر إلى قدم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه القدم من تلك القدم التي في المقام، يعني قدم إبراهيم عليه السلام. عمر كرز عمرا طويلا. وكتب معاوية إلى عامله: مر كرز بن علقمة يوقفكم على معالم الحرم، ففعل، فهي معالمه إلى الساعة.

80 -

ع:‌

‌ كعب بن عجرة الأنصاري المدني

.

ص: 534

شهد بيعة الرضوان، وله أحاديث.

روى عنه بنوه سعد، ومحمد، وعبد الملك، والربيع، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وعبد الله بن معقل، ومحمد بن سيرين، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وجماعة.

كنيته أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله، وأبو إسحاق، وكان قد استأخر إسلامه.

وقال ضمام بن إسماعيل: عن يزيد بن أبي حبيب، إن كعب بن عجرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فرأيته متغيرا، قلت: بأبي وأمي، ما لي أراك متغيرا؟ قال: ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث. قال: فذهبت، فإذا يهودي يسقي، فسقيت له على كل دلو بتمر، فجمعت تمرا، فأتيته به وأخبرته، فقال: يا كعب أتحبني؟ قلت: بأبي أنت نعم، قال: إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى معادنه، وإنه سيصيبك بلاء، فأعد له تجفافا. قال: ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل كعب؟ قالوا: مريض، فخرج يمشي حتى دخل عليه، فقال له: أبشر يا كعب، فقالت أمه: هنيئا لك الجنة يا كعب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذه المتألية على الله؟ قال: هي أمي يا رسول الله، قال: ما يدريك يا أم كعب، لعل كعبا قال ما لا ينفعه، أو منع ما لا؟؟ يغنيه.

وقال مسعر، عن ثابت بن عبيد قال: بعثني أبي إلى كعب بن عجرة، فأتيت رجلا أقطع، فأتيت أبي فقلت: بعثتني إلى رجل أقطع؟ فقال: إن يده قد دخلت الجنة، وسيتبعها ما بقي من جسده، إن شاء الله.

قال أبو عبيد وجماعة: توفي كعب بن عجرة سنة اثنتين وخمسين.

81 -

4:‌

‌ كعب بن مرة

، وقيل: مرة بن كعب البهزي.

صحابي نزل البصرة، ثم سكن الأردن، له أحاديث.

روى عنه: شرحبيل بن السمط، وجبير بن نفير، وأبو الأشعث الصنعاني، وغيرهم.

ص: 535

توفي بالأردن سنة سبع، أو تسع وخمسين.

82 -

ع:‌

‌ مالك بن الحويرث

، أبو سليمان الليثي.

قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام أياما، ثم أذن له في الرجوع إلى أهله، ثم نزل البصرة.

روى عنه أبو عطية مولى بني عقيل، ونصر بن عاصم الليثي، وأبو قلابة عبد الله بن زيد.

83 -

‌ مالك بن عبد الله الخثعمي

، أبو حكيم الفلسطيني، المعروف بمالك السرايا.

يقال: له صحبة، قدم على معاوية برسالة عثمان، وقاد الصوائف أربعين سنة، وكسر، فيما بلغنا، على قبره أربعون لواء، وكان صواما قواما.

شتى سنة ست وخمسين بأرض الروم، وعاش بعد ذلك مدة.

84 -

خ د ن ق:‌

‌ مجمع بن جارية الأنصاري المدني

.

له صحبة ورواية، وهو مجمع بن يزيد بن جارية.

وروى أيضا عن خنساء بنت خذام.

وعنه ابنه يعقوب، والقاسم بن محمد، وعكرمة بن سلمة. وقرأ القرآن في صباه.

قال الشعبي: توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي على مجمع سورتان.

وقال محمد بن إسحاق: كان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، فكان مجمع يصلي بهم فيه، ثم إنه أخرب، فلما كان زمن عمر كلم في مجمع ليصلي بهم، فقال: أوليس بإمام المنافقين، فقال لعمر: والله الذي لا إله إلا هو ما علمت بشيء من أمرهم، فيقال: إنه تركه يصلي بهم.

ص: 536

85 -

د ن:‌

‌ محجن بن الأدرع الأسلمي

.

له رواية وصحبة، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ارموا، وأنا مع ابن الأدرع.

روى عنه عبد الله بن شقيق، ورجاء بن أبي رجاء الباهلي، وحنظلة بن علي الأسلمي. وهو الذي اختط مسجد البصرة.

توفي آخر خلافة معاوية.

86 -

4:‌

‌ محيصة بن مسعود بن كعب

، أبو سعد، الأنصاري الخزرجي، أخو حويصة، ويقال فيهما: بتشديد الياء وتخفيفها.

شهد أحدا وما بعدها، ومحيصة الأصغر منهما، وهو أسلم قبل أخيه، له أحاديث.

وعنه حفيده حرام بن سعد بن محيصة، وابنه سعد، وبشير بن يسار، ومحمد بن زياد الجمحي، وغيرهم.

87 -

‌ مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري

، والد المسور.

كان من المؤلفة قلوبهم، له شرف وعقل وقعدد، كساه النبي صلى الله عليه وسلم حلة باعها بأربعين أوقية، وعمي في خلافة عثمان.

وروى أبو عامر الخزاز، عن أبي يزيد المدني، عن عائشة، قالت: جاء مخرمة بن نوفل يستأذن، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: بئس أخو العشيرة، فلما دخل بش به، فلما خرج، قلت له في ذلك، فقال: يا عائشة، أعهدتني فحاشا، إن شر الناس من يتقى شره.

ص: 537

توفي مخرمة سنة أربع وخمسين، وله مائة وخمس عشرة سنة.

88 -

‌ مسلم بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي

.

قدمه ابن عمه الحسين رضي الله عنه بين يديه إلى الكوفة، ليكشف له كيف اجتماع الناس على الحسين، فدخل سرا، ونزل على هانئ المرادي، فطلب عبيد الله بن زياد أمير الكوفة هانئا، فقال: ما حملك على أن تجير عدوي؟! قال: يا ابن أخي، جاء حق هو أحق من حقك، فوثب عبيد الله فضربه بعنزة شك دماغه بالحائط، ثم أحضر مسلما من داره فقتله، وذلك في آخر سنة ستين.

89 -

م 4:‌

‌ المستورد بن شداد بن عمرو القرشي الفهري

.

له صحبة ورواية، ولأبيه أيضا صحبة.

وعنه قيس بن أبي حازم، وعلي بن رباح، وأبو عبد الرحمن الحبلي، ووقاص بن ربيعة، وعبد الكريم بن الحارث.

90 -

‌ معتب بن عوف بن الحمراء

، أبو عوف الخزاعي. حليف بني مخزوم.

أحد المهاجرين إلى الحبشة وإلى المدينة، والحمراء هي أمه، اتفقوا على أنه شهد بدرا، وكان يدعى عيهامة.

قال غير واحد: إنه توفي سنة سبع وخمسين، والعجب أن معتبا بقي إلى هذا الوقت، وما روى شيئا.

91 -

ع:‌

‌ معقل بن يسار المزني

.

له صحبة ورواية سكن البصرة وهو ممن بايع تحت الشجرة.

ص: 538

وروى أيضا عن النعمان بن مقرن. وعنه عمران بن حصين وهو أكبر منه، والحسن البصري، ومعاوية بن قرة، وعلقمة بن عبد الله المزنيان، وغيرهم.

قال محمد بن سعد: لا نعلم في الصحابة من يكنى أبا علي سواه.

توفي في آخر زمن معاوية.

92 – م د ت ق:‌

‌ معمر بن عبد الله بن نافع بن نضلة القرشي العدوي

.

أحد المهاجرين، وله هجرة إلى الحبشة، وهو الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وعمر بعده دهرا، وحدث عنه.

روى عنه سعيد بن المسيب، وبسر بن سعيد.

93 -

د ن ق:‌

‌ معاوية بن حديج بن جفنة بن قتير التجيبي الكندي

، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو نعيم.

أحد أمراء معاوية على مصر، له صحبة ورواية، وروى أيضا عن عمر، وأبي ذر.

وعنه ابنه عبد الرحمن، وسويد بن قيس التجيبي، وعلي بن رباح، وعبد الرحمن بن شماسة المهري، وآخرون.

وله عقب بمصر، وشهد اليرموك، وكان الوافد على عمر بفتح الإسكندرية، وذهبت عينه في غزو النوبة، وكان متغاليا في عثمان وفي محبته.

وقال ابن لهيعة: حدثني أبو قبيل قال: لما قتل حجر بن الأدبر وأصحابه، بلغ معاوية بن حديج وهو بإفريقية، فقام في أصحابه فقال: يا أشقائي في الرحم، وأصحابي وخيرتي، أنقاتل لقريش في الملك، حتى إذا استقام لهم وقعوا يقتلوننا، أما والله لئن أدركتها ثانية، لأقولن لمن أطاعني

ص: 539

من أهل اليمن، اعتزلوا بنا، ودعوا قريشا يقتل بعضها بعضا، فأيهم غلب اتبعناه.

قال ابن يونس: توفي معاوية بمصر في سنة اثنتين وخمسين.

94 -

م د ن:‌

‌ معاوية بن الحكم السلمي

.

له صحبة ورواية، وهو صاحب حديث الجارية السوداء، التي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعتقها فإنها مؤمنة.

روى عنه عطاء بن يسار، وأبو سلمة بن عبد الرحمن.

ووهم من سماه: عمر.

95 – ع:‌

‌ معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي

، أبو عبد الرحمن القرشي الأموي، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف.

أسلم قبل أبيه في عمرة القضاء، وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من أبيه.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وأخته أم المؤمنين أم حبيبة.

وعنه ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وأبو صالح السمان، والأعرج، وسعيد بن أبي سعيد، ومحمد بن سيرين، وهمام بن منبه، وعبد الله بن عامر اليحصبي، والقاسم أبو عبد الرحمن، وشعيب بن محمد والد عمرو بن شعيب، وطائفة سواهم.

وأظهر إسلامه يوم الفتح. وكان رجلا طويلا، أبيض، جميلا مهيبا، إذا ضحك انقلبت شفته العليا، وكان يخضب بالصفرة.

قال أبو عبد رب الدمشقي: رأيت معاوية يصفر لحيته كأنها الذهب.

وعن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، قال: سمعت معاوية على منبر

ص: 540

المدينة يقول: أين فقهاؤكم يا أهل المدينة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن هذه القصة، ثم وضعها على رأسه أو خده، فلم أر على عروس ولا على غيرها أجمل منها على معاوية.

وذكر المفضل الغلابي أن زيد بن ثابت كان كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معاوية كاتبه فيما بينه وبين العرب. كذا قال.

وقد صح عن ابن عباس، قال: كنت ألعب، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ادع لي معاوية، وكان يكتب الوحي.

وقال معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن الحارث بن زياد، عن أبي رهم السماعي، عن العرباض بن سارية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى السحور: هلم إلى الغداء المبارك. ثم سمعته يقول: اللهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب.

رواه أحمد في مسنده وقد وهم فيه قتيبة، وأسقط منه أبا رهم والعرباض.

وقال أبو مسهر: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: اللهم علمه الكتاب والحساب، وقه العذاب. هذا الحديث رواته ثقات، لكن اختلفوا في صحبة عبد الرحمن، والأظهر أنه صحابي، وروي نحوه من وجوه أخر.

ص: 541

وقال مروان الطاطري: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، قال: حدثني ربيعة بن يزيد، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي عميرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية: اللهم اجعله هاديا مهديا، واهده واهد به. رواه الوليد بن مسلم، وأبو مسهر، عن سعيد، نحوه، رواه الترمذي، عن الذهلي، عن أبي مسهر، وقال: حسن غريب.

وقال نعيم بن حماد: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور، قال: حدثنا مروان بن جناح، عن يونس بن ميسرة، عن عبد الله بن بسر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن أبا بكر وعمر في أمر فقال: أشيروا، فقالا: الله ورسوله أعلم، فقال: ادعوا معاوية، أحضروه أمركم، وأشهدوه فإنه قوي أمين. وقد رووه عن ابن شعيب مرسلا.

قلت: هذا من مناكير نعيم، وهو صاحب أوابد.

وقال أبو مسهر، ومحمد بن عائذ، عن صدقة بن خالد، عن وحشي بن حرب بن وحشي، عن أبيه، عن جده، قال: أردف النبي صلى الله عليه وسلم معاوية بن أبي سفيان خلفه، فقال: ما يليني منك؟ قال: بطني، قال: اللهم املأه علما زاد أبو مسهر: وحلما.

قال صالح جزرة: لا يشتغل بوحشي ولا بأبيه.

وقال خليفة: جمع عمر لمعاوية الشام كله، ثم أقره عثمان.

وعن إسماعيل بن أمية أن عمر أفرد معاوية بالشام، ورزقه في كل شهر ثمانين دينارا. والمحفوظ أن الذي جمع الشام لمعاوية عثمان.

ص: 542

قال الزهري: استخلف عثمان، فنزع عمير بن سعد، وجمع الشام لمعاوية.

وقال مسلم بن جندب، عن أسلم مولى عمر، قال: قدم علينا معاوية، وهو أبض الناس وأجملهم، فحج مع عمر، وكان عمر ينظر إليه، فيعجب له، ثم يضع إصبعه على متنه ويرفعها، عن مثل الشراك. ويقول: بخ بخ، نحن إذا خير الناس، أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة، فقال معاوية: يا أمير المؤمنين سأحدثك: إنا بأرض الحمامات والريف، فقال عمر: سأحدثك، ما بك إلا إلطافك نفسك بأطيب الطعام، وتصبحك حتى تضرب الشمس متنيك، وذوو الحاجات وراء الباب، قال: فلما جئنا ذا طوى، أخرج معاوية حلة، فلبسها، فوجد عمر منها ريحا طيبة، فقال: يعمد أحدكم يخرج حاجا تفلا، حتى إذا جاء أعظم بلدان الله حرمة أخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فيلبسهما، فقال: إنما لبستهما لأدخل فيهما على عشيرتي، والله لقد بلغني أذاك ها هنا وبالشام، والله يعلم إني لقد عرفت الحياء فيه، ونزع معاوية الثوبين، ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما.

وقال أبو الحسن المدائني: كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى العرب.

وروى ابن أبي ذئب، عن المقبري، قال: تعجبون من دهاء هرقل وكسرى، وتدعون معاوية!.

وقال مجالد، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي قال: لا تكرهوا إمرة معاوية، فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها.

وروى علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، قالت: قدم معاوية المدينة، فأرسل إلى عائشة: أرسلي إلي بأنبجانية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره، فأرسلت بذلك معي أحمله، فأخذ الأنبجانية، فلبسها، وغسل الشعر بماء، فشرب منه، وأفاض على جلده.

وروى أبو بكر الهذلي، عن الشعبي، قال: لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة، تلقته رجال قريش فقالوا: الحمد لله الذي أعز نصرك وأعلى أمرك، فما رد عليهم جوابا، حتى دخل المدينة، فعلا المنبر، ثم حمد الله.

ص: 543

وقال: أما بعد، فإني، والله، ما وليت أمركم حين وليته، إلا وأنا أعلم أنكم لا تسرون بولايتي، ولا تحبونها، وإني لعالم بما في نفوسكم، ولكن خالستكم بسيفي هذا مخالسة، ولقد رمت نفسي على عمل ابن أبي قحافة، فلم أجدها تقوم بذلك، وأردتها على عمل عمر، فكانت عنه أشد نفورا، وحاولتها على مثل سنيات عثمان فأبت علي، فأين مثل هؤلاء، هيهات أن يدرك فضلهم أحد من بعدهم، غير أني قد سلكت بها طريقا لي فيه منفعة، ولكم فيه مثل ذلك، ولكل فيه مؤاكلة حسنة ومشاربة جميلة ما استقامت السيرة، وحسنت الطاعة، فإن لم تجدوني خيركم، فأنا خير لكم، والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه، ومهما تقدم مما علمتموه، فقد جعلته دبر أذني، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله، فارضوا مني ببعضه، فإنها ليست بقائبة قوبها، وإن السيل إذا جاء تترى، وإن قل أغنى، وإياكم والفتنة، فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعيشة، وتكدر النعمة، وتورث الاستئصال، وأستغفر الله لي ولكم، ثم نزل.

وقال جندل بن والق وغيره: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنا مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه.

مجالد ضعيف. وقد رواه الناس عن علي بن زيد بن جدعان، وليس بالقوي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، فذكره.

ويروى عن أبي بكر بن أبي داود، قال: هو معاوية بن تابوه رأس المنافقين، حلف أن يتغوط فوق المنبر.

وقال بسر بن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص، قال: ما رأيت أحدا بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب، يعني معاوية.

وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن ثابت مولى أبي سفيان: إنه سمع معاوية يخطب ويقول: إني لست بخيركم، وإن فيكم من هو خير مني؛ عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وغيرهما من الأفاضل، ولكني عسيت

ص: 544

أن أكون أنكاكم في عدوكم، وأنعمكم لكم ولاية، وأحسنكم خلقا.

وقال همام بن منبه: سمعت ابن عباس يقول: ما رأيت رجلا كان أخلق للملك من معاوية، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب، لم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب. يعني ابن الزبير.

وقال جبلة بن سحيم، عن ابن عمر: ما رأيت أحدا أسود من معاوية، قلت: ولا عمر؟ قال: كان عمر خيرا منه، وكان معاوية أسود منه.

وقال أيوب، عن أبي قلابة: إن كعب الأحبار، قال: لن يملك أحد هذه الأمة ما ملك معاوية.

قلت: توفي كعب قبل أن يستخلف معاوية، وصدق كعب فيما نقله، فإن معاوية بقي خليفة عشرين سنة، لا ينازعه أحد الأمر في الأرض، بخلاف خلافة عبد الملك بن مروان، وأبي جعفر المنصور، وهارون الرشيد، وغيرهم، فإنهم كان لهم مخالف، وخرج عن أمرهم بعض الممالك.

قال سويد بن سعيد: حدثنا ضمام بن إسماعيل بالإسكندرية: سمعت أبا قبيل حيي بن هانئ يخبر عن معاوية، وصعد المنبر يوم الجمعة، فقال عند خطبته: أيها الناس، إن المال مالنا، والفيء فيئنا، من شئنا أعطينا، ومن شئنا منعنا، فلم يجبه أحد، فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل ذلك، فلم يجبه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إليه رجل فقال: كلا، إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، من حال بيننا وبينه حكمناه إلى الله بأسيافنا. فنزل معاوية، فأرسل إلى الرجل، فأدخل عليه، فقال القوم: هلك، ففتح معاوية الأبواب، ودخل الناس، فوجدوا الرجل معه على السرير، فقال: إن هذا أحياني أحياه الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ستكون أئمة من بعدي. يقولون فلا يرد عليهم قولهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة، وإني تكلمت فلم يرد علي أحد، فخشيت أن أكون منهم، ثم تكلمت الثانية، فلم يرد علي أحد، فقلت في نفسي: إني من القوم، ثم تكلمت الجمعة الثالثة، فقام هذا فرد علي فأحياني أحياه الله، فرجوت أن يخرجني الله منهم، فأعطاه وأجازه. هذا حديث حسن.

ص: 545

محمد بن مصفى: حدثنا بقية، عن بحير بن سعيد، عن خالد بن معدان قال: وفد المقدام بن معدي كرب، وعمرو بن الأسود، ورجل من الأسد له صحبة إلى معاوية، فقال معاوية للمقدام: توفي الحسن، فاسترجع، فقال: أتراها مصيبة؟ قال: ولم لا، وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره وقال: هذا مني وحسين من علي. فقال للأسدي: ما تقول أنت؟ قال: جمرة أطفئت، فقال المقدام: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن لبس الذهب والحرير، وعن جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم، قال: فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك، فقال معاوية: عرفت أني لا أنجو منك.

قلت: وكان يضرب المثل بحلم معاوية، وقد أفرد ابن أبي الدنيا، وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفا في حلم معاوية.

قال ابن عون: كان الرجل يقول لمعاوية: والله لتستقيمن بنا يا معاوية أو لنقومنك، فيقول: بماذا؟ فيقولون: بالخشب، فيقول: إذا نستقيم.

وعن قبيصة بن جابر قال: صحبت معاوية، فما رأيت رجلا أثقل حلما، ولا أبطأ جهلا، ولا أبعد أناة منه.

وقال جرير، عن مغيرة، قال: أرسل الحسن بن علي وعبد الله بن جعفر إلى معاوية يسألانه، فبعث إليهما بمائة ألف، فبلغ عليا رضي الله عنه، فقال لهما: ألا تستحيان، رجل نطعن فيه غدوة وعشية، تسألانه المال! قالا: لأنك حرمتنا وجاد لنا.

وقال مالك: إن معاوية نتف الشيب كذا وكذا سنة، وكان يخرج إلى الصلاة ورداؤه يحمل، فإذا دخل مصلاه جعل عليه، وذلك من الكبر.

وذكر غيره: إن معاوية أصابته اللقوة قبل أن يموت، وكان اطلع في بئر عادية بالأبواء لما حج، فأصابته لقوة، يعني بطل نصفه.

المدائني: عن أبي عبيد الله، عن عبادة بن نسي، قال: خطب معاوية

ص: 546

فقال: إني من زرع، قد استحصد، وقد طالت إمرتي عليكم، حتى مللتكم ومللتموني، ولا يأتيكم بعدي خير مني كما أن من كان قبلي خير مني، اللهم قد أحببت لقاءك، فأحبب لقائي.

الواقدي: حدثنا ابن أبي سبرة، عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال: قال معاوية ليزيد وهو يوصيه: اتق الله، فقد وطأت لك الأمر، ووليت من ذلك ما وليت، فإن يك خيرا، فأنا أسعد به، وإن كان غير ذلك، شقيت به، فارفق بالناس، وإياك وجبه أهل الشرف والتكبر عليهم. في كلام طويل، أورده ابن سعد.

وروى يحيى بن معين، عن عباس بن الوليد النرسي، وهو من أقرانه، عن رجل، أن معاوية قال ليزيد: إن أخوف ما أخاف شيئا عملته في أمرك، شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلم يوما أظفاره، وأخذ من شعره، فجمعت ذلك، فإذا مت فاحش به فمي وأنفي.

وروى عبد الأعلى بن ميمون بن مهران، عن أبيه: أن معاوية قال في مرضه: كنت أوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فنزع قميصه وكسانيه، فرفعته، وخبأت قلامة أظفاره في قارورة، فإذا مت فاجعلوا القميص على جلدي، واسحقوا تلك القلامة واجعلوها في عيني، فعسى.

حميد بن هلال، عن أبي بردة بن أبي موسى قال: دخلت على معاوية حين أصابته قرحته فقال: هلم ابن أخي، تحول فانظر، فنظرت، فإذا هي قد سرت.

وعن الشعبي قال: أول من خطب الناس قاعدا معاوية، وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه.

وعن ابن سيرين قال: أخذت معاوية قرة، فاتخذ لحفا خفافا تلقى عليه، فلا يلبث أن يتأذى بها، فإذا أخذت عنه، سأل أن ترد عليه، فقال:

ص: 547

قبحك الله من دار، مكثت فيك عشرين سنة أميرا، وعشرين سنة خليفة، ثم صرت إلى ما أرى!.

وقال أبو عمرو بن العلاء: لما حضرت معاوية الوفاة قيل له: ألا توصي؟ فقال: هو الموت لا منجى من الموت والذي نحاذر بعد الموت أدهى وأفظع اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك، فما وراءك مذهب.

وقال أبو مسهر: صلى الضحاك بن قيس الفهري على معاوية، ودفن بين باب الجابية وباب الصغير فيما بلغني.

وقال أبو معشر وغيره: مات معاوية في رجب سنة ستين، وقيل: إنه عاش سبعا وسبعين سنة.

96 -

ع:‌

‌ ميمونة بنت الحارث، أم المؤمنين الهلالية

.

تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع.

روى عنها مولياها عطاء وسليمان ابنا يسار، وابن أختها يزيد بن الأصم، وكريب مولى ابن عباس، وابن أختها عبد الله بن عباس، وابن أختها عبد الله بن شداد بن الهاد، وعبيد بن السباق، وجماعة.

وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي رهم بن عبد العزى العامري، فتأيمت منه، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أمرها إلى العباس، فزوجها منه، وبنى بها بسرف بطريق مكة، لما رجع من عمرة القضاء.

وهي أخت لبابة الكبرى زوجة العباس، ولبابة الصغرى أم خالد بن الوليد، وأخت أسماء بنت عميس لأمها، وأخت زينب بنت خزيمة أيضا لأمها.

روى محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن كريب، عن ابن عباس قال: كان اسم ميمونة برة، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة.

ص: 548

وقيل: إنها لما ماتت صلى عليها ابن عباس ودخل قبرها، وهي خالته.

ابن علية: حدثنا أيوب، عن ميمون بن مهران قال: أمرني عمر بن عبد العزيز، فسألت يزيد بن الأصم عن نكاح ميمونة، فقال: نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالا بسرف، وبنى بها حلالا بسرف، وماتت بسرف، فذاك قبرها تحت السقيفة.

وروى زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ميمونة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الجبن فقال: اقطع بالسكين وسم الله وكل.

قال إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأخوات الأربع ميمونة؛ وأم الفضل، وسلمى، وأسماء بنت عميس، أختهن لأمهن مؤمنات، أخرجه النسائي.

قال الواقدي: توفيت سنة إحدى وستين، وهي آخر من مات من أمهات المؤمنين.

وقال خليفة: توفيت سنة إحدى وخمسين.

وقيل: إنها ماتت أيضا بسرف، ووهم من قال: إنها ماتت سنة ثلاث وستين.

97 -

4:‌

‌ ميمونة بنت سعيد

، أو سعد، خادم النبي صلى الله عليه وسلم.

لها صحبة ورواية.

روى عنها أيوب بن خالد، وزياد بن أبي سودة، وعثمان بن أبي سودة، وأبو يزيد الضبي، وطارق بن عبد الرحمن القرشي،

ص: 549

وغيرهم.

98 -

م 4:‌

‌ هشام بن عامر الأنصاري

.

له صحبة ورواية، نزل البصرة، واستشهد أبوه يوم أحد.

روى عنه سعد بن هشام، ومعاذة العدوية، وأبو قتادة العدوي، وأبو الدهماء العدوي، وحميد بن هلال.

99 -

‌ هند بن حارثة الأسلمي المدني

، أخو أسماء.

قال الواقدي: قال أبو هريرة: ما كنت أرى أسماء وهندا إلا خادمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من طول لزومهما بابه، وخدمتهما إياه.

وقال غيره: كانا من أصحاب الصفة، ولهما إخوة.

توفي هند في خلافة معاوية.

100 -

د ت ق:‌

‌ وابصة بن معبد بن عتبة الأسدي

، أسد خزيمة.

وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع في عشرة من رهطه، فأسلموا ورجعوا إلى أرضهم، ثم نزل وابصة الجزيرة، وسكن الرقة، وله بدمشق دار.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن مسعود، وخريم بن فاتك.

وعنه زر بن حبيش، والشعبي، وعمرو بن راشد، وهلال بن يساف، وابنه عمر بن وابصة، وجماعة.

وقبره بالرقة عند الجامع، وكنيته: أبو سالم.

101 -

‌ يزيد بن شجرة الرهاوي

، ورها بالضم قبيلة من مذحج.

روى عنه مجاهد، وله صحبة ورواية، وكان متألها متوقيا.

وروى عنه أيضا أبو الزاهرية، وأرسل عنه الزهري. وقد روى هو أيضا عن أبي عبيدة بن الجراح، ونزل الشام. وكان معاوية يستعمله على الغزو، وسيره مرة يقيم للناس الحج.

ص: 550

استشهد يزيد وأصحابه في غزو البحر، وقيل: بالروم سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة خمس وخمسين.

زائدة، عن منصور، عن مجاهد قال: كان يزيد بن شجرة ممن يذكرنا فيبكي، وكان يصدق بكاءه بفعله.

وقال الأعمش، عن مجاهد: خطبنا يزيد بن شجرة الرهاوي، وكان معاوية استعمله على الجيوش.

والرهاوي قيده عبد الغني بالفتح، فخطأه ابن ماكولا.

102 -

ع:‌

‌ يعلى بن أمية بن أبي عبيدة التميمي المكي

، حليف قريش.

وهو يعلى بن منية بنت غزوان، أخت عتبة بن غزوان. أسلم يوم الفتح، وشهد الطائف وتبوكا، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر.

وعنه بنوه محمد، وصفوان، وعثمان، وأخوه عبد الرحمن، وابن أخيه صفوان بن عبد الله، وعكرمة، وعبد الله بن بابيه، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وآخرون.

قال ابن سعد: كان يعلى يفتي بمكة.

وقيل: إنه عمل لعمر على نجران، وله أخبار في السخاء.

وقال زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار قال: كان أول من ورخ الكتب يعلى بن أمية، وهو باليمن.

قلت: كان قد ولي صنعاء لعثمان، وكان يعلى ممن شهد مع عائشة يوم الجمل، وأنفق أموالا عظيمة في ذلك الجيش، فلما هزم الناس هرب يعلى، وبقي إلى أواخر خلافة معاوية.

وقيل: قتل بصفين مع علي، والله أعلم.

أبو عاصم النبيل: عن عبد الله بن أمية، عن محمد بن حيي، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البحر من جهنم.

ص: 551

فقيل له في ذلك، فقال:{أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} والله لا أدخله، ولا يصيبني منه قطرة حتى أعرض على الله. قال أبو عاصم: حلف على غيب، وهو ممن أعان على علي رضي الله عنه.

103 -

ت ن ق:‌

‌ يعلى بن مرة بن وهب الثقفي

، ويقال: العامري، واسم أمه سيابة.

شهد الحديبية وخيبر، وله أحاديث، وسكن العراق.

روى عنه ابناه عثمان، وعبد الله، وعبد الله بن حفص بن أبي عقيل الثقفي، وراشد بن سعد، وأبو البختري.

وأرسل عنه المنهال بن عمرو، ويونس بن خباب، وعطاء بن السائب. وكان فاضلا.

104 –‌

‌ أبو أروى الدوسي

.

له صحبة ورواية، وكان من شيعة عثمان، نزل ذا الحليفة. وقد روى عن أبي بكر أيضا.

روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو واقد صالح بن محمد بن زيادة المدني؛ فروى وهيب، عن أبي واقد، عنه، قال: كنت أصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم آتي الشجرة قبل غروب الشمس.

105 – ع:‌

‌ أبو أيوب الأنصاري اسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار

، الخزرجي، النجاري، المالكي، المدني.

شهد بدرا والعقبة، وعليه نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، فبقي في داره شهرا حتى بنيت حجره ومسجده.

وكان من نجباء الصحابة، وروى أيضا عن: أبي.

وعنه مولاه أفلح، والبراء بن عازب، وسعيد بن المسيب، وعروة، وعطاء بن يزيد، وموسى بن طلحة، وآخرون.

روى إسحاق بن سليمان الرازي، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، أن أبا أيوب الأنصاري وفد على ابن عباس بالبصرة، ففرغ ابن عباس

ص: 552

له داره وقال: لأصنعن بك ما صنعت برسول الله صلى الله عليه وسلم، كم عليك من الدين؟ قال: عشرون ألفا، فأعطاه أربعين ألفا، وعشرين مملوكا وقال: لك ما في البيت كله.

وقد شهد أبو أيوب الجمل وصفين مع علي، وكان من خاصته، وكان على مقدمته يوم النهروان، ثم إنه غزا الروم مع يزيد بن معاوية ابتغاء ما عند الله، فتوفي عند القسطنطينية، فدفن هناك، وأمر يزيد بالخيل، فمرت على قبره حتى عفت أثره لئلا ينبش، ثم إن الروم عرفوا مكان قبره، فكانوا إذا أمحلوا كشفوا عن قبره فمطروا، وقبره تجاه سور القسطنطينية.

توفي سنة إحدى وخمسين، أو في آخر سنة خمسين، ووهم من قال: توفي سنة اثنتين وخمسين.

106 – ع: أبو برزة الأسلمي اسمه نضلة بن عبيد، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قيل: إنه قتل ابن خطل يوم الفتح، وهو تحت أستار الكعبة.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر.

وعنه ابنه المغيرة، وحفيدته منية بنت عبيد، وأبو عثمان النهدي، والأزرق بن قيس، وأبو المنهال سيار بن سلامة، وأبو الوضيء عباد بن نسيب، وكناية بن نعيم العدوي، وجماعة.

سكن البصرة، وتوفي غازيا بخراسان.

وقيل: اسمه نضلة بن عمرو، وقيل: ابن عائذ، وقيل: ابن عبد الله، وقيل: اسمه عبد الله بن نضلة، وقيل: خالد بن نضلة. وكان مع معاوية بالشام، وقيل: شهد صفين مع علي رضي الله عنه.

وعن أبي برزة قال: كنا نقول في الجاهلية: من أكل الخمير سمن، فأجهضنا القوم يوم خيبر عن خبزة لهم، فجعل أحدنا يأكل منه الكسرة ثم يمس عطفيه، هل سمن!.

وقيل: إن أبا برزة كان يقوم الليل، وله بر ومعروف.

توفي سنة ستين قبل معاوية؛ وقال الحاكم: توفي سنة أربع وستين، فالله أعلم.

ص: 553

فائدة تدل على بقاء أبي برزة بعد هذا الوقت:

قال الأنصاري: حدثنا عوف، قال: حدثني أبو المنهال سيار بن سلامة قال: لما خرج ابن زياد، ووثب ابن مروان بالشام، وابن الزبير بمكة، اغتم أبي فقال: انطلق معي إلى أبي برزة الأسلمي، فانطلقنا إليه في داره، فإذا هو قاعد في ظل، فقال له أبي: يا أبا برزة ألا ترى! فكان أول شيء تكلم به أن قال: إني أحتسب عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش، وذكر الحديث.

قال ابن سعد: مات أبو برزة بمرو، ثم روى ابن سعد أن أبا برزة وأبا بكرة كانا متآخيين.

وقال بعضهم: رأيت أبا برزة أبيض الرأس واللحية.

107 -

ع: أبو بكرة الثقفي اسمه نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو. وقيل: نفيع بن مسروح.

وقيل: كان عبدا للحارث فاستلحقه، وهو أخو زياد بن أبيه لأمه، واسمها سمية مولاة الحارث بن كلدة، وقد كان تدلى يوم الطائف من الحصن ببكرة، وأتى إلى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، وكني يومئذ بأبي بكرة. وله أحاديث.

روى عنه: عبد الرحمن، وعبد العزيز، ومسلم، ورواد، وعبيد الله، وكبشة أولاده، والأحنف بن قيس، وأبو عثمان النهدي، وربعي بن حراش، والحسن، وابن سيرين.

وسكن البصرة، فعن الحسن قال: لم ينزل البصرة أفضل منه ومن عمران بن حصين.

وكان أبو بكرة ممن شهد على المغيرة، فحده عمر لعدم تكميل أربعة شهداء، وأبطل شهادته، ثم قال له: تب لتقبل شهادتك، فقال: لا أشهد بين اثنين أبدا.

وكان أبو بكرة كثير العبادة. وكان أولاده رؤساء البصرة شرفا ومالا وعلما وولاية.

مغيرة بن مقسم، عن شباك، عن رجل، أن ثقيفا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم أبا بكرة عبدا، فقال: لا، هو طليق الله وطليق رسوله.

ص: 554

يزيد بن هارون: أخبرنا عيينة بن عبد الرحمن، قال: أخبرني أبي، أنه رأى أبا بكرة عليه مطرف خز سداه حرير.

قال خليفة: توفي سنة اثنتين وخمسين، وقال غيره: سنة إحدى وخمسين.

108 -

م د ن:‌

‌ أبو بصرة الغفاري

، اسمه حميل بن بصرة.

له صحبة ورواية، وروى عن أبي ذر أيضا.

وعنه أبو هريرة وهو من طبقته، وأبو تميم الجيشاني، وعبد الرحمن بن شماسة، وأبو الخير مرثد اليزني، وأبو الهيثم سليمان بن عمرو العتواري.

وشهد فتح مصر، وسكنها، وبها توفي.

109 -

‌ أبو جهم بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي

.

اسمه عبيد، أسلم في الفتح، وابتنى دارا بالمدينة، وهو صاحب الأنبجانية. توفي في آخر خلافة معاوية.

ويقال: اسمه عامر، أسلم يوم الفتح، وشهد اليرموك، وحضر يوم الحكمين بدومة الجندل، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، وكان من مشيخة قريش ونسابهم.

والأصح أنه بقي بعد معاوية، فسيعاد.

110 – ع:‌

‌ أبو جهم بن الحارث بن الصمة الأنصاري

. ابن أخت أبي بن كعب.

له صحبة ورواية. وعنه: بسر بن سعيد، وعمير مولى ابن عباس، وعبد الله بن يسار مولى ميمونة.

ص: 555

توفي في أواخر زمن معاوية.

111 – ع:‌

‌ أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان

.

قد تقدمت سنة أربع وأربعين.

وقال أحمد بن أبي خيثمة: توفيت قبل أخيها معاوية بسنة.

112 -

ع:‌

‌ أبو حميد الساعدي الأنصاري المدني

، اسمه عبد الرحمن، وقيل: المنذر بن سعد.

من فقهاء الصحابة. روى عنه: جابر بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعمرو بن سليم الزرقي، وعباس بن سهل بن سعد، وخارجة بن زيد، ومحمد بن عمرو بن عطاء.

توفي سنة ستين، وقيل: توفي قبلها بقليل.

113 – م 4:‌

‌ أبو زيد عمرو بن أخطب الأنصاري

، جد عزرة بن ثابت.

قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي ودعا لي.

ويقال: إنه عاش مائة وعشرين سنة.

روى عنه علباء بن أحمر، والحسن البصري.

وقيل له: أنصاري تجوزا، لأنه من غير ذرية الأوس والخزرج، بل من ولد أخيهما عدي. وأبوهم هو حارثة بن ثعلبة.

114 – ع سوى د:‌

‌ أم شريك

.

هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم. مختلف في اسمها ونسبها، ولها أحاديث.

روى عنها جابر بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وعروة، وشهر بن حوشب، وغيرهم.

ص: 556

وهي من بني عامر بن لؤي، وفي ذلك اضطراب.

115 -

‌ أبو ضبيس الجهني

.

كان يلزم البادية، وبايع تحت الشجرة، وشهد الفتح.

توفي في آخر خلافة معاوية؛ قاله ابن سعد.

116 -

د ن:‌

‌ أبو عياش الزرقي

. قيل: عبيد بن الصامت، وقيل: عبيد بن زيد بن الصامت، وقيل: عبيد بن معاوية الأنصاري الخزرجي، وهو والد النعمان بن أبي عياش.

روى عنه مجاهد، وأبو صالح السمان، وقبلهما أنس بن مالك.

وهو فارس حلوة، وحلوة فرس كانت له، له غزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وتوفي في زمن معاوية بعد الخمسين، وقيل: قبلها.

117 -

ع:‌

‌ أبو قتادة الأنصاري السلمي فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم

. اسمه على الصحيح الحارث بن ربعي، وقيل: النعمان، وقيل: عمرو.

شهد أحدا وما بعدها، وكان من فضلاء الصحابة.

روى عنه أنس، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار، وعبد الله بن رباح الأنصاري، وعلي بن رباح، وعبد الله بن معبد الزماني، وعمرو بن سليم الزرقي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابنه عبد الله بن أبي قتادة، ونافع مولاه، وآخرون.

وقال الواقدي: اسم أبي قتادة النعمان.

وقال الهيثم بن عدي: عمرو.

وقال ابن معين والبخاري وغيرهما: الحارث بن ربعي.

وفي حديث ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة في مسيرهم وإعوازهم الماء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نعس، فدعمته غير مرة، فقال له

ص: 557

النبي صلى الله عليه وسلم: حفظك الله بما حفظت به نبيه.

وقال حماد، عن أيوب، عن محمد: إن أبا قتادة قتل مسعدة رأس المشركين.

وقال إياس بن سلمة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع.

توفي سنة أربع وخمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين، وشهد مع علي مشاهده كلها.

118 -

ع:‌

‌ أم قيس بنت محصن أخت عكاشة

، من المهاجرات الأول.

روى عنها مولاها عدي بن دينار، ووابصة بن معبد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعمرة، ونافع موليا حمنة، وغيرهم.

تأخرت وفاتها.

119 -

4:‌

‌ أم كرز الكعبية الخزاعية المكية

.

لها صحبة ورواية.

روى عنها سباع بن ثابت، وطاوس، وعروة، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح. وتأخرت وفاتها.

120 – خ م د ق:‌

‌ أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري المدني

.

قد ذكرنا في خلافة عثمان أيضا له ترجمة، وإنما ذكرته هنا لرواية سالم بن عبد الله، ونافع، وعبيد الله بن أبي يزيد، عنه.

121 -

م 4:‌

‌ أبو محذورة الجمحي المكي المؤذن

.

له صحبة ورواية، اختلفوا في اسمه وفي نسبه، وهو أوس بن معير

ص: 558

على الصحيح، وهو من مسلمة الفتح.

روى عنه ابنه عبد الملك، وزوجته، والأسود بن يزيد، وابن أبي مليكة، وعبد الله بن محيريز الجمحي، وغيرهم.

وكان من أحسن الناس وأنداهم صوتا. قاله الزبير بن بكار.

قال: وأنشدني عمي لبعضهم:

أما ورب الكعبة المستوره وما تلا محمد من سوره والنغمات من أبي محذوره لأفعلن فعلة مذكوره وتوفي سنة تسع وخمسين، وكان مؤذن المسجد الحرام، علمه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان.

122 – ع:‌

‌ أبو مسعود الأنصاري

.

مر سنة أربعين، وقال الواقدي: مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة.

123 – ع:‌

‌ أم هانئ بنت أبي طالب الهاشمية

، اسمها فاختة، وقيل: هند.

أسلمت عام الفتح، وصلى ابن عمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها يوم الفتح صلاة الضحى، وقال لها: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، وكانت قد أجارت رجلا.

روى عنها حفيدها يحيى بن جعدة، ومولاها أبو صالح باذام، وكريب مولى ابن عباس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعروة، ومجاهد، وعطاء، وآخرون.

لها عدة أحاديث، وتأخر موتها إلى بعد الخمسين، وكانت تحت هبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي، فهرب يوم الفتح إلى نجران، وولدت

ص: 559

له: عمرو بن هبيرة وهانئا، ويوسف، وجعدة.

قال ابن إسحاق: لما بلغ هبيرة إسلام أم هانئ قال أبياتا منها:

وعاذلة هبت بليل تلومني وتعذلني بالليل ضل ضلالها وتزعم أني إن أطعت عشيرتي سأوذى وهل يؤذيني إلا زوالها فإن كنت قد تابعت دين محمد وقطعت الأرحام منك حبالها فكوني على أعلى سحيق بهضبة ململمة غبراء يبس بلالها

124 -

ع:‌

‌ أبو هريرة الدوسي

.

ودوس قبيلة من الأزد.

في اسمه، واسم أبيه عدة أقوال أشهرها عبد الرحمن بن صخر وكان اسمه قبل الإسلام عبد شمس، وقال: كناني أبي بأبي هريرة، لأني كنت أرعى غنما فوجدت أولاد هر وحشية، فأخذتهم، فلما رآهم أخبرته، فقال: أنت أبو هر.

قال: وكان اسمي في الجاهلية عبد شمس.

وقال المحرر بن أبي هريرة: اسم أبي: عبد عمرو بن عبد غنم.

وساق ابن خزيمة من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عبد شمس، وقال: هذه دلالة واضحة أن اسمه كان عبد شمس، فإنه إسناد متصل، وهو أحسن إسنادا من سفيان بن حسين، عن الزهري، عن المحرر، اللهم إلا أن يكون كان له اسمان قبل الإسلام.

وقال أحمد بن حنبل: اسمه عبد شمس، ويقال: عبد غنم، ويقال سكين.

وقال ابن أبي حاتم: اسمه عبد شمس، ويقال: عبد غنم، ويقال: عامر، قال: وسمي في الإسلام عبد الله، ويقال: عبد الرحمن.

وقد استوعب الحافظ ابن عساكر أكثر ما ورد في اسمه.

وكان أحد الحفاظ المعدودين في الصحابة.

روى عنه ابن عباس، وأنس، وجابر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وعروة، والقاسم،

ص: 560

وسالم، وعبيد الله بن عبد الله، والأعرج، وهمام بن منبه، ومحمد بن سيرين، وحميد بن عبد الرحمن الزهري، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، وأبو صالح السمان، وزرارة بن أوفى، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وأبوه، وسعيد بن مرجانة، وشهر بن حوشب، وأبو عثمان النهدي، وعطاء بن أبي رباح، وخلق كثير.

قدم من أرض دوس مسلما هو وأمه وقت فتح خيبر.

قال البخاري: روى عنه ثمان مائة رجل أو أكثر.

قلت: روي له نحو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثا، في الصحيحين، منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثا، وانفرد البخاري أيضا له بثلاثة وتسعين، ومسلم بمائة وتسعين.

وبلغنا أنه كان رجلا آدم، بعيد ما بين المنكبين، ذا ضفيرتين، أفرق الثنيتين، يخضب شيبته بالحمرة، ولما أسلم كان فقيرا من أصحاب الصفة، ذاق جوعا وفاقة، ثم استعمله عمر وغيره، وولي إمرة المدينة في زمن معاوية، فمر في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يقول: أوسعوا الطريق للأمير.

وقال أسامة بن زيد، عن عبد الله بن رافع: قلت لأبي هريرة: لم اكتنيت بأبي هريرة؟ قال: أما تفرق مني! قلت: بلى والله إني لأهابك، قال: كنت أرعى غنم أهلي، وكانت لي هريرة صغيرة، فكنت أضعها في شجرة بالليل، فإذا كان النهار ذهبت بها معي، فلقبت بها، وكان من أصحاب الصفة. أخرجه الترمذي.

وقال المقبري، عن أبي هريرة قلت: يا رسول الله، أسمع منك أشياء فلا أحفظها، فقال: ابسط رداءك، فبسطته، فحدث حديثا كثيرا، فما نسيت شيئا حدثني به.

وقال الوليد بن عبد الرحمن عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة: أنت

ص: 561

كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحفظنا لحديثه.

وقال الأعرج: سمعت أبا هريرة يقول: إنكم تقولون: إني أكثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموعد، كنت رجلا مسكينا أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما: من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئا سمعه مني، فبسطت ثوبي، حتى قضى حديثه، ثم ضممته إلي فما نسيت شيئا سمعته بعد.

وقال أبو معشر، عن محمد بن قيس قال: كان أبو هريرة يقول: لا تكنوني أبا هريرة، كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا هر، قال لي: ثكلتك أمك أبا هر، والذكر خير من الأنثى.

وقال ابن سيرين: كان أبو هريرة أبيض لينا لحيته حمراء.

وقال ابن المسيب، عن أبي هريرة: شهدت خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال قيس بن أبي حازم عنه: جئت يوم خيبر بعدما فرغوا من القتال.

وقال ابن سيرين، عنه: لقد رأيتني أصرع بين القبر والمنبر من الجوع، حتى يقول الناس: مجنون.

وتمخط مرة بردائه فقال: الحمد لله الذي يمخط أبا هريرة في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخر من الجوع، فيجلس الرجل على صدري، فأرفع رأسي، فأقول: ليس الذي ترى، إنما هو الجوع.

وقال أبو كثير السحيمي: حدثني أبو هريرة قال: والله ما خلق الله مؤمنا يسمع بي إلا أحبني، قلت: وما علمك بذاك؟ قال: إن أمي كانت مشركة، وكنت أدعوها إلى الإسلام، وكانت تأبى علي، فدعوتها يوما، فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيته أبكي، وسألته أن يدعو لها، فقال: اللهم اهد أم أبي هريرة، فخرجت أعدو أبشرها، فأتيت فإذا الباب

ص: 562

مجاف، وسمعت خضخضة الماء، وسمعت حسي فقالت: كما أنت، ثم فتحت، وقد لبست درعها، وعجلت عن خمارها، فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح، فأخبرته فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين، فقال: اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم إليهما. هذا حديث صحيح، أظنه في مسلم.

أيوب، عن محمد قال: تمخط أبو هريرة وعليه ثوب من كتان ممشق، فتمخط فيه، وقال: بخ بخ، يتمخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني أخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة، يجيء الجائي يظن بي جنونا.

شعبة، عن محمد بن زياد قال: رأيت على أبي هريرة كساء خز.

وقال قتادة وغير واحد: كان أبو هريرة يلبس الخز.

قيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن خباب بن عروة قال: رأيت أبا هريرة عليه عمامة سوداء.

إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن أبي هريرة قال: هاجرت، فأبق مني غلام في الطريق، فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم بايعته، وجاء الغلام، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة هذا غلامك، قلت: هو حر لوجه الله، فأعتقته.

عفان: حدثنا سليم بن حيان، عن أبيه، سمع أبا هريرة يقول: نشأت يتيما، وهاجرت مسكينا، وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان، بطعام بطني وعقبة رجلي، وكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدوا إذا ركبوا، فزوجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة إماما.

ابن سيرين، عن أبي هريرة، أكريت نفسي من ابنة غزوان بطعام بطني

ص: 563

وعقبة رجلي، فقالت لي: لتردن حافيا، ولتركبن قائما، ثم زوجنيها الله بعد.

وقد دعا لنفسه، وأمن النبي صلى الله عليه وسلم على دعائه.

فقال النسائي: أخبرنا محمد بن صدران قال: حدثنا الفضل بن العلاء، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن قيس، عن أبيه، أن رجلا جاء زيد بن ثابت، فسأله عن شيء، فقال: عليك بأبي هريرة، بينما أنا وأبو هريرة وفلان ذات يوم في المسجد ندعو ونذكر ربنا، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فسكتنا، فقال: عودوا للذي كنتم فيه، فدعوت أنا وصاحبي، فأمن النبي صلى الله عليه وسلم على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك مثل صاحبي، وأسألك علما لا ينسى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمين، فقلنا: يا رسول الله نحن نسألك كذلك، فقال: سبقكما بها الغلام الدوسي. قال الطبراني: لا يروى إلا بهذا الإسناد.

وقال أبو نضرة العبدي، عن الطفاوي قال: قرأت على أبي هريرة بالمدينة ستة أشهر، فلم أر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا أشد تشميرا ولا أقوم على ضيف منه، فدخلت عليه ذات يوم ومعه كيس فيه نوى أو حصى يسبح به.

وقال ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن مالك بن أبي عامر الأصبحي قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله فقال: يا أبا محمد أرأيت هذا اليماني، يعني أبا هريرة، أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟ نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم، أم يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل؟ قال: أما أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع فلا أشك، كنا أهل بيوتات وعمل وغنم، فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، وكان مسكينا لا

ص: 564

مال له، ضيفا على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يده مع يده، ولا أجد أحدا فيه خير، يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.

وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن زياد بن مينا قال: كان ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وجابر يفتون بالمدينة، ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا، وهؤلاء الخمسة، إليهم صارت الفتوى.

وقال أبو سعد السمعاني: سمعت أبا المعمر المبارك بن أحمد الأزجي يقول: سمعت أبا القاسم يوسف بن علي الزنجاني الفقيه يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن علي الفيروزآباذي، يقول: سمعت أبا الطيب يقول: كنا في حلقة النظر بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني، فسأل عن مسألة المصراة، فطالب بالدليل، فاحتج المستدل بحديث أبي هريرة الوارد فيها، فقال الشاب، وكان حنفيا: أبو هريرة غير مقبول الحديث، فما استتم كلامه حتى سقط عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فوثب الناس من أجلها، وهرب الشاب منها وهي تتبعه، فقيل له: تب تب، فقال: تبت فغابت الحية، فلم ير لها أثر.

الزنجاني ممن برع في الفقه على أبي إسحاق، توفي سنة خمس مائة.

وقال حماد بن زيد، عن العباس بن فروخ الجريري: سمعت أبا عثمان النهدي قال: تضيفت أبا هريرة سبعا، فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا هذا ويصلي، فقلت: يا أبا هريرة كيف تصوم؟ قال: أصوم من أول الشهر ثلاثا.

قال الداني: عرض أبو هريرة القرآن على أبي بن كعب قرأ عليه من التابعين: عبد الرحمن بن هرمز.

ص: 565

وقال قتيبة بن مهران: حدثنا سليمان بن مسلم: سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة أبي هريرة في: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} يحزنها شبه الرثاء.

وروى عمر بن أبي زائدة، عن أبيه عن أبي خالد الوالبي، عن أبي هريرة أنه كان إذا قرأ بالليل خفض طورا ورفع طورا، وذكر أنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: وكان أبو هريرة ممن يجهر ببسم الله في الصلاة.

وفي البخاري من حديث المقبري: مر أبو هريرة بقوم، بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه أن يأكل فأبى وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير.

وعن شراحيل أن أبا هريرة كان يصوم الخميس والاثنين.

وقال خالد الحذاء عن عكرمة إن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة، ويقول: أسبح بقدر ذنبي.

همام بن يحيى: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن عمر قال لأبي هريرة: كيف وجدت الإمارة؟ قال: بعثتني وأنا كاره، ونزعتني وقد أحببتها، وأتاه بأربع مائة ألف من البحرين قال: أظلمت أحدا؟ قال: لا، قال: فما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين ألفا، قال: من أين أصبتها؟ قال: كنت أتجر، قال: انظر رأس مالك ورزقك فخذه، واجعل الآخر في بيت المال.

وقال محمد بن سيرين: استعمل عمر أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه، قال: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما، قال: فمن أين هذا؟ قال: خيل نتجت لي وغلة رقيق، وأعطية تتابعت علي، فنظروا فوجدوه كما قال. ثم بعد ذلك دعاه عمر ليستعمله فأبى.

وروى معمر، عن محمد بن زياد قال: كان معاوية يبعث أبا هريرة على المدينة، فإذا غضب عليه بعث مروان وعزل أبا هريرة، فلم يلبث

ص: 566

أن نزع مروان وبعث أبا هريرة، فقال لغلام أسود: قف على الباب، فلا تمنع أحدا إلا مروان، ففعل الغلام، ودخل الناس، ومنع مراون، ثم جاء نوبة فدخل وقال: حجبنا منك، فقال: إن أحق من لا ينكر هذا لأنت.

قلت: كأنه بدا منه نحو هذا في حق أبي هريرة.

وقال ثابت البناني، عن أبي رافع قال: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حمارا ببرذعة، وخطامه ليف، فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق، قد جاء الأمير. وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب، فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم، ويضرب برجليه، فيفزع الصبيان ويفرون.

وعن ثعلبة بن أبي مالك قال: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة لمروان، فقال: أوسع الطريق للأمير.

وقال سعيد المقبري: دخل مروان على أبي هريرة في شكواه فقال: شفاك الله يا أبا هريرة، فقال: اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي قال: فما بلغ مروان القطانين حتى مات.

وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عمير بن هانئ قال: قال أبو هريرة: اللهم لا تدركني سنة ستين، فتوفي فيها أو قبلها بسنة.

قال الواقدي: توفي أبو هريرة سنة تسع وخمسين، وله ثمان وسبعون سنة. وهو الذي صلى على عائشة في رمضان سنة ثماني وخمسين.

وقال هشام بن عروة: مات أبو هريرة وعائشة سنة سبع وخمسين، تابعه المدائني، وعلي ابن المديني، وغيرهما.

وقال أبو معشر، وضمرة، وعبد الرحمن بن مغراء، والهيثم بن عدي ويحيى بن بكير: توفي سنة ثمان وخمسين.

وقال الواقدي، وقبله محمد بن إسحاق، وبعده أبو عبيد، وأبو عمر الضرير، ومحمد بن عبد الله بن نمير: توفي سنة تسع وخمسين.

وقيل: صلى عليه الوليد بن عتبة بالمدينة، ثم كتب إلى معاوية بوفاته، فكتب إلى الوليد: ادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم، وأحسن جوارهم، فإنه كان ممن ينصر عثمان، وكان معه في الدار.

ص: 567

وقيل: كان الذين تولوا حمل سريره ولد عثمان.

125 – م 4:‌

‌ أبو اليسر السلمي

.

من أعيان الأنصار، اسمه كعب بن عمرو، وشهد العقبة وله عشرون سنة، وهو الذي أسر العباس يوم بدر.

روى عنه صيفي مولى أبي أيوب الأنصاري، وعبادة بن الوليد الصامتي، وموسى بن طلحة بن عبيد الله، وحنظلة بن قيس الزرقي، وغيرهم.

وكان دحداحا قصيرا، ذا بطن، وهو الذي انتزع راية المشركين يوم بدر، وقد شهد صفين مع علي.

وتوفي بالمدينة سنة خمس وخمسين، وقال بعضهم: هو آخر من مات من البدريين والله أعلم.

آخر هذه الطبقة

ص: 568

‌الطبقة السابعة

61 – 70 هـ

ص: 569

بسم الله الرحمن الرحيم.

(الحوادث)

.

‌سنة إحدى وستين

.

توفي فيها جرهد الأسلمي، والحسين بن علي رضي الله عنهما، وحمزة بن عمرو الأسلمي، وأم سلمة أم المؤمنين، وجابر بن عتيك بن قيس الأنصاري، وخالد بن عرفطة، وعثمان بن زياد بن أبيه أخو عبيد الله، توفي شابا وله ثلاث وثلاثون سنة، وهمام بن الحارث، وهو مخضرم.

‌مقتل الحسين:

واستشهد مع الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته. وكان من قصته أنه توجه من مكة طالبا الكوفة ليلي الخلافة، فروى ذلك ابن سعد الكاتب من وجوه متعددة، ثم قال بعد أن سرد عدة أسطر أسانيد: وغير هؤلاء حدثني في هذا الحديث بطائفة، فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين رضي الله عنه، قالوا: لما أخذ البيعة معاوية لابنه يزيد، كان الحسين ممن لم يبايع، وكان أهل الكوفة يكتبون إلى الحسين يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية، وهو يأبى، فقدم منهم قوم إلى محمد ابن الحنفية، فطلبوا إليه أن يخرج معهم، فأبى، وجاء إلى الحسين، فأخبره بما عرضوا عليه، وقال: إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا ويشيطوا دماءنا، فأقام الحسين على ما هو عليه مهموما، يجمع الإقامة مرة، ويريد أن يسير إليهم مرة، فجاءه أبو سعيد الخدري فقال: يا أبا عبد الله إني لك ناصح ومشفق، وقد بلغني أن قوما من شيعتكم كاتبوك، فلا تخرج فإني سمعت أباك بالكوفة يقول: والله إني لقد مللتهم، وأبغضوني وملوني، وما بلوت منهم وفاء، ومن

ص: 571

فاز بهم، فإنما فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم ثبات ولا عزم ولا صبر على السيف.

قال: وقدم المسيب بن نجبة الفزاري وعدة معه إلى الحسين، بعد وفاة الحسن، فدعوه إلى خلع معاوية وقالوا: قد علمنا رأيك ورأي أخيك، فقال: إني لأرجو أن يعطي الله أخي على نيته، وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين.

وكتب مروان إلى معاوية: إني لست آمن أن يكون حسين مرصدا للفتنة، وأظن يومكم من حسين طويلا.

فكتب معاوية إلى الحسين: إن من أعطى الله تعالى صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء، وقد أنبئت أن قوما من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق، وأهل العراق من قد جربت، قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله واذكر الميثاق، فإنك متى تكدني أكدك. فكتب إليه الحسين: أتاني كتابك، وأنا بغير الذي بلغك عني جدير، وما أردت لك محاربة، ولا عليك خلافا، وما أظن لي عند الله عذرا في ترك جهادك، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة. فقال معاوية: إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا. رواه بطوله الواقدي، عن جماعة، عن أشياخهم.

وقال جويرية بن أسماء، عن مسافع قال: لقي الحسين معاوية بمكة، فأخذ بخطام راحلته، فأناخ به، ثم ساره طويلا وانصرف، فزجر معاوية راحلته، فقال له يزيد ابنه: لا يزال رجل قد عرض لك، فأناخ بك، فقال: دعه لعله يطلبها من غيري، فلا يسوغه، فيقتله.

رواه ابن سعد، عن المدائني، عن جويرية، ثم قال: رجع الحديث إلى الأول. قالوا: ولما احتضر معاوية دعا يزيد فأوصاه وقال: انظر حسين بن فاطمة، فإنه أحب الناس إلى الناس، فصل رحمه، وارفق به، فإن يك منه شيء، فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخا.

ولما بويع يزيد كتب إلى الوليد بن عتبة أمير المدينة: أن ادع الناس إلى البيعة، وابدأ بوجوه قريش، وليكن أول من تبدأ به الحسين، وارفق به،

ص: 572

فبعث الوليد في الليل إلى الحسين وابن الزبير، فأخبرهما بوفاة معاوية، ودعاهما إلى البيعة، فقالا: نصبح وننظر فيما يصنع الناس، ووثبا فخرجا، وأغلظ الوليد للحسين، فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها، فقال الوليد: إن هجنا بأبي عبد الله إلا أسدا، فقيل للوليد: اقتله، قال: إن ذلك لدم مصون.

وخرج الحسين وابن الزبير من وقتهما إلى مكة، وطلبا فلم يقدر عليهما، فنزل الحسين دار العباس. ولزم ابن الزبير الحجر، ولبس المعافري، وجعل يحرض على بني أمية، وكان يتردد إلى الحسين، ويشير عليه أن يقدم العراق ويقول له: هم شيعتكم، وكان ابن عباس يقول له: لا تفعل. وقال له عبد الله بن مطيع: فداك أبي وأمي متعنا بنفسك ولا تسر إلى العراق، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذنا خولا وعبيدا. وقد لقيهما عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة بالأبواء، منصرفين من العمرة، فقال لهما ابن عمر: أذكركما الله إلا رجعتما، فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس، وتنظرا، فإن أجمع على يزيد الناس لم تشذوا، وإن افترقوا عليه كان الذي تريدان. وقال ابن عمر للحسين: لا تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه، ولا تنالها - يعني الدنيا - فاعتنقه وبكى، وودعه، فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش.

وقال له ابن عباس: أين تريد يا ابن فاطمة؟ قال: العراق وشيعتي، قال: إني لكاره لوجهك هذا، تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك، حتى تركهم سخطة وملهم، أذكرك الله تغرر بنفسك!.

الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر المخرمي، عن أبي عون قال: خرج الحسين من المدينة، فمر بابن مطيع وهو يحفر بئره، فقال: إلى أين، فداك أبي وأمي متعنا بنفسك ولا تسر، فأبى الحسين، قال: إن بئري هذه

ص: 573

رشحتها، وهذا اليوم ما خرج إلينا في الدلو ماء، فلو دعوت لنا فيها بالبركة، قال: هات من مائها، فأتى بما في الدلو فشرب منه، ثم مضمض، ثم رده في البئر.

وقال أبو سعيد: غلبني الحسين على الخروج، وقد قلت له: اتق الله والزم بيتك، ولا تخرج على إمامك، وكلمه في ذلك جابر بن عبد الله، وأبو واقد الليثي، وغيرهما.

وقال سعيد بن المسيب: لو أن حسينا لم يخرج لكان خيرا له.

وقد كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بلزوم الجماعة، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه وتقول: أشهد لحدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقتل حسين بأرض بابل.

وكتب إليه عبد الله بن جعفر كتابا يحذره أهل الكوفة، ويناشده الله أن يشخص إليهم. فكتب إليه الحسين: إني رأيت رؤيا ورأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرني بأمر أنا ماض له، ولست بمخبر أحدا بها حتى ألاقي عملي. ولم يقبل الحسين من أحد، وصمم على المسير إلى العراق. فقال له ابن عباس: والله إني لأظنك ستقتل غدا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان، وإني لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فقال: أبا العباس إنك شيخ قد كبرت، فبكى ابن عباس وقال: أقررت عين ابن الزبير، ولما رأى ابن عباس عبد الله بن الزبير قال له: قد أتى ما أحببت، هذا الحسين يخرج ويتركك والحجاز. ثم تمثل:

يا لك من قنبرة بمعمر خلا لك البر فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري وبعث الحسين إلى أهل المدينة، فسار إليه من خف معه من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلا، ونساء وصبيان، وتبعهم محمد ابن الحنفية فأدرك أخاه الحسين بمكة، وأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه

ص: 574

هذا، فأبى الحسين عليه، فحبس محمد ولده، فوجد عليه الحسين وقال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه؟!.

وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل، والكتب يدعونه إليهم، فخرج من مكة متوجها إلى العراق، في عشر ذي الحجة، فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد أمير الكوفة: أما بعد فإن الحسين قد توجه إليك، وبالله ما أحد أحب إلينا يسلمه الله من الحسين، فإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء.

وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص: أما بعد، قد توجه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق أو تسترق كما تسترق العبيد.

وقال جرير بن حازم: بلغ عبيد الله بن زياد مسير الحسين وهو بالبصرة، فخرج على بغاله هو واثنا عشر رجلا حتى قدموا الكوفة، فاعتقد أهل الكوفة أنه الحسين وهو متلثم، فجعلوا يقولون: مرحبا بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار الحسين حتى نزل نهري كربلاء، وبعث عبيد الله عمر بن سعد على جيش. قال: وبعث شمر بن ذي الجوشن فقال: إن قتله وإلا فاقتله وأنت على الناس.

وقال محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه: خرج الحسين إلى الكوفة، فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد: إن حسينا صائر إلى الكوفة، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وأنت من بين العمال، وعندها تعتق أو تعود عبدا. فقتله ابن زياد وبعث برأسه إليه.

وقال الزبير بن الخريت: سمعت الفرزدق يقول: لقيت الحسين بذات عرق وهو يريد الكوفة، فقال لي: ما ترى أهل الكوفة صانعين معي حمل بعير من كتبهم؟ قلت: لا شيء، يخذلونك، لا تذهب إليهم. فلم يطعني.

وقال ابن عيينة: حدثني بجير، من أهل الثعلبية، قلت له: ابن كم كنت حين مر الحسين؟ قال: غلام قد أيفعت، قال: كان في قلة من الناس، وكان أخي أسن مني، فقال له: يا ابن بنت رسول الله، أراك في قلة من

ص: 575

الناس. فقال بالسوط، وأشار إلى حقيبة الرحل: هذه مملوءة كتبا.

قال ابن عيينة: وحدثني شهاب بن خراش، عن رجل من قومه قال: كنت في الجيش الذين بعثهم عبيد الله بن زياد إلى الحسين، وكانوا أربعة آلاف يريدون الديلم، فصرفهم عبيد الله إلى الحسين، فلقيت حسينا، فرأيته أسود الرأس واللحية، فقلت له: السلام عليك يا أبا عبد الله، فقال: وعليك السلام، وكانت فيه غنة.

قال شهاب: فحدثت به زيد بن علي، فأعجبه قوله وكانت فيه غنة.

ابن سعد، عن الواقدي، وغيره، بإسنادهم، أن عمر بن سعد بن أبي وقاص أرسل رجلا على ناقة إلى الحسين، يخبره بقتل مسلم بن عقيل، وكان قد بعثه الحسين إلى الكوفة كما مر في سنة ستين، فقال للحسين ولده علي الأكبر: يا أبة ارجع، فإنهم أهل العراق وغدرهم، وقلة وفائهم، ولا يفون لك بشيء، فقالت بنو عقيل: ليس هذا حين رجوع، وحرضوه على المضي.

وقال الحسين لأصحابه: قد ترون ما يأتينا، وما أرى القوم إلا سيخذلوننا، فمن أحب أن يرجع فليرجع، فانصرف عنه جماعة، وبقي فيمن خرج معه من مكة، فكانت خيلهم اثنين وثلاثين فرسا، وأما ابن زياد فجمع المقاتلة وأمر لهم بالعطاء.

وقال يزيد الرشك: حدثني من شافه الحسين، قال: رأيت أبنية مضروبة بالفلاة للحسين، فأتيته، فإذا شيخ يقرأ القرآن والدموع تسيل على خذيه، فقلت: بأبي وأمي يا ابن رسول الله، ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحد؟ قال: هذه كتب أهل الكوفة إلي، ولا أراهم إلا قاتلي، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها، فيسلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة، يعني مقنعتها.

قلت: ندب ابن زياد لقتال الحسين، عمر بن سعد بن أبي وقاص؛ فروى الزبير بن بكار، عن محمد بن حسن، قال: لما نزل عمر بن سعد بالحسين أيقن أنهم قاتلوه، فقام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم

ص: 576

قال: قد نزل بنا ما ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرت حتى لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا ندما.

وقال خالد الحذاء، عن الجريري، عن عبد ربه أو غيره: إن الحسين لما أرهقه السلاح قال: ألا تقبلون مني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل من المشركين؟ قيل: وما كان يقبل منهم؟ قال: كان إذا جنح أحدهم قبل منه، قالوا: لا، قال: فدعوني أرجع، قالوا: لا، قال: فدعوني آتي أمير المؤمنين يزيد. فأخذ له رجل السلاح، فقال له: أبشر بالنار، فقال: بل إن شاء الله برحمة ربي وشفاعة نبيي، قال: فقتل وجيء برأسه حتى وضع في طست بين يدي ابن زياد، فنكته بقضيبه وقال: لقد كان غلاما صبيحا، ثم قال: أيكم قاتله؟ فقام الرجل، فقال: ما قال لك؟ فأعاد الحديث، فاسود وجهه.

وروى ابن سعد في الطبقات بأسانيده، قالوا: وأخذ الحسين طرق العذيب، حتى نزل قصر أبي مقاتل، فخفق خفقة، ثم انتبه يسترجع وقال: رأيت كأن فارسا يسايرنا ويقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنه نعى إلينا أنفسنا، ثم سار فنزل بكربلاء، فسار إليه عمر بن سعد في أربعة آلاف كالمكره، واستعفى عبيد الله فلم يعفه، ومع الحسين خمسون رجلا، وتحول إليه من الجيش عشرون رجلا، وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلا، وقتل عامة أصحابه حوله، وذلك في يوم الجمعة يوم عاشوراء، وبقي عامة نهاره لا يقدم عليه أحد، وأحاطت به الرجالة، فكان يشد عليهم فيهزمهم، وهم يتدافعونه، يكرهون الإقدام عليه، فصاح بهم شمر: ثكلتكم أمهاتكم، ماذا تنتظرون به؟ فطعنه سنان بن أنس النخعي في

ص: 577

ترقوته، ثم انتزع الرمح وطعن في بواني صدره، فخر رضي الله عنه صريعا، واحتز رأسه خولي الأصبحي لا رحمه الله ولا رضي عنه.

وقال أبو معشر نجيح، عن بعض مشيخته: إن الحسين قال حين نزلوا كربلاء: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال: كرب وبلاء، قال: وبعث عبيد الله بن زياد عمر بن سعد لقتالهم، فقال الحسين: يا عمر، اختر مني إحدى ثلاث؛ إما تتركني أن أرجع، أو تسيرني إلى يزيد فأضع يدي في يده فيحكم في ما رأى، فإن أبيت فسيرني إلى الترك فأقاتلهم حتى أموت. فأرسل عمر إلى ابن زياد بذلك، فهم أن يسيره إلى يزيد، فقال له شمر بن جوشن - كذا قال، والأصح: شمر بن ذي الجوشن: لا أيها الأمير، إلا أن ينزل على حكمك، فأرسل إليه بذلك، فقال الحسين: والله لا أفعل. وأبطأ عمر بن سعد عن قتاله، فأرسل إليه ابن زياد شمر المذكور، فقال: إن تقدم عمر وقاتل وإلا فاقتله وكن مكانه، وكان مع عمر ثلاثون رجلا من أهل الكوفة، فقالوا: يعرض عليكم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث خصال، فلا تقبلون منها شيئا؟! وتحولوا مع الحسين فقاتلوا.

وقال عباد بن العوام، عن حصين، عن سعد بن عبيدة قال: رأيت الحسين وعليه جبة برود، ورماه رجل يقال له: عمرو بن خالد الطهوي بسهم، فنظرت إلى السهم معلقا بجنبه.

وقال ابن عيينة، عن أبي موسى، عن الحسن قال: قتل مع الحسين رضي الله عنه ستة عشر رجلا من أهل بيته.

وعن غير واحد قالوا: قاتل يومئذ الحسين - وكان بطلا شجاعا - إلى أن أصابه سهم في حنكه، فسقط عن فرسه، فنزل شمر - وقيل غيره - فاحتز رأسه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وروى شريك عن مغيرة قال: قالت مرجانة لابنها عبيد الله: يا خبيث، قتلت ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ترى الجنة أبدا.

وقال عباد بن العوام، عن حصين: حدثني سعد بن عبيدة قال: إنا لمستنقعين في الفرات مع عمر بن سعد، إذ أتاه رجل فساره، فقال: قد بعث إليك عبيد الله جويرة بن بدر التميمي، وأمره إن أنت لم تقاتل أن يضرب

ص: 578

عنقك، قال: فوثب على فرسه، ودعا بسلاحه وعلا فرسه، ثم سار إليهم، فقاتلهم حتى قتلهم، قال سعد: وإني لأنظر إليهم، وإنهم لقريب مائة رجل، ففيه من صلب علي رضي الله عنه خمسة أو سبعة، وعشرة من الهاشميين، ورجل من بني سليم، وآخر من بني كنانة.

وروى أبو شيبة العبسي عن عيسى بن الحارث الكندي قال: لما قتل الحسين مكثنا أياما سبعة، إذا صلينا العصر نظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان، كأنها الملاحف المعصفرة، وبصرنا إلى الكواكب، يضرب بعضها بعضا.

وقال المدائني، عن علي بن مدرك، عن جده الأسود بن قيس قال: احمرت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر، يرى فيها كالدم، فحدثت بذلك شريكا، فقال لي: ما أنت من الأسود؟ قلت: هو جدي أبو أمي، فقال: أما والله إن كان لصدوق الحديث.

وقال هشام بن حسان، عن ابن سيرين قال: تعلم هذه الحمرة في الأفق مم؟ هو من يوم قتل الحسين. رواه سليمان بن حرب، عن حماد، عنه.

وقال جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد قال: قتل الحسين ولي أربعة عشرة سنة، وصار الورس الذي في عسكرهم رمادا، واحمرت آفاق السماء، ونحروا ناقة في عسكرهم، وكانوا يرون في لحمها النيران.

وقال ابن عيينة: حدثتني جدتي قالت: لقد رأيت الورس عاد رمادا، ولقد رأيت اللحم كأن فيه النار حين قتل الحسين.

وقال حماد بن زيد: حدثني جميل بن مرة قال: أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل، فنحروها وطبخوها، فصارت مثل العلقم.

وقال قرة بن خالد: حدثنا أبو رجاء العطاردي قال: كان لنا جار من بلهجيم، فقدم الكوفة فقال: ما ترون هذا الفاسق ابن الفاسق قتله الله - يعني الحسين، قال أبو رجاء: فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره، وأنا رأيته.

وقال معمر بن راشد: أول ما عرف الزهري أنه تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد: تعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم

ص: 579

قتل الحسين؟ فقال الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط.

وروى الواقدي عن عمر بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه قال: أرسل عبد الملك إلى ابن رأس الجالوت فقال: هل كان في قتل الحسين علامة؟ قال: ما كشف يومئذ حجر إلا وجد تحته دم عبيط.

وقال جعفر بن سليمان: حدثتني أم سالم خالتي قالت: لما قتل الحسين مطرنا مطرا كالدم على البيوت والجدر.

وقال علي بن زيد بن جدعان، عن أنس قال: لما قتل الحسين جيء برأسه إلى عبيد الله بن زياد، فجعل ينكت بقضيب على ثناياه، وقال: إن كان لحسن الثغر، فقلت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه.

وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم بنصف النهار، أشعث أغبر، وبيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل منذ اليوم ألتقطه، فأحصي ذلك اليوم، فوجدوه قتل يومئذ.

ص: 580

وعن سلمى أنها دخلت على أم سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا. أخرجه الترمذي من حديث أبي خالد الأحمر قال: حدثنا رزين قال: حدثتني سلمى.

قلت: رزين هو ابن حبيب، كوفي. قال الترمذي: هذا حديث غريب.

وقال حماد بن سلمة، عن عمار: سمعت أم سلمة قالت: سمعت الجن تبكي على حسين وتنوح عليه.

وروي عن أم سلمة نحوه من وجه آخر.

وروى عطاء بن مسلم عن أبي جناب الكلبي قال: أتيت كربلاء، فقلت لرجل من أشراف العرب بها: بلغني أنكم تسمعون نوح الجن، فقال: ما تلقى أحدا إلا أخبرك أنه سمع ذلك، قلت: فأخبرني ما سمعت أنت، قال: سمعتهم يقولون:

مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود أبواه من عليا قريـ ـش وجده خير الجدود رواه ثعلب في أماليه، قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا عبيد بن جناد قال: حدثنا عطاء، فذكره.

وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن المخزومي قال: لما أدخل ثقل الحسين على يزيد ووضع رأسه بين يديه بكى يزيد، وقال:

نفلق هاما من رجال أحبة إلينا وهم كانوا أعق وأظلما أما والله لو كنت أنا صاحبك ما قتلتك أبدا. فقال علي بن الحسين: ليس هكذا، قال: فكيف يا ابن أم؟ قال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} وعنده عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان، فقال:

لهام بجنب الطف أدنى قرابة من ابن زياد العبد ذي النسب الوغل

ص: 581

سمية أمسى نسلها عدد الحصى وبنت رسول الله ليس لها نسل فضرب يزيد صدره، وقال: اسكت.

قال يحيى بن بكير: حدثني الليث بن سعد قال: أبى الحسين أن يستأسر، فقاتلوه، فقتل، وقتل ابنه وأصحابه بالطف، وانطلق ببنيه علي وفاطمة وسكينة إلى عبيد الله بن زياد، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية، فجعل سكينة خلف سريره، لئلا ترى رأس أبيها، وعلي بن الحسين في غل، فضرب يزيد على ثنيتي الحسين وقال:

نفلق هاما من أناس أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما فقال علي: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} فثقل على يزيد أن تمثل ببيت، وتلا علي آية، فقال: بل {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} فقال علي: أما والله لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مغلولين، لأحب أن يخلينا من الغل، قال: صدقت، خلوهم. قال: ولو وقفنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعد لأحب أن يقربنا، قال: صدقت، قربوهم. فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان ليريا رأس أبيهما، وجعل يزيد يتطاول في مجلسه ليستره عنهما، ثم أمر بهم فجهزوا، وأصلح آلتهم وأخرجوا إلى المدينة.

كثير بن هشام، قال: حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن أبي زياد قال: لما أتي يزيد بن معاوية برأس الحسين جعل ينكت بمخصرة معه سنة، يقول: ما كنت أظن أبا عبد الله بلغ هذا السن، وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود.

وقال ابن سعد، عن الواقدي والمدائني، عن رجالهما: إن محفز بن ثعلبة العائذي - عائذة قريش - قدم برأس الحسين على يزيد، فقال: أتيتك يا أمير المؤمنين برأس أحمق الناس وألأمهم، فقال يزيد: ما ولدت أم محفز أحمق وألأم، لكن الرجل لم يقرأ كتاب الله

ص: 582

: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} الآية.

ثم بعث يزيد برأس الحسين إلى عامله على المدينة، فقال: وددت أنه لم يبعث به إلي، ثم أمر به فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة.

وقال عبد الصمد بن سعيد القاضي: حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني قال: سمعت أبا أمية الكلاعي قال: سمعت أبا كرب قال: كنت في القوم الذين توثبوا على الوليد بن يزيد، وكنت فيمن نهب خزائنهم بدمشق، فأخذت سفطا وقلت: فيه غنائي، فركبت فرسي وجعلته بين يدي، وخرجت من باب توما ففتحته، فإذا بحريرة فيها رأس مكتوب عليه: هذا رأس الحسين، فحفرت له بسيفي ودفنته.

وقال ابن جرير الطبري: حدثت عن أبي عبيدة أن يونس بن حبيب حدثه قال: لما قتل الحسين وبنو أبيه، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد، فسر بقتلهم أولا، ثم ندم، فكان يقول: وما علي لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي، وحكمته فيما يريد، وإن كان علي في ذلك وهن في سلطاني حفظا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورعاية لحقه وقرابته، لعن الله ابن مرجانة - يريد عبيد الله - فإنه أخرجه واضطره، وقد كان سأل أن يخلي سبيله، ويرجع من حيث أقبل، أو يأتيني فيضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من الثغور، فأبى ذلك ورده عليه، فأبغضني بقتله المسلمون.

وقال المدائني، عن إبراهيم بن محمد، عن عمرو بن دينار: حدثني محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه قال: لما قتل الحسين دخلنا الكوفة، فلقينا رجل، فدخلنا منزله فألحفنا، فنمت، فلم أستيقظ إلا بحس الخيل في الأزقة، فحملنا إلى يزيد، فدمعت عينه حين رآنا، وأعطانا ما شئنا، وقال لي: إنه سيكون في قومك أمور، فلا تدخل معهم في شيء، فلما كان من أهل المدينة ما كان، كتب مع مسلم بن عقبة كتابا فيه أماني، فلما فرغ مسلم من الحرة بعث إلي، فجئته وقد كتبت وصيتي، فرمى إلي بالكتاب، فإذا فيه: استوص بعلي بن الحسين خيرا، وإن دخل معهم في أمرهم فأمنه واعف عنه، وإن لم يكن معهم فقد أصاب وأحسن.

وقال غير واحد: قتل مع الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي

ص: 583

طالب، وقد كان في آخر سنة ستين، قتله ابن زياد صبرا، وكان الحسين قد قدمه إلى الكوفة ليخبر من بها من شيعته بقدومه، فنزل على هانئ بن عروة المرادي، فأحس به عبيد الله بن زياد، فقتل مسلما وهانئا.

وممن قتل مع الحسين يوم عاشوراء إخوته بنو أبيه؛ جعفر، وعتيق، ومحمد، والعباس الأكبر بنو علي، وابنه الأكبر علي - وهو غير علي زين العابدين - وابنه عبد الله بن الحسين، وابن أخيه القاسم بن الحسن، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأخوه عون، وعبد الله وعبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل، رضي الله عنهم.

وفيها ظنا وتخمينا، قدم على ابن الزبير وهو بمكة المختار بن أبي عبيد الثقفي من الطائف، وكان قد طرد إلى الطائف، وكان قوي النفس، شديد البأس، يظهر المناصحة والدهاء، وكان يختلف إلى محمد ابن الحنفية، فيسمعون منه كلاما ينكرونه، فلما مات يزيد استأذن ابن الزبير في المضي إلى العراق، فأذن له وركن إليه، وكتب إلى عامله على العراق عبد الله بن مطيع يوصيه به، فكان يختلف إلى ابن مطيع، ثم أخذ يعيب في الباطن ابن الزبير ويثني على ابن الحنفية، ويدعو إليه، ويحرض أهل الكوفة على ابن مطيع، ويكذب وينافق، فراج أمره واستغوى طائفة، وصار له شيعة، إل أن خافه ابن مطيع، وهرب منه، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

‌سنة اثنتين وستين

توفي فيها بريدة بن الحصيب، وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث الهاشمي، ومسلمة بن مخلد، وأبو مسلم الخولاني الداراني الزاهد، وعلقمة بن قيس النخعي الفقيه.

وفيها استعمل عبيد الله بن زياد أمير العراق على السند المنذر بن الجارود العبدي، ولأبيه الجارود بن عمرو صحبة. وكان المنذر من وجوه أهل البصرة من أصحاب علي، قتله الحجاج.

ص: 584

وفيها غزا سلم بن أحوز خوارزم فصالحوه على مال، ثم عبر إلى سمرقند، فنازلها، فصالحوه أيضا.

وفيها نقض أهل كابل، وأخذوا أبا عبيدة بن زياد بن أبي سفيان بن حرب أسيرا، فسار أخوه يزيد في جيش، فهجم عليهم، فقاتلوه، فقتل يزيد، وقتل معه زيد بن جدعان التيمي والد علي بن زيد، وصلة بن أشيم العدوي، وولداه، وعمرو بن قثم، وبديل بن نعيم العدوي، وعثمان بن آدم العذوي، في رجال من أهل الصدق. قاله خليفة.

وأقام الموسم للناس عثمان بن محمد بن أبي سفيان بن حرب.

‌سنة ثلاث وستين

فيها توفي ربيعة بن كعب الأسلمي، ومسروق بن الأجدع.

وفيها وقعة الحرة على باب طيبة، واستشهد فيها خلق وجماعة من الصحابة.

وفيها بعث سلم بن زياد ابن أبيه طلحة بن عبد الله الخزاعي واليا على سجستان، فأمره أن يفدي أخاه من الأسر، ففداه بخمسمائة ألف، وأقدمه على أخيه، وأقام طلحة بسجستان.

وفيها غزا عقبة بن نافع من القيروان، فسار حتى أتى السوس الأقصى، وغنم وسلم، ورد فلقيه كسيلة وكان نصرانيا، فالتقيا، فاستشهد في الوقعة عقبة بن نافع، وأبو المهاجر دينار مولى الأنصار، وعامة أصحابهما. ثم سار كسيلة الكلب، فسار لحربه زهير بن قيس البلوي خليفة عقبة على القيروان، فقتل في الوقعة كسيلة وهزم جنوده، وقتلت منهم مقتلة كبيرة.

‌قصة الحرة:

قال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخنا يقولون: وفد إلى يزيد عبد الله

ص: 585

ابن حنظلة بن الغسيل الأوسي المدني، وله صحبة، وفد في ثمانية بنين له، فأعطاه يزيد مائة ألف، وأعطى لكل ابن عشرة آلاف سوى كسوتهم، فلما رجع إلى المدينة قالوا: ما وراءك؟ قال: أتيتكم من عند رجل والله لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم، قالوا: إنه قد أكرمك وأعطاك، قال: نعم، وما قبلت ذلك منه إلا لأتقوى به عليه، ثم حض الناس فبايعوه.

وقال خليفة بن خياط: قال أبو اليقظان: دعوا إلى الرضا والشورى، وأمروا على قريش عبد الله بن مطيع العدوي، وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة، وعلى قبائل المهاجرين معقل بن سنان الأشجعي، وأخرجوا من بالمدينة من بني أمية.

وقال غيره: خلعوا يزيد، فأرسل إليهم جيشا عليه مسلم بن عقبة، وأرسل أهل المدينة إلى مياه الطريق، فصبوا في كل ماء زق قطران وغوروه، فأرسل الله السماء عليهم، فما استقوا بدلو.

وجاء من غير وجه أن يزيد لما بلغه وثوب أهل المدينة بعامله وأهل بيته ونفيهم، جهز لحربهم مسلم بن عقبة المري، وهو شيخ، وكانت به النوطة، وجهز معه جيشا كثيفا، فكلم يزيد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في أهل المدينة، وكان عنده، وقال: إنما تقتل بهم نفسك، فقال: أجل، أقتل بهم نفسي وأشتفي، ولك عندي واحدة، آمر مسلما أن يتخذ المدينة طريقا، فإن هم لم ينصبوا له الحرب وتركوه يمضي إلى ابن الزبير فقاتله، وإن منعوه وحاربوه قاتلهم، فإن ظفر بهم قتل من أشرف له وأنهبها ثلاثا، ثم يمضي إلى ابن الزبير. فكتب عبد الله بن جعفر إلى أهل المدينة أن لا تعرضوا لجيشه، فورد مسلم بن عقبة، فمنعوه ونصبوا له الحرب، ونالوا من يزيد، فأوقع بهم وأنهبها ثلاثا، وسار إلى ابن الزبير، فمات بالمشلل، وعهد إلى حصين بن نمير في أول سنة أربع وستين.

وروى محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم قال: دخل عبد الله بن مطيع ليالي الحرة على ابن عمر، فقال ابن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من نزع يدا من طاعة لم يكن له حجة يوم القيامة، ومن مات مفارقا

ص: 586

للجماعة فإنه يموت موتة جاهلية.

وقال المدائني: توجه مسلم بن عقبة إلى المدينة في اثني عشر ألف رجل، ويقال: في اثني عشر ألف فارس، وخمسة عشر ألف راجل، ونادى منادي يزيد: سيروا على أخذ أعطياتكم كملا، ومعونة أربعين دينارا لكل رجل. فقال النعمان بن بشير ليزيد: وجهني أكفك، قال: لا، ليس لهم إلا هذا الغشمة، والله لا أقيلهم بعد إحساني إليهم وعفوي عنهم مرة بعد مرة، فقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين في عشيرتك وأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له عبد الله بن جعفر: أرأيت إن رجعوا إلى طاعتك، أتقبل ذلك منهم؟ قال: إن فعلوا فلا سبيل عليهم، يا مسلم إذا دخلت المدينة ولم تصد عنها وسمعوا وأطاعوا فلا تعرضن لأحد، وامض إلى الملحد ابن الزبير، وإن صدوك عن المدينة فادعهم ثلاثة أيام، فإن لم يجيبوا فاستعن بالله وقاتلهم، فستجدهم أول النهار مرضى، وآخره صبرا، سيوفهم أبطحية، فإذا ظهرت عليهم، فإن كان بنو أمية قد قتل منهم أحد فجرد السيف واقتل المقبل والمدبر، وأجهز على الجريح وانهبها ثلاثا، واستوص بعلي بن الحسين، وشاور حصين بن نمير، وإن حدث بك حدث فوله الجيش.

وقال جرير بن حازم، عن الحسن أنه ذكر الحرة فقال: والله ما كاد ينجو منهم أحد، ولقد قتل ابنا زينب بنت أم سلمة، فأتيت بهما فوضعتهما بين يديها، فقالت: والله إن المصيبة علي فيكما لعظيمة، وهي في هذا - وأشارت إلى أحدهما - أعظم منها في هذا - وأشارت إلى الآخر -؛ لأن هذا بسط يده، وأما هذا فقعد في بيته فدخل عليه فقتل، فأنا أرجو له.

وقال جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة قال: أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثا، واقتض فيها ألف عذراء.

قال يزيد بن الهاد، عن أبي بكر بن المنكدر، عن عطاء بن يسار، عن السائب بن خلاد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. رواه مسلم بن أبي

ص: 587

مريم، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن عطاء، عن السائب. وخالفهم موسى بن عقبة، عن عطاء، فقال: عن عبادة بن الصامت، والأول أصح.

وقال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخنا من أهل المدينة يتحدثون، قالوا: خرج أهل المدينة يوم الحرة بجموع كثيرة وهيئة لم ير مثلها، فلما رآهم أهل الشام كرهوا قتالهم، فأمر مسلم بن عقبة بسريره، فوضع بين الصفين، ثم أمر مناديه: قاتلوا عني أو دعوا، فشد الناس في قتالهم، فسمعوا التكبير خلفهم من المدينة، وأقحم عليهم بنو حارثة وهم على الحرة فانهزم الناس، وعبد الله بن حنظلة متساند إلى بعض بنيه يغط نوما، فنبهه ابنه، فلما رأى ما جرى أمر أكبر بنيه، فقاتل حتى قتل، ثم لم يزل يقدمهم واحدا واحدا، حتى أتى على آخرهم، ثم كسر جفن سيفه، فقاتل حتى قتل.

وقال وهيب بن خالد: حدثنا عمرو بن يحيى، عن أبيه قال: قيل لعبد الله بن زيد يوم الحرة: ها ذاك ابن حنظلة يبايع الناس على الموت، فقال: لا أبايع عليه أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. إسناده صحيح.

وقال الواقدي: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن صالح بن أبي حسان. وأخبرنا إسماعيل بن إبراهيم المخزومي، عن أبيه. وحدثنا سعيد بن محمد بن عمرو بن يحيى، عن عباد بن تميم، كل قد حدثني، قالوا: لما وثب أهل الحرة وأخرجوا بني أمية عن المدينة، واجتمعوا على عبد الله بن حنظلة، وبايعهم على الموت، قال: يا قوم، اتقوا الله، فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إن رجلا ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة، قال: فكان ابن حنظلة يبيت تلك الليالي في المسجد، وما يزيد على أن يشرب، يفطر على شربة سويق ويصوم الدهر، وما رؤي رافعا رأسه إلى السماء أحيانا، فلما قرب القوم خطب عبد الله بن حنظلة أصحابه، وحرضهم على القتال، وأمرهم

ص: 588

بالصدق في اللقاء، وقال: اللهم إنا بك واثقون، فصبح القوم المدينة، فقاتل أهل المدينة قتالا شديدا حتى كثر أهل الشام، ودخلت المدينة من النواحي كلها، وابن حنظلة يحض أصحابه على القتال. وقتل الناس، فما ترى إلا راية عبد الله بن حنظلة يمشي بها مع عصابة من أصحابه، فقال لمولى له: احم لي ظهري حتى أصلي الظهر، فلما صلى قال له مولاه: ما بقي أحد، فعلام تقيم؟ ولواؤه قائم ما حوله خمسة، فقال: ويحك! إنما خرجنا على أن نموت، قال: وأهل المدينة كالنعام الشرود، وأهل الشام يقتلون فيهم، فلما هزم الناس طرح الدرع، وقاتلهم حاسرا حتى قتلوه، فوقف عليه مروان وهو ماد إصبعه السبابة، فقال: أما والله لئن نصبتها ميتا لطالما نصبتها حيا.

وقال مبارك بن فضالة، عن أبي هارون العبدي قال: رأيت أبا سعيد الخدري ممعط اللحية، فقلت: تعبث بلحيتك! فقال: لا، هذا ما لقيت من ظلمة أهل الشام يوم الحرة، دخلوا علي زمن الحرة فأخذوا ما في البيت، ثم دخلت علي طائفة، فلم يجدوا في البيت شيئا، فأسفوا وقالوا: أضجعوا الشيخ، فأضجعوني، فجعل كل واحد منهم يأخذ من لحيتي خصلة.

وعن بعضهم قالوا: ودخلوا المدينة ونهبوا وأفسدوا، واستحلوا الحرمة.

قال خليفة: فجميع من أصيب من قريش والأنصار يوم الحرة ثلاثمائة وستة رجال، ثم سرد أسماءهم في ثلاثة أوراق، قال: وكانت الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة.

الواقدي: حدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن يحيى بن شبل، عن أبي جعفر أنه سأله عن يوم الحرة؛ هل خرج فيها أحد من بني عبد المطلب؟ قال: لا، لزموا بيوتهم، فلما قدم مسرف وقتل الناس، سأل عن أبي؛ أحاضر هو؟ قيل: نعم، قال: ما لي لا أراه! فبلغ ذلك أبي فجاءه، ومعه ابنا محمد ابن الحنفية، فرحب بأبي وأوسع له على سريره، وقال: كيف كنت؟ إن أمير المؤمنين أوصاني بك خيرا، فقال: وصل الله تعالى أمير المؤمنين، ثم سأله عن عبد الله والحسن ابني محمد، فقال: هما ابنا عمي، فرحب بهما.

ص: 589

قلت: فممن أصيب يومئذ: أميرهم عبد الله بن حنظلة وبنوه، وعبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري الذي حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعقل بن سنان الأشجعي حامل لواء قومه يوم الفتح، وواسع بن حبان الأنصاري ـ مختلف في صحبته ـ وكثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري، أحد من نسخ المصاحف التي سيرها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار، وأبوه أفلح، ومحمد بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي، ومحمد بن أبي حذيفة، قتلا مع معقل الأشجعي صبرا.

وممن قتل يومئذ: سعد، وسليمان، ويحيى، وإسماعيل، وسليط، وعبد الرحمن، وعبد الله؛ بنو زيد بن ثابت لصلبه. قاله محمد بن سعد.

وممن قتل يوم الحرة: إبراهيم بن نعيم النحام بن عبد الله بن أسيد القرشي العدوي.

قال ابن سعد: كان ابن النحام أحد الرؤوس يوم الحرة، وقتل يومئذ، وكان زوج رقية ابنة عمر بن الخطاب.

وقتل يومئذ عبد الرحمن بن حويطب بن عبد العزى القرشي العامري.

وقتل يوم الحرة أيضا محمد بن أبي بن كعب، وعبد الرحمن بن أبي قتادة، ويزيد ووهب ابنا عبد الله بن زمعة، ويعقوب بن طلحة بن عبيد الله التيمي، وأبو حليمة معاذ بن الحارث الأنصاري القارئ الذي أقامه عمر يصلي بالناس التراويح، وقد روى عن أبي بكر وعمر، وروى عنه سعيد المقبري ونافع مولى ابن عمر.

ومنهم عمران بن أبي أنس، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ست سنين، والفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ويزيد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ومحمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، ومحمد بن ثابت بن قيس بن شماس.

قال عوانة بن الحكم: أتى مسلم بن عقبة بيزيد بن عبد الله بن زمعة بن

ص: 590

الأسود الأسدي، فقال: بايع على كتاب الله وسنة نبيه، فامتنع، فأمر به مسلم فقتل.

وقال جويرية: دخل مسلم بن عقبة المدينة، ودعا الناس إلى البيعة، على أنهم خول ليزيد، يحكم في أهلهم ودمائهم وأموالهم ما شاء، حتى أتي بابن عبد الله بن زمعة، وكان صديقا ليزيد وصفيا له، فقال: بل أبايعك على أني ابن عم أمير المؤمنين، يحكم في دمي وأهلي، فقال: اضربا عنقه، فوثب مروان بن الحكم فضمه إليه، فقال مسلم: والله لا أقيله أبدا، وقال: إن تنحى مروان، وإلا فاقتلوهما معا، فتركه مروان، فضربت عنقه.

وقتل يومئذ أيضا صبرا أبو بكر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ويعقوب بن طلحة بن عبيد الله.

وجاء أن معقل بن سنان ومحمد بن أبي الجهم كانا في قصر العرصة، فأنزلهما مسلم بالأمان، ثم قتلهما، وقال لمحمد: أنت الوافد على أمير المؤمنين، فوصلك وأحسن جائزتك، ثم رجعت تشهد عليه بالشرب.

وقيل: بل قال له: تبايع أمير المؤمنين على أنك عبد قن، إن شاء أعتقك، وإن شاء استرقك، قال: بل أبايع على أني ابن عم كريم، فقال: اضربوا عنقه.

وروي عن مالك بن أنس قال: قتل يوم الحرة من حملة القرآن سبعمائة.

قلت: ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل، وقتل الحسين وإخوته وآله، وشرب يزيد الخمر، وارتكب أشياء منكرة، بغضه الناس، وخرج عليه غير واحد، ولم يبارك الله في عمره، فخرج عليه أبو بلال مرداس بن أدية الحنظلي.

قال ثابت البناني: فوجه عبيد الله بن زياد جيشا لحربه، فيهم عبد الله بن رباح الأنصاري، فقتله أبو بلال.

وقال غيره: وجه عبيد الله بن زياد أيضا عباد بن أخضر في أربعة آلاف، فقاتلوا أبا بلال في سواد ميسان، ثم قتل عباد غيلة.

وقال يونس بن عبيد: خرج أبو بلال أحد بني ربيعة بن حنظلة في أربعين رجلا، فلم يقاتل أحدا ولم يعرض للسبيل، ولا سأل، حتى نفد زادهم ونفقاتهم، حتى صاروا يسألون، فبعث عبيد الله لقتالهم جيشا عليهم عبد الله بن حصن الثعلبي، فهزموا وقتلوا أصحابه، ثم بعث عليهم عباد بن أخضر، فقتلهم أجمعين.

ص: 591

وروى غسان بن مضر عن سعيد بن يزيد قال: خرج أبو بلال من البصرة في أربعين رجلا، فلم يقاتلوا، فحدثني من كان في قافلة قال: جاؤونا يقودون خيولهم، فتكلم أبو بلال فقال: قد رأيتم ما كان يؤتى إلينا، ولعلنا لو صبرنا لكان خيرا لنا، وقد أصابتنا خصاصة، فتصدقوا، إن الله يجزي المتصدقين، قال: فجاءه التجار بالبدر، فوضعوها بين يديه، فقال: لا، إلا درهمين لكل رجل، فلعلنا لا نأكلها حتى نقتل، فأخذ ثمانين درهما لهم، قال: فسار إليهم جند فقتلوهم.

وقال عوف الأعرابي: كان أبو بلال صديقا لأبي العالية، فلما بلغ أبا العالية خروجه أتاه فكلمه، فما نفع.

وقال ابن عيينة: كان أبو بلال يلبس سلاحه في الليل، ويركب فرسه فيرفع رأسه إلى السماء ويقول:

إني وزنت الذي يبقى لأعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا خوف الإله وتقوى الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا وخرج نافع بن الأزرق في آخر خلافة يزيد، فاعترض الناس، فانتدب له أهل البصرة مع مسلم بن عبيس العبشمي القرشي، فقتلا كلاهما.

قال معاوية بن قرة: خرجت مع أبي في جيش ابن عبيس، فلقيناهم بدولاب، فقتل منا خمسة أمراء.

وقال غيره: قتل في الوقعة قرة بن إياس المزني أبو معاوية، وله صحبة ورواية.

وقال أبو اليقظان: قتل ربيعة السليطي مسلم بن عبيس فارس أهل البصرة، ولما قتل ابن الأزرق رأست الخوارج عليهم عبد الله بن ماحوز، فسار بهم إلى المدائن.

ولما قتل مسعود المعني غلبوا على الأهواز وجبوا المال، وأتتهم الأمداد من اليمامة والبحرين، وخرج طواف بن المعلى السدوسي في نفر من العرب، فخرج في يوم عيد، فحكم، قال: لا حكم إلا لله عند قصر أوس، فرماه الناس بالحجارة، وقاتله ابن زياد ثلاثة أيام، ثم قتل وتمزق جمعه.

ص: 592

‌سنة أربع وستين

توفي فيها ربيعة الجرشي في ذي الحجة بمرج راهط، وشقيق بن ثور السدوسي، والمسور بن مخرمة، والضحاك بن قيس الفهري، ويزيد بن معاوية، ومعن بن يزيد السلمي، وابنه ثور، والنعمان بن بشير في آخرها، ومعاوية بن يزيد بن معاوية، والوليد بن عتبة بن أبي سفيان الأموي، والمنذر بن الزبير بن العوام، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، ومسعود بن عمرو الأزدي، ومسلم بن عقبة.

قال محمد بن جرير: لما فرغ مسلم بن عقبة المري من الحرة، توجه إلى مكة، واستخلف على المدينة روح بن زنباع الجذامي، فأدرك مسلما الموت، وعهد بالأمر إلى حصين بن نمير، فقال: انظر يا برذعة الحمار، لا ترع سمعك قريشا، ولا تردن أهل الشام عن عدوهم، ولا تقيمن إلا ثلاثا حتى تناجز ابن الزبير الفاسق، ثم قال: اللهم إني لم أعمل عملا قط بعد الشهادتين أحب إلي من قتل أهل المدينة، ولا أرجى عندي منه، ثم مات، فقدم حصين على ابن الزبير، وقد بايعه أهل الحجاز، وقدم عليه فل أهل المدينة، وقدم عليه نجدة بن عامر الحنفي الحروري في أناس من الخوارج، فجرد أخاه المنذر لقتال أهل الشام، وكان ممن شهد الحرة، ثم لحق به فقاتلهم ساعة، ثم دعي إلى المبارزة، فضرب كل واحد صاحبه، وخر ميتا. وقاتل مصعب بن عبد الرحمن حتى قتل، ثم صابرهم ابن الزبير على القتال إلى الليل، ثم حاصروه بمكة شهر صفر، ورموه بالمنجنيق، وكانوا يوقدون حول الكعبة، فأقبلت شررة هبت بها الريح، فأحرقت الأستار وخشب السقف؛ سقف الكعبة، واحترق قرنا الكبش الذي فدي به إسماعيل، وكان في السقف. قال: فبلغ عبد الله بن الزبير وهو محصور موت يزيد بن معاوية، فنادى: يا أهل الشام، إن طاغيتكم قد هلك. فغدوا يقاتلون، فقال ابن الزبير للحصين بن نمير: ادن مني أحدثك، فدنا فحدثه،

ص: 593

فقال: لا نقاتلك، فائذن لنا نطف بالبيت وننصرف، ففعل.

وذكر عوانة بن الحكم أن الحصين سأل ابن الزبير موعدا بالليل، فالتقيا بالأبطح، فقال له الحصين: إن يك هذا الرجل قد هلك، فأنت أحق الناس بهذا الأمر، هلم نبايعك، ثم اخرج معي إلى الشام، فإن هؤلاء هم وجوه أهل الشام وفرسانهم، فوالله لا يختلف عليك اثنان، وأخذ الحصين يكلمه سرا، وابن الزبير يجهر جهرا، ويقول: لا أفعل، فقال الحصين: كنت أظن أن لك رأيا، ألا أراني أكلمك سرا وتكلمني جهرا، وأدعوك إلى الخلافة وتعدني القتل! ثم قام وسار بجيشه، وندم ابن الزبير فأرسل وراءه يقول: لست أسير إلى الشام، إني أكره الخروج من مكة، ولكن بايعوا لي بالشام، فإني عادل عليكم، ثم سار الحصين، وقل عليهم العلف، واجترأ على جيشه أهل المدينة وأهل الحجاز، وجعلوا يتخطفونهم وذلوا، وسار معهم بنو أمية من المدينة إلى الشام.

وقال غيره: سار مسرف بن عقبة وهو مريض من المدينة، حتى إذا صدر عن الأبواء هلك، وأمر على جيشه حصين بن نمير الكندي، فقال: قد دعوتك، وما أدري أستخلفك على الجيش، أو أقدمك فأضرب عنقك؟ قال: أصلحك الله! سهمك، فارم بي حيث شئت، قال: إنك أعرابي جلف جاف، وإن قريشا لم يمكنهم رجل قط من أذنه إلا غلبوه على رأيه، فسر بهذا الجيش، فإذا لقيت القوم فاحذر أن تمكنهم من أذنك، لا يكون إلا الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف.

وقال الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن أبي عون قال: جاء نعي يزيد ليلا، وكان أهل الشام يودون ابن الزبير، قال أبو عون: فقمت في مشربة لنا في دار مخرمة بن نوفل، فصحت بأعلى صوتي: يا أهل الشام، يا أهل النفاق والشؤم، قد والله الذي لا إله إلا هو مات يزيد، فصاحوا وسبوا وانكسروا، فلما أصبحنا جاء شاب فاستأمن، فأمناه، فجاء ابن الزبير وعبد الله بن صفوان وأشياخ جلوس في الحجر، والمسور يموت في البيت، فقال الشاب: إنكم معشر قريش، إنما هذا الأمر أمركم، والسلطان لكم، وإنما خرجنا في طاعة رجل منكم وقد هلك، فإن رأيتم أن تأذنوا لنا فنطوف

ص: 594

بالبيت وننصرف إلى بلادنا، حتى يجتمعوا على رجل. فقال ابن الزبير: لا، ولا كرامة، فقال ابن صفوان: لم! بلى نفعل ذلك، فدخلا على المسور فقال:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} الآية، قد خربوا بيت الله وأخافوا عواده، فأخفهم كما أخافوا عواده، فتراجعوا، وغلب المسور ومات من يومه.

قلت: وكان له خمسة أيام قد أصابه من حجر المنجنيق شقفة في خده فهشم خده.

وروى الواقدي عن جماعة أن ابن الزبير دعاهم إلى نفسه، فبايعوه، وأبى عليه ابن عباس وابن الحنفية، وقالا: حتى تجتمع لك البلاد وما عندنا خلاف، فكاشرهما، ثم أغلظ عليهما كما سيأتي.

وقال غيره: لما بلغ ابن الزبير موت يزيد بايعوه بالخلافة لما خطبهم ودعاهم إلى نفسه، وكان قبل ذلك إنما يدعو إلى الشورى، فبايعوه في رجب.

ولما هلك يزيد بويع بعده ابنه معاوية بن يزيد، فبقي في الخلافة أربعين يوما، وقيل: شهرين أو أكثر متمرضا، والضحاك بن قيس يصلي بالناس، فلما احتضر قيل له: ألا تستخلف؟ فأبى، وقال: ما أصبت من حلاوتها، فلم أتحمل مرارتها! وكان لم يغير أحدا من عمال أبيه. وكان شابا صالحا، أبيض جميلا وسيما، عاش إحدى وعشرين سنة، وصلى عليه عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان، فأرادت بنو أمية عثمان هذا على الخلافة، فامتنع ولحق بخاله عبد الله بن الزبير.

وقال حصين بن نمير لمروان بن الحكم عند موت معاوية: أقيموا أمركم قبل أن يدخل عليكم شامكم، فتكون فتنة، فكان رأي مروان أن يرد إلى ابن الزبير فيبايعه، فقدم عليه عبيد الله بن زياد هاربا من العراق، وكان عندما بلغه موت يزيد خطب الناس ونعى إليهم يزيد، وقال: اختاروا لأنفسكم أميرا، فقالوا: نختارك حتى يستقيم أمر الناس، فوضع الديوان وبذل العطاء، فخرج عليه سلمة الرياحي بناحية البصرة، فدعا إلى ابن الزبير، فمال الناس إليه.

ص: 595

وقال سعيد بن يزيد الأزدي: قال عبيد الله لأهل البصرة: اختاروا لأنفسكم، قالوا: نختارك، فبايعوه وقالوا: أخرج لنا إخواننا، وكان قد ملأ السجون من الخوارج، فقال: لا تفعلوا؛ فإنهم يفسدون عليكم، فأبوا عليه فأخرجهم، فجعلوا يبايعونه، فما تتام آخرهم حتى أغلظوا له، ثم خرجوا في ناحية بني تميم.

وروى جرير بن حازم عن عمه أنهم خرجوا، فجعلوا يمسحون أيديهم بجدر باب الإمارة ويقولون: هذه بيعة ابن مرجانة، واجترأ عليه الناس حتى نهبوا خيله من مربطه.

وقال غيره: فهرب بالليل، فاستجار بمسعود بن عمرو رئيس الأزد، فأجاره. ثم إن أهل البصرة بايعوا عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي ببه، ورضوا به أميرا عليهم، واجتمع الناس لتتمة البيعة، فوثبت الحرورية على مسعود بن عمرو فقتلوه، وهرب الناس، وتفاقم الشر، وافترق الجيش فرقتين، وكانوا نحوا من خمسين ألفا، فاقتتلوا ثلاثة أيام، فكان على الخوارج نافع بن الأزرق.

وقال الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد: إن مسعودا جهز مع عبيد الله بن زياد مائة من الأزد، فأقدموه الشام.

وروى ابن الخربت، عن أبي لبيد، عن الحارث بن قيس الجهضمي قال: قال ابن زياد: إني لأعرف سوء رأي كان في قومك، قال الحارث: فوقفت عليه فأردفته على بغلتي، وذلك ليلا، وأخذت به على بني سليم، فقال: من هؤلاء؟ قلت: بنو سليم، قال: سلمنا إن شاء الله، ثم مررنا على بني ناجية وهم جلوس معهم السلاح، فقالوا: من ذا؟ قلت: الحارث بن قيس، قالوا: امض راشدا، فقال رجل: هذا والله ابن مرجانة خلفه، فرماه بسهم، فوضعه في كور عمامته، فقال: يا أبا محمد، من هؤلاء؟ قلت: الذين كنت تزعم أنهم من قريش، هؤلاء بنو ناجية، فقال: نجونا إن شاء الله، ثم قال: إنك قد أحسنت وأجملت، فهل تصنع ما أشير به عليك؟ قد عرفت حال مسعود بن عمرو وشرفه وسنه، وطاعة قومه له، فهل لك أن تذهب بي إليه، فأكون في داره؟ فهي أوسط الأزد دارا، فإنك إن لم تفعل تصدع

ص: 596

عليك أمر قومك. قلت: نعم، فانطلقت به، فما شعر مسعود وهو جالس يوقد له بقضيب على لبنة، وهو يعالج أحد خفيه بخلعه، فعرفنا فقال: إنه قد كان يتعوذ من طوارق السوء، فقلت له: أفتخرجه بعدما دخل عليك بيتك؟ فأمره، فدخل بيت ابنه عبد الغافر، وركب معي في جماعة من قومه، وطاف في الأزد فقال: إن ابن زياد قد فقد، وإنا لا نأمن أن نلطخ به، فأصبحت الأزد في السلاح، وأصبح الناس قد فقدوا ابن زياد، فقالوا: أين توجه؟ ما هو إلا في الأزد.

قال خليفة: قال أبو اليقظان: فسار مسعود وأصحابه يريدون دار الإمارة، ودخلوا المسجد، وقتلوا قصارا كان في ناحية المسجد، ونهبوا دار امرأة، وبعث الأحنف حين علم بذلك إلى بني تميم، فجاءوا، ودخلت الأساورة المسجد فرموا بالنشاب، فيقال: إنهم فقأوا عين أربعين نفسا. وجاء رجل من بني تميم إلى مسعود فقتله، وهرب مالك بن مسمع، فلجأ إلى بني عدي، وانهزم الناس.

وقال الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد: إن عبيد الله قدم الشام، وقد بايع أهلها عبد الله بن الزبير، ما خلا أهل الجابية ومن كان من بني أمية، فبايع هو ومروان وبنو أمية خالد بن يزيد بن معاوية بعد موت أخيه معاوية في نصف ذي القعدة، ثم ساروا فالتقوا هم والضحاك بن قيس الفهري بمرج راهط، فاقتتلوا أياما في ذي الحجة، وكان الضحاك في ستين ألفا، وكان مروان في ثلاثة عشر ألفا، فأقاموا عشرين يوما يلتقون في كل يوم، فقال عبيد الله بن زياد لمروان: إن الضحاك في فرسان قيس، ولن تنال منهم ما تريد إلا بمكيدة، فسلهم الموادعة، وأعد الخيل، فإذا كفوا عن القتال فادهمهم، قال: فمشت بينهم السفراء حتى كف الضحاك عن القتال، فشد عليهم مروان في الخيل، فنهضوا للقتال من غير تعبئة، فقتل الضحاك، وقتل معه طائفة من فرسان قيس، وسنورد من أخباره في اسمه.

ص: 597

وقال أبو عبيدة: لما مات يزيد انتقض أهل الري، فوجه إليهم عامر بن مسعود أمير الكوفة محمد بن عمير بن عطارد الدارمي، وكان إصبهبذ الري يومئذ الفرخان، فانهزم الفرخان والمشركون.

وفيها ظهرت الخوارج الذين بمصر، ودعوا إلى عبد الله بن الزبير، وكانوا يظنونه على مذهبهم، ولحق به خلق من مصر إلى الحجاز، فبعث ابن الزبير على مصر عبد الرحمن بن جحدم الفهري، فوثبوا على سعيد الأزدي فاعتزلهم. وأما الكوفيون، فإنهم بعد هروب ابن زياد اصطلحوا على عامر بن مسعود الجمحي، فأقره ابن الزبير.

وفيها هدم ابن الزبير الكعبة لما احترقت، وبناها على قواعد إبراهيم الخليل صلى الله عليه وعلى نبينا للحديث المشهور، وهو في البخاري؛ ومتنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة، ولأدخلت الحجر في البيت، ولجعلت لها بابين؛ بابا يدخل الناس منه، وبابا يخرجون منه، وقال: إن قريشا قصرت بهم النفقة، فتركوا من أساس إبراهيم الحجر، واقتصروا على هذا، وقال: إن قومك عملوا لها بابا عاليا، ليدخلوا من أرادوا، ويمنعوا من أرادوا. فبناه ابن الزبير كبيرا، وألصق بابه بالأرض، فلما قتل ابن الزبير وولي الحجاج على مكة أعاد البيت على ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ونقض حائطه من جهة الحجر فصغره، وأخرج منه الحجر، وأخذ ما فضل من الحجارة، فدكها في أرض البيت، فعلا بابه، وسد الباب الغربي.

‌سنة خمس وستين

توفي فيها أسيد بن ظهير الأنصاري، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومروان بن الحكم، وسليمان بن صرد، والمسيب بن نجبة، ومالك بن هبيرة السكوني - وله صحبة - والنعمان بن بشير في أول سنة - وقيل: في آخر سنة أربع - والحارث بن عبد الله الهمداني الأعور.

ص: 598

ولما انقضت وقعة مرج راهط في أول السنة بايع أكثر أهل الشام لمروان، فبقي تسعة أشهر ومات، وعهد إلى ابنه عبد الملك.

وفيها دخل المهلب بن أبي صفرة الأزدي خراسان أميرا عليها من جهة ابن الزبير، فكلمه أميرها الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي في قتال الأزارقة والخوارج، وأشار بذلك الأحنف بن قيس، وأمدوه بالجيوش، فسار وحارب الأزارقة أصحاب ابن الأزرق، وصابرهم على القتال حتى كسرهم، وقتل منهم أربعة آلاف وثماني مائة.

وفيها سار مروان بجيوشه إلى مصر، وقد كان كاتبه كريب بن أبرهة وعابس بن سعيد قاضي مصر، فحاصر جيشه والي مصر لابن الزبير، فخندق على البلد، وخرج أهل مصر، وهو اليوم الذي يسمونه يوم التراويح، لأن أهل مصر كانوا ينتابون القتال ويستريحون، واستحر القتل في المعافر، فقتل منهم خلق، وقتل يومئذ عبد الله بن يزيد بن معدي كرب الكلاعي أحد الأشراف، ثم صالحوا مروان، فكتب لهم كتابا بيده، وتفرق الناس، وأخذوا في دفن قتلاهم وفي البكاء، ثم تجهز والي مصر عبد الرحمن بن جحدم وأسرع إلى ابن الزبير، وضرب مروان عنق ثمانين رجلا تخلفوا عن مبايعته، وضرب عنق الأكيدر بن حمام اللخمي سيد لخم وشيخها في هذه الأيام، وكان من قتلة عثمان رضي الله عنه، وذلك في نصف جمادى الآخرة يوم مات عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وما قدروا يخرجون بجنازة عبد الله، فدفنوه بداره.

واستولى مروان على مصر، وأقام بها شهرين، ثم استعمل عليها ابنه عبد العزيز، وترك عنده أخاه بشر بن مروان، وموسى بن نصير وزيرا، وأوصاه بالمبالغة في الإحسان إلى الأكابر، ورجع إلى الشام.

وفيها وفد الزهري على مروان، قال عنبسة بن سعيد، عن يونس، عن الزهري: وفدت على مروان وأنا محتلم.

قلت: وهذا بعيد، وإنما المعروف وفادته أول شيء على عبد الملك في أواخر إمارته.

وفيها وجه مروان حبيش بن دلجة القيني في أربعة آلاف إلى المدينة،

ص: 599

وقال له: أنت على ما كان عليه مسلم بن عقبة، فسار ومعه عبيد الله بن الحكم أخو مروان، وأبو الحجاج يوسف الثقفي، وابنه الحجاج وهو شاب، فجهز متولي البصرة من جهة ابن الزبير عمر بن عبيد الله التيمي جيشا من البصرة، فالتقوا هم وحبيش بالربذة في أول رمضان، فقتل حبيش بن دلجة وعبيد الله بن الحكم وأكثر ذلك الجيش، وهرب من بقي، فتخطفتهم الأعراب، وهرب الحجاج ردف أبيه.

وفيها دعا ابن الزيبر محمد ابن الحنفية إلى بيعته فأبى عليه، فحصره في شعب بني هاشم في جماعة من بنيه وشيعته وتوعدهم.

وفيها خرج بنو ماحوز بالأهواز وفارس، وتقدم عسكرهم، فاعترضوا أهل المدائن، فقتلوهم أجمع، ثم ساروا إلى أصبهان، وعليها عتاب بن ورقاء الرياحي، فقتل ابن ماحوز، وانهزم الخوارج الذين معه، ثم أمروا عليهم قطري بن الفجاءة.

وأما نجدة الحروري فإنه قدم في العام الماضي في جموعه من الحرورية على ابن الزبير وقاتلوا معه، فلما ذهب أهل الشام اجتمعوا بابن الزبير وسألوه ما يقول في عثمان؟ فقال: تعالوا العشية حتى أجيبكم، ثم هيأ أصحابه بالسلاح، فجاءت الخوارج، فقال نافع بن الأزرق لأصحابه: قد خشي الرجل غائلتكم، ثم دنا منه فقال: يا هذا، اتق الله وابغض الجائر، وعاد أول من سن الضلالة، وخالف حكم الكتاب، وإن خالفت فأنت من الذين استمتعوا بخلاقهم طيباتهم في حياتهم الدنيا. ثم تكلم خطيب القوم عبيدة بن هلال، فأبلغ. ثم تكلم ابن الزبير، فقال في آخر مقالته: أنا ولي عثمان في الدنيا والآخرة، قالوا: فبرئ الله منك يا عدو الله، فقال: وبرئ الله منكم يا أعداء الله، فتفرقوا على مثل هذا ورحلوا، فأقبل نافع بن الأزرق الحنظلي، وعبد الله بن صفوان السعدي، وعبد الله بن إباض، وحنظلة بن بيهس، وعبد الله وعبيد الله والزبير بنو الماحوز اليربوعي، حتى قدموا البصرة، وانطلق أبو طالوت وأبو فديك عبد الله بن ثور وعطية

ص: 600

اليشكري فوثبوا باليمامة، ثم اجتمعوا بعد ذلك على نجدة بن عامر الحنفي الحروري. ولما رجع مروان إلى دمشق إذا مصعب بن الزبير قد قدم في عسكر من الحجاز يطلب فلسطين، فسرح مروان لحربه عمرو بن سعيد الأشدق فقاتلهم، فانهزم أصحاب مصعب.

وورد أن مروان تزوج بأم خالد بن يزيد بن معاوية، وجعله ولي عهده من بعده، ثم بعده عمرو بن سعيد، ثم لم يتم ذلك.

وفيها بايع جند خراسان سلم بن زياد بن أبيه بعد موت معاوية بن يزيد، وأحبوه حتى يقال: سموا باسمه تلك السنة أكثر من عشرين ألف مولود، فبايعوه على أن يقوم بأمرهم حتى يجتمع الناس على خليفة، ثم نكثوا واختلفوا، فخرج سلم وترك عليهم المهلب بن أبي صفرة، فلقيه بنيسابور عبد الله بن خازم السلمي، فقال: من وليت على خراسان؟ فأخبره، قال: ما وجدت في مضر رجلا تستعمله حتى فرقت خراسان بين بكر بن وائل وأزد عمان؟ وقال: اكتب لي عهدا على خراسان، فكتب له، وأعطاه مائة ألف درهم، فأقبل إلى مرو، فبلغ المهلب الخبر فتهيأ، وغلب ابن خازم على مرو، ثم سار إلى سليمان بن مرثد، فاقتتلوا أياما، فقتل سليمان، ثم سار ابن خازم إلى عمرو بن مرثد وهو بالطالقان في سبعمائة، فبلغ عمرا فسار إليه، فالتقوا فقتل عمرو، وهرب أصحابه إلى هراة وبها أوس بن ثعلبة، فاجتمع له خلق كثير وقالوا: نبايعك على أن تسير إلى ابن خازم فتخرج مضر من خراسان كلها، فقال: هذا بغي، وأهل البغي مخذولون، فلم يطيعوه، وسار إليهم ابن خازم، فخندقوا على هراة، فاقتتلوا نحو سنة، وشرع ابن خازم يلين لهم، فقالوا: لا، إلا أن تخرج مضر من خراسان، وإما أن ينزلوا عن كل سلاح ومال، فقال ابن خازم: وجدت إخواننا قطعا للرحم، قال: قد أخبرتك أن ربيعة لم تزل غضابا على ربها مذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم من مضر. ثم كانت بينه وبين أوس بعد الحصار الطويل وقعة هائلة، أثخن فيها أوس بالجراحات، وقتلت ربيعة قتلا ذريعا، وهرب أوس إلى سجستان فمات بها، وقتل من جنده يومئذ من بكر بن وائل ثمانية آلاف، واستخلف ابن

ص: 601

خازم ولده على هراة، ورجع إلى مرو.

وفيها سار المختار بن أبي عبيد الثقفي في رمضان من مكة، ومعه إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله أميرا من قبل ابن الزبير على خراج الكوفة، فقدم المختار الكوفة والشيعة قد اجتمعت على سليمان بن صرد، فليس يعدلون به، فجعل المختار يدعوهم إلى نفسه وإلى الطلب بدم الحسين، فتقول الشيعة: هذا سليمان شيخنا، فأخذ يقول لهم: إني قد جئتكم من قبل المهدي محمد ابن الحنفية، فصار معه طائفة من الشيعة، ثم قدم على الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمي من قبل ابن الزبير، فنبهوه على أمر الشيعة، وأن نيتهم أن يتوثبوا، فخطب الناس، وسب قتلة الحسين، ثم قال: ليبشر هؤلاء القوم وليخرجوا ظاهرين إلى قاتل الحسين عبيد الله بن زياد، فقد أقبل إليهم، وأنا لهم على قتاله ظهير، فقتاله أولى بكم، فقام إبراهيم بن محمد بن طلحة فنقم عليه هذه المقالة وعابها، فقام إليه المسيب بن نجبة فسبه، وشرعوا يتجهزون للخروج إلى ملتقى عبيد الله بن زياد.

وقد كان سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة الفزاري؛ وهما من شيعة علي ومن كبار أصحابه، خرجا في ربيع الآخر يطلبون بدم الحسين بظاهر الكوفة في أربعة آلاف، ونادوا: يا لثارات الحسين، وتعبدوا بذلك، ولكن ثبط المختار جماعة وقال: إن سليمان لا يصنع شيئا، إنما يلقي بالناس إلى التهلكة، ولا خبرة له بالحرب، وقام سليمان في أصحابه فحض على الجهاد، وقال: من أراد الدنيا فلا يصحبنا، ومن أراد وجه الله والثواب في الآخرة فذلك منا، وقام صخر بن حذيفة المزني فقال: آتاك الله الرشد، أيها الناس، إنما أخرجتنا التوبة من ذنبنا والطلب بدم ابن بنت نبينا، ليس معنا دينار ولا درهم، إنما نقدم على حد السيوف. وقام عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي في قومه، فدخل على سليمان بن صرد، فقال: إنما خرجنا نطلب بدم الحسين، وقتلته كلهم بالكوفة؛ عمر بن سعد، وأشراف القبائل، فقالوا: لقد جاء برأي، وما نلقى إن سرنا إلى الشام إلا عبيد الله بن زياد، فقال سليمان: أنا أرى أنه هو الذي قتله، وعبأ الجنود وقال: لا أمان له عندي دون أن يستسلم فأمضي فيه حكمي، فسيروا إليه، وكان عمر

ص: 602

ابن سعد في تلك الأيام خائفا، لا يبيت إلا في قصر الإمارة، فخرج عبد الله بن يزيد الخطمي وإبراهيم بن محمد فأتيا سليمان بن صرد، فقال: إنكم أحب أهل بلدنا إلينا، فلا تفجعونا بأنفسكم، ولا تنقصوا عددنا بخروجكم، أقيموا معنا حتى نتهيأ، فإذا علمنا أن عدونا قد شارف بلادنا خرجنا كلنا فقاتلناه، فقال سليمان: قد خرجنا لأمر، ولا نرانا إلا شاخصين إن شاء الله، قال: فأقيموا حتى نعبئ معكم جيشا كثيفا، فقال: سأنظر ويأتيك رأيي. ثم سار، وخرج معه كل مستميت، وانقطع عنه بشر كثير، فقال سليمان: ما أحب أن من تخلف عنكم معكم، وأتوا قبر الحسين فبكوا، وأقاموا يوما وليلة يصلون عليه ويستغفرون له، وقال سليمان: يا رب، إنا قد خذلناه، فاغفر لنا وتب علينا.

ثم أتاهم كتاب عبد الله بن يزيد من الكوفة ينشدهم الله ويقول: أنتم عدد يسير، وإن جيش الشام خلق، فلم يلووا عليه، ثم قدموا قرقيسياء، فنزلوا بظاهرها وبها زفر بن الحارث الكلابي قد حصنها، فأتى بابها المسيب بن نجبة، فأخبروا به زفر فقال: هذا فارس مضر الحمراء كلها، وهو ناسك دين، فأذن له ولاطفه، فقال: ممن نتحصن، إنا والله ما إياكم نريد، فأخرجوا لنا سوقا، فأمر لهم بسوق، وأمر للمسيب بفرس، وبعث إليهم من عنده بعلف كثير، وبعث إلى وجوه القوم بعشر جزائز عشر جزائر وعلف وطعام، فما احتاجوا إلى شراء شيء من السوق، إلا مثل سوط أو ثوب، وخرج فشيعهم وقال: إنه قد بعث خمسة أمراء قد فصلوا من الرقة؛ حصين بن نمير السكوني، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وأدهم بن محرز الباهلي، وربيعة بن المخارق الغنوي، وجبلة الخثعمي، وهم عدد كثير، فقال سليمان: على الله توكلنا، قال زفر: فتدخلون مدينتنا، ويكون أمرنا واحدا، ونقاتل معكم، فقال: قد أرادنا أهل بلدنا على ذلك فلم نفعل، قال: فبادروهم إلى عين الوردة، فاجعلوا المدينة في ظهوركم، ويكون الرستاق والماء في أيديكم، ولا تقاتلوهم في فضاء، فإنهم أكثر منكم فيحيطون بكم، ولا تراموهم، ولا تصفوا لهم، فإني لا أرى معكم رجالا والقوم ذوو رجال وفرسان، والقوهم كراديس.

ص: 603

قال: فعبأ سليمان بن صرد كتائبه، وانتهى إلى عين الوردة، فنزل في غربيها وأقام خمسا، فاستراحوا وأراحوا خيولهم، ثم قال سليمان: إن قتلت فأميركم المسيب، فإن أصيب فالأمير عبد الله بن سعد بن نفيل، فإن قتل فالأمير عبد الله بن وال، فإن قتل فالأمير رفاعة بن شداد، رحم الله من صدق ما عاهد الله عليه، ثم جهز المسيب بن نجبة في أربعمائة، فانقضوا على مقدمة القوم وعليها شرحبيل بن ذي الكلاع، وهم غارون، فقاتلوهم فهزموهم، وأخذوا من خيلهم وأمتعتهم وردوا، فبلغ الخبر عبيد الله بن زياد، فجهز إليهم الحصين بن نمير في اثني عشر ألفا، ثم أردفهم بشرحبيل في ثمانية آلاف، ثم أمدهم من الصباح بأدهم بن محرز في عشرة آلاف، ووقع القتال، ودام الحرب ثلاثة أيام واقتتلوا قتالا لم ير مثله، وقتل من الشاميين خلق كثير، وقتل من التوابين، وكذا كانوا يسمون؛ لأنهم تابوا إلى الله من خذلان الحسين رضي الله عنه، فاستشهد أمراؤهم الأربعة، ثم تحيز رفاعة بمن بقي ورد إلى الكوفة، وكان المختار في الحبس، فكتب إلى رفاعة بن شداد: مرحبا بمن عظم الله لهم الأجر فأبشروا، إن سليمان قضى ما عليه، ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون، إني أنا الأمير المأمور، وقاتل الجبارين، فأعدوا واستعدوا، وكان قد حبسه الأميران إبراهيم بن محمد بن طلحة وعبد الله بن يزيد الخطمي، فبقي أشهرا، ثم بعث عبد الله بن عمر يشفع فيه إلى الأميرين، فضمنوه جماعة وأخرجوه، وحلفوه فحلف لهما مضمرا للشر، فشرعت الشيعة تختلف إليه وأمره يستفحل.

وكانت الكعبة احترقت في العام الماضي من مجمر، علقت النار في الأستار، فأمر ابن الزبير في هذا العام بهدمها إلى الأساس، وأنشأها محكمة، وأدخل من الحجر فيها سعة ستة أذرع، لأجل الحديث الذي حدثته خالته أم المؤمنين عائشة، ثم إنه لما نقضها ووصلوا إلى الأساس، عاينوه آخذا بعضه ببعض كأسنمة البخت، وأن الستة الأذرع من جملة الأساس، فبنوا على ذلك ولله الحمد، وألصقوا داخلها بالأرض، لم يرفعوا داخلها، وعملوا لها بابا آخر في ظهرها، ثم سده الحجاج، فذلك بين للناظرين، ثم قصر تلك الستة الأذرع فأخرجها من البيت، ودك تلك

ص: 604

الحجارة في أرض البيت، حتى علا كما هو في زماننا، زاده الله تعظيما.

وغلب في هذه السنة عبد الله بن خازم على خراسان، وغلب معاوية الكلابي على السند، إلى أن قدم الحجاج البحرين، وغلب نجدة الحروري على البحرين وعلى بعض اليمن.

وأما عبيد الله بن زياد فإنه بعد وقعة عين الوردة مرض بأرض الجزيرة، فاحتبس بها وبقتال أهلها عن العراق نحوا من سنة، ثم قصد الموصل وعليها عامل المختار كما يأتي.

‌سنة ست وستين

توفي فيها جابر بن سمرة وزيد بن أرقم على الأصح فيهما، وهبيرة بن يريم، وأسماء بن خارجة الفزاري. وقتل عبيد الله بن زياد بن أبيه، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وحصين بن نمير السكوني، وقيل: إنما قتلوا في أول سنة سبع وستين.

وفي أثناء السنة عزل ابن الزبير عن الكوفة أميريها وأرسل عليها عبد الله بن مطيع، فخرج من السجن المختار، وقد التف عليه خلق من الشيعة، وقويت بليته، وضعف ابن مطيع معه، ثم إنه توثب بالكوفة، فناوشه طائفة من أهل الكوفة القتال، فقتل منهم رفاعة بن شداد وعبد الله بن سعد بن قيس، وغلب على الكوفة، وهرب منه عبد الله بن مطيع إلى ابن الزبير، وجعل يتتبع قتلة الحسين، وقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص وشمر بن ذي الجوشن الضبابي وجماعة، وافترى على الله أنه يأتيه جبريل بالوحي، فلهذا قيل له: المختار الكذاب، كما قالوا: مسيلمة الكذاب. ولما قويت شوكته في هذا العام كتب إلى ابن الزبير يحط على عبد الله بن مطيع، ويقول: رأيته مداهنا لبني أمية، فلم يسعني أن أقره على ذلك وأنا على طاعتك، فصدقه ابن الزبير وكتب إليه بولاية الكوفة، فكفاه جيش عبيد الله بن زياد، وأخرج من عنده إبراهيم بن الأشتر، وقد جهزه لحرب ابن زياد في ذي الحجة، وشيعه المختار إلى دير ابن أم الحكم، واستقبل إبراهيم أصحاب

ص: 605

المختار قد حملوا الكرسي الذي قال لهم المختار: هذا فيه سر، وإنه آية لكم كما كان التابوت آية لبني إسرائيل، قال: وهم يدعون حول الكرسي ويحفون به، فغضب ابن الأشتر وقال: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، سنة بني إسرائيل إذ عكفوا على العجل.

وافتعل المختار كتابا عن ابن الحنفية يأمره فيه بنصر الشيعة، فذهب بعض الأشراف إلى ابن الحنفية، فقال: وددت أن الله انتصر لنا بمن شاء، فتوثب إبراهيم بن الأشتر، وكان بعيد الصوت كثير العشيرة، فخرج بالليل وقتل إياس بن مضارب أمير الشرطة، ودخل على المختار فأخبره، ففرح ونادى أصحابه في الليل بشعارهم، واجتمعوا فعسكر المختار بدير هند، وخرج أبو عثمان النهدي فنادى: يا ثارات الحسين، ألا إن أمير آل محمد قد خرج.

ثم التقى الفريقان من الغد، فاستظهر المختار، ثم اختفى ابن مطيع، وأخذ المختار يعدل ويحسن السيرة، وبعث في السر إلى ابن مطيع بمائة ألف - وكان صديقه قبل ذلك - وقال: تجهز بهذه واخرج، فقد شعرت أين أنت، ووجد المختار في بيت المال سبعة آلاف ألف، فأنفق في جنده وقواهم.

قال ابن المبارك، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة: حدثني معبد بن خالد قال: حدثني طفيل بن جعدة بن هبيرة قال: كان لجار لي زيات كرسي، وكنت قد احتجت، فقلت للمختار: إني كنت أكتمك شيئا، وقد بدا لي أن أذكره. قال: وما هو؟ قلت: كرسي كان لأبي يجلس عليه، كان يرى أن فيه أثرة من علم، قال: سبحان الله، أخرته إلى اليوم! قال: وكان ركبه وسخ شديد، فغسل وخرج عوادا نضارا، فجيء به وقد غشي، فأمر لي باثني عشر ألفا، ثم دعا: الصلاة جامعة، فاجتمعوا فقال: إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله، وإنه كان في بني إسرائيل التابوت، وإن فينا مثل التابوت، اكشفوا عن هذا، فكشفوا الأثواب، وقامت السبئية فرفعوا أيديهم، فقام شبث من ربعي ينكر، فضرب.

فلما قتل عبيد الله بن زياد وجنده المقتلة الآتية ازداد أصحابه به فتنة،

ص: 606

وتغالوا فيه حتى تعاطوا الكفر، فقلت: إنا لله، وندمت على ما صنعت، فتكلم الناس في ذلك فغيب، قال معبد: فلم أره بعد.

قال محمد بن جرير: ووجه المختار في ذي الحجة ابن الأشتر لقتال ابن زياد، وذلك بعد فراغ المختار من قتال أهل السبيع وأهل الكناسة الذين خرجوا على المختار وأبغضوه من أهل الكوفة، وأوصى ابن الأشتر وقال: هذا الكرسي لكم آية، فحملوه على بغل أشهب، وجعلوا يدعون حوله ويضجون، ويستنصرون به على قتال أهل الشام، فلما اصطلم أهل الشام ازداد شيعة المختار بالكرسي فتنة، فلما رآهم كذلك إبراهيم بن الأشتر تألم وقال: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، سنة بني إسرائيل إذ عكفوا على العجل. وكان المختار يربط أصحابه بالمحال والكذب، ويتألفهم بما أمكن، ويتألف الشيعة بقتل قتلة الحسين.

وعن الشعبي قال: خرجت أنا وأبي مع المختار من الكوفة، فقال لنا: أبشروا، فإن شرطة الله قد حسوهم بالسيوف بنصيبين أو بقرب نصيبين، فدخلنا المدائن، فوالله إنه ليخطبنا إذ جاءته البشرى بالنصر، فقال: ألم أبشركم بهذا؟ قالوا: بلى والله. قال: يقول لي رجل همداني من الفرسان: أتؤمن الآن يا شعبي؟ قلت: بماذا؟ قال: بأن المختار يعلم الغيب، ألم يقل: إنهم انهزموا؟ قلت: إنما زعم أنهم هزموا بنصيبين، وإنما كان ذلك بالخازر من الموصل، فقال لي: والله لا تؤمن حتى ترى العذاب الأليم يا شعبي.

وروي أن أحد عمومة الأعشى كان يأتي مجلس أصحابه، فيقول: قد وضع اليوم وحي ما سمع الناس بمثله، فيه نبأ ما يكون من شيء.

وعن موسى بن عامر قال: إنما كان يضع لهم ذلك عبد الله بن نوف ويقول: إن المختار أمرني به، ويتبرأ منها المختار.

وفي المختار يقول سراقة بن مرداس البارقي الأزدي:

كفرت بوحيكم وجعلت نذرا علي هجاكم حتى الممات

ص: 607

أري عيني ما لم ترياه كلانا عالم بالترهات وفيها وقع بمصر طاعون هلك فيه خلق من أهلها.

وفيها ضرب الدنانير بمصر عبد العزيز بن مروان، وهو أول من ضربها في الإسلام.

وفي ذي الحجة التقى عسكر المختار - وكانوا ثلاثة آلاف - وعسكر ابن زياد، فقتل قائد أصحاب ابن زياد، واتفق أن قائد عسكر المختار كان مريضا فمات من الغد، فانكسر بموته أصحابه وتحيزوا.

‌سنة سبع وستين

فيها توفي عدي بن حاتم، والمختار بن أبي عبيد الكذاب، وعمر وعبيد الله ابنا علي بن أبي طالب، وزائدة بن عمير الثقفي، ومحمد بن الأشعث بن قيس الكندي؛ قتل هؤلاء الأربعة في حرب المختار، وقتل عبيد الله وأمراؤه في أول العام.

ذكر وقعة الخازر:

في المحرم، وقيل: كانت يوم عاشوراء، بين إبراهيم بن الأشتر، وكان في ثمانية آلاف من الكوفيين، وبين عبيد الله بن زياد، وكان في أربعين ألفا من الشاميين، فسار ابن الأشتر في هذا الوقت مسرعا يريد أهل الشام قبل أن يدخلوا أرض العراق، فسبقهم ودخل الموصل، فالتقوا على خمسة فراسخ من الموصل بالخازر، وكان ابن الأشتر قد عبأ جيشه، وبقي لا يسير إلا على تعبئة، فلما تقاربوا أرسل عمير بن الحباب السلمي إلى ابن الأشتر: إني معك.

قال: وكان بالجزيرة خلق من قيس وهم أهل خلاف لمروان، وجند مروان يومئذ كلب، وسيدهم ابن بحدل، ثم أتاه عمير ليلا فبايعه، وأخبره أنه على ميسرة ابن زياد، ووعده أن ينهزم بالناس، فقال ابن الأشتر: ما رأيك؛ أخندق على نفسي؟ قال: لا تفعل، إنا لله! هل يريد القوم إلا هذه؟ إن

ص: 608

طاولوك وماطلوك فهو خير لهم، هم أضعافكم، ولكن ناجز القوم، فإنهم قد ملئوا منكم رعبا، وإن شاموا أصحابك وقاتلوهم يوما بعد يوم أنسوا بهم واجترءوا عليهم، فقال: الآن علمت أنك ناصح لي، والرأي ما رأيت، وإن صاحبي بهذا الرأي أمرني. ثم انصرف عمير، وأتقن ابن الأشتر أمره ولم ينم، وصلى بأصحابه بغلس، ثم زحف بهم حتى أشرف على تل مشرف على القوم فجلس عليه، وإذا بهم لم يتحرك منهم أحد، فقاموا على دهش وفشل، وساق ابن الأشتر على أمرائه يوصيهم ويقول: يا أنصار الدين وشيعة الحق، هذا عبيد الله بن مرجانة قاتل الحسين، حال بينه وبين الفرات أن يشرب منه هو وأولاده ونساؤه، ومنعه أن ينصرف إلى بلده، ومنعه أن يأتي ابن عمه يزيد فيصالحه حتى قتله، فوالله ما عمل فرعون مثله، وقد جاءكم الله به، وإني لأرجو أن يشفي صدوركم ويسفك دمه على أيديكم، ثم نزل تحت رايته، فزحف إليه عبيد الله بن زياد، وعلى ميمنته الحصين بن نمير، وعلى ميسرته عمير بن الحباب، وعلى الخيل شرحبيل بن ذي الكلاع، فحمل الحصين على ميسرة ابن الأشتر فحطمها، وقتل مقدمها علي بن مالك الجشمي، فأخذ رايته قرة بن علي فقتل أيضا، فانهزمت الميسرة وتحيزت مع ابن الأشتر، فحمل وجعل يقول لصاحب رايته: انغمس برايتك فيهم، ثم يشد ابن الأشتر، فلا يضرب بسيفه رجلا إلا صرعه، واقتتلوا قتالا شديدا، وكثرت القتلى، فانهزم أهل الشام، فقال ابن الأشتر: قتلت رجلا وجدت منه رائحة المسك، شرقت يداه وغربت رجلاه، تحت راية منفردة على جنب النهر، فالتمسوه فإذا هو عبيد الله بن زياد، قد ضربه فقده نصفين، وحمل شريك التغلبي على الحصين بن نمير فاعتنقا، فقتل أصحاب شريك حصينا، ثم تبعهم أصحاب ابن الأشتر، فكان من غرق في الخازر أكثر ممن قتل. ثم إن إبراهيم بن الأشتر دخل الموصل، واستعمل عليها وعلى نصيبين ودارا وسنجار، وبعث برؤوس عبيد الله والحصين وشرحبيل بن ذي الكلاع إلى المختار، فأرسلها فنصبت بمكة.

وممن قتل مع إبراهيم هبيرة بن يريم، وممن قتله المختار حبيب بن

ص: 609

صهبان الأسدي ومحمد بن عمار بن ياسر بالكوفة.

وفيها وجه المختار أربعة آلاف فارس عليهم أبو عبد الله الجدلي وعقبة بن طارق، فكلم الجدلي عبد الله بن الزبير في محمد ابن الحنفية، وأخرجوه من الشعب، ولم يقدر ابن الزبير على منعهم، وأقاموا في خدمة محمد ثمانية أشهر، حتى قتل المختار وسار محمد إلى الشام.

فأما ابن الزبير فإنه غضب على المختار، وبعث لحربه أخاه مصعب بن الزبير وولاه جميع العراق، فقدم محمد بن الأشعث بن قيس وشبث بن ربعي إلى البصرة يستنصران على المختار، فسير المختار إلى البصرة أحمر بن شميط وأبا عمرة كيسان في جيش من الكوفة حتى نزلوا المذار، فسار إليهم مصعب بأهل البصرة، وعلى ميمنته وميسرته المهلب بن أبي صفرة الأزدي وعمر بن عبيد الله التيمي، فحمل عليهم المهلب فألجأهم إلى دجلة، ورموا بخيولهم في الماء وانهزموا، فاتبعوهم حتى أدخلوهم الكوفة، وقتل أحمر بن شميط وكيسان، وقتل من عسكر مصعب محمد بن الأشعث وعبيد الله بن علي بن أبي طالب، ودخل أهل البصرة الكوفة فحصروا المختار في قصر الإمارة، فكان يخرج في رجاله فيقاتل ويعود إلى القصر، حتى قتله طريف وطراف - أخوان من بني حنيفة - في رمضان، وأتيا برأسه إلى مصعب، فأعطاهما ثلاثين ألفا، وقتل بين الطائفتين سبعمائة. ويقال: كان المختار في عشرين ألفا فقتل أكثرهم، والله أعلم.

وقتل مصعب خلقا بدار الإمارة غدرا بعد أن أمنهم، وقتل عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري امرأة المختار صبرا، لأنها شهدت في المختار أنه عبد صالح.

وبلغنا من وجه آخر أن طائفة من أهل الكوفة لما بلغهم مجيء مصعب تسربوا إليه إلى البصرة، منهم شبث بن ربعي وتحته بغلة قد قطع ذنبها وأذنها، وشق قباءه، وهو ينادي: يا غوثاه، وجاء أشراف أهل الكوفة وأخبروا مصعبا بما جرى، وبوثوب عبيدهم وغلمانهم عليهم مع المختار، ثم قدم عليهم محمد بن الأشعث، ولم يكن شهد وقعة الكوفة، بل كان في

ص: 610

قصر له بقرب القادسية، فأكرمه مصعب وأدناه لشرفه، ثم كتب إلى المهلب بن أبي صفرة - وكان عامل فارس - ليقدم، فتوانى عنه، فبعث مصعب خلفه محمد بن الأشعث، فقال له المهلب: مثلك يأتي بريدا؟ قال: إني والله ما أنا بريد أحد، غير أن نساءنا وأبناءنا غلبنا عليهم عبداؤنا وموالينا، فأقبل المهلب بجيوش وأموال عظيمة، وهيئة ليس بها أحد من أهل البصرة، ولما انهزم جيش المختار انهد لذلك، وقال لنجي له: ما من الموت بد، وحبذا مصارع الكرام، ثم حصن القصر، ودام الحصار أياما، وفي أواخر الأمر كان المختار يخرج فيقاتل هو وأصحابه قتالا ضعيفا، ثم جهدوا وقل عليهم القوت والماء، وكان نساؤهم يجئن بالشيء اليسير خفية، فضايقهم جيش مصعب، وفتشوا النساء، فقال المختار: ويحكم! انزلوا بنا نقاتل حتى نقتل كراما، وما أنا بآيس إن صدقتموهم أن تنصروا، فضعفوا، فقال: أما أنا فلا والله لا أعطي بيدي، فاملس عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي فاختبأ، وأرسل المختار إلى امرأته بنت سمرة بن جندب، فأرسلت إليه بطيب كثير، ثم اغتسل وتحنط وتطيب، ثم خرج حوله تسعة عشر رجلا، فيهم السائب بن مالك الأشعري خليفته على الكوفة، فقال للسائب: ما ترى؟ قال: أنا أرى أم الله يرى؟ قال: بل الله يرى، ويحك! أحمق أنت؟ إنما أنا رجل من العرب، رأيت ابن الزبير انتزى على الحجاز، ورأيت نجدة انتزى على اليمامة، ورأيت مروان انتزى على الشام، فلم أكن بدونهم، فأخذت هذه البلاد فكنت كأحدهم، إلا أني طلبت بثأر أهل البيت، فقاتل على حسبك إن لم يكن لك نية، قال: إنا لله! وما كنت أصنع بحسبي؟ وقال لهم المختار: أتؤمنوني؟ قالوا: لا، إلا على الحكم. قال: لا أحكم في نفسي، ثم قاتل حتى قتل، ثم أمكن أهل القصر من أنفسهم، فبعث إليه مصعب عباد بن الحصين، فكان يخرجهم مكتفين، ثم قتل سائرهم. فقيل: إن رجلا منهم قال لمصعب: الحمد لله الذي ابتلانا بالإسار وابتلاك أن تعفو عنا، وهما منزلتان إحداهما رضا الله والأخرى سخطه، من عفا عفا الله عنه، ومن عاقب لم يأمن القصاص، يا ابن الزبير نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم، لسنا

ص: 611

تركا ولا ديلما، فإن خالفنا إخواننا من أهل المصر، فإما أن نكون أصبنا وأخطأوا، وإما أن نكون أخطأنا وأصابوا فاقتتلنا كما اقتتل أهل الشام بينهم، ثم اصطلحوا واجتمعوا، وقد ملكتم فاسجحوا، وقد قدرتم فاعفوا، فرق لهم مصعب، وأرد أن يخلي سبيلهم، فقام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فقال: تخلي سبيلهم؟ اخترنا أو اخترهم، ووثب محمد بن عبد الرحمن الهمداني فقال: قتل أبي وخمسمائة من همدان وأشراف العشيرة ثم تخليهم؟ ووثب أهل كل بيت، فأمر بقتلهم، فنادوا: لا تقتلنا واجعلنا مقدمتك إلى أهل الشام غدا، فوالله ما بك عنا غنى، فإن ظفرنا فلكم، وإن قتلنا لم نقتل حتى نرقهم لكم، فأبى، فقال مسافر بن سعيد: ما تقول لله غدا إذا قدمت عليه وقد قتلت أمة من المسلمين صبرا حكموك في دمائهم أن لا تقتل نفسا مسلمة بغير نفس، فإن كنا قتلنا عدة رجال منكم فاقتلوا عدة منا وخلوا سبيل الباقي، فلم يستمع له، ثم أمر بكف المختار، فقطعت وسمرت إلى جانب المسجد، وبعث عماله إلى البلاد، وكتب إلى ابن الأشتر يدعوه إلى طاعته ويقول: إن أجبتني فلك الشام وأعنة الخيل. وكتب عبد الملك بن مروان أيضا إلى ابن الأشتر: إن بايعتني فلك العراق، ثم استشار أصحابه فترددوا، ثم قال: لا أؤثر على مصري وعشيرتي أحدا، ثم سار إلى مصعب.

قال أبو غسان مالك بن إسماعيل: حدثنا إسحاق بن سعيد، عن سعيد قال: جاء مصعب إلى ابن عمر - يعني لما وفد على أخيه ابن الزبير - فقال: أي عم، أسألك عن قوم خلعوا الطاعة وقاتلوا، حتى إذا غلبوا تحصنوا وسألوا الأمان فأعطوا، ثم قتلوا بعد، قال: وكم العدد؟ قال: خمسة آلاف، قال: فسبح ابن عمر، ثم قال: عمرك الله يا مصعب، لو أن امرءا أتى ماشية للزبير فذبح منها خمسة آلاف شاة في غداة، أكنت تعده مسرفا؟ قال: نعم، قال: فتراه إسرافا في البهائم وقتلت من وحد الله، أما كان فيهم مستكره أو جاهل ترجى توبته؟! أصب يا ابن أخي من الماء البارد ما استطعت في دنياك.

ص: 612

وكان المختار محسنا إلى ابن عمر، يبعث إليه بالجوائز والعطايا لأنه كان زوج أخت المختار صفية بنت أبي عبيد، وكان أبوهما أبو عبيد الثقفي رجلا صالحا، استشهد يوم جسر أبي عبيد، والجسر مضاف إليه، وبقي ولداه بالمدينة.

فقال ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن أم بكر بنت المسور. وعن رباح بن مسلم، عن أبيه. وإسماعيل بن إبراهيم المخزومي، عن أبيه؛ قالوا: قدم أبو عبيد من الطائف، وندب عمر الناس إلى أرض العراق، فخرج أبو عبيد إليها فقتل، وبقي المختار بالمدينة، وكان غلاما يعرف بالانقطاع إلى بني هاشم، ثم خرج في آخر خلافة معاوية إلى البصرة، فأقام بها يظهر ذكر الحسين، فأخبر بذلك عبيد الله بن زياد، فأخذه وجلده مائة، ودرعه عباءة وبعث به إلى الطائف، فلم يزل بها حتى قام ابن الزبير فقدم عليه.

وقال الطبري في تاريخه: كانت الشيعة تكره المختار لما كان منه في أمر الحسن بن علي يوم طعن، ولما قدم مسلم بن عقيل الكوفة بين يدي الحسين نزل دار المختار، فبايعه وناصحه دكان بأبيض المدائن، فخرج ابن عقيل يوم خرج والمختار في قرية له، فجاءه خبر ابن عقيل أنه ظهر بالكوفة، ولم يكن خروجه على ميعاد من أصحابه، إنما خرج لما بلغه أن هانئ بن عروة قد ضرب وحبس، فأقبل المختار في مواليه وقت المغرب، فلما رأى الوهن نزل تحت راية عبيد الله بن زياد، فقال: إنما جئت لتنصر مسلم بن عقيل، فقال: كلا، فلم يقبل منه، وضربه بقضيب شتر عينه، وسجنه.

ثم إن عبد الله بن عمر كتب فيه إلى يزيد لما بكت صفية أخت المختار على زوجها ابن عمر، فكتب: إن ابن زياد حبس المختار، وهو صهري، وأنا أحب أن يعافى ويصلح، قال: فكتب يزيد إلى عبيد الله فأخرجه، وقال: إن أقمت بالكوفة بعد ثلاث برئت منك الذمة، فأتى الحجاز، واجتمع بابن

ص: 613

الزبير، فحضه على أن يبايع الناس، فلم يسمع منه، فغاب عنه بالطائف نحو سنة، ثم قدم عليه فرحب به وتحادثا، ثم إن المختار خطب وقال: إني جئت لأبايعك على أن لا تقضي الأمور دوني، وإذا ظهرت استعنت بي على أفضل عملك، فقال ابن الزبير: أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه، فقال المختار: شر غلماني أنت مبايعه على هذا، مالي في هذا حظ، فبايعه ابن الزبير على ما طلب، وشهد معه حصار حصين بن نمير له، وأبلى بلاء حسنا، وأنكى في عسكر الشام.

ثم بعد ذلك جاءته الأخبار أن الكوفة كغنم بلا راع، وكان رأي ابن الزبير أن لا يستعمله، فمضى بلا أمر إلى الكوفة، ودخلها متجملا في الزينة والثياب الفاخرة، وجعل كلما مر على أحد من الشيعة الأشراف قال: أبشر بالنصر واليسر، ثم يعدهم أن يجتمع بهم في داره، قال: ثم أظهر لهم أن المهدي محمد ابن الوصي - يعني ابن الحنفية - بعثني إليكم ظهيرا وأمينا ووزيرا وأميرا، وأمرني بقتال قتلة الحسين والطلب بدماء أهل البيت، فهويته طائفة، ثم حبسه متولي الكوفة عبد الله بن يزيد، ثم إنه قويت أنصاره واستفحل شره، وأباد طائفة من قتلة الحسين، واقتص الله من الظلمة بالفجرة، ثم سلط على المختار مصعبا، ثم سلط على مصعب عبد الملك:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}

واستعمل مصعب على أذربيجان والجزيرة المهلب بن أبي صفرة الأزدي.

‌سنة ثمان وستين

توفي فيها عبد الله بن عباس، وأبو شريح الخزاعي، وأبو واقد الليثي، وعبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، وعابس بن سعيد الغطيفي قاضي مصر، وملك الروم قسطنطين بن قسطنطين - لعنه الله - في قول. وتوفي فيها في قول زيد بن خالد الجهني وزيد بن أرقم.

وفيها عزل ابن الزبير أخاه مصعبا عن العراق، وأمر عليها ولده حمزة بن عبد الله، واستعمل على المدينة جابر بن الأسود الزهري، فأراد من

ص: 614

سعيد بن المسيب أن يبايع لابن الزبير فامتنع، فضربه ستين سوطا. كذا قال خليفة.

وقال المسبحي: عزل ابن الزبير عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس عن المدينة لكونه ضرب سعيد بن المسيب ستين سوطا في بيعة ابن الزبير، فلامه ابن الزبير على ذلك وعزله.

وفيها كان مرجع الأزارقة من نواحي فارس إلى العراق، حتى قاربوا الكوفة ودخلوا المدائن، فقتلوا الرجال والنساء، وعليهم الزبير بن الماحوز، وقد كان قاتلهم عمر بن عبيد الله التيمي أمير البصرة بسابور، ثم ساقوا على حمية إلى العراق، وصاح أهل الكوفة بأميرهم الحارث بن أبي ربيعة الملقب بالقباع، وقالوا: انهض، فهذا عدو ليست له بقية، فنزل بالنخيلة، فقام إليه إبراهيم بن الأشتر فقال: قد سار إلينا عدو يقتل المرأة والمولود ويخرب البلاد، فانهض بنا إليه، فرحل بهم ونزل دير عبد الرحمن، فأقام أياما حتى دخل إليه شبث بن ربعي فكلمه بنحو كلام إبراهيم، فارتحل ولم يكد، فلما رأى الناس بطء سيره رجزوا فقالوا:

سار بنا القباع سيرا نكرا يسير يوما ويقيم شهرا فأتى الصراة وقد انتهى إليها العدو، فلما رأوا أن أهل الكوفة قد ساروا إليهم قطعوا الجسر، فقال ابن الأشتر للحارث القباع: اندب معي الناس حتى أعبر إلى هؤلاء الكلاب فأجيئك برؤوسهم الساعة، فقال شبث بن ربعي وأسماء بن خارجة: دعهم فليذهبوا، لا تبدأوهم بقتال، وكأنهم حسدوا ابن الأشتر.

قال: ثم إن الحارث عمل الجسر، وعبر الناس إليهم فطاروا حتى أتوا المدائن، فجهز خلفهم عسكرا فذهبوا إلى أصبهان، وحاصروها شهرا حتى أجهدوا أهلها، فدعاهم متوليها عتاب بن ورقاء وخطبهم وحضهم على مناجزة الأزارقة فأجابوه، فجمع الناس وعشاهم وأشبعهم، وخرج بهم سحرا، فصبحوا الأزارقة بغتة، وحملوا حتى وصلوا إلى الزبير بن

ص: 615

الماحوز، فقاتل حتى قتل في جماعة من عصابته، فانحازت الأزارقة إلى قطري بن الفجاءة فبايعوه بالخلافة، فرحل بهم، وأتى ناحية كرمان، وجمع الأموال والرجال، ثم نزل إلى الأهواز، فسير مصعب لقتالهم لما أكلبوا الناس المهلب بن أبي صفرة، فالتقوا بسولاف غير مرة، ودام القتال ثمانية أشهر.

وفيها كان مقتل عبيد الله بن الحر، وكان صالحا عابدا كوفيا، خرج إلى الشام وقاتل مع معاوية، فلما استشهد علي رضي الله عنه رجع إلى الكوفة وخرج عن الطاعة، وتبعه طائفة، فلما مات معاوية قوي وصار معه سبعمائة رجل، وعاث في مال الخراج بالمدائن، وأفسد بالسواد في أيام المختار، فلما كان مصعب ظفر به وسجنه، ثم شفعوا فيه فأخرجوه، فعاد إلى الفساد والخروج، فندم مصعب ووجه عسكرا لحربه فكسرهم، ثم في الآخر قتل.

‌سنة تسع وستين

توفي فيها قبيصة بن جابر الكوفي، وأبو الأسود الدؤلي صاحب النحو.

وكان في أولها طاعون الجارف بالبصرة، فقال المدائني: حدثني من أدرك الجارف قال: كان ثلاثة أيام، فمات فيها في كل يوم نحو من سبعين ألفا.

قال خليفة: قال أبو اليقظان: مات لأنس بن مالك في طاعون الجارف ثمانون ولدا، ويقال: سبعون.

وقيل: مات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ولدا، وقل الناس جدا بالبصرة، وعجزوا عن الموتى، حتى كانت الوحوش تدخل البيوت فتصيب منهم. وماتت أم أمير البصرة، فلم يجدوا من يحملها إلا أربعة. ومات لصدقة بن عامر المازني في يوم واحد سبعة بنين، فقال: اللهم إني مسلم مسلم، ولما كان يوم الجمعة خطب الخطيب ابن عامر، وليس في المسجد

ص: 616

إلا سبعة أنفس وامرأة، فقال: ما فعلت الوجوه؟ فقالت المرأة: تحت التراب.

وقد ورد أنه مات في الطاعون عشرون ألف عروس، وأصبح الناس في رابع يوم ولم يبق حيا إلا القليل، فسبحان من بيده الأمر.

وممن قيل إنه توفي فيها يعقوب بن بحير بن أسيد، وقيس بن السكن، ومالك بن يخامر السكسكي، والأحنف بن قيس، وحسان بن فائد العبسي، ومالك بن عامر الوادعي، وحريث بن قبيصة.

قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن حبيب بن فليح قال: ركبني دين، فجلست يوما إلى سعيد بن المسيب، فجاءه رجل فقال: إني رأيت كأني أخذت عبد الملك بن مروان، فوتدت في ظهره أربعة أوتاد، فقال: ما رأيت ذا، فأخبرني من رآها؟ قال: أرسلني إليك ابن الزبير بها، قال: يقتله عبد الملك، ويخرج من صلب عبد الملك أربعة كلهم يكون خليفة، فركبت إلى عبد الملك فسر بذلك، وأمر لي بخمسمائة دينار وثياب.

وفيها أعاد ابن الزبير أخاه مصعبا إلى إمرة العراق، لضعف حمزة بن عبد الله عن الأمور وتخليطه، فقدمها مصعب، فتجهز وسار يريد الشام في جيش كبير، وسار إلى حربه عبد الملك، فسار كل منهما إلى آخر ولايته، وهجم عليهما الشتاء فرجعا.

قال خليفة: كانا يفعلان ذلك في كل عام حتى قتل مصعب، واستناب مصعب على عمله إبراهيم بن الأشتر.

وفيها عقد عبد العزيز بن مروان أمير مصر لحسان الغساني على غزو إفريقية، فسار إليها في عدد كثير، فافتتح قرطاجنة، وأهلها إذ ذاك روم عباد صليب.

ص: 617

وفيها قتل نجدة الحروري؛ مال عليه أصحاب ابن الزبير، وقيل: اختلف عليه أصحابه فقتلوه.

‌سنة سبعين

توفي فيها عاصم بن عمر بن الخطاب، ومالك بن يخامر، وبشير بن النضر قاضي مصر، وعمرو بن سعيد الأشدق، وبخلف الحارث الأعور. وفيها أم كلثوم بنت سهل بن الأبرد الأنصاري، وعمير بن الحباب، وبشير بن عقربة، ويقال: بشر الجهني صحابي له حديثان، وأبو الجلد.

ويقال: إن طاعون الجارف المذكور كان فيها.

وفيها كان الوباء بمصر، فهرب منه عبد العزيز بن مروان إلى الشرقية، فنزل حلوان واتخذها منزلا، واشتراها من القبط بعشرة آلاف دينار، وبنى بها دار الإمارة والجامع، وأنزلها الجند والحرس.

وفيها ثارت الروم واستجاشوا على أهل الشام، وعجز عبد الملك بن مروان عنهم لاشتغاله بخصمه ابن الزبير، فصالح ملك الروم على أن يؤدي إليه في كل جمعة ألف دينار.

وفيها وفد مصعب بن الزبير من العراق إلى مكة على أخيه أمير المؤمنين عبد الله بأموال عظيمة وتحف وأشياء فاخرة.

ص: 618

بسم الله الرحمن الرحيم

‌ذكر أهل هذه الطبقة

1 -

ع:‌

‌ الأحنف بن قيس التميمي السعدي

.

أدرك الجاهلية، ورخه في سنة سبع وستين يعقوب الفسوي، والأصح وفاته سنة اثنتين وسبعين.

2 -

4:‌

‌ أسامة بن شريك الذبياني الثعلبي

.

له صحبة ورواية. روى عنه زياد بن علاقة، وعلي بن الأقمر، وغيرهما. حديثه في السنن الأربعة، وعداده في الكوفيين.

3 -

‌ أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري

، أبو حسان، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو هند. من أشراف الكوفة.

روى عن علي، وابن مسعود. وعنه ابنه مالك، وعلي بن ربيعة. وله وفادة على عبد الملك بن مروان، وفيه يقول القطامي:

إذا مات ابن خارجة بن حصن فلا مطرت على الأرض السماء ولا رجع البريد بغنم جيش ولا حملت على الطهر النساء قال شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، قال: فاخر أسماء بن خارجة رجلا فقال: أنا ابن الأشياخ الكرام، فقال عبد الله: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم الخليل. إسناده ثابت.

وقال مروان بن معاوية: أتيت الأعمش، فقال: ممن أنت؟ فقلت: أنا مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان بن أسماء بن خارجة الفزاري، فقال: لقد قسم جدك أسماء بن خارجة قسما فنسي جارا له، فاستحيا أن يعطيه وقد بدأ بغيره، فدخل عليه، وصب عليه المال صبا، أفتفعل أنت شيئا من ذلك؟

ص: 619

قال خليفة: توفي سنة ست وستين.

4 -

4:‌

‌ أسماء بنت يزيد بن السكن

، أم عامر، ويقال: أم سلمة، الأنصارية الأشهلية.

بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وروت جملة أحاديث، وقتلت بعمود خبائها يوم اليرموك تسعة من الروم، وسكنت دمشق. روى عنها شهر بن حوشب، ومجاهد، ومولاها مهاجر، وابن أخيها محمود بن عمرو، وإسحاق بن راشد.

قال عبد بن حميد: أسماء بنت يزيد هي أم سلمة الأنصارية.

قلت: وقبر أم سلمة بباب الصغير، وهي إن شاء الله هذه، وقد روي أنها شهدت الحديبية، وبايعت يومئذ.

وروى محمد بن مهاجر وأخوه عمرو عن أبيهما، عن أسماء بنت يزيد بنت عم معاذ بن جبل، قالت: قتلت يوم اليرموك تسعة.

5 -

‌ أسيد بن ظهير بن رافع الأنصاري الأوسي

، ابن عم رافع بن خديج، وقيل: ابن أخيه، وأخو عباد بن بشر لأمه.

شهد الخندق وغيره، وأبوه عقبي. لأسيد أحاديث؛ روى عنه ابنه رافع، ومجاهد، وعكرمة بن خالد، وغيرهم. عداده في أهل المدينة، وروى عن رافع بن خديج.

توفي سنة خمس وستين.

6 -

م:‌

‌ أفلح، مولى أبي أيوب الأنصاري

.

روى عن أبي أيوب، وعمر، وزيد بن ثابت. روى عنه نسيبه محمد بن سيرين، وعبد الله بن الحارث، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.

وثقه أحمد بن عبد الله العجلي، وقتل يوم الحرة هو وابنه كثير بن أفلح.

ص: 620

قال الواقدي: هو من سبي عين التمر في خلافة أبي بكر.

قال هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين: إن أبا أيوب كاتب أفلح على أربعين ألفا، فجعلوا يهنئونه، فندم أبو أيوب وقال: أحب أن ترد الكتاب وترجع كما كنت، فجاءه بمكاتبته فكسرها، ثم مكث ما شاء الله، فقال له أبو أيوب: أنت حر، وما كان لك من مال فهو لك.

قال ابن سعد: كان ثقة، يكنى أبا كثير.

7 -

‌ إياس بن قتادة العبشمي

، ابن أخت الأحنف بن قيس.

بصري نبيل، ولي قضاء الري.

8 -

ع:‌

‌ بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث

، أبو عبد الله الأسلمي، نزيل البصرة.

أسلم قبل غزوة بدر، وله عدة مشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أحاديث، سكن مرو في آخر عمره، وبها قبره. روى عنه ابناه عبد الله وسليمان، والشعبي، وأبو المليح بن أسامة، وجماعة.

توفي في سنة اثنتين وستين على الأصح.

قال ابن سعد: غزا خراسان زمن عثمان. أخبرنا أبو النضر قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا محمد بن أبي يعقوب قال: حدثني من سمع بريدة الأسلمي وراء نهر بلخ وهو يقول: لا عيش إلا طراد الخيل بالخيل.

وقال بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: شهدت خيبر، فكنت فيمن صعد الثلمة، فقاتلت حتى رئي مكاني، وعلي ثوب أحمر، فما أعلم أني ركبت في الإسلام ذنبا أعظم علي منه؛ للشهرة.

قلت: روي له أكثر من مائة وخمسين حديثا.

ص: 621

9 -

:‌

‌ بشير بن عقربة

، ويقال: بشر، أبو اليمان الجهني.

صحابي له حديثان.

قال سعيد بن منصور: حدثنا حجر بن الحارث الرملي، عن عبد الله بن عوف الكناني عامل الرملة لعمر بن عبد العزيز، قال: شهدت عبد الملك بن مروان قال لبشير بن عقربة يوم قتل عمرو بن سعيد: قد احتجت يا أبا اليمان إلى كلامك اليوم فقم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قام بخطبة لا يلتمس إلا رياء وسمعة وقفه الله يوم القيامة موقف رياء وسمعة.

10 -

‌ بشير بن النضر بن بشير بن عمرو

، قاضي مصر.

توفي في أول سنة سبعين، وولي القضاء بعده عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني، وكان رزقه في العام ألف دينار.

11 -

‌ تميم بن حذلم

، أبو سلمة الضبي الكوفي المقرئ.

عرض القرآن على ابن مسعود، وروى عنه عثمان بن يسار، وإبراهيم النخعي، والعلاء بن بدر، والركين الضبي، وابنه أبو الخير بن تميم، وغيرهم. وقد أدرك أبا بكر وعمر.

قال جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن تميم بن حذلم قال: قرأت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام.

وقال هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم أن تميم بن حذلم الضبي قرأ على ابن مسعود، فلم يغير عليه إلا قوله:{وَكُلٌّ أَتَوْهُ} ؛ مده تميم وقصره ابن مسعود، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} ؛ قرأها

ص: 622

ابن مسعود مخففة.

12 -

‌ ثور بن معن بن يزيد بن الأخنس السلمي

، أحد الأشراف.

قتل بمرج راهط مع الضحاك، ولأبيه صحبة، وقد عاش بعد ثور أبوه.

13 – ع:‌

‌ جابر بن سمرة بن جنادة

، أبو عبد الله، ويقال: أبو خالد السوائي، وقيل: اسم جنادة: عمرو.

له ولأبيه سمرة صحبة، نزل الكوفة، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن خاله سعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب. روى عنه تميم بن طرفة، وسماك بن حرب، وعبد الملك بن عمير، وجماعة. وحديثه في الكتب كثير.

قيل: توفي سنة ست وستين.

14 -

‌ جابر بن عتيك بن قيس

، ويقال: جبر، أبو عبد الله الأنصاري، أحد بني عمرو بن عوف.

من كبار الصحابة، اتفقوا على أنه شهد بدرا، وتوفي في سنة إحدى وستين، وله إحدى وتسعون سنة.

ورخ موته ابن سعد، وخليفة، وابن زبر، وابن منده، وغيرهم. وكانت معه راية بني معاوية بن مالك بن الأوس يوم الفتح.

وفي الموطأ عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن جده لأمه عتيك بن الحارث قال: أخبرني جابر بن عتيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب، فاسترجع.

قلت: هو آخر البدريين موتا.

ص: 623

15 -

د ت:‌

‌ جرهد الأسلمي

، ابن رزاح، أبو عبد الرحمن.

كان من أهل الصفة ثم صار له دار بالمدينة، الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: غط فخذك. روى عنه ابناه عبد الله وعبد الرحمن، وحفيده زرعة.

توفي سنة إحدى وستين.

16 -

‌ جعفر بن علي بن أبي طالب

.

قتل شابا هو وإخوته مع الحسين.

17 -

ع:‌

‌ جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي

، وعلقة: حي من بجيلة.

أقام بالبصرة وبالكوفة، له صحبة ورواية كثيرة. روى عنه الحسن، ومحمد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وأبو عمران الجوني، وعبد الملك بن عمير، وسلمة بن كهيل، والأسود بن قيس، وآخرون.

18 -

ت:‌

‌ جندب الخير

، هو جندب بن عبد الله، ويقال: ابن كعب الأزدي.

له صحبة ورواية. وروى أيضا عن علي، وسلمان الفارسي. روى عنه أبو عثمان النهدي، وتميم بن الحارث، وحارثة بن وهب، والحسن البصري؛ فروى إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حد الساحر ضربة بالسيف.

وقال أبو عثمان النهدي: كان ساحر يلعب عند الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فيأخذ سيفه فيذبح نفسه ولا يضره، فقام جندب فأخذ السيف فضرب عنقه، ثم قرأ:{أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} إسناده صحيح.

ص: 624

وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود: إن الوليد بن عقبة كان بالعراق يلعب بين يديه ساحر، فكان يضرب عنق الرجل، ثم يصيح به فيقوم، فيرتد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله؛ يحيي الموتى! فرآه رجل من صالحي المهاجرين، فاشتمل من الغد على سيفه، فذهب الساحر يلعب لعبه ذلك، فاخترط الرجل سيفه فضرب عنقه وقال: إن كان صادقا فليحي نفسه، فأمر به الوليد فسجنه، فأعجب السجان نحو الرجل، فقال: أتستطيع أن تهرب؟ قال: نعم، قال: فاخرج، لا يسألني الله عنك أبدا.

19 -

‌ جندرة بن خيشنة

، أبو قرصافة الكناني.

صحابي، نزل الشام واستوطن عسقلان، له أحاديث. روى عنه حفيدته عزة بنت عياض بن جندرة، ويحيى بن حسان الفلسطيني، وشداد أبو عمار، وزياد بن سيار وعطية بن سعيد الكنانيان، وريان بن الجعد.

ليس له في الكتب الستة شيء.

20 – 4:‌

‌ الحارث بن عبد الله الهمداني الأعور الكوفي

، أبو زهير، صاحب علي.

روى عن علي، وابن مسعود. وكان فقيها فاضلا من علماء الكوفة، ولكنه لين الحديث. روى عنه الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن مرة، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم.

قال أبو حاتم: لا يحتج به.

وقال النسائي: ليس بالقوي.

وقال الحارث: تعلمت القرآن في سنتين، والوحي في ثلاث سنين.

وقال الشعبي، وعلي بن المديني، وأبو خيثمة: الحارث كذاب.

ص: 625

قلت: هذا محمول من الشعبي على أنه أراد بالكذب الخطأ، وإلا فلأي شيء يروي عنه، وأيضا فإن النسائي مع تعنته في الرجال قد احتج بالحارث.

وقال شعبة: لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث.

وروى منصور عن إبراهيم قال: الحارث يتهم.

وقال النسائي أيضا: ليس به بأس.

توفي سنة خمس وستين.

قال ابن أبي داود: كان الحارث أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس، تعلم الفرائض من علي.

وقال ابن سيرين: أدركت أهل الكوفة وهم يقدمون خمسة، من بدأ بالحارث الأعور ثنى بعبيدة، ومن بدأ بعبيدة ثنى بالحارث، ثم علقمة، ثم مسروق، ثم شريح.

وقال ابن معين: الحارث ليس به بأس. وقال مرة: ثقة.

21 -

:‌

‌ الحارث بن عمرو الهذلي المدني

.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن عمر بن الخطاب. قاله ابن سعد.

22 -

ت ن ق:‌

‌ حبشي بن جنادة

، أبو الجنوب السلولي، نزل الكوفة.

له صحبة ورواية. روى عنه الشعبي، وأبو إسحاق.

وقد بالغ ابن عدي في الثقالة بذكره في الضعفاء، ثم طرز ذلك بقوله: أرجو أنه لا بأس به.

قال عبيد الله بن موسى: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر للمحلقين.

ص: 626

الحديث. هذا حديث صحيح غريب.

وقال مجالد، عن الشعبي، عن حبشي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة، فذكر حديثا في تحريم المسألة.

وعن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن حبشي قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة مشاهد، وشهدت مع علي ثلاثة مشاهد ما هن بدونها.

قلت: ولحبشي أحاديث أخر، وما أدري لأي شيء قال البخاري: إسناده فيه نظر.

23 -

‌ حسان بن مالك بن بحدل بن أنيف

، الأمير أبو سليمان الكلبي.

كان على قضاعة الشام يوم صفين، وهو الذي قام بأمر البيعة لمروان. وذكر الكلبي أنهم سلموا بالخلافة أربعين ليلة على حسان بن مالك، ثم سلمها إلى مروان وقال:

فإن لم يكن منا الخليفة نفسه فما نالها إلا ونحن شهود وقصر حسان بدمشق هو قصر البحادلة، ثم صار يعرف بقصر ابن أبي الحديد.

24 -

ع:‌

‌ الحسين بن علي بن أبي طالب

، أبو عبد الله الهاشمي، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن بنته فاطمة، السعيد الشهيد رضي الله عنه.

استشهد بكربلاء وله ست وخمسون سنة. وقد حفظ عن جده وروى عنه، وعن أبويه، وخاله هند بن أبي هالة.

روى عنه أخوه الحسن، وابنه علي، وابن ابنه محمد بن علي الباقر، وبنته فاطمة بنت الحسين، وعكرمة، والشعبي، والفرزدق همام، وطلحة بن عبيد الله العقيلي.

ص: 627

قال ابن سعد والزبير بن بكار: مولده في خامس شعبان سنة أربع.

وقال جعفر الصادق: كان بين الحسن والحسين طهر واحد.

وقال أبو إسحاق السبيعي، عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: لما ولد الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت: حربا. قال: بل هو حسن وذكر الحديث، وفيه: فقال عليه السلام: إنما سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر.

قلت: وكان قد ولدت فاطمة بعدهما ولدا فسماه محسنا.

وروى الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي: كنت أحب الحرب، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حربا، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن، فلما ولد الحسين هممت أن أسميه حربا فسماه الحسين، وقال: سميت ابني هذين باسم ابني هارون شبر وشبير. رواه يحيى بن عيسى التميمي عن الأعمش، وهو من رجال مسلم، لكنه منقطع.

وقال عكرمة: لما ولدت فاطمة حسنا أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه حسنا، فلما ولدت حسينا أتته به فسماه، وقال: هذا أحسن من هذا فشق له من اسمه.

وقال أبو إسحاق، عن هانئ، عن علي قال: الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك.

وقال علي بن جعفر بن محمد بن علي: حدثني أخي موسى، عن أبي، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الحسن والحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما

ص: 628

وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. أخرجه الترمذي وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند، عن نصر بن علي الجهضمي، عنه.

وفي المسند بإسناد قوي عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.

وقال عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذان ابناي، من أحبهما فقد أحبني. له علة، وهي أن بعضهم أرسله وأسقط منه عبد الله.

وقال شهر بن حوشب، عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل عليا وحسنا وحسينا وفاطمة كساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

له طرق صحاح عن شهر، وروي من وجهين آخرين عن أم سلمة.

وقال عطية العوفي، عن أبي سعيد: إن هذه الآية نزلت فيهم؛ يعني {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ}

وعن حذيفة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءني جبريل فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. رواه أحمد في مسنده بإسناد حسن، وروي نحوه من حديث ابن عمر وعلي بإسنادين جيدين.

ص: 629

وفي الباب عن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، ومالك بن الحويرث، وأنس - بأسانيد ضعيفة.

وقال يزيد بن مردانبه، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. رواه أحمد في مسنده.

وقال إسماعيل بن عياش: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصل أحدهما قبل الآخر، فجعل يده على رقبته، ثم ضمه إلى إبطه، ثم قبل هذا، ثم قبل هذا، ثم قال: اللهم إني أحبهما فأحبهما. وقال: إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة. روى بعضه معمر عن ابن خثيم، فقال: عن محمد بن الأسود بن خلف.

وقال كامل أبو العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء، فكان إذا سجد ركب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه رفع رفعا رفيقا، ثم إذا سجد عادا، فلما صلى قلت: ألا أذهب بهما إلى أمهما؟ قال: فبرقت برقة فلم يزالا في ضوئهما حتى دخلا على أمهما.

وقال الترمذي: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من

ص: 630

أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط. قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وقال حسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} رأيت هذين فلم أصبر، ثم أخذ في خطبته. إسناده صحيح.

وقال أبو شهاب مسروح، عن الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع، وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما. تفرد به هذا عن الثوري، وهو حديث منكر.

مهدي بن ميمون قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن شداد قال: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة فجاء الحسن أو الحسين - قال مهدي: وأكبر ظني أنه الحسين - فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر، فلما قضى صلاته قالوا له، فقال: إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته. مرسل.

عبد الله بن نمير، عن الربيع بن سعد، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر قال: دخل الحسين فقال جابر: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله. تفرد به الربيع، وهو صدوق جعفي.

أبو نعيم قال: حدثنا سلم الحذاء، عن الحسن بن سالم بن أبي الجعد قال: سمعت أبا حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من

ص: 631

أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. إسناده قوي، وسلم لم يضعف ولا يكاد يعرف، ولكن قد روى مثله أبو الجحاف عن أبي حازم. وقال أبو الجحاف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال: أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم. رواه أحمد في مسنده، وله شاهد من حديث زيد بن أرقم.

وقال بقية، عن بحير، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسن مني وحسين من علي.

وقال محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن ابن أبي نعم قال: كنت عند ابن عمر، فسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا؛ يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم! وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هما ريحانتاي من الدنيا. صححه الترمذي.

وعن أبي أيوب الأنصاري قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين يلعبان على صدره، فقلت: يا رسول الله، أتحبهما؟ قال: وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا.

وقال عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى العامري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسين سبط من الأسباط، من أحبني

ص: 632

فليحب حسينا. رواه أحمد في المسند.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحبني فليحب هذين. ويروى مثله عن أسامة بن زيد، وابن عباس، وسلمان، وغيرهم.

وقال علي بن أبي علي اللهبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع الجنائز، فطلع الحسن والحسين فاعتركا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إيها حسن خذ حسينا، فقال علي: يا رسول الله، أعلى حسين تواليه وحسن أكبر؟ فقال: هذا جبريل يقول: إيها حسين. ورواه الحسن بن سفيان في مسنده بإسناد آخر من حديث أبي هريرة.

وقال حماد بن زيد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حنين، عن الحسين بن علي قال: صعدت المنبر إلى عمر بن الخطاب فقلت: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك، فقال: إن أبي لم يكن له منبر، فأقعدني معه، فلما نزل ذهب بي إلى منزله، فقال: أي بني، من علمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد، قال: أي بني، وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا أنتم، لو جعلت تأتينا وتغشانا.

وقال أبو جعفر الباقر: إن عمر جعل عطاء حسن وحسين مثل عطاء أبيهما خمسة آلاف.

وقال الزهري: كسا عمر أبناء الصحابة، فلم يكن فيها ما يصلح للحسن والحسين، فبعث إلى اليمن فأتى لهما بكسوة، فقال: الآن طابت نفسي.

وقال أبو عوانة، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي إدريس، عن المسيب بن نجبة قال: سمعت عليا يقول: ألا أحدثكم عني وعن أهل بيتي؛ أما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو، وأما الحسن فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش، لو قد التقت حلقتا البطان لم يغن

ص: 633

عنكم في الحرب شيئا، وأما أنا وحسين فنحن منكم وأنتم منا.

ويروى أن الحسن كان يقول للحسين: أي أخي، والله لوددت أن لي بعض شدة قلبك، فيقول الحسين: وأنا والله وددت أن لي بعض بسطة لسانك.

وقال محمد بن سعد: أخبرنا كثير بن هشام قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي المهزم قال: كنا في جنازة امرأة معنا أبو هريرة، فلما أقبلنا أعيا الحسين فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين: يا أبا هريرة، وأنت تفعل هذا؟! فقال: دعني، فوالله لو يعلم الناس مثل ما أعلم لحملوك على رقابهم.

وقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا شرحبيل بن مدرك، عن عبد الله بن نجي، عن أبيه أنه سار مع علي، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو سائر إلى صفين فنادى: اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان، فقال: قام من عندي جبريل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، وقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا.

وروى نحوه ابن سعد، عن المدائني، عن يحيى بن زكريا، عن رجل، عن الشعبي أن عليا قال وهو بشط الفرات: صبرا أبا عبد الله، وذكر الحديث.

وقال عمارة بن زاذان: حدثنا ثابت، عن أنس قال: استأذن ملك القطر على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أم سلمة، فقال: يا أم سلمة، احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد، فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين فاقتحم

ص: 634

الباب ودخل، فجعل يتوثب على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يلثمه، فقال الملك: أتحبه؟ قال: نعم، قال: فإن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، قال: نعم، فجاءه بسهلة أو تراب أحمر. قال ثابت: فكنا نقول: إنها كربلاء.

عمارة صالح الحديث، رواه الناس عن شيبان عنه.

وقال علي بن الحسين بن واقد: حدثني أبي فقال: حدثنا أبو غالب، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: لا تُبْكُوا هذا الصبي يعني حسينا، فكان يوم أم سلمة، فنزل جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: لا تدعي أحدا يدخل. فجاء حسين فبكى، فخلته أم سلمة يدخل، فدخل حتى جلس في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل: إن أمتك ستقتله، قال: يقتلونه وهم مؤمنون؟! قال: نعم، وأراه تربته. رواه الطبراني.

وقال إبراهيم بن طهمان، عن عباد ن إسحاق. (ح) وقال خالد بن مخلد - واللفظ له: حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي؛ كلاهما عن هاشم بن هاشم الزهري، عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال: أخبرتني أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر، ثم اضطجع ثم استيقظ وهو خاثر دون المرة الأولى، ثم اضطجع ثم استيقظ وفي يده تربة حمراء، وهو يقلبها، فقلت: ما هذه التربة؟ قال: أخبرني جبريل أن الحسين يقتل بأرض العراق، وهذه تربتها.

وقال وكيع: حدثنا عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة أو أم سلمة - شك عبد الله - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: دخل علي البيت ملك لم يدخل

ص: 635

علي قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا حسينا مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها.

رواه عبد الرزاق عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند مثله، إلا أنه قال: أم سلمة، ولم يشك، وإسناده صحيح. رواه أحمد والناس، وروي عن شهر بن حوشب، وأبي وائل؛ كلاهما عن أم سلمة نحوه.

وروى الأوزاعي، عن شداد أبي عمار، عن أم الفضل بنت الحارث. وروي عن حماد بن زيد، عن سعيد بن جمهان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل بتراب من تراب القرية التي يقتل فيها الحسين، وقيل له: اسمها كربلاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كرب وبلاء. كلا الإسنادين منقطع.

وقال أبو إسحاق السبيعي: عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: ليقتلن الحسين قتلا، وإني لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها، يقتل بقرية قريب من النهرين.

وقال ابن عساكر: وفد الحسين على معاوية وغزا القسطنطينية مع يزيد.

وعن عبد الله بن بريدة قال: دخل الحسن والحسين على معاوية، فأمر لهما في وقته بمائتي ألف درهم.

وقال محمد بن سيرين، عن أنس قال: شهدت ابن زياد حيث أتي برأس الحسين، فجعل ينكت بقضيب في يده، فقلت: أما إنه كان أشبههما بالنبي صلى الله عليه وسلم. رواه هشام بن حسان وجرير بن حازم، عن محمد.

وقال عبيد الله بن أبي زياد: رأيت الحسين أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مقدم لحيته.

وقال ابن جريج: سمعت عمر بن عطاء يقول: رأيت الحسين بن علي يخضب بالوسمة، أما هو فكان ابن ستين سنة، وكان رأسه ولحيته شديدي السواد.

جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كان الحسين يتختم في اليسار.

ص: 636

المطلب بن زياد، عن السدي: رأيت الحسين وله جمة خارجة من تحت عمامته.

يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث: رأيت على الحسين مطرفا من خز، قد خضب رأسه ولحيته بالحناء والكتم.

الشعبي: أخبرني من رأى على الحسين جبة من خز.

وعن جعفر بن محمد قال: أصيب الحسين وعليه جبة خز.

إبراهيم بن مهاجر، عن الشعبي: رأيت الحسين يخضب بالوسمة ويختم في شهر رمضان.

وروى غير واحد أن الحسين كان يخضب بالوسمة.

عبد العزيز بن رفيع، عن قيس مولى خباب قال: رأيت الحسين يخضب بالسواد.

وقال طاووس، عن ابن عباس قال: استشارني الحسين في الخروج، فقلت: لولا أن يزرى بي وبك لنشبت يدي في رأسك، فقال: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن أستحل حرمتها - يعني الحرم - فكان ذلك الذي سلى نفسي عنه.

وقال سعيد بن المسيب: لو أن الحسين لم يخرج لكان خيرا له.

قلت: وهذا كان رأي ابن عمر، وأبي سعيد، وابن عباس، وجابر، وجماعة سواهم، وكلموه في ذلك كما تقدم في مصرعه. وقد ذكرنا في الحوادث من غير وجه أن الرأس قدم به على يزيد.

وقال أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة: حدثني أبي، عن أبيه قال: أخبرني أبي حمزة بن يزيد الحضرمي قال: رأيت امرأة من أجمل النساء وأعقلهن يقال لها: ريا، حاضنة يزيد بن معاوية، يقال: بلغت مائة سنة، قالت: دخل رجل على يزيد فقال: يا أمير المؤمنين، أبشر؛ فقد مكنك الله من الحسين، قتل وجيء برأسه إليك، قالت: فوضع في طست، فأمر الغلام فكشفه، فحين رآه خمر وجهه كأنه يشم منه رائحة، قال حمزة: فقلت لها: أقرع ثناياه بقضيب؟ قالت: إي والله، ثم قال حمزة: وقد كان حدثني بعض أهلنا أنه رأى رأس الحسين مصلوبا بدمشق ثلاثة أيام.

ص: 637

وحدثتني ريا أن الرأس مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان الخلافة، فبعث فجيء به وقد بقي عظما أبيض، فجعله في سفط وطيبه وكفنه ودفنه في مقابر المسلمين، فلما دخلت المسودة سألوا عن موضع الرأس فنبشوه وأخذوه، فالله أعلم ما صنع به. وذكر الحكاية وهي طويلة قوية الإسناد. رواه عبد الرحمن بن أبي نصر، عن أحمد بن محمد بن عمارة، عن المذكور.

وعن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين احتزوا رأسه وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ، فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب بسطر دم:

أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب فهربوا وتركوا الرأس.

وسئل أبو نعيم الفضل بن دكين عن قبر الحسين، فلم يعلم أين هو. وقال الجماعة: قتل يوم عاشوراء، زاد بعضهم: يوم السبت.

قلت: فيكون عمره على ما ذكرنا من تاريخ مولده ستا وخمسين سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام.

وقال سليمان بن قتة يرثيه:

وإن قتيل الطف من آل هاشم أذل رقابا من قريش فذلت فإن يتبعوه عائذ البيت يصبحوا كعاد تعمت عن هداها فضلت مررت على أبيات آل محمد فألفيتها أمثالها حين حلت وكانوا لنا غنما فعادوا رزية لقد عظمت تلك الرزايا وجلت فلا يبعد الله الديار وأهلها وإن أصبحت منهم برغمي تخلت ألم تر أن الأرض أضحت مريضة لفقد حسين والبلاد اقشعرت يريد بقوله: أذل رقابا؛ أي: ذللها، يعني أنهم لا يرعوون عن قتل قرشي بعد الحسين، وعائذ البيت هو عبد الله بن الزبير.

ص: 638

25 -

‌ حصين بن نمير السكوني

.

أحد أمراء الشام، وهو الذي حاصر ابن الزبير، وقد مر من أخباره في الحوادث وأنه قتل بالجزيرة سنة بضع وستين.

26 -

‌ الحكم بن أبي العاص الثقفي

.

توفي سنة سبع وستين.

27 -

م د ن:‌

‌ حمزة بن عمرو الأسلمي المدني

.

له صحبة ورواية. وروى أيضا عن أبي بكر، وعمر. روى عنه عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وحنظلة بن علي الأسلمي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابنه محمد بن حمزة.

وهو كان البشير إلى أبي بكر بوقعة أجنادين.

أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وتوفي سنة إحدى وستين، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية، وكان رجلا صالحا يسرد الصوم.

ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من المهاجرين.

وقال كثير بن زيد الأسلمي، عن محمد بن حمزة، عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فتفرقنا في ليلة ظلماء دحمسة، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم، وإن أصابعي لتنير.

28 -

‌ حميد بن ثور

، أبو المثنى الهلالي.

شاعر مشهور إسلامي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم بالسن، وقال الشعر في أيام عمر، ووفد على مروان أو ابنه عبد الملك، وكان يشبب بجمل، وهو من فحول الشعراء المذكورين.

روى الزبير بن بكار عن أبيه أن حميد بن ثور وفد على بعض بني أمية، فقال: ما جاء بك؟ فقال:

أتاك بي الله الذي فوق عرشه وخير ومعروف عليك دليل ومطوية الأقراب أما نهارها فسيب وأما ليلها فذميل

ص: 639

وقطعي إليك الليل حصنه إنني أليف إذا هاب الجبان فعول

29 -

خ م د ن:‌

‌ ذكوان، مولى عائشة

.

روى عنه علي بن الحسين، وابن أبي مليكة، وجماعة. وكان قارئا، فصيحا، عالما.

30 -

4:‌

‌ ربيعة بن عمرو

، ويقال: ابن الحارث الجرشي، أبو الغاز.

أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: له صحبة. وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن سعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وعائشة.

روى عنه خالد بن معدان، وعلي بن رباح، وأبو هشام الغاز بن ربيعة ولده.

قال أبو المتوكل الناجي: سألت عن ربيعة الجرشي، وكان فقيه الناس في زمن معاوية.

وقال غيره: فقئت عين ربيعة الجرشي يوم صفين مع معاوية، وقتل يوم مرج راهط مع الضحاك بن قيس.

وقال عطية بن قيس، عن ربيعة الجرشي: إنه كان يقول في قصصه: إن الله جعل الخير من أحدكم كشراك نعله، وجعل الشر منه مد بصره.

31 – م 4:‌

‌ ربيعة بن كعب

، أبو فراس الأسلمي المدني، من أصحاب الصفة.

خدم النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل بعد موته على بريد من المدينة، له أحاديث. روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، ونعيم المجمر، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وأبو عمران الجوني.

توفي أيام الحرة، وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أسأل مرافقتك في الجنة، فقال: أعني على نفسك بكثرة السجود.

32 -

ع إلا د:‌

‌ الربيع بن خثيم

، أبو يزيد الثوري الكوفي.

من سادة التابعين وفضلائهم. روى عن عبد الله بن مسعود، وأبي

ص: 640

أيوب الأنصاري، وعمرو بن ميمون الأودي.

روى عنه إبراهيم النخعي، والشعبي، وهلال بن يساف، وآخرون.

وكان يعد من عقلاء الرجال. توفي قبل سنة خمس وستين.

وعن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: كان الربيع بن خثيم إذا دخل على أبي لم يكن عليه إذن لأحد حتى يفرغ كل واحد من صاحبه، فقال عبد الله: يا أبا يزيد، لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين!

وقال سعيد بن مسروق عن منذر الثوري: كان الربيع بن خثيم إذا أتاه الرجل قال: اتق الله فيما علمت، وما استؤثر به عليك فكله إلى عالمه؛ لأنا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ.

وعن الربيع قال: ما لا يبتغى به وجه الله يضمحل.

وعن الشعبي قال: كان الربيع بن خثيم أشد أصحاب عبد الله ورعا.

33 -

ع:‌

‌ زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان

، أبو عمرو، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو أنيسة، الأنصاري الخزرجي، نزيل الكوفة.

قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله صدقك يا زيد، وكان قد نقل إليه أن ابن أبي قال في غزوة تبوك:{لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} فتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في نقله، فنزلت الآية بتصديقه.

وقال زيد: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة.

ولزيد رواية كثيرة. روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عمرو الشيباني، واسمه سعد بن إياس، وطاوس، وعطاء، ويزيد بن حيان التيمي، وأبو إسحاق السبيعي، وطائفة.

ص: 641

قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن بعض قومه، عن زيد بن أرقم قال: كنت يتيما في حجر عبد الله بن رواحة، فخرج بي معه إلى مؤتة مردفي على حقيبة رحله.

وعن عروة قال: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نفرا استصغرهم، منهم ابن عمر وأسامة والبراء وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم، وجعلهم حرسا للذراري والنساء بالمدينة.

وروى يونس بن أبي إسحاق عن أبيه، عن زيد قال: رمدت، فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا زيد، إن كانت عينك عميت لما بها كيف تصنع؟ قلت: أصبر وأحتسب، قال: إن فعلت دخلت الجنة. وروي نحوه بإسناد آخر.

وفي مسند أبي يعلى من طريق أنيسة بنت زيد بن أرقم، أن أباها عمي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رد الله عليه بصره.

وقال أبو المنهال: سألت البراء عن الصرف، فقال: سل زيد بن أرقم؛ فإنه خير مني وأعلم.

قال خليفة والمدائني: توفي سنة ست وستين، وقال الواقدي وغيره: توفي سنة ثمان وستين.

34 -

‌ زيد بن خالد الجهني

، صحابي مشهور.

قال خليفة: توفي سنة ثمان وستين. سيعاد.

35 -

‌ السائب بن الأقرع بن جابر بن سفيان الثقفي

.

ص: 642

ذكر البخاري أن له صحبة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه.

وولاه عمر قسمة الغنائم يوم نهاوند، واستخلفه عبد الله بن بديل على أصبهان، وله ذرية بأصبهان، وهو ابن عم عثمان بن أبي العاص، الثقفي.

روى عنه أبو عون الثقفي، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهما.

36 -

‌ سعيد بن مالك بن بحدل الكلبي

، أخو حسان المذكور.

ولي إمرة الجزيرة وقنسرين ليزيد بن معاوية، وإليه ينسب دير ابن بحدل من إقليم بيت الآبار، وكان شريفا مطاعا في قومه.

37 -

ع:‌

‌ سليمان بن صرد بن الجون الخزاعي

، أبو مطرف الكوفي.

له صحبة ورواية، من صغار الصحابة.

وروى أيضا عن أبي بن كعب، وجبير بن مطعم.

روى عنه يحيى بن يعمر، وعدي بن ثابت، وأبو إسحاق السبيعي، وجماعة.

وكان صالحا دينا، من أشراف قومه، خرج في جماعة تابوا إلى الله من خذلانهم الحسين وطلبوا بدمه، كما تقدم في سنة خمس وستين، فقتل إلى رحمة الله هو وعامة جموعه، وسموا جيش التوابين، وهو الذي قتل حوشبا ذا ظليم يوم صفين مبارزة، قاله ابن عبد البر.

وقال: كان ممن كاتب الحسين يسأله القدوم إلى الكوفة ليبايعوه، فلما عجز عن نصره ندم.

قيل: عاش ثلاثا وتسعين سنة.

38 -

‌ سواد بن قارب الأزدي

، ويقال: السدوسي.

وفد على النبي صلى الله عليه من نواحي البلقاء.

قال ابن أبي حاتم: له صحبة. روى عنه أبو جعفر محمد بن علي، وسعيد بن جبير، سمعت أبي يقول ذلك.

ص: 643

قلت: وروى ابن عساكر حديث إسلامه، وقصته مع رئيه من الجن من طريق سعيد بن جبير عنه، وأرسله أبو جعفر، وإسناد الحديث ضعيف.

وقال ابن عبد البر: كان يتكهن ويقول الشعر، ثم أسلم، وقد داعبه عمر يوما فقال: ما فعلت كهانتك يا سواد؟ فغضب وقال: ما كنا عليه من جاهليتنا وكفرنا شر من الكهانة، فاستحيا عمر، ثم سأله عن حديثه في بدء الإسلام، وما أتاه به رئيه من ظهور النبي صلى الله عليه وسلم.

39 -

‌ شداد بن أوس

.

قد مر، وقيل: توفي سنة أربع وستين.

40 -

‌ شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري

.

من كبار أمراء الشام. قتل مع ابن زياد.

41 -

ن:‌

‌ شقيق بن ثور

، أبو الفضل السدوسي البصري.

رئيس بكر بن وائل في الإسلام، وكان حامل رايتهم يوم الجمل، وشهد صفين مع علي.

روى عن أبيه، وعن عثمان وعلي. روى عنه خلاد بن عبد الرحمن الصنعاني، وأبو وائل. وله وفادة على معاوية، وقتل أبوه بتستر مع أبي موسى الأشعري.

وقال غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد: إن شقيق بن ثور حين حضرته الوفاة قال: ليته لم يكن سيد قومه، كم من باطل قد حققناه وحق قد أبطلناه!

توفي سنة خمس ظنا.

42 -

‌ شمر بن ذي الجوشن الضبابي

الذي احتز رأس الحسين على الأشهر.

ص: 644

كان من أمراء عبيد الله بن زياد، وقع به أصحاب المختار فبيتوه، فقاتل حتى قتل.

قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو بشر هارون الكوفي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال: كان شمر بن ذي الجوشن يصلي معنا الفجر، ثم يقعد حتى يصبح، ثم يصلي فيقول: اللهم، إنك شريف تحب الشرف، وأنت تعلم أني شريف، فاغفر لي! فقلت: كيف يغفر الله لك، وقد خرجت إلى ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعنت على قتله؟ قال: ويحك، فكيف نصنع، إن أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر، فلم نخالفهم، ولو خالفناهم كنا شرا من هذه الحمر السقاة.

قلت: ولأبيه صحبة، اسمه شرحبيل، ويقال: أوس، ويقال: عثمان العامري الضبابي، وكنيته أعني شمر: أبو السابغة.

وقال الواقدي: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال: رأيت قاتل الحسين شمر بن ذي الجوشن، ما رأيت بالكوفة أحدا عليه طيلسان غيره.

وذكر الحافظ ابن عساكر أنه قدم على يزيد مع آل الحسين.

43 -

‌ صلة بن أشيم

، أبو الصهباء البصري العابد، من سادة التابعين.

يروى له عن ابن عباس حديث واحد.

روى عنه الحسن البصري، ومعاذة العدوية وهي زوجته، وثابت البناني، وحميد بن هلال، وغيرهم حكايات.

روى ابن المبارك في الزهد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي رجل يقال له: صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. حديث منقطع كما ترى.

جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك، عن معاذة قالت: كان أبو الصهباء يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي فراشه إلا زحفا.

وقالت معاذة: كان أصحاب صلة إذا التقوا عانق بعضهم بعضا.

ص: 645

وقال ثابت: جاء رجل إلى صلة بن أشيم بنعي أخيه فقال له: ادن فكل؛ فقد نعي إلي أخي منذ حين، قال الله تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}

وقال حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت أن صلة كان في الغزو، ومعه ابن له، فقال: أي بني، تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل حتى قتل، ثم تقدم هو فقتل. فاجتمع النساء عند امرأته معاذة العدوية، فقالت: إن كنتن جئتن لتهنئنني فمرحبا بكن، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن.

وفي الزهد لابن المبارك عن جرير بن حازم، عن حميد بن هلال، عن صلة بن أشيم قال: خرجنا في بعض قرى نهر تيرى وأنا على دابتي في زمان فيوض الماء، فأنا أسير على مسناة، فسرت يوما لا أجد شيئا آكله، فلقيني علج يحمل على عاتقه شيئا، فقلت: ضعه! فوضعه، فإذا هو خبز، فقلت: أطعمني! قال: إن شئت، ولكن فيه شحم خنزير.

فتركته، ثم لقيت آخر يحمل طعاما، فقلت: أطعمني، فقال: تزودت هذا لكذا وكذا من يوم، فإن أخذت منه شيئا أجعتني، فتركته ومضيت.

فوالله، إني لأسير إذ سمعت خلفي وجبة كوجبة الطير فالتفت، فإذا هو شيء ملفوف في سب أبيض أي خمار، فنزلت إليه، فإذا هو دوخلة من رطب في زمان ليس في الأرض رطبة، فأكلت منه، ثم لففت ما بقي، وركبت الفرس وحملت معي نواهن.

قال جرير: فحدثني أوفى بن دلهم قال: رأيت ذلك السب مع امرأته ملفوفا فيه مصحف، ثم فقد بعد. قلت: هذا حديث صحيح، روى نحوه عوف الأعرابي، عن أبي السليل، عن صلة.

وقال ابن المبارك: حدثنا المستلم بن سعيد الواسطي قال: أخبرنا حماد بن جعفر بن زيد أن أباه أخبره، قال: خرجنا في غزاة إلى كابل، وفي الجيش صلة بن أشيم، فنزل الناس عند العتمة، فقلت: لأرمقن

ص: 646

عمله، فصلى. ثم اضطجع، فالتمس غفلة الناس، ثم وثب فدخل غيضة، فدخلت في إثره، فتوضأ ثم قام يصلي فافتتح الصلاة.

وجاء أسد حتى دنا منه، فصعدت في شجرة قال: أفتراه التفت إليه أو عذبه حتى سجد؟ فقلت: الآن يفترسه فلا شيء، فجلس، ثم سلم، فقال: أيها السبع، اطلب الرزق من مكان آخر، فولى وإن له لزئيرا، أقول: تصدع منه الجبال.

فما زال كذلك، حتى إذا كان عند الصبح جلس، فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها، إلا ما شاء الله، ثم قال: اللهم، إني أسألك أن تجيرني من النار! أومثلي يجترئ أن يسألك الجنة؟! ثم رجع، فأصبح كأنه بات على الحشايا، وقد أصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم.

روى نحوها أبو نعيم في الحلية بإسناد له، إلى مالك بن مغول.

وروى ابن المبارك عن السري بن يحيى قال: حدثني العلاء بن هلال الباهلي أن رجلا قال لصلة: يا أبا الصهباء، إني رأيت أني أعطيت شهادة، وأعطيت شهادتين! فقال: تستشهد، وأستشهد أنا وابني!

فلما كان يوم يزيد ابن زياد لقيهم الترك بسجستان، فكان أول جيش انهزم من المسلمين ذلك الجيش. فقال صلة: يا بني، ارجع إلى أمك، فقال: يا أبت تريد الخير لنفسك وتأمرني بالرجوع؟ بل ارجع أنت، قال: أما إذ قلت هذا فتقدم، فتقدم فقاتل حتى أصيب، فرمى صلة عن جسده، وكان رجلا راميا، حتى تفرقوا عنه، وأقبل حتى أقام عليه فدعا له، ثم قاتل حتى قتل رحمه الله.

قلت: وذلك سنة اثنتين وستين.

44 -

ن:‌

‌ الضحاك بن قيس القرشي الفهري

، أخو فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وعنه، وكانت أكبر منه بعشر سنين.

له صحبة إن شاء الله ورواية، يكنى أبا أمية، ويقال: أبا أنيس، ويقال: أبا عبد الرحمن، ويقال: أبا سعيد.

وروى أيضا عن حبيب بن مسلمة.

روى عنه معاوية وهو أكبر منه،

ص: 647

والشعبي، ومحمد بن سويد الفهري، وسعيد بن جبير، وسماك بن حرب، وعمير بن سعيد، وأبو إسحاق السبيعي.

وشهد فتح دمشق وسكنها، وكان على عسكر أهل دمشق يوم صفين.

قال حجاج الأعور عن ابن جريج: حدثني محمد بن طلحة عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال وهو على المنبر: حدثني الضحاك بن قيس، وهو عدل على نفسه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال وال من قريش على الناس.

وفي مسند أحمد: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا علي بن زيد، عن الحسن - أن الضحاك بن قيس كتب إلى قيس بن الهيثم حين مات يزيد: سلام عليك، أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه. وإن يزيد بن معاوية قد مات، وأنتم إخواننا وأشقاؤنا، فلا تسبقونا بشيء حتى نختار لأنفسنا.

وقال الزبير بن بكار: كان الضحاك بن قيس مع معاوية، فولاه الكوفة، قال: وهو الذي صلى على معاوية وقام بخلافته حتى قدم يزيد، وكان يعني بعد موت يزيد، قد دعا إلى ابن الزبير وبايع له، ثم دعا لنفسه، وفي بيت أخته اجتمع أهل الشورى، وكانت نبيلة، وهي راوية حديث الجساسة.

وقال الواقدي: ولد الضحاك قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين. وقال غيره: بل سمع منه.

وذكر مسلم بن الحجاج أنه شهد بدرا، فغلط.

وقال خليفة: مات زياد بن أبيه سنة ثلاث وخمسين بالكوفة، فولاها معاوية الضحاك بن قيس. ثم عزله منها، واستعمله على دمشق،

ص: 648

واستعمل على الكوفة عبد الرحمن بن أم الحكم، وبقي الضحاك على دمشق حتى هلك يزيد.

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن الضحاك خطب بالكوفة قاعدا، فقام كعب بن عجرة فقال: لم أر كاليوم قط، إمام قوم مسلمين يخطب قاعدا.

وكان الضحاك أحد الأجواد، كان عليه برد قيمته ثلاثمائة دينار، فأتاه رجل لا يعرفه فساومه به، فأعطاه إياه وقال: شح بالرجل أن يبيع عطافه، فخذه فالبسه.

وقال الليث بن سعد: أظهر الضحاك بيعة ابن الزبير بدمشق ودعا له، فسار عامة بني أمية وحشمهم وأصحابهم حتى لحقوا بالأردن، وسار مروان وبنو بحدل إلى الضحاك.

وقال ابن سعد: أخبرنا المدائني عن خالد بن يزيد بن بشر، عن أبيه. وعن مسلمة بن محارب، عن حرب بن خالد، وغير واحد - أن معاوية بن يزيد لما مات دعا النعمان بن بشير بحمص إلى ابن الزبير، ودعا زفر بن الحارث أمير قنسرين إلى ابن الزبير، ودعا الضحاك بدمشق إلى ابن الزبير سرا لمكان بني أمية وبني كلب.

وبلغ حسان بن مالك بن بحدل وهو بفلسطين، وكان هواه في خالد بن يزيد، فكتب إلى الضحاك كتابا يعظم فيه حق بني أمية يذم ابن الزبير، وقال للرسول: إن قرأ الكتاب، وإلا فاقرأه أنت على الناس! وكتب إلى بني أمية يعلمهم، فلم يقرأ الضحاك كتابه، فكان في ذلك اختلاف، فسكنهم خالد بن يزيد، ودخل الضحاك الدار. فمكثوا أياما، ثم خرج الضحاك فصلى بالناس. وذكر يزيد فشتمه، فقام إليه رجل من كلب فضربه بعصا، فاقتتل الناس بالسيوف، ودخل الضحاك داره.

وافترق الناس ثلاث فرق، فرقة زبيرية، وفرقة بحدلية هواهم في بني أمية، وفرقة لا يبالون. وأرادوا أن يبايعوا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فأبى وهلك تلك الليالي.

فأرسل الضحاك إلى مروان، فأتاه هو وعمرو بن سعيد الأشدق، وخالد وعبد الله ابنا يزيد، فاعتذر إليهم وقال: اكتبوا إلى حسان

ص: 649

حتى ينزل الجابية ونسير إليه، ونستخلف أحدكم. فكتبوا إلى حسان، فأتى الجابية، وخرج الضحاك وبنو أمية يريدون الجابية، فلما استقلت الرايات موجهة قال معن بن ثور ومن معه من أشراف قيس للضحاك: دعوتنا إلى بيعة رجل أحزم الناس رأيا وفضلا وبأسا، فلما أجبناك خرجت إلى هذا الأعرابي تبايع لابن أخته؟! قال: فما العمل؟ قالوا: تصرف الرايات، وتنزل فتظهر البيعة لابن الزبير، ففعل وتبعه الناس.

وبلغ ابن الزبير، فكتب إلى الضحاك بإمرة الشام، ونفي من بمكة والمدينة من الأمويين، فكتب الضحاك إلى الأمراء الذين دعوا إلى ابن الزبير فأتوه، فلما رأى مروان ذلك سار يريد ابن الزبير ليبايع له ويأخذ الأمان لبني أمية.

فلقيهم بأذرعات عبيد الله بن زياد مقبلا من العراق، فحدثوه، فقال لمروان: سبحان الله! أرضيت لنفسك بهذا؟ أتبايع لأبي خبيب وأنت سيد قريش وشيخ بني عبد مناف؟ والله؛ لأنت أولى بها منه!

قال: فما ترى؟ قال: الرأي أن ترجع وتدعو إلى نفسك، وأنا أكفيك قريشا ومواليها. فرجع ونزل عبيد الله بباب الفراديس، فكان يركب إلى الضحاك كل يوم، فعرض له رجل فطعنه بحربة في ظهره، وعليه من تحت الدرع، فأثبت الحربة، فرجع عبيد الله إلى منزله، فأتاه الضحاك يعتذر، وأتاه بالرجل فعفا عنه.

وعاد يركب إلى الضحاك، فقال له يوما: يا أبا أنيس، العجب لك، وأنت شيخ قريش تدعو لابن الزبير وأنت أرضى عند الناس منه؛ لأنك لم تزل متمسكا بالطاعة، وابن الزبير مشاق مفارق للجماعة!

فأصغى إليه، ودعا إلى نفسه ثلاثة أيام، فقالوا: قد أخذت عهودنا وبيعتنا لرجل، ثم تدعو إلى خلعه من غير حدث أحدثه؟ وامتنعوا عليه، فعاد إلى الدعاء لابن الزبير، فأفسده ذلك عند الناس.

فقال عبيد الله بن زياد: من أراد ما تريد لم ينزل المدائن والحصون، بل يبرز ويجمع إليه الخيل، فاخرج عن دمشق وضم إليك الأجناد.

فخرج ونزل المرج، وبقي ابن زياد بدمشق، وكان مروان وبنو أمية بتدمر، وابنا يزيد بالجابية عند حسان، فكتب عبيد الله إلى مروان: أن ادع الناس إلى بيعتك، ثم سر إلى الضحاك، فقد أصحر. فبايع مروان بنو أمية، وتزوج بأم خالد بن يزيد بن معاوية، وهي بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة، واجتمع خلق على بيعة مروان. وخرج ابن زياد، فنزل بطرف المرج، وسار إلى عنده مروان

ص: 650

في خمسة آلاف. وأقبل من حوارين عباد بن زياد في ألفين من مواليه، وكان بدمشق يزيد بن أبي النمس، فأخرج عامل الضحاك منها، وأمد مروان بسلاح ورجال، فقدم إلى الضحاك زفر بن الحارث الكلابي من قنسرين، وأمده النعمان بن بشير بشرحبيل بن ذي الكلاع في أهل حمص، فصار الضحاك في ثلاثين ألفا، ومروان في ثلاثة عشر ألفا أكثرهم رجاله.

ولم يكن في عسكر مروان غير ثمانين عتيقا نصفها لعباد بن زياد، فأقاموا بالمرج عشرين يوما يلتقون في كل يوم. وعلى ميمنة مروان عبيد الله بن زياد، وعلى ميسرته عمرو بن سعيد الأشدق، فقال عبيد الله لمروان: إنا لا ننال من الضحاك إلا بمكيدة، فادع إلى الموادعة، فإذا أمنوا فكر عليهم. فراسله مروان، فأمسك الضحاك والقيسية عن القتال، وهم يطمعون أن مروان يبايع لابن الزبير. فأعد مروان أصحابه وشد على الضحاك، ففزع قومه إلى راياتهم، ونادى الناس: يا أبا أنيس، أعجزا بعد كيس؟ فقال الضحاك: نعم، أنا أبو أنيس، عجز لعمري بعد كيس! والتحم الحرب، وصبر الضحاك.

فترجل مروان وقال: قبح الله من يوليهم اليوم ظهره حتى يكون الأمر لإحدى الطائفتين، فقتل الضحاك، وصبرت قيس على راياتها يقاتلون عندها. فاعترضها رجل بسيفه، فكان إذا سقطت الراية تفرق أهلها، ثم انهزموا، فنادى منادي مروان: لا تتبعوا موليا.

قال الواقدي: قتلت قيس بمرج راهط مقتلة لم يقتل منها قط، وذلك في نصف ذي الحجة سنة أربع وستين.

وقال المدائني عن خالد بن يزيد بن بشر الكلبي قال: حدثني من شهد مقتل الضحاك قال: مر بنا زحمة بن عبد الله الكلبي، لا يطعن أحدا إلا صرعه، إذ حمل على رجل فطعنه فصرعه، فأتيته فإذا هو الضحاك، فاحتززت رأسه فأتيت به مروان، فكره قتله، وقال: الآن حين كبرت سني

ص: 651

واقترب أجلي، أقبلت بالكتائب أضرب بعضها ببعض، وأمر لي بجائزة.

45 -

ع سوى ق:‌

‌ عاصم بن عمر بن الخطاب

، أبو عمر العدوي.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن أبيه. روى عنه ابناه حفص وعبيد الله، وعروة بن الزبير.

قال أبو حاتم: لا يروى عنه إلا حديث واحد.

وأمه هي جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصارية التي كان اسمها عاصية، فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها. وتزوجت بعد عمر يزيد بن جارية الأنصاري، فولدت له عبد الرحمن.

وكان عاصم طويلا جسيما، يقال: إن ذراعه كان ذراعا ونحوا من شبر، وكان خيرا فاضلا دينا شاعرا مفوها فصيحا، وهو جد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز لأمه.

ولقد رثاه أخوه عبد الله فقال: فليت المنايا كن خلفن عاصما فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا وقيل: كنيته أبو عمرو، توفي سنة سبعين بالمدينة.

46 -

‌ عامر بن عبد قيس

، التميمي العنبري البصري الزاهد، أبو عبد الله، ويقال: أبو عمرو، عابد زمانه.

ص: 652

روى عن عمر، وسلمان الفارسي.

وعنه الحسن، وابن سيرين، وأبو عبد الرحمن الحبلي وغيرهم.

قال أحمد العجلي: كان ثقة، من كبار عباد التابعين.

رآه كعب الأحبار فقال: هذا راهب هذه الأمة.

وقال أبو عبيد في القراءات: كان عامر بن عبد الله الذي يعرف بابن عبد قيس يقرئ الناس.

حدثنا عباد عن يونس، عن الحسن - أن عامرا كان يقول: من أقرئ؟ فيأتيه ناس، فيقرئهم القرآن، ثم يقوم يصلي إلى الظهر، ثم يصلي إلى العصر. ثم يقرئ الناس إلى المغرب، ثم يصلي ما بين العشاءين، ثم ينصرف إلى منزله، فيأكل رغيفا وينام نومة خفيفة. ثم يقوم لصلاته، ثم يتسحر رغيفا، ويخرج إلى المسجد.

وقال بلال بن سعد: إن عامر بن عبد قيس وشي به إلى زياد، وقيل: إلى ابن عامر، فقالوا له: ها هنا رجل قيل له: ما إبراهيم عليه السلام خيرا منك، فسكت وقد ترك النساء. قال: فكتب فيه إلى عثمان، فكتب إليه، أن انفه إلى الشام على قتب.

فلما جاءه الكتاب أرسل إلى عامر فقال: أنت قيل لك: ما إبراهيم خيرا منك، فسكت؟ فقال: أما والله ما سكوتي إلا تعجبا، لوددت أني غبار قدميه، فيدخل بي الجنة! قال: ولم تركت النساء؟ قال: والله ما تركتهن إلا أني قد علمت أنها متى تكون امرأة فعسى أن يكون ولد، ومتى يكون ولد تشعبت الدنيا قلبي، فأحببت التخلي من ذلك!

فأجلاه على قتب إلى الشام، فلما قدم أنزله معاوية معه الخضراء، وبعث إليه بجارية، وأمرها أن تعلمه ما حاله. فكان يخرج من السحر، فلا تراه إلا بعد العتمة، فيبعث إليه معاوية بطعام، فلا يعرض له، ويجيء معه بكسر فيبلها ويأكل منها، ثم يقوم إلى أن يسمع النداء فيخرج، ولا تراه إلا مثلها.

فكتب معاوية إلى عثمان يذكر حاله، فكتب إليه عثمان: أن اجعله أول داخل وآخر خارج، ومر له بعشرة من الرقيق وعشرة من الظهر. فأحضره، وقال: إن أمير المؤمنين أمر لك بكذا، قال: إن علي شيطانا قد غلبني، فكيف أجمع علي عشرة.

وكانت له بغلة، فروى بلال بن سعد عمن رآه

ص: 653

بأرض الروم يركبها عقبة، ويحمل المهاجرين عقبة.

قال بلال بن سعد: وكان إذا فصل غازيا يتوسم، يعني من يرافقه، فإذا رأى رفقة تعجبه اشترط عليهم أن يخدمهم، وأن يؤذن، وأن ينفق عليهم طاقته. رواه ابن المبارك بطوله في الزهد.

وقال همام عن قتادة قال: كان عامر يسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه، فكان لا يبالي أذكرا لقي أو أنثى، وسأل ربه أن يمنع قلبه من الشيطان وهو في الصلاة فلم يقدر عليه، ويقال: إن ذلك ذهب عنه.

وعن أبي الحسين المجاشعي قال: قيل لعامر بن عبد قيس. أتحدث نفسك في الصلاة؟ قال: نعم، أحدث نفسي بالوقوف بين يدي الله ومنصرفي.

قال جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال: لما رأى كعب الأحبار عامرا بالشام قال: من ذا؟ قالوا: عامر بن عبد قيس، فقال كعب: هذا راهب هذه الأمة.

وروى جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني قال: قيل لعامر بن عبد قيس: إنك تبيت خارجا، أما تخاف الأسد؟ قال: إني لأستحي من ربي أن أخاف شيئا دونه. وروى مثله همام، عن قتادة.

حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة: لقي رجل عامر بن عبد قيس فقال: ما هذا؟ ألم يقل الله: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} ؟ يعني: وأنت لا تتزوج؟ فقال: أفلم يقل الله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} ؟

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يحيى الأزدي قال: حدثنا جعفر بن أبي جعفر الرازي عن أبي جعفر السائح قال: حدثنا أبو وهب وغيره أن عامر بن عبد قيس كان من أفضل العابدين، ففرض على نفسه كل يوم ألف ركعة، يقوم عند طلوع الشمس، فلا يزال قائما إلى العصر. ثم ينصرف وقد انتفخت ساقاه فيقول: يا نفس، إنما خلقت للعبادة، يا أمارة

ص: 654

بالسوء، فوالله لأعملن بك عملا يأخذ الفراش منك نصيبا.

وهبط واديا يقال له: وادي السباع، وفيه عابد حبشي، فانفرد يصلي في ناحية والعابد في ناحية، أربعين يوما لا يجتمعان إلا في صلاة الفريضة.

وقال محمد بن واسع عن يزيد بن عبد الله بن الشخير: إن عامرا كان يأخذ عطاءه، فيجعله في طرف ثوبه، فلا يلقاه أحد من المساكين إلا أعطاه، فإذا دخل بيته رمى به إليهم، فيعدونها فيجدونها سواء كما أعطيها.

وقال جعفر بن برقان: حدثنا ميمون بن مهران أن عامر بن عبد قيس بعث إليه أمير البصرة: مالك لا تزوج النساء؟ قال: ما تركتهن، وإني لدائب في الخطبة، قال: ومالك لا تأكل الجبن؟ قال: أنا بأرض فيها مجوس، فما شهد شاهدان من المسلمين أن ليس فيه ميتة أكلته، قال: وما يمنعك أن تأتي الأمراء؟ قال: إن لدى أبوابكم طلاب الحاجات، فادعوهم واقضوا حوائجهم، ودعوا من لا حاجة له إليكم.

وقال مالك بن دينار: حدثني فلان أن عامرا مر في الرحبة وإذا ذمي يظلم، فألقى رداءه ثم قال: لا أرى ذمة الله تخفر وأنا حي، فاستنقذه.

ويروى أن سبب إرساله إلى الشام كونه أنكر وخلص هذا الذمي، فقال جعفر بن سليمان: حدثنا الجريري قال: لما سير عامر بن عبد الله يعني ابن عبد قيس شيعه إخوانه، وكان بظهر المربد، فقال: إني داع فأمنوا، قال: اللهم، من وشى بي، وكذب علي، وأخرجني من مصري، وفرق بيني وبين إخوتي - فأكثر ماله وولده، وأصح جسمه، وأطل عمره!

وقال الحسن البصري: بعث بعامر بن عبد قيس إلى الشام، فقال: الحمد لله الذي حشرني راكبا.

وقال هشام عن قتادة: إن عامر بن عبد قيس لما احتضر جعل يبكي، فقيل: ما يبكيك؟ قال: والله ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصا على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل.

روى ضمرة عن عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه - أن قبر عامر بن عبد قيس ببيت المقدس.

وقيل: إنه توفي في زمان معاوية.

ص: 655

47 -

‌ عامر بن مسعود أبو سعد

، وقيل: أبو سعيد الزرقي الأنصاري المدني.

مختلف في صحبته. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عائشة. وعنه يونس بن ميسرة بن حلبس ومكحول.

وقيل: إنه كان زوج أسماء بنت يزيد بن السكن، سكن دمشق.

48 -

خ م ن:‌

‌ عائذ بن عمرو بن هلال

، أبو هبيرة المزني.

له صحبة ورواية، شهد بيعة الحديبية ونزل البصرة.

روى عنه الحسن ومعاوية بن قرة، وأبو جمرة الضبعي، وأبو شمر الضبعي، وأبو عمران الجوني.

وكان من فضلاء الصحابة وصالحيهم، أوصى أن يصلي عليه أبو برزة الأسلمي. وقد دخل على عبيد الله بن زياد فوعظه، وقال: إن شر الرعاء الحطمة.

49 -

د:‌

‌ عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر عبد عمرو بن صيفي بن النعمان

، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو بكر ابن الغسيل غسيل الملائكة يوم أحد، ويعرف أبو عامر بالراهب، الأنصاري الأوسي المدني.

أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وروى عنه، وهو من صغار الصحابة.

روى عنه عبد الله بن يزيد الخطمي، وابن أبي مليكة، وضمضم بن جوس، وأسماء بنت زيد بن الخطاب. وله رواية عن عمر، وكعب الأحبار. وكان رأس أهل المدينة يوم الحرة.

قال الحسن بن سوار: حدثنا عكرمة بن عمار عن ضمضم بن جوس، عن عبد الله بن حنظلة ابن الراهب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على ناقة. تفرد به الحسن، وقد وثقه أحمد وغيره.

وقال إبراهيم بن المنذر: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله سبع سنين،

ص: 656

وأصيب يوم الحرة، وأمه جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، ولدته بعد مقتل أبيه.

50 -

‌ عبد الله بن خيثمة

، أبو خيثمة الأنصاري السالمي الخزرجي.

قال ابن سعد: شهد أحدا، وبقي إلى دهر يزيد بن معاوية.

51 -

ع:‌

‌ عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري النجاري المازني المدني

، أخو حبيب الذي قطعه مسيلمة الكذاب، وعم عباد بن تميم، وهو الذي حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وله ولأبيه صحبة، وقيل: إنه الذي قتل مسيلمة مع وحشي، اشتركا في قتله، وأخذ بثأر أخيه. روى عنه ابن أخيه عباد، وسعيد بن المسيب، وواسع بن حبان وغيرهم. واستشهد يوم الحرة.

52 -

م 4:‌

‌ عبد الله بن السائب بن أبي السائب صيفي بن عابد المخزومي العابدي

، أبو السائب ويقال: أبو عبد الرحمن، المكي، قارئ أهل مكة.

له صحبة ورواية، وكان أبو السائب شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، وأسلم السائب يوم الفتح، وجاء أن عبد الله أم الناس بمكة في رمضان زمن عمر.

وقال ابن جريج: عن ابن أبي مليكة قال: رأيت ابن عباس لما فرغوا من قبر عبد الله بن السائب، وقام الناس عنه - قام ابن عباس، فوقف على قبره، فدعا له وانصرف.

روى عنه ابن أبي مليكة، وعطاء، ومجاهد، وسبطه محمد بن عباد بن جعفر، وآخرون. قرأ على أبي بن كعب. وقرأ عليه مجاهد وغيره، وآخر من روى عنه القرآن عبد الله بن كثير.

توفي بعد السبعين، وقيل غير ذلك، وهو من صغار الصحابة.

ص: 657

53 -

‌ عبد الله بن سخبرة

، أبو معمر الأزدي الكوفي.

تابعي مشهور، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عن علي، وعبد الله بن مسعود، والمقداد بن الأسود، وخباب بن الأرت.

روى عنه إبراهيم، ومجاهد، وعمارة بن عمير التيمي، وغيرهم.

وثقه ابن معين.

54 -

ع:‌

‌ عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم

، الحبر البحر أبو العباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو الخلفاء.

ولد في شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين، وذكر ابن عباس أنه يوم حجة الوداع كان قد ناهز الاحتلام.

وروى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم، فيحقق هذا.

وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين. وقال ابن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي، وأبيه العباس، وأبي ذر، وأبي سفيان بن حرب، وطائفة من الصحابة.

روى عنه أنس وغيره من الصحابة، وابنه علي، ومواليه الخمسة: كريب، وعكرمة، ومقسم، وأبو معبد نافذ، وذفيف. ومجاهد، وطاوس، وعطاء، وعروة، وسعيد بن جبير، والقاسم، وأبو الشعثاء، وأبو العالية، والشعبي، وأبو رجاء العطاردي، وعطاء بن يسار، وعلي بن الحسين، وأبو صالح السمان، وأبو صالح باذام، ومحمد بن سيرين.

والحسن البصري، وأخوه سعيد، وابن أبي مليكة، ومحمد بن كعب القرظي، وميمون بن مهران، والضحاك، وشهر بن حوشب، وعبيد بن عمير، وأبو حمزة الضبعي، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير المكي، وعبيد الله بن أبي يزيد، وإسماعيل السدي، وبكر بن عبد الله المزني، وخلق سواهم.

ص: 658

قال أبو بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبض وأنا ابن عشر حجج، قلت: وما المحكم؟ قال: المفصل.

خالفه أبو إسحاق السبيعي فروى عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة، وأنا ختين.

وقال الزهري عن عبيد الله، عن ابن عباس، قال: أقبلت راكبا على أتان، وأنا قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى.

قال الواقدي: لا خلاف بين أهل العلم عندنا أنه ولد في الشعب.

وقد ذكر أحمد بن حنبل حديث أبي بشر المذكور فقال: هذا عندي حديث واه، قال: وحديث أبي إسحاق يوافق حديث الزهري.

وقال الزبير بن بكار: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ثلاث عشرة سنة.

وقال ابن يونس: غزا ابن عباس إفريقية مع عبد الله بن سعد، وروى عنه من أهل مصر خمسة عشر نفسا.

وقال ابن منده: ولد قبل الهجرة بسنتين، قال: وكان أبيض طويلا مشربا صفرة، جسيما، وسيما، صبيحا، له وفرة، يخضب بالحناء.

وقال ابن جريج: قال لنا عطاء: ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس.

وقال إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه، عن عكرمة: إن ابن عباس كان إذا مر في الطريق قلن النساء على الحيطان: أمر المسك؟ أم مر ابن عباس؟

وقال عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: بت في بيت خالتي ميمونة، فوضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا، فقال: من وضع هذا؟ قالوا: عبد الله، فقال: اللهم، علمه التأويل وفقهه في الدين!

وقال ورقاء: حدثنا عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس، قال:

ص: 659

وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءا فقال: اللهم، فقهه في الدين وعلمه التأويل!

وروى أبو مالك عبد الملك بن الحسين النخعي عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: رأيت جبريل مرتين، ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين.

أحمد بن منصور زاج قال: حدثنا سعدان المروزي قال: حدثنا عبد المؤمن بن خالد الحنفي، عن عبد الله بن بريدة، عن ابن عباس قال: أرسلني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلب الإدام، وعنده جبريل، فقال: هو ابن عباس؟ قال: بلى، قال: فاستوص به خيرا فإنه حبر أمتك، أو قال: حبر من الأحبار. هذا حديث منكر، وعبد المؤمن ثقة، رواه أيضا محمد بن الحكم المروزي عن رجل، عنه.

قلت: جاء من غير وجه أنه رأى جبريل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي، فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لن يموت عبد الله حتى يذهب بصره، فكان كذلك.

وقال جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: وا عجبا لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله من ترى؟ فترك الرجل وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتيه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح علي التراب فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله، ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك، قال: فعاش الرجل رآني وقد اجتمع الناس علي، فقال: هذا الفتى أعقل مني!

وقال عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير قال: كان ناس من المهاجرين قد وجدوا على عمر رضي الله عنه في إدنائه ابن عباس

ص: 660

دونهم، قال: وكان يسأله، فقال عمر: أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون فضله به، فسألهم عن هذه السورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فقال بعضهم: أمر الله نبيه إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجا أن يحمده ويستغفره، فقال: تكلم يا ابن عباس! فقال ابن عباس: أعلمه متى يموت. قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} فهي آيتك من الموت {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}

وقال أبو بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان عمر يأذن لي مع أهل بدر.

وقال المعافى بن عمران عن يزيد بن إبراهيم، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس قال: إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو بكر الهذلي عن الحسن قال: كان ابن عباس من الإسلام بمنزل، وكان من القرآن بمنزل، وكان يقوم على منبرنا هذا، فيقرأ البقرة وآل عمران، فيفسرهما آية آية. وكان عمر إذا ذكره قال: ذاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول.

وقال عكرمة عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلمه إلا الرقيم، وغسلين، وحنانا.

وعن سعيد بن جبير قال: قال عمر لابن عباس: لقد علمت علما ما علمناه. سنده صحيح.

وعن يعقوب بن زيد قال: كان عمر يستشير ابن عباس في الأمر يهمه، ويقول: غواص.

وعن سعيد بن جبير، قال عمر: لا يلومني أحد على حب ابن عباس. وعن الشعبي: قال ابن عباس: قال لي أبي: يا بني، إن عمر يدنيك، فاحفظ عني ثلاثا: لا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا يجربن عليك كذبا.

ص: 661

وقال عكرمة: حرق علي ناسا ارتدوا، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أكن أحرقهم بالنار؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله. ولقتلتهم؛ لقوله عليه السلام: من بدل دينه فاقتلوه، فبلغ ذلك عليا فقال: ويح ابن أم الفضل، إنه لغواص على الهنات.

وعن سعد بن أبي وقاص قال: ما رأيت أحدا أحضر فهما، ولا ألب لبا، ولا أكثر علما، ولا أوسع حلما - من ابن عباس، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، فلا يجاوز قوله، وإن حوله لأهل بدر.

وعن طلحة بن عبيد الله قال: لقد أعطي ابن عباس فهما ولقنا وعلما، وما كنت أرى عمر يقدم عليه أحدا. هذا والذي قبله من رواية الواقدي.

وقال الأعمش عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله قال: لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عشره منا أحد. وفي لفظ: ما عاشره منا أحد. وكذا قال جعفر بن عون وغيره، والأول أصح.

وقال الأعمش عن إبراهيم قال: قال عبد الله: لو أن هذا الغلام أدرك ما أدركنا ما تعلقنا معه بشيء.

قال الأعمش: وسمعتهم يتحدثون أن عبد الله قال: ولنعم ترجمان القرآن ابن عباس.

وقال الواقدي: حدثنا مخرمة بن بكير عن أبيه، عن بسر بن سعيد، عن محمد بن أبي بن كعب: سمعت أبي يقول، وكان عنده ابن عباس، فقام فقال: هذا يكون حبر هذه الأمة، أرى عقلا وفهما، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفقهه في الدين.

وقال الواقدي: حدثنا أبو بكر بن أبي سبرة، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة قال: سمعت معاوية يقول: مولاك والله أفقه من مات ومن عاش.

ص: 662

وعن عائشة قالت: ابن عباس أعلم من بقي بالحج.

وقال مجاهد: ما رأيت أحدا قط مثل ابن عباس، لقد مات يوم مات، وإنه لحبر هذه الأمة، كان يسمى البحر لكثرة علمه.

وعن عبيد الله بن عبد الله قال: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبق إليه، وفقه فيما احتيج إليه، وحلم ونسب ونائل، ولا رأيت أحدا أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بقضاء أبي بكر، وعمر وعثمان - منه، ولا أعلم بشعر منه، ولا أعلم بعربية، ولا بتفسير، ولا بحساب، ولا بفريضة منه، ولا أعلم بما مضى ولا أثقب رأيا فيما احتيج إليه منه.

ولقد كنا نحضر عنده فيحدثنا العشية كلها في المغازي، والعشية كلها في النسب، والعشية كلها في الشعر. رواه ابن سعد عن الواقدي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عنه.

وعن مسروق قال: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، فإذا نطق قلت: أفصح الناس، فإذا تحدث قلت: أعلم الناس.

وقال القاسم بن محمد: ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلا قط.

وقال صالح بن رستم عن ابن أبي مليكة قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان يصلي ركعتين. فإذا نزل قام شطر الليل، ويرتل القرآن حرفا حرفا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب.

وقال معتمر بن سليمان عن شعيب بن درهم، عن أبي رجاء قال: رأيت ابن عباس وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من البكاء.

وجاء عنه أنه كان يصوم الاثنين والخميس.

وقد ولي البصرة لعلي، وشهد معه صفين، فكان على ميسرته. وقد وفد على معاوية، فأكرمه وأجازه. وجاء أنه كان يلبس حلة بألف درهم.

أبو جناب الكلبي، عن شيخ - أن ابن عباس شهد الجمل مع علي.

وقال مجالد عن الشعبي: أقام علي بعد الجمل خمسين ليلة، ثم أقبل إلى الكوفة، واستخلف ابن عباس على البصرة. ولما قتل علي حمل ابن عباس مبلغا من المال ولحق بالحجاز، واستخلف على البصرة.

ص: 663

عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن رشدين بن كريب، عن أبيه قال: رأيت ابن عباس يعتم بعمامة سوداء حرقانية، ويرخيها شبرا.

محمد بن أبي يحيى، عن عكرمة: كان ابن عباس إذا اتزر أرخى مقدم إزاره، حتى تقع حاشيته على ظهر قدمه.

ابن جريج: أخبرنا الحسن بن مسلم عن سعيد بن جبير أن ابن عباس كان ينهى عن كتاب العلم، وأنه قال: إنما أضل من كان قبلكم الكتب.

حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو واه، عن أبي الزناد، عن الأعرج - أن ابن عباس قال: قيدوا العلم بالكتب.

نافع بن عمر: حدثنا عمرو بن دينار أنهم كلموا ابن عباس أن يحج بهم وعثمان محصور، فدخل عليه، فأخبره، فأمره أن يحج بالناس، فحج بالناس. فلما قدم وجد عثمان قد قتل، فقال لعلي: إن أنت قمت بهذا الأمر الآن ألزمك الناس دم عثمان إلى يوم القيامة.

معتمر بن سليمان وغيره، عن سليمان التيمي، عن الحسن قال: أول من عرف بالبصرة ابن عباس، كان مثجا، كثير العلم. قال: فقرأ سورة البقرة، ففسرها آية آية.

ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: كان ابن عباس إذا سئل عن الأمر؛ فإن كان في القرآن أو السنة أخبر به، وإلا اجتهد رأيه.

الحمادن، عن علي بن زيد، عن سعيد بن جبير، ويوسف بن مهران قالا: ما نحصي ما سمعنا ابن عباس يسأل عن الشيء من القرآن، فيقول: هو كذا، أما سمعت الشاعر يقول: كذا وكذا.

أبو أمية بن يعلى، عن سعيد بن أبي سعيد قال: كنت عند ابن عباس، فقيل له: كيف صومك؟ قال أصوم الاثنين والخميس.

ص: 664

مالك بن دينار، عن عكرمة: كان ابن عباس يلبس الخز، ويكره المصمت منه.

أبو عوانة، عن أبي الجويرية: رأيت إزار ابن عباس إلى أنصاف ساقيه.

شريك، عن أبي إسحاق قال: رأيت ابن عباس طويل الشعر أيام منى، أظنه قصر، ورأيت في إزاره بعض الإسبال.

ابن جريج، عن عطاء: رأيت ابن عباس يصفر، يعني لحيته.

يونس بن يزيد، عن الزهري، قال: استعمل عثمان على الحج وهو محصور ابن عباس، فلما صدر عن الموسم إلى المدينة، بلغه وهو ببعض الطريق قتل عثمان، فجزع ولقي من ذلك وقال: يا ليتني لا أصل حتى تأتيني قاتلة فتقتلني!

فلما قدم على علي خرج معه إلى البصرة، يعني في وقعة الجمل. ولما سار الحسين إلى الكوفة قال ابن عباس لابن الزبير، وقد لقيه بمكة: خلا لك والله يا ابن الزبير الحجاز، فقال: والله ما ترون إلا أنكم أحق بهذا الأمر من سائر الناس! وتكالما حتى علت أصواتهما، حتى سكتهما رجال من قريش. وكان ابن عباس وابن الحنفية قد نزلا بمكة في أيام فتنة ابن الزبير، فطلب منهما أن يبايعاه، فامتنعا وقالا: أنت وشأنك، لا نعرض لك ولا لغيرك.

وعن عطية العوفي أن ابن الزبير ألح عليهما في البيعة وقال: والله لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار، فبعثنا أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة، فانتدب أربعة آلاف، وساروا فلبسوا السلاح حتى دخلوا مكة، وكبروا تكبيرة سمعها الناس. وانطلق ابن الزبير من المسجد هاربا، ويقال: تعلق بالأستار، وقال: أنا عائذ الله! قال بعضهم: ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية، وقد عمل حول دورهم الحطب ليحرقها، فخرجنا بهم حتى نزلنا بهم الطائف.

قلت: فأقام ابن عباس بالطائف سنة أو سنتين لم يبايع أحدا.

وقال ابن الحنفية لما دفن ابن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة.

ص: 665

رواه سالم بن أبي حفصة، عن أبي كلثوم، عنه.

وقال أبو الزبير المكي: لما مات ابن عباس جاء طائر أبيض، فدخل في أكفانه.

وروى عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد: فما رؤي بعد.

توفي سنة ثمان وستين. قاله غير واحد، وله نيف وسبعون سنة.

روى الواقدي أن ابن عباس عاش إحدى وسبعين سنة، وقيل: اثنتين وسبعين سنة.

وقال إسماعيل بن أبي خالد عن شعيب بن يسار قال: لما أدرج ابن عباس في كفنه دخل فيه طائر أبيض، فما رؤي حتى الساعة.

عفان: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا يعلى بن عطاء عن بجير بن أبي عبيد - أن ابن عباس مات بالطائف، فلما أخرج بنعشه جاء طائر عظيم أبيض من قبل وج حتى خالط أكفانه، فلم يدر أين ذهب.

55 – ع:‌

‌ عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم

، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الرحمن، القرشي السهمي.

من نجباء الصحابة وعلمائهم، كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، وروى أيضا عن أبيه، وأبي بكر، وعمر.

روى عنه حفيده شعيب بن محمد بن عبد الله، وسعيد بن المسيب وعروة، وطاوس، وأبو سلمة ومجاهد، وعكرمة، وجبير بن نفير، وعطاء، وابن أبي مليكة، وأبو عبد الرحمن الحبلي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وحميد بن عبد الرحمن، وسالم بن أبي الجعد، ووهب بن منبه، وخلق سواهم.

وأسلم قبل أبيه، ولم يكن أصغر من أبيه إلا باثنتي عشرة سنة، وقيل: بإحدى عشرة سنة. وكان واسع العلم، مجتهدا في العبادة، عاقلا يلوم أباه على القيام مع معاوية بأدب وتؤدة.

قال قتادة: كان رجلا سمينا.

ص: 666

وقال علي بن زيد بن جدعان عن العريان بن الهيثم قال: وفدت مع أبي إلى يزيد، فجاء رجل طوال، أحمر، عظيم البطن، فقلت: من ذا؟ قيل: عبد الله بن عمرو.

وقال ابن أبي مليكة: قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم أهل البيت: عبد الله، وأبو عبد الله، وأم عبد الله.

وروي نحوه من حديث ابن لهيعة، عن مشرح، عن عقبة بن عامر.

وقال ابن جريج: سمعت ابن أبي مليكة يحدث عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأه في شهر، قلت: يا رسول الله، دعني أستمتع من قوتي وشبابي، فأبى.

وقال أحمد في مسنده: حدثنا قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة عن واهب بن عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو، قال: رأيت كأن في أحد إصبعي سمنا وفي الأخرى عسلا، فأنا ألعقهما. فلما أصبحت ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تقرأ الكتابين: التوراة، والفرقان، فكان يقرؤهما.

وعن شفي، عن عبد الله قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل. وقال أبو قبيل: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: كنا عند

ص: 667

رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ما يقول.

وقال ابن إسحاق وغيره عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قلت: يا رسول الله، أكتب ما أسمع منك في الرضا والغضب؟ قال: نعم؛ فإني لا أقول إلا حقا.

وقال أبو هريرة: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب، وكنت لا أكتب.

وقال إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن مجاهد، قال: دخلت على عبد الله بن عمرو، فتناولت صحيفة تحت رأسه، فتمنع علي، فقلت: تمنعني شيئا من كتبك؟ فقال: إن هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه أحد، فإذا سلم لي كتاب الله، وسلمت لي هذه الصحيفة والوهط، لم أبال ما صنعت الدنيا. الوهط: بستانه بالطائف.

وقال عياش بن عباس عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو قال: لأن أكون عاشر عشرة مساكين يوم القيامة أحب إلي من أن أكون عاشر عشرة أغنياء؛ فإن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا، يقول: يتصدق يمينا وشمالا.

وقال شعبة عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، قال: كنت أصنع الكحل لعبد الله بن عمرو، وكان يطفئ السراج ثم يبكي، حتى رسعت عيناه.

وعن عبد الله بن عمرو قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيتي فقال: ألم أخبر أنك تكلفت قيام الليل وصيام النهار؟ قلت: إني لأفعل. قال: إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وذكر الحديث.

وقال خليفة: كان عبد الله على ميمنة معاوية بصفين، وقد ولاه معاوية الكوفة، ثم عزله بالمغيرة بن شعبة.

ص: 668

وقال أحمد في مسنده: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا العوام قال: حدثني أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد قال: بينا أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار، كل واحد يقول: أنا قتلته! فقال عبد الله بن عمرو: ليطب أحدكما به نفسا لصاحبه؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية! فقال معاوية: يا عمرو، ألا ترد عنا مجنونك! فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: أطع أباك ما دام حيا، فأنا معكم، ولست أقاتل.

وقال ابن أبي مليكة: قال ابن عمرو: مالي ولصفين! مالي ولقتال المسلمين! لوددت أني مت قبلها بعشرين سنة، أما والله على ذلك ما ضربت بسيف، ولا رميت بسهم. وذكر أنه كانت الراية بيده.

وقال قتادة: عن عبد الله بن بريدة، عن سليمان بن الربيع، قال: انطلقت في رهط من نساك أهل البصرة إلى مكة، فقلنا: لو نظرنا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثنا، فدللنا على عبد الله بن عمرو. فأتينا منزله، فإذا قريب من ثلاثمائة راحلة، فقلنا: على كل هؤلاء حج عبد الله؟ قالوا: نعم، هو ومواليه وأحباؤه. فانطبقنا إلى البيت، فإذا رجل أبيض الرأس واللحية، بين بردين قطريين، عليه عمامة، ليس عليه قميص. رواه حسين المعلم عن ابن بريدة، فقال: عن سليمان بن ربيعة الغنوي.

قال غير واحد: إنه توفي سنة خمس وستين، وتوفي بمصر على الصحيح. وقيل: مات بالطائف. وقيل: مات بمكة. وقيل: مات بالشام. فالله أعلم.

56 -

‌ عبد الله بن مسعدة الفزاري

، ويقال: ابن مسعود، ويدعى صاحب الجيوش؛ لأنه كان أميرا على غزو الروم.

قال الطبراني: له صحبة.

ص: 669

وقال الحافظ ابن عساكر: له رؤية، ونزل دمشق، وبعثه يزيد مقدما على جند دمشق في جملة جيش مسلم بن عقبة إلى الحرة، ثم بايع مروان بالجابية.

وقال عبد الرزاق: حدثنا ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن مسعدة - أن النبي صلى الله عليه وسلم سها في صلاة، وذكر الحديث.

وقيل: إن ابن مسعدة من سبي فزارة، وهبه النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة، فأعتقته.

وقال عباد بن عبد الله بن الزبير: كان ابن مسعدة شديدا في قتال ابن الزبير، فجرحه مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، فما عاد للحرب حتى انصرفوا.

57 – ع:‌

‌ عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصين الأنصاري الأوسي الخطمي

، أبو موسى.

شهد الحديبية، وله سبع عشرة سنة. وروى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن حذيفة، وزيد بن ثابت.

روى عنه ابن بنته عدي بن ثابت، والشعبي ومحارب بن دثار، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون.

وكان من نبلاء الصحابة، كان الشعبي كاتبه وشهد أبوه يزيد أحدا، ومات قبل الفتح. وشهد أبو موسى مع علي صفين والنهروان، وولي إمرة الكوفة لابن الزبير، فاستكتب الشعبي، وذلك في سنة خمس وستين، ثم صرف بعبد الله بن مطيع.

مسعر، عن ثابت بن عبيد، قال: رأيت على عبد الله بن يزيد خاتما من ذهب، وطيلسانا مدبجا.

الواقدي: حدثنا جحاف بن عبد الرحمن، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد - أن الفيل لما برك على أبي عبيد يوم الجسر فقتله، هرب الناس، فسبقهم عبد الله بن يزيد الخطمي فقطع الجسر، وقال:

ص: 670

قاتلوا عن أميركم! ثم قدم عبد الله بن يزيد فأسرع السير، وأخبر عمر خبرهم.

58 – د:‌

‌ عبد الله بن أبي أحمد

، ابن جحش بن رئاب الأسدي. اسم أبيه عبد.

أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن أبيه، وعلي، وكعب الأحبار، وغيرهم.

روى عنه سعيد بن عبد الرحمن، وحسين بن السائب، وعبد الله بن الأشج.

ووفد على معاوية، وكان سمحا جوادا، وكان أبوه من المهاجرين.

قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن، عن إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز، عن أبيه، قال: قال عبد الله بن أبي أحمد: قدمت من عند معاوية بثلاث مائة ألف دينار، فأقمت سنة، وحاسبت قوامي، فوجدتني قد أنفقت مائة ألف دينار، ليس بيدي منها إلا رقيق وغنم وقصور، ففزعت من ذلك. فلقيت كعب الأحبار، فذكرت ذلك له، فقال: أين أنت من النخل؟

قلت: هذا حديث منكر، ويقوي وهنه أنه يقول فيه: فلقيت كعبا، وكعب قد مات في خلافة عثمان، قبل أيام معاوية بسنين.

59 -

د:‌

‌ عبد الرحمن بن أزهر الزهري

، ابن عم عبد الرحمن بن عوف.

له صحبة ورواية، وشهد حنينا.

روى عنه ابناه عبد الله، وعبد الحميد، وطلحة بن عبد الله بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن إبراهيم التيمي.

وأمه من بني عبد مناف، وهو مقل من الرواية، له أربعة أحاديث.

60 – خ د ق:‌

‌ عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث بن وهب

، أبو محمد القرشي الزهري المدني.

روى عن أبي بكر، وعمر، وأبي بن كعب.

روى عنه عبيد الله بن عدي

ص: 671

ابن الخيار، ومروان بن الحكم - وهما من طبقته - وأبو سلمة بن عبد الرحمن.

وكان من أشراف قريش. قيل: إنه شهد فتح دمشق، وأنه ممن عين في حكومة الحكمين، فقالوا: ليس له ولا لأبيه هجرة، وكان ذا منزلة من عائشة، وأبوه ممن نزل فيه {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}

قال أحمد العجلي: هو ثقة، من كبار التابعين.

وقال أبو صالح كاتب الليث: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: لما حصر عثمان اطلع من فوق داره، فذكر لهم أنه يستعمل عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث على العراق، فبلغ ذلك عبد الرحمن، فقال: والله لركعتان أركعهما أحب إلي من إمرة العراق.

61 -

‌ عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة بن عمرو

، أبو يحيى اللخمي

رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن أبي عبيدة بن الجراح، وعمر، وعثمان، ووالده.

روى عنه ابنه يحيى، وعروة بن الزبير.

وكان فقيها ثقة. ذكره ابن سعد وغيره.

توفي سنة ثمان وستين.

62 -

‌ عبد الرحمن بن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام

، أبو محمد، ويقال: أبو سعيد الأنصاري الخزرجي المدني، الشاعر المشهور، ابن شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقال: إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وله رواية عن أبيه.

وأمه سيرين القبطية أخت مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم وأم إبراهيم.

حكى محمد بن كثير عن الأوزاعي أن معاوية قال له ابنه يزيد: ألا

ص: 672

ترى إلى عبد الرحمن بن حسان يشبب بابنتك؟ فقال: وما يقول؟ قال: يقول: هي زهراء مثل لؤلؤة الغـ واص ميزت من جوهر مكنون فقال: صدق.

قال: فإنه يقول: فإذا ما نسبتها لم تجدها في سناء من المكارم دون قال: صدق.

قال: فإنه يقول: ثم خاصرتها إلى القبة الخضـ راء أمشي في مرمر مسنون قال معاوية: كذب.

خاصرتها أخذت بيدها.

ولعبد الرحمن شعر سائر، وفيه يقول بعضهم: فمن للقوافي بعد حسان وابنه ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت

63 -

‌ عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية

، أبو حرب، ويقال: أبو الحارث الأموي، أخو مروان.

شاعر محسن، شهد يوم الدار مع عثمان، ومن شعره: وأكرم ما تكون علي نفسي إذا ما قل في الكربات مالي فتحسن سيرتي وأصون عرضي ويجمل عند أهل الرأي بالي وقد عاش إلى يوم مرج راهط، فقال ابن الأعرابي: قال عبد الرحمن بن الحكم: لحا الله قيسا قيس عيلان إنها أضاعت فروج المسلمين وولت أترجع كلب قد حمتها رماحها وتترك قتلى راهط ما أجنت فشاول بقيس في الطعان ولا تكن أخاها إذا ما المشرفية سلت ألا إنما قيس بن عيلان قملة إذا شربت هذا العصير تغنت

64 -

ن:‌

‌ عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي

.

ص: 673

أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن أبيه، وعمه عمر بن الخطاب.

روى عنه ابنه عبد الحميد، وسالم بن عبد الله، وحسين بن الحارث، وأبو جناب الكلبي.

وولي إمرة مكة ليزيد.

قال الزبير: كان عبد الرحمن فيما زعموا من أطول الرجال وأتمهم، وكان شبيها بأبيه، وكان عمر إذا نظر إليه قال: أخوكم غير أشيب قد أتاكم بحمد الله عاد له الشباب وزوجه عمر بابنته فاطمة، فولدت له عبد الله.

وقال ابن سعد: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ست سنين، وجده أبو لبابة بن عبد المنذر. وتوفي أيام عبد الله بن الزبير.

وقال غيره: ولاه يزيد مكة سنة ثلاث وستين.

65 -

خ ت:‌

‌ عبد الرحمن بن عمرو بن سهل الأنصاري

، وهو عبد الرحمن بن سهل.

عن سعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وقيل: لقي عثمان.

وعنه طلحة بن عبد الله بن عوف، وابنه عمرو بن عبد الرحمن، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب.

ويقال: قتل يوم الحرة، وقيل: بقي إلى زمن عبد الملك.

66 – ت:‌

‌ عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني

.

صحابي، له أحاديث، وقد سكن حمص وتاجر.

روى عنه خالد بن معدان، والقاسم أبو عبد الرحمن، وربيعة بن يزيد القصير.

وبعضهم يقول: هو تابعي.

67 -

‌ عبيد الله بن زياد بن عبيد

، المعروف أبوه بزياد بن أبيه عند

ص: 674

الناس، وعند بني أمية بزياد بن أبي سفيان.

قد ذكرنا أن زيادا استلحقه معاوية وجعله أخاه، ولي أبو حفص عبيد الله إمرة الكوفة لمعاوية، ثم ليزيد، ثم ولاه إمرة العراق.

وقد روى عن سعد بن أبي وقاص، وغيره.

قال الفضل بن دكين: ذكروا أن عبيد الله بن زياد كان له وقت قتل الحسين ثمان وعشرون سنة.

وقال ابن معين: هو ابن مرجانة، وهي أمُّه.

وعن معاوية أنه كتب إلى زياد: أن أوفد علي ابنك عبيد الله، ففعل، فما سأله معاوية عن شيء إلا أنفذه له، حتى سأله عن الشعر، فلم يعرف منه شيئا، فقال: ما منعك من رواية الشعر؟ قال: كرهت أن أجمع كلام الله وكلام الشيطان في صدري! فقال: اغرب، والله لقد وضعت رجلي في الركاب يوم صفين مرارا، فما يمنعني من الهزيمة إلا أبيات ابن الإطنابة، حيث يقول:

أبت لي عفتي وأبى بلائي وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإعطائي على الإعدام مالي وإقدامي على البطل المشيح وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي وكتب إلى أبيه فرواه الشعر، فما سقط عليه منه بعد شيء.

قال أبو رجاء العطاردي: ولى معاوية عبيد الله البصرة سنة خمس وخمسين، فلما ولي يزيد الخلافة ضم إليه الكوفة.

وقال خليفة: وفي سنة ثلاث وخمسين ولى معاوية عبيد الله بن زياد خراسان، وفي سنة أربع غزا عبيد الله خراسان وقطع النهر إلى بخارى على الإبل، فكان أول عربي قطع النهر، فافتتح زامين ونسف وبيكند من عمل بخارى.

وقال أبو عتاب: ما رأيت رجلا أحسن وجها من عبيد الله بن زياد.

ص: 675

ونقل الخطابي أن أم عبيد الله، يعني مرجانة، كانت بنت بعض ملوك فارس.

قال أبو وائل: دخلت على ابن زياد بالبصرة، فإذا بين يديه تل من ورق، ثلاثة آلاف ألف من خراج أصبهان، فقال: ما ظنك برجل يموت ويدع مثل هذا؟ فقلت: فكيف إذا كان من غلول؟ قال: ذاك شر على شر.

وروى السري بن يحيى، عن الحسن البصري قال: قدم علينا عبيد الله، أمره علينا معاوية، غلاما سفيها، يسفك الدماء سفكا شديدا، فدخل عليه عبد الله بن مغفل المزني، فقال: انته عما أراك تصنع؛ فإن شر الرعاء الحطمة، قال: ما أنت وذاك، إنما أنت من حثالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له: وهل كان فيهم حثالة؟ لا أم لك! بل كانوا أهل بيوتات وشرف! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من إمام ولا وال بات ليلة غاشا لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. ثم خرج من عنده، فأتى المسجد، فجلست إليه، ونحن نعرف في وجهه ما قد لقي منه، فقلت له: يغفر الله لك أبا زياد، ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس الناس؟ فقال: إنه كان عندي علم خفي من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحببت أن لا أقول حتى أقول به علانية، ولوددت أن داره وسعت أهل هذا المصر، حتى سمعوا مقالتي ومقالته. قال: فما لبث الشيخ أن مرض، فأتاه الأمير عبيد الله يعوده، قال: أتعهد إلينا شيئا نفعل فيه الذي تحب؟ قال: أسألك أن لا تصلي علي، ولا تقم على قبري.

قال الحسن: وكان عبيد الله رجلا جبانا فركب، فإذا الناس في السكك، ففزع وقال: ما لهؤلاء؟ قالوا: مات عبد الله بن مغفل، فوقف حتى مر بسريره، فقال: أما إنه لولا أنه سألنا شيئا فأعطيناه إياه لسرنا معه.

له إسناد آخر، وإنما الصحيح كما أخرجه مسلم أن الذي دخل عليه وكلمه عائذ بن عمرو المزني، ولعلهما واقعتان، فقال جرير بن حازم: حدثنا الحسن أن عائذ بن عمرو دخل على ابن زياد، فقال: أي بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم،

ص: 676

فقال: اجلس، فإنما أنت من نخالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل هؤلاء كان لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم.

المحاربي: حدثنا ابن إسحاق عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، عن الحسن، قال: كان عبد الله بن مغفل أحد الذين بعثهم عمر إلى البصرة ليفقهونهم، فدخل عليه عبيد الله بن زياد يعوده، فقال: اعهد إلينا أبا زياد؛ فإن الله قد كان ينفعنا بك! قال: وهل أنت فاعل ما آمرك به؟ قال: نعم، قال: إذا مت لا تصل علي، وذكر بقية الحديث.

وقد ذكرنا مقتل عبيد الله في سنة سبع وستين يوم عاشوراء، كذا ورخه أبو اليقظان.

وروى يزيد بن أبي زياد، عن أبي الطفيل قال: عزلنا سبعة رؤوس وغطيناها، منها رأس حصين بن نمير، وعبيد الله بن زياد، فجئت فكشفتها، فإذا حية في رأس عبيد الله تأكله.

روى الترمذي نحوه، وصححه من حديث الأعمش، عن عمارة بن عمير، قال: جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه، فأتيت وهم يقولون: قد جاءت، قد جاءت، فإذا حية قد جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله، فمكثت هنيهة، ثم خرجت، فذهبت حتى تغيبت، ثم قالوا: قد جاءت قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا.

68 -

م ت د ن:‌

‌ عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف

.

له صحبة وحديث رواه عنه عبد الله بن الحارث بن نوفل، وروى عن علي حديثا.

توفي بدمشق، وداره بزقاق الهاشميين، وكان شابا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليوليه عمالة، والحديث في مسلم، وفي المسند والترمذي.

ص: 677

قال مصعب الزبيري: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن الحارث أن يزوج بنته عبد المطلب بن ربيعة، ففعل وسكن الشام في أيام عمر.

وقال خليفة: توفي عبد المطلب في دولة يزيد.

وقال الطبراني: توفي سنة إحدى وستين.

69 -

‌ عبيد الله بن علي بن أبي طالب الهاشمي

، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد التميمي، أخت نعيم بن مسعود.

قدم على مصعب بن الزبير، فوصله بمائة ألف درهم، ثم قتل معه في محاربة المختار سنة سبع وستين.

70 -

ع:‌

‌ عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي

، أبو طريف الطائي، ويكنى أبا وهب، ولد حاتم الجواد.

وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة سبع، فأكرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سيد قومه. له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر.

روى عنه الشعبي، ومحل بن خليفة الطائي، وسعيد بن جبير، وخيثمة بن عبد الرحمن، وعبد الله بن معقل المزني، وتميم بن طرفة، وهمام بن الحارث، ومصعب بن سعد، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون.

قدم الشام مع خالد من العراق، ثم وجهه خالد بالأخماس إلى أبي بكر، وسكن الكوفة مدة، ثم قرقيسياء.

وقال أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة قال: كنت أسأل الناس عن حديث عدي بن حاتم، وهو إلى جنبي لا آتيه، فأتيته فسألته، فقال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث بعث، فكرهته أشد ما كرهت شيئا قط، حتى كنت في أقصى أرض مما يلي الروم، فكرهت مكاني ذلك.

ص: 678

فقلت: لو أتيت هذا الرجل؛ فإن كان كاذبا لم يخف علي، وإن كان صادقا اتبعته. فأقبلت، فلما قدمت المدينة استشرفني الناس، وقالوا: جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن حاتم، فأتيته، فقال لي: يا عدي، أسلم تسلم، قلت: إن لي دينا، قال: أنا أعلم بدينك منك، ألست ترأس قومك؟ قلت: بلى. قال: ألست ركوسيا تأكل المرباع؟ قلت: بلى، قال: فإن ذلك لا يحل لك في دينك. قال: فتضعضت لذلك، ثم قال: يا عدي، أسلم تسلم، فأظن مما يمنعك أن تسلم خصاصة تراها بمن حولي، وأنك ترى الناس علينا إلبا واحدا! هل أتيت الحيرة؟ قلت: لم آتها، وقد علمت مكانها، قال: توشك الظعينة أن ترتحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحن علينا كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز مرتين أو ثلاثا. وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة. قال عدي: فلقد رأيت اثنتين، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة، يعني فيض المال.

وقال قيس بن أبي حازم وغيره: إن عدي بن حاتم جاء إلى عمر فقال: أما تعرفني؟ قال: أعرفك، أقمت إذ كفروا، ووفيت إذ غدروا، وأقبلت إذ أدبروا. ورواه جماعة عن الشعبي، وكان قد أتى عمر يسأله من المال.

وقال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد عن نافع مولى بني أسيد، عن نائل مولى عثمان قال: جاء عدي بن حاتم إلى باب عثمان وأنا عليه، فمنعته، فلما خرج عثمان إلى الظهر عرض له. فلما رآه عثمان رحب به وانبسط له، فقال عدي: انتهيت إلى بابك وقد عم إذنك الناس، فحجبني هذا، فالتفت عثمان إلي فانتهرني وقال: لا تحجبه، واجعله أول من يدخل، فلعمري إنا لنعرف حقه وفضله ورأي الخليفتين فيه وفي قومه؛ فقد جاءنا بالصدقة يسوقها، والبلاد كأنها شعل النار من أهل الردة، فحمده المسلمون على ما رأوا منه.

ص: 679

وقال ابن عيينة: حدثت عن الشعبي عن عدي قال: ما دخلت وقت صلاة حتى أشتاق إليها.

وعن عدي قال: ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء.

وقال أبو عبيدة: كان عدي بن حاتم على طيئ يوم صفين مع علي.

وقال سعيد بن عبد الرحمن، عن ابن سيرين، قال: لما قتل عثمان قال عدي بن حاتم: لا ينتطح فيها عنزان، ففقئت عينه يوم صفين، فقيل له: أليس قلت: لا ينتطح فيها عنزان؟ فقال: بلى، وتفقأ عيون كثيرة. وروي أن ابنه قتل يومئذ.

وقال أبو إسحاق: رأيت عديا رجلا جسيما أعور، فرأيته يسجد على جدار ارتفاعه من الأرض ذراع أو نحو ذراع.

وقال أبو حاتم السجستاني: قالوا: وعاش عدي بن حاتم مائة وثمانين سنة، فلما أسن استأذن قومه في وطاء يجلس فيه في ناديهم، وقال: إني أكره أن يظن أحدكم أني أرى أن لي عليه فضلا، ولكني قد كبرت ورق عظمي.

وروى جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، قال: خرج عدي بن حاتم، وجرير بن عبد الله البجلي، وحنظلة الكاتب من الكوفة، فنزلوا قرقيسياء وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان.

قال أبو عبيد: توفي عدي سنة ست وستين.

وقال ابن سعد: توفي سنة ثمان وستين.

وقال هشام ابن الكلبي: توفي سنة سبع وستين، وله مائة وعشرون سنة.

71 -

ع:‌

‌ عروة بن الجعد

، ويقال: ابن أبي الجعد، البارقي الأسدي. وبارق جبل نزله قومه.

له صحبة ورواية ثلاثة أحاديث، استعمله عمر على قضاء الكوفة

ص: 680

مع سلمان بن ربيعة قبل شريح، قاله الشعبي.

روى عنه الشعبي، ولمازة بن زبار، والعيزار بن حريث، وشبيب بن غرقدة، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم.

وقد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم دينارا ليشتري له أضحية، فاشترى له شاتين، فباع إحداهما بدينار، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لو اشترى التراب ربح فيه.

وقال شبيب بن غرقدة: رأيت في دار عروة يعني البارقي سبعين فرسا مربوطة.

قال ابن سعد: كان عروة مرابطا، وله أفراس، فيها فرس أخذه بعشرين ألف درهم.

72 – 4:‌

‌ عطية القرظي

.

له صحبة ورواية قليلة. روى عنه مجاهد، وكثير من السائب، وعبد الملك بن عمير.

وقال: كنت من سبي بني قريظة، فكان من أنبت قتل، فكنت فيمن لم ينبت، فتركت.

73 -

خ د ت ن:‌

‌ عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي أبو سروعة القرشي

النوفلي المكي.

أسلم يوم الفتح، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر.

روى عنه إبراهيم

ص: 681

ابن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد بن أبي مريم المكي، وابن أبي مليكة، وغيرهم. وهو قاتل خبيب.

وأما أبو حاتم الرازي فقال: ليس هو الذي روى عنه ابن أبي مليكة؛ فإن أبا سروعة قديم الوفاة.

حماد بن زيد: حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة قال: سمعت عقبة بن الحارث، وحدثني صاحب لي، وأنا لحديث صاحبي أحفظ، قال عقبة: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب، فدخلت علينا امرأة سوداء، فزعمت أنها أرضعتنا جميعا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عني، ثم قلت: إنها كاذبة، قال: وما يدريك أنها كاذبة وقد قالت ما قالت؟ دعها عنك!

قلت: فيه دليل على ترك الشبهات، وفيه الرجوع من اليقين إلى الظن احتياطا وورعا، واستبراء للعرض والدين.

74 -

‌ عقبة بن نافع بن عبد قيس بن لقيط القرشي الفهري الأمير

.

قال أبو سعيد بن يونس: يقال: إن له صحبة، ولم تصح، شهد فتح مصر واختط بها، وولي المغرب لمعاوية ويزيد بن معاوية، وهو الذي بنى قيروان إفريقية وأنزلها المسلمين، قتله البربر بتهودة من أرض المغرب سنة ثلاث وستين، وولده بمصر والمغرب.

وقال ابن عساكر: وفد على معاوية ويزيد، وحكى عن معاوية، روى عنه قوله ابنه أبو عبيدة مرة وعبد الله بن هبيرة، وعلي بن رباح، وعمار بن سعد، وغيرهم.

وقال الواقدي: حدثنا الوليد بن كثير عن يزيد بن أبي حبيب، عن

ص: 682

أبي الخير قال: لما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاص إلى القرى التي حولها الخيل يطأوهم، فبعث عقبة بن نافع بن عبد قيس، وكان نافع أخا العاص بن وائل السهمي لأمه، فدخلت خيولهم أرض النوبة غزاة غزوا كصوائف الروم، فلقي المسلمون من النوبة قتالا شديدا، رشقوهم بالنبل، فلقد جرح عامتهم، وانصرفوا بحدق مفقأة.

قال الواقدي: لما ولي معاوية وجه عقبة بن نافع على عشرة آلاف إلى إفريقية، فافتتحها واختط قيروانها، وقد كان موضعه غيضة لا ترام من السباع والحيات، فدعا عليها، فلم يبق منها شيء إلا خرج هاربا بإذن الله، حتى إن كانت السباع وغيرها لتحمل أولادها، فحدثني موسى بن علي، عن أبيه قال: نادى عقبة: إنا نازلون فأظعنوا فخرجن من جحورهن هوارب.

وقال محمد بن عمرو: عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: لما افتتح عقبة بن نافع إفريقية وقف وقال: يا أهل الوادي، إنا حالون إن شاء الله، فأظعنوا، ثلاث مرات. قال: فما رأينا حجرا ولا شجرا إلا يخرج من تحته دابة، حتى هبطن بطن الوادي، ثم قال لنا: انزلوا باسم الله.

وعن مفضل بن فضالة وغيره قالوا: كان عقبة بن نافع مجاب الدعوة.

وعن علي بن رباح قال: قدم عقبة بن نافع على يزيد، فرده واليا على إفريقية سنة اثنتين وستين، فخرج سريعا لحنقه على أبي المهاجر دينار، هو مولى مسلمة بن مخلد، فأوثق أبا المهاجر في الحديد، ثم غزا إلى السوس الأدنى، وأبو المهاجر معه مقيد، ثم رجع وقد سبقه أكثر الجيش، فعرض له كسيلة في جمع من البربر والروم، فالتقوا، فقتل عقبة وأصحابه وأبو المهاجر.

75 -

ع:‌

‌ علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك

، أبو شبل النخعي الكوفي، الفقيه المشهور، خال إبراهيم النخعي، وشيخه، وعم الأسود بن يزيد.

أدرك الجاهلية، وسمع: عمر، وعثمان، وعليا، وابن مسعود، وأبا

ص: 683

الدرداء، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة، وأبا موسى، وحذيفة، وتفقه بابن مسعود وقرأ عليه القرآن.

روى عنه إبراهيم النخعي، والشعبي، وإبراهيم بن سويد النخعي، وهني بن نويرة، وأبو الضحى مسلم، وعبد الرحمن بن يزيد النخعي أخو الأسود، والقاسم بن مخيمرة والمسيب بن رافع، وأبو ظبيان.

وقرأ عليه القرآن يحيى بن وثاب، وعبيد بن نضيلة، وأبو إسحاق، وغيرهم.

وكان فقيها إماما مقرئا، طيب الصوت بالقرآن، ثبتا حجة، وكان أعرج، دخل دمشق واجتمع بأبي الدرداء بالجامع، وكان الأسود أكبر منه؛ فإن أبا نعيم قال: قال الأسود: إني لأذكر ليلة بني بأم علقمة.

وقال خليفة وغيره: إنه شهد صفين مع علي.

وقال مغيرة عن إبراهيم: إن عبد الله كنى علقمة أبا شبل، وكان علقمة عقيما لا يولد له.

وقال حماد بن أبي سليمان الفقيه، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: صليت خلف عمر سنتين.

وقال مغيرة عن إبراهيم: إن الأسود وعلقمة كانا يسافران مع أبي بكر وعمر.

وقال أحمد بن حنبل: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان علقمة يشبه بعبد الله بن مسعود في هديه ودله وسمته.

وقال الأعمش: حدثنا عمارة بن عمير عن أبي معمر، وهو عبد الله بن سخبرة، قال: كنا عند عمرو بن شرحبيل، فقال: اذهبوا بنا إلى أشبه الناس هديا ودلا وأمرا بعبد الله، فقمنا معه لم ندر من هو، حتى دخل بنا على علقمة.

وقال داود الأودي: قلت للشعبي: أخبرني عن أصحاب عبد الله كأني أنظر إليهم، قال: كان علقمة أبطن القوم به، وكان مسروق قد خلط منه ومن غيره، وكان الربيع بن خثيم أشدهم اجتهادا، وكان عبيدة يوازي شريحا في العلم والقضاء.

ص: 684

وقال إبراهيم: كان أصحاب عبد الله يقرأون ويفتون: علقمة، ومسروق، والأسود، وعبيدة، والحارث بن قيس، وعمرو بن شرحبيل.

وقال مرة بن شراحيل: كان علقمة من الربانيين.

وقال زائدة عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: قال عبد الله: ما أقرأ شيئا إلا وعلقمة يقرأه.

وقال ابن عون: سألت الشعبي عن علقمة والأسود، أيهما أفضل؟ فقال: كان علقمة مع البطيء ويدرك السريع.

وقال قابوس بن أبي ظبيان: قلت لأبي: كيف تأتي علقمة، وتدع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: يا بني، إن أصحاب محمد كانوا يسألونه.

وقال إبراهيم: كان علقمة يقرأ القرآن في خمس، والأسود في ست، وعبد الرحمن ين يزيد في سبع.

وقال الشعبي: إن كان أهل بيت خلقوا للجنة فهم أهل هذا البيت: علقمة، والأسود.

وقال الأعمش عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قلنا لعلقمة: لو صليت في هذا المسجد ونجلس معك فتسأل؟ قال: أكره أن يقال: هذا علقمة، قالوا: لو دخلت على الأمراء فعرفوا لك شرفك؟ قال: أخاف أن ينتقصوا مني أكثر مما أنتقص منهم.

وقال علقمة لأبي وائل وقد دخل على ابن زياد: إنك لم تصب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينك ما هو أفضل منه، ما أحب أن لي مع ألفي ألفين، وإني من أكرم الجند عليه.

وقال إبراهيم: إن أبا بردة كتب علقمة في الوفد إلى معاوية، فقال علقمة: امحني امحني.

وقال علقمة: ما حفظت وأنا شاب، فكأني أنظر إليه في قرطاس.

قال الهيثم: توفي علقمة في خلافة يزيد.

وقال أبو نعيم: توفي سنة إحدى وستين.

ص: 685

وقال المدائني، وأبو عبيد، وخليفة، وابن معين، ومحمد بن سعد، وابن نمير، وأبو حفص الفلاس: توفي سنة اثنتين وستين.

وعن عثمان بن أبي شيبة وغيره: توفي سنة اثتنين وسبعين، وهو غلط.

76 -

ن:‌

‌ عمر بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري

، أبو حفص المدني نزيل الكوفة.

روى عن أبيه.

وروى عنه ابنه إبراهيم، وابن ابنه أبو بكر بن حفص، والعيزار بن حريث، وأبو إسحاق السبيعي، وأرسل عنه قتادة، والزهري، ويزيد بن أبي حبيب.

ولعمر بن سعد جماعة إخوة: عمرو بن سعد، أحد من قتل يوم الحرة. وعمير بن سعد: قتل أيضا يوم الحرة. ومصعب بن سعد، وعامر بن سعد: ماتا بعد المائة. وإبراهيم بن سعد: وله رواية. وإسماعيل، وعبد الرحمن، ويحيى ذكر تراجمهم ابن سعد.

وقد مر أنه الذي قاتل الحسين رضي الله عنه، وشهد دومة الجندل مع أبيه.

وقال بكير بن مسمار: سمعت عامر بن سعد، يقول: كان سعد في إبله أو غنمه، فأتاه ابنه عمر، فلما لاح له قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب! فلما انتهى إليه قال: يا أبت، أرضيت أن تكون أعرابيا في إبلك والناس يتنازعون في الملك؟ فضرب صدره بيده وقال: اسكت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب العبد التقي الخفي الغني.

وروى ابن عيينة عمن حدثه، عن سالم، إن شاء الله، قال: قال عمر بن سعد للحسين: إن قوما من السفهاء يزعمون أني قاتلك! قال: ليسوا

ص: 686

بسفهاء ولكنهم حلماء، ثم قال: والله إنه ليقر عيني أنك لا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلا.

وروى هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن بعض أصحابه، قال: قال علي لعمر بن سعد: كيف أنت إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار، فتختار النار؟

ويروى عن عقبة بن سمعان قال: كان عبيد الله قد جهز عمر بن سعد في أربعة آلاف لقتال الديلم، وكتب له عهده على الري. فلما أقبل الحسين طالبا للكوفة دعا عبيد الله عمر، وقال: سر إلى الحسين، قال: إن رأيت أن تعفيني! قال: فرد إلينا عهدنا! قال: فأمهلني اليوم أنظر في أمري! فانصرف يستشير أصحابه، فنهوه.

وقال أبو مخنف، وليس بثقة لكن له اعتناء بالأخبار: حدثني مجالد والصقعب بن زهير أنهما التقيا مرارا الحسين وعمر بن سعد، قال: فكتب عمر إلى عبيد الله: أما بعد، فإن الله قد أطفأ النائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمة، فهذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن يأتي أمير المؤمنين فيضع يده في يده، أو أن يسير إلى ثغر من الثغور، فيكون رجلا من المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، وفي هذا لكم رضا، وللأمة صلاح.

فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال: هذا كتاب ناصح لأميره، مشفق على قومه، نعم قد قبلت. فقام إليه شمر بن ذي الجوشن، فقال: أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك؟ والله، لئن خرج من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة والعز، ولتكونن أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه؛ فإن عاقبت فأنت ولي العقوبة، وإن غفرت كان ذلك لك. والله، لقد بلغني أن حسينا وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل، فقال له: نعم ما رأيت! الرأي رأيك.

وقال البخاري في تاريخه: حدثنا موسى بن إسماعيل قال:

ص: 687

حدثنا سليمان بن مسلم العجلي، قال: سمعت أبي يقول: أول من طعن في سرداق الحسين عمر بن سعد، فرأيت عمر وولديه قد ضربت أعناقهم، ثم علقوا على الخشب، ثم ألهب فيهم النار.

وعن أبي جعفر الباقر: إنما أعطاه المختار أمانا بشرط ألا يحدث، ونوى بالحدث دخول الخلاء، ثم قتله.

وقال عمران بن ميثم: أرسل المختار إلى دار عمر بن سعد من قتله وجاءه برأسه، بعد أن كان أمنه، فقال ابنه حفص لما رأى ذلك: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال المختار: اضرب عنقه، ثم قال: عمر بالحسين، وحفص بعلي بن الحسين، ولا سواء.

قلت: هذا علي الأكبر، ليس هو زين العابدين.

قال خليفة: وسنة ست وستين قتل عمر بن سعد على فراشه.

وقال ابن معين: سنة سبع.

77 -

4:‌

‌ عمر بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب

، وهذا عمر الأكبر قتل مع المختار بن أبي عبيد.

وقد روى عن أبيه.

روى عنه بنوه علي وعبيد الله ومحمد، وأبو زرعة عمرو بن جابر الحضرمي. ولابنه محمد حديث عنه في السنن.

قتل إلى رحمة الله سنة سبع.

78 -

ع:‌

‌ عمرو بن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي المصطلقي

، أخو أم المؤمنين جويرية.

له صحبة ورواية، نزل الكوفة، وروى أيضا عن ابن مسعود، وزوجته زينب.

روى عنه: مولاه دينار، وأبو وائل، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وأبو إسحاق السبيعي.

ص: 688

وهو صهر ابن مسعود.

79 -

‌ عمرو بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي

، وأمه أم خالد بنت خالد بن سعيد الأموية.

سمع أباه وأخاه، ولا نعلم له رواية، وله وفادة على معاوية وابنه، وكانت بينه وبين أخيه عبد الله خصومة.

قال الزبير بن بكار: حدثني مصعب بن عثمان، قال: إنما سمي عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان المطرف؛ لأن الناس لما استشرفوا جماله قالوا: هذا حسن مطرف بعد عمرو بن الزبير. وكان عمرو بن الزبير منقطع الجمال، وكان يقال: من يكلم عمرو بن الزبير يندم، كان شديد العارضة، منيع الحوزة، وكان يجلس بالبلاط ويطرح عصاه، فلا يتخطاها أحد إلا بإذنه، وكان قد اتخذ من الرقيق مائتين.

وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن عمته أم بكر، وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وابن أبي الزناد - قالوا: كتب يزيد إلى عمرو بن سعيد أن يوجه إلى ابن الزبير جندا، فسأل: من أعدى الناس له؟ فقيل: عمرو أخوه. فولاه شرطة المدينة، فضرب ناسا من قريش والأنصار بالسياط وقال: هؤلاء شيعة عبد الله بن الزبير، ثم توجه في ألف من أهل الشام إلى قتال أخيه عبد الله، ونزل بذي طوى.

فأتاه الناس يسلمون عليه، فقال: جئت لأن يعطي أخي الطاعة ليزيد ويبر قسمه، فإن أبى قاتلته، فقال له جبير بن شيبة: كان غيرك أولى بهذا منك، تسير إلى حرم الله وأمنه، وإلى أخيك في سنه وفضله، تجعله في جامعة! ما أرى الناس يدعونك وما تريد.

قال: أرى أن أقاتل من حال دون ذلك، ثم أقبل فنزل داره عند الصفا، وجعل يرسل إلى أخيه، ويرسل إليه أخوه. وكان عمرو يخرج يصلي بالناس، وعسكره بذي طوي، وابن الزبير أخوه معه يشبك أصابعه في أصابعه ويكلمه في الطاعة، ويلين له، فقال عبد الله: ما بعد هذا شيء، إني لسامع مطيع، أنت عامل يزيد، وأنا أصلي خلفك ما عندي خلاف، فأما أن تجعل في عنقي جامعة، ثم أقاد إلى الشام، فإني نظرت في ذلك، فرأيته لا

ص: 689

يحل لي أن أحله بنفسي، فراجع صاحبك واكتب إليه.

قال: لا والله، ما أقدر على ذلك، فهيأ عبد الله بن صفوان قوما وعقد لهم لواء، وأخذ بهم من أسفل مكة، فلم يشعر أنيس الأسلمي إلا بالقوم وهم على عسكر عمرو، فالتقوا، فقتل أنيس، وركب مصعب بن عبد الرحمن بن عوف في طائفة إلى عمرو فلقوه، فانهزم أصحابه والعسكر أيضا.

وجاء عبيدة بن الزبير إليه، فقال: يا أخي، أنا أجيرك من عبد الله، وجاء به أسيرا والدم يقطر على قدميه، فقال: قد أجرته، قال عبد الله: أما حقي فنعم، وأما حق الناس فلأقتصن منه لمن آذاه بالمدينة!

وقال: من كان يطلبه بشيء فليأت، فجعل الرجل يأتي، فيقول: قد نتف شفاري، فيقول: قم فانتف أشفاره، وجعل الرجل يقول: قد نتف لحيتي، فيقول: انتف لحيته.

فكان يقيمه كل يوم، ويدعو الناس للقصاص منه، فقام مصعب بن عبد الرحمن فقال: قد جلدني مائة جلدة، فأمره فضربه مائة جلدة فمات، وأمر به عبد الله فصلب.

رواه ابن سعد عن الواقدي، وقال: بل صح من ذلك الضرب، ثم مر به ابن الزبير بعد إخراجه من السجن، فرآه جالسا بفناء منزله فقال: ألا أراه حيا، فأمر به فسحب إلى السجن، فلم يبلغه حتى مات. فأمر به عبد الله، فطرح في شعب الخيف، وهو الموضع الذي صلب فيه عبد الله بعد.

80 -

خ م د ت ن:‌

‌ عمرو بن شرحبيل

، أبو ميسرة الهمداني الكوفي.

روى عن: عمر، وعلي، وابن مسعود. وكان سيدا صالحا عابدا، إذا جاءه عطاء تصدق به رحمه الله.

روى عنه: أبو وائل، والشعبي، والقاسم بن مخيمرة، وأبو إسحاق السبيعي، وجماعة.

الأعمش عن شقيق قال: ما رأيت همدانيا أحب إلي من أن أكون في مسلاخه، من عمرو بن شرحبيل.

شريك، عن عاصم، عن أبي وائل: ما اشتملت همدانية على مثل أبي ميسرة، قيل: ولا مسروق؟ فقال: ولا مسروق.

أبو إسحاق، عن أبي ميسرة، وقيل له: ما يحبسك عند الإقامة؟ قال:

ص: 690

إني أوتر.

ولما احتضر أوصى أن لا يؤذن بجنازته أحد، وكذلك أوصى علقمة.

إسرائيل، عن أبي إسحاق، قال: رأيت أبا جحيفة في جنازة أبي ميسرة آخذا بقائمة السرير حتى أخرج، ثم جعل يقول: غفر الله لك أبا ميسرة!

قال ابن سعد: توفي في ولاية عبيد الله بن زياد بالكوفة.

81 -

م 4:‌

‌ عمرو بن عبسة بن عامر بن خالد

، أبو نجيح السلمي، نزيل حمص، وأخو أبي ذر لأمه.

قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فكان رابع من أسلم، ورجع ثم هاجر فيما بعد إلى المدينة. له عدة أحاديث.

روى عنه جبير بن نفير، وشداد أبو عمار، وشرحبيل بن السمط وكثير بن مرة، ومعدان بن أبي طلحة، والقاسم أبو عبد الرحمن، وسليم بن عامر، وحبيب بن عبيد، وضمرة بن حبيب، وأبو إدريس الخولاني، وخلق. وقد روى عنه ابن مسعود مع جلالته، وسهل بن سعد، وأبو أمامة الباهلي.

ولا أعلم هل مات في خلافة معاوية أو في خلافة يزيد، وكان أحد الأمراء يوم اليرموك.

روى إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن أبي سلام الدمشقي وعمرو بن عبد الله، سمعا أبا أمامة، عن عمرو بن عبسة قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، رأيت أنها آلهة باطلة لا تضر ولا تنفع.

82 -

م ت ن ق:‌

‌ عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي

، أبو أمية المعروف بالأشدق.

ص: 691

ولي المدينة ليزيد، ثم سكن دمشق، وكان أحد الأشراف من بني أمية، وقد رام الخلافة، وغلب على دمشق، وادعى أن مروان جعله ولي العهد بعد عبد الملك.

حدث عن عمر، وعثمان.

روى عنه: بنوه موسى وأمية وسعيد، وخثيم بن مروان.

وكان زوج أخت مروان أم البنين شقيقة مروان.

قال عبد الملك بن عمير، عن أبيه قال: لما احتضر سعيد بن العاص جمع بنيه، فقال: أيكم يكفل ديني؟ فسكتوا، فقال: ما لكم لا تكلمون؟ فقال عمرو الأشدق، وكان عظيم الشدقين: وكم دينك يا أبت؟ قال: ثلاثون ألف دينار، قال: فيم استدنتها؟ قال: في كريم سددت فاقته ولئيم فديت عرضي منه، فقال: هي علي.

وعن سعيد بن المسيب، وسئل عن خطباء قريش في الجاهلية فقال: الأسود بن المطلب بن أسد، وسهيل بن عمرو. وسئل عن خطبائهم في الإسلام فقال: معاوية وابنه، وسعيد بن العاص وابنه، وابن الزبير.

وفي مسند أحمد، من حديث علي بن زيد بن جدعان، قال: أخبرني من سمع أبا هريرة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية. قال علي: فحدثني من رأى عمرو بن سعيد رعف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال الزبير بن بكار: كان عمرو بن سعيد ولاه معاوية المدينة، ثم ولاه يزيد، فبعث عمرو بعثا لقتال ابن الزبير. وكان عمرو يدعي أن مروان جعل إليه الأمر بعد عبد الملك، ثم نقض ذلك وجعله إلى عبد العزيز بن مروان.

فلما شخص عبد الملك إلى حرب مصعب إلى العراق، خالف عليه عمرو بن سعيد وغلق أبواب دمشق، فرجع عبد الملك وأحاط به، ثم أعطاه أمانا، ثم غدر به فقتله، فقال في ذلك يحيى بن الحكم عم عبد الملك: أعيني جودي بالدموع على عمرو عشية تبتز الخلافة بالغدر كأن بني مروان إذ يقتلونه بغاث من الطير اجتمعن على صقر

ص: 692

غدرتم بعمرو يا بني خيط باطل وأنتم ذوو قربائه وذوو صهر فرحنا وراح الشامتون عشية كأن على أكتافنا فلق الصخر لحا الله دنيا يدخل النار أهلها وتهتك ما دون المحارم من ستر وكان مروان يلقب بخيط باطل.

وروى ابن سعد بإسناد أن عبد الملك لما سار يؤم العراق، جلس خالد بن يزيد بن معاوية وعمرو بن سعيد، فتذاكرا من أمر عبد الملك ومسيرهما معه على خديعة منه لهما، فرجع عمرو إلى دمشق فدخلها وسورها وثيق، فدعا أهلها إلى نفسه، فأسرعوا إليه، وفقده عبد الملك، فرجع بالناس إلى دمشق، فنازلها ست عشرة ليلة حتى فتحها عمرو له وبايعه، فصفح عنه عبد الملك.

ثم أجمع على قتله، فأرسل إليه يوما يدعوه، فوقع في نفسه أنها رسالة شر فركب إليه فيمن معه، لبس درعا مكفرا بها، ثم دخل إليه، فتحدثا ساعة، وقد كان عهد إلى يحيى بن الحكم أن يضرب عنقه إذا خرج إلى الصلاة، ثم أقبل عبد الملك عليه، فقال: يا أبا أمية، ما هذه الغوائل والزبى التي تحفر لنا؟ ثم ذكره ما كان منه، وخرج إلى الصلاة ورجع ولم يقدم عليه يحيى، فشتمه عبد الملك، ثم أقدم هو ومن معه عليه فقتله.

قال خليفة: وفي سنة سبعين خلع عمرو بن سعيد عبد الملك، وأخرج عامله عبد الرحمن ابن أم الحكم عن دمشق، فسار إليه عبد الملك، ثم اصطلحا على أن يكون الخليفة من بعد عبد الملك، وعلى أن لعمرو مع كل عامل عاملا، وفتح دمشق ودخل عبد الملك، ثم غدر به فقتله.

فحدثني أبو اليقظان قال: قال له عبد الملك: يا أبا أمية، لو أعلم أنك تبقى وتصلح قرابتي لفديتك ولو بدم النواظر، ولكنه قلما اجتمع فحلان في إبل إلا أخرج أحدهما صاحبه.

ص: 693

وقال الليث: قتل سنة تسع وستين.

83 -

‌ عمرو البكالي، أبو عثمان

.

صحابي، شهد اليرموك. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن ابن مسعود، وأبي الأعور السلمي، وغيرهما.

وعنه: معدان بن أبي طلحة، وأبو تميمة الهجيمي طريف، وأبو أسماء الرحبي، وغيرهم. وأم الناس بمسجد دمشق.

روى الجريري عن أبي تميمة: قدمت الشام، فإذا بهم يطوفون برجل، قلت: من هذا؟ فقيل: هذا أفقه من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا عمرو البكالي، ورأيت أصابعه مقطوعة، فقيل: قطعت يوم اليرموك.

وقال أبو سعيد بن يونس: قدم عمرو البكالي مصر مع مروان، فروى عنه عبد الله بن هبيرة. وقيل: هو أخو نوف البكالي.

وقال أحمد العجلي: هو تابعي ثقة.

84 -

ت:‌

‌ قباث بن أشيم الليثي

.

صحابي، شهد اليرموك أميرا، وطال عمره.

روى عنه: عبد الرحمن بن زياد، وأبو الحويرث.

قال ابن سعد: إنه شهد بدرا مشركا، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض المشاهد، وكان على مجنبة أبي عبيدة يوم اليرموك.

وقال دحيم: مات بالشام، وأدركه عبد الملك بن مروان، فسأله عن سنه، فقال: أنا أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذا قال عبد الصمد بن سعيد وغيره.

ص: 694

وقال إبراهيم بن المنذر: حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت، قال: حدثنا الزبير بن موسى، عن أبي الحويرث، قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الليثي: يا قباث، أنت أكبر؟ أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر، وأنا أسن منه، ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، ووقفت بي أمي على روث الفيل محيلا أعقله.

اسم أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية.

وروى سفيان بن حسين الواسطي، عن خالد بن دريك، عن قباث، قال: انهزمت يوم بدر، فقلت في نفسي: لم أر مثل هذا اليوم قط! فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأستأمنه قال: قلت: لم أر مثل أمر الله قط، فر منه إلا النساء، فقلت: أشهد أنك رسول الله، ما ترمرمت به شفتاي، وما كان إلا شيء عرض لي في نفسي.

85 -

ن:‌

‌ قبيصة بن جابر بن وهب بن مالك الأسدي الكوفي

، أبو العلاء.

من كبار التابعين. روى عن عمر، وعبد الله بن مسعود، وطلحة بن عبيد الله، وعمرو بن العاص، وجماعة.

روى عنه: الشعبي، والعريان بن الهيثم، وعبد الملك بن عمير.

وشهد خطبة عمر بالجابية، وكان أخا معاوية من الرضاعة وقد وفد عليه، وكان كاتب سعيد بن العاص بالكوفة، وكان يعد من الفصحاء.

وقال ابن سعد: كان ثقة، له أحاديث.

وروى محمد بن عباد عن ابن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة قال: ألا أخبركم عمن صحبت؟ صحبت عمر رضي الله عنه، فما رأيت أحدا أفقه في كتاب الله منه، ولا أحسن مدارسة منه. وصحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت أحدا أعطى لجزيل منه عن غير مسألة.

وصحبت عمرو بن العاص، فما رأيت أحدا أنصع ظرفا منه، أو قال: أتم

ص: 695

ظرفا منه. وصحبت معاوية، فما رأيت أحدا أكثر حلما ولا أبعد أناة منه. وصحبت زيادا فما رأيت أكرم جليسا منه، وصحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها أبواب لا يخرج من كل باب منها إلا بالمكر لخرج من أبوابها كلها.

قال خليفة: مات قبيصة سنة تسع وستين.

86 -

‌ قيس بن ذريح

، أبو يزيد الليثي الشاعر المشهور، من بادية الحجاز.

وهو الذي كان يشبب بأم معمر لبنى بنت الحباب الكعبية، ثم إنه تزوج بها، وقيل: إنه كان أخا الحسين من الرضاعة.

قال ثعلب: حدثنا عبد الله بن شبيب، قال: حدثنا موسى بن عيسى الجعفري، قال: أخبرني عيسى بن أبي جهمة الليثي، وكان مسنا، قال: كان قيس بن ذريح رجلا منا، وكان ظريفا شاعرا، وكان يكون بقديد بسرف وبوادي مكة، وخطب لبنى من خزاعة، ثم من بني كعب فتزوجها وأعجب بها، وبلغت عنده الغاية.

ثم وقع بين أمه وبينها فأبغضتها، وناشدت قيسا في طلاقها، فأبى، فكلمت أباه، فأمر بطلاقها، فأبى عليه، فقال: لا جمعني وإياك سقف أبدا حتى تطلقها. ثم خرج في يوم قيظ، فقال: لا أستظل حتى تطلقها، فطلقها، وقال: أما إنه آخر عهدك بي، ثم إنه اشتد عليه فراقها وجهد وضمر، ولما طلقها أتاها رجالها يتحملونها، فسأل: متى هم راحلون؟ قالوا: غدا تمضي. فقال: وقالوا غدا أو بعد ذاك ثلاثة فراق حبيب لم يبن وهو بائن فما كنت أخشى أن تكون منيتي بكفي إلا أن ما حان حائن ثم جعل يأتي منزلها ويبكي، فلاموه، فقال: كيف السلو ولا أزال أرى لها ربعا كحاشية اليماني المخلق ربعا لواضحة الجبين عزيزة كالشمس إذ طلعت رخيم المنطق قد كنت أعهدها به في عزة والعيش صاف والعدى لم تنطق

ص: 696

حتى إذا هتفوا وأذن فيهم داعي الشتات برحلة وتفرق خلت الديار فزرتها فكأنني ذو حية من سمها لم يفرق وهو القائل: وكل ملمات الزمان وجدتها سوى فرقة الأحباب هينة الخطب ومن شعره: ولو أنني أسطيع صبرا وسلوة تناسيت لبنى غير ما مضمر حقدا ولكن قلبي قد تقسمه الهوى شتاتا فما ألفى صبورا ولا جلدا سل الليل عني كيف أرعى نجومه وكيف أقاسي الهم مستخليا فردا كأن هبوب الريح من نحو أرضكم تثير فتات المسك والعنبر الندا وعن أبي عمرو الشيباني قال: خرج قيس بن ذريح إلى معاوية فامتدحه، فأدناه وأمر له بخمسة آلاف درهم ومائتي دينار، وقال: كيف وجدك بلبنى قال: أشد وجد، قال: فنرضي زوجها؟ قال: ما لي في ذلك من حاجة، قال: فما حاجتك؟ قال: تأذن لي في الإلمام بها، وتكتب إلى عاملك، فقد خشيت أن يفرق الموت بيني وبين ذلك، وأنشده: أضوء سنا برق بدا لك لمعه بذي الأثل من أجراع بثنة ترقب نعم إنني صب هناك موكل بمن ليس يدنيني ولا يتقرب مرضت فجاءوا بالمعالج والرقى وقالوا بصير بالدواء مجرب فلم يغن عني ما يعقد طائلا ولا ما يمنيني الطبيب المجرب وقال أناس والظنون كثيرة وأعلم شيء بالهوى من يجرب ألا إن في اليأس المفرق راحة سيسليك عمن نفعه عنك يعزب فكل الذي قالوا بلوت فلم أجد لذي الشجو أشفى من هوى حين يقرب عليها سلام الله ما هبت الصبا وما لاح وهنا في دجى الليل كوكب فلست بمبتاع وصالا بوصلها ولست بمفش سرها حين أغضب وله: يقولون لبنى فتنة كنت قبلها بخير فلا تندم عليها وطلق فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي وأقررت عين الشامت المتخلق

ص: 697

وددت وبيت الله أني عصيتهم وحملت في رضوانها كل موثق وكلفت خوض البحر والبحر زاخر أبيت على أثباج موج مغرق كأني أرى الناس المحبين بعدها عصارة ماء الحنظل المتفلق فتنكر عيني بعدها كل منظر ويكره سمعي بعدها كل منطق فقال معاوية: هذا وأبيك الحب، وأذن له في زيارتها، فسار حتى نزل على امرأة بالمدينة يقال لها: بريكة، وأهدى لها وللبنى هدايا وألطافا، وأخبرها بكتاب معاوية.

فقالت: يا ابن عم، ما تريد إلى الشهرة؟ فأقام أياما، فبلغ زوج لبنى قدومه، فمنع لبنى من زيارة بريكة، فأيس قيس من لقائها، فبقي مترددا في كتاب معاوية. فرآه ابن أبي عتيق يوما، فقال: يا أعرابي، مالي أراك متحيرا؟ قال: دعني بارك الله فيك! قال: أخبرني بشأنك؛ فإني على ما تريد، وألح عليه، فأخبره وقال: لا أراني إلا في طلب مثلك، وانطلق به.

فأقام عنده ليلة يحدثه وينشده، فلما أصبح ابن أبي عتيق ركب فأتى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقال: فداك أبي وأمي، اركب معي في حاجة، فركب معه، واستنهض معه ثلاثة أو أربعة من وجوه قريش، ولا يدرون ما يريد. حتى أتى بهم باب زوج لبنى، فخرج فإذا وجوه قريش، فقال: جعلني الله فداكم، ما جاء بكم؟ قالوا: حاجة لابن أبي عتيق استعان بنا عليك، فقال: اشهدوا أن حكمه جائز علي، فقال ابن أبي عتيق: اشهدوا أن امرأته لبنى منه طالق.

فأخذ عبد الله بن جعفر برأسه، ثم قال: لهذا جئت بنا؟ فقال: جعلت فداكم، يطلق هذا امرأته ويتزوج بغيرها خير من أن يموت رجل مسلم، فقال عبد الله: أما إذ فعل ما فعل فله علي عشرة آلاف درهم، فقال ابن أبي عتيق: والله لا أبرح حتى تنقل متاعها، ففعلت، وأقامت في أهلها، حتى انقضت عدتها وتزوج بها قيس، وبقيا دهرا بأرغد عيش، فقال قيس:

جزى الرحمن أفضل ما يجازي على الإحسان خيرا من صديق فقد جربت إخواني جميعا فما ألفيت كابن أبي عتيق سعى في جمع شملي بعد صدع ورأي جرت فيه عن الطريق وأطفأ لوعة كانت بقلبي أغصتني حرارتها بريقي

ص: 698

هذه رواية.

وقال سليمان بن أبي شيخ: حدثنا أيوب بن عباية قال: خرج قيس بن ذريح إلى المدينة يبيع ناقة، فاشتراها زوج لبنى وهو لا يعرفه، فقال لقيس: انطلق معي لتأخذ الثمن، فمضى معه، فلما فتح الباب إذا لبنى قد استقبلت قيسا. فلما رآها ولى هاربا، واتبعه الرجل بالثمن، فقال: لا تركب لي مطيتين أبدا، قال: وأنت قيس بن ذريح؟ قال: نعم، قال: هذه لبنى، فقف حتى أخيرها، فإن اختارتك طلقتها، وظن الزوج أن له في قلبها موضعا، فخيرت فاختارت قيسا، فطلقها فماتت في العدة.

ولقد قيل لقيس: إن مما يسليك عنها ذكر معايبها، فقال: إذا عبتها شبهتها البدر طالعا وحسبك من عيب بها شبه البدر لقد فضلت لبنى على الناس مثلما على ألف شهر فضلت ليلة القدر لها كفل يرتج منها إذا مشت ومتن كغصن البان مضطمر الخصر ولقيس: أريد سلوا عن لبينى وذكرها فيأبى فؤادي المستهام المتيم إذا قلت أسلوها تعرض ذكره وعاودني من ذاك ما الله أعلم صحا كل ذي ود علمت مكانه سواي فإني ذاهب العقل مغرم وله: هل الحب إلا عبرة بعد زفرة وحر على الأحشاء ليس له برد وفيض دموع تستهل إذا بدا لنا علم من أرضكم لم يكن يبدو 87 - م ن: قيس بن السكن الأسدي الكوفي.

سمع عبد الله بن مسعود، والأشعث بن قيس.

روى عنه عمارة بن عمير، وسعد بن عبيدة، والمنهال بن عمرو، وأبو إسحاق.

قال ابن معين: ثقة.

وقال أبو حاتم: توفي في زمن مصعب.

ص: 699

88 -

‌ قيس المجنون

، ومن به يقاس المحبون.

هو قيس بن الملوح بن مزاحم، وقيل: قيس بن معاذ، وقيل: اسمه البختري بن الجعد، وقيل غير ذلك. وهو مجنون ليلى بنت مهدي أم مالك العامرية الربعية. وهو من بني عامر بن صعصعة، وقيل: من بني كعب بن سعد.

سمعنا أخباره في جزء ألفه ابن المرزبان، وقد أنكر بعض الناس ليلى والمجنون، وهذا دفع بالصدر، فليس من لا يعلم حجة على من علم، ولا المثبت كالنافي،.

فعن لقيط بن بكير المحاربي أن المجنون علق ليلى علاقة الصبا، وذلك لأنهما كانا صغيرين يرعيان أغناما لقومهما، فعلق كل واحد منهما الآخر، وكبرا على ذلك. فلما كبرا حجبت عنه، فزال عقله، وفي ذلك يقول: تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة ولم يبد للأتراب من ثديها حجم صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم وذكر ابن داب، عن رياح بن حبيب العامري، قال: كان في بني عامر جارية من أجمل النساء، لها عقل وأدب، يقال لها: ليلى بنت مهدي، فبلغ المجنون خبرها، وكان صبا بمحادثة النساء، فلبس حلة ثم جلس إليها وتحادثا، فوقعت بقلبه، فظل يومه يحادثها. فانصرف فبات بأطول ليلة، ثم بكر إليها فلم يزل عندها حتى أمسى، فلم تغمض له تلك الليلة عين، فأنشأ يقول: نهاري نهار الناس حتى إذا بدا لي الليل هزتني إليك المضاجع أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ويجمعني والهم بالليل جامع ووقع في قلبها مثل الذي وقع بقلبه، فجاء يوما يحدثها، فجعلت تعرض عنه، تريد أن تمتحنه، فجزع واشتد عليه، فخافت عليه، وقالت: كلانا مظهر للناس بغضا وكل عند صاحبه مكين فسري عنه، وقالت: إنما أردت أن أمتحنك، وأنا معطية لله عهدا لا

ص: 700

جالست بعد اليوم أحدا سواك، فانصرف وأنشأ يقول: أظن هواها تاركي بمضلة من الأرض لا مال لدي ولا أهل ولا أحد أقضي إليه وصيتي ولا وارث إلا المطية والرحل محا حبها حب الألى كن قبلها وحلت مكانا لم يكن حل من قبل قلت: ثم اشتد بلاؤه بها، وشغفته حبا، ووسوس في عقله، فذكر أبو عبيدة أن المجنون كان يجلس في نادي قومه وهم يتحدثون، فيقبل عليه بعضهم، وهو باهت ينظر إليه لا يفهم ما يحدث به، ثم يثوب إليه عقله، فيسأل عن الحديث فلا يعرفه، حتى قال له رجل: إنك لمجنون، فقال: إني لأجلس في النادي أحدثهم فأستفيق وقد غالتني الغول يهوي بقلبي حديث النفس نحوكم حتى يقول جليسي أنت مخبول.

قال أبو عبيدة: فتزايد به الأمر حتى فقد عقله، فكان لا يقر في موضع، ولا يؤويه رحل، ولا يعلوه ثوب، إلا مزقه، وصار لا يفهم شيئا مما يكلم به إلا أن تذكر له ليلى، فإذا ذكرت له أتى بالبدائه.

وقد قيل: إن قوم ليلى شكوا منه إلى السلطان، فأهدر دمه، ثم إن قومها ترحلوا من تلك الناحية، فأشرف فرأى ديارهم بلاقع، فقصد منزلها، وألصق صدره به، وجعل يمرغ خديه على التراب، ويقول: أيا حرجات الحي حيث تحملوا بذي سلم لا جادكن ربيع وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى بلين بلى لم تبلهن ربوع ندمت على ما كان مني ندامة كما ندم المغبون حين يبيع.

قال ابن المرزبان: قال أبو عمرو الشيباني: لما ظهر من المجنون ما ظهر، ورأى قومه ما ابتلي به اجتمعوا إلى أبيه، وقالوا: يا هذا، ترى ما بابنك، فلو خرجت به إلى مكة فعاذ ببيت الله، وزار قبر رسوله، ودعا الله

ص: 701

رجونا أن يعافى. فخرج به أبوه حتى أتى مكة، فجعل يطوف به ويدعو الله له، وهو يقول: دعا المحرمون الله يستغفرونه لمكة وهنا أن يحط ذنوبها فناديت أن يا رب أول سؤلتي لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها فإن أعط ليلى في حياتي لا يتب إلى الله خلق توبة لا أتوبها حتى إذا كان بمنى نادى مناد من بعض تلك الخيام: يا ليلى، فخر مغشيا عليه، واجتمع الناس حوله، ونضحوا على وجهه الماء، وأبوه يبكي، فأفاق وهو يقول: وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى فهيج أطراب الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بليلى طائرا كان في صدري.

ونقل ابن الأعرابي قال: لما شبب المجنون بليلى وشهر بحبها اجتمع أهلها ومنعوه منها ومن زيارتها، وتوعدوه بالقتل، وكان يأتي امرأة تتعرف له خبرها، فنهوا تلك المرأة.

وكان يأتي غفلات الحي في الليل، فسار أبو ليلى في نفر من قومه، فشكوا إلى مروان ما ينالهم من قيس بن الملوح، وسألوه الكتاب إلى عامله عليهم يمنعه عنهم ويتهدده، فإن لم ينته أهدر دمه. فلما ورد الكتاب على عامل مروان، بعث إلى قيس وأبيه وأهل بيته، فجمعهم وقرأ عليهم الكتاب، وقال لقيس: اتق الله في نفسك! فانصرف وهو يقول: ألا حجبت ليلى وآلى أميرها علي يمينا جاهدا لا أزورها وأوعدني فيها رجال أبوهم أبي وأبوها خشنت لي صدورها على غير شيء غير أني أحبها وأن فؤادي عند ليلى أسيرها فلما يئس منها صار شبيها بالتائه، وأحب الخلوة وحديث النفس، وجزعت هي أيضا لفراقه وضنيت.

ص: 702

ويروى أن أبا المجنون قيده فجعل يأكل لحم ذراعيه ويضرب بنفسه، فأطلقه، فكان يدور في الفلاة عريانا.

وله: كأن القلب ليلة قيل يغدى بليلى العامرية أو يراح قطاة غرها شرك فباتت تجاذبه وقد علق الجناح وقيل: إن ليلى زوجت، فجاء المجنون إلى زوجها، فقال: بربك هل ضممت إليك ليلى قبيل الصبح أو قبلت فاها وهل رفت عليك قرون ليلى رفيف الأقحوانة في نداها.

فقال: اللهم، إذ حلفتني فنعم. وكان بين يدي الزوج نار يصطلي بها، فقبض المجنون بكلتي يديه من الجمر، فلم يزل حتى سقط مغشي عليه.

وكانت له داية يأنس بها، فكانت تحمل إليه إلى الصحراء رغيفا وكوزا، فربما أكل وربما تركه، حتى جاءته يوما فوجدته ملقى بين الأحجار ميتا، فاحتملوه إلى الحي فغسلوه فدفنوه، وكثر بكاء النساء والشباب عليه، واشتد نشيجهم.

قال ابن الجوزي في المنتظم: روينا أنه كان يهيم في البرية مع الوحش يأكل من بقل الأرض، وطال شعره، وألفته الوحش، وساح حتى بلغ حدود الشام، فكان إذا ثاب إليه عقله، سأل من يمر من أحياء العرب عن نجد، فيقال له: أين أنت من نجد، أنت قد شارفت الشام، فيقول: أروني الطريق، فيدلونه.

وشعر المجنون كثير سائر، وهو في الطبقة العليا في الحسن والرقة، وكان معاصراُ لقيس بن ذريح صاحب لبنى، وكان في إمرة ابن الزبير، والله أعلم.

89 -

ن:‌

‌ كثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري

، أحد كتاب المصاحف التي أرسلها عثمان إلى الأمصار.

روى عن عثمان، وأبي بن كعب.

روى عنه محمد بن سيرين، وقال النسائي: روى عنه الزهري مرسلا لم يلحقه؛ فإن كثيرا أصيب يوم الحرة،

ص: 703

وروى عنه ابنه.

90 -

د ن:‌

‌ محمد بن الأشعث بن قيس بن معدي كرب

، أبو القاسم الكندي الكوفي، ابن أم فروة أخت أبي بكر الصديق لأبيه، تزوج بها الأشعث في أيام أبي بكر.

حدث عن عمر، وعثمان، وعائشة.

روى عنه الشعبي، ومجاهد، وسليمان بن يسار، وابنه قيس بن محمد، وغيرهم.

ووفد على معاوية.

ومولده في حدود سنة ثلاث عشرة، وكان شريفا مطاعا في قومه، قتل مع مصعب في سنة سبع وستين، فأقام ابنه مقامه.

91 -

‌ محمد بن أبي بن كعب

، أبو معاذ الأنصاري.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن أبيه، وعمر.

روى عنه: الحضرمي بن لاحق، وبسر بن سعيد.

وكان ثقة، قتل بالحرة.

92 -

د:‌

‌ محمد بن ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الخزرجي

.

حنكه النبي صلى الله عليه وسلم بريقه.

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبيه، وسالم مولى أبي حذيفة.

روى عنه ابناه إسماعيل ويوسف ويعقوب بن عمر قتادة، وأرسل عنه الزهري.

قتل يوم الحرة.

93 -

ن:‌

‌ محمد بن عمرو بن حزم بن زيد الأنصاري النجاري

.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه هو الذي كناه أبا عبد الملك.

روى

ص: 704

عن أبيه، وعمر، وعمرو بن العاص. روى عنه ابنه أبو بكر، وعمر بن كثير بن أفلح. أصيب يوم الحرة.

الواقدي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده أنه اشترى مطرف خز بسبعمائة، فكان يلبسه.

وعن محمد بن أبي بكر بن حزم، قال: صلى محمد بن عمرو بن حزم يوم الحرة، وجراحه تثعب دما، وما قتل إلا نظما بالرماح.

وعن محمد بن عمرو أنه كان يرفع صوته: يا معشر الأنصار أصدقوهم الضرب، فإنهم يقاتلون على طمع دنياهم، وأنتم تقاتلون على الآخرة، ثم جعل يحمل على الكتيبة منهم فيفضها حتى قتل.

وعن عبد الله بن أبي بكر، قال: وأكثر محمد بن عمرو في أهل الشام القتل يوم الحرة، كان يحمل على الكردوس منهم فيفضه، وكان فارسا، ثم حملوا عليه حتى نظموه بالرماح، فلما وقع انهزم الناس.

94 -

‌ مالك بن عياض المدني

، يعرف بمالك الدار.

سمع أبا بكر، وعمر، ومعاذ بن جبل. روى عنه ابناه عون وعبد الله، وأبو صالح السمان، وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع.

وكان خازنا لعمر رضي الله عنه.

95 -

د ت ق:‌

‌ مالك بن هبيرة السكوني

.

له صحبة ورواية حديث واحد.

روى عنه أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني، وأبو الأزهر المغيرة بن فروة. وولي لمعاوية حمص، وكان على الرجالة يوم مرج راهط مع مروان.

96 -

خ 4:‌

‌ مالك بن يخامر السكسكي الحمصي

.

يقال: له صحبة، وكان ثقة كبير القدر متألها.

روى عن معاذ، وعبد الرحمن بن عوف.

حدث عنه معاوية على المنبر، وجبير بن نفير، وعمير بن هانئ، ومكحول، وسليمان بن موسى، وخالد بن معدان،

ص: 705

وآخرون.

قال أبو مسهر: أكبر أصحاب معاذ: مالك بن يخامر، كان رأس القوم.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي: تابعي ثقة.

قال أبو عبيد: توفي سنة تسع وستين. وقال غيره سنة سبعين.

97 -

‌ المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب

، الذي خرج بالكوفة، وتتبع قتلة الحسين فقتلهم.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: يكون في ثقيف كذاب ومبير فكان أحدهما المختار، كذب على الله وادعى أن الوحي يأتيه، والآخر: الحجاج.

قال أحمد في مسنده: حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا عيسى بن عمر، قال: حدثنا السدي، عن رفاعة الفتياني، قال: دخلت على المختار، فألقى لي وسادة، وقال: لولا أن جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، فأردت أن أضرب عنقه، فذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله، فأنا من القاتل بريء.

مجالد، عن الشعبي قال: أقرأني الأحنف كتاب المختار إليه، يزعم فيه أنه نبي.

قلت: قتل في رمضان سنة سبع وستين مقبلا غير مدبر في هوى نفسه، كما قدمنا.

98 -

خ 4:‌

‌ مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس

، أبو عبد الملك القرشي الأموي، وقيل: أبو القاسم، ويقال: أبو الحكم.

ولد بمكة بعد ابن الزبير بأربعة أشهر، ولم يصح له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن له رؤية إن شاء الله.

ص: 706

وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الحديبية بطوله وفيه إرسال، لكن أخرجه البخاري.

وروى أيضا عن عمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت.

روى عنه: سهل بن سعد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله، وابنه عبد الملك، ومجاهد.

وكان كاتب ابن عمه عثمان، وولي إمرة المدينة والموسم لمعاوية غير مرة، وبايعوه بالخلافة بعد معاوية بن يزيد، وحارب الضحاك بن قيس، فقتل الضحاك في المصاف، وسار إلى مصر، فاستولى عليها وعلى الشام، وكان ابن الزبير مستوليا على الحجاز كله والعراق وخراسان وغير ذلك في ذلك الوقت.

وقال ابن سعد: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ولمروان ثمان سنين، ولم يحفظ عنه شيئا، وأمه آمنة بنت علقمة الكنانية.

وقال الواقدي: أسلم الحكم في الفتح وقدم المدينة، فطرده النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل الطائف، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، ومات زمن عثمان، فصلى عليه، وضرب على قبره فسطاطا.

وقد ذكرنا أن مروان كان من أكبر الأسباب التي دخل بها الداخل على عثمان، لأنه زور على لسانه كتابا في شأن محمد بن أبي بكر.

وقال ابن أبي السري: كان مروان قصيرا، أحمر الوجه، أوقص، دقيق العنق، كبير الرأس واللحية، وكان يلقب خيط باطل لدقة عنقه.

وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: لما انهزم الناس يوم الجمل؛ كان علي يسأل عن مروان، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إنك لتسأل عنه؟ قال: يعطفني عليه رحم ماسة وهو مع ذلك سيد من شباب قريش.

وقال عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر، قال: بعثني زياد إلى

ص: 707

معاوية في حوائج، فقلت: من ترى لهذا الأمر من بعدك؟ فسمى جماعة، ثم قال: وأما القارئ لكتاب الله، الفقيه في ين الله، الشديد في حدود الله: مروان.

وقال أحمد بن حنبل: يقال: كان عند مروان قضاء، وكان يتبع قضاء عمر.

وقال يونس، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب: إن امرأة نذرت أن تنحر ابنها عند الكعبة، وقدمت المدينة تستفتي، فجاءت ابن عمر، فقال: لا أعلم في النذر إلا الوفاء، قالت: أفأنحر ابني؟ قال: قد نهى الله عن ذلك. فجاءت ابن عباس فقال: أمر الله بوفاء بالنذر، ونهاكم أن تقتلوا أنفسكم، وقد كان عبد المطلب نذر إن توافى له عشرة رهط أن ينحر أحدهم، فلما توافوا أقرع بينهم، فصارت القرعة على عبد الله، وكان أحبهم إليه، فقال: اللهم، أهو أو مائة من الإبل، ثم أقرع بين المائة وبينه، فصارت القرعة على الإبل، فأرى أن تنحري مائة من الإبل مكان ابنك، فبلغ الحديث مروان وهو أمير المدينة فقال: ما أراهما أصابا، إنه لا نذر في معصية الله، فاستغفري الله وتوبي إليه، واعملي ما استطعت من الخير، فسر الناس بذلك وأعجبهم قوله، ولم يزل الناس يفتون بأنه لا نذر في معصية الله.

وقال الواقدي: حدثني شرحبيل بن أبي عون، عن عياش بن عباس قال: حدثني من حضر ابن البياع الليثي يوم الدار يبارز مروان فكأني أنظر إلى قبائه قد أدخل طرفيه في منطقته، وتحت القباء الدرع، فضرب مروان على قفاه ضربة قطع علابي رقبته، ووقع لوجهه، فأرادوا أن يذففوا عليه، فقيل: أتبضعون اللحم، فترك.

قال الواقدي: وحدثني حفص بن عمر، عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، وذكر مروان، فقال: والله لقد ضربت كعبه، فما أحسبه إلا قد مات، ولكن المرأة أحفظتني، قالت: ما تصنع بلحمه أن تبضعه، فأخذني الحفاظ، فتركته.

ص: 708

وقال خليفة: إن مروان ولي المدينة سنة إحدى وأربعين.

وقال ابن علية، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: كان مروان أميرا علينا ست سنين، فكان يسب عليا رضي الله عنه كل جمعة على المنبر، ثم عزل بسعيد بن العاص فبقي سنتين، فكان لا يسبه، ثم أعيد مروان، فكان يسبه، فقيل للحسن: ألا تسمع ما يقول هذا؟ فجعل لا يرد شيئا، قال: وكان الحسن يجيء يوم الجمعة، ويدخل في حجرة النبي صلى الله عليه سلم فيقعد فيها، فإذا قضيت الخطبة خرج فصلى، فلم يرض بذلك حتى أهداه له في بيته، قال: فإنا لعنده إذ قيل: فلان بالباب، قال: ائذن له، فوالله إني لأظنه قد جاء بشر، فأذن له فدخل، فقال: يا حسن، إني جئتك من عند سلطان وجئتك بعزمة، قال: تكلم؟ قال: أرسل مرون ويل بعلي وبعلي وبعلي، وبك وبك وبك، وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة، يقال لها: من أبوك، فتقول: أمي الفرس، قال: ارجع إليه فقل له: إني والله لا أمحو عنك شيئا مما قلت، فلن أسبك، ولكن موعدي وموعدك الله، فإن كنت صادقاُ فجزاك الله بصدقك، وإن كنت كاذبا فالله أشد نقمة، وقد أكرم الله جدي أن يكون مثله، أو قال مثلي مثل البغلة، فخرج الرجل، فلما كان في الحجرة لقي الحسين، فقال: ما جئت به؟ قال: رسالة. قال: والله لتخبرني أو لآمرن بضربك، فقال: ارجع، فرجع، فلما رآه الحسن، قال: أرسله، قال: إني لا أستطيع، قال: لم؟ قال: إني قد حلفت، قال: قد لج فأخبره، فقال: أكل فلان بظر أمه إن لم تبلغه عني ما أقول له: قل له: ويل بك وبأبيك وقومك، وآية بيني وبينك أن يمسك منكبيك من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال وزاد.

وقال حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي يحيى، قال: كنت بين الحسن والحسين ومروان، والحسين يساب مروان، فجعل الحسن ينهاه، فقال مروان: إنكم أهل بيت ملعونون، فغضب الحسن، وقال: ويلك، قلت هذا، فوالله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه وأنت في صلبه. رواه جرير، عن عطاء، عن أبي يحيى النخعي.

ص: 709

وقال حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: إن الحسن والحسين كان يصليان خلف مروان، فقيل: أما كانا يصليان إذا رجعا إلى منازلهما؟ قالا: لا والله.

وقال الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا، ودين الله دغلا، وعباد الله خولا.

سنده ضعيف، وكان عطية مع ضعفه شيعيا غاليا، لكن الحديث من قول أبي هريرة رواه العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عنه.

وقد روى أبو المغيرة، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن راشد بن سعد قال: قال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا بلغت بنو أمية أربعين رجلا اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله دولا، وكتاب الله دغلا. إسناده منقطع.

وذكر عوانة بن الحكم، أن مروان قدم ببني أمية على حسان بن مالك بن بحدل وهو بالجابية، فقال: أتيتني بنفسك إذ أبيت أن آتيك، والله لأجادلن عنك في قبائل اليمن، أو أسلمها إليك، فبايع حسان أهل الأردن لمروان، على أن يبايع مروان لخالد بن يزيد، وله إمرة حمص، ولعمرو بن سعيد إمرة دمشق، وذلك في نصف ذي القعدة.

وقال أبو مسهر: بايع مروان أهل الأردن وطائفة من أهل دمشق، وسائر الناس زبيريون، ثم اقتتل مروان وشيعة ابن الزبير يوم راهط فظفر مروان وغلب على الشام ومصر، وبقي تسعة أشهر، ومات.

قال الليث: توفي في أول رمضان.

وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: تذكر مروان يوما، فقال: قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة، ثم أصبحت فيما أنا فيه من هرق الدماء، وهذا الشأن.

ص: 710

وقال ابن سعد: كانوا ينقمون على عثمان تقريب مروان وتصرفه، وكان كاتبه، وسار مع طلحة والزبير يطلبون بدم عثمان، وقاتل يوم الجمل أشد قتال، فلما رأى الهزيمة رمى طلحة بسهم فقتله، وقد أصابته جراح يومئذ، وحمل إلى بيت امرأة، فداووه واختفى، فأمنه علي، فبايعه وانصرف إلى المدينة، وأقام بها حتى استخلف معاوية، وقد كان يوم الحرة مع‌

‌ مسلم بن عقبة

، وحرضه على أهل المدينة، قال: وكان قد أطمع خالد بن يزيد ثم بدا له، وعقد لولديه عبد الملك وعبد العزيز، فأخذ يضع منه ويزهد الناس فيه، وكان يجلس معه، فدخل يوما فزبره، وقال: تنح يا ابن رطبة الإست، والله ما لك عقل، فأضمرت أمه السوء لمروان، فدخل عليها، فقال: هل قال لك خالد شيئا؟ فأنكرت، وكان قد تزوج بها، فنام فوثبت هي وجواريها فعمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه، وغمرته هي والجواري حتى مات، ثم صرخن وقلن مات فجاءة.

وقال الهيثم بن مروان العنسي: مات مطعونا بدمشق.

99 -

مسلم بن عقبة، الذي يقال له: مسرف بن عقبة، بن رباح بن أسعد، أبو عقبة المري.

أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد صفين على الرجالة مع معاوية، وهو صاحب وقعة الحرة، وداره بدمشق موضع فندق الخشب الكبير قبلي دار البطيخ، التي تحت مسجد السلاليين هلك بالمشلل بين مكة والمدينة، وهو قاصد إلى قتال ابن الزبير لسبع بقين من المحرم سنة أربع وستين.

وروى المدائني، عن محمد بن عمر، أظنه الواقدي، قال: قال ذكوان مولى مروان: شرب مسلم بن عقبة دواء بعدما أنهب المدينة، ودعا بالغداء، فقال له الطبيب: لا تعجل، قال: ويحك إنما كنت أحب البقاء حتى أشفي نفسي من قتلة أمير المؤمنين عثمان، فقد أدركت ما أردت، فليس شيء أحب إلي من الموت على طهارتي، فإني لا أشك أن الله قد طهرني من ذنوبي بقتل هؤلاء الأرجاس.

ص: 711

وقال الواقدي: حدثني الضحاك بن عثمان، عن جعفر بن خارجة، قال: خرج مسرف بن عقبة يريد مكة وتبعته أم ولد ليزيد بن عبد الله بن زمعة تسير وراءهم، ومات مسرف فدفن بثنية المشلل، فنبشته ثم صلبته على المشلل.

قال الزبير بن بكار: وكان قد قتل مولاها أبا ولدها. وقيل: إنها نبشته، فوجدت ثعبانا يمص أنفه، وأنها أحرقته، فرضي الله عنها وشكر سعيها.

100 -

ع:‌

‌ مسروق بن الأجدع

، واسم الأجدع عبد الرحمن بن مالك بن أمية، أبو عائشة الهمداني، ثم الوادعي الكوفي.

مخضرم، سمع أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليا، وابن مسعود، ومعاذا، وأبي بن كعب، وخباب بن الأرت، وعائشة، وطائفة.

روى عنه أبو وائل، وسعيد بن جبير، وأبو الضحى، وإبراهيم النخعي، ويحيى بن وثاب، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الله بن مرة، وآخرون.

وقدم الشام في طلب العلم، وشهد الحكمين، فقال روح بن عبادة: حدثني المثنى القصير، عن محمد بن المنتشر، عن مسروق قال: كنت مع أبي موسى أيام الحكمين، وفسطاطي إلى جنب فسطاطه، فأصبح الناس ذات يوم قد لحقوا بمعاوية من الليل، فلما أصبح أبو موسى رفع رفرف فسطاطه، فقال: يا مسروق بن الأجدع، قلت: لبيك أبا موسى، قال: إن الإمارة ما اؤتمر فيها، وإن الملك ما غلب عليه بالسيف.

وقال ابن سعد: كان مسروق ثقة، له أحاديث صالحة، وقد روى عن عمر، وعلي، وأُبي، وعبد الله، ولم يرو عن عثمان شيئا.

وقال البخاري: رأى أبا بكر.

وقال أبو حاتم الرازي: روى عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي.

ص: 712

وقال مجالد، عن الشعبي، عن مسروق: قدمت على عمر، فقال: ما اسمك؟ قلت: مسروق بن الأجدع، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الأجدع شيطان. أنت مسروق بن عبد الرحمن.

وقال أبو داود السجستاني: كان الأجدع أفرس فارس باليمن، وابنه مسروق ابن أخت عمرو بن معدي كرب.

وقال ابن عيينة: حدثنا أيوب بن عائذ الطائي، قال: قلت للشعبي: رجل نذر أن ينحر ابنه، قال: لعلك من القياسين، ما علمت أحدا من الناس كان أطلب للعلم في أفق من الآفاق من مسروق، قال: لا نذر في معصية.

وقال علي ابن المديني: ما أقدم على مسروق أحدا من أصحاب عبد الله، صلى خلف أبي بكر، ولقي عمر، وعليا، ولم يرو عن عثمان شيئا.

وعن مسروق، قال: اخلتفت إلى عبد الله من رمضان إلى رمضان، ما أغبه يوما.

وقال مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: قالت عائشة: يا مسروق إنك من ولدي، وإنك لمن أحبهم إلي، فهل عندك علم بالمخدج. فذكر الحديث.

وقال مالك بن مغول: سمعت أبا السفر يقول: ما ولدت همدانية مثل مسروق.

وقال منصور، عن إبراهيم، قال: كان أصحاب عبد الله الذين يقرئون الناس ويعلمونهم السنة: علقمة، والأسود، وعبيدة، ومسروق، والحارث بن قيس، وعمرو بن شرحبيل.

وقال عبد الملك بن أبجر، عن الشعبي، قال: كان مسروق أعلم

ص: 713

بالفتوى من شريح، وشريح أعلم منه بالقضاء، وكان شريح يستشير مسروقا، وكان مسروق لا يستشير شريحا.

وقال سفيان الثوري: بقي مسروق بعد علقمة لا يفضل عليه أحد.

وقال عاصم، عن الشعبي: إن عبيد الله بن زياد حين قدم الكوفة، قال: أي أهل الكوفة أفضل؟ قالوا: مسروق.

وعن الشعبي، قال: إن كان أهل بيت خلقوا للجنة فهؤلاء: الأسود، وعلقمة، ومسروق.

وقال خليفة: لم يزل شريح على قضاء الكوفة، فأحدره معه زياد إلى البصرة، فقضى مسروق حتى رجع شريح، وذكر أن شريحا غاب سنة.

وقال الأعمش، عن القاسم، قال: كان مسروق لا يأخذ على القضاء رزقا.

عارم: حدثنا حماد، عن مجالد: أن مسروقا قال: لأن أقضي بقضية فأوافق الحق أحب إلي من رباط سنة في سبيل الله عز وجل.

وقال مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: لأن أفتي يوما بعدل وحق، أحب إلي من أن أغزو في سبيل الله سنة.

وقال شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ابن أخي مسروق: إن خالد بن عبد الله بن أسيد عامل البصرة أهدى إلى مسروق ثلاثين ألفا، وهو يومئذ محتاج، فلم يقبلها.

وقال يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، قال: أصبح مسروق يوما وليس لعياله رزق، فجاءته امرأته قمير، فقالت: يا أبا عائشة، إنه ما أصبح لعيالك اليوم رزق، فتبسم، وقال: والله ليأتينهم الله برزق.

وقال سالم بن أبي الجعد: كلم مسروق زيادا لرجل في حاجة، فبعث إليه بوصيف، فرده، وحلف ألا يكلم له في حاجة أبدا.

وقال الأصمعي: سمعت أشياخنا يقولون: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين: عامر بن عبد قيس، وهرم بن حيان، وأويس القرني، وأبي

ص: 714

مسلم الخولاني، والأسود، ومسروق، والحسن البصري، والربيع بن خثيم.

وقال إسرائيل: حدثنا أبو إسحاق أن مسروقا زوج بنته بالسائب بن الأقرع على عشرة آلاف اشترطها لنفسه، وقال: جهز أنت امرأتك من عندك، وجعلها مسروق في المجاهدين والمساكين.

وقال الأعمش، عن أبي الضحى، قال: غاب مسروق في السلسلة سنتين. يعني عاملا عليها، فلما قدم نظر أهله في خرجه فأصابوا فأسا بغير عود، فقالوا: غبت سنتين، ثم جئتنا بفأس بغير عود؟ قال: إنا لله، تلك فأس استعرناها، نسينا نردها.

وقال الشعبي: بعثه ابن زياد إلى السلسلة، فانطلق، فمات بها.

وقال الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، قال: والله ما عملت عملا أخوف عندي أن يدخلني النار من عملكم هذا، وما بي أن أكون ظلمت فيه مسلما ولا معاهدا دينارا ولا درهما، ولكن ما أدري ما هذا الحبل الذي لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، قيل: فما حملك؟ قال: لم يدعني زياد، ولا شريح، ولا الشيطان، حتى دخلت فيه.

وقال سعيد بن جبير: قال لي مسروق: ما بقي شيء يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب وما آسى على شيء إلا السجود لله تعالى.

وقال أبو إسحاق: حج مسروق، فما نام إلا ساجدا حتى رجع.

وقال هشام بن حسان، عن محمد، عن امرأة مسروق، قالت: ما كان مسروق يوجد إلا وساقاه قد انتفختا من طول القيام، وإن كنت لأجلس خلفه، فأبكي رحمة له. ورواه أنس بن سيرين، عن امرأة مسروق.

وقال أبو الضحى، عن مسروق: إنه سئل عن بيت شعر فقال: أكره أن أجد في صحيفتي شعرا.

وقال هشام ابن الكلبي، عن أبيه قال: شلت يد مسروق يوم القادسية، وأصابته آمة.

وقال أبو الضحى، عن مسروق، وكان رجلا مأموما، قال: ما أحب

ص: 715

أنها ليست بي، لعلها لو لم تكن بي، كنت في بعض هذه الفتن.

وقال وكيع: لم يتخلف عن علي من الصحابة إلا سعد، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وابن عمر، ومن التابعين: مسروق، والأسود، والربيع بن خثيم، وأبو عبد الرحمن السلمي.

وقال عمرو بن مرة، عن الشعبي قال: كان مسروق إذا قيل له: أبطأت عن علي وعن مشاهده، ولم يكن شهد معه، يقول: أذكركم الله، أرأيتم لو أنه صف بعضكم لبعض، وأخذ بعضكم على بعض السلاح، يقتل بعضكم بعضا، فنزل ملك بين الصفين فقال هذه الآية:{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} أكان ذلك حاجزا لكم؟ قالوا: نعم، قال: فوالله لقد نزل بها ملك كريم، على لسان نبيكم، وإنها لمحكمة ما نسخها شيء.

وقال عاصم بن أبي النجود: ذكر أن مسروقا أتى صفين، فوقف بين الصفين، ثم قال: أرأيتم لو أن مناديا، فذكر نحوه، ثم ذهب.

وعن ابن أبي ليلى قال: شهد مسروق النهروان مع علي.

وقال شريك، عن أبي إسحاق، عن عامر، قال: ما مات مسروق حتى استغفر الله من تخلفه عن علي.

قال أبو نعيم: توفي مسروق سنة اثنتين وستين.

وقال المدائني، وابن نمير، ومحمد بن سعد: سنة ثلاث.

وقال أبو شهاب الحناط: هو مدفون بالسلسلة بواسط.

101 -

د:‌

‌ مسلمة بن مخلد بن الصامت الأنصاري الخزرجي

، أبو معن، ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو معاوية، ويقال أبو معمر.

له صحبة ورواية. قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولي عشر سنين.

روى عنه: أبو أيوب الأنصاري مع جلالته، ومحمود بن لبيد، ومحمد بن سيرين، ومجاهد، وعلي بن رباح، وأبو قبيل حيي بن هانئ، وعبد الرحمن بن شماسة، وشيبان بن أمية وآخرون.

ص: 716

وكان من أمراء معاوية يوم صفين، كان على أهل فلسطين، وقيل: لم يفد على معاوية إلا بعد انقضاء صفين، ولي إمرة مصر لمعاوية وليزيد. وذكر أن له صحبة جماعة؛ منهم: ابن سعد، وأبو سعيد بن يونس، والدارقطني.

وقال ابن أبي حاتم: كان البخاري كتب أن لمسلمة بن مخلد صحبة، فغير أبي ذلك، وقال: ليست له صحبة.

وقال ابن مهدي، ومعن بن عيسى، عن موسى بن علي، عن أبيه، عن مسلمة: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وأنا ابن أربع سنين، وتوفي وأنا ابن أربع عشرة.

وقال وكيع: عن موسى بخلاف ذلك، عن أبيه، عن مسلمة، فقال: ولدت حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.

ورجح الإمام أحمد في ذلك إلى قول ابن مهدي، وقال: هو أقرب عهدا بالكتاب.

وقال الليث بن سعد: وفي سنة سبع وأربعين نزع عقبة بن عامر عن مصر، وولي مسلمة، فبقي عليها إلى أن مات.

وقال مجاهد: صليت خلف مسلمة بن مخلد، فقرأ بسورة البقرة، فما ترك واوا ولا ألفا.

وقال الليث: توفي سنة اثنتين وستين.

وقال ابن يونس: في ذي القعدة بالإسكندرية.

102 -

‌ المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن قصي بن كلاب

، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عثمان الزهري، ابن عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف.

له صحبة ورواية، وروى أيضا عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وخاله.

روى عنه علي بن الحسين، وعروة، وسليمان بن يسار، وابن أبي

ص: 717

مليكة، وولداه عبد الرحمن، وأم بكر، وعبد الله بن حنين، وعمرو بن دينار.

وقدم بريدا لدمشق من عثمان إلى معاوية أيام حصر عثمان، ووفد على معاوية في خلافته، وكان ممن يلزم عمر ويحفظ عنه، وانحاز إلى مكة كابن الزبير، وكره إمرة يزيد، وأصابه حجر منجنيق لما حاصر الحصين بن نمير ابن الزبير.

قال الزبير بن بكار: وكانت الخوارج تغشاه وتعظمه وينتحلون رأيه، حتى قتل تلك الأيام.

وقال أبو عامر العقدي: أخبرنا عبد الله بن جعفر، عن أم بكر: أن أباها احتكر طعاما، فرأى سحابا من سحاب الخريف فكرهه، فلما أصبح جاء إلى السوق فقال: من جاءني وليته، فبلغ ذلك عمر، فأتاه بالسوق فقال: أجننت يا مسور؟ قال: لا والله، ولكني رأيت سحابا من سحاب الخريف، فكرهته، فكرهت أن أربح فيه، وأردت أن لا أربح فيه، فقال عمر: جزاك الله خيرا.

وقال إسحاق الكوسج: قال ابن معين: مسور بن مخرمة ثقة.

إنما كتبت هذا للتعجب، فإنهم متفقون على صحبة المسور، وأنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن وهب: حدثنا حيوة، قال: حدثنا عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة: أن المسور أخبره: أنه قدم على معاوية، فقضى حاجته، ثم خلا به، فقال: يا مسور، ما فعل طعنك على الأئمة؟ قال: دعنا من هذا، وأحسن فيما قدمنا له، قال معاوية: والله لتكلمني بذات نفسك بالذي تعيب علي، قال: فلم أترك شيئا أعيبه عليه إلا بينته له، فقال: لا أبرأ من الذنب، فهل تعد لنا يا مسور مما نلي من الإصلاح في أمر العامة، فإن الحسنة بعشر أمثالها، أم تعد الذنوب وتترك الإحسان؟ قلت: لا والله ما نذكر إلا ما نرى من الذنوب، فقال: فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم يغفر الله لك؟ قال: نعم، قال:

ص: 718

فما يجعلك الله برجاء المغفرة أحق مني، فوالله ما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكن والله لا أخير بين أمرين، بين الله وغيره إلا اخترت الله على ما سواه، وإني لعلى دين يقبل فيه العمل، ويجزى فيه بالحسنات، ويجزى فيه بالذنوب، إلا أن يعفو الله عنها، وإني أحتسب كل حسنة عملتها بأضعافها من الأجر، وألي أمورا عظاما من إقامة الصلاة، والجهاد، والحكم بما أنزل الله. قال: فعرفت أنه قد خصمني لما ذكر ذلك. قال عروة: فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه.

وعن أم بكر بنت المسور أن المسور كان يصوم الدهر، وكان إذا قدم مكة طاف لكل يوم غاب عنها سبعا، وصلى ركعتين.

وقال الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عمته أم بكر بنت المسور، عن أبيها، أنه وجد يوم القادسية إبريق ذهب عليه الياقوت والزبرجد، فلم يدر ما هو، فلقيه فارسي فقال: آخذه بعشرة آلاف، فعرف أنه شيء، فبعث به إلى سعد بن أبي وقاص، فنفله إياه، وقال: لا تبعه بعشرة آلاف، فباعه له سعد بمائة ألف، ودفعها إلى المسور، ولم يخمسها.

وعن عطاء بن يزيد الليثي قال: لحق المسور بابن الزبير بمكة، فكان ابن الزبير لا يقطع أمرا دونه.

قال الواقدي: وحدثني شرحبيل بن أبي عون. عن أبيه قال: لما دنا الحصين بن نمير أخرج المسور سلاحا قد حمله من المدينة ودروعا، ففرقها في موال له كهول فرس جلد، فدعاني، ثم قال لي: يا مولى عبد الرحمن بن مسور، قلت: لبيك، قال: اختر درعا، فاخترت درعا وما يصلحها، وأنا يومئذ غلام حدث، فرأيت أولئك الفرس غضبوا وقالوا: تخيره علينا؟ والله لو جد الجد تركك، فقال: لتجدن عنده حزما، فلما كان القتال أحدقوا به، ثم انكشفوا عنه، واختلط الناس، والمسور يضرب بسيفه، وابن الزبير في الرعيل الأول يرتجز قدما، ومعه مصعب بن عبد الرحمن بن عوف يفعلان الأفاعيل، إلى أن أحدقت جماعة منهم بالمسور، فقام دونه مواليه، فذبوا عنه كل الذب، وجعل يصيح بهم، فما خلص إليه، ولقد قتلوا من أهل الشام يومئذ نفرا.

ص: 719

قال: وحدثني عبد الله بن جعفر، عن أم بكر، وأبي عون قالا: أصاب المسور حجر المنجنيق، ضرب البيت فانفلق منه فلقة، فأصابت خد المسور وهو قائم يصلي، فمرض منها أياما، ثم مات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد، وابن الزبير يومئذ لا يسمى بالخلافة، بل الأمر شورى.

زادت أم بكر: كنت أرى العظام تنزع من صفحته، وما مكث إلا خمسة أيام ومات. فذكرته لشرحبيل بن أبي عون فقال: حدثني أبي قال: قال لي المسور: هات درعي، فلبسها، وأبى أن يلبس المغفر، قال: وتقبل ثلاثة أحجار، فيضرب الأول الركن الذي يلي الحجر فخرق الكعبة حتى تغيب، ثم اتبعه الثاني في موضعه، ثم الثالث فينا، وتكسر منه كسرة، فضربت خد المسور وصدغه الأيسر، فهشمته هشما، فغشي عليه، واحتملته أنا ومولى له، وجاء الخبر ابن الزبير، فأقبل يعدو، فكان فيمن حمله، وأدركنا مصعب بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير، فمكث يومه لا يتكلم، فأفاق من الليل، وعهد ببعض ما يريد، وجعل عبيد بن عمير يقول: يا أبا عبد الرحمن كيف ترى في قتال هؤلاء؟ فقال: على ذلك قتلنا، فكان ابن الزبير لا يفارقه بمرضه حتى مات، فولي ابن الزبير غسله، وحمله فيمن حمله إلى الحجون، وإنا لنطأ به القتلى ونمشي بين أهل الشام، فصلوا معنا عليه.

قلت: لأنهم علموا يومئذ بموت يزيد، وكلم حصين بن نمير عبد الله بن الزبير في أن يبايعه بالخلافة، وبطل القتال بينهم.

وعن أم بكر قالت: ولد المسور بمكة بعد الهجرة بسنتين، وبها توفي لهلال ربيع الآخر سنة أربع وستين.

وقال الهيثم: توفي سنة سبعين، وهو غلط منه.

وقال المدائني: مات سنة ثلاث وسبعين من حجر المنجنيق، فوهم أيضا، اشتبه عليه بالحصار الأخير. وتابعه يحيى بن معين. وعلى القول الأول جماعة منهم: يحيى بن بكير، وأبو عبيد، والفلاس، وغيرهم.

103 – ت:‌

‌ المسيب بن نجبة بن ربيعة الفزاري

، صاحب علي.

سمع عليا، وابنه الحسن، وحذيفة.

روى عنه: عتبة بن أبي عتبة،

ص: 720

وسوار أبو إدريس، وأبو إسحاق السبيعي.

وقدم مع خالد بن الوليد من العراق، وشهد حصار دمشق، وكان أحد من خرج من الكبار في جيش التوابين الذين خرجوا يطلبون بدم الحسين، وقتل بالجزيرة سنة خمس وستين كما ذكرنا بعدما قاتل قتالا شديدا.

104 -

‌ مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري

.

أحد الكبار الذين كانوا مع ابن الزبير، وقتل معه في الحصار سنة أربع وستين.

كان مصعب هذا قد ولي قضاء المدينة، وشرطتها في إمرة مروان عليها، ثم لحق بابن الزبير، وكان بطلا شجاعا، له مواقف مشهودة، قتل عدة من الشاميين، ثم توفي، فلما مات هو والمسور دعا ابن الزبير إلى نفسه.

105 -

‌ معاذ بن الحارث أبو حليمة الأنصاري المدني القارئ

.

روى عنه ابن سيرين، ونافع مولى ابن عمر.

قالت عمرة: ما كان يوقظنا من الليل إلا قراءة معاذ القارئ. قتل معاذ يوم الحرة.

106 – 4:‌

‌ معاوية بن حيدة القشيري

جد بهز بن حكيم.

له صحبة ورواية، نزل البصرة ثم غزا خراسان ومات بها.

روى عنه ابنه حكيم، وحميد المزني رجل مجهول.

حديثه في السنن الأربعة، أعني معاوية.

107 -

‌ معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي

، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو يزيد، ويقال: أبو ليلى.

استخلف بعهد من أبيه عند موته في ربيع الأول، وكان شابا صالحا لم تطل خلافته، وأمه هي أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة، ومولده سنة ثلاث وأربعين.

ص: 721

قال إسماعيل الخطبي: رأيت صفته في كتاب أنه كان أبيض شديدا، كثير الشعر، كبير العينين، أقنى الأنف، جميل الوجه، مدور الرأس.

وعن أبي عبيدة، قال: ولي معاوية بن يزيد ثلاثة أشهر، فلم يخرج إلى الناس، ولم يزل مريضا، والضحاك بن قيس يصلي بالناس.

وقال جرير بن حازم: إن معاوية بن يزيد استخلفه أبوه، فولي شهرين، فلما احتضر قيل: لو استخلفت، فقال: كفلتها حياتي، فأتضمنها بعد موتي؟ وأبى أن يستخلف.

وقال أبو مسهر، وأبو حفص الفلاس: ملك أربعين ليلة، وكذا قال ابن الكلبي.

وقال أبو معشر، وغيره: عاش عشرين سنة. توفي بدمشق.

108 – 4: معقل بن سنان الأشجعي.

له صحبة ورواية، وكان حامل لواء قومه يوم فتح مكة، وهو راوي حديث بروع.

روى عنه علقمة، ومسروق، والأسود، وسالم بن عبد الله بن عمر، والحسن البصري.

وكان يكون بالكوفة، فوفد على يزيد، فرأى منه قبائح، فسار إلى المدينة وخلع يزيد، وكان من رؤوس أهل الحرة.

قال الحاكم أبو أحمد: كنيته أبو سنان، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو يزيد، من غطفان، قتل صبرا يوم الحرة، فقال الشاعر:

ألا تلكم الأنصار تبكي سراتها وأشجع تبكي معقل بن سنان وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عثمان بن زياد الأشجعي، عن أبيه، عن جده، قال: كان معقل بن سنان قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل لواء قومه يوم الفتح، وكان شابا طريا، وبقي بعد ذلك، فبعثه الوليد بن عتبة أمير المدينة ببيعة يزيد، فقدم الشام في وفد من أهل المدينة، فاجتمع معقل ومسلم بن عقبة فقال، وكان قد آنسه وحادثه: إني خرجت كرها ببيعة هذا، وقد كان من القضاء والقدر خروجي إليه، رجل يشرب الخمر وينكح الحرم، ثم نال منه واستكتمه ذلك، فقال: أما أن أذكر ذلك

ص: 722

لأمير المؤمنين يومي هذا فلا والله، ولكن لله علي عهد وميثاق إن مكنت منك لأضربن الذي فيه عيناك، فلما قدم مسلم المدينة وأوقع بهم، كان معقل يومئذ على المهاجرين، فأتي به مأسورا، فقال: يا معقل أعطشت؟ قال: نعم، قال: أحضروا له شربة ببلور، ففعلوا، فشرب، وقال: أرويت؟ قال: نعم، قال: أما والله لا تتهنأ بها، يا مفرج قم فاضرب عنقه، فضرب عنقه.

وقال المدائني، عن عوانة، وأبي زكريا العجلاني، عن عكرمة بن خالد: إن مسلما لما دعا أهل المدينة إلى البيعة، يعني بعد وقعة الحرة، قال: ليت شعري ما فعل معقل بن سنان، وكان له مصافيا، فخرج ناس من أشجع، فأصابوه في قصر العرصة، ويقال: في جبل أحد، فقالوا له: الأمير يسأل عنك فارجع إليه، قال: أنا أعلم به منكم، إنه قاتلي، قالوا: كلا، فأقبل معهم، فقال له: مرحبا بأبي محمد، أظنك ظمآنا، وأظن هؤلاء أتعبوك، قال: أجل، قال: شوبوا له عسلا بثلج، ففعلوا وسقوه، فقال: سقاك الله أيها الأمير من شراب أهل الجنة، قال: لا جرم والله لا تشرب بعدها حتى تشرب من حميم جهنم، قال: أنشدك الله والرحم، قال: ألست قلت لي بطبرية وأنت منصرف من عند أمير المؤمنين وقد أحسن جائزتك: سرنا شهرا وخسرنا ظهرا، نرجع إلى المدينة فنخلع الفاسق يشرب الخمر، عاهدت الله تلك الليلة لا ألقاك في حرب أقدر عليك إلا قتلتك، وأمر به فقتل.

109 – ع: معقل بن يسار المزني البصري، ممن بايع تحت الشجرة.

روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن النعمان بن مقرن.

روى عنه عمران بن حصين مع تقدمه، وأبو المليح بن أسامة الهذلي، والحسن البصري، ومعاوية بن قرة، وعلقمة بن عبد الله المزنيان، وغيرهم.

وقال ابن سعد: لا نعلم في الصحابة من يكنى أبا علي سواه.

ص: 723

110 -

خ د:‌

‌ معن بن يزيد بن الأخنس بن حبيب السلمي

.

له ولأبيه وجده الأخنس صحبة. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا أو حديثين. روى عنه أبو الجويرية حطان بن خفاف الجرمي، وسهيل بن ذراع، وغيرهما. وكان من فرسان قيس، شهد فتح دمشق، وله بها دار، وشهد صفين مع معاوية.

قال أبو عوانة، عن أبي الجويرية، عن معن بن يزيد قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي، وخطب علي فأنكحني.

وقال الليث، عن يزيد بن أبي حبيب: إن معن بن يزيد بن الأخنس من بني سليم، كان هو وأبوه وجده تمام عدة أصحاب بدر، ولا أعلم رجلا وابنه وابن ابنه شهدوا بدرا مسلمين غيرهم.

قلت: لا نعلم ليزيد متابع على هذا القول. وقد ذكر المفضل الغلابي وغيره أن لهم صحبة.

وقال محمد بن سلام الجمحي: سمعت بكار بن محمد بن واسع قال: قال معاوية: ما ولدت قرشية لقرشي خيرا لها في دينها من محمد صلى الله عليه وسلم، وما ولدت قرشية لقرشي خيرا لها في دنياها مني. فقال معن بن يزيد: ما ولدت قرشية لقرشي شرا لها في دنياها منك، قال: ولم؟ قال: لأنك عودتهم عادة كأني بهم قد طلبوها من غيرك، فكأني بهم صرعى في الطرق، قال: ويحك، والله إني لأكاتمها نفسي منذ كذا وكذا.

قال ابن سميع وغيره: قتل معن بن يزيد بن الأخنس، وأبوه براهط، وقال غيره: بقي معن يسيرا بعد راهط.

111 -

‌ المغيرة بن أبي شهاب المخزومي

.

قال يحيى الذماري: قرأت على ابن عامر، وقرأ ابن عامر على المغيرة بن أبي شهاب، وقرأ المغيرة على عثمان بن عفان.

112 -

‌ المنذر بن الجارود العبدي

.

ص: 724

لأبيه صحبة، وكان سيدا جوادا شريفا ولي إصطخر لعلي، ثم ولي ثغر الهند من قبل عبيد الله بن زياد، فمات هناك سنة إحدى وستين، وله ستون سنة.

وهو مذكور في الطبقة الآتية.

113 -

‌ المنذر بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد

، أبو عثمان الأسدي، ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه أسماء بنت الصديق.

ولد في آخر خلافة عمر، وغزا القسطنطينية مع يزيد، ولما استخلف يزيد وفد عليه.

قال الزبير بن بكار: فحدثني مصعب بن عثمان أن المنذر بن الزبير غاضب أخاه عبد الله، فسار إلى الكوفة، ثم قدم على معاوية، فأجازه بألف ألف درهم، وأقطعه، فمات معاوية قبل أن يقبض المنذر الجائزة، وأوصى معاوية أن يدخل المنذر في قبره.

وفي الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها زوجت حفصة بنت أخيها المنذر بن الزبير، فلما قدم أخوها عبد الرحمن من الشام قال: ومثلي يصنع به هذا ويفتات عليه؟ فكلمت عائشة المنذر، فقال: إن ذلك بيد عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: ما كنت لأرد أمرا قضيتيه، فقرت حفصة عند المنذر، ولم يكن ذلك طلاقا.

وقال ابن سعد: فولدت له عبد الرحمن، وإبراهيم، وقريبة، ثم تزوجها الحسن بن علي رضي الله عنهما.

وقال الزبير بن بكار: لما ورد على يزيد خلاف ابن الزبير، كتب إلى ابن زياد أن يستوثق من المنذر ويبعث به، فأخبره بالكتاب، وقال: اذهب وأنا أكتم الكتاب ثلاثا، فخرج المنذر، فأصبح الليلة الثامنة بمكة صباحا، فارتجز حاديه:

ص: 725

قاسين قبل الصبح ليلا منكرا حتى إذا الصبح انجلى وأسفرا أصبحن صرعى بالكثيب حسرا لو يتكلمن شكون المنذرا فسمع عبد الله بن الزبير صوت المنذر على الصفا، فقال: هذا أبو عثمان جاشته الحرب إليكم. فحدثني محمد بن الضحاك قال: كان المنذر بن الزبير، وعثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام يقاتلان أهل الشام بالنهار، ويطعمانهم بالليل.

وقتل المنذر في نوبة الحصين، وله أربعون سنة.

114 -

‌ النابغة الجعدي الشاعر المشهور أبو ليلى

.

له صحبة ووفادة، وهو من بني عامر بن صعصعة، فعن عبد الله بن صفوان قال: عاش النابغة مائة وعشرين سنة، ومات بأصبهان.

وروي أن النابغة قال هذه الأبيات:

المرء يهوى أن يعيـ ـش وطول عمر قد يضره وتتابع الأيام حـ ـتى ما يرى شيئا يسره تفنى بشاشته ويبـ ـقى بعد حلو العيش مره ثم دخل بيته فلم يخرج حتى مات.

وقال يعلى بن الأشدق، وليس بثقة: سمعت النابغة يقول: أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم:

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال: أين المظهر يا أبا ليلى؟ قلت: الجنة، قال أجل إن شاء الله، ثم قلت:

ولا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمي صفوه أن تكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يفضض الله فاك، مرتين.

ص: 726

قلت: كان النابغة يتنقل في البلاد ويمدح الكبار؛ وعمر دهرا ومات في أيام عبد الملك.

قال محمد بن سلام: اسمه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة.

روي عن عبد الله بن عروة بن الزبير أن نابغة بني جعدة لما أقحمت السنة أتى ابن الزبير، وهو يومئذ بالمدينة، فأنشده في المسجد:

حكيت لنا الصديق لما وليتنا وعثمان والفاروق فارتاح معدم وسويت بين الناس في الحق فاستووا فعاد صباحا حالك الليل مظلم في أبيات، فأمر له بسبع قلائص وراحلة تمر وبر، وقال له: لك في مال الله حقان، حق لرؤيتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحق لشركتك أهل الإسلام، وذكر الحديث.

115 -

‌ نجدة بن عامر الحنفي الحروري

.

من رؤوس الخوارج، مال عليه أصحاب ابن الزبير فقتلوه بالجمار. وقيل: اختلف عليه أصحابه فقتلوه في سنة تسع وستين.

116 – ع:‌

‌ النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة

، أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد الأنصاري الخزرجي، ابن أخت عبد الله بن رواحة.

شهد أبوه بدرا. وولد النعمان سنة اثنتين من الهجرة، وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث.

روى عنه ابنه محمد، والشعبي، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو سلام الأسود، وسماك بن حرب، وأبو إسحاق، ومولاه حبيب بن سالم، وسالم بن أبي الجعد، وأبو قلابة الجرمي، وغيرهم.

وكان منقطعا إلى معاوية فولاه الكوفة مدة، وولي قضاء دمشق بعد فضالة بن عبيد، وولي إمرة حمص مدة.

وقال البخاري: ولد عام الهجرة، وهو أول مولود ولد للأنصار.

ص: 727

وقد ورد أن أعشى همدان وفد على النعمان وهو أمير حمص، فقال له: ما أقدمك؟ قال: جئت لتصلني، وتحفظ قرابتي، وتقضي ديني، فأطرق ثم قال: والله ما شيء، ثم قال: هه، كأنه ذكر شيئا، فقام فصعد المنبر، فقال: يا أهل حمص، وهم في الديوان عشرون ألفا، هذا ابن عمكم من أهل العراق والشرف قدم عليكم يسترفدكم، فما ترون؟ قالوا: أصلح الله الأمير احتكم له، فأبى عليهم، قالوا: فإنا قد حكمنا له على أنفسنا من كل رجل في العطاء بدينارين دينارين، فعجلها له من بيت المال أربعين ألف دينار، فقبضها.

حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب قال: كان النعمان بن بشير والله من أخطب من سمعت من أهل الدنيا يتكلم.

وروي أن النعمان لما دعا أهل حمص إلى ابن الزبير احتزوا رأسه.

وقيل: قتل بقرية بيرين، قتله خالد بن خلي بعد وقعة مرج راهط في آخر سنة أربع وستين.

117 – خ م ن:‌

‌ نوفل بن معاوية الديلي

.

له صحبة ورواية وشهد الفتح، وغزا وحج مع الصديق سنة تسع.

روى عنه عبد الرحمن بن مطيع، وعراك بن مالك، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ونزل المدينة في بني الديل.

قال الواقدي: شهد بدرا مع المشركين وأحدا والخندق، وكان له ذكر ونكاية، قال: وتوفي في خلافة معاوية.

وقال غيره: توفي في خلافة يزيد. وقيل: عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام.

كان سلمى بن نوفل بن معاوية الديلي جوادا ممدحا، وفيه يقول الجعفري:

ص: 728

يسود أقوام وليسوا بسادة بل السيد المحمود سلمى بن نوفل

118 -

4:‌

‌ هبيرة بن بريم أبو الحارث الشيباني

ويقال: الخارفي الكوفي.

روى عن علي، وطلحة، وعبد الله بن مسعود.

روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وأبو فاختة.

وقال الإمام أحمد: لا بأس بحديثه.

وقال ابن خراش: ضعيف.

وقال غيره: توفي سنة ست وستين.

119 -

‌ همام بن قبيصة بن مسعود بن عمير النميري

، أحد الأشراف.

كان من أبطال معاوية، كان على قيس دمشق يوم صفين، وكان له بدمشق دار صارت لابن جوصا المحدث، عند حمام الجبن. قتل يوم مرج راهط. وله شعر.

120 -

‌ هند بن هند بن أبي هالة التميمي

، سبط أم المؤمنين، خديجة.

قتل مع مصعب بن الزبير في سنة تسع وستين. وقيل: مات في الطاعون بالبصرة.

121 -

‌ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب الأموي

.

ولاه عمه معاوية المدينة، وكان جوادا حليما فيه دين وخير.

قال يحيى بن بكير: كان معاوية يولي على المدينة مرة مروان ومرة الوليد بن عتبة، وكذا ولاه يزيد عليها مرتين، وأقام الموسم غير مرة، آخرها سنة اثنتين وستين.

ص: 729

قال الزبير بن بكار: كان الوليد رجل بني عتبة، وكان حليما كريما، توفي معاوية فقدم عليه رسول يزيد، فأخذ البيعة على الحسين وابن الزبير، فأرسل إليهما سرا، فقالا: نصبح ويجتمع الناس، فقال له مروان: إن خرجا من عندك لم ترهما، فنافره ابن الزبير، وتغالظا حتى تواثبا، وقام الوليد يحجز بينهما، فأخذ ابن الزبير بيد الحسين وقال: امض بنا، وخرجا، وتمثل ابن الزبير:

لا تحسبني يا مسافر شحمة تعجلها من جانب القدر جائع فأقبل مروان على الوليد يلومه فقال: إني أعلم ما تريد، ما كنت لأسفك دماءهما، ولا أقطع أرحامهما.

وقال المدائني، عن خالد بن يزيد بن بشر، عن أبيه، وعبد الله بن نجاد، وغيرهما قالوا: لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية أرادوا الوليد بن عتبة على الخلافة، فأبى وهلك تلك الليالي.

وقال يعقوب الفسوي: أراد أهل الشام الوليد بن عتبة على الخلافة، فطعن فمات بعد معاوية.

وقال بعضهم، ولم يصح: إنه قدم للصلاة على معاوية فأصابه الطاعون في صلاته عليه، فلم يرفع إلا وهو ميت.

122 -

‌ يزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرغ الحميري البصري الشاعر

.

كان أحد الشعراء الإسلاميين، وكان كثير الهجو والشر للناس. فذكر المدائني أن عبيد الله بن زياد أراد قتل ابن مفرغ لكونه هجا أباه زيادا ونفاه من أبي سفيان، فمنعه معاوية من قتله، وقال: أدبه، فسقاه مسهلا، وأركبه على حمار، وطوف به وهو يسلح في الأسواق على الحمار، فقال: يغسل الماء ما صنعت وشعري راسخ منك في العظام البوادي.

وقال يخاطب معاوية:

أتغضب أن يقال أبوك حر وترضى أن يقال أبوك زاني فأشهد أن رحمك من زياد كرحم الفيل من ولد الأتان.

ص: 730

مات ابن مفرغ في طاعون الجارف أيام مصعب.

123 -

‌ يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف

، أبو خالد الأموي، وأمه ميسون بنت بحدل الكلبية.

روى عن: أبيه. روى عنه ابنه خالد، وعبد الملك بن مروان. بويع بعد أبيه.

ولد سنة خمس أو ست وعشرين.

وقال سعيد بن حريث: كان يزيد كثير اللحم، ضخما، كثير الشعر.

وقال أبو مسهر: حدثني زهير الكلبي، قال: تزوج معاوية ميسون بنت بحدل، وطلقها وهي حامل بيزيد، فرأت في النوم كأن قمرا خرج من قبلها، فقصت رؤياها على أمها، فقالت: لئن صدقت رؤياك لتلدين من يبايع له بالخلافة.

قال خليفة: وفي سنة خمسين غزا يزيد أرض الروم ومعه أبو أيوب الأنصاري.

وقال أبو بكر بن عياش: حج بالناس يزيد سنة إحدى وخمسين، وسنة اثنتين، وسنة ثلاث.

وقال أزهر السمان، عن ابن عون، عن محمد، عن عقبة بن أوس السدوسي، عن عبد الله بن عمرو قال: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، ابن عفان ذو النورين قتل مظلوما يؤتى كفلين من الرحمة، معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة، والسفاح، وسلام، ومنصور، وجابر، والمهدي، والأمين، وأمير العصب، كلهم من بني كعب بن لؤي، كلهم صالح، لا يوجد مثله.

روى نحوه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أبيه، عن أبي أسامة، عن الثوري، عن هشام بن حسان، قال: حدثنا محمد بن سيرين. وله طريق آخر، ولم يرفعه أحد. وقال يعلى بن عطاء، عن عمه قال: كنت مع عبد الله

ص: 731

ابن عمرو حين بعثه يزيد إلى ابن الزبير، فسمعته يقول لابن الزبير: تعلم: إني أجد في الكتاب أنك ستعنى ونعنى وتدعي الخلافة ولست بخليفة، وإني أجد الخليفة يزيد بن معاوية.

وروى زحر بن حصن، عن جده حميد بن منهب قال: زرت الحسن بن أبي الحسن، فخلوت به فقلت: يا أبا سعيد، ما ترى ما الناس فيه؟ فقال لي: أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، فحملت، وقال: أين القراء، فحكم الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة، والمغيرة بن شعبة فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي هذا فأقبل معزولا، فأبطأ عنه، فلما ورد عليه قال: ما أبطأ بك؟ قال: أمر كنت أوطئه وأهيئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك، قال: أوفعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك، فلما خرج قال له أصحابه: ما وراءك؟ قال: وضعت رجل معاوية في غرز غي لا يزال فيه إلى يوم القيامة. قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.

وروى هشام، عن ابن سيرين، أن عمرو بن حزم وفد إلى معاوية، فقال له: أذكرك الله في أمة محمد بمن تستخلف عليها، فقال: نصحت وقلت برأيك، وإنه لم يبق إلا ابني وأبناؤهم، وابني أحق.

وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس قال: خطب معاوية فقال: اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله، فبلغه ما أملت وأعنه، وإن كنت إنما حملني حب الوالد لولده، وأنه ليس لما صنعت به أهلا، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك.

وقال محمد بن مروان السعيدي: أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان الخزاعي، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن الحكم، عن أبي عوانة قال: كان معاوية يعطي عبد الله بن جعفر كل عام ألف ألف، فلما وفد على يزيد

ص: 732

أعطاه ألف ألف، فقال عبد الله: بأبي أنت وأمي، فأمر له بألف ألف أخرى، فقال له عبد الله: والله لا أجمعهما لأحد بعدك.

محمد بن بشار بندار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا عوف الأعرابي، قال: حدثنا مهاجر أبو مخلد، قال: حدثني أبو العالية، قال: حدثني أبو مسلم قال: قال أبو الدرداء: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد. أخرجه الروياني في مسنده، عن بندار، وروي من وجه آخر عن عوف وليس فيه أبو مسلم.

وفي مسند أبي يعلى: حدثنا الحكم بن موسى، قال: حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن مكحول، عن أبي عبيدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط، حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد. ورواه صدقة بن عبد الله، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه.

لم يلق مكحول أبا ثعلبة، وقد أدركه وصدقة السمين ضعيف.

وقال الزبير بن بكار: أخبرني مصعب بن عبد الله، عن أبيه، وأخبرني محمد بن الضحاك الحزامي أن ابن الزبير سمع جويرية تلعب وتغني في يزيد بقول عبد الرحمن بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: لست منا وليس خالك منا يا مضيع الصلاة للشهوات فدعاها وقال: لا تقولي: لست منا، قولي: أنت منا.

وقال صخر بن جويرية، عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد جمع ابن عمر بنيه وأهله، ثم تشهد وقال: أما بعد، فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر -

ص: 733

إلا أن يكون الإشراك بالله - أن يبايع رجل رجلا على بيع الله ورسوله ثم ينكث فلا يخلعن أحد منكم يزيد.

وزاد فيه المدائني، عن صخر، عن نافع: فمشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد ابن الحنفية، فأرادو على خلع يزيد، فأبى، وقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدى حكم الكتاب، قال: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد أقمت عنده، فرأيته مواظبا للصلاة، متحريا للخير، يسأل عن الفقه، قال: كان ذلك منه تصنعا لك ورياء.

وقال الزبير بن بكار: أنشدني عمي ليزيد:

آب هذا الهم فاكتنعا وأمر النوم فامتنعا راعيا للنجم أرقبه فإذا ما كوكب طلعا حام حتى إنني لأرى أنه بالغور قد وقعا ولها بالماطرون إذا أكل النمل الذي جمعا نزهة حتى إذا بلغت نزلت من جلق بيعا في قباب وسط دسكرة حولها الزيتون قد ينعا.

قال محمد بن أبي السري: حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، عن نوفل بن أبي الفرات، قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر رجل يزيد، فقال: قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فقال: تقول أمير المؤمنين؟ وأمر به فضرب عشرين سوطا.

قال أبو بكر بن عياش وغيره: مات يزيد في نصف ربيع الأول سنة أربع وستين.

124 -

‌ يوسف بن الحكم الثقفي

والد الحجاج.

قدم من الطائف إلى الشام، وذهب إلى مصر وإلى المدينة. له حديث يرويه عن سعد بن أبي وقاص، وقيل: عن ابن سعد بن أبي وقاص. وكان مع مروان.

توفي سنة بضع وستين.

ص: 734

125 – ع:‌

‌ أبو الأسود الدؤلي

ويقال: الديلي، قاضي البصرة، اسمه ظالم بن عمرو على الأشهر.

روى عن عمر، وعلي، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وأبي ذر، والزبير.

قال الداني: وقرأ القرآن على: عثمان، وعلي. قرأ عليه ابنه أبو حرب، ونصر بن عاصم، وحمران بن أعين، ويحيى بن يعمر.

روى عنه ابنه أبو حرب، ويحيى بن يعمر، وعبد الله بن بريدة، وعمر مولى غفرة.

قال أحمد العجلي: ثقة، وهو أول من تكلم في النحو.

وقال الواقدي: أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال غيره: قاتل يوم الجمل مع علي، وكان من وجوه شيعته، ومن أكملهم رأيا وعقلا، وقد أمره علي رضي الله عنه بوضع النحو، فلما أراه أبو الأسود ما وضع، قال: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، ومن ثم سمي النحو نحوا.

وقيل: إن أبا الأسود أدب عبيد الله بن زياد.

وذكر ابن داب أن أبا الأسود وفد على معاوية بعد مقتل علي رضي الله عنه، فأدنى مجلسه وأعظم جائزته.

ومن شعره:

وما طلب المعيشة بالتمني ولكن ألق دلوك في الدلاء تجيء بملئها طورا وطورا تجيء بحمأة وقليل ماء وقال محمد بن سلام: أبو الأسود أول من وضع باب الفاعل والمفعول، والمضاف، وحرف الرفع والنصب والجر والجزم، فأخذ عنه ذلك يحيى بن يعمر.

وقال أبو عبيدة بن المثنى: أخذ أبو الأسود عن علي العربية فسمع

ص: 735

قارئا يقرأ: (إن الله بريء من المشركين وَرَسُوِلِهِ)، فقال: ما ظننت أن أمر الناس قد صار إلى هذا، فقال لزياد الأمير: ابغني كاتبا لقنا، فأتى به، فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة أعلاه، وإذا رأيتني ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فانقط تحت الحرف، فإذا أتبعت شيئا من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين. فهذه نقط أبي الأسود.

وقال المبرد: حدثنا المازني قال: السبب الذي وضعت له أبواب النحو، أن ابنة أبي الأسود، قالت: ما أشد الحر؟ قال: الحصباء بالرمضاء، قالت: إنما تعجبت من شدته، فقال: أوقد لحن الناس؟ فأخبر بذلك عليا عليه الرضوان، فأعطاه أصولا بنى منها، وعمل بعده عليها. وهو أول من نقط المصاحف. وأخذ عنه النحو عنبسة الفيل، وأخذ عن عنبسة ميمون الأقرن، ثم أخذه عن ميمون عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وأخذه عنه عيسى بن عمر، وأخذه عن عيسى الخليل، وأخذه عن الخليل: سيبويه، وأخذه عن سيبويه: سعيد بن مسعدة الأخفش.

وقال يعقوب الحضرمي: حدثنا سعيد بن سلم الباهلي، قال: حدثنا أبي، عن جدي، عن أبي الأسود، قال: دخلت على علي فرأيته مطرقا، فقلت فيم تتفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: سمعت ببلدكم لحنا، فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية، فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا، فأتيته بعد أيام، فألقى إلي صحيفة فيها: الكلام كله: اسم، وفعل، وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل. ثم قال: تتبعه وزد فيه ما وقع لك، فجمعت أشياء، ثم عرضتها عليه.

وقال عمر بن شبة: حدثنا حيان بن بشر قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن أبي بكر، عن عاصم قال: جاء أبو الأسود إلى زياد فقال: أرى العرب قد خالطت العجم، فتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب كلاما يقيمون به كلامهم؟ قال: لا، فجاء رجل إلى زياد فقال: أصلح الله

ص: 736

الأمير، توفي أبانا وترك بنون، فقال: ادع لي أبا الأسود، فقال: ضع للناس الذي نهيتك عنه أن تضع لهم.

قال الجاحظ: أبو الأسود مقدم في طبقات الناس، كان معدودا في الفقهاء، والشعراء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والدهاة، والنحاة، والحاضري الجواب، والشيعة، والبخلاء، والصلع الأشراف.

توفي في طاعون الجارف سنة تسع وستين، وله خمس وثمانون سنة وقيل: قبل ذلك، وأخطأ من قال: إنه توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز.

126 -

خ م د:‌

‌ أبو بشير الأنصاري الساعدي

، وقيل: المازني، اسمه: قيس الأكبر بن عبيد.

قال الدارقطني: له صحبة ورواية.

روى عنه عباد بن تميم، وضمرة بن سعيد، وسعيد بن نافع. له حديث: لا تبقى في رقبة بعير قلادة إلا قطعت، وحديثان آخران. وقد جرح يوم الحرة جراحات.

127 -

‌ أبو جهم بن حذيفة القرشي العدوي

.

الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: ائتوني بأنبجانية أبي جهم، واذهبوا بهذه الخميصة إليه، وكان لها أعلام. واسمه عبيد، وهو من مسلمة الفتح، أحضر في تحكيم الحكمين، وكان عالما بالنسب، وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مصدقا، وكان مُعمرا، بنى في الجاهلية مع قريش الكعبة، ثم بقي حتى بنى فيها مع ابن الزبير في سنة أربع وستين.

ص: 737

قال ابن سعد: ابتنى أبو جهم بالمدينة دارا وكان عمر رضي الله عنه قد أخافه وأشرف عليه حتى كف من غرب لسانه، فلما توفي عمر سر بموته، وجعل يومئذ يحتبش في بيته، يعني يقفز على رجليه.

وقالت فاطمة بنت قيس: طلقني زوجي البتة، فأرسلت إليه أبتغي النفقة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لك نفقة، وعليك العدة، انتقلي إلى أم شريك، ولا تفوتيني بنفسك ثم قال: أم شريك يدخل عليها إخوتها من المهاجرين، انتقلي إلى بيت ابن أم مكتوم. فلما حللت خطبني معاوية وأبو جهم بن حذيفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فعائل لا شيء له، وأما أبو جهم فإنه ضراب للنساء، أين أنتم عن أسامة، فكأن أهلها كرهوا ذلك، فنكحته.

وقد شهد أبو جهم اليرموك، ووفد على معاوية مرات، ولم يرو شيئا مع أنه تأخر.

وحكى سليمان بن أبي شيخ أن أبا جهم بن حذيفة وفد على معاوية، فأقعده معه على السرير، وقال: يا أمير المؤمنين نحن فيك كما قال عبد المسيح: نميل على جوانبه كأنا نميل إذا نميل على أبينا نقلبه لنخبر حالتيه فنخبر منهما كرما ولينا فأعطاه معاوية مائة ألف.

وروى الأصمعي، عن عيسى بن عمر قال: وفد أبو جهم على معاوية، فأكرمه وأعطاه مائة ألف، واعتذر فلم يرض بها، فلما ولي يزيد وفد عليه، فأعطاه خمسين ألفا، فقلت: غلام نشأ في غير بلده، ومع هذا فابن كلبية، فأي خير يرجى منه، فلما استخلف ابن الزبير أتيته وافدا، فقال: إن علينا مؤنا وحمالات، ولم أجهل حقك، فإني غير مخيب سفرك، هذه ألف درهم فاستعن بها، فقلت: مد الله في عمرك يا أمير المؤمنين،

ص: 738

فقال: لم تقل هذا لمعاوية وابنه، وقد نلت منهما مائة وخمسين ألفا، قلت: نعم، من أجل ذلك قلت هذا، وخفت إن أنت هلكت أن لا يلي أمر الناس بعدك إلا الخنازير.

128 -

‌ أبو الرباب القشيري

، واسمه مطرف بن مالك.

بصري من كبار التابعين وثقاتهم. لقي أبا الدرداء، وكعب الأحبار، وأبا موسى، وشهد فتح تستر.

روى عنه: زرارة بن أوفى، وأبو عثمان النهدي، ومحمد بن سيرين.

فروى محمد عنه قال: دخلنا على أبي الدرداء نعوده، وهو يومئذ أمير، وكنت خامس خمسة في الذين ولوا قبض السوس، فأتاني رجل بكتاب فقال: بيعونيه، فإنه كتاب الله أحسن أقرأه ولا تحسنون، فنزعنا دفتيه، فاشتراه بدرهمين، فلما كان بعد ذلك خرجنا إلى الشام، وصحبنا شيخ على حمار بين يديه مصحف يقرأه ويبكي، فقلت: ما أشبه هذا المصحف بمصحف شأنه كذا وكذا، فقال: إنه ذاك، قلت: فأين تريد؟ قال: أرسل إلي كعب الأحبار عام أول فأتيته، ثم أرسل إلي، فهذا وجهي إليه، قلت: فأنا معك، فانطلقنا حتى قدمنا الشام، فقعدنا عند كعب، فجاء عشرون من اليهود فيهم شيخ كبير يرفع حاجبيه بحريرة فقالوا: أوسعوا أوسعوا، فأوسعوا، وركبنا أعناقهم، فتكلموا فقال كعب: يا نعيم، أتجيب هؤلاء أو أجيبهم؟ قال: دعوني حتى أفقه هؤلاء ما قالوا، ثم أجيبهم، إن هؤلاء أثنوا على أهل ملتنا خيرا، ثم قلبوا ألسنتهم، فزعموا أنَّا بعنا الآخرة بالدنيا، هلم فلنواثقكم، فإن جئتم بأهدى مما نحن عليه اتبعناكم، وإن جئنا بأهدى منه لتتبعنا، قال: فتواثقوا، فقال كعب: أرسل إلي ذلك المصحف، فجيء به، فقال: أترضون أن يكون هذا بيننا؟ قالوا: نعم، لا يحسن أحد يكتب مثله اليوم، فدفع إلى شاب منهم، فقرأ كأسرع قارئ، فلما بلغ إلى مكان منه نظر إلى أصحابه كالرجل يؤذن صاحبه بالشيء، ثم جمع يديه فقال به، فنبذه، فقال كعب: آه، وأخذه فوضعه في حجره، فقرأ، فأتى على آية منه، فخروا سجدا، وبقي الشيخ يبكي، فقيل: وما يبكيك؟ فقال: وما لي

ص: 739

لا أبكي، رجل عمل في الضلالة كذا وكذا سنة، ولم أعرف الإسلام حتى كان اليوم.

همام: حدثنا قتادة، عن زرارة، عن مطرف بن مالك قال: أصبنا دانيال بالسوس في بحر من صفر، وكان أهل السوس إذا استقوا استخرجوه فاستسقوا به، وأصبنا معه ريطتي كتان، وستين جرة مختومة، ففتحنا جرة، فوجدنا في كل جرة عشرة آلاف، وأصبنا معه ربعة فيها كتاب، وكان معنا أجير نصراني يقال له: نعيم، فاشتراها بدرهمين.

قال همام: قال قتادة: وحدثني أبو حسان أن أول من وقع عليه رجل يقال له: حرقوص، فأعطاه موسى الريطتين ومائتي درهم، ثم إنه طلب أن يرد عليه الريطتين، فأبى، فشققهما عمائم، فكتب أبو موسى في ذلك إلى عمر، فكتب إليه: إن نبي الله دعا الله أن لا يرثه إلا المسلمون، فصل عليه وادفنه.

قال همام: وحدثنا فرقد قال: حدثنا أبو تميمة أن كتاب عمر جاء: أن اغسله بالسدر وماء الريحان.

ثم رجع إلى حديث مطرف قال: فبدا لي أن آتي بيت المقدس، فبينا أنا في الطريق إذ أنا براكب شبهته بذلك الأجير النصراني، فقلت: نعيم؟ قال: نعم، قلت: ما فعلت نصرانيتك؟ قال: تحنفت بعدك، ثم أتينا دمشق، فلقينا كعبا، فقال: إذا أتيتم بيت المقدس فاجعلوا الصخرة بينكم وبين القبلة، ثم انطلقنا ثلاثين، حتى أتينا أبا الدرداء، فقالت أم الدرداء لكعب: ألا تعدني على أخيك يقوم الليل ويصوم النهار، فجعل لها من كل ثلاث ليال ليلة، ثم انطلقنا حتى أتينا بيت المقدس، فسمعت اليهود بنعيم وكعب، فاجتمعوا، فقال كعب: إن هذا كتاب قديم، وإنه بلغتكم فاقرأوه، فقرأه قارئهم، فأتى على مكان منه، فضرب به الأرض، فغضب نعيم، فأخذه وأمسكه، ثم قرأ قارئهم حتى أتى على ذلك المكان:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فأسلم منهم اثنان وأربعون حبرا، وذلك في خلافة معاوية، ففرض لهم معاوية وأعطاهم.

ص: 740

قال همام: وحدثني بسطام بن مسلم قال: حدثنا معاوية بن قرة، أنهم تذاكروا ذلك الكتاب، فمر بهم شهر بن حوشب فقال: على الخبير سقطتم، إن كعبا لما احتضر قال: ألا رجل أئتمنه على أمانة؟ فقال رجل: أنا، فدفع إليه ذلك الكتاب وقال: اركب البحيرة، فإذا بلغت مكان كذا وكذا فاقذفه، فخرج من عند كعب فقال: هذا كتاب فيه علم، ويموت كعب، لا أفرط به، فأتى كعبا وقال: فعلت ما أمرتني، قال: وما رأيت؟ قال: لم أر شيئا، فعلم كذبه، فلم يزل يناشده ويطلب إليه حتى رد عليه الكتاب، فلما أيقن كعب بالموت قال: ألا رجل يؤدي أمانتي؟ قال رجل: أنا، فركب سفينة، فلما أتى ذلك المكان ذهب ليقذفه، فانفرج له البحر حتى رأى الأرض، فقذفه وأتاه فأخبره، فقال كعب: إنها التوراة كما أنزلها الله على موسى عليه السلام، ما غيرت ولا بدلت، ولكن خشيت أن يتكل على ما فيها، ولكن قولوا: لا إله إلا الله ولقنوها موتاكم. رواه أحمد بن أبي خيثمة في تاريخه، عن هدبة قال: حدثنا همام.

129 – د ن ق:‌

‌ أبو رهم السماعي

، ويقال: السمعي.

اسمه: أحزاب بن أسيد، ويقال: أسيد، ويقال: أسد، الظَّهري، ويقال: بكسر الظاء، وهو غلط من أولاد السمع ويقال: السمع بكسر السين وإسكان الميم، ابن مالك بن زيد بن سهل.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا خرجه ابن ماجه، فمن قال: لا صحبة له، جعل الحديث مرسلا.

وروى عن: أبي أيوب الأنصاري، والعرباض بن سارية. روى عنه: الحارث بن زياد، وخالد بن معدان، وأبو الخير مرثد اليزني، ومكحول الشامي، وشريح بن عبيد، وجماعة.

روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

130 -

ع:‌

‌ أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية بن المغيرة

بن

ص: 741

عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومية، بنت عم أبي جهل، وبنت عم خالد بن الوليد.

بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاث من الهجرة، وكانت قبله عند الرجل الصالح أبي سلمة بن عبد الأسد، وهو أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة.

روت عدة أحاديث. روى عنها الأسود بن يزيد، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل شقيق، والشعبي، وأبو صالح السمان، وشهر بن حوشب، ومجاهد، ونافع بن جبير بن مطعم، ونافع مولاها، ونافع مولى ابن عمر، وابن أبي مليكة، وعطاء بن أبي رباح، وخلق سواهم.

وكانت من أجمل النساء، وطال عمرها، وعاشت تسعين سنة أو أكثر، وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة، وقد حزنت على الحسين رضي الله عنه وبكت عليه، وتوفيت بعده بيسير في سنة إحدى وستين.

وقال بعضهم: توفيت سنة تسع وخمسين، وهو غلط، لأن في صحيح مسلم أن عبد الله بن صفوان دخل عليها في خلافة يزيد.

وأبوها أبو أمية يقال: اسمه حذيفة ويلقب بزاد الراكب، وكان أحد الأجواد، ووهم من قال اسمها رملة.

وروى عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار أن أم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد، وروي أن أبا هريرة صلى عليها، ودفنت بالبقيع. وهذا فيه نظر لأن سعيدا وأبا هريرة توفيا قبلها، والله أعلم.

ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة حزنت حزنا شديدا، لما ذكروا لنا من جمالها، فتلطفت حتى رأيتها فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال، فذكرت ذلك لحفصة، وكانتا يدا واحدة، فقالت: لا والله إلا الغيرة ما هي كما تقولين وإنها لجميلة، فرأيتها بعد فكانت كما قالت حفصة، ولكني كنت غيرى.

قال مسلم بن خالد الزنجي، عن موسى بن عقبة، عن أمه، عن أم

ص: 742

كلثوم، قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال لها: إني قد أهديت إلى النجاشي أواقي من مسك وحلة، وإني أراه قد مات، ولا أرى الهدية إلا سترد، فإذا ردت فهي لك. قالت: فكان كما قال، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية أوقية من مسك، وأعطى سائره أم سلمة، وأعطاها الحلة.

القعنبي: حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تصلي الصبح بمكة يوم النحر، وكان يومها، فأحب أن توافقه.

الواقدي: عن ابن جريج، عن نافع قال: صلى أبو هريرة على أم سلمة.

قلت: هذا من غلط الواقدي، أبو هريرة مات قبلها.

131 – ع:‌

‌ أبو شريح الخزاعي العدوي الكعبي

.

من عرب الحجاز، في اسمه أقوال، أشهرها خويلد بن عمرو.

أسلم يوم الفتح، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه. حدث عنه: نافع بن جبير بن مطعم، وأبو سعيد المقبري، وابنه سعيد المقبري، وسفيان بن أبي العوجاء. توفي سنة ثمان وستين بالمدينة.

132 – ع:‌

‌ أم عطية الأنصارية

نسيبة التي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغسل بنته زينب.

لها أحاديث، روى عنها محمد بن سيرين، وأخته حفصة، وأم شراحيل، وعلي بن الأقمر، وعبد الملك بن عمير.

هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية قالت: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، فكنت أصنع لهم طعامهم، وأخلفهم في

ص: 743

رحالهم، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى.

وعن أم شراحيل مولاة أم عطية قالت: كان علي يقيل عندي، فكنت أنتف إبطه بورسة.

133 -

د ت ق:‌

‌ أبو كبشة الأنماري المذحجي

، اسمه عمر، وقيل: عمرو بن سعد.

له صحبة ورواية، نزل الشام.

روى عنه ثابت بن ثوبان، وسالم بن أبي الجعد، وأبو البختري سعيد بن فيروز الطائي، وعبد الله بن بسر الحبراني، وعبد الله بن لحي أبو عامر الهوزني.

134 – م د ن ق:‌

‌ أبو مالك الأشعري

.

له صحبة ورواية. واسمه مختلف فيه، فقيل: كعب بن عاصم، وقيل: عامر بن الحارث، وقيل: عمرو بن الحارث.

روى أحاديث. روى عنه عبد الرحمن بن غنم، وأم الدرداء، وربيعة الجرشي، وأبو سلام الأسود، وشهر بن حوشب، وعطاء بن يسار، وشريح بن عبيد. وكان يكون بالشام.

قال ابن سميع: أبو مالك الأشعري، قديم الموت بالشام، اسمه كعب بن عاصم.

وقال ابن سعد: توفي أبو مالك في خلافة عمر.

وقال شهر بن حوشب، عن ابن غنم قال: طعن معاذ، وأبو عبيدة، وأبو مالك في يوم واحد.

قلت: فعلى هذا رواية أبي سلام ومن بعده، عن أبي مالك مرسلة منقطعة، وهذا الإرسال كثير في حديث الشاميين.

ص: 744

روى صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد، أن أبا مالك الأشعري لما حضرته الوفاة قال: يا سامع الأشعريين إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حلوة الدنيا مرة الآخرة ومرة الدنيا حلوة الآخرة.

135 – م 4:‌

‌ أبو مسلم الخولاني الداراني الزاهد

، سيد التابعين بالشام. اسمه عبد الله بن ثوب على الأصح، وقيل: اسمه عبد الله بن عبد الله، وقيل: ابن ثواب، وقيل: ابن عبيد، وقيل: ابن مسلم، وقيل: اسمه يعقوب بن عوف.

قدم من اليمن، وقد أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم المدينة في خلافة أبي بكر.

وروى عن عمر، ومعاذ، وأبي عبيدة، وأبي ذر، وعبادة بن الصامت.

روى عنه أبو إدريس عائذ الله الخولاني، وأبو العالية الرياحي، وجبير بن نفير، وعطاء بن أبي رباح، وشرحبيل بن مسلم، وأبو قلابة الجرمي، ومحمد بن زياد الألهاني، وعمير بن هانئ، وعطية بن قيس، ويونس بن ميسرة، وفي بعض هؤلاء من روايته عنه مرسلة.

قال إسماعيل بن عياش: حدثنا شرحبيل بن مسلم، قال: أتى أبو مسلم الخولاني المدينة وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر.

وقال إسماعيل: حدثنا شرحبيل، أن الأسود تنبأ باليمن، فبعث إلى أبي مسلم، فأتاه بنار عظيمة، ثم ألقى أبا مسلم فيها، فلم تضره، فقيل للأسود: إن لم تنف هذا عنك أفسد عليك من اتبعك، فأمره بالرحيل، فقدم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأناخ راحلته ودخل المسجد يصلي، فبصر به عمر، فقام إليه فقال: ممن الرجل؟ قال: من اليمن، فقال: ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذاك عبد الله بن ثوب، قال: فنشدتك بالله أنت هو - قال: اللهم نعم، فاعتنقه عمر وبكى، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين الصديق وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من صنع به كما صنع بإبراهيم الخليل.

رواه غير واحد، عن

ص: 745

عبد الوهاب بن نجدة، وهو ثقة، قال: حدثنا إسماعيل، فذكره.

ويروى عن مالك بن دينار أن كعبا رأى أبا مسلم الخولاني، فقال: من هذا؟ قالوا: أبو مسلم الخولاني. قال: هذا حكيم هذه الأمة.

وقال معمر، عن الزهري، قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك، فكان يتناول عائشة رضي الله عنها، فقلت: يا أمير المؤمنين ألا أحدثك عن رجل من أهل الشام كان قد أوتي حكمة؟ قال: من هو؟ قلت: أبو مسلم الخولاني، سمع أهل الشام ينالون من عائشة فقال: ألا أخبركم بمثلي ومثل أمكم هذه، كمثل عينين في رأس يؤذيان صاحبهما، ولا يستطيع أن يعاقبهما إلا بالذي هو خير لهما، فسكت. وقال الزهري: أخبرنيه أبو دريس الخولاني، عن أبي مسلم.

وقال عثمان بن أبي العاتكة: علق أبو مسلم سوطا في مسجده، وكان يقول: أنا أولى بالسوط من البهائم، فإذا دخلته فترة مشق ساقيه سوطا أو سوطين.

قال: وكان يقول: لو رأيت الجنة عيانا والنار عيانا ما كان عندي مستزاد.

وقال إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل: إن رجلين أتيا أبا مسلم الخولاني في منزله، فلم يجداه، فأتيا المسجد فوجداه يركع، فانتظرا انصرافه، وأحصيا، فقال أحدهما: إنه ركع ثلاثمائة ركعة، والآخر أربعمائة ركعة، قبل أن ينصرف.

وقال الوليد بن مسلم: أخبرني عثمان بن أبي العاتكة أن أبا مسلم الخولاني سمع رجلا يقول: من سبق اليوم؟ فقال: أنا السابق، قالوا: وكيف يا أبا مسلم؟ قال: أدلجت من داريا، فكنت أول من دخل مسجدكم.

وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس، قال: دخل أناس من أهل دمشق على أبي مسلم وهو غاز في أرض الروم، وقد احتفر جورة في فسطاطه، وجعل فيها نطعا، وأفرغ فيه الماء، وهو يتصلق فيه، قالوا: ما

ص: 746

حملك على الصيام وأنت مسافر؟ قال: لو حضر قتال لأفطرت ولتهيأت له وتقويت، إن الخيل لا تجري الغايات وهن بدن، إنما تجري وهن ضمر، ألا وإن أمامنا باقية جائية لها نعمل.

وقال يزيد بن يزيد بن جابر: كان أبو مسلم الخولاني يكثر أن يرفع صوته بالتكبير، حتى مع الصبيان، ويقول: اذكر الله حتى يرى الجاهل أنك مجنون.

وقال محمد بن زياد الألهاني، عن أبي مسلم الخولاني - وأراه منقطعا - أنه كان إذا غزا أرض الروم، فمروا بنهر قال: أجيزوا باسم الله، ويمر بين أيديهم، فيمرون بالنهر الغمر، فربما لم يبلغ من الدواب إلا الركب، فإذا جازوا قال: هل ذهب لكم شيء، فألقى بعضهم مخلاته، فلما جاوزوا قال: مخلاتي وقعت، قال: اتبعني، فاتبعته، فإذا بها معلقة بعود في النهر، فقال: خذها.

وقال سليمان بن المغيرة، عن حميد الطويل: إن أبا مسلم أتى على دجلة، وهي ترمي بالخشب من مدها، فوقف عليها ثم حمد الله وأثنى عليه، وذكر مسير بني إسرائيل في البحر ثم لهز دابته، فخاضت الماء، وتبعه الناس حتى قطعوا، ثم قال: هل فقدتم شيئا، فأدعوا الله أن يرده علي؟

وقال عنبسة بن عبد الواحد: حدثنا عبد الملك بن عمير قال: كان أبو مسلم الخولاني إذا استسقى سقي.

وقال بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي مسلم الخولاني: إن امرأة خببت عليه امرأته، فدعا عليها، فذهب بصرها، فأتته، فاعترفت، وقالت: إني لا أعود، فقال: اللهم إن كانت صادقة فاردد بصرها، فأبصرت.

وقال ضمرة بن ربيعة، عن بلال بن كعب قال: قال الصبيان لأبي مسلم الخولاني: ادع الله أن يحبس علينا هذا الظبي فنأخذه، فدعا الله فحبسه عليهم حتى أخذوه.

ص: 747

وروى عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه: قالت امرأة أبي مسلم الخولاني: ليس لنا دقيق. فقال: هل عندك شيء؟ قالت: درهم بعنا به غزلا، قال: ابغنيه، وهاتي الجراب، فدخل السوق، فأتاه سائل وألح، فأعطاه الدرهم، وملأ الجراب من نحاتة النجارة مع التراب، وأتى وقلبه مرعوب منها، فرمى الجراب وذهب، ففتحته، فإذا به دقيق حوارى فعجنت وخبزت، فلما ذهب من الليل هوي جاء فنقر الباب، فلما دخل وضعت بين يديه خوانا وأرغفة، فقال: من أين هذا؟ قالت: من الدقيق الذي جئت به، فجعل يأكل ويبكي. رواها ضمرة بن ربيعة، عن عثمان.

وقال أبو مسهر، وغيره: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، أن أبا مسلم استبطأ خبر جيش كان بأرض الروم، فبينا هو على تلك الحال، إذ دخل طائر فوقع وقال: أنا أربيابيل مسل الحزن من صدور المؤمنين، فأخبره خبر ذلك الجيش، فقال أبو مسلم: ما جئت حتى استبطأتك.

وقال سعيد بن عبد العزيز: كان أبو مسلم الخولاني يرتجز يوم صفين ويقول: ما علتي ما علتي وقد لبست درعتي أموت عبد طاعتي وقال إسماعيل بن عياش: حدثنا هشام بن الغاز، قال: حدثني يونس الهرم، أن أبا مسلم الخولاني قام إلى معاوية وهو على المنبر، فقال: يا معاوية، إنما أنت قبر من القبور، إن جئت بشيء كان لك شيء، وإلا فلا شيء لك، يا معاوية، لا تحسب أن الخلافة جمع المال وتفرقته، إنما الخلافة القول بالحق، والعمل بالمعدلة، وأخذ الناس في ذات الله، يا معاوية، إنا لا نبالي بكدر الأنهار إذا صفا لنا رأس عيننا، إياك أن تميل على قبيلة، فيذهب حيفك بعدلك، ثم جلس. فقال له معاوية: يرحمك الله يا أبا مسلم.

وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس، قال: دخل أبو مسلم على معاوية، فقام بين السماطين فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا:

ص: 748

مه. قال: دعوه فهو أعرف بما يقول، وعليك السلام يا أبا مسلم، ثم وعظه وحثه على العدل.

وقال إسماعيل بن عياش: حدثنا شرحبيل بن مسلم، عن أبي مسلم الخولاني، أنه كان إذا دخل الروم لا يزال في المقدمة، حتى يؤذن للناس، فإذا أذن لهم كان في الساقة، وكانت الولاة يتيمنون به، فيؤمرونه على المقدمات.

وقال سعيد بن عبد العزيز: توفي أبو مسلم بأرض الروم، وكان قد شتى مع بسر بن أبي أرطاة، فأدركه أجله، فأتاه بسر في مرضه، فقال له أبو مسلم: اعقد لي على من مات في هذه الغزاة من المسلمين، فإني أرجو أن آتي بهم يوم القيامة على لوائهم.

وقال الإمام أحمد: حدثت عن محمد بن شعيب، عن بعض مشيخة دمشق، قال: أقبلنا من أرض الروم، فمررنا بالعمير، على أربعة أميال من حمص في آخر الليل، فاطلع الراهب من صومعة، فقال: هل تعرفون أبا مسلم الخولاني؟ قلنا: نعم. قال: إذا أتيتموه فأقرئوه السلام، فإنا نجده في الكتب رفيق عيسى ابن مريم، أما إنكم لا تجدونه حيا، فلما أشرفنا على الغوطة بلغنا موته.

قال الحافظ ابن عساكر: يعني سمعوا ذلك. وكانت وفاته بأرض الروم كما حكينا.

وقال ابن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن سعيد بن هانئ، قال: قال معاوية: إنما المصيبة كل المصيبة بموت أبي مسلم الخولاني، وكريب بن سيف الأنصاري.

هذا حديث حسن الإسناد، يعني أن أبا مسلم توفي قبل معاوية. وقد قال المفضل بن غسان: توفي علقمة وأبو مسلم الخولاني سنة اثنتين وستين.

ص: 749

أبو ميسرة الهمداني هو عمرو بن شرحبيل، مر.

136 – ع:‌

‌ أبو واقد الليثي

.

له صحبة ورواية، وروى أيضا عن أبي بكر، وعمر، وشهد فتح مكة، وكان يكون بالمدينة وبمكة، وبمكة توفي.

روى عنه عطاء بن يسار، وسعيد بن المسيب، وعروة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وبسر بن سعيد، وأبو مرة مولى عقيل المدنيون، وغيرهم، وعاش خمسا وسبعين سنة.

وقال الواقدي: توفي سنة ثمان وستين وله خمس وستين.

قال أبو أحمد الحاكم: إن أبا واقد هذا شهد بدرا. وكذا قال قبله البخاري، وسماه الحارث بن عوف.

وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدثني أبي، عن رجل من مازن، عن أبي واقد، قال: إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر، فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أن غيري قتله.

وقال إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي: إن أبا واقد الليثي أسلم يوم الفتح.

قلت: فما يبعد أن يكون أبو واقد رجلين.

قال يحيى بن بكير والفلاس: توفي أبو واقد الليثي سنة ثمان وستين وله سبعون سنة.

ابن مفرغ الحميري الشاعر، اسمه يزيد، تقدم.

ص: 750

‌الطبقة الثامنة

71 – 80 هـ

ص: 751

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحوادث)

‌سنة إحدى وسبعين

توفي فيها: عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، والبراء بن عازب.

وفيها خرج عبد الله بن ثور أحد بني قيس بن ثعلبة بالبحرين، فوجه مصعب بن الزبير إلى قتاله عبد الرحمن الإسكاف، فالتقوا بجواثا فانهزم عبد الرحمن والناس.

وفيها: حج بالناس أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير.

وعرف بمصر عبد العزيز بن مروان، وكان أول من عرف بمصر. يعني اجتمع الناس عشية عرفة ودعا لهم أو وعظهم.

وفيها، أو في التي بعدها. قتل بخراسان أميرها أبو صالح عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت السلمي، أحد الشجعان المذكورين والأبطال المعدودين، ويقال: له صحبة ورواية، ثار به أهل خراسان وقتله وكيع ابن الدورقية.

وقيل: إن عبد الملك بن مروان كتب إلى ابن خازم كتابا بولاية خراسان، فمزق كتابه وسب رسوله، فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح: إن قتلت ابن خازم فأنت الأمير، فعمل على قتله وتأمر بكير على البلاد حتى قدم أمية بن عبد الله.

وكان في خلافة عثمان رضي الله عنه قد جمع قارن بهراة، وأقبل في أربعين ألفا، فهرب قيس بن الهيثم وترك البلاد، فقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم هذا، وجمع أربعة آلاف، ولقي قارنا فهزم جموعه وقتل قارن، وكتب إلى عبد الله بن عامر بالفتح، فأقره ابن عامر أمير العراق على خراسان.

قال الواقدي: فيها افتتح عبد الملك قيسارية.

ص: 753

‌سنة اثنتين وسبعين

توفي فيها معبد بن خالد الجهني والأحنف بن قيس، وعبيدة السلماني، والحارث بن سويد التيمي.

وقتل فيها: مصعب بن الزبير. وإبراهيم بن الأشتر. وعيسى وعروة ولدا مصعب ومسلم بن عمرو الباهلي.

وكان مصعب قد سار كعادته إلى الشام إلى قتال عبد الملك بن مروان واستئصاله، وسار إليه عبد الملك، فجرت بينهما وقعة هائلة بدير الجاثليق، ومسكن بالقرب من أوانا.

وكان قد كاتب عبد الملك جماعة من الأشراف المائلين إلى بني أمية وغير المائلين يمنيهم ويعدهم إمرة العراق وإمرة أصبهان وغير ذلك، فأجابوه. وأما إبراهيم بن الأشتر فلم يجبه، وأتى بكتابه مصعبا، وفيه إن بايعه ولاه العراق. وقال لمصعب: قد كتب إلى أصحابك بمثل كتابي فأطعني واضرب أعناقهم، فقال: إذًا لا تناصحنا عشائرهم، قال: فأوقرهم حديدا واسجنهم بأبيض كسرى ووكل بهم من إن غلبت ضرب أعناقهم، وإن نصرت مننت عليهم، قال: يا أبا النعمان إني لفي شغل عن ذلك، يرحم الله أبا بحر - يعني الأحنف - إن كان ليحذر غدر العراق.

وقال عبد القاهر بن السري: هم أهل العراق بالغدر بمصعب، فقال قيس بن الهيثم: ويحكم لا تدخلوا أهل الشام عليكم، فوالله لئن تطعموا بعيشكم لتضيقين عليكم منازلكم بهم.

وكان إبراهيم أشار عليه بقتل زياد بن عمرو ومالك بن مسمع، فلما التقى الجمعان قلب القوم أترستهم ولحقوا بعبد الملك.

وقال الطبري: لما تدانى الجمعان حمل إبراهيم بن الأشتر على محمد بن مروان فأزاله عن موضعه، ثم هرب عتاب بن ورقاء، وكان على الخيل مع مصعب. وجعل مصعب كلما قال لمقدم من عسكره: تقدم، لا

ص: 754

يطيعه، فذكر محمد بن سلام الجمحي، قال: أخبر عبد الله بن خازم أمير خراسان بمسير مصعب إلى عبد الملك، فقال: أمعه عمر بن عبيد الله التيمي؟ قيل: لا، استعمله على فارس. قال: ف عه المهلب بن أبي صفرة؟ قالوا: لا، استعمله على الموصل قال: فمعه عباد بن الحصين؟ قيل: لا، استعمله على البصرة. فقال ابن خازم: وأنا بخراسان، ثم تمثل:

خذيني وجريني ضباع وأبشري بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره قال الطبري: فقال مصعب لابنه عيسى: اركب بمن معك إلى عمك ابن الزبير، فأخبره بما صنع أهل العراق، ودعني فإني مقتول. فقال: والله لا أخبر قريشا عنك أبدا، ولكن الحقْ بالبصرة فهم على الجماعة والطاعة، قال: لا تتحدث قريش أني فررت بما صنعت ربيعة من خذلانها، ولكن: أقاتل، فإن قتلت فما السيف بعار.

وقال إسماعيل بن أبي المهاجر: أرسل عبد الملك مع أخيه محمد بن مروان إلى مصعب: إني معطيك الأمان يا ابن العم، فقال مصعب: إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالبا أو مغلوبا.

وقيل: إن مصعبا أبى الأمان، وأنهم أثخنوه بالرمي، ثم شد عليه زائدة بن قدامة الثقفي، فطعنه وقال: يا لثارات المختار. وكان ممن قاتل مع مصعب.

وقال عبد الله بن مصعب الزبيري، عن أبيه، قال: لما تفرق عن مصعب جنده قيل له: لو اعتصمت ببعض القلاع وكاتبت من بعد عنك كالمهلب وفلان، فإذا اجتمع لك من ترضاه لقيت القوم فقد ضعفت جدا واختل أصحابك، فلبس سلاحه وخرج فيمن بقي وهو يتمثل بشعر طريف العنبري الذي كان يعد بألف فارس بخراسان:

علام أقول السيف يثقل عاتقي إذا أنا لم أركب به المركب الصعبا سأحميكم حتى أموت ومن يمت كريما فلا لوما عليه ولا عتبا.

ص: 755

وروى غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد، قال: قال ابن الأشتر لمصعب: ابعث إلى زياد بن عمرو ومالك بن مسمع ووجوه من وجوه أهل البصرة فاضرب أعناقهم، فإنهم قد أجمعوا على أن يغدروا بك، فأبى، فقال ابن الأشتر: فإني أخرج الآن في الخيل، فإذا قتلت فأنت أعلم. قال: فخرج وقاتل حتى قتل.

وقال الفسوي: قتل مع مصعب ابنه عيسى، وجرح مسلم بن عمرو الباهلي فقال: احملوني إلى خالد بن يزيد، فحمل إليه، فاستأمن له. ووثب عبيد الله بن زياد بن ظبيان على مصعب فقتله عند دير الجاثليق، وذهب برأسه إلى عبد الملك، فسجد لله. وكان عبيد الله فاتكا رديا، فكان يتلهف ويقول: كيف لم أقتل عبد الملك يومئذ حين سجد، فأكون قد قتلت ملكي العرب.

وقال أبو اليقظان وغيره: طعنه زائدة واحتز رأسه ابن ظبيان.

ولابن قيس الرقيات:

لقد أورث المصرين حزنا وذلة قتيل بدير الجاثليق مقيم فما قاتلت في الله بكر بن وائل ولا صبرت عند اللقاء تميم وكل ثمالي عند مقتل مصعب غداة دعاهم للوفاء دحيم.

وقال ابن سعد: إن مصعبا قال يوما وهو يسير لعروة بن المغيرة بن شعبة: أخبرني عن حسين بن علي كيف صنع حين نزل به، فأنشأ يحدثه عن صبره، وإبائه ما عرض عليه، وكراهيته أن يدخل في طاعة عبيد الله حتى قتل، قال: فضرب بسوطه على معرفة فرسه وقال: وإن الألى بالطف من آل هاشم تأسوا فسنوا للكرام التأسيا قال: فعرفت والله أنه لا يفر، وأنه سيصبر حتى يقتل. وقال: والتقيا بمسكن، فقال عبد الملك: ويلكم ما أصبهان هذه؟ قيل: سرة العراق،

ص: 756

قال: قد والله كتب إلي أكثر من ثلاثين من أشراف العراق، وكلهم يقول: إن خببت بمصعب فلي أصبهان.

قال ابن سعد: فكتب إلى كل منهم: أن نعم، فلما التقوا قال مصعب لربيعة: تقدموا للقتال. فقالوا: هذه مخروءة بين أيدينا فقال: ما تأتون أنتن من المخروءة، يعني: تخلفكم عن القتال.

وقد كانت ربيعة قبل مجمعة على خذلانه، فأظهرت ذلك، فخذله الناس. ولم يتقدم أحد يقاتل دونه، فلما رأى ذلك قال: المرء ميت، فلأن يموت كريما أحسن به من أن يضرع إلى من قد وتره، لا أستعين بربيعة أبدا ولا بأحد من أهل العراق، ما وجدنا لهم وفاء، انطلق يا بني إلى عمك فأخبره بما صنع أهل العراق، ودعني. فإني مقتول، فقال: والله لا أخبر نساء قريش بصرعتك أبدا، قال: فإن أردت أن تقاتل فتقدم حتى أحتسبك، فقاتل حتى قتل، وتقدم إبراهيم بن الأشتر فقاتل قتالا شديدا حتى أخذته الرماح فقتل، ومصعب جالس على سرير، فأقبل إليه نفر ليقتلوه، فقاتل أشد القتال حتى قتل، واحتز ابن ظبيان رأسه. وبايع أهل العراق لعبد الملك ودخلها، واستخلف على الكوفة أخاه بشر بن مروان.

قيل: إن ابن الزبير لما بلغه مقتل أخيه مصعب قام فقال: الحمد لله الذي خلق الخلق، ثم ذكر مصرع أخيه وقال: ألا إن أهل العراق أهل الغدر والنفاق أسلموه وباعوه، والله ما نموت على مضاجعنا كما يموت بنو أبي العاص، فما قتل منهم رجل في زحف ولا نموت إلا قعصا بالرماح، وتحت ظلال السيوف.

وفيها خرج أبو فديك فغلب على البحرين. وقيل هو الذي قتل نجدة الحروري، فسار إليه جيش من البصرة، عليهم أمية بن عبد الله بن خالد الأموي أخو أميرها خالد، فهزمه أبو فديك، فكتب عبد الملك بن مروان إلى خالد يعنفه لكونه استعمل أمية على حرب الخوارج، ولم يستعمل المهلب،

ص: 757

وأمره أن ينهض إليهم بنفسه، ويستعين برأي المهلب، ولا يعمل أمرا دونه. وكتب إلى بشر بن مروان يمده بخمسة آلاف، عليها عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فسار خالد بالناس حتى قدم الأهواز، وسارت إليه الأزارقة، فتنازل الجيشان نحوا من عشرين ليلة، ثم زحف إليهم خالد فأخذوا ينحازون، فاجترأ عليهم الناس، وكرت عليهم الخيل، فولوا مدبرين على حمية، وقتل منهم خلق، واتبعهم داود بن قحذم أمير الميسرة وعتاب بن ورقاء، وجعلوا يتطلبونهم بفارس، حتى هلكت خيول الجند وجاعوا، ورجع كثير منهم مشاة.

قال الطبري في تاريخه: وفيها كانت وقعت بين ابن خازم أمير خرسان، وبين بحير بن ورقاء بقرب مرو، وقتل خلق، وقتل عبد الله بن خازم في الوقعة، ولي قتله وكيع بن عميرة ابن الدورقية.

ويقال: اعتور عليه بحير وعمار الجشمي وابن الدورقية وطعنوه فصرعوه، فقيل لوكيع: كيف قتلته؟ قال: غلبته بفضل القنا، ولما صرع قعدت على صدره، فحاول القيام فلم يقدر، وقلت: يا ثارات دويلة - وهو أخو وكيع لأمه قتل تلك المدة - قال: فتنخم في وجهي وقال: لعنك الله، تقتل كبش مضر بأخيك علج لا يسوى كفا من نوى، فما رأيت أحدا أكثر ريقا منه على تلك الحال عند الموت ثم أقبل بكير بن وساج، فأراد أخذ رأس عبد الله بن خازم، فمنعه بحير، فضربه بكير بعمود وأخذ الرأس، وقيد بحيرا، وبعث بالرأس إلى عبد الملك بن مروان.

ثم حكى ابن جرير الطبري الخلاف في أن ابن خازم إنما قتل بعد مقتل عبد الله بن الزبير، وأن رأس ابن الزبير ورد على ابن خازم، فحلف أن لا يعطي عبد الملك طاعة أبدا، وأنه دعا بطست فغسل الرأس وكفنه وحنطه، وصلى عليه، وبعث به إلى آل الزبير بالمدينة.

قلت: ولعله رأس مصعب بن الزبير.

ص: 758

وكان عبد الملك بعث إلى ابن خازم مع سورة النميري: أن لك خراسان سبع سنين على أن تبايعني، فقال للرسول: لولا أن أضرب بين بني سليم وبني عامر لقتلتك، ولكن كل هذه الصحيفة، فأكلها.

وفيها سار الحجاج إلى حرب ابن الزبير، فأول قتال كان بينهما في ذي القعدة، ودام الحصار أشهرا.

‌سنة ثلاث وسبعين

فيها توفي عبد الله بن عمر، وعوف بن مالك الأشجعي، وعبد الله بن الزبير، وأمه أسماء بنت الصديق، وأبو سعيد بن المعلى الأنصاري، وربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي، وعمرو بن عثمان بن عفان، وعبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، وعبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي، وعبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي، قتلوا ثلاثتهم مع ابن الزبير.

وفيها توفي: مالك بن مسمع الربعي، وأوس بن ضمعج بخلف فيه.

وفيها حاصر الحجاج مكة وبها ابن الزبير قد حصنها، ونصب الحجاج عليها المنجنيق. فروى عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري، قال: حدثنا القاسم بن معن، عن هشام بن عروة، عن أبيه بحديث طويل منه: وقاتل حصين بن نمير ابنَ الزبير أياما، وأحرق فسطاطا له نصبه عند البيت، فطار الشرر إلى البيت، واحترق فيه يومئذ قرنا الكبش الذي فدي به إسحاق، إلى أن قال في الحديث: فخطب عبد الملك بن مروان وقال: من لابن الزبير؟ فقال الحجاج: أنا يا أمير المؤمنين، فأسكته، ثم أعاد قوله، فقال: أنا، فعقد له على جيش إلى مكة، فنصب المنجنيق على أبي قبيس، يرمي به على ابن الزبير وعلى من معه في المسجد، وجعل ابن الزبير على الحجر الأسود بيضة يعني خوذة ترد عنه، فقيل لابن الزبير: ألا تكلمهم في الصلح، فقال: أوحين صلح هذا، والله لو وجدوكم في جوف الكعبة لذبحوكم جميعا، ثم قال: ولست بمبتاع الحياة بسبة ولا مرتق من خشية الموت سلما أنافس سهما إنه غير بارح ملاقي المنايا أي صرف تيمما.

ص: 759

قال: وكان على ظهر المسجد طائفة من أعوان ابن الزبير يرمون عدوه بالآجر، وحمل ابن الزبير فأصابته آجرة في مفرقه فلقت رأسه.

وقال الواقدي: حدثنا مصعب بن ثابت، عن أبي الأسود، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، قال: وحدثنا شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وحدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه؛ قالوا: لما قتل عبد الملك مصعبا بعث الحجاج إلى ابن الزبير في ألفين، فنزل الطائف، وبقي يبعث البعوث إلى عرفة، ويبعث ابن الزبير بعثا فتهزم خيل ابن الزبير، ويرد أصحاب الحجاج إلى الطائف، فكتب الحجاج إلى عبد الملك في دخول الحرم ومحاصرة ابن الزبير، وأن يمده بجيش، فأجابه وكتب إلى طارق بن عمرو فقدم على الحجاج في خمسة آلاف، فحج الحجاج بالناس، سنة اثنتين يعني، ثم صدر الحجاج بن يوسف وطارق ولم يطوفا بالبيت ولا قربا النساء حتى قتل ابن الزبير فطافا، وحصر ابن الزبير من ليلة هلال ذي القعدة ستة أشهر وسبع عشرة ليلة، وقدم على ابن الزبير حبشان من أرض الحبشة، فجعلوا يرمون فلا يقع لهم مزراق إلا في إنسان، فقتلوا خلقا، وكان معه أيضا من خوارج أهل مصر، فقاتلوا قتالا شديدا، ثم ذكروا عثمان فتبرءوا منه، فبلغ ابن الزبير فناكرهم، فانصرفوا عنه. وألح عليه الحجاج بالمنجنيق وبالقتال من كل وجه، وحبس عنهم الميرة فجاعوا، وكانوا يشربون من زمزم فيعصمهم، وجعلت الحجارة تقع في الكعبة.

وحدثنا شرحبيل، عن أبيه قال: سمعت ابن الزبير يقول لأصحابه: انظروا كيف تضربون بسيوفكم، وليصن الرجل سيفه كما يصون وجهه، فإنه قبيح بالرجل أن يخطئ مضرب سيفه، فكنت أرمقه إذا ضرب فما يخطئ مضربا واحدا شبرا من ذباب السيف أو نحوه، وهو يقول: خذها وأنا ابن الحواري.

ص: 760

فلما كان يوم الثلاثاء قام بين الركن والمقام فقاتلهم أشد القتال، وجعل الحجاج يصيح بأصحابه: يا أهل الشام، يا أهل الشام، الله الله في الطاعة، فيشدون الشدة الواحدة حتى يقال: قد اشتملوا عليه، فيشد عليهم حتى يفرجهم ويبلغ بهم باب بني شيبة ثم يكر ويكرون عليه، وليس معه أعوان، فعل ذلك مرارا حتى جاءه حجر عائر من ورائه فأصابه في قفاه فوقذه فارتعش ساعة، ثم وقع لوجهه، ثم انتهض فلم يقدر على القيام، وابتدره الناس، وشد عليه رجل من أهل الشام فضرب الرجل فقطع رجليه وهو متك على مرفقه الأيسر، وجعل يضربه وما يقدر أن ينهض حتى كثروه، فصاحت امرأة من الدار: وا أمير المؤمنيناه قال: وابتدروه فقتلوه رحمه الله.

وقال الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى، عن يوسف بن ماهك، قال: رأيت المنجنيق يرمى به، فرعدت السماء وبرقت، واشتد الرعد، فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا، فجاء الحجاج ورفع الحجر بيده ورمى معهم، ثم إنهم جاءتهم صاعقة تتبعها أخرى، فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا، فانكسر أهل الشام، فقال الحجاج: لا تنكروا هذا فهذه صواعق تهامة، ثم جاءت صاعقة فأصابت عدة من أصحاب ابن الزبير من الغد.

وقال الواقدي: حدثني إسحاق بن عبد الله، عن المنذر بن الجهم قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد خذله من معه خذلانا شديدا، وجعلوا يخرجون إلى الحجاج نحو من عشرة آلاف، وقيل: إن ممن فارقه ولعله من الجوع ابناه حمزة وخبيب، فخرجا إلى الحجاج وطلبا أمانا لأنفسهما.

فروى الواقدي عن ابن أبي الزناد، عن محمد بن سليمان، قال: دخل ابن الزبير على أمه فقال: يا أمه خذلني الناس حتى ولدي وأهلي، ولم يبق معي إلا من ليس عنده دفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطوني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ قالت: أنت أعلم، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن قتل معك. فقبل رأسها وقال: هذا رأيي الذي قمت به، ما

ص: 761

ركنت إلى الدنيا، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله، فانظري فإني مقتول، فلا يشتد حزنك، وسلمي لأمر الله، في كلام طويل بينهما.

قال: وجعل ابن الزبير يحمل فيهم كأنه أسد في أجمة ما يقدم عليه أحد ويقول: لو كان قرني واحدا كفيته، وبات ليلة الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى وقد أخذ عليه الحجاج بالأبواب، فبات يصلي عامة الليل، ثم احتبى بحمائل سيفه فأغفى، ثم انتبه بالفجر، فصلى الصبح فقرأ: ن حرفا حرفا، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، وأوصى بالثبات، ثم حمل حتى بلغ الحجون، فأصيب بآجرة في وجهه شجته، فقال: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما ثم تكاثروا عليه فقتلوه، وبعث برأسه، ورأسي عبد الله بن صفوان، وعمارة بن عمرو بن حزم إلى الشام بعد أن نصبوا بالمدينة. واستوسق الأمر لعبد الملك بن مروان، واستعمل على الحرمين الحجاج بن يوسف، فنقض الكعبة التي من بناء ابن الزبير، وكانت تشعثت من المنجنيق، وانفلق الحجر الأسود من المنجنيق فشعبوه، وبناها الحجاج على بناء قريش ولم ينقضها إلا من جهة الميزاب، وسد الباب الذي أحدثه ابن الزبير وهو ظاهر المكان.

وفيها غزا محمد بن مروان بن الحكم قيسارية وهزم الروم.

وفيها سار عمر بن عبيد الله التيمي بأهل البصرة في نحو عشرة آلاف لحرب أبي فديك، فالتقوا فكان على ميمنة أهل البصرة محمد بن موسى بن طلحة، وعلى الميسرة أخوه عمر بن موسى. فانكسرت الميسرة، وأثخن أميرها بالجراح، وأخذته الخوارج فأحرقوه في الحال، ثم تناخى المسلمون وحملوا حتى استباحوا عسكر الخوارج، وقتل أبو فديك وحصروهم في المشقر، ثم نزلوا على الحكم فقتل عمر بن عبيد الله منهم نحو ستة آلاف، وأسر ثمانمائة، وكان أبو فديك قد أسر جارية أمية بن

ص: 762

عبد الله، فأصابوها وقد حبلت من أبي فديك.

وفيها عزل عبد الملك بن مروان خالدا عن البصرة وأضافها إلى أخيه بشر بن مروان واستعمل على خراسان بكير بن وشاح.

‌سنة أربع وسبعين

توفي فيها رافع بن خديج، وأبو سعيد الخدري. وسلمة بن الأكوع. وخرشة بن الحر الكوفي يتيم عمر. وعاصم بن ضمرة. وعبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، له رؤية. ومحمد بن حاطب الجمحي. ومالك بن أبي عامر الأصبحي جد مالك الإمام. وأبو جحيفة السوائي.

وفيها في أولها قيل: إن ابن عمر توفي، وقد ذكر.

وفيها سار الحجاج من مكة بعدما بنى البيت الحرام إلى المدينة، فأقام بها ثلاثة أشهر يتعنت أهلها، وبنى بها مسجدا في بني سلمة، فهو ينسب إليه، واستخف فيها ببقايا الصحابة وختم في أعناقهم؛ فروى الواقدي، عن ابن أبي ذئب، عمن رأى جابر بن عبد الله مختوما في يده، ورأى أنسا مختوما في عنقه، يذلهم بذلك.

قال الواقدي: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، قال: رأيت الحجاج أرسل إلى سهل بن سعد الساعدي، فقال: ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان؟ قال: قد فعلت، قال: كذبت، ثم أمر به فختم في عنقه برصاص.

وفيها - ذكره ابن جرير - ولى عبد الملك المهلب بن أبي صفرة حرب الأزارقة، فشق ذلك على بشر، وأمره أن يختار من أراد من جيش العراق، فسار حتى نزل رامهرمز، فلقي بها الخوارج، فخندق عليه.

وفيها عزل عبد الملك بكير بن وشاح عن خراسان، واستعمل عليها أمية بن عبد الله بن خالد، عزل بكيرا خوفا من افتراق تميم بخراسان، فإنه أخرج ابن عمه بحيرا من الحبس، فالتف على بحير خلق، فخاف أهل خراسان وكتبوا إلى عبد الملك أن يولي عليهم قرشيا لا يحسد ولا يتعصب

ص: 763

عليه، ففعل. وكان أمية سيدا شريفا فلم يتعرض لبكير ولا لعماله، بل عرض عليه أن يوليه شرطته، فامتنع، فولاها بحير بن ورقاء.

ويقال: فيها كان مقتل أبي فديك، وقد مر في سنة ثلاث.

‌سنة خمس وسبعين

فيها توفي العرباض بن سارية السلمي. وأبو ثعلبة الخشني، وكريب بن أبرهة الأصبحي أمير الإسكندرية، وبشر بن مروان أمير العراق، وعمرو بن ميمون الأودي فيها، وقيل: في التي قبلها. وسليم بن عتر التجيبي قاضي مصر وقاصها.

وفيها وفد عبد العزيز بن مروان على أخيه، واستخلف على مصر زياد بن حناطة التجيبي، فتوفي زياد في شوال، واستخلف أصبغ بن عبد العزيز بن مروان.

وفيها حج بالناس عبد الملك بن مروان، وخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسير على إمرة العراق الحجاج، فسار من المدينة إلى الكوفة في اثني عشر راكبا بعد أن وهب البشير ثلاثة آلاف دينار.

قال الوليد بن مسلم: حدثني عبيد الله بن يزيد بن أبي مسلم الثقفي، عن أبيه، قال: كان الحجاج عاملا لعبد الملك على مكة، فكتب إليه بولايته على العراق، قال: فخرجت معه في نفر ثمانية أو تسعة على النجائب، فلما كنا بماء قريب من الكوفة نزل فاختضب وتهيأ، وذلك في يوم جمعة، ثم راح معتما قد ألقى عذبة العمامة بين كتفيه متقلدا سيفه، حتى نزل عند دار الإمارة عند مسجد الكوفة، وقد أذن المؤذن بالأذان الأول، فخرج عليهم الحجاج وهم لا يعلمون، فجمع بهم، ثم صعد المنبر فجلس عليه فسكت، وقد اشرأبوا إليه وجثوا على الركب وتناولوا الحصى ليقذفوه بها، وقد كانوا حصبوا عاملا قبله، فخرج عنهم، فسكت سكتة أبهتتهم، وأحبوا أن يسمعوا كلامه، فكان بدء كلامه أن قال: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق ويا أهل النفاق، والله إن كان أمركم ليهمني قبل أن آتي إليكم، ولقد كنت أدعو الله أن يبتليكم بي، فأجاب دعوتي، ألا إني أسريت البارحة فسقط مني سوطي،

ص: 764

فاتخذت هذا مكانه - وأشار إلى سيفه - فوالله لأجرنه فيكم جر المرأة ذيلها، ولأفعلن ولأفعلن. قال يزيد: فرأيت الحصى متساقطا من أيديهم، وقال: قوموا إلى بيعتكم، فقامت القبائل قبيلة قبيلة تبايع، فيقول: من؟ فتقول: بنو فلان، حتى جاءته قبيلة فقال: من؟ قالوا: النخع، قال: منكم كميل بن زياد؟ قالوا: نعم، قال: فما فعل؟ قالوا: أيها الأمير شيخ كبير، قال: لا بيعة لكم عندي ولا تقربون حتى تأتوني به. قال: فأتوه به منعوشا في سرير حتى وضعوه إلى جانب المنبر، فقال: ألا لم يبق ممن دخل على عثمان الدار غير هذا، فدعا بنطع وضربت عنقه.

وقال أبو بكر الهذلي: حدثني من شهد الحجاج حين قدم العراق، فبدأ بالكوفة، فنودي: الصلاة جامعة، فأقبل الناس إلى المسجد، والحجاج متقلد قوسا عربية وعليه عمامة خز حمراء متلثما، فقعد وعرض القوس بين يديه، ثم لم يتكلم حتى امتلأ المسجد، قال محمد بن عمير: فسكت حتى ظننت أنه إنما يمنعه العي، وأخذت في يدي كفا من حصى أردت أن أضرب به وجهه، فقام فوضع نقابه، وتقلد قوسه، وقال:

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني.

إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، كأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى.

ليس بعشك فادرجي قد شمرت عن ساقها فشمري هذا أوان الحرب فاشتدي زيم قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر وضم قد لفها الليل بعصلبي أروع خراج من الدوي مهاج ليس بأعرابي

ص: 765

إني والله ما أغمز غمز التين، ولا يقعقع لي بالشنان، ولقد فررت عن ذكاء، وفتشت عن تجربة، وجريت من الغاية، فإنكم يا أهل العراق طالما أوضعتم في الضلالة، وسلكتم سبيل الغواية، أما والله لألحينكم لحي العود، ولأعصبنكم عصب السلمة، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، ألا إن أمير المؤمنين نثل كنانته بين يديه، فعجم عيدانها، فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرا، فوجهني إليكم، فاستقيموا ولا يميلن منكم مائل، واعلموا أني إذا قلت قولا وفيت به، من كان منكم من بعث المهلب فليلحق به، فإني لا أجد أحدا بعد ثالثة إلا ضربت عنقه وإياي وهذه الزرافات فإني لا أجد أحدا يسير في زرافة إلا سفكت دمه، واستحللت ماله. ثم نزل.

رواه المبرد بنحوه، عن التوزي، بإسناد، وزاد فيه: قم يا غلام فاقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين. فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالكوفة، سلام عليكم. فسكتوا، فقال: اكفف يا غلام، ثم أقبل عليهم فقال: يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون عليه شيئا، هذا أدب ابن نهية. أما والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب أو لتستقيمن. اقرأ يا غلام، فقرأ قوله: السلام عليكم، فلم يبق في المسجد أحد إلا قال: وعلى أمير المؤمنين السلام.

العصلبي: الشديد من الرجال.

والسواق الحطم: العنيف في سوقه.

والوضم: كل شيء وقيت به اللحم من الأرض من خوان وقرمية وغيره.

وعجمت العود: إذا عضضته بأسنانك.

والزرافات: الجماعات.

وقال ابن جرير: فأول من خرج على الحجاج بالعراق عبد الله بن

ص: 766

الجارود، وذلك أن الحجاج ندبهم إلى اللحاق بالمهلب، ثم خرج فنزل رستاق آباد ومعه وجوه أهل البصرة، وكان بينه وبين المهلب يومان، فقال للناس: إن الزيادة التي زادكم ابن الزبير، في أعطياتكم زيادة فاسق منافق لست أجيزها، فقام إليه عبد الله بن الجارود العبدي، فقال: بل هي زيادة أمير المؤمنين عبد الملك، فكذبه وتوعده، فخرج ابن الجارود على الحجاج، وتابعه خلق، فقتل ابن الجارود في طائفة معه.

وكتب الحجاج إلى المهلب وإلى عبد الرحمن بن مخنف: أن ناهضوا الخوارج، قال: فناهضوهم وأجلوهم عن رامهرمز، فقال المهلب لعبد الرحمن بن مخنف: إن رأيت أن تخندق على أصحابك فافعل، وخندق المهلب على نفسه كعادته، وقال أصحاب ابن مخنف: إنما خندقنا سيوفنا، فرجع الخوارج ليبيتوا الناس، فوجدوا المهلب قد أتقن أمر أصحابه، فمالوا نحو ابن مخنف، فقاتلوه، فانهزم جيشه، وثبت هو في طائفة، فقاتلوا حتى قتلوا، فبعث الحجاج بدله عتاب بن ورقاء، وتأسفوا على ابن مخنف، ورثاه غير واحد.

وقال خليفة: ثم في ثالث يوم من مقدم الحجاج الكوفة أتاه عمير بن ضابئ البرجمي، وهو القائل:

هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله.

فقال الحجاج: أخروه، أما أمير المؤمنين عثمان فتغزوه بنفسك، وأما الخوارج الأزارقة فتبعث بديلا، وكان قد أتاه بابنه فقال: إني شيخ كبير، وهذا ابني مكاني، ثم أمر به فضربت عنقه.

واستخلف الحجاج لما خرج على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة، وقدم البصرة يحث على قتال الأزارقة.

وفيها خرج داود بن النعمان المازني بنواحي البصرة، فوجه الحجاج

ص: 767

لحربه الحكم بن أيوب الثقفي متولي البصرة، فظفر به، فقتله، فقال شاعرهم: ألا فاذكرن داود إذ باع نفسه وجاد بها يبغي الجنان العواليا.

وفيها غزا محمد بن مروان الصائفة عند خروج الروم بناحية مرعش.

وفيها خطبهم عبد الملك بمكة لما حج، فحدث أبو عاصم، عن ابن جريج، عن أبيه قال: خطبنا عبد الملك بن مروان بمكة، ثم قال: أما بعد، فإنه كان من قبلي من الخلفاء يأكلون من هذا المال ويؤكلون، وإني والله لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف، ولست بالخليفة المستضعف - يعني عثمان - ولا الخليفة المداهن - يعني معاوية - ولا الخليفة المأبون - يعني يزيد - وإنما نحتمل لكم ما لم يكن عقد راية، أو وثوب على منبر، هذا عمرو بن سعيد حقه حقه وقرابته قرابته، قال برأسه هكذا، فقلنا بسيفنا هكذا، ألا فليبلغ الشاهد الغائب.

وفيها ضرب الدنانير والدراهم عبد الملك، فهو أول من ضربها في الإسلام.

وحج فيها عبد الملك وخطب بالموسم غير مرة، وكان من البلغاء العلماء الدهاة، قال: إني رأيت سيرة السلطان تدور مع الناس، فإن ذهب اليوم من يسير بسيرة عمر، أغير على الناس في بيوتهم، وقطعت السبل، وتظالم الناس، وكانت الفتن، فلا بد للوالي أن يسير كل وقت بما يصلحه، نحن نعلم والله أنا لسنا عند الله ولا عند الناس كهيئة عمر ولا عثمان، ونرجو خير ما نحن بإزائه من إقامة الصلوات والجهاد والقيام لله بالذي يصلح دينه، والشدة على المذنب، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

‌سنة ست وسبعين

.

توفي فيها حبة بن جوين العرني، وزهير بن قيس البلوي.

وفيها، أو في سنة خمس توفي سعيد بن وهب الهمداني الخيواني.

وفيها خرج صالح بن مسرح التميمي، وكان صالحا ناسكا مخبتا، وكان يكون بدارا والموصل، وله أصحاب يقرئهم ويفقههم ويقص عليهم، ولكنه

ص: 768

يحط على الخليفتين عثمان وعلي كدأب الخوارج، ويتبرأ منهما، ويقول: تيسروا رحمكم الله لجهاد هذه الأحزاب المتحزبة والظلمة، وللخروج من دار الفناء إلى دار البقاء، ولا تجزعوا من القتل في الله، فإن القتل أيسر من الموت، والموت نازل بكم، فلم ينشب أن أتاه كتاب شبيب بن يزيد من الكوفة، فقال: أما بعد، فإنك شيخ المسلمين، ولن نعدل بك أحدا، وقد دعوتني فاستجبت لك، وإن أردت تأخير ذلك أعلمتني، فإن الآجال غادية ورائحة، ولا آمن أن تخترمني المنية ولم أجاهد الظالمين، فيا له غبنا، ويا له فضلا متروكا، جعلنا الله وإياك ممن يريد بعمله الله ورضوانه. فرد عليه الجواب يحضه على المجيء، فجمع شبيب قومه، منهم أخوه مصاد، والمحلل بن وائل اليشكري، وإبراهيم بن حجر المحلمي، والفضل بن عامر الذهلي، وقدم على صالح وهو بدارا، فتصمدوا مائة وعشرة أنفس، ثم وثبوا على خيل لمحمد بن مروان فأخذوها، وقويت شوكتهم وأخافوا المسلمين.

وفيها غزا حسان بن النعمان الغساني إفريقية وقتل الكاهنة.

ولما خرج صالح بن مسرح بالجزيرة ندب لحربه عدي بن عدي بن عميرة الكندي، فقاتلهم، فهزم عديا، فندب لقتاله خالد بن جزء السلمي، والحارث العامري، فاقتتلوا أشد قتال، وانحاز صالح إلى العراق، فوجه الحجاج لحربه عسكرا، فاقتتلوا، ثم مات صالح بن مسرح مثخنا بالجراح في جمادى الآخرة، وعهد إلى شبيب بن يزيد، فالتقى شبيب هو وسورة بن الحر، فانهزم سورة بعد قتال شديد، ثم سار شبيب فلقي سعيد بن عمرو الكندي، فاقتتلوا، ثم انصرف شبيب فهجم الكوفة، وقتل بها أبا سليم مولى عنبسة بن أبي سفيان والد ليث بن أبي سليم، وقتل بها عدي بن عمرو، وأزهر بن عبد الله العامري، ثم خرج عن الكوفة فوجه الحجاج لحربه زائدة بن قدامة الثقفي ابن عم المختار، في جيش كبير، فالتقوا بأسفل الفرات، فهزمهم وقتل زائدة، فوجه الحجاج لحربه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فلم يقاتله.

وكان مع شبيب امرأته غزالة، وكانت معروفة بالشجاعة، فدخلت مسجد الكوفة تلك المرة وقرأت وردها في المسجد،

ص: 769

وكانت نذرت أن تصعد المنبر فصعدت، ثم حار الحجاج في أمره مع شبيب، فوجه لقتاله عثمان بن قطن الحارثي، فالتقوا في آخر العام، فقتل عثمان وانهزم جمعه بعد أن قتل يومئذ ممن معه ست مائة نفس، منهم مائة وعشرون من كندة، وقتل من الأعيان: عقيل بن شداد السلولي، وخالد بن نهيك الكندي، والأبرد بن ربيعة الكندي، واستفحل أمر شبيب، وتزلزل له عبد الملك بن مروان، ووقع الرعب في قلوبهم من شبيب، وحار الحجاج، فكان يقول: أعياني شبيب.

‌سنة سبع وسبعين

فيها توفي أبو تميم الجيشاني عبد الله بن مالك بمصر، وشريح القاضي بالكوفة، وفيه خلاف.

وفيها سار شبيب بن يزيد، فنزل المدائن، فندب الحجاج لقتاله أهل الكوفة كلهم، عليهم زهرة بن حوية السعدي، شيخ كبير قد باشر الحروب، وبعث إلى حربه عبد الملك من الشام سفيان بن الأبرد، وحبيبا الحكمي في ستة آلاف، ثم قدم عتاب بن ورقاء على الحجاج مستعفيا من عشرة المهلب بن أبي صفرة، فاستعمله الحجاج على الكوفة، ولجمع جميع الجيش خمسين ألفا، وعرض شبيب بن يزيد جنده بالمدائن، فكانوا ألف رجل، فقال: يا قوم إن الله كان ينصركم وأنتم مائة أو مائتان، فأنتم اليوم مئون.

ثم ركب، فأخذوا يتخلفون عنه ويتأخرون، فلما التقى الجمعان تكامل مع شبيب ست مائة، فحمل في مائتين على ميسرة الناس فانهزموا، واشتد القتال، وعتاب بن ورقاء جالس هو وزهرة بن حوية على طنفسة في القلب، فقال عتاب: هذا يوم كثر فيه العدد وقل فيه الغنى، والهفي على خمسة مائة من رجال تميم.

وتفرق عن عتاب عامة الجيش، وحمل عليه شبيب، فقاتل عتاب ساعة وقتل، ووطئت الخيل زهرة فهلك، فتوجع له شبيب لما رآه صريعا، فقال له رجل من قومه: والله يا أمير المؤمنين إنك لمنذ الليلة لمتوجع لرجل من الكافرين؟ قال: إنك لست أعرف بصلاتهم مني، إني أعرف من قديم

ص: 770

أمرهم ما لا تعرف، لو ثبتوا عليه كانوا إخواننا. وقتل في المعركة: عمار بن يزيد الكلبي، وأبو خيثمة بن عبد الله.

ثم قال شبيب لأصحابه: ارفعوا عنهم السيف، ودعا الناس إلى طاعته وبيعته، فبايعوه، ثم هربوا ليلا.

هذا كله قبل أن يقدم جيش الشام، فتوجه شبيب نحو الكوفة، وقد دخلها عسكر الشام، فشدوا ظهر الحجاج وانتعش بهم، واستغنى بهم عن عسكر الكوفة، وقال: يا أهل الكوفة لا أعز الله بكم من أراد بكم العز، الحقوا بالحيرة، فانزلوا مع اليهود والنصارى، ولا تقاتلوا معنا، وحنق بهم، وهذا مما يزيد فيه بغضا.

ثم إنه وجه الحارث بن معاوية الثقفي في ألف فارس في الكشف، فالتمس شبيب غفلتهم والتقوا، فحمل شبيب على الحارث فقتله، وانهزم من معه، ثم جاء شبيب فنازل الكوفة، وحفظ الناس السكك، وبنى شبيب مسجدا بطرف السبخة، فخرج إليه أبو الورد مولى الحجاج في عدة غلمان، فقاتل حتى قتل، ثم خرج طهمان مولى الحجاج في طائفة، فقتله شبيب.

ثم إن الحجاج خرج من قصر الكوفة، فركب بغلا، وخرج في جيش الشام، فلما التقى الجمعان نزل الحجاج وقعد على كرسي، ثم نادى: يا أهل الشام، أنتم أهل السمع والطاعة والصبر واليقين، لا يغلبن باطل هؤلاء حقكم، غضوا الأبصار، واجثوا على الركب، واشرعوا إليهم بالأسنة. وكان شبيب في ست مائة، فجعل مائتين معه كردوسا، ومائتين مع سويد بن سليم، ومائتين مع المحلل بن وائل، فحمل سويد عليهم، حتى إذا غشي أطراف الأسنة وثبوا في وجوههم يطعنوهم قدما قدما، فانصرفوا، فأمر الحجاج بتقديم كرسيه، وصاح في أصحابه فحمل عليهم شبيب، فثبتوا، وطال القتال، فلما رأى شبيب صبرهم نادى: يا سويد احمل على أهل هذا السكة لعلك تزيل أهلها عنها، فتأتي الحجاج من ورائه ونحن من أمامه، فحمل سويد على أهل السكة، فرمي من فوق البيوت، فرد.

قال أبو مخنف: فحدثني فروة بن لقيط الخارجي، قال: فقال لنا شبيب يومئذ: يا أهل الإسلام، إنما شرينا الله، ومن شرى الله لم يكثر عليه

ص: 771

ما أصابه، شدة كشداتكم في مواطنكم المعروفة، وحمل على الحجاج، فوثب أصحاب الحجاج طعنا وضربا، فنزل شبيب وقومه، فصعد الحجاج على مسجد شبيب في نحو عشرين رجلا، وقال: إذا دنوا فارشقوهم بالنبل، فاقتتلوا عامة النهار أشد قتال في الدنيا، حتى أقر كل فريق للآخر، ثم إن خالد بن عتاب بن ورقاء قال للحجاج: ائذن لي في قتالهم، فإني موتور وممن لا يتهم في نصيحة، فأذن له، فخرج في عصابة ودار من ورائهم، فقتل مصادا أخا شبيب، وغزالة امرأة شبيب، وأضرم النيران في عسكره. فوثب شبيب وأصحابه على خيولهم، فقال الحجاج: احملوا عليهم فقد انرعبوا، فشدوا عليهم فهزموهم، وتأخر شبيب في حامية قومه، فذكر من كان مع شبيب أنه جعل ينعس ويخفق برأسه وخلفه الطلب، قال: فقلت له: يا أمير المؤمنين، التفت فانظر من خلفك، فالتفت غير مكترث ثم أكب يخفق، ثم قلت: إنهم قد دنوا، فالتفت ثم أقبل يخفق، وبعث الحجاج إلى خيله أن دعوه في حرق النار، فتركوه ورجعوا، ومر أصحاب شبيب بعامل للحجاج على بلد بالسواد فقتلوه، ثم أتوا بالمال على دابة فسبهم شبيب على مجيئهم بالمال، وقال: اشتغلتم بالدنيا، ثم رمى بالمال في الفرات، ثم سار بهم إلى الأهواز وبها محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله، فخرج لقتاله وسأل محمد المبارزة، فبارزه شبيب وقتله، ومضى إلى كرمان فأقام شهرين ورجع إلى الأهواز فندب له الحجاج مقدمي جيش الشام: سفيان بن الأبرد الكلبي، وحبيب بن عبد الرحمن الحكمي، فالتقوا على جسر دجيل، فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، ثم ذهب شبيب، فلما صار على جسر دجيل قطع الجسر، فوقع شبيب وغرق، وقيل: نفر به فرسه فألقاه في الماء وعليه الحديد، فقال له رجل: أغرقا يا أمير المؤمنين؟ قال: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} فألقاه دجيل إلى ساحله ميتا، فحمل على البريد إلى الحجاج، فأمر به فشق بطنه، وأخرج

ص: 772

قلبه، فإذا هو كالحجر، إذا ضرب به الأرض نبا عنها، فشقوه فإذا في داخله قلب صغير.

وقال ابن جرير الطبري في تاريخه: ثم أنفق الحجاج الأموال، ووجه سفيان بن الأبرد في طلب القوم، قال: وأقام شبيب بكرمان، حتى إذا انجبر واستراش كر راجعا، فيستقبله ابن الأبرد بجسر دجيل، فالتقيا فعبر شبيب إلى ابن الأبرد في ثلاثة كراديس، فاقتتلوا أكثر النهار، وثبت الفريقان، وكر شبيب وأصحابه أكثر من ثلاثين كرة، وابن الأبرد ثابت، ثم آل أمرهم إلى أن ازدحموا عند الجسر، فنطر شبيب أصحاب ابن الأبرد إلى الجسر، ونزل في نحو مائة، فتقاتلوا إلى الليل قتالا عظيما، ثم تحاجزوا.

وقال أبو مخنف: حدثني فروة، قال: ما هو إلا أن انتهينا إلى الجسر، فعبرنا شبيب في الظلمة وتخلف في أخرانا، فأقبل على فرسه، وكانت بين يديه حجرة فنزا فرسه عليها وهو على الجسر، فاضطربت الماذيانة ونزل حافر الفرس على حرف السفينة، فنزل به في الماء فلما سقط قال:{لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا} فانغمس ثم ارتفع، فقال:{ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}

قال: وقيل كان معه رجال قد أصاب من عشائرهم وأبغضوه، فلما تخلف في الساقة اشتوروا، فقالوا: نقطع به الجسر، ففعلوا، فمالت السفن، ونفر فرسه فسقط وغرق. ثم تنادوا بينهم: غرق أمير المؤمنين، فأصبح الناس فاستخرجوه وعليه الدرع.

قال أبو مخنف: فسمعتهم يزعمون أنه شق بطنه فأخرج قلبه، فكان مجتمعا صلبا، كأنه صخرة، وأنه كان يضرب به الأرض فيثب قامة الإنسان. وسيأتي في ترجمته من أخباره أيضا.

وفيها أمر عبد العزيز بن مروان بجامع مصر، فهدم وزيد فيه من جهاته

ص: 773

الأربع.

وأمر ببناء حصن الإسكندرية، وكان مهدوما منذ فتحها عمرو بن العاص.

وفيها افتتح عبد الملك بن مروان هرقلة وهي مدينة معروفة داخل بلاد الروم.

وحج بالناس أبان بن عثمان بن عفان.

وفيها وغل عبد الله بن أمية بن عبد الله الأموي بسجستان، فأخذ عليه الطريق، فأعطى مالا حتى خلوا عنه، فعزله عبد الملك بن مروان ووجه مكانه موسى بن طلحة بن عبيد الله.

‌سنة ثمان وسبعين

توفي فيها جابر بن عبد الله الأنصاري، وزيد بن خالد الجهني، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وأبو المقدام شريح بن هانئ.

وقال خليفة: فيها أمر الحجاج على سجستان عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي، فوجه عبيد الله أبا برذعة فأخذ عليه المضيق، وقتل شريح بن هانئ الحارثي، وأصاب العسكر ضيق وجوع شديد، حتى هلك عامتهم.

قال محمد بن جرير: وقد قيل: إن هلاك شبيب بن يزيد كان في سنة ثمان. قال: وكذلك قيل: في هلاك قطري بن الفجاءة، وعبيدة بن هلال. وعبد ربه الكبير، رؤوس الخوارج.

وقال خليفة: فيها ولي خراسان المهلب بن أبي صفرة.

وقال ابن الكلبي: فيها غزوة محرز بن أبي محرز أرض الروم وفتح أزقلة، فلما قفل أصابهم مطر شديد من وراء درب الحدث، فأصيب فيه ناس كثير.

وفيها قتل سليمان بن كندير القتيري، قتله أصحاب الحجاج.

ص: 774

وفيها جرت حروب ووقعات بإفريقية والمغرب، وولي فيها إمرة المغرب كله موسى بن نصير اللخمي، فسار إلى طنجة وقدم على مقدمته طارق بن زياد الصدفي، مولاهم، الذي افتتح الأندلس، وأصاب فيها المائدة التي يتحدث أهل الكتاب أنها مائدة سليمان عليه السلام.

وفيها حج بالناس ابن أمير المؤمنين الوليد.

وفيها وثبت الروم على ملكهم فخلعته وقطعت أنفه ونفته إلى بعض الجزائر. قاله المسبحي.

وفيها فرغ الحجاج من بناء واسط، سميت بذلك لأنها وسط ما بين الكوفة والبصرة، وقيل: بنيت سنة ثلاث وثمانين.

‌سنة تسع وسبعين

فيها توفي عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي، وعبيد الله بن أبي بكرة بسجستان، وقطري بن الفجاءة بطبرستان، بخلف فيه.

وفيها استعمل الحجاج على البحرين محمد بن صعصة الكلابي وضم إليه عمان فخرج عليه الريان النكري، فهرب محمد وركب البحر حتى قدم على الحجاج.

وفيها ولى الحجاج هارون بن ذراع النمري ثغر الهند وأمره بطلب العلافيين، وهما محمد ومعاوية ابنا الحارث من بني سامة بن لؤي، كانا قد قتلا عامل الحجاج هناك، فظفر هارون بأحدهما فقتله، وهرب الآخر.

وفيها غزا الوليد ابن أمير المؤمنين من ناحية ملطية، فغنم وسبى.

وقال عوانة بن الحكم: أول قبيل غزاهم موسى بن نصير من البربر الذين قتلوا عقبة بن نافع، فسار إليهم بنفسه فقتل وسبى، وهرب ملكهم كسيلة، يقال: بلغ سبيهم عشرين ألفا.

قال ابن جرير: وفيها أصحاب أهل الشام الطاعون حتى كادوا يفنون من شدته.

وقال غيره: فيها كان مصرع قطري بن الفجاءة واسم الفجاءة جعونة

ص: 775

ابن مازن بن يزيد التميمي المازني أبو نعامة، خرج في زمن مصعب بن الزبير، وبقي بضع عشرة سنة يقاتل ويسلم عليه بالخلافة وبإمرة المؤمنين، وتغلب على بلاد فارس، ووقائعه مشهورة، قد ذكر منها المبرد قطعة في كامله، وقد سير الحجاج لقتاله جيشا بعد جيش وهو يهزمهم.

وحكي عنه أنه خرج في بعض الحروب على فرس أعجف، وبيده عمود خشب، فبرز إليه رجل، فكشف قطري وجهه، فولى الرجل، فقال: إلى أين؟ قال: لا يستحي الإنسان أن يفر من مثلك.

توجه لقتاله سفيان بن الأبرد الكلبي، فظهر عليه وظفر به وقتله، وقيل: بل عثرت به فرسه فاندقت فخذه، فلذلك ظفروا به بطبرستان، وحمل رأسه إلى الحجاج، وقيل: إن الذي قتله سورة بن أبجر الدارمي.

وكان قطري مع شجاعته المفرطة وإقدامه من خطباء العرب المشهورين بالبلاغة والشعر، وله أبيات مذكورة في الحماسة.

‌سنة ثمانين

فيها توفي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأسلم مولى عمر، وأبو إدريس الخولاني الفقيه، وعبد الرحمن بن عبد القاري، وناعم بن أجيل المصري، وعبد الله بن زرير الغافقي، وجنادة بن أبي أمية، وجبير بن نفير، بخلف فيهما.

وفيها صلب عبد الملك معبدا الجهني على إنكاره القدر؛ قاله سعيد بن عفير.

وفيها توفي سويد بن غفلة، قاله أبو نعيم، وعبيد الله بن أبي بكرة، قاله ابن معين، وشريح القاضي، قاله ابن نمير، والسائب بن يزيد، قاله بعضهم، وحسان بن النعمان الغساني بالروم.

ص: 776

وفيها كان سيل الجحاف، وهو سيل عظيم جاء بمكة حتى بلغ الحجر الأسود، فهلك خلق كثير من الحجاج.

قال مصعب الزبيري: سمعت محمد بن نافع الخزاعي، قال: كان من قصة الجحاف أن أهل مكة قحطوا، ثم طلع في يوم قطعة غيم، فجعل الجحاف يضرط به، ويقول: إن جاءنا شيء فمن هذا، فما برح من مكانه حتى جاء سيل فحمل الجمال وغرق الجحاف.

وفيها غزا البحر من الإسكندرية عبد الواحد بن أبي الكنود حتى بلغ قبرس.

وفيها هلك أليون الملك عظيم الروم لا رحمه الله.

وفيها سار يزيد بن أبي كبشة، فالتقى هو والريان النكري بالبحرين، ومع الريان امرأة من الأزد تقاتل، اسمها جيداء، فقتل هو وهي وعامة أصحابهما، وصلب هو.

وفيها أول فتنة ابن الأشعث: وذلك أن الحجاج كان شديد البغض لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي، يقول: ما رأيته قط إلا أردت قتله.

ثم إنه أبعده عنه وأمره على سجستان في هذا العام بعد موت عبيد الله بن أبي بكرة، فسار إليها ففتح فتوحا، وسار ينهب بلاد رتبيل ويأسر ويخرب، ثم بعث إليه الحجاج مع هذا كتبا يأمره بالوغول في تلك البلاد ويضعف همته ويعجزه، فغضب ابن الأشعث وخطب الناس، وكان معه رؤوس أهل العراق، فقال: إن أميركم كتب إلي يأمرني بتعجيل الوغول بكم في أرض العدو، وهي البلاد التي هلك فيها إخوانكم بالأمس، وإنما أنا رجل منكم، أمضي إذا مضيتم وآبى إذا أبيتم، فثار إليه الناس فقالوا: لا، بل نأبى على عدو الله ولا نسمع له ولا نطيع.

وقال عامر بن واثلة الكناني: إن الحجاج ما يرى بكم إلا ما رأى القائل الأول: احمل عبدك على الفرس، فإن هلك هلك، وإن نجا فلك، إن الحجاج ما يبالي، إن ظفرتم أكل البلاد وحاز المال، وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الأعداء البغضاء، اخلعوا عدو الله الحجاج وبايعوا عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فنادوا: فعلنا فعلنا، ثم أقبلوا كالسيل المنحدر، وانضم

ص: 777

إلى ابن الأشعث جيش عظيم، فعجز عنهم الحجاج، واستصرخ بأمير المؤمنين، فجزع لذلك عبد الملك بن مروان، وجهز العساكر الشامية في الحال، كما سيأتي في سنة إحدى وثمانين إن شاء الله تعالى.

ص: 778

بسم الله الرحمن الرحيم

‌تراجم أهل هذه الطبقة

1 -

‌ إبراهيم بن الأشتر

، واسم الأشتر مالك بن الحارث النخعي الكوفي.

كان أبوه من كبار أمراء علي، وكان إبراهيم من الأمراء المشهورين بالشجاعة والرأي، وله شرف وسيادة، وهو الذي قتل عبيد الله بن زياد يوم الخازر، ثم كان مع مصعب بن الزبير، فكان من أكبر أمرائه، وقتل معه سنة اثنتين وسبعين.

2 -

ع:‌

‌ الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين

، أبو بحر التميمي الذي يضرب به المثل في الحلم.

من كبار التابعين وأشرافهم، اسمه الضحاك، ويقال: صخر، وغلب عليه الأحنف لاعوجاج رجليه، وكان سيدا مطاعا في قومه، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ووفد على عمر.

وحدث عن: عمر، وعثمان، وعلي، وأبي ذر، والعباس، وابن مسعود.

روى عنه: الحسن البصري، وعمرو بن جاوان، وعروة بن الزبير، وطلق بن حبيب، وعبد الله بن عميرة، ويزيد بن عبد الله بن الشخير، وخليد العصري.

وكان من أمراء علي يوم صفين.

قال ابن سعد: كان الأحنف ثقة مأمونا قليل الحديث، وكان صديقا لمصعب بن الزبير، فوفد عليه إلى الكوفة، فتوفي عنده.

قال سليمان بن أبي شيخ: كان أحنف الرجلين جميعا، ولم يكن له إلا بيضة واحدة.

ص: 779

قال: وكان اسمه صخر بن قيس أحد بني سعد، وأمه امرأة من باهلة، فكانت ترقصه وتقول: والله لولا حنف برجله وقلة أخافها من نسله ما كان في فتيانكم من مثله.

وقال المرزباني: قيل: إن اسمه الحارث، وقيل: حصين.

وقال أبو أحمد الحاكم: هو افتتح مرو الروذ، وكان الحسن، وابن سيرين في جيشه ذلك.

وقال علي بن زيد، عن الحسن، عن الأحنف، قال: بينا أنا أطوف في زمن عثمان إذ لقيني رجل من بني ليث، فقال: ألا أبشرك؟ قلت: بلى، قال: أما تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومك بني سعد أدعوهم إلى الإسلام، فجعلت أخبرهم وأعرض عليهم، فقلت: إنه يدعو إلى خير، وما أسمع إلا حسنا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم اغفر للأحنف، وكان الأحنف يقول: فما شيء أرجى عندي من ذلك. رواه أحمد في مسنده. والبخاري في تاريخه.

وقال علي بن زيد، عن الحسن، عن الأحنف، قال: قدمت على عمر فاحتبسني عنده حولا، فقال: يا أحنف، إني قد بلوتك وخبرتك فرأيت علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، وإنا كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم.

وقال العلاء بن الفضل بن أبي سوية: حدثنا العلاء بن جرير، قال: حدثني عمر بن مصعب بن الزبير، عن عمه عروة، قال: دثني الأحنف بن قيس أنه قدم على عمر بفتح تستر، فقال: يا أمير المؤمنين، قد فتح الله عليك تستر، وهي من أرض البصرة، فقال رجل من المهاجرين: يا أمير،

ص: 780

قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا كل منافق عليم، فخشيت أن تكون منهم، فاحمد الله يا أحنف.

قلت: وكان الأحنف فصيحا مفوها.

قال أحمد العجلي: هو بصري ثقة، وكان سيد قومه، وكان أعور أحنف، دميما قصيرا كوسجا، له بيضة واحدة، حبسه عمر عنده سنة يختبره، فقال عمر: هذا والله السيد.

قلت: ذهبت عينه بسمرقند؛ ذكره الهيثم.

وقال معمر، عن قتادة قال: خطب الأحنف عند عمر، فأعجبه منطقه، فقال: كنت أخشى أن تكون منافقا عالما، وأرجو أن تكون مؤمنا، فانحدر إلى مصرك.

قلت: مصره هي البصرة.

وعن الأحنف قال: ما كذبت منذ أسلمت إلا مرة، سألني عمر عن ثوب بكم أخذته؟ فأسقطت ثلثي الثمن.

وقال خليفة: توجه ابن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الأحنف.

وقال ابن سيرين: كان الأحنف يحمل، يعني في قتال أهل خراسان، ويقول: إن على كل رئيس حقا أن يخضب الصعدة أو يندقا قال: وسار الأحنف إلى مرو الروذ، ومنها إلى بلخ، فصالحوه على أربع مائة ألف، ثم أتى الأحنف خوارزم، فلم يطقها، فرجع.

وقال ابن إسحاق: خرج ابن عامر من خراسان قد أحرم من نيسابور بعمرة، وخلف على خراسان الأحنف، فجمع أهل خراسان جمعا كبيرا،

ص: 781

واجتمعوا بمرو، فقاتلهم الأحنف فهزمهم وقتلهم، وكان جمعا لم يجتمع مثله قط.

وقال أيوب السختياني، عن محمد، قال: نبئت أن عمر ذكر بني تميم فذمهم، فقام الأحنف فقال: إنك ذكرت بني تميم فعممتهم بالذم، وإنما هم من الناس، فيهم الصالح والطالح، فقال: صدقت، فقام الحتات، وكان يناوئه، فقال: يا أمير المؤمنين، ائذن لي فلأتكلم، قال: اجلس، فقد كفاكم سيدكم الأحنف.

وقال علي بن زيد، عن الحسن، قال: وكتب عمر إلى أبي موسى: ائذن للأحنف، وشاوره، واسمع منه.

وقال الحسن البصري: ما رأيت شريف قوم كان أفضل من الأحنف.

وقال خالد بن صفوان: كان الأحنف يفر من الشرف، والشرف يتبعه.

وقال والد حماد بن زيد: قيل للأحنف: إنك شيخ كبير، وإن الصيام يضعفك، قال: إني أعده لسفر طويل.

وقال حماد بن زيد: حدثني زريق بن رديح، عن سلمة بن منصور، عن رجل قال: كان الأحنف عامة صلاته بالليل، وكان يضع إصبعه على السراج فيقول: حس، ثم يقول: يا أحنف ما حملك على أن صنعت كذا وكذا يوم كذا وكذا.

غيره يقول: ابن ذريح.

وقال أبو كعب صاحب الحرير: حدثنا أبو الأصفر، أن الأحنف أصابته جنابة في ليلة باردة، فلم يوقظ غلمانه، وذهب يطلب الماء، فوجد ثلجا فكسره واغتسل.

وقال مروان الأصفر: سمعت الأحنف يقول: اللهم إن تغفر لي فأنت أهل ذاك، وإن تعذبني فأنا أهل ذاك.

ص: 782

وقال جرير، عن مغيرة: قال الأحنف: ذهبت عيني من أربعين سنة، ما شكوتها إلى أحد.

ويروى أنه وفد على معاوية، فقال: أنت الشاهر علينا سيفك يوم صفين والمخذل عن عائشة أم المؤمنين! فقال: لا تؤنبنا بما مضى منا، ولا ترد الأمور على أدبارها، فإن القلوب التي أبغضناك بها بين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها على عواتقنا، في كلام غيره، فقيل: إنه لما خرج قالت أخت معاوية: من هذا الذي يتهدد؟ قال: هذا الذي إن غضب غضب لغضبه مائة ألف من تميم، لا يدرون فيم غضب.

وقال ابن عون، عن الحسن، قال: ذكروا عند معاوية شيئا، والأحنف ساكت: فقال معاوية: يا أبا بحر، ما لك لا تتكلم؟ قال: أخشى الله إن كذبت، وأخشاكم إن صدقت.

وعن الأحنف قال: عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين، كيف يتكبر.

وقال سليمان التيمي: قال الأحنف: ما أتيت باب هؤلاء إلا أن أدعى، ولا دخلت بين اثنين حتى يدخلاني بينهما، ولا ذكرت أحدا بعد أن يقوم من عندي إلا بخير.

وعن الأحنف، قال: ما نازعني أحد فكان فوقي إلا عرفت له قدره، ولا كان دوني إلا رفعت قدري عنه، ولا كان مثلي إلا تفضلت عليه.

وقال ابن عون، عن الحسن، قال الأحنف: لست بحليم، ولكني أتحالم.

وبلغنا أن رجلا قال للأحنف: لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا، فقال له: لكنك لئن قلت عشرا لم تسمع واحدة.

وإن رجلا قال له: بم سدت قومك؟ قال: بتركي من أمرك ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك.

وعنه قال: ما ينبغي للأمير أن يغضب؛ لأن الغضب في القدرة لقاح السيف والندامة.

وقال الأصمعي: قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة مع مصعب، فما رأيت خصلة تذم إلا رأيتها فيه، كان ضئيلا، صغير

ص: 783

الرأس، متراكب الأسنان، مائل الذقن، ناتئ الوجه، باخق العينين، خفيف العارضين، أحنف الرجل، فكان إذا تكلم جلا عن نفسه.

باخق: منخسف العين.

وقال ابن الأعرابي: الأحنف الذي يمشي على ظهر قدميه.

وقال غيره: هو أن تقبل كل رجل على صاحبتها.

وللأحنف أشياء مفيدة أورد الحافظ ابن عساكر جملة منها.

وكان زياد ابن أبيه كثير الرعاية للأحنف، فلما ولي بعده ابنه عبيد الله تغيرت حال الأحنف عند عبيد الله، وصار يقدم عليه من دونه، ثم إنه وفد على معاوية بأشراف أهل العراق، فقال لعبيد الله: أدخلهم على قدر مراتبهم، فكان في آخرهم الأحنف، فلما رآه معاوية أكرمه لمكان سيادته، وقال له: يا أبا بحر إلي، وأجلسه معه، وأقبل عليه، وأعرض عنهم، فأخذوا في شكر عبيد الله، وسكت الأحنف، فقال معاوية له: لم لا تتكلم؟ قال: إن تكلمت خالفتهم، فقال: اشهدوا أني قد عزلت عبيد الله، فلما خرجوا كان فيهم من يروم الإمارة، ثم أتوا معاوية بعد ثلاث، وذكر كل واحد شخصا، وتنازعوا، فقال معاوية: ما تقول يا أبا بحر؟ قال: إن وليت أحدا من أهل بيتك لم تجد من يسد مسد عبيد الله، قال: قد أعدته، فلما خرجوا خلا معاوية بعبيد الله وقال: كيف ضيعت مثل هذا الرجل الذي عزلك وأعادك وهو ساكت؟! فلما عاد عبيد الله إلى العراق، جعل الأحنف خاصته وصاحب سره.

وقال عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك، عن أبي شريح المعافري، عن عبد الرحمن بن عمارة بن عقبة قال: حضرت جنازة الأحنف بالكوفة، فكنت فيمن نزل قبره، فلما سويته رأيته قد فسح له مد بصري، فأخبرت بذلك أصحابي، فلم يروا ما رأيت؛ رواها ابن يونس في تاريخ مصر.

ص: 784

توفي الأحنف سنة سبع وستين في قول يعقوب الفسوي.

وقال غيره: توفي سنة إحدى وسبعين.

وقال غير واحد: توفي في إمرة مصعب على العراق، ولم يعينوا سنة، رحمه الله.

3 -

ع:‌

‌ أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله ذات النطاقين

، آخر المهاجرين والمهاجرات وفاة، وأمها قتيلة بنت عبد العزى العامرية.

لها عدة أحاديث، روى عنها عبد الله، وعروة ابنا الزبير، وابناهما عباد، وعبد الله، ومولاها عبد الله، وابن عباس، وأبو واقد الليثي، وتوفيا قبلها، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، وعباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، وابن أبي مليكة، وأبو نوفل معاوية بن أبي عقرب، ووهب بن كيسان، والمطلب بن عبد الله، ومحمد بن المنكدر، وصفية بنت شيبة.

وشهدت اليرموك مع ابنها عبد الله وزوجها، وهي وابنها وأبوها وجدها صحابيون.

روى شعبة، عن مسلم القري، قال: دخلنا على أم ابن الزبير، فإذا هي امرأة ضخمة عمياء، نسألها عن متعة الحج، فقالت: قد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها.

قال ابن أبي الزاد: كانت أكبر من عائشة بعشر سنين، قلت: فعمرها على هذا إحدى وتسعون سنة.

وأما هشام بن عروة فقال: عاشت مائة سنة ولم يسقط لها سن.

وقال ابن أبي مليكة: كانت أسماء تصدع فتضع يدها على رأسها، فتقول: بذنبي وما يغفره الله أكثر.

وقال هشام بن عروة: أخبرني أبي، عن أسماء قالت: تزوجني الزبير، وما له شيء غير فرسه، فكنت أعلفه وأسوسه، وأدق النوى لناضحه، وأعلفه،

ص: 785

وأستقي، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، فكان يخبز لي جارات من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي على ثلثي فرسخ، فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جماعة، فدعاني فقال: إخ إخ، ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، فمضى، فلما أتيت أخبرت الزبير، فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني.

وقال إبراهيم بن المنذر: حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام بن عروة قال: ضرب الزبير أسماء، فصاحت لعبد الله بن الزبير، فأقبل، فلما رآه قال: أمك طالق إن دخلت! قال: أتجعل أمي عرضة ليمينك، فاقتحم عليه وخلصها، فبانت منه.

وقال حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، إن الزبير طلق أسماء، فأخذ عروة وهو يومئذ صغير.

وقال أسامة بن زيد، عن ابن المنكدر قال: كانت أسماء سخية النفس.

وقال أبو معاوية: حدثنا هشام، عن فاطمة بنت المنذر قالت: قالت أسماء: يا بناتي تصدقن ولا تنتظرن الفضل، فإنكن إن انتظرتن الفضل لن تجدنه، وإن تصدقن لم تجدن فقده.

وقال علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن القاسم بن محمد، قال: سمعت ابن الزبير يقول: ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة وأسماء، وجودهما مختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء فكانت لا تدخر شيئا لغد.

قال ميمون بن مهران: كانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط تحت

ص: 786

الزبير، وكانت فيه شدة على النساء، وكانت له كارهة تسأل الطلاق، فطلقها واحدة، وقال: لا ترجع إلي أبدا.

وقال أيوب، عن نافع، وسعد بن إبراهيم: إن عبد الرحمن بن عوف طلقها ثلاثا، يعني لتماضر، فورثها عثمان منه بعد انقضاء العدة، ثم قال سعد: وكان أبو سلمة أمه تماضر بنت الأصبغ.

وروى عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن تماضر، حين طلقها الزبير بن العوام، وكان أقام عندها سبعا، ثم لم ينشب أن طلقها.

وقال مصعب بن سعد: فرض عمر ألفا ألفا للمهاجرات، منهن أم عبد، وأسماء.

وقالت فاطمة بنت المنذر: إن جدتها أسماء كانت تمرض المرضة، فتعتق كل مملوك لها.

وقال الواقدي: كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا، أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر، وأخذت عن أبيها.

وقال الواقدي: حدثنا موسى بن يعقوب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي ربيعة، عن أمه: إن أسماء كانت تقول وابن الزبير يقاتل الحجاج: لمن كانت الدولة اليوم؟ فيقال لها: للحجاج، فتقول: ربما أمر الباطل، فإذا قيل لها: كانت لعبد الله، تقول: اللهم انصر أهل طاعتك ومن غضب لك.

وقال هشام بن عروة، عن أبيه، قال: دخلت على أسماء أنا وعبد الله، قبل أن يقتل بعشر ليال، وإنها لوجعة، فقال لها عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت: وجعة، قال: إن في الموت لعافية، قالت: لعلك تشتهي موتي، فلا تفعل، وضحكت، وقالت: والله ما أشتهي أن أموت حتى يأتي علي أحد طرفيك، إما أن تقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقر عيني، وإياك أن تعرض علي خطة فلا توافق، فتقبلها كراهية الموت.

إسحاق الأزرق، عن عوف الأعرابي، عن أبي الصديق الناجي، أن الحجاج دخل على أسماء فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم، قالت: كذبت، كان برا بوالديه، صواما قواما، ولكن قد

ص: 787

أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج من ثقيف كذابان، الآخر منهما شر من الأول، وهو مبير، إسناده قوي.

وقال ابن عيينة: حدثنا أبو المحياة، عن أمه قالت: لما قتل الحجاج ابن الزبير دخل على أمه أسماء وقال لها: يا أمه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟ فقالت: لست لك بأم، ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن أحدثك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في ثقيف كذاب ومبير، فأما الكذاب، فقد رأيناه - تعني: المختار بن أبي عبيد -، وأما المبير فأنت، فقال لها: مبير المنافقين.

أبو المحياه هو يحيى بن يعلى التيمي.

وقال يزيد بن هارون: حدثنا الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، أن الحجاج لما قتل ابن الزبير صلبه، وأرسل إلى أمه أن تأتيه، فأبت، فأرسل إليها لتأتين أو لأبعثن من يسحبك بقرونك، فأرسلت إليه: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، فلما رأى ذلك أتى إليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعبد الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، وقد بلغني أنك كنت تعيره بابن ذات النطاقين، وذكرت الحديث، فانصرف ولم يراجعها.

وقال حميد بن زنجوية: حدثنا ابن أبي عباد، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه قالت: قيل لابن عمر: إن أسماء في ناحية المسجد، وذلك حين قتل ابن الزبير وهو مصلوب، فمال إليها، فقال: إن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله، فاتقي الله، وعليك بالصبر، فقالت: وما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.

ص: 788

رواه حرملة بن يحيى، عن سفيان.

ابن المبارك: أخبرنا مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى على بنتها أسماء بنت أبي بكر، وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية، بهدايا؛ زبيب وسمن وقرظ، فأبت أن تقبل هديتها، وأرسلت إلى عائشة: سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لتدخلها وتقبل هديتها. ونزلت {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الآية.

شريك، عن الركين بن الربيع، قال: دخلت على أسماء بنت أبي بكر وهي كبيرة عمياء، فوجدتها تصلي، وعندها إنسان يلقنها: قومي اقعدي افعلي.

وقال ابن أبي مليكة: دخلت على أسماء، فقالت: بلغني أن هذا صلب ابن الزبير، اللهم لا تمتني حتى أوتى به فأحنطه وأكفنه، فأتيت به بعد ذلك قبل موتها، فجعلت تحنطه بيدها وتكفنه بعد ما ذهب بصرها.

قال ابن سعد: ماتت أسماء بعد وفاة ابنها بليال.

ويروى عن ابن أبي مليكة قال: كفنته وصلت عليه، وما أتت عليها جمعة حتى ماتت.

4 -

ع:‌

‌ الأسود بن يزيد بن قيس النخعي

، الفقيه أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الرحمن، أخو عبد الرحمن، ووالد عبد الرحمن، وابن أخي علقمة بن قيس، وخال إبراهيم بن زيد النخعي، وكان أسن من علقمة.

روى عن: معاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وبلال، وحذيفة، وأبي موسى الأشعري، وعائشة، وقرأ القرآن على عبد الله.

روى عنه: ابنه، وأخوه، وابن أخته إبراهيم، وعمارة بن عمير، وأبو إسحاق السبيعي، وخلق، وقرأ

ص: 789

عليه القرآن يحيى بن وثاب، وإبراهيم النخعي، وأبو إسحاق.

وكان من العبادة والحج على أمر كبير؛ فروى شعبة، عن أبي إسحاق قال: حج الأسود ثمانين من بين حجة وعمرة.

وقال ابن عون: سئل الشعبي، عن الأسود بن يزيد، فقال: كان صواما قواما حجاجا.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الله بن صندل، قال: حدثنا فضيل بن عياض، عن ميمون، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال.

وقال يحيى بن سعيد القطان: حدثنا يزيد بن عطاء، عن علقمة بن مرثد قال: كان الأسود يجتهد في العبادة؛ يصوم حتى يخضر ويصفر، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: ما لي لا أجزع، والله لو أتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين آخر الذنب الصغير، فيعفو عنه، فلا يزال مستحييا منه.

شعبة، عن الحكم، قال: كان الأسود يصوم الدهر.

حماد عن إبراهيم، قال: إن كان الأسود ليصوم حتى يسود لسانه من الحر.

منصور، عن إبراهيم: كان الأسود يحرم من بيته.

أشعث بن أبي الشعثاء، قال: رأيت الأسود، وعمرو بن ميمون أهلا من الكوفة.

وقال إسماعيل بن أبي خالد: رأيت الأسود وعليه عمامة سوداء.

وقال الحسن بن عبيد الله: رأيت الأسود يسجد في برنس طيالسة.

في وفاته أقوال، أحدها سنة خمس وسبعين.

ص: 790

5 -

ع:‌

‌ أسلم مولى عمر بن الخطاب العدوي

، أبو زيد، ويقال: أبو خالد، من سبي عين التمر. وقيل: حبشي. وقيل: من سبي اليمن.

وقد اشتراه عمر بمكة لما حج بالناس سنة إحدى عشر في خلافة الصديق.

وقال الواقدي: سمعت أسامة بن زيد بن أسلم يقول: نحن قوم من الأشعريين، ولكنا لا ننكر منة عمر رضي الله عنه.

سمع أبا بكر، وعمر، وعثمان، ومعاذا، وأبا عبيدة، وابن عمر، وكعب الأحبار.

روى عنه: ابنه زيد، والقاسم بن محمد، ومسلم بن جندب، ونافع مولى ابن عمر.

قال الزهري، عن القاسم، عن أسلم قال: قدمنا الجابية مع عمر، فأتينا بالطلاء، وهو مثل عقيد الرب.

وقال الواقدي: حج عمر بالناس سنة إحدى عشرة، فابتاع فيها أسلم.

وقال الواقدي أيضا: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: اشتراني عمر سنة اثنتي عشرة، وهي السنة التي قدم فيها بالأشعث بن قيس أسيرا، فأنا أنظر إليه في الحديد يكلم أبا بكر، وهو يقول له: فعلت وفعلت، حتى كان آخر ذلك أسمع الأشعث يقول: يا خليفة رسول الله استبقني لحربك، وزوجني أختك، فمن عليه أبو بكر وزوجه أخته أم فروة، فولدت له محمد بن الأشعث.

وقال جويرية، عن نافع: حدثني أسلم مولى عمر الأسود الحبشي: والله وما أريد عيبه.

وعن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال ابن عمر: يا أبا خالد، إني أرى أمير المؤمنين يلزمك لزوما لا يلزمه أحدا من أصحابك، لا يخرج سفرا إلا وأنت معه، فأخبرني عنه، قال: لم يكن أولى القوم بالظل، وكان يرحل

ص: 791

رواحلنا ويرحل رحله وحده، ولقد فزعنا ذات ليلة وقد رحل رحالنا وهو يرحل رحله ويرتجز:

لا يأخذ الليل عليك بالهم والبس له القميص واعتم وكن شريك رافع وأسلم واخدم الأقوام حتى تخدم رواه القعنبي، عن يعقوب بن حماد، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه.

قال أبو عبيد: توفي أسلم سنة ثمانين.

6 -

4:‌

‌ أميمة بنت رقيقة

، واسم أبيها عبد بن بجاد التيمي، وهي بنت أخت خديجة بنت خويلد لأمها.

عدادها في صحابيات أهل المدينة.

روى عنها: ابنتها حكيمة، وعبد الله بن عمرو، ومحمد بن المنكدر، وصرح ابن المنكدر بأنه سمع منها، وبأنها بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث في الموطأ.

7 -

م 4:‌

‌ أوس بن ضمعج الكوفي العابد

.

ثقة كبير مخضرم.

روى عن: سلمان الفارسي، وأبي مسعود البدري الأنصاري، وعائشة.

روى عنه: إسماعيل بن رجاء، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وإسماعيل بن أبي خالد.

توفي سنة ثلاث أو أربع وسبعين.

8 -

خ د ت ن:‌

‌ بجالة بن عبدة التميمي البصري

، كاتب جزء بن معاوية، عم الأحنف بن قيس.

روى عن: عبد الرحمن بن عوف، وابن عباس، وقال: جاءنا كتاب عمر

ص: 792

رضي الله عنه.

روى عنه: الزبير بن الخريت، ويعلى بن حكيم، وطالب بن السميدع، ووفد على يزيد بن معاوية.

9 -

ع:‌

‌ البراء بن عازب بن الحارث أبو عمارة الأنصاري الحارثي المدني

، نزيل الكوفة.

صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، وعن أبي بكر، وغيره.

روى عنه أبو جحيفة السوائي، وعبد الله بن يزيد الخطمي، الصحابيان، وعدي بن ثابت، وسعد بن عبيدة، وأبو عمر زاذان، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون.

واستصغر يوم بدر، وشهد غير غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أبو إسحاق، عن البراء: استصغرني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فردني، وغزوت معه خمس عشرة غزوة، وما قدم علينا المدينة حتى قرأت سورا من المفصل.

شعبة وجماعة، عن أبي السفر: رأيت على البراء خاتم ذهب.

وقال البراء: كنت أنا وابن عمر لدة.

توفي سنة اثنتين وسبعين، وقيل: سنة إحدى وسبعين.

10 -

د ت ن:‌

‌ بسر بن أبي أرطاة عمير بن عويمر بن عمران

، ويقال: بسر بن أرطاة، أبو عبد الرحمن العامري القرشي، نزيل دمشق.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين، وهما: اللهم أحسن عاقبتنا، وحديث: لا تقطع الأيدي في الغزو.

روى عنه: جنادة بن أبي أمية، وأيوب بن ميسرة، وأبو راشد الحبراني، وغيرهم.

قال الواقدي: ولد قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين.

ص: 793

وقال ابن يونس المصري: كان صحابيا شهد فتح مصر، وله بها دار وحمام، وكان من شيعة معاوية، وولي الحجاز واليمن له، ففعل أفعالا قبيحة، وسوس في آخر أيامه.

قلت: وكان أميرا سريا بطلا شجاعا فاتكا، ساق ابن عساكر أخباره في تاريخه، فمن أخبث أخباره التي ما عملها الحجاج، على أن الصحيح أن بسرا لا صحبة له.

قال الواقدي، وأحمد بن حنبل، وابن معين: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وبسر صغير.

قال موسى بن عبيدة: حدثنا زيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة، عن أبي الزيات وآخر، سمعا أبا ذر يتعوذ من يوم العورة، قال زيد: فقتل عثمان، ثم أرسل معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن، فسبى نساء مسلمات، فأقمن في السوق.

وقال ابن إسحاق: قتل بسر عبد الرحمن، وقثم ولدي عبيد الله بن عباس باليمن.

وروى ابن سعد، عن الواقدي، عن داود بن جسرة، عن عطاء بن أبي مروان قال: بعث معاوية بسر بن أبي أرطاة إلى الحجاز واليمن، فقتل من كان في طاعة علي، فأقام بالمدينة شهرا لا يقال له: هذا ممن أعان على قتل عثمان، إلا قتله.

وكان عبيد الله على اليمن، فمضى بسر إليها فقتل ولدي عبيد الله، وقتل عمرو بن أراكة الثقفي، وقتل من همدان أكثر من مائتين، وقتل من الأبناء طائفة، وذلك بعد قتل علي، وبقي إلى خلافة عبد الملك.

ويروى عن الشعبي؛ أن بسرا هدم بالمدينة دورا كثيرة، وصعد المنبر وصاح: يا دينار، يا رزيق شيخ سمح عهدته هاهنا بالأمس، ما فعل؟ يعني عثمان، يا أهل المدينة لولا عهد أمير المؤمنين ما تركت بها محتلما إلا

ص: 794

قتلته، ثم مضى إلى اليمن، فقتل بها ابني عبيد الله بن عباس، صبيين مليحين، فهامت أمهما بهما.

قلت: وقالت فيهما أبيات سائرة، وبقيت تقف للناس مكشوفة الوجه، وتنشد في الموسم منها:

ها من أحس بابني الذين هما كالدرتين تجلى عنهما الصدف

11 -

‌ بشر بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي

.

كان سمحا جوادا ممدحا، ولي إمرة العراقين لأخيه عبد الملك، وله دار بدمشق عند عقبة الكتان، وجمع له أخوه إمرة العراقين.

فعن الضحاك العتابي قال: خرج أيمن بن خريم إلى بشر بن مروان، فقدم فرأى الناس يدخلون عليه بلا استئذان، فقال: من يؤذن الأمير بنا؟ قالوا: ليس عليه حجاب، فأنشأ يقول:

يرى بارزا للناس بشر كأنه إذا لاذ في أثوابه قمر بدر بعيد مرآة العين ما رد طرفه حذار الغواشي رجع باب ولا ستر ولو شاء بشر أغلق الباب دونه طماطم سود أو صقالبة حمر ولكن بشرا يسر الباب للتي يكون له في جنبها الحمد والشكر فقال: تحتجب الحرم، وأجزل صلته.

وقال أبو مسهر: حدثنا الحكم بن هشام، قال: ولى عبد الملك أخاه بشرا على العراقين، فكتب إليه حين وصله الخبر: يا أمير المؤمنين، إنك قد شغلت إحدى يدي، وهي اليسرى، وبقيت الأخرى فارغة، فكتب إليه بولاية الحجاز واليمن، فما بلغه الكتاب حتى وقعت القرحة في يمينه، فقيل له: نقطعها من مفصل الكف، فجزع، فما أمسى حتى بلغت المرفق، ثم

ص: 795

أصبح وقد بلغت الكتف، وأمسى وقد خالطت الجوف، فكتب إليه: أما بعد، فإني كتبت إليك يا أمير المؤمنين، وأنا في أول يوم من أيام الآخرة، قال: فجزع عليه عبد الملك، وأمر الشعراء فرثوه.

وقال علي بن زيد بن جدعان: قال الحسن: قدم علينا بشر بن مروان البصرة وهو أبيض بض، أخو خليفة، وابن خليفة، فأتيت داره، فلما نظر إلي الحاجب قال: من أنت؟ قلت: الحسن البصري، قال: ادخل، وإياك أن تطيل الحديث ولا تمله، فدخلت فإذا هو على سرير عليه فرش قد كاد أن يغوص فيها، ورجل متكئ على سيفه قائم على رأسه، فسلمت، فقال: من أنت؟ قلت: الحسن البصري، فأجلسني، ثم قال: ما تقول في زكاة أموالنا، ندفعها إلي السلطان أم إلى الفقراء؟ قلت: أي ذلك فعلت أجزأ عنك، فتبسم، ثم رفع رأسه إلى الذي على رأسه، فقال: لشيء ما يسود من يسود، ثم عدت إليه من العشي، وإذا هو قد انحدر من سريره إلى أسفل وهو يتململ، والأطباء حوله، ثم عدت من الغد والناعية تنعاه، والدواب قد جزوا نواصيها، ودفن في جانب الصحراء. ووقف الفرزدق على قبره ورثاه بأبيات، فما بقي أحد إلا بكى.

قال خليفة: مات سنة خمس وسبعين، وهو أول أمير مات بالبصرة، توفي وعمره نيف وأربعون سنة.

12 -

‌ توبة بن الحمير صاحب ليلى الأخيلية

، أحد المتيمين.

وكان لا يرى ليلى إلا متبرقعة، وكان يشن الغارة على بني الحارث بن كعب، وكانت بين أرض بني عقيل وبني مهرة، فكمنوا له وقتلوه، فرثته ليلى الأخيلية بأبيات.

ومن شعره قوله:

فإن تمنعوا ليلى وحسن حديثها فلن تمنعوا مني البكا والقوافيا فهلا منعتم إذ منعتم كلامها خيالا يمسينا على النأي هاديا

ص: 796

لعمري لقد أسهرتني يا حمامة الـ ـعقيق وقد أبكيت من كان باكيا ذكرتك بالغور التهامي فأصعدت شجون الهوى حتى بلغن التراقيا وله شعر سائر جيد.

ذكر ترجمته ابن الجوزي تقريبا في حدود سنة ست وسبعين.

13 -

ع:‌

‌ ثابت بن الضحاك بن خليفة

، أبو زيد الأنصاري الأشهلي.

قال ابن سعد: توفي في فتنة ابن الزبير، وكان له ثمان سنين أو نحوها عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

روى عنه أبو قلابة الجرمي في الحلف بملة سوى الإسلام.

وفي البخاري: عن أبي قلابة، أن ثابت بن الضحاك أخبره أنه بايع تحت الشجرة، رواه البخاري بإسناد نازل.

وهذا يدل على أن ابن سعد غلط في عمره كما ترى.

14 -

ع:‌

‌ جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة

بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنو سلمة بطن من الخزرج.

روى الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن: أبي بكر، وعمر، ومعاذ، وأبي عبيدة، وخالد بن الوليد.

وقد روى عن أم كلثوم بنت الصديق، وهي تابعية.

روى عنه سعيد بن المسيب، ومجاهد، وعطاء، وأبو سلمة، وأبو جعفر الباقر، والحسن بن محمد ابن الحنفية، وسالم بن أبي الجعد،

ص: 797

والشعبي، وزيد بن أسلم، وأبو الزبير، وعاصم بن عمر بن قتادة، وسعيد بن ميناء، ومحارب بن دثار، وخلق سواهم.

فعن جابر قال: كنت في الجيش الذين مع خالد بن الوليد الذين أمد بهم أبو عبيدة وهو يحاصر دمشق.

قال عروة، وموسى بن عقبة: جابر بن عبد الله شهد العقبة.

وقال ابن سعد: شهد العقبة مع السبعين، وكان أصغرهم، وأراد شهود بدر، فخلفه أبوه على أخواته، وكن تسعا، وخلفه يوم أحد فاستشهد يومئذ، وكان أبوه عقبيا بدريا من النقباء.

وقال الثوري، عن جابر - يعني الجعفي -، عن الشعبي، عن جابر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وأخرجني خالي وأنا لا أستطيع أن أرمي الحجر.

وروي عن جابر قال: حملني خالي الجد بن قيس في السبعين الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار، فخرج إلينا ومعه عمه العباس.

وذكر البخاري، عن عمرو، عن جابر أنه شهد العقبة.

وفي مسند الحسن بن سفيان: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: كنت أمتح لأصحابي الماء يوم بدر.

قال الواقدي: هذا وهم من أهل العراق.

قلت: صدق، فإن زكريا بن إسحاق روى عن أبي الزبير، عن جابر،

ص: 798

قال: لم أشهد بدرا ولا أحدا، منعني أبي فلما قتل لم أتخلف عن غزوة. أخرجه مسلم.

ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: شهدنا بيعة العقبة سبعون رجلا، فوافينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعباس ممسك بيده.

وقال عمرو بن دينار: سمعت جابرا يقول: كنا يوم الحديبية ألفا وأربع مائة، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خير أهل الأرض.

وقال أبو عبيدة الحداد عبد الواحد بن واصل: حدثنا ليث بن كيسان، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي: هل تزوجت؟ قلت: نعم. قال: بكر أو ثيب؟ قلت: بل ثيب، قال: فهلا بكرا تضاحكها وتضاحكك؟ قلت: يا نبي الله إنها وإنها، وإنما أردت لتقوم على أخواتي، قال: أصبت أرشدك الله.

وبه عن جابر قال: استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمسا وعشرين مرة.

وقال حماد بن سلمة: عن أبي الزبير، عن جابر، قال: استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين مرة. صححه الترمذي.

قلت: بعير جابر له طرق كثيرة.

وأخرج مسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يصعد ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل، فكان

ص: 799

أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج، وتتابع الناس، فقال: كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر، فقلنا: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم.

وقال ابن المنكدر: سمعت جابرا يقول: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدني لا أعقل، فتوضأ وصب علي من وضوئه، فعقلت.

وقال هشام بن عروة: رأيت لجابر بن عبد الله حلقة في المسجد يؤخذ عنه.

وقال ابن المنكدر: سمعت جابرا يقول: دخلت على الحجاج، فما سلمت عليه.

وقال زيد بن أسلم: إن جابرا كف بصره.

وقال الواقدي، عن أبي بن عباس بن سهل، عن أبيه قال: كنا بمنى، فجعلنا نخبر جابرا بما نرى من إظهار قطف الخز والوشي، يعني السلطان وما يصنعون، فقال: ليت سمعي قد ذهب كما ذهب بصري حتى لا أسمع من حديثهم شيئا ولا أبصره.

وروى الواقدي بإسناده أن جابرا دخل على عبد الملك لما حج، فرحب به، فكلمه في أهل المدينة أن يصل أرحامهم، فلما خرج أمر له بخمسة آلاف درهم، فقبلها.

وقال محمد بن عباد المكي: حدثنا حنظلة بن عمرو الأنصاري، عن أبي الحويرث قال: هلك جابر بن عبد الله، فحضرنا في بني سلمة، فلما خرج سريره من حجرته إذا حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب بين عمودي السرير، فأمر به الحجاج أن يخرج من بين العمودين، فيأبى عليهم،

ص: 800

فسأله بنو جابر إلا خرج فخرج، وجاء الحجاج حتى وقف بين العمودين حتى وضع، فصلى عليه، ثم جاء إلى القبر، فإذا حسن بن حسن قد نزل في القبر، فأمر به الحجاج أن يخرج فأبى، فسأله بنو جابر بالله، فخرج، فاقتحم الحجاج الحفرة حتى فرغ منه.

هذا حديث منكر، فإن جابرا توفي والحجاج على إمرة العراق.

قال يحيى بن بكير، والواقدي، وغير واحد: توفي سنة ثمان وسبعين.

وقال أبو نعيم: توفي سنة سبع وسبعين، وقيل: إنه عاش أربعا وتسعين سنة.

15 -

م 4:‌

‌ جبير بن نفير بن مالك بن عامر

، أبو عبد الرحمن الحضرمي الحمصي.

أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى عن: أبي بكر، وعمر، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وأبي هريرة، وعائشة، وجماعة.

وروى عنه: ابنه عبد الرحمن، وسليم بن عامر، وأبو الزاهرية حدير بن كريب، ومكحول، وخالد بن معدان، وشرحبيل بن مسلم، وربيعة بن يزيد، وآخرون.

قال سليم بن عامر، عن جبير بن نفير قال: استقبلت الإسلام من أوله، فلم أزل أرى في الناس صالحا وطالحا.

وكان جبير من علماء أهل الشام.

قال بقية: حدثنا علي بن زبيد الخولاني، عن مرثد بن سمي، عن جبير بن نفير، أن يزيد بن معاوية كتب إلى أبيه أن جبير بن نفير قد نشر في مصري حديثا، فقد تركوا القرآن، قال: فبعث إلى جبير، فجاء فقرأ عليه كتاب يزيد، فعرف بعضه وأنكر بعضه، فقال معاوية: لأضربنك ضربا أدعك لمن بعدك نكالا، قال: يا معاوية، لا تطغ في، إن الدنيا قد انكسرت

ص: 801

عمادها، وانخسفت أوتادها، وأحبها أصحابها، قال: فجاء أبو الدرداء، فأخذ بيد جبير، وقال: لئن كان تكلم به جبير لقد تكلم به أبو الدرداء، ولو شاء جبير أن يخبر أنما سمعه مني لفعل.

هذا حديث منكر، جبير لم يكن له ذكر في أيام أبي الدرداء، بل كان شابا لم يؤخذ عنه بعد، وأخرى فيزيد كان صغيرا بمرة في أيام أبي الدرداء، ولعل بعضه قد جرى.

وقد روى جبير أيضا، عن: أبي مسلم الخولاني، وأم الدرداء، ومالك بن يخامر.

قال أبو عبيد، وأبو حسان الزيادي: توفي جبير بن نفير سنة خمس وسبعين.

وقال ابن سعد، وخليفة، وعلي بن عبد الله التميمي: توفي سنة ثمانين.

16 -

ع:‌

‌ جنادة بن أبي أمية الأزدي الدوسي

، واسم أبيه كبير، وله صحبة.

روى جنادة عن معاذ، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وعمر بن الخطاب، وبسر بن أرطاة.

روى عنه ابنه: سليمان، وبسر بن سعيد، ومجاهد، ورجاء بن حيوة، والصنابحي مع تقدمه، وأبو الخير مرثد اليزني، وعلي بن رباح، وعمير بن هانئ، وعبادة بن نسي، وآخرون.

وولي البحر لمعاوية، وشهد فتح مصر، وقد أدرك الجاهلية.

قال إبراهيم بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين، وقيل له: جنادة بن أبي أمية الذي روى عنه مجاهد له صحبة؟ قال: نعم، قلت: هو الذي يروي عن عبادة بن الصامت؟ قال: هو هو.

ص: 802

وعده ابن سعد، وأحمد بن عبد الله العجلي، وطائفة في تابعي أهل الشام، وهو الحق.

وله حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن صح فيكون مرسلا.

قال أبو سعيد بن يونس: توفي سنة ثمانين.

وقال المدائني: توفي سنة خمس وسبعين، وتابعه يحيى بن معين.

وقال الهيثم بن عدي: توفي سنة سبع وسبعين.

وقال علي بن عبد الله التميمي: توفي سنة ست وثمانين.

17 -

‌ جهيم العنزي

.

عن: عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وعمار بن ياسر، وسعد.

وعنه: أبو عون الثقفي، وحصين بن عبد الرحمن؛ ذكره ابن أبي حاتم. وقيل: اسمه جهم.

18 -

‌ الحارث بن الأزمع العبدي

، ويقال: الوادعي.

عن: عمر، وابن مسعود، وعمرو بن العاص.

وعنه: الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي؛ قاله أبو حاتم.

19 -

‌ الحارث بن سعيد الكذاب

الذي ادعى النبوة بالشام.

دمشقي، يقال: إنه مولى مروان بن الحكم.

فروى الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن حسان قال: كان الحارث الكذاب دمشقيا، وكان مولى لأبي الجلاس، وكان له أب بالحولة، وكان متعبدا زاهدا، لو لبس جبة من ذهب لرؤيت عليه زهادة، وكان إذا أخذ في التحميد لم يسمع السامعون إلى كلام أحسن من كلامه، فكتب إلى أبيه وهو بالحولة: يا أبتاه أعجل علي، فقد رأيت أشياء أتخوف أن يكون

ص: 803

الشيطان قد عرض لي، قال: فزاده أبوه غيا فكتب إليه: أقبل على ما أمرت به، إن الله يقول: تنزل الشياطين على كل أفاك أثيم، ولست بأفاك ولا أثيم.

وكان يجيء إلى أهل المسجد رجلا رجلا فيذاكرهم أمره، ويأخذ عليهم العهد والميثاق إن رأى ما يرضي قبل، وإلا كتم عليه، وكان يريهم الأعاجيب، يأتي رخامة في المسجد فينقرها بيده فتسبح، ويطعمهم فاكهة الصيف في الشتاء، ويقول: اخرجوا حتى أريكم الملائكة، فيخرجهم إلى دير مران فيريهم رجالا على خيل، فتبعه بشر كثير، وفشا الأمر في المسجد، وكثر أصحابه، فوصل الأمر إلى القاسم بن مخيمرة، قال: فعرض على القاسم وأخذ عليه العهد والميثاق، ثم قال: إني نبي، قال: كذبت يا عدو الله، ولا عهد لك عندي، قال: فقال له أبو إدريس الخولاني: بئس ما صنعت إذ لم تلن حتى تأخذه، الآن يفر، قال: وقام من مجلسه فدخل على عبد الملك بن مروان، فأعلمه بالأمر، وطلب فلم يقدروا عليه، وخرج عبد الملك فنزل الصنبرة واتهم عامة عسكره بالحارث أن يكونوا يرون رأيه، وأتى الحارث بيت المقدس مختفيا، وكان أصحابه يخرجون يلتمسون الرجال يدخلونهم عليه، وكان رجل من أهل البصرة قد أتى بيت المقدس، فأدخل عليه، فأخذ في التحميد، فسمع البصري كلاما حسنا، ثم أخبره بأمره وأنه نبي، فقال: إن كلامك حسن، ولكن في هذا نظر، ثم خرج، ثم عاد إليه، فأعاد عليه كلامه، فقال: قد وقع في قلبي كلامك، وقد آمنت بك، هذا الدين المستقيم، فأمر أن لا يحجب، فأقبل البصري يتردد إليه ويعرف مداخله وحيله وأين يهرب، حتى اختص به، ثم قال: ائذن لي، قال: إلى أين؟ قال: إلى البصرة أكون داعيا لك بها، فأذن له، فأسرع إلى عبد الملك وهو بالصنبرة، ثم صاح: النصيحة النصيحة، فأدخل وأخلي، فقال له: ما عندك؟ قال: الحارث. فلما ذكر الحارث طرح نفسه من سريره، وقال: أين هو؟ قال: ببيت المقدس يا أمير المؤمنين، وقص شأنه، قال: أنت صاحبه، وأنت أمير بيت المقدس، وأمير ما هاهنا، فمرني بما شئت، قال: ابعث معي أقواما لا يفقهون الكلام، فأمر أربعين رجلا من أهل

ص: 804

فرغانة، فقال: انطلقوا مع هذا فأطيعوه، وكتب إلى عامل بيت المقدس: إن فلانا أمير عليك فأطعه، فلما قدم أعطاه الكتاب، فقال: مرني بما شئت، فقال: اجمع لي إن قدرت كل شمعة ببيت المقدس، وادفع كل شمعة إلى رجل، ورتبهم على أزقة البلد، فإذا قلت أسرجوا، فأسرجوا جميعا، ففعل ذلك، وتقدم البصري وحده إلى منزل الحارث، فأتى الباب، فقال للحاجب: استأذن لي على نبي الله، فقال: في هذه الساعة ما نؤذن عليه حتى نصبح، قال: أعلمه أني إنما رجعت شوقا إليه قبل أن أصل، فدخل فأعلمه كلامه وأمره، قال: ففتح الباب، ثم صاح البصري أسرجوا، فأسرجت الشموع حتى كأنه النهار، ثم قال: من مر بكم فاضبطوه، ودخل كما هو إلى الموضع الذي يعرفه، فنظر فإذا هو لا يجده، فطلبه فلم يجده، فقال أصحابه: هيهات، تريدون أن تقتلوا نبي الله، قد رفع إلى السماء، قال: فطلبه في شق كان قد هيأه سربا، قال: فأدخل يده في ذلك الشق، فإذا بثوبه، فاجتره فأخرجه، ثم قال للفرغانيين: اضبطوا، فربطوه، قال: فبينا هم يسيرون به إذ قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} فقال أهل فرغانة: هذا كرآننا فهات كرآنك أنت، فسار به حتى أتى به عبد الملك، فأمر بخشبة فنصبت، وصلبه، وأمر رجلا بحربة فطعنه، فأصاب ضلعا من أضلاعه، فكفت الحربة، فجعل الناس يصيحون: الأنبياء لا يجوز فيهم السلاح، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين تناول ال ربة ومشى إليه فطعنه فأنفذه.

قال الوليد بن مسلم: فبلغني أن خالد بن يزيد بن معاوية دخل على عبد الملك، فقال: لو حضرتك ما أمرتك بقتله، قال: ولم! قال: كان به المذهب، فلو جوعته ذهب ذلك عنه.

قال الوليد، عن المنذر بن نافع أنه سمع خالد بن اللجلاج يقول لغيلان: ويحك يا غيلان، ألم نأخذك في شبيبتك ترامي النساء في شهر رمضان بالتفاح، ثم صرت حارثيا تحجب امرأته، وتزعم أنها أم المؤمنين، ثم صرت قدريا زنديقا؟

ص: 805

وقال موسى بن عامر: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا ابن جابر، قال: دخل القاسم بن مخيمرة على أبي إدريس، فقال: إن حارثا لقيني فأخذ عهدي لأسمعن منه، فإن قبلته قبلت وإن سخطته كتمت علي. فزعم أنه رسول الله، قلت: إنه أحد الدجالين الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الساعة لا تقوم حتى يخرج ثلاثون دجالون، كلهم يزعم أنه نبي، وهو أحدهم، فارفع شأنه إلى عبد الملك، فقال أبو إدريس: أسأت، أنذرته لو أدنيته إلينا حتى نأخذه، قال: ورفع أمره إلى عبد الملك فطلب وتغيب حارث، فأخذه عبد الملك فصلبه، فحدثني من سمع عتبة الأعور يقول: سمعت العلاء بن زياد يقول: ما غبطت عبد الملك بشيء من ولايته إلا بقتله حارثا.

وقال ضمرة بن ربيعة: حدثنا علي بن أبي حملة، قال: لما ظهر الحارث أتاه مكحول، وعبد الله بن أبي زكريا، وجعلا له الأمان، وسألاه عن أمره، فأخبرهما، فكذباه وردا عليه، وقالا: لا أمان لك، ثم أتيا عبد الملك فأخبراه، قال: وهرب الحارث حتى أتى بيت المقدس، فبعث في طلبه حتى أتي به فقتله.

وقال عبد الوهاب بن الضحاك العرضي: حدثنا شيخ يكنى أبا الربيع، وقد أدرك ناسا من القدماء قال: لما أخذ الحارث ببيت المقدس حمل على البريد، وجعلت في عنقه جامعة من حديد، فأشرف على عقبة بيت المقدس، فتلا:{قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} قال: فتقلقلت الجامعة ثم سقطت من يده ورقبته إلى الأرض، فوثب إليه الحرس فأعادوها، فلما أشرف على عقبة أخرى قرأ آية أخرى، فسقطت من رقبته ويده، فأعادوها عليه، فلما قدموا على عبد الملك حبسه، وأمر رجالا كانوا معه في السجن من أهل الفقه والعلم أن يعظوه ويخوفوه بالله، ويعلموه أن هذا من الشيطان، فأبى أن يقبل منهم، فأمر به فصلب، وطعنه رجل بحربة، فانثنت الحربة، فقال الناس: ما ينبغي لمثل هذا أن يقتل، ثم أتاه حرسي برمح فطعنه بين ضلعين من أضلاعه، ثم هزه فأنفذه، قال: وسمعت غير واحد ولا اثنين يقولون: إن الذي طعنه بالحربة فانثنت

ص: 806

قال له عبد الملك: أذكرت الله حين طعنته؟ قال: نسيت، أو قال: لا، قال: فاذكر الله ثم اطعنه، قال: فطعنه فأنفذها.

قيل: كان ذلك سنة تسع وسبعين.

20 -

ع:‌

‌ الحارث بن سويد التيمي الكوفي

.

روى عن عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم، وكان كبير القدر، رفيعا، ثقة نبيلا.

روى عنه إبراهيم التيمي، وعمارة بن عمير، وغيرهما.

كنيته أبو عائشة.

21 -

‌ حبة بن جوين العرني الكوفي

، أبو قدامة.

روى عن علي، وابن مسعود، وحذيفة.

وعنه مسلم الملائي، وسلمة بن كهيل، والحكم بن عتيبة.

وكان من شيعة علي، شهد معه النهروان.

ضعفه يحيى بن معين.

وقال النسائي: ليس بالقوي.

قال ابن سعد: توفي سنة ست وسبعين، وهو ضعيف له أحاديث.

22 -

‌ حسان بن كريب الرعيني

، أبو كريب.

مصري، شهد فتح مصر، وحدث عن: عمر، وعلي، وأبي ذر، وأبي مسعود البدري.

وعنه مرثد اليزني، وواهب بن عبد الله المعافري، وكعب بن علقمة، وعبد الله بن هبيرة السبئي، وآخرون.

روى يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد، عنه، عن علي قال: القائل

ص: 807

الفاحشة والذي يسمع في الإثم سواء؛ قاله البخاري في تاريخه، عن أبي موسى الزمن، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن يحيى بن أيوب عن يزيد.

23 -

‌ حسان بن النعمان الغساني

.

من أمراء عرب الشام، يقال: إنه ابن النعمان بن المنذر.

روى عن عمر.

ولاه عبد الملك بن مروان غزو المغرب في سنة بضع وسبعين.

روى عنه من المصريين أبو قبيل حي بن يؤمن. وكان غازيا مجاهدا، وكان له بدمشق دار.

قال خليفة في سنة سبع وخمسين: وجهه معاوية إلى إفريقية، فصالحه من يليه من البربر، ووضع عليهم خراج.

وفي سنة ثمان وسبعين قفل حسان من القيروان واستخلف سفيان بن مالك الثقفي وقدم على عبد الملك، فرده على إفريقية، وزاده أطرابلس.

وفي سنة ثمانين غزا حسان بأهل الشام البحر.

وقال في سنة أربع وسبعين: أغزى عبد الملك حسان بن النعمان المغرب، فبلغ القيروان، فبعثت الكاهنة ابنها، فطلب حسان، فهزمه وحصره حتى أكلوا الدواب، ثم حمل حسان والمسلمون فأفرجوا لهم، ونزل العسكر بقصور حسان، وكتب حسان إلى عبد العزيز بن مروان يستمده، فأمده بجيش عظيم، فسار إلى الكاهنة، وجرت بينهم حروب، ثم قتلت الكاهنة وابنها. وافتتح حسان عدة حصون، وصالح أهل إفريقية

ص: 808

والبربر، وافتتح فاس، ومَصَّر القيروان.

قال أبو سعيد بن يونس: توفي حسان بأرض الروم سنة ثمانين.

24 -

4:‌

‌ حارثة بن مضرب العبدي الكوفي

.

عن علي، وعمار، وابن مسعود، وسلمان.

وعنه أبو إسحاق السبيعي.

قال أحمد بن حنبل: حسن الحديث.

25 -

ع:‌

‌ حارثة بن وهب الخزاعي

، أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه، وأمهما أم كلثوم بنت جرول الخزاعية.

له صحبة ورواية، نزل الكوفة.

وروى أيضا عن حفصة عمة أخيه.

وعنه معبد بن خالد، وأبو إسحاق، والمسيب بن رافع.

26 -

م 4:‌

‌ حطان بن عبد الله الرقاشي البصري

. ثقة مشهور.

روى عن علي بن أبي طالب، وأبي موسى، وأبي الدرداء، وعبادة.

وعنه أبو مجلز لاحق، ويونس بن جبير، والحسن البصري، وغيرهم. وقد قرأ القرآن على أبي موسى.

قرأ عليه: الحسن.

وثقه ابن المديني.

27 -

ع:‌

‌ حمران بن أبان

.

من سبي عين التمر، كان للمسيب بن نجبة، فابتاعه منه عثمان رضي الله عنه وأعتقه.

سكن البصرة، وحدث عن عثمان، وابن عمر، ومعاوية.

روى عنه عروة، وأبو سلمة، وجامع بن شداد، والحسن البصري، ونافع مولى ابن عمر، ومحمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم، وبكر بن عبد الله بن الأشج، وبيان بن بشر، وآخرون.

وكانت له بدمشق دار.

ص: 809

وعن قتادة قال: كان عثمان يصلي بالناس، فإذا أخطأ فتح عليه حمران.

وقال الأصمعي: قال أبو عاصم: حدثني رجل من ولد عبد الله بن عامر قال: حدثني أبي، أن حمران بن أبان مد رجله، فابتدره معاوية وعبد الله بن عامر لكي يغمزانه، وكان الحجاج قد أغرم حمران مائة ألف، فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان، فكتب إليه: إن حمران أخو من مضى وعم من بقي، فاردد عليه ما أخذت منه، فدعا بحمران، فقال: كم أغرمناك؟ قال: مائة ألف، فبعث بها إليه مع غلمان، فقال: هي لك مع الغلمان، وقسمها حمران بين أصحابه، وأعتق الغلمان، وإنما أغرمه الحجاج أنه كان ولي بعض كور بسابور.

وعن الزهري، قال: كان عثمان يأذن عليه مولاه حمران.

وقال يحيى بن بكير: حدثنا الليث أن عثمان اشتكى شكاة، فخاف فأوصى، واستخلف عبد الرحمن بن عوف، وكان عبد الرحمن في الحج، وكان الذي ولي كتابه حمران، فاستكتمه وعوفي، وقدم عبد الرحمن، فلقيه حمران فأخبره، فقال: أيش فعلت لا بد أن أخبره، قال: إذا والله يهلكني، فقال: والله ما يسعني ترك ذلك لئلا يأمنك على مثلها، ولكن لا أفعل حتى أستأمنه لك فأخبره، فدعا به عثمان فقال: إن شئت جلدتك مائة، وإن شئت فاخرج عني، فاختار الخروج، فخرج إلى الكوفة.

وقال خليفة: مات بعد سنة خمس وسبعين.

28 -

م د ت ق:‌

‌ حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة التيمي

.

روت عن أبيها، وعمتها عائشة، وأم سلمة.

روى عنها عراك بن

ص: 810

مالك، ويوسف بن ماهك، وعبد الرحمن بن سابط.

29 -

‌ حنظلة أبو خلدة

.

بصري قديم، روى عن: عمر، وعلي، وابن مسعود، وعمار.

وعنه سوادة بن أبي الأسود، وجويرية بن بشير، وأبو ثمامة محمد بن مسلم؛ ذكره ابن أبي حاتم، وغيره.

30 -

‌ حيان بن حصين أبو الهياج الأسدي والد منصور

.

سمع: عليا، وعمارا.

وعنه: أبو وائل، وعامر الشعبي، وابنه جرير.

31 -

ع:‌

‌ خرشة بن الحر الكوفي

.

كان يتيما في حجر عمر، وأخته سلامة لها صحبة.

يروي عن: عمر، وأبي ذر، وعبد الله بن سلام.

وعنه: ربعي بن خراش، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير، والمسيب بن رافع، وسليمان بن مسهر، وآخرون.

توفي سنة أربع وسبعين.

32 -

ع:‌

‌ رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن تزيد الأنصاري الخزرجي

.

شهد أحد والخندق، واستصغر يوم بدر، ويقال: أصابه سهم يوم أحد فنزعه وبقي النصل إلى أن مات، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أشهد لك يوم القيامة.

وشهد رافع صفين مع علي.

ص: 811

وله عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث.

روى عنه: بشير بن يسار، وحنظلة بن قيس الزرقي، والسائب بن يزيد، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، ونافع، وابنه رفاعة بن رافع، وحفيده عباية بن رفاعة، وآخرون.

شعبة عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك: رأيت ابن عمر أخذ بعمودي جنازة رافع بن خديج، فجعله على منكبيه يمشي بين يدي السرير، حتى انتهى إلى القبر، وقال: إن الميت يعذب ببكاء الحي.

توفي في أول سنة أربع وسبعين، وصلى عليه ابن عمر، وعاش ستا وثمانين سنة، رحمه الله. وكان يتعانى المزارع ويفلحها.

قال خالد بن يزيد الهدادي - وهو ثقة -: حدثنا بشر بن حرب قال: كنت في جنازة رافع بن خديج ونسوة يبكين ويولولن على رافع، فقال ابن عمر: إن رافعا شيخ كبير لا طاقة له بعذاب الله، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الميت يعذب ببكاء أهله عليه.

33 -

ع:‌

‌ الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصارية النجارية

.

لها صحبة، دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة بني بها.

روت عدة أحاديث، وطال عمرها.

روى عنها خالد بن ذكوان، وعبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، وسليمان بن يسار، وأبو سلمة، ونافع، وعمرو بن شعيب، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وآخرون.

34 -

خ د:‌

‌ ربيعة بن عبد الله بن الهدير القرشي التيمي

عم محمد بن المنكدر.

روى عن: عمر، وطلحة بن عبيد الله.

روى عنه: ابن المنكدر، ومحمد

ص: 812

ابن إبراهيم التيمي، وربيعة الرأي، وغيرهم.

وتوفي سنة ثلاث وسبعين أو بعدها.

35 -

‌ زفر بن الحارث بن عبد عمرو بن معاز أبو الهذيل الكلابي

. من أمراء العرب.

سمع عائشة، ومعاوية.

روى عنه ثابت بن الحجاج، وغيره.

سكن البصرة، ثم الشام، وكان أميرا على أهل قنسرين يوم صفين، وشهد يوم راهط مع الضحاك بن قيس، وهرب فتحصن بقرقيسياء. وله شعر.

توفي في خلافة عبد الملك.

36 -

‌ زهير بن قيس البلوي المصري

.

شهد فتح مصر وسكنها، ويقال: له صحبة.

قتلته الروم ببرقة، وذلك أن الصريخ أتاهم بمصر أن الروم نزلوا على برقة، فأمره عبد العزيز بن مروان بالنهوض، وكان واجدا عليه؛ لأنه قاتله بناحية أيلة، إذ دخل مروان مصر، وسير ابنه عبد العزيز إلى مصر على طريق أيلة، فخرج زهير على البريد مغاضبا في أربعين رجلا، فلقي الروم، فأراد أن يكف حتى يلحقه الناس، فقال فتى معه: جبنت أبا شداد، فقال: قتلتنا وقتلت نفسك، ثم لاقى العدو، فقتل هو وأصحابه، وذلك في سنة ست وسبعين.

له حديث تفرد به عنه سويد بن قيس، مجهول.

37 – د:‌

‌ زياد بن حدير

، أبو المغيرة الأسدي الكوفي.

سمع: عليا، وعمر.

وعنه: الشعبي، وإبراهيم بن مهاجر، وحفص بن حميد.

قال أبو حاتم: ثقة.

وقال حفص بن حميد: يكنى أبا عبد الرحمن.

ص: 813

38 -

ع:‌

‌ زيد بن خالد الجهني

، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو طلحة.

صحابي مشهور، نزل الكوفة بعد المدينة.

وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن: عثمان، وأبي طلحة الأنصاري.

روى عنه: ابنه خالد، وبسر بن سعيد، وعطاء بن يسار، وأبو سلمة، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن يسار، وجماعة.

توفي بالكوفة فيما قيل، ولم أر للكوفيين عنه رواية، وتوفي سنة ثمان وسبعين.

39 -

ع:‌

‌ زينب بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزومية

، ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخت عمر، ولدتها أم سلمة بالحبشة.

روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أمهات المؤمنين الأربعة: أمها، وزينب بنت جحش، وعائشة، وأم حبيبة.

روى عنها حميد بن نافع، وعراك بن مالك، وعروة، وعلي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وعبيد الله بن عبد الله، وأبو قلابة الجرمي، وكليب بن وائل، وعمرو بن شعيب، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وابنها أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، وآخرون.

روى عبد الله بن لهيعة، عن عمرو بن شعيب قال: حدثتني زينب بنت أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أم سلمة، فجعل الحسن من شق، والحسين من شق، وفاطمة في حجره، فقال:{رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} وأنا وأم سلمة جالستان، فبكت أم سلمة، فقال: ما يبكيك؟ قالت: خصصتهم وتركتني وبنتي، قال: أنت وابنتك من أهل البيت. هذا حديث جيد السند.

توفيت قريبا من سنة أربع وسبعين.

ص: 814

40 -

‌ سراقة بن مرداس الأزدي البارقي

.

شاعر مشهور، هرب من المختار بن أبي عبيد إلى دمشق، وكان قد هجاه، وكان مع بشر بن مروان بالعراق.

وكانت بينه وبين جرير مهاجاة، وذكرنا له بيتين في المختار.

• - ع: سعد بن مالك هو أبو سعيد، يأتي بكنيته.

41 -

م ن:‌

‌ سعيد بن وهب الهمداني الخيواني الكوفي

.

قال ابن سعد في الطبقات: سمع سعيد بن وهب من معاذ بن جبل باليمن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لزوما لعلي، كان يقال له: القراد للزومه إياه.

أخبرنا أبو نعيم، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال: رأيت سعيد بن وهب، وكان عريف قومه.

وقال يونس: ورأيته مخضوبا بالصفرة.

قال ابن سعد: توفي سنة ست وثمانين، كذا قال.

وروى عن: سلمان الفارسي، وخباب بن الأرت.

وعنه: ابنه عبد الرحمن، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهما.

وثقه يحيى بن معين.

وتوفي سنة ست وسبعين.

42 -

‌ سلمة بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي

، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن أم سلمة.

له رؤية ولا تحفظ له رواية.

قال ابن سعد: زوج النبي صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب، وقال: هل جزيت سلمة؟ يقول ذلك لأن سلمة هو زوج

ص: 815

رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد جزاه بما صنع.

ثم قال: توفي سلمة بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان.

43 -

‌ سليم بن عتر

، أبو سلمة التجيبي المصري.

قاضي مصر وقاصها ومذكرها، وكان يسمى الناسك لشدة عبادته.

حضر خطبة عمر بالجابية.

وحدث عن: عمر، وعلي، وأبي الدرداء، وأم المؤمنين حفصة.

روى عنه: علي بن رباح، وأبو قبيل، ومشرح بن هاعان، وعقبة بن مسلم، والحسن بن ثوبان، وابن عمه الهيثم بن خالد.

قال الدارقطني: وكان سليم بن عتر يقص وهو قائم، وكان رجلا صالحا، قال: وروي أنه كان يختم كل ليلة ثلاث ختمات، ويأتي امرأته ويغتسل ثلاث مرات، وأن امرأته قالت بعد موته: رحمك الله، لقد كنت ترضي ربك وترضي أهلك.

وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة قال: اختصم إلى سليم بن عتر في ميراث، فقضى بين الورثة، ثم تناكروا فعادوا إليه، فقضى بينهم، وكتب كتابا بقضائه، وأشهد فيه شيوخ الجند، فكان أول من سجل لقضائه.

وقال ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، أن سليم بن عتر كان يقرأ القرآن كل ليلة ثلاث مرات.

وقال ضمام بن إسماعيل، عن الحسن بن ثوبان، عن سليم بن عتر قال: لما قفلت من البحر تعبدت في غار بالإسكندرية سبعة أيام، لا أكلت ولا شربت، ولولا أني خشيت أن أضعف لزدت.

وقال ابن بكير: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثني أبو قبيل، قال: لما استخلف يزيد كره عبد الله بن عمرو بيعته، وكان مسلمة بن مخلد بالإسكندرية، فبعث إليه مسلمة كريب بن أبرهة، وعابس بن سعيد، ومعهما سليم بن عتر، وهو يومئذ قاص أهل الشام وقاضيهم، فوعظوا عبد الله في

ص: 816

بيعة يزيد، فقال: والله لأنا أعلم بأمر يزيد منكم، وأنا لأول الناس أخبر به معاوية أنه سيستخلف، ولكني أردت أن يلي هو بيعتي، وقال لكريب: أتدري ما مثلك يا كريب، كقصر في صحراء غشيه الناس، قد أصابهم الحر، فدخلوا يستظلون فيه، فإذا هو ملاء من مجالس الناس، وإن صوتك في العرب كريب بن أبرهة، وليس عندك شيء، وأما أنت يا عابس، فبعت آخرتك بدنياك، وأما أنت يا سليم كنت قاصا، فكان معك ملكان يعيناك ويذكرانك، ثم صرت قاضيا ومعك شيطانان يزيغانك ويفتنانك.

قال ابن يونس: توفي بدمياط سنة خمس وسبعين.

وثقه أحمد العجلي.

44 -

م 4:‌

‌ سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

، أبو عبد الرحمن.

كان عبدا لأم سلمة فأعتقته، وشرطت عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش.

له صحبة ورواية.

روى عنه: ابناه عبد الرحمن، وعمر، وسعيد بن جمهان، والحسن البصري، ومحمد بن المنكدر، وسالم بن عبد الله، وصالح أبو الخليل، وأبو ريحانة عبد الله بن مطر، وقتادة، وغيرهم.

واسمه مهران، وقيل: رومان، وقيل: قيس، وقيل غير ذلك.

وقد حمل مرة متاع القوم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم له: ما أنت إلا سفينة، فلزمه.

وروى أسامة بن زيد، عن ابن المنكدر، عنه أنه ركب البحر، فانكسر بهم المركب، فألقاه البحر إلى الساحل، فلقي الأسد، فقال له: أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدله الأسد على الطريق، وذكر الحديث.

45 -

ع:‌

‌ سلمة بن الأكوع هو سلمة بن عمرو بن سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي المدني

، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد من بايع تحت الشجرة، والأكوع لقب سنان.

ص: 817

روى عنه ابنه إياس، ومولاه يزيد بن أبي عبيد، ويزيد بن خصيفة، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والحسن بن محمد ابن الحنفية.

كنيته أبو مسلم، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو إياس.

قال يزيد بن أبي عبيد: رأيت سلمة يصفر لحيته.

وقال عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: كان شعارنا ليلة بيتنا هوازن مع أبي بكر، أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمت أمت، وقتلت بيدي ليلتئذ سبعة أهل أبيات.

وقال عطاف بن خالد، عن عبد الرحمن بن رزين: أتينا سلمة بن الأكوع بالربذة، فأخرج إلينا يدا ضخمة كأنها خف البعير، فقال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هذه، فأخذنا يده فقبلناها.

وقال الحميدي: حدثنا علي بن يزيد الأسلمي، قال: حدثنا إياس بن سلمة، عن أبيه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا، ومسح على وجهي مرارا، واستغفر لي مرارا، عدد ما في يدي من الأصابع.

وقال حماد بن مسعدة: حدثنا يزيد، عن سلمة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البدو، فأذن له.

وقال حماد بن مسعدة، عن يزيد بن أبي عبيدة، قال: لما ظهر نجدة وجبى الصدقات، قيل لسلمة: ألا تباعد منهم؟ فقال: والله لا أتباعد

ص: 818

ولا أبايعه، قال: ودفع صدقته إليهم، قال: وأجاز الحجاج سلمة بجائزة فقبلها.

ابن عجلان، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، قال: رأيت سلمة بن الأكوع يحفي شاربه أخي الحلق.

وقال ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن زياد بن ميناء، قال: كان ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وجابر، ورافع بن خديج، وسلمة بن الأكوع، وأبو واقد الليثي، وعبد الله بن بحينة، مع أشباه لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتون بالمدينة، ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من لدن توفي عثمان، إلى أن توفوا.

وقال سلمة: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات.

وقال إياس بن سلمة، ما كذب أبي قط.

وفي البخاري، من حديث يزيد بن أبي عبيد، قال: لما قتل عثمان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة وتزوج هناك، وجاءه أولاد، فلم يزل بها إلى قبل أن يموت بليال، فنزل المدينة.

قال الواقدي، وجماعة: توفي سنة أربع وسبعين.

وقد تقدم من أخباره في المغازي.

46 -

‌ سويد بن منجوف بن ثور بن عفير السدوسي البصري

.

رأى عليا وسمع أبا هريرة، ووفد على معاوية. وهو والد علي بن سويد.

روى عنه المسيب بن رافع.

قال خليفة: توفي سنة اثنتين وسبعين.

ص: 819

47 -

د:‌

‌ شبث بن ربعي بن حصين التميمي اليربوعي

.

أحد الأشراف، كان ممن خرج على علي، ثم أناب ورجع.

قال حفص بن غياث: سمعت الأعمش يقول: شهدت جنازة شبث، فأقاموا العبيد على حدة، والجواري على حدة، والخيل على حدة، والجمال على حدة، وذكر الأصناف، ورأيتهم ينوحون عليه يلتدمون، ذكره ابن سعد.

وقد روى عن علي، وحذيفة.

وعنه محمد بمن كعب القرظي، وسليمان التيمي.

له حديث واحد في سنن أبي داود.

48 -

‌ شبيب بن يزيد بن نعيم بن قيس بن عمرو بن الصلت الشيباني الخارجي

.

خرج بالموصل، فبعث إليه الحجاج خمسة قواد، فقتلهم واحدا بعد واحد، ثم سار إلى الكوفة وقاتل الحجاج وحاصره، كما ذكرنا.

وكانت امرأته غزالة من الشجاعة والفروسية بالوضع العظيم مثله، هرب الحجاج منها ومنه، فعيره بعض الناس بقوله: أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر هلا برزت إلى غزالة في الوغى بل كان قلبك في جناحي طائر وكانت أمه جهيزة تشهد الحروب.

وقال بعضهم: رأيت شبيبا وقد دخل المسجد وعليه جبة طيالسة، عليها نقط من أثر المطر، وهو طويل، أشمط، جعد، آدم، فبقي المسجد يرتج له.

ولد سنة ست وعشرين، وغرق بدجيل سنة سبع وسبعين.

ويقال: إنه أحضر إلى عبد الملك بن مروان رجل وهو عتبان الحروري، فقال له عبد الملك: ألست القائل: فإن يك منكم كان مروان وابنه وعمرو ومنكم هاشم وحبيب

ص: 820

فمنا حصين والبطين وقعنب ومنا أمير المؤمنين شبيب فقال: يا أمير المؤمنين، إنما قلت: ومنا أمير المؤمنين، ونصبه على النداء، فاستحسن قوله وأطلقه.

وجهيزة هي التي يضرب بها المثل في الحمق؛ لأنها لما حملت قالت: في بطني شيء ينقز، فقيل: أحمق من جهيزة.

ويروى عنها ما يدل على عدم الحمق، فإن عمر بن شبة، قال: حدثني خلاد بن يزيد الأرقط قال: كان شبيب ينعى لأمه، فيقال لها: قتل، فلا تقبل، فلما قيل لها: إنه غرق، قبلت، وقالت: إني رأيت حين ولدته أنه خرج مني شهاب نار، فعلمت أنه لا يطفئه إلا الماء.

49 – ن:‌

‌ شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم بن معاوية بن عامر القاضي

، أبو أمية الكندي الكوفي، قاضيها.

ويقال: شريح بن شراحيل، ويقال: ابن شرحبيل، ويقال: إنه من أولاد الفرس الذي كانوا باليمن.

وقد أدرك الجاهلية، ووفد من اليمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وولي قضاء الكوفة لعمر. وروى عنه، وعن علي، وعبد الرحمن بن أبي بكر.

روى عنه: الشعبي، وإبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وقيس بن أبي حازم، ومرة الطيب، وتميم بن سلمة.

وهو مع فضله وجلالته قليل الحديث، وثقه يحيى بن معين.

وعن ابن سيرين قال: سئل شريح: ممن أنت؟ قال: ممن أنعم الله عليه بالإسلام، وعدادي في كندة.

وقال: كان شريح شاعرا، راجزا، قائفا، وكان كوسجا.

وقال الشعبي: كان شريح أعلمهم بالقضاء، وكان عبيدة يوازيه في علم القضاء، وأما علقمة فانتهى إلى قول عبد الله لم يجاوزه، وأما مسروق فأخذ من كل، وأما الربيع بن خثيم، فأقل القوم علما وأشدهم ورعا.

وقال أبو وائل: كان شريح يقل غشيان عبد الله للاستغناء.

وقال زكريا بن أبي زائدة: حدثنا عاصم، عن عامر الشعبي أن عمر

ص: 821

بعث ابن سور على قضاء البصرة، وبعث شريحا على قضاء الكوفة.

وقال مجالد، عن الشعبي: إن عمر رزق شريحا مائة درهم على القضاء.

وقال هشيم: حدثنا سيار، عن الشعبي، قال: لما بعث عمر شريحا على القضاء قال: انظر ما تبين لك في كتاب الله، فلا تسأل عنه أحدا، وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه السنة، وما لم يتبين لك في السنة، فاجتهد فيه رأيك.

وقال ابن عيينة، عن أبي إسحاق الشيباني، عن الشعبي قال: كتب عمر إلى شريح إذا أتاك أمر في كتب الله فاقض به، فإن لم يكن في كتاب الله وكان في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض به، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله فاقض بما قضى به أئمة الهدى، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسوله، ولا فيما قضى به أئمة الهدى فأنت بالخيار، إن شئت تجتهد رأيك، وإن شئت تؤآمرني، ولا أرى مؤآمرتك إياي إلا أسلم لك.

وقال الثوري، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم: أن عليا جمع الناس في الرحبة، وقال: إني مفارقكم، فاجتمعوا في الرحبة رجال أيما رجال، فجعلوا يسألونه حتى نفد ما عندهم، ولم يبق إلا شريح، فجثا على ركبتيه وجعل يسأله، فقال له علي: اذهب، فأنت أقضى العرب.

وقال حجاج بن أبي عثمان، عن ابن سيرين، عن شريح أنه كان إذا قيل له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت وشطر الناس علي غضاب.

وقال مجاهد: اختصم إلى شريح في ولد هرة، فقالت امرأة: هو ولد هرتي، وقالت الأخرى: هو ولد هرتي، فقال شريح: ألقها مع هذه فإن هي قرت ودرت واسبطرت فهي لها، وإن هي هرت وفرت واقشعرت، وفي لفظ: وازبأرت، فليس لها.

ص: 822

اسبطرت: امتدت للإرضاع.

وتزبئر: تنتفش.

وقال ابن عون، عن إبراهيم: إن رجلا أقر عند شريح بشيء ثم ذهب ينكر فقال: قد شهد عليك ابن أخت خالتك.

وقال جرير، عن مغيرة، قال: كان شريح يدخل يوم الجمعة بيتا يخلو فيه، لا يدري الناس ما يصنع فيه.

وقال أبو المليح الرقي، عن ميمون بن مهران قال: لبث شريح في فتنة ابن الزبير تسع سنين لا يخبر، فقيل له: قد سلمت قال: فكيف بالهوى.

وقال أبو عوانة، عن الأعمش قال: كان شريح يقرأ: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} ويقول: إنما يعجب من لا يعلم، فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: كان شريح شاعرا معجبا برأيه، عبد الله بن مسعود أعلم بذلك.

وروى شريك، عن يحيى بن قيس الكندي، قال: أوصى شريح أن يصلى عليه بالجبانة، وأن لا يؤذن به أحد، ولا تتبعه صائحة، وأن لا يجعل على قبره ثوب، وأن يسرع به السير، وأن يلحد له.

قال أبو نعيم: مات شريح وهو ابن مائة وثمان سنين، سنة ثمان وسبعين. وكذا قال في موته الهيثم بن عدي، والمدائني، وقال خليفة، وابن نمير: سنة ثمانين.

وجاء أنه استعفى من القضاء قبل موته بسنة.

50 -

م 4:‌

‌ شريح بن هانئ أبو المقدام الحارثي المذحجي الكوفي

.

أدرك الجاهلية، وروى عن: أبيه، وعلي بن أبي طالب، وكان من أصحابه، وعمر، وعائشة، وسعد، وأبي هريرة.

روى عنه: ابناه محمد،

ص: 823

والمقدام، والشعبي، والقاسم بن مخيمرة، وحبيب بن أبي ثابت، ويونس بن أبي إسحاق.

وشهد تحكيم الحكمين، ووفد على معاوية يشفع في كثير بن شهاب، فأطلقه له.

وروى الواقدي، عن مجالد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر أن عليا بعث أبا موسى ومعه أربع مائة رجل، عليهم شريح بن هانئ. ومعهم ابن عباس يصلي بهم ويلي أمرهم، يعني إلى دومة الجندل.

وقال سليمان بن أبي شيخ: كان شريح بن هانئ جاهليا إسلاميا، قال في إمرة الحجاج: أصبحت ذا بث اقاسي الكبرا قد عشت بين المشركين أعصرا ثمت أدركت النبي المنذرا وبعده صديقه وعمرا والجمع في صفينهم والنهرا ويوم مهران ويوم تسترا وباجميراوات والمشقرا هيهات ما أطول هذا عمرا

قال القاسم بن مخيمرة: ما رأيت حارثيا أفضل من شريح بن هانئ.

ووثقه ابن معين وغيره.

وذكر أبو حاتم السجستاني أنه عاش مائة وعشرين سنة.

وقال خليفة: وفي سنة ثمان وسبعين ولى الحجاج عبيد الله بن أبي بكرة سجستان، فوجه أبا برذعة، فأخذ عليه المضيق، وقتل شريح بن هانئ.

51 -

ع:‌

‌ صلة بن زفر العبسي الكوفي

.

روى عن: ابن مسعود، وعمار بن ياسر، وحذيفة، وغيرهم.

روى عنه: إبراهيم النخعي، والشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون.

ص: 824

توفي سنة اثنتين وسبعين، وكان من جلة الكوفيين وثقاتهم، له قلب منور.

52 -

4:‌

‌ عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي

، صاحب علي.

له عدة أحاديث عنه.

روى عنه: الحكم بن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم.

وهو حسن الحديث.

قال النسائي: ليس به بأس، ولينه ابن عدي، ووثقه جماعة.

53 -

ع:‌

‌ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم

، أبو جعفر الهاشمي الجواد ابن الجواد.

له صحبة ورواية، ولد بالحبشة من أسماء بنت عميس، ويقال: لم يكن في الإسلام أسخى منه.

وروى أيضا عن أبويه، وعن عمه علي.

روى عنه بنوه: إسماعيل، وإسحاق، ومعاوية، وابن أبي مليكة، وسعد بن إبراهيم، وعباس بن سهل بن سعد، وعبد الله بن محمد بن عقيل، والقاسم بن محمد، وآخرون.

وهو آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، سكن المدينة، ووفد على معاوية وابنه وعبد الملك.

قال مهدي بن ميمون: حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي، عن عبد الله بن جعفر، قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا فدخل حائطا، فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه، الحديث.

وقال ضمرة، عن علي بن أبي حملة قال: وفد عبد الله بن جعفر على يزيد، فأمر له بألفي ألف.

وقال إسماعيل بن عياش، عن هشام بن عروة، عن أبيه: إن عبد الله

ص: 825

ابن الزبير، وعبد الله بن جعفر بايعا النبي صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين، فلما رآهما تبسم وبسط يده وبايعهما.

وقال فطر بن خليفة، عن أبيه، عن عمرو بن حريث، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن جعفر وهو يلعب بالتراب فقال: اللهم بارك له في تجارته.

وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي: إن ابن عمر كان إذا سلم على عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.

وقال جرير بن حازم: حدثنا محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم بعدما أخبرهم بقتل جعفر بن أبي طالب بعد ثالثة، فقال: لا تبكوا أخي بعد اليوم، ثم قال: ائتوني ببني أخي، فجيء بنا كأننا أفرخ، فقال: ادعوا لي الحلاق، فأمره، فحلق رؤوسنا، ثم قال: أما محمد فشبه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبه خلقي وخلقي، ثم أخذ بيدي فأشالها وقال: اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقته، قال: فجاءت أمنا فذكرت يتمنا، فقال: العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة؟ حديث صحيح.

وعن أبان بن تغلب قال: ذكر لنا أن عبد الله بن جعفر قدم على معاوية، وكان يفد في كل سنة، فيعطيه ألف ألف درهم ويقضي له مائة حاجة، وذكر أن أعرابيا وقف في الموسم على مروان بالمدينة، فسأله، فقال: ما عندنا ما نصلك، ولكن عليك بابن جعفر، فأتاه الأعرابي، فإذا

ص: 826

ثقله قد سار، وراحلة بالباب عليها متاعها، وسيف معلق، فخرج عبد الله، فأنشأ الأعرابي يقول: أبو جعفر من أهل بيت نبوة صلاتهم للمسلمين طهور أبا جعفر ضن الأمير بماله وأنت على ما في يديك أمير أبا جعفر يا ابن الشهيد الذي له جناحان في أعلى الجنان يطير أبا جعفر ما مثلك اليوم أرتجي فلا تتركني بالفلاة أدور فقال: يا أعرابي سار الثقل، فعليك الراحلة بما عليها، وإياك أن تخدع عن السيف، فإني أخذته بألف دينار.

قال عفان: حدثنا حماد بن زيد، قال: أخبرنا هشام، عن محمد، قال: مر عثمان بسبخة، فقال: لمن هذه؟ قيل: لفلان، اشتراها عبد الله بن جعفر بستين ألفا. قال: ما يسرني أنها لي بنعلي. قال: فجزأها عبد الله ثمانية أجزاء، وألقى فيها العمال، ثم قال عثمان لعلي: ألا تأخذ على يدي ابن أخيك وتحجر عليه! اشترى سبخة بستين ألفا، ما يسرني أنها لي بنعلي! قال: فأقبلت، فركب عثمان ذات يوم فمر بها، فأعجبته، فأرسل إلى عبد الله أن ولني جزءين منها، قال: أما والله دون أن ترسل إلى الذين سفهتني عندهم فيطلبون ذلك إلي، فلا أفعل، ثم أرسل إليه: إني قد فعلت، قال: والله لا أنقصك جزءين من مائة وعشرين ألفا، قال: قد أخذتها.

وروى الأصمعي، عن رجل، أن عبد الله بن جعفر أسلف الزبير ألف ألف، فلما توفي قال ابن الزبير لعبد الله بن جعفر: إني وجدت في كتب أبي أن له عليك ألف ألف درهم، قال: هو صادق، فاقبضها إذا شئت، ثم لقيه بعد فقال: إنما وهمت عليك، المال لك عليه، قال: فهو له، قال: لا أريد ذلك.

قلت: هذه الحكاية من أبلغ ما بلغنا في الجود.

وعن الأصمعي، قال: جاءت امرأة إلى عبد الله بن جعفر بدجاجة مسموطة، فقالت: بأبي أنت! هذه الدجاجة كانت مثل بنتي تؤنسني وآكل من

ص: 827

بيضها، فآليت أن لا أدفنها إلا في أكرم موضع أقدر عليه، ولا والله ما في الأرض موضع أكرم من بطنك، قال: خذوها منها واحملوا إليها من الحنطة كذا، ومن التمر كذا، ومن الدراهم كذا، وعدد شيئا كثيرا، فلما رأت ذلك قالت: بأبي! إن الله لا يحب المسرفين.

قال محمد بن سيرين: جلب رجل سكرا إلى المدينة، فكسد عليه، فبلغ عبد الله بن جعفر، فأمر قهرمانه أن يشتريه وأن ينهبه الناس.

ولعبد الله من هذا الأنموذج أخبار في السخاء.

قال الواقدي، ومصعب الزبيري: توفي سنة ثمانين.

وقال المدائني: توفي سنة أربع أو خمس وثمانين. قال: ويقال: سنة ثمانين.

وقال أبو عبيد: سنة أربع وثمانين، ويقال: سنة تسعين.

54 -

‌ عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي

، أبو محمد بن سلامة بن عمير.

له صحبة ورواية، وروى أيضا عن عمر.

روى عنه: ابنه القعقاع، وأبو بكر بن حزم، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، والزهري، وسفيان بن فروة الأسلمي.

وشهد الجابية مع عمر.

وقال ابن سعد: شهد الحديبية وخيبر، وتوفي سنة إحدى وسبعين، وهو ابن إحدى وثمانين.

وفي الصحيح من حديث عبد الله بن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا عليه في المسجد حتى ارتفعت أصواتهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا كعب ضع الشطر، قال: قد فعلت.

ص: 828

وقال غير واحد: توفي سنة إحدى وسبعين، إلا خليفة فقال: سنة اثنتين وسبعين.

وقد طول أبو أحمد الحاكم ترجمة عبد الله بن أبي حدرد، وساقها في كراس، ونصر أنه لا صحبة له، ولم يصنع شيئا بل أفادنا العلم بأن له صحبة، وقد علقت حاشية في ذلك على ترجمته في تاريخ دمشق.

55 -

د:‌

‌ عبد الله بن حوالة

.

شذ أبو سعيد بن يونس، فقال: قدم مصر مع مروان.

يقال: توفي سنة ثمانين.

قلت: وقد مر في سنة ثمان وخمسين، ورخه جماعة.

56 -

‌ عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت

، أبو صالح السلمي أمير خراسان.

أحد الأبطال المشهورين والشجعان المذكورين، ويقال: له صحبة، ولا يصح.

روى عنه: سعيد بن الأزرق، وسعد بن عثمان الرازي.

وقد استعمله ابن عامر على خراسان في أيام عثمان، وقد حضر مواقف مشهورة وأبلى فيها، وولي خراسان زمانا، وافتتح الطبسين.

وقد مر في الحوادث من أخباره.

57 -

ع:‌

‌ عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب

، أبو بكر، وأبو خبيب القرشي الأسدي.

أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة.

له صحبة ورواية، وروى أيضا عن: أبيه، وأبي بكر، وعمر، وعثمان.

روى عنه: أخوه عروة، وابناه عامر، وعباد، وابن أخيه محمد بن عروة، وعبيدة السلماني، وطاوس، وعطاء،

ص: 829

وابن أبي مليكة، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو الزبير المكي، وعمرو بن دينار، وثابت البناني، ووهب بن كيسان، وسعيد بن ميناء، وابن ابنه مصعب بن ثابت، وابن ابنه الآخر يحيى بن عباد، وخلق سواهم.

وشهد وقعة اليرموك، وغزا القسطنطينية، وغزا المغرب، وله مواقف مشهودة، وكان فارس قريش في زمانه.

بويع بالخلافة في سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز، واليمن، ومصر، والعراق، وخراسان، وأكثر الشام، ولد سنة اثنتين من الهجرة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين وأربعة أشهر.

روى شعيب بن إسحاق الدمشقي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، وفاطمة بنت المنذر، قالا: خرجت أسماء حين هاجرت حبلى، فنفست بعبد الله بقباء، قالت أسماء: ثم جاء بعد سبع سنين ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك الزبير، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا، ثم بايعه.

وقال الواقدي، عن مصعب بن ثابت، عن أبي الأسود يتيم عروة قال: لما قدم المهاجرون أقاموا لا يولد لهم، فقالوا: سحرتنا يهود، حتى كثرت في ذلك القالة، فكان أول مولود ولد بعد الهجرة عبد الله بن الزبير، فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر فأذن في أذنيه بالصلاة.

وقال مصعب بن عبد الله، عن أبيه قال: كان عارضا ابن الزبير خفيفين، فما اتصلت لحيته حتى بلغ ستين سنة.

وقال أبو يعلى في مسنده: حدثنا موسى بن محمد بن حيان، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا هنيد بن القاسم، قال: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: سمعت أبي يقول: إنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم،

ص: 830

فلما فرغ قال: يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد، فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه، فلما رجع قال: ما صنعت بالدم؟، قال: عمدت إلى أخفى موضع علمت فجعلته فيه، قال: لعلك شربته، قال: نعم. قال: ولم شربت الدم، ويل للناس منك، وويل لك من الناس.

قال موسى بن إسماعيل: حدثت به أبا عاصم، فقال: كانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم.

ورواه تمتام، عن موسى.

وقال خالد الحذاء، عن يوسف أبي يعقوب، عن محمد بن حاطب، والحارث، قالا: طالما حرص ابن الزبير على الإمارة، قلت: وما ذاك؟ قالا: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلص فأمر بقتله، فقيل له: إنه سرق، قال: اقطعوه، ثم جيء به في إمرة أبي بكر وقد سرق، وقد قطعت قوائمه، فقال أبو بكر: ما أجد لك شيئا إلا ما قضى فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أمر بقتلك، فأمر بقتله أغيلمة من أبناء المهاجرين، أنا فيهم، فقال ابن الزبير: أمروني عليكم، فأمرناه علينا، فانطلقنا به إلى البقيع، فقتلناه.

وقال الحارث بن عبيد: حدثنا أبو عمران الجوني، أن نوفا قال: إني لأجد في كتاب الله المنزل أن ابن الزبير فارس الخلفاء.

وقال مهدي بن ميمون: حدثنا محمد بن أبي يعقوب، أن معاوية كان يلقى ابن الزبير، فيقول: مرحبا بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأمر له بمائة ألف.

وقال ابن جريج، عن ابن أبي مليكة قال: ذكر ابن الزبير عند ابن عباس، فقال: قارئ لكتاب الله، عفيف في الإسلام، أبوه الزبير، وأمه

ص: 831

أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية، والله لأحاسبن له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر.

وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مصليا أحسن صلاة من ابن الزبير.

وقال مجاهد: كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود، وحدث أن أبا بكر كان كذلك.

وقال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو يصلي خلف المقام كأنه خشبة منصوبة لا يتحرك.

وقال يوسف بن الماجشون، عن الثقة يسنده قال: قسم ابن الزبير الدهر على ثلاث ليال، فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح.

وقال يزيد بن إبراهيم التستري، عن عبد الله بن سعيد، عن مسلم بن يناق المكي قال: ركع ابن الزبير يوما ركعة، فقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة، وما رفع رأسه.

وقال يزيد بن إبراهيم، عن عمرو بن دينار، قال: كان ابن الزبير يصلي في الحجر والمنجنيق يصيب طرف ثوبه، فما يلتفت إليه.

وقال هشام بن عروة، عن ابن المنكدر، قال: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن تصفقها الريح، والمنجنيق يقع هاهنا، ويقع هاهنا.

ص: 832

وقال أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، قال: ما رأيت أحدا أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير.

قال مصعب بن عبد الله: حدثني أبي، عن عمر بن قيس، عن أمه أنها دخلت على عبد الله بن الزبير بيته، فإذا هو يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا: الحية الحية، ثم رموها، فما قطع صلاته.

وعن أم جعفر بنت النعمان أنها سلمت على أسماء بنت أبي بكر، وذكر عندها عبد الله بن الزبير، فقالت: كان ابن الزبير قوام الليل صوام النهار، وكان من يسمى حمامة المسجد.

وقال ميمون بن مهران: رأيت عبد الله بن الزبير يواصل من الجمعة إلى الجمعة، فإذا أفطر استعان بالسمن حتى يلين بالسمن.

وروى ليث، عن مجاهد قال: ما كان باب من العبادة يعجز الناس عنه إلا تكلفه ابن الزبير، ولقد جاء سيل طبق البيت فجعل يطوف سباحة.

وعن عثمان بن طلحة قال: كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاثة؛ شجاعة ولا عبادة ولا بلاغة.

وقال إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن أنس: إن عثمان أمر زيد بن ثابت، وابن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوا القرآن في المصاحف، وقال: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم.

وقال أبو نعيم: حدثنا عبد الواحد بن أيمن، قال: رأيت على ابن الزبير رداء عدنيا يصلي فيه، وكان صيتا، إذا خطب تجاوب الجبلان، وكانت له جمة إلى العنق ولحية صفراء.

وقال مصعب بن عبد الله: حدثنا أبي والزبير بن خبيب، قالا: قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير في عسكرنا في عشرين ومائة ألف، فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفا، يعني في غزوة إفريقية، قال: واختلف الناس على ابن أبي سرح، فدخل فسطاطه، ورأيت غرة من جرجير بصرت به خلف

ص: 833

عساكره على برذون أشهب، معه جاريتان تظلان عليه بريش الطواويس، بينه وبين جيشه أرض بيضاء، فأتيت ابن أبي سرح، فندب لي الناس، فاخترت ثلاثين فارسا، وقلت لسائرهم: البثوا على مصافكم، وحملت وقلت للثلاثين: احموا لي ظهري، فخرقت الصف إليه، فخرجت صامدا، وما يحسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه، فعرف الشر، فثابر برذونه موليا، فأدركته فطعنته، فسقط، ثم احتززت رأسه، فنصبته على رمحي، وكبرت، وحمل المسلمون، فارفض العدو ومنح الله أكتافهم.

وقال معمر، عن هشام بن عروة قال: أخذ عبد الله بن الزبير من وسط القتلى يوم الجمل، وبه بضع وأربعون ضربة وطعنة.

وعن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: أعطت عائشة للذي بشرها أن ابن الزبير لم يقتل عشرة آلاف درهم.

وعن عروة، قال: لم يكن أحد أحب إلى عائشة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر من عبد الله بن الزبير.

وقال الواقدي: حدثنا ربيعة بن عثمان، وابن أبي سبرة وغيرهما، قالوا: لما جاء نعي يزيد في ربيع الآخر سنة أربع وستين قام ابن الزبير فدعا إلى نفسه، وبايعه الناس، ودعا ابن عباس ومحمد ابن الحنفية إلى البيعة فأبيا حتى يجتمع الناس له، فبقي يداريهما سنتين، ثم أغلظ عليهما ودعاهما فأبيا.

قال مصعب بن عبد الله وغيره: كان يقال لابن الزبير: عائذ بيت الله.

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن جعفر، عن عمته أم بكر، قال: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وحدثني ابن أبي الزناد، وغيرهم أيضا قد حدثني بطائفة من هذا الحديث،

ص: 834

قالوا: لم يزل عبد الله بن الزبير بالمدينة في خلافة معاوية. فذكر الحديث إلى أن قال: فخرج ابن الزبير إلى مكة، ولزم الحجر ولبس المعافري، وجعل يحرض على بني أمية، ومشى إلى يحيى بن حكيم الجمحي والي مكة، فبايعه ليزيد، فقال: لا أقبل هذا حتى يؤتى به في جامعة ووثاق، فقال له ابنه معاوية بن يزيد: يا أمير المؤمنين ادفع الشر عنك ما اندفع، فإن ابن الزبير رجل لجوج ولا يطيع بهذا أبدا، وإن تكفر عن يمينك فهو خير، فغضب وقال: إن في أمرك لعجبا، قال: فادع عبد الله بن جعفر فسله عما أقول، فدعاه فذكر له قولهما، فقال عبد الله: أصاب أبو ليلى ووفق، فأبى أن يقبل، وامتنع ابن الزبير أن يذل نفسه وقال: اللهم إني عائذ ببيتك، فمن يومئذ سمي العائذ.

وأقام بمكة لا يعرض له أحد، فكتب يزيد إلى والي المدينة عمرو بن سعيد أن يوجه إليه جندا، فبعث لقتاله أخاه عمرا في ألف، فظفر ابن الزبير بأخيه وعاقبه، ونحى ابن الزبير الحارث بن يزيد عن الصلاة بمكة، وجعل مصعب بن عبد الرحمن بن عوف يصلي بالناس، وكان لا يقطع أمرا دون المسور بن مخرمة، ومصعب بن عبد الرحمن، وجبير بن شيبة، وعبد الله بن صفوان بن أمية يشاورهم في الأمور ولا يستبد بشيء، ويصلي بهم الجمعة، ويحج بهم، وكانت الخوارج وأهل الأهواء كلهم قد أتت ابن الزبير، وقالوا: عائذ بيت الله، وكان شعاره لا حكم إلا لله. فلم يزل على ذلك، وحج عشر سنين بالناس آخرها سنة إحدى وسبعين ودعا إلى نفسه فبايعوه، وفارقته الخوارج، فولى على المدينة أخاه مصعبا، وعلى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة عبد الله بن مطيع، وعلى مصر عبد الرحمن بن جحدم الفهري، وعلى اليمن آخر، وعلى خراسان آخر، وأمر على الشام الضحاك بن قيس، فبايع له عامة الشام، وأطاعه الناس، إلا طائفة من أهل الشام مع مروان.

قلت: ثم قوي أمر مروان، وقتل الضحاك، وبايعوه أهل الشام،

ص: 835

وسار في جيوشه إلى مصر فأخذها، واستعمل عليها ولده عبد العزيز. وعاجلته المنية، فقام بعده ابنه عبد الملك، فلم يزل حتى أخذ البلاد، ودانت له العباد.

وقال شعيب بن إسحاق: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، أن يزيد كتب إلى ابن الزبير: إني قد بعثت إليك بسلسلة فضة، وقيد من ذهب، وجامعة من فضة، وحلفت لتأتيني في ذلك، قال فألقى الكتاب وقال: ولا ألين لغير الحق أسأله حتى يلين لضرس الماضغ الحجر قال خليفة: ثم حضر ابن الزبير الموسم سنة ثنتين وسبعين، فحج بالناس، ولم يقفوا الموقف، وحج الحجاج بن يوسف بأهل الشام، ولم يطوفوا بالبيت.

وروى الداروردي، عن هشام بن عروة، قال: أول من كسا الكعبة الديباج عبد الله بن الزبير، وإن كان ليطيبها حتى يجد ريحها من دخل الحرم.

زاد غيره: كانت كسوتها الأنطاع.

وقال عبد الله بن شعيب الحجبي: إن المهدي لما جرد الكعبة كان فيما نزع عنها كسوة من ديباج، مكتوب عليها: لعبد الله أبي بكر أمير المؤمنين.

وروى أبو عاصم، عن عمر بن قيس، قال: كان لابن الزبير مائة غلام، يتكلم كل غلام منهم بلغة، وكان ابن الزبير يكلم كل واحد منهم بلغته، وكنت إذا نظرت إليه في أمر الدنيا قلت: هذا رجل لم يرد الله طرفة عين، وإذا نظرت إليه في أمر آخرته قلت: هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين.

وروى الأعمش، عن أبي الضحى، قال: رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي كان رأس مال.

قلت: وكان في ابن الزبير بخل ظاهر، مع ما أوتي من الشجاعة.

قال الثوري، عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن مساور،

ص: 836

قال: سمعت ابن عباس يعاتب ابن الزبير في البخل ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن الذي يبيت وجاره جائع.

وقال عبيد ال هـ بن عمرو الرقي، عن ليث بن أبي سليم قال: كان ابن عباس يكثر أن يعنف ابن الزبير بالبخل، فقال: كم تعيرني؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن المؤمن لا يشبع وجاره وابن عمه جائع.

وقال يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى، عن عثمان: إن ابن الزبير قال له حيث حصر: إن عندي نجائب قد أعددتها لك، فهل لك أن تحول إلى مكة فيأتيك من أراد أن يأتيك؟ قال: لا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس. رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل بن أبان، عن القمي.

وقال عباس الترقفي: حدثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة رجل من قريش يقال له عبد الله، عليه نصف عذاب العالم، فوالله لا أكونه، فتحول منها، فسكن الطائف.

قلت: محمد هو المصيصي، ضعيف، احتج به أبو داود، والنسائي.

وللحديث شاهد. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، قال: حدثنا

ص: 837

إسحاق بن سعيد قال: حدثنا سعيد بن عمرو قال: أتى عبد الله بن عمرو عبد الله بن الزبير وهو في الحجر فقال: يا ابن الزبير إياك والإلحاد في حرم الله، فإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحلها ويحل به رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها، قال: فانظر أن لا تكونه يا ابن عمرو، فإنك قد قرأت الكتب وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإني أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهدا.

وقال الزبير بن كبار: حدثني خالد بن وضاح، قال: حدثني أبو الخصيب نافع مولى آل الزبير، عن هشام بن عروة، قال: رأيت الحجر من المنجنيق يهوي حتى أقول: لقد كاد أن يأخذ لحية ابن الزبير، وسمعته يقول: والله إن أبالي إذا وجدت ثلاث مائة يصبرون صبري لو أجلب علي أهل الأرض.

وقال الواقدي: حدثنا إسحاق بن عبد الله، عن المنذر بن الجهم الأسلمي قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد خذله من كان معه خذلانا شديدا، وجعلوا يخرجون إلى الحجاج، وجعل الحجاج يصيح: أيها الناس علام تقتلون أنفسكم؟ من خرج إلينا فهو آمن، لكم عهد الله وميثاقه، وفي حرم الله وأمنه، ورب هذه البنية لا أغدر بكم، ولا لنا حاجة في دمائكم، فتسلل إليه نحو من عشرة آلاف، فلقد رأيت ابن الزبير وما معه أحد.

وعن إسحاق بن أبي إسحاق، قال: حضرت قتل ابن الزبير، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد، فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينما هو على تلك الحال إذا جاءت شرفة من شرفات المسجد فوقعت على رأسه فصرعته، وهو يتمثل: أسماء يا أسماء لا تبكيني لم يبق إلا حسبي وديني وصارم لاثت به يميني وقال الواقدي: حدثنا فروة بن زبيد، عن عباس بن سهل بن سعد، قال: سمعت ابن الزبير يقول: ما أراني اليوم إلا مقتولا، لقد رأيت في

ص: 838

ليلتي كأن السماء فرجت لي فدخلتها، فقد والله مللت الحياة وما فيها، ولقد قرأ في الصبح يومئذ متمكنا {ن وَالْقَلَمِ} حرفا حرفا، وإن سيفه لمسلول إلى جنبه، وإنه ليتم الركوع والسجود كهيئته قبل ذلك.

وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه، قال: سمع ابن عمر التكبير فيما بين المسجد إلى الحجون حين قتل ابن الزبير، فقال ابن عمر: لمن كان كبر حين ولد ابن الزبير أكثر وخير ممن كبر على قتله.

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: قال ابن الزبير: ما شيء كان يحدثنا به كعب إلا قد أتى على ما قال، إلا قوله: فتى ثقيف يقتلني، وهذا رأسه بين يدي، يعني المختار.

وقال عبد الوهاب بن عطاء، عن زياد بن أبي زياد الجصاص، عن علي بن زيد، عن مجاهد، أن ابن عمر قال لغلامه: لا تمر بي على ابن الزبير، يعني وهو مصلوب. قال: فغفل الغلام فمر به، فرفع رأسه، فرآه، فقال: رحمك الله، ما علمتك إلا صواما قواما وصولا للرحم، أما والله إني لأرجو مع مساوئ ما قد عملت من الذنوب أن لا يعذبك الله. قال: ثم التفت إلي فقال: حدثني أبو بكر الصديق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يعمل سوءا يجز به في الدنيا.

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب الخلفاء: وصلب ابن الزبير منكسا، وكان آدم نحيفا، ليس بالطويل، بين عينيه أثر السجود، يكنى: أبا بكر، وأبا خبيب، وبعث عماله على الحجاز والمشرق كله.

وقال ابن المبارك، عن جويرية بن أسماء، عن جدته: إن أسماء بنت أبي بكر غسلت ابن الزبير بعد ما تقطعت أوصاله، وجاء الإذن من عبد الملك بن مروان عندما أبى الحجاج أن يأذن لها، وحنطته وكفنته وصلت عليه، وجعلت فيه شيئا حين رأته يتفسخ إذا مسته.

ص: 839

قال مصعب بن عبد الله: حملته فدفنته في المدينة في دار صفية بنت حيي، ثم زيدت دار صفية في المسجد، فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما.

قال ابن إسحاق وجماعة كثيرة: قتل في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين، وله نيف وسبعون سنة.

وقال ضمرة، وأبو نعيم، وعثمان بن أبي شيبة: قتل سنة اثنتين وسبعين.

والصحيح ما تقدم.

58 -

د ن ق:‌

‌ عبد الله بن زرير الغافقي المصري

.

من شيعة علي ومحبيه. وفد على علي من مصر.

يروي عنه مرثد اليزني، وعياش القتباني، وعبد الله بن هبيرة السبئي.

توفي سنة ثمانين.

59 -

‌ عبد الله بن سعد بن خيثمة الأنصاري الأوسي

.

له صحبة، شهد الحديبية وخيبر، فشهدها وله فيما قال الواقدي سبع عشرة سنة.

وتوفي بعد مقتل ابن الزبير بالمدينة. واستشهد أبوه يوم بدر، وجده يوم أحد.

وقد تفرد رباح بن أبي معروف، عن المغيرة بن حكيم، وكل منهما ثقة، قال: سألت عبد الله بن سعد بن خيثمة: أشهدت بدرا؟ قال: نعم، والعقبة مع أبي رديفا. رواه أبو عاصم، وأبو داود، وأبو أحمد الزبيري، عن رباح.

60 -

4:‌

‌ عبد الله بن سلمة المرادي

.

عن علي، وابن مسعود، وصفوان بن عسال، وجماعة.

وعنه عمرو بن مرة، وأبو إسحاق، وأبو الزبير المكي.

ص: 840

وثقه العجلي.

وقال البخاري: لا يتابع في حديثه.

وقال عمرو بن مرة: كان قد كبر، فكان يحدثنا فنعرف وننكر.

ويقال: لقي عمر.

61 -

م:‌

‌ عبد الله بن شهاب أبو الجزل

.

روى عن عمر وعائشة.

وعنه الشعبي، وخيثمة بن عبد الرحمن، وشبيب بن غرقدة. ذكره ابن أبي حاتم.

62 – م 4:‌

‌ عبد الله بن الصامت الغفاري البصري

.

من جلة التابعين.

روى عن عمه أبو ذر الغفاري، وعمر بن الخطاب، وجماعة.

وقد تأخرت وفاته عن هذه الطبقة، فسيعاد إن شاء الله تعالى.

63 -

م ن ق:‌

‌ عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب

، أبو صفوان الجمحي المكي.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن أبيه، وعمر، وأبي الدرداء، وحفصة، وصفية بنت أبي عبيد. وغيرهم.

روى عنه حفيده أمية بن صفوان بن عبد الله، وابن أبي مليكة، وسالم بن أبي الجعد، وعمرو بن دينار، والزهري.

وكان من سادات قريش وأشرافهم، وله دار بدمشق.

قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن سلام، قال: حدثني يزيد بن

ص: 841

عياض بن جعدبة، قال: لما قدم معاوية مكة لقيه عبد الله بن صفوان على بعير، فسايره، فقال أهل الشام: من هذا الأعرابي الذي يساير أمير المؤمنين! فلما انتهى إلى مكة إذا الجبل أبيض من غنم عليه، فقال: يا أمير المؤمنين هذه ألفا شاة أجزرتكها، فقسمها معاوية في جنده، فقالوا: ما رأينا أسخى من ابن عم أمير المؤمنين هذا الأعرابي.

وروى ابن أبي مليكة: أن عمر بن عبد العزيز، قال له: ما بلغ ابن صفوان ما بلغ؟ قلت: سأخبرك، والله لو أن عبدا وقف عليه يسبه ما استنكف عنه، إنه لم يكن يأتيه أحد قط إلا كان أول خلق الله تسرعا إليه بالرجال، ولم يسمع بمفازة إلا حفرها، ولا ثنية إلا سهلها.

وعن مجاهد، أنه وصف ابن صفوان بالحلم والاحتمال.

وقال الزبير: حدثني محمد بن سلام، عن أبي عبد الله الأزدي، قال: وفد المهلب بن أبي صفرة الأزدي على ابن الزبير، فأطال الخلوة معه، فجاء ابن صفوان، فقال: من هذا الذي قد شغلك منذ اليوم؟ قال: هذا سيد العرب بالعراق؛ قال: ينبغي أن يكون المهلب، فقال المهلب: من هذا الذي يسأل عني يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا سيد قريش بمكة. قال: ينبغي أن يكون عبد الله بن صفوان.

وقال يحيى بن سعيد: رأيت رأس ابن الزبير، ورأس عبد الله بن مطيع، ورأس عبد الله بن صفوان أتي بها إلينا المدينة. رواه ابن عيينة، عن يحيى.

وقال خليفة: قتل وهو متعلق بأستار الكعبة مع ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين.

64 -

ع: غير ت:‌

‌ عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني

.

رأى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه حديثا أخرجه النسائي.

وروى أيضا عن

ص: 842

عمه عبد الله بن مسعود، وعمر بن الخطاب، وعمار، وأبي هريرة.

روى عنه ابناه الفقيه عبيد الله، وعون الزاهد، ومحمد بن سيرين، وأبو إسحاق السبيعي.

قال ابن سعد: كان ثقة، رفيعا، كثير الحديث والفتيا.

توفي سنة أربع وسبعين.

65 -

ع:‌

‌ عبد الله بن عمر بن الخطاب

. أبو عبد الرحمن القرشي العدوي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن وزيره.

هاجر به أبوه قبل أن يحتلم، واستصغر عن أحد، وشهد الخندق وما بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو شقيق حفصة أم المؤمنين، أمهما زينب بنت مظعون.

روى علما كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر، والسابقين.

روى عنه بنوه حمزة، وسالم، وبلال، وزيد، وعبد الله، وعبيد الله، ومولاه نافع، ومولاه عبد الله بن دينار، وسعيد بن المسيب، وعروة، وسعيد بن جبير، وطاوس، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، والشعبي، وأبو سلمة، وزيد بن أسلم، وأبوه أسلم، وآدم بن علي، وبشر بن حرب، وجبلة بن سحيم، وثابت البناني، وعمرو بن دينار، وثوير بن أبي فاختة، وأبو الزبير المكي، وخلق كثير.

قال أبو بكر ابن البرقي: كان ربعة، وكان يخضب بالصفرة، وتوفي بمكة سنة أربع وسبعين.

وقال ابن يونس: شهد فتح مصر.

وقال غيره: شهد الغزو بفارس.

وقال أبو إسحاق: رأيت ابن عمر آدم جسيما ضخما له إزار إلى نصف الساقين يطوف.

وقال أبو معاوية: حدثنا هشام بن عروة، قال: رأيت ابن عمر له جمة.

ص: 843

وروى حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس، وسعيد بن المسيب؛ قالا: شهد ابن عمر بدرا، قال الواقدي: وهذا غلط بين.

وقال نافع، عن ابن عمر، قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة، فلم يجزني، وأجازني يوم الخندق.

وقال أبو إسحاق، عن البراء، قال: عرضت أنا وابن عمر يوم بدر، فاستصغرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى سالم، وغيره، عن ابن عمر قال: كنت غلاما، عزبا شابا، وكنت أنام في المسجد، فرأيت كأن ملكين أتياني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، لها قرون كقرون البئر، فرأيت فيها ناسا قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، فلقينا ملك فقال: لن تراع، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل. قال: فكان عبد الله لا ينام بعد من الليل إلا قليلا.

وفي رواية صحيحة قال: إن عبد الله رجل صالح.

وقال الأعمش، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله بن مسعود: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر.

وقال ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، قال: لقد رأيتنا ونحن متوافرون، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من عبد الله بن عمر.

وقال أبو سعد البقال: حدثنا أبو حصين، عن شقيق، عن حذيفة، قال: ما منا أحد يفتش إلا يفتش عن جائفة أو منقلة، إلا عمر وابنه.

وقال سالم بن أبي الجعد، عن جابر، قال: ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به، إلا ابن عمر.

ص: 844

وعن عائشة قالت: ما رأيت أحدا ألزم للأمر الأول من ابن عمر.

وقال أبو سفيان بن العلاء أخو أبي عمرو، عن ابن أبي عتيق، قال: قالت عائشة لابن عمر: ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلا قد استولى عليك وظننتك لن تخالفيه، يعني ابن الزبير.

وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة قال: مات ابن عمر وهو في الفضل مثل أبيه.

وقال قتادة، وغيره، عن سعيد بن المسيب قال: لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر، وكان يوم مات خير من بقي.

وعن طاوس قال: ما رأيت أورع من ابن عمر.

وقال جويرية، عن نافع: إن ابن عمر كان ربما لبس المطرف الخز ثمنه خمس مائة درهم.

أبو أسامة: حدثنا عمر بن حمزة، قال: أخبرني سالم، عن ابن عمر قال: إني لأظن قسم لي منه ما لم يقسم لأحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم. يعني الجماع. تفرد به عمر، وهو ثقة.

عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عثمان بن موسى، عن نافع، أن ابن عمر تقلد سيف عمر يوم قتل عثمان، وكان محلى، قلت: كم كانت حليته؟ قال: أربع مائة.

وقال محمد بن سوقة: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول: كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لا يزيد ولا ينقص، لم يكن أحد من الصحابة في ذلك مثله.

وقال ابن وهب: أخبرني مالك، عمن حدثه: أن ابن عمر كان يتبع أمر النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره وحاله ويهتم به حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك.

وقال خارجة بن مصعب، عن موسى بن عقبة، عن نافع، قال: لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت: هذا مجنون.

وقال عبد العزيز الماجشون، عن عبد الله بن عمر، عن نافع: إن ابن عمر كان يتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مكان صلى فيه، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم نزل

ص: 845

تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهدها فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس.

وعن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تركنا هذا الباب للنساء. قال: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. متفق على صحته.

وقال عاصم بن محمد العمري، عن أبيه، قال: ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى.

وقال يوسف بن ماهك: رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير وهو يقص، فرأيت ابن عمر وعيناه تهراقان دمعا.

وقال أبو شهاب: حدثنا حبيب بن الشهيد، قال: قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: لا تطيقونه الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما.

وقال عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع: إن ابن عمر كان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا بقية ليلته.

وقال ابن المبارك: أخبرنا عمر بن محمد بن زيد، قال: أخبرني أبي أن عبد الله بن عمر كان يصلي ما قدر، ثم يصير إلى الفراش، فيغفي إغفاءة الطائر، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي، يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمسة.

وقال نافع: كان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولا يكاد يفطر في الحضر.

وقال سالم: ما لعن ابن عمر خادما له إلا مرة، فأعتقه.

وقال محمد بن مطرف: عن أبي حازم، عن عبد الله بن دينار، قال: خرجت مع ابن عمر إلى مكة فعرسنا، فانحدر علينا راع من جبل، فقال له ابن عمر: أراع أنت؟ قال: نعم. قال: بعني شاة من الغنم؟ قال: إني

ص: 846

مملوك. قال: قل لسيدك أكلها الذئب. قال: فأين الله عز وجل؟ قال ابن عمر: فأين الله، ثم بكى، واشتراه بعد فأعتقه.

وروى أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر نحوا منه.

وقال عبيد الله، عن نافع، قال: ما أعجب ابن عمر شيء إلا قدمه.

وقال يزيد بن هارون: أخبرنا محمد بن عمرو بن حماس، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: خطرت هذه الآية {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} فما وجدت شيئا أحب إلي من جاريتي رميثة، فعتقتها، فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها، فأنكحتها نافعا، فهي أم ولده.

وقال قتيبة: حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع قال: كان رقيق عبد الله ربما شمر أحدهم فيلزم المسجد فيعتقه، فيقولون له: إنهم يخدعونك، فيقول: من خدعنا بالله انخدعنا له، وما مات حتى أعتق ألف إنسان أو زاد، وكان يحيي الليل صلاة.

الفضل بن موسى السيناني، وغيره، عن أبي حمزة السكري، عن إبراهيم الصائغ، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان له كتب ينظر فيها قبل أن يخرج إلى الناس.

الصائغ صدوق، قال أبو حاتم: لا يحتج به.

وقال ابن وهب: أخبرنا عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله، قال: حدثنا أبي أن ابن عمر كاتب غلاما له بأربعين ألفا، فخرج إلى الكوفة، فكان يعمل على حمر له حتى أدى خمسة عشر ألفا، فجاءه إنسان فقال: أمجنون أنت، أنت هاهنا تعذب نفسك وابن عمر يشتري الرقيق، ويعتق! ارجع فقل له: قد عجزت، فجاء إليه فقال: قد عجزت وهذه صحيفتي فامحها، قال: لا، ولكن أمحها إن شئت، فمحاها، ففاضت عيناه، وقال:

ص: 847

اذهب فأنت حر، قال: أصلحك الله، أحسنت إلي، أحسن إلى ابني هذين. قال: هما حران. قال: أحسن إلى أميهما. قال: هما حرتان، فأعتق الخمسة.

وقال عاصم بن محمد العمري، عن أبيه قال: أعطى عبد الله بن جعفر ابن عمر بنافع عشرة آلاف درهم أو ألف دينار، فدخل على صفية امرأته فأخبرها، قالت: فما تنتظر! قال: فهلا ما هو خير من ذلك؟ هو حر لوجه الله.

وقال معمر، عن الزهري قال: أراد ابن عمر أن يلعن خادما، فقال: اللهم الع، فلم يتمها، وقال: إن هذه الكلمة لا أحب أن أقولها.

وعن نافع قال: أتي ابن عمر ببضعة وعشرين ألفا، فما قام حتى فرقها وزاد عليها.

وروى برد بن سنان، عن نافع قال: إن كان ابن عمر ليقسم في المجلس الواحد ثلاثين ألفا، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة من لحم.

وقال أيوب، عن نافع، قال: بعث معاوية إلى ابن عمر بمائة ألف، فما حال عليها الحول.

وقال حماد، عن أيوب، عن نافع، قال: اشتهى ابن عمر العنب في مرضه في غير وقته، فجاؤوه بسبع حبات عنب بدرهم فجاء سائل، فأمر له به ولم يذقه.

وقال مالك بن مغول، عن نافع: إن ابن عمر أتي بجوارش فكرهه وقال: ما شبعت منذ كذا وكذا.

وقال جعفر بن محمد، عن نافع: إن المختار بن أبي عبيد كان يرسل إلى ابن عمر بالمال، فيقبله ويقول: لا أسأل أحدا، ولا أرد ما رزقني الله عز وجل.

قلت: المختار هو أخو صفية زوجة ابن عمر.

وقال قبيصة: حدثنا سفيان، عن أبي الوازع، قلت لابن عمر:

ص: 848

لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، فغضب وقال: إني لأحسبك عراقيا، وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابه!.

وقال أبو جعفر الرازي، عن حصين، قال: قال ابن عمر: إني لأخرج وما لي حاجة إلا لأسلم على الناس ويسلمون علي.

قال مالك: كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر، مكث ستين سنة يفتي الناس.

وقال أسامة بن زيد، عن عبد الله بن واقد، قال: رأيت ابن عمر قائما يصلي، فلو رأيته رأيته مقلوليا، ورأيته يفت المسك في الدهن يدهن به.

وقال معتمر: سمعت عبد الملك بن أبي جميلة، عن عبد الله بن موهب أن عثمان قال لابن عمر: اقض بين الناس، قال: أوتعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: فما تكره من ذلك وقد كان أبوك يقضي؟! قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان قاضيا فقضى بالعدل فبالحري أن ينفلت منه كفافا فما أرجو بعد ذلك؟ أخرجه الترمذي.

وقال عبد الله بن إدريس، عن ليث، عن نافع قال: لما قتل عثمان جاء علي بن أبي طالب إلى ابن عمر فقال: إنك محبوب إلى الناس، فسر إلى الشام، فقال ابن عمر: بقرابتي وصحبتي النبي صلى الله عليه وسلم والرحم التي بيننا، فلم يعاوده.

وقال ابن عيينة، عن عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: بعث إلي علي: إنك مطاع في أهل الشام، فسر، فقد أمرتك عليهم، فقلت: أذكرك الله وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتي إياه إلا ما أعفيتني، فأبى علي، فاستعنت عليه بحفصة، فأبى، فخرجت ليلا إلى مكة، فقيل له: قد خرج إلى الشام، فبعث في أثري، فأرسلت إليه حفصة: إنه لم يخرج إلى الشام، إنما خرج إلى مكة.

وقال مسعر، عن أبي حصين، قال: قال معاوية: من أحق بهذا الأمر

ص: 849

منا؟ وابن عمر شاهد، قال: فأردت أن أقول أحق منك من ضربك عليه وأباك، فخفت الفساد.

وروى عكرمة بن خالد، وغيره، عن ابن عمر، قال: خطب معاوية بعد الحكمين فقال: من أراد أن يتكلم فليطلع إلي قرنه، فلنحن أحق بهذا الأمر، قال: فحللت حبوتي وأردت أن أقول: أحق به من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع وتسفك الدماء، فذكرت ما أعد الله في الجنان.

وقال جرير بن حازم، عن يعلى، عن نافع، قال: قدم أبو موسى، وعمرو للتحكيم، فقال أبو موسى: لا أرى لهذا الأمر غير عبد الله بن عمر، فقال عمرو لابن عمر: أما تريد أن نبايعك؟ فهل لك أن تعطى مالا عظيما، على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك، فغضب وقام، فأخذ ابن الزبير بطرف ثوبه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنما قال تعطي مالا على أن أبايعك فقال: والله لا أعطي عليها ولا أعطى، ولا أقبلها إلا عن رضى من المسلمين.

وقال خالد بن نزار الأيلي، عن سفيان، عن مسعر، عن علي بن الأقمر قال: قال مروان لابن عمر: ألا تخرج إلى الشام فيبايعوك؟ قال: فكيف أصنع بأهل العراق؟ قال: تقاتلهم بأهل الشام، قال: والله ما يسرني أن يبايعني الناس كلهم إلا أهل فدك، وإني قاتلتهم فقتل منهم رجل واحد، فقال مروان:

إني أرى فتنة تغلي مراجلها والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا قلت: أبو ليلى هو معاوية بن يزيد.

وقال أبو عوانة، عن مغيرة، عن فطر، قال: قال رجل لابن عمر: ما أحد شر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم منك، قال: ولم! قال: إنك لو شئت ما اختلف فيك اثنان، قال: ما أحب أنها أتتني ورجل يقول: لا، وآخر يقول: بلى.

وقال يونس بن عبيد، عن نافع، قال: كان ابن عمر يسلم على الخشبية والخوارج وهم يقتتلون، فقال: من قال: حي على الصلاة أجبته،

ص: 850

ومن قال: حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله، فلا.

وقال الزهري: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر، قال: أقبل علينا ابن عمر فقال: ما وجدت في نفسي من أمر هذا الأمة ما وجدت في نفسي من أن أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله، فقلنا له: ومن ترى الفئة الباغية؟ قال: ابن الزبير بغى على هؤلاء القوم، فأخرجهم من ديارهم ونكث عهدهم.

وقال العوام بن حوشب، عن عياش العامري، عن سعيد بن جبير قال: لما احتضر ابن عمر قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل هذه الفئة الباغية التي نزلت بنا، يعني الحجاج.

قلت: هذا ظن من بعض الرواة، وإلا فهو قد قال: الفئة الباغية ابن الزبير كما تقدم، والله أعلم.

وقال أيوب، عن نافع، قال: أصابت ابن عمر عارضة المحمل بين إصبعيه عند الجمرة، فمرض، فدخل عليه الحجاج، فلما رآه ابن عمر أغمض عينيه، قال: فكلمه الحجاج فلم يكلمه، فغضب وقال: إن هذا يقول: إني على الضرب الأول.

وقال سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص: إن ابن عمر قدم حاجا، فدخل عليه الحجاج وقد أصابه زج رمح، فقال: من أصابك؟ قال: أصابني من أمرتموه بحمل السلاح في مكان لا يحل فيه حمله، رواه البخاري.

قال الأسود بن شيبان: حدثنا خالد بن سمير قال: خطب الحجاج فقال: إن ابن الزبير حرف كتاب الله، فقال له ابن عمر: كذبت كذبت، ما يستطيع ذلك ولا أنت معه، فقال: اسكت فإنك قد خرفت وذهب عقلك يوشك شيخ أن يضرب عنقه فيخر، قد انتفت خصيتاه، يطوف به صبيان أهل البقيع.

وقال أيوب، وغيره، عن نافع: قدم معاوية المدينة، فحلف على المنبر ليقتلن ابن عمر، فلما دنا من مكة تلقاه الناس، فقال له عبد الله بن

ص: 851

صفوان: إيها، جئتنا لتقتل ابن عمر! قال: ومن يقول هذا! ومن يقول هذا!. زاد ابن عون، عن نافع قال: والله لا أقتله.

وقال مالك: بلغ ابن عمر سبعا وثمانين سنة.

قلت: بلغ أربعا وثمانين سنة لأنه قال: إنه كان يوم الخندق ابن خمس عشرة سنة.

قال ضمرة بن ربيعة، والهيثم، وأبو نعيم، وابن المديني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو مسهر: توفي سنة ثلاث وسبعين.

وقال سعيد بن عفير، وخليفة: توفي سنة أربع.

قلت: هذا أصح، لأنه صلى على رافع بن خديج.

وعن نافع، وغيره، أن ابن عمر أوصى عند الموت: ادفنوني خارج الحرم، فلم نقدر على ذلك من الحجاج، قال: فدفناه بفخ في مقبرة المهاجرين. زاد بعضهم: وصلى عليه الحجاج.

66 -

‌ عبد الله بن عياش بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي

.

قال خليفة: قتل بسجستان سنة ثمان وسبعين مع عبيد الله بن أبي بكرة، كذا قال في تاريخه.

وقال في الطبقات له: إن الذي قتل مع عبيد الله بسجستان عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي الذي ولد بأرض الحبشة.

67 -

‌ عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي

.

ولد بأرض الحبشة، وله رؤية وشرف، وكان من أقرأ أهل المدينة لكتاب الله وأقومهم به.

قرأ على أبي بن كعب، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع

ص: 852

من: عمر، وأبيه، وابن عباس.

روى عنه ابنه الحارث، وسليمان بن يسار، وسعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، وزياد مولى ابن عياش، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع مولاه أيضا، ونافع مولى ابن عمر.

قال سعيد بن داود الزنبري: حدثنا مالك، قال: قال نافع: سمعت من عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة حديثا لا أدري عمن حدث به، قال: يبعث الله ريحا بين يدي الساعة لا تدع أحدا في قلبه من الخير شيء إلا أماتته.

وقد قرأ على ابن عياش القرآن مولاه أبو جعفر أحد العشرة، وذكر أنه كان يمسك المصحف على مولاه عبد الله.

والذي أعتقد أن أبا الحارث عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة بقي إلى هذا الزمان، وأنه لم يمت سنة ثمان وأربعين كما غلط بعضهم وصحف سبعين بأربعين.

68 – م:‌

‌ عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي العدوي المدني

.

ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحدث عن أبيه. روى عنه الشعبي، وغيره.

وله حديث في صحيح مسلم. وقد ولاه ابن الزبير على الكوفة، فلما غلب عليها المختار هرب عبد الله وقدم مكة، فكان مع ابن الزبير، وكان أحد الشجعان المذكورين، وكان على قريش يوم الحرة أيضا.

الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عيسى بن طلحة قال: قلت لعبد الله بن مطيع: كيف نجوت يوم الحرة؟ قال: كنا نقول: لو أقاموا شهرا ما فعلوا بنا شيئا، فلما صنع بنا ما صنع وولى الناس ذكرت قول الحارث بن هشام:

وعلمت أني إن أقاتل واحدا أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي فتواريت، ثم لحقت بابن الزبير، ثم قال عيسى: قال عبد الملك بن مروان: نجا ابن مطيع من مسلم بن عقبة، ثم لحق بابن الزبير، ونجا ولحق

ص: 853

بالعراق، وكثر علينا في كل وجه، ولكن من رأيي الصفح عنه وعن غيره من قومي.

وعن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: استعمل أبي على الكوفة ابن مطيع.

وعن عروة قال: فقدم المختار الكوفة، وحرض الناس على ابن مطيع، وقويت شوكته، فهرب ابن مطيع من الكوفة، ولحق بابن الزبير، فكان معه بمكة إلى أن توفي قبل ابن الزبير بيسير في الحصار، أصابه حجر المنجنيق فقتله بمكة مع ابن الزبير وهو في عشر السبعين.

69 -

‌ عبد الله بن همام أبو عبد الرحمن السلولي الكوفي

.

أحد الشعراء الفصحاء. مدح يزيد بن معاوية بعد أن هجاه لما استخلف بقوله من أبيات:

شربنا الغيظ حتى لو سقينا دماء بني أمية ما روينا ولو جاؤوا برملة أو بهند لبايعنا أميرة مؤمنينا

70 -

ع:‌

‌ عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولى نافع بن عبد الحارث

.

استنابه نافع على مكة حين التقى عمر بن الخطاب إلى عسفان، فقال: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: ابن أبزى، وقال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، ثم إن عبد الرحمن سكن الكوفة ووليها مرة.

وله صحبة ورواية، وروى أيضا عن: أبي بكر، وعمر، وأبي بن كعب، وعمار.

روى عنه ابناه سعيد، وعبد الله، والشعبي، وعلقمة بن مرثد، وأبو إسحاق السبيعي، وجماعة.

وذكر ابن الأثير أن عليا استعمله على خراسان.

ويروى عن عمر، قال: ابن أبزى ممن رفعه الله بالقرآن.

71 -

ع:‌

‌ عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي

.

ص: 854

توفي أبوه وله ست سنين، وقد حفظ عن أبيه شيئا.

وروى عن علي، والأشعث بن قيس، ومسروق، وغيرهم.

روى عنه ابناه القاسم ومعن وهما من علماء الكوفة، وسماك بن حرب وأبو إسحاق وآخرون.

وثقة ابن معين، وقال: لم يسمع لا هو ولا أخوه أبو عبيدة من أبيهما شيئا.

قلت: وحديثه في الصحيحين عن مسروق وحديثه في السنن الأربعة عن أبيه وهو قليل الحديث.

توفي سنة تسع وسبعين.

72 -

ع:‌

‌ عبد الرحمن بن عبدٍ القاري المدني

، والقارة وعضل أخوان من ذرية مدركة بن إلياس.

قال أبو داود: أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير.

قلت: روى عن عمر، وأبي طلحة زيد بن سهل، وأبي أيوب خالد بن زيد.

روى عنه عروة، وعبيد الله بن عبد الله، والأعرج، والزهري وغيرهم.

وعاش ثمانيا وسبعين سنة، توفي سنة ثمانين، وهو من ثقات التابعين الكبار.

73 -

م د ن:‌

‌ عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله القرشي التيمي

، ابن أخي طلحة بن عبيد الله.

له صحبة ورواية، أسلم يوم الحديبية، وقيل: يوم الفتح.

وروى أيضا عن عمه، وعثمان بن عفان، وغيرهم.

روى عنه بنوه: عثمان، ومعاذ، وهند، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ومحمد بن المنكدر، وغيرهم.

وكان يقال له: شارب الذهب. وهو ابن أخت عبد الله بن جدعان التيمي.

قتل مع ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين.

ص: 855

74 -

ع:‌

‌ عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله المرادي الصنابحي

نزيل الشام.

هاجر فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه بخمس أو ست ليال.

وروى عن أبي بكر، ومعاذ، وبلال، وعبادة بن الصامت، وغيرهم.

روى عنه عطاء بن يسار، ومحمود بن لبيد، ومكحول، وأبو عبد الرحمن الحبلي، ومرثد بن عبد الله اليزني، وربيعة بن يزيد، وجماعة.

وكان صالحا، عارفا، كبير القدر.

قال محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن الصنابحي قال: دخلت على عبادة بن الصامت وهو في الموت، فبكيت، فقال: مه، لم تبكي، فوالله لئن استشهدت لأشهدن لك، ولئن شفعت لأشفعن لك، ولئن استطعت لأنفعنك. ثم قال: ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه، إلا حديثا واحدا، وسوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار. رواه مسلم.

وقال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عبد الرحمن الصنابحي، قال: ما فاتني النبي صلى الله عليه وسلم إلا بخمس ليال، قبض وأنا بالجحفة، فقدمت المدينة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، فسألت بلالا عن ليلة القدر، فلم يعتم. وقال: ليلة ثلاث وعشرين.

وقال ابن عون: حدثنا رجاء بن حيوة، عن محمد بن الربيع، قال: كنا عند عبادة بن الصامت، فأقبل الصنابحي، فقال عبادة: من سره أن ينظر إلى رجل كأنما رقي به فوق سبع سماوات فعمل على ما رأى فلينظر إلى هذا.

قال يحيى بن معين: عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي أدرك عبد الملك بن مروان، وكان يجلس معه على السرير، يروي عن أبي بكر، قال:

ص: 856

وعبد الله الصنابحي يروي عنه المدنيون، يشبه أن يكون له صحبة.

وقال علي ابن المديني: الذي روى عنه قيس بن أبي حازم في الحوض هو الصنابحي بن الأعسر الأحمسي، له صحبة، وأبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي.

وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.

وقال يعقوب بن شيبة: هؤلاء الصنابحيون إنما هم اثنان فقط: الصنابح الأحمسي، وهو: الصنابح بن الأعسر، فمن قال الصنابحي فيه فقد أخطأ، يروي عنه الكوفيون، قيس بن أبي حازم، وغيره، وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، يروي عنه أهل الحجاز وأهل الشام، دخل المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث أو أربع ليال.

روى عن أبي بكر، وبلال، وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. فمن قال: أبو عبد الرحمن الصنابحي فقد أخطأ، ومن قال: عبد الله الصنابحي فقد أخطأ، وجعل كنيته اسمه.

قلت: توفي بدمشق.

75 -

4:‌

‌ عبد الرحمن بن غنم الأشعري

نزيل فلسطين.

روى عن عمر، وعلي، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وأبي مالك الأشعري.

روى عنه ابنه محمد، وأبو سلام ممطور الحبشي الأسود، وأبو إدريس الخولاني، وشهر بن حوشب، ومكحول، ورجاء بن حيوة، وعبادة بن نسي، وإسماعيل بن عبيد الله، وصفوان بن سليم.

قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، بعثه عمر إلى الشام يفقه الناس.

وكان أبوه ممن هاجر مع أبي موسى.

وقال أبو القاسم البغوي: ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مختلف في صحبته.

ص: 857

قلت: وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده له أحاديث، وهي مراسيل فيما يغلب على الظن.

وذكره يحيى بن بكير في الصحابة.

وذكر عن الليث، وابن لهيعة أنهما قالا: له صحبة.

وقال الترمذي: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو مسهر: وبفلسطين عبد الرحمن بن غنم الأشعري، وهو رأس التابعين.

وقال الهيثم، وخليفة: توفي سنة ثمان وسبعين.

76 -

‌ عبيد الله بن أبي بكرة أبو حاتم الثقفي الأمير

، ابن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، أمير سجستان.

ولد سنة أربع عشرة، وكان أحد الكرام الأجواد.

روى عن أبيه، وعلي بن أبي طالب.

روى عنه سعيد بن جمهان، ومحمد بن سيرين، وغيرهما.

وقد ولي قضاء البصرة.

قال خليفة: وفي سنة ثلاث وخمسين عزل عبيد الله بن أبي بكرة عن سجستان، وكان قد وليها في سنة خمسين، ثم وليها في إمرة الحجاج.

كان عبيد الله بن أبي بكرة أسود اللون.

قال أبو هلال، عن أبي جمرة قال: أول من رأيناه يتوضأ بالبصرة هذا الوضوء عبيد الله بن أبي بكرة، فقلت: انظروا إلى هذا الحبشي يلوط إسته، يعني يستنجي بالماء.

وقال أحمد العجلي: وهو تابعي ثقة.

ص: 858

وقال محمد بن سلام الجمحي، عن مؤرج، قال: كان عبيد الله بن أبي بكرة من الأجواد، فاشترى جارية يوما بمال عظيم، فطلب دابة تحمل عليها، فجاء رجل فنزل عن دابته، فحملها عليها، فقال له: اذهب بها إلى منزلك.

وقال جرير بن حازم: كان عبيد الله بن أبي بكرة ينفق على جيرانه، ينفق على أربعين دارا عن يمينه، وأربعين عن يساره، وأربعين أمامه، وأربعين ورائه، سائر نفقاتهم، ويبعث إليهم بالتحف والكسوة ويزوج من أراد منهم التزويج، ويعتق في كل عيد مائة عبد.

وروى قريش بن أنس أن محمد بن المهلب بن أبي صفرة وجه إلى عبيد الله بن أبي بكرة أنه أصابتني علة، فوصف لي لبن البقر، قال: فبعث إليه بسبع مائة بقرة ورعاتها.

وروى المدائني، عن سلمة بن محارب، وذكره الكلبي، أن يزيد بن مفرغ الحميري قدم على عبيد الله بن أبي بكرة بسجستان، فأمر له بخمسين ألفا، فانصرف وهو يقول:

يسائلني أهل العراق عن الندى فقلت: عبيد الله حلف المكارم فتى حاتمي في سجستان داره وحسبك منه أن يكون كحاتم سما لبناء المكرمات فنالها بشدة ضرغام وبذل الدراهم قال خليفة: توفي سنة تسع وسبعين بسجستان.

77 -

عبيد الله بن قيس الرقيات القرشي العامري الحجازي.

أحد الشعراء المجودين. مدح مصعب بن الزبير، وعبد الله بن جعفر، وكان مولده في أيام عمر.

وهو القائل:

خليلي ما بال المطايا كأنها نراها على الأدبار بالقوم تنكص الأبيات المشهورة.

وقيل لأبيه: قيس الرقيات لأن له جدات عدة يسمين رقية.

ص: 859

78 -

م 4:‌

‌ عبيد بن نضيلة أبو معاوية الخزاعي الكوفي المقرئ

، مقرئ أهل الكوفة.

سمع المغيرة بن شعبة، ومسروقا، وعبيدة السلماني، وأرسل عن ابن مسعود، وقرأ القرآن على علقمة.

قرأ عليه حمران بن أعين، ويحيى بن وثاب، وروى عنه إبراهيم النخعي، وأشعث بن سليم، والحسن العرني.

قيل: إنه توفي في ولاية بشر بن مروان العراق، وكان مقرئ أهل الكوفة في زمانه، ويقال: قرأ على ابن مسعود، رواه يحيى بن آدم، عن الكسائي، عن أبي محمد الأنصاري، عن الأعمش، قال: قرأت على يحيى بن وثاب، قلت: فيحيى على من قرأ؟ قال: على عبيد بن نضيلة، وقرأ عبيد على ابن مسعود.

79 -

ع:‌

‌ عبيد بن عمير بن قتادة أبو عاصم الليثي الجندعي المكي

الواعظ المفسر.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى عن عمر، وعلي، وأبي، وأبي ذر، وعائشة، وأبي موسى، وابن عباس، وأبيه عمير.

روى عنه ابنه عبد الله، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وعبد العزيز بن رفيع، وأبو الزبير، وطائفة سواهم.

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يحضر مجلسه، وكان ثقة إماما.

قال حماد بن سلمة، عن ثابت قال: أول من قص عبيد بن عمير على عهد عمر بن الخطاب.

وقال أبو بكر بن عياش، عن عبد الملك، عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت له: خفف فإن الذكر ثقيل، تعني إذا وعظت.

ص: 860

وقال عبد الواحد بن أيمن: رأيت عبيد بن عمير له جمة إلى قفاه، ولحيته صفراء.

توفي قبل وفاة ابن عمر بيسير، وقيل: توفي سنة أربع وستين.

80 -

ع:‌

‌ عبيدة بن عمرو السلماني المرادي

، من سلمان بن ناجية بن مراد.

كان أحد الفقهاء الكبار بالكوفة. أسلم زمن الفتح، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ عن: علي، وابن مسعود.

روى عنه إبراهيم النخعي، والشعبي، ومحمد بن سيرين، وعبد الله بن سلمة المرادي، وأبو حسان مسلم الأعرج، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون.

قال الشعبي: كان عبيدة يوازي شريحا في القضاء.

وقال أحمد العجلي: كان عبيدة أعور، وكان أحد أصحاب ابن مسعود الذين يفتون ويقرئون.

وقال ابن سيرين: ما رأيت رجلا كان أشد توقيا من عبيدة، وكان ابن سيرين مكثرا عن عبيدة.

هشام، عن ابن سيرين: سمعت عبيدة يقول: أسلمت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، وصليت ولم ألقه.

هشام بن حسان، عن محمد، عن عبيدة قال: اختلف الناس في الأشربة، فما لي شراب منذ ثلاثين سنة إلا العسل واللبن والماء.

هشام بن حسان، عن محمد؛ قلت لعبيدة: إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من قبل أنس، فقال: لأن يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء على ظهر الأرض.

توفي على الصحيح سنة اثنتين وسبعين.

قال أبو أحمد الحاكم: كنيته أبو مسلم، وأبو عمرو.

ص: 861

81 -

4:‌

‌ العرباض بن سارية أبو نجيح السلمي

.

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد أصحاب الصفة التي بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن البكائين الذين نزل فيهم:{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} الآية.

سكن حمص، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي عبيدة.

روى عنه جبير بن نفير، وأبو رهم السماعي، وعبد الرحمن بن عمرو السلمي، ويحيى بن أبي المطاع، وخالد بن معدان، والمهاجر بن حبيب، وحجر بن حجر، وحبيب بن عبيد، وآخرون.

قال ابن وهب: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، عن سعد بن إبراهيم، عن عروة بن رويم، عن العرباض بن سارية، وكان يحب أن يقبض، فكان يدعو: اللهم كبرت سني ووهن عظمي، فاقبضني إليك، قال: فبينا أنا يوما في مسجد دمشق أصلي وأدعو أن أقبض إذا أنا بفتى شاب من أجمل الناس، وعليه دواج أخضر، فقال: ما هذا الذي تدعو به؟ قال: فقلت: كيف أدعو يا ابن أخي؟ قال: قل: اللهم حسن العمل وبلغ الأجل، فقلت: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا رتبائيل الذي يسل الحزن من صدور المؤمنين، ثم التفت فلم أر أحدا.

وقال إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، قال: قال عتبة بن عبد السلمي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه رجل وله اسم لا يحبه غيره، ولقد أتيناه وإنا لسبعة من بني سليم، أكبرنا العرباض بن سارية، فبايعناه.

وقال إسماعيل بن عياش: حدثنا أبو بكر بن عبد الله، عن حبيب بن عبيد، عن العرباض بن سارية، قال: لولا أن يقال: فعل أبو نجيح لألحقت مالي سبلة، ثم لحقت واديا من أودية لبنان، فعبدت الله حتى أموت.

ص: 862

وقال النضر بن شميل: حدثنا شعبة، عن أبي الفيض: سمعت عمر أبا حفص الحمصي قال: أعطى معاوية المقدام حمارا من المغنم، فقال له العرباض بن سارية: ما كان لك أن تأخذه، وما كان له أن يعطيك، كأني بك في النار تحمله على عنقك، فرده.

قال أبو مسهر، وغيره: توفي سنة خمس وسبعين.

82 -

د ق:‌

‌ عطية بن بسر المازني

، أخو عبد الله، ولهما صحبة.

ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليهما فقدما له تمرا وزبدا، وكان يحب الزبد. قاله صدقة، عن ابن جابر، عن سليم بن عامر، عن ابني بسر ولم يسمهما.

83 -

د ت ق:‌

‌ عطية السعدي ابن عروة

، ويقال: ابن سعد، ويقال: ابن عمرو بن عروة بن القين.

له صحبة ورواية، ونزل البلقاء بالشام، وله ذرية بالبلقاء.

روى عنه ابنه محمد أبو عروة، وربيعة بن يزيد، وإسماعيل بن أبي المهاجر، وعطية بن قيس.

قال معمر، عن سماك بن الفضل، عن عروة بن محمد بن عطية، عن أبيه، عن جده، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اليد المعطية خير من اليد السفلى.

84 -

خ م د ق:‌

‌ عقبة بن صهبان الأزدي البصري

.

روى عن عثمان، وعائشة، وعياض بن حمار، وغيرهم.

روى عنه

ص: 863

الصلت بن دينار، وقتادة، وعلي بن زيد بن جدعان.

قال ابن سعد: توفي في أول ولاية الحجاج على العراق، قال: وكان ثقة.

85 -

ع:‌

‌ علقمة بن وقاص الليثي العتواري المدني

، جد محمد بن عمرو بن علقمة.

سمع عمر، وعائشة، وابن عباس.

روى عنه ابناه عمرو، وعبد الله، ومحمد بن إبراهيم التيمي، والزهري، وابن أبي مليكة.

وثقه ابن سعد، وكان قليل الرواية.

86 -

م د ت ن:‌

‌ عمارة بن رويبة الثقفي

.

صحابي معروف، نزل الكوفة، كنيته أبو زهيرة.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن علي.

روى عنه ابنه أبو بكر بن عمارة، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وحصين بن عبد الرحمن.

وهو الذي رأى بشر بن مروان يخطب رافعا يديه، فقال: قبح الله هاتين اليدين، وكان ذلك في سنة ثلاث أو أربع وسبعين.

87 -

م 4:‌

‌ عمرو بن أخطب أبو زيد الأنصاري الخزرجي الأعرج

.

غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة غزوة ومسح رأسه وقال: اللهم

ص: 864

جمله فبلغ مائة سنة، ولم يبيض من شعره إلا اليسير. نزل البصرة وله بها مسجد.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث.

روى عنه ابنه بشير، ويزيد الرشك، وعلباء بن أحمر، وأنس بن سيرين، وأبو قلابة الجرمي، وجماعة.

88 – خ م د ن ق:‌

‌ عمرو بن الأسود

، ويقال: عمير بن الأسود، أبو عياض العنسي الحمصي.

ويقال: إنه سكن داريا، وقيل: كنيته أبو عبد الرحمن، من كبار تابعيي الشام.

روى عن عمر، وابن مسعود، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وأم حرام بنت ملحان، وغيرهم.

روى عنه مجاهد، وخالد بن معدان، وأبو راشد الحبراني، ويونس بن سيف.

قال أبو زرعة الدمشقي، وأبو الحسن بن سميع: عمرو بن الأسود هو عمير بن الأسود، يكنى أبا عياض.

قلت: وحديثه في صحيح البخاري في الجهاد: عمير بن الأسود.

وقال أحمد في مسنده: حدثنا أبو اليمان، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب، وحكيم بن عمير، قالا: قال عمر بن الخطاب: من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هدي عمرو

ص: 865

ابن الأسود، رواه محمد بن حرب، وغيره، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن ضمرة فقط، عن عمرو بن الأسود أنه مر على عمر.

وقال عبد الوهاب بن نجدة: حدثنا بقية، عن أرطاة بن المنذر، قال: حدثني رزيق أبو عبد الله الألهاني، أن عمرو بن الأسود قدم المدينة، فرآه ابن عمر يصلي، فقال: من سره أن ينظر إلى أشبه الناس صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا، ثم بعث إليه ابن عمر بقرى وعلف ونفقة. فقبل القرى، والعلف ورد النفقة، فقال ابن عمر: ظننت أنه سيفعل ذلك.

أخبرنا أحمد بن إسحاق الأبرقوهي، قال: أخبرنا الفتح بن عبد الله، قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن علي، ومحمد بن أحمد، ومحمد بن عمر القاضي، قالوا: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد ابن المسلمة، قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، قال: حدثنا جعفر الفريابي، قال: حدثنا إبراهيم ابن العلاء الحمصي، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عمرو بن الأسود العنسي أنه كان إذا خرج إلى المسجد قبض بيمينه على شماله، فسئل عن ذلك، فقال: مخافة أن تنافق يدي. قلت: لئلا يخطر بها في مشيته.

وقال إسماعيل بن عياش: حدثني شرحبيل، عن عمرو بن الأسود أنه كان يدع كثيرا من الشبع مخافة الأشر.

89 -

ع:‌

‌ عمرو بن حريث القرشي المخزومي

، له صحبة.

قال خليفة: توفي سنة ثمان وسبعين بالكوفة. قلت: والصحيح أنه توفي سنة خمس وثمانين.

ص: 866

90 -

ن ق:‌

‌ عمرو بن عتبة بن فرقد السلمي الكوفي الزاهد

.

عن عبد الله بن مسعود، وسبيعة الأسلمية.

وعنه الشعبي، وحوط بن رافع العبدي، وعبد الله بن ربيعة، وعيسى بن عمر الهمداني، لكن لم يدركه.

قال علي بن صالح بن حي: كان عمرو بن عتبة يرعى ركاب أصحابه وغمامة تظله، وكان يصلي والسبع يضرب بذنبه يحميه.

وقال الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الله بن ربيعة، قال: قال عتبة بن فرقد: يا عبد الله ألا تعينني على ابني؟ فقال عبد الله: يا عمرو، أطع أباك. فقال: يا أبه، إنما أنا رجل أعمل في فكاك رقبتي فدعني، فبكى أبوه ثم قال: يا بني إني لأحبك حبين، حبا لله، وحب الوالد لولده، قال: يا أبه إنك كنت أتيتني بمال بلغ سبعين ألفا، فإن أذنت لي أمضيته. قال: قد أذنت لك، فأمضاه حتى ما بقي منه درهم.

وعن أحمد بن يونس اليربوعي، عمن حدثه، قال: قام عمرو بن عتبة يصلي، فقرأ حتى بلغ {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} الآية. فبكى حتى انقطع، ثم قعد، فعل ذلك حتى أصبح.

ويروى أن حنشا جاءه في الصلاة، فالتف على رجله، فلم يترك صلاته.

وروى عبد الله بن المبارك عن عيسى بن عمر، قال: كان عمرو بن عتبة بن فرقد يخرج على فرسه ليلا، فيقف على القبور، فيقول: يا أهل القبور قد طويت الصحف، وقد رفعت الأعمال، ثم يبكي ويصف قدميه حتى يصبح فيرجع فيشهد صلاة الصبح. رواها النسائي عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك في السنن، وعيسى لم يدرك عمرا.

وعن بعض التابعين قال: كان عمرو بن عتبة يفطر على رغيف ويتسحر برغيف.

ص: 867

وقال فضيل، عن الأعمش، قال: قال عمرو بن عتبة بن فرقد: سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين وأنا أنتظر الثالثة: سألته أن يزهدني في الدنيا فما أبالي ما أقبل وما أدبر، وسألته أن يقويني على الصلاة فرزقني منها، وسألته الشهادة، فأنا أرجوها.

وقال إبراهيم النخعي، عن علقمة، قال: خرجنا ومعنا مسروق، وعمرو بن عتبة، ومعضد العجلي غازين، فلما بلغنا ماسبذان، وأميرها عتبة بن فرقد، فقال لنا ابنه عمرو: إنكم إن نزلتم عليه صنع لكم نزلا، ولعل أن تظلموا فيه أحدا، ولكن إن شئتم قلنا في ظل هذه الشجرة وأكلنا من كسرنا، ثم رحنا، ففعلنا، فلما قدمنا الأرض قطع عمرو بن عتبة جبة بيضاء فلبسها فقال: والله إن تحدر الدم على هذه لحسن، فرمى، فرأيت الدم ينحدر على المكان الذي وضع يده عليه، فمات رحمه الله.

وقال هشام الدستوائي: لما توفي عمرو بن عتبة دخل بعض أصحابه على أخته، فقال: أخبرينا عنه، فقالت: قام ذات ليلة فاستفتح سورة {حم} فلما بلغ هذه الآية {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} فما جاوزها حتى أصبح.

له حديث واحد عند ابن ماجه، وحكاية عند النسائي، وهو في طبقة أبي وائل، وشريح، وعلقمة، ومسروق، والقدماء من حيث الوفاة.

وأما أبوه عتبة بن فرقد فمن أشراف بني سليم، شهد فتح خيبر فيما قيل، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وولي إمرة الموصل لعمر بن الخطاب، وله بها مسجد معروف ودار، ولا أعلم لعتبة رواية.

91 -

ع:‌

‌ عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي

.

روى عن أبيه، وأسامة بن زيد، وهو قليل الحديث.

روى عنه علي بن الحسين، وسعيد بن المسيب، وأبو الزناد.

توفي في حدود الثمانين، وكان زوج رملة بنت معاوية.

ص: 868

92 -

ع:‌

‌ عمرو بن ميمون الأودي المذحجي أبو عبد الله

.

أدرك الجاهلية، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم الشام مع معاذ بن جبل، ثم نزل الكوفة.

وروى عن عمر، وعلي، ومعاذ، وابن مسعود، وأبي أيوب، وأبي هريرة، وجماعة.

روى عنه أبو إسحاق، والشعبي، وعبدة بن أبي لبابة، ومحمد بن سوقة، وحصين بن عبد الرحمن، وآخرون.

ووثقه ابن معين.

قال أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن معاذ، قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له: عفير.

وفي المسند: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال: حدثني عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون الأودي، قال: قدم علينا معاذ اليمن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشحر، رافعا صوته بالتكبير، أجش الصوت، فألقيت عليه محبتي، فما فارقته حتى حثوت عليه التراب، ثم نظرت إلى أفقه الناس بعده، فأتيت ابن مسعود، وذكر الحديث.

وقال عمرو بن ميمون: رأيت قردة في الجاهلية اجتمع عليها قردة فرجموها، فرجمتها معهم. رواه البخاري.

وقال أبو إسحاق: حج عمرو بن ميمون ستين ما بين حجة وعمرة.

وقال منصور، عن إبراهيم قال: لما كبر عمرو بن ميمون أوتد له في الحائط، وكان إذا سئم من القيام أمسك به، أو يربط حبلا فيتعلق به.

وقال يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه قال: كان عمرو بن ميمون إذا رؤي ذكر الله تعالى.

وقال عاصم بن كليب: رأيت عمرو بن ميمون، وسويد بن غفلة

ص: 869

التقيا، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه.

قال أبو نعيم: توفي سنة أربع وسبعين.

وقال الفلاس: سنة خمس وسبعين.

93 -

‌ عمير بن جرموز المجاشعي

قاتل حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قتله تقربا بذلك إلى علي، وقال لما جاء يستأذن عليه: بشر قاتل الزبير بالنار، فندم المعثر وأسقط في يده، وبقي كالبعير الأجرب، كل يتجنبه ويهول عليه ما صنع، ورأى منامات مزعجة.

ولما ولي مصعب بن الزبير إمرة العراق خافه ابن جرموز، ثم جاء بنفسه إلى مصعب وقال: أقدني بالزبير، فكاتب أخاه ابن الزبير في ذلك، فكتب إلى مصعب: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير! ولا بشسع نعله، أأقتل أعرابيا بالزبير! خل سبيله، فتركه، فكره الحياة لذنبه، وأتى بعض السواد، وهناك قصر عليه أزج فأمر إنسانا أن يطرحه عليه، فطرحه عليه فقتله.

94 -

‌ عمير بن ضابئ البرجمي

.

من أعيان أهل الكوفة. اتهمه الحجاج بأنه من قتلة عثمان، فقتله بذلك أول ما دخل أميرا على الكوفة في سنة خمس.

95 -

م 4: عمير بن آبي اللحم.

له صحبة، شهد خيبر مع مولاه، وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

روى عنه محمد بن إبراهيم التيمي، ويزيد بن أبي عبيد، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، ومحمد بن زيد بن المهاجر، عداده في أهل المدينة.

96 -

‌ عميرة بن سعد اليامي الهمداني

.

سمع عليا، وعنه طلحة بن مصرف، وعرار بن سويد، يكنى أبا السكن.

97 – ع:‌

‌ عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 870

شهد الفتح، وله أحاديث.

وعنه أبو هريرة، وأبو مسلم الخولاني، وجبير بن نفير، وكثير بن مرة، وأبو إدريس الخولاني، والشعبي، وراشد بن سعد، ويزيد بن الأصم، وسالم أبو النضر، وشداد أبو عمار، وسليم بن عامر، وآخرون.

وشهد غزوة مؤتة.

قال عاصم بن علي: حدثنا المسعودي، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: رأيت كأن سيفا من السماء تدلى، وأن الناس تطاولوا، وأن عمر فضلهم بثلاثة أذرع. قلت: وما ذاك؟ قال: لأنه خليفة من خلفاء الله، ولا يخاف في الله لومة لائم، وأنه يقتل شهيدا، قال: فقصصتها على الصديق، فطلب عمر، فلما جاء قال: يا عوف قصها عليه، فلما أبنت له أنه خليفة من خلفاء الله قال: أكل هذا يرى النائم؟ فلما ولي عمر رآني بالجابية وهو يخطب، فدعاني فأجلسني، فلما فرغ من الخطبة قال: قص علي رؤياك فقلت له: ألست قد جبهتني عنها؟ قال: خدعتك أيها الرجل. فلما قصصتها عليه قال: أما الخلافة فقد أوتيت ما ترى، وأما أن لا أخاف في الله لومة لائم، فإني أرجو أن يكون الله قد علم مني ذلك، وأما أن أقتل فأنى لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب. ولقد رأيت مع ذلك كأن ديكا ينقر سرتي، وما أمتنع منه بشيء.

وقال ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي مسلم الخولاني قال: حدثني الحبيب الأمين - أما هو إلي فحبيب، وأما هو عندي فأمين - عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أو ثمانية أو تسعة فقال: ألا تبايعون رسول الله؟ فرددها ثلاثا، فقدمنا أيدينا فبايعناه، وذكر الحديث.

وقال عمارة بن زاذان: حدثنا ثابت عن أنس، قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عوف بن مالك والصعب بن جثامة.

ص: 871

وقال الواقدي: كانت راية أشجع يوم الفتح مع عوف بن مالك.

وقال يزيد بن زريع: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف، قال: عرس بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوسد كل إنسان منا ذراع راحلته، فانتبهت في بعض الليل، فإذا أنا لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند راحلته، فأفزعني ذلك، فانطلقت ألتمسه، فإذا أنا بمعاذ وأبي موسى، وإذا هما قد أفزعهما ما أفزعني، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا هزيزا بأعلى الوادي كهزيز الرحا. قال: فأخبرناه بما كان من أمرنا، فقال: أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فخيرني بين الشفاعة، وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة، فقلت: أنشدك الله يا نبي الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك، قال: فإنكم من أهل شفاعتي، قال: فانتهينا إلى الناس، فإذا هم قد فزعوا حين فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال هلال بن العلاء: حدثنا حسين بن عياش قال: حدثنا جعفر بن برقان قال: حدثنا ثابت بن الحجاج، قال: شتونا في حصن دون القسطنطينية، وعلينا عوف بن مالك الأشجعي، فأدركنا رمضان ونحن في الحصن، فقال عوف: قال عمر: صيام يوم ليس من رمضان، وإطعام مسكين يعدل صيام يوم من رمضان، ثم جمع بين إصبعيه. قال ثابت: هو تطوع، من شاء صامه ومن شاء تركه، يعني الإطعام.

وروى جبير بن نفير، قال: قال عوف بن مالك: ما من ذنب إلا وأنا أعرف توبته، قيل: يا أبا عبد الرحمن وما توبته؟ قال: أن تتركه ثم لا تعود إليه.

قلت: وقيل: إن كنيته أبو محمد، وقيل: أبو حماد، وقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الله.

قال الواقدي، وخليفة: توفي سنة ثلاث وسبعين، وتوفي بالشام. قاله أبو عبيد.

ص: 872

98 -

م ق:‌

‌ عياض بن عمرو الأشعري

.

سمع أبا عبيدة، وخالد بن الوليد، وعياض بن غنم الفهري، وجماعة.

روى عنه الشعبي، وسماك بن حرب، وحصين بن عبد الرحمن.

وأحسبه نزل الكوفة.

قال الشعبي: مر عياض بن عمرو الأشعري في يوم عيد، فقال: مالي لا أراهم يقلسون فإنه من السنة.

قال هشيم: التقليس الضرب بالدف.

وقال أحمد في مسنده: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك: سمعت عياضا الأشعري، قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: خالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعياض هو ابن غنم، وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة، قال: فكتبنا إليه: إنه قد جاش إلينا الموت، واستمددناه، فكتب إلينا: إنه قد جاءني كتابكم تستمدوني، وأنا أدلكم على من هو أعز نصرا وأحصن جندا: الله تبارك وتعالى فاستمدوه، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم، قال: فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ، وأصبنا أموالا، قال: فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل رأس عشرة، قال: وقال أبو عبيدة: من يراهني؟ فقال له شاب: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه: فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان وهو خلفه على فرس عربي.

99 -

د ن ق:‌

‌ غضيف بن الحارث بن زنيم

، أبو أسماء السكوني.

مختلف في صحبته.

روى عن عمر، وأبي عبيدة، وأبي ذر، وبلال، وأبي الدرداء.

روى عنه ابنه عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن عائذ الثمالي،

ص: 873

وحبيب بن عبيد، ومكحول، وعبادة بن نسي، وسليم بن عامر، وشرحبيل بن مسلم، وأبو راشد الحبراني، وجماعة، وسكن حمص.

فروى العلاء بن يزيد الثمالي قال: حدثنا عيسى بن أبي رزين الثمالي قال: سمعت غضيف بن الحارث، قال: كنت صبيا أرمي نخل الأنصار، فأتوا بي النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح برأسي وقال: كل ما سقط ولا ترم نخلهم. رواه خيثمة الأطرابلسي، عن سليمان بن عبد الحميد، قال: سمعت العلاء فذكره، فإن صح هذا الحديث فهو صحابي.

ويقويه ما روى معن، عن معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن غضيف بن الحارث الكندي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة.

وقال يونس المؤدب: حدثنا حماد عن برد أبي العلاء، عن عبادة بن نسيٍّ، عن غضيف بن الحارث أنه مر بعمر بن الخطاب، فقال: نعم الفتى غضيف. فلقيت أبا ذر بعد ذلك، فقال: أي أخي استغفر لي، قلت: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت أحق أن تستغفر لي، قال: إني سمعت عمر، يقول: نعم الفتى غضيف، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه.

وروى نحوه مكحول، عن غضيف.

قال ابن سعد: غضيف بن الحارث الكندي ثقة، في الطبقة الأولى من تابعيي أهل الشام.

ص: 874

وقال ابن أبي حاتم: له صحبة، وقيل فيه: الحارث بن غضيف، وقال أبي، وأبو زرعة: الصحيح أنه غضيف بن الحارث له صحبة.

وقال أبو الحسن بن سميع: غضيف بن الحارث الثمالي من الأزد، حمصي.

وقال أبو اليمان، عن صفوان بن عمرو: إن غضيف بن الحارث كان يتولى لهم صلاة الجمعة بحمص إذا غاب خالد بن يزيد.

وقال بقية، عن أبي بكر بن عبد الله، عن حبيب بن عبيد، عن غضيف، قال: بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء، قد جمعنا الناس على أمرين، رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، قال غضيف: أما إنها أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منهما، قال: لم؟ قلت: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة. فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة. رواه أحمد في المسند.

100 -

م 4:‌

‌ فروة بن نوفل الأشجعي الكوفي

.

لأبيه صحبة، سمع أباه، وعليا، وعائشة.

روى عنه هلال بن يساف، ونصر بن عاصم الليثي، وأبو إسحاق السبيعي. وروى أبو إسحاق أيضا، عن رجل، عنه.

101 -

‌ قرط بن خيثمة البصري

.

عن علي بن أبي طالب، وأبي موسى.

وعنه مسلم بن مخراق، وأبو الأسود، وطلق بن خشاف، وداود بن نفيع؛ قاله ابن أبي حاتم عن أبيه.

102 -

‌ قطري بن الفجاءة

واسم أبيه جعونة بن مازن بن يزيد التميمي المازني، أبو نعامة، رأس الخوارج في زمانه.

ص: 875

كان أحد الأبطال المذكورين، خرج في خلافة ابن الزبير، وبقي يقاتل المسلمين، ويستظهر عليهم بضع عشرة سنة، وسلم عليه بإمرة المؤمنين، وقد جهز إليه الحجاج جيشا بعد جيش، وهو يستظهر عليهم ويكسرهم، وتغلب على نواحي فارس وغيرها، ووقائعه مشهورة.

وقيل لأبيه: الفجاءة لأنه قدم على أهله من سفر فجاءة.

ولقطري، وكان من البلغاء:

أقول لها وقد طارت شعاعا من الأبطال ويحك تراعي فإنك لو سألت بقاء يوم على الأجل الذي لك لم تطاعي فصبرا في مجال الموت صبرا فما نيل الخلود بمستطاع ولا ثوب الحياة بثوب عز فيطوى عن أخي الخنع اليراع سبيل الموت غاية كل حي وداعيه لأهل الأرض داعي ومن لم يعتبط يسأم ويهرم وتسلمه المنون إلى انقطاع وما للمرء خير في حياة إذا ما عد من سقط المتاع في سنة تسع وسبعين اندقت عنقه، إذ عثرت به فرسه كما تقدم، وقيل: بل قتل.

103 -

ن:‌

‌ كثير بن الصلت بن معدي كرب الكندي المدني

أخو الزبير.

قدم المدينة في خلافة الصديق وروى عنه، وعن عمر، وعثمان، وزيد بن ثابت.

روى عنه: يونس بن جبير، وأبو علقمة مولى ابن عوف.

روى أبو عوانة في مسنده من حديث نافع، عن ابن عمر: أن كثير بن الصلت كان اسمه قليلا، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا.

خالفه سليمان بن بلال، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، فجعل الذي غير اسم كثير بن الصلت عمر رضي الله عنه.

وقال ابن سعد: كان له شرف وحال جميلة، وله دار بالمدينة كبيرة بالمصلى.

ص: 876

وقال أحمد العجلي: تابعي ثقة.

وقال غيره: كان كاتبا لعبد الملك بن مروان على الرسائل.

104 -

‌ كريب بن أبرهة بن الصباح بن مرثد أبو رشدين الأصبحي المصري

، الأمير، أحد الأشراف.

روى عن أبي الدرداء، وحذيفة، وكعب الأحبار.

قال يزيد بن أبي حبيب: إن عبد العزيز بن مروان قال لكريب بن أبرهة: أشهدت خطبة عمر بالجابية؟ قال: حضرتها وأنا غلام أسمع ولا أدري ما يقول.

وقال ابن يونس: كريب شهد فتح مصر، وأدركت قصره بالجيزة، هدمه ذكاء الأعور، وبنى عوضه قيسارية ذكاء يباع فيها البز، قال: وولي كريب الإسكندرية لعبد العزيز بن مروان أمير مصر، وتوفي سنة خمس وسبعين.

وقال أحمد العجلي: هو ثقة من كبار التابعين.

قلت: روى عنه ثوبان بن شهر، وسليم بن عتر، وأبو سليط شعبة، والهيثم بن خالد التجيبي، ووفد على معاوية.

وعن يعقوب بن عبد الله بن الأشج قال: رأيت كريب بن أبرهة يخرج من عنده عبد العزيز، فيمشي تحت ركابه خمس مائة من حمير.

105 -

‌ كميل بن زياد النخعي

.

شريف مطاع من كبار شيعة علي رضي الله عنه.

روى عن عثمان، وعلي، وابن مسعود، قتله الحجاج.

روى عنه أبو إسحاق، وعبد الرحمن بن عائش، والأعمش، وجماعة.

ص: 877

وثقه ابن معين.

106 -

‌ ليلى الأخيلية

الشاعرة المشهورة.

كانت من أشعر النساء، لا يقدم عليها في الشعر غير الخنساء.

وقيل: إن النابغة الجعدي هجاها فقال: وكيف أهاجي شاعرا رمحه استه خضيب البنان لا يزال مكحلا فأجابته: أعيرتني داء بأمك مثله وأي حصان لا يقال لها: هلا ودخلت على عبد الملك بن مروان وقد أسنت، فقال لها: ما رأى توبة منك حتى عشقك؟ قالت: ما رأى الناس منك حتى جعلوك خليفة، فضحك وأعجبه.

ويقال: إنه قال لها: هل كان بينكما سوء قط؟ قالت: لا والذي ذهب بنفسه، إلا أنه غمز يدي مرة.

وقال أبو الحسن المدائني، عمن حدثه، عن مولى لعنبسة بن سعيد بن العاص، قال: دخلت يوما على الحجاج، فأدخلت إليه امرأة، فطأطأ رأسه، فجلست بين يديه فإذا امرأة قد أسنت، حسنة الخلق، ومعها جاريتان لها، فإذا هي ليلى الأخيلية، فقال: يا ليلى، ما أتى بك؟ قالت: إخلاف النجوم، وقلة الغيوم، وكلب البرد، وشدة الجهد، وكنت لنا بعد الله الرفد، والناس مسنتون، ورحمة الله يرجون، وإني قد قلت في الأمير قولا، قال: هاتي، فأنشأت تقول:

أحجاج لا يفلل سلاحك إنما ال منايا بكف الله حيث يراها إذا هبط الحجاج أرضا مريضة تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها إذا سمع الحجاج رزء كتيبة أعد لها قبل النزول قراها ثم ذكر باقي القصة بطولها وأن الحجاج وصلها بمائة ناقة، وقال لجلسائه: هذه ليلى الأخيلية التي مات توبة الخفاجي من حبها، أنشدينا بعض ما قال فيك، قالت: نعم، قال في:

ص: 878

وهل تبكين ليلى إذا مت قبلها وقام على قبري النساء النوائح كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها وجاد لها دمع من العين سافح وأغبط من ليلى بما لا أناله ألا كل ما قرت به العين صالح ولو أن ليلى الأخيلية سلمت علي ودوني جندل وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر صائح قال الحجاج: فهل رابك منه شيء؟ قالت: لا والذي أسأله أن يصلحك، غير أنه قال لي مرة، ظننت أنه قد خضع لأمر، فأنشأت أقول:

وذي حاجة قلنا له لا تبح بها فليس إليها ما حييت سبيل لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه وأنت لأخرى فارع وخليل 107 – د ت ق: لمازة بن زبار أبو لبيد الجهضمي البصري.

روى عن عمر، وعلي، وأبي موسى الأشعري، وغيرهم.

وعنه الربيع بن سليم، والزبير بن الخريت، ويعلى بن حكيم، ومطر بن حمران، وطالب بن السميدع. ووفد على يزيد.

قال ابن سعد: سمع من علي وله أحاديث صالحة، وكان ثقة.

وقال أحمد: أبو لبيد صالح الحديث.

سيعاد.

108 -

ع:‌

‌ مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني

، جد مالك بن أنس.

روى عن عمر، وعثمان، وطلحة بن عبيد الله، وعائشة، وأبي هريرة، وكعب الحبر.

روى عنه ابناه أنس، وأبو سهيل نافع، وسالم أبو النضر، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وسليمان بن يسار، وغيرهم.

وكان ثقة فاضلا. توفي سنة أربع وسبعين.

109 -

‌ مالك بن مسمع أبو غسان الربعي البصري

.

كان سيد ربيعة في زمانه، وكان رئيسا حليما، يذكر في نظراء الأحنف

ص: 879

ابن قيس في الشرف.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وله وفادة على معاوية.

قال خليفة: مات سنة ثلاث وسبعين.

110 – د:‌

‌ محمد بن إياس بن البكير

.

عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو.

وعنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، ونافع مولى ابن عمر، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وغيرهم.

111 -

ت ن ق:‌

‌ محمد بن حاطب بن الحارث القرشي الجمحي

، أخو الحارث بن حاطب.

له صحبة، وحديثان، واحد في الضرب بالدف في النكاح.

وروى عن علي أيضا.

روى عنه بنوه: الحارث، وعمر، وإبراهيم، وحفيده عثمان بن إبراهيم بن محمد، وسعد بن إبراهيم الزهري، وسماك بن حرب، وأبو بلج، يحيى بن سليم، وهو رضيع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

وقيل: هو أول من سمي في الإسلام محمدا.

ولد بمكة، وقيل: ولد بالحبشة.

وفي الصحابة محمد بن مسلمة كبير مشهور لكنه سمي محمدا قبل الإسلام.

توفي ابن حاطب هذا في سنة أربع وسبعين.

112 -

‌ مسروح بن سندر الجذامي

، مولى روح بن زنباع، كنيته أبو الأسود.

قدم مصر بعد فتحها بكتاب من عمر.

روى عنه مرثد بن عبد الله اليزني، وربيعة بن لقيط. وهو قليل الحديث.

ص: 880

113 -

‌ مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد

، أبو عيسى، ويقال: أبو عبد الله القرشي الأسدي المدني.

حكى عن أبيه. روى عنه الحكم بن عتيبة.

ووفد على معاوية، واستعمله أخوه على البصرة، وقتل المختار بن أبي عبيد، ثم عزله أخوه، واستعمله بعد ذلك على العراق، فأقام بها يقاوم عبد الملك بن مروان ويحاربه إلى أن قتل.

وأمه الرباب بنت أنيف الكلبي. وكان يسمى آنية النحل من كرمه وجوده.

وفيه يقول عبيد الله بن قيس الرقيات:

إنما مصعب شهاب من الل ـه تجلت عن وجهه الظلماء ملكه ملك عزة ليس فيه جبروت منه ولا كبرياء يتقي الله في الأمور وقد أفـ ـلح من كان همه الاتقاء وفيه يقول أيضا:

لولا الإله ولولا مصعب لكم بالطف قد ضاعت الأحساب والذمم أنت الذي جئتنا والدين مختلس والحر معتبد والمال مقتسم ففرج الله عمياها وأنقذنا بسيف أروع من عرنينه شمم مقلص بنجاد السيف فضله فعل الملوك ولا عيب ولا قرم في حكم لقمان يهدي مع نقيبته يرمي به الله أعداء وينتقم وبيته الشرف الأعلى سوابقها في الدارعين إذا ما سألت الخدم قال مصعب الزبيري: ومصعب يكنى أبا عبد الله، ولم يكن له ولد اسمه عبد الله.

وقال إسماعيل بن أبي خالد: ما رأيت أميرا قط أحسن من مصعب.

وقال عمر بن أبي زائدة: قال الشعبي: ما رأيت أميرا قط على منبر أحسن من مصعب.

وقال المدائني: كان مصعب يحسد على الجمال، فنظر يوما وهو

ص: 881

يخطب إلى أبي خيران الحماني، فصرف وجهه عنه، ثم دخل ابن جودان الجهضمي، فسكت وجلس، ودخل الحسن فنزل عن المنبر.

وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: اجتمع في الحجر عبد الله، ومصعب، وعروة بنو الزبير، وعبد الله بن عمر، فقالوا: تمنوا، فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة، وقال عروة: أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة، وسكينة بنت الحسين، وقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة، فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر له.

قال خليفة: في سنة تسع وستين جمع ابن الزبير العراق لأخيه مصعب.

وقال محمد بن عبد العزيز الزهري، عن أبيه قال: ما رأيت الملك بأحد قط أليق منه بمصعب بن الزبير.

وقال علي بن زيد بن جدعان قال: بلغ مصعبا عن عريف الأنصار شيء فهم به، فدخل عليه أنس بن مالك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: استوصوا بالأنصار خيرا، اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم، فألقى مصعب نفسه عن السرير، وألزق خده بالبساط، وقال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين، وتركه. رواه الإمام أحمد.

وقال مصعب بن عبد الله: أهديت لمصعب نخلة من ذهب عثاكلها من صنوف الجوهر، فقومت بألفي ألف دينار، وكانت من متاع الفرس، فدفعها إلى عبد الله بن أبي فروة.

وقال أبو عاصم النبيل: كان ابن الزبير إذا كتب للرجل بجائزة ألف درهم جعلها مصعب مائة ألف.

ص: 882

وسئل سالم بن عبد الله: أي ابني الزبير أشجع؟ قال: كلاهما جاء الموت وهو ينظر إليه.

وعن الكلبي، قال: قال عبد الملك يوما لجلسائه: من أشجع العرب؟ قيل: شبيب، قطري، فلان، فلان، فقال: إن أشجع العرب لرجل ولي العراقين خمس سنين، فأصاب ألف ألف، وألف ألف، وألف ألف، وتزوج سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة، وأمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وأمه رباب بنت أنيف الكلبي، وأعطي الأمان، فأبى ومشى بسيفه حتى مات، ذاك مصعب بن الزبير.

وروى أبو بكر بن عياش، عن عبد الملك بن عمير، قال: دخلت القصر بالكوفة، فإذا رأس الحسين بين يدي عبيد الله بن زياد، ثم دخلت القصر بالكوفة، فإذا رأس عبيد الله بين يدي المختار، ثم دخلت القصر، فإذا رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير، ثم دخلت بعد، فرأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك بن مروان.

وعن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: قتل مصعب يوم الخميس، النصف من جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين. وقال غيره: قتل وله أربعون سنة.

ولابن قيس الرقيات يرثيه:

إن الرزية يوم مسـ ـكن والمصيبة والفجيعه بابن الحواري الذي لم يعده يوم الوقيعه غدرت به مضر العرا ق وأمكنت منه ربيعه فأصيب وترك يا ربيـ ع وكنت سامعة مطيعه يا لهف لو كانت له بالدير يوم الدير شيعه أو لم يخونوا عهده أهل العراق بنو اللكيعه لوجدتموه حين يحـ ـدر لا يعرس بالمضيعه

ص: 883

114 -

‌ معبد بن خالد الجهني أبو زرعة

.

له صحبة ورواية.

كان صاحب لواء جهينة يوم الفتح، وكان ألزمهم للبادية.

أخذ عن أبي بكر الصديق أيضا.

روى عنه عمرو بن دينار، وغيره. ولا رواية له في شيء من الكتب الستة.

وعاش ثمانين سنة. توفي سنة اثنتين وسبعين.

فأما معبد الجهني صاحب القدر فسيأتي.

115 -

م 4:‌

‌ معدان بن أبي طلحة اليعمري الشامي

.

قال ابن معين: أهل الشام يقولون: معدان بن طلحة، وهم أثبت فيه.

وثقه أحمد العجلي وغيره.

روى عن عمر، وأبي الدرداء، وثوبان.

روى عنه الوليد بن هشام المعيطي والسائب بن حبيش الكلاعي، وسالم بن أبي الجعد، ويعيش بن الوليد، وغيرهم.

وذكره أبو زرعة في الطبقة التي تلي الصحابة.

116 -

‌ المنذر بن الجارود العبدي

.

من وجوه أهل البصرة. ولي إمرة إصطخر لعلي، ووفد على معاوية، ثم ولي السند من قبل عبيد الله بن زياد. يقال: إنه قتل في زمن الحجاج.

وقال ابن إسحاق: قدم الجارود بن عمرو بن حنش العبدي على النبي صلى الله عليه وسلم وكان نصرانيا. وقال غيره: للجارود صحبة.

وقتل في خلافة عمر بفارس.

كنية

ص: 884

المنذر أبو الأشعث، ويقال: أبو عتاب.

117 -

م ن:‌

‌ ناعم بن أجيل الهمداني المصري

، مولى أم سلمة.

سبي في الجاهلية فاشترته أم سلمة فأعتقته فروى عنها، وعن علي، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو.

روى عنه عبيد الله بن المغيرة، والأعرج، ويزيد بن أبي حبيب، وآخرون.

وكان أحد الفقهاء بمصر.

توفي سنة ثمانين.

118 -

ن:‌

‌ نافع مولى أم سلمة

أيضا.

من القدماء. روى عن أم سلمة في صحة صوم الجنب حديثا تفرد به عنه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

119 -

د ن ق:‌

‌ نبيط بن شريط الأشجعي

.

له صحبة ورواية. زوجه النبي صلى الله عليه وسلم فريعة بنت أسعد بن زرارة، وعاش دهرا.

روى عنه ابنه سلمة، ونعيم بن أبي هند، وأبو مالك الأشجعي سعد بن طارق.

120 -

خ د ن ق:‌

‌ النزال بن سبرة الهلالي الكوفي

.

روى عن عثمان، وعلي، وابن مسعود.

روى عنه الشعبي، والضحاك بن مزاحم، وعبد الملك بن ميسرة، وإسماعيل بن رجاء الزبيدي.

وثقه أحمد العجلي وغيره.

121 -

‌ هرم بن حيان العبدي الربعي

- ويقال: الأزدي - البصري.

روى عن عمر.

روى عنه: الحسن البصري، وغيره.

وكان من سادة

ص: 885

العباد، ولي بعض الحروب في أيام عمر وعثمان بأرض فارس.

قال ابن سعد: كان عاملا لعمر، وكان ثقة له فضل وعبادة.

وقيل: سمي هرما لأنه بقي في بطن أمه سنتين حتى طلعت ثنيتاه.

قال أبو عمران الجوني، عن هرم بن حيان أنه قال: إياكم والعالم الفاسق، فبلغ عمر، فكتب إليه وأشفق منها: ما العالم الفاسق؟ فكتب: يا أمير المؤمنين ما أردت إلا الخير، يكون إمام يتكلم بالعلم، ويعمل بالفسق، ويشبه على الناس فيضلوا. قلت: إنما أنكر عليه عمر أنهم لم يكونوا يعدون العالم إلا من عمل بعلمه.

وروى الوليد بن هشام القحذمي، عن أبيه، عن جده، أن عثمان بن أبي العاص وجه هرم بن حيان إلى قلعة فافتتحها عنوة.

وقال الحسن البصري: خرج هرم وعبد الله بن عامر بن كريز، فبينما رواحلهما ترعى إذ قال هرم: أيسرك أنك كنت هذه الشجرة؟ قال: لا والله، لقد رزقني الله الإسلام، وإني لأرجو من ربي، فقال هرم: لكني والله لوددت أني كنت هذه الشجرة، فأكلتني هذه الناقة، ثم بعرتني، فاتخذت جلة، ولم أكابد الحساب، ويحك يا ابن عامر إني أخاف الداهية الكبرى. قال الحسن: كان والله أفقههما وأعلمهما بالله.

وقال قتادة: كان هرم بن حيان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.

وقال صالح المري: قال هرم: صاحب الكلام على إحدى منزلتين، إن قصر فيه خصم، وإن أغرق فيه أثم.

وقال قتادة: قال هرم: ما رأيت كالنار نام هاربها، ولا كالجنة نام طالبها.

ص: 886

وقال الحسن: مات هرم بن حيان في يوم صائف، فلما دفن جاءت سحابة قدر قبره فرشته ثم انصرفت.

وقال حميد بن هلال، وغيره: قيل لهرم: ألا توصي؟ قال: قد صدقتني نفسي في الحياة وما لي شيء أوصي، ولكني أوصيكم بخواتيم سورة النحل.

قال ابن عساكر: قدم هرم بن حيان دمشق في طلب أويس القرني.

122 -

ع:‌

‌ همام بن الحارث النخعي الكوفي

.

يروي عن عمر وعمار، والمقداد بن الأسود، وحذيفة وجماعة.

روى عنه إبراهيم النخعي، وسليمان بن يسار، ووبرة بن عبد الرحمن.

وثقه يحيى بن معين.

وقال ابن سعد: توفي زمن الحجاج.

وقال حصين، عن إبراهيم النخعي: إن همام بن الحارث كان يدعو: اللهم اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهرا في طاعتك. فكان لا ينام إلا هنيهة وهو قاعد.

وقال ابن الجوزي: كان الناس يتعلمون من هديه وسمته، وكان طويل السهر، رحمة الله عليه.

123 -

‌ يحيى بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي

.

روى: عن معاذ. روى عنه سلمة بن أسامة. وولي المدينة لابن أخيه عبد الملك، ثم ولي حمص.

قال الواقدي، عن بعض أصحابه قال: كان يحيى بن الحكم على المدينة، وكان فيه حمق فوفد على عبد الملك بلا إذن، فعزله.

وذكر العتبي أن عبد الملك بن مروان قال: كيف لنا بمثل التي يقول فيها يحيى بن الحكم:

هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة لفاء غامضة العينين معطار

ص: 887

خود من الخفرات البيض لم يرها بساحة الدار لا بعل ولا جار وعن جنادة بن مروان، عن أبيه قال: قدم عبد الملك بن مروان حمص، فأمر بإسحاق بن الأشعث، فقتل صبرا، فتكلم أهل حمص فنودي: الصلاة جامعة وصعد المنبر. وقال: ما حديث بلغني عنكم يا أهل الكوفة؟ فقام إليه عبد الرحمن بن ذي الكلاع فقال: يا أمير المؤمنين لسنا بأهل الكوفة، ولكنا الذين قاتلنا معك مصعب بن الزبير، وأنت تقول يومئذ: والله يا أهل حمص لأواسينكم ولو بما ترك مروان، وعليك يومئذ قباؤك الأصفر، فقال له رجل: اعزل عنا سفيهك يحيى بن الحكم. فقال: ارحل عن جوار القوم فقد سمعت ما قاله الفائشي.

124 -

‌ يزيد بن الأسود الجرشي

.

أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم الشام، وسكن بقرية زبدين من الغوطة، وله دار بداخل باب شرقي.

قال سعيد بن عبد العزيز، عن يونس بن ميسرة قال: قلت ليزيد بن الأسود: يا أبا الأسود، كم أتى عليك؟ قال: أدركت العزى تعبد في قرية قومي.

وقال أبو إسحاق الفزاري، عن صفوان بن عمرو، عن أبي اليمان، رجل تابعي، عن يزيد بن الأسود أنه قال لقومه: اكتبوني في الغزو، قالوا: قد كبرت قال: سبحان الله، اكتبوني فأين سوادي في المسلمين؟ قالوا: أما إذ فعلت، فأفطر وتقو على العدو، قال: ما كنت أراني أبقى حتى أعاتب في نفسي. والله لا أشبعها من الطعام، ولا أوطئها من منام حتى تلحق بالذي خلقها.

وقال أبو اليمان: حدثنا صفوان، عن سليم بن عامر أن السماء قحطت، فخرج معاوية وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فناداه الناس، فأقبل يتخطى الناس، فأمره معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه، فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود، يا

ص: 888

يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يزيد يديه، ورفع الناس، فما كان بأوشك أن ثارت سحابة كأنها ترس، وهبت لها ريح فسقينا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم.

وقال سعيد بن عبد العزيز، ويحيى بن أبي عمرو السيباني وغيرهما: إن الضحاك بن قيس استسقى بيزيد بن الأسود، فما برحوا حتى سقوا.

وقال سعيد بن عبد العزيز: إن عبد الملك لما خرج مصعب بن الزبير رحل معه يزيد بن الأسود، فلما التقوا قال: اللهم احجز بين هذين الجبلين، وول الأمر أحبهما إليك، فظفر عبد الملك.

روى الحسن بن محمد بن بكار، عن أبي بكر عبد الله بن يزيد القرشي قال: حدثني بعض المشيخة أن يزيد بن الأسود الجرشي كان يسير هو ورجل في أرض الروم، فسمع مناديا يقول: يا يزيد إنك لمن المقربين، وإن صاحبك لمن العابدين، وما نحن بكاذبين.

قال علي بن الحسن بن عساكر الحافظ: بلغني أن يزيد بن الأسود كان يصلي العشاء الآخرة بمسجد دمشق، ويخرج إلى زبدين، فتضيء إبهامه اليمنى، فلا يزال يمشي في ضوئها حتى يبلغ زبدين.

قلت: وقد حضره واثلة بن الأسقع عند الموت.

125 – ع:‌

‌ يزيد بن شريك التيمي الكوفي

، من تيم الرباب لا تيم قريش.

روى عن عمر، وعلي، وأبي ذر، وحذيفة.

روى عنه ابنه إبراهيم التيمي، وإبراهيم النخعي، والحكم بن عتيبة، وغيرهم.

وثقه يحيى بن معين.

محمد بن جحادة، عن سليمان، عن إبراهيم التيمي قال: كان على أبي قميص من قطن، فقلت: يا أبه، لو لبست! فقال: لقد قدمت البصرة، فأصبت آلافا فما اكترثت بها فرحا، ولا حدثت نفسي بالكره أيضا، ولوددت أن كل لقمة طيبة أكلتها في فم أبغض الناس إلي، إني سمعت أبا الدرداء يقول: إن ذا الدرهمين يوم القيامة أشد حسابا من ذي الدرهم.

ص: 889

سفيان الثوري، عن همام قال: لما قص إبراهيم التيمي أخرجه أبوه رحمه الله.

126 -

د ت ن:‌

‌ يزيد بن عميرة الزبيدي

، ويقال: الكندي، ويقال: السكسكي الحمصي.

روى عن أبي بكر، وعمر، ومعاذ بن جبل، وغيرهم.

روى عنه أبو إدريس الخولاني، وشهر بن حوشب، وأبو قلابة الجرمي، وعطية بن قيس، وغيرهم. وهو قليل الحديث.

قال أحمد بن عبد الله العجلي: شامي ثقة من كبار التابعين.

وقال أبو مسهر: أكبر أصحاب معاذ مالك بن يخامر؛ وكان رأس القوم يزيد بن عميرة الزبيدي.

127 -

ع: أبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله بن عبد الله، فقيه أهل دمشق، وقاضي دمشق. وقيل: اسمه عيذ الله بن إدريس بن عائذ الله بن عبد الله بن عتبة.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين.

وحدث عن أبي ذر، وأبي الدرداء، وحذيفة، وعبادة بن الصامت، وأبي موسى، والمغيرة بن شعبة، وأبي هريرة، وعقبة بن عامر، وعوف بن مالك، وشداد بن أوس، وابن عباس، وأبي مسلم الخولاني، وجماعة.

روى عنه مكحول، وأبو سلام الأسود، وأبو قلابة الجرمي، والزهري، وربيعة بن يزيد، ويحيى بن يحيى الغساني، وأبو حازم الأعرج، ويونس بن ميسرة، وآخرون كثيرون.

قال العباس بن سالم الدمشقي، وهو ثقة: سمعت أبا إدريس الخولاني قال: لم أنس عبد الله بن مسعود قائما على درج كنيسة دمشق يحدثنا بالأحاديث.

قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لدحيم: أي الرجلين عندك أعلم؛

ص: 890

جبير بن نفير، أو أبو إدريس الخولاني؟ قال: أبو إدريس عندي المقدم، ورفع من شأن جبير لإسناده وأحاديثه.

وقال الزهري: حدثني أبو إدريس، وكان من فقهاء أهل الشام.

وقال مكحول: ما رأيت مثل أبي إدريس الخولاني.

عن سعيد بن عبد العزيز قال: كان أبو إدريس عالم الشام بعد أبي الدرداء.

وقال محمد بن شعيب بن شابور، أخبرني يزيد بن عبيدة؛ أنه رأى أبا إدريس في زمن عبد الملك، وأن حلق المسجد بدمشق يقرأون القرآن يدرسون جميعا، وأبو إدريس جالس إلى بعض العمد، فكلما مرت حلقة بآية سجدة بعثوا إليه يقرأ بها، فأنصتوا له وسجد بهم، وسجدوا جميعا بسجوده، وربما سجد بهم اثنتي عشرة سجدة، حتى إذا فرغوا من قراءتهم قام أبو إدريس يقص. ثم قدم القصص بعد ذلك.

وقال خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه قال: كنا نجلس إلى أبي إدريس الخولاني فيحدثنا، فحدث يوما بغزاة حتى استوعبها، فقال رجل: أحضرت هذه الغزاة؟ قال: لا، فقال: قد حضرتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنت أحفظ لها مني.

وقال سعيد بن عبد العزيز: عزل عبد الملك بلالا عن القضاء وولى أبا إدريس.

وقال الوليد، عن ابن جابر: إن عبد الملك عزل أبا إدريس عن القصص وأقره على القضاء، فقال: عزلتموني عن رغبتي، وتركتموني في رهبتي.

وقال أبو عمر بن عبد البر: سماع أبي إدريس عندنا من معاذ صحيح.

قال خليفة: توفي سنة ثمانين.

ص: 891

128 -

م ت ن ق: أبو تميم الجيشاني اسمه عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم المصري أخو سيف.

ولدا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقدما المدينة زمن عمر.

روى أبو تميم عن عمر، وعلي، وأبي ذر، وقرأ القرآن على معاذ بن جبل.

روى عنه عبد الله بن هبيرة، وكعب بن علقمة، ومرثد بن عبد الله اليزني، وبكر بن سوادة، وغيرهم.

قال يزيد بن أبي حبيب: كان من أعبد أهل مصر.

قلت: توفي في سنة سبع وسبعين. نقله سعيد بن عفير.

وقال أبو عبد الرحمن المقرئ: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثني ابن هبيرة قال: سمعت أبا تميم الجيشاني يقول: أقرأني معاذ بن جبل القرآن حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن.

قلت: وتعلم معاذ كثيرا من القرآن من ابن مسعود، قاله الأعمش، عن إبراهيم النخعي.

قال ابن مسعود: جاء معاذ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم أقرئه، فأقرأته ما كان معي، ثم كنت أنا وهو نختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا.

129 -

ع: أبو ثعلبة الخشني اسمه على أشهر ما قيل: جرثوم بن ناشم.

له صحبة ورواية، وروى أيضا عن أبي عبيدة، ومعاذ.

روى عنه سعيد بن المسيب، وجبير بن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وأبو رجاء العطاردي، ومكحول، وأبو الزاهرية، وعمير بن هانئ.

وسكن الشام، وكان يكون بداريا. وقيل: إنه سكن قرية البلاط وله ذرية بها.

وقال الدارقطني وغيره: بايع بيعة الرضوان، وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم يوم خيبر، وأرسله إلى قومه فأسلموا.

وقال أحمد في مسنده: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي ثعلبة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله اكتب لي بأرض كذا وكذا بالشام، لم يظهر عليها النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 892

حينئذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تسمعون ما يقول هذا؟ فقال أبو ثعلبة: والذي نفسي بيده لتظهرن عليها. قال: فكتب له بها.

وقال عمر بن عبد الواحد الدمشقي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن إسماعيل بن عبيد الله قال: بينا أبو ثعلبة الخشني، وكعب جالسين، إذ قال أبو ثعلبة: يا أبا إسحاق، ما من عبد تفرغ لعبادة الله إلا كفاه الله مؤونة الدنيا، قال: أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيء تراه؟ قال: بل شيء أراه، قال: فإن في كتاب الله المنزل: من جمع همومه هما واحدا، فجعله في طاعة الله، كفاه الله ما أهمه، وكان رزقه على الله، وعمله لنفسه، ومن فرق همومه، فجعل في كل واد هما، لم يبال الله في أيها هلك، ثم تحدثا ساعة، فمر رجل يختال بين بردين، فقال أبو ثعلبة: يا أبا إسحاق بئس الثوب ثوب الخيلاء، فقال: أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بل شيء أراه، قال: فإن في كتاب الله المنزل: من لبس ثوب خيلاء لم ينظر الله إليه حتى يضعه عنه، وإن كان يحبه.

وقال خالد بن محمد الوهبي والد أحمد: سمعت أبا الزاهرية قال: سمعت أبا ثعلبة يقول: إني لأرجو أن لا يخنقني الله عز وجل كما أراكم تخنقون عند الموت، قال: فبينما هو يصلي في جوف الليل قبض وهو ساجد.

قال أبو حسان الزيادي: توفي سنة خمس وسبعين.

130 -

ع: أبو جحيفة السوائي اسمه وهب بن عبد الله، ويقال له: وهب الخير.

من صغار الصحابة، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مراهق، وكان صاحب شرطة علي، وكان إذا خطب علي يقوم تحت منبره.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن علي، والبراء.

روى عنه علي بن الأقمر، وسلمة بن كهيل، والحكم بن عتيبة، وابنه عون بن أبي جحيفة، وإسماعيل بن أبي خالد، وغيرهم.

توفي سنة إحدى وسبعين، والأصح أنه توفي سنة أربع وسبعين،

ص: 893

وقيل: إنه بقي إلى سنة نيف وثمانين.

131 -

خ د ن:‌

‌ أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية الأموية

، اسمها أمة.

ولدت لأبيها بالحبشة. ولها صحبة ورواية حديثين.

وتزوجها الزبير بن العوام فولدت له عمرا، وخالدا.

روى عنها سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، وموسى بن عقبة. وأظنها آخر من مات من النساء الصحابيات.

الواقدي: حدثني جعفر بن محمد بن خالد، عن أبي الأسود، عن أم خالد بنت خالد قالت: سمعت النجاشي يوم خرجنا يقول لأصحاب السفينتين: اقرئوا جميعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، قالت: فكنت فيمن أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشي السلام.

أبو نعيم، والطيالسي، قالا: حدثنا إسحاق بن سعيد، قال: حدثني أبي قال: حدثتني أم خالد بنت خالد، قالت: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة، فقال: من ترون أكسو هذه؟ فسكتوا، فقال: ائتوني بأم خالد، فأتي بي أحمل، فألبسنيها بيده وقال: أبلي وأخلقي يقولها مرتين، وجعل ينظر إلى علم الخميصة أحمر وأصفر، فقال: هذا سنا يا أم خالد هذا سنا ويشير بإصبعه إلى العلم. والسنا بلسان الحبش: الحسن.

قال إسحاق: فحدثتني امرأة من أهلي أنها رأت الخميصة عند أم خالد.

132 -

م د ن: أبو سالم الجيشاني اسمه سفيان بن هانئ المصري.

شهد فتح مصر، ووفد على علي رضي الله عنه.

وروى عن علي وأبي

ص: 894

ذر، وزيد بن خالد الجهني.

روى عنه ابنه سالم، وابن ابنه سعيد بن سالم، وبكر بن سوادة، ويزيد بن أبي حبيب، وعبد الله بن أبي جعفر.

133 -

ع:‌

‌ أبو سعيد الخدري

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان من فضلاء الصحابة بالمدينة. وهو سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد الأنصاري الخزرجي الخدري.

روى الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر، وأخيه لأمه قتادة بن النعمان.

روى عنه زيد بن ثابت، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وطارق بن شهاب، وسعيد بن جبير، وأبو صالح السمان، وعطاء بن يسار، والحسن، وأبو الوداك، وعمرو بن سليم الزرقي، وأبو سلمة، ونافع مولى ابن عمر، وخلق.

وقتل أبوه يوم أحد.

قال أبو هارون العبدي: كان أبو سعيد الخدري لا يخضب، كانت لحيته بيضاء خضلاء.

وقال ابن سعد، وغيره: شهد أبو سعيد الخندق وما بعدها من المشاهد.

وحدثنا محمد بن عمر قال: حدثنا سعيد بن أبي زيد، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن جده قال: عرضت يوم أحد على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث عشرة فجعل أبي يأخذ بيدي فيقول: يا رسول الله إنه عبل العظام، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصعد في النظر ويصوبه، ثم قال: رده فردني.

وقال ابن المبارك: أخبرنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثني عقيل بن مدرك، يرفعه إلى أبي سعيد الخدري، أن رجلا أتاه فقال: أوصني يا أبا سعيد، قال: عليك بتقوى الله، فإنها رأس كل شيء، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه روحك في أهل السماء وذكرك في أهل الأرض، وعليك بالصمت إلا في حق فإنك تغلب الشيطان.

ص: 895

وقال حنظلة بن أبي سفيان، عن أشياخه، إنه لم يكن أحد من أحداث أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أعلم من أبي سعيد الخدري.

وقال وهب بن جرير: حدثنا أبو عقيل الدورقي قال: سمعت أبا نضرة يحدث، قال: ودخل أبو سعيد يوم الحرة غارا، فدخل فيه عليه رجل ثم خرج، فقال لرجل من أهل الشام: أدلك على رجل تقتله، فلما انتهى الشامي إلى باب الغار، قال لأبي سعيد، وفي عنق أبي سعيد السيف: اخرج إلي، قال: لا أخرج وإن تدخل علي أقتلك، فدخل الشامي عليه، فوضع أبو سعيد السيف، وقال: بؤ بإثمي وإثمك وكن من أصحاب النار، قال: أبو سعيد الخدري أنت؟ قال: نعم. قال: فاستغفر لي غفر الله لك.

خالد بن مخلد: حدثنا عبد الله بن عمر، عن وهب بن كيسان قال: رأيت أبا سعيد الخدري يلبس الخز.

الثوري، عن ابن عجلان، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال: رأيت أبا سعيد يحفي شاربه كأخي الحلق.

قال الواقدي والجماعة: توفي سنة أربع وسبعين.

وقال ابن المديني قولين لم يتابع عليهما. فقال إسماعيل القاضي: سمعته يقول: توفي أبو سعيد الخدري سنة ثلاث وستين. وقال البخاري: قال علي: مات بعد الحرة بسنة.

134 -

خ د ن ق:‌

‌ أبو سعيد بن المعلى الأنصاري المدني

، قيل: اسمه رافع.

له صحبة ورواية.

روى عنه حفص بن عاصم، وعبيد بن حنين. توفي سنة ثلاث وسبعين.

قال الواقدي: توفي سنة أربع وسبعين، يعني أبا سعيد بن المعلى.

وقال ابن سعد: هو أبو سعيد بن أوس بن المعلى بن لوذان من بني جشم بن الخزرج.

ص: 896

135 -

م د ن:‌

‌ أبو الصهباء البكري صهيب

.

عن علي، وابن مسعود، وابن عباس. وعنه سعيد بن جبير، وطاوس، وأبو نضرة، ويحيى بن الجزار.

قال أبو زرعة الرازي: مدني ثقة.

وقال البخاري: سمع عليا، وابن مسعود.

136 -

د ن ق:‌

‌ أبو عامر الهوزني عبد الله بن لحي الحمصي

، والد أبي اليمان عامر

من قدماء التابعين، أدرك الإسلام من أوله، وسمع: عمر، ومعاذ بن جبل، وبلالا، وعبد الله بن قرط، ومعاوية، وجماعة. وشهد خطبة الجابية.

روى عنه أبو سلام الأسود، وراشد بن سعد، وأزهر الحرازي، وابنه أبو اليمان، وحيوة بن عمرو.

قال أبو زرعة الدمشقي: كان من أصحاب أبي عبيدة.

ووثقه محمد بن عبد الله بن عمار.

137 -

د ق:‌

‌ أبو عبد الله الأشعري الشامي الدمشقي

روى عن معاذ، وخالد بن الوليد، وأبي الدرداء، ويزيد بن أبي سفيان. روى عنه أبو صالح الأشعري، وإسماعيل بن أبي المهاجر، وزيد بن واقد.

138 -

ع:‌

‌ أبو عبد الرحمن السلمي

، مقرئ الكوفة بلا مدافعة؛ اسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة

قرأ القرآن على: عثمان، وعلي، وابن مسعود، وسمع منهم ومن عمر.

روى حسين بن علي الجعفي، عن محمد بن أبان، عن علقمة بن مرثد، قال: تعلم أبو عبد الرحمن القرآن من عثمان، وعرض على علي.

ص: 897

روى عنه إبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، وعلقمة بن مرثد، وعطاء بن السائب، وإسماعيل السدي، وغيرهم. وأقرأ بالكوفة من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج، قرأ عليه عاصم بن أبي النجود.

توفي سنة أربع وسبعين، وقيل: سنة ثلاث، وقيل: توفي في إمرة بشر بن مروان، وقيل غير ذلك.

وأما قول ابن قانع: إنه توفي سنة خمس ومائة، فوهم لا يتابع عليه. وعليه تلقن عاصم القرآن.

قال أبو إسحاق: أقرأ أبو عبد الرحمن في المسجد أربعين سنة.

وقال عطاء بن السائب: دخلنا على أبي عبد الرحمن نعوده، فذهب بعضهم يرجيه، فقال: أنا أرجو ربي وقد صمت له ثمانين رمضانا.

وقال حجاج، عن شعبة: إنه لم يسمع من عثمان ولا من ابن مسعود، وهذا فيه نظر، فإن روايته عن عثمان في الصحيح، وفي كتب القراءات؛ أنه قرأ على عثمان، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت.

قال أبو بكر بن عياش، عن عاصم: إن أبا عبد الرحمن قرأ على علي رضي الله عنه.

وقال ابن مجاهد في كتاب السبعة: أول من أقرأ الناس بالكوفة بالقراءة التي جمع الناس عليها عثمان أبو عبد الرحمن السلمي، فجلس في مسجدها الأعظم، ونصب نفسه لتعليم القرآن أربعين سنة.

قلت: روايته عن عمر في سنن النسائي. ويقال: إنه أضر بأخرة، رحمه الله تعالى.

قال الداني: أخذ القراءة عرضا عن: عثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت. عرض عليه عاصم، وعطاء بن السائب، ويحيى بن وثاب، وأبو إسحاق، وعبد الله بن عيسى بن أبي ليلى، ومحمد بن أبي أيوب، وعامر الشعبي، وإسماعيل بن أبي خالد. وكان من المعمرين.

شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة أن أبا عبد الرحمن أقرأ في خلافة عثمان إلى أن توفي في إمارة الحجاج.

ص: 898

139 -

ع سوى ق:‌

‌ أبو عطية الوادعي الكوفي

روى عن ابن مسعود، وعائشة. وعنه محمد بن سيرين، وخيثمة بن عبد الرحمن، وعمارة بن عمير، وأبو إسحاق، وغيرهم.

وثقه ابن معين.

وقد ورد أن الأعمش روى عنه، فإن كان قد سمع منه فيؤخر عن هنا.

140 -

م د ن ق:‌

‌ أبو غطفان المري الحجازي

روى عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي هريرة، وابن عباس، وغيرهم. روى عنه إسماعيل بن أمية، وقارظ بن شيبة الزهري، ويعقوب بن عتبة بن الأخنس، وآخرون.

141 -

‌ أبو قرصافة الكناني

، جندرة بن خيشنة رضي الله عنه

صحابي معروف، نزل عسقلان وروى أحاديث.

روى ضمرة بن ربيعة، عن بلال بن كعب، قال: زرنا يحيى بن حسان أنا وإبراهيم بن أدهم في قريته، فقال: أمنا في هذا المسجد أبو قرصافة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، يصوم يوما ويفطر يوما، فولد لأبي غلام، فدعاه في اليوم الذي يصومه فأفطر.

رواه البخاري في الأدب له.

142 -

خ م ن ق:‌

‌ أبو مراوح الغفاري

، ويقال: الليثي المدني

قال مسلم: اسمه سعد.

قلت: روى عن أبي ذر، وحمزة بن عمرو الأسلمي. وعنه عروة بن الزبير، وسلمان بن يسار، وزيد بن أسلم، وغيرهم.

وكان ثقة نبيلا، يقال: إنه ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 899

143 -

‌ أبو معرض الأسدي

، أسد خزيمة

كوفي شاعر، اسمه مغيرة بن عبد الله، ويعرف بالأقيشر. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي إلى أن وفد على عبد الملك بن مروان. وهو القائل في أم الخبائث:

تريك القذى من دونها وهي دونه لوجه أخيها في الإناء قطوب كميت إذا شجت وفي الكأس وردة لها في عظام الشاربين دبيب وقيل له: الأقيشر لأنه كان أحمر الوجه أقشر. وله شعر كثير سائر.

144 -

ن ق:‌

‌ أبو عمار الهمداني

، اسمه عريب بن حميد، عداده في الكوفيين

سمع عمار بن ياسر، وقيس بن سعد، وعنه أبو إسحاق السبيعي، والقاسم بن مخيمرة.

145 -

‌ أبو قرة الكندي

، كوفي، اسمه سلمة بن معاوية بن وهب

عن ابن مسعود، وسلمان، والمغيرة بن شعبة، وعلقمة.

وعنه الشعبي، وتميم بن حذلم الضبي، وأبو إسحاق.

146 -

ق:‌

‌ أبو الكنود

، يقال: عبد الله بن عمران الأزدي، ويقال: عبد الله بن عويمر، ويقال: عبد الله بن عامر

سمع ابن مسعود، وخباب بن الأرت. وعنه أبو إسحاق السبيعي، وأبو سعد الأزدي.

وهو مقل.

147 -

‌ أبو كنف العبدي

.

سمع ابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وأبا هريرة. وعنه عبد الله بن مرة الخارفي، وعامر الشعبي.

ص: 900

148 -

د:‌

‌ أبو نملة الأنصاري الظفري

، قيل: اسمه عمار بن معاذ بن زرارة

قال أبو أحمد الحاكم: له صحبة. أدرك الحرة، وقتل يومئذ ابناه عبد الله، ومحمد. ومات هو بعد ذلك في ولاية عبد الملك بن مروان.

روى عنه ابنه نملة بن أبي نملة شيخ الزهري. وله حديث في سنن أبي داود: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم.

149 -

ن:‌

‌ أبو يحيى الكوفي

، هو حكيم بن سعد الحنفي

عن علي، وعمار، وأبي موسى. وعنه عمران بن ظبيان، وليث بن أبي سليم، وجعفر بن عبد الرحمن.

قال ابن معين: ليس به بأس.

150 -

م 4:‌

‌ أبو يحيى الأعرج المعرقب

، مولى معاذ بن عفراء، الأنصاري

اسمه مصدع، قاله عمرو بن دينار.

وقال ابن معين: أبو يحيى الأعرج اسمه زياد.

روى عن علي، وعائشة، وابن عباس. وعنه سعيد بن أبي الحسن، وسعد بن أوس العدوي.

151 -

‌ أبو مسلم الجليلي

من أهل جبل الجليل، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معلم كعب الأحبار، أسلم في عهد عمر، وقيل: في عهد معاوية.

حكى عنه أبو مسلم الخولاني، وأبو قلابة، وحزام بن حكيم، وجبير بن نفير، ومسلم بن مشكم، وشريح بن عبيد، ولقمان بن عامر، وغيرهم.

ص: 901

روى قاسم الرحال، عن أبي قلابة أن أبا مسلم الجليلي أسلم على عهد معاوية، فأتاه أبو مسلم الخولاني فقال: ما منعك أن تسلم على عهد أبي بكر وعمر؟! فقال: إني وجدت في التوراة أن هذه الأمة ثلاثة أصناف، صنف يدخل الجنة بغير حساب، وصنف يحاسبون حسابا يسيرا، وصنف يصيبهم شيء ثم يدخلون الجنة، فأردت أن أكون من الأولين، فإن لم أكن منهم كنت ممن يحاسب حسابا يسيرا، فإن لم أكن منهم كنت من الآخرين.

صالح المري، عن أبي عبد الله الشامي، عن مكحول، عن أبي مسلم الخولاني أنه لقي أبا مسلم الجلولي، وكان مترهبا، نزل من صومعته أيام عمر وأسلم، فقال: تركت الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر، وذكر الحديث.

الجريري، عن عقبة بن وساج: كان لأبي مسلم الخولاني جار يهودي يكنى أبا مسلم كان يمر به ويقول: يا أبا مسلم أسلم تسلم، فمر به يوما وهو يصلي، وذكر شبه حديث أبي قلابة.

قال ابن معين: أبو مسلم الجليلي، ويقال: الجلولي، شامي.

152 -

ن:‌

‌ الأغر بن سليك

ويقال: ابن حنظلة الكوفي

عن علي، وأبي هريرة. وعنه سماك بن حرب، وعلي بن الأقمر، وأبو إسحاق السبيعي.

روى له النسائي.

ص: 902

‌الطبقة التاسعة

81 – 90 هـ

ص: 903

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحوادث)

‌سنة إحدى وثمانين

توفي فيها أبو القاسم محمد بن علي ابن الحنفية، وسويد بن غفلة، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود.

وفيها خلع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الطاعة، وتابعه الناس، وسار يقصد الحجاج، وقد ذكرنا في السنة الماضية سبب خروجه.

قال المدائني: لما أجمع ابن الأشعث المسير من سجستان وقصد العراق، دعى ذرا الهمداني، فوصله وأمره أن يحض الناس، فكان يقص كل يومٍ، وينال من الحجاج، ثم سار الجيش وقد خلعوا الحجاج، ولا يذكرون خلع عبد الملك بن مروان.

وقال غيره: فاستصرخ الحجاج بعبد الملك، ثم سار، وقدم الحجاج طليعته، فالتقى ابن الأشعث وهم عند دجيل يوم الأضحى، فانكشف عسكر الحجاج وانهزم إلى البصرة، فتبعه ابن الأشعث، وكان مع ابن الأشعث خلقٌ من المطوعة من البصرة، فدخلوها، فخرج الحجاج إلى طف البصرة.

قال ابن عون: فرأيت ابن الأشعث متربعا على المنبر يتوعد الذين تخلفوا عنه توعدا شديدا.

قال غيره: فبايعه على حرب الحجاج وعلى خلع عبد الملك جميع أهل البصرة من القراء والعلماء، ثم خندق ابن الأشعث على البصرة وحصنها.

وفيها غزا موسى بن نصير - كعادته - بالمغرب، فقتل وسبى في أهل طبنة.

وفيها أصابت الصاعقة صخرة بيت المقدس.

ص: 905

وفيها قتل بحير بن ورقاء الصريمي وكان من كبار القواد بخراسان، قاتله ابن خازم وظفر به فقتله، ثم قتل بكير بن وشاح، فحمل عليه رهط بكير فقتلوه بعد ذلك.

وفيها حج بالناس سليمان بن عبد الملك بن مروان، وحجت معه أم الدرداء.

‌سنة اثنتين وثمانين

فيها: قتل جماعة مع ابن الأشعث، ومات سفيان بن وهب الخولاني، وأبو عمر زاذان الكندي.

وفيها كانت وقعة الزاوية بالبصرة بين ابن الأشعث وبين جيش الحجاج.

ولابن الأشعث مع الحجاج وقعات كثيرة منها: وقعة دجيل المذكورة يوم عيد الأضحى، وهذه الوقعة، ووقعة دير الجماجم، ووقعة الأهواز. فيقال: إنه خرج مع ابن الأشعث ثلاثةٌ وثلاثون ألف فارس، ومائةٌ وعشرون ألف راجل، فيهم علماء وفقهاء وصالحون، خرجوا معه طوعا على الحجاج.

وقيل: كان بينهما أربعٌ وثمانون وقعة في مائة يوم، فكانت منها ثلاثٌ وثمانون على الحجاج، وواحدة له.

قال ابن جرير الطبري: كانت وقعة دير الجماجم في شعبان سنة اثنتين، قال ابن جرير: وفي قول بعضهم هي سنة ثلاثٍ وثمانين.

فذكر هشام بن الكلبي، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، قال: حدثني

ص: 906

أبو الزبير الهمداني، قال: خرجت مع ابن الأشعث، وخرج أهل الكوفة يستقبلونه، فقال لي: اعدل عن الطريق لا يرى الناس جراحتكم، فإني لا أحب أن يستقبلهم الجرحى، فلما دخل الكوفة مالوا إليه كلهم، وحفت به همدان، إلا أن طائفة من تميم أتوا مطر بن ناجية، وقد كان وثب على قصر الكوفة، فلم يطق قتال الناس، فنصب ابن الأشعث السلالم على القصر فأخذوه، وأتوا بمطر بن ناجية، فقال لابن الأشعث: استبقني فإني أفضل فرسانك وأعظمهم غناء عنك، فحبسه، ثم عفا عنه، فبايعه وبايعه الناس بالكوفة، ثم أتاه أهل البصرة، وتفوضت إليه المسالح والثغور، وجاءه عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بعد أن قاتل الحجاج بالبصرة ثلاثة أيام.

وأقبل الحجاج من البصرة يسير من بين القادسية والعذيب، فنزل دير قرة، وكان أراد نزول القادسية، فجهز له ابن الأشعث عبد الرحمن بن العباس، فمنعه من نزولها، ونزل عبد الرحمن الهاشمي دير الجماجم، فكان الحجاج بعد يقول: أما كان عبد الرحمن يزجر الطير حيث رآني نزلت بدير قرة، ونزل بدير الجماجم.

واجتمع جل الناس على قتال الحجاج لظلمه وسفكه الدماء، فكانوا مائة ألف مقاتل فجاءته أمداد الشام، فنزل وخندق عليه، وكذا خندق ابن الأشعث على الناس، ثم كان الجمعان يلتقون كل يوم، واشتد الحرب، وثبت الفريقان.

وأشار بنو أمية على عبد الملك بن مروان، وقالوا: إن كان إنما يرضي أهل العراق أن تنزع عنهم الحجاج فانزعه عنهم تخلص لك طاعتهم، فبعث ابنه عبد الله بن عبد الملك، وكتب إلى أخيه محمد بن مروان بالموصل، فسار إليه، وأمرهما أن يعرضا على أهل العراق نزع الحجاج عنهم، وأن يجرى عليهم العطاء، وأن ينزل ابن الأشعث أي بلدٍ شاء من العراق، يكون عليه واليا، فإن قبلوا فاعزلا عنهم الحجاج، ومحمد أخي مكانه، وإن أبوا فالحجاج أميركم كلكم وولي القتال، قال: فقدموا على الحجاج، فاشتد عليه ذلك، وشق عليه العزل، فراسلوا أهل العراق، فجمع عبد الرحمن بن

ص: 907

محمد بن الأشعث الناس وخطبهم، وأشار عليهم بالمصالحة، فوثب الناس من كل جانب وقالوا: إن الله قد أهلكهم، وأصبحوا في الأزل والضنك والمجاعة والقلة فلا نقبل.

وأعادوا خلع عبد الملك ثانية، وتعبؤوا للقتال، فكان على ميمنة ابن الأشعث حجاج بن جارية الخثعمي، وعلى ميسرته الأبرد بن قرة التميمي، وعلى الخيل عبد الرحمن بن العباس الهاشمي، وعلى الرجالة محمد بن سعد بن أبي وقاص، وعلى المجنبة عبد الله بن رزام الحارثي، وعلى المطوعة والصلحاء جبلة بن زحر الجعفي.

وكان على ميمنة الحجاج عبد الرحمن بن سليم الكلبي، وعلى ميسرته عمارة بن تميم اللخمي، وعلى الخيالة سفيان بن الأبرد الكلبي، فاقتتلوا أياما، وأهل العراق تأتيهم الأمداد والخيرات من البصرة، وجيش الحجاج في ضيق وغلاء سعر.

فيقال: إن يوم دير الجماجم كان في ربيع الأول، ولا شك أن نوبة دير الجماجم كانت أياما، بل أشهرا، اقتتلوا هناك مائة يوم، فلعلها كانت في آخر سنة اثنتين، وأوائل سنة ثلاثٍ.

فعن أبي الزبير الهمداني قال: كنت في خيل جبلة بن زحر، وكان على القراء، فحمل علينا عسكر الحجاج مرة بعد أخرى، فنادانا عبد الرحمن بن أبي ليلى: يا معشر القراء، ليس الفرار بأحدٍ من الناس بأقبح منكم، وبقي يحرض على القتال. وقال أبو البختري: أيها الناس، قاتلوهم على دينكم ودنياكم. وقال سعيد بن جبير نحوا من ذلك، وكذا الشعبي. وقال بعضهم: قاتلوهم على جورهم واستذلالهم الضعفاء، وإماتتهم الصلاة.

قال: ثم حملنا عليهم حملة صادقة، فبدعنا فيهم، ثم رجعنا، فمررنا بجبلة بن زحر صريعا فهدنا ذلك، فسلانا أبو البختري، فنادونا: يا أعداء الله هلكتم، قتل طاغوتكم.

وقال خالد بن خداش: حدثنا غسان بن مضر قال: خرج القراء مع

ص: 908

ابن الأشعث، وفيهم أبو البختري، وكان شعارهم يومئذ يا ثارات الصلاة.

وقيل: إن سفيان بن الأبرد حمل على ميسرة ابن الأشعث، فلما دنا منها هرب الأبرد بن قرة التميمي، ولم يقاتل كبير قتال، فأنكرها منه الناس، وكان شجاعا لا يفر، وظن الناس أنه خامر، فلما انهزم تقوضت الصفوف، وركب الناس وجوههم.

وكان ابن الأشعث على منبرٍ قد نصب له يحرض على القتال، فأشار عليه ذوو الرأي: انزل وإلا أسرت، فنزل وركب، وخلى أهل العراق، وذهب، فانهزم أهل العراق كلهم، ومضى ابن الأشعث مع ابن جعدة بن هبيرة في أناسٍ من أهل بيته، حتى إذا حاذوا قرية بني جعدة عبر في معبر الفرات، ثم جاء إلى بيته بالكوفة، وهو على فرسه، وعليه السلاح لم ينزل، فخرجت إليه بنته، فالتزمها، وخرج أهله يبكون، فوصاهم وقال: لا تبكوا، أرأيتم إن لم أترككم، كم عسيت أن أعيش معكم، وإن أمت فإن الذي يرزقكم حي لا يموت، وودعهم وذهب.

وقال الحجاج: اتركوهم فليتبددوا، ولا تتبعوهم، ونادى مناديه: من رجع فهو آمن، ثم جاء إلى الكوفة فدخلها، وجعل لا يبايع أحدا منها إلا قال له: اشهد على نفسك أنك كفرت، فإذا قال: نعم، بايعه، وإلا قتله، فقتل غير واحد ممن تحرج أن يشهد على نفسه بالكفر. وجيء برجل فقال الحجاج: ما أظن هذا يشهد على نفسه بالكفر، فقال الرجل: أخادعي عن نفسي، أنا أكفر أهل الأرض، وأكفر من فرعون ذي الأوتاد، فضحك وخلاه.

وأما محمد بن سعد بن أبي وقاص فنزل بعد الوقعة بالمدائن، فتجمع إليه ناس كثير، وخرج عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة العبشمي، فأتى البصرة وبها ابن عم الحجاج أيوب بن الحكم، فأخذ البصرة، وقدم عليه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وجاء إليه الخلق، وقال ابن سمرة له: إنما أخذت البصرة لك، ولحق محمد بن سعد بهم، فسار الحجاج لحربهم، وخرج الناس معه إلى مسكن على دجيل.

وتلاوم أصحاب ابن الأشعث على الفرار، وتبايعوا على الموت، فخندق ابن الأشعث على أصحابه، وسلط الماء في الخندق، وأتته النجدة

ص: 909

من خراسان، فاقتتلوا خمس عشرة ليلة أشد القتال، وقتل من أمراء الحجاج زياد بن غنيم القيني.

ثم عبأ الحجاج جيشه وصرخ فيهم وحمل بهم، فهزم أصحاب ابن الأشعث، وقتل أبو البختري، وابن أبي ليلى، وكسر بسطام بن مصقلة في أربعة آلافٍ جفون سيوفهم وثبتوا، وقاتلوا قتالا شديدا، كشفوا فيه عسكر الحجاج مرارا، فقال الحجاج: علي بالرماة، قال: فأحاط بهم الرماة، فقتلوا خلقا منهم بالنبل، وانهزم ابن الأشعث في طائفةٍ، وطلب سجستان، فأتبعهم جيش الحجاج، عليهم عمارة بن تميم، فالتقوا بالسوس، فاقتتلوا ساعة، ثم انهزم ابن الأشعث، فأتى سابور، واجتمعت إليه الأكراد، ثم قاتلهم عمارة، فقتل عمارة وانهزم عسكره، ثم مضى ابن الأشعث إلى بست، وعليها عامله، فأنزله وتفرق أصحاب ابن الأشعث، فوثب عامل بست عليه فأوثقه، وأراد أن يتخذ بالقبض عليه يدا عند الحجاج.

وقد كان رتبيل سمع بمقدم ابن الأشعث، فسار في جيوشه حتى أحاط ببست، فراسل عاملها يقول له: والله لئن آذيت ابن الأشعث لا أبرح حتى أستنزلك، وأقتل جميع من معك، فخافه، ودفع إليه ابن الأشعث، فأكرمه رتبيل، فقال ابن الأشعث: إن هذا كان عاملي فغدر بي وفعل ما رأيت، فأذن لي في قتله، قال: قد أمنته، ثم مضى ابن الأشعث مع رتبيل إلى بلاده، فأكرمه وعظمه. وكان مع ابن الأشعث عدد كبير من الأشراف والكبار، ممن لم يثق بأمان الحجاج، ثم تبع أثر ابن الأشعث خلق من هذه البابة حتى قدموا سجستان، ونزلوا على عبد الله بن عامر النعار، فحصروه، وكتبوا إلى ابن الأشعث بعددهم وجماعتهم، وعليهم كلهم عبد الرحمن بن العباس الهاشمي، فقدم عليهم ابن الأشعث بمن معه، ثم غلبوا على مدينة سجستان، وعذبوا ابن عامر وحبسوه، ثم لم يشعر ابن الأشعث إلا وقد فارقه عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة، وسار في ألفين، فغضب ابن الأشعث ورجع إلى رتبيل، وقيل غير ذلك.

وقيل: ساروا مع الهاشمي فقاتلهم يزيد بن المهلب، فأسر منهم وهزمهم، وفي تفصيل ذلك اختلاف.

ص: 910

ومن بقية سنة اثنتين وثمانين: قال عوانة بن الحكم: كان بينهم إحدى وثمانون وقعة، كلها على الحجاج، إلا آخر وقعة كانت على ابن الأشعث، وقتل من القراء بدير الجماجم خلق.

وقال شعبة، عن عمرو بن مرة قال: أتى القراء يوم دير الجماجم أبا البختري الطائي يؤمرونه عليهم، فقال: إني رجل من الموالي، فأمروا رجلا من العرب، فأمروا جهم بن زحر الخثعمي عليهم.

وقال سلمة بن كهيل: رأيت أبا البختري بدير الجماجم، وشد عليه رجل بالرمح فطعنه، وانكشف ابن الأشعث فأتى البصرة، وتبعه الحجاج، فخرج منها إلى أرض دجيل الأهواز، واتبعه الحجاج، فالتقوا بمسكن، فانهزم ابن الأشعث، وقتل من أصحابه ناسٌ كثير، وغرق منهم ناس كثير.

وقال عمرو بن مرة: افتقد بمسكن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن شداد، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود.

وقال ابن عيينة: حدثني أبو فروة قال: افتقد ابن أبي ليلى بسوراء، وأسر الحجاج ناسا كثيرا منهم: عمران بن عصام، وعبد الرحمن بن ثروان، وأعشى همدان، قال أبو اليقظان: قتلهم جميعا.

وقال خليفة: أول وقعةٍ كانت يوم النحر سنة إحدى وثمانين، والوقعة الثانية في المحرم سنة اثنتين بالزاوية، والوقعة الثالثة بظهر المربد في صفر، والوقعة الرابعة بدير الجماجم في جمادى، والوقعة الخامسة ليلة دجيل في شعبان سنة اثنتين.

قال: ثم سار ابن الأشعث يريد خراسان، وتبعه طائفةٌ قليلةٌ، فتركهم وصار إلى خراسان، فقام بأمر الحرب بعده عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة الهاشمي، ومعه القراء، فالتقى هو ومتولي هراة مفضل بن المهلب بن أبي صفرة، فهزمه المفضل، ثم قتل عبد الرحمن، وأسر عدة منهم: محمد بن سعد بن أبي وقاص، والهلقام بن نعيم.

ص: 911

وكان عبد الرحمن قد ولي بلاد فارس وغزا الترك، ثم خلع عبد الملك وفعل الأفاعيل، ودعا إلى نفسه.

قال خليفة: تسمية القراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث: مسلم بن يسار المزني، وأبو مراية العجلي، وقد قتل، وعقبة بن عبد الغافر العوذي فقتل، وعقبة بن وساج البرساني، فقتل، وعبد الله بن غالب الجهضمي، فقتل، وأبو الجوزاء الربعي، فقتل، والنضر بن أنس بن مالك، وعمران والد أبي جمرة الضبعي، وأبو المنهال سيار بن سلامة الرياحي، ومالك بن دينار، ومرة بن دباب الهدادي، وأبو نجيد الجهضمي، وأبو شيخ الهنائي، وسعيد بن أبي الحسن البصري، وأخوه الحسن، وقال: أكرهت على الخروج.

وقال أيوب السختياني: قيل لابن الأشعث: إن أحببت أن يقتلوا حولك كما قتلوا حول الجمل مع عائشة فأخرج الحسن.

ومن أهل الكوفة: سعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن شداد، والشعبي، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، والمعرور بن سويد، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، وأبو البختري، وطلحة بن مصرف، وزبيد بن الحارث الياميان، وعطاء بن السائب.

قال أيوب السختياني: ما صرع أحدٌ مع ابن الأشعث إلا رغب له عن مصرعه، ولا نجا منهم أحد إلا حمد الله الذي سلمه.

وقال عوانة بن الحكم: قتل الحجاج بمسكن خمسة آلاف أو أربعة آلاف أسير.

وقال خليفة: فيها، يعني سنة اثنتين، قتل قتيبة بن مسلم: عمر بن أبي الصلت، وأخاه، وموسى بن كثير الحارثي، وبكير بن هارون البجلي.

وفيها كانت غزوة محمد بن مروان بأرمينية، فهزم العدو، ثم صالحوه، فولى عليهم أبا شيخ بن عبد الله، فغدروا به وقتلوه.

ص: 912

وفيها فتح عبد الملك بن مروان حصن سنان من ناحية المصيصة.

وفيها كانت غزوة صنهاجة بالمغرب.

وأسر يوم الجماجم محمد بن سعد، فضربت عنقه صبرا، وقتل ماهان الأعور القاص، والفضيل بن بزوان يومئذٍ.

وقال مالك بن دينار: لما كان يوم الزاوية قال عبد الله بن غالب أبو قريش الجهضمي: إني لأرى أمرا ما بي صبر، روحوا بنا إلى الجنة، فقاتل حتى قتل، فكان يوجد من ريح قبره المسك. وكان عابدا له أوراد، سمعته يقول: رحم الله بني ماتوا ولم أتمتع من النظر إليهم. وروى ابن غالب عن: أبي سعيد الخدري. وروى عنه عطاء السليمي، وغيره.

‌سنة ثلاثٍ وثمانين

كانت فيها غزوة عطاء بن رافع صقلية، وخرج عمران بن شرحبيل على البحر، وجعل على الإسكندرية عبد الملك بن أبي الكنود.

وفيها عزل أبان بن عثمان عن المدينة، وولي هشام بن إسماعيل المخزومي.

وفي سنة ثلاثٍ بنى الحجاج مدينة واسط. واستعمل على فارس محمد بن القاسم الثقفي وأمره بقتل الأكراد.

وفيها بعث الحجاج عمارة بن تميم القيني إلى رتبيل في أمر ابن الأشعث، قال: فصالح رتبيل متولي سجستان وخلى بين ابن الأشعث وبينهم، فقيد ابن الأشعثهو وجماعةٌ في الحديد، وقرن به في القيد أبو العنز، وساروا بهم إلى الحجاج، فلما كانوا بالرخج طرح ابن الأشعث نفسه من فوق بنيان فهلك هو وقرينه، فقطع رأسه وحمل إلى الحجاج،

ص: 913

فرأسه مدفون بمصر وجثته بالرخج. وكان قد أمره مصعب بن الزبير عند قتل أبيه محمد بن الأشعث بن قيس الكندي.

وفي سنة ثلاثٍ ضم عبد الملك بن مروان إلى أخيه محمد بن مروان إمرة أذربيجان وأرمينية مع إمرة الجزيرة، وبقي على ذلك إلى آخر أيام الوليد. وله غزوات وفتوحات كثيرة.

‌سنة أربع وثمانين

فيها توفي: عتبة بن الندر السلمي، صحابي شامي، والأسود بن هلال المحاربي، وزيد بن وهب الجهني، وعبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، وعمران بن حطان السدوسي، وروح بن زنباع الجذامي.

وقيل: فيها ظفروا بابن الأشعث وطيف برأسه في الأقاليم.

وفيها قتل الحجاج أيوب بن القرية، وكان من فصحاء العرب وبلغائهم، خرج مع ابن الأشعث، واسمه أيوب بن زيد بن قيس أبو سليمان الهلالي، ثم ندم الحجاج على قتله.

وفيها ولي إمرة الإسكندرية عياض بن غنم التجيبي.

وبعث فيها عبد الملك بن مروان بالشعبي إلى مصر، إلى أخيه عبد العزيز بن مروان، فأقام عنده سنة.

وفيها فتحت المصيصة، على يد عبد الله بن عبد الملك.

وفيها افتتح موسى بن نصير بلد أورية من المغرب، فقتل وسبى، حتى قيل: إن السبي بلغ خمسين ألفا.

وفيها غزا محمد بن مروان أرمينية فهزمهم وحرق كنائسهم وضياعهم، وتسمى سنة الحريق.

ص: 914

‌سنة خمسٍ وثمانين

فيها توفي: عبد الله بن عامر بن ربيعة، وعمرو بن حريث، وعمرو بن سلمة الجرمي، وواثلة بن الأسقع، توفي فيها أو في التي تليها، وفيها وعمرو بن سلمة الهمداني، ويسير بن عمرو بن جابر، وعبد العزيز بن مروان.

وفيها، على ما ورخ ابن جرير الطبري هلاك ابن الأشعث، قال: فتتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل أن ابعث إلي بابن الأشعث، وإلا فوالله لأوطئن أرضك ألف ألف مقاتل، ووعده بأن يطلق له خراج بلاده سبع سنين، فأسلمه إلى أصحاب الحجاج، فقيل: إنه رمى بنفسه من علٍ فهلك.

وقال أبو مخنف: حدثني سليمان بن أبي راشد، أنه سمع مليكة بنت يزيد تقول: والله ما مات عبد الرحمن إلا ورأسه في حجري على فخذي، تعني من جرح به، فلما مات حز رأسه رتبيل وبعث به إلى الحجاج.

قلت: هذا قول شاذ، وأبو مخنف كذاب.

قيل: إن الحجاج قال لدهاقين العراق: كم كان عمر يجبي سواد العراق؟ قالوا: مائة ألف ألف درهم، وعشرون ألف ألف. قال: فكم جباه زياد؟ قالوا: ثمانين ألف ألف. قال: فكم نجبيه نحن اليوم؟ قال: ستين ألف ألف.

وفيها غزا محمد بن مروان أرمينية، فأقام بها سنة، وولى عليها عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي، فبنى مدينة أردبيل ومدينة برذعة.

وفيها قال ابن الكلبي: بعث عبد الله بن عبد الملك بن مروان وهو مقيم بالمصيصة يزيد بن حنين في جيشٍ، فلقيته الروم في جمعٍ كبير، فأصيب الناس، وقتل ميمون الجرجماني في نحو ألف نفسٍ من أهل أنطاكية، وكان ميمون أمير أنطاكية من موالي بني أمية، مشهورٌ بالفروسية، وتألم غاية الألم لمصابهم.

ص: 915

وفيها عزل يزيد بن المهلب بن أبي صفرة عن خراسان، وولي أخوه المفضل يسيرا، ثم عزل وولي قتيبة بن مسلم.

وفيها قتل موسى بن عبد الله بن خازم السلمي، وكان بطلا شجاعا وسيدا مطاعا، غلب على ترمذ وما وراء النهر مدة سنين، وحارب العرب، من هذه الجهة، والترك من تيك الجهة، وجرت له وقعات، وعظم أمره، وقد ذكرنا والده في سنة نيف وسبعين، وآخر أمر موسى أنه خرج ليلة في هذا العام ليغير على جيشٍ فعثر به فرسه، فابتدره ناسٌ من ذلك الجيش فقتلوه. وقد استوفى ابن جرير أخباره وحروبه، وقيل: قتل سنة سبع وثمانين.

وبعث عبد الملك على مصر ابنه عبد الله، وعقد بالخلافة من بعده لابنيه الوليد ثم سليمان، وفرح بموت أخيه، فإنه عزم على عزله من ولاية العهد، فجاءه موته.

‌سنة ست وثمانين

توفي فيها: أبو أمامة الباهلي، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وعبد الملك بن مروان، وقبيصة بن ذؤيب.

وفيها - وقيل سنة ثمان وهو أصح - عبد الله بن أبي أوفى.

وفيها كان طاعون الفتيات، سمي بذلك لأنه بدأ في النساء، وكان بالشام وبواسط والبصرة.

وفيها سار قتيبة بن مسلم متوجها إلى ولايته، فدخل خراسان، وتلقاه دهاقين بلخ، وساروا معه، وأتاه أهل صاغان بهدايا ومفتاح من ذهب، وسلموا بلادهم بالأمان.

وفيها افتتح مسلمة بن عبد الملك حصن تولق وحصن الأخرم.

ص: 916

وعقد عبد الملك لابنه عبد الله على مصر، فدخلها في جمادى الآخرة، وعمره يومئذٍ سبعٌ وعشرون سنة، ثم أقره أخوه الوليد عليها لما استخلف، وأما ابن يونس فذكر أن الوليد عزل أخاه عبد الله عن مصر بقرة بن شريك أول ما استخلف.

وفيها هلك ملك الروم الأخرم بوري - لا رحمه الله قبل أمير المؤمنين عبد الملك بشهر.

وفيها توفي يونس بن عطية الحضرمي قاضي مصر، فولي ابن أخيه أوس بن عبد الله بن عطية القضاء بعده قليلا وعزل، وولي القضاء - مضافا إلى الشرط - أبو معاوية عبد الرحمن بن معاوية بن حديج، ثم عزل بعد ستة أشهر بعمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة.

وولي الخلافة الوليد بعهدٍ من أبيه.

‌سنة سبعٍ وثمانين

توفي فيها: عتبة بن عبد السلمي، والمقدام بن معدي كرب الكندي، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير، والأصح وفاته سنة تسع.

ويقال: فيها افتتح قتيبة بن مسلم أمير خراسان بيكند.

وفيها شرع الوليد بن عبد الملك في بناء جامع دمشق، وكتب إلى أمير المدينة عمر بن عبد العزيز ببناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي هذه السنة ولي عمر المدينة وله خمسٌ وعشرون سنة، وصرف عنها هشام بن إسماعيل، وأهين ووقف للناس، فبقي عمر عليها إلى أن عزله الوليد بأبي بكر بن حزم.

وفيها قدم نيزك طرخان على قتيبة بن مسلم، فصالحه وأطلق من في يده من أسارى المسلمين.

وفيها غزا قتيبة نواحي بخارى، فكانت هناك وقعة عظيمة وملحمة هائلة، هزم الله فيها المشركين، واعتصم ناس منهم بالمدينة، ثم صالحهم، واستعمل عليها رجلا من أقاربه، فقتلوا عامة أصحابه وغدروا، فرجع قتيبة لحربهم وقاتلهم، ثم افتتحها عنوة، فقتل وسبى وغنم أموالا عظيمة.

وفيها أغزى أمير المغرب موسى بن نصير - عندما ولاه الوليد بن

ص: 917

عبد الملك إمرة المغرب جميعه - ولده عبد الله سردانية، فافتتحها وسبى وغنم.

وفيها أغزى موسى بن نصير ابن أخيه أيوب بن حبيب ممطورة، فغنم وبلغ سبيهم ثلاثين ألفا.

وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك، فافتتح قميقم وبحيرة الفرسان، فقتل وسبى.

ويسر الله في هذا العام بفتوحات كبار على الإسلام.

وأقام للناس الموسم عمر بن عبد العزيز، فوقف غلطا يوم النحر، فتألم عمر لذلك، فقيل له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم عرفة يوم يعرف الناس. وكانوا بمكة في جهد من قلة الماء، فاستسقوا ومعهم عمر، فسقوا، قال بعضهم: فرأيت عمر يطوف والماء إلى أنصاف ساقيه.

‌سنة ثمانٍ وثمانين

توفي فيها: عبد الله بن بسر المازني، وأبو الأبيض العنسي، وعبد الله بن أبي أوفى، على الأصح.

وفيها جمع الروم جمعا عظيما وأقبلوا فالتقاهم مسلمة ومعه العباس بن الخليفة الوليد، فهزم الله الروم، وقتل منهم خلق، وافتتح المسلمون جرثومة وطوانة.

وفيها غزا قتيبة بن مسلم، فزحف إليه الترك ومعهم الصغد وأهل فرغانة، وعليهم ابن أخت ملك الصين، ويقال: بلغ جمعهم مائتي ألف، فكسرهم قتيبة، وكانت ملحمة عظيمة.

وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك وابن أخيه العباس، وشتوا بقرى أنطاكية، ثم التقوا الروم وحج بالناس عمر بن الوليد بن عبد الملك.

ويقال: إن فيها شرع الوليد ببناء الجامع، وكان نصفه كنيسة للنصارى، وعلى ذلك صالحهم أبو عبيدة بن الجراح، فقال الوليد للنصارى: إنا قد أخذنا كنيسة توما عنوة، - يعني كنيسة مريم - فأنا أهدمها، وكانت أكبر من

ص: 918

النصف الذي لهم، فرضوا بإبقاء كنيسة مريم، وأعطوا النصف وكتب لهم بذلك، والمحراب الكبير هو كان باب الكنيسة، ومات الوليد وهم بعد في زخرفة بناء الجامع، وجمع عليه الوليد الحجارين والمرخمين من الأقطار، حتى بلغوا - فيما قيل - اثني عشر ألف مرخم، وغرم عليها قناطير عديدة من الذهب، فقيل: إن النفقة عليه بلغت ستة آلاف ألف دينار، وذلك مائة قنطارٍ وأربعة وأربعون قنطارا بالقنطار الدمشقي.

وفيها أمر الوليد عامله على المدينة - عمر بن عبد العزيز - ببناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يزاد فيه من جهاته الأربع، وأن يعطى الناس ثمن الزيادات شاءوا أو أبوا.

قال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر قال: حدثنا عبد الله بن يزيد الهذلي، قال: رأيت منازل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هدمها عمر بن عبد العزيز، فزادها في المسجد، وكانت بيوتا باللبن، ولها حجر من جريد مطرورٌ بالطين، عددت تسعة أبياتٍ بحجرها، وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الواقدي: حدثني معاذ بن محمد، سمع عطاء الخراساني يقول: أدركت حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من جريد النخل، على أبوابها المسوح من شعرٍ أسود، فحضرت كتاب الوليد يقرأ بإدخال الحجر في المسجد، فما رأيت باكيا أكثر باكيا من ذلك اليوم، فسمعت سعيد بن المسيب يقول: لو تركوها فيقدم القادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته.

وعن عمران بن أبي أنس، قال: ذرع الستر الشعر ذراع في طول ثلاثة.

وفيها كتب الوليد - وكان مغرما بالبناء - إلى عمر بن عبد العزيز بحفر الأنهار بالمدينة، وبعمل الفوارة بها، فعملها وأجرى ماءها، فلما حج الوليد وقف ونظر إليها فأعجبته.

وقال عمرو بن مهاجر - وكان على بيت مال الوليد -: حسبوا ما أنفقوا على الكرمة التي في قبلة مسجد دمشق، فكان سبعين ألف دينار.

وقال أبو قصي إسماعيل بن محمد العذري: حسبوا ما أنفقوا على

ص: 919

مسجد دمشق، فكان أربع مائة صندوق، في كل صندوق ثمانيةٌ وعشرون ألف دينار.

قلت: جملتها على هذا: أحد عشر ألف ألف دينار ونيف.

قال أبو قصي: أتاه حرسيه فقال: يا أمير المؤمنين تحدثوا أنك أنفقت الأموال في غير حقها، فنادى: الصلاة جامعة، وخطبهم فقال: بلغني كيت وكيت، ألا يا عمرو بن مهاجر قم فأحضر الأموال من بيت المال. فأتت البغال تدخل بالمال، وفضت في القبلة على الأنطاع، حتى لم يبصر من في القبلة من في الشام، ووزنت بالقبابين، وقال لصاحب الديوان: أحص من قبلك ممن يأخذ رزقنا، فوجدوا ثلاث مائة ألف في جميع الأمصار، وحسبوا ما يصيبهم، فوجدوا عنده رزق ثلاث سنين، ففرح الناس، وحمدوا الله، فقال: إلى أن تذهب هذه الثلاث السنين قد أتانا الله بمثله ومثله، ألا وإني رأيتكم يا أهل دمشق تفخرون على الناس بأربع: بهوائكم، ومائكم، وفاكهتكم، وحماماتكم، فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس، فانصرفوا شاكرين داعين.

وروي عن الجاحظ، عن بعضهم قال: ما يجوز أن يكون أحدٌ أشد شوقا إلى الجنة من أهل دمشق، لما يرون من حسن مسجدهم.

‌سنة تسع وثمانين

توفي فيها - على الصحيح -: عبد الله بن ثعلبة. ويقال: توفي فيها عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وأبو ظبيان، وأبو وائل، والصحيح وفاتهم في غيرها.

وفيها افتتح عبد الله بن موسى بن نصير جزيرتي ميورقة ومنورقة، وهما جزيرتان في البحر، بين جزيرة صقلية وجزيرة الأندلس، وتسمى غزوة الأشراف، فإنه كان معه خلقٌ من الأشراف والكبار.

وفيها غزا قتيبة وردان خداه ملك بخارى، فلم يطقهم، فرجع.

وفيها أغزى موسى بن نصير ابنه مروان السوس الأقصى، فبلغ السبي أربعين ألفا.

ص: 920

وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك عمورية، فلقي جمعا من الروم، فهزمهم الله - تعالى -.

وفيها ولي خالد بن عبد الله القسري مكة، وذلك أول ما ولي.

وفيها عزل عن قضاء مصر عمران بن عبد الرحمن، بعبد الواحد بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج، وله خمسٌ وعشرون سنة.

وقد ذكر ابن جرير الطبري أن الواقدي زعم، أن عمر بن صالح حدثه، عن نافع مولى بني مخزوم قال. سمعت خالد بن عبد الله يقول على منبر مكة: أيها الناس، أيهما أعظم، خليفة الرجل على أهله، أم رسوله إليهم؟ والله لو لم تعلموا فضل الخليفة إلا أن إبراهيم خليل الرحمن استسقى فسقاه الله ملحا أجاجا، واستسقاه الخليفة فسقي عذبا فراتا، بئرا حفرها الوليد بن عبد الملك عند ثنية الحجون، وكان ينقل ماؤها فيوضع في حوض من أدم إلى جنب زمزم، ليعرف فضله على زمزم. قال: ثم غارت البئر فذهبت، فلا يدرى أين موضعها.

قلت: ما أعتقد أن هذا وقع. والله أعلم.

‌سنة تسعين

توفي فيها: خالد بن يزيد بن معاوية، وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري. وعبد الرحمن بن المسور الزهري، وأبو ظبيان الجنبي، ويزيد بن رباح، وعروة بن أبي قيس المصريان.

وقال أبو خلدة: توفي فيها - في شوال - أبو العالية الرياحي.

وقال ابن المديني: توفي جابر بن زيد سنة تسعين.

وقال شعيب بن الحبحاب: توفي فيها أنس بن مالك.

وقال خليفة: توفي فيها مسعود بن الحكم الزرقي.

وفيها غزا قتيبة بن مسلم وردان خداه الغزوة الثانية، فاستصرخ على قتيبة بالترك، فالتقاهم قتيبة، فهزمهم الله وفض جمعهم.

ص: 921

وفيها غزا العباس ابن أمير المؤمنين، فبلغ الأرزق ثم رجع.

وفيها أوقع قتيبة بأهل الطالقان بخراسان، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وصلب منهم سماطين طول أربعة فراسخ في نظام واحد، وسبب ذلك أن ملكها غدر ونكث، وأعان نيزك طرخان على خلع قتيبة. قاله محمد بن جرير.

وفيها سار قرة بن شريك أميرا على مصر على البريد في شهر ربيع الأول، عوضا عن عبد الله بن عبد الملك بن مروان، وقيل قبل ذلك، والله أعلم.

ص: 922

بسم الله الرحمن الرحيم

‌تراجم رجال هذه الطبقة

1 -

م 4:‌

‌ أبان بن عثمان بن عفان

بن أبي العاص الأموي، أبو سعيد.

سمع أباه، وزيد بن ثابت. وعنه عامر بن سعد، والزهري، وعمرو بن دينار، وأبو الزناد، وجماعة. ووفد على عبد الملك.

قال ابن سعد: كان ثقة له أحاديث عن أبيه، وكان به صمم ووضحٌ كثير، وأصابه الفالج قبل أن يموت.

وقال خليفة: أبان وعمرو أمهما أم عمرو بنت جندب بن عمرو الدوسي، وأبان توفي سنة خمسٍ ومائة. وقال الواقدي: كانت ولاية أبان على المدينة سبع سنين.

وقال الحكم بن الصلت: حدثنا أبو الزناد، قال: مات أبان قبل عبد الملك بن مروان.

وقال يحيى القطان: فقهاء المدينة عشرة، فذكر منهم أبان.

وقال مالك: حدثني عبد الله بن أبي بكر، أن أبا بكر بن حزم كان يتعلم من أبان القضاء.

وقال أبو علقمة الفروي: حدثني عبد الحكيم بن أبي فروة عمي، قال، قال عمرو بن شعيب: ما رأيت أحدا أعلم بحديثٍ ولا فقهٍ من أبان.

2 -

‌ أدهم بن محرز الباهلي الحمصي

، الأمير

أول من ولد بحمص، شهد صفين مع معاوية، وكان ناصبيا سبابا.

حكى عنه عمرو بن مالك القيني، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وفروة بن لقيط.

ص: 923

قال هشيم بن أبي ساسان: حدثني أبي الصيرفي، قال: سمعت عبد الملك بن عمير يقول: أتيت الحجاج وهو يقول لرجل: أنت همدان مولى علي، تعال سبه، قال: ما ذاك جزاؤه مني، رباني وأعتقني، قال: فما كنت تسمعه يقرأ من القرآن، قال: كنت أسمعه في قيامه وقعوده وذهابه ومجيئه يتلو: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} الآيتين. قال: فابرأ منه. قال: أما هذه فلا، سمعته يقول: تعرضون على سبي فسبوني، وتعرضون على البراءة مني، فلا تبرأوا مني فإني على الإسلام، قال: أما ليقومن إليك رجلٌ يتبرأ منك ومن مولاك، يا أدهم بن محرز قم فاضرب عنقه، فقام يتدحرج كأنه جعل، وهو يقول: يا ثارات عثمان، فما رأيت رجلا كان أطيب نفسا بالموت منه، فضربه فندر رأسه. إسناده صحيح.

3 -

خ م د ن:‌

‌ الأسود بن هلال المحاربي الكوفي

، أبو سلام

من المخضرمين. روى عن: معاذ، وعمرو بن مسعود، وأبي هريرة. روى عنه أشعث بن أبي الشعثاء، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو حصين عثمان بن عاصم الأسدي، وآخرون.

وثقه يحيى بن معين.

توفي سنة أربع وثمانين.

4 -

‌ الأعشى الهمداني

- الشاعر، هو أبو المصبح عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث

أحد الفصحاء المفوهين بالكوفة. كان له فضل وعبادة، ثم ترك ذلك، وأقبل على الشعر، وقد وفد على النعمان بن بشير إلى حمص ومدحه، فيقال: إنه حصل له من جيش حمص أربعون ألف دينار، ثم إن الأعشى خرج مع ابن الأشعث، ثم ظفر به الحجاج فقتله، رحمه الله.

وكان هو والشعبي كل منهما زوج أخت الآخر.

5 -

ن:‌

‌ الأغر بن سليك

، ويقال: ابن حنظلة

كوفي. روى عن علي، وأبي هريرة. وعنه أبو إسحاق، وعلي بن

ص: 924

الأقمر، وسماك بن حرب.

مقل.

6 – ن ق:‌

‌ أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية الأموي

.

روى عن ابن عمر. روى عنه عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والمهلب بن أبي صفرة، وأبو إسحاق السبيعي. وولي إمرة خراسان لعبد الملك.

توفي سنة سبعٍ وثمانين.

7 -

‌ أيوب بن القرية واسم أبيه يزيد بن قيس بن زرارة بن سلم النمري الهلالي

، والقرية أمه

كان أعرابيا أميا، صحب الحجاج ووفد على عبد الملك، وكان يضرب به المثل في الفصاحة والبيان.

قدم في عام قحط عين التمر، وعليها عامل، فأتاه من الحجاج كتابٌ فيه لغة وغريب، فأهم العامل ما فيه، ففسره له أيوب، ثم أملى له جوابه غريبا، فلما قرأه الحجاج علم أنه ليس من إنشاء عامله، وطلب من العامل الذي أملى له الجواب، فقال لابن القرية، فقال له: أقلني من الحجاج، قال: لا بأس عليك، وجهزه إليه، فأعجب به، ثم جهزه الحجاج إلى عبد الملك، فلما خرج ابن الأشعث كان أيوب بن القرية ممن خرج معه، وذلك لأن الحجاج بعثه رسولا إلى ابن الأشعث إلى سجستان، فلما دخل عليه أمره أن يقوم خطيبا، وأن يخلع الحجاج ويسبه أو ليضربن عنقه، فقال: أنما رسول، قال: هو ما أقول لك، ففعل، وأقام مع ابن الأشعث، فلما انكسر ابن الأشعث أتي بأيوب أسيرا إلى الحجاج، فقال: أخبرني عما أسألك، قال: سل، قال: أخبرني عن أهل العراق. قال: أعلم الناس بحقٍ وباطل، قال: فأهل الحجاز، قال: أسرع الناس إلى فتنة، وأعجزهم فيها، قال: فأهل الشام؟ قال: أطوع الناس لأمرائهم، قال: فأهل مصر؟ قال: عبيد من

ص: 925

غلب، قال: فأهل الموصل؟ قال: أشجع فرسان، وأقتل للأقران، قال: فأهل اليمن؟ قال: أهل سمعٍ وطاعة، ولزوم للجماعة. ثم سأله عن قبائل العرب وعن البلدان، وهو يجيب، فلما ضرب عنقه ندم.

وفي ترجمته طول في تاريخ دمشق، وابن خلكان.

توفي سنة أربعٍ وثمانين.

8 -

‌ بحير بن ورقاء البصري الصريمي

أحد الأشراف والقواد بخراسان، وهو الذي حارب ابن خازم السلمي وظفر به، وهو الذي تولى قتل بكير بن وشاح بأمر أمية بن عبد الله الأموي، فعمل عليه طائفة من رهط بكير فقتلوه سنة إحدى وثمانين.

9 -

خ 4:‌

‌ بشير بن كعب بن أبي

، أبو أيوب الحميري العدوي البصري

يقال: إن أبا عبيدة استعمله على شيءٍ من المصالح. روى عن أبي ذر، وأبي الدرداء، وأبي هريرة. روى عنه عبد الله بن بريدة، وطلق بن حبيب، وقتادة، والعلاء بن زياد، وثابت البناني، وغيرهم.

وكان أحد القراء والزهاد. وثقه النسائي.

وأما:

10 -

‌ بشير بن كعب العلوي

، فشاعر، كان في زمان معاوية، له ذكر.

11 -

‌ تياذوق الطبيب

كان بارعا في الطب، ذكيا عالما، وكان عزيزا عند الحجاج وله ألفاظ

ص: 926

في الحكمة. توفي قريبا من سنة تسعين، وقد شاخ. صنف كناشا كبيرا، وكتاب الأدوية، وغير ذلك.

توفي بواسط.

12 -

م ن:‌

‌ الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي المكي

، المعروف بالقباع.

ولي إمرة البصرة لابن الزبير، ووفد على عبد الملك. روى عن عمر، وعائشة، وأم سلمة، وغيرهم.

روى عنه الزهري، وعبد الله بن عبيد بن عمير، والوليد بن عطاء، وعبد الرحمن بن سابط.

قال الأصمعي: سمي القباع لأنه وضع لهم مكيالا سماه القباع.

وقيل: كانت أمه حبشية.

قال حاتم بن أبي صغيرة وغيره، عن أبي قزعة: إن عبد الملك قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين، يقول سمعتها، تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر، لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر، فإن قومك قصروا عن البناء، فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا، فقال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على بناء ابن الزبير.

13 – د ت:‌

‌ حجر بن عنبس الحضرمي أبو العنبس

، ويقال: أبو السكن

مخضرم كبير، صحب عليا وروى عنه، وعن وائل بن حجر. حدث عنه سلمة بن كهيل، وموسى بن قيس.

ذكره الخطيب في تاريخ بغداد،

ص: 927

ووثقه وقال: قدم المدائن.

14 -

د ن ق:‌

‌ حجر المدري اليماني

عن زيد بن ثابت، وعلي، وابن عباس. وعنه طاوس، وشداد بن جابان.

وله حديث في السنن الثلاثة.

15 -

‌ حسان بن النعمان أمير المغرب

قيل: إنه هو حسان بن النعمان بن المنذر الغساني، ابن زعيم عرب الشام. حكى عنه أبو قبيل المعافري.

وكان بطلا شجاعا غزاء، ولي فتوحاتٍ بالمغرب، ووفد على عبد الملك وغيره، وكانت له بدمشق دار. وجهه معاوية سنة سبعٍ وخمسين، فصالح البربر، وقرر عليهم الخراج. ثم وفد إلى الشام بعد نيفٍ وعشرين سنة، وكان قد تمكن بإفريقية، ودانت له، وهذبها بعد قتل الكاهنة، فلما ولي الوليد أرسل إلى نوابه يحرضهم على الجهاد ويبالغ، وأمرهم بعمل المراكب والإكثار منها، وبحرب الروم والبربر في البر والبحر، وعزل حسان فقدم عليه بتحفٍ عظيمة وأموال وجواهر، وقال: يا أمير المؤمنين إنما خرجت مجاهدا في سبيل الله وليس مثلي من خان الله وأمير المؤمنين، فقال: أنا أردك إلى عملك، فحلف أنه لا ولي لبني أمية ولاية أبدا.

وكان حسان يسمى الشيخ الأمين لثقته وأمانته.

وأما أبو سعيد بن يونس فقال: إن موت حسان سنة ثمانين.

16 -

ن ق:‌

‌ حصين بن مالك بن الخشخاش

، وهو حصين بن أبي الحر التميمي العنبري البصري، جد القاضي عبيد الله بن الحسن العنبري

عن جده الخشخاش - وله صحبة - وعن سمرة بن جندب، وعمران بن حصين. وعنه ابنه الحسن، وعبد الملك بن عمير، ويونس بن عبيد.

ص: 928

وقيل: يونس، عن رجل، عنه.

مات في حبس الحجاج.

17 -

ن ق:‌

‌ حكيم بن جابر بن طارق الأحمسي الكوفي

روى عن أبيه، وعمر، وابن مسعود، وعبادة بن الصامت. وعنه بيان بن بشير، وإسماعيل بن أبي خالد، وطارق بن عبد الرحمن البجلي، وغيرهم.

وثقه ابن معين.

18 -

ن:‌

‌ حكيم بن سعد أبو تحيى الكوفي

.

حدث عن علي، وأبي موسى، وأم سلمة. روى عنه أبو إسحاق، وعمران بن ظبيان، وعبد الملك بن مسلم، وآخرون.

شهد وقعة النهروان مع علي.

وثقه أحمد العجلي.

19 -

‌ حمران بن أبان مولى عثمان

، من سبي عين التمر

كان للمسيب بن نجبة، فابتاعه عثمان. روى عن عثمان، وعن معاوية. وعنه عطاء بن يزيد الليثي، ومعاذ بن عبد الرحمن، وعروة بن الزبير، وزيد بن أسلم، وبكير بن الأشج، وبيان بن بشر، وطائفة.

قال صالح بن كيسان: سباه خالد بن الوليد من عين التمر.

وقال مصعب الزبيري: إنما هو حمران بن أبا، فقال بنوه: ابن أبان.

وقال ابن سعد: نزل البصرة، وادعى ولده أنهم من النمر بن قاسط.

وقال قتادة: كان حمران يصلي مع عثمان، فإذا أخطأ فتح عليه.

وعن الزهري: أنه كان يأذن على عثمان.

وقال عثمان بن أبي شيبة: كان كاتب عثمان، وكان محترما في دولة

ص: 929

عبد الملك، وطال عمره، وتوفي بعد الثمانين.

20 – ع:‌

‌ حميد بن عبد الرحمن الحميري

يقال: توفي سنة إحدى وثمانين، وسيأتي.

21 – د ت:‌

‌ حنش بن المعتمر

، ويقال: ابن ربيعة الكناني، ثم الكوفي.

روى عن علي، وأبي ذر.

ويأتي سنة مائة حنش الصنعاني، وهو أصغر من ذا وأوثق. وأما هذا فروى عنه الحكم بن عتيبة، وسماك، وسعيد بن أشوع، وإسماعيل بن أبي خالد.

قال البخاري: يتكلمون في حديثه.

وقال ابن عدي وغيره: لا بأس به.

22 -

م ن ق:‌

‌ خالد بن عمير البصري

شهد خطبة عتبة بن غزوان. وعنه أبو نعامة عمرو بن عيسى العدوي، وحميد بن هلال.

وثقه ابن حبان.

23 -

د:‌

‌ خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان

، أبو هاشم الأموي الدمشقي، أخو معاوية، وعبد الرحمن

روى عن أبيه، ودحية الكلبي. وعنه رجاء بن حيوة، وعلي بن رباح، والزهري، وأبو الأعيس الخولاني.

ص: 930

قال الزبير: كان خالد بن يزيد موصوفا بالعلم وقول الشعر.

وقال ابن سميع: داره هي دار الحجارة بدمشق.

وقال أبو زرعة: كان هو وأخواه من صالحي القوم.

وقال عقيل، عن الزهري: إن خالد بن يزيد بن معاوية كان يصوم الأعياد كلها: الجمعة، والسبت، والأحد.

ويروى أن شاعرا وفد عليه فقال:

سألت الندى والجود حران أنتما؟ فقالا جميعا: إننا لعبيد فقلت: فمن مولاكما؟ فتطاولا علي وقالا: خالد بن يزيد فأمر له بمائة ألف درهم.

وقد كان ذكر خالد للخلافة عند موت أخيه معاوية، ثم بويع مروان على أن خالدا ولي عهده، فلم يتم ذلك.

وقال الأصمعي: حدثنا عمرو بن عتبة، عن أبيه قال: تهدد عبد الملك خالد بن يزيد بالحرمان والسطوة، فقال: أتهددني ويد الله فوقك مانعة، وعطاؤه دونك مبذول.

وقال الأصمعي: قيل لخالد بن يزيد: ما أقرب شيء؟ قال: الأجل، قيل: فما أبعد شيء؟ قال: الأمل، قيل: فما أرجى شيء؟ قال: العمل.

وعنه، قال: إذا كان الرجل لجوجا مماريا معجبا برأيه، فقد تمت خسارته.

توفي سنة تسعين، وقيل: أربعٍ وثمانين، وقيل: سنة خمس.

وله ترجمة طويلة في تاريخ ابن عساكر.

ونقل ابن خلكان أنه كان يعرف الكيمياء، وأنه صنف فيها ثلاث رسائل، وهذا لم يصح.

وعن مصعب الزبيري، قال: كان خالد بن يزيد يوصف بالحلم، ويقول

ص: 931

الشعر، وزعموا أنه هو الذي وضع حديث السفياني، وأراد أن يكون للناس فيه طمع حين غلب مروان على الأمر.

قال ابن الجوزي: هذا وهمٌ من مصعب، أمر السفياني قد تتابعت فيه روايات.

24 -

ع:‌

‌ خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي الكوفي

أبوه وجده صحابيان، يروي عن أبيه، وعائشة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وعدي بن حاتم، وسويد بن غفلة، وطائفة سواهم. ولم يلق ابن مسعود. روى عنه عمرو بن مرة، وطلحة بن مصرف، ومنصور، والأعمش، وابن أبي خالد، وغيرهم.

وكان رجلا صالحا، كبير القدر، لم ينج من فتنة ابن الأشعث بالكوفة إلا هو وإبراهيم النخعي.

وحديثه في الكتب الستة. وكان سخيا كريما، يركب الخيل.

25 -

ع:‌

‌ ذر بن عبد الله الهمداني الكوفي

عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن شداد، وسعيد بن جبير، وجماعة. روى عنه الحكم بن عتيبة، وابنه عمر بن ذر، وسلمة بن كهيل، والأعمش، ومنصور.

قال أبو داود، وغيره: كان مرجئا.

26 -

خ م ت ن ق:‌

‌ الربيع بن خثيم بن عائذ الثوري

، أبو يزيد الكوفي

أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع: ابن مسعود، وأبا أيوب، وعمرو بن ميمون. وعنه الشعبي، وإبراهيم، ومنذر الثوري، وهلال بن يساف، وآخرون.

وكان عبدا صالحا جليلا ثقة نبيلا، كبير القدر.

ص: 932

27 -

‌ ربيعة بن لقيط التجيبي المصري

عن عمرو بن العاص، ومعاوية، وابن حوالة. وعنه ابنه إسحاق، ويزيد بن أبي حبيب.

وثقه أحمد العجلي. وله في مسند أحمد بن حنبل.

28 -

‌ روح بن زنباع

، أبو زرعة الجذامي الفلسطيني، ويقال: أبو زنباع

حدث عن أبيه، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وكعب الأحبار، وغيرهم. وعنه ابنه روح بن روح، وشرحبيل بن مسلم، ويحيى الشيباني، وعبادة بن نسي، وجماعة.

وكان ذا اختصاص بعبد الملك، لا يكاد يغيب عنه، وهو كالوزير له.

ولأبيه زنباع بن روح بن سلامة صحبة، وكان لروح دار بدمشق في طرف البزوريين، أمره يزيد على جند فلسطين، وشهد يوم راهط مع مروان.

وقال مسلم: له صحبة. ولم يتابع مسلما أحدٌ.

وروى ضمرة، عن عبد الحميد بن عبد الله قال: كان روح بن زنباع إذا خرج من الحمام أعتق رقبة.

قال ابن زبر: مات سنة أربعٍ وثمانين.

29 – د ن ق:‌

‌ رياح بن الحارث النخعي الكوفي

عن علي، وابن مسعود، وعمار، وسعيد بن زيد. وعنه حفيده صدقة بن المثنى بن رياح، والحسن بن الحكم النخعي، وحرملة بن قيس، وأبو جمرة الضبعي.

ذكره ابن حبان في الثقات.

ص: 933

30 -

م 4:‌

‌ زاذان أبو عمر الكندي

، مولاهم، الكوفي البزاز الضرير

شهد خطبة عمر بالجابية، وحدث عن علي، وابن مسعود، وسلمان، وحذيفة، وعائشة، وجرير بن عبد الله، والبراء، وابن عمر.

روى عنه أبو صالح السمان، وعمرو بن مرة، وعطاء بن السائب، وحبيب بن أبي ثابت، ومحمد بن سوقة، والمنهال بن عمرو، ومحمد بن جحادة.

وكان ثقة، قليل الحديث.

وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالمتين عندهم.

وعن أبي هاشم الرماني، قال: قال زاذان: كنت غلاما حسن الصوت، جيد الضرب بالطنبور، وكنت أنا وصاحب لي، وعندنا نبيذ، وأنا أغنيهم، فمر ابن مسعود، فدخل فضرب الباطية، بددها، وكسر الطنبور، ثم قال: لو كان ما أسمع من حسن صوتك هذا يا غلام بالقرآن كنت أنت أنت، ثم مضى، فقلت لأصحابي: من هذا؟ قالوا: هذا ابن مسعود، فألقي في نفسي التوبة، فسعيت وأنا أبكي، ثم أخذت بثوبه، فقال: من أنت؟ قلت: أنا صاحب الطنبور، فأقبل علي فاعتنقني وبكى، ثم قال: مرحبا بمن أحبه الله، اجلس مكانك، ثم دخل فأخرج إلي تمرا.

وقال زبيد: رأيت زاذان يصلي كأنه جذع خشبة.

وروى ابن نمير قال: قال زاذان يوما: إني جائع، فسقط عليه من الروزنة رغيف مثل الرحى.

وقال عطاء بن السائب: كان زاذان إذا جاءه رجل يشتري الثوب نشر الطرفين وسامه سومة واحدة.

وقال شعبة: سألت سلمة بن كهيل عن زاذان فقال: أبو البختري أحب إلي منه.

وقال إبراهيم بن الجنيد، عن يحيى بن معين: هو ثقة.

ص: 934

وقال خليفة: توفي سنة اثنتين وثمانين.

31 -

ع:‌

‌ زر بن حبيش بن حباشة بن أوس

، أبو مريم الأسدي الكوفي. ويقال أبو: مريم وأبو مطرف

أدرك الجاهلية، وعمر دهرا. حدث عن عمر، وأبي بن كعب، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، وعمار بن ياسر، وحذيفة، والعباس، وصفوان بن عسال. وقرأ القرآن على علي، وابن مسعود، وأقرأه. فقرأ عليه عاصم، ويحيى بن وثاب، وأبو إسحاق، والأعمش، وحدث عنه عاصم، وعبدة بن أبي لبابة، وعدي بن ثابت، والمنهال بن عمرو، وأبو إسحاق الشيباني، وأبو بردة بن أبي موسى، وإسماعيل بن أبي خالد.

قال عاصم: كان زر من أعرب الناس، كان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية.

وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث.

وقال همام: حدثنا عاصم، عن زر، قال: وفدت إلى المدينة في خلافة عثمان، وإنما حملني على ذلك الحرص على لقاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيت صفوان بن عسال فقلت له: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وغزوت معه ثنتي عشرة غزوة.

وقال شيبان، عن عاصم، عن زر قال: خرجت في وفد من أهل الكوفة، وايم الله إن حرضني على الوفادة إلا لقاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدمت المدينة أتيت أبي بن كعب، وعبد الرحمن بن عوف، فكانا جليسي وصاحبي، فقال أبي: يا زر ما تريد أن تدع من القرآن آية إلا سألتني عنها.

شعبة، عن عاصم، عن زر قال: كنت بالمدينة يوم عيد، فإذا عمر ضخم أصلع، كأنه على دابةٍ مشرف.

ص: 935

حماد بن زيد، عن عاصم، عن زر، قال: قدمت المدينة، فلزمت عبد الرحمن بن عوف وأبيا.

وقال حماد بن زيد، عن عاصم، قال: أدركت أقواما كانوا يتخذون هذا الليل جملا، يلبسون المعصفر، ويشربون نبيذ الجر، لا يرون به بأسا، منهم زر، وأبو وائل.

وقال أبو بكر بن عياش، عن عاصم قال: كان أبو وائل عثمانيا، وكان زر بن حبيش علويا، وما رأيت واحدا منهما قط تكلم في صاحبه حتى ماتا، وكان زر أكبر من أبي وائل، فكانا إذا جلسا جميعا لم يحدث أبو وائل مع زر.

وقال ابن أبي خالد: رأيت زر بن حبيش وإن لحييه ليضطربان من الكبر، وقد أتى عليه عشرون ومائة سنة.

قال أبو عبيد: مات زر سنة إحدى وثمانين.

وقال خليفة، والفلاس: سنة اثنتين.

وعن عاصم، قال: ما رأيت أقرأ من زر.

32 -

د ق:‌

‌ زياد بن جارية التميمي

دمشقي فاضل من قدماء التابعين، لا نعلم له رواية إلا عن حبيب بن مسلمة. روى عنه مكحول، ويونس بن ميسرة بن حلبس وعطية بن قيس.

وله دار غربي قصر الثقفيين.

قال سعيد بن عبد العزيز: كان زياد بن جارية إذا خلا بأصحابه قال: أخرجوا مخبآتكم.

وقال الهيثم بن مروان العنسي: دخل زياد بن جارية مسجد دمشق وقد تأخرت صلاتهم بالجمعة، فقال: والله ما بعث الله نبيا بعد محمد صلى الله عليه وسلم أمركم بهذه الصلاة. قال: فأخذ فأدخل الخضراء، فقطع رأسه، وذلك في زمن الوليد بن عبد الملك.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن زياد بن جارية، فقال:

ص: 936

شيخ مجهول.

33 -

د ت ن:‌

‌ زيد بن عقبة الفزاري الكوفي

عن سمرة بن جندب. وعنه ابنه سعيد، ومعبد بن خالد، وعبد الملك بن عمير.

وكان ثقة. قاله النسائي.

34 -

ع:‌

‌ زيد بن وهب الجهني

، أبو سليمان

كوفي قديم اللقاء، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبض وهو في الطريق.

وسمع عمر، وعليا، وابن مسعود، وأبا ذر، وحذيفة بن اليمان. وقرأ القرآن على ابن مسعود.

روى عنه الأعمش، وحبيب بن أبي ثابت، وحصين بن عبد الرحمن، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبد العزيز بن رفيع، وجماعة.

توفي بعد وقعة الجماجم. وكان من الثقات.

قال ابن منجوية: توفي سنة ست وتسعين.

35 – ع:‌

‌ سعد بن هشام بن عامر الأنصاري

، ابن عم أنس بن مالك

عن أبيه، وعائشة، وأبي هريرة. وعنه زرارة بن أوفى، والحسن البصري، وحميد بن هلال، وحميد بن عبد الرحمن.

وكان مقرئا، صالحا، فاضلا، نبيلا.

36 – ت ق:‌

‌ سعيد بن علاقة

، هو أبو فاختة، مولى أم هانئ بنت أبي طالب، ووالد ثوير بن أبي فاختة

وفد على معاوية، وروى عن علي، وابن مسعود، وأم هانئ

ص: 937

، وعائشة، والأسود بن يزيد. وعنه ابنه، وعمرو بن دينار، ويزيد بن أبي زياد، وإسحاق بن سويد العدوي.

وثقه العجلي.

37 -

‌ سفيان بن وهب

، أبو أيمن الخولاني المصري

صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عنه، وعن عمر، والزبير، وغزا المغرب، وسكن مصر، وطال عمره. طلبه عبد العزيز بن مروان ليحدثه، فأتي به شيخٌ كبيرٌ محمول. روى عنه أبو عشانة المعافري، وبكر بن سوادة، والمغيرة بن زياد، ويزيد بن أبي حبيب، وآخرون.

عده في الصحابة أحمد ابن البرقي، وابن أبي حاتم، وابن يونس، وذكره في التابعين ابن سعد، والبخاري.

* سليم بن أسود هو أبو الشعثاء

38 -

م د ن ق:‌

‌ سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي

، كنيته أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو حبتر

أحد الشجعان المذكورين، قيل: إنه ولد يوم الفتح، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سنانا، وقد استعمله زياد بن عبيد سنة خمسين على غزو الهند.

وله رواية يسيرة، روى له النسائي، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا، فهو مرسل.

وروى عن أبيه، وعمر، وابن عباس. وحديثه عن ابن عباس صحيح. روى عنه سلمة بن جنادة، ومعاذ بن سعوة، وحبيب أبو عبد الصمد الأزدي، وخلد الأثبج، وقتادة.

ص: 938

وطال عمره وبقي إلى أواخر أيام الحجاج. وقد ولي غزو الهند سنة خمسين.

39 – م د ن ق:‌

‌ سهم بن منجاب بن راشد الضبي الكوفي

شريف، لأبيه صحبة. روى عن أبيه، والعلاء بن الحضرمي، وقرثع الضبي، وقزعة بن يحيى، وهو أصغر منه. وعنه إبراهيم النخعي، وأبو سنان ضرار بن مرة الشيباني، وعطية بن يعلى الضبي، وآخرون.

40 -

ع:‌

‌ سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر

، أبو أمية الجعفي الكوفي

من كبار المخضرمين، وقيل: إنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه، ولم يصح، بل أسلم في حياته، وسمع كتابه إليهم، وشهد اليرموك. وحدث عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي بن كعب، وبلال، وأبي ذر. روى عنه أبو ليلى الكندي، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعبدة بن أبي لبابة، وسلمة بن كهيل، وعبد العزيز بن رفيع، وغيرهم.

قال نعيم بن ميسرة: حدثني بعضهم، عن سويد بن غفلة، قال: أنا لدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدت عام الفيل.

وروى زياد بن خيثمة، عن عامر - يعني - الشعبي قال: قال سويد بن غفلة: أنا أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين.

وقال أحمد في مسنده: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا هلال بن خباب قال: حدثنا ميسرة أبو صالح، عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، فجلست إليه وسمعت عهده.

وقال سفيان بن وكيع، عن يونس بن بكير، عن عمرو بن شمر، عن

ص: 939

إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أهدب الشعر، مقرون الحاجبين، واضح الثنايا، أحسن شعر وضعه الله على رأس إنسان. أخرجه ابن مندة في معرفة الصحابة.

وقال مبشر بن إسماعيل، عن سليمان بن عبد الله بن الزبرقان، عن أسامة بن أبي عطاء، قال: كنت عند النعمان بن بشير، فدخل عليه سويد بن غفلة، فقال له النعمان: ألم يبلغني أنك صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم مرة؟ قال: لا، بل مرارا، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نودي بالأذان، كأنه لا يعرف أحدا من الناس.

قلت: الحديثان ضعيفان.

وقد قال زهير بن معاوية: حدثنا الحارث بن مسلم بن الرحيل الجعفي قال: قدم الرحيل وسويد بن غفلة حين فرغوا من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو النضر هاشم بن القاسم: حدثنا محمد بن طلحة، عن عمران بن مسلم قال: مر رجل من صحابة الحجاج على مؤذن جعفي وهو يؤذن، فأتى الحجاج فقال: ألا تعجب من أني سمعت مؤذنا يؤذن بالهجير، قال: فأرسل فجاء به، فقال: ما هذا؟ قال: ليس لي أمرٌ، إنما سويد الذي يأمرني بهذا، فأرسل إلى سويد، فجيء به، فقال: ما هذه الصلاة!؟ قال: صليتها مع أبي بكر، وعمر، وعثمان، فلما ذكر عثمان جلس وكان مضطجعا، فقال: أصليتها مع عثمان؟ قال: نعم. قال: لا تؤمن قومك، وإذا رجعت إليهم فسب عليا. قال: نعم، سمعا وطاعة، فلما أدبر قال الحجاج: لقد عهد الشيخ الناس وهو يصلون الصلاة هكذا.

وقال الخريبي: سمعت علي بن صالح يقول: بلغ سويد بن غفلة عشرين ومائة سنة، لم ير محتبيا قط ولا متساندا، فأصاب بكرا، يعني في العام الذي توفي فيه.

ص: 940

وقال عاصم بن كليب: تزوج سويد بن غفلة بكرا، وهو ابن مائةٍ وست عشرة سنة.

وعن عمران بن مسلم قال: كان سويد بن غفلة إذا قيل له: أعطي فلان وولي فلان، قال: حسبي كسرتي وملحي.

وعن علي ابن المديني قال: دخلت منزل أحمد بن حنبل، فما شبهته إلا بما وصف من بيت سويد بن غفلة من زهده وتواضعه.

توفي سنة إحدى وثمانين. قاله ابن نمير، وأبو عبيد، وهارون بن حاتم، وغيرهم. وقال الفلاس: سنة اثنتين.

41 -

د:‌

‌ شبث بن ربعي التميمي اليربوعي الكوفي

عن علي بن أبي طالب، وحذيفة. وعنه أنس بن مالك، ومحمد بن كعب القرظي، وسليمان التيمي.

وكان من كبار الحرورية، ثم تاب، وأناب.

42 -

د ن:‌

‌ شبيب، أبو روح الوحاظي الحمصي

عن رجل له صحبة، وأبي هريرة، ويزيد بن خمير. وعنه عبد الملك بن عمير، وسنان بن قيس شامي، وحريز بن عثمان.

وقد وثق.

43 -

م 4:‌

‌ شتير بن شكل بن حميد

، أبو عيسى العبسي الكوفي.

عن أبيه، ولأبيه صحبة، وعن علي، وابن مسعود، وحفصة، وغيرهم. وعنه الشعبي، وأبو الضحى، وبلال بن يحيى العبسي.

وثقه النسائي.

ص: 941

44 -

م 4:‌

‌ شراحيل بن آدة

، على الصحيح، أبو الأشعث الصنعاني، صنعاء دمشق

في الكنى بعد المائة، فيحول إلى هنا.

وأما ابن سعد فقال: توفي زمن معاوية، فوهم، لأن هذا الرجل روى عنه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ويحيى بن الحارث الذماري، وطبقتهما.

45 – 4:‌

‌ شريح بن النعمان الصائدي الكوفي

عن علي، وجده، وعنه ابنه سعيد، وأبو إسحاق، وسعيد بن أشوع. له حديث في الأضحية.

46 -

‌ شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل

، أبو عمرو القرشي السهمي

سكن الطائف، وحدث عن جده، وابن عباس، وابن عمر، ومعاوية بن أبي سفيان.

واختلف في سماعه من أبيه محمد، ولم يختلف أولو المعرفة في سماعه من جده.

روى عنه ابناه عمرو، وعمر، وثابت البناني، وعطاء الخراساني، وعثمان بن حكيم، وغيرهم.

وأما أبوه محمد فقل من ذكر له ترجمة، بل هو كالمجهول.

47 -

‌ شقيق، أبو وائل بن سلمة الأسدي

شيخ إمام معمر. روى عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن

ص: 942

مسعود وقرأ عليه القرآن، وحذيفة، وعائشة، وسلمان الفارسي، ومعاذ، وعمار، وسعد بن أبي وقاص، وأبي الدرداء وطائفة.

روى عنه الشعبي، والحكم بن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت، وعمرو بن مرة، وعبدة بن أبي لبابة، وحصين، ومنصور، والأعمش، وعاصم بن بهدلة، وخلق كثير.

أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من الأذكياء الحفاظ، والأولياء العباد.

قال أبو الأحوص: حدثنا مسلم الأعور، عن أبي وائل قال: كنت مع عمر بالشام، فجاء دهقان فسجد له، فقال: ما هذا؟ قال: هكذا نفعل بالملوك. فقال: اسجد لربك الذي خلقك.

قال ابن سعد: سمع أبو وائل بالشام من أبي الدرداء، وكان ثقة كثير الحديث.

وقال عاصم بن أبي النجود: سمعت أبا وائل يقول: أدركت سبع سنين من سني الجاهلية.

وقال أبو العنبس: سمعت أبا وائل يقول: بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلام شاب.

وقال هشيم، عن مغيرة، عن أبي وائل قال: أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته بكبشٍ لي فقلت: صدق هذا، قال: ليس فيه صدقة.

وقال الأعمش: قال لي أبو وائل: وقعت من جملي يوم الردة، أفرأيت لو مت، أليس كانت النار، وكنا قد هربنا من خالد بن الوليد يوم بزاخة، وسمعته يقول: كنت يومئذٍ ابن إحدى عشرة سنة.

ص: 943

وقال إبراهيم النخعي: ما من قريةٍ إلا وفيها من يدفع عن أهلها به، وإني لأرجو أن يكون أبو وائل منهم.

وقال: رأيت الناس وهم متوافرون، وهم يعدون أبا وائل من خيارهم.

وقال عمرو بن مرة: قلت لأبي عبيدة: من أعلم أهل الكوفة بحديث عبد الله بن مسعود؟ قال: أبو وائل.

وقال عاصم بن أبي النجود: كان عبد الله إذا رأى أبا وائل قال: التائب، وإذا رأى الربيع بن خثيم قال:{وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}

وقال محمد بن فضيل بن غزوان، عن أبيه، عن شقيق: أنه تعلم القرآن في شهرين.

وقال ابن المبارك: حدثنا سفيان، قال: أمهم أبو وائل، فرأى من صوته، قال: كأنه أعجبه، فترك الإمامة.

وقال عاصم بن بهدلة: كان أبو وائل إذا خلا ينشج، ولو جعل له الدنيا على أن يفعل ذلك وأحد يراه لم يفعل.

وقال جرير، عن مغيرة، قال: كان إبراهيم التيمي يقص في منازل أبي وائل، فكان أبو وائل ينتفض انتفاض الطائر.

وقال حماد بن زيد، عن عاصم، قال: كان لأبي وائل خص يكون فيه هو وفرسه، فإذا غزا نقضه، وإذا رجع بناه.

وقال أبو بكر، عن عاصم، قال كان عطاء أبي وائل ألفين، فإذا خرج عطاؤه أمسك ما يكفي أهله سنة، وتصدق بما سواه.

وروى جعفر بن عون، عن المعلى بن عرفان: سمعت أبا وائل، وجاءه رجل فقال: ابنك على السوق، فقال: والله لو جئتني بموته كان أحب إلي، إني لأكره أن يدخل بيتي من عمل عملهم، وقال عاصم: كان ابنه على قضاء الكناسة.

وقال الأعمش: قال لي شقيق: أسمع الناس يقولون: دانق، قيراط، أيهما أكبر، الدانق أو القيراط؟

ص: 944

وقال عاصم: ما رأيت أبا وائل ملتفتا في صلاةٍ ولا غيرها، ولا سمعته سب دابة، إلا أنه ذكر الحجاج يوما، فقال: اللهم أطعمه من ضريعٍ لا يسمن ولا يغني من جوع، ثم تداركها فقال: إن كان ذلك أحب إليك. ولا رأيته قائلا لأحدٍ: كيف أصبحت، ولا كيف أمسيت.

وقال عاصم: قلت لأبي وائل: شهدت صفين؟ قال: نعم، وبئست الصفون كانت، فقيل له: أيهما أحب إليك، علي أو عثمان؟ قال: علي، ثم صار عثمان أحب إلي من علي.

وقال الأعمش: قال لي أبو وائل: إن أمراءنا هؤلاء ليس عندهم تقوى أهل الإسلام، ولا أحلام أهل الجاهلية.

وقال ابن عيينة: حدثنا عامر بن شقيق، سمع أبا وائل يقول: استعملني ابن زياد على بيت المال، فأتاني رجل بصك: أعط صاحب المطبخ ثمان مائة درهم، فقلت له: مكانك، فدخلت على ابن زياد فقلت: إن عمر استعمل ابن مسعود على القضاء وعلى بيت المال، وعثمان بن حنيف على ما سقى الفرات، وعمار بن ياسر على الصلاة والجند، ورزقهم كل يومٍ شاة، فجعل نصفها وسقطها لعمار، لأنه على الصلاة والجند، وجعل لعبد الله ربعها، ولعثمان ربعها، ثم قال: إن مالا يؤكل منه كل يوم شاة لسريع الفناء. فقال ابن زياد: ضع المفاتيح واذهب حيث شئت.

وقال عاصم، عن أبي وائل قال: بعث إلي الحجاج، فأتيته، فقال: ما اسمك؟ قلت: ما بعث إلي الأمير إلا وقد عرف اسمي. قال: متى نزلت هذا البلد؟ قلت: ليالي نزله أهله، قال: إني مستعملك على السلسلة، قلت: إن السلسلة لا تصلح إلا برجالٍ يعملون عليها، وأما أنا فرجل ضعيف أخرق، أخاف بطانة السوء، فإن يعفني الأمير فهو أحب إلي، وإن يقحمني أقتحم، إني والله لأتعار من الليل، فأذكر الأمير، فلا أنام حتى أصبح، ولست له على عمل، والله ما رأيت الناس هابوا أميرا قط هيبتهم لك، فأطرق ساعة، ثم قال: أما قولك: ما رأيت الناس هابوا أميرا قط هيبتك، فإني والله ما أعلم رجلا أجرأ على دم مني، وأما قولك: إن يعفني الأمير، فإن وجدنا غيرك أعفيناك، ثم قال: انصرف، قال: فمضيت فغفلت على الباب كأني لا أبصر، فقال: أرشدوا الشيخ.

ص: 945

قال خليفة: مات أبو وائل بعد الجماجم سنة اثنتين وثمانين.

وذكر الواقدي أنه مات في خلافة عمر بن عبد العزيز.

48 -

ع:‌

‌ صالح بن خوات بن جبير الأنصاري المدني

عن أبيه، وخاله عمر، وسهل بن أبي حثمة. وعنه ابنه خوات، والقاسم، ويزيد بن رومان، وعامر بن عبد الله بن الزبير.

وثقه النسائي.

49 -

‌ صالح بن شريح السكوني الحمصي

حدث عن أبي عبيدة بن الجراح، وأبي هريرة، ومعاوية، وغضيف بن الحارث، وجبير بن نفير. روى عنه ابنه محمد، وعيسى بن أبي رزين، ومحمد بن زياد الإلهاني، وعمرو بن حريث.

وذكر أبو الحسن والد تمام الرازي أنه كان كاتبا لأبي عبيدة.

وقال ابن المبارك، عن عيسى بن أبي رزين قال: حدثني صالح بن شريح قال: رأيت أبا عبيدة رضي الله عنه، - يمسح على فراهيجتين.

رواه جنادة بن مروان، عن عيسى أيضا، فروى عمران بن بكار، أحد الأثبات، عن جنادة بن مروان، وقد ضعف، عن عيسى بن أبي رزين، عن صالح بن شريح قال: كنت عند ابن قرط الثمالي بحمص، إذ أقبل أبو عبيدة من دمشق يريد قنسرين، فلما تغدى قال له ابن قرط: لو نزعت فراهيجيك وتوضأت، قال: ما نزعتهما منذ خرجت من دمشق، ولا أنزعهما حتى أرجع إليها. تفرد به جنادة، عن عيسى، عن صالح، ولا تقوم بهؤلاء الحجة.

وقال البخاري: صالح بن شريح كاتب عبد الله بن قرط، وكان عبد الله أميرا لأبي عبيدة على حمص. سمع أبا عبيدة، والنعمان ابن الرازية.

قال أبو زرعة الدمشقي: بقي إلى وسط إمرة عبد الملك.

ص: 946

ع:‌

‌ صدي بن عجلان

، أبو أمامة الباهلي

يأتي في الكنى من هذه الطبقة.

50 -

م ن ق:‌

‌ صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي المكي

، زوج الدرداء بنت أبي الدرداء

روى عن علي، وأبي الدرداء، وأم الدرداء، وابن عمر. وعنه الزهري، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير، وغيرهم.

وثقه أحمد العجلي.

قال عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي الزبير، عن صفوان بن عبد الله قال: قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء فلقيته بالسوق. وذكر الحديث ومتنه: دعاء الرجل مستجاب لأخيه بظهر الغيب.

51 -

ع:‌

‌ صفية بنت شيبة بن عثمان الحجبي

، القرشية العبدرية.

يقال: إنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم، ووهى ذلك الدارقطني.

روت عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتابي أبي داود، والنسائي، فهو مرسل.

وروت عن عائشة، وأم حبيبة، وأم سلمة، أمهات المؤمنين وغيرهن.

روى عنها ابنها منصور بن صفية، وهو منصور بن عبد الرحمن الحجبي، وسبطها محمد بن عمران الحجبي، ومحمد بن مسلم بن يناق، وإبراهيم بن مهاجر، وقتادة، ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي، وآخرون.

قال ابن معين: لم يسمع منها ابن جريح بل أدركها.

وفي كتاب ابن ماجه، من حديث ابن إسحاق أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 947

يوم الفتح، دخل الكعبة وبها عيدان فكسرها.

52 -

م د ن ق:‌

‌ صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي

، أخت المختار الكذاب، زوجة ابن عمر

روت عن عمر، وحفصة، وعائشة، وغيرهم.

روى عنها سالم بن عبد الله، ونافع، وحميد الأعرج، وعبد الله بن دينار، وموسى بن عقبة وغيرهم.

53 -

م د ت:‌

‌ ضبة بن محصن العنزي البصري

عن عمر، وأبي موسى، وأم سلمة. وعنه الحسن وقتادة، وميمون بن مهران وغيرهم.

ذكره ابن حبان، في الثقات.

54 -

ع:‌

‌ طارق بن شهاب بن عبد شمس بن مسلمة الأحمسي البجلي

رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وغزا غير مرة في خلافة الصديق.

وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا، وروى عن أبي بكر، وعمر، وبلال، وخالد بن الوليد، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وجماعة من الكبار.

روى عنه قيس بن مسلم، وسماك بن حرب، وعلقمة بن مرثد، وسليمان بن ميسرة، وإسماعيل بن أبي خالد، ومخارق بن عبد الله.

قال قيس بن مسلم: سمعته يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت في خلافة أبي بكر، وعمر بضعا وأربعين، أو قال: بضعا وثلاثين من بين غزوة أو سرية.

توفي طارق سنة ثلاثٍ وثمانين، وقيل سنة اثنتين وثمانين.

وقال أحمد بن زهير، عن ابن معين: إنه توفي سنة ثلاثٍ وعشرين ومائة، وهذا وهمٌ فاحش.

ص: 948

55 -

ت ق:‌

‌ الطفيل بن أبي بن كعب

. يكنى أبا بطن لعظم بطنه

روى عن أبيه، وعمر، وابن عمر، وكان صديقا لابن عمر. وعنه عبد الله بن محمد بن عقيل، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وغيرهما.

قال ابن سعد: ثقة، قليل الحديث.

56 -

ع:‌

‌ عابس بن ربيعة النخعي

.

عن عمر، وعلي، وعائشة. وعنه ابناه إبراهيم، وعبد الرحمن، وإبراهيم النخعي، وأبو إسحاق وغيرهم.

وكان مخضرما.

57 -

د ن ق:‌

‌ عاصم بن حميد السكوني الحمصي

عن عمر، ومعاذ بن جبل، وعائشة.

وعنه أزهر الحرازي، وعمرو بن قيس السكوني، وراشد بن سعد، وجماعة.

وثقه الدارقطني.

58 -

م د ت ن:‌

‌ عامر بن سعد البجلي الكوفي

يروي عن أبي مسعود البدري، وجرير البجلي، وأبي هريرة. روى عنه العيزار بن حريث، وإبراهيم بن عامر الجمحي، وأبو إسحاق السبيعي.

59 -

م د ن:‌

‌ عباد بن زياد

، أخو عبيد الله بن زياد بن أبيه، أبو حرب

ولي إمرة سجستان لمعاوية بعد عبيد الله بن أبي بكرة، وكان يوم مرج راهط مع مروان.

وله حديث في المسح على الخفين، يرويه مالك، عن الزهري أنه سمع ذلك من عباد، عن عروة، وحمزة ابني المغيرة بن شعبة، عن أبيهما،

ص: 949

لكن أخطأ مالك فيه، إذ نسب عبادا أنه من ولد المغيرة، ورواه جماعة على الصواب.

وسيعاد، فإنه مات سنة مائة.

60 -

ع:‌

‌ عباد بن عبد الله بن الزبير

كان عظيم القدر عند والده، استعمله على القضاء وغير ذلك، وكان صادق اللهجة. كانوا يظنون أن أباه يعهد إليه بالخلافة.

روى عن عائشة، وأبيه، وجدته أسماء. وعنه ابنه يحيى، وابن عمه هشام بن عروة، وابن أبي مليكة، وابن أخيه عبد الواحد بن حمزة، وابن عمه محمد بن جعفر بن الزبير، وآخرون.

61 -

ع:‌

‌ عبد الله بن أم أوفى

، علقمة بن خالد بن الحارث الخزاعي، ثم الأسلمي، أبو إبراهيم، ويقال: أبو معاوية، ويقال: أبو محمد

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد من بايع بيعة الرضوان، وله عدة أحاديث.

قال أبو يعفور، عنه: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزواتٍ نأكل الجراد.

وبلغنا أنه قدم على أبي عبيدة بكتابٍ من عمر وهو محاصر دمشق.

روى عنه الشعبي، وعمرو بن مرة، وعدي بن ثابت، وسلمة بن كهيل، وطلحة بن مصرف، وإبراهيم بن مسلم الهجري، وإبراهيم السكسكي، وعبد الملك بن عمير، والأعمش، وأبو إسحاق الشيباني، وسعيد بن جهمان، وإسماعيل بن أبي خالد، وآخرون.

قال الواقدي، وخليفة، ويحيى بن بكير، وجماعة: توفي سنة

ص: 950

ستٍ وثمانين.

وقال البخاري: سنة سبعٍ أو ثمانٍ وثمانين.

قلت: وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة.

وممن مات في عشر المائة بيقين أو تجاوز المائة:

62 -

ع:‌

‌ عبد الله بن بسر بن أبي بسر

، أبو صفوان المازني، نزيل حمص

له صحبة ورواية. روى عنه محمد بن عبد الرحمن اليحصبي، وراشد بن سعد، وخالد بن معدان، وأبو الزاهرية، ومحمد بن زياد الألهاني، وسليم بن عامر، وحريز بن عثمان، وصفوان بن عمرو، وحسان بن نوح، وغيرهم.

وغزا قبرس مع معاوية، وهو أخو عطية بن بسر، والصماء بنت بسر، ولهم ولأبيهم صحبة.

قال حريز: رأيت عبد الله بن بسر له جمة، لم أر عليه قميصا ولا عمامة.

وقال عبد الله بن محمد البغوي: حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا ميسرة قال: حدثنا حريز بن عثمان قال: رأيت عبد الله بن بسر وثيابه مشمرة، ورداؤه فوق القميص، وشعره مفروقٌ يغطي أذنيه، وشاربه مقصوص مع الشفة، وكنا نقف عليه ونتعجب له.

وقال صفوان بن عمرو: رأيت في جبهة عبد الله بن بسر أثر السجود.

وقال البخاري في تاريخه: حدثنا داود بن رشيد قال: حدثنا أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي، عن إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني، عن أبيه، عن عبد الله بن بسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يعيش هذا الغلام قرنا. فعاش مائة سنة.

ص: 951

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن الحسن الأنماطي قال: حدثنا حاجب بن الوليد، قال: حدثنا حيوة، فذكر نحوه، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال: يعيش هذا الغلام قرنا فعاش مائة سنة.

وكان في وجهه ثؤلول، فقال: لا يموت هذا الغلام حتى يذهب هذا الثؤلول فلم يمت حتى ذهب.

وقال عصام بن خالد: حدثنا الحسن بن أيوب الحضرمي قال: أراني عبد الله بن بسر شامة في قرنه، فوضعت إصبعي عليها، فقال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعه عليها، ثم قال: لتبلغن قرنا. رواه أحمد في مسنده.

وقال جنادة بن مروان: حدثنا محمد بن القاسم الحمصي، سمع عبد الله بن بسر يقول: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حيسا ودعا لنا، ثم التفت إلي وأنا غلام، فمسح رأسي، ثم قال: يعيش هذا الغلام قرنا. قال: فعاش مائة سنة.

روى نحوه سلمة بن جواس، عن محمد بن القاسم، أنه كان مع عبد الله بن بسر في قريته، وزاد فيه: فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، كم القرن، قال: مائة سنة.

وروى صفوان بن عمرو، عن يزيد بن خمير: سأل عبد الله بن بسر: كيف حالنا من حال من قبلنا، قال: سبحان الله، لو نشروا من القبور ما عرفوكم إلا أن يجدوكم قياما تصلون.

وقال يحيى الوحاظي: حدثتنا أم هاشم الطائية قالت: رأيت عبد الله بن بسر يتوضأ فخرجت نفسه.

ص: 952

وقال الواقدي: آخر من مات من الصحابة بالشام عبد الله بن بسر، توفي سنة ثمانٍ وثمانين، وله أربعٌ وتسعون سنة، ورخه فيها جماعة.

وقال أبو زرعة الدمشقي: توفي قبل سنة مائة.

وقال عبد الصمد بن سعيد القاضي: توفي سنة ستٍ وتسعين.

وقال يزيد بن عبد ربه: توفي في إمرة سليمان بن عبد الملك.

63 -

خ د ن:‌

‌ عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري

، أبو محمد المدني، حليف بني زهرة

أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على رأسه، ووعى ذلك.

وقيل: بل ولد عام الفتح، وشهد الجابية. وحدث عن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وجابر، وأبيه ثعلبة.

روى عنه الزهري، وأخو الزهري عبد الله، وعبد الله بن الحارث بن زهرة.

وكان شاعرا نسابة. قال مالك، عن ابن شهاب: إنه كان يجالس عبد الله بن ثعلبة، وكان يتعلم منه الأنساب وغير ذلك، فسأله عن شيءٍ من الفقه، فقال: إن كنت تريد هذا فعليك بسعيد بن المسيب.

قال خليفة، وطائفة: توفي سنة تسعٍ وثمانين.

وممن روى عنه سعد بن إبراهيم الزهري، وعبد الحميد بن جعفر.

64 -

د ت ق:‌

‌ عبد الله بن الحارث بن جزء

، أبو الحارث الزبيدي

شهد فتح مصر وسكنها، وهو آخر الصحابة بها موتا. له أحاديث.

روى عنه الأئمة عبيد الله بن المغيرة، وعقبة بن مسلم، وسليمان بن زياد الحضرمي، ويزيد بن أبي جبيب، وعمرو بن جابر الحضرمي، وآخرون.

توفي بقرية سفط القدور من أسفل مصر، سنة ست وثمانين، وقد عمي.

ص: 953

وقيل: توفي سنة خمس، وقيل: سنة سبعٍ، أو سنة ثمانٍ وثمانين. والأول أصح.

وهو ابن أخي محمية بن جزء.

65 -

ع:‌

‌ عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب بن هاشم

، أبو محمد الهاشمي النوفلي المدني، نزيل البصرة. ويلقب ببة.

فذكر الزبير بن بكار أن أمه، وهي هند أخت معاوية بن أبي سفيان كانت تنقزه وتقول:

يا ببة يا ببه لأنكحن ببه جارية خدبة تسود أهل الكعبة اصطلح أهل البصرة على تأميره عليهم عند هروب عبيد الله بن زياد إلى الشام، وكتبوا إلى ابن الزبير بالبيعة له، فاستعمله عليهم.

روى عن عمر، وعثمان، وعلي، وأبي بن كعب، والعباس، وحكيم بن حزام، وصفوان بن أمية، وأم هانئ بنت أبي طالب، وكعب الأحبار، وجماعة. وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد الجابية.

روى عنه ابناه إسحاق، وعبد الله، وأبو التياح يزيد بن حميد، والزهري، وعبد الملك بن عمير، ويزيد بن أبي زياد، وهو مولاه، وعمر بن عبد العزيز، وأبو إسحاق، وآخرون.

وذكر ابن سعد: أنه ثقة تابعي، أتت به أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم – إذ دخل عليها فتفل في فيه ودعا له.

قال: وخرج هاربا من البصرة إلى عمان من الحجاج عند فتنة ابن الأشعث فمات بعمان سنة أربعٍ وثمانين.

وقال أبو عبيد: توفي سنة ثلاث.

66 -

م 4:‌

‌ عبد الله بن الحارث الزبيدي الكوفي المكتب

.

روى عن ابن مسعود، وجندب بن عبد الله، وطليق بن قيس.

وعنه حميد الأعرج الكوفي لا المدني، وأبو سنان ضرار بن مرة، وعمرو بن مرة الجملي.

ص: 954

قال ابن معين: ثبت.

67 -

‌ عبد الله بن خليفة الهمداني الكوفي

.

روى عن عمر، وجابر بن عبد الله. روى عنه أبو إسحاق السبيعي، وابنه يونس بن أبي إسحاق.

وله رواية في تفسير ابن ماجه.

68 -

4:‌

‌ عبد الله بن الخليل

، ويقال: ابن أبي الخليل الحضرمي الكوفي.

عن علي، وعمر، وزيد بن أرقم، وابن عباس. وعنه إسماعيل بن رجاء، والشعبي، وأبو إسحاق، والأعمش.

69 -

د ن:‌

‌ عبد الله بن ربيعة بن فرقد السلمي

يقال: له صحبة، فإن لم تكن فحديثه مرسل. وله عن ابن مسعود، وعبيد بن خالد السلمي، وابن عباس.

روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعمرو بن ميمون الأودي، ومنصور بن المعتمر ابن أخيه عتاب بن ربيعه السلمي، وعطاء بن السائب، وعلي بن الأقمر.

وقال شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن ربيعة، فقال في حديثه: وكانت له صحبة، ولم يتابع عليه.

توفي بالكوفة بعد الثمانين تقريبا.

وربيعة مفرد.

70 -

‌ عبد الله بن الزبير بن سليم

، ويقال: ابن الأسلم، ابن الأعشى أبو كثير، ويقال: أبو سعد الأسدي الكوفي الشاعر

وفد على معاوية ويزيد فامتدحهما.

ص: 955

وضبط اسم أبيه عبد الغني المصري وغيره، وقال: هو الشاعر الذي أتى ابن الزبير مستحملا، فحرمه ابن الزبير، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، قال: إن وراكبها.

وعن إسماعيل بن جعفر أن عبد الله بن الزبير الأسدي دخل على مصعب بالعراق، فقال له مصعب: أنت الذي تقول:

إلى رجبٍ أو غرة الشهر بعده توافيكم بيض المنايا وسودها ثمانين ألفا دين عثمان دينها مسومة جبريل فيها يقودها ففزع وقال: نعم أمتع الله بك، فعفا عنه وأعظم جائزته.

يقال: مات في أيام الحجاج.

71 -

د ن ق:‌

‌ عبد الله بن زرير الغافقي المصري

روى عن عمر، وعلي. روى عنه عياش القتباني، ومرثد بن عبد الله اليزني، وبكر بن سوادة، وعبد الله بن هبيرة، والحارث بن يزيد، وغيرهم.

توفي سنة ثمانين، وقيل: سنة إحدى وثمانين. وقد مر اسمه.

72 -

م 4:‌

‌ عبد الله بن سرجس المزني البصري

، حليف بني مخزوم

له صحبة، صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر له. وروى أيضا عن عمر. روى عنه عثمان بن حكيم، وقتادة، وعاصم الأحول، وغيرهم.

قال عاصم الأحول: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن له صحبة.

ص: 956

قال ابن عبد البر: لا يختلفون في ذكره في الصحابة على مذهبهم في اللقاء والسماع، وأما عاصم فأحسبه أراد الصحبة التي يذهب إليها العلماء، وأولئك قليل كالعشرة.

73 -

ع:‌

‌ عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي المدني

، أبو الوليد

كان يأتي الكوفة، وكانت أمه سلمى أخت أسماء بنت عميس تحت حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فلما استشهد تزوجها شداد، فولدت له هذا.

روى عن أبيه، وطلحة بن عبيد الله، ومعاذ، وعلي، وابن مسعود، وعائشة، وأم سلمة، وجماعة.

روى عنه الحكم بن عتيبة، وعبد الله بن شبرمة، ومنصور، وأبو إسحاق الشيباني، وسعد بن إبراهيم الزهري، ومعاوية بن عمار الدهني، وذر الهمداني.

وعده خليفة في تابعي أهل الكوفة.

وقال ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة روى عن عمر، وعلي، وكان ثقة قليل الحديث شيعيا.

قال محمد بن عمر: كان يأتي الكوفة كثيرا فينزلها، وخرج مع ابن الأشعث فقتل ليلة دجيل سنة اثنتين.

وقال عطاء بن السائب: سمعت عبد الله بن شداد يقول: وددت أني قمت على المنبر من غدوةٍ إلى الظهر، فأذكر فضائل علي عليه السلام، ثم أنزل فتضرب عنقي.

رواها خالد الطحان، حدثنا عطاء، فذكرها.

74 -

‌ عبد الله بن شرحبيل بن حسنة

.

لم يلحق الرواية عن أبيه. وروى عن عثمان، وعبد الرحمن بن أزهر، ووفد على معاوية من المدينة. روى عنه الزهري، وسعد بن إبراهيم، وأبو إسحاق مولى ابن عباس.

ص: 957

75 -

ت ق:‌

‌ عبد الله بن ضمرة السلولي

عن أبي الدرداء، وأبي هريرة، وكعب الأحبار. وعنه أبو صالح السمان، وعطاء بن قرة، وأبو الزبير المكي، وجماعة.

وهو أخو عاصم بن ضمرة.

76 – م ن:‌

‌ عبد الله بن أبي طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حزام

، والد الفقيه إسحاق، وأخو أنس بن مالك لأمه

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي حملت به أم سليم ليلة مات ابنها، فأصبح أبو طلحة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أعرستم الليلة بارك الله لكم في ليلتكم.

وقيل: إن الصبي الذي توفي تلك الليلة هو أبو عمير الذي مازحه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولما ولد عبد الله هذا قال أنس: حملته وأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسلتني به أمي وأرسلت معي تمرات فحنكه النبي صلى الله عليه وسلم منها بعد أن مضغها، وسماه عبد الله.

توفي عبد الله بالمدينة زمن الوليد، وقيل: قتل بفارس، وكان له عشرة أولاد كلهم قرأ القرآن، وروى أكثرهم العلم، واشتهر منهم إسحاق، وعبد الله، رويا عنه. وروى عنه أبو طوالة، وسليمان مولى الحسن بن علي.

وله رواية عن أبيه، وأخيه أنس.

77 -

ع:‌

‌ عبد الله بن عامر بن ربيعة بن محمد العنزي

، وعنز أخو بكر بن وائل المدني، حليف بني عدي بن كعب

استشهد أخوه وسميه عبد الله يوم الطائف، وكان أبوه عامر من كبار الصحابة. روى عن أبيه، وعمر، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف. وولد

ص: 958

سنة ست من الهجرة، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع كون الحديث فيه إرسال هو في سنن أبي داود.

روى عنه عاصم بن عبيد الله، وأبو بكر بن حفص الوقاصي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والزهري، وغيرهم.

توفي سنة خمسٍ وثمانين.

78 -

م 4:‌

‌ عبد الله بن عكيم الجهني

قيل: إنه توفي سنة ثمانٍ وثمانين، واختلفوا في صحبته، وهو القائل: أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهرين: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب.

روى عنه غير واحد.

قال موسى الجهني، عن ابنة عبد الله بن عكيم، قالت: كان أبي يحب عثمان، وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يحب عليا وكانا متآخيين، فما سمعتهما يذكرانهما بشيءٍ قط، إلا أني سمعت أبي يقول: لو أن صاحبك صبر أتاه الناس.

وكان عبد الله بن عكيم قد صلى خلف أبي بكر، وأسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

79 -

‌ عبد الله بن عمرو بن غيلان بن سلمة الثقفي

نزل دمشق، وولاه معاوية إمرة البصرة. وحدث عن ابن مسعود، وكعب الأحبار، وغيرهما. روى عنه يزيد بن ظبيان الجنبي، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية، وقتادة بن دعامة.

ولي البصرة بعد سمرة بن جندب سنة خمسٍ وخمسين.

ص: 959

80 -

ت بخ:‌

‌ عبد الله بن غالب الحداني البصري

، عابد أهل البصرة وقاصهم، يكنى أبا فراس، وقيل: أبا قريش

له عن أبي سعيد الخدري حديثٌ واحد. روى عنه عطاء السليمي، ومالك بن دينار، وعون بن أبي شداد، وأبو مسلمة سعيد بن يزيد، وقتادة، والقاسم بن الفضل الحداني، وغيرهم.

أنبأني أحمد بن سلامة، عن مسعود بن أبي منصور، وأبي المكارم اللبان، قالا: أخبرنا أبو علي، قال: أخبرنا أبو نعيم، قال: حدثنا أبو بحر محمد بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن غالب، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا صدقة بن موسى، قال: حدثني مالك بن دينار، عن عبد الله بن غالب الحداني، عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل، وسوء الخلق.

وأنبئت عن اللبان قال: أخبرنا أبو علي، قال: أخبرنا أبو نعيم، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا يونس، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا صدقة بهذا.

رواه الترمذي، عن الفلاس، عن أبي داود.

قال نصر بن علي: حدثنا نوح بن قيس، قال: حدثنا عون بن أبي شداد، أن عبد الله بن غالب كان يصلي الضحى مائة ركعة ويقول: لهذا خلقنا وبهذا أمرنا، ويوشك أولياء الله أن يكفوا ويحمدوا.

قال نصر: وحدثنا نوح بن قيس، عن أخيه خالد، عن قتادة أن عبد الله بن غالب كان يقص في المسجد، فمر عليه الحسن فقال: يا عبد الله، لقد شققت على أصحابك. فقال: ما أرى أعينهم انفقأت، ولا ظهورهم اندقت، والله يأمرنا يا حسن أن نذكره كثيرا، وتأمرنا أن نذكره قليلا

ص: 960

{كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} ثم سجد. قال الحسن: تالله ما رأيت كاليوم، ما أدري أأسجد أم لا.

قال غسان بن مضر: حدثنا سعيد بن يزيد، قال: سجد عبد الله بن غالب، ومضى رجل إلى الجسر فاشترى حاجة ورجع، وهو ساجد.

جعفر بن سليمان: حدثنا مالك بن دينار، قال: سمعت ابن غالب يقول في دعائه: اللهم إنا نشكو إليك سفه أحلامنا، ونقص علمنا، واقتراب آجالنا، وذهاب الصالحين منا.

القواريري: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا أبو فلان، قال: لما كان يوم الزاوية رأيت ابن غالب دعا بماء فصبه على رأسه، وكان صائما في الحر، وحوله أصحابه، فكسر جفن سيفه، وقال لأصحابه: روحوا إلى الجنة، فنادى عبد الملك بن المهلب: أبا فراس أنت آمن أنت آمن، فلم يلتفت، وضرب بسيفه حتى قتل، فلما دفن كانوا يأخذون من تراب قبره كأنه مسك يصرونه في ثيابهم.

وقال يحيى القطان: قتل عبد الله بن غالب في الجماجم سنة ثلاث وثمانين، رحمه الله تعالى.

81 -

م د:‌

‌ عبد الله بن فروخ

.

سمع أبا هريرة، وعائشة.

وعنه أبو سلام الأسود، وشداد أبو عمار، وزيد بن سلام.

قال أحمد العجلي: هو شامي ثقة.

وقال أبو حاتم: روى عنه مبارك الزبيري، وهو مجهول.

قلت: ما هو بمجهول.

ص: 961

82 – د ن ق:‌

‌ عبد الله بن فيروز الديلمي أبو بشر

، وقيل: أبو بسر، أخو الضحاك بن فيروز.

عن: أبيه، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وحذيفة، وزيد بن ثابت، وغيرهم.

وعنه: وهب بن خالد الحمصي، وعروة بن رويم اللخمي، وربيعة بن يزيد، ويحيى بن أبي عمرو السيباني، وآخرون.

وكان يسكن ببيت المقدس، ووثقه ابن معين.

روى محمد بن سيرين، عن عبد الله ابن الديلمي قال: كنت ثالث ثلاثة ممن يخدم معاذ بن جبل.

83 -

م 4:‌

‌ عبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي المدني

.

قيل: له صحبة، وليس بشيء.

حدث عن: أبيه، وابن عمر، وزيد بن خالد الجهني.

روى عنه: ابنه المطلب، وإسحاق بن يسار أبو محمد، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.

ووفد على عبد الملك، وكان قاضي المدينة في أيامه، وولي له بالبصرة أيضا.

84 -

ق:‌

‌ عبد الله بن معانق أبو معانق الأشعري الشامي

، وقيل: الأردني.

روى عن: أبي مالك الأشعري، وعبد الرحمن بن غنم، وعبد الله بن سلام.

وعنه: شهر بن حوشب، ويحيى بن أبي كثير، وأبو سلام ممطور، وبسر بن عبيد الله.

قال البرقاني، عن الدارقطني: مجهول لا شيء.

قلت: أما الجهالة فمعدومة.

ص: 962

85 – ع سوى د:‌

‌ عبد الله بن معقل بن مقرن المزني

، أبو الوليد الكوفي.

لأبيه صحبة. وهو أخو عبد الرحمن بن معقل.

روى عن أبيه، وعلي، وابن مسعود، وكعب بن عجرة.

روى عنه أبو إسحاق، وعبد الملك بن عمير، ويزيد بن أبي زياد، وأبو إسحاق الشيباني وغيرهم.

قال أحمد العجلي: ثقة من خيار التابعين، توفي سنة ثمان وثمانين.

86 -

م 4:‌

‌ عبد الله بن معبد الزماني البصري

.

روى عن ابن مسعود، وأبي قتادة الأنصاري، وأبي هريرة.

روى عنه غيلان بن جرير، وقتادة، وثابت البناني، وغيرهم.

87 -

د ن ق:‌

‌ عبد الله بن نجي الحضرمي الكوفي

.

عن أبيه، وعلي، وعمار، وحذيفة.

وعنه أبو زرعة بن عمرو بن جرير، والحارث العجلي، وجابر الجعفي، وغيرهم.

وثقه النسائي.

88 – م ت ن:‌

‌ عبد الله بن أبي الهذيل أبو المغيرة العنزي الكوفي

، العابد الورع.

روى عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وعمار، وأبي بن كعب، وابن مسعود، والكبار.

روى عنه الأجلح الكندي، وإسماعيل بن رجاء، وسلمة بن عطية، وعطاء بن السائب، وواصل الأحدب، وأبو التياح الضبعي.

ووثقه النسائي.

ص: 963

قال أبو التياح: ما رأيته إلا وكأنه مذعور.

وقال العوام بن حوشب: قال عبد الله بن أبي الهذيل: إني لأتكلم حتى أخشى الله، وأسكت حتى أخشى الله.

89 -

م 4:‌

‌ عبد الرحمن بن آدم البصري صاحب السقاية

.

وهو إن شاء الله عبد الرحمن مولى أم برثن، أو عبد الرحمن بن برثن، أو ابن برثم، وكانت أم برثن قد تبنته، وهو مجهول الأب.

قال الدارقطني: عبد الرحمن بن آدم، إنما نسب إلى آدم أبي البشر.

وقال جويرية بن أسماء: إن أم برثن كانت تعالج الطيب وتخالط نساء عبيد الله بن زياد، فأصابت غلاما لقطته فربته وتبنته وسمته عبد الرحمن فنشأ فولاه عبيد الله وكان يقال له: عبد الرحمن ابن أم برثن.

قلت: روى عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وجابر.

وعنه أبو العالية الرياحي - وهو أكبر منه - وقتادة، وسليمان التيمي، وعوف الأعرابي.

قال المدائني: استعمل عبيد الله بن زياد عبد الرحمن ابن أم برثن، ثم غضب عليه، فعزله وأغرمه مائة ألف، فخرج إلى يزيد، قال: فنزلت على مرحلة من دمشق، وضرب لي خباء وحجرة، فإني لجالس إذا كلب سلوقي قد دخل في عنقه طوق من ذهب، فأخذته، وطلع فارس، فلما رأيته هبته، فأدخلته الحجرة، وأمرت بفرسه فجرد، فلم ألبث أن توافت الخيل، فإذا هو يزيد بن معاوية، فقال لي بعدما صلى: من أنت؟ فأخبرته، فقال: إن شئت كتبت لك من مكانك، وإن شئت دخلت. قال: فأمر فكتب إلى عبيد الله: أن رد عليه مائة ألف، فرجعت، قال: وأعتق عبد الرحمن يومئذ في المكان الذي كتب له فيه الكتاب ثلاثين مملوكا، وقال لهم: من أحب أن يرجع معي فليرجع، ومن أحب أن يذهب فليذهب.

وكان عبد الرحمن نبالة قال المدائني: ورمى غلاما له يوما بسفود

ص: 964

فأخطأه، وأصاب ابنه، فنثر دماغه، فخاف الغلام، فدعاه وقال: اذهب فأنت حر، فما أحب أن ذلك كان بك لأني رميتك متعمدا، فلو قتلتك هلكت، وأصبت ابني خطأ، ثم عمي عبد الرحمن بعد، ومرض، فدعا الله أن لا يصلي عليه الحكم، يعني ابن أيوب أمير البصرة، ومات في مرضه، وشغل الحكم فلم يصل عليه.

قلت: وكان الحكم على البصرة للحجاج، فلما خرج ابن الأشعث سنة اثنتين وثمانين هرب الحكم ولحق بالحجاج، فهذا يدل على أن عبد الرحمن مات قبل خروج ابن الأشعث.

90 -

م 4:‌

‌ عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني المصري القاضي

.

روى عن أبي ذر، وابن مسعود، وأبي هريرة.

روى عنه دراج أبو السمح، والحارث بن يزيد الحضرمي، وعبد الله بن ثعلبة، وابنه عبد الله بن عبد الرحمن، ونضلة بن كليب.

وكان أمير مصر عبد العزيز قد جمع له القضاء والقصص وبيت المال، وكان رزقه في العام ألف دينار، ولا يدخرها، رحمه الله.

كنيته أبو عبد الله، وتوفي سنة ثلاث وثمانين.

91 -

4:‌

‌ عبد الرحمن بن عوسجة الهمداني

.

كان على ميمنة ابن الأشعث، فقتل يوم الزاوية سنة اثنتين وثمانين.

وقد حدث عن البراء بن عازب.

روى عنه طلحة بن مصرف، وقنان النهمي، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم.

قال النسائي: ثقة.

وقيل: كان يوم الزاوية سنة ثلاث وثمانين.

وقد روى أيضا عن علقمة، وغيره.

ص: 965

92 -

ع:‌

‌ عبد الرحمن بن أبي ليلى أبو عيسى الأنصاري الكوفي

، ويقال: أبو محمد الفقيه المقرئ.

روى عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي ذر، وبلال، وأبي بن كعب، وصهيب، وقيس بن سعد بن عبادة، وأبي أيوب، والمقداد وروايته عن معاذ في السنن الأربعة، ولم يلحقه وطائفة سواهم.

ولأبيه صحبة.

ولد في وسط خلافة عمر، وهو يصغر عن السماع منه، بل رآه يمسح على الخفين.

روى عنه الحكم بن عتيبة، وعمرو بن مرة، وعبد الملك بن عمير، وحصين بن عبد الرحمن، والأعمش، وكان قد أخذ عن علي القرآن.

قال محمد بن سيرين: جلست إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى وأصحابه يعظمونه كأنه أمير.

وقال ثابت البناني: كنا إذا قعدنا إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لرجل: اقرأ القرآن فإنه يدلني على ما تريدون، نزلت هذه الآية في كذا، وهذه في كذا.

وقال عطاء بن السائب، عن ابن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار، إذا سئل أحدهم عن شيء ود أن أخاه كفاه.

وروي عن أبي حصين أن الحجاج استعمل ابن أبي ليلى على القضاء، ثم عزله، ثم ضرب ليسب عليا رضي الله عنه، وكان قد شهد النهروان مع علي.

وعن عبد الله بن الحارث، أنه اجتمع بابن أبي ليلى فقال: ما شعرت أن النساء ولدن مثل هذا.

قلت: وكان ابن أبي ليلى قد خرج على الحجاج، فيمن خرج من العلماء والصلحاء مع ابن الأشعث، فغرق ليلة دجيل، وقيل: قتل في وقعة الجماجم، واسمه عبد الرحمن بن يسار، وقيل: ابن بلال، وقيل: ابن داود بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا بن كلفة.

وقال ابنه محمد بن عبد الرحمن: وفد أبي على معاوية.

وقال شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، قال: صحبت عليا

ص: 966

في الحضر والسفر، وأكثر ما يحدثون عنه باطل.

وقال الأعمش: رأيت ابن أبي ليلى وقد ضربه الحجاج، وكأن ظهره مسح، وهو متكئ على ابنه، وهم يقولون له: العن الكذابين، فيقول: لعن الله الكذابين ثم يقول: الله الله، علي بن أبي طالب، عبد الله بن الزبير، المختار بن أبي عبيد. قال: وأهل الشام كأنهم حمير لا يدرون ما يقول، وهو يخرجهم من اللعن.

وقال عمرو بن مرة: افتقد عبد الرحمن بمسكن.

وقال شعبة: قدم عبد الله بن شداد وابن أبي ليلى، فاقتحم بهما فرساهما الفرات، فذهبا.

وقال أبو نعيم: قتل بوقعة الجماجم.

93 -

‌ عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي

، أمير سجستان.

قد ذكرنا حروبه للحجاج، وآخر الأمر أنه رجع إلى الملك رتبيل، فقال له علقمة بن عمرو: ما أدخل معك لأني أتخوف عليك، وكأني بكتاب الحجاج قد جاء إلى رتبيل يرغبه ويرهبه، فإذا هو قد بعث بك سلما أو قتلك، ولكن ها هنا خمسمائة قد تبايعنا على أن ندخل مدينة ونتحصن فيها، ونقاتل حتى نعطى أمانا أو نموت كراما، فقال: أما لو دخلت معي لواسيتك وأكرمتك. فأبى عليه، فدخل عبد الرحمن إلى رتبيل، وأقام الخمسمائة حتى قدم عمارة بن تميم، فقاتلوا حتى أمنهم ووفى لهم. وتتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل في شأن ابن الأشعث، إلا أن بعث به إليه، وترك له الحمل الذي كان يؤديه سبع سنين.

ويروى أن عبد الرحمن أصابه سل ومات، فقطعوا رأسه، وبعثوا به إلى الحجاج.

ويروى أن الحجاج بعث إلى رتبيل: إني قد بعثت إليك عمارة في ثلاثين ألفا يطلبون ابن الأشعث، فأبى أن يسلمه، وكان مع ابن الأشعث عبيد بن أبي سبيع، فأرسله مرة إلى رتبيل، فخف على رتبيل، واختص به، فقال القاسم بن محمد بن الأشعث لأخيه: إني لا آمن غدر هذا، فاقتله، فهم

ص: 967

به، وبلغه ذلك، فخاف، فوشى به إلى رتبيل، وخوفه الحجاج، وهرب سرا إلى عمارة، فاستعجل في ابن الأشعث ألف ألف، وكتب بذلك عمارة إلى الحجاج، فكتب إليه: أن أعط عبيدا ورتبيل ما طلبا، فاشترط أشياء فأعطيها، وأرسل إلى ابن الأشعث وإلى ثلاثين من أهل بيته، وقد أعد لهم الجوامع والقيود فقيدهم، وأرسلهم بهم جميعا إلى عمارة، فلما قرب ابن الأشعث ألقى نفسه من قصر فمات، وذلك في سنة أربع وثمانين.

94 -

م:‌

‌ عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري المدني

، أبو المسور الفقيه.

سمع أباه، وسعد بن أبي وقاص، وأبا رافع.

روى عنه ابنه جعفر، وحبيب بن أبي ثابت، والزهري.

وكان ثقة قليل الحديث، توفي سنة تسعين.

95 -

ع:‌

‌ عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي أبو بكر الكوفي الفقيه

، أخو الأسود وابن أخي علقمة.

روى عن عثمان، وسلمان، وابن مسعود، وحذيفة، وجماعة.

وعنه إبراهيم النخعي، وأبو صخرة جامع بن شداد، وعمارة بن عمير، وأبو إسحاق السبيعي، ومنصور، وابنه محمد بن عبد الرحمن.

وثقه يحيى بن معين، وغيره.

وتوفي في حدود سنة اثنتين وثمانين.

96 -

د:‌

‌ عبد العزيز بن مروان بن الحكم أبو الأصبغ الأموي

.

أمير مصر، وولي عهد المؤمنين بعد أخيه عبد الملك بعهد من مروان، إن صححنا خلافة مروان، فإنه خارج على ابن الزبير باغ، فلا يصح عهده إلى ولديه، وإنما تصح إمامة عبد الملك من يوم قتل ابن الزبير.

ولما ملك مروان الشام وغلب عليها سار إلى مصر، فاستولى عليها،

ص: 968

واستخلف عليها عبد العزيز ولده، فبقي عليها إلى أن مات.

روى عن أبيه، وأبي هريرة، وعقبة بن عامر، وابن الزبير.

وشهد مقتل عمرو بن سعيد الأشدق بدمشق. وكانت داره الخانقاه السميساطية، وانتقلت من بعده إلى ابنه عمر بن عبد العزيز.

روى عنه ابنه، والزهري، وكثير بن مرة، وعلي بن رباح، وابن أبي مليكة، وبحير بن ذاخر.

وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.

وقال النسائي: ثقة.

وقال ابن وهب: حدثنا يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، قال: بعثني عبد العزيز بن مروان بألف دينار إلى ابن عمر، فجئته فدفعت إليه الكتاب، فقال: أين المال؟ فقلت: حتى أصبح. فقال: لا والله، لا أبيت الليلة ولي ألف دينار، فجئته بها ففرقها.

وقال ابن أبي مليكة: شهدت عبد العزيز بن مروان يقول عند الموت: يا ليتني لم أكن شيئا، يا ليتني كهذا الماء الجاري.

وقال داود بن المغيرة: لما حضرت عبد العزيز الوفاة قال: ائتوني بكفني، فلما وضع بين يديه ولاهم ظهره، فسمعوه وهو يقول: أف لك أف لك ما أقصر طويلك وأقل كثيرك.

وعن حماد بن موسى قال: لما احتضر أتاه بشير يبشره بماله الذي كان بمصر حين كان عاملا عليها عامه، فقال: هذا مالك، هذه ثلاثمائة مدي من ذهب، فقال: ما لي وله، والله لوددت أنه كان بعرا حائلا بنجد.

قال خليفة: مات سنة أربع وثمانين.

قلت: وهو غلط.

وقال سعيد بن عفير، ومحمد بن سعد، وأبو حسان الزيادي وغيرهم: توفي سنة خمس وثمانين، زاد الزيادي فقال: في جمادى الأولى.

وقال ابن سعد، قبل أخيه بسنة.

ص: 969

وقال أبو سعيد بن يونس: قال الليث بن سعد: توفي في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين.

قلت: وكأن هذا أيضا وهم، والصحيح قول الجماعة.

وقد كان مات بمصر قبله بستة عشر يوما ابنه الأصبغ فحزن عليه، ومرض، ومات بحلوان، وهي المدينة التي بناها على مرحلة من مصر وحمل إلى مصر في النيل.

ولما بلغ عبد الملك بن مروان موته بايع بولاية العهد لابنيه الوليد ثم سليمان، بعد أن كان هم بخلع أخيه.

97 -

‌ عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي

بن كلاب الخليفة، أبو الوليد القرشي الأموي.

بويع بعهد من أبيه في خلافة ابن الزبير، وبقي على مصر والشام، وابن الزبير على باقي البلاد مدة سبع سنين، ثم غلب عبد الملك على العراق، وما والاها في سنة اثنتين وسبعين، وبعد سنة قتل ابن الزبير، واستوسق الأمر لعبد الملك.

ولد سنة ست وعشرين.

قال ابن سعد: وكان عابدا ناسكا بالمدينة قبل الخلافة، وشهد يوم الدار مع أبيه، وهو ابن عشر سنين، وحفظ أمرهم: قال: واستعمله معاوية على المدينة وهو ابن ست عشرة سنة.

قلت: هذا لا يتابع ابن سعد عليه أحد من استعمال معاوية له على المدينة.

وقال صالح بن وجيه: قرأت في كتاب صفة الخلفاء في خزانة المأمون: كان عبد الملك رجلا طويلا، أبيض، مقرون الحاجبين، كبير العينين، مشرف الأنف، رقيق الوجه، حسن الجسم، ليس بالقضيف ولا البادن، أبيض الرأس واللحية.

ص: 970

قلت: سمع عثمان، وأبا هريرة، وأبا سعيد، وأم سلمة، وبريرة مولاة عائشة، وابن عمر، ومعاوية.

روى عنه عروة، وخالد بن معدان، وإسماعيل بن عبيد الله، ورجاء بن حيوة، وربيعة بن يزيد، ويونس بن ميسرة، والزهري، وحريز بن عثمان، وطائفة.

قال عبد الله بن العلاء بن زبر، عن يونس بن ميسرة، عن عبد الملك، أنه قال وهو على المنبر: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من امرئ مسلم لا يغزو في سبيل الله أو يجهز غازيا، أو يخلفه بخير إلا أصابه الله بقارعة قبل الموت.

قال مصعب بن عبد الله: أول من سمي في الإسلام عبد الملك: عبد الملك بن مروان.

وقال يعقوب بن إبراهيم بن سعد: أمه هي عائشة بنت معاوية بن أبي العاص.

وقال ضمرة، عن رجاء بن أبي سلمة، عن عبادة بن نسي قال: قيل لابن عمر: إنكم معشر أشياخ قريش يوشك أن تنقرضوا، فمن نسأل بعدكم؟ فقال: إن لمروان ابنا فقيها فسلوه.

وقال النضر بن محمد، عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن أيوب اليمامي، عن سحيم مولى أبي هريرة: أن عبد الملك بن مروان دخل عليهم وهو غلام شاب، فقال: هذا يملك العرب.

محمد بن أيوب مجهول.

وقال جرير بن حازم، عن نافع، قال: لقد رأيت المدينة وما بها شاب أشد تشميرا، ولا أفقه، ولا أنسك، ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان.

ص: 971

وقال أبو الزناد: فقهاء المدينة: سعيد بن المسيب، وعبد الملك بن مروان، وعروة بن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب.

وعن ابن عمر قال: ولد الناس أبناء، وولد مروان أبا.

وعن عبدة بن رياح الغساني، أن أم الدرداء قالت: يا أمير المؤمنين - تعني عبد الملك - ما زلت أتخيل هذا الأمر فيك منذ رأيتك. قال: وكيف ذاك؟ قالت: ما رأيت أحسن منك محدثا، ولا أحلم منك مستمعا.

وقال سعيد بن داود: قال مالك: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أول من صلى في المسجد بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان وفتيان معه، كانوا إذا صلى الإمام الظهر قاموا فصلوا إلى العصر، فقيل لسعيد بن المسيب: لو قمنا فصلينا كما يصلي هؤلاء، فقال سعيد: ليست العبادة بكثرة الصلاة ولا الصوم، إنما العبادة التفكر في أمر الله، والورع عن محارم الله.

وروى إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: ما جالست أحدا إلا وجدت لي عليه الفضل، إلا عبد الملك بن مروان، فإني ما ذاكرته حديثا إلا زادني فيه، ولا شعرا إلا زادني فيه.

وقال خليفة: قال لي أبو خالد: أغزى مسلمة بن مخلد معاوية بن حديج سنة خمسين، وكتب معاوية إلى مروان، أن ابعث عبد الملك على بعث المدينة إلى المغرب، فقدم عبد الملك، فدخل إفريقية مع معاوية بن حديج، فبعثه ابن حديج إلى حصن، فحصر أهله، ونصب عليه المنجنيق.

وقال حماد بن سلمة: أخبرنا حميد، عن بكر بن عبد الله المزني، أن يهوديا أسلم، وكان اسمه يوسف، قد قرأ الكتب، فمر بدار مروان، فقال: ويل لأمة محمد من أهل هذه الدار. فقلت له: إلى متى؟ قال: حتى تجيء رايات سود من قبل خراسان. وكان صديقا لعبد الملك بن مروان، فضرب يوما على منكبه وقال: اتق الله في أمة محمد إذا ملكتهم. فقال: دعني ويحك، ودفعه، ما شأني وشأن ذلك؟ فقال: اتق الله في أمرهم.

قال: وجهز يزيد جيشا إلى أهل مكة، فقال عبد الملك: أعوذ بالله، أيبعث إلى حرم الله فضرب يوسف منكبه وقال: جيشك إليهم أعظم.

ص: 972

وقال أحمد بن إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني: حدثنا أبي، عن أبيه، قال: لما نزل مسلم بن عقبة المدينة دخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فجلست إلى جنب عبد الملك، فقال لي عبد الملك: أمن هذا الجيش أنت؟ قلت: نعم. قال: ثكلتك أمك، أتدري إلى من تسير؟ إلى أول مولود ولد في الإسلام، وإلى ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى ابن ذات النطاقين، وإلى من حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما والله إن جئته نهارا وجدته صائما، ولئن جئته ليلا لتجدنه قائما، فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله جميعا في النار. فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك، وجهنا مع الحجاج حتى قتلناه.

وقال ابن عائشة: أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف في حجره، فأطبقه وقال: هذا آخر العهد بك.

وقال الأصمعي: حدثنا عباد بن مسلم بن زياد، عن أبيه قال: ركب عبد الملك بن مروان بكرا، فأنشأ قائده يقول:

يأيها البكر الذي أراكا عليك سهل الأرض في ممشاكا ويحك هل تعلم من علاكا خليفة الله الذي امتطاكا لم يحب بكرا مثل ما حباكا فلما سمعه عبد الملك قال: إيها يا هناه، قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم.

وقال الأصمعي: قيل لعبد الملك: يا أمير المؤمنين، عجل عليك الشيب، فقال: وكيف لا، وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة.

وروى عبيد الله بن عائشة، عن أبيه قال: كان عبد الملك إذا دخل عليه رجل من أفق من الآفاق قال: اعفني من أربع، وقل بعدها ما شئت: لا تكذبني فإن المكذوب لا رأي له، ولا تجبني فيما لا أسألك، فإن فيما أسألك عنه شغلا، ولا تطرني فإني أعلم بنفسي منك، ولا تحملني على الرعية، فإني إلى الرفق بهم أحوج.

وقال يحيى بن بكير: سمعت مالكا يقول: أول من ضرب الدنانير عبد الملك، وكتب عليها القرآن.

وقال مصعب بن عبد الله: كتب عبد الملك على الدينار: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وفي الوجه الآخر: لا إله إلا الله، وطوقه بطوق فضة، وكتب

ص: 973

فيه ضرب بمدينة كذا، وكتب في خارج الطوق محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق.

وقال موسى بن سعيد بن أبي بردة: لحن جليس لعبد الملك بن مروان، فقال رجل: زد ألف، فقال له عبد الملك، وأنت فزد ألفا.

وقال يوسف بن الماجشون: كان عبد الملك بن مروان إذا قعد للحكم قيم على رأسه بالسيوف.

وروى الأصمعي، عن محمد بن حرب الزيادي قال: قيل لعبد الملك بن مروان: من أفضل الناس؟ قال: من تواضع عن رفعة وزهد عن قدرة، وأنصف عن قوة.

وروى جرير بن عبد الحميد لعبد الملك:

لعمري لقد عمرت في الدهر برهة ودانت لي الدنيا بوقع البواتر فأضحى الذي قد كان مما يسرني كلمح مضى في المزمنات الغوابر فيا ليتني لم أعن بالملك ساعة ولم أله في لذات عيش نواضر وكنت كذي طمرين عاش ببلغة من الدهر حتى زار ضنك المقابر وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني: حدثني أبي، عن أبيه، قال: كان عبد الملك بن مروان كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق، فقالت له مرة: بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت الطلاء بعد النسك والعبادة، فقال: إي والله، والدماء، قد شربتها!

وقال أحمد بن عبد الله العجلي: إن عبد الملك كان أبخر، وإنه ولد لستة أشهر.

وذكر ابن عائشة، عن أبيه، أن عبد الملك كان فاسد الفم.

وقال الشعبي: خطب عبد الملك فقال: اللهم إن ذنوبي عظام، وإنها صغار في جنب عفوك، فاغفرها لي يا كريم.

قالوا: توفي عبد الملك في شوال سنة ست وثمانين، وخلافته المجمع عليها من وسط سنة ثلاث وسبعين.

وقيل: إنه لما احتضر دخل عليه الوليد ابنه، فتمثل:

ص: 974

كم عائد رجلا وليس يعوده إلا ليعلم هل تراه يموت وتمثل أيضا:

ومستخبر عنا يريد بنا الردى ومستخبرات والعيون سواجم فجلس الوليد يبكي، فقال: ما هذا، تحن حنين الأمة! إذا مت فشمر وائتزر والبس جلد النمر، وضع سيفك على عاتقك، فمن أبدى ذات نفسه فاضرب عنقه، ومن سكت مات بدائه.

وقال علي بن محمد المدائني: لما أيقن عبد الملك بالموت دعا مولاه أبا علاقة فقال: والله لوددت أني كنت منذ ولدت إلى يومي هذا حمالا. ولم يكن له من البنات إلا واحدة، وهي فاطمة، وكان قد أعطاها قرطي مارية، والدرة اليتيمة، وقال: اللهم إني لم أخلف شيئا أهم منها إلي فاحفظها، فتزوجها عمر بن عبد العزيز، وأوصى بنيه بتقوى الله، ونهاهم عن الفرقة والاختلاف، وقال: انظروا مسلمة واصدروا عن رأيه - يعني أخاهم - فإنه مجنكم الذي به تجتنون ونابكم الذي عنه تفترون، وكونوا بني أم بررة، وكونوا في الحرب أحرارا، وللمعروف منارا، فإن الحرب لم تدن منية قبل وقتها، وإن المعروف يبقى أجره وذكره، واحلولوا في مرارة، ولينوا في شدة، وكونوا كما قال ابن عبد الأعلى الشيباني:

إن القداح إذا اجتمعن فرامها بالكسر ذو حنق وبطش أيد عزت فلم تكسر، وإن هي بددت فالكسر والتوهين للمتبدد يا وليد اتق الله فيما أخلفك فيه، واحفظ وصيتي، وخذ بأمري، وانظر أخي معاوية، فإنه ابن أمي، وقد ابتلي في عقله بما علمت، ولولا ذلك لآثرته بالخلافة، فصل رحمه، واحفظني فيه، وانظر أخي محمد بن مروان، فأقره على الجزيرة، ولا تعزله، وانظر أخاك عبد الله، فلا توآخذه، وأقرره على عمله بمصر، وانظر ابن عمنا هذا علي بن عبد الله بن عباس، فإنه قد انقطع إلينا بمودته وهواه ونصيحته، وله نسب وحق، فصل رحمه واعرف حقه، وانظر الحجاج فأكرمه، فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر، وهو سيفك يا وليد، ويدك على من ناوأك، فلا تسمعن فيه قول أحد، وأنت إليه أحوج منه إليك. وادع الناس إذا مت إلى البيعة، فمن قال برأسه هكذا، فقل

ص: 975

بسيفك هكذا، ثم تمثل بقول عدي بن زيد:

فهل من خالد إما هلكنا وهل بالموت يا للناس عار وعاش إحدى وستين سنة، وكان له سبعة عشر ولدا.

قال ابن جرير الطبري: فمن أولاده: الوليد، وسليمان، ومروان الأكبر، وعائشة، وأمهم ولادة بنت العباس بن ربيعة بن مازن.

ويزيد، ومروان الأصغر، ومعاوية، وأم كلثوم، وأمهم عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.

وهشام، وأمه أم هشام بنت هشام بن إسماعيل المخزومي.

وأبو بكر، وأمه عائشة بنت موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي.

والحكم، ومات قديما، أمه أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان.

وفاطمة، وأمها أم المغيرة بن خالد بن العاص المخزومية.

ومسلمة، وعبد الله، والمنذر، وعنبسة، والحجاج، لأمهات أولاد.

وتزوج أيضا بأم أبيها بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وبنت علي بن أبي طالب.

98 -

‌ عبد الملك بن أبي ذر الغفاري

.

روى عن أبيه، وسلمان الفارسي.

وقدم الشام غازيا صحبة سلمان الفارسي، ثم سكن مصر مدة.

روى عنه أبو تميم الجيشاني، وحنش الصنعاني، وقيس بن شريح، وعلي بن أبي طلحة، وجعفر بن ربيعة، وآخرون.

99 -

خ م د ن:‌

‌ عبيد الله بن الأسود

ويقال: ابن الأسد الخولاني، ربيب ميمونة أم المؤمنين.

روى عنها وعن عثمان، وابن عباس، وزيد بن خالد.

روى عنه بسر بن سعيد، وعاصم بن عمر بن قتادة.

100 – ن:‌

‌ عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي

.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شقيق عبد الله.

قيل: له رؤية، وروايته

ص: 976

في النسائي.

روى عنه ابنه عبد الله، وعطاء، وابن سيرين، وسليمان بن يسار.

وكان أحد الأجواد.

قال ابن سعد في الطبقات في الطبقة الخامسة من الصحابة: كان أصغر من عبد الله بسنة واحدة. سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رجلا تاجرا، مات بالمدينة، فذكر الواقدي أنه بقي إلى زمن يزيد.

قلت: وولي اليمن لعلي، وحج بالناس.

وقيل: إنه أعطى رجلا مرة مائة ألف.

قال البخاري، والفسوي: مات زمن معاوية.

وقال خليفة وغيره: سنة ثمان وخمسين.

وقال أبو عبيد، وأبو حسان الزيادي: مات سنة سبع وثمانين.

101 -

‌ عبيد بن حصين

، أبو جندل النميري المعروف بالراعي، وذلك لكثرة وصفه للإبل في شعره.

وكان من فحول الشعراء في صدر الإسلام، له ذكر.

وقد هجاه جرير بقصيدته التي يقول فيها:

فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا

102 -

ع:‌

‌ عبيد بن السباق المدني الثقفي

.

روى عن زيد بن ثابت، وجويرية أم المؤمنين، وأسامة بن زيد، وسهل بن حنيف، وابن عباس.

روى عنه: ابنه سعيد، والزهري، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف.

ص: 977

وهو من علماء أهل المدينة.

103 -

4:‌

‌ عبد خير بن يزيد

ويقال: عبد خير بن يحمد بن خولي الهمداني، أبو عمارة الكوفي.

أدرك الجاهلية، وسمع عليا، وابن مسعود، وزيد بن أرقم، وغيرهم.

وقال: جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

روى عنه: الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وخالد بن علقمة، وإسماعيل السدي، وحصين بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب، وآخرون.

وثقه العجلي، وغيره.

104 -

د ق:‌

‌ عتبة بن عبد السلمي أبو الوليد

، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

له عدة أحاديث. روى عنه: ابنه يحيى، وخالد بن معدان، وراشد بن سعد، ولقمان بن عامر، وعبد الله بن ناسح الحضرمي، وعامر بن زيد البكالي وطائفة.

قال إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، قال: قال عتبة بن عبد: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الاسم لا يحبه حوله، ولقد أتيناه وإنا لسبعة من بني سليم، أكبرنا العرباض بن سارية، فبايعناه جميعا.

وعن عتبة بن عبد، قال: كان اسمي عتلة، فسماني النبي صلى الله عليه وسلم عتبة.

وقال الواقدي: عاش أربعا وتسعين سنة.

ص: 978

وورخه أبو عبيد، وطائفة في سنة سبع وثمانين.

توفي بحمص.

105 -

ق:‌

‌ عتبة بن الندر السلمي

.

له صحبة، وحديثان، نزل الشام.

روى عنه خالد بن معدان، وعلي بن رباح.

وذكره في الصحابة: البغوي، والطبراني، وابن منده، وابن البرقي.

وتفرد بحديثه سويد بن عبد العزيز.

وقال ابن سعد: كان ينزل دمشق.

وقال خليفة: توفي سنة أربع وثمانين.

106 -

ع:‌

‌ عروة بن المغيرة بن شعبة الثقفي الكوفي

، أخو حمزة، وعقار.

ولي إمرة الكوفة من قبل الحجاج.

روى عنه الشعبي، وعباد بن زياد ابن أبيه، ونافع بن جبير بن مطعم.

وكان شريفا مطاعا لبيبا، وكان أفضل الإخوة، وكان أحول.

توفي سنة بضع وثمانين.

روى اليسير عن والده

ص: 979

و:

107 -

ت ن ق:‌

‌ عقار

أخوه:

أروى منه فإنه روى عن أبيه، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو.

وعنه مجاهد، ويعلى بن عطاء العامري، وحسان بن أبي وجزة، وعبد الملك بن عمير، وجماعة.

له حديث في الكتب الثلاثة وهو: لم يتوكل من اكتوى أو استرقى. وفي لفظ الكتب الثلاثة: فقد برئ من التوكل.

108 -

ن ق:‌

‌ عريب بن حميد

، أبو عمار الدهني الهمداني الكوفي.

روى عن علي، وعمار، وقيس بن سعد بن عبادة.

روى عنه طلحة بن مصرف، وأبو إسحاق السبيعي، والأعمش، وغيرهم. وهو بكنيته أشهر.

109 -

خ م ن:‌

‌ عقبة بن عبد الغافر الأزدي العوذي البصري

.

روى عن أبي سعيد الخدري، وعبد الله بن مغفل.

روى عنه سليمان التيمي، ويحيى بن أبي كثير، وابن عون، وقتادة، وغيرهم.

قيل: هلك في وقعة الجماجم.

وثقه أحمد العجلي وغيره.

وقال مرة بن دباب: مررت بعقبة بن عبد الغافر وهو جريح في الخندق، فقال لي: يا فلان، ذهبت الدنيا والآخرة.

وقال حماد بن زيد: قال أيوب وذكر القراء الذين خرجوا مع ابن

ص: 980

الأشعث، فقال: لا أعلم أحدا منهم قتل إلا رغب له عن مصرعه، ولا نجا فلم يقتل إلا ندم على ما كان منه.

110 -

خ د ن:‌

‌ عمران بن حطان بن ظبيان السدوسي البصري

، أحد رؤوس الخوارج.

روى عن عائشة، وأبي موسى الأشعري، وابن عباس.

روى عنه محمد بن سيرين، ويحيى بن أبي كثير، وقتادة.

قال أبو داود: ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج، ثم ذكر عمران بن حطان، وأبا حسان الأعرج.

وقال الفرزدق: كان عمران بن حطان من أشعر الناس، لأنه لو أراد أن يقول مثلنا لقال، ولسنا نقدر أن نقول مثل قوله.

وروى سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين، قال: تزوج عمران بن حطان امرأة من الخوارج، فكلموه فيها، فقال: سأردها إلى الجماعة، يعني قال: فصرفته إلى مذهبها.

وذكر المدائني: أنها كانت ذات جمال، وكان دميما قبيحا، فأعجبته مرة، فقالت: أنا وأنت في الجنة. قال: من أين علمت؟ قالت: لأنك أعطيت مثلي، فشكرت، وابتليت بمثلك، فصبرت، والشاكر والصابر في الجنة.

وقال الأصمعي: بلغنا أن عمران بن حطان كان ضيفا لروح بن زنباع، فذكره لعبد الملك وقال: اعرض عليه أن يأتينا، فأعلمه روح ذلك، فهرب، ثم كتب إلى روح:

يا روح كم من كريم قد نزلت به قد ظن ظنك من لخم وغسان حتى إذا خفته زايلت منزله من بعد ما قيل: عمران بن حطان قد كنت ضيفك حولا ما تروعني فيه طوارق من إنس ولا جان حتى أردت بي العظمى فأوحشني ما يوحش الناس من خوف ابن مروان

ص: 981

فاعذر أخاك ابن زنباع فإن له في الحادثات هنات ذات ألوان لو كنت مستغفرا يوما لطاغية كنت المقدم في سري وإعلاني لكن أبت لي آيات مفصلة عقد الولاية في طه وعمران وعن قتادة قال: لقيني عمران بن حطان فقال: يا أعمى احفظ عني هذه الأبيات:

حتى متى تسقى النفوس بكأسها ريب المنون وأنت لاه ترتع أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى وإلى المنية كل يوم تدفع أحلام نوم أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع فتزودن ليوم فقرك دائبا واجمع لنفسك لا لغيرك تجمع ومن شعره في قاتل علي رضي الله عنه:

يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره حينا فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا أكرم بقوم بطون الطير أقبرهم لم يخلطوا دينهم بغيا وعدوانا فبلغ شعره عبد الملك، فأدركته الحمية، فنذر دمه، ووضع عليه العيون، فلم تحمله أرض حتى أتى روح بن زنباع، فأقام في ضيافته، فقال: ممن أنت؟ قال: من الأزد، فبقي عنده سنة، فأعجبه إعجابا شديدا، فسمر روح ليلة عند عبد الملك، فتذاكرا شعر عمران بن حطان هذا، فلما انصرف روح تحدث مع عمران، وأخبره بالشعر الذي ذكره عبد الملك، فأنشده عمران بقيته، فلما أتى عبد الملك قال: إن في ضيافتي رجلا ما سمعت منك حديثا قط إلا حدثني به وبأحسن منه، ولقد أنشدته البارحة البيتين اللذين قالهما عمران في ابن ملجم، فأنشدني القصيدة كلها، فقال: صفه لي، فوصفه له، فقال: إنك لتصف صفة عمران بن حطان، اعرض عليه أن يلقاني، قال: نعم. فانصرف روح إلى منزله وقص على عمران الأمر، فهرب وأتى الجزيرة، ثم لحق بعمان، فأكرموه، فأقام بها حياته.

وورد أن سفيان الثوري كان يتمثل بأبيات عمران بن حطان هذه:

أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوع

ص: 982

أراها وإن كانت تحب فإنها سحابة صيف عن قليل تقشع كركب قضوا حاجاتهم وترحلوا طريقهم بادي العلامة مهيع توفي سنة أربع وثمانين. قاله ابن قانع.

111 -

د ت ق:‌

‌ عمران بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن كعب التيمي المدني

.

روى عن أبيه، وأمه حمنة بنت جحش، وعلي بن أبي طالب.

روى عنه ابنا أخويه إبراهيم بن محمد، ومعاوية بن إسحاق، وسعد بن طريف.

وله وفادة إلى معاوية.

قال أحمد بن عبد الله العجلي: هو تابعي ثقة.

وقال ابن سعد: قد انقرض ولده. وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سماه.

112 -

ت:‌

‌ عمران بن عصام

، أبو عمارة الضبعي، والد أبي جمرة.

من علماء أهل البصرة، وممن خرج على الحجاج مع ابن الأشعث، وكان صالحا، عابدا، مقرئا، يقص بالبصرة.

روى عن: عمران بن حصين، وقيل: عن رجل، عن عمران، وهو الصحيح.

قال المثنى بن سعيد: أدركت عمران بن عصام، وهو إمام مسجد بني ضبيعة، يؤمهم في رمضان، ويختم بهم في كل ثلاث، ثم أمهم قتادة، فكان يختم في كل سبع.

روى عنه قتادة، وأبو التياح، وابنه أبو جمرة.

ظفر به الحجاج فامتحنه، وقال: أتشهد على نفسك بالكفر؟ قال: ما كفرت بالله منذ آمنت به، فقتله في سنة ثلاث وثمانين.

ص: 983

113 -

ع:‌

‌ عمر بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم

، أبو حفص المخزومي المدني، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

له صحبة ورواية. وروى عن أمه أيضا.

وعنه أبو أمامة بن سهل، وعروة، وعطاء بن أبي رباح، وثابت البناني، وسعيد بن المسيب، ووهب بن كيسان، وأبو وجزة السعدي يزيد بن عبيد، وجماعة.

قال عروة: مولده بالحبشة.

وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن الزبير قال: كنت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة في أطم حسان، فكان يطأطئ لي مرة فأنظر، وأطأطئ له مرة فينظر.

وقال ابن عبد البر: كان مع علي يوم الجمل، فاستعمله على فارس وعلى البحرين.

وتوفي سنة ثلاث وثمانين بالمدينة.

قلت: وكان شابا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوج إذ ذاك، واستفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن تقبيل زوجته وهو صائم.

وهو أكبر من أختيه: درة، وزينب، وقد مات أبوهم سنة ثلاث، فلعل مولد عمر قبل عام الهجرة بعام أو عامين.

وقد روى الزبير بن بكار، عن علي بن صالح، عن عبد الله بن مصعب، عن أبيه قال: كان ابن الزبير يذكر أنه كان في فارع حسان يوم الخندق، ومعهم عمر بن أبي سلمة، فإني لأظلمه يومئذ، وهو أكبر مني بسنتين فأقول له: تحملني حتى أنظر، فإني أحملك إذا نزلت، فإذا حملني ثم سألني أن يركب، قلت: هذه المرة.

قلت: هو آخر من مات من الصحابة من بني مخزوم.

114 -

‌ عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان

، أبو حفص القرشي التيمي الأمير.

أحد وجوه قريش وأشرافها وشجعانها المذكورين، وكان جوادا

ص: 984

ممدحا. ولي فتوحات عديدة، وولي البصرة لابن الزبير.

وحدث عن ابن عمر، وجابر، وأبان بن عثمان.

روى عنه عطاء بن أبي رباح، وابن عون.

ووفد على عبد الملك، فتوفي بدمشق، وقد ولي إمرة فارس.

قال المدائني: ولد هو، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، وعمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عام قتل عمر.

وقال الوليد بن هشام القحذمي: قام رجل إلى المهلب فقال: أيها الأمير أخبرنا عن شجعان العرب. قال: أحمر قريش، وابن الكلبية، وصاحب النعل الديزج، فقال: والله ما نعرف من هؤلاء أحدا، قال: بلى، أما أحمر قريش فعمر بن عبيد الله بن معمر، والله ما جاءتنا سرعان خيل قط إلا ردها، وأما ابن الكلبية فمصعب بن الزبير، أفرد في سبعة، وجعل له الأمان، فأبى حتى مات على بصيرته. وأما صاحب النعل الديزج فعباد بن الحصين الحبطي، والله ما نزل بنا شدة إلا فرجها، فقال له الفرزدق، وكان حاضرا: إنا لله، فأين أنت عن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن خازم السلمي! قال: إنما ذكرنا الإنس ولم نذكر الجن.

وقال حميد الطويل، عن سليمان بن قتة، قال: بعث معي عمر بن عبيد الله بألف دينار إلى عبد الله بن عمر، والقاسم بن محمد، فأتيت ابن عمر وهو يغتسل في مستحمه، فأخرج يده، فصببتها فيها، فقال: وصلته رحم لقد جاءتنا على حاجة، فأتيت القاسم، فأبى أن يقبل، فقالت امرأته: إن كان القاسم ابن عمه فأنا ابنة عمه فأعطنيها، فأعطيتها.

وذكر الحرمازي أن إنسانا من الأنصار وفد على عمر بن عبيد الله بن معمر بفارس، فوصله بأربعين ألفا.

ويروى أن عمر بن عبيد الله اشترى مرة جارية بمائة ألف، فتوجعت لفراق سيدها وقالت أبياتا، وهي:

هنيئا لك المال الذي قد أصبته ولم يبق في كفي إلا تفكري أقول لنفسي وهي في كرب عيشة أقلي فقد بان الخليط أو اكثري إذا لم يكن في الأمر عندك حيلة ولم تجدي بدا من الصبر فاصبري فقال مولاها:

ص: 985

ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري أأوب بحزن من فراقك موجع أناجي به قلبا طويل التذكر عليك سلام لا زيارة بيننا ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر فقال: خذها وثمنها.

وقال مسلمة بن محارب: خرج عمر بن عبيد الله بن معمر زائرا لابن أبي بكرة بسجستان، فأقام أشهرا لا يصله، فقال له عمر: إني قد اشتقت إلى الأهل، فقال عبيد الله: سوءة من أبي حفص أغفلناه، كم في بيت المال، قالوا: ألف ألف وسبعمائة ألف قال: احملوها إليه، فحملت إليه. رواها المدائني، وغيره، عن مسلمة.

قال المدائني: توفي سنة اثنتين وثمانين.

115 -

4:‌

‌ عمر بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي

.

روى عن أبيه.

روى عنه ابنه محمد، ووفد على الوليد ليوليه صدقة أبيه.

قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن سلام، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال: سألت أبي، فحدثني عن أبيه، قال عمر بن علي: ولدت لأبي بعدما استخلف عمر، فقال له: يا أمير المؤمنين ولد لي الليلة غلام، فقال: هبه لي. قال: هو لك. قال: قد سميته عمر ونحلته غلامي مورقا. قال ابن الزبير: فلقيت عيسى فحدثني بذلك.

قال مصعب بن عبد الله: عمر ورقية ابنا علي توءم أمهما الصهباء التغلبية من سبي خالد بن الوليد أيام الردة.

وقال أحمد العجلي: هو تابعي ثقة.

وذكر مصعب: أن الوليد لم يعطه صدقة علي، وكان عليها الحسن بن الحسن بن علي، وقال: لا أدخل على بني فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 986

غيرهم، فانصرف غضبان ولم يقبل منه صلة.

وقيل: إن عمر بن علي قتل مع مصعب بن الزبير أيام المختار.

قلت: فلعله أخوه وسميه، وإنما المعروف أن الذي قتل مع مصعب عبيد الله بن علي، وذلك في سنة اثنتين وسبعين.

116 -

ع:‌

‌ عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان المخزومي

، أخو سعيد.

ولد قبل الهجرة، وله صحبة ورواية.

وروى أيضا عن أبي بكر، وابن مسعود، وسكن الكوفة.

روى عنه: ابنه جعفر، والحسن العرني، ومغيرة بن سبيع، والوليد بن سريع، وعبد الملك بن عمير، وإسماعيل بن أبي خالد.

وآخر من رآه خلف بن خليفة، شيخ الحسن بن عرفة، فابن عرفة من أتباع التابعين.

توفي عمرو سنة خمس وثمانين.

117 -

خ د ن:‌

‌ عمرو بن سلمة

، أبو بريد الجرمي البصري. وقيل: أبو يزيد الذي كان يصلي بقومه وهو صبي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد وفد أبوه على النبي صلى الله عليه وسلم ويقال: هو له وفادة مع أبيه وصحبة ما.

روى عن أبيه.

روى عنه: أبو قلابة الجرمي، وأبو الزبير المكي، وعاصم الأحول، وأيوب السختياني.

قيل: توفي سنة خمس وثمانين، وهو أقدم شيخ لأيوب.

ورخ موته أحمد بن حنبل.

118 -

‌ عمرو بن سلمة الهمداني الكوفي

.

سمع عليا، وابن مسعود، وحضر النهروان مع علي.

روى عنه: الشعبي، ويزيد بن أبي زياد.

ص: 987

قال البخاري: ودفن هو وعمرو بن حريث في يوم واحد.

قلت: وأبوه بكسر اللام كالجرمي المذكور قبله.

وأما عمرو بن سلمة - بالفتح - فشيخ مجهول للواقدي. وشيخ آخر قزويني. يروي عنه أبو الحسن القطان.

119 -

ع:‌

‌ عمرو بن عثمان بن عفان الأموي

، أخو أبان، وسعيد.

روى عن أبيه، وأسامة بن زيد.

وعنه علي بن الحسين، وسعيد بن المسيب، وأبو الزناد، وابنه عبد الله بن عمرو.

له حديث: لا يرث المسلم الكافر في الكتب الستة.

120 -

ن:‌

‌ عنترة بن عبد الرحمن

، أبو وكيع الشيباني.

روى عن: علي، وأبي الدرداء، وابن عباس.

روى عنه: ابنه هارون بن عنترة أبو عبد الملك، وعبد الله بن عمرو بن مرة، وأبو سنان الشيباني.

121 -

‌ فروخ بن النعمان

، أبو عياش المعافري.

عن: علي، ومعاذ، وابن مسعود، وعبادة بن الصامت، وغيرهم. حدث بمصر.

روى عنه: يزيد بن أبي حبيب، وبكر بن سوادة، وخالد بن أبي عمران. ذكره ابن يونس.

122 -

ع:‌

‌ قبيصة بن ذؤيب

، أبو سعيد الخزاعي المدني، الفقيه.

يقال: إنه ولد عام الفتح، وأتي به النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت أبيه ليدعو له.

روى عن: أبي بكر، وعمر، وأبي الدرداء، وعبد الرحمن بن عوف، وبلال، وعبادة بن الصامت، وتميم الداري، وعدة.

روى عنه: ابنه إسحاق،

ص: 988

ومكحول، ورجاء بن حيوة، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وأبو قلابة الجرمي، وإسماعيل بن أبي المهاجر، والزهري، وهارون بن رئاب. وآخرون.

وكان على الخاتم والبريد لعبد الملك بن مروان، وسكن دمشق، وأصيبت عينه يوم الحرة، وله دار بباب البريد.

وكناه ابن سعد: أبا إسحاق، وقال: شهد أبوه ذؤيب بن حلحلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح، وكان يسكن قديدا، وكان قبيصة آثر الناس عند عبد الملك، وكان على الخاتم والبريد، فكان يقرأ الكتب إذا وردت، ثم يدخل بها على الخليفة، وكان ثقة مأمونا كثير الحديث. مات سنة ست أو سبع وثمانين.

وقال البخاري: سمع أبا الدرداء، وزيد بن ثابت.

وقال أبو الزناد: كان عبد الملك بن مروان رابع أربعة في الفقه والنسك؛ هو وابن المسيب، وعروة، وقبيصة بن ذؤيب.

وقال محمد بن راشد المكحولي: حدثنا حفص بن نبيه الخزاعي، عن أبيه، أن قبيصة بن ذؤيب كان معلم كتاب.

وعن مجالد بن سعيد قال: كان قبيصة كاتب عبد الملك.

وعن مكحول قال: ما رأيت أحدا أعلم من قبيصة.

وعن الشعبي، قال: كان قبيصة أعلم الناس بقضاء زيد بن ثابت.

وروى ابن لهيعة، عن ابن شهاب، قال: كان قبيصة بن ذؤيب من علماء هذه الأمة.

قال علي ابن المديني وجماعة: توفي سنة ست وثمانين، وقيل: سنة

ص: 989

سبع، أو سنة ثمان.

123 – ت ن ق:‌

‌ قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي

.

له صحبة، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار، رواه عنه أيمن بن نابل المكي أحد صغار التابعين.

124 -

‌ قصير الدمشقي

.

عن: ابن عمر.

وعنه: مكحول، ويزيد بن أبي حبيب، وجعفر بن ربيعة.

قال أبو حاتم: ليس به بأس.

125 -

ن ق:‌

‌ قيس بن عائذ

، أبو كاهل الأحمسي، نزيل الكوفة.

رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقة، وحبشي ممسك بخطامها.

رواه أحمد في مسنده، قال: حدثنا محمد بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عنه.

ص: 990

126 – ع سوى ت:‌

‌ قيس بن عباد

، أبو عبد الله القيسي الضبعي البصري.

روى عن: عمر، وعلي، وأبي بن كعب، وأبي ذر، وعمار بن ياسر، وجماعة.

روى عنه: الحسن، وابن سيرين، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وأبو نضرة المنذر بن مالك، وغيرهم.

وكان كثير العبادة والغزو، ولكنه شيعي، وقد رحل إلى المدينة، وصلى مع عمر.

وروى الحكم بن عطية، عن النضر بن عبد الله: أن قيس بن عباد وفد إلى معاوية، فكساه ريطة من رياط مصر، فرأيتها عليه قد شق علمها.

وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.

وقال يونس المؤدب: حدثنا عبيد الله بن النضر، عن أبيه، عن قيس بن عباد: أنه كانت له فرس عربية، كلما نتجت مهرا حمل عليه - إذا أدرك - في سبيل الله، وكان إذا صلى بهم الغداة لم يزل يذكر الله حتى يرى السقائين قد مروا بالماء، مخافة أن يصير أجاجا أو يصير غورا، أو حتى تطلع الشمس من مطلعها، مخافة أن تطلع من مغربها.

وعن أبي مخنف قال: عاش قيس بن عباد حتى قاتل مع ابن الأشعث، وبلغ الحجاج فعائله، وأنه يلعن عثمان، فأرسل إليه فضرب عنقه.

قلت: أبو مخنف واه.

127 -

خ م د ن:‌

‌ كثير بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي

.

روى عن: أبيه، وعمر، وعثمان، وأخيه عبد الله بن عباس.

وقيل: إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

روى عنه: الأعرج، والزهري، وأبو الأصبغ مولى بني سليم.

ص: 991

قال مصعب بن عبد الله: كان فقيها فاضلا لا عقب له، وأمه أم ولد.

وقال ابن أبي الزناد: كان يسكن بقرية على فراسخ من المدينة.

وورد أنه كان من أعبد الناس، رحمه الله.

128 -

4:‌

‌ كثير بن مرة

، أبو شجرة، ويقال: أبو القاسم الحضرمي الحمصي.

سمع عمر، وروى عن معاذ بن جبل، ونعيم بن همار، وعمرو بن عبسة، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعوف بن مالك، وجماعة.

روى عنه: مكحول، وخالد بن معدان، ويزيد بن أبي حبيب، وعمرو بن جابر المصريان، وأبو الزاهرية حدير بن كريب، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، وسليم بن عامر.

ويقال: إنه أدرك سبعين بدريا. قاله يزيد بن أبي حبيب. وشهد الجابية مع عمر.

روى نصر بن علقمة، عن أخيه محفوظ: عن ابن عائذ، قال: قال كثير بن مرة لمعاذ ونحن بالجابية: من المؤمنون؟ قال معاذ: أمبرسم والكعبة؟ إن كنت لأظنك أفقه مما أنت، هم الذين أسلموا وصاموا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة.

قال أبو مسهر: أدرك كثير بن مرة عبد الملك، يعني خلافة عبد الملك. قاله البخاري.

129 -

4:‌

‌ كليب بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي

.

روى عن أبيه، وعلي، وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة، وجماعة.

روى عنه: ابنه عاصم، وإبراهيم بن مهاجر.

ووثقه أبو زرعة، وغيره.

ص: 992

130 -

‌ كميل بن زياد بن نهيك بن هيثم النخعي الصهباني الكوفي

.

حدث عن: عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبي هريرة.

روى عنه: عبد الرحمن بن عابس، والعباس بن ذريح، وعبد الله بن يزيد الصهباني، وأبو إسحاق السبيعي، والأعمش.

وقدم دمشق زمن عثمان، وشهد صفين مع علي، وكان شريفا مطاعا ثقة عابدا على تشيعه، قليل الحديث، قتله الحجاج. قاله ابن سعد.

وقال المدائني: وفي الكوفة من العباد: أويس، وعمرو بن عتبة، ويزيد بن معاوية النخعي، والربيع بن خثيم، وهمام بن الحارث، ومعضد الشيباني، وجندب بن عبد الله، وكميل بن زياد.

ووثقه ابن معين، وغيره.

وقال محمد بن عبد الله بن عمار: كميل رافضي ثقة.

وقال هشام بن عمار: حدثنا أيوب بن حسان قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال: منع الحجاج النخع أعطياتهم حتى يأتوه بكميل بن زياد، فلما رأى ذلك كميل أقبل على قومه فقال: أبلغوني الحجاج فأبلغوه، فقال الحجاج: يا أهل الشام، هذا كميل الذي قال لعثمان أقدني من نفسك، فقال كميل: فعرف حقي، فقلت: أما إذ أقدتني فهو لك هبة، فمن كان أحسن قولا أنا أو هو، فذكر الحجاج عليا، فصلى عليه كميل، فقال الحجاج: والله لأبعثن إليك إنسانا أشد بغضا لعلي من حبك له، فبعث إليه ابن أدهم الحمصي فضرب عنقه.

وقال المدائني: مات كميل سنة اثنتين وثمانين، وهو ابن تسعين سنة.

أنبأونا عن محمد بن أبي زيد، قال: أخبرنا محمود بن إسماعيل، قال: أخبرنا ابن فاذشاه قال: حدثنا الطبراني، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الله بن رجاء، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن كميل بن زياد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا

ص: 993

أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: بلى. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا منجى من الله إلا إليه.

131 -

د:‌

‌ محمد بن إياس بن البكير بن عبد ياليل الليثي المدني

.

من أولاد البدريين، روى عن عائشة، وأبي هريرة، وابن عباس.

روى عنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، ونافع، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.

132 -

‌ محمد بن حاطب

.

ورخه أبو نعيم في سنة ست وثمانين. وقد مر في الطبقة الماضية.

133 -

ع سوى د:‌

‌ محمد بن سعد بن أبي وقاص

، أبو القاسم الزهري.

روى عن: أبيه، وعثمان، وأبي الدرداء.

روى عنه: ابناه إبراهيم وإسماعيل، وأبو إسحاق السبيعي، ويونس بن جبير، وإسماعيل بن أبي خالد، وجماعة.

له أحاديث عديدة، وأسر يوم دير الجماجم، فقتله الحجاج.

134 -

ع:‌

‌ محمد بن علي بن أبي طالب

، أبو القاسم الهاشمي ابن الحنفية، واسمها خولة بنت جعفر، من سبي اليمامة، وهي من بني حنيفة.

ولد في صدر خلافة عمر، ورأى عمر.

وروى عن: أبيه، وعثمان، وعمار بن ياسر، وأبي هريرة، وغيرهم.

روى عنه: بنوه الحسن، وعبد الله،

ص: 994

وعمر، وإبراهيم، وعون، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وسالم بن أبي الجعد، ومنذر الثوري، وعمرو بن دينار، وأبو جعفر محمد بن علي، وجماعة.

ووفد على معاوية، وعلى عبد الملك.

قال أبو عاصم النبيل: صرع محمد ابن الحنفية مروان يوم الجمل وجلس على صدره، فلما وفد على ابنه ذكره بذلك، فقال: عفوا يا أمير المؤمنين، فقال: والله ما ذكرت ذلك وأنا أريد أن أكافئك به.

قال الزبير بن بكار: سمته الشيعة المهدي، فأخبرني عمي قال: قال كثير عزة:

هو المهدي أخبرناه كعب أخو الأحبار في الحقب الخوالي فقيل لكثير: ولقيت كعبا؟ قال: قلته بالوهم.

وقال أيضا:

ألا إن الأئمة من قريش ولاة الحق أربعة سواء علي والثلاثة من بنيه هم الأسباط ليس بهم خفاء فسبط سبط إيمان وبر وسبط غيبته كربلاء وسبط لا تراه العين حتى يقود الخيل يقدمها لواء تغيب لا يرى عنهم زمانا برضوى عنده عسل وماء قال الزبير: وكانت شيعة محمد بن علي يزعمون أنه لم يمت.

وفيه يقول السيد الحميري:

ألا قل للوصي فدتك نفسي أطلت بذلك الجبل المقاما أضر بمعشر والوك منا وسموك الخليفة والإماما وعادوا فيك أهل الأرض طرا مقامك عنهم ستين عاما وما ذاق ابن خولة طعم موت ولا وارت له أرض عظاما لقد أمسى بمورق شعب رضوى تراجعه الملائكة الكلاما وإن له به لمقيل صدق وأندية تحدثه كراما هدانا الله إذ حزتم لأمر به وعليه نلتمس التماما تمام مودة المهدي حتى تروا راياتنا تترى نظاما وقال السيد أيضا:

يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى وبنا إليه من الصبابة أولق

ص: 995

حتى متى؟ وإلى متى؟ وكم المدى؟ يا ابن الوصي وأنت حي ترزق وقال ابن سعد: مولده في خلافة أبي بكر.

وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: رأيت أم محمد ابن الحنفية سندية سوداء، وكانت أمة لبني حنيفة، ولم تكن منهم، وإنما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق، ولم يصالحهم على أنفسهم.

وقال فطر بن خليفة، عن منذر: سمعت ابن الحنفية، قال: كانت رخصة لعلي رضي الله عنه، قال: يا رسول الله إن ولد لي بعدك ولد أسميه باسمك، وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم.

قلت: وكان يكنى أيضا بأبي عبد الله، فقال أبو مالك الأشجعي: حدثنا سالم بن أبي الجعد أنه كان مع ابن الحنفية في الشعب، فقلت له ذات يوم: يا أبا عبد الله. وذكر النسائي الكنيتين.

وعن ابن الحنفية، قال: ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عمر.

رواه محمد بن حميد، بإسناد صحيح إلى ابن الحنفية، لكن ابن حميد ضعيف.

وقد قال زيد بن الحباب: حدثنا الربيع بن منذر الثوري قال: حدثني أبي، أنه سمع ابن الحنفية يقول: دخل عمر وأنا عند أختي أم كلثوم، فضمني وقال: ألطفيه بالحلواء.

وقال عبد الواحد بن أيمن: جئت محمد ابن الحنفية وهو مكحول مخضوب بحمرة، وعليه عمامة سوداء.

وقال سالم بن أبي حفصة، عن منذر، عن ابن الحنفية قال: حسن وحسين خير مني، ولقد علما أنه كان يستخليني دونهما، وأني صاحب البغلة الشهباء.

وقال الزهري: قال رجل لمحمد ابن الحنفية: ما بال أبيك كان يرمي بك في مرام لا يرمي فيها الحسن والحسين؟ قال: لأنهما كانا خديه، وكنت يده، فكان يتوقى بيده عن خديه.

ص: 996

وقال غيره: لما جاء نعي معاوية خرج الحسين وابن الزبير إلى مكة، وأقام ابن الحنفية حتى سمع بدنو جيش مسرف أيام الحرة، فرحل إلى مكة، فقعد مع ابن عباس، فلما بايعوا ابن الزبير دعاهما ابن الزبير إلى بيعته، فأبيا حتى تجتمع له البلاد، فكاشرهما، ثم وقع بينهم شر، وغلظ الأمر حتى خافاه، ومعهما النساء والذرية، فأساء جوارهم وحصرهم، وأظهر شتم ابن الحنفية، وأمرهم وبني هاشم أن يلزموا شعبهم بمكة، وجعل عليهم الرقباء، وقال فيما قال: والله لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار، فخافوا.

قال سليم أبو عامر: فرأيت ابن الحنفية محبوسا بزمزم، فقلت: لأدخلن عليه، فدخلت فقلت: ما لك وهذا الرجل؟ قال: دعاني إلى البيعة. فقلت: إنما أنا من المسلمين، فإذا اجتمعوا عليك، فأنا كأحدهم. فلم يرض بهذا، فاذهب، فأقرئ ابن عباس السلام وقل: ما ترى؟ فدخلت على ابن عباس وهو ذاهب البصر، فقال: من أنت؟ قلت: من الأنصار. قال: رب أنصاري هو أشد علينا من عدونا، فقلت: لا تخف، أنا ممن لك كله، وأخبرته، فقال: قل له: لا تطعه ولا نعمة عين إلا ما قلت، ولا تزده عليه، فأبلغته، فهم أن يقدم الكوفة؛ وبلغ ذلك المختار بن أبي عبيد، فثقل عليه قدومه.

قلت: وقد كان يدعو إليه قال: فقال: إن في المهدي علامة يقدم بلدكم هذا، فيضربه رجل في السوق ضربة بالسيف لا تضره ولا تحيك فيه. فبلغ ذلك ابن الحنفية، فأقام، فقيل له: لو بعثت إلى شيعتك بالكوفة فأعلمتهم ما أنتم فيه، فبعث أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة، فقدم عليهم وقال: إنا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء، وأخبرهم بما هم فيه من الخوف، فجهز المختار بعثا إلى مكة، فانتدب معه أربعة آلاف، فعقد لأبي عبد الله الجدلي عليهم، وقال له: سر، فإن وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضدا، وانفذ لما أمروك به، وإن وجدت ابن الزبير قد قتلهم، فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى ابن الزبير، ثم لا تدع من آل الزبير شعرا ولا ظفرا. وقال: يا شرطة الله، لقد أكرمكم الله بهذا المسير، ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمر.

فساروا حتى أشرفوا على مكة، فجاء المستغيث: أعجلوا، فما أراكم تدركونهم، فانتدب منهم ثمان

ص: 997

مائة، عليهم عطية بن سعد العوفي، فأسرعوا حتى دخلوا مكة، فكبروا تكبيرة سمعها ابن الزبير، فانطلق هاربا، وتعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ الله.

قال عطية: ثم ملنا إلى ابن عباس، وابن الحنفية، وأصحابهما في دور وقد جمع لهم الحطب، فأحيط بهم الحطب حتى بلغ رؤوس الجدر، لو أن نارا تقع فيه ما رئي منهم أحد، فأخرناه عن الأبواب، فأقبل أصحاب ابن الزبير، فكنا صفين نحن وهم في المسجد نهارنا، لا ننصرف إلا إلى الصلاة حتى أصبحنا، وقدم أبو عبد الله الجدلي في الجيش، فقلنا لابن عباس وابن الحنفية: ذرونا نرح الناس من ابن الزبير، فقالا: هذا بلد حرمه الله ما أحله لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ساعة، فامنعونا وأجيرونا، قال: فتحملوا وإن مناديا لينادي في الجبل: ما غنمت سرية بعد نبيها ما غنمت هذه السرية، إن السرية إنما تغنم الذهب والفضة، وإنما غنمتم دماءنا، فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى، ثم انتقلوا إلى الطائف وأقاموا.

وتوفي ابن عباس، فصلى عليه ابن الحنفية، وبقينا مع ابن الحنفية، فلما كان الحج وحج ابن الزبير وافى ابن الحنفية في أصحابه إلى عرفة، فوقف وأوفى نجدة بن عامر الحنفي الحروري في أصحابه، فوقف ناحية، وحجت بنو أمية على لواء، فوقفوا بعرفة.

وعن محمد بن جبير أن ابن الزبير أقام الحج تلك السنة، وحج ابن الحنفية في الخشبية، وهم أربعة آلاف، نزلوا في الشعب الأيسر من منى، ثم ذكر أنه سعى في الهدنة والكف، حتى حجت كل طائفة من الطوائف الأربع، قال: ووقفت تلك العشية إلى جنب ابن الحنفية، فلما غابت الشمس التفت إلي فقال: يا أبا سعيد ادفع، ودفعت معه، فكان أول من دفع.

وقال الواقدي: حدثني جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير، عن عثمان بن عروة، عن أبيه (ح).

وحدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة، وغيره، قالوا: كان المختار لما قدم الكوفة أشد شيء على ابن الزبير، وجعل يلقي إلى الناس أن ابن الزبير كان يطلب هذا الأمر لأبي القاسم - يعني ابن الحنفية - ثم ظلمه إياه، وجعل يذكر ابن الحنفية وحاله وورعه، وأنه يدعو له، وأنه بعثه، وأنه كتب له كتابا، وكان يقرأه على من يثق به ويبايعونه سرا، فشك قوم وقالوا: أعطينا هذا الرجل عهودنا أن زعم أنه رسول محمد

ص: 998

ابن الحنفية، وابن الحنفية بمكة، ليس هو منا ببعيد، فشخص منهم قوم فأعلموه أمر المختار، فقال: نحن قوم حيث ترون محبوسون، وما أحب أن لي الدنيا بقتل مؤمن، ولوددت أن الله انتصر لنا بمن شاء، فاحذروا الكذابين، وانظروا لأنفسكم ودينكم، فذهبوا على هذا.

وجعل أمر المختار يكبر كل يوم ويغلظ، وتتبع قتلة الحسين فقتلهم، وبعث ابن الأشتر في عشرين ألفا إلى عبيد الله بن زياد فقتله، وبعث المختار برأسه إلى محمد ابن الحنفية وعلي بن الحسين، فدعت بنو هاشم للمختار، وعظم عندهم.

وكان ابن الحنفية يكره أمره، ولا يحب كثيرا مما يأتي به. ثم كتب إليه المختار: لمحمد بن علي المهدي، من المختار الطالب بثأر آل محمد.

وقال ليث بن أبي سليم، عن منذر الثوري، عن ابن الحنفية قال: سمعت أبا هريرة يقول: لا حرج إلا في دم امرئ مسلم. فقلت لابن الحنفية: تطعن على أبيك؟ قال: لست أطعن على أبي، بايع أبي أولو الأمر، فنكث ناكث فقاتله، ومرق مارق فقاتله، وإن ابن الزبير يحسدني على مكاني هذا، ود أني ألحد في الحرم كما ألحد.

وقال قبيصة: حدثنا سفيان، عن الحارث الأزدي، قال: قال ابن الحنفية: رحم الله امرأ أغنى نفسه، وكف يده، وأمسك لسانه، وجلس في بيته له ما احتسب وهو مع من أحب، ألا إن أعمال بني أمية أسرع فيهم من سيوف المسلمين، ألا إن لأهل الحق دولة يأتي بها الله إذا شاء، فمن أدرك ذلك منكم ومنا كان عندنا في السنام الأعلى، ومن يمت فما عند الله خير وأبقى.

وقال أبو عوانة: حدثنا أبو جمرة قال: كانوا يسلمون على محمد بن علي: سلام عليك يا مهدي، فقال: أجل، أنا رجل مهدي، أهدي إلى الرشد والخير، اسمي محمد، فليقل أحدكم إذا سلم: سلام عليك يا محمد، أو يا أبا القاسم.

وقال ابن سعد: قالوا: وقتل المختار سنة ثمان وستين، فلما دخلت سنة تسع أرسل ابن الزبير أخاه عروة إلى محمد ابن الحنفية أن أمير

ص: 999

المؤمنين يقول لك: إني غير تاركك أبدا حتى تبايعني، أو أعيدك في الحبس، وقد قتل الله الكذاب الذي كنت تدعي نصرته، وأجمع أهل العراق علي، فبايع، وإلا فهي الحرب بيني وبينك. فقال: ما أسرع أخاك إلى قطع الرحم والاستخفاف بالحق، وأغفله عن تعجيل عقوبة الله، ما يشك أخوك في الخلود، والله ما بعثت المختار داعيا ولا ناصرا، وللمختار كان أشد انقطاعا إليه منه إلينا، فإن كان كذابا فطالما قربه على كذبه، وإن كان غير ذلك فهو أعلم به، وما عندي خلاف، ولو كان عندي خلاف ما أقمت في جواره، ولخرجت إلى من يدعوني، ولكن ها هنا، والله لأخيك قرن يطلب مثل ما يطلب أخوك - كلاهما يقاتلان على الدنيا - عبد الملك بن مروان، والله لكأنك بجيوشه قد أحاطت برقبة أخيك، وإني لأحسب أن جوار عبد الملك خير لي من جوار أخيك، ولقد كتب إلي يعرض علي ما قبله ويدعوني إليه. قال عروة: فما يمنعك من ذلك؟ قال: أستخير الله، وذلك أحب إلى صاحبك. فقال بعض أصحاب ابن الحنفية: والله لو أطعتنا لضربنا عنقه، فقال: وعلى ماذا! جاء برسالة من أخيه، وليس في الغدر خير، وأنتم تعلمون أن رأيي لو اجتمع الناس علي كلهم إلا إنسان واحد لما قاتلته. فانصرف عروة فأخبر أخاه وقال: والله ما أرى أن تعرض له، دعه فليخرج عنك، ويغيب وجهه، فعبد الملك أمامه لا يتركه يحل بالشام حتى يبايعه، وهو لا يفعل أبدا، حتى يجتمع عليه الناس، فإما حبسه أو قتله.

وقال أبو سلمة التبوذكي: حدثنا أبو عوانة، عن أبي جمرة، قال: كنت مع محمد بن علي، فسرنا من الطائف إلى أيلة، بعد موت ابن عباس بزيادة على أربعين ليلة، وكان عبد الملك قد كتب لمحمد عهدا، على أن يدخل في أرضه هو وأصحابه، حتى يصطلح الناس على رجل، فلما قدم محمد الشام كتب إليه عبد الملك: إما أن تبايعني، وإما أن تخرج من أرضي، ونحن يومئذ سبعة آلاف، فبعث إليه: على أن تؤمن أصحابي. ففعل، فقام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن الله ولي الأمور كلها، وحاكمها، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، كل ما هو آت قريب، عجلتم بالأمر قبل نزوله، والذي نفسي بيده إن في أصلابكم لمن يقاتل مع آل محمد ما يخفى على أهل الشرك أمر آل محمد، وأمر آل محمد مستأخر، والذي نفس محمد بيده ليعودن فيهم الأمر كما بدأ، الحمد لله الذي حقن

ص: 1000

دماءكم، وأحرز دينكم، من أحب منكم أن يأتي مأمنه إلى بلده آمنا محفوظا فليفعل. فبقي معه تسعمائة رجل، فأحرم بعمرة وقلد هديا، فلما أردنا أن ندخل الحرم تلقتنا خيل ابن الزبير، فمنعتنا أن ندخل، فأرسل إليه محمد: لقد خرجت وما أريد أن أقاتلك، ورجعت وما أريد أن أقاتلك، دعنا ندخل، فلنقض نسكنا، ثم نخرج عنك. فأبى، ومعنا البدن قد قلدناها، فرجعنا إلى المدينة، فكنا بها حتى قدم الحجاج، وقتل ابن الزبير، ثم سار إلى العراق، فلما سار مضينا فقضينا نسكنا، وقد رأيت القمل يتناثر من محمد ابن الحنفية، ثم رجعنا إلى المدينة، فمكث ثلاثة أشهر، ثم توفي.

قلت: هذا خبر صحيح، وفيه أنهم قضوا نسكهم بعد عدة سنين.

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن صالح بن كيسان، عن الحسن بن محمد ابن الحنفية قال: لم يبايع أبي الحجاج لما قتل ابن الزبير، فبعث إليه: قد قتل عدو الله. فقال أبي: إ ابايع الناس بايعت. قال: والله لأقتلنك، قال: إن لله في كل يوم ثلاثمائة وستين لحظة، في كل لحظة منها ثلاثمائة وستون قضية، فلعله أن يكفيناك في قضية. قال: فكتب بذلك الحجاج إلى عبد الملك، فأتاه كتابه فأعجبه، وكتب به إلى صاحب الروم، وذلك أن ملك الروم كتب إليه يتهدده، أنه قد جمع له جموعا كثيرة. ثم كتب عبد الملك: قد عرفنا أن محمدا ليس عنده خلاف، وهو يأتيك ويبايعك فارفق به. فلما اجتمع الناس قال ابن عمر له: ما بقي شيء، فبايع، فكتب بالبيعة إلى عبد الملك، وبايع له الحجاج.

وقال إسحاق بن منصور السلولي: حدثنا الربيع بن المنذر، عن أبيه، أنه رأى على محمد ابن الحنفية حبرة تجلل الإزار، وكان له برنس خز.

وقال ابن عيينة: حدثنا أبو إسحاق الشيباني: أنه رأى محمد ابن

ص: 1001

الحنفية بعرفة واقفا، عليه مطرف خز.

وقال يعلى بن عبيد: حدثنا سفيان بن دينار، قال: رأيت محمد ابن الحنفية ورأسه ولحيته مخضوبين بالحناء والكتم.

وروى إسرائيل، عن عبد الأعلى: أن ابن الحنفية سئل عن الخضاب بالوسمة، فقال: هو خضابنا أهل البيت.

وقال يعقوب بن شيبة: حدثنا صالح بن عبد الله الترمذي، قال: حدثنا محمد بن الفضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن منذر الثوري، قال: رأيت محمد ابن الحنفية يتلوى على فراشه وينفخ، فقالت امرأته: يا مهدي ما يلويك من أمر عدوك؟ هذا ابن الزبير. قال: والله ما بي هذا، ولكن بي ما يؤتى في حرمه غدا، ثم رفع يديه إلى السماء: فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت أعلم مما علمتني أنه لا يخرج منها إلا قتيلا يطاف به في الأسواق.

عثمان بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن الحسن الأسدي قال: حدثنا عبد ربه أبو شهاب، عن ليث، عن محمد بن بشر، عن محمد ابن الحنفية قال: أهل بيتين من العرب يتخذهم الناس أندادا من دون الله، نحن، وبنو عمنا هؤلاء، يعني بني أمية.

وقال أبو زبيد عبثر، عن سالم بن أبي حفصة، عن منذر، عن ابن الحنفية قال: نحن أهل بيتين من قريش، نتخذ من دون الله أندادا، نحن، وبنو أمية.

وروى ابن المبارك، عن يحيى بن سعيد المدني - وليس بالأنصاري - قال: رأى محمد ابن الحنفية أنه لا يموت حتى يملك أمر الناس، فأرسل إلى سعيد بن المسيب فسأله فقال: لا يملك ولا أحد من ولده، وإن هذا الملك من بني أبيك لفي غيرك.

وقال محمد بن فضيل، عن رضا بن أبي عقيل، عن أبيه قال: كنا جلوسا على باب ابن الحنفية في الشعب، فخرج إلينا غلام فقال: يا معشر الشيعة، إن أبي يقرئكم السلام، ويقول لكم: إنا لا نحب اللعانين ولا الطعانين، ولا نحب مستعجلي القدر.

وقال سفيان الثوري، عن أبيه: إن الحجاج أراد أن يضع رجله على المقام، فزجره ابن الحنفية.

ص: 1002

وقال الواقدي: أخبرنا زيد بن السائب، قال: سألت عبد الله بن محمد ابن الحنفية: أين دفن أبوك؟ فقال: بالبقيع، قلت: أي سنة؟ قال: سنة إحدى وثمانين، وهو ابن خمس وستين سنة، مات في المحرم.

وقال أبو عبيد، والفلاس: توفي سنة إحدى وثمانين.

وقال أبو نعيم: توفي سنة ثمانين.

وقال المدائني: توفي سنة ثلاث وثمانين. وهذا غلط.

وقال علي ابن المديني: توفي سنة اثنتين أو ثلاث وتسعين، وهذا أفحش مما قبله.

135 -

‌ ماهان الحنفي

، أبو سالم الأعور الكوفي، ويقال له: المسبح.

روى عن ابن عباس، وغيره.

وعنه عمار الدهني، وجعفر بن أبي المغيرة، وطلحة بن الأعلم، وجماعة.

قال فضيل بن غزوان: كان لا يفتر من التسبيح، فأخذه الحجاج وصلبه، وكان يسبح ويعقد، قال: فطعن، وقد عقد تسعا وستين.

وقال إبراهيم بن أبي حنفية: رأيت ماهان الحنفي حيث صلب، فجعل يسبح حتى عقد على تسع وعشرين، فطعن، فرأيته بعد شهر عاقدا عليها، وكنا نؤمر بالحرس على خشبته، فنرى عنده الضوء.

قال أبو داود السجستاني: قطع الحجاج أربعته وصلبه.

وقال البخاري: قتل الحجاج ماهان أبا سالم الحنفي، قال: وقال بعضهم: ماهان أبو صالح، وهو وهم.

قال ابن أبي عاصم: قتل سنة ثلاث وثمانين.

136 -

‌ محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب

، أبو عمير التميمي، الدارمي، الكوفي.

أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه عنه أبو عمران الجوني.

وكان سيد أهل الكوفة، وأجود مضر، وصاحب ربع تميم.

وفد على عبد الملك بن مروان،

ص: 1003

ثم سار إلى أخيه عبد العزيز بن مروان، وقد شهد صفين مع علي.

وقيل فيه:

علمت معد والقبائل كلها أن الجواد محمد بن عطارد

137 -

ع:‌

‌ مرثد بن عبد الله

، أبو الخير اليزني المصري. ويزن بطن من حمير.

روى عن أبي أيوب الأنصاري، وأبي بصرة الغفاري، وزيد بن ثابت، وعمرو بن العاص، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن عمرو، وجماعة. وكان يلزم عقبة.

روى عنه عبد الرحمن بن شماسة، وجعفر بن ربيعة، ويزيد بن أبي حبيب، وعبيد الله بن أبي جعفر، وعياش بن عباس القتباني، وغيرهم.

وكان أحد الأئمة الأعلام.

قال أبو سعيد بن يونس: كان مفتي أهل مصر في أيامه، وكان عبد العزيز بن مروان، يعني أمير مصر، يحضره مجلسه للفتيا، قال: وقال ابن عون: توفي سنة تسعين.

138 -

ع:‌

‌ مرة الطيب ويلقب أيضا مرة الخير

، لعبادته وخيره، وهو ابن شراحيل الهمداني الكوفي. مخضرم كبير القدر.

روى عن أبي بكر، وعمر، وأبي ذر، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري.

روى عنه أسلم الكوفي، وزبيد اليامي، وإسماعيل السدي، وحصين بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب، وإسماعيل بن أبي خالد، وجماعة.

وثقه يحيى بن معين.

ابن عيينة: سمعت عطاء بن السائب، يقول: رأيت مصلى مرة الهمداني مثل مبرك البعير.

وقال عطاء أو غيره: كان مرة يصلي كل يوم ستة مائة ركعة.

ونقل عنه أنه سجد حتى أكل التراب جبهته.

139 -

م 4:‌

‌ المستورد بن الأحنف الكوفي

.

ص: 1004

عن ابن مسعود، وحذيفة، وصلة بن زفر.

روى عنه سعد بن عبيدة، وعلقمة بن مرثد، وأبو حصين عثمان بن عاصم.

وثقه علي ابن المديني.

140 – م 4:‌

‌ مسعود بن الحكم بن الربيع

، أبو هارون الأنصاري، الزرقي، المدني.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى عن عمر، وعلي، وعبد الله بن حذافة السهمي.

روى عنه بنوه عيسى، وإسماعيل، وقيس، ويوسف، ومحمد بن المنكدر، والزهري، وأبو الزناد.

قال الواقدي: كان سريا مريا ثقة.

قال خليفة: مات سنة تسعين.

141 -

ع:‌

‌ معاذة بنت عبد الله أم الصهباء العدوية

، العابدة البصرية.

روت عن علي، وعائشة، وهشام بن عامر الأنصاري.

روى عنها أبو قلابة الجرمي، ويزيد الرشك، وعاصم الأحول، وأيوب، وعمر بن ذر، وإسحاق بن سويد، وآخرون.

ووثقها ابن معين.

وبلغنا أنها كانت تحيي الليل وتقول: عجبت لعين تنام وقد علمت طول الرقاد في ظلم القبور.

ولما قتل زوجها صلة بن أشيم وابنها في بعض الحروب، اجتمع النساء عندها، فقالت: مرحبا بكن إن كنتن جئتن لتهنئنني، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن.

وكانت تقول: والله ما أحب البقاء إلا لأتقرب إلى ربي بالوسائل، لعله يجمع بيني وبين أبي الصهباء وولده في الجنة.

ورخها ابن الجوزي في سنة ثلاث وثمانين.

ص: 1005

142 -

خ م د ن:‌

‌ معبد بن سيرين أخو محمد

، ومولى أنس بن مالك، وهو أقدم إخوته مولدا ووفاة.

روى عن عمر، وأبي سعيد الخدري.

روى عنه أخواه محمد، وأنس.

143 -

ق:‌

‌ معبد الجهني البصري

.

أول من تكلم بالقدر.

روى عن ابن عباس، ومعاوية، وابن عمر، وعمران بن حصين، وحمران بن أبان، وغيرهم.

روى عنه معاوية بن قرة، وزيد بن رفيع، وقتادة، ومالك بن دينار، وعوف الأعرابي، وسعد بن إبراهيم، وآخرون.

وثقه ابن معين.

وقال أبو حاتم: صدوق في الحديث.

قلت: هو معبد بن عبيد الله بن عويمر، ويقال: معبد بن عبد الله بن عكيم، ولد الذي روى: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب.

وقيل: هو معبد بن خالد.

وكان من أعيان الفقهاء بالبصرة.

قال يعقوب بن شيبة: حدثني محمد بن إسحاق بن أحمد، عمن حدثه، عن عبد الملك بن عمير قال: اجتمعت القراء إلى معبد الجهني، وكان ممن شهد دومة الجندل موضع الحكمين، فقالوا له: قد طال أمر هذين الرجلين، فلو لقيتهما فسألتهما عن بعض أمرهما، فقال: لا تعرضوني لأمر أنا له كاره، والله ما رأيت كهذا الحي من قريش، كأن قلوبهم أقفلت بأقفال الحديد، وأنا صائر إلى ما سألتم، قال معبد: فخرجت فلقيت أبا موسى الأشعري، فقلت له: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت من صالحي أصحابه، واستعملك، وقبض وهو عنك راض، وقد وليت أمر هذه الأمة، فانظر ما أنت صانع، فقال: يا معبد غدا ندعو الناس إلى رجل لا يختلف فيه اثنان، فقلت في نفسي: أما هذا فقد عزل صاحبه، فطمعت في عمرو بن العاص، فخرجت فلقيته وهو راكب بغلته يريد المسجد، فأخذت بعنانه،

ص: 1006

فسلمت عليه فقلت: يا أبا عبد الله، إنك قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت من صالحي أصحابه، قال: بحمد الله. قلت: واستعملك، وقبض راضيا عنك. قال: بمن الله. ثم نظر إلي شزرا، فقلت: قد وليت أمر هذه الأمة، فانظر ما أنت صانع، فنزع عنانه من يدي، ثم قال: إيها تيس جهينة، ما أنت وهذا؟ لست من أهل السر ولا العلانية، والله ما ينفعك الحق ولا يضرك الباطل، فأنشأ معبد يقول:

إني لقيت أبا موسى فأخبرني بما أردت وعمرو ضن بالخبر شتان بين أبي موسى وصاحبه عمرو لعمرك عند الفضل والخطر هذا له غفلة أبدت سريرته وذاك ذو حذر كالحية الذكر قال أبو إسحاق الجوزجاني: كان قوم يتكلمون في القدر احتمل الناس حديثهم لما عرفوا من اجتهادهم في الدين والصدق والأمانة، لم يتوهم عليهم الكذب، وإن بلوا بسوء رأيهم، فمنهم: قتادة، ومعبد الجهني، وهو رأسهم.

وقال محمد بن شعيب: سمعت الأوزاعي يقول: أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق، يقال له سوسن، كان نصرانيا فأسلم، ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان عن معبد.

وقال محمد بن حمير: حدثنا محمد بن زياد الألهاني قال: كنا في المسجد، إذ مر بمعبد الجهني إلى عبد الملك، فقال الناس: إن هذا لهو البلاء، فسمعت خالد بن معدان يقول: إن البلاء كل البلاء إذا كانت الأئمة منهم.

وقال مرحوم العطار: حدثني أبي وعمي، قالا: سمعنا الحسن يقول: إياكم ومعبدا الجهني، فإنه ضال مضل.

وقال جرير بن حازم، عن يونس بن عبيد، قال: أدركت الحسن وهو يعيب قول معبد، يقول: هو ضال مضل، قال: ثم تلطف له معبد، فألقى في نفسه ما ألقى.

ص: 1007

وعن مسلم بن يسار قال: إن معبدا يقول بقول النصارى.

وقال عمرو بن دينار: قال لنا طاوس: احذروا معبدا الجهني فإنه كان قدريا.

وقال جعفر بن سليمان: حدثنا مالك بن دينار، قال: لقيت معبدا الجهني بمكة بعد فتنة ابن الأشعث وهو جريح، وقد قاتل الحجاج في المواطن كلها، فقال: لقيت الفقهاء والناس، لم أر مثل الحسن، يا ليتنا أطعناه، كأنه نادم على قتال الحجاج.

وقال ضمرة بن ربيعة، عن صدقة بن يزيد قال: كان الحجاج يعذب معبدا الجهني بأصناف العذاب، ولا يجزع ولا يستغيث، قال: فكان إذا ترك من العذاب يرى الذبابة مقبلة تقع عليه، فيصيح ويضج، فيقال له فيقول: إن هذا من عذاب بني آدم، فأنا أصبر عليه، وأما الذباب فمن عذاب الله، فلست أصبر عليه، فقتله.

قلت: وعذاب بني آدم من عذاب الله، لأنه تعالى هو الذي سلط عليه الحجاج، وأما القدرية فلا يعتقدون أن الله أراد ذلك ولا قدره.

وقال سعيد بن عفير: في سنة ثمانين صلب عبد الملك معبدا الجهني بدمشق.

وقال خليفة: مات قبل التسعين.

144 -

ع:‌

‌ المعرور بن سويد أبو أمية الأسدي الكوفي

.

عن ابن مسعود، وأبي ذر، وغيرهما.

وعنه واصل الأحدب، وسالم بن أبي الجعد، وعاصم بن بهدلة، والأعمش، ومغيرة اليشكري.

وثقه ابن معين.

وقال أبو حاتم: قال الأعمش: رأيته وهو ابن عشرين ومائة سنة، أسود الرأس واللحية.

ص: 1008

145 – خ 4:‌

‌ المقدام بن معدي كرب بن عمرو بن يزيد الكندي

، أبو كريمة على الصحيح، وقيل: أبو يزيد، وقيل: أبو صالح، ويقال: أبو بشر، ويقال أبو يحيى، نزيل حمص، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. له عدة أحاديث.

روى عنه جبير بن نفير، والشعبي، وخالد بن معدان، وشريح بن عبيد، وأبو عامر الهوزني، والحسن، ويحيى ابنا جابر، وعبد الرحمن بن أبي عوف، وسليم بن عامر، ومحمد بن زياد الألهاني، وجماعة، وابنه يحيى، وحفيده صالح بن يحيى.

روى أبو مسهر، وغيره، عن يزيد بن سنان، عن أبي يحيى الكلاعي قال: أتيت المقدام في المسجد، فقلت: يا أبا يزيد، إن الناس يزعمون أنك لم تر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: سبحان الله، والله لقد رأيته وأنا أمشي مع عمي، فأخذ بأذني هذه، وقال لعمي: أترى هذا، يذكر أباه وأمه؟

وقال محمد بن حرب الأبرش: حدثنا سليمان بن سليم، عن صالح بن يحيى بن المقدام، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلحت يا قديم إن مت ولم تكن أميرا ولا جابيا ولا عريفا.

قال خليفة والفلاس، وأبو عبيد: مات سنة سبع وثمانين، زاد الفلاس: وهو ابن إحدى وتسعين سنة.

وقال غيره: قبره بحمص.

وقال علي بن عبد الله التميمي: مات سنة ثمان وثمانين.

قلت: وحديثه في صحيح البخاري في البيوع.

ص: 1009

146 -

د ت ن:‌

‌ المهلب بن أبي صفرة

ظالم بن سارق بن صبح بن كندي بن عمرو، الأمير أبو سعيد الأزدي العتكي.

أحد أشراف أهل البصرة، ووجوههم، وفرسانهم، وأبطالهم، ودهاتهم، وأجوادهم.

قيل: ولد عام الفتح في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وغزا في خلافة عمر.

قلت: أحسب هذا الكلام في حق أبيه.

وروى عن سمرة بن جندب، والبراء، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وغيرهم.

روى عنه سماك بن حرب، وأبو إسحاق السبيعي، وعمر بن سيف، وآخرون.

الثوري، عن أبي إسحاق، عن المهلب بن أبي صفرة قال: حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن بيتم الليلة فليكن شعاركم: حم لا ينصرون.

وقال ابن سعد: كان أبو صفرة من أزد دباء فيما بين عمان والبحرين، ارتد قومه، فقاتلهم عكرمة بن أبي جهل، وظفر بهم، فبعث بذراريهم إلى الصديق، فيهم أبو صفرة غلام لم يبلغ، ثم نزل البصرة في إمرة عمر.

وقال ابن عون: كان المهلب يمر بنا ونحن في الكتاب رجل جميل.

وقال خليفة: في سنة أربع وأربعين غزا المهلب أرض الهند،

ص: 1010

وولي الجزيرة لابن الزبير سنة ثمان وستين، وولي حرب الخوارج كما ذكرنا، ثم ولي خراسان.

وقد ورد من غير وجه أن الحجاج بالغ في إكرام المهلب لما رجع من حرب الأزارقة، فإنه بدع فيهم وأبادهم، وقتل منهم في وقعة واحدة أربعة آلاف وثمانمائة.

قال حماد بن زيد، عن جرير بن حازم، عن الحسن بن عمارة، عن أبي إسحاق، قال: ما رأيت أميرا قط أفضل من المهلب بن أبي صفرة، ولا أسخى، ولا أشجع لقاء، ولا أبعد مما تكره، ولا أقرب مما تحب.

وقال محمد بن سلام الجمحي: كان بالبصرة أربعة، كل رجل منهم في زمانه لا يعلم في الأنصار مثله: الأحنف في حلمه وعفافه ومنزلته من علي عليه السلام، والحسن في زهده وفصاحته وسخائه ومحله من القلوب، والمهلب بن أبي صفرة، فذكر أمره، وسوار بن عبد الله القاضي في عفافه وتحريه للحق.

وعن المهلب قال: يعجبني في الرجل خصلتان: أن أرى عقله زائدا على لسانه، ولا أرى لسانه زائدا على عقله.

وقال قتادة: سمعت المهلب بن أبي صفرة - وكان عاقلا - يقول: نعم الخصلة السخاء تسد عورة الشريف، وتمحق خسيسة الوضيع، وتحبب المزهو.

وقال روح بن قبيصة، عن أبيه، قال المهلب: ما شيء أبقى للملك من العفو، وخير مناقب الملك العفو.

قال خليفة، وأبو عبيد: مات المهلب سنة اثنتين وثمانين.

وقال آخر: توفي غازيا بمرو الروذ في ذي الحجة.

وقال خالد بن خداش: حدثني ابن أبي عبيد، قال: توفي المهلب في

ص: 1011

ذي الحجة سنة ثلاث، وله ست وسبعون سنة، وولي بعده ابنه يزيد خراسان.

147 -

د ن:‌

‌ ميسرة أبو صالح الكوفي

.

شهد قتال الحرورية مع علي، وسمع منه ومن غيره. روى عنه سلمة بن كهيل، وهلال بن خباب، وعطاء بن السائب.

148 -

د ن ق:‌

‌ ميسرة الطهوي أبو جميلة الكوفي

، صاحب راية علي.

روى عن علي، وعثمان.

وعنه ابنه عبد الله، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وعطاء بن السائب، وحصين بن عبد الرحمن.

149 – 4:‌

‌ ميمون بن أبي شبيب أبو نصر الربعي الكوفي

.

روى عن علي، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود، وعائشة، وغيرهم.

روى عنه الحكم بن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور بن زاذان.

كان تاجرا خيرا فاضلا. وله ذكر في مقدمة صحيح مسلم.

توفي سنة ثلاث وثمانين.

150 -

د ت ن:‌

‌ ناجية بن كعب الأسدي الكوفي

.

عن علي، وعمار، وابن مسعود.

وعنه أبو إسحاق، ويونس بن أبي إسحاق، وأبو حسان الأعرج، ووائل بن داود.

قال أبو حاتم: شيخ.

وقال ابن المديني: إنما هو ناجية بن خفاف.

ص: 1012

151 -

م د ن ق:‌

‌ نصر بن عاصم الليثي البصري

صاحب العربية.

يقال: إنه أول من وضع العربية. حكاه أبو داود السجستاني، وغيره.

وحدث عن مالك بن الحويرث، وأبي بكرة الثقفي، وغيرهما.

روى عنه حميد بن هلال، وقتادة، والزهري، وعمرو بن دينار، ومالك بن دينار الزاهد.

ووثقه النسائي.

وقال أبو داود: كان من الخوارج.

وقال الداني: قرأ القرآن على أبي الأسود.

قرأ عليه: عبد الله بن أبي إسحاق، وأبو عمرو بن العلاء.

152 -

‌ نوف بن فضالة البكالي الشامي ابن امرأة كعب الأحبار

.

روى عن علي، وأبي أيوب الأنصاري، وكعب.

وعنه يحيى بن أبي كثير، ونسير بن ذعلوق، وآخرون. كان يقص.

153 -

د:‌

‌ نوفل بن مساحق بن عبد الله القرشي العامري الحجازي

.

روى عن عمر، وعثمان بن حنيف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.

روى عنه ابنه عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وصالح بن كيسان، وغيرهم.

وكان على صدقات المدينة، وكان أحد الفقهاء، ولي القضاء سنة ست وثمانين.

وتوفي بعد ذلك، وله بدمشق دار، وكان أحد الأشراف الأجواد.

154 -

د ن:‌

‌ الهرماس بن زياد أبو حدير الباهلي

.

رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بمنى على ناقته.

روى عنه حنبل بن عبد الله،

ص: 1013

وعكرمة بن عمار.

155 -

خ 4:‌

‌ هزيل بن شرحبيل الأودي الكوفي

.

روى عن علي، وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وأبي موسى.

روى عنه الشعبي، وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان، وطلحة بن مصرف، وأبو إسحاق السبيعي.

156 -

‌ هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة

، أبو الوليد المخزومي المدني.

حمو عبد الملك بن مروان وأميره على المدينة، وهو الذي ضرب سعيد بن المسيب لما امتنع من البيعة بولاية العهد للوليد وسليمان، ورأى أن ذلك لا يجوز، وقال: أنظر ما يصنع الناس، فضربه هشام ستين سوطا، وطوف به وسجنه، فبعث عبد الملك إلى هشام يعنفه ويلومه.

قال أبو المقدام: مروا علينا بسعيد بن المسيب، ونحن في الكتاب، وقد ضرب مائة سوط، وعليه تبان شعر، وأوهموه أنهم يصلبونه.

وقد أرسل هشام عن النبي صلى الله عليه وسلم.

روى عنه محمد بن إبراهيم التيمي، ومحمد بن يحيى بن حسان، وقدم دمشق.

وقيل: هو أول من أحدث دراسة القرآن في جامع دمشق في السبع.

وهو جد هشام بن عبد الملك لأمه، ولما ولي الوليد عزله عن المدينة بعمر بن عبد العزيز.

وقال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن سالم مولى أبي جعفر، قال: كان هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن الحسين وأهل بيته، يخطب بذلك على المنبر، وينال من علي، فلما ولي الوليد عزله، وأمر بأن يوقف

ص: 1014

للناس، فقال سعيد بن المسيب لولده محمد: لا تؤذه فإني أدعه لله وللرحم، ومر عليه علي بن الحسين، فسلم عليه، فقال هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالاته. وقد كان سليمان بن عبد الملك شفع فيه إلى الوليد حتى خلاه وعفا عنه.

قلت: توفي سنة ثمان وثمانين.

157 -

ع:‌

‌ واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر الليثي

، وقيل: ابن الأسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل، أبو الخطاب، ويقال: أبو الأسقع، ويقال: أبو شداد.

أسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى تبوك، فشهدها معه، وكان من فقراء أهل الصفة.

له أحاديث، وروى أيضا عن أبي مرثد الغنوي، وأبي هريرة.

روى عنه مكحول، وربيعة بن يزيد، وشداد أبو عمار، وبسر بن عبيد الله، وعبد الواحد النصري، ويونس بن ميسرة، وإبراهيم بن أبي عبلة وآخرون، آخرهم وفاة معروف الخياط شيخ دحيم، وغيره.

وشهد فتح دمشق، وسكنها، ومسجده معروف بدمشق إلى جانب حبس باب الصغير، وداره إلى جانب دار ابن البقال.

قال أبو حاتم الرازي، وجماعة: حدثنا سليم بن منصور بن عمار، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا معروف أبو الخطاب الدمشقي قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت، فقال: اغتسل بماء وسدر.

وقال هشام بن عمار، حدثنا معروف الخياط، قال: رأيت واثلة يملي

ص: 1015

على الناس الأحاديث وهم يكتبونها بين يديه، ورأيته يخضب بالصفرة، ويعتم بعمامة سوداء يرخي لها من خلفه قدر شبر، ويركب حمارا.

وقال الأوزاعي: حدثنا أبو عمار، رجل منا قال: حدثني واثلة بن الأسقع، قال: جئت أريد عليا فلم أجده، فقالت فاطمة: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه، فاجلس، قال: فجاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلا، ودخلت معهما، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم حسنا وحسينا، وأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه فقال:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} اللهم هؤلاء أهلي، فقلت: يا رسول الله، وأنا من أهلك؟ قال: وأنت من أهلي، قال واثلة: إنها لمن أرجى ما أرجو.

قال أبو حاتم الرازي: سكن واثلة البلاط خارجا من دمشق على ثلاثة فراسخ، القرية التي كان يسكن فيها يسرة بن صفوان؛ ثم تحول ونزل بيت المقدس وبها مات.

قلت: إنما هي على فرسخ واحد من دمشق.

قال إسماعيل بن عياش، وابن معين، والبخاري: توفي سنة ثلاث وثمانين.

وقال أبو مسهر، وعلي بن عبد الله التميمي، ويحيى بن بكير، وأبو عمر الضرير، وغيرهم: توفي سنة خمس وثمانين، وله ثمان وتسعون سنة.

وقال سعيد بن بشير: كان آخر الصحابة موتا بدمشق واثلة بن الأسقع.

ص: 1016

158 -

ع:‌

‌ وراد، كاتب المغيرة بن شعبة ومولاه

.

روى عنه، وعن معاوية وهو قليل الحديث.

روى عنه الشعبي، ورجاء بن حيوة، والقاسم بن مخيمرة، وعبدة بن أبي لبابة، والمسيب بن رافع.

159 -

د:‌

‌ وفاء بن شريح الحضرمي

مصري.

عن المستورد بن شداد، ورويفع بن ثابت، وسهل بن سعد.

وعنه زياد بن نعيم، وبكر بن سوادة، وغيرهما.

160 -

ع سوى د:‌

‌ الوليد بن عبادة بن الصامت أبو عبادة الأنصاري

.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن أبيه فقط.

روى عنه سليمان بن حبيب المحاربي، ويزيد بن أبي حبيب، والأعمش، وابنه عبادة بن الوليد.

161 -

د ن ق:‌

‌ يحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومي

.

سمع جدته أم هانئ بنت أبي طالب، وأبا هريرة، وزيد بن أرقم.

روى عنه مجاهد، وأبو الزبير، وعمرو بن دينار، وحبيب بن أبي ثابت.

وثقه أبو حاتم الرازي.

162 -

م 4:‌

‌ يحيى بن الجزار العرني الكوفي

، من غلاة الشيعة.

روى عن علي بن أبي طالب، وعائشة، وابن عباس، وجماعة.

روى عنه حبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتيبة، وعمرو بن مرة، والحسن العرني.

ص: 1017

وثقه أبو حاتم، وغيره.

163 -

د:‌

‌ يزيد بن خمير اليزني لا الرحبي

، وكلاهما حمصي، وهذا الكبير، وذاك من طبقة قتادة.

روى عن أبي الدرداء، وعوف بن مالك، وكعب الأحبار.

روى عنه بسر بن عبيد الله الحضرمي، وشريح بن عبيد، وشبيب بن نعيم، وفضيل بن فضالة الحمصيون.

164 -

م ق:‌

‌ يزيد بن رباح أبو فراس الرومي

.

كان رباح مولى لعبد الله بن عمرو بن العاص.

روى عن عبد الله بن عمرو، وأم سلمة، وابن عمر.

روى عنه أهل مصر بكر بن سوادة، ويزيد بن أبي حبيب، وجعفر بن ربيعة.

توفي سنة تسعين.

165 -

خ م ن:‌

‌ يسير بن جابر

، هو يسير بن عمرو بن جابر، أبو الخيار العبدي البصري.

توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله عشر سنين، فيقال: إنه رآه. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم والظاهر أن ذلك مرسل. وروى عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وسهل بن حنيف.

روى عنه زرارة بن أوفى، ومحمد بن سيرين، وأبو نضرة العبدي، وأبو عمران الجوني، وأبو إسحاق الشيباني وغيرهم.

وأبو نضرة يسميه: أسير بن جابر.

وهو راوي حديث أويس القرني الذي في صحيح مسلم.

توفي سنة خمس وثمانين، وسنه خمس وثمانون سنة.

وحديثه عن

ص: 1018

سهل متفق عليه.

166 -

‌ يونس بن عطية الحضرمي

، قاضي مصر وصاحب الشرطة.

توفي سنة سبع وثمانين، وولي بعده القضاء ابن أخيه أوس بن عبد الله بن عطية، ثم عزل.

167 -

ن:‌

‌ أبو الأبيض العنسي الشامي

.

حدث عن حذيفة بن اليمان، وأنس بن مالك.

روى عنه ربعي بن حراش، ويمان بن المغيرة، وإبراهيم بن أبي عبلة، وغيرهم.

ويقال: اسمه عيسى.

قال يمان بن المغيرة: حدثنا أبو الأبيض قال: قال لي حذيفة: أقر أيامي لعيني يوم أرجع إلى أهلي فيشكون الحاجة.

وقال علي بن أبي حملة: لم يكن أحد بالشام يستطيع أن يعيب الحجاج علانية إلا ابن محيريز، وأبو الأبيض العنسي، فقال الوليد لأبي الأبيض: لتنتهين أو لأبعثن بك إليه.

وقال الوليد بن مسلم: قتل في غزوة طوانة سنة ثمان وثمانين جماعة منهم أبو الأبيض العنسي.

168 -

م 4:‌

‌ أبو الأحوص عوف بن مالك بن نضلة الجشمي الكوفي

.

روى عن ابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وأبي مسعود البدري، وأبيه مالك.

روى عنه مسروق مع تقدمه، والحكم بن عتيبة، وعلي بن الأقمر، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وعبد الله بن مرة، وآخرون.

وثقه ابن معين، وغيره.

ص: 1019

قتله الخوارج.

169 -

‌ أبو الأحوص

، عن أبي ذر. وعنه: الزهري. مجهول.

* أبو إدريس قد تقدم.

* أبو أيوب الحميري، هو بشير بن كعب. قد ذكر.

170 -

ع سوى ت:‌

‌ أبو أيوب الأزدي العتكي البصري

، ويقال: اسمه يحيى بن مالك. وقيل: حبيب بن مالك.

روى عن أم المؤمنين جويرية، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وسمرة بن جندب، وابن عباس.

روى عنه أبو عمران الجوني، وقتادة، وثابت البناني، وغيرهم.

ويقال له: المراغي، فقيل: هو نسبة إلى قبيلة من الأزد، وقيل: هو موضع بناحية عمان.

171 -

ع:‌

‌ أبو أمامة الباهلي

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزيل حمص، اسمه صدي بن عجلان بن وهب بن عريب من أعصر بن سعد بن قيس عيلان.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وأبي عبيدة، ومعاذ، وغيرهم.

روى عنه خالد بن معدان، وسالم بن أبي الجعد، وسليم بن عامر، وشرحبيل بن مسلم، ومحمد بن زياد الألهاني، وأبو غالب حزور، ورجاء بن حيوة، والقاسم أبو عبد الرحمن، وطائفة.

توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ثلاثون سنة. وروي أنه ممن بايع تحت الشجرة.

وقال محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة، قال: أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني غزوا - فأتيته فقلت: ادع الله لي

ص: 1020

بالشهادة، فقال: اللهم سلمهم وغنمهم فسلمنا وغنمنا، وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: عليك بالصوم فإنه لا مثل له فكان أبو أمامة وامرأته وخادمه لا يلفون إلا صياما.

وقال أبو غالب، عن أبي أمامة، قال: أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم إلى باهلة، فأتيتهم وهم على طعام لهم، فرحبوا بي وأكرموني، وقالوا: كل، فقلت: جئت لأنهاكم عن هذا الطعام، وأنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤمنوا به، فكذبوني وردوني، فانطلقت من عندهم وأنا جائع ظمآن، قد نزل بي جهد شديد، فنمت فأتيت في منامي بشربة من لبن، فشربت فشبعت ورويت فعظم بطني، فقال القوم: رجل من أشرافكم وخياركم رددتموه، اذهبوا إليه فأطعموه، فأتوني بطعامهم وشرابهم، فقلت: لا حاجة لي في طعامكم وشرابكم، فإن الله قد أطعمني وسقاني، فنظروا إلى حالتي التي أنا عليها، فآمنوا بي وبما جئتهم به من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، ويونس بن محمد المؤدب، عن صدقة بن هرمز، كلاهما عن أبي غالب.

وقال إسماعيل بن عياش: حدثني محمد بن زياد، قال: رأيت أبا أمامة أتى على رجل ساجد يبكي ويدعو، فقال: أنت أنت، لو كان هذا في بيتك.

وقال يحيى الوحاظي: حدثنا يزيد بن زياد القرشي قال: حدثنا سليمان بن حبيب، قال: دخلت على أبي أمامة مع مكحول، وابن أبي زكريا، فنظر إلى أسيافنا، فرأى فيها شيئا من وضح، فقال: إن المدائن والأمصار فتحت بسيوف ما فيها الذهب ولا الفضة، فقلنا: إنه أقل من ذلك، فقال: هو ذاك، أما إن أهل الجاهلية كانوا أسمح منكم، كانوا لا يرجون على

ص: 1021

الحسنة عشر أمثالها، وأنتم ترجون ذلك ولا تفعلونه، فقال مكحول لما خرجنا: لقد دخلنا على شيخ مجتمع العقل.

وقال سليم بن عامر: كنا نجلس إلى أبي أمامة، فيحدثنا حديثا كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: اعقلوا وبلغوا عنا ما تسمعون.

وقال الوليد بن مسلم: حدثنا ابن جابر، عن مولاة لأبي أمامة، قالت: كان أبو أمامة يحب الصدقة، ولا يقف به سائل إلا أعطاه، فأصبحنا يوما وليس عندنا إلا ثلاثة دنانير، فوقف به سائل، فأعطاه دينارا، ثم آخر فكذلك، ثم آخر فكذلك، قلت: لم يبق لنا شيء، ثم راح إلى مسجده صائما، فرققت له، واقترضت له ثمن عشاء، وأصلحت فراشه، فإذا تحت المرفقة ثلاثمائة دينار، فلما دخل ورأى ما هيأت له حمد الله وتبسم وقال: هذا خير من غيره، ثم تعشى، فقلت: يغفر الله لك جئت بما جئت به، ثم تركته بموضع مضيعة، قال: وما ذاك؟ قلت: الذهب. ورفعت المرفقة، ففزع لما رأى تحتها وقال: ما هذا ويحك! قلت: لا علم لي. فكثر فزعه.

وقال معاوية بن صالح، عن الحسن بن جابر قال: سألت أبا أمامة عن كتابة العلم، فلم ير به بأسا.

وقال إسماعيل بن عياش: حدثنا عبد الله بن محمد، عن يحيى بن أبي كثير، عن سعيد الأزدي، ورواه عتبة بن السكن الفزاري، عن أبي زكريا، عن حماد بن زيد، عن سعيد، واللفظ لإسماعيل قال: شهدت أبا أمامة وهو في النزع، فقال لي: يا سعيد إذا أنا مت فافعلوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لنا: إذا مات أحدكم فنثرتم عليه التراب فليقم رجل منكم عند رأسه، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمع، ولكنه لا يجيب، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي جالسا، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، ثم ليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربا، وبمحمد نبيا، وبالإسلام دينا، فإنه إذا فعل ذلك أخذ منكر ونكير أحدهما بيد صاحبه ثم يقول له: اخرج بنا من عند هذا، ما نصنع به وقد

ص: 1022

لقن حجته.

قال المدائني، وخليفة وجماعة: توفي سنة ست وثمانين.

وشذ إسماعيل بن عياش، فقال: توفي سنة إحدى وثمانين.

172 -

د ت ق:‌

‌ أبو أمية الشعباني الدمشقي

.

قال أبو مسهر، وجماعة: اسمه يحمد.

روى عن معاذ، وكعب الخير، وأبي ثعلبة الخشني.

وعنه عمرو بن جارية اللخمي، وعبد السلام بن مكلبة، وعبد الملك بن سفيان الثقفي. أدرك الجاهلية.

173 -

4:‌

‌ أبو بحرية التراغمي الحمصي

، اسمه عبد الله بن قيس.

شهد خطبة الجابية، وحدث عن معاذ، وأبي هريرة، ومالك بن يسار.

روى عنه خالد بن معدان، وضمرة بن حبيب، ويزيد بن قطيب، ويونس بن ميسرة، وأبو بكر بن أبي مريم وغيرهم.

أدرك الجاهلية ووثقه ابن معين وغيره، وفي لقي ابن أبي مريم له نظر.

قال بقية: حدثني أبو بكر بن أبي مريم، عن يحيى بن جابر، عن أبي بحرية، قال: إذا رأيتموني التفت في الصف فاوجئوا في لحيي حتى أستوي.

وحكى عبد الله القطربلي عن الواقدي أن عثمان كتب إلى معاوية

ص: 1023

أن أغز الصائفة رجلا مأمونا على المسلمين، رفيقا بسياستهم، فعقد لأبي بحرية عبد الله بن قيس الكندي، وكان فقيها ناسكا يحمل عنه الحديث، وكان عثماني الهوى حتى مات في زمن الوليد، وكان معاوية وخلفاء بني أمية تعظمه.

174 -

ع:‌

‌ أبو البختري الطائي مولاهم

، الكوفي الفقيه العابد، اسمه سعيد بن فيروز.

روى عن علي، وابن مسعود، وروايته عنهما مرسلة، وسمع ابن عباس، وأبا برزة الأسلمى، وابن عمر، وأبا سعيد.

روى عنه عمرو بن مرة، وعطاء بن السائب، ويونس بن خباب، ويزيد بن أبي زياد.

وثقه ابن معين وغيره.

وكان مقدم القراء مع ابن الأشعث، فقتل في وقعة الجماجم، وكان نبيلا جليلا.

قال حبيب بن أبي ثابت: اجتمعت أنا وسعيد بن جبير، وأبو البختري، فكان أبو البختري أعلمنا وأفقهنا رحمه الله.

175 -

ع:‌

‌ أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي البصري

.

روى عن عائشة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو.

روى عنه أبو الأشهب العطاردي، وعمرو بن مالك النكري، وبديل بن ميسرة وجماعة.

يقال: قتل في وقعة الجماجم. وكان قويا.

روى نوح بن قيس، عن سليمان الربعي، قال: كان أبو الجوزاء يواصل في الصوم سبعة أيام، ويقبض على ذراع الشاب فيكاد يحطمها، رحمه الله.

ص: 1024

176 -

م د ت ن: أبو حذيفة، واسمه سلمة بن صهيبة، أو صهيب الهمداني الكوفي.

عن: علي، وحذيفة، وابن مسعود، وعائشة.

وعنه: خيثمة بن عبد الرحمن، وأبو إسحاق السبيعي، وعلي بن الأقمر.

177 -

ع:‌

‌ أم الدرداء الصغرى هجيمة

، وقيل: جهيمة الأوصابية الحميرية.

روت عن: زوجها أبي الدرداء، وقرأت عليه القرآن، وسلمان الفارسي، وكعب بن عاصم الأشعري، وعائشة، وأبي هريرة.

وكانت فاضلة عالمة زاهدة، كبيرة القدر.

روى عنها: جبير بن نفير، وأبو قلابة، ورجاء بن حيوة، وسالم بن أبي الجعد، ويونس بن ميسرة، ومكحول، وعطاء الكيخاراني، وإسماعيل بن عبيد الله، وزيد بن أسلم، وأبو حازم سلمة بن دينار، وإبراهيم بن أبي عبلة، وعثمان بن حيان الدمشقي.

قال أبو مسهر: أم الدرداء هجيمة بنت حيي الوصابية، وأم الدرداء الكبرى خيرة بنت أبي حدرد صحابية.

وجاء عن سعيد بن عبد العزيز: هجيمة، وجهيمة.

وقال محمد بن سليمان بن أبي الدرداء: اسم أم الدرداء الفقيهة التي مات عنها أبو الدرداء وخطبها معاوية هجيمة بنت حيي الأوصابية.

وقال ابن جابر، وابن أبي العاتكة: كانت أم الدرداء يتيمة في حجر أبي الدرداء، تختلف معه في برنسٍ، تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حلق القراء تعلم القرآن، حتى قال لها أبو الدرداء يوما: الحقي بصفوف النساء.

وقال عبد الله بن صالح: حدثنا معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أم الدرداء، أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسك في الآخرة، قال: فلا تنكحين بعدي، فخطبها معاوية، فأخبرته بالذي كان، فقال: عليك بالصيام.

ص: 1025

رواه فرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أم الدرداء، وزاد فيه: وكان لها جمالٌ وحسن.

وقال عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه، عن أم الدرداء، قالت: قال لي أبو الدرداء: لا تسألي أحدا شيئا، فقلت: إن احتجت؟ قال: تتبعي الحصادين فانظري ما يسقط منهم، فخذيه فاخبطيه، ثم اطحنيه وكليه.

قال مكحول: كانت أم الدرداء فقيهة.

وروى المسعودي، عن عون بن عبد الله، قال: كنا نأتي أم الدرداء، فنذكر الله عندها.

وقال يونس بن ميسرة: كن النساء يتعبدن مع أم الدرداء، فإذا ضعفن عن القيام في صلاتهن تعلقن بالحبال.

وقال عيسى بن يونس، عن ابن جابر، عن عثمان بن حيان، قال: سمعت أم الدرداء تقول: إن أحدهم يقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن الله لا يمطر عليه دينارا ولا درهما، وإنما يرزق بعضهم من بعض، فمن أعطي شيئا فليقبل، فإن كان عنه غنيا فليضعه في ذي الحاجة، وإن كان فقيرا فليستعن به.

وقال إسماعيل بن عبيد الله: كان عبد الملك بن مروان جالسا في صخرة بيت المقدس، وأم الدرداء معه جالسةٌ، حتى إذا نودي للمغرب قام، وقامت تتوكأ على عبد الملك حتى يدخل بها المسجد فتجلس مع النساء، ومضى عبد الملك إلى المقام فصلى بالناس.

قال إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، عن أبيه، عن جده قال: كان عبد الملك كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق.

وعن عبد ربه بن سليمان، قال: حجت أم الدرداء سنة إحدى وثمانين.

كانت لأم الدرداء حرمةٌ وجلالةٌ عجيبة.

ص: 1026

187 -

م د ن:‌

‌ أبو سالم الجيشاني

حليف لهم، اسمه سفيان بن هانئ المصري.

شهد فتح مصر، ووفد على علي رضي الله عنه، وكان مصريا علويا، وهذا نادر، فإن أكثرهم عثمانيون.

روى عن: أبي ذر، وعلي، وزيد بن خالد الجهني، وغيرهم.

وعنه: ابنه سالم، وبكر بن سوادة، ويزيد بن أبي حبيب، وعبيد الله بن أبي جعفر، وحفيده سعيد بن سالم بن أبي سالم، وآخرون.

وتوفي بالإسكندرية في خلافة عبد الملك.

179 -

د ت ق:‌

‌ أبو راشد الحبراني الحمصي

، قيل: اسمه أخضر، وقيل: النعمان.

روى عن: علي، وعبادة بن الصامت، وكعب الأحبار.

وغزا مع أبي الدرداء، وشهد غزوة قبرس.

روى عنه: شريح بن عبيد، ومحمد بن زياد الألهاني، ولقمان بن عامر، والزبيدي، وغيرهم.

قال أحمد العجلي: تابعي ثقة، لم يكن في دمشق في زمانه أفضل منه.

وقال صفوان بن عمرو: رأيت أبا راشد الحبراني يصفر لحيته.

قلت: ويحتمل أنه بقي بعد هذه الطبقة.

180 -

ع:‌

‌ أبو الشعثاء المحاربي الكوفي

، سليم بن أسود.

روى عن: حذيفة، وأبي ذر، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي موسى، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عمر، وجماعة.

روى عنه: ابنه الأشعث، وأبو صخرة جامع بن شداد، وإبراهيم بن مهاجر، وحبيب بن أبي ثابت.

قال أبو حاتم الرازي: لا يسأل عن مثله.

وقال غيره: قتل يوم الزاوية مع ابن الأشعث.

ص: 1027

وقال الواقدي: شهد مع علي كل شيء.

181 -

ق:‌

‌ أبو صادق الأزدي الكوفي

.

عن: أخيه ربيعة بن ناجذ وغيره، وأرسل عن علي، وأبي هريرة.

وعنه: سلمة بن كهيل، والحارث بن حصيرة، وشعيب بن الحبحاب، والقاسم بن الوليد الهمداني، وجماعة.

قال النسائي: اسمه عبد الله بن ناجذ.

182 -

م د ن:‌

‌ أبو صالح الحنفي الكوفي

، اسمه عبد الرحمن بن قيس.

روى عن: علي، وابن مسعود، وأبي هريرة، وغيرهم.

روى عنه: بيان بن بشر، وسعيد بن مسروق الثوري، وأبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي، وإسماعيل بن أبي خالد.

وثقه يحيى بن معين.

روى أحاديث يسيرة.

183 -

ع: أبو ظبيان، هو حصين بن جندب بن عمرو الجنبي الكوفي، والد قابوس.

روى عن: عمر، وعلي، وحذيفة - إن صحت روايته عن هؤلاء -، وروى عن: أسامة بن زيد، وجرير بن عبد الله، وابن عباس، وغيرهم.

وثقه جماعة.

وروى عنه: ابنه قابوس، وحصين بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب، والأعمش، وآخرون.

توفي سنة تسعٍ وثمانين، وقيل: سنة تسعين.

ورد أنه غزا قسطنطينية مع يزيد.

ص: 1028

184 -

د ق:‌

‌ أبو ظبية السلفي

ثم الكلاعي الحمصي.

قال ابن منده: يقال فيه: أبو طبية - بطاء مهملة - وهذا وهم، فعلى الأول مسلم، والحسين القباني، وابن ماكولا، وآخرون.

شهد خطبة عمر بالجابية.

وروى عن: معاذ، وعمرو بن عبسة، والمقداد بن الأسود، وعمرو بن العاص.

روى عنه: شهر بن حوشب، وثابت البناني، وشريح بن عبيد، ومحمد بن سعد الأنصاري.

قال شمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، قال: دخلت المسجد، فإذا أبو أمامة جالسٌ، فجلست إليه، فجاء شيخ يقال له: أبو ظبية، من أفضل رجلٍ بالشام، إلا رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو زرعة: لا أعرف أحدا يسميه.

ووثقه ابن معين.

وقال الدارقطني: ليس به بأس.

185 -

ع:‌

‌ أبو العالية الرياحي

.

قال أبو قطن، عن أبي خلدة: إنه توفي يوم الاثنين في شوال سنة تسعين. وسيعاد في سنة ثلاثٍ وتسعين.

186 -

ع:‌

‌ أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود الهذلي

، أخو عبد الرحمن، يقال: اسمه عامر.

وكان من علماء الكوفة.

روى عن أبيه مرسلا، وعن أبي موسى، وكعب بن عجرة، وعائشة، وجماعة.

وعنه: إبراهيم النخعي، وسالم

ص: 1029

الأفطس، وسعد بن إبراهيم، وخصيف الجزري، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون.

توفي سنة إحدى وثمانين.

187 -

ع سوى ق:‌

‌ أبو عطية الوادعي الهمداني الكوفي

، مالك بن عامر، وقيل: ابن أبي عامر، وقيل: ابن حمرة، وقيل: اسمه عمرو بن جندب، وقيل غير ذلك.

عن: ابن مسعود، وعائشة، وأبي موسى، ومسروق.

وعنه: ابن سيرين، وأبو الشعثاء المحاربي، وعمارة بن عمير، وحصين، والأعمش، وآخرون.

188 -

ق:‌

‌ أبو عنبة الخولاني

.

له صحبة، وشهد اليرموك، وصحب معاذ بن جبل، وسكن حمص.

روى عنه: محمد بن زياد الألهاني، وأبو الزاهرية حدير، وبكر بن زرعة، وطلق بن سمير، وغيرهم.

قال ابن ماجه: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا الجراح بن مليح، قال: حدثنا بكر بن زرعة، قال: سمعت أبا عنبة الخولاني، وكان ممن صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل الدم في الجاهلية، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم لطاعته.

وقال ابن معين: قال أهل حمص: إنه من كبار التابعين، وأنكروا أن تكون له صحبة.

ص: 1030

وقال أحمد في مسنده: حدثنا سريج بن النعمان قال: حدثنا بقية، عن محمد بن زياد قال: حدثني أبو عنبة - قال سريج: وله صحبة - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبد خيرا عسله، قيل: وما عسله؟ قال: يفتح له عملا صالحا ثم يقبضه عليه.

وقال ابن سعد: له صحبة.

وقال أبو زرعة الدمشقي: أسلم أبو عنبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، وصحب معاذا. أخبرني بذلك حيوة، عن بقية، عن محمد بن زياد.

وقال الدارقطني: مختلفٌ في صحبته.

وقال إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم: قد رأيته وكان هو وأبو فالج الأنماري قد أكلا الدم في الجاهلية، ولم يصحبا النبي صلى الله عليه وسلم.

• - أبو فاختة هو سعيد بن علاقة. ذكر.

189 -

م د ن:‌

‌ أبو قتادة العدوي البصري

.

يقال: له صحبة، اسمه تميم بن نذير، ويقال: نذير بن قنفذ.

روى عن: عمر، وعمران بن حصين، وأسير بن جابر، وجماعة.

وعنه: أبو قلابة، وحميد بن هلال، وإسحاق بن سويد.

وثقه ابن معين.

190 -

خ د ت ن:‌

‌ أبو كبشة السلولي الدمشقي

.

روى عن: عبد الله بن عمرو، وسهل ابن الحنظلية.

روى عنه: حسان بن

ص: 1031

عطية، وأبو سلام الأسود، وربيعة بن يزيد.

قال أحمد العجلي: هو شامي ثقة.

قال الوليد بن مزيد البيروتي: حدثنا ابن جابر قال: حدثني ربيعة بن يزيد قال: قدم أبو كبشة دمشق في ولاية عبد الملك، فقال له عبد الله بن عامر: لعلك قدمت تسأل أمير المؤمنين شيئا؟ فقال: وأنا أسأل أحدا بعد الذي حدثني سهل ابن الحنظلية، قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم الأقرع وعيينة فسألاه، فدعا معاوية فأمره بشيءٍ، فانطلق فجاء بصحيفتين، فألقى إلى كل واحدٍ واحدة، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعته، فقال: إنه من يسأل عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم. فقلت: يا رسول الله، وما ظهر الغنى؟ قال: أن تعلم أن عند أهلك ما يغديهم أو يعشيهم، فأنا أسأل أحدا بعد هذا شيئا؟

191 -

‌ أبو كبشة السكوني

.

عن: حذيفة، وسعد بن أبي وقاص.

وعنه إياد بن لقيط، وغيره.

اسمه البراء بن قيس، قال ابن ماكولا في باب كبشة بالباء الموحدة والشين المعجمة: أبو كبشة البراء السكوني، من قال غير ذلك فقد صحف، ذكره البخاري ومسلم وغيرهما، فقالوا: أبو كبشة.

وأما عبد الغني المصري، فقال: أبو كيسة بالياء المثناة والسين المهملة.

ص: 1032

192 -

د ت ن:‌

‌ أبو كثير الزبيدي الكوفي

زهير بن الأقمر، وقيل: عبد الله بن مالك، وقيل: جمهان، وقيل: هما رجلان.

روى عن: علي، والحسن بن علي، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو.

وعنه عبد الله بن الحارث الزبيدي المؤدب.

وثقه النسائي.

193 -

ق:‌

‌ أبو الكنود الأزدي الكوفي

، عبد الله بن عامر، أو ابن عويمر، وقيل: عمرو بن حبشي، وقيل: عبد الله بن سعد.

عن: علي، وابن مسعود، وخباب.

وعنه: أبو سعد الأزدي القارئ، وأبو إسحاق السبيعي، وإسماعيل بن أبي خالد.

له حديث في سنن ابن ماجه.

194 -

د:‌

‌ أبو مريم الثقفي المدائني

، ويقال: الحنفي الكوفي، وكأنهما اثنان.

روى عن: علي، وأبي الدرداء، وعمار، وأبي موسى.

وعنه: نعيم، وعبد الملك ابنا حكيم المدائني.

قال أبو حاتم: اسمه قيس.

195 -

‌ أبو مريم الحنفي الكوفي

، إياس بن ضبيح، قاله ابن المديني.

روى عن: عمر، وعثمان.

وعنه ابنه عبد الله، ومحمد بن سيرين، والأعمش، وآخرون.

قال أبو أحمد الحاكم: هو أول من قضى بالبصرة، استعمله أبو موسى.

ص: 1033

196 -

ع:‌

‌ أبو معمر الأزدي عبد الله بن سخبرة

.

كان أحد العشرة المعدودين من أصحاب ابن مسعود بالكوفة.

روى عنه: الأعمش، ومجاهد، وعبد الكريم المعلم.

قال ابن معين: كوفي ثقة.

197 -

بخ د ن:‌

‌ أبو النجيب العامري

مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح المصري، ويقال: أبو تجيب - بالتاء - اسمه ظليم.

روى عن: ابن عمر، وأبي سعيد الخدري.

وعنه بكر بن سوادة.

قال عمرو بن سواد: توفي بإفريقية سنة ثمانٍ وثمانين، وكان فقيها.

آخر الطبقة التاسعة ولله الحمد والمنة.

ص: 1034

‌الطبقة العاشرة

91 - 100 هـ

ص: 1035

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحوادث)

‌سنة إحدى وتسعين

توفي فيها: سهل بن سعد، والسائب بن يزيد، والسائب بن خلاد الأنصاري، وأنس بن مالك، في قول حميد الطويل وغيره. وكذا في سهل والذي بعده خلاف.

وفيها محمد أمير اليمن أخو الحجاج بن يوسف، وعبد الأعلى بن خالد الفهمي المصري نائب قرة بن شريك على مصر.

وفيها سار قتيبة بن مسلم في جمع عظيم إلى مرو الروذ، فهرب مرزبانها، فصلب قتيبة ولديه، ثم سار إلى الطالقان، فلم يحاربه صاحبها، فكف قتيبة عنه، وقتل لصوصا كثيرة بها، واستعمل عليها عمرو بن مسلم، ثم سار إلى أن وصل الفارياب، فخرج إليه ملكها سامعا مطيعا، فاستعمل عليها عامر بن مالك، ثم دخل بلخ، وأقام بها يوما، فأقبل نيزك، فعسكر ببغلان، فاقتتل هو وقتيبة أياما، ثم أعمل قتيبة الحيل على نيزك، ووجه إليه من خدعه، حتى جاء برجليه إلى قتيبة من غير أمان، فجاء معتذرا إليه من خلعه، فتركه أياما ثم قتله، وقتل سبع مائة من أصحابه.

وفيها عزل الوليد عمه محمد بن مروان عن الجزيرة وأذربيجان، وولاها أخاه مسلمة بن عبد الملك، فغزا مسلمة في هذا العام إلى أن بلغ الباب من بحر أذربيجان، فافتتح مدائن وحصونا، ودان له من وراء الباب.

وفيها افتتح قتيبة أمير خراسان شومان، وكش، ونسف، وامتنع عليه أهل فرياب، فأحرقها، وجهز أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى السغد إلى طرخون ملك تلك الديار، فجرت له حروب ومواقف، وصالحه عبد الرحمن وأعطاه طرخون أموالا، وتقهقر إلى أخيه إلى بخارى، فانصرفوا حتى قدموا مرو، فقالت السغد لطرخون: إنك قد رضيت بالذل

ص: 1037

وأديت الجزية، وأنت شيخٌ كبير، فلا حاجة لنا فيك، ثم عزلوه وولوا عليهم غورك، فقتل طرخون نفسه، ثم إنهم عصوا ونقضوا العهد.

وفيها حج أمير المؤمنين الوليد.

ثم إنه كتب في هذه السنة أو بعدها إلى عمر بن عبد العزيز متولي المدينة أن يهدم بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ويوسع بها المسجد.

فعن عمران بن أبي أنس، قال: كان على أبوابها المسوح من الشعر، ذرعت الستر فوجدته ثلاثة أذرعٍ في ذراع، ولقد رأيتني في مجلسٍ فيه جماعة، وإنهم ليبكون حين قرئ الكتاب بهدمها، فقال أبو أمامة بن سهل: ليتها تركت حتى يقصر المسلمون عن البناء، ويرون ما رضي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ومفاتيح خزائن الدنيا بيده.

‌سنة اثنتين وتسعين

توفي فيها: مالك بن أوس بن الحدثان، وإبراهيم بن يزيد التيمي، وخبيب بن عبد الله بن الزبير، وطويس المغني صاحب الألحان.

وفيها ولي قضاء مصر عياض بن عبيد الله بن ناجذ.

وفيها افتتح محمد بن القاسم بن أبي عقيل الثقفي مدينة أرمائيل صلحا ومدينة قيربون.

وسار قتيبة بن مسلم إلى رتبيل فصالحه، وحج بالناس عمر بن عبد العزيز.

وافتتح إقليم الأندلس، وهي جزيرة عظيمة متصلة ببر القسطنطينية من جهة الشمال، والبحر الكبير من غربيها وقد خرج منه بحر الروم من جنوبيها، ثم دار إلى شرقيها، ثم استدار إلى شماليها قليلا، وهي جزيرة مثلثة الشكل، افتتح المسلمون أكثرها في رمضان منها على يد طارق أمير طنجة، من قبل مولاه أمير المغرب موسى بن نصير، وطنجة هي أقصى المغرب، فركب طارق البحر، وعدى من الزقاق لكون الفرنج اقتتلوا فيما بينهم واشتغلوا، فانتهز الفرصة.

ص: 1038

وقيل: بل عبر بمكاتبة صاحب الجزيرة الخضراء ليستعين به على عدوه، فدخل طارق واستظهر على العدو، وأمعن في بلاد الأندلس، وافتتح قرطبة، وقتل ملكها لذريق، وكتب إلى موسى بن نصير بالفتح، فحسده موسى على الانفراد بهذا الفتح العظيم، وكتب إلى الوليد يبشره بالفتح وينسبه إلى نفسه، وكتب إلى طارق يتوعده لكونه دخل بغير أمره، ويأمره أن لا يتجاوز مكانه حتى يلحق به، وسار مسرعا بجيوشه، ودخل الأندلس ومعه حبيب بن أبي عبيدة الفهري، فتلقها طارق وقال: إنما أنا مولاك، وهذا الفتح لك.

وأقام موسى بن نصير غازيا وجامعا للأموال نحو سنتين، وقبض على طارق، ثم استخلف على الأندلس ولده عبد العزيز بن موسى، ورجع بأموالٍ عظيمة، وسار بتحف الغنائم إلى الوليد.

ومما وجد بطليطلة لما افتتحها: مائدة سليمان عليه السلام، وهي من ذهبٍ مكللة بالجواهر، فلما وصل إلى طبرية بلغه موت الوليد وقد استخلف سليمان أخاه، فقدم لسليمان ما معه.

وقيل: بل لحق الوليد وقدم ما معه إليه.

وقيل: إن هذه المائدة كانت حمل جمل.

وتتابع فتح مدائن الأندلس. وفي هذا الحين فتح الله على المسلمين بلاد الترك وغيرها، فلله الحمد والمنة.

وكان أكثر جند موسى بن نصير البربر، وهم قوم موصفون بالشهامة والشجاعة، وفيهم صدقٌ ووفاء، ولهم هممٌ عالية في الخير والشر، وبهم ملك البلاد أبو عبد الله الشيعي، وبنو عبيد، وتاشفين، وابنه يوسف، وابن تومرت، وعبد المؤمن، والملك فيهم إلى اليوم.

وفيها توجه طائفةٌ من عسكر موسى بن نصير في البحر إلى جزيرة سردانية، فأخذوها وغنموا، ولكنهم غلوا فلما عادوا سمعوا قائلا يقول: اللهم غرق بهم، فغرقوا عن آخرهم، ثم استولى عليها الفرنج.

وقد غزاها مجاهد العامري سنة ست وأربع مائة، ثم استردها الفرنج في العام كما

ص: 1039

سيجيء إن شاء الله تعالى، وبه العون.

‌سنة ثلاثٍ وتسعين

توفي فيها: أنس بن مالك، على الأصح، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وأبو العالية الرياحي، على الأصح، وزرارة بن أوفى البصري قاضي البصرة، وبلال بن أبي الدرداء، وعبد الرحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري.

وفيها افتتح محمد بن القاسم الثقفي الديبل وغيرها، ولاه الحجاج ابن عمه، وهو ابن سبع عشرة سنة. وفيه يقول يزيد بن الحكم:

إن الشجاعة والسماحة والندى لمحمد بن القاسم بن محمد قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤددا من مولد قال كهمس بن الحسن: كنت معه، فجاءنا الملك داهر في جمعٍ كبير ومعه سبعة وعشرون فيلا، فعبرنا إليهم، فهزمهم الله، وهرب داهر، فلما كان في الليل أقبل داهر ومعه جمعٌ كبير مصلتين، فقتل داهر وعامة أولئك، وتبعنا من انهزم، ثم سار محمد بن القاسم فافتتح الكيرخ وبرهما.

قال عوانة بن الحكم: وفي أولها غزا موسى بن نصير، فأتى طنجة، ثم سار لا يأتي على مدينةٍ فيبرح حتى يفتحها، أو ينزلوا على حكمه، ثم ساروا إلى قرطبة، ثم غرب وافتتح مدينة باجة ومدينة البيضاء، وجهز البعوث، فجعلوا يفتتحون ويغنمون.

قال خليفة: وفيها غزا قتيبة بن مسلم خوارزمٍ، فصالحوه على عشرة آلاف رأس، ثم سار إلى سمرقند، فقاتلوه قتالا شديدا، وحاصرهم حتى صالحوه على ألفي ألف ومائتي ألف، وعلى أن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس.

قال: وفيها غزا العباس ابن أمير المؤمنين أرض الروم، ففتح الله على يديه حصنا.

وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك، فافتتح ما بين الحصن الجديد من ناحية ملطية.

وغزا مروان ابن أمير المؤمنين الوليد فبلغ

ص: 1040

خنجرة.

وحج بالناس ابن أمير المؤمنين عبد العزيز بن الوليد.

وقال ابن جرير الطبري: سار قتيبة بن مسلم إلى سمرقند بغتة في جيشٍ عظيم، فنازلها، فاستنجد أهلها بملك الشاش وفرغانة، فأنجدوهم، فنهضوا ليبيتوا المسلمين، فعلم قتيبة، فانتخب فرسانا مع صالح بن مسلم وأكمنهم على جنبتي طريق الترك، فأتوا نصف الليل، فخرج الكمين عليهم، فاقتتلوا قتالا لم ير الناس مثله، ولم يفلت من الترك إلا اليسير.

قال بعضهم: أسرنا طائفة فسألناهم، فقالوا: ما قتلتم منا إلا ابن ملك، أو بطلا، أو عظيما، فاحتززنا الرؤوس، وحوينا السلب، والأمتعة العظيمة، وأصبحنا إلى قتيبة، فنفلنا ذلك كله، ثم نصب المجانيق على أهل السغد، وجد في قتالهم حتى قارب الفتح، ثم صالحهم، وبنى بها الجامع والمنبر.

قال: وأما الباهليون فيقولون: صالحهم على مائة ألف رأس، وبيوت النيران، وحلية الأصنام، فسلبت ثم أحضرت إلى بين يديه، فكانت كالقصر العظيم - يعني: الأصنام - فأمر بتحريقها، فقالوا: من حرقها هلك. قال قتيبة: أنا أحرقها بيدي، فجاء الملك غورك، فقال: إن شكرك علي واجبٌ، لا تعرضن لهذه الأصنام، فدعا قتيبة بالنار وكبر، وأشعل فيها بيده، ثم أضرمت، فوجدوا بعد الحريق من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال.

ثم استعمل عليها عبد الله أخاه، وخلف عنده جيشا كثيفا، وقال: لا تدعن مشركا يدخل من باب المدينة إلا ويده مختومة، ومن وجدت معه حديدة أو سكينا فاقتله، ولا تدعن أحدا منهم يبيت فيها، وانصرف قتيبة إلى مرو.

‌سنة أربعٍ وتسعين

فيها توفي: علي بن الحسين، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومالك بن الحارث السلمي، وأبو بكر بن

ص: 1041

عبد الرحمن، وربيعة بن عبد الله بن الهدير، وتميم بن طرفة، وفي بعضهم خلاف.

وفيها غزا قتيبة بن مسلم بلد كابل وحاصرها حتى افتتحها، ثم غزا فرغانة، فحصرها وافتتحها عنوة، وبعث جيشا فافتتحوا الشاش، وفيها قتل محمد بن القاسم الثقفي صصة بن داهر.

وفيها افتتح مسلمة سندرة من أرض الروم.

وغزا العباس بن الوليد فافتتح مدينتين من الساحل.

وغزا عبد العزيز بن الوليد حتى بلغ غزالة.

وحج بالناس الأمير مسلمة.

وفتح الله على الإسلام فتوحا عظيمة في دولة الوليد، وعاد الجهاد شبيها بأيام عمر رضي الله عنه.

وفي شعبان عزل عمر بن عبد العزيز عن المدينة، ووليها عثمان بن حيان المري بعده سنتين وشهرا حتى عزله سليمان بن عبد الملك.

قال مالك: وعظ محمد بن المنكدر وأصحابه نفرا في شيءٍ، وكان فيهم مولى لابن حيان، فبعث إلى ابن المنكدر وأصحابه فضربهم لكلامهم في النهي عن المنكر، وقال: تتكلمون في مثل هذا!

قال ابن شوذب: قال عمر بن عبد العزيز: أظلم مني من ولى عثمان بن حيان الحجاز، ينطق بالأشعار على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ولى قرة بن شريك مصر، أعرابي جافٍ أظهر فيها المعازف، والله المستعان.

‌سنة خمسٍ وتسعين

فيها توفي: سعيد بن جبير شهيدا، وإبراهيم النخعي، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وأخوه حميد، وعبد الرحمن بن معاوية بن حديج قاضي مصر.

وفيها أو في سنة ست جعفر بن عمرو بن أمية، وفيها الحجاج.

وفيها قال خليفة: افتتح محمد بن القاسم المولتان.

وقفل موسى بن نصير من المغرب إلى الوليد، وحمل الأموال على العجل، ومعه ثلاثون

ص: 1042

ألف رأس.

وفيها افتتح مسلمة مدينة الباب من أرمينية وخربها، ثم بناها مسلمة بعد ذلك بتسع سنين. وحدثني أبو مروان الباهلي، عن رجلٍ من باهلة حضر مسلمة، قال: نزل مسلمة على مدينة الباب، فأتاه رجل فسأله أن يؤمنه على نفسه وأهله، ويدله على عورة المدينة، فأعطاه ذلك، فدخل المسلمون، ونذر بهم العدو، فاقتتلوا قتالا شديدا، فلما كان من السحر كبر شيخ وقال: الظفر ورب الكعبة، فأظهر الله مسلمة.

وفيها غزا قتيبة الشاش ثانيا، فأتته وفاة الحجاج، فرجع إلى مرو.

ويقال: فيها توفي صلة بن أشيم، وأبو عثمان النهدي، وزرارة بن أوفى، وسعيد بن المسيب، والحسن بن محمد ابن الحنفية، وأبو تميمة طريف بن مجالد الهجيمي، والفضل بن زيد الرقاشي أبو سنان، أحد العابدين.

‌سنة ستٍ وتسعين

فيها توفي الوليد بن عبد الملك، وقتل قتيبة بن مسلم.

وفيها توفي: محمود بن لبيد، ومحمود بن الربيع - في قول -، وعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، وقرة بن شريك القيسي، وأبو بكر بن عبد العزيز بن مروان، وآخرون بخلافٍ فيهم.

وفيها استخلف سليمان، فأغزى الصائفة أخاه مسلمة.

وغزا العباس بن الوليد، فافتتح طوبس والمرزبانين، وأصيب جدار العذري الشامي ومن معه بأرض الروم، وهو جد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان لأمه، وقد روى عنه.

‌سنة سبعٍ وتسعين

فيها توفي: قيس بن أبي حازم، أو في سنة ثمانٍ، وطلحة بن عبد الله بن عوف، وسعيد بن مرجانة، وعبد الرحمن بن جبير المصري، ومحمود بن لبيد في قول، والحسن بن الحسن بن علي، وعبد الله بن كعب بن مالك، والسائب بن خباب، وفي بعضهم خلفٌ يأتي في تراجمهم، وموسى بن نصير.

ص: 1043

وفيها غزا يزيد بن المهلب جرجان.

قال المدائني: غزاها ولم تكن يومئذٍ مدينة، إنما هي جبالٌ محيطةٌ بها، وتحول صول الملك إلى النجيرة جزيرة في البحر، وكان يزيد في ثلاثين ألفا، فدخلها يزيد، فأصاب أموالا، ثم خرج إلى النجيرة، فحاصره، فكان يخرج فيقاتل، فمكثوا كذلك أشهرا، ثم انصرف يزيد في رمضان.

وذكر الوليد بن هشام أن يزيد صالحهم على خمس مائة ألف درهم في العام.

وروى حاتم بن مسلم، عن يونس بن أبي إسحاق أنه شهد ذلك مع يزيد، قال: صالحهم على خمس مائة ألف، وبعثوا إليه بثياب وطيالسة وألف رأس.

وقال خليفة: وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك برجمة، وحصن ابن عوف، وافتتح أيضا حصن الحديد، وسردا، وشتى بنواحي الروم.

وأقام الحج الخليفة سليمان.

وفيها بعث سليمان بن عبد الملك على المغرب محمد بن يزيد مولى قريش، فولي سنتين فعدل، ولكنه عسف بآل موسى بن نصير، وقبض على ابنه عبد الله بن موسى وسجنه، ثم جاءه البريد بأن يقتله، فولي قتل عبد الله خالد بن ضباب، وكان أخوه عبد العزيز بن موسى على الأندلس، ثم ثاروا عليه، فقتلوه في سنة تسعٍ وتسعين؛ لكونه خلع طاعة سليمان، قتله وهو في صلاة الفجر حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري.

‌سنة ثمانٍ وتسعين

فيها توفي: كريب مولى ابن عباس، وعبد الله بن محمد ابن الحنفية، وأبو عمرو الشيباني، وسعد بن عبيد المدني أبو عبيد، وعبد الرحمن بن

ص: 1044

الأسود النخعي، وعمرة بنت عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة الفقيه، وآخرون مختلفٌ فيهم.

وفيها غزا يزيد بن المهلب بن أبي صفرة طبرستان، فسأله الأصفهبذ الصلح، فأبى، فاستعان بأهل الجبال والديلم، وكان بينهم مصاف كبير، واقتتلوا قتالا شديدا، ثم هزم الله المشركين، ثم صولح الأصفهبذ على سبع مائة ألف، وقيل: خمس مائة في السنة، وغير ذلك من المتاع والرقيق.

وقال المدائني: غدر أهل جرجان بمن خلف يزيد بن المهلب عليهم من المسلمين، فقتلوهم، فلما فرغ من صلح طبرستان سار إليهم، فتحصنوا، فقاتلهم يزيد أشهرا، ثم أعطوا بأيديهم، ونزلوا على حكمه، فقتل المقاتلة، وصلب منهم فرسخين، وقاد منهم اثني عشر ألف نفسٍ إلى وادي جرجان فقتلهم، وأجرى الماء في الوادي على الدم، وعليه أرحاء تطحن بدمائهم، فطحن واختبز وأكل، وكان قد حلف على ذلك.

قال خليفة: وفيها شتى مسلمة بضواحي الروم، وشتى عمر بن هبيرة في البحر، فسار مسلمة من مشتاه حتى صار إلى القسطنطينية في البر والبحر، إلى أن جاوز الخليج، وافتتح مدينة الصقالبة، وأغارت خيل برجان على مسلمة، فهزمهم الله، وخرب مسلمة ما بين الخليج وقسطنطينية.

وقال الوليد بن مسلم: حدثني شيخ أن سليمان بن عبد الملك سنة ثمانٍ وتسعين نزل بدابق، وكان مسلمة على حصار القسطنطينية.

وقال زيد بن الحباب: حدثنا الوليد بن المغيرة، عن عبيد بن بشر الغنوي، عن أبيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها فدعاني مسلمة، فحدثته بهذا الحديث، فغزاهم.

قال ابن المديني: راويه مجهول.

وقال سعيد بن عبد العزيز: أخبرني من أدرك ذلك أن سليمان بن عبد الملك هم بالإقامة ببيت المقدس، وجمع الناس والأموال بها، وقدم عليه موسى بن نصير من المغرب، ومسلمة بن عبد الملك، فبينما هو على ذلك

ص: 1045

إذ جاءه الخبر أن الروم خرجت على ساحل حمص فسبت جماعة فيهم امرأة لها ذكر، فغضب وقال: ما هو إلا هذا، نغزوهم ويغزونا، والله لأغزونهم غزوة أفتح فيها القسطنطينية أو أموت دون ذلك، ثم التفت إلى مسلمة وموسى بن نصير، فقال: أشيرا علي. فقال موسى: يا أمير المؤمنين، إن أردت ذلك فسر سيرة المسلمين فيما فتحوه من الشام ومصر إلى إفريقية، ومن العراق إلى خراسان، كلما فتحوا مدينة اتخذوها دارا وحازوها للإسلام، فابدأ بالدروب فافتح ما فيها من الحصون والمطامير والمسالح، حتى تبلغ القسطنطينية وقد هدمت حصونها وأوهيت قوتها، فإنهم سيعطون بأيديهم، فالتفت إلى مسلمة، فقال: ما تقول؟ قال: هذا الرأي إن طال عمرٌ إليه، أو كان الذي يبني على رأيك، ولا ينقضه، رأيت أن تعمل منه ما عملت ولا يأتي على ما قال خمس عشرة سنة، ولكني أرى أن تغزي جماعة من المسلمين في البر والبحر القسطنطينية فيحاصرونها، فإنهم ما دام عليهم البلاء أعطوا الجزية أو فتحوها عنوة، ومتى ما يكون ذلك، فإن ما دونها من الحصون بيدك، فقال سليمان: هذا الرأي، فأغزى جماعة أهل الشام والجزيرة في البر في نحو من عشرين ومائة ألف، وأغزى أهل مصر وإفريقية في البحر في ألف مركب، عليهم عمر بن هبيرة الفزاري، وعلى الكل مسلمة بن عبد الملك.

قال الوليد بن مسلم: فأخبرني غير واحدٍ أن سليمان أخرج لهم الأعطية، وأعلمهم أنه عزم على غزو القسطنطينية والإقامة عليها، فأقدروا لذلك قدره، ثم قدم دمشق فصلى بنا الجمعة، ثم عاد إلى المنبر فكلم الناس، وأخبرهم بيمينه التي حلف عليها من حصار القسطنطينية، فانفروا على بركة الله تعالى، وعليكم بتقوى الله ثم الصبر الصبر، وسار حتى نزل دابقا، فاجتمع إليه الناس، ورحل مسلمة.

وفيها ثار حبيب بن أبي عبيدة الفهري، وزياد بن النابغة التميمي بعبد العزيز بن موسى بن نصير متولي الأندلس، فقتلوه وأمروا على الأندلس أيوب ابن أخت موسى بن نصير.

ثم الأمور ما زالت مختلفة بالأندلس زمانا

ص: 1046

لا يجمعهم والٍ، إلى أن ولي السمح بن مالك الخولاني في حدود المائة، واجتمع الناس عليه.

وأما مسلمة فسار بالجيوش، وأخذ معه إليون الرومي المرعشي ليدله على الطريق والعوار، وأخذ عهوده ومواثيقه على المناصحة والوفاء، إلى أن عبروا الخليج وحاصروا القسطنطينية، إلى أن برح بهم الحصار، وعرض أهلها الفدية على مسلمة، فأبى أن يفتحها إلا عنوة، قالوا: فابعث إلينا إليون فإنه رجل منا ويفهم كلامنا مشافهة، فبعثه إليهم، فسألوه عن وجه الحيلة، فقال: إن ملكتموني عليكم لم أفتحها لمسلمة، فملكوه، فخرج وقال لمسلمة: قد أجابوني أنهم يفتحونها، غير أنهم لا يفتحونها ما لم تنح عنهم، قال: أخشى غدرك، فحلف له أن يدفع إليه كل ما فيها من ذهب وفضة وديباج وسبي، وانتقل عنها مسلمة، فدخل إليون فلبس التاج، وقعد على السرير، وأمر بنقل الطعام والعلوفات من خارج، فملأوا الأهراء وشحنوا المطامير، وبلغ الخبر مسلمة، فكر راجعا، فأدرك شيئا من الطعام، فغلقوا الأبواب دونه، وبعث إلى إليون يناشده وفاء العهد، فأرسل إليه إليون يقول: ملك الروم لا يباع بالوفاء، ونزل مسلمة بفنائهم ثلاثين شهرا، حتى أكل الناس في العسكر الميتة، وقتل خلق، ثم ترحل.

‌سنة تسع وتسعين

فيها توفي: الخليفة سليمان بن عبد الملك، وعبد الله بن محيريز، ونافع بن جبير بن مطعم، وأبو ساسان حضين بن المنذر، وعبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، ومحمود بن الربيع، على الصحيح، وآخرون بخلاف.

وفيها أغارت الخزر على أرمينية وأذربيجان، وأمير تلك البلاد عبد العزيز بن حاتم الباهلي، فكانت وقعة قتل الله فيها عامة الخزر، وكتب بالنصر عبد العزيز الباهلي إلى عمر بن عبد العزيز أول ما ولي الخلافة.

وكانت وفاة سليمان بن عبد الملك بدابق غازيا يوم الجمعة، عاشر صفر.

ص: 1047

وأمر عمر بن عبد العزيز بحمل الطعام والدواب إلى مسلمة بن عبد الملك، وأمر من كان له حميمٌ أن يبعث إليه، فأغاث الناس، وأذن لهم في القفول من غزو القسطنطينية.

وفيها قدم يزيد بن المهلب بن أبي صفرة من خراسان، فما قطع الجسر إلا وهو معزول، وقدم عدي بن أرطاة واليا على البصرة من قبل عمر بن عبد العزيز، فأتى يزيد بن المهلب يسلم عليه، فقبض عليه عدي وقيده وبعث به إلى عمر بن عبد العزيز، فحبسه حتى مات.

وبعث عمر الجراح بن عبد الله الحكمي على إمرة خراسان، وقال له: لا تغزوا، وتمسكوا بما في أيديكم.

وحج بالناس أبو بكر بن حزم.

وعزل عمر عن إمرة مصر عبد الملك بن رفاعة بأيوب بن شرحبيل.

واستقضى على الكوفة الشعبي.

وجعل الفتيا بمصر إلى جعفر بن ربيعة، ويزيد بن أبي حبيب، وعبيد الله بن أبي جعفر.

وقال عبدة بن عبد الرحمن: حدثنا بقية، قال: حدثنا محمد بن زياد الألهاني قال: غزونا القسطنطينية، فجعنا حتى هلك ناسٌ كثير، فإن كان الرجل ليخرج إلى قضاء الحاجة والآخر ينظر إليه، فإذا فرغ أقبل ذاك إلى رجيعه فأكله، وإن كان الرجل ليخرج إلى المخرج فيؤخذ فيذبح ويؤكل، وإن الأهراء من الطعام كالتلال لا نصل إليها، يكايد بها أهل قسطنطينية المسلمين.

قال خليفة: فلما استخلف عمر أذن لهم في القدوم.

وفيها استعمل عمر على إفريقية إسماعيل بن عبيد الله المخزومي مولاهم، فوصل إليها سنة مائة، وكان حسن السيرة، فأسلم خلقٌ من البربر في ولايته.

ص: 1048

‌سنة مائة من الهجرة

فيها توفي: أبو أمامة بن سهل بن حنيف، وأبو الزاهرية، وتميم بن سلمة، وخارجة بن زيد بن ثابت، ودخين بن عامر، وسالم بن أبي الجعد، وسعيد بن أبي الحسن البصري، وبسر بن سعيد الزاهد المدني، وفي بعضهم خلاف.

ويقال: فيها توفي أبو عثمان النهدي، ومسلم بن يسار، وشهر بن حوشب، وأبو خالد الوالبي.

وفيها ولد حماد بن زيد.

ويقال: فيها توفي: حنش الصنعاني، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله، وأبو الطفيل، وعبد الله بن مرة الهمداني، وأبو عبد الرحمن الحبلي، وعبد الله بن عبد الملك بن مروان.

وفيها غزا الصائفة الوليد بن هشام المعيطي.

وأقام الموسم للناس أبو بكر بن حزم.

ص: 1049

بسم الله الرحمن الرحيم

‌تراجم رجال هذه الطبقة

1 -

م 4:‌

‌ إبراهيم بن سويد النخعي الأعور

.

عن: عبد الرحمن بن يزيد، وعلقمة.

وعنه: الحسن بن عبيد الله، وسلمة بن كهيل، وزبيد اليامي، وغيرهم.

ص: 1050

2 -

م د ت ن:‌

‌ إبراهيم بن عبد الله بن قارظ

، ويقال: عبد الله بن إبراهيم بن قارظ الكناني المدني.

رأى عمر، وعليا. وروى عن: أبي هريرة، وجابر، وأبي قتادة الأنصاري، والسائب بن يزيد، وغيرهم.

روى عنه: ابن أخيه سعيد بن خالد، وسلمان الأغر، وعمر بن عبد العزيز، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ويحيى بن أبي كثير، وآخرون.

3 -

م د ن ق:‌

‌ إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس

.

عن: عم أبيه عبد الله، وعن أبيه، وميمونة أم المؤمنين.

وعنه: أخوه عباس، ونافع مولى ابن عمر، وسليمان بن سحيم، وابن جريج.

4 -

خ ن ق:‌

‌ إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي المدني

، وأمه أم كلثوم بنت الصديق.

روى عن: جده، وخالته عائشة، وأمه، وجابر بن عبد الله.

وعنه: ابناه إسماعيل، وموسى، والزهري، وأبو حازم سلمة، والضحاك بن عثمان.

ص: 1051

5 -

سوى ت:‌

‌ إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق

، ويقال: أبو محمد الزهري المدني.

روى عن: أبيه، وعمر، وعثمان، وعلي، وسعد، وعمار، وجبير بن مطعم.

روى عنه: ابناه سعد وصالح، والزهري، وعطاء بن أبي رباح، ومحمد بن عمرو، وغيرهم.

وأمه هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وأخواه أبو سلمة وحميد.

ورد أنه شهد الدار مع عثمان.

توفي سنة ستٍ وتسعين. ووثقه النسائي، وغيره.

6 -

ع:‌

‌ إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود

، أبو عمران النخعي الكوفي، فقيه العراق.

روى عن: علقمة، ومسروق، وخاله الأسود بن يزيد، والربيع بن خثيم، وشريح القاضي، وصلة بن زفر، وعبيدة السلماني، وسويد بن غفلة، وعابس بن ربيعة، وهمام بن الحارث، وهني بن نويرة، وخلق. ودخل على عائشة رضي الله عنها وهو صبي.

روى عنه: منصور، والأعمش، وحماد بن أبي سليمان، وأبو إسحاق الشيباني، وعبيدة بن معتب، والعلاء بن المسيب، وعبد الله بن شبرمة، وابن عون، وعمرو بن مرة، ومغيرة بن مقسم، ومحمد بن سوقة، وطائفة.

وتفقه به جماعة، وكان من كبار الأئمة.

قيل: إنه لما احتضر جزع جزعا شديدا، فقيل له في ذلك، فقال: وأي خطر أعظم مما أنا فيه، أتوقع رسولا يرد علي من ربي، إما بالجنة وإما بالنار، والله لوددت أنها تلجلج في حلقي إلى يوم القيامة.

توفي إبراهيم سنة ستٍ، وقيل: سنة خمسٍ وتسعين، وله تسعٌ وأربعون سنة على الصحيح. وقيل: ثمان وخمسون سنة.

وقال يحيى القطان: توفي بعد الحجاج بأربعة أشهر أو خمسة.

قلت: مات الحجاج في رمضان سنة خمس.

وقال محمد بن سعد: دخل على عائشة، وسمع زيد بن أرقم،

ص: 1052

والمغيرة بن شعبة، وأنس بن مالك.

روى عنه: الشعبي، ومنصور، ومغيرة بن مقسم، وغيرهم من التابعين.

وقال عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن طلحة بن مصرف، عن إبراهيم قال: دخلت على أم المؤمنين عائشة.

وعن حماد بن أبي سليمان قال: لقد رأيتني ننتظر إبراهيم، فيخرج والثياب عليه معصفرة، ونحن نرى أن الميتة قد حلت له.

قال ابن عيينة، عن الأعمش، قال: جهدنا على إبراهيم النخعي أن نجلسه إلى سارية، وأردناه على ذلك فأبى، وكان يأتي المسجد وعليه قباء وريطة معصفرة.

قال: وكان يجلس مع الشرط.

قال أحمد بن حنبل: كان إبراهيم ذكيا حافظا، صاحب سنة.

وقال جرير عن مغيرة: كان إبراهيم يدخل مع الأسود وعلقمة على عائشة.

وقال وكيع: حدثنا الأعمش، قال: كنت إذا سمعت حديثا فلم أر ما وجهه أتيت إبراهيم، ففسره لي، وكان إبراهيم صيرفي الحديث.

وعن الشعبي إنه قيل له: مات إبراهيم، فقال: ما ترك بعده خلفٌ.

وقال نعيم بن حماد: حدثنا جرير، عن عاصم قال: تبعت الشعبي، فمررنا بإبراهيم، فقام له إبراهيم عن مجلسه، فقال له الشعبي: أنا أفقه منك حيا، وأنت أفقه مني ميتا، وذاك أن لك أصحابا يلزمونك، فيحيون علمك.

وكان إبراهيم رحمه الله أعور.

قال هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم: كانوا يكرهون أن يظهر الرجل ما خفي من عمله الصالح.

وقال مالك: كان إبراهيم النخعي رجلا عالما، وكان الشعبي أقدم وأكثر حديثا.

وقال أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب، عن أبيه: كنت فيمن دفن إبراهيم النخعي ليلا سابع سبعة، أو تاسع تسعة، فقال الشعبي: أدفنتم صاحبكم؟ قلت: نعم، قال: أما إنه ما ترك أحدا أعلم أو أفقه منه، قلت: ولا الحسن، وابن سيرين؟ قال: ولا الحسن وابن سيرين، ولا من أهل

ص: 1053

البصرة، ولا من أهل الكوفة، ولا من أهل الحجاز.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي: مات مختفيا من الحجاج.

وقال جرير عن مغيرة قال: كان إبراهيم النخعي إذا طلبه إنسان لا يحب أن يلقاه، خرجت الجارية فقالت: اطلبوه في المسجد.

وقال قيس: عن الأعمش، عن إبراهيم قال: أتى رجل، فقال: إني ذكرت رجلا بشيءٍ، فبلغه عني، فكيف أعتذر، قال: تقول: والله إن الله ليعلم ما قلت من ذلك من شيء.

وقال حماد بن زيد: ما كان بالكوفة رجل أوحش ردا للآثار من إبراهيم لقلة ما سمع، فذكر لحماد قول إبراهيم: في الفأرة جزاءٌ إذا قتلها المحرم.

قال الداني: أخذ القراءة عرضا عن علقمة، والأسود.

قرأ عليه: الأعمش، وطلحة بن مصرف.

وقال وكيع: عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بدعة.

7 -

ع:‌

‌ إبراهيم بن يزيد التيمي

، تيم الرباب، أبو أسماء الكوفي الفقيه العابد.

روى عن: أبيه يزيد بن شريك، والحارث بن سويد، وعمرو بن ميمون الأودي، وأنس بن مالك، وغيرهم.

روى عنه: بيان بن بشر، ويونس بن عبيد، والأعمش، وآخرون.

قتله الحجاج، وقيل: مات في حبسه سنة اثنتين أو أربعٍ وتسعين، وهو شاب لم يبلغ أربعين سنة؛ وكان كبير القدر.

قال أبو أسامة سمعت الأعمش، يقول: قال إبراهيم التيمي: ربما أتى علي شهر لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا، لا يسمعن هذا منك أحد.

وقال الأعمش: كان إذا سجد كأنه إذا سجد كأنه جذم حائط تنزل على ظهره العصافير.

ص: 1054

8 -

‌ الأخطل النصراني

الشاعر اسمه غياث بن غوث التغلبي، شاعر بني أمية.

وهو من نظراء جرير والفرزدق، لكن تقدم موته عليهما.

وقد قيل للفرزدق: من أشعر الناس؟ قال: كفاك بي إذا افتخرت، وبجرير إذا هجا، وبابن النصرانية إذا امتدح.

وكان عبد الملك بن مروان يجزل عطاء الأخطل ويفضله في الشعر على غيره.

وله:

والناس همهم طول الحياة ولا أرى طول الحياة يزيد غير خبال وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ذخرا يكون كصالح الأعمال قال محمد بن سلام: حدثني محمد بن عائشة، قال: قال إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل: خرجت مع أبي إلى دمشق، فإذا كنيسة، وإذا الأخطل في ناحيتها، فسأل عني فأخبر، فقال: يا فتى إن لك شرفا وموضعا، وإن الأسقف قد حبسني، فأنا أحب أن تأتيه وتكلمه في إطلاقي، قلت: نعم، فذهبت إلى الأسقف، فقال لي: مهلا، أعيذك بالله أن تكلم في مثل هذا، فإنه ظالمٌ يشتم الناس ويهجوهم، فلم أزل به حتى قام معي، فدخل الكنيسة فجعل يتوعده ويرفع عليه العصا، ويقول: تعود؟ وهو يتضرع إليه ويقول: لا، قال: فقلت: يا أبا مالك، تهابك الملوك وتكرمك الخلفاء، وذكرك في الناس! فقال: إنه الدين، إنه الدين.

وعن أبي عبيدة قال: لما أنشد الأخطل كلمته لعبد الملك التي يقول فيها:

شمس العداوة حتى يستقاد لهم وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا قال: خذ بيده يا غلام فأخرجه ثم ألق عليه من الخلع ما يغمره، ثم قال: إن لكل قومٍ شاعرا، وإن شاعر بني أمية الأخطل، فمر به جرير، فقال: كيف تركت خنازير أمك؟ قال: كثيرة، وإن أتيتنا قريناك منها، قال: فكيف تركت أعيار أمك؟ قال: كثيرة، وإن أتيتنا حملناك على بعضها.

وعن الأصمعي قال: دخل الأخطل على عبد الملك، فقال: ويحك،

ص: 1055

صف لي السكر، قال: أوله لذةٌ، وآخره صداع، وبين ذلك ساعة لا أصف لك مبلغها، فقال: ما مبلغها؟ قال: لملكك يا أمير المؤمنين أهون علي من شسع نعلي، وأنشأ يقول:

إذا ما نديمي علني ثم علني ثلاث زجاجات لهن هدير خرجت أجر الذيل حتى كأني عليك أمير المؤمنين أمير

9 -

ق:‌

‌ أرقم بن شرحبيل الأودي الكوفي

.

أخذ عن عبد الله بن مسعود، وصحب ابن عباس إلى الشام.

روى عنه: أخوه هزيل بن شرحبيل، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو قيس الأودي، وعبد الله ابن أبي السفر.

قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.

وقال أبو زرعة: كوفي ثقة.

10 -

د ت ن:‌

‌ أسلم بن يزيد أبو عمران التجيبي المصري

، مولى عمير بن تميم.

روى عن: أبي أيوب الأنصاري، وعقبة بن عامر، وأم سلمة، وصفية أمي المؤمنين، وجماعة.

وعنه: سعيد بن أبي هلال، ويزيد بن أبي حبيب، وعبد الله بن عياض.

وكان وجيها في مصر، وكانت الأمراء يسألونه.

وثقه النسائي.

• - خ م ن:‌

‌ أسير بن جابر

، ويقال يسير.

سيأتي، وقد تقدم.

ص: 1056

11 -

م 4:‌

‌ الأغر، أبو مسلم المدني

نزيل الكوفة.

عن: أبي هريرة، وأبي سعيد، وكانا اشتركا في عتقه.

وعنه: علي بن الأقمر، وأبو إسحاق، وطلحة بن مصرف، وعطاء بن السائب، وجماعة.

• - وأما أبو عبد الله الأغر، ففي الكنى.

12 -

ع:‌

‌ أنس بن مالك بن النضر

بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر أصحابه موتا.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا كثيرا، وع: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأسيد بن الحضير، وأبي طلحة، وعبادة بن الصامت، وأمه أم سليم، وخالته أم حرام، وابن مسعود، ومعاذ، وأبي ذر، وطائفة.

روى عنه: الحسن، وابن سيرين، والشعبي، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز، وأبو قلابة، وطائفة من هذه الطائفة، ثم إسماعيل بن عبيد الله، وقتادة، وثابت، والزهري، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وابن المنكدر، وخلقٌ كثير من هذه الطبقة، وحميد الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وسليمان التيمي، وآخرون من هذه الطبقة الثالثة، وعمر بن شاكر، وكثير بن سليم، وناس قليل من هذه الطبقة التي انقرضت بعد السبعين ومائة، لكن ليس فيها من يحتج به.

وروى عنه بعدهم ناس متهمون بالكذب كخراش، وإبراهيم بن هدبة، ودينار أبو مكيس، حدثوا في حدود المائتين.

قلت: أسماء الرواة عنه التهذيب ثمانون سطرا، فعن أنس قال: كناني النبي صلى الله عليه وسلم ببقلة اجتنيتها، يعني: حمزة.

وفي الصحيح، عن أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن

ص: 1057

عشر، وكن أمهاتي يحثثنني على خدمته.

وقال علي بن زيد بن جدعان، وليس بالقوي، عن سعيد بن المسيب، عن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن ثمان سنين، فأخذت أمي بيدي، فانطلقت بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إنه لم يبق رجلٌ ولا امرأةٌ من الأنصار إلا وقد أتحفك بتحفة، وإني لا أقدر على ما أتحفك به، إلا ابني هذا، فخذه فليخدمك ما بدا لك، فخدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما ضربني ولا سبني سبة، ولا عبس في وجهي. رواه الترمذي بأطول من هذا.

وقال عكرمة بن عمار: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: حدثني أنس قال: جاءت بي أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أزرتني بنصف خمارها وردتني ببعضه، فقالت: هذا أنيس ابني أتيتك به يخدمك، فادع الله له، فقال: اللهم أكثر ماله وولده. قال أنس: فوالله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي يتعادون على نحو من مائة اليوم.

وروى نحوه جعفر بن سليمان، عن ثابت.

وقال شعبة، عن قتادة، عن أنس: إن أم سليم قالت: يا رسول الله، أنس خادمك، ادع الله له، فقال: اللهم أكثر ماله وولده، فأخبرني بعض ولدي أنه دفن من ولدي وولد ولدي أكثر من مائة.

وقال الحسين بن واقد: حدثني ثابت، عن أنس، قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته، فالله أكثر مالي حتى إن كرما لي لتحمل في السنة مرتين، وولد لصلبي مائة وستة.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن سنة اثنتين وتسعين وست مائة، قال: أخبرنا محمد بن خلف سنة ست عشرة قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي،

ص: 1058

قال: أخبرنا أحمد ومحمد ابنا عبد الله بن أحمد بن علي السوذرجاني، قالا: أخبرنا علي بن محمد الفرضي، قال: حدثنا أبو عمرو بن حكيم، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثني حميد، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سليم، فأتته بتمر وسمن، فقال: أعيدوا تمركم في وعائكم وسمنكم في سقائكم فإني صائم، ثم قام في ناحية البيت، فصلى بنا صلاة غير مكتوبة، فدعا لأم سليم ولأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول الله إن لي خويصة، قال: وما هي؟ قالت: خادمك أنس، فما ترك خير آخرةٍ ولا دنيا إلا دعا لي به، ثم قال: اللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له فيه، فإني لمن أكثر الأنصار مالا. وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة تسعةٌ وعشرون ومائة.

وقال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود، عن أبي خلدة قال: قلت لأبي العالية: سمع أنس من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: خدمه عشر سنين، ودعا له، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منه ريح المسك. أبو خلدة احتج به البخاري.

وقال ابن سعد: حدثنا الأنصاري، عن أبيه، عن مولى لأنس أنه قال له: شهدت بدرا؟ فقال: لا أم لك، وأين غبت عن بدرٍ؟! قال الأنصاري: خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهو غلام يخدمه، وقد رواه عمر بن شبة، عن الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة، قال: قيل لأنس، فذكر مثله. قلت: لم أر أحدا من أصحاب المغازي قال هذا.

وعن موسى بن أنس قال: غزا أنس ثمان غزوات.

ص: 1059

وقال ثابت البناني: قال أبو هريرة: ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سليم، يعني: أنسا.

وقال أنس بن سيرين: كان أنس أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر.

وقال الأنصاري: حدثني أبي، عن ثمامة، قال: كان أنس يصلي حتى تقطر قدماه دما مما يطيل القيام.

وقال جعفر بن سليمان: حدثنا ثابت قال: جاء قيم أرض أنس، فقال: عطشت أرضوك، فتردى أنس، ثم خرج إلى البرية، ثم صلى ودعا، فثارت سحابةٌ وغشت أرضه ومطرت حتى ملأت صهرية له، وذلك في الصيف، فأرسل بعض أهله فقال: انظر أين بلغت، فإذا هي لم تعد أرضه إلا يسيرا. روى نحوه الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة.

وقال همام بن يحيى، حدثني من صحب أنسا قال: لما أحرم لم أقدر أن أكلمه حتى حل من شدة اتقائه على إحرامه.

وقال ابن عون، عن موسى بن أنس: إن أبا بكر بعث إلى أنس بن مالك ليوجهه على البحرين ساعيا، فدخل عليه عمر فقال: إني أردت أن أبعث هذا على البحرين، وهو فتى شاب، فقال له عمر: ابعثه، فإنه لبيبٌ كاتبٌ، فبعثه، فلما قبض أبو بكر قدم على عمر، فقال: هات ما جئت به، قال: يا أمير المؤمنين، البيعة أولا، فبسط يده.

وقال حماد بن سلمة: أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس، قال: استعملني أبو بكر على الصدقة، فقدمت وقد مات، فقال عمر: يا أنس، أجئتنا بظهرٍ؟ قلت: نعم. قال: جئنا بالظهر، والمال لك. قلت: هو أكثر من ذلك. قال: وإن كان، فهو لك. وكان أربعة آلاف.

وقال ثابت، عن أنس قال: صحبت جرير بن عبد الله، فكان يخدمني، وقال: إني رأيت الأنصار يصنعون برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، لا أرى أحدا منهم إلا خدمته.

قال خليفة بن خياط: كتب ابن الزبير بعد موت يزيد بن معاوية إلى أنس، فصلى بالناس بالبصرة أربعين يوما.

ص: 1060

وقال الأعمش: كتب أنس بن مالك إلى عبد الملك بن مروان - يعني: لما آذاه الحجاج -: إني خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، والله لو أن النصارى أدركوا رجلا خدم نبيهم لأكرموه.

وقال جعفر بن سليمان: حدثنا علي بن زيد، قال: كنت بالقصر، والحجاج يعرض الناس ليالي ابن الأشعث، فجاء أنس بن مالك، فقال: يا خبيث جوالٌ في الفتن، مرة مع علي، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفسي بيده لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنك كما يجرد الضب. قال: يقول: أنس: من يعني الأمير؟ قال: إياك أعني، أصم الله سمعك، فاسترجع أنس، وشغل الحجاج، وخرج أنسٌ، فتبعناه إلى الرحبة، فقال: لولا أني ذكرت ولدي وخشيته عليهم بعدي لكلمته بكلامٍ لا يستحييني بعده أبدا.

وقال عبد الله بن سالم الأشعري، عن أزهر بن عبد الله، قال: كنت في الخيل الذين بيتوا أنس بن مالك، وكان فيمن يؤلب على الحجاج، وكان مع عبد الرحمن بن الأشعث، فأتوا به الحجاج، فوسم في يده: عتيق الحجاج.

وقال الأعمش: كتب أنس إلى عبد الملك: قد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وإن الحجاج يعرض بي حوكة البصرة، فقال: يا غلام، اكتب إليه: ويلك قد خشيت أن لا يصلح على يدي أحدٌ، فإذا جاءك كتابي هذا، فقم إلى أنس حتى تعتذر إليه، قال الرسول: فلما جئته قرأ الكتاب، ثم قال: أمير المؤمنين كتب بما هنا؟ قلت: إي والله، وما كان في وجهه أشد من هذا، قال: سمعٌ وطاعة، فأراد أن ينهض إليه، فقلت: إن شئت أعلمته، فأتيت أنسا، فقلت: ألا ترى قد خافك، وأراد أن يقوم إليك، فقم إليه، فأقبل يمشي حتى دنا منه، فقال: يا أبا حمزة غضبت؟ قال: أغضب؟ تعرضني بحوكة البصرة؟ قال: إنما مثلي ومثلك كقول الذي قال: إياك أعني واسمعي يا جارة، أردت أن لا يكون لأحدٍ علي منطق.

وقال عمرو بن دينار، عن أبي جعفر، قال: رأيت أنس بن مالك

ص: 1061

أبرص، وبه وضحٌ شديدٌ، ورأيته يأكل، فيلقم لقما كبارا.

وقال عفان: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا حميد، عن أنس قال: يقولون: لا يجتمع حب علي وعثمان في قلب مؤمن، وقد جمع الله حبهما في قلوبنا.

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أمه أنها رأت أنسا متخلقا بالخلوق، وكان به برصٌ، فسمعني وأنا أقول لأهله: لهذا أجلد من سهل بن سعد، وهو أكبر من سهل، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لي.

وقال خليفة: قال أبو اليقظان: مات لأنس في طاعون الجارف ثمانون ابنا، ويقال: سبعون في سنة تسعٍ وستين.

وقال معاذ بن معاذ: حدثنا عمران، عن أيوب قال: ضعف أنس عن الصوم، فصنع جفنة من ثريد، ودعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم.

قلت: أنس رضي الله عنه، ممن استكمل مائة سنة بيقينٍ، فإنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر.

وقد قال شعيب بن الحبحاب: توفي سنة تسعين.

وقال أحمد بن حنبل: حدثنا معتمر، عن حميد: أن أنسا مات سنة إحدى وتسعين، وكذا قال قتادة، والهيثم بن عدي، وسعيد بن عفير، وأبو عبيدة.

وقال الواقدي: سنة اثنتين وتسعين، تابعه معن بن عيسى، عن ابنٍ لأنس بن مالك.

وقال سعيد بن عامر، وإسماعيل بن علية، وأبو نعيم، والمدائني، والفلاس، وخليفة، وقعنب، وغيرهم: سنة ثلاث.

وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: اختلف علينا مشيختنا في سن أنس، فقال بعضهم: بلغ مائة وثلاث سنين. وقال بعضهم: بلغ مائة وسبع سنين.

وقال يحيى بن بكير: توفي أنس وهو ابن مائة وسنة.

ص: 1062

قلت: وفي الصحابة:

13 -

4:‌

‌ أنس بن مالك الكعبي القشيري

، أبو أمية.

له حديث واحد لفظه: إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة.

روى عنه: أبو قلابة الجرمي، وعبد الله بن سوادة القشيري. حديثه في السنن.

14 -

م 4:‌

‌ أوس بن ضمعج الحضرمي

، ويقال: النخعي الكوفي.

عن: سلمان، وأبي مسعود الأنصاري، وعائشة.

وعنه: إسماعيل بن رجاء، وإسماعيل السدي، وإسماعيل بن أبي خالد، وأبو إسحاق السبيعي، وابنه عمران بن أوس.

قال ابن أبي خالد: كان من القراء الأول، وذكر له فضلا، وأثنى عليه شعبة.

روى له الخمسة حديثا واحدا في الإمامة.

15 -

ق بخ:‌

‌ أوسط البجلي الحمصي

ابن إسماعيل، وقيل: ابن عامر، وقيل: ابن عمرو.

نزل دمشق، وروى عن أبي بكر وعمر.

وعنه: سليم بن عامر الخبائري، ولقمان بن عامر، وحبيب بن عبيد.

له حديث واحد في سؤال العافية، عن الصديق.

ص: 1063

16 – خ:‌

‌ أيمن الحبشي

مولى عتبة بن أبي لهب الهاشمي، وعتيق بن مخزوم، وهو والد عبد الواحد بن أيمن.

روى عن: عائشة، وسعد، وجابر، لم يرو عنه إلا ابنه.

قال أبو زرعة: ثقة.

قلت: لم يخرج له إلا البخاري.

17 -

د ت:‌

‌ أيوب بن بشير بن سعد بن النعمان الأنصاري

المعاوي المدني أبو سليمان.

ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأرسل عنه، وروى عن: عمر، وحكيم بن حزام.

وتوهم أنه أخو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة.

وروى عنه أبو طوالة، وعاصم بن عمرو بن قتادة، والزهري.

قال ابن سعد: كان ثقة، شهد الحرة وجرح بها جراحات كثيرة، ومات بعد ذلك.

18 -

م ت ن:‌

‌ أيوب بن خالد بن صفوان

بن أوس الأنصاري النجاري المدني، نزيل برقة.

عن: أبيه، وجابر، وزيد بن خالد الجهني، وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة.

وعنه: عمر مولى غفرة، وإسماعيل بن أمية، وموسى بن عبيدة، ويزيد بن أبي حبيب.

وهو راوي حديث: خلق الله التربة يوم السبت الذي رواه مسلم.

19 -

‌ أيوب بن سليمان بن عبد الملك بن مروان

.

ولي غزو الصائفة، ورشحه أبوه لولاية العهد، فمات قبل أبيه بأيام.

ص: 1064

وفيه يقول جرير:

إن الإمام الذي ترجى نوافله بعد الإمام ولي العهد أيوب

20 -

خ د ت ن:‌

‌ بجالة بن عبدة التميمي

العنبري البصري، كاتب جزء بن معاوية.

عن: ابن عباس، وعبد الرحمن بن عوف، وعن كتاب عمر في المجوس.

وعنه: عمرو بن دينار، وقشير بن عمرو، وقتادة.

وثقه أبو زرعة، وذكره الجاحظ في نساك أهل البصرة.

21 -

ع:‌

‌ بسر بن سعيد المدني

مولى بني الحضرمي السيد العابد الفقيه.

روى عن: عثمان، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة، وطائفة.

روى عنه: بكير، ويعقوب ابنا عبد الله بن الأشج، وسالم أبو النضر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وزيد بن أسلم، وآخرون.

وثقه النسائي، وقبله يحيى بن معين.

وقال محمد بن سعد: كان من العباد المنقطعين والزهاد، كثير الحديث.

وورد أن الوليد سأل عمر بن عبد العزيز: من أفضل أهل المدينة؟ قال: مولى لبني الحضرمي يقال له: بسر.

وقيل: إن رجلا وشى على بسر عند الوليد بأنه يعيبكم، فأحضره وسأله، فقال: لم أقله، واللهم إن كنت صادقا فأرني به آية، فاضطرب الرجل حتى مات.

ص: 1065

توفي سنة مائة.

وقال مالك: مات بسر وما خلف كفنا.

22 -

ن:‌

‌ بسر بن محجن الديلي المدني

.

روى عن أبيه في صلاة الجماعة.

وعنه زيد بن أسلم، حديثه في الموطأ.

والأصح أنه بشر بالكسر، وشين معجمة.

وقال مالك وغيره: بالضم والإهمال.

23 -

ع:‌

‌ بشير بن نهيك أبو الشعثاء البصري

.

عن: بشير بن الخصاصية، وأبي هريرة، وله عنه صحيفة.

وعنه: أبو الوليد بركة المجاشعي، وأبو مجلز لاحق، والنضر بن أنس، وخالد بن سمير، ويحيى بن سعيد الأنصاري. وكان صالحا من الثقات.

وشذ أبو حاتم، فقال: لا يحتج به.

• - بشير بن كعب العلوي. تقدم.

24 -

د:‌

‌ بلال بن أبي الدرداء الدمشقي

، أبو محمد.

ولي إمرة دمشق، وحدث عن: أبيه، وامرأة أبيه أم الدرداء.

روى عنه: خالد بن محمد الثقفي، وحميد بن مسلم، وعلي بن زيد بن جدعان، وإبراهيم بن أبي عبلة، وحريز بن عثمان، وأبو بكر بن أبي مريم.

قال أبو مسهر: كان أسن من أم الدرداء.

وقال البخاري في تاريخه: بلال بن أبي الدرداء أمير الشام.

وقال سعيد بن عبد العزيز: إن أبا الدرداء ولي القضاء، ثم فضالة بن عبيد، ثم النعمان بن بشير، ثم بلال بن أبي الدرداء، فلما استخلف عبد الملك عزله بأبي إدريس الخولاني.

ص: 1066

وقال أبو عبيد: توفي سنة ثلاثٍ وتسعين.

25 -

‌ بلال بن أبي هريرة الدوسي

.

روى عن: أبيه.

روى عنه: الشعبي، ويعقوب بن محمد بن طحلاء، وغيرهما.

شهد صفين مع معاوية، وبقي إلى خلافة سليمان.

قال رجاء بن أبي سلمة، عن عبد الله بن أبي نعم: إنه دخل على سليمان بن عبد الملك، وإلى جانبه بلال بن أبي هريرة على السرير.

26 -

م د ن ق:‌

‌ تميم بن سلمة الكوفي

.

عن: شريح القاضي، وعبد الرحمن بن هلال العبسي، وعروة بن الزبير، ولا نعلم له رواية عن الصحابة.

روى عنه: طلحة بن مصرف، ومنصور، والأعمش.

ووثقه ابن معين. وتوفي سنة مائة.

27 -

م د ن ق:‌

‌ تميم بن طرفة الطائي الكوفي

.

يروي عن: جابر بن سمرة، وعدي بن حاتم.

روى عنه: سماك بن حرب، وعبد العزيز بن رفيع، والمسيب بن رافع.

وثقه النسائي.

توفي سنة أربعٍ وتسعين.

28 -

‌ ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام

، أبو مصعب، ويقال: أبو حكمة الأسدي الزبيري.

روى عن: سعد بن أبي وقاص، وقيس بن مخرمة.

وعنه: نافع، وإسحاق والد عباد بن إسحاق.

ووفد على عبد الملك بعد مقتل والده، ثم على سليمان بن عبد الملك.

ص: 1067

قال الزبير بن بكار: كان لسان آل الزبير جلدا وفصاحة وبيانا. وحدثني عمي مصعب قال: لم يزل بنو عبد الله: خبيب، وحمزة، وثابت، عند جدهم منظور بن زبان بالبادية، حتى تحرك ثابت، فقال: الحقوا بنا بأبينا، فزعموا أن ثابتا جمع القرآن في ثمانية أشهر، فزوجه أبوه، وكان يشهد القتال مع أبيه ويبارز، وكان قد أشار على أبيه أن يخرج من مكة، فلم يطعه، وقيده خوفا من هربه.

له أخبار في تاريخ دمشق.

29 -

خ د ق:‌

‌ ثعلبة بن أبي مالك القرظي

حليف الأنصار، إمام مسجد بني قريظة.

قال مصعب الزبيري: سنه سن عطية القرظي، وقصته كقصته.

روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر، وعثمان، وجماعة.

وعنه: الزهري، ويزيد بن الهاد، وعمر مولى غفرة، ويحيى بن سعيد، وجماعة.

• - ع: جابر بن زيد أبو الشعثاء. في الكنى.

30 -

سوى د:‌

‌ جعفر بن عمرو بن أمية الضمري المدني

، أخو عبد الملك بن مروان من الرضاعة.

روى عن: أبيه، ووحشي بن حرب، وأنس بن مالك.

روى عنه: سليمان بن يسار، وأبو قلابة، والزهري، وغيرهم.

وثقه أحمد العجلي.

توفي سنة خمسٍ أو ست وتسعين.

31 -

‌ جميل بن عبد الله بن معمر

، أبو عمرو العذري، الشاعر المشهور، صاحب بثينة.

روى عن أنس بن مالك. ووفد على عمر بن عبد العزيز، وهو القائل:

ص: 1068

ألا ليت ريعان الشباب جديد ودهرا تولى يا بثين يعود فكنا كما كنا نكون وأنتم صديقٌ وإذ ما تبذلين زهيد لكل حديثٍ عندهن بشاشةٌ وكل قتيلٍ عندهن شهيد وله يرويه ثعلب:

خليلي فيما عشتما هل رأيتما قتيلا بكى من حب قاتله قبلي أفي أم عمرو تعذلاني هديتما وقد تيمت قلبي وهام بها عقلي وله يرويه الصندلى:

أريتك إن أعطيتك الود عن قلى ولم يك عندي إن أبيت إباء أتاركتي للموت أنت فميتٌ وعندك لي لو تعلمين شفاء فواكبدي من حب من لا تجيبني ومن عبراتٍ ما لهن فناء وأنشد ابن الأنباري لجميل:

خليلي عوجا اليوم عني فسلما على عذبة الأنياب طيبة النشر فإنكما إن عجتما بي ساعة شكرتكما حتى أغيب في قبري وما لي لا أبكي وفي الأيك نائحٌ وقد فارقتني شختة الكشح والخصر أيبكي حمام الأيك من فقد إلفه وأصبر ما لي عن بثينة من صبر يقولون مسحورٌ يجن بذكرها فأقسم ما بي من جنونٍ ولا سحر وأقسم لا أنساك ما ذر شارقٌ وما أورق الأغصان في ورق السدر ذكرت مقامي ليلة الباب قابضا على كف حوراء المدامع كالبدر فكدت ولم أملك إليها صبابة أهيم وفاض الدمع مني على النحر أيا ليت شعري هل أبيتن ليلة كليلتنا حتى يرى ساطع الفجر فليت إلهي قد قضى ذاك مرة فيعلم ربي عند ذلك ما شكري

ص: 1069

ولو سألت مني حياتي بذلتها وجدت بها إن كان ذلك عن أمري

ولجميل:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادي القرى إني إذا لسعيد إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي من الحب قالت ثابتٌ ويزيد وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به مع الناس قالت ذاك منك بعيد فلا أنا مردودٌ بما جئت طالبا ولا حبها فيما يبيد يبيد

وله:

لما دنا البين بين الحي واقتسموا حبل النوى فهو في أيديهم قطع جادت بأدمعها ليلى وأعجلني وشك الفراق فما أبكي ولا أدع يا قلب ويحك لا عيش بذي سلمٍ ولا الزمان الذي قد مر يرتجع أكلما مر حي لا يلائمهم ولا يبالون أن يشتاق من فجعوا علقتني بهوى منهم فقد كربت من الفراق حصاة القلب تنصدع

له مطلع قصيدة:

ألا أيها النوام ويحكم هبوا أسائلكم هل يقتل الرجل الحب

قال الزبير بن بكار: قال عباس بن سهل الساعدي: بينا أنا بالشام، إذ لقيني رجلٌ فقال: هل لك في جميلٍ نعوده، فإنه ثقيل؟ فدخلنا عليه وهو يجود بنفسه، وما يخيل إلي أن الموت يكرثه، فقال: يا ابن سهل، ما تقول في رجلٍ لم يشرب الخمر قط، ولم يزن، ولم يقتل نفسا يشهد أن لا إله إلا الله؟ قلت: أظنه قد نجا، فمن هو؟ قال: أنا، فقلت: ما أحسبك سلمت، أنت تشبب منذ عشرين سنة ببثينة، فقال: لا نالتني شفاعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إن كنت وضعت يدي عليها لريبةٍ، فما برحنا حتى مات، رحمه الله تعالى.

ص: 1070

32 -

بخ:‌

‌ حبيب بن صهبان الأسدي الكاهلي الكوفي

.

عن: عمر، وعمار.

وعنه: الأعمش، وأبو حصين الأسدي، والمسيب بن رافع.

33 -

‌ الحجاج بن يوسف بن الحكم

بن أبي عقيل بن مسعود الثقفي، أمير العراق، أبو محمد.

ولد سنة أربعين، أو إحدى وأربعين.

وروى عن: ابن عباس، وسمرة بن جندب، وأسماء بنت الصديق، وابن عمر.

روى عنه: ثابت البناني، وقتيبة بن مسلم، وحميد الطويل، ومالك بن دينار.

وكان له بدمشق آدر.

ولي إمرة الحجاز، ثم ولي العراق عشرين سنة.

قال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون.

وقال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت أحدا أفصح من الحسن والحجاج، والحسن أفصحهما.

وقال علي بن زيد بن جدعان: قيل لسعيد بن المسيب: ما بال الحجاج لا يهيجك كما يهيج الناس؟ قال: لأنه دخل المسجد مع أبيه، فصلى، فأساء الصلاة، فحصبته، فقال: لا أزال أحسن صلاتي ما حصبني سعيد.

وفي صحيح مسلم أن أسماء بنت أبي بكر قالت للحجاج: أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه.

وقال أبو عمر الحوضي: حدثنا الحكم بن ذكوان، عن شهر بن حوشب: أن الحجاج كان يخطب وابن عمر في المسجد، فخطب الناس حتى أمسى، فناداه ابن عمر: أيها الرجل الصلاة! فأقعد، ثم ناداه الثانية، فأقعد، ثم ناداه الثالثة، فأقعد، فقال لهم: أرأيتم إن نهضت أتنهضون؟ قالوا: نعم، فنهض فقال: الصلاة، فلا أرى لك فيها حاجة، فنزل الحجاج فصلى، ثم دعا به فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: إنما نجيء للصلاة فإذا حضرت الصلاة فصل الصلاة لوقتها، ثم نقنق بعد ذلك ما شئت من نقنقة.

ص: 1071

وقال أبو صالح كاتب الليث: حدثني حرملة بن عمران، عن كعب بن علقمة، قال: قدم مروان مصر ومعه الحجاج بن يوسف وأبوه، فبينا هو في المسجد مر بهم سليم بن عتر، وكان قاص الجند، وكان خيارا، فقال الحجاج: لو أجد هذا خلف حائط المسجد ولي عليه سلطانٌ لضربت عنقه، إن هذا وأصحابه يثبطون عن طاعة الولاة، فشتمه والده ولعنه وقال: ألم تسمع القوم يذكرون عنه خيرا، ثم تقول هذا؟ أما والله إن رأيي فيك أنك لا تموت إلا جبارا شقيا. وكان أبو الحجاج فاضلا.

وعن يزيد بن أبي مسلم الثقفي قال: كان الحجاج على مكة، فكتب إليه عبد الملك بولايته على العراق، فخرج في نفرٍ ثمانية أو تسعة على النجائب.

قال عبد الله بن شوذب: ما رؤي مثل الحجاج لمن أطاعه، ولا مثله لمن عصاه.

وروى ابن الكلبي، عن عوانة بن الحكم قال: سمع الحجاج تكبيرا في السوق وهو في الصلاة، فلما انصرف صعد المنبر وقال: يا أهل العراق، وأهل الشقاق والنفاق، ومساوئ الأخلاق، قد سمعت تكبيرا ليس بالتكبير الذي يراد به الله في الترهيب، ولكنه الذي يراد به الترغيب، إنها عجاجةٌ تحتها قصفٌ، أي بني اللكيعة، وعبيد العصا، وأولاد الإماء، ألا يرقأ الرجل منكم على ضلعه، ويحسن حمل رأسه، وحقن دمه، ويبصر موضع قدمه، والله ما أرى الأمور تنفل بي وبكم حتى أوقع بكم وقعة تكون نكالا لما قبلها، وتأديبا لما بعدها.

وقال سيار أبو الحكم: سمعت الحجاج على المنبر يقول: أيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل، رجل خطم نفسه وزمها، فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وعنجها بزمامها عن معاصي الله.

ص: 1072

وقال مالك بن دينار: سمعت الحجاج يخطب، فقال: امرؤٌ زود نفسه قبل أن يكون الحساب إلى غيره، امرؤ نظر إلى ميزانه، فما زال يقول: امرؤ، حتى أبكاني.

وعن الحجاج قال: امرؤٌ عقل عن الله أمره، امرؤٌ أفاق واستفاق وأبغض المعاصي والنفاق، وكان إلى ما عند الله بالأشواق.

وعن الحجاج أنه خطب فقال: أيها الناس الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله، فقام إليه رجل فقال: ويحك ما أصفق وجهك، وأقل حياءك، تفعل ما تفعل، ثم تقول مثل هذا؟ فأخذوه، فلما نزل دعا به فقال: لقد اجترأت، فقال: يا حجاج، أنت تجترئ على الله فلا تنكره على نفسك، وأجترئ أنا عليك فتنكره علي؟ فخلى سبيله.

وقال شريك، عن عبد الملك بن عمير قال: قال الحجاج يوما: من كان له بلاء فليقم فلنعطه على بلائه، فقام رجل فقال: أعطني على بلائي. قال: وما بلاؤك؟ قال: قتلت الحسين. قال: وكيف قتلته؟ قال: دسرته والله بالرمح دسرا، وهبرته بالسيف هبرا، وما أشركت معي في قتله أحدا، قال: أما إنك وإياه لن تجتمعا في موضع واحد، فقال له: اخرج.

وروى شريك، عن عبد الملك بن عمير. ورواه صالح بن موسى الطلحي، عن عاصم بن بهدلة أنهم ذكروا الحسين رضي الله عنه، فقال الحجاج: لم يكن من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يحيى بن يعمر: كذبت أيها الأمير، فقال: لتأتيني على ما قلت ببينةٍ من كتاب الله، أو لأقتلنك. فقال قوله تعالى:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ} إلى قوله: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى} فأخبر الله تعالى أن عيسى من ذرية آدم بأمه، قال: صدقت، فما حملك على تكذيبي في مجلسي؟ قال: ما أخذ الله على الأنبياء {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} قال: فنفاه إلى خراسان.

وقال أبو بكر بن عياش، عن عاصم: سمعت الحجاج، وذكر هذه الآية:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} فقال: هذه لعبد الله، لأمين الله وخليفته، ليس فيها مثنوية، والله لو أمرت رجلا يخرج

ص: 1073

من باب هذا المسجد، فأخذ من غيره لحل لي دمه وماله، والله لو أخذت ربيعة بمضر لكان لي حلالا، يا عجبا من عبد هذيل يزعم أنه يقرأ قرآنا من عند الله، ما هو إلا رجز من رجز الأعراب، والله لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه. رواها واصل بن عبد الأعلى شيخ مسلم، عن أبي بكر.

قاتل الله الحجاج ما أجرأه على الله، كيف يقول هذا في العبد الصالح عبد الله بن مسعود!

قال أبو بكر بن عياش: ذكرت قوله هذا للأعمش، فقال: قد سمعته منه.

ورواها محمد بن يزيد، عن أبي بكر، فزاد: ولا أجد أحدا يقرأ علي قراءة ابن أم عبد إلا ضربت عنقه، ولأحكنها من المصحف ولو بضلع خنزير.

وروها ابن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة.

وقال الصلت بن دينار: سمعت الحجاج يقول: ابن مسعود رأس المنافقين، لو أدركته لأسقيت الأرض من دمه.

وقال ضمرة، عن ابن شوذب قال: ربما دخل الحجاج على دابته حتى يقف على حلقة الحسن، فيستمع إلى كلامه، فإذا أراد أن ينصرف يقول: يا حسن لا تمل الناس. قال: فيقول: أصلح الله الأمير، إنه لم يبق إلا من لا حاجة له.

قال الأصمعي: قال عبد الملك للحجاج: إنه ليس أحد إلا وهو يعرف عيبه، فعب نفسك. قال: أعفني يا أمير المؤمنين، فأبى عليه، فقال: أنا لجوجٌ حقودٌ حسودٌ، فقال: ما في الشيطان شر مما ذكرت.

وقال عبد الله بن صالح: حدثنا معاوية بن صالح، عن شريح بن عبيد، عمن حدثه، قال: أخبر عمر بأن أهل العراق قد حصبوا أميرهم، فخرج غضبان، فصلى فسها في صلاته، حتى جعلوا يقولون: سبحان الله، سبحان الله، فلما سلم أقبل على الناس، فقال: من هاهنا من أهل الشام؟ فقام رجل، ثم آخر، ثم قمت أنا، فقال: يا أهل الشام، استعدوا لأهل العراق، فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ، اللهم إنهم قد لبسوا علي فألبس عليهم،

ص: 1074

وعجل عليهم بالغلام الثقفي، يحكم فيها بحكم الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم.

وقال يزيد بن هارون: أخبرنا العوام بن حوشب قال: حدثني حبيب بن أبي ثابت، قال: قال علي رضي الله عنه لرجل: لا مت حتى تدرك فتى ثقيف، قيل: يا أمير المؤمنين، ما فتى ثقيف؟ قال: ليقالن له يوم القيامة: اكفنا زاوية من زوايا جهنم، رجلٌ يملك عشرين سنة، أو بضعا وعشرين سنة، لا يدع لله معصية إلا ارتكبها.

وقال جعفر بن سليمان: حدثنا مالك بن دينار، عن الحسن: أن عليا كان على المنبر فقال: اللهم إني ائتمنتهم فخانوني، ونصحتهم فغشوني، اللهم فسلط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم وأموالهم بحكم الجاهلية.

وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي ذئب، عن إسحاق بن يزيد: قال رأيت أنسا رضي الله عنه مختوما في عنقه ختمة الحجاج، أراد أن يذله بذلك.

قال الواقدي: قد فعل ذلك بغير واحدٍ من الصحابة، يريد أن يذلهم بذلك، وقد مضت لهم العزة بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال جرير بن عبد الحميد، عن سماك بن موسى الضبي قال: أمر الحجاج أن توجأ عنق أنس، وقال: أتدرون من هذا؟ هذا خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلته به لأنه سيئ البلاء في الفتنة الأولى، غاش الصدر في الفتنة الآخرة.

وروى إسماعيل بن أبي خالد: قال الشعبي: يأتي على الناس زمانٌ يصلون فيه على الحجاج.

وعن أيوب السختياني قال: أراد الحجاج قتل الحسن مرارا، فعصمه الله منه، واختفى مرة في بيت علي بن زيد سنتين.

قلت: لأن الحسن كان يذم الأمراء الظلمة مجملا، فأغضب ذلك الحجاج.

ص: 1075

وعن مالك بن دينار قال: إن الحجاج عقوبةٌ سلطه الله عليكم، فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف، ولكن استقبلوها بالدعاء والتضرع.

وقال أبو عاصم النبيل: حدثني جليسٌ لهشام بن أبي عبد الله قال: قال عمر بن عبد العزيز لعنبسة بن سعيد: أخبرني ببعض ما رأيت من عجائب الحجاج. قال: كنا جلوسا عنده ليلة، فأتي برجلٍ، فقال: ما أخرجك هذه الساعة! وقد قلت: لا أجد فيها أحدا إلا فعلت به؟ قال: أما والله لا أكذب الأمير، أغمي على أمي منذ ثلاثٍ، فكنت عندها، فلما أفاقت الساعة قالت: يا بني، أعزم عليك إلا رجعت إلى أهلك، فإنهم مغمومون لتخلفك عنهم، فخرجت، فأخذني الطائف، فقال: ننهاكم وتعصونا، اضرب عنقه! ثم أتي برجلٍ آخر، فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟! قال: والله لا أكذبك، لزمني غريمٌ فلما كانت الساعة أغلق الباب وتركني على بابه، فجاءني طائفك فأخذني، فقال: اضربوا عنقه. ثم أتي بآخر، فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟! قال: كنت مع شربةٍ أشرب، فلما سكرت خرجت، فأخذوني، فذهب عني السكر فزعا، فقال: يا عنبسة ما أراه إلا صادقا، خلوا سبيله، فقال عمر لعنبسة، فما قلت له شيئا؟ فقال: لا، فقال عمر لآذنه: لا تأذن لعنبسة علينا، إلا أن يكون في حاجة.

وقال بسطام بن مسلم، عن قتادة قال: قيل لسعيد بن جبير: خرجت على الحجاج؟ قال: إني والله ما خرجت عليه حتى كفر.

وقال هشام بن حسان: أحصوا ما قتل الحجاج صبرا، فبلغ مائة ألفٍ وعشرين ألفا.

وقال عباد بن كثير، عن قحذم، قال: أطلق سليمان بن عبد الملك في غداةٍ واحدةٍ واحدا وثمانين ألف أسير، وعرضت السجون بعد موت الحجاج، فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفا، لم يجب على أحدٍ منهم قطعٌ ولا صلبٌ.

وقال الهيثم بن عدي: مات الحجاج، وفي سجنه ثمانون ألفا، منهم ثلاثون ألف امرأة.

وعن عمر بن عبد العزيز، قال: لو تخابثت الأمم، وجئنا بالحجاج

ص: 1076

لغلبناهم، ما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة، ولي العراق، وهو أوفر ما يكون من العمارة، فأخس به حتى صيره أربعين ألف ألف، ولقد أدي إلي في عامي هذا ثمانون ألف ألف وزيادة.

وقال جعفر بن سليمان: حدثنا مالك بن دينار قال: كنا إذا صلينا خلف الحجاج، فإنما نلتفت ما بقي علينا من الشمس، فقال: إلامَ تلتفتون، أعمى الله أبصاركم، إنا لا نسجد لشمسٍ ولا لقمرٍ، ولا لحجرٍ، ولا لوبر.

وقال عاصم بن أبي النجود: ما بقيت لله حرمة إلا وقد انتهكها الحجاج.

وقال طاوس: إني لأعجب من أهل العراق، يسمون الحجاج مؤمنا.

وقال سفيان، عن منصور، قال: ذكرت لإبراهيم لعن الحجاج أو بعض الجبابرة، فقال: أليس الله يقول: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وكفى بالرجل عمى أن يعمى عن أمر الحجاج.

وقال ابن عون: قيل لأبي وائل: تشهد على الحجاج أنه في النار؟ فقال: سبحان الله أحكم على الله!

وقال عوف: ذكر الحجاج عند ابن سيرين، فقال: مسكين أبو محمد، إن يعذبه الله فبذنبه، وإن يغفر له فهنيئا.

وقال رجل للثوري: اشهد على الحجاج وأبي مسلم أنهما في النار. فقال: لا، إذا أقرا بالتوحيد.

وقال العباس الأزرق، عن السري بن يحيى، قال: مر الحجاج في يوم جمعةٍ، فسمع استغاثة، فقال: ما هذا؟ قيل: أهل السجون يقولون: قتلنا الحر، فقال: قولوا لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} قال: فما عاش بعد ذلك إلا أقل من جمعة.

وقال الأصمعي: بنى الحجاج واسطا في سنتين وفرغ منها سنة ست وثمانين.

وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا الصلت بن دينار قال: مرض الحجاج، فأرجف به أهل الكوفة، فلما عوفي صعد المنبر وهو يتثنى على أعواده، فقال: يا أهل الشقاق والنفاق والمراق، نفخ الشيطان في مناخركم، فقلتم: مات الحجاج، فمه والله ما أرجو الخير إلا بعد الموت، وما رضي

ص: 1077

الله الخلود لأحدٍ من خلقه إلا لأهونهم عليه إبليس، وقد قال العبد الصالح سليمان:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فكان ذلك، ثم اضمحل فكأن لم يكن، يا أيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل، كأني بكل حي ميت، وبكل رطب يابس، وبكل امرئٍ في ثياب طهور إلى بيت حفرته، فخد له في الأرض خمسة أذرع طولا في ذراعين عرضا، فأكلت الأرض من لحمه، ومصت من صديده ودمه.

وقال محمد بن المنكدر: كان عمر بن عبد العزيز يبغض الحجاج، فنفس عليه بكلمة قالها عند الموت: اللهم اغفر لي فإنهم يزعمون أنك لا تفعل.

وقال إبراهيم بن هشام الغساني، عن أبيه، عن جده، أن عمر بن عبد العزيز، قال: ما حسدت الحجاج عدو الله على شيءٍ حسدي إياه على حبه القرآن وإعطائه أهله، وقوله حين احتضر: اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل.

وقال الأصمعي: قال الحجاج لما احتضر:

يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا بأنني رجل من ساكني النار أيحلفون على عمياء ويحهم ما علمهم بكثير العفو ستار

فأخبر الحسن فقال: إن نجا فبهما.

وقال عثمان بن عمرو المخزومي: حدثنا علي بن زيد، قال: كنت عند الحسن، فأخبر بموت الحجاج، فسجد.

وقال حماد بن أبي سليمان: قلت لإبراهيم النخعي: مات الحجاج، فبكى من الفرح.

قال أبو نعيم، وجماعة: توفي ليلة سبعٍ وعشرين في رمضان سنة خمسٍ وتسعين.

قلت: عاش خمسا وخمسين سنة.

قال ابن شوذب، عن أشعث الحداني قال: رأيت الحجاج في منامي بحالٍ سيئة، قلت: ما فعل بك ربك؟ قال: ما قتلت أحدا قتلة، إلا قتلني بها، قلت: ثم مه. قال: ثم أمر بي إلى النار، قلت: ثم مه. قال: ثم أرجو ما يرجو أهل لا إله إلا الله، فكان ابن سيرين يقول: إني لأرجو له، فبلغ

ص: 1078

ذلك الحسن، فقال: أما والله ليخلفن الله رجاءه فيه.

ذكر ابن خلكان أنه مات بواسط، وعفي قبره وأجروا عليه الماء.

وعندي مجلد في أخبار الحجاج فيه عجائب، لكن لا أعرف صحتها.

34 -

خ:‌

‌ حرملة مولى أسامة بن زيد

.

عن مولاه، وعن زيد بن ثابت - ولزمه مدة حتى نسب إليه - وعن: علي، وابن عمر.

وعنه: أبو بكر بن حزم، وأبو جعفر الباقر، والزهري.

35 -

ت ن ق:‌

‌ حسان بن بلال المزني البصري

.

عن: عمار بن ياسر، وحكيم بن حزام، وغيرهما.

وعنه: أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، وعبد الكريم بن أبي المخارق، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير.

وثقه علي ابن المديني.

36 -

ن:‌

‌ حسان بن أبي وجزة مولى قريش

.

عن: عبد الله بن عمرو بن العاص، وعقار بن المغيرة.

وعنه: مجاهد، ويعلى بن عطاء.

له في السنن، عن عقار، عن أبيه حديث: ما توكل من اكتوى أو استرقى.

37 -

ن:‌

‌ الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

بن عبد المطلب بن هاشم، أبو محمد المدني.

روى عن: أبيه، وعبد الله بن جعفر.

وعنه: ابنه عبد الله، وابن عمه الحسن بن محمد ابن الحنفية، وسهيل بن أبي صالح، وإسحاق بن يسار، والوليد بن كثير، وفضيل بن مرزوق.

ص: 1079

قال الليث بن سعد: حدثني ابن عجلان، عن سهيل، وسعيد بن أبي سعيد مولى المهري، عن حسن بن حسن بن علي، أنه رأى رجلا وقف على البيت الذي فيه قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له ويصلي عليه، فقال للرجل: لا تفعل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا بيتي عيدا، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني. هذا حديث مرسل.

قال الزبير: أم الحسن هذا هي خولة بنت منظور الفزاري، وهي أم إبراهيم، وداود، وأم القاسم بنو محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي، قال: وكان الحسن وصي أبيه، وولي صدقة علي، قال له الحجاج يوما وهو يسايره في موكبه بالمدينة، إذ كان أمير المدينة: أدخل عمك عمر بن علي معك في صدقة علي، فإنه عمك وبقية أهلك، قال: لا أغير شرط علي. قال: إذا أدخله معك. فسافر إلى عبد الملك بن مروان، فرحب به ووصله، وكتب له إلى الحجاج كتابا لا يجاوزه.

وقال زائدة، عن عبد الملك بن عمير: حدثني أبو مصعب أن عبد الملك كتب إلى هشام بن إسماعيل عامل المدينة: بلغني أن الحسن بن الحسن يكاتب أهل العراق، فإذا جاءك كتابي فاستحضره. قال: فجيء به، فقال له علي بن الحسين: يا ابن عم، قل كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرض رب العرش الكريم قال: فخلي عنه.

ورويت من وجهٍ آخر، عن عبد الملك بن عمير، لكن قال: كتب الوليد إلى عثمان المري: انظر الحسن بن الحسن فاجلده مائة ضربةٍ، وقفه للناس يوما، ولا أراني إلا قاتله، قال: فعلمه علي بن الحسين كلماتٍ الكرب.

وقال فضيل بن مرزوق: سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجلٍ من الرافضة: إن قتلك قربةٌ إلى الله، فقال: إنك تمزح. فقال: والله ما هو مني بمزاح.

ص: 1080

وقال مصعب الزبيري: كان فضيل بن مرزوق يقول: سمعت الحسن يقول لرجلٍ من الرافضة: ويحكم أحبونا، فإن عصينا الله فابغضونا، فلو كان الله نافعا أحدا بقرابته من رسول الله بغير طاعةٍ لنفع أباه وأمه.

وقال فضيل بن مرزوق: قال الحسن بن الحسن: دخل علي المغيرة بن سعيد، يعني الذي أحرق في الزندقة، فذكر من قرابتي وشبهي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أشبه وأنا شاب برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لعن أبا بكر وعمر، فقلت: يا عدو الله، أعندي؟! ثم خنقته، والله، حتى دلع لسانه.

توفي سنة سبعٍ وتسعين.

38 -

سوى ت:‌

‌ الحسن بن عبد الله العرني الكوفي

.

عن: ابن عباس، وعمرو بن حريث، وعبيد بن نضيلة، وعلقمة بن قيس، ويحيى بن الجزار.

وعنه: عزرة بن عبد الرحمن، وسلمة بن كهيل، والحكم بن عتيبة، وأبو المعلى يحيى بن ميمون، وغيرهم.

وثقه أبو زرعة، وغيره.

39 -

ع:‌

‌ الحسن بن محمد ابن الحنفية

أبو محمد، وأخو أبي هاشم عبد الله.

وكان الحسن هو المقدم في الهيئة والفضل.

روى عن: جابر، وابن عباس، وأبيه محمد ابن الحنفية، وسلمة بن الأكوع، وأبي سعيد الخدري، وعبيد الله بن أبي رافع.

روى عنه: الزهري، وعمرو بن دينار، وموسى بن عبيدة، وأبو سعد البقال، وآخرون.

قال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا أعلم بما اختلف فيه الناس من الحسن بن محمد، ما كان زهريكم إلا غلاما من غلمانه.

ص: 1081

وقال مسعر: كان الحسن بن محمد يفسر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا: ليس مثلنا.

وقال سلام بن أبي مطيع: عن أيوب السختياني قال: أنا أكبر من المرجئة، إن أول من تكلم في الإرجاء رجلٌ من بني هاشم يقال له: الحسن بن محمد.

وقال عطاء بن السائب، عن زاذان، وميسرة: إنهما دخلا على الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، فلاماه على الكتاب الذي وضعه في الإرجاء، فقال: لوددت أني مت ولم أكتبه.

وقال يحيى بن سعيد، عن عثمان بن إبراهيم بن حاطب: أول من تكلم في الإرجاء الحسن بن محمد، كنت حاضرا يوم تكلم، وكنت في حلقته مع عمي، وكان في الحلقة جخدب وقوم معه، فتكلموا في عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فأكثروا، فقال الحسن: سمعت مقالتكم هذه، ولم أر مثل أن يرجأ عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فلا يتولوا ولا يتبرأ منهم، ثم قام فقمنا، وبلغ أباه محمد ابن الحنفية ما قال، فضربه بعصا فشجه، وقال: لا تَوَلَّى أباك عليا! قال: وكتب الرسالة التي ثبت فيها الإرجاء بعد ذلك.

قال ابن سعد: هو أول من تكلم في الإرجاء، وكان من ظرفاء بني هاشم وعقلائهم، ولا عقب له. وأمه جمال بنت قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف بن قصي.

قلت: الإرجاء الذي تكلم به معناه أنه يرجئ أمر عثمان وعلي إلى الله، فيفعل فيهم ما يشاء، ولقد رأيت أخبار الحسن بن محمد في مسند علي رضي الله عنه ليعقوب بن شيبة، فأورد في ذلك كتابه في الإرجاء، وهو نحو ورقتين، فيها أشياء حسنة، وذلك أن الخوارج تولت الشيخين، وبرئت من عثمان وعلي، فعارضتهم السبئية، فبرئت من أبي بكر، وعمر، وعثمان، وتولت عليا وأفرطت فيه، وقالت المرجئة الأولى: نتولى الشيخين ونرجئ عثمان وعليا فلا نتولاهما ولا نتبرأ منهما.

وقال محمد بن طلحة عن زبيد اليامي: قال: اجتمع قراء الكوفة قبل

ص: 1082

الجماجم، فأجمع رأيهم على أن الشهادات والبراءات بدعة، منهم أبو البختري.

وقال إبراهيم بن عيينة: حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال: كان الحسن بن محمد إذا قدم مكة نزل على أبي، فيجتمع عليه إخوانه، فيقول لي: اقرأ عليهم هذه الرسالة، فكنت أقرؤها: أما بعد، فإنا نوصيكم بتقوى الله ونحثكم على أمره، إلى أن قال: ونضيف ولايتنا إلى الله ورسوله، ونرضى من أئمتنا بأبي بكر، وعمر أن يطاعا، ونسخط أن يعصيا، ونرجئ أهل الفرقة، فإن أبا بكر، وعمر، لم تقتتل فيهم الأمة، ولم تختلف فيهم الدعوة، ولم يشك في أمرهما، وإنما الإرجاء فيما غاب عن الرجال ولم يشهدوه، فمن أنكر علينا الإرجاء وقال: متى كان الإرجاء؟ قلنا: كان على عهد موسى، إذ قال له فرعون:{فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} إلى أن قال: منهم شيعة متمنية ينقمون المعصية على أهلها ويعملون بها، اتخذوا أهل بيتٍ من العرب إماما، وقلدوهم دينهم، يوالون على حبهم، ويعادون على بغضهم، جفاةٌ للقرآن، أتباع للكهان، يرجون الدولة في بعثٍ يكون قبل قيام الساعة، حرفوا كتاب الله وارتشوا في الحكم، وسعوا في الأرض فسادا، وذكر الرسالة بطولها.

وقال ابن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: قرأت رسالة الحسن بن محمد على أبي الشعثاء، فقال لي: ما أحببت شيئا كرهه، ولا كرهت شيئا أحبه.

وعن محمد بن الحكم، عن عوانة قال: قدم الحسن بن محمد الكوفة بعد قتل المختار، فمضى إلى نصيبين، وبها نفرٌ من الخشبية، فرأسوه عليهم، فسار إليهم مسلم بن الأسير من الموصل، وهو من شيعة ابن الزبير، فهزمهم وأسر الحسن، فبعث به إلى ابن الزبير، فسجنه بمكة فقيل: إنه هرب من الحبس، وأتى أباه إلى منى.

قال العجلي: هو تابعي ثقة.

وقال أبو عبيد: توفي سنة خمس وتسعين.

ص: 1083

وقال خليفة: مات في خلافة عمر بن عبد العزيز.

40 -

د ن ق:‌

‌ حصين بن قبيصة الفزاري الكوفي

.

عن: علي، وابن مسعود، والمغيرة.

وعنه: عبد الملك بن عمير، والركين بن الربيع الفزاري، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود.

ذكره ابن حبان في الثقات.

• - حصين أبو ساسان في الكنى.

41 -

ع:‌

‌ حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي

العدوي المدني.

روى عن: أبيه، وعمه عبد الله، وأبي هريرة، وعبد الله بن بحينة، وأبي سعيد بن المعلى.

روى عنه: عمر، وعيسى، ورباح بنوه، وابن عمه سالم بن عبد الله، ونسيبه عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، وسعد بن إبراهيم، وابن شهاب الزهريان، وخبيب بن عبد الرحمن، وغيرهم.

وكان من سروات بني عدي، مجمعٌ على ثقته.

42 -

‌ الحكم بن أيوب بن الحكم

بن أبي عقيل الثقفي، ابن عم الحجاج.

روى عن أبي هريرة، وعنه الجريري.

وقال أبو حاتم: مجهول.

وقال خليفة: ولي البصرة لما قدم الحجاج العراق، فلما وثب ابن الأشعث على البصرة لحق بالحجاج.

ص: 1084

43 -

خ د ق:‌

‌ حمزة بن أبي أسيد مالك

بن ربيع الأنصاري الساعدي المدني.

روى عن: أبيه، والحارث بن زياد الأنصاري.

روى عنه: ابناه مالك، ويحيى، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وعبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل.

وقال ابن الغسيل: توفي زمن الوليد.

44 -

م ن ق:‌

‌ حمزة بن المغيرة بن شعبة الثقفي

.

عن أبيه في المسح.

وعنه: بكر بن عبد الله المزني، وإسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، وغيرهما.

45 -

ع:‌

‌ حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني

، وأمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط من المهاجرات، وهي أخت عثمان بن عفان لأمه.

روى عن: أبويه، وعثمان، وسعيد بن زيد، وأبي هريرة، وابن عباس، وجماعة.

روى عنه: سعد ابن أخيه إبراهيم، وقتادة، وابن أبي مليكة، والزهري، وصفوان بن سليم، وغيرهم.

وقيل: إنه أدرك عمر، والصحيح أنه لم يدركه.

وكان فقيها نبيلا شريفا.

وثقه أبو زرعة وغيره.

وتوفي سنة خمسٍ وتسعين، وأما سنة خمس ومائة فغلطٌ.

46 -

ع:‌

‌ حميد بن عبد الرحمن الحميري البصري

.

عن: أبي هريرة، وأبي بكرة، وابن عمر، وثلاثةٍ من ولد سعد بن أبي وقاص، وسعد بن هشام، وغيرهم.

وعنه: عبد الله بن بريدة، وابن سيرين، ومحمد بن المنتشر، وقتادة، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية، وداود بن عبد الله الأودي، وجماعة.

ص: 1085

قال العجلي: تابعي ثقة، ثم قال: كان ابن سيرين يقول: هو أفقه أهل البصرة.

قلت: رواه منصور بن زاذان، عن ابن سيرين.

وقال هشام، عن ابن سيرين: كان حميد بن عبد الرحمن أعلم أهل المصرين. يعني الكوفة والبصرة.

47 -

م 4:‌

‌ حنش بن عبد الله بن عمرو بن حنظلة

، أبو رشدين السبئي الصنعاني، صنعاء دمشق لا صنعاء اليمن.

روى عن: فضالة بن عبيد، وأبي هريرة، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، ورويفع بن ثابت.

روى عنه: ابنه الحارث، وقيس بن الحجاج، وعبد الله بن هبيرة، وخالد بن أبي عمران، وعامر بن يحيى المعافري، والجلاح أبو كثير، وربيعة بن سليم.

وغزا المغرب، وسكن إفريقية، ولهذا عامة أصحابه مصريون. وتوفي غازيا بإفريقية سنة مائة.

وثقه العجلي وأبو زرعة.

وأما أبو سعيد بن يونس، فقال: حنش الصنعاني كان مع علي بالكوفة، وقدم مصر بعد قتل علي، وغزا المغرب مع رويفع بن ثابت، وكان فيمن ثار مع ابن الزبير، فأتي به عبد الملك بن مروان في وثاق، فعفا عنه، وله عقب بمصر، وهو أول من ولي عشور إفريقية، وبها توفي سنة مائة.

وكذا قال الواقدي في وفاة حنش الصنعاني.

قلت: وهم ابن يونس وابن عساكر في أنه صاحب علي؛ لأن صاحب علي اسمه كما ذكرنا حنش بن ربيعة أو ابن المعتمر، وهو كناني كوفي، وقد روى عنه جماعةٌ من الكوفيين، كالحكم بن عتيبة، وإسماعيل بن أبي خالد، الذين لم يروا مصر ولا إفريقية، فتبين أنهما رجلان.

ص: 1086

ولحنش صاحب علي ترجمة في الكامل لابن عدي، وقال: ما أظن أنه يروي عن غير علي. قلت: وقد تقدمت ترجمته.

48 -

م د ن ق:‌

‌ حنظلة بن علي الأسلمي المدني

.

يروي عن: حمزة بن عمرو الأسلمي، وأبي هريرة، وخفاف بن إيماء، وغيرهم.

روى عنه: عبد الرحمن بن حرملة، وعمران بن أبي أنس، والزهري، وأبو الزناد، وآخرون.

وثقه النسائي.

49 -

سوى ت:‌

‌ حنظلة بن قيس الأنصاري الزرقي المدني

.

يروي عن: عمر، وعثمان - إن صح -، وعن أبي اليسر السلمي، ورافع بن خديج، وغيرهما. وكان عاقلا ذا رأي ونبل وفضل.

روى عنه: الزهري، وربيعة الرأي، ويحيى بن سعيد.

وكان من الثقات.

50 -

‌ حوشب بن سيف أبو هبيرة السكسكي

، ويقال: المعافري الحمصي.

عن: فضالة بن عبيد، ومعاوية، ومالك بن يخامر.

وعنه: صفوان بن عمرو، وشداد بن أفلح المقرائي.

وثقه أحمد العجلي.

51 -

ع:‌

‌ خارجة بن زيد بن ثابت بن الضحاك

بن زيد بن لوذان، أبو زيد الأنصاري الخزرجي النجاري المدني الفقيه، وأمه أم سعد بنت أحد النقباء سعد بن الربيع.

روى عن: أبيه، وعمه يزيد، وأم العلاء الأنصارية، وعبد الرحمن بن أبي عمرة.

روى عنه: ابنه سليمان، والزهري، ويزيد بن عبد الله بن قسيط،

ص: 1087

وعثمان بن حكيم، وأبو الزناد، وغيرهم.

وكان يفتي بالمدينة مع عروة وطبقته، عدوه من الفقهاء السبعة.

وثقه العجلي وغيره.

قال مصعب بن عبد الله: كان خارجة بن زيد، وطلحة بن عبد الله بن عوف في زمانهما يستفتيان وينتهي الناس إلى قولهما، ويقسمان المواريث من الدور والنخل والأموال بين أهلها، ويكتبان الوثائق للناس.

وقال معن القزاز: حدثنا زيد بن السائب أن سليمان بن عبد الملك أجاز خارجة بن زيدٍ بمالٍ فقسمه.

وقال يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة: سمعت خارجة بن زيد يقول: والله لقد رأيتنا ونحن غلمانٌ شبابٌ في زمان عثمان، فدفن في مؤخر البقيع.

وقال الواقدي: حدثنا محمد بن بشر بن حميد المزني، عن أبيه قال: قال رجاء بن حيوة: يا أمير المؤمنين قدم قادمٌ الساعة فأخبرنا أن خارجة بن زيدٍ مات، فاسترجع عمر بن عبد العزيز، وصفق بإحدى يديه على الأخرى وقال: ثلمة، والله في الإسلام.

قال الواقدي، والهيثم بن عدي، والجماعة: توفي سنة مائة، وقال الفلاس: توفي سنة تسع وتسعين، وقيل: عاش سبعين سنة.

52 -

خ ن ق:‌

‌ خالد بن سعد الكوفي

مولى أبي مسعود البدري.

عن: مولاه، وحذيفة، وعائشة، وأبي هريرة.

وعنه: إبراهيم النخعي، والأعمش، ومنصور، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو حصين الأسدي.

وثقه ابن معين.

ص: 1088

53 -

م:‌

‌ خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة

المخزومي.

عن ابن عباس، وابن عمر، وعبد الرحمن بن أبي عمرة.

عن ابن عباس، وابن عمر، وعبد الرحمن بن أبي عمرة. وعنه الزهري، ومحمد بن أبي يحيى الأسلمي، وإسماعيل بن رافع، وثور بن يزيد.

وكان شاعرا شريفا، اتهم معاوية بأن يكون سقى عمه عبد الرحمن بن خالد سما، فنابذ بني أمية، وكان مع ابن الزبير. قال الزبير بن بكار: اتهم معاوية أن يكون دس إلى عمه عبد الرحمن بن خالد طبيبا يقال له: ابن أثال، فسقاه في شربة سما، فاعترض ابن أثال فقتله.

قلت: وقيل: إن الذي قتل ابن أثال هو خالد بن عبد الرحمن بن خالد.

روى له مسلم.

54 -

ن:‌

‌ خبيب بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي

.

توفي سنة ثلاثٍ أو اثنتين وتسعين.

قال ابن جرير الطبري: ضربه عمر بن عبد العزيز إذ كان أمير المدينة بأمر الخليفة الوليد خمسين سوطا، وصب على رأسه قربة في يومٍ بارد، وأوقفه على باب المسجد يوما، فمات رحمه الله.

قلت: روى عن أبيه، وعائشة. وعنه ابنه الزبير، ويحيى بن عبد الله بن مالك، والزهري، وغيرهم. وقيل: إنه أدرك كعب الأحبار، وكان من النساك.

قال الزبير بن بكار: أدركت أصحابنا يذكرون أنه كان يعلم علما كثيرا لا يعرفون وجهه ولا مذهبه فيه، يشبه ما يدعي الناس من علم النجوم. ولما مات ندم عمر وسقط في يده واستعفى من المدينة، وكانوا إذا ذكروا له أفعاله الحسنة وبشروه يقول: فكيف بخبيب؟!. وقيل: أعطى أهله ديته، قسمها فيهم.

ص: 1089

وقال مصعب الزبيري: أخبرني مصعب بن عثمان أنهم نقلوا خبيبا إلى دار عمر بن مصعب بن الزبير، فاجتمعوا عنده حتى مات. قال: فبينا هم جلوس إذ جاءهم الماجشون يستأذن عليهم وهو مسجى، وكان الماجشون يكون مع عمر، فقال له عبد الله بن عروة: كأن صاحبك في مرية من موته، اكشفوا عنه، فلما رآه رجع، قال الماجشون: فأتيت عمر فوجدته كالمرأة الماخض قائما وقاعدا، فقال لي: ما وراءك؟ فقلت: مات الرجل، فسقط إلى الأرض فزعا، واسترجع، فلم يزل يعرف فيه حتى مات، واستعفى من المدينة وامتنع من الولاية. وكان يقال له: إنك فعلت فأبشر، فيقول: فكيف بخبيب؟!

قال مصعب بن عبد الله: وحدثت عن يعلى بن عقيبة قال: كنت أمشي مع خبيب وهو يحدث نفسه، إذ وقف ثم قال: سأل قليلا فأعطي كثيرا، وسأل كثيرا فأعطي قليلا، فطعنه فأذراه فقتله. ثم أقبل علي فقال: قتل عمرو بن سعيد الساعة. ثم ذهب فوجد أن عمرا قتل يومئذٍ.

وله أشباه هذا فيما يذكر.

55 -

4:‌

‌ خلاد بن السائب بن خلاد الأنصاري الخزرجي المدني

.

عن أبيه، وزيد بن خالد الجهني. وعنه حبان بن واسع، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، والمطلب بن عبد الله بن حنطب، والزهري، وقتادة.

56 -

ع:‌

‌ خلاس بن عمرو الهجري البصري

.

روى عن علي، وعمار بن ياسر، وعائشة، وأبي هريرة. وعنه قتادة، وداود بن أبي هند، وعوف الأعرابي.

وثقه أحمد وغيره.

ص: 1090

ويروي عن علي، وإنما ذلك كتابٌ وقع له فرواه.

وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يسمع خلاس من أبي هريرة شيئا.

57 -

م د:‌

‌ خليد بن عبد الله العصري البصري

.

قرأ القرآن على زيد بن صوحان، وروى عن أبي الدرداء، وسلمان الفارسي، وعلي، والأحنف. روى عنه قتادة، وأبان بن أبي عياش، وأبو الأشهب العطاردي جعفر، وغيرهم.

وهو ثقة.

58 -

د ن ق:‌

‌ دخين بن عامر الحجري

، أبو ليلى، كاتب عقبة بن عامر.

روى عن عقبة. وعنه بكر بن سوادة، والمغيرة بن نهيك، وأبو الهيثم المصري، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم.

قال ابن يونس: قتلته الروم بتنيس سنة مائة، رحمه الله.

59 -

درباس، مولى عبد الله بن عباس مكي.

قرأ على مولاه ابن عباس. قرأ عليه عبد الله بن كثير، وابن محيصن، وزمعة بن صالح. قاله أبو عمرو الداني.

60 -

‌ ربيعة بن عباد الديلي الحجازي

.

رأى النبي صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز، وشهد اليرموك. روى عنه ابن المنكدر، وهشام بن عروة، وزيد بن أسلم، وأبو الزناد.

قال البخاري وغيره: له صحبة.

وأبوه بالكسر والتخفيف؛ قيده عبد الغني. وقيده بالفتح والتخفيف

ص: 1091

ابن مندة، وهو قول منكر. ومنهم من قال: عباد بالضم. ومنهم من قال فيه: عباد مشدد.

قال خليفة وغيره: توفي في خلافة الوليد، وقد شهد اليرموك.

قلت: لا شك في سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وإنما أسلم بعد ذلك، ولم يرد نص أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسلم.

61 – خ د:‌

‌ ربيعة بن عبد الله بن الهدير

.

توفي سنة ثلاثٍ وتسعين، وله سبعٌ وثمانون سنة. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

روى عن طلحة، وعمر بن الخطاب. وعنه ابنا أخيه؛ محمد وأبو بكر ابنا المنكدر، وعثمان بن عبد الرحمن التيمي، وربيعة الرأي، وغيرهم.

ذكره ابن حبان في كتاب الثقات.

62 -

‌ ربيعة بن لقيط بن حارثة التجيبي المصري

.

حدث عن معاوية، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن حوالة. وشهد صفين مع الشاميين. روى عنه ابنه إسحاق، ويزيد بن أبي حبيب.

وثقه أحمد العجلي.

قال يزيد بن أبي حبيب: أخبرني ربيعة بن لقيط أنه كان مع عمرو بن العاص عام الجماعة وهم راجعون من مسكن، فمطروا دما عبيطا. قال ربيعة: فلقد رأيتني أنصب الإناء فيمتلئ دما عبيطا، فظن الناس أنما هي؛ يعني الساعة، وماج الناس بعضهم في بعض، فقام عمرو فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: يا أيها الناس، أصلحوا ما بينكم وبين الله، ولا يضركم لو اصطدم هذان الجبلان.

رواه ابن المبارك في الزهد.

ص: 1092

ورواه ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد عن ربيعة، ولفظه: إنهم كانوا مع معاوية حين قفلوا من العراق، فأمطرت السماء بدجلة دما عبيطا، وظنوا الظنون وقالوا: القيامة. وذكر الحديث.

63 -

خ م ت ن ق:‌

‌ الربيع بن خثيم بن عائذ

، أبو يزيد الثوري الكوفي الزاهد، أحد الأعلام.

أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عن ابن مسعود، وأبي أيوب الأنصاري، وعمرو بن ميمون الأودي. وهو قليل الرواية. وعنه الشعبي، وإبراهيم النخعي، وهلال بن يساف، ومنذر الثوري، وهبيرة بن خزيمة، وآخرون.

قال عبد الواحد بن زياد: حدثنا عبد الله بن الربيع بن خثيم قال: حدثنا أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: كان الربيع بن خثيم إذا دخل على ابن مسعود لم يكن له إذنٌ لأحدٍ حتى يفرغ كل واحدٍ من صاحبه، فقال له ابن مسعود: يا أبا يزيد، لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين.

أخبرنا إسحاق الأسدي قال: أخبرنا ابن خليل قال: أخبرنا أبو المكارم اللبان قال: أخبرنا أبو علي قال: أخبرنا أبو نعيم قال: حدثنا الطبراني قال: حدثنا عبدان بن أحمد قال: حدثنا أزهر بن مروان قال: حدثنا عبد الواحد، فذكره.

وبالإسناد إلى أبي نعيم قال: حدثنا أبو حامد بن جبلة قال: حدثنا السراج قال: حدثنا هناد قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن منذر الثوري قال: كان الربيع إذا أتاه الرجل يسأله قال: اتق الله فيما علمت، وما استؤثر به عليك فكله إلى عالمه، لأنا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ، وما خيركم اليوم بخير، ولكنه خيرٌ من آخر شر منه، وما تتبعون الخير حق اتباعه، وما تفرون من الشر حق فراره، ولا كل ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أدركتم، ولا كل ما تقرؤون تدرون ما هو،

ص: 1093

ثم يقول: السرائر السرائر اللاتي يخفين من الناس، وهي لله بوادٍ، التمسوا دواءهن، وما دواؤهن إلا أن تتوب ثم لا تعود.

الثوري، عن منصور، عن إبراهيم قال: قال فلان: ما أرى الربيع بن خثيم تكلم بكلامٍ منذ عشرين سنة إلا بكلمة تصعد.

الثوري، عن نسير بن ذعلوق، عن إبراهيم التيمي قال: أخبرني من صحب ابن خثيم عشرين عاما ما سمع منه كلمة تعاب.

الثوري، عن رجل، عن أبيه قال: جالست الربيع بن خثيم سنين، فما سألني عن شيءٍ مما فيه الناس، إلا أنه قال لي مرة: أمك حية؟

الثوري، عن أبيه قال: كان إذا قيل للربيع بن خثيم: كيف أصبحتم؟ قال: ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا.

خلف بن خليفة، عن سيار، عن أبي وائل قال: انطلقت أنا وأخي حتى دخلنا على الربيع بن خثيم، فإذا هو جالسٌ في مسجده، فسلمنا عليه، فرد وقال: ما جاء بكم؟ قلنا: جئنا لنذكر الله معك ونحمده. فرفع يديه وقال: الحمد لله الذي لم تقولا جئناك لتشرب ونشرب معك، ولا لنزني معك. رواها آخر عن أبي وائل.

وعن الربيع بن خثيم قال: كل ما لا يبتغى به وجه الله يضمحل.

الأعمش، عن منذر الثوري أن الربيع بن خثيم قال لأهله: اصنعوا لي خبيصا، وكان لا يكاد يتشهى عليهم شيئا، قال: فصنعوه، فأرسل إلى جارٍ له مصاب، فجعل يأكل ولعابه يسيل، قال أهله: ما يدري ما أكل. قال الربيع: لكن الله يدري.

سفيان الثوري، عن سرية الربيع بن خثيم قالت: كان الربيع يدخل عليه الداخل وفي حجره المصحف يقرأ فيه فيغطيه.

وعن بنت الربيع بن خثيم قالت: كنت أقول: يا أبتاه، ألا تنام؟ فيقول: يا بنية، كيف ينام من يخاف البيات؟

أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن أبي حيان، عن أبيه قال: كان الربيع

ص: 1094

ابن خثيم يقاد إلى الصلاة وبه الفالج، فقيل له: يا أبا يزيد، قد رخص لك. قال: إني أسمع حي على الصلاة، فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبوا.

الثوري، عن أبيه، عن بكر بن ماعز قال: كان في وجه الربيع بن خثيم شيء، فكان فمه يسيل، فرأى في وجهي المساءة، فقال: يا بكر، ما يسرني أن هذا الذي في بأعتى الديلم على الله.

وقال الثوري: قيل للربيع بن خثيم: لو تداويت، فقال: ذكرت عادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا، كانت فيهم أوجاع، وكانت لهم أطباء، فما بقي المداوي ولا المداوى، إلا وقد فني.

ابن عيينة: حدثنا مالك بن مغولٍ، عن الشعبي قال: ما جلس ربيع في مجلسٍ منذ اتزر بإزارٍ، يقول: أخاف أن أرى حاملا، أخاف أن لا أرد السلام، أخاف أن لا أغمض بصري.

الثوري، عن نسير بن ذعلوق قال: ما رؤي الربيع بن خثيم متطوعا في مسجد الحي قط غير مرة.

مسعر، عن عمرو بن مرة، سمعت الشعبي يقول: حدثنا الربيع بن خثيم عند هذه السارية، وكان من معادن الصدق.

وعن منذر قال: كان ربيع بن خثيم إذا أخذ عطاءه قسمه، وترك قدر ما يكفيه.

وعن ياسين الزيات قال: جاء ابن الكواء إلى الربيع بن خثيم فقال: دلني على من هو خيرٌ منك. قال: نعم، من كان منطقه ذكرا، وصمته تفكرا، ومسيره تدبرا؛ فهو خيرٌ مني.

وعن الشعبي قال: كان الربيع بن خثيم أشد أصحاب ابن مسعود ورعا.

زائدة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن الربيع بن خثيم، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن امرأة من الأنصار، عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيعجز أحدكم أن يقرأ ليلة بثلث القرآن؟ فأشفقنا أن يأمرنا بأمرٍ نعجز عنه، فسكتنا، قال: إنه من قرأ: الله

ص: 1095

الواحد الصمد، فقد قرأ ليلتئذٍ ثلث القرآن.

أخبرنا أحمد بن أبي الخير إجازة، عن أبي المكارم المعدل قال: أخبرنا أبو علي الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد قال: حدثنا محمد بن غالب قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا زائدة، فذكره. وفيه خمسة من التابعين، بعضهم عن بعض.

64 -

م 4:‌

‌ الربيع بن عميلة الفزاري الكوفي

.

عن ابن مسعود، وعمار، وسمرة بن جندب، وأخيه يسير بن عميلة. وعنه ابنه الركين، وهلال بن يساف، وعبد الملك بن عمير، والحكم بن عتيبة.

وثقه ابن معين.

65 -

ع:‌

‌ زرارة بن أوفى

، أبو حاجب العامري، قاضي البصرة.

كان من كبار علماء البصرة وصلحائها. سمع عمران بن حصين، وأبا هريرة، وابن عباس. روى عنه أيوب، وقتادة، وداود بن أبي هند، وبهز بن حكيم القشيري، وعوف الأعرابي، وآخرون.

وثقه النسائي وغيره. وثبت أنه قرأ في صلاة الصبح، فلما تلا {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} خر ميتا، وذلك في سنة ثلاثٍ وتسعين.

66 -

خ م ت ن:‌

‌ زهدم بن مضرب الأزدي الجرمي البصري

، أبو مسلم.

ص: 1096

عن أبي موسى، وعمران بن حصين. وعنه أبو قلابة، وأبو جمرة الضبعي، والقاسم بن عاصم، ومطر الوراق، وقتادة.

67 -

د:‌

‌ زياد بن جارية الدمشقي

.

له حديث مرسل، وقيل: له صحبة. وله عن حبيب بن مسلمة في النفل. روى عنه مكحول، ويونس بن ميسرة، وعطية بن قيس.

وأنكر زمن الوليد بن عبد الملك تأخير الجمعة، فأخذوه وقتلوه.

68 -

د ت ق:‌

‌ زياد بن ربيعة الحضرمي المصري

، وقد ينسب إلى جده فيقال: زياد بن نعيم.

روى عن زياد بن الحارث الصدائي، وابن عمر، وأبي أيوب الأنصاري، وغيرهم. وعنه بكر بن سوادة، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وجماعة.

توفي سنة خمسٍ وتسعين.

69 -

د ن:‌

‌ زياد بن صبيح الحنفي المكي

، ويقال: البصري.

عن ابن عباس، والنعمان بن بشير، وابن عمر. وعنه سعيد بن زياد، والأعمش، ومنصور، ومغيرة بن مقسم.

وثقه النسائي وغيره.

70 -

ع:‌

‌ زيد بن وهب الجهني الكوفي

.

مخضرم، وقد ذكر. قال ابن منجوية: مات سنة ست وتسعين.

71 -

د ن:‌

‌ سالم البراد

، أبو عبد الله، كوفي.

عن أبي مسعود البدري، وأبي هريرة. وعنه إسماعيل بن أبي خالد، وعطاء بن السائب، وعبد الملك بن عمير.

ص: 1097

وثقه ابن معين.

72 -

ع:‌

‌ سالم بن أبي الجعد الأشجعي مولاهم

، الكوفي الفقيه، أخو عبد الله، وعبيد، وزياد، وعمران، ومسلم، وأشهرهم سالم.

روى عن ابن عباس، وثوبان، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو، والنعمان بن بشير، وعبد الله بن عمر، وأنس، وأبيه رافع أبي الجعد، وجماعة. روى عنه قتادة، ومنصور، والأعمش، والحكم، وحصين بن عبد الرحمن، وآخرون.

وكان ثقة نبيلا، توفي سنة مائة، وقيل: قبلها، ويقال: بعدها بسنة.

وقد روى أيضا عن عمر وعلي في سنن النسائي، وذلك مرسل.

73 -

ع:‌

‌ سالم، أبو الغيث

، مولى عبد الله بن مطيع، العدوي المدني.

عن أبي هريرة فقط. وعنه سعيد المقبري، وثور بن زيد، وصفوان بن سليم، وعثمان بن عمر التيمي، وآخرون.

وثقه ابن معين.

74 -

4:‌

‌ السائب بن مالك

، وقيل: ابن يزيد أو زيد، الثقفي مولاهم، الكوفي.

عن علي، وعمار، وعبد الله بن عمرو، وغيرهم. وعنه ابنه عطاء بن السائب، وأبو إسحاق السبيعي.

وثقه العجلي.

75 -

ع:‌

‌ السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة

، أبو يزيد الكندي المدني، ابن أخت نمر، يعرفون بذلك، وكان سعيد بن ثمامة حليف بني عبد شمس.

ص: 1098

قال السائب: حج بي أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين.

وقال: خرجت مع الصبيان إلى ثنية الوداع نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك.

وقال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنه وجعٌ. فمسح رأسي ودعا لي، ورأيت بين كتفيه خاتم النبوة.

وقد روى أيضا عن عمر، وعثمان، وخاله العلاء بن الحضرمي، وطلحة، وحويطب بن عبد العزى، وجماعة. روى عنه إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، والزهري، والجعيد بن عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد، وابنه عبد الله بن السائب، وعبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، ويزيد بن عبد الله، وعمر بن عطاء بن أبي الخوار، وآخرون.

قال أبو معشر السندي، عن يوسف بن يعقوب، عن السائب، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قتل عبد الله بن خطل يوم الفتح، استخرجوه من تحت الأستار، فضرب عنقه بين زمزم والمقام، ثم قال: لا يقتل قرشي بعد هذا صبرا.

وقال عكرمة بن عمار: حدثنا عطاء مولى السائب قال: كان السائب رأسه أسود من هامته إلى مقدم رأسه، وسائر رأسه؛ مؤخره وعارضه ولحيته أبيض، فقلت له: ما رأيت أعجب شعرا منك! فقال لي: أوتدري مم ذاك يا بني؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بي وأنا ألعب، فمسح يده على رأسي وقال: بارك الله فيك، فهو لا يشيب أبدا. يعني: موضع كفه.

ص: 1099

وقال يونس، عن الزهري، قال: ما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا، ولا أبو بكر، ولا عمر، حتى قال عمر للسائب ابن أخت نمر: لو روحت عني بعض الأمر، حتى كان عثمان.

وقال عبد الأعلى الفروي: رأيت على السائب بن يزيد مطرف خز، وجبة خز، وعمامة خز.

قال الهيثم بن عدي وغيره: توفي سنة ثمانين.

وقال الواقدي، وأبو مسهر، وجماعة: توفي سنة إحدى وتسعين، وهو ابن ثمانٍ وثمانين سنة.

ويروى عن الجعيد بن عبد الرحمن أن وفاته سنة أربع وتسعين.

• - ع:‌

‌ سعد بن إياس

، أبو عمرو الشيباني، في الكنى.

• - ع:‌

‌ سعد بن عبيد

، هو أبو عبيد، في الكنى.

76 -

ع:‌

‌ سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي مولاهم

، أبو عبد الله الكوفي، أحد الأئمة الأعلام.

سمع ابن عباس، وعدي بن حاتم، وابن عمر، وعبد الله بن مغفل، وغيرهم. وروى عن أبي موسى الأشعري عند النسائي، وذلك منقطع. وروى عن أبي هريرة، وعائشة، وفيه نظر. قرأ عليه المنهال بن عمرو بن العلاء. وروى عنه جعفر بن أبي المغيرة، وجعفر بن أبي وحشية، وأيوب السختياني، والأعمش، وعطاء بن السائب، والحكم بن عتيبة، وحصين بن عبد الرحمن، وخصيف الجزري، وسلمة بن كهيل، وابنه عبد الله بن سعيد، وابنه الآخر عبد الملك، والقاسم بن أبي بزة، ومحمد بن سوقة، ومسلم

ص: 1100

البطين، وعمرو ابن دينار، وخلق كثير.

قال ابن عباس، وقد أتاه أهل الكوفة يسألونه، فقال: أليس فيكم سعيد بن جبير؟

وعن أشعث بن إسحاق قال: كان يقال لسعيد بن جبير: جهبذ العلماء.

وقال إبراهيم النخعي: ما خلف سعيد بن جبير بعده مثله.

وروي أنه كان أسود اللون. خرج مع ابن الأشعث على الحجاج، ثم إنه اختفى وتنقل في النواحي اثنتي عشرة سنة، ثم وقعوا به، فأحضروه إلى الحجاج، فقال: يا شقي بن كسير، يعني ما أنت سعيد بن جبير، أما قدمت الكوفة وليس يؤم بها إلا عربي فجعلتك إماما؟ قال: بلى. قال: أما وليتك القضاء فضج أهل الكوفة وقالوا: لا يصلح للقضاء إلا عربي، فاستقضيت أبا بردة بن أبي موسى وأمرته أن لا يقطع أمرا دونك؟! قال: بلى. قال: أما جعلتك في سماري، وكلهم رؤوس العرب؟! قال: بلى. قال: أما أعطيتك مائة ألف تفرقها على أهل الحاجة؟! قال: بلى. قال: فما أخرجك علي؟! قال: بيعة كانت في عنقي لابن الأشعث. فغضب الحجاج وقال: أما كانت بيعة أمير المؤمنين في عنقك من قبل! يا حرسي، اضرب عنقه. فضرب عنقه، رحمه الله، وذلك في شعبان سنة خمس وتسعين بواسط، وقبره ظاهر يزار.

وقال معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: كان الشعبي يرى التقية، وكان سعيد بن جبير لا يرى التقية، وكان الحجاج إذا أتي بالرجل قال له: أكفرت إذ خرجت علي؟ فإن قال: نعم، تركه، وإن قال: لا، قتله، فأتي بسعيد بن جبير، فقال له: أكفرت إذ خرجت علي؟ قال: ما كفرت منذ آمنت. قال: اختر أي قتلة أقتلك؟ فقال: اختر أنت؛ فإن القصاص أمامك.

وقال ربيعة الرأي: كان سعيد بن جبير من العباد العلماء، فقتله الحجاج، وجده في الكعبة وناسا فيهم طلق بن حبيب، فساروا بهم إلى العراق، فقتلهم من غير شيء تعلق به عليهم إلا بالعبادة، فلما قتل سعيدا خرج منه دم كثير، حتى راع الحجاج، فدعا طبيبا، فقال: ما بال دمه كثيرا؟! قال: قتلته ونفسه معه.

ص: 1101

وقال عمرو بن ميمون، عن أبيه: مات سعيد بن جبير وما على الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.

وعن هلال بن يساف قال: دخل سعيد بن جبير الكعبة فقرأ القرآن في ركعة.

وقال عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد: إنه كان يختم القرآن في كل ليلتين.

وله ترجمة جليلة في الحلية.

قال ابن عيينة، عن أبي سنان، قال: لدغت سعيد بن جبير عقربٌ، فأقسمت أمه عليه ليسترقين، فناول الرقاء يده التي لم تلدغ.

وقال إسماعيل بن عبد الملك: كان سعيد بن جبير يؤمنا في رمضان، فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود، وليلة بقراءة زيد بن ثابت.

وقال عبد السلام بن حرب، عن خصيف، قال: أعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأعلمهم بالحج عطاء، وأعلمهم بالحلال والحرام طاوس، وأعلمهم بالتفسير مجاهد، وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير.

وقال حماد بن زيد: حدثنا الفضل بن سويد الضبي قال: كنت في حجر الحجاج، فقدموا سعيد بن جبير وأنا شاهد، فأخذ الحجاج يعاتبه كما يعاتب الرجل ولده، فانفلتت من سعيد كلمة فقال: إنه عزم علي؛ يعني ابن الأشعث.

ويروى أن الحجاج رؤي في النوم، فقيل: ما فعل الله بك؟ فقال: قتلني بكل قتيل قتلته قتلة، وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة.

روي أنه لما احتضر كان يغوص، ثم يفيق ويقول: مالي ومالك يا سعيد بن جبير.

قلت: صح أنه قال لابنه: ما يبكيك، ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة! وذلك حين دعي ليقتل، رحمه الله. رواها الثوري عن عمر بن سعيد بن أبي حسين.

77 -

ع:‌

‌ سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الكوفي

.

ص: 1102

عن أبيه في الكتب الستة. وعنه ذر الهمداني، وقتادة، وزبيد اليامي، وعطاء بن السائب، والحكم بن عتيبة، وغيرهم.

78 -

‌ سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية القرشي الأموي

.

أحد الأشراف بالبصرة، كان نبيلا جوادا ممدحا، له وفادة على سليمان بن عبد الملك.

قال مصعب الزبيري: زعموا أنه أعطى شاعرا ثلاثة آلاف دينار.

79 -

خ م ت ن:‌

‌ سعيد بن مرجانة

، أبو عثمان، مولى بني عامر بن لؤي، ومرجانة هي أمه.

كان من علماء المدينة، حدث عن أبي هريرة، وابن عباس. روى عنه إسماعيل بن أبي حكيم، وزيد بن أسلم، وعلي بن الحسين مع جلالته وقدمه، وابناه؛ أبو جعفر الباقر وعمر، وواقد بن محمد العمري، وغيرهم.

ولد في خلافة عمر، وتوفي سنة سبع وتسعين.

80 -

ع:‌

‌ سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم

، الإمام أبو محمد القرشي المخزومي المدني، عالم أهل المدينة بلا مدافعة.

ولد في خلافة عمر لأربع مضين منها، وقيل: لسنتين مضتا منها. ورأى عمر، وسمع عثمان، وعليا، وزيد بن ثابت، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة، وأبا موسى الأشعري، وأبا هريرة، وجبير بن مطعم، وعبد الله بن زيد المازني، وأم سلمة، وطائفة من الصحابة.

روى عنه الزهري، وقتادة، وعمرو بن دينار، ويحيى بن سعيد، وبكير بن الأشج، وشريك بن أبي نمر، وداود بن أبي هند، وآخرون.

قال أسامة بن زيد، عن نافع: قال ابن عمر: سعيد بن المسيب هو والله أحد المفتين.

ص: 1103

وقال قتادة: ما رأيت أحدا أعلم من سعيد بن المسيب.

وكذا قال محكول، والزهري.

وقال ابن وهب، عن مالك، قال: غضب سعيد بن المسيب على الزهري وقال: ما حملك على أن حدثت بني مروان حديثي! فما زال غضبان عليه حتى أرضاه بعد.

وقال ابن وهب: حدثنا مالك أن القاسم بن محمد سأله رجل عن شيء، فقال: أسألت أحدا غيري؟ قال: نعم، عروة وفلانا وسعيد بن المسيب، فقال: أطع ابن المسيب، فإنه سيدنا وعالمنا.

وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، سمع مكحولا يقول: طفت الأرض كلها في طلب العلم، فما لقيت أحدا أعلم من سعيد بن المسيب.

وقال حماد بن زيد، عن يزيد بن حازم: إن ابن المسيب كان يسرد الصوم.

وعن ابن المسيب قال: ما شيء عندي اليوم أخوف من النساء.

وقال مالك: كان يقال لابن المسيب: راوية عمر، فإنه كان يتبع أقضية عمر يتعلمها، وإن كان ابن عمر ليرسل إليه يسأله.

مجاشع بن عمرو، عن أبي بكر بن حفص، عن سعيد بن المسيب قال: من أكل الفجل وسره أن لا يوجد منه ريحه فليذكر النبي صلى الله عليه وسلم عند أول قضمة.

وقال بعضهم عن ابن المسيب، قال: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة.

وعنه قال: حججت أربعين حجة.

وعنه قال: ما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة؛ يعني لمحافظته على الصف الأول.

وكان سعيد ملازما لأبي هريرة، وكلان زوج ابنته.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان رجلا صالحا لا يأخذ العطاء، وله أربعمائة دينار يتجر بها في الزيت.

ص: 1104

وقال علي ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، هو عندي أجل التابعين.

وقال أحمد بن حنبل وغيره: مرسلات سعيد بن المسيب صحاح.

قلت: قد مر في ترجمة هشام بن إسماعيل أنه ضرب سعيد بن المسيب ستين سوطا.

قال ابن سعد: ضرب سعيدا حين دعاه إلى بيعة الوليد، إذ عقد له أبوه عبد الملك بالخلافة، فأبى سعيد وقال: أنظر ما يصنع الناس، فضربه هشام وطوف به وحبسه، فأنكر ذلك عبد الملك ولم يرضه، فأخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا عبد الله بن جعفر وغيره أن عبد العزيز بن مروان توفي، فعقد عبد الملك لابنيه العهد، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان، وأن عامله يومئذ على المدينة هشام المخزومي، فدعا الناس إلى البيعة، فبايعوا، وأبى سعيد بن المسيب أن يبايع لهما، وقال: حتى أنظر، فضربه ستين سوطا، وطاف به في تبان من شعر حتى بلغ به رأس الثنية، فلما كروا به قال: إلى أين؟ قالوا: السجن. قال: والله لولا أني ظننت أنه الصلب ما لبست هذا التبان أبدا. فردوه إلى السجن، وكتب هشام إلى عبد الملك بخلافه، فكتب إليه عبد الملك يلومه فيما صنع به، ويقول: سعيد كان والله أحوج إلى أن تصل رحمه من أن تضربه، وإنا لنعلم ما عند سعيد شقاق ولا خلاف.

وعن عبد الله بن يزيد الهذلي قال: دخلت على سعيد بن المسيب السجن، فإذا هو قد ذبحت له شاة، فجعل الإهاب على ظهره، ثم جعلوا له بعد ذلك قضبا رطبا، وكان كلما نظر إلى عضديه قال: اللهم انصرني من هشام.

وروي أن أبا بكر بن عبد الرحمن دخل على سعيد السجن، فجعل يكلمه ويقول: إنك خرقت به ولم ترفق. فقال: يا أبا بكر، اتق الله وآثره على ما سواه. وأبو بكر يقول: إنك خرقت به. فقال: إنك والله أعمى البصر والقلب، ثم ندم هشام بعد وخلى سبيله.

وقال يوسف بن يعقوب الماجشون، عن المطلب بن السائب قال:

ص: 1105

كنت جالسا مع سعيد بن المسيب بالسوق، فمر بريد لبني مروان، فقال له سعيد: من رسل بني مروان أنت؟ قال: نعم. قال: فكيف تركتهم؟ قال: بخير. قال: تركتهم يجيعون الناس ويشبعون الكلاب؟ قال: فاشرأب الرسول، فقمت إليه، فلم أزل أزجيه حتى انطلق، ثم قلت لسعيد: يغفر الله لك، تشيط بدمك بالكلمة هكذا تلقيها! قال: اسكت يا أحيمق، فوالله لا يسلمني الله ما أخذت بحقوقه.

وقال سلام بن مسكين: حدثنا عمران بن عبد الله قال: أرى نفس سعيد بن المسيب كانت أهون عليه في الله من نفس ذباب.

وعن علي بن الحسين زين العابدين قال: سعيد بن المسيب أعلم الناس بما تقدم من الآثار وأفقههم في رأيه.

وقال مالك: بلغني أن سعيد بن المسيب قال: إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد.

وقال أبو يونس القوي: دخلت المسجد فإذا سعيد بن المسيب جالس وحده، فقلت: ما له؟ قالوا: نهي أن يجالسه أحد.

وكان ابن المسيب إماما أيضا في تعبير الرؤيا.

قال أبو طالب: قلت لأحمد بن حنبل: سعيد بن المسيب عن عمر حجة؟ قال: هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه، إذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل؟!

قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: حدثنا لوين قال: حدثنا عبد الحميد بن سليمان، عن أبي حازم، عن ابن المسيب قال: لو رأيتني ليالي الحرة وما في المسجد غيري، ما يأتي وقت صلاة إلا سمعت الأذان من القبر، ثم أقيم فأصلي، وإن أهل الشام ليدخلون المسجد زمرا فيقولون: انظروا إلى هذا الشيخ المجنون.

قلت: عبد الحميد ليس بثقة.

وقال وكيع: حدثنا مسعر، عن سعد بن إبراهيم، سمع سعيد بن المسيب يقول: ما أحد أعلم بقضاءٍ قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر مني.

ومن مفردات سعيد بن المسيب أن المطلقة ثلاثا تحل للأول بمجرد عقد الثاني من غير وطء.

ص: 1106

توفي سعيد في قول الهيثم، وسعيد بن عفير، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وغيرهم - في سنة أربع وتسعين.

وقال أبو نعيم، وعلي ابن المديني: سنة ثلاث وتسعين.

وقال يحيى القطان وغيره: توفي سنة إحدى أو اثنتين وتسعين.

وقال محمد بن سواء: حدثنا همام، عن قتادة قال: مات سنة تسع وثمانين.

وقال أبو عبد الله الحاكم: فأما أئمة الحديث فأكثرهم على أنه توفي سنة خمس ومائة. حدثنا الأصم قال: حدثنا حنبل قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: مات سعيد بن المسيب في سنة خمس ومائة.

وقال أحمد بن زهير: سمعت ابن معين يقول: مات ابن المسيب سنة خمس ومائة. قال أحمد بن زهير: وكذلك قال لي علي ابن المديني.

قلت: الصحيح ما تقدم من قول الجماعة.

81 -

م ن:‌

‌ سعيد بن وهب الهمداني الكوفي

.

قال ابن معين: توفي سنة ستٍ وتسعين.

والصواب سنة ستٍ وسبعين كما قدمنا، وهو من كبار التابعين، روى اليسير.

82 -

ع:‌

‌ سعيد بن أبي الحسن يسار

، أخو الحسن البصري.

روى عن أمه خيرة، وأبي هريرة، وأبي بكر الثقفي، وابن عباس. روى عنه قتادة، وسليمان التيمي، وخالد الحذاء، وعوف الأعرابي، وجماعة.

وثقه النسائي.

توفي سنة مائة، ويقال: إنه مات قبل الحسن بسنة، والأول أثبت. وآخر من روى عنه علي بن علي الرفاعي.

83 -

ن:‌

‌ سليمان بن سنان

، المزني مولاهم، المصري.

ص: 1107

عن أبي هريرة، وابن عباس. وعنه يزيد بن أبي حبيب، وجعفر بن ربيعة. قاله ابن يونس.

84 -

‌ سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي الأموي

، أمير المؤمنين، أبو أيوب.

كان من خيار ملوك بني أمية، ولي الخلافة في جمادى الآخرة سنة ستٍ وتسعين بعد الوليد بالعهد المذكور من أبيه.

روى قليلا عن أبيه، وعبد الرحمن بن هنيدة. روى عنه ابنه عبد الواحد، والزهري.

وكانت داره موضع سقاية جيرون، وله دار بناها بدرب محرز بدمشق، فجعلها دار الخلافة، وجعل لها قبة صفراء كالقبة الخضراء التي بدار الخلافة، وكان فصيحا مفوها مؤثرا للعدل، محبا للغزو، وجهز الجيوش مع أخيه مسلمة لحصار القسطنطينية، فحاصرها مدة حتى صالحوا على بناء جامع بالقسطنطينية، ومولده سنة ستين.

وقالت امرأة: رأيته أبيض عظيم الوجه مقرون الحاجبين، يضرب شعره منكبيه، ما رأيت أجمل منه.

وقال الوليد بن مسلم: حدثني غير واحد أن البيعة أتت سليمان وهو بمشارف البلقاء، فأتى بيت المقدس، وأتته الوفود فلم يروا وفادة كانت أهيأ من الوفادة إليه، كان يجلس في قبة في صحن المسجد مما يلي الصخرة، ويجلس الناس على الكراسي، وتقسم الأموال وتقضى الأشغال.

وقال سعيد بن عبد العزيز: ولي سليمان وهو إلى الشباب والترفه ما هو، فقال لعمر بن عبد العزيز: يا أبا حفص، إنا قد ولينا ما ترى، ولم يكن لنا بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به. فكان من ذلك أنه عزل عمال الحجاج، وأخرج من كان في سجن العراق، ومن ذلك كتابه أن الصلاة كانت قد أميتت فأحيوها وردوها إلى وقتها. مع أمورٍ حسنة كان يسمع من عمر فيها، فأخبرني من أدرك ذلك أن سليمان هم بالإقامة ببيت

ص: 1108

المقدس واتخذها منزلا، ثم ذكر ما قدمنا في سنة ثمانٍ وتسعين من نزوله بقنسرين مرابطا.

وحج سليمان في خلافته سنة سبعٍ وتسعين.

وعن الشعبي قال: حج سليمان، فرأى الناس بالموسم، فقال لعمر بن عبد العزيز: أما ترى هذا الخلق الذي لا يحصي عددهم إلا الله ولا يسع رزقهم غيره؟ قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء اليوم رعيتك، وهم غدا خصماؤك. فبكى سليمان بكاء شديدا ثم قال: بالله أستعين.

وقال حماد بن زيد، عن يزيد بن حازم، قال: كان سليمان بن عبد الملك يخطبنا كل جمع، لا يدع أن يقول: أيها الناس، إنما أهل الدنيا على رحيل، لم تمض بهم نية ولم تطمئن لهم دار حتى يأتي وعد الله وهم على ذلك، لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجائعها، ولا يتقى من شر أهلها. ثم يقرأ:{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}

وعن ابن سيرين قال: يرحم الله سليمان بن عبد الملك، افتتح خلافته بإحيائه الصلاة لمواقيتها، واختتمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز.

وكان سليمان ينهى عن الغناء. وقيل: كان من الأكلة المذكورين، فذكر محمد بن زكريا الغلابي، وليس بثقة، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم القرشي، عن أبيه، عن هشام بن سليمان قال: أكل سليمان بن عبد الملك أربعين دجاجة تشوى له على النار على صفة الكباب، وأكل أربعا وثمانين كلوة بشحومها وثمانين جردقة.

وقال محمد بن حميد الرازي، عن ابن المبارك: إن سليمان حج فأتى الطائف، فأكل سبعين رمانة وخروفا وست دجاجات، وأتي بمكوك زبيب طائفي، فأكله أجمع.

وعن عبد الله بن الحارث قال: كان سليمان بن عبد الملك أكولا.

وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى: حدثنا أبي، عن أبيه قال: جلس سليمان بن عبد الملك في بيت أخضر على وطاء أخضر عليه

ص: 1109

ثياب خضر، ثم نظر في المرآة فأعجبه شبابه وجماله، فقال: كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وكان أبو بكر صديقا، وكان عمر فاروقا، وكان عثمان حييا، وكان معاوية حليما، وكان يزيد صبورا، وكان عبد الملك سائسا، وكان الوليد جبارا، وأنا الملك الشاب. فما دار عليه الشهر حتى مات.

وروى محمد بن سعيد الدارمي، عن أبيه، قال: كان سليمان بن عبد الملك ينظر في المرآة من فرقه إلى قدمه ويقول: أنا الملك الشاب، فلما نزل بمرج دابق حُم وفشت الحمى في عسكره، فنادى بعض خدمه فجاءت بطست، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: محمومة. قال: فأين فلانة؟ قالت: محمومة. فما ذكر أحدا إلا قالت: محمومة. فالتفت إلى خاله الوليد بن القعقاع العبسي وقال:

قرب وضوءك يا وليد فإنما هذي الحياة تعلة ومتاع فقال الوليد:

فاعمل لنفسك في حياتك صالحا فالدهر فيه فرقة وجماع ومات في مرضه.

وعن الفضل بن المهلب قال: عرضت لسليمان سعلة وهو يخطب، فنزل وهو محموم، فما جاءت الجمعة الأخرى حتى دفن.

وقال الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن حسان الكناني، قال: لما مرض سليمان بدابق قال لرجاء بن حيوة: من لهذا الأمر بعدي، أستخلف ابني؟ قال: ابنك غائب، قال: فابني الآخر، قال: صغير، قال: فمن ترى؟ قال: أرى أن تستخلف عمر بن عبد العزيز، قال: أتخوف إخوتي لا يرضون. قال: فول عمر، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، وتكتب كتابا وتختم عليه، وادعوهم إلى بيعته مختوما. قال: لقد رأيت؛ ائتني بقرطاس، فدعا بقرطاس فكتب فيه العهد، ودفعه إلى رجاء وقال: اخرج إلى الناس فليبايعوا على ما فيه مختوما، فخرج فقال: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب، قالوا: ومن فيه؟ قال: هو مختوم، لا تخبرون بمن فيه حتى يموت. قالوا: لا نبايع. فرجع إليه فأخبره، فقال: انطلق إلى صاحب الشرطة والحرس، فاجمع الناس ومرهم بالبيعة، فمن أبى فاضرب عنقه. ففعل، قال: فبايعوه على ما فيه. قال رجاء بن حيوة: فبينا أنا راجع

ص: 1110

إذ سمعت جلبة موكب، فإذا هشام، فقال لي: يا رجاء، قد علمت موقعك منا، وإن أمير المؤمنين قد صنع شيئا ما أدري ما هو، وأنا أتخوف أن يكون قد أزالها عني، فإن يكن قد عدلها عني فأعلمني ما دام في الأمر نفس حتى أنظر، فقلت: سبحان الله، يستكتمني أمير المؤمنين أمرا أطلعك عليه! لا يكون ذا أبدا. قال: فأدارني ولاحاني، فأبيت عليه فانصرف، فبينا أنا أسير إذ سمعت جلبة خلفي، فإذا عمر بن عبد العزيز وقال لي: يا رجاء، إنه قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل، أتخوف أن يكون قد جعلها إلي ولست أقوم بهذا الشأن، فأعلمني ما دام في الأمر نفس لعلي أتخلص منه ما دام حيا، قلت: سبحان الله، يستكتمني أمير المؤمنين أمرا أطلعك عليه! قال: وثقل سليمان، فلما مات أجلسته مجلسه وأسندته وهيأته وخرجت إلى الناس، فقالوا: كيف أصبح أمير المؤمنين؟ قلت: أصبح ساكنا، وقد أحب أن تسلموا عليه وتبايعوا بين يديه على ما في الكتاب، فدخلوا وأنا قائم عنده، فلما دنوا قلت: إنه يأمركم بالوقوف، ثم أخذت الكتاب من عنده وتقدمت إليهم وقلت: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا على ما في هذا الكتاب، فبايعوا وبسطوا أيديهم. فلما بايعتهم وفرغت قلت: آجركم الله في أمير المؤمنين. قالوا: فمن؟ ففتحت الكتاب فإذا فيه العهد لعمر بن عبد العزيز، فتغيرت وجوه بني عبد الملك، فلما سمعوا: وبعده يزيد بن عبد الملك كأنهم تراجعوا، فقالوا: أين عمر، فطلبوه فإذا هو في المسجد، فأتوه فسلموا عليه بالخلافة، فعقر به فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه، فدنوا به إلى المنبر وأصعدوه، فجلس طويلا لا يتكلم، فقال رجاء: ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه، فنهض القوم إليه فبايعوه رجلا رجلا ومد يده إليهم، قال: فصعد إليه هشام بن عبد الملك، فلما مد يده إليه قال: يقول هشام: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال عمر: إنا لله وإنا إليه راجعون، حين صار يلي هذا الأمر أنا وأنت. ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني لست بقاض ولكني منفذ، ولست بمبتدع ولكني متبع، وإن من حولكم من الأمصار والمدن إن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم، وإن هم أبوا فلست لكم بوالٍ. ثم نزل فأتاه صاحب المراكب فقال: ما هذا؟ قال: مركب الخليفة. قال: لا حاجة لي فيه، ائتوني بدابتي، فأتوه بدابته فانطلق إلى منزله، ثم دعا بدواة فكتب بيده إلى عمال الأمصار.

ص: 1111

قال رجاء: كنت أظن أنه سيضعف، فلما رأيت صنعه في الكتاب علمت أنه سيقوى.

وقال عمرو بن مهاجر: صلى عمر بن عبد العزيز المغرب، ثم صلى على جنازة سليمان بن عبد الملك.

وقال ابن إسحاق: توفي يوم الجمعة في عاشر صفر سنة تسعٍ وتسعين.

قال الهيثم وجماعة: عاش خمسا وأربعين سنة.

وقال آخرون: عاش أربعين سنة.

وقيل: تسعا وثلاثين سنة، وخلافته سنتان وتسعة أشهر وعشرون يوما.

85 -

م ن ق: سميط بن عمير، أو ابن عمرو، أو ابن سمير، أبو عبد الله السدوسي البصري.

يقال: إنه سار إلى عمر، وروى عن أبي موسى، وعمران بن حصين، وأنس. وقيل: الذي روى عن أنس آخر. وعنه عاصم الأحول، وعمران بن حدير، وسليمان التيمي.

فرق بينهما أبو حاتم، وخالفه الدارقطني.

86 -

ع:‌

‌ سهل بن سعد بن مالك

، أبو العباس الساعدي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبيه أيضا صحبة.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بن كعب، وغيره. روى عنه ابنه عباس بن سهل، والزهري، وأبو حازم الأعرج، وآخرون.

وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة وقد قارب المائة سنة، وقد شهد المتلاعنين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وله خمس عشرة سنة.

وقال عبد المهيمن بن عباس بن سهل، عن أبيه قال: كان اسم سهل بن سعد (حزنا)، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سهلا.

ص: 1112

وقال عبيد الله بن عمر: تزوج سهل بن سعد خمس عشرة امرأة.

وروي أنه حضر وليمة فيها تسعة من مطلقاته، فلما خرج وقفن له وقلن: كيف أنت يا أبا العباس؟

أخبرنا يحيى بن أحمد بالإسكندرية ومحمد بن الحسين بمصر؛ قالا: أخبرنا محمد بن عماد قال: أخبرنا عبد الله بن رفاعة قال: أخبرنا أبو الحسن الخلعي قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمر البزاز قال: أخبرنا أبو الطاهر أحمد بن محمد المديني قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سهل بن سعد، سمعه يقول: اطلع رجل من جحر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه، فقال: لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر.

اتفقوا على أنه مات سنة إحدى وتسعين، إلا ما ذكر أبو نعيم والبخاري أنه مات سنة ثمانٍ وثمانين.

87 -

د ن:‌

‌ سواء الخزاعي

.

عن حفصة، وعائشة، وأم سلمة. وعنه معبد بن خالد، والمسيب بن رافع، وعاصم بن أبي النجود.

88 -

بخ:‌

‌ شبيل بن عوف

، أبو الطفيل الأحمسي، البجلي الكوفي.

مخضرم، سمع عمر. وعنه إسماعيل بن أبي خالد.

ص: 1113

وهو والد الحارث ومغيرة.

89 -

م مقرون 4:‌

‌ شهر بن حوشب

، أبو سعيد الأشعري الشامي، مولى أسماء بنت يزيد رضي الله عنها.

روى عن مولاته، وأبي هريرة، وعائشة، وأم سلمة، وأبي سعيد، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وخلق. وقرأ القرآن على ابن عباس، وأرسل عن سلمان، وبلال، وأبي ذر. روى عنه قتادة، ومعاوية بن قرة، وداود بن أبي هند، والحكم بن عتيبة، وأشعث بن عبد الله الحداني، وأبو بشر جعفر بن إياس، ومقاتل بن حيان، وأبو بكر الهذلي، وثابت البناني، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وعبيد الله بن أبي زياد المكي، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وطائفة آخرهم عبد الحميد بن بهرام.

قال أبان بن صمعة: قلت لشهر: يا أبا سعيد. وبها كناه مسلم والنسائي.

وعن حنظلة، عن شهر قال: عرضت القرآن على ابن عباس سبع مرات.

وعن أبي نهيك قال: قرأت على ابن عباس وابن عمر وجماعة، فما رأيت أحدا أقرأ لكتاب الله من شهر بن حوشب. رواه البخاري في ترجمة شهر، ثم قال: سمع من أبي هريرة، وأبي سعيد، وأم سلمة، وجندب بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو.

وقال علي بن عياش: حدثنا عبد الحميد بن بهرام قال: أتى على شهر بن حوشب ثمانون سنة، ورأيته يعتم بعمامة سوداء طرفها بين كتفيه، وعمامة أخرى قد أوثق بها وسطه سوداء، ورأيته مخضوبا خضابة سوداء في حمرة، ووفد على بلال بن مرداس الفزاري بحولايا،

ص: 1114

فأجازه بأربعة آلاف درهم فأخذها.

وقال إسماعيل بن عياش: حدثنا عثمان بن نويرة قال: دعي شهر بن حوشب إلى وليمة وأنا معه، فأصبنا من طعامهم، فلما سمع شهر المزمار وضع إصبعيه في أذنيه وخرج.

قال حرب الكرماني: قلت لأحمد بن حنبل: شهر بن حوشب؟ فوثقه وقال: ما أحسن حديثه.

وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: شهر ليس به بأس.

وقال الترمذي: قال محمد - يعني البخاري: شهر حسن الحديث، وقوى أمره وقال: إنما تكلم فيه ابن عون. ثم روى عن رجل عنه.

وقال العجلي: ثقة.

وقال عباس الدوري، عن ابن معين: شهر ثبت.

وقال أبو زرعة: لا بأس به.

وقال النسائي: ليس بالقوي.

وقال ابن عدي: شهر ممن لا يحتج بحديثه ولا يتدين به.

وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا زياد بن الربيع قال: حدثنا أعين الإسكاف قال: آجرت نفسي من شهر بن حوشب إلى مكة، وكان له غلام ديلمي مغنٍ، وكان إذا نزل منزلا قال له: تنح فاخل، فاستذكر غناءك، ثم يقبل علينا فيقول: إن هذا ينفق بالمدينة.

وقال يحيى بن أبي بكير، عن أبيه قال: كان شهر بن حوشب على بيت المال، فأخذ خريطة فيها دراهم، فقيل فيه:

ص: 1115

لقد باع شهرٌ دينه بخريطة فمن يأمن القراء بعدك يا شهر أخذت بها شيئا طفيفا وبعته من ابن جريرٍ إن هذا هو الغدر وقال يحيى القطان، عن عباد بن منصور قال: حججت مع شهر بن حوشب فسرق عيبتي.

وقال النضر بن شميل، عن ابن عون قال: إن شهرا نزكوه. قال النضر: يعني طعنوا فيه.

وقال شهر بن حوشب: من ركب مشهورا من الدواب أو لبس مشهورا من الثياب أعرض الله عنه، وإن كان كريما.

قال عبد الحميد بن بهرام: توفي سنة مائة. تابعه المدائني، وخليفة، والهيثم، وآخرون.

ويروى أنه توفي سنة ثمانٍ وتسعين، ولا يصح.

وقال الواقدي: توفي سنة اثنتي عشرة ومائة.

90 -

‌ شويس بن جياش

- بالجيم أو بالحاء المهملة - اختلفوا فيه.

عن عمر، وعتبة بن غزوان. وعنه عاصم الأحول، وأبو نعامة عمرو بن عيسى العدوي، وجعفر بن كيسان العدوي، وغيرهم.

ذكره ابن حبان في الثقات. له حديث في الشمائل.

91 -

ع:‌

‌ صالح بن أبي مريم

، أبو الخليل الضبعي مولاهم، البصري.

عن سفينة، وأبي سعيد، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وأبي علقمة الهاشمي، وجماعة. وأرسل عن أبي موسى، وأبي قتادة الأنصاري. وعنه مجاهد، وعطاء - وهما أسن منه - وقتادة، وأيوب السختياني، ومنصور، وأبو الزبير المكي.

ص: 1116

وثقه ابن معين والنسائي، وقد أرسل عن أبي سعيد.

92 -

خ م ت ن ق:‌

‌ صفوان بن محرز المازني البصري

، أحد الأئمة العابدين.

روى عن أبي موسى الأشعري، وابن عمر، وعمران بن حصين، وحكيم بن حزام. روى عنه جامع بن شداد، وقتادة، وبكر بن عبد الله المزني، وثابت البناني، ومحمد بن واسع، وعلي بن زيد، وعاصم الأحول، وآخرون.

ذكره ابن سعد فقال: ثقة، له فضل وورع.

وقال غيره: كان قد اتخذ لنفسه سربا يبكي فيه، وكان واعظا عابدا.

وقال عثمان بن مطر - وهو ضعيف - عن هشام، عن الحسن قال: لقيت أقواما كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم الله عليكم، وصحبت أقواما كان أحدهم يأكل على الأرض وينام على الأرض؛ منهم صفوان بن محرز، كان يقول: إذا أويت إلى أهلي وأصبت رغيفا فجزى الله الدنيا عن أهلها شرا، والله ما زاد على رغيف حتى مات، يظل صائما ويفطر على رغيف، ويصلي حتى يصبح ثم يأخذ المصحف فيتلو حتى يرتفع النهار، ثم يصلي، ثم ينام إلى الظهر، فكانت تلك نومته حتى فارق الدنيا، ويصلي من الظهر إلى العصر، ويتلو في المصحف إلى أن تصفر الشمس.

93 -

بخ ن:‌

‌ صفوان بن أبي يزيد

، وقيل: ابن يزيد، المدني.

عن أبي سعيد الخدري، وابن اللجلاج - واسمه حصين بن اللجلاج، وقيل: خالد، وقيل: القعقاع، وقيل: أبو العلاء - عن أبي هريرة.

وعنه سهيل بن أبي صالح، وعبيد الله بن أبي جعفر المصري، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وصفوان بن سليم.

ص: 1117

له أحاديث يسيرة، وثقه ابن حبان.

94 -

سوى ق:‌

‌ صفوان بن يعلى بن أمية التميمي

، حليف قريش.

عن أبيه. وعنه عطاء بن أبي رباح، وعمرد بن الحسن، والزهري.

95 -

د ت ق:‌

‌ الضحاك بن فيروز الديلمي الأبناوي اليماني

، نزيل الشام.

عن أبيه. وعنه أبو وهب الجيشاني، وكثير الصنعاني.

له عن أبيه: أسلمت وتحتي أختان يا رسول الله.

96 -

‌ طارق بن زياد المغربي البربري

، مولى موسى بن نصير الأمير، ويقال: هو مولى الصدف.

عدى البحر من الزقاق السبتي إلى الأندلس، فنزل بالجبل المنسوب إليه في رجب سنة اثنتين وتسعين في اثني عشر ألفا إلا اثني عشر نفسا، سائرهم من البربر، وفيهم قليل من العرب.

وذكر ابن القوطية أن طارقا لما ركب البحر غلبته عينه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم وحوله الصحابة وقد تقلدوا السيوف وتنكبوا القسي فدخلوا قدامه، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تقدم يا طارق لشأنك. فانتبه مستبشرا وبشر أصحابه، ولم يشك في الظفر. قال: فشن الغارة وافتتح سائر المدائن، وولي سنة واحدة، ثم دخل مولاه موسى، فأتم ما بقي من الفتح في سنة ثلاث وتسعين.

97 -

خ 4:‌

‌ طريف بن مجالد

، أبو تميمة الهجيمي البصري، وهو بكنيته أشهر.

عن أبي موسى الأشعري، وجندب بن عبد الله، وابن عمر، وأبي هريرة. وعن أبي عثمان النهدي، وأبي جري الهجيمي. وعنه قتادة، وحكيم

ص: 1118

الأثرم، والمثنى بن سعيد، وجعفر بن ميمون، وخالد الحذاء، والجريري، وسليمان التيمي، وآخرون.

وثقه ابن معين وغيره.

توفي سنة خمس وتسعين؛ قاله الفلاس.

وقال الواقدي: سنة سبع.

98 -

خ 4:‌

‌ طلحة بن عبد الله بن عوف القرشي الزهري

، قاضي المدينة في أيام يزيد بن معاوية.

يروي عن عمه عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وسعيد بن زيد، وابن عباس، وغيرهم. روى عنه الزهري، وسعد بن إبراهيم، وأبو الزناد، وأبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر.

وكان فقيها نبيلا عالما جوادا ممدحا، وهو طلحة الندى أحد الطلحات الموصوفين بالكرم.

توفي سنة سبع وتسعين، وثقه جماعة.

99 -

طويس، صاحب الغناء، اسمه عيسى بن عبد الله، أبو عبد المنعم المدني، المغني.

كان ممن يضرب به المثل في الحذق بالغناء وقال الشاعر:

تغنى طويس والسريجي بعده وما قصبات السبق إلا لمعبد وكان أحول، مفرطا في الطول. ويقال في المثل: أشأم من طويس؛ لأنه ولد في اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قيل، وفطم في يوم وفاة الصديق، وبلغ يوم مقتل عمر، وتزوج يوم مقتل عثمان، وولد له يوم مقتل علي.

توفي بالسويداء على مرحلتين من المدينة، في درب الشام سنة اثنتين وتسعين.

ص: 1119

وأصل اسمه طاوس.

100 -

‌ عامر بن لدين

، أبو سهل الأشعري، وقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو بشر، شامي من أهل الأردن.

ولي القضاء لعبد الملك بن مروان، وحدث عن بلال، وأبي هريرة، وأبي ليلى الأشعري. وعنه سليمان بن حبيب، وعروة بن رويم، والحارث بن معاوية.

قال العجلي: تابعي ثقة.

لم يخرجوا له شيئا.

101 – ع:‌

‌ عباد بن تميم المازني الأنصاري المدني

.

عن عمه عبد الله بن زيد، وأبي بشير قيس بن عبيد الأنصاري، وجماعة. وولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه عبد الله ومحمد ابنا أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، والزهري، ويحيى بن سعيد، ومحمد بن يحيى بن حبان.

102 -

م ن:‌

‌ عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير

.

عن جدة أبيه أسماء وعائشة ابنتي الصديق، وجابر. وعنه هشام بن عروة، والسري بن عبد الرحمن المدني. قال الزبير في النسب: كان سريا سخيا حلوا، يضرب المثل بحسنه.

قال الأحوص يصف امرأة:

لها حسن عبادٍ وجسم ابن واقدٍ وريح أبي حفصٍ ودين ابن نوفل ابن واقد هو عثمان بن واقد بن عبد الله بن عمر، وأبو حفص هو عمر بن عبد العزيز، وابن نوفل إنسان كان بالمدينة

وله حديث في الثاني من حديث زغبة، أخرجه البخاري في كتاب

ص: 1120

الأدب، وآخر في مسند أحمد، أخرجه مسلم.

103 – م د ن:‌

‌ عباد بن زياد ابن أبيه

، أخو عبيد الله بن زياد.

عن حمزة وعروة ابني المغيرة في الوضوء. وعنه مكحول، والزهري.

قال مصعب الزبيري: أخطأ فيه مالك خطأ قبيحا حيث يقول عن عباد بن زياد: من ولد المغيرة. والصواب: عن عباد، عن رجل من ولد المغيرة.

وقال خليفة: عزل معاوية عبيد الله بن أبي بكرة عن سجستان، وولاها عباد بن زياد، فغزا حتى بلغ بيت الذهب، وجمع له الهند فهزم الله الهند، وبقي عباد على سجستان سبع سنين.

وقال أبو حسان الزيادي: مات سنة مائة.

وقال غيره: مات بجرود من عمل دمشق.

104 -

خ م د ت ق:‌

‌ عباس بن سهل الساعدي

.

قيل: إنه توفي في خلافة الوليد بن عبد الملك، وقيل: قبل العشرين ومائة، كما يأتي.

105 – ع:‌

‌ عباية بن رفاعة الأنصاري الزرقي المدني

.

عن جده رافع بن خديج، وأبي عبس بن جبر الأنصاري، وعبد الله بن عمر. روى عنه إسماعيل بن مسلم المكي، ويزيد بن أبي مريم، وأبو حيان يحيى بن سعيد التيمي، وسعيد بن مسروق الثوري، وغيرهم.

وثقه ابن معين.

106 -

ع:‌

‌ عبد الله بن بسر المازني الصحابي

.

ص: 1121

قال عبد الصمد بن سعيد القاضي وغيره: توفي سنة ستٍ وتسعين.

وقال أبو زرعة: مات قبل سنة مائة.

قد مر في الطبقة الماضية.

قال يزيد بن عبد ربه الجرجسي: توفي سنة ستٍ وتسعين.

107 -

ع:‌

‌ عبد الله بن الحارث

، أبو الوليد البصري، زوج أخت محمد بن سيرين.

روى عن عائشة، وأبي هريرة، وابن عباس. وعنه أيوب، وخالد الحذاء، وعاصم الأحول، وابنه يوسف بن عبد الله، وجماعة.

وثقه أبو زرعة، وليس هو بالمشهور.

108 -

م 4:‌

‌ عبد الله بن رباح

، أبو خالد الأنصاري المدني، نزيل البصرة.

روى عن أبي بن كعب، وعمار بن ياسر، وعمران بن حصين، وكعب الأحبار. روى عنه ثابت البناني، وأبو عمران الجوني، وقتادة، وخالد الحذاء.

وهو ثقة جليل القدر.

قال شعبة، عن أبي عمران الجوني: وقفت مع عبد الله بن رباح ونحن نقاتل الأزارقة مع المهلب، فبكى، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: قد كان في قتال أهل الشرك غنى عن قتال أهل القبلة.

109 -

خ ت:‌

‌ عبد الله بن زياد

، أبو مريم الأسدي الكوفي.

عن علي، وابن مسعود، وعمار. وعنه شمر بن عطية، وأشعث بن أبي الشعثاء، وأبو حصين عثمان بن عاصم، وغيرهم.

ص: 1122

110 -

‌ عبد الله بن ساعدة

، أبو محمد الهذلي المدني.

يروي عن عمر؛ قاله ابن سعد، وقال: توفي سنة مائة.

111 -

م 4:‌

‌ عبد الله بن الصامت

، ابن أخي أبي ذر الغفاري.

عن عمه، وعمر، وعثمان، وعائشة، وحذيفة، والحكم ورافع ابني عمرو الغفاري. وعنه أبو عمران الجوني، وحميد بن هلال، وأبو العالية البراء، ومحمد بن واسع، وعمرو بن مرة، وأبو نعامة السعدي، وجماعة.

وقال النسائي: ثقة.

112 – خ م د ن:‌

‌ عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب

، أبو يحيى الهاشمي المدني، أخو إسحاق ومحمد.

روى عن أبيه، وابن عباس، وعبد الله بن خباب بن الأرت، وعبد الله بن شداد. روى عنه أخوه عون، والزهري، وعاصم بن عبيد الله، وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. وكان من صحابة سليمان بن عبد الملك.

قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، قتلته السموم بالأبواء سنة سبعٍ وتسعين وهو مع سليمان، فصلى عليه.

113 – د ن:‌

‌ عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى

، الخزاعي مولاهم، الكوفي.

عن أبيه. وعنه أجلح الكندي، وأسلم المنقري، وسلمة بن كهيل، ومنصور بن المعتمر، وجماعة.

114 -

‌ عبد الله بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي

.

ولي الغزو في أيام أبيه، وبنى المصيصة، وكانت داره بمحلة القباب

ص: 1123

عند باب الجامع. وولي إمرة مصر بعد عمه عبد العزيز إلى أن عزل سنة تسعين بقرة بن شريك.

وعن معن، عن مالك قال: مات بسر بن سعيد ولم يدع كفنا، ومات عبد الله بن عبد الملك وترك ثمانين مدي ذهب.

توفي سنة مائة.

115 -

خ م ق:‌

‌ عبد الله بن أبي عتبة الأنصاري

، مولى أنس بن مالك.

عن مولاه، وعائشة، وأبي سعيد، وأبي الدرداء وكأنه مرسل، وجابر، وغيرهم. وعنه قتادة، وثابت، وعلي بن زيد بن جدعان، وحميد الطويل.

وثقه ابن حبان.

116 -

م د ت ن:‌

‌ عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان

، أبو محمد الأموي، سبط ابن عمر.

مدني، كان يقال له: المطرف؛ من حسنه وملاحته، وهو والد محمد الديباج.

روى عن ابن عباس، ورافع بن خديج، والحسين بن علي، وجماعة. روى عنه أبو بكر بن حزم، والزهري، وابنه محمد الديباج.

وكان شريفا كبير القدر جوادا، مدحه الفرزدق وموسى شهوات، توفي بمصر سنة ستٍ وتسعين.

وعن جميل أنه قال لبثينة: ما رأيت عبد الله بن عمرو بن عثمان يخطر على البلاط إلا أخذتني الغيرة عليك وأنت بخبائك.

117 -

ع:‌

‌ عبد الله بن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري

.

روى عن أبيه فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عنه يحيى بن أبي كثير، وأبو حازم الأعرج، وزيد بن أسلم، وحصين بن عبد الرحمن، وإسماعيل بن أبي خالد.

ص: 1124

مات في خلافة الوليد، وكان من علماء أهل المدينة وثقاتهم.

قال ابن حبان: توفي سنة خمسٍ وتسعين.

118 -

م 4:‌

‌ عبد الله بن أبي قيس

، ويقال: ابن قيس، أبو الأسود، ويقال: عبد الله بن أبي موسى، مولى عطية.

شامي حمصي. روى عن أبي الدرداء، وأبي ذر، وعائشة، وابن الزبير. روى عنه عيسى بن راشد، ويزيد بن خمير، ومحمد بن زياد الألهاني، ومعاوية بن صالح.

قال أبو حاتم: صالح الحديث. ووثقه النسائي.

• -‌

‌ عبيد الله بن قيس

، أبو بحرية، في الكنى.

119 -

‌ عبد الله بن قيس الرقيات المدني

.

الشاعر المشهور الذي يقول في كثيرة زوجة علي بن عبد الله بن عباس:

عاد له من كثيرة الطرب فعينه بالدموع تنسكب كوفية نازحٌ محلتها لا أممٌ دارها ولا صقب والله ما إن صبت إلي ولا يعرف بيني وبينها نسب إلا الذي أورثت كثيرة في الـ ـقلب وللحب سورة عجب

120 -

خ م د ن ق:‌

‌ عبد الله بن كعب بن مالك

.

توفي سنة سبعٍ أو ثمانٍ وتسعين.

121 -

ع:‌

‌ عبد الله بن محمد ابن الحنفية

، أبو هاشم الهاشمي العلوي المدني.

ص: 1125

روى عن أبيه، وعن صهر له صحابي من الأنصار. روى عنه الزهري، وعمرو بن دينار، وسالم بن أبي الجعد، وابنه عيسى أبو محمد.

وهو نزر الحديث، وفد على سليمان بن عبد الملك فأدركه أجله بالبلقاء في رجوعه.

قال مصعب الزبيري: كان أبو هاشم صاحب الشيعة، فأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس والد السفاح، ودفع إليه كتبه وصرف الشيعة إليه.

وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وكان الشيعة يلقونه وينتحلونه، فلما احتضر أوصى إلى محمد بن علي، وقال: أنت صاحب هذا الأمر، وهو في ولدك، وصرف الشيعة إليه ودفع إليه كتبه.

وقال الزهري: كان الحسن أوثقهما في أنفسنا، وكان عبد الله يتبع السبئية.

وقال الزهري مرة أخرى: حدثنا الحسن وعبد الله ابنا محمد بن علي، وكان عبد الله يجمع أحاديث السبئية.

وقال أبو أسامة: أحدهما مرجئ - يعني الحسن - والآخر شيعي.

قال يعقوب بن شيبة: حدثنا سليمان بن منصور قال: حدثنا حجر بن عبد الجبار قال: سمعت عيسى بن علي وذكر أبا هاشم فقال: كان قبيح الخلق، قبيح الهيئة، قبيح الدابة، فما ترك شيئا من القبح إلا نسبه إليه، قال: وكان لا يذكر أبي عنده - أبوه هو علي بن عبد الله - إلا عابه، فبعث إلى ابنه محمد بن علي إلى باب الوليد بن عبد الملك، فأتى أبا هاشم، فكتب عنه العلم، وكان يأخذ بركابه، فكفه ذاك عن أبينا، وكان أبي يلطف محمدا بالشيء يبعث به إليه من دمشق، فيبعث به محمد إلى أبي هاشم. وأعطاه مرة بغلة فكبرت عنده، قال: وكان قوم من أهل خراسان يختلفون إلى أبي هاشم، فمرض واحتضر، فقال له الخراسانية: من تأمرنا نأتي بعدك؟ قال: هذا، قالوا: ومن هذا؟ قال: هذا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، قالوا: وما لنا ولهذا؟ قال: لا أعلم أحدا أعلم منه ولا خيرا منه، فاختلفوا إليه. قال عيسى: فذاك سببنا بخراسان.

وروي عن جويرية بن أسماء وعن غيره أن سليمان بن عبد الملك

ص: 1126

دس على عبد الله من سمه لما انصرف من عنده، فهيأ أناسا، وجعل عندهم لبنا مسموما، فتعرضوا له في الطريق، فاشتهى اللبن وطلبه منهم، فشربه فهلك، وذلك بالحميمة في سنة ثمانٍ وتسعين، وقيل: سنة تسع وتسعين.

حديثه بعلوٍ في جزء البانياسي.

122 -

ع:‌

‌ عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب القرشي الجمحي المكي

، أبو محيريز، نزيل بيت المقدس.

لا أعلم أحدا ذكر أباه في الصحابة، والظاهر أنه من مسلمة الفتح.

روى عن عبادة بن الصامت، وأبي محذورة المؤذن الجمحي، وكان زوج أمه، ومعاوية، وأبي سعيد، والصنابحي، وغيرهم. واسم أبي محذورة سلمة بن معير. روى عنه خالد بن معدان، ومكحول، وحسان بن عطية، والزهري، ويحيى السيباني أبو زرعة، وإسماعيل بن عبيد الله، وإبراهيم بن أبي عبلة، وجماعة.

وكان كبير القدر عالما عابدا قانتا لله.

قال الأوزاعي: كان ابن أبي زكريا يقدم فلسطين فيلقى ابن محيريز فتتقاصر إليه نفسه لما يرى من فضل ابن محيريز.

وقال عمرو بن عبد الرحمن بن محيريز: كان جدي يختم في كل جمعة، وربما فرشنا له فراشا، فيصبح على حاله لم ينم عليه.

وقال مروان الطاطري: حدثنا رباح بن الوليد - قلت: وقد وثقه أبو زرعة النصري – قال: حدثني إبراهيم بن أبي عبلة قال: قال رجاء بن حيوة: إن يفخر علينا أهل المدينة بعابدهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فإنا نفخر عليهم بعبادنا عبد الله بن محيريز.

وقال محمد بن حمير، عن ابن أبي عبلة، عن رجاء قال: إن كان أهل المدينة يرون ابن عمر فيهم إماما فإنا نرى ابن محيريز فينا إماما، وكان صموتا معتزلا في بيته.

روى رجاء بن أبي سلمة، عن خالد بن دريك قال: كانت في ابن

ص: 1127

محيريز خصلتان ما كانتا في أحدٍ ممن أدركت، كان أبعد الناس أن يسكت عن حقٍ في الله من غضب ورضا، وكان من أحرص الناس أن يكتم من نفسه أحسن ما عنده.

وقال ضمرة، عن رجاء بن أبي سلمة، عن مقبل بن عبد الله الكناني قال: ما رأيت أحدا أحرى أن يستر خيرا من نفسه، ولا أقول لحق إذا رآه من ابن محيريز ولقد رأى على خالد بن يزيد بن معاوية جبة خزٍ، فقال: أتلبس الخز؟ فقال: إنما ألبسها لهؤلاء، وأشار إلى عبد الملك، فغضب ابن محيريز وقال له: ما ينبغي أن تعدل خوفك من الله بأحد من الناس.

وعن الأوزاعي قال: من كان مقتديا فليقتد بمثل ابن محيريز، فإن الله لم يكن ليضل أمة فيها ابن محيريز.

وقال يحيى بن أبي عمرو السيباني: قال لنا ابن محيريز إني أحدثكم فلا تقولوا حدثنا ابن محيريز، فإني أخشى أن يصرعني ذلك يوم القيامة مصرعا يسوؤني.

وقال عبد الواحد بن موسى: سمعت ابن محيريز يقول: اللهم إني أسألك ذكرا خاملا.

وقال رجاء بن أبي سلمة: كان ابن محيريز يجيء إلى عبد الملك بالصحيفة فيها النصيحة فيقرئه إياها، فإذا فرغ منها أخذ الصحيفة.

وعن رجاء بن حيوة قال: بقاء ابن محيريز أمانٌ للناس.

وقال ضمرة: مات في ولاية الوليد.

وقال خليفة: مات في زمن عمر بن عبد العزيز.

123 -

ع: عبد الله بن مرة الهمداني الكوفي.

يروي عن البراء بن عازب، وابن عمر، ومسروق. روى عنه منصور، والأعمش.

وثقه ابن معين، توفي سنة مائة.

ص: 1128

124 -

د ن:‌

‌ عبد الله بن مسافع بن عبد الله الأكبر بن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الحجبي المكي

.

سمع من عمته صفية، وابن عمته مصعب بن عثمان. وعنه منصور بن صفية، وابن جريج.

ومات مرابطا مع سليمان بن عبد الملك، له حديثٌ في سجود السهو في السنن.

125 -

ت ق:‌

‌ عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود الأسدي الزمعي المدني الأصغر

، لأن أخاه عبد الله الأكبر قتل يوم الدار.

عن أم سلمة، وابن عمر، ومعاوية. وعنه هاشم بن هاشم بن عتبة، والزهري، وسالم أبو النضر، وحفيده يعقوب بن عبد الله بن عبد الله.

ذكره ابن حبان في الثقات.

• -‌

‌ عبد الله بن يزيد الحبلي

، أبو عبد الرحمن، يذكر في الكنى.

126 -

‌ عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي

، أبو بحر، ويقال: أبو حاتم.

سمع أباه، وعليا. روى عنه محمد بن سيرين، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية، وخالد الحذاء، وآخرون.

وهو أول مولود ولد بالبصرة، وكان ثقة جليل القدر، قد وفد مع أبيه على معاوية.

قال أبو عمرو الداني: قال شعبة: كان عبد الرحمن أقرأ أهل البصرة.

قال هدبة بن خالد: حدثنا عبد الواحد بن صفوان قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي بكرة يقول: أنا أنعم الناس، أنا أبو أربعين، وعم

ص: 1129

أربعين، وخال أربعين، وأبي أبو بكرة، وعمي زياد، وأنا أول مولود ولد بالبصرة فنحرت علي جزور.

وقال مخلد بن الحسين، عن هشام، عن ابن سيرين قال: اشتكى رجل فوصف له لبن الجواميس، فبعث إلى عبد الرحمن بن أبي بكرة: ابعث إلينا بجاموسة، قال: فبعث إلى قيمه: كم حلوب لنا؟ قال: تسعمائة، قال: ابعث بها إليه. وقد رويت هذه الحكاية لعبيد الله بن أبي بكر، وهي به أشبه.

قال المدائني وابن معين: توفي سنة ستٍ وتسعين.

127 -

ق:‌

‌ عبد الرحمن بن أذينة العبدي

، قاضي البصرة.

يروي عن أبيه أذينة بن سلمة، وأبي هريرة. وعنه الشعبي، وقتادة، وأبو إسحاق، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي.

وثقه أبو داود. وولاه الحجاج قضاء البصرة سنة ثلاثٍ وثمانين، وبقي إلى حدود سنة خمسٍ وتسعين ومات.

128 -

ع:‌

‌ عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس

، أبو حفص النخعي الكوفي.

يروي عن أبيه، وعمه علقمة بن قيس، وعائشة، وابن الزبير، وأدرك عمر. روى عنه الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطاة، ومالك بن مغول، وزبيد اليامي، وأبو إسرائيل الملائي، وعبد الرحمن المسعودي، وأبو بكر النهشلي، وآخرون.

وكان فقيها عابدا ثقة فاضلا.

قال حماد بن زيد: حدثنا الصقعب بن زهير، عن عبد الرحمن بن الأسود قال: كان أبي يبعثني إلى عائشة رضي الله عنها، فلما احتلمت أتيتها، فناديت من وراء الحجاب: يا أم المؤمنين، ما يوجب الغسل؟ فقالت: أفعلتها يا لكع؟ إذا التقت المواسي.

وقال إسماعيل بن أبي خالد: قلت لعبد الرحمن بن الأسود: ما منعك أن تسأل كما سأل إبراهيم؟ قال: إنه كان يقال: جردوا القرآن.

ص: 1130

وقال زبيد، عن عبد الرحمن بن الأسود: إنه كان يصلي بقومه في رمضان اثنتي عشرة ترويحة، ويصلي لنفسه بين كل ترويحتين اثنتي عشرة ركعة، ويقرأ بهم ثلث القرآن كل ليلة، وكان يقوم بهم ليلة الفطر.

وروى مالك بن مغول عن رجل قال: دخلت المسجد يوم جمعة، فإذا عبد الرحمن بن الأسود قائم يصلي، فعددت له ستا وخمسين ركعة، ثم صلى الجمعة، ثم قام، فعددت له مثلها حتى سهوت أو ترك.

وقال حفص بن غياث، عن ابن إسحاق قال: قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود حاجا فاعتلت رجله، فقام يصلي على قدمٍ حتى أصبح.

وقال موسى بن إسماعيل: حدثنا ثابت بن يزيد قال: حدثنا هلال بن خباب قال: كان عبد الرحمن بن الأسود، وعقبة مولى أديم، وسعد أبو هشام - يحرمون من الكوفة، ويصومون يوما ويفطرون يوما حتى يرجعوا.

ويروى أن عبد الرحمن بن الأسود صام حتى أحرق الصوم لسانه.

وقال الشعبي: أهل بيت خلقوا للجنة؛ علقمة، والأسود، وعبد الرحمن.

وعن الحكم قال: لما احتضر عبد الرحمن بن الأسود بكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: أسفا على الصلاة والصوم. ولم يزل يقرأ القرآن حتى مات، ورؤي له أنه من أهل الجنة.

قال خليفة: مات سنة ثمانٍ أو تسعٍ وتسعين.

وذكر ابن عساكر أنه وفد على عمر بن عبد العزيز.

129 – م د ن:‌

‌ عبد الرحمن بن بشر بن مسعود الأنصاري المدني الأزرق

.

عن أبي مسعود الأنصاري، وخباب، وأبي هريرة، وأبي سعيد. وعنه إبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وأبو حصين الأسدي، وأبو بشر جعفر بن إياس، وآخرون.

ص: 1131

130 – 4:‌

‌ عبد الرحمن ابن البيلماني الشاعر

.

روى عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وابن عباس، وعمرو بن عبسة، وابن عمر، وغيرهم. روى عنه حبيب بن أبي ثابت، وزيد بن أسلم، وربيعة الرأي، ومحمد ابنه.

لينه أبو حاتم.

توفي في خلافة الوليد، وقيل: كان أشعر شعراء اليمن.

131 -

م د ت ن:‌

‌ عبد الرحمن بن جبير المصري المؤذن

.

يروي عن عقبة بن عامر الجهني، وعبد الله بن عمرو، وغيرهما. روى عنه بكر بن سوادة، وكعب بن علقمة، وعبد الله بن هبيرة، ويزيد بن أبي حبيب المصريون.

قال ابن لهيعة: كان عالما بالفرائض، وكان عبد الله بن عمرو معجبا به، يقول: إنه لمن المخبتين.

وقال النسائي: ثقة.

وقال أبو سعيد بن يونس: هو مولى نافع بن عبد عمرو القرشي العامري، شهد فتح مصر.

توفي سنة سبعٍ أو ثمانٍ وتسعين.

132 -

4:‌

‌ عبد الرحمن بن عائذ الأزدي الثمالي الحمصي

، أبو عبد الله.

يقال: له صحبة، ولا يصح. روى عن عمر، ومعاذ، وأبي ذر، وعلي، وعمرو بن عبسة، وعوف بن مالك الأشجعي، والعرباض، وغيرهم. روى عنه محفوظ بن علقمة، وراشد بن سعد، وإسماعيل بن أبي خالد، وسليم بن عامر، ويحيى بن جابر، وثور بن يزيد، وصفوان بن عمرو.

وقال يحيى بن جابر: كان من حملة العلم ويتطلبه من الصحابة وغيرهم.

ص: 1132

وقال غيره: لما مات خلف كتبا وصحفا من علمه، وخرج مع ابن الأشعث فأسر يوم الجماجم وأدخل على الحجاج فعفا عنه.

وثقه النسائي.

قال بقية: حدثني ثور بن يزيد قال: كان أهل حمص يأخذون كتب ابن عائذ، فما وجدوا فيها من الأحكام عمدوا بها على باب المسجد قناعة بها ورضى بحديثه. وحدثني أرطاة بن المنذر قال: اقتسم رجال من الجند كتب ابن عائذ بينهم بالميزان لقناعته فيهم.

وروى جنادة بن مروان عن أبيه قال: لما أتي الحجاج بعبد الرحمن بن عائذ يوم الجماجم - وكان به عارفا - قال: كيف أصبحت؟ قال: كما لا يريد الله، ولا يريد الشيطان، ولا أريد. قال: ويحك! ما تقول؟! قال: نعم، يريد الله أن أكون عابدا زاهدا، وما أنا كذلك، ويريد الشيطان أن أكون فاسقا مارقا، وما أنا بذاك، وأريد أن أكون مخلى في سربي آمنا في أهلي، وما أنا بذاك. فقال الحجاج: أدب عراقي ومولدٌ شامي وجيراننا إذ كنا بالطائف، خلوا عنه.

133 -

4:‌

‌ عبد الرحمن بن محيريز

، أخو عبد الله بن محيريز، الجمحي الشامي، وهو الصغير.

روى عن فضالة بن عبيد، وزيد بن أرقم، وغيرهما. وعنه إبراهيم بن محمد بن حاطب، ومكحول، وأبو قلابة الجرمي.

صدوق.

134 -

‌ عبد الرحمن بن معاوية بن حديج الكندي التجيبي المصري

.

قاضي مصر لعبد العزيز بن مروان وصاحب شرطته ونائبه على مصر إذا غاب، ولهذا قال سعيد بن عفير: جمع له القضاء وخلافة السلطان.

روى عن أبيه، وأبي بصرة الغفاري، وعبد الله بن عمر. وروى عنه يزيد بن أبي حبيب، وعقبة بن مسلم، وواهب المعافري، وسويد بن قيس. ووفد على الوليد بن عبد الملك ببيعة أهل مصر له.

ص: 1133

توفي سنة خمسٍ وتسعين، كنيته أبو معاوية، ولم يخرجوا له شيئا.

135 -

م 4:‌

‌ عبد الرحمن بن وعلة

، ويقال: ابن السميفع السبئي المصري.

عن ابن عباس، وابن عمر. وعنه أبو الخير مرثد اليزني، وزيد بن أسلم، وجعفر بن ربيعة، وآخرون.

وثقه ابن معين وغيره، وكان أحد الأشراف بمصر.

136 -

خ 4:‌

‌ عبد الرحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني

، أخو مجمع، وابن أخي مجمع.

ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن عمه، وأبي لبابة بن عبد المنذر، وخنساء بنت خذام. روى عنه القاسم بن محمد، والزهري، وعبد الله بن محمد بن عقيل.

وروي عن الأعرج قال: ما رأيت بعد الصحابة أفضل منه.

وقال ابن سعد: كان ثقة، ولي قضاء المدينة في خلافة الوليد، وهو قليل الحديث.

توفي عبد الرحمن سنة ثلاثٍ وتسعين.

137 -

‌ عبد الملك، الشاب الناسك العابد

، ولد عمر بن عبد العزيز.

قال عبد الله بن يونس الثقفي، عن سيار أبي الحكم قال: قال ابنٌ لعمر بن عبد العزيز يقال له عبد الملك: يا أبه، أقم الحق ولو ساعة من نهار. وكان يفضل على عمر.

وقال يحيى بن يعلى المحاربي: حدثنا بعض المشيخة قال: كنا نرى أن عمر بن عبد العزيز إنما أدخله في العبادة ما رأى من ابنه عبد الملك.

ص: 1134

وقال أبو المليح، عن ميمون بن مهران قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: الق عبد الملك، فأتيته فقلت لغلامه: استأذن لي، فسمعت صوته: ادخل، فدخلت، فإذا خوانٌ بين يديه عليه ثلاثة أقرصة وقصعة فيها ثريد، فقال: كل، فما منعني من الأكل إلا الإبقاء عليه، فاعتللت بشيء، فلما فرغ دعا غلامه وأعطاه فلوسا، فقال: جئنا بعنبٍ، فجاء بشيءٍ صالح، وكان عمر منع من العصير، فرخص العنب، فقال: إن كان منعك الإبقاء علينا فكل من هذا فإنه رخيص، قلت: من أين معاشك؟ قال: أرضٌ لي أستدين عليها، قلت: فلعلك تستدين من رجلٍ يشق عليه وهو يحتمل ذلك لمكانك؟ قال: لا، إنما هي دراهم لصاحبتي استقرضتها، قلت: أفلا أكلم أمير المؤمنين يجري عليك رزقا؟ فأبى ذلك وقال: والله ما يسرني أن أمير المؤمنين أجرى علي شيئا من صلب ماله دون إخوتي الصغار، فكيف يجري علي من فيء المسلمين.

وقال فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران: إن عمر بن عبد العزيز قال له: إن ابني عبد الملك آثر ولدي عندي، وقد زين علي علمي بفضله، فاستثره لي ثم ائتني بعلمه وعقله. فأتيته، فجاء غلامه فقال: قد أخلينا الحمام. فقلت: الحمام لك؟ قال: لا. قلت: فما دعاك إلى أن تطرد عنه غاشيته وتدخل وحدك فتكسر على الحمامي غلته، ويرجع من جاءه متعنيا! قال: أما صاحب الحمام فإني أرضيه. قلت: هذه نفقة سرفٍ يخالطها كبرٌ. قال: يمنعني أن الرعاع يدخلون بغير إزار وكرهت أدبهم على الأزر، فقد وعظتني موعظة انتفعت بها فاجعل لي من هذا فرجا. فقلت: ادخل ليلا، فقال: لا جرم، لا أدخله نهارا ولولا شدة برد بلادنا ما دخلته، فأقسمت عليك لتكتمن هذه عن أبي فإني معتبك. قلت: فإن سألني؛ هل رأيت منه شيئا، أتأمرني أن أكذب؟ وإنما أبغي عقله مع ورعه، فقال: معاذ الله، ولكن قل: رأيت عيبا ففطنته له، فأسرع إلى ما أحببت، فإنه لن يسألك عن التفسير، لأن الله قد أعاذه من بحث ما ستر الله.

وقال يعلى بن الحارث المحاربي: سمعت سليمان بن حبيب المحاربي قال: جلست مع عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، فقلت: هل خصك أمير المؤمنين أو جعل لك مطبخا أو كذا؟ فقال: إني في كفاية، ويحك يا سليمان! إن الله قد أحسن إلى أمير المؤمنين، وتولاه فأحسن معونته

ص: 1135

منذ ولاه، والله لأن تخرج نفس أمير المؤمنين أحب إلي من أن تخرج نفس هذا الذباب، قلت: سبحان الله! قال: هو في نعم الله في عنايته بالخاصة والعامة، ولست آمن عليه أن يجيئه بعض ما يصرفه عن دينه.

وقال عبد الله بن صالح: حدثني يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: قال عمر بن عبد العزيز: لولا أن أكون زين لي من أمر عبد الملك ما يزين في عين الوالد لرأيته أهلا للخلافة.

وقال جويرية: حدثنا نافع قال: قال عبد الملك بن عمر لأبيه: ما يمنعك أن تمضي للذي تريد؟ والذي نفسي بيده ما أبالي لو غلت بي وبك القدور. فقال: الحمد لله الذي جعل لي من ذريتي من يعينني على هذا الأمر، يا بني لو تأهب الناس بالذي تقول لم آمن أن ينكروها فإذا أنكروها لم أجد بدا من السيف، ولا خير في خيرٍ لا يجيء إلا بالسيف، إني أروض الناس رياضة الصعب، فإن يطل بي عمر، فإني أرجو أن ينفذ الله مشيئتي، وإن تغدو علي منية فقد علم الله الذي أريد.

وقال حسين الجعفي، عن محمد بن أبان قال: جمع عمر بن عبد العزيز قراء أهل الشام؛ فيهم ابن أبي زكريا الخزاعي، فقال: إني جمعتكم لأمر قد أهمني، هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي، ما ترون فيها؟ فقالوا: ما نرى وزرها إلا على من اغتصبها. فقال لابنه عبد الملك: ما ترى؟ قال: ما أرى من قدر على ردها فلم يردها والذي اغتصبها إلا سواء. فقال: صدقت، أي بني، الحمد لله الذي جعل لي وزيرا من أهلي؛ عبد الملك ابني.

وقال سفيان الثوري: قال عمر بن عبد العزيز لابنه: كيف تجدك؟ قال: في الموت. قال: لأن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك، فقال: والله يا أبه، لأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب.

قيل: إنه عاش تسع عشرة سنة، ومات سنة مائة أو نحوها، وله حكايات في زهده وخوفه.

ص: 1136

138 -

‌ عبد الملك بن يعلى الليثي

، قاضي البصرة.

عن أبيه، عن رجل صحابي من قومه، وعن عمران بن حصين، وعن محمد بن عمران بن حصين. وعنه قتادة، وأيوب السختياني، وحميد الطويل، وجماعة آخرهم معاوية بن عبد الكريم الضال.

قال ابن حبان: مات سنة مائة.

كذا قال، وما أراه إلا بقي بعد ذلك؛ فإن قرة بن خالد ومعاوية بن عبد الكريم رويا عنه وأدركاه.

لم يخرجوا له.

139 -

ع:‌

‌ عبيد الله بن أبي رافع

، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سمع أباه، وعلي بن أبي طالب - وكان كاتبه - وأبا هريرة. روى عنه الحسن بن محمد ابن الحنفية، والحكم بن عتيبة، وعبد الرحمن الأعرج، وعلي بن الحسين، وابنه محمد بن علي، وابن ابنه جعفر الصادق، والزهري، وآخرون.

وثقه أبو حاتم.

140 -

ع:‌

‌ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود

، أبو عبد الله الهذلي المدني الضرير، أحد الفقهاء السبعة، وأخو عون.

روى عن عائشة، وأبي هريرة، وابن عباس، وأبي سعيد، وجماعة. روى عنه الزهري، وصالح بن كيسان، وعراك بن مالك، وأبو الزناد، وآخرون كثيرون.

وكان إماما حجة حافظا مجتهدا، قال: ما سمعت حديثا قط فأشاء أن أعيه إلا وعيته.

وقال عمر بن عبد العزيز: لما رويت عن عبيد الله بن عبد الله أكثر مما رويت عن جميع الناس، ولو كان حيا ما صدرت إلا عن رأيه.

ص: 1137

وقال يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني، عن أبيه قال: كنت أسمع عبيد الله يقول: ما سمعت حديثا قط فأشاء أن أعيه إلا وعيته.

وقال مالك: كان عبيد الله بن عبد الله كثير العلم، وكان ابن شهاب يخدمه ويصحبه، حتى أن كان لينزغ له الماء.

وسئل عراك بن مالك: من أفقه من رأيت؟ قال: أعلمهم سعيد بن المسيب، وأغزرهم في الحديث عروة، ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بحرا إلا فجرته.

وقال الزهري: أدركت أربعة بحور، فذكر منهم عبيد الله. قال: وسمعت شيئا كثيرا من العلم فظننت أني اكتفيت، حتى لقيت عبيد الله بن عبد الله.

وعن عمر بن عبد العزيز قال: لأن يكون لي مجلسٌ من عبيد الله أحب إلي من الدنيا.

وكان عبيد الله أيضا من الشعراء، وقيل: هو مؤدب عمر بن عبد العزيز.

وقال عبد الرحمن: رأيت علي بن الحسين يحمل جنازة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.

قال الواقدي: مات سنة ثمانٍ وتسعين.

وقال الهيثم بن عدي: سنة تسع وتسعين.

141 -

خ م د ن:‌

‌ عبيد الله بن عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل النوفلي

.

توفي في آخر خلافة الوليد، فيحول من الطبقة الماضية إلى هنا.

142 -

4:‌

‌ عبيد الله بن فيروز

، أبو الضحاك، الشيباني مولاهم، الكوفي.

ص: 1138

روى عن البراء بن عازب. روى عنه يزيد بن أبي حبيب، والقاسم أبو عبد الرحمن، وغيرهما.

وثقه أبو حاتم.

143 -

‌ العجاج

، أبو رؤبة، صاحب الرجز، هو أبو الشعثاء عبد الله بن رؤبة بن صخر التميمي.

روى عن أبي هريرة، وعنه ابنه رؤبة.

وفد على الوليد، ومات في خلافته بعد أن كبر وأقعد، وهو أول من رفع الرجز وشبهه بالقصيد وجعل له أوائل، ولقب بالعجاج ببيتٍ قاله.

144 -

ع:‌

‌ عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد

، الإمام الفقيه، أبو عبد الله القرشي الأسدي المدني.

روى عن أبيه الزبير، وعلي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، وحكيم بن حزام، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عباس، وطائفة.

وكان ثبتا حافظا فقيها عالما بالسيرة، وهو أول من صنف المغازي.

روى عنه بنوه؛ هشام - وهو أجلهم - ويحيى وعثمان وعبد الله ومحمد، وابن أخيه محمد بن جعفر، وحفيده عمر بن عبد الله، وأبو الأسود يتيمه، وابن المنكدر، والزهري، وصالح بن كيسان، وأبو الزناد، وصفوان بن سليم، وخلق.

ولد سنة تسع وعشرين، قاله مصعب.

وقال خليفة: ولد سنة ثلاث وعشرين.

ومصعب أخبر بنسبه، ويقويه قول هشام بن عروة، عن أبيه قال: أذكر أن أبي الزبير كان ينقزني ويقول:

مباركٌ من ولد الصديق أبيض من آل أبي عتيق ألذه كما ألذ ريقي

ص: 1139

ويقوي قول خليفة ما روى الزبير بن بكار عن محمد بن الضحاك الحزامي قال: قال عروة: وقفت وأنا غلامٌ وقد حصروا عثمان.

روى الفسوي في تاريخه عند ذكر عروة، قال: حدثني عيسى بن هلال السليحي قال: حدثنا أبو حيوة شريح بن يزيد قال: حدثنا شعيب، عن الزهري، عن عروة قال: كنت غلاما لي ذؤابتان، فقمت أركع بعد العصر فبصر بي عمر بن الخطاب ومعه الدرة، ففررت منه، فأحضر في طلبي حتى تعلق بذؤابتي فنهاني، فقلت: يا أمير المؤمنين، لا أعود.

قلت: هذا حديث منكر مع نظافة رجاله.

وقال هشام، عن أبيه قال: رددت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن يوم الجمل واستصغرنا. قال يحيى بن معين: كان عمره يومئذ ثلاث عشرة سنة.

وقال هشام، عن أبيه: ما ماتت عائشة حتى تركتها قبل ذلك بثلاث سنين.

وقال مبارك بن فضالة، عن هشام، عن أبيه قال: لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج وأنا أقول: لو ماتت اليوم ما ندمت على حديثٍ عندها إلا وقد وعيته. ولقد كان يبلغني عن الرجل من المهاجرين الحديث فآتيه فأجده قد قال، فأجلس على بابه فأسأله عنه؛ يعني إذا خرج.

وروى عثمان بن عبد الحميد بن لاحق البصري، عن أبيه قال: قال عمر بن عبد العزيز: ما أجد أعلم من عروة وما أعلمه يعلم شيئا أجهله.

وقال أبو الزناد: فقهاء المدينة أربعة؛ ابن المسيب، وعروة، وقبيصة، وعبد الملك بن مروان.

وقال ابن عيينة، عن الزهري قال: رأيت عروة بحرا لا تكدره الدلاء. وكان يتألف الناس على حديثه.

وعن حميد بن عبد الرحمن قال: لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنهم ليسألون عروة.

وقال معمر، عن هشام بن عروة: إن أباه حرق كتبا له فيها فقه، ثم

ص: 1140

قال: لوددت أني كنت فديتها بأهلي ومالي.

وعن أبي الزناد قال: ما رأيت أحدا أروى للشعر من عروة.

وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: العلم لواحدٍ من ثلاثة؛ لذي حسب يزينه، أو ذي دينٍ يسوس به دينه، أو مختلط بسلطان يتحفه بعلمه. ولا أعلم أحدا أشرط لهذه الخلال من عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز.

وقال عبد الله بن شوذب: كان عروة يقرأ ربع القرآن كل يوم في المصحف نظرا، ويقوم به الليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله، وكان وقع فيها الآكلة فنشرها، وكان إذا كان أيام الرطب يثلم حائطه، ثم يأذن فيه للناس فيدخلون فيأكلون ويحملون.

وقال معمر، عن الزهري قال: وقعت في رجل عروة الآكلة فصعدت في ساقه، فدعا به الوليد، ثم أحضر الأطباء وقالوا: لا بد من قطع رجله، فقطعت، فما تضور وجهه.

وقال عامر بن صالح، عن هشام بن عروة: إن أباه خرج إلى الوليد بن عبد الملك، حتى إذا كان بوادي القرى، وجد في رجله شيئا فظهرت به قرحة، ثم ترقى به الوجع، فلما قدم على الوليد قال: يا أبا عبد الله، اقطعها. قال: دونك، فدعا له الطبيب وقال له: اشرب المرقد. فلم يفعل، فقطعها من نصف الساق، فما زاد على أن يقول: حس حس. فقال الوليد: ما رأيت شيخا قط أصبر من هذا. وأصيب عروة في ذلك السفر بابنه محمد؛ ركضته بغلة في إصطبل، فلم يسمع منه كلمة في ذلك، فلما كان بوادي القرى قال:{لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت منهم واحدا وأبقيت لي ستة، وكان لي أطرافٌ أربعة فأخذت طرفا وأبقيت ثلاثة، فإن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت.

ولهذه الحكاية طرق.

وعن عبد الله بن عروة أن أباه نظر إلى رجله في الطست فقال: الله يعلم أني ما مشيت بها إلى معصية قط، وأنا أعلم.

ص: 1141

وقال هشام بن عروة: كان أبي يسرد الصوم، ومات وهو صائم، ثم جعلوا يقولون له: أفطر، فلم يفطر، وأقام بمكة ابن الزبير تسع سنين وأبي معه.

وعن أبي الأسود أن عبد الله بن عمر زوج بنته سودة من عروة.

وقال علي ابن المديني: حدثنا سفيان قال: قتل ابن الزبير، فسار عروة من مكة بالأموال فأودعها بالمدينة، وأسرع إلى عبد الملك، فقدم عليه قبل وصول الخبر، فقال للبواب: قل لأمير المؤمنين: أبو عبد الله بالباب. فقال: من أبو عبد الله؟ قال: قل له كذا. فدخل، فقال: هاهنا رجلٌ عليه أثر السفر، قال: كيت وكيت. قال: ذاك عروة بن الزبير فأذن له. فلما رآه زال عن موضعه، وجعل يسأله: كيف أبو بكر؟ يعني ابن الزبير، قال: قتل رحمه الله. قال: فنزل عن السرير فسجد، فكتب إل هـ الحجاج: إن عروة قد خرج والأموال عنده، قال: فكلمه عبد الملك في ذلك، فقال: ما تدعون الشخص حتى يأخذ بسيفه فيموت كريما! فلما رأى ذلك كتب إلى الحجاج أن أعرض عن ذلك.

وقال هشام بن عروة: ما سمعت أحدا من أهل الأهواء يذكر أبي بشرٍ.

وقال معاوية بن إسحاق، عن عروة قال: ما بر والده من شد طرفه إليه.

وقال نوفل بن عمارة، عن هشام بن عروة قال: لما فرغ أبي من بناء قصره بالعقيق وحفر بئاره، دعا جماعة فأطعمهم.

وقال أبو ضمرة، عن هشام قال: لما اتخذ قصره بالعقيق قالوا: جفوت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: إني رأيت مساجدهم لاهية، وأسواقهم لاغية، والفاحشة في فجاجهم عالية، فكان فيما هنالك عما هم فيه عافية.

قال أبو نعيم، وابن المديني، وخليفة: مات سنة ثلاث وتسعين.

وقال الهيثم، والواقدي، والفلاس: سنة أربع وتسعين.

وقال يحيى بن بكير: سنة خمس.

ص: 1142

145 -

ع:‌

‌ عروة بن المغيرة بن شعبة

، أبو يعفور، أخو عقار وحمزة.

ولي بالكوفة الصلاة زمن الوليد، وكان سيد ثقيفٍ في وقته.

روى عن أبيه، وعائشة. وعنه الحسن البصري، وبكر بن عبد الله المزني، ونافع بن جبير بن مطعم، وآخرون.

146 -

ن ق:‌

‌ عطاء بن فروخ الحجازي

.

عن عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمرو. وعنه علي بن زيد بن جدعان، ويونس بن عبيد.

وثقه ابن حبان.

147 -

ع:‌

‌ عطاء بن ميناء المدني

، وقيل: البصري.

روى عن أبي هريرة، وكان من صلحاء الناس وفضلائهم. روى عنه سعيد المقبري، وأيوب بن موسى، وعمرو بن دينار، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب.

148 – ع:‌

‌ عطاء بن يسار

.

قيل: توفي سنة أربعٍ وتسعين، وقيل: سنة سبعٍ وتسعين، وقيل: سنة ثلاثة ومائة، كما يأتي إن شاء الله تعالى.

149 -

خ:‌

‌ عقبة بن وساج الأزدي البصري

.

يروي عن عمران بن حصين، وعبد الله بن عمرو، وأنس، وغيرهم. روى عنه قتادة، ويحيى السيباني، وإبراهيم بن أبي عبلة، وأبو عبيد حاجب سليمان. ونزل الشام.

قال ابن معين: ثقة.

ص: 1143

150 -

م 4:‌

‌ علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي الكندي

، أخو عبد الجبار.

روى عن أبيه، والمغيرة بن شعبة. روى عنه سماك بن حرب، وعبد الملك بن عمير، وعمرو بن مرة، وعوف الأعرابي، وآخرون.

151 -

ع:‌

‌ علي بن الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب

بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي المدني، زين العابدين، أبو الحسن، ويقال: أبو الحسين، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله.

روى عن أبيه، وعمه الحسن، وابن عباس، وعائشة، وأبي هريرة، وجابر، ومسور بن مخرمة، وأم سلمة وصفية أمي المؤمنين، وسعيد بن المسيب، ومروان، وغيرهم. روى عنه بنوه؛ محمد الباقر وزيد وعمر وعبد الله، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحكم بن عتيبة، وهشام بن عروة، ومسلم البطين، والزهري، وزيد بن أسلم، وأبو الزناد، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الله بن مسلم بن هرمز.

وحضر مصرع والده الشهيد بكربلاء، وقدم إلى دمشق، ومسجده بها معروف بالجامع.

قال الفسوي: ولد سنة ثلاث وثلاثين.

وقال ابن سعد: أمه غزالة، وأخوه علي الأكبر قتل مع أبيه.

وقال القعنبي: حدثنا محمد بن هلال قال: رأيت علي بن الحسين يعتم بعمامة بيضاء يرخيها من ورائه.

وقال الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين، وكان مع أبيه يوم قتل، وله ثلاث وعشرون سنة، هو مريض، فقال عمر بن سعد بن أبي وقاص: لا تعرضوا لهذا المريض. قال: وكان علي من أحسن أهل بيته طاعة وأحبهم إلى مروان وإلى عبد الملك.

وقال زيد بن أسلم: ما رأيت فيهم مثل علي بن الحسين قط.

وقال أبو حازم الأعرج: ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين.

ص: 1144

وقال زيد بن أسلم: كان من دعاء علي بن الحسين: اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها، ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني.

وقال حجاج بن أرطاة، عن أبي جعفر: إن أباه علي بن الحسين قاسم الله ماله مرتين، وقال: إن الله يحب المؤمن المذنب التواب.

وقال أبو حمزة الثمالي: إن علي بن الحسين كان يحمل الخبز على ظهره بالليل يتتبع به المساكين في ظلمة الليل، ويقول: إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب.

وقال جرير بن عبد الحميد، عن شيبة بن نعامة قال: كان علي بن الحسين يبخل، فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت بالمدينة.

وقال سعيد بن مرجانة: أعتق علي بن الحسين غلاما أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم.

وقال الزهري: أخبرني علي بن الحسين أنهم لما رجعوا من الطف كان أتي به يزيد أسيرا في رهطٍ هو رابعهم.

وعن سعيد بن المسيب قال: ما رأيت رجلا أورع من علي بن الحسين.

وقال المدائني، عن سعيد بن خالد، عن المقبري قال: بعث المختار بن أبي عبيد إلى علي بن الحسين بمائة ألف درهم فكره أن يقبلها، وخاف أن يردها، فأخذها فاحتبسها عنده، فلما قتل المختار كتب في أمرها إلى عبد الملك، فكتب إليه: يا ابن عم، خذها فقد طيبتها لك.

وقال المدائني، عن عبد الله بن أبي سليمان: كان علي بن الحسين إذا مشى لا يخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له في ذلك، فقال: تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي؟

وقال ابن المديني: حدثنا عبد الله بن هارون بن أبي عيسى قال: حدثني أبي، عن حاتم بن أبي صغيرة قال: دخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه، فجعل يبكي، فقال: ما شأنك؟ قال: علي دينٌ. قال: كم؟ قال: بضعة عشر ألف دينار، قال: فهي علي.

وعن علي بن الحسين قال: إني لأستحيي من الله أن أسأل للأخ من إخواني الجنة وأبخل عليه بالدنيا، فإذا كان يوم القيامة قيل لي: لو كانت الجنة بيدك لكنت بها أبخل وأبخل.

ص: 1145

وقال ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري: سألت علي بن الحسين عن القرآن فقال: كتاب الله وكلامه.

وقال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه: سأل رجلٌ علي بن الحسين: ما كان منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كمنزلتهما الساعة، وأشار بيده إلى القبر.

وقال أبو عبيدة، عن أبي إسحاق الشيباني، عن القاسم بن عوف الشيباني قال: قال علي بن الحسين: جاءني رجل فقال: جئتك في حاجة وما جئتك حاجا ولا معتمرا، قلت: وما حاجتك؟ قال: جئت لأسألك متى يبعث علي، فقلت له: يبعث والله يوم القيامة ثم تهمه نفسه.

وقال الثوري، عن عبيد الله بن موهب قال: جاء قوم إلى علي بن الحسين فأثنوا عليه، فقال: ما أجرأكم وأكذبكم على الله، نحن من صالحي قومنا، فحسبنا أن نكون من صالحيهم.

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: سمعت علي بن الحسين - وكان أفضل هاشمي أدركته - يقول: يا أيها الناس، أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا.

وقال الأصمعي: لم يكن للحسين عقبٌ إلا من ابنه علي، ولم يكن لعلي ولد إلا من بنت عمه أم عبد الله بنت الحسن، فقال له مروان: لو اتخذت السراري لعل الله أن يرزقك منهن. فقال: ما عندي ما أشتري به. قال: فأنا أقرضك. فأقرضه مائة ألف درهم فاتخذ السراري، فولد له جماعة، ولم يأخذ منه مروان ذلك المال.

وقال ابن عيينة: حج علي بن الحسين، فلما أحرم اصفر لونه وانتفض، ووقع عليه الرعدة، ولم يستطع أن يلبي، فقيل له: مالك لا تلبي؟ قال: أخشى أن أقول لبيك، فيقال لي: لا لبيك، فلما لبى غشي عليه، وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه.

وقال مالك: أحرم علي بن الحسين، فلما أراد أن يقول: لبيك، أغمي عليه حتى سقط من ناقته، فهشم. ولقد بلغني أنه كان يصلي في اليوم

ص: 1146

والليلة ألف ركعة. قال: وكان يسمى بالمدينة زين العابدين لعبادته.

وقال أحمد بن عبد الأعلى الشيباني: حدثني أبو يعقوب المدني قال: كان بين حسن بن حسن وبين علي بن الحسين شيء، فجاء حسن فما ترك شيئا إلا قاله وعلي ساكت، فذهب حسن، فلما كان الليل أتاه علي فقرع بابه، فخرج إليه فقال له: يا ابن عمي، إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك، السلام عليك. فالتزمه حسن وبكى حتى رثى له.

وقال أبو نعيم: حدثنا عيسى بن دينار - ثقة - قال: سألت أبا جعفر عن المختار، فقال: كان علي بن الحسين على باب الكعبة فلعن المختارَ، فقال له رجلٌ: جعلت فداك، تلعنه وإنما ذبح فيكم؟! قال: إنه كان يكذب على الله وعلى رسوله.

وقال أبو نعيم: حدثنا أبو إسرائيل، عن الحكم، عن أبي جعفر قال: إنا لنصلي خلفهم من غير تقية، وأشهد على أبي أنه كان يصلي خلفهم من غير تقية.

وقال عمر بن حبيب - شيخٌ للمدائني - عن يحيى بن سعيد قال: قال علي بن الحسين: والله ما قتل عثمان على وجه الحق.

قال غير واحد: كان علي بن حسين يخضب بالحناء والكتم.

وروي أنه كان له كساءٌ أصفر يلبسه يوم الجمعة.

وقال عثمان بن حكيم: رأيت على علي بن الحسين كساء خز وجبة خز.

وروى مالك بن إسماعيل، عن حسين بن زيد، عن عمه أن علي بن الحسين كان يشتري كساء الخز بخمسين دينارا يشتو فيه، ثم يبيعه ويتصدق بثمنه.

وقال القعنبي: حدثنا محمد بن هلال قال: رأيت علي بن الحسين يعتم ويرخي منها خلف ظهره.

وقال الزبير بن بكار: حدثنا عمي ومحمد بن الضحاك ومن لا أحصي أن علي بن الحسين قال: ما أود أن لي بنصيبي من الذل حمر النعم.

ص: 1147

وقال إبراهيم بن المنذر: حدثنا حسين بن زيد قال: حدثنا عمر بن علي أن علي بن الحسين كان يلبس كساء خز بخمسين دينارا، يلبسه في الشتاء، فإذا كان الصيف تصدق بثمنه، ويلبس في الصيف ثوبين ممشقين من ثياب مصر، ويقرأ:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}

وعن جعفر الصادق أن علي بن الحسين كان إذا سار على بغلته في سكك المدينة لم يقل لأحدٍ: الطريق، وكان يقول: الطريق مشترك ليس لي أن أنحي عنه أحدا.

وروي أن هشام بن عبد الملك حج قبل الخلافة، فكان إذا أراد استلام الحجر زوحم عليه، وكان علي بن الحسين إذا دنا من الحجر تفرقوا عنه إجلالا له، فوجم لذلك هشام وقال: من هذا فما أعرفه؟ وكان الفرزدق واقفا فقال: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم إذا رأته قريشٌ قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم يغضي حياء ويغضى من مهابته فلا يكلم إلا حين يبتسم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا وهي طويلة مشهورة، فأمر هشام بحبس الفرزدق، فحبس بعسفان. وبعث إليه علي بن الحسين باثني عشر ألف درهم، وقال: اعذر أبا فراسٍ، فردها وقال: ما قلت ذلك إلا غضبا لله ولرسوله، فردها عليه وقال: بحقي عليك لما قبلتها، فقد علم الله نيتك ورأى مكانك، فقبلها، وهجا هشاما بقوله:

أيحبسني بين المدينة والتي إليها قلوب الناس يهوي منيبها يقلب رأسا لم يكن رأس سيدٍ وعينين حولاوين بادٍ عيوبها قلت: وليس للحسين رضي الله عنه عقبٌ إلا من زين العابدين، وأمه أمة، وهي سلافة بنت يزدجرد آخر ملوك فارس. وقيل: غزالة كما تقدم،

ص: 1148

خلف عليها بعد الحسين مولاه زييد - بياءين - فولدت له عبد الله بن زييد، قاله محمد بن سعد. وهي عمة أم الخليفة يزيد بن الوليد.

قال أبو جعفر الباقر: عاش أبي ثمانيا وخمسين سنة.

وقال الواقدي: حدثني حسين بن علي بن الحسين أن أباه مات سنة أربعٍ وتسعين.

وكذا قال البخاري، وأبو عبيد، والفلاس، وروي عن جعفر بن محمد.

وقال يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن الهاشمي الحسني: مات في رابع عشر ربيع الأول ليلة الثلاثاء.

وقال أبو نعيم وخليفة: توفي سنة اثنتين وتسعين.

وقال معن: سنة ثلاثٍ.

وقال يحيى بن بكير: سنة خمس. والأول الصحيح.

152 -

ع:‌

‌ علي بن ربيعة الوالبي الأسدي الكوفي

، أبو المغيرة.

روى عن علي، والمغيرة بن شعبة، وأسماء بن الحكم الفزاري، وابن عمر. روى عنه سعيد بن عبيد الطائي، وسلمة بن كهيل، وعثمان بن المغيرة، وعاصم بن بهدلة، وأبو إسحاق، وإسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفيراء.

وثقه ابن معين.

153 -

م 4:‌

‌ علي بن عبد الله الأزدي البارقي

، أبو عبد الله بن أبي الوليد.

سمع أبا هريرة، وابن عمر. وعنه يعلى بن عطاء، وأبو الزبير، وموسى بن عقبة، وحميد الطويل، وآخرون.

ص: 1149

154 -

ع:‌

‌ عمارة بن عمير التيمي

، أبو سليمان الكوفي.

روى عن علقمة، والأسود، وشريح القاضي، والحارث بن سويد، وأبي عطية الوادعي. روى عنه الحكم بن عتيبة، وزبيد اليامي، ومنصور، والأعمش.

قال ابن المديني: له نحو ثمانين حديثا.

وقال غيره: توفي في خلافة سليمان، وكان ثقة نبيلا.

155 -

خ م د ن:‌

‌ عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري

.

عن سبيعة الأسلمية.

156 -

ع:‌

‌ عمرو بن أوس بن أبي أوس الثقفي المكي

.

روى عن أبيه، وعبد الله بن عمرو، وأبي رزين العقيلي، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وجماعة. روى عنه محمد بن سيرين، وعمرو بن دينار، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الرحمن ابن البيلماني.

وكان من الفقهاء الثقات.

157 -

‌ عمرو بن الحارث

، أبو عبد الله، العامري مولاهم، الدمشقي.

كان على خاتم الوليد بن عبد الملك. عن عائشة، ومحمود بن الربيع، وأبي بحرية عبد الله بن قيس. وعنه الزهري، وإسحاق بن أبي فروة.

158 -

‌ عمرو بن سلمة الجرمي

.

أحسبه بقي إلى بعد التسعين، وقد تقدم.

159 -

ع:‌

‌ عمرو بن سليم بن خلدة الزرقي المدني

.

روى عن أبي حميد الأنصاري، وأبي قتادة الحارث بن ربعي، وأبي هريرة، وأبي سعيد. روى عنه سعيد المقبري، وبكير بن الأشج، وعامر بن

ص: 1150

عبد الله بن الزبير، والزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وجماعة.

160 -

سوى ت:‌

‌ عمرو بن الشريد بن سويد الثقفي الطائفي

.

روى عن أبيه، وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وسعد بن أبي وقاص. روى عنه عمرو بن شعيب، وبكير بن عبد الله بن الأشج، ويعلى بن عطاء، وإبراهيم بن ميسرة.

وثقه أحمد العجلي.

161 -

4:‌

‌ عمرو بن مالك الجنبي المصري

.

روى عن فضالة بن عبيد، وأبي سعيد الخدري. روى عنه أبو هانئ حميد بن هانئ، ومحمد بن شمير الرعيني.

وثقه ابن معين.

162 -

م ن:‌

‌ عمران بن الحارث

، أبو الحكم السلمي الكوفي.

سمع ابن عباس، وابن عمر. روى عنه سلمة بن كهيل، وقتادة، وحصين بن عبد الرحمن.

وهو قليل الحديث.

163 -

ع:‌

‌ عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية الفقيهة

.

كانت في حجر عائشة فأكثرت عنها، وروت أيضا عن أم سلمة، ورافع بن خديج، وأختها لأمها أم هشام بنت حارثة بن النعمان. روى عنها ابنها أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن، وابناه؛ حارثة ومالك، وابن أختها أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وابناه؛ محمد وعبد الله، والزهري، ويحيى بن سعيد، وآخرون.

وكانت ثقة حجة خيرة كثيرة العلم.

روى الزهري - وفي الإسناد إليه ابن لهيعة - أن القاسم بن محمد قال

ص: 1151

له: إن كنت تريد حديث عائشة فعليك بعمرة فإنها من أعلم الناس بحديثها، وكانت تحت حجرها.

توفيت سنة ثمانٍ وتسعين، ويقال: سنة ستٍ ومائة.

روى أيوب بن سويد، عن يونس، عن الزهري، عن القاسم بن محمد أنه قال لي: يا غلام، أراك تحرص على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه؟ قلت: بلى. قال: عليك بعمرة فإنها كانت في حجر عائشة. فأتيتها فوجدتها بحرا لا ينزف.

164 -

خ م د:‌

‌ عنبسة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية

، أبو خالد، ويقال: أبو أيوب، أخو عمرو الأشدق.

روى عن أبي هريرة، وأنس بن مالك. روى عنه أبو قلابة، والزهري، وأسماء بن عبيد، ومحمد بن عمرو بن علقمة.

وثقه ابن معين.

وقال الدارقطني: كان جليسا للحجاج.

165 -

خ د ن ق:‌

‌ عوف بن الحارث الأزدي المدني

، رضيع عائشة وابن أخيها لأمها.

روى عن عائشة، وأخته رميثة بنت الحارث، وأبي هريرة، وأم سلمة. روى عنه الزهري، وعامر بن عبد الله بن الزبير، وبكير بن الأشج، وهشام بن عروة.

166 -

ن ق:‌

‌ العلاء بن زياد بن مطر بن شريح

، أبو نصر العدوي البصري.

أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا. وحدث عن عمران بن حصين، وأبي هريرة، وعياض بن حمار المجاشعي، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وغيرهم. وعنه الحسن، وأسيد بن عبد الرحمن الخثعمي، وقتادة، ومطر الوراق، وإسحاق بن سويد العدوي، وأوفى بن دلهم، وجماعة.

ص: 1152

وقد كان زاهدا خاشعا قانتا لله بكاء. له ترجمة في حلية الأولياء.

ذكر ابن حبان أنه توفي بالشام في آخر ولاية الحجاج سنة أربعٍ وتسعين.

قال قتادة: كان العلاء بن زياد قد بكى حتى غشي بصره، وكان إذا أراد أن يتكلم أو يقرأ جهشه البكاء، وكان أبوه زياد بن مطر قد بكى حتى عمي.

وعن عبد الواحد بن زيد، قال: أتى رجل العلاء بن زياد فقال: أتاني آتٍ في منامي وقال: ائت العلاء بن زياد فقل له: لم تبك، قد غفر لك. فبكى، وقال: الآن حين لا أهدأ.

وقال سلمة بن سعيد: رأى العلاء بن زياد أنه من أهل الجنة، فمكث ثلاثا لا ترقأ له دمعةٌ ولا يكتحل بنوم، ولا يذوق طعاما، فأتاه الحسن فقال: أي أخي، أتقتل نفسك أن بشرت بالجنة! فازداد بكاء على بكائه، فلم يفارقه الحسن حتى أمسى، وكان صائما فطعم شيئا.

رواها محمد بن الحسين البرجلاني، عن عبيد الله بن محمد العنسي، عن سلمة.

وقال جعفر بن سليمان الضبعي: سمعت مالك بن دينار يسأل هشام بن زياد العدوي - قلت هو أخو صاحب الترجمة - عن هذا الحديث، فحدثنا به يومئذ، قال: تجهز رجل من أهل الشام للحج، فأتاه آتٍ في منامه: ائت البصرة، فائت بها العلاء بن زياد فإنه رجل ربعةٌ أقصم الثنية بسامٌ، فبشره بالجنة، فقال: رؤيا ليست بشيء. فأتاني في الليلة الثانية، ثم في الليلة الثالثة، وجاءه بوعيدٍ، فأصبح وتجهز إلى العراق، فلما خرج من البيوت، إذا الذي أتاه في منامه يسير بين يديه، فإذا نزل فقده، فلم يزل حتى دخل البصرة، قال هشام: فوقف على باب العلاء، فخرجت إليه، فقال لي: أنت العلاء؟ قلت: لا، وقلت: انزل - رحمك الله - فضع رحلك، فقال: لا، أين العلاء؟ فقلت: في المسجد، وأتيت العلاء فصلى ركعتين، وجاء، فلما رأى الرجل تبسم فبدت ثنيته فقال: هذا - والله - صاحبي، فقال العلاء: هلا

ص: 1153

حططت رحل الرجل، ألا أنزلته، قال: قلت له فأبى، فقال العلاء: انزل - رحمك الله -، فقال: أخلني، فدخل العلاء منزله وقال: يا أسماء تحولي إلى المنزل الآخر، ودخل الرجل وبشره برؤياه، ثم خرج، فركب، قال: وقام العلاء فأغلق بابه وبكى ثلاثة أيام، أو قال: سبعة أيام، لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا ولا يفتح بابه، فسمعته يقول في خلال بكائه: أنا أنا، وكنا نهابه أن نفتح بابه، وخشيت أن يموت، فأتيت الحسن، فذكرت ذلك له، فجاء فدق عليه، ففتح - وبه من الضر شيءٌ الله به عليم - وكلمه الحسن، ثم قال: رحمك الله ومن أهل الجنة - إن شاء الله - أفقاتلٌ نفسك أنت! قال هشام: فحدثنا العلاء لي وللحسن بالرؤيا، وقال: لا تحدثوا بها ما كنت حيا.

وقال قتادة، عن العلاء بن زياد، قال: ما يضرك شهدت على مسلم بكفرٍ أو قتلته.

وقال هشام بن حسان: كان قوت العلاء بن زياد رغيفا كل يوم، قال: وكان يصوم حتى يخضر، ويصلي حتى يسقط، فدخل عليه أنس والحسن، فقالا: إن الله لم يأمرك بهذا كله، فقال: إنما أنا عبدٌ مملوكٌ لا أدع من الاستكانة شيئا إلا جئته.

وقال هشام بن حسان، عن أوفى بن دلهم، قال: كان للعلاء بن زياد مالٌ ورقيقٌ، فأعتق بعضهم وباع بعضهم، وتعبد، وبالغ، فكلم في ذلك، فقال: إنما أتذلل لله لعله يرحمني.

قلت: علق البخاري في تفسير حم المؤمن قولا في: {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}

وروى حميد بن هلال، عن العلاء بن زياد قال: رأيت في النوم الدنيا عجوزا شوهاء هتماء، عليها من كل زينة وحلية، والناس يتبعونها، فقلت: ما أنت؟! قالت: الدنيا، قلت: أسأل الله أن يبغضك إلي. قالت: نعم إن أبغضت الدراهم.

167 – م د ت ن:‌

‌ العيزار بن حريث العبدي الكوفي

روى عن ابن عباس، والنعمان بن بشير، والحسين بن علي، وعروة

ص: 1154

البارقي. روى عنه ابنه الوليد، وأبو إسحاق السبيعي، ويونس بن أبي إسحاق السبيعي، وجرير بن أيوب البجلي.

وثقه ابن معين، وكأنه تأخر.

168 -

ع:‌

‌ عيسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي المدني

، أبو محمد

روى عن أبيه، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية. روى عنه محمد بن إبراهيم التيمي، وطلحة بن يحيى، والزهري، وغيرهم.

وكان من حلماء قريش وأشرافهم، وفد على معاوية.

وثقه ابن معين.

روى أيوب بن عباية، عن سليمان بن مرباع، قال: دخل رجلٌ إلى عيسى بن طلحة فأنشد عيسى:

يقولون: لو عذبت قلبك لارعوى فقلت: وهل للعاشقين قلوب عدمت فؤادي كيف عذبه الهوى أما لفؤادي من هواه طبيب فقام الرجل فأسبل إزاره ومضى إلى باب الحجرة يتبختر ثم يرجع، حتى عاد لمجلسه طربا، وقال: أحسنت، فضحك عيسى وجلساؤه لطربه.

مات عيسى في حدود سنة مائة.

169 -

د ت ن:‌

‌ عيسى بن هلال الصدفي المصري

عن عبد الله بن عمرو. روى عنه دراج أبو السمح، وكعب بن علقمة، ويزيد بن أبي حبيب، وعياش بن عباس المصريون.

170 -

د ت ن:‌

‌ غزوان أبو مالك الغفاري

كوفي، يروي عن ابن عباس، والبراء، وعبد الرحمن بن أبزى. وعنه سلمة بن كهيل، وحصين، وإسماعيل السدي.

ص: 1155

وثقه ابن معين. وهو بالكنية أشهر.

171 -

‌ غزوان بن يزيد الرقاشي البصري

أحد الخائفين، أصاب ذراعه شرارةٌ فلما آلمته حلف أن لا يراه الله ضاحكا حتى يعلم أفي الجنة هو أم في النار، فلبث أربعين سنة لم ير ضاحكا مكشرا. رواها إبراهيم بن عجلان، عن يزيد الرقاشي أن غزوان أصاب ذراعه، فقيل: إنه بلغ الحسن فقال: عزم غزوان ففعل.

وروى يحيى بن كثير، عن شيخ له، أن غزوان كان إذا سافر هدم خصه فإذا رجع أعاده.

172 -

م 4:‌

‌ غنيم بن قيس

، أبو العنبر المازني الكعبي البصري

أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ووفد على عمر، وغزا مع عتبة بن غزوان. وروى عن أبيه، وسعد بن أبي وقاص، وأبي موسى الأشعري. روى عنه ثابت بن عمارة، وسليمان التيمي، وخالد الحذاء، وعاصم الأحول، وسعيد الجريري.

وكان من جلة البصريين.

173 -

د:‌

‌ فروة بن مجاهد اللخمي الفلسطيني

أرسل حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن عقبة بن عامر، وغيره. روى عنه حسان بن عطية، والمغيرة بن المغيرة الرملي، وأسيد بن عبد الرحمن.

قال ابن أبي حاتم: كانوا لا يشكون أنه من الأبدال.

وقال الوليد بن مسلم: أخبرني مغيرة بن مغيرة، عن فروة بن مجاهد أخبرهم أن طاغية الروم لما دعاه وأصحابه إلى قتال برجان ووعدهم تخلية سبيلهم إن نصرتم عليهم، فأجبناه إلى ذلك، فقال لي أصحابي: كيف نقاتلهم بلا دعوة إلى الإسلام؟ فقلت: لا يجيبنا الطاغية، ولكني سأرفق، فقلت للطاغية: إن رأيت أن تأذن لنا في إقامة الصلاة، ونجمعها معشر المسلمين بين الصفين، ثم قولوا أنتم: جاءنا مددٌ من العرب، فتكون

ص: 1156

صلاتنا مصدقا لما قلتم من ذلك، فأجابنا إلى ذلك، وأقمنا الصلاة، فصلينا، ثم قاتلناهم، فنصرنا الله عليهم، وخلى سبيلنا.

174 -

‌ الفضيل بن زيد

، أبو سنان الرقاشي

أحد زهاد البصرة وعبادها، له ذكرٌ، توفي سنة خمسٍ وتسعين.

175 -

‌ قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحصين بن ربيعة

، أبو حفصٍ الباهلي

أمير خراسان كلها بعد إمرة الري، وكان من الشجاعة والجزم والرأي بمكانٍ، وهو الذي افتتح خوارزم وبخارى وسمرقند، وقد كانوا كفروا ونقضوا، ثم افتتح فرغانة والترك في سنة خمسٍ وتسعين. وولي خراسان عشر سنين.

وقد سمع، من عمران بن حصين، وأبي سعيد الخدري.

ولما مات الوليد بن عبد الملك نزع الطاعة، فلم يوافقه على ذلك أكثر الناس.

وكان قتيبة قد عزل وكيع بن حسان بن قيس الغداني عن رياسة تميم، فحقد عليه، وسعى في تأليب الجند، ثم وثب على قتيبة في أحد عشر من أهله، فقتلوه في ذي الحجة سنة ست وتسعين، وله ثمان وأربعون سنة.

وقتل أبوه أبو صالح، مع مصعب بن الزبير.

وباهلة قبيلة منحطةٌ بين العرب، كما قيل: وما ينفع الأصل من هاشمٍ إذا كانت النفس من باهله وقال آخر:

ولو قيل للكلب يا باهلي عوى الكلب من لؤم هذا النسب وعن قتيبة أنه قال لهبيرة بن مسروح: أي رجلٍ أنت، لو كان أخوالك من غير سلول فلو بادلت بهم. قال: أصلح الله الأمير، بادل بهم من شئت وجنبني باهلة.

ص: 1157

وقيل: لبعضهم: أيسرك أنك باهلي وأنك دخلت الجنة؟ قال: أي والله بشرط أن لا يعلم أهل الجنة أني باهلي.

ويروى أن أعرابيا لقي آخر فقال: ممن أنت؟ قال: من باهلة، فرثى له الأعرابي، فقال: وأزيدك، إني لست من صميمهم بل من مواليهم، فأخذ الأعرابي يقبل يديه ويقول: ما ابتلاك الله بهذه الرزية في الدنيا إلا وأنت من أهل الجنة.

قلت: قتيبة لم ينل ما ناله بالنسب، بل بالشجاعة والرأي والدهاء والسعد وكثرة الفتوحات.

176 -

‌ قرة بن شريك بن مرثد بن حرام القيسي العبسي القنسريني

، أمير مصر من قبل الوليد وكان ظالما فاسقا جبارا.

قال أبو سعيد بن يونس: كان خليعا، مات على إمرة مصر في سنة ستٍ وتسعين، بعد أن وليها سبع سنين، أمره الوليد ببناء جامع الفسطاط والزيادة فيه، قال: وقيل: إنه كان إذا انصرف الصناع من بناء الجامع دخله فدعا بالخمر والطبل والمزمار ويقول: لنا الليل ولهم النهار، وكان من أظلم خلق الله. همت الإباضية باغتياله، وتبايعوا على ذلك، فعلم بهم، فقتلهم.

قال ابن شوذب وغيره: قال عمر بن عبد العزيز: الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وعثمان بن حيان المري بالحجاز، وقرة بن شريك بمصر، امتلأت الأرض - والله - جورا.

ويروى أن نعي الحجاج وقرة وردا على الوليد في يوم واحد، وليس بشيء، فإن قرة عاش بعد الحجاج ستة أشهرٍ.

177 -

ع:‌

‌ قزعة بن يحيى

، أبو الغادية البصري، مولى زياد ابن أبيه، وقيل: مولى غيره

ص: 1158

حدث عن أبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو. وروى عنه مجاهد، وقتادة، وعمرو بن دينار، وعبد الملك بن عمير، وربيعة بن يزيد القصير، وعاصم الأحول، وعروة بن رويم، وآخرون.

وكان كثير الحج، ويسبق الحجاج إلى مكة في أيام معاوية. وهو من الثقات.

178 -

د ت ن:‌

‌ قسامة بن زهير المازني البصري

حدث عن أبي موسى الأشعري، وأبي هريرة. روى عنه قتادة، وهشام بن حسان، وعوف الأعرابي.

قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، قال: وتوفي في إمرة الحجاج.

قلت: وقع حديثه عاليا في القطيعيات.

179 -

ع:‌

‌ قيس بن أبي حازم عبد عوف بن الحارث

، ويقال: عوف بن عبد الحارث الأحمسي البجلي، من كبار علماء الكوفة.

توفي النبي صلى الله عليه وسلم وقيس في الطريق قد قدم ليبايعه، ولأبيه صحبة.

روى عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ، وخالد بن الوليد، والزبير، وابن مسعود، وحذيفة، وخباب بن الأرت، وسعد بن أبي وقاص، وأبي موسى، وجرير بن عبد الله، وطائفة من المهاجرين.

روى عنه الحكم بن عتيبة، وأبو إسحاق، وطارق بن عبد الرحمن، وإسماعيل بن أبي خالد، وبيان بن بشر، والأعمش، وعمر بن أبي زائدة، ومجالد بن سعيد، وعيسى بن المسيب، وجماعة.

وكان كوفيا عثمانيا، وذلك نادر.

روى حفص بن سلم السمرقندي - وهو متهمٌ واهٍ - عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيسٍ قال: دخلت المسجد مع أبي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وأنا ابن سبعٍ أو ثمان سنين.

ص: 1159

وقال جعفر الأحمر، عن السري بن إسماعيل، عن قيس، قال: أتيت رسول الله لأبايعه، فجئت وقد قبض، وأبو بكر قائمٌ في مقامه.

كان قيس مع خالد حين قدم الشام من السماوة.

وقال الحكم بن عتيبة، عن قيس، قال: أمنا خالد بن الوليد باليرموك في ثوب واحد.

وقال مجالد، عن قيس، قال: دخلت على أبي بكر في مرضه، وأسماء بنت عميس تروحه، فكأني أنظر إلى وشمٍ في ذراعها، فقال لأبي: يا أبا حازم قد أجزت لك فرسك.

وقال ابن المديني: قيسٌ سمع من أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسعد، والزبير، وطلحة، وسعيد بن زيد، وأبي مسعود، وجرير، وجماعة. وكان عثمانيا. وروى عن بلال ولم يلقه.

قال ابن عيينة: ما كان بالكوفة أروى عن الصحابة منه.

وقال أبو داود: روى عن تسعةٍ من العشرة، لم يرو عن عبد الرحمن بن عوف.

وقال معاوية بن صالح، عن ابن معين قال: قيس بن أبي حازم أوثق من الزهري.

وقال ابن أبي خالد: حدثنا قيس بن أبي حازم هذه الأصطوانة.

وقال ابن المديني: قال لي يحيى بن سعيد: قيس بن أبي حازم منكر الحديث، ثم ذكر له حديث كلاب الحوأب.

وقال إسماعيل بن أبي خالد: أمنا قيسٌ كذا وكذا، فما رأيته متطوعا في مسجدنا، وكان عثمانيا.

وقال يحيى بن أبي غنية: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: كبر قيسٌ حتى جاوز المائة بسنين كثيرةٍ حتى خرف وذهب، فاشتروا له جارية سوداء أعجمية في عنقها قلائد من عهنٍ وودعٍ وأجراس، فجعلت عنده، وأغلق عليهما، فكنا نطلع عليه من وراء الباب، فيأخذ تلك القلائد فيحركها بيده ويضحك في وجهها.

ص: 1160

قال يعقوب السدوسي: قالوا: كان يحمل على علي.

والمشهور عنه أنه كان يقدم عثمان، ولذلك تجنب كثيرٌ من قدماء الكوفيين الرواية عنه.

قال الهيثم: مات في آخر خلافة سليمان.

وقال يحيى بن معين، وخليفة، وأبو عبيد: توفي سنة ثمانٍ وتسعين. وغلط الفلاس فقال: توفي سنة أربع وثمانين.

180 -

د:‌

‌ قيس بن حبتر النهشلي الكوفي

حدث بالجزيرة عن ابن عباس. روى عنه علي بن بذيمة، وعبد الكريم بن مالك الجزري، وغالب بن عباد.

وثقه النسائي.

181 -

‌ قيس بن رافع الأشجعي القيسي المصري

، أحد العلماء

روى عن أبي هريرة، وابن عمر. وعنه يزيد بن أبي حبيب، وعبد الكريم بن الحارث، والحسن بن ثوبان، وإبراهيم بن نشيط، وعياش بن عقبة.

قال عبد الكريم بن الحارث، عن قيس: ويلٌ لمن كان دينه دنياه وهمه بطنه.

182 -

‌ قيس بن كليب الحضرمي

، حاجب الأمراء بمصر

حجب عمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان بعده، ثم عقبة بن عامر، ومسلمة بن مخلد، وسعيد بن يزيد، وعبد الرحمن بن جحدم، وعبد العزيز بن مروان، وعمر بن مروان، وعبد الله بن عبد الملك بن مروان. روى عنه أبو قبيل المعافري. وبقي إلى حدود التسعين.

183 – ع:‌

‌ كريب بن أبي مسلم المكي

، مولى ابن عباس، كنيته أبو رشدين

ص: 1161

أدرك عثمان، وروى عن زيد بن ثابت، وعائشة، وأسامة بن زيد، وأم هانئ، وأم سلمة، وابن عباس، وغيرهم. روى عنه ابناه رشدين ومحمد، وبكير بن الأشج، وسلمة بن كهيل، وإبراهيم، ومحمد، وموسى بنو عقبة، وعمرو بن دينار، ومخرمة بن سليمان، والزهري، وصفوان بن سليم، وطائفة.

وبعثته أم الفضل والدة ابن عباس إلى معاوية رسولا.

وثقه ابن معين وغيره. وقد رأى عثمان.

وقال موسى بن عقبة: وضع عندنا كريب حمل بعيرٍ - أو عدل بعيرٍ - من كتب ابن عباس، فكان علي بن عبد الله بن عباس إذا أراد الكتاب كتب إليه: أبعث إلي بصحيفة كذا وكذا، قال: فينسخها ويبعث إليه إحداهما، رواها أحمد بن يونس، عن زهير بن معاوية، عنه.

وعن موسى بن عقبة وغيره: أن كريبا توفي سنة ثمانٍ وتسعين.

184 -

م د ن:‌

‌ كنانة بن نعيم العدوي البصري

روى عن قبيصة بن المخارق، وأبي برزة الأسلمي. روى عنه عدي بن ثابت، وهارون بن رئاب، وثابت البناني، وعبد العزيز بن صهيب.

وكان ثقة قليل الرواية.

185 -

ع:‌

‌ مالك بن أوس بن الحدثان

، أبو سعيد النصري المدني

أدرك الجاهلية. ورأى أبا بكر، وقيل: له صحبة، ولم يصح.

روى عن: عمر، وعلي، وعثمان، وطلحة، والعباس، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وجماعة. روى عنه عكرمة بن خالد، ومحمد بن جبير بن مطعم، وابن المنكدر، والزهري، وأبو الزبير، ومحمد بن عمرو بن عطاء، ومحمد بن عمرو بن حلحلة، وآخرون.

وحضر الجابية وبيت المقدس مع عمر، وكان عريفا على قومه في زمن عمر، وكان من أفصح العرب.

ص: 1162

وقد ذكره في الصحابة أحمد بن صالح المصري، وابن خزيمة.

قال الفلاس وغيره: توفي سنة اثنتين وتسعين.

ونقل الواقدي أنه ركب الخيل في الجاهلية.

186 -

م د ن:‌

‌ مالك بن الحارث السلمي الرقي

، ويقال: الكوفي

روى عن أبيه، وابن عباس، وعبد الله بن ربيعة، وعلقمة، وعبد الرحمن بن يزيد النخعيين. روى عنه منصور، والأعمش.

ووثقه ابن معين. وتوفي سنة أربعٍ وتسعين.

187 -

‌ مالك بن مسمع أبو غسان الربعي

، من أشراف أهل البصرة وسادتهم

ذكره ابن عساكر، وقال: ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووفد على معاوية.

قال خليفة: مات سنة ثلاثٍ وتسعين.

188 -

ت:‌

‌ محمد بن أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي

، ابن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم

مدني قليل الرواية، روى عن أبيه. روى عنه سعيد بن عبيد بن السباق، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعبد الله بن دينار، ويزيد بن عبد الله بن قسيط.

وثقه ابن سعد.

يقال: توفي سنة ستٍ وتسعين.

189 -

‌ محمد بن ثابت بن شرحبيل

، أبو مصعب العبدري المدني

ص: 1163

عن أبي هريرة، وعقبة بن عامر، وابن عمر. وعنه ابناه مصعب، وإبراهيم، ومحمد بن إبراهيم التيمي، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، وآخرون.

له حديثٌ في كتاب الأدب للبخاري.

190 -

ع:‌

‌ محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف

، أبو سعيد القرشي النوفلي المدني، أخو نافع.

روى عن أبيه، وعمر بن الخطاب، وابن عباس، ومعاوية. ووفد على معاوية. روى عنه: بنوه: جبير، وعمر، وإبراهيم، وسعيد، وابن شهاب، وسعد بن إبراهيم الزهريان، وعمرو بن دينار، وآخرون.

وكان من علماء قريش وأشرافها.

روى محمد بن إسحاق، عن ابن قسيط، أن محمد بن جبير بن مطعم احتسب بعلمه وجعله في بيتٍ وأغلق عليه بابا، ودفع المفتاح إلى مولاةٍ له، وقال لها: من جاءك يطلب منك مما في هذا البيت شيئا فادفعي إليه المفتاح، ولا يذهبن من الكتب شيئا.

قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.

وقال الواقدي: توفي بالمدينة في خلافة عمر بن عبد العزيز، وقيل: في خلافة سليمان بن عبد الملك.

191 -

ت:‌

‌ محمد بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي الدمشقي

، أبو بكر، ويقال: أبو عامر

روى عن أم حبيبة، أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوبٍ علي وعليه، وفيه: كان ما كان. رواه معاوية بن صالح، عن ضمرة بن حبيب، قال: أخبرني محمد بن أبي سفيان، فذكره.

ص: 1164

وقال صالح بن كيسان، عن الزهري، عن محمد بن أبي سفيان، عن يوسف بن الحكم، عن محمد بن سعد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد هوان قريشٍ أهانه الله.

وروى الزبيدي، عن أبي عمر الأنصاري، عن محمد بن أبي سفيان، سمع قبيصة بن ذؤيب، عن بلال في الأذان.

192 -

ع:‌

‌ محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان القرشي العامري

، مولاهم، المدني

روى عن أبي هريرة، وابن عباس، وفاطمة بنت قيس، وجابر، وأبي سعيد. روى عنه عبد الله بن يزيد مولى الأسود، والزهري، ويحيى بن أبي كثير، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، ويحيى بن سعيد، وآخرون.

وهو ثقة.

193 -

م ن:‌

‌ محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي

، أخو الفقيه أبي بكر.

روى عن عائشة. وعنه الزهري.

وهو مقل لا يكاد يعرف.

194 -

4:‌

‌ محمد بن عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي

روى عن أبيه، وعمه الأسود، وعم أبيه علقمة. روى عنه الحسن بن عمرو الفقيمي، وزبيد اليامي، والحكم، ومنصور، والأعمش، والأكابر.

قال أبو زرعة: كان رفيع القدر، من الجلة.

ص: 1165

وقال ابن معين: ثقة.

195 -

ت:‌

‌ محمد بن عروة بن الزبير بن العوام

، الذي ضربه فرسٌ فمات

قال الزبير بن بكار: كان بارع الجمال، يضرب بحسنه المثل.

روى عن عمه عبد الله بن الزبير، وعن أبيه. روى عنه أخوه هشام، والزهري.

196 -

خ م د ن:‌

‌ محمد بن عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي المدني

روى عن جابر، وابن عباس. روى عنه سعد بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، وأبو الجحاف داود بن أبي عوف.

وثقه أبو زرعة الرازي، والنسائي.

197 -

‌ محمد بن يوسف الثقفي

، أخو الحجاج، كان أمير اليمن

قال عبد الرزاق بن همام، عن أبيه، عن عبد الملك بن خشك، عن حجر المدري، قال: قال علي بن أبي طالب: كيف بك إذا أمرت أن تلعنني؟ قلت: وكائنٌ ذلك؟ قال: نعم. قلت: فكيف أصنع؟ قال: العني ولا تبرأ مني. قال: فأمره محمد بن يوسف أن يلعن عليا، فقال: إن الأمير أمرني أن ألعن عليا فالعنوه - لعنه الله - فما فطن لها إلا رجلٌ.

قلت: حجر المدري وثقه العجلي.

وعن وهب بن منبه قال: صليت أنا وطاوس المغرب خلف محمد بن يوسف، فلما سلم قام طاوس فشفع بركعة ثم صلى المغرب.

وقيل: إنه كان ظلوما غشوما.

وعن عمر بن عبد العزيز قال: الوليد بالشام والحجاج بالعراق،

ص: 1166

ومحمد بن يوسف باليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز، وقرة بن شريك بمصر، امتلأت - والله - الأرض جورا.

قال سعيد بن عفير: مات باليمن في رجب سنة إحدى وتسعين.

198 -

ن ق:‌

‌ محرر بن أبي هريرة الدوسي اليماني

روى عن أبيه، وابن عمر. روى عنه عبد الله بن محمد بن عقيل، والزهري، والمثنى بن الصباح.

توفي في أيام عمر بن عبد العزيز.

199 -

ع:‌

‌ محمود بن الربيع أبو سراقة بن عمرو الأنصاري الخزرجي

، أبو محمد، ويقال: أبو نعيم، وأمه جميلة بنت أبي صعصعة بن زيد النجارية الأنصارية المدنية

عقل من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهه من بئرٍ في دارهم وله أربع سنين. وحدث عن أبي أيوب الأنصاري، وعتبان بن مالك، وعبادة بن الصامت. روى عنه رجاء بن حيوة، ومكحول، والزهري، وعبد الله بن عمرو بن الحارث. وقد روى عنه أنس بن مالك مع تقدمه.

قال ابن سميع وغيره: هو ختن عبادة بن الصامت، نزل بيت المقدس.

وقال ابن معين: له صحبة.

وقال أحمد العجلي: ثقةٌ، من كبار التابعين.

وقال ابن عساكر: اجتاز بدمشق غازيا إلى القسطنطينية.

وقال الواقدي: مات سنة تسع وتسعين، وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، وكذا ورخه علي بن عبد الله التميمي.

ص: 1167

وقال خليفة: سنة ستٍ وتسعين.

200 -

د ن:‌

‌ محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن الأنصاري المدني

روى عن جده يزيد، وعمته أسماء بنت يزيد، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة. روى عنه يحيى بن أبي كثير، وحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ الأشهلي.

201 -

م 4:‌

‌ محمود بن لبيد بن عقبة

، أبو نعيم الأنصاري الأشهلي المدني

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أحاديث، لكن حكمها الإرسال على الصحيح. وروى عن عمر، وعثمان، وقتادة بن النعمان، ورافع بن خديج. روى عنه بكير بن عبد الله بن الأشج، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وعاصم بن عمر بن قتادة، والزهري، وغيرهم.

وانقرض عقبه، وفي أبيه نزلت الرخصة فيمن لا يستطيع الصوم.

قال البخاري: له صحبة.

وقال ابن عبد البر: هو أسن من محمود بن الربيع.

توفي ابن لبيد سنة سبع، وقيل: سنة ستٍ وتسعين

202 – د ن ق:‌

‌ مرقع بن صيفي التميمي الأسيدي الكوفي

روى عن عم أبيه حنظلة بن الربيع الكاتب، وجده رباح بن الربيع، وأبي ذر. روى عنه ابنه عمر، وأبو الزناد، وموسى بن عقبة، ويونس بن أبي إسحاق، وغيرهم.

ص: 1168

203 -

‌ مروان بن عبد الملك

يروى أنه وقع بينه وبين أخيه سليمان في خلافته كلامٌ، فقال: يا ابن اللخناء، ففتح مروان فاه ليجيبه، فأمسك عمر بن عبد العزيز بفيه، وقال: أنشدك الله، إمامك وأخوك وله السن، فسكت، وقال: قتلتني - والله - قال: كلا - إن شاء الله - قال: هو ما أقول لك، لقد رددت في جوفي أحر من النار، قال: فوالله ما أمسى حتى مات، فوجد عليه سليمان وجدا شديدا.

204 -

د ت ن:‌

‌ مزاحم، مولى عمر بن عبد العزيز

كان أنجب مواليه، وكان بربري الجنس. روى عنه ابنه سعيد بن مزاحم، والزهري، وعيينة أبو سفيان الهلالي. وكان ذا فضل وعبادة.

وعن عمر بن عبد العزيز قال: أول من أيقظني لشأني مزاحم، حبست رجلا فكلمني في إطلاقه، فقلت: لا أخرجه، فقال: يا عمر، أحذرك ليلة تمخض بيوم القيامة، والله لقد كدت أن أنسى اسمك مما أسمع قال الأمير، وأمر الأمير فوالله ما هو إلا أن قال ذاك، فكأنما كشف عني غطاءٌ، فذكروا أنفسكم رحمكم الله.

قلت: قال له هذا وهو أميرٌ على المدينة قبل الخلافة.

وقال الثوري: قال عمر بن عبد العزيز لمزاحم مولاه: قد جعلتك عينا علي إن رأيت مني شيئا فعظني ونبهني عليه.

توفي مزاحم سنة مائة.

205 -

د ن ق:‌

‌ مسلم بن يسار

، أبو عبد الله البصري الفقيه الزاهد، مولى بني أمية، وقيل: مولى طلحة بن عبيد الله التيمي

روى عن: عبادة بن الصامت ولم يلقه، وعن ابن عباس، وابن عمر، وأبي الأشعث الصنعاني، وأبيه يسار. ويقال: لأبيه صحبة. روى عنه ابن سيرين، وقتادة، ومحمد بن واسع، وأيوب، وثابت البناني، وآخرون.

قال ابن عون: كان لا يفضل عليه أحد في زمانه.

وقال ابن سعد: كان ثقة فاضلا عابدا ورعا.

ص: 1169

وقال علي بن أبي حملة: قدم علينا مسلم بن يسار دمشق، فقالوا له: يا أبا عبد الله لو علم الله أن بالعراق من هو أفضل منك لأتانا به، فقال: كيف لو رأيتم أبا قلابة الجرمي. رواها ضمرة عن علي.

وقال هشام، عن قتادة: كان مسلم بن يسار يعد خامس خمسةٍ من فقهاء البصرة.

وقال هشام بن حسان، عن العلاء بن زياد، أنه كان يقول: لو كنت متمنيا لتمنيت فقه الحسن، وورع ابن سيرين، وصواب مطرف، وصلاة مسلم بن يسار.

وقال حميد بن الأسود، عن ابن عون، قال: أدركت هذا المسجد وما فيه حلقةٌ تنسب إلى الفقه إلا حلقة مسلم بن يسار.

وقال ابن عون، عن عبد الله بن مسلم بن يسار: أن أباه كان إذا صلى كأنه وتدٌ لا يميل هكذا ولا هكذا.

وقال غيلان بن جرير: كان مسلم بن يسار إذا صلى كأنه ثوبٌ ملقى.

وقال ابن شوذب: كان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في صلاته: تحدثوا فلست أسمع حديثكم.

وجاء أنه وقع حريقٌ في داره وأطفؤوه، فلما ذكر له بعد قال: ما شعرت. رواها سعيد بن عامر الضبعي، عن معدي بن سليمان.

وقال هشام بن عمار، وغيره: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا السري بن يحيى قال: حدثني أبو عوانة، عن معاوية بن قرة، قال: كان مسلم بن يسار يحج كل سنةٍ، ويحج معه رجال من إخوانه تعودوا ذلك، فأبطأ عاما حتى فاتت أيام الحج، فقال لأصحابه: اخرجوا، فقالوا: كيف؟ قال: لا بد أن تخرجوا، ففعلوا استحياء منه، فأصابهم - حين جن عليهم الليل - إعصارٌ شديد حتى كاد لا يرى بعضهم بعضا، فأصبحوا وهم ينظرون إلى جبال تهامة، فحمدوا الله عز وجل فقال: ما تعجبون من هذا في قدرة الله - تعالى -.

وقال قتادة: قال مسلم بن يسار في الكلام في القدر: هما واديان عميقان، يسلك فيهما الناس، لن يدرك غورهما، فاعمل عمل رجلٍ تعلم أنه لن ينجيك إلا عملك، وتوكل توكل رجلٍ تعلم أنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك.

ص: 1170

وقال ابن عون: لما وقعت الفتنة - يعني نوبة ابن الأشعث - خف مسلم فيها، وأبطأ الحسن، فارتفع الحسن واتضع مسلم.

وقال أيوب السختياني: قيل لابن الأشعث: إن أردت أن يقتلوا حولك كما قتلوا حول جمل عائشة، فأخرج معك مسلم بن يسار، فأخرجه مكرها.

وقال أيوب، عن أبي قلابة: قال لي مسلم بن يسار: إني أحمد الله إليك أني لم أضرب فيها بسيف. قلت: فكيف بمن رآك بين الصفين؟ فقال: هذا لا يقاتل إلا على حق، فقاتل حتى قتل، فبكى والله، حتى وددت أن الأرض انشقت فدخلت فيها.

قال أيوب - في القراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث -: لا أعلم أحدا منهم قتل إلا رغب له عن مصرعه، أو نجا إلا ندم على ما كان منه.

وقال ابن عيينة: قال الحسن، لما مات مسلم بن يسار: وامعلماه.

قال خليفة والفلاس: مات سنة مائة. وقال الهيثم: سنة إحدى ومائة.

قلت: له ترجمة حافلة في تاريخ ابن عساكر.

ومن طبقته:

206 -

د ت ق:‌

‌ مسلم بن يسار المصري

، أبو عثمان الطنبذي رضيع عبد الملك بن مروان، وطنبذ: من قرى مصر.

روى عن: أبي هريرة، وعبد الله بن عمر. روى عنه: بكر بن عمرو المعافري، وأبو هانئ حميد بن هانئ، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وجماعة.

ص: 1171

وهو صدوق.

207 -

م 4:‌

‌ مصدع أبو يحيى الأعرج

عن علي بن أبي طالب - إن صح - وعن عائشة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو. روى عنه سعد بن أوس العدوي، وهلال بن يساف، وعمار الدهني، وشمر بن عطية، وغيرهم.

يقال له: المعرقب.

208 -

خ:‌

‌ مطرف بن عبد الله بن الشخير بن عوف بن كعب

، أبو عبد الله الحرشي العامري البصري، أحد الأعلام

حدث عن: عثمان، وعلي، وأبي ذر، وأبيه، وعمار بن ياسر، وعمران بن حصين، وعائشة، وعياض بن حمار، وعبد الله بن مغفل. روى عنه أخوه يزيد أبو العلاء، وحميد بن هلال، والحسن، وقتادة، ومحمد بن واسع، وثابت، والجريري، وغيلان بن جرير، وداود بن أبي هند، وأبو التياح، وآخرون، ولقي أبا ذر بالشام.

وقال ابن سعد: روى عن أبي بن كعب، وعثمان، وعلي، وكان ثقة له فضل وورعٌ وعقل وأدب.

وقال غيره: كان أسن من الحسن بعشرين سنة.

وقال ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن مطرف قال: لقيت عليا فقال لي: يا أبا عبد الله ما بطأ بك؟ أحب عثمان؟ ثم قال: لئن قلت ذاك لقد كان أوصلنا للرحم وأتقانا للرب.

وقال مهدي بن ميمون: قال مطرف: لقد كان خوف النار يحول بيني وبين أن أسأل الله الجنة.

ص: 1172

وقال ابن عيينة: قال مطرف: ما يسرني أني كذبت كذبة واحدة وأن لي الدنيا وما فيها.

وقال أبو نعيم: حدثنا عمارة بن زاذان، قال: رأيت على مطرف بن الشخير مطرف خز أخذه بأربعة آلاف درهم.

وقال مهدي بن ميمون، عن غيلان بن جرير: إن مطرفا كان يلبس المطارف والبرانس الوشي، ويركب الخيل، ويغشى السلاطين، ولكنه إذا أفضيت إليه أفضيت إلى قرة عينٍ.

وقال حميد بن هلال: أتى مطرف بن عبد الله الحرورية يدعونه إلى رأيهم فقال: يا هؤلاء إنه لو كان لي نفسان بايعتكم بإحداهما وأمسكت الأخرى، فإن كان الذي تقولون هدى أتبعتها الأخرى، وإن كان ضلالة هلكت نفسٌ وبقيت لي نفسٌ، ولكن هي نفسٌ واحدةٌ فلا أغرر بها.

وقال قتادة: قال مطرف: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر.

وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا عقيل الدروقي قال: حدثنا يزيد، قال: كان مطرف يبدو، فإذا كانت ليلة الجمعة جاء ليشهد الجمعة، فبينا هو يسير في وجه الصبح سطع من رأس سوطه نورٌ له شعبتان، فقال لابنه عبد الله - وهو خلفه -: أتراني لو أصبحت فحدثت الناس بهذا كانوا يصدقوني؟ فلما أصبح ذهب.

وروي نحوها من وجهٍ آخر، عن غلام مطرف، عنه.

وقال مهدي بن ميمون، عن غيلان، قال: أقبل مطرف من البادية، فبينا هو يسير إذ سمع في طرف سوطه كالتسبيح.

وقال معمر، عن قتادة، قال: كان مطرف يسير مع صاحب له، فإذا طرف سوط أحدهما عنده ضوء.

وقال سليمان بن المغيرة: كان مطرف إذا دخل بيته سبحت معه آنية بيته.

وقال جرير بن حازم، عن حميد بن هلال، قال: كان بين مطرف وبين رجل من قومه شيءٌ، فكذب على مطرف، فقال له: إن كنت كاذبا فعجل

ص: 1173

الله حتفك، فمات الرجل مكانه، واستعدى أهله زيادا على مطرف، فقال: هل ضربه؟ هل مسه؟ قالوا: لا. قال: دعوة رجلٍ صالح وافقت قدرا.

وروي نحوها عن غيلان بن جرير، عن مطرف.

وقال سليمان بن حرب: كان مطرف مجاب الدعوة، قال لرجلٍ: إن كنت كذبت فأرنا به، فمات مكانه.

وقال مهدي بن ميمون، عن غيلان، قال: كان ابن أخي مطرف حبسه السلطان فلبس مطرف خلقان ثيابه، وأخذ عكازا وقال: أستكين لربي لعله أن يشفعني في ابن أخي.

وقال أبو بكر الهذلي: كان مطرف يقول لإخوانه: إذا كانت لكم حاجة فاكتبوها في رقعةٍ لأقضيها لكم فإني أكره أن أرى ذل السؤال في الوجه.

قال الفلاس: توفي سنة خمسٍ وتسعين.

وقال ابن سعد وغيره: توفي بعد سنة سبع وثمانين.

وقال خليفة: مات سنة ستٍ وثمانين.

قال العجلي: لم ينج من فتنة ابن الأشعث بالبصرة إلا مطرف، وابن سيرين.

209 -

خ م ن:‌

‌ معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله القرشي التيمي

، أخو عثمان.

حدث عن أبيه، وحمران بن أبان، ويقال: إنه أدرك زمان عمر. روى عنه محمد بن إبراهيم التيمي، والزهري، وابن المنكدر، وعبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وجماعة.

210 -

‌ معاوية بن سبرة السوائي العامري

، أبو العبيدين الكوفي الأعمى

ص: 1174

عن ابن مسعود. وعنه سلمة بن كهيل، وأبو إسحاق، ومسلم البطين.

وثقه ابن معين، وهو مقل.

توفي سنة ثمانٍ وتسعين، وله في الأدب المفرد للبخاري.

211 -

ع:‌

‌ معاوية بن سويد بن مقرن المزني الكوفي

روى عن أبيه، والبراء بن عازب. روى عنه سلمة بن كهيل، وأشعث بن أبي الشعثاء، وأبو السفر، وعمرو بن مرة.

واسم أبي السفر سعيد بن يحمد.

212 -

4:‌

‌ المغيرة بن أبي بردة

سار في هذا الزمان، بل في سنة مائة في جيش إلى غزو البحر.

روى عن أبي هريرة، وقيل: عن أبيه، عن أبي هريرة في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته. روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وغيره.

213 -

‌ المغيرة بن أبي شهاب المخزومي

قرأ على عثمان بن عفان. وعليه قرأ عبد الله بن عامر الدمشقي.

نقل القصاع أنه توفي سنة إحدى وتسعين وله تسعٌ وثمانون سنة.

214 -

م د ن:‌

‌ المغيرة بن عبد الله اليشكري الكوفي

روى عن أبيه عبد الله بن أبي عقيل اليشكري، والمغيرة بن شعبة، والمعرور بن سويد. روى عنه أبو صخرة جامع بن شداد، وعلقمة بن مرثد، وأبو إسحاق السبيعي، ومحمد بن جحادة، وجماعة.

ص: 1175

215 -

‌ موسى بن نصير

، أبو عبد الرحمن اللخمي، أمير المغرب

كان مولى امرأة من لخم، وقيل: هو مولى لبني أمية، وكان أعرج.

روى عن تميم الدراي. روى عنه ابنه عبد العزيز، ويزيد بن مسروق اليحصبي.

وشهد مرج راهط، وولي غزو البحر لمعاوية، فغزا جزيرة قبرس وبنى هناك حصونا كالماغوصة وحصن يانس. وقيل: إنه ولد سنة تسع عشرة.

وقد ذكرنا افتتاحه الأندلس، وجرت له عجائب وأمورٌ طويلة هائلة. وقيل: إنه انتهى إلى آخر حصن من حصون الأندلس، فاجتمع الروم لحربه، فكانت بينهم وقعةٌ مهولة، وطال القتال، وجال المسلمون جولة وهموا بالهزيمة، فأمر موسى بن نصير بسرادقه فكشف عن بناته وحرمه حتى يرون، وبرز بين الصفوف حتى رآه الناس، ثم رفع يديه بالدعاء والتضرع والبكاء، فأطال، فلقد كسرت بين يديه أغماد السيوف، ثم فتح الله ونزل النصر.

وقال جرير بن عبد الحميد، عن سفيان بن عبد الله: إن عمر بن عبد العزيز سأل موسى بن نصير عن أعجب شيء رآه في البحر، فقال: انتهينا إلى جزيرة فيها ست عشرة جرةٍ خضراء، مختومة بخاتم سليمان عليه السلام فأمرت بأربعة منها فأخرجت، وأمرت بواحدة فنقبت، فإذا شيطان يقول: والذي أكرمك بالنبوة لا أعود بعدها أفسد في الأرض، ثم نظر، فقال: والله ما أرى بها سليمان ولا ملكه، فانساخ في الأرض، فذهب، فأمرت بالبواقي فردت إلى مكانها.

وقال الليث بن سعد: إن موسى بن نصير بعث ابنه مروان على جيشٍ، فأصاب من السبي مائة ألفٍ، وبعث ابن أخيه في جيشٍ فأصاب من السبي مائة ألفٍ أخرى، فقيل لليث: من هم؟ قال: البربر، فلما جاء كتابه بذلك، قال الناس: إن ابن نصير - والله - أحمق، من أين له عشرون ألفا يبعث بهم إلى أمير المؤمنين في الخمس؟ فبلغه ذلك، فقال: ليبعثوا من يقبض لهم عشرين ألفا، فلما فتحوا الأندلس جاء رجلٌ فقال: ابعث معي أدلك على كنزٍ، فبعث معه فقال لهم: انزعوا ها هنا، فنزعوا فسال عليهم من الياقوت والزبرجد ما أبهتهم، فقالوا: لا يصدقنا موسى، فأرسلوا إليه، فجاء ونظر، قال الليث: إن كانت الطنفسة لتوجد منسوجة بقضبان الذهب، تنظم السلسلة الذهب باللؤلؤ والياقوت، فكان البربريان ربما وجداها فلا

ص: 1176

يستطيعان حملها حتى يأتيا بالفأس فيقسمانها. ولقد سمع يومئذ منادٍ ينادي ولا يرونه: أيها الناس، إنه قد فتح عليكم باب من أبواب جهنم.

وقيل: لما دخل موسى إفريقية وجد أكثر مدنها خالية لاختلاف أيدي البربر عليها، وكانت البلاد في قحطٍ، فأمر الناس بالصوم وإصلاح ذات البين، وخرج بهم إلى الصحراء ومعه سائر الحيوانات، وفرق بينها وبين أولادها، فوقع البكاء والضجيج، وأقام على ذلك إلى نصف النهار، ثم صلى وخطب، ولم يذكر الوليد، فقيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين؟ فقال: هذا مقامٌ لا يدعى فيه إلا الله، فسقوا حتى رووا وأغيثوا.

قال أبو شبيب الصدفي: لم نسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير.

وقيل: إن موسى تمادى في سيره بأرض الأندلس مجاهدا حتى انتهى إلى أرض تميد بأهلها، فقال له جنده: إلى أين تريد أن تذهب بنا، حسبنا ما بأيدينا! فرجع وقال: لو أطعتموني لوصلت القسطنطينية.

ولم افتتح موسى أكثر الأندلس رجع إلى إفريقية وله نيفٌ وستون سنة، وهو راكب على بغلٍ اسمه كوكب وهو يجر الدنيا بين يديه جرا، أمر بالعجل تجر أوقار الذهب والجواهر والتيجان والثياب الفاخرة ومائدة سليمان، ثم استخلف ولده بإفريقية، وأخذ معه مائة من رؤساء البربر، ومائة وعشرين من الملوك وأولادهم، وقدم مصر في أبهةٍ عظيمة، ففرق الأموال، ووصل الأشراف والعلماء، ثم سار يطلب فلسطين، فتلقاه روح بن زنباع، فوصله بمبلغٍ كبيرٍ، وترك عنده بعض أهله وخدمه، فأتاه كتاب الوليد بأنه مريض، ويأمره بشدة السير ليدركه، وكتب إليه سليمان بن عبد الملك يبطئه في سيره فإن الوليد في آخر نفسٍ، فجد في السير، فآلى سليمان إن ظفر به ليصلبنه، وأراد سليمان أن يبطئ ليتسلم ما جاء به موسى، فقدم قبل موت الوليد بأيام، فأتاه بالدر والجوهر والنفائس وملاح الوصائف والتيجان والمائدة، فقبض ذلك كله، وأمر بباقي الذهب والتقادم فوضع ببيت المال، وقومت المائدة بمائة ألف دينار، ولم يحصل لموسى رضا الوليد، واستخلف سليمان فأحضره وعنفه وأمر به فوقف في يوم شديد الحر - وكان سمينا بدينا - فوقف حتى سقط مغشيا عليه، وعمر بن عبد العزيز واقف يتألم له، فقال سليمان: يا أبا حفص ما أظن إلا أنني خرجت من يميني، ثم قال:

ص: 1177

من يضمه؟ فقال يزيد بن المهلب: أنا أضمه. قال: ضمه إليك ولا تضيق عليه، فأقام عنده أياما، وتوسط بينه وبين سليمان وافتدى منه بألف ألف دينار، ويقال: إن يزيد قال له: كم تعد من مواليك وأهل بيتك؟ قال: كثير. قال يزيد: يكونون ألفا؟ قال: وألف ألف، فقال يزيد: وأنت على هذا وتلقي بيدك إلى التهلكة، أفلا أقمت في قرار عزك وسلطانك وبعثت بالتقادم، فإن أعطيت الرضا، وإلا فأنت على عزك! قال: لو أردت ذلك لصار، ولكني آثرت الله ولم أر الخروج، قال يزيد: كلنا ذلك الرجل، أراد بذلك قدومه هو على الحجاج.

وقال سليمان يوما لموسى: ما كنت تفزع إليه عند حربك؟ قال: الدعاء والصبر، قال: فأي الخيل رأيتها أصبر؟ قال الشقر، قال: فأي الأمم أشد قتالا؟ قال: هم أكثر من أن أصف، قال: فأخبرني عن الروم، قال: أسدٌ في حصونهم، عقبانٌ على خيولهم، نساءٌ في مراكبهم، إن رأوا فرصة افترصوها، وإن رأوا غلبة فأوعال تذهب في الجبال، لا يرون الهزيمة عارا، قال: فأخبرني عن البربر، قال: هم أشبه العجم بالعرب لقاء ونجدة وصبرا وفروسية وشجاعة، غير أنهم أغدر الناس، ولا وفاء لهم ولا عهد، قال: فأخبرني عن أهل الأندلس، قال: ملوك مترفون وفرسان لا يجبنون، قال: فأخبرني عن الفرنج، قال: هناك العدد والجلد والشدة والبأس والنجدة، قال: فكيف كانت الحرب بينك وبينهم؟ قال: أما هذا فوالله ما هزمت لي رايةٌ قط، ولا بدد جمعي، ولا نكب المسلمون معي منذ اقتحمت الأربعين إلى أن بلغت الثمانين، ثم قال: والله لقد بعثت لأخيك الوليد بتورٍ من زبرجدٍ أخضر كان يجعل فيه اللبن حتى يرى فيه الشعرة البيضاء، ثم جعل يعدد ما أصاب من الجوهر والزبرجد حتى بهت سليمان وتعجب.

وبلغنا أن النصيري من ولد موسى بن نصير، قال: دخل موسى مع مروان مصر، فتركه مع ابنه عبد العزيز بن مروان، ثم كان مع بشر بن مروان وزيرا بالعراق.

وقال الفسوي: ولي موسى إفريقية سنة تسعٍ وسبعين، فافتتح بلادا كثيرة، وكان ذا حزمٍ وتدبير.

وذكر النصيري أن موسى بن نصير، قال يوما: أما والله لو انقاد الناس إلي لقدتهم حتى أوقفهم على رومية ثم ليفتحنها الله علي يدي - إن شاء الله -.

ص: 1178

ولم قدم مصر سنة خمسٍ وتسعين توجه إلى الوليد، فلما جلس الوليد يوم جمعةٍ على المنبر أتى موسى وقد ألبس ثلاثين رجلا التيجان، على كل واحدٍ تاج الملك وثيابه، ودخل بهم المسجد في هيئة الملوك، فلما رآهم الوليد، بهت ثم حمد الله وشكر، وهم وقوف تحت المنبر، وأجاز موسى بجائزةٍ عظيمة، وأقام موسى بدمشق حتى مات الوليد واستخلف سليمان، وكان عاتبا على موسى، فحبسه وطالبه بأموال عظيمة، ثم حج سليمان ومعه موسى بن نصير، فمات بالمدينة. وقيل: مات بوادي القرى.

وقيل: لم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير وكثرتهم.

وروي أن موسى قال لسليمان يوما: يا أمير المؤمنين لقد كانت الشياه الألف تباع بمائة درهم، ويمر الناس بالبقرة لا يلتفتون إليها، وتباع الناقة بعشرة دراهم، ولقد رأيت العلج الفاره وامرأته وأولاده يباعون بخمسين درهما.

216 -

د ن:‌

‌ ميسرة، أبو صالح الكوفي، مولى كندة

روى عن علي، وعن سويد بن غفلة، وشهد قتال الخوارج مع علي. وعنه سلمة بن كهيل، وهلال بن خباب، وعطاء بن السائب.

وثقه ابن حبان.

217 -

م ن:‌

‌ ناعم بن أجيل

، مولى أم سلمة، أبو عبد الله. همداني النسب، أصابه سباء في الجاهلية

روى عن علي، وابن عباس، وكعب بن عدي. وعنه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، ويزيد بن أبي حبيب، وعبيد الله بن المغيرة، والحارث بن يزيد، وغيرهم.

218 -

ع:‌

‌ نافع بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل القرشي النوفلي المدني

، أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله، أخو محمد بن جبير

ص: 1179

روى عن: أبيه، وعلي، والعباس، والزبير، وعثمان بن أبي العاص، وعائشة، وجرير بن عبد الله، وأبي هريرة، وابن عباس. روى عنه حكيم بن عبد الله بن قيس، والزهري، وعمرو بن دينار، وصالح بن كيسان، وصفوان بن سليم، وسعد بن إبراهيم، وعبد الله بن الفضل الهاشمي، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وموسى بن عقبة، ومحمد بن سوقة، وآخرون.

قال ابن سعد: كان ثقة أكثر حديثا من أخيه محمد.

وقال ابن المديني: أصحاب زيدٍ الذين كانوا يأخذون عنه ويفتون بفتواه منهم من لقيه ومنهم من لم يلقه، وهم اثنا عشر رجلا، فذكر منهم نافع بن جبير.

وقال عبد الرحمن بن خراش: كان ثقة أحد الأئمة، وروي أنه كان يحج ماشيا وراحلته تقاد معه، وكان من الفصحاء الألباء.

قال ابن عيينة، عن مسعر: إن الحجاج قال لنافع بن جبير، وذكر ابن عمر، فقال: أهو الذي قال لي كذا وكذا، ليتني ضربت عنقه، قال: أراد الله بك خيرا مما أردت بنفسك، قال: صدقت، ثم قال الحجاج: عمر الذي يقول: سيكون للناس نفرةٌ من سلطانهم، أعوذ بالله أن يدركني وإياكم ذلك أهواء متبعة، وما كان على عمر لو أدرك ذلك، فقال بالسيف هكذا وهكذا، فقال نافع: أما إنه كان من خير الأمراء؟ قال: صدقت.

وقال الوليد بن عبد الله بن جميع: رأيت نافع بن جبير يخضب بالسواد.

وروى معن، عن ثابت بن قيس قال: رأيت نافع بن جبير مربوطة أسنانه بخرصان الذهب.

وقيل: إنه غزا الديلم زمن الحجاج.

توفي بالمدينة سنة تسع وتسعين، قاله غير واحد.

219 -

ع:‌

‌ نافع بن عباس

، أبو عياش، مولى أبي قتادة الأنصاري.

روى عن مولاه، وعن أبي هريرة.

وعنه عمر بن كثير بن أفلح، والزهري، وصالح بن كيسان.

ص: 1180

وهو قليل الحديث.

220 -

د:‌

‌ نافع بن عجير بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب المطلبي

عن عمه ركانة، وأبيه، وعلي.

وعنه عبد الله بن علي المطلبي، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وولده محمد بن نافع.

ذكره ابن حبان في الثقات.

221 -

سوى د:‌

‌ النعمان بن أبي عياش

، أبو سلمة الأنصاري الزرقي المدني

فاضل نبيل. روى عن أبي سعيد الخدري، وجابر، وخولة بنت ثامر. روى عنه سهيل بن أبي صالح، وسمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، وصفوان بن سليم، وأبو حازم الأعرج، وعبد الله الماجشون، ومحمد بن أبي حرملة، وموسى بن عبيدة، وابن عجلان.

222 -

د:‌

‌ هانئ بن كلثوم بن عبد الله الكناني

، ويقال: الكندي الفلسطيني

أراده عمر بن عبد العزيز على إمرة فلسطين فأبى عليه. روى عن ابن عمر، ومعاوية، ومحمود بن الربيع. روى عنه خالد بن دهقان، وأسيد بن عبد الرحمن، ويحيى بن أبي عمرو السيباني وغيرهم.

وكان شريفا جليلا عابدا مجاهدا غازيا. توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز.

223 -

م 4:‌

‌ هلال بن يساف

، أبو الحسن الأشجعي، مولاهم، الكوفي

من كبار التابعين. روى عن أبي الدرداء، وسعيد بن زيد مرسلا، وعن عائشة، وعمران بن حصين، وسويد بن مقرن، وسمرة بن جندب، والبراء بن عازب، وعن طائفة من التابعين. روى عنه حصين بن

ص: 1181

عبد الرحمن، وعبدة بن أبي لبابة، ومنصور، والأعمش، وسعيد بن مسروق الثوري، وآخرون.

وثقه ابن معين وغيره.

224 -

د ن:‌

‌ هنيدة بن خالد الخزاعي

، ويقال: النخعي

كانت أمه تحت عمر بن الخطاب.

روى عن علي، وحفصة، وعائشة، وغيرهم. وعنه الحسن بن عبيد الله النخعي، وأبو إسحاق السبيعي، والحر بن الصباح، وإسحاق بن سويد العدوي، وآخرون.

وثقه ابن حبان.

225 -

د ن ق:‌

‌ الهيثم بن شفي

، أبو الحصين الرعيني الحجري المصري

يروي عن أبي عامر الحجري، وعبد الله بن عمرو، وأبي ريحانة. روى عنه عياش بن عباس القتباني، وأبو الخير مرثد اليزني، ويزيد بن أبي حبيب.

قال الدارقطني: وشفي بالفتح والتخفيف، وغلط من ضمه.

226 -

ع:‌

‌ واسع بن حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري المدني

روى عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري، وابن عمر، ورافع بن خديج.

روى عنه ابنه حبان، وابن أخيه محمد بن يحيى بن حبان. قال أبو زرعة: مدني ثقة.

227 -

‌ الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية

، أبو العباس الأموي

استخلف بعهدٍ من أبيه بعده.

ص: 1182

قال العيشي، عن أبيه: كان دميما، إذا مشى تبختر في مشيته، وكان أبواه يترفانه، فشب بلا أدب، وكان سائل الأنف.

وقال سعيد بن عفير: كان الوليد طويلا أسمر، به أثر جدري، وبمقدم لحيته شمطٌ ليس في رأسه ولا لحيته غيره، أفطس.

وروى يحيى بن يحيى الغساني، أن روح بن زنباع، قال: دخلت يوما على عبد الملك وهو مهموم، فقال: فكرت فيمن أوليه أمر العرب فلم أجده، فقلت: أين أنت عن الوليد؟ قال: إنه لا يحسن النحو. قال: فقال لي: رح إلي العشية فإني سأظهر كآبة، فسلني، قال: فرحت إليه، والوليد عنده، فقلت له: لا يسوءك الله ما هذه الكآبة؟ قال: فكرت فيمن أوليه أمر العرب، فلم أجده، فقلت: وأين أنت عن ريحانة قريشٍ وسيدها الوليد! فقال لي: يا أبا زنباع إنه لا يلي العرب إلا من تكلم بكلامهم. قال: فسمعها الوليد، فقام من ساعته، وجمع أصحاب النحو، وجلس معهم في بيت وطين عليه ستة أشهرٍ، ثم خرج وهو أجهل مما كان، فقال عبد الملك: أما إنه قد أعذر.

وقد غزا الوليد أرض الروم في خلافة أبيه غير مرة، وحج بالناس سنة ثمانٍ وسبعين.

وروى العتبي أن عبد الملك أوصى بنيه عند الموت بأمور، ثم قال للوليد: لا ألفينك إذا مت تعصر عينيك وتحن حنين الأمة، ولكن شمر وائتزر والبس جلد نمرٍ ودلني في حفرتي وخلني وشأني، ثم ادع الناس إلى البيعة، فمن قال هكذا، فقل بالسيف هكذا.

وبويع الوليد في شوال.

روى سعيد بن عامر الضبعي، عن كثير أبي الفضل الطفاوي، قال: شهدت الوليد بن عبد الملك صلى الجمعة والشمس على الشرف، ثم صلى العصر.

قلت: كثير هو ابن يسار، بصري.

روى عنه حماد بن زيد، وأبو عاصم النبيل، وجماعة. لم يضعف، وبنو أمية معروفون بتأخير الصلاة عن وقتها.

وقال ضمرة، عن علي بن أبي حملة، سمع عبد الله بن عبد الملك بن مروان قال: قال لي الوليد: كيف أنت والقرآن؟ قلت: يا أمير المؤمنين

ص: 1183

أختمه في كل جمعة، قلت: فأنت يا أمير المؤمنين؟ قال: وكيف مع الأشغال، قلت: على ذاك، قال: في كل ثلاث. قال علي: فذكرت ذلك لإبراهيم بن أبي عبلة، فقال: كان يختم في رمضان سبع عشرة مرة.

وقال ضمرة: سمعت إبراهيم بن أبي عبلة يقول: رحم الله الوليد وأين مثل الوليد، افتتح الهند والأندلس وبنى مسجد دمشق، وكان يعطيني قصاع الفضة أقسمها على قراء بيت المقدس.

وقال عمر بن عبد الواحد الدمشقي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبيه، قال: خرج الوليد بن عبد الملك من الباب الأصغر، فوجد رجلا عند الحائط عند المئذنة الشرقية يأكل وحده، فجاء فوقف على رأسه، فإذا هو يأكل خبزا وترابا، فقال: ما شأنك انفردت من الناس! قال: أحببت الوحدة، قال: فما حملك على أكل التراب، أما في بيت مال المسلمين ما يجرى عليك! قال: بلى ولكن رأيت القنوع، قال: فرد الوليد إلى مجلسه ثم أحضره، فقال: إن لك لخبرا لتخبرني به وإلا ضربت ما فيه عيناك، قال: نعم، كنت جمالا ومعي ثلاثة أجمال موقرة طعاما حتى أتيت مرج الصفر فقعدت في خربةٍ أبول فرأيت البول ينصب في شق، فاتبعته حتى كشفته، فإذا غطاء على حفير، فنزلت، فإذا مال صبيبٌ، فأنخت رواحلي وأفرغت أعكامي، ثم أوقرتها ذهبا وغطيت الموضع، فلما سرت غير يسير وجدت معي مخلاة فيها طعام، فقلت: أنا أنزل الكسوة ففرغتها ورجعت لأملأها فخفي عني الموضع، وأتعبني الطلب، فرجعت إلى الجمال فلم أجدها، ولم أجد الطعام، فآليت على نفسي ألا آكل شيئا إلا الخبز بالتراب، فقال الوليد: كم لك من العيال؟ فذكر عيالا. قال: يجرى عليك من بيت المال، ولا تستعمل في شيء، فإن هذا هو المحروم. قال ابن جابر: فذكر لنا أن الإبل جاءت إلى بيت مال المسلمين فأناخت عنده، فأخذها أمين الوليد فطرحها في بيت المال.

رواته ثقات، قاله الكتاني.

وقال المفضل الغلابي: حدثنا نمير بن عبد الله الصنعاني، عن أبيه،

ص: 1184

قال: قال الوليد بن عبد الملك: لولا أن الله ذكر آل لوطٍ في القرآن ما ظننت أن أحدا يفعل هذا.

وقال ابن الأنباري: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو عكرمة الضبي، أن الوليد بن عبد الملك قرأ على المنبر:{يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} وتحت المنبر عمر بن عبد العزيز وسليمان بن عبد الملك، فقال سليمان: وددتها والله.

وعن أبي الزناد، قال: كان الوليد لحانا كأني أسمعه على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا أهل المدينة.

قلت: وكان الوليد جبارا ظالما، لكنه أقام الجهاد في أيامه، وفتحت في خلافته فتوحات عظيمة كما ذكرنا.

قال حماد بن زيد: حدثني خالد بن نافع، قال: حدثني أبو عيينة بن المهلب بن أبي صفرة، عن يزيد بن المهلب قال: لما ولاني سليمان بن عبد الملك خراسان ودعني عمر بن عبد العزيز فقال لي: يا يزيد اتق الله، إني حيث وضعت الوليد في لحده إذا هو يرتكض في أكفانه، يعني ضرب الأرض برجله.

وقال سعيد بن عبد العزيز: هلك الوليد بدير مران فحمل على أعناق الرجال فدفن بباب الصغير.

قال أبو عمر الضرير وغيره: توفي في نصف جمادى الآخرة سنة ستٍ وتسعين.

وقال خليفة: عاش إحدى وخمسين سنة.

قلت: كانت خلافته تسع سنين وثمانية أشهر، وبلغنا أن البشير لما جاء الوليد بفتح الأندلس جاءه أيضا بشيرٌ بفتح مدينةٍ من خراسان، قال الخادم: فأعلمته وهو يتوضأ، فدخل المسجد وسجد لله طويلا وحمده وبكى.

ص: 1185

وقيل: كان يختن الأيتام ويرتب لهم المؤدبين ويرتب للزمنى من يخدمهم وللأضراء من يقودهم من رقيق المسلمين، وعمر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ووسعه، ورزق الفقهاء والفقراء والضعفاء، وحرم عليهم سؤال الناس، وفرض لهم ما يكفيهم، وضبط الأمور أتم ضبطٍ.

228 -

م ن:‌

‌ يحنس بن أبي موسى المدني

، مولى مصعب بن الزبير

روى عن ابن عمر، وأبي سعيد، وأرسل عن عمر، والزبير. روى عنه قطن بن وهب، ومحمد بن إبراهيم التيمي، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، وغيرهم.

وثقه النسائي.

229 -

م:‌

‌ يحيى بن سعيد بن العاص الأموي المدني

، أخو عمرو الأشدق، وعنبسة، وعبد الله.

لما قتل عبد الملك أخاهم عمرا سيرهم إلى المدينة.

روى هذا عن أبيه، وعثمان، وعائشة. روى عنه الربيع بن سبرة، والزهري. روى له مسلم حديثا.

230 -

ع:‌

‌ يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني

عن أبي سعيد، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وأنس بن مالك. روى عنه ابنه عمرو بن يحيى، والزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعمارة بن غزية، وأبو طوالة عبد الله.

وثقه النسائي.

231 – ع:‌

‌ يحيى بن يعمر العدواني البصري أبو سليمان

، ويقال: أبو عدي، قاضي مرو أيام قتيبة بن مسلم

ص: 1186

روى عن أبي ذر، وعمار بن ياسر، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وأبي الأسود الديلي، وقرأ عليه القرآن، وغيرهم.

روى عنه عبد الله بن بريدة، وقتادة، ويحيى بن عقيل، وعطاء الخراساني، وسليمان التيمي، وإسحاق بن سويد، وآخرون.

قال أبو داود: لم يسمع من عائشة.

وقيل: إنه أول من نقط المصحف، وكان أحد الفصحاء، أخذ العربية عن أبي الأسود، وكان الحجاج قد نفاه، فقبله قتيبة، وولاه القضاء بخراسان، فكان إذا انتقل من بلدٍ إلى بلد استخلف على القضاء بها. ثم إن قتيبة عزله لما بلغه عنه شرب المنصف.

وقال الداني: روى عنه القراءة عرضا عبد الله بن أبي إسحاق، وأبو عمرو بن العلاء.

قال أحمد بن زهير: حدثنا عمرو بن مرزوق قال: أخبرنا عمران القطان، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن عبد الله بن فطيمة، عن يحيى بن يعمر، قال: قال عثمان رضي الله عنه: في القرآن لحنٌ ستقيمه العرب بألسنتها.

قال خليفة: توفي يحيى بن يعمر قبل التسعين.

* يحيى بن وثاب، سنة ثلاث ومائة.

232 -

‌ يزيد بن الحكم بن أبي العاص بن بشر الثقفي البصري الشاعر

حدث عن عمه عثمان بن أبي العاص. روى عنه معاوية بن قرة، وعبد الرحمن بن إسحاق القرشي.

ص: 1187

وفي الأغاني بإسنادٍ ضعيف أن الحجاج دعا يزيد بن الحكم الثقفي فولاه كور فارس، ودفع إليه عهده بها، فلما دخل عليه ليودعه استنشده، فأنشده قوله يفتخر:

وأبي الذي سلب ابن كسرى راية بيضاء تخفق كالعقاب الطائر فغضب الحجاج وعزله، فقال في الحجاج:

فورثت جدي مجده ونواله وورثت جدك أعنزا بالطائف ثم لحق بسليمان بن عبد الملك فامتدحه فوصله وجعل له في السنة عشرين ألفا.

ومن شعره:

شريت الصبا والجهل بالحلم والتقى وراجعت عقلي والحليم يراجع أبى الشيب والإسلام أن أتبع الهوى وفي الشيب والإسلام للمرء وازع

233 -

‌ يزيد بن طريف البجلي

قال محمد بن يزيد الواسطي، عن إسماعيل بن أبي خالد: حدثني يزيد بن طريف، قال: توفي أخي عثمان بن طريف أيام الجماجم، فلما دفن وضعت رأسي على قبره، إذ سمعت صوت أخي - أعرفه ضعيفا - يقول: الله ربي، قال الآخر: فما دينك؟ قال: الإسلام ديني.

234 – ت ق:‌

‌ يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي

، جد عبد الله بن إدريس

روى عن علي، وأبي هريرة، وغيرهما. وعنه ابناه إدريس، وداود، ويحيى بن أبي الهيثم العطار.

235 – ع:‌

‌ يزيد مولى المنبعث المدني

عن أبي هريرة، وزيد بن خالد.

روى عنه ابنه عبد الله، وربيعة الرأي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهم.

ص: 1188

236 – م د ت ن:‌

‌ يزيد بن هرمز المدني

كان رأس الموالي يوم وقعة الحرة.

روى عن أبي هريرة، وابن عباس.

روى عنه قيس بن سعد المكي، والزهري، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، وآخرون.

وثق.

237 -

خ م ن:‌

‌ يسير بن عمرو

، ويقال: يسير بن جابر، ويقال: أسير

يقال: له صحبة، وقيل: رؤية، وهو أشبه.

روى عن عمر، وعلي، وسهل بن حنيف، وسلمان. وعنه زرارة بن أوفى، وأبو قتادة العدوي، وأبو نضرة العبدي، وأبو إسحاق الشيباني.

يقال: ولد في حدود عام بدر.

قال العوام بن حوشب: مات سنة خمسٍ وثمانين.

238 -

م د ن:‌

‌ يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي الطائفي

عن الشريد بن سويد، وعبد الله بن عمرو، وجماعة. وعنه النعمان بن سالم، وإبراهيم بن ميسرة، ومحمد بن عبد الله بن مسيكة، وغيرهم.

239 -

4:‌

‌ يوسف بن عبد الله بن سلام بن الحارث

، أبو يعقوب المدني، حليف الأنصار

سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسف، وأجلسه في حجره، وله رؤيةٌ وروايةٌ حديثين حكمهما الإرسال. وروى عن عثمان، وعلي، وأبيه. روى عنه عمر بن عبد العزيز، وعيسى بن معقل، ويزيد بن أبي أمية الأعور، ومحمد بن المنكدر، ويحيى بن سعيد، وعون بن عبد الله، ويحيى بن أبي الهيثم العطار، وغيرهم.

وشهد موت أبي الدرداء بدمشق.

ص: 1189

قال حفص بن غياث، عن محمد بن أبي يحيى، عن يزيد الأعور، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة فوضع عليها تمرة وقال: هذه إدام هذه. فأكلها.

قال ابن سعد في الطبقة الخامسة من الصحابة: يوسف بن عبد الله بن سلام، وهو رجل من بني إسرائيل من ولد يوسف نبي الله عليه السلام، وكان ثقة وله أحاديث صالحة.

وقال ابن أبي حاتم: له رؤية. وقال البخاري: إن له صحبة، وسمعت أبي يقول: ليست له صحبة.

وقال العجلي: تابعي ثقة.

وقال خليفة: توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز.

240 -

ع:‌

‌ يونس بن جبير

، أبو غلاب الباهلي البصري

حكى صلاة أبي موسى الأشعري بأصبهان، وروى عن جندب بن عبد الله البجلي، وابن عمر، وحطان الرقاشي. وهو قليل الحديث.

روى عنه ابن سيرين، وقتادة، وابن عون.

ووثقه ابن معين. روي أنه أوصى أن يصلي عليه أنس بن مالك.

241 – م 4:‌

‌ أبو الأشعث الصنعاني الدمشقي

، أصح ما قيل: إن اسمه شراحيل بن آدة.

روى عن: عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، وأبي هريرة، وثوبان، وأبي ثعلبة الخشني، وأوس بن أوس الثقفي. وعنه حسان بن عطية، وأبو

ص: 1190

قلابة الجرمي، ويحيى بن الحارث الذماري، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وآخرون.

وثقه أحمد العجلي وغيره.

وقال ابن سعد: هو يماني نزل دمشق.

وقال ابن عساكر: لعله من صنعاء دمشق.

242 -

م 4:‌

‌ أبو أسماء الرحبي الدمشقي

قال ابن زبر: والرحبة قريةٌ رأيتها عامرة بينها وبين دمشق ميل.

اسمه عمرو بن مرثد، وقيل: عمرو بن أسماء.

روى عن: أبي ذر في صحيح مسلم وعن ثوبان، وشداد بن أوس، وأبي هريرة، وغيرهم.

روى عنه: أبو الأشعث الصنعاني، وأبو سلام ممطور، وشداد أبو عمار، وأبو قلابة، وربيعة بن يزيد، ويحيى بن الحارث الذماري، وآخرون.

وثقه العجلي.

243 -

ع:‌

‌ أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري الأوسي المدني

، واسمه أسعد، وإنما يعرف بالكنية، وسمي بجده أسعد بن زرارة النقيب

ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه، وحدث عن: أبيه، وعمر، وعثمان، وزيد بن ثابت، ومعاوية، وابن عباس. روى عنه الزهري، وسعد بن إبراهيم، وأبو حازم، وأبو الزناد، ومحمد بن المنكدر، ويحيى بن سعيد، ويعقوب بن الأشج، وابناه: محمد، وسهل.

وكان من علماء المدينة.

قال أبو معشر نجيح: رأيته، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 1191

وقال الزهري: أخبرني أبو أمامة وكان من علية الأنصار وعلمائهم ومن أبناء الذين شهدوا بدرا.

وحسن الترمذي في جامعه من حديث عبد الرحمن بن الحارث، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي أمامة بن سهل قال: كتب معي عمر إلى أبي عبيدة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له.

وقال يوسف بن الماجشون، عن عتبة بن مسلم، قال: آخر خرجةٍ خرجها عثمان بن عفان يوم الجمعة، فلما استوى على المنبر حصبه الناس، فحيل بينه وبين الصلاة، فصلى للناس يومئذٍ أبو أمامة بن سهل بن حنيف.

قالوا: توفي سنة مائة.

244 -

4: أبو بحرية، هو عبد الله بن قيس الكندي التراغمي الحمصي

شهد خطبة عمر بالجابية. وروى عن معاذ، وأبي الدرداء، وأبي هريرة. روى عنه خالد بن معدان، ويزيد بن قطيب، وضمرة بن حبيب، ويونس بن ميسرة، وابنه بحرية، وأبو ظبية الكلاعي، وأبو بكر بن أبي مريم.

وكان فاضلا ناسكا مجاهدا، روي عن الواقدي، أن عثمان كتب إلى معاوية أن أغزِ الصائفة رجلا مؤمونا على المسلمين، رفيقا بسياستهم، فعقد لأبي بحرية عبد الله بن قيس، وكان ناسكا فقيها يحمل عنه الحديث، حتى مات في زمن الوليد بن عبد الملك، وكان معاوية وخلفاء بني أمية تعظمه.

245 -

خ م د ت ن:‌

‌ أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة القرشي العدوي المدني الفقيه

روى عن أبيه، وجدته الشفاء، وأبي هريرة، وابن عمر. روى عنه

ص: 1192

محمد بن إبراهيم التيمي، والزهري، وصالح بن كيسان، ويزيد بن عبد الله بن قسيط.

وقد روى له البخاري مقرونا بآخر.

246 -

ع:‌

‌ أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي الفقيه

أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. الأصح أن اسمه كنيته، ويقال: اسمه محمد، وله عدة إخوة هو أجلهم.

روى عن أبيه، وعمار بن ياسر، وأبي مسعود البدري، وعائشة، وعبد الرحمن بن مطيع، وأبي هريرة، وأسماء بنت عميس، وجماعة. روى عنه ابناه، عبد الملك، وعبد الله، والشعبي، والحكم بن عتيبة، والزهري، وسمي مولاه، وعمرو بن دينار، والقاسم بن أخيه، محمد، وخلق منهم ابناه عمر وسلمة، وأشهر أولاده عبد الله شيخ ابن إسحاق في المغازي، وآخر من روى عنه عبد الواحد بن أيمن.

قال الزبير: وكان يسمى الراهب، وكان من سادة قريش.

وقال ابن سعد: ولد في خلافة عمر، وكان يقال له: راهب قريش لكثرة صلاته، وكان مكفوفا.

وقال مسلم، وغيره: كنيته أبو عبد الرحمن.

وقال ابن سعد: كان فقيها ثقة كثير الحديث عاقلا سخيا.

وقال هشام بن عروة: رأيت عليه كساء خز.

وقال الواقدي: كان عبد الملك بن مروان مكرما لأبي بكر مجلا له، يقول: إني لأهم بالشيء أفعله بأهل المدينة لسوء أثرهم عندنا، فأذكر أبا بكر بن عبد الرحمن، فأستحيي منه، وأدع ذلك الأمر له.

قال خليفة: مات سنة ثلاث وتسعين.

ص: 1193

وقال أبو عبيد، وابن نمير، والبخاري: سنة أربعٍ.

247 -

‌ أبو بكر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي

كان أسن من عمر أخيه لأبويه، وكان خيرا فاضلا، له ابنان: الحكم ومروان.

قال ابن يونس: توفي سنة ستٍ وتسعين.

* أبو تميمة الهجيمي، اسمه طريف بن مجالد

من فضلاء أهل البصرة. تقدم.

248 -

د ن ق:‌

‌ أبو جميلة الطهوي الكوفي

، صاحب راية علي

روى عن علي، وعثمان. وعنه ابنه عبد الله، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وعطاء بن السائب، وجماعة.

اسمه ميسرة بن يعقوب. وثقه ابن حبان.

249 -

ع:‌

‌ أبو حازم الأشجعي الكوفي

، اسمه سلمان مولى عزة الأشجعية

روى عن أبي هريرة فأكثر، وعن ابن عمر، والحسين بن علي. روى عنه منصور، والأعمش، وفرات القزاز، ومحمد بن جحادة، وفضيل بن غزوان، ونعيم بن أبي هند، ويزيد بن كيسان، وجماعة.

وثقه أحمد، وابن معين. وتوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز.

وقيل: إنه جالس أبا هريرة خمس سنين.

250 -

د ت ق:‌

‌ أبو خالد الوالبي الكوفي

، اسمه هرمز، ويقال: هرم

ص: 1194

روى عن أبي هريرة، وابن عباس.

وعنه منصور، والأعمش، وفطر بن خليفة.

251 -

ع:‌

‌ أبو رافع الصائغ المدني

، ثم البصري، مولى آل عمر، اسمه نفيع

يقال: إنه أدرك الجاهلية. وروى عن عمر، وأبي بن كعب، وأبي موسى، وأبي هريرة، وكعب الأحبار، وجماعة سواهم. روى عنه الحسن البصري، وبكر المزني، وثابت، وقتادة، وعلي بن زيد بن جدعان، وعطاء بن أبي ميمونة، وآخرون.

وثقه أحمد العجلي وغيره.

وقال أبو حاتم: ليس به بأس.

وقال ثابت البناني: لما أعتق بكى، وقال: كان لي أجران فذهب أحدهما.

252 -

م 4:‌

‌ أبو رزين

، اسمه مسعود بن مالك الأسدي الكوفي

روى عن ابن مسعود، وعلي، وأبي هريرة، وعمرو ابن أم مكتوم، وابن عباس، وغيرهم.

روى عنه منصور، والأعمش، ومغيرة بن مقسم، وعطاء بن السائب، وإسماعيل بن أبي خالد، وجماعة.

وكان فقيها مسنا.

قال أبو بكر بن أبي داود: ضربت رقبته على منارة جامع البصرة، ورمي برأسه.

253 -

م د ن ق:‌

‌ أبو الزاهرية

، حدير بن كريب الحمصي

سمع أبا أمامة، وعبد الله بن بسر، وجبير بن نفير. وروى عن أبي الدرداء، وحذيفة، وجماعة مرسلا. روى عنه: إبراهيم بن أبي عبلة، وسعيد بن سنان، والأحوص بن حكيم، ومعاوية بن صالح.

ص: 1195

قال أحمد بن محمد بن عيسى في تاريخه: زعموا أنه أدرك أبا الدرداء، وكان أميا لا يكتب.

وثقه ابن معين وغيره.

قال قتيبة: حدثنا شهاب بن خراش، عن حميد بن أبي الزاهرية، عن أبيه قال: أغفيت في صخرة بيت المقدس، فجاءت السدنة فأغلقوا علي الباب، فما انتبهت إلا بتسبيح الملائكة، فوثبت مذعورا، فإذا المكان صفوف. فدخلت معهم في الصف.

قال أبو عبيد وغيره: مات سنة مائة.

وقال المدائني: في إمرة عمر بن عبد العزيز.

وأما ابن سعد وخليفة، فقالا: سنة تسعٍ وعشرين ومائة.

254 -

ع:‌

‌ أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي

اسمه فيما قيل: هرم، وقيل: اسمه باسم أبيه، فإن أباه مات في حياة جده وكفله جده.

وقيل: إنه رأى عليا.

روى عن جده، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وخرشة بن الحر، وغيرهم. روى عنه عمه إبراهيم، وحفيداه، جرير ويحيى ابنا أيوب بن أبي زرعة البجلي، والحارث العكلي، وعبد الله بن شبرمة، وعمارة بن القعقاع، وموسى الجهني، وعلي بن مدرك، ويحيى بن سعيد التيمي، وآخرون.

وكان ثقة نبيلا شريفا كثير العلم، وفد مع جده على معاوية.

255 -

م د ن ق:‌

‌ أبو ساسان

، اسمه حضين بن المنذر الرقاشي البصري، ويكنى أيضا بأبي محمد

ص: 1196

روى عن عثمان، وعلي، وأبي موسى الأشعري، والمهاجر بن قنفذ. روى عنه الحسن، وداود بن أبي هند، وعبد الله الداناج، وابنه يحيى بن حضين.

ووفد على معاوية، وكان قد شهد صفين مع علي ثم نزل مرو في آخر عمره، وكان قتيبة بن مسلم يستشيره في أموره.

وقيل: إنه كان حامل راية علي يوم صفين.

وروى عنه أبو إسحاق السبيعي، ثم قال: كان صاحب شرطة علي.

وعن المازني، قال: قيل لحضين بن المنذر: بم سدت قومك؟ قال: بحسب لا يطعن فيه، ورأي لا يستغنى عنه، ومن تمام السؤدد أن يكون الرجل ثقيل السمع، عظيم الرأس.

وقال أبو أحمد العسكري: كان من سادات ربيعة، وكان يبخل، وفيه يقول علي رضي الله عنه:

لمن رايةٌ سوداء يخفق ظلها إذا قيل: قدمها حضين تقدما قال: ثم ولاه إصطخر. وفيه يقول زياد الأعجم:

يسد حضين بابه خشية القرى بإصطخر والشاة السمين بدرهم وعن قتيبة بن مسلم، وذكر الحضين، فقال: هو باقعة العرب وداهية الناس.

وقال خليفة: أدرك خلافة سليمان بن عبد الملك. وقال غيره: توفي سنة سبع وتسعين.

256 -

‌ أبو سخيلة

عن علي، وأبي ذر. وسلمان. وعنه الخضر بن القواس، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، وفضيل بن مرزوق.

وله في مسند علي.

ص: 1197

257 -

ع:‌

‌ أبو سعيد المقبري

، كيسان، مولى الجندعيين، كان ينزل المقابر بالمدينة، ويقال له: صاحب العباء

روى عن عمر، وعلي، وعبد الله بن سلام، وأبي هريرة، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن وديعة، وغيرهم. روى عنه ابنه سعيد، وحفيده عبد الله بن سعيد، وأبو صخر حميد بن زياد، وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب.

توفي في خلافة الوليد، وهو من كبار التابعين وثقاتهم.

258 -

م د ت ن:‌

‌ أبو سعيد، مولى المهري

مدني ثقة.

روى عن أبي ذر، إن صح، وعن أبي سعيد الخدري، وابن عمر. وعنه: ابناه سعيد ويزيد، وسعيد المقبري، ويحيى بن أبي كثير، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي.

259 -

ع:‌

‌ أبو سفيان، مولى عبد الله بن أبي أحمد بن جحش الأسدي المدني

روى عن أبي هريرة، وأبي سعيد.

وعنه داود بن الحصين، وخالد بن رباح، وغيرهما.

اسمه قزمان، وقيل: وهب، وهو قليل الحديث، ثقة.

260 -

ع:‌

‌ أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني الفقيه

قال مالك: اسمه كنيته، وقيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل.

روى عن أبيه، وعثمان، وأبي قتادة الأنصاري، وأبي أسيد الساعدي، وأبي هريرة، وابن عباس، وحسان بن ثابت، وطائفة من الصحابة والتابعين.

وكان يناظر ابن عباس ويماريه، فحرم بذلك كثيرا من علمه، قاله الزهري.

ص: 1198

وروى عنه: سالم أبو النضر، وابن أخيه سعد بن إبراهيم، وأبو الزناد، ويحيى بن أبي كثير، والزهري، وأبو حازم الأعرج، وابنه عمر بن أبي سلمة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وخلق سواهم.

قال إسماعيل بن أبي خالد: قدم علينا أبو سلمة زمن بشر بن مروان، وكان أبو سلمة زوجه ابنته.

وقال عمرو بن دينار: قال أبو سلمة: أنا أفقه من بال، فقال ابن عباس: في المَبَارِك. رواها ابن عيينة عنه.

وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، قال: كان أبو سلمة مع قومٍ، فرأوا قطيعا من غنم، فقال: اللهم إن كان في سابق علمك أن أكون خليفة فاسقنا من لبنها، فانتهى إليها، فإذا هي تيوسٌ كلها.

وقالت له عائشة مرة، وهو حدثٌ: إنما مثلك مثل الفروج يسمع الديكة تصيح فيصيح.

وكان إماما حجة، واسع العلم. قال الزهري: أدركت أربعة بحورا: عروة، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة.

وعن الشعبي قال: قدم أبو سلمة الكوفة، فكان يمشي بيني وبين رجلٍ، فسئل عن أعلم من بقي، فتمنع ساعة، ثم قال: رجلٌ بينكما.

وقال ابن معين: توفي سنة أربعٍ وتسعين. وقال خليفة: سنة ثلاثٍ. وقال الواقدي: سنة أربع ومائة.

261 -

ع:‌

‌ أبو الشعثاء، جابر بن زيد الأزدي اليحمدي

، مولاهم، البصري الخوفي. والخوف ناحية من عمان

كان من كبار أصحاب ابن عباس.

وروى عنه عمرو بن دينار، وقتادة، وأيوب السختياني.

ص: 1199

قال عطاء، عن ابن عباس، قال: لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علما عما في كتاب الله.

وعن ابن عباس، قال: تسألوني عن شيء وفيكم جابر بن زيد؟!

وعن عمرو بن دينار، قال: ما رأيت أحدا أعلم من أبي الشعثاء.

وقال ابن الأعرابي: كانت لأبي الشعثاء حلقة في جامع البصرة يفتي فيها قبل الحسن، وكان من المجتهدين في العبادة. وكانوا يفضلون الحسن عليه، حتى خف الحسن في أمر ابن الأشعث.

وقال أيوب: رأيت أبا الشعثاء وكان لبيبا.

وقال قتادة يوم موته: اليوم دفن علم أهل البصرة، أو قال: عالم العراق.

وعن إياس بن معاوية، قال: أدركت أهل البصرة ومفتيهم جابر بن زيد.

وقال أبو الشعثاء: لو ابتليت بالقضاء لركبت راحلتي وهربت.

وقال أحمد بن حنبل، والفلاس، والبخاري، وغيرهم: توفي سنة ثلاثٍ وتسعين.

وقال بعضهم: سنة ثلاثٍ ومائة.

262 -

م د ن:‌

‌ أبو صالح الحنفي الكوفي

، اسمه عبد الرحمن بن قيس على الصحيح. وقال إسحاق بن راهويه: اسمه ماهان

عن علي، وابن مسعود، وعائشة، وأبي هريرة، وجماعة. وعنه عمرو بن مرة، وإسماعيل بن أبي خالد، وبيان بن بشر، وأبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي، وجماعة.

وثقه ابن معين.

ص: 1200

263 – ع:‌

‌ أبو الضحى، مسلم بن صبيح

، الكوفي، العطار، مولى همدان

روى عن ابن عباس، وجرير بن عبد الله، والنعمان بن بشير، وعلقمة، ومسروق. روى عنه منصور، والأعمش، وأبو يعفور عبد الرحمن بن عبيد، وعباد بن منصور، وفطر بن خليفة، وجماعة.

وثقه أبو زرعة، وغيره.

وقال خليفة: توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز.

264 – ع:‌

‌ أبو الطفيل، عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو الليثي الكناني

.

آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا بالإجماع، وكان من شيعة علي. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم استلامه الركن، وعن أبي بكر، وعمر، ومعاذ بن جبل، وعلي، وابن مسعود.

روى عنه الزهري، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو الزبير، وعلي بن زيد بن جدعان، وسعيد الجريري، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، ومعروف بن خربوذ، وفطر بن خليفة.

قال معروف: سمعته يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلامٌ شاب يطوف بالبيت على راحلته، يستلم الحجر بمحجنه.

وقال محمد بن سلام الجمحي، عن عبد الرحمن الهمداني، قال: دخل أبو الطفيل على معاوية، فقال له: ما أبقى لك الدهر من ثكلك عليا! قال: ثكل العجوز المقلات والشيخ الرقوب، قال: فكيف حبك له؟ قال: حب أم موسى لموسى، وإلى الله أشكو التقصير.

كان أبو الطفيل من أعوان علي رضي الله عنه وحضر معه حروبه.

ص: 1201

قال خليفة: وأقام بمكة حتى مات سنة مائة أو نحوها. قال: ويقال: سنة سبع ومائة.

وجاء عنه أنه قال: أدركت من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين.

وقال البخاري: حدثنا موسى، قال: حدثنا مبارك، عن كثير بن أعين قال: أخبرني أبو الطفيل بمكة سنة سبع ومائة.

وقال وهب بن جرير: سمعت أبي يقول: كنت بمكة سنة عشرٍ ومائة، فرأيت جنازة فسألت عنها، فقالوا: هذا أبو الطفيل.

هذا هو الصحيح لثبوت إسناده وهو مطابقٌ لما قبله.

265 -

ع:‌

‌ أبو ظبيان الجنبي الكوفي

، حصين بن جندب بن عمرو بن الحارث

روى عن حذيفة، وأسامة بن زيد، وسلمان الفارسي، وعلي، وعمر، وابن عباس، وجرير، وجماعة.

وعنه ابنه قابوس، وحصين بن عبد الرحمن، والأعمش، وعطاء بن السائب، وسماك بن حرب، وآخرون.

وثقه جماعة. وتوفي سنة تسعين على الصحيح، وقيل: سنة خمسٍ وتسعين.

266 -

ع:‌

‌ أبو العالية الرياحي

، مولى امرأة من بني رياح بن يربوع، حي من تميم. أحد علماء البصرة وأئمتها، اسمه رفيع بن مهران.

أسلم في إمرة الصديق ودخل عليه، وصلى خلف عمر، وقرأ القرآن علي أبي بن كعب، وروى عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي ذر، وعائشة، وأبي موسى، وأبي أيوب الأنصاري، وابن عباس.

قال الداني: أخذ القراءة عرضا عن أُبَي، وزيد بن ثابت، وابن

ص: 1202

عباس، ويقال: قرأ على عمر.

روى عنه القراءة عرضا شعيب بن الحبحاب، والأعمش، والربيع بن أنس.

قلت: وجماعة. ويقال: قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء، حدث عنه: قتادة، وأبو خلدة خالد بن دينار، وداود بن أبي هند، والربيع بن أنس الخراساني، وخالد الحذاء، وثابت، ومحمد بن واسع، وعاصم الأحول، وعوف الأعرابي.

قال قتادة: قال أبو العالية: قرأت القرآن بعد وفاة نبيكم بعشر سنين.

وقال خالد أبو المهاجر، عن أبي العالية قال: كنت بالشام مع أبي ذر.

وقال معتمر وغيره: حدثنا هشام، عن حفصة بنت سيرين، قالت: قال لي أبو العالية: قرأت القرآن على عمر ثلاث مرار.

وقال أبو خلدة: سمعت أبا العالية يقول: كنا عبيدا مملوكين، منا من يؤدي الضرائب، ومنا من يخدم أهله، فكنا نختم كل ليلة، فشق علينا، حتى شكا بعضنا إلى بعض، فلقينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمونا أن نختم كل جمعةٍ، فصلينا ونمنا ولم يشق علينا.

وقال أبو خلدة: ذكر الحسن لأبي العالية فقال: رجل مسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأدركنا الخير، وتعلمنا قبل أن يولد الحسن، وكنت آتي ابن عباس وهو أمير البصرة، فيجلسني على السرير، وقريشٌ أسفل، فتغامزت قريشٌ بي، فقالت: يرفع هذا العبد على السرير! ففطن بهم، فقال: إن هذا العلم يزيد الشريف شرفا، ويجلس المملوك على الأسرة.

وقال جرير، عن مغيرة قال: كان أشبه أهل البصرة علما بإبراهيم النخعي أبو العالية.

وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه، فأتفقد صلاته، فإن وجدته يحسنها أقمت عليه، وإن أجده يضيعها رحلت ولم أسمع منه، وقلت: هو لما سواها أضيع.

وقال شعيب بن الحبحاب: حابيت أبا العالية في ثوبٍ فأبى أن يشتريه مني.

ص: 1203

وقال أبو خلدة: قال أبو العالية: لما كان زمان علي ومعاوية وإني لشاب، القتال أحب إلي من الطعام الطيب، فتجهزت بجهاز حسنٍ حتى أتيتهم، فإذا صفان ما يرى طرفاهما، إذا كبر هؤلاء كبر هؤلاء، وإذا هلل هؤلاء هلل هؤلاء، فراجعت نفسي، فقلت: أي الفريقين أنزله كافرا، ومن أكرهني على هذا، فما أمسيت حتى رجعت وتركتهم.

وقال عاصم الأحول: كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام وتركهم.

وقال معمر، عن عاصم، عن أبي العالية، قال: أنتم أكثر صلاة وصياما ممن كان قبلكم، ولكن الكذب قد جرى على ألسنتكم.

قال أبو حاتم: حدثنا حرملة، قال: سمعت الشافعي يقول: حديث أبي العالية الرياحي رياح، وقال أبو حاتم: يعني الذي يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضحك في الصلاة أن على الضاحك الوضوء.

وقال أبو بكر بن أبي داود: ليس أحدٌ بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية، وبعده سعيد بن جبير.

قال أبو خلدة: توفي سنة تسعين في شوال.

وقال البخاري وغيره: سنة ثلاثٍ وتسعين.

وقال المدائني: سنة ستٍ ومائة.

267 – ع:‌

‌ أبو العباس، الشاعر المكي

، الأعمى، اسمه السائب بن فروخ، وهو والد العلاء.

سمع عبد الله بن عمرو، وابن عمر. وعنه عطاء، وعمرو بن دينار، وحبيب بن أبي ثابت.

وهو قديم الوفاة، وثقه أحمد بن حنبل، وله حديثان أو ثلاثة.

ص: 1204

268 – ع: أبو عبد الله، الأغر المدني، مولى جهينة، اسمه سلمان.

روى عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو. روى عنه ابناه، عبد الله وعبيد الله، وبكير بن عبد الله بن الأشج، والزهري، وصفوان بن سليم، وزيد بن رباح، ومحمد بن عمرو بن علقمة.

269 -

م 4:‌

‌ أبو مسلم، الأغر الكوفي

، عن أبي هريرة، فرجل آخر، وقد جعلهما واحداً الحافظ عبد الغني المصري، وقبله ابن خزيمة فوهما.

قال شعبة: كان الأغر قاصا من أهل المدينة رضيا.

270 -

د ت:‌

‌ أبو عبد الله الجدلي الكوفي

، عبد بن عبد، وقيل: عبد الرحمن بن عبد.

عن سلمان الفارسي، وأبي مسعود البدري، وخزيمة بن ثابت، وعائشة، وأم سلمة. وعنه أبو إسحاق السبيعي، وإبراهيم النخعي، وعطاء بن السائب، وشمر بن عطية، ومسلم البطين.

وثقه ابن معين، وغيره.

271 -

د ق:‌

‌ أبو عبد الله الأشعري الدمشقي

.

روى عن معاذ، وأبي الدرداء، وخالد بن الوليد، وشرحبيل بن حسنة. روى عنه أبو صالح الأشعري، ويزيد بن أبي مريم، وإسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر.

272 -

م 4:‌

‌ أبو عبد الرحمن الحبلي

، عبد الله بن يزيد المعافري المصري، نزيل إفريقية، وأحد أئمة التابعين.

روى عن أبي ذر - وذلك في جامع الترمذي - وعن: أبي أيوب

ص: 1205

الأنصاري، وعبد الله بن عمرو، وجابر بن عبد الله، وعقبة بن عامر، وفضالة بن عبيد، وجماعة. وعنه حيي بن عبد الله المعافري، وأبو هانئ حميد بن هانئ، وعقبة بن مسلم، وقيس بن الحجاج، وعياش بن عباس، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وآخرون.

وثقه ابن معين، وغيره.

قال الحارث بن يزيد - فيما قاله عنه ابن لهيعة -: قلت لحسن بن عبد الله: أخبرني عن قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} قال: هذه - والله - صفة سليم بن عتر، وأبي عبد الرحمن الحبلي.

قال ابن يونس: يقال: توفي سنة مائة بإفريقية، وكان رجلا صالحا فاضلا.

273 -

ع:‌

‌ أبو عبيد، مولى ابن أزهر

، اسمه سعد بن عبيد المدني الزهري، مولاهم

روى عن عمر، وعثمان، وعلي. روى عنه الزهري، وسعيد بن خالد القارظي.

وكان فقيها مقرئا ثقة نبيلا، توفي سنة ثمانٍ وتسعين.

وابن أزهر هو عبد الرحمن بن أزهر الزهري. له صحبة.

274 -

ع:‌

‌ أبو عثمان النهدي البصري

، عبد الرحمن بن مل.

أدرك الجاهلية، وسمع من عمر، وابن مسعود، وحذيفة، وبلال، وسلمان، وعلي، وأبي موسى، وسعيد بن زيد، وابن عباس، وطائفة. روى عنه قتادة، وأيوب، وعاصم الأحول، وحميد الطويل، وداود بن أبي هند، وخالد الحذاء، وسليمان التيمي، وعمران بن حدير.

وشهد اليرموك، وحج في الجاهلية مرتين، ثم أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأدى الصدقة إلى عماله، وصحب سلمان الفارسي ثنتي عشرة سنة،

ص: 1206

وكان كبير الشأن، صواما قواما، قانتا لله، حنيفا. ورد أنه كان يصلي حتى يغشى عليه، وكان ثقة إماما ثبتا، هاجر إلى المدينة في أول خلافة عمر.

روى حميد الطويل عنه أنه قال: بلغت مائة وثلاثين سنة.

وروى عنه عاصم، قال: رأيت يغوث صنما من رصاص يحمل على جملٍ أجرد فإذا بلغ واديا برك فيه، وقالوا: قد رضي لكم ربكم هذا الوادي.

وقال عبد الرحيم بن سليمان، عن عاصم الأحول، قال: سئل أبو عثمان وأنا أسمع: هل أدركت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم أسلمت على عهده وأديت إليه ثلاث صدقاتٍ ولم ألقه، وغزوت اليرموك والقادسية وجلولاء ونهاوند وتستر وأذربيجان ورستم.

وروي أنه سكن الكوفة، فلما قتل الحسين تحول إلى البصرة، وحج ستين حجة ما بين حجة وعمرة.

وقال علي بن زيد عنه: أتيت عمر بالبشارة يوم نهاوند.

وقال معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: كان أبو عثمان يصلي حتى يغشى عليه.

وقال معاذ بن معاذ: كانوا يرون أن عبادة سليمان التيمي أخذها من أبي عثمان.

وقال سليمان التيمي: إني لأحسب أن أبا عثمان كان لا يصيب ذنبا، كان ليله قائما ونهاره صائما.

وقال أبو حاتم الرازي: كان عريف قومه وكان ثقة.

وقال الفلاس: توفي سنة خمسٍ وتسعين.

وقال المدائني، وجماعة: توفي سنة مائة.

275 -

ع:‌

‌ أبو عمرو الشيباني

، سعد بن إياس الكوفي، من بني شيبان بن ثعلبة بن عكابة

روى عن علي، وابن مسعود، وحذيفة، وغيرهم. روى عنه منصور، والأعمش، وسليمان التيمي، والوليد بن العيزار، وإسماعيل بن أبي خالد،

ص: 1207

وأبو معاوية عمرو بن عبد الله النخعي، وآخرون.

وعمر مائة وعشرين سنة. قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أرعى إبلا بكاظمة. وقال: كنت يوم القادسية ابن أربعين سنة.

وقال عاصم بن أبي النجود: كان أبو عمرو الشيباني يقرئ القرآن في المسجد الأعظم، فقرأت عليه ثم سألته عن آية فاتهمني بهوى.

وقال ابن معين: كوفي ثقة.

276 – ع:‌

‌ أبو الغيث

، هو سالم المدني مولى عبد الله بن مطيع العدوي

روى عن أبي هريرة فقط. روى عنه ثور بن زيد، وصفوان بن سليم، وجماعة.

وثقه ابن معين.

277 -

د ق:‌

‌ أبو ليلى الكندي

، مولاهم، الكوفي.

روى عن عثمان، وسلمان الفارسي، وخباب بن الأرت، وغيرهم.

وروى عن سويد بن غفلة. روى عنه أبو إسحاق السبيعي، وأبو جعفر الفراء، وعثمان بن أبي زرعة الثقفي، وعبد الملك بن أبي سليمان، وغيرهم.

وثقه ابن معين.

278 -

‌ أبو مدينة السدوسي البصري

، اسمه عبد الله بن حصن.

قيل: له صحبة، ولم يصح.

سمع أبا موسى الأشعري، وابن عباس، وغيرهما. روى عن قتادة، وثابت البناني.

ص: 1208

أخبر أبو موسى المديني، قال: أخبرنا الحداد، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا الطبراني، قال: حدثنا محمد بن هشام المستملي، قال: حدثنا عبيد الله بن عائشة، قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أبي مدينة الدارمي، وكانت له صحبة، قال: كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر {وَالْعَصْرِ} إلى آخرها، ثم يسلم أحدهما على الآخر.

قلت: هذا حديثٌ غريبٌ جدا ورواته مشهورون.

279 -

ع:‌

‌ أبو مرة، مولى عقيل بن أبي طالب

، الهاشمي المدني، واسمه يزيد

روى عن عقيل، وأبي الدرداء، وعثمان بن عفان، وأم هانئ بنت أبي طالب، وعمرو بن العاص، وأبي هريرة. روى عنه أبو جعفر محمد بن علي، وسالم أبو النضر، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ويزيد بن الهاد، وموسى بن عبيدة، وأبو حازم الأعرج.

وكان ثقة فاضلا.

280 -

م 4:‌

‌ أبو المهلب الجرمي البصري

، عم أبي قلابة

روى عن عثمان، وتميم الداري، وأبي مسعود البدري، وعمران بن حصين، وجماعة.

روى عنه أبو قلابة، ومحمد بن سيرين، وعوف الأعرابي.

281 -

م د ت ن:‌

‌ أبو نجيح، يسار، مولى الأخنس

بن شريق الثقفي المكي

أرسل عن عمر، وسعد، وقيس بن سعد بن عبادة، وروى عن معاوية، وابن عمر، وعبيد بن عمير الليثي، وطائفة. وعنه ابنه عبد الله بن

ص: 1209

أبي نجيح، وعمرو بن دينار، وميمون بن مغلس، وآخرون.

وثقه وكيع، وجماعة.

282 -

4: أبو الهيثم كان تحت حجر أبي سعيد الخدري فأكثر عنه، كان أبوه أوصى به إليه، واسمه سليمان بن عمرو العتواري

سكن مصر، وحدث عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وأبي بصرة الغفاري.

روى عنه دارج أبو السمح، وكعب بن علقمة، وعبيد الله بن المغيرة، وغيرهم.

وثقه ابن معين من رواية أحمد بن أبي خيثمة، عنه.

283 -

م د ت ق: أبو الوداك، اسمه جبر بن نوف الهمداني البكالي الكوفي

عن أبي سعيد. وعنه مجالد بن سعيد، وإسماعيل بن أبي خالد، وقيس بن وهب، وأبو التياح، وعلي بن أبي طلحة، ويونس بن أبي إسحاق، وآخرون.

وثقه ابن معين.

284 -

م د ت ن:‌

‌ أبو يونس، مولى عائشة

روى عن عائشة. روى عنه زيد بن أسلم، والقعقاع بن حكيم، وأبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن. عداده في أهل المدينة.

آخر الطبقة العاشرة، والحمد لله.

ص: 1210