المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تبصير البشر بتحريم السحر   إعداد: د علي بن غازي التويجري الأستاذ المساعد - تبصير البشر بتحريم السحر - العدد ١٢٦

[علي بن غازي التويجري]

فهرس الكتاب

تبصير البشر بتحريم السحر

إعداد: د علي بن غازي التويجري

الأستاذ المساعد في كلية القرآن الكريم في الجامعة [الإسلامية]

ص: 113

‌المقدمة

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران، الآية: 102]، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء: 1]، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد

(1)

:

فقد أكمل الله لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، كما قال تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة: 3].

وأرسل إلينا رسولاً، هو أفضل الرسل، وخاتمهم، وأنصحهم لعباد الله، فبلغ رسالة ربه، ونصح أمته، وتركها على محجة بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، كما أخبر بذلك صلوات الله وسلامه عليه

(2)

؛ وما من شر إلا

(1)

هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، وجدير بالمسلم أن يفتتح بها كلامه أو كتابته، تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وانظر في تخريجها ما كتبه العلامة الألباني في رسالة «خطبة الحاجة» ، حيث جمع طرقها، وبين من أخرجها.

(2)

وذلك فيما رواه أحمد في مسنده (4/ 126)، وابن ماجة في سننه (1/ 16)، حديث رقم:(43) في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، والحاكم في مستدركه (1/ 96)، وقد صححه الألباني في الصحيحة، حديث رقم:(637)، ولفظه: «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك

» الحديث.

ص: 115

حذرنا منه، ولا خير إلا دلنا عليه، ولا ترك شيئاً إلا بينه لنا، وذكر لنا منه علماً، كما قال أبو ذر رضي الله عنه:«لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه إلا ذكرنا منه علماً»

(1)

.

وكما قال حذيفة رضي الله عنه: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدَّث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه

»

(2)

.

وإن مما بينه لنا أمر التداوي والعلاج، فقال صلى الله عليه وسلم:«عباد الله تداووا»

(3)

، وقال: «ما أنزل الله داء إلا أنزل معه شفاء

»

(4)

.

وإن من الشر الذي حذرنا منه، وحرم علينا فعله، ولم يأذن به «السحر» ، ذلكم الداء الخطير الذي تعرفه البشرية قديماً، فهذا القرآن يحكيه عن سحرة فرعون مع موسى في غير ما آية في كتاب الله، وها هو يبرئ نبي الله سليمان منه، ويسنده للشياطين في قوله: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر

(1)

رواه أحمد في مسنده (5/ 153، 162)، ووكيع في الزهد (3/ 843)، حديث رقم:

(522)

، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 263)، وقال:«رواه أحمد، والطبراني، ورجال الطبراني رجال الصحيح، غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وهو ثقة، وفي إسناد أحمد من لم يسم» .

(2)

رواه مسلم في صحيحه (4/ 2217)، حديث رقم:(2891)، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة.

(3)

يأتي تخريجه في ص 29.

(4)

يأتي تخريجه في ص 28.

ص: 116

سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين} [البقرة: 102].

وتجد كتب السنة ترويه واقعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجده اليوم وفي وقتنا الحاضر واقعاً مريرا ملموساً يعرفه العامة والخاصة، بل زاد وكثر وانتشر حتى صارت بعض القنوات الفضائية تعلن له، وتدعو إليه جهاراً نهاراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، علماً بأنه موجود قبل وجود هذه القنوات، لكنها مما زاد الطين بلة - كما يقال - حتى سقط في حبائله كثير من المسلمين، ووقعوا في حمأته، وربما استمرأه بعضهم نظراً لكثرة فعله واعتياده عليه، رغم وجود نصوص الكتاب والسنة الدالة على تحريمه، فلأجل ذلك رغبت أن أكتب في هذا الموضوع رجاء أن يعرف حرمته جاهل به، وتزول عن ذي شبهة فيه شبهته. وسميته: «تبصير البشر بتحريم

السحر».

ويمكن تلخيص أسباب الكتابة، و‌

‌أهمية الموضوع

في النقاط التالية:

1 -

ما ورد من نصوص الوعيد في تحريم السحر، والتغليظ على فاعله ومرتكبه، معالِجاً أو معالَجاً.

2 -

وجود السحر في حياة الناس وواقعهم، وانتشاره بينهم.

3 -

كثرة الواقعين فيه، إما عن جهل، فيعلم الجاهل، وإما عن شبهة، فتزال عنه شبهته، وإما عن عمد وعلم، فتقام عليه الحجة.

4 -

تلبيس دعاته على الناس، بإظهارهم أنهم من أهل الصلاح والدين، أو على الأقل أنهم من المعالجين بالأمور المباحة.

5 -

جهل كثير من المسلمين بخطورته، وما يترتب على فعله، بل يظن كثير منهم أن التحريم خاص بالساحر فقط.

6 -

ظن كثير من الناس أن إصابة الإنسان بالمرض تعتبر ضرورة تحل له ما حرم عليه.

ص: 117

7 -

خطره على العقيدة، فمن مات على ذلك فهو على خطر عظيم، كما سيأتي بيان ذلك.

8 -

أن إنكاره من النصح الواجب على كل مسلم لكل مسلم، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالسحر من أعظم المنكرات، وإنكاره من أعظم المعروف.

9 -

ما بدأ يدب في نفوس كثير من الناس، من تعظيم السحرة، والخوف منهم، حتى بعض أولئك الذين لا يذهبون إليهم تجدهم يرهبون من الإخبار عنهم، وإبلاغ جهات الاختصاص عنهم. وهذا أمر له عاقبته الوخيمة، ونهايته السيئة، أسأل الله أن يحفظ على المسلمين إيمانهم، وأن يقيهم شر كل ذي شر.

‌خطة البحث

سيكون البحث في هذا الموضوع وفق الخطة التالية:

أولاً: مقدمة: تشتمل على أهمية وأسباب الكتابة في هذا الموضوع، وهي ما أسلفتها قريباً.

ثانياً: الفصل الأول: السحر تعريفه، وأدلته، وقوعه، وتحريمه، وخطره، وحكم إتيان الساحر؛ وتحته أربعة مباحث:

المبحث الأول: تعريف السحر لغة واصطلاحاً

المبحث الثاني: الأدلة على وقوع السحر، وتحريمه؛ وتحته مطلبان:

المطلب الأول: أدلة وقوع السحر

المطلب الثاني: أدلة تحريم السحر

المبحث الثالث: حكم إتيان الساحر للتداوي عنده

المبحث الرابع: خطر السحر على المجتمع

ص: 118

ثالثاً: الفصل الثاني: الحديث عن آية سورة البقرة، وهي قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان

}، وسأتناولها بالبحث تحت أربعة مباحث هي:

المبحث الأول: سبب نزول الآية، وتحقيق القول في ذلك.

المبحث الثاني: تفسير مفردات الآية، وبيان أقوال المفسرين إجمالاً

المبحث الثالث: دلالة الآية على حكم كفر الساحر، وتحقيق القول في ذلك.

المبحث الرابع: دلالة الآية على حكم تعلم السحر، وذكر أقوال المفسرين في ذلك، مع بيان الراجح.

رابعاً: الفصل الثالث: الآيات الواردة في السحر في قصة موسى مع فرعون، وتحته ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تفسير تلك الآيات، وذكر أقوال المفسرين فيها.

المبحث الثاني: ذكر ما ورد عن بعض المفسرين في علاج السحر بقراءة بعض الآيات الواردة في هذه القصة، وبيان جوازه بالرقى الشرعية، وتحريم ما عدا ذلك.

المبحث الثالث: ذكر استدلال بعض المفسرين بقوله: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} على أنه لا حقيقة للسحر، ومناقشة ذلك، مع بيان الراجح في هذه المسألة.

خامساً: الخاتمة: وتتضمن جملة من الوصايا، فيما يتحصن به من السحر.

‌منهج البحث

يتلخص المنهج الذي سرت عليه في كتابة هذا البحث في النقاط التالية:

ص: 119

1 -

عزو الآيات المستشهد بها إلى سورها، وذلك بذكر اسم السورة، ورقم الآية عند نهاية المستشهد به منها داخل المتن.

2 -

تخريج الأحاديث من كتب السنة المعتمدة.

3 -

التزمت في الاستدلال بذكر الأحاديث الصحيحة، مع بيان من صححها من أهل العلم، ما لم تكن في الصحيحين، أو أحدهما.

4 -

تخريج الآثار، وعزوها إلى مصادرها.

5 -

ترجمة الأعلام الواردة، ما لم تكن مشهورة، وما لم تكن ضمن إسناد، أو ضمن الكلام على درجة الحديث.

6 -

ذيلت الرسالة بفهارس علمية على النحو التالي:

أ- فهرس الآيات القرآنية.

ب- فهرس الأحاديث النبوية.

ج- فهرس الأعلام.

د - فهرس المراجع والمصادر.

هـ - فهرس الموضوعات.

* * *

ص: 120

‌الفصل الأول: الفصل الأول: السحر تعريفه، وأدلته، وقوعه، وتحريمه، وخطره، وحكم إتيان الساحر

وتحته أربعة مباحث:

‌المبحث الأول: تعريف السحر لغة واصطلاحاً

‌السحر في اللغة:

يرد السحر في لغة العرب لعدة معاني ترجع إلى أصل واحد، وهو صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، ومنه قوله تعالى:{فأنى تسحرون} [سورة المؤمنون: 89]؛ أي تصرفون، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:«إن من البيان لسحراً»

(1)

.

قال الأزهري

(2)

في تهذيب اللغة: «وأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره» ، وقال الفراء

(3)

في قوله: {فأنى تسحرون} [سورة المؤمنون: 89]:

(1)

أخرجه البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر في موضعين؛ الأول: في كتاب النكاح، باب الخطبة، انظر: فتح الباري (9/ 109)، حديث رقم:(5146)، والموضع الثاني في كتاب الطب، باب إن من البيان لسحرا، انظر: فتح الباري (10/ 247)، حديث رقم:

(5767)

، ولفظه: «جاء رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال النبي

صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا» . وأخرجه مسلم في صحيحه (2/ 594)، حديث رقم:

(869)

، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه.

(2)

هو محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي، أبو منصور، أحد الأئمة في اللغة والأدب، مولده ووفاته في هراة بخراسان، نسبة إلى جده الأزهر، عني بالفقه أولاً، فاشتهر به، ثم غلب عليه التبحر في العربية، فرحل في طلبها، وقصد القبائل، وتوسع في أخبارهم، له كتاب تهذيب اللغة، وتفسير القرآن، وغيرهما، مات سنة 370 هـ. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء

(16/ 315) وما بعدها، وبغية الوعاة (1/ 19)، والأعلام للزركلي (5/ 311).

(3)

هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، أبو زكريا، المعروف بالفراء، إمام الكوفيين، وأعلمهم باللغة وفنون الأدب، ولد بالكوفة سنة 144 هـ، وانتقل إلى بغداد، مكثر في التأليف، ومن مؤلفاته: معاني القرآن، والمذكر والمؤنث، مات سنة 207 هـ.

انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (10/ 118)، وبغية الوعاة (2/ 333)، والأعلام للزركلي (8/ 145).

ص: 121

«معناه تصرفون»

(1)

، وقال يونس

(2)

: «تقول العرب للرجل: ما سحرك عن وجه كذا وكذا، أي ما صرفك عنه»

(3)

.

وقال أبو عبيد

(4)

في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحراً» كأن المعنى - والله أعلم - أنه يبلغ من ثنائه أنه يمدح الإنسان، فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله، ثم يذمه فيصدقه فيه، حتى يصرف القلوب إلى قوله الآخر، فكأنه قد

(1)

انظره في معاني القرآن له (2/ 241).

(2)

هو يونس بن حبيب الضبي مولاهم البصري، أبو عبد الرحمن، يعرف بالنحوي، كان علامة بالأدب، وكان إمام نحاة البصرة في عصره، ولد سنة 94 هـ، أخذ عن عمرو بن العلاء، وسمع من العرب، روى عنه سيبويه، والكسائي، والفراء، قال أبو عبيدة: اختلفت إلى يونس أربعين سنة، أملأ كل يوم ألواحي من حفظه، له معاني القرآن: كبير وصغير، واللغات، والنوادر، وغيرها؛ مات سنة 182 هـ. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (8/ 191)، وبغية الوعاة (2/ 365)، والأعلام (8/ 261).

(3)

انظر: تهذيب اللغة (4/ 290) مادة سحر.

(4)

هو الإمام الحافظ المجتهد ذو الفنون، أبو عبيد، القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي الأزدي الخزاعي مولاهم، ولد بهراة سنة 157 هـ، وتعلم بها، ورحل إلى بغداد، ومصر، صنف التصانيف المؤنقة التي سارت بها الركبان، منها: كتاب الأموال، وغريب الحديث، وفضائل القرآن، وغيرها كثير؛ مات بمكة، سنة 224 هـ.

انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (10/ 490)، وبغية الوعاة (2/ 253)، والأعلام للزركلي (5/ 176).

ص: 122

سحر السامعين بذلك

(1)

.

وقال ابن الأثير

(2)

: يعني: إن من البيان لسحراً، أي منه ما يصرف قلوب السامعين، وإن كان غير حق»

(3)

.

‌السحر في الاصطلاح:

إن تعريف السحر بحد واحد جامع مانع غير ممكن، نظراً لكثرة أنواعه

(4)

، فمنه ما هو حقيقي، ومنه ما هو تخييل، ومنه ما هو مخادعة. قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي

(5)

رحمه الله: «اعلم أن السحر في الاصطلاح لا يمكن حده بحد

(1)

انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 228).

(2)

هو المبارك بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الكريم، الشيباني، الجزري، أبو السعادات، مجد الدين، المحدث، اللغوي، الأصولي، ولد سنة 544 في جزيرة ابن عمر، ثم تحول إلى الموصل، فاتصل بأميرها، فكان من أخصائه، وأصيب بالفالج، وعجز عن الكتابة، وقيل بل ألف جميع كتبه بعد مرضه إملاءً على طلبته، له النهاية في غريب الحديث، وجامع الأصول، وجملة من المؤلفات، مات سنة 606 هـ.

انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (21/ 488)، وبغية الوعاة (2/ 274)، والأعلام للزركلي (5/ 272).

(3)

انظره في النهاية في غريب الحديث (2/ 346)، مادة سحر، وانظر في كل ما سبق تهذيب اللغة (4/ 290)، مادة سحر، ولسان العرب (4/ 348)، مادة سحر، وانظر: كتاب السحر للدكتور مسفر الدميني ص (11 - 14) حيث أورد معاني السحر لغة، واستخلص أن المعنى الأصلي للسحر هو:«الصرف» ؛ وأرجع المعاني الأخرى إليه.

(4)

انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي (3/ 223 - 230)، حيث ذكر أن السحر ثمانية أقسام، وأوصلها د/ أحمد الحمد في كتابه: السحر بين الحقيقة والخيال (21 - 43) إلى ثلاثة عشر قسماً.

(5)

هو العلامة المفسر السلفي محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، ولد في شنقيط عام 1325 هـ، وتعلم بها، وحج عام 1367 هـ، واستقر بالمدينة مدرساً، ثم انتقل إلى الرياض عام 1371 هـ مدرساً بالمعهد العلمي، ثم بكلية الشريعة واللغة العربية، ثم استقر بالمدينة مدرساً بالجامعة الإسلامية عام 1381 هـ، ووافاه الأجل بعد حج عام 1393 هـ بمكة المكرمة؛ له جملة من المؤلفات النافعة، منها: أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن، دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب، منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات.

انظر ترجمته في: الأعلام (6/ 45)، وعلماء ومفكرون ص (171) وما بعدها، وجهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف للدكتور عبد العزيز الطويان.

ص: 123

جامع مانع، لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته، ولا يتحقق قدر مشترك بينها، يكون جامعاً لها مانعاً لغيرها، ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حده اختلافاً متبايناً»

(1)

.

ولذا سأقتصر على إيراد تعريفين مما ذكر في حده

(2)

، لأنهما يتناولان السحر الذي جاء القرآن والسنة بتحريمه، والتحذير منه، وذمه، وهو المتبادر للذهن عند إطلاق كلمة السحر، وهو المعني بهذا البحث، وهو الذي قد عظم في هذه الأزمنة خطره، وانتشر شره، ووقع في حمأته كثير من المسلمين.

والتعريفان هما:

الأول: عرفه ابن قدامة

(3)

في الكافي، بأنه: عزائم، ورقى، وعقد تؤثر في

(1)

انظر: أضواء البيان (4/ 444).

(2)

لمعرفة المزيد مما قيل في تعريف السحر، انظر: السحر بين الحقيقة والخيال لأحمد الحمد ص (16 - 20)، وكتاب السحر بين الحقيقة والوهم لعبد السلام السكري ص (27 - 38).

(3)

هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، ثم الدمشقي، الحنبلي، موفق الدين، المشهور بابن قدامة، من أكابر فقهاء الحنابلة، ولد سنة 541 هـ بجماعيل، رحل في طلب العلم، وأكثر من التأليف في المذهب وغيره، من كتبه: المغني، والمقنع، والكافي، وغيرها؛ مات في دمشق سنة 620 هـ.

انظر ترجمته في: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 133)، والمقصد الأرشد (2/ 133)، والأعلام للزركلي (4/ 67).

ص: 124

القلوب والأبدان، فيمرض، ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه

(1)

.

وهذا التعريف أجمع ما قيل في حد السحر الحقيقي الذي أشرت إليه قريباً.

الثاني: عرفه ابن العربي

(2)

بأنه: كلام مؤلف، يعظم فيه غير الله تعالى، وتنسب إليه فيه المقادير والكائنات

(3)

.

(1)

انظر: الكافي (4/ 164).

(2)

هو محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي، أبو بكر بن العربي، عالم مشارك في الحديث، والفقه، والأصول، وعلوم القرآن، ولد سنة 468 هـ في إشبيلية، ورحل إلى المشرق، وسمع من علمائه، له مؤلفات عديدة، منها: أحكام القرآن، والناسخ والمنسوخ، وغيرهما؛ مات سنة 543 هـ بالقرب من فاس، ودفن فيها.

انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (20/ 197)، والأعلام للزركلي (6/ 230)، ومعجم المؤلفين (10/ 242).

(3)

انظر: أحكام القرآن له (1/ 31).

ص: 125

‌المبحث الثاني: الأدلة على وقوع السحر، وتحريمه

وفيه مطلبان:

‌المطلب الأول: أدلة وقوع السحر

إن وقوع السحر وحصوله ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع، والواقع؛ وإليك بيان ذلك:

‌أولاً: من الكتاب:

1 -

قال الله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون} ؛ [سورة البقرة: 102].

ودلالتها على وقوع السحر من عدة وجوه:

الأول: قوله: {يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل} ، هذا خبر من الله، وخبر ربنا لا يدخله خلف، ولا نسخ، ومن أصدق من الله قيلاً، وقد أخبر كما ترى أن الشياطين يعلمون الناس السحر، فدل على وجود السحر، إذ كيف يعلَّم ما لا وجود له، ولا وقوع.

الثاني: قوله: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} ، حيث أخبر أن الملكين يعلمان السحر، ولا يعلمانه لأحد إلا بعد نصحه بأن السحر كفر فلا تكفر، فكيف يعلم، ويوصف بالكفر ما لا وجود له.

ص: 126

الثالث: قوله: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} ، فهو خبر عن نوع من أنواع السحر، يتعلمه المفتونون به، وهو التفريق بين المرء وزوجه، فهو شيء موجود، وملموس، وقد ابتلي به كثير من الناس.

الرابع: قوله: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} ، فنفي الضرر منهم بالسحر لأحد إلا بإذن الله، ومشيئته، دليل على وقوعه إذا أذن الله به.

الخامس: قوله: {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} ، فهو خبر من الله أن السحر ضرر لا نفع فيه، فهو شيء واقع، وملموس.

السادس: قوله: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} ، فإخباره جل وعلا أن من اشترى السحر، وعمل به، لا حظ له في الآخرة، يدل على أنه شيء واقع، وموجود.

السابع: قوله: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} ، فذمه للسحر، وما استعاضوه لأنفسهم بدل الإيمان، دليل على أن ذلك موجود، وواقع.

الثامن: قوله: {ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون} ، فسياق الآية مع ما قبله يدل على أن الله يحث المشترين أنفسهم بالسحر على اتقائه، والإيمان بالله، فكيف يتقون ما لا وجود له، ولا وقوع له؟.

2 -

قصة موسى مع فرعون وسحرته، وقد وردت على سبيل البسط في أربعة مواضع من كتاب الله

(1)

.

ومما ورد في هذه القصة مما يدل على وجود السحر، ووقوعه، ما يأتي:

وقوله: {فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم} ، [سورة الأعراف: 116].

(1)

في الأعراف، ويونس، وطه، والشعراء، وانظر تفسير تلك الآيات في مبحث خاص بها، كما سيأتي ص 73 - 98.

ص: 127

وقوله: {وجاءوا بسحر عظيم} ، [سورة الأعراف: 116].

وقوله: {قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون} ، [سورة يونس: 77].

وقوله: {فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله} ، [سورة يونس: 81].

وقوله: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} ، [سورة طه: 66].

قوله تعالى: {إنما صنعوا كيد ساحر} ، [سورة طه: 69].

وقوله: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} ، [سورة طه: 69].

وقوله: {إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر} ، [سورة طه: 73].

هذا بعض ما ورد في تلك القصة، مما يدل على أن السحر حقيقة، علماً بأن القصة من أولها إلى آخرها تدل على ذلك، وعلى حصوله من سحرة فرعون.

3 -

ورود كلمة السحر في القرآن، ومشتقاتها في قرابة ستين آية دليل على وجود السحر

(1)

.

4 -

قوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} [سورة الفلق: 4]، والنفاثات في العقد هن السواحر، كما جاء عن ابن عباس، والضحاك

(2)

(3)

، وغيرهما، بل لم يذكر المفسرون غير هذا التفسير، ولهذا حكاه بعضهم اتفاقاً بين المفسرين

(4)

.

(1)

انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ص (439)، مادة سحر، وعلاج الأمور السحرية ص (23) وما بعدها، وفتح الحق المبين ص (171) وما بعدها.

(2)

هو الضحاك بن مزاحم البلخي الخراساني النيسابوري، أبو القاسم، مفسر، صدوق كثير الإرسال، مات سنة (105) هـ. انظر ترجمته في: التقريب ص (459)، والأعلام (3/ 215).

(3)

انظر: تفسير الطبري (30/ 227)، وتفسير ابن كثير (8/ 555)، والدر المنثور (8/ 690) وفتح الباري (10/ 236).

(4)

انظر: السحر بين الحقيقة والخيال ص (73)، وانظر: أضواء البيان (9/ 638).

ص: 128

ووجه الاستدلال أن الله أمر بالاستعاذة من شر السواحر، وهذا دليل على وقوع السحر، ووجوده، ومضرته، وإلا فكيف يأمر بالاستعاذة مما لا وجود له.

‌ثانياً من السنة:

1 -

قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخرجها البخاري في صحيحه في سبعة مواضع

(1)

، ومسلم من حديث عائشة

(2)

رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن، - قال سفيان

(3)

: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا - فقال: يا عائشة: أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيه فيه؟، أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟، قال: مطبوب

(4)

. قال: ومن طبه؟، قال: لبيد بن أعصم

(5)

رجل من بني زريق حليف ليهود، كان منافقاً،

(1)

وأرقام الأحاديث عنده: (3268، 3175، 5763، 5765، 5766، 6063، 6391)، كما في فتح الباري.

(2)

وهذا اللفظ الذي سأسوقه قد اتفق عليه الشيخان، كما سترى توثيق ذلك عند تخريج الحديث.

(3)

هو ابن عيينة كما في فتح الباري (10/ 243)، وعمدة القاري (14/ 744)، وهو سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، أبو محمد، الكوفي، ثم المكي، ثقة حافظ، إمام حجة، إلا أنه تغير حفظه بآخره، وكان ربما دلس، لكنه عن الثقات، مات في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة، وله إحدى وتسعون. انظر ترجمته في: التقريب ص (395).

(4)

أي مسحور، يقال: طُب الرجل بالضم إذا سحر، كنوا عن السحر بالطب تفاؤلاً، كما يقال للّديغ سليم، وقال ابن الأنباري في الأضداد ص (230): الطب من الأضداد، يقال: الطب لعلاج السحر وغيره من الآفات والعلل، ويقال: الطب للسحر. وانظر: فتح الباري (10/ 239)، وعمدة القاري (14/ 740).

(5)

هو لبيد بن الأعصم اليهودي من يهود بني زريق، وبنو زريق بطن من الخزرج، قال ابن حجر عنه: قيل: إنه يهودي، وقيل: حليف اليهود، وكان منافقاً، ويجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودي، نظر إلى ما في نفس الأمر، ومن أطلق عليه منافقاً نظر إلى ظاهر أمره، وقيل: يحتمل أنه قيل له يهودي، لكونه من حلفائهم، لا أنه على دينهم. انظر: فتح الباري (10/ 237).

ص: 129

قال: وفيم؟، قال: في مشط

(1)

ومشاقة

(2)

، قال: وأين؟، قال: في جف طلعة ذكر

(3)

، تحت رعوفة

(4)

في بئر ذروان

(5)

، قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه، فقال: «هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحناء

(6)

، وكأن نخلها رؤوس الشياطين»، قال:«فاستخرج» ، قالت: فقلت: أفلا؟ - أي تنشرت

(7)

؟، فقال:

(1)

المشط بضم الميم، ويجوز كسرها: الآلة المعروفة التي يسرح بها شعر الرأس واللحية. انظر: فتح الباري (10/ 239).

(2)

هي ما يتقطع من الكتان - القطن - عند تخليصه، وتسريحه، وقيل: المشاقة: هي المشاطة، وهي ما يخرج من الشعر الذي يسقط من الرأس إذا سرح. انظر: فتح الباري (10/ 242)، وعمدة القاري (14/ 742).

(3)

هو وعاء طلع النخل، وهو الغشاء الذي يكون على الطلع، ويطلق على الذكر والأنثى. انظر فتح الباري (10/ 240)، وعمدة القاري (14/ 740).

(4)

الرعوفة: حجر يوضع على رأس البئر، لا يستطاع قلعه، يقوم عليه المستقي، وقيل: صخرة تنزل في أسفل البئر إذا حفرت، يجلس عليها الذي ينظف البئر، وقيل غير ذلك. انظر: فتح الباري (10/ 245)، وعمدة القاري (14/ 744).

(5)

بئر في بني زريق. انظر: فتح الباري (10/ 240)، وعمدة القاري (14/ 740).

(6)

نقاعة الحناء: أي أن لون ماء البئر مثل لون الماء الذي ينقع ويوضع فيه الحناء - فنقاعة الشيء آخره الذي يقوى فيه التغير. انظر: لسان العرب (8/ 359)، مادة نقع، وفتح الباري (10/ 241)، وعمدة القاري (14/ 740).

(7)

أي تعالجت عن طريق النشرة، والنشرة هي حل السحر عن المسحور، وقيل: هو ضرب من العلاج. انظر: النهاية في غريب الحديث (5/ 54)، وفتح الباري (10/ 244)، والقول المفيد (1/ 553).

ص: 130

أما والله، فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً»

(1)

.

فهذا السحر قد وقع لأكمل الخلق صلوات الله وسلامه عليه.

2 -

ما اتفق عليه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟، قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»

(2)

.

ووجه الشاهد من الحديث أن الله أمر باجتناب السبع الموبقات، ومن بينها السحر، وهذا دليل على وقوعه، ووجوده، إذ كيف يأمرنا باجتناب ما لا يقع، وما لا وجود له.

3 -

ما اتفق عليه الشيخان من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تصبح سبع تمرات عجوة، لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر»

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب هل يستخرج السحر، انظر: فتح الباري (10/ 243)، حديث رقم:(5765)، ومسلم في صحيحه (4/ 1719)، حديث رقم:(2189)، كتاب السلام، باب السحر. وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (3/ 59)، حديث رقم:(1412).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى:{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} ، انظر: فتح الباري (5/ 462)، حديث رقم:(2766)، ومسلم في صحيحه، (1/ 92)، حديث رقم:(89)، كتاب الإيمان، باب من الكبائر وأكبرها؛ وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (1/ 17)، حديث رقم:(56).

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب الدواء بالعجوة للسحر؛ انظر: فتح الباري (10/ 249)، حديث رقم:(5769)، ومسلم في صحيحه (3/ 1618)، حديث رقم:(2047)، كتاب الأشربة، باب فضل تمور المدينة، وانظر: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (3/ 24)، حديث رقم:(1327).

ص: 131

فهذا خبر الصادق المصدوق بأن العجوة تقي من ضرر السحر، فلو لم يكن السحر موجوداً واقعا كيف تقي من ضرر ما لا يقع، ولا يوجد

(1)

.

‌ثالثا: الإجماع والواقع:

قال ابن القيم رحمه الله في معرض رده على القائلين أنه لا حقيقة للسحر:

«وهذا خلاف ما تواترت به الآثار عن الصحابة والسلف، واتفق عليه الفقهاء، وأهل التفسير، والحديث، وما يعرفه عامة العقلاء، والسحر الذي يؤثر مرضا، وثقلاً، وعقداً، وحبا، وبغضا ونزيفاً، وغير ذلك من الآثار - موجود، تعرفه عامة الناس، وكثير منهم قد علمه ذوقاً بما أصيب به منه»

(2)

.

وقال القرافي

(3)

رحمه الله: «وكان السحر وخبره معلوماً للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وكانوا مجمعين عليه قبل ظهور القدرية

(4)

(5)

.

(1)

لمزيد من البيان في موضوع التصبح بالتمر. انظر: الخاتمة حيث اشتملت على بعض ما يتحصن به من السحر، ومنه التمر، وذلك في ص 118.

(2)

انظر: بدائع التفسير (5/ 411)، وبدائع الفوائد (2/ 227).

(3)

هو أبو العباس، أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، شهاب الدين الصنهاجي القرافي، من علماء المالكية، مصري المولد والمنشأ والوفاة، له مصنفات جليلة منها: الفروق، والذخيرة، وغيرهما، مات بمصر سنة 684 هـ. انظر ترجمته في: الأعلام (1/ 94).

(4)

القدرية: هم الذين خاضوا في القدر، وذهبوا إلى إنكاره، حيث يرون أن العباد يفعلون ما لا يريده الله، وما لم يقدره من أفعال الشر، مثل القتل، والزنا، وغير ذلك، ونفوا أن يكون الله قد قدر ذلك، ويجعلون العبد قادرا على ما لا يريده الله من هذه الأفعال، بل وخالق لأفعال نفسه، وممن يطلق عليهم هذا الاسم المعتزلة، ولعله الذي عناه القرافي رحمه الله، وانظر هذه الفرقة ومقالاتها. الفرق بين الفرق ص (18 - 19)، والملل والنحل (1/ 43).

(5)

انظر: الفروق له (4/ 150)، وفتح الحق المبين ص (177).

ص: 132

‌المطلب الثاني: أدلة تحريم السحر

لقد جاءت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة بتحريم السحر، والتحذير منه، فمن ذلك:

1 -

قوله تعالى: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} [سورة البقرة: 102].

وجه الاستدلال: أن الله أخبر أن تعلم السحر كفر، وما كان تعلمه كفر، لا شك في تحريمه.

2 -

قوله تعالى: {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} [سورة البقرة: 102].

وجه الاستدلال: أن الله أخبر أن المتعلمين السحر يتعلمون ما يضرهم، ولا ينفعهم، وقد جاءت هذه الشريعة بجلب المصالح، ودرء المضار والمفاسد، ولهذا من القواعد المقررة عند أهل العلم:«لا ضرر ولا ضرار»

(1)

.

(1)

وهو نص حديث أورده النووي في الأربعين النووية، ثم قال:«وله طرق يقوي بعضها بعضاً» ؛ انظر: جامع العلوم والحكم (2/ 207)، وقد أخرجه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الدارقطني في سننه (3/ 77)، (4/ 228)، والبيهقي في سننه (6/ 69)، والحاكم في مستدركه (2/ 57، 58)، وصححه، ووافقه الذهبي.

وأخرجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أحمد في مسنده (1/ 313)، وابن ماجة في سننه (2/ 784)، حديث رقم:(2341).

وأخرجه من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أحمد في مسنده (5/ 326)، وابن ماجة في سننه (2/ 784)، حديث رقم:(2340).

قال أبو عمرو بن الصلاح: «هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه، ومجموعها يقوي الحديث، ويحسنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم، واحتجوا به» ؛ وممن صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، والألباني في الصحيحة، حديث رقم:(250)، وفي صحيح الجامع (2/ 1250)، حديث رقم:(5717).

ص: 133

فما كان تعلمه ضرراً، لا نفع فيه، فهو محرم، لا يجوز تعلمه وتعليمه.

3 -

قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} [سورة البقرة: 102]. والخلاق: النصيب.

وجه الدلالة: أن الله بين أن من اشترى السحر وفعله، لا حظ ولا نصيب له في الآخرة، والذي لا حظ له في الآخرة هو الكافر، فشيء هذه عاقبة أمره محرم لا شك فيه.

4 -

قوله تعالى: {إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} [سورة طه: 69].

وقوله سبحانه: {ولا يفلح الساحرون} [سورة يونس: 77].

وجه الدلالة: أن الله نفى الفلاح عن الساحر، وعمل لا يفلح عامله محرم، لا يجوز فعله.

5 -

قوله تعالى عن سحرة فرعون له حينما آمنوا، وتابوا من السحر:{إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر} [سورة طه: 73].

فهم آمنوا بالله، وثبتوا على إيمانهم طمعاً في مغفرة الله لهم ذنوبهم، وما أُكْرِهوا عليه من السحر، فدل على أن السحر ذنب، وجرم عظيم، فيحرم فعله، ويجب اجتنابه.

6 -

ما اتفق عليه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن، يا رسول الله؟، قال: الشرك بالله، والسحر

» الحديث

(1)

.

وجه الاستدلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّه من الموبقات التي توبق وتهلك صاحبها، وجعله قرين الشرك، فدل على أنه ذنب عظيم محرم، لا يجوز فعله.

(1)

قد سبق ذكره كاملاً، وتخريجه في ص (19).

ص: 134

7 -

ما رواه مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

«من أتى عرَّافاً، فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة»

(1)

.

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن مجرد سؤال الساحر يمنع قبول صلاة أربعين ليلة، وهذا دليل على أن هذا العمل حرام، لا يجوز، وكبيرة من كبائر الذنوب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:«فإذا كانت هذه حال السائل، فكيف بالمسؤول»

(2)

.

8 -

ومنها ما رواه أحمد، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهناً، أو عرَّافاً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)

(3)

.

ووجه الاستدلال به على التحريم ظاهر جداً، فإن عملا يؤدي بصاحبه إلى الكفر، لا يشك أحد في تحريمه. قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب

(4)

: «وظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان،

(1)

رواه أحمد في مسنده (4/ 68)، و (5/ 380)، لكن عنده زيادة:«فصدقه» ، ومسلم في

(4/ 1751)، ح رقم:(2230)، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان.

(2)

انظر: مجموع الفتاوى (35/ 193)، وفتح المجيد (2/ 488).

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (2/ 429)، والحاكم في مستدركه (1/ 8)، وصححه، ووافقه الذهبي؛ كما صححه الألباني أيضاً في إرواء الغليل (7/ 69)، ونقل تصحيحه أيضاً عن العراقي.

(4)

هو سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، حفيد شيخ الإسلام المجدد محمد ابن عبد الوهاب، ولد في الدرعية، وكان بارعاً في التفسير والحديث والفقه والتوحيد، وشى به بعض المنافقين إلى إبراهيم باشا بعد دخوله الدرعية واستيلائه عليها، فأحضره إبراهيم، وأظهر بين يديه آلات اللهو والمنكر إغاظة له، ثم أخرجه إلى المقبرة، وأمر العساكر أن يطلقوا عليه الرصاص جميعاً، فمزقوا جسمه، وكان ذلك سنة 1233 هـ، وله ثلاث وثلاثون سنة. انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي (3/ 129).

ص: 135

لاعتقاده أنه يعلم الغيب»

(1)

.

قلت: وهذا الوعيد في العراف، وهو كما قال الإمام أحمد: العراف: طرف من السحر، والساحر أخبث

(2)

، فكيف بالساحر والسحر؟.

9 -

ما رواه البزار بسند جيد عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من تَطَيَّر، أو تُطُيِّر له، أو تكهن، أو تكهن له، أو سحر، أو سحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)

(3)

.

ووجه دلالته على التحريم: شدة الوعيد الوارد فيه على من فعل ذلك، قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن

(4)

: «ليس منا» فيه وعيد شديد يدل على أن هذه الأمور من الكبائر

(5)

.

(1)

انظر: تيسير العزيز الحميد ص (303).

(2)

انظر: المرجع السابق ص (305).

(3)

رواه البزار في مسنده حديث رقم: (3043)، والطبراني في الأوسط (4/ 302)، وجود إسناده المنذري في الترغيب والترهيب، وصححه لغيره الألباني؛ انظر: صحيح الترغيب (3/ 170)، وصححه أيضا في صحيح الجامع (2/ 956)، حديث رقم:(5435)، ورواه أيضا من حديث ابن عباس دون قوله:«ومن أتى كاهنا» الطبراني في الأوسط (4/ 302)، حديث رقم:(4262)، بإسناد حسنه المنذري في الترغيب والترهيب؛ انظر: صحيح الترغيب والترهيب (3/ 170).

(4)

هو عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب النجدي، حفيد شيخ الإسلام المجدد محمد بن الوهاب رحمهم الله جميعاً، ولد في الدرعية سنة 1193 هـ، وكان إماما مجاهداً، وعالما نحريراً، وبحراً زاخراً في العلم، له كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لجده الشيخ محمد بن الوهاب، مات سنة 1285 هـ. انظر ترجمته في: عنوان المجد في تاريخ نجد (2/ 21)، والأعلام (3/ 304).

(5)

انظر: فتح المجيد (2/ 491).

ص: 136

10 -

ما رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد»

(1)

.

دل الحديث على أن من تعلم شعبة من النجوم، فقد تعلم شعبة من السحر، والسحر معلوم تحريمه؛ قال شيخ الإسلام:«فقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن علم النجوم من السحر، وقد قال الله تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} [سورة طه: 69]، وهكذا الواقع، فإن الاستقراء يدل على أن أهل النجوم لا يفلحون في الدنيا، ولا في الآخرة»

(2)

.

11 -

ما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم

(3)

رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالا يأتون الكهان؟، قال:«فلا تأتهم»

(4)

.

(1)

رواه أحمد في مسنده (1/ 277، 311)، وأبو داود في سننه (4/ 16)، حديث رقم:

(3905)

، كتاب الطب، باب في النجوم، وابن ماجة في سننه (2/ 1228)، حديث رقم:(3726)، كتاب الأدب، باب تعلم النجوم، وقد صححه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (25/ 193)، والنووي في رياض الصالحين ص (429)، حديث رقم:(1671)، والعراقي في تخريج الإحياء (4/ 117)، والألباني في صحيح أبي داود (2/ 739)، حديث رقم:(3305).

(2)

انظر: مجموع الفتاوى (35/ 193)، وتيسير العزيز الحميد ص (296).

(3)

هو معاوية بن الحكم السلمي، صحابي جليل، نزل المدينة. انظر ترجمته: في التقريب ص

(954)

، والإصابة (6/ 111).

(4)

رواه مسلم في صحيحه (1/ 381)، حديث رقم:(537)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته.

ص: 137

وهذا نهي، والنهي يدل على التحريم.

12 -

ما اتفق عليه الشيخان من حديث أبي مسعود الأنصاري

(1)

، رضي الله عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن»

(2)

.

وحلوان الكاهن: مصدر من حلوته حلوانا إذا أعطيته، وأصله من الحلاوة، شبه كسب الحجام بالشيء الحلو من حيث إنه يأخذه سهلا، بلا كلفة، ولا مشقة

(3)

.

ووجه الاستدلال به على التحريم: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن حلوان الكاهن، والنهي يقتضي التحريم، ولهذا أجمع العلماء على تحريمه، أفاده الحافظ ابن حجر، ثم قال:«لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل»

(4)

.

وهذا في كسب الكاهن الذي هو طرف من السحر، كما مر قريباً من قول الإمام أحمد

(5)

، فكيف بالساحر؟، وكيف بالسحر؟.

(1)

هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، أبو مسعود البدري، صحابي جليل، مات قبل الأربعين، وقيل بعدها، أخرج له الجماعة. انظر ترجمته في التقريب ص (685).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب ثمن الكلب، وفي ثلاثة مواضع أخرى؛ انظر: فتح الباري (4/ 497)، حديث رقم:(2237)، ومسلم في صحيحه (3/ 1198)، حديث رقم:(1567)، كتاب المساقاة، باب تحريم ثمن الكلب، وحلوان الكاهن، ومهر البغي، وانظر: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (2/ 147)، حديث رقم (1010).

(3)

انظر: فتح الباري (4/ 498).

(4)

انظر: المرجع السابق.

(5)

انظر ص (24).

ص: 138

‌المبحث الثالث: حكم إتيان الساحر للتداوي عنده

لقد جاء دين الإسلام بالعناية التامة بالأبدان، والمحافظة عليها من الأمراض والأسقام والأدواء، وذلك من خلال حثه على اتخاذ أسباب الوقاية والاحتراز من كل ما يضرها قبل أن يقع بها؛ ومن خلال حثه على التداوي والعلاج والاستشفاء بعد إصابتها بالضرر من مرض ونحوه.

فمن حثه على أخذ أسباب الوقاية:

1 -

ما اتفق عليه الشيخان من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تصبح سبع تمرات عجوة، لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر»

(1)

.

2 -

ما رواه البخاري، ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم بالطاعون في أرض، فلا تدخلوها»

(2)

.

3 -

ما رواه أحمد، والبخاري معلقاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فر من المجذوم فرارك من الأسد»

(3)

.

(1)

تقدم تخريجه في ص (19).

(2)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، انظر: فتح الباري

(10/ 189)، حديث رقم:(5728)، ومسلم في صحيحه (4/ 1737)، حديث رقم:

(2218)

، كتاب السلام، باب الطاعون، والطيرة، والكهانة، ونحوها.

(3)

رواه أحمد في مسنده (2/ 443)، والبخاري معلقاً في كتاب الطب، باب الجذام، انظر: فتح الباري (10/ 167)، حديث رقم:(5707)، والبغوي في شرح السنة (12/ 167)، حديث رقم:(3247)، وقال: حديث صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (2/ 428)، حديث رقم:(783).

ص: 139

4 -

ما رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم عن عثمان، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يقول صباح كل يوم ومساء كل ليلة: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض، ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم يضره شيء»

(1)

.

وغير ذلك من الأذكار التي جاء فيها الإخبار أن من قالها لم يصبه ضرر، أو لم يضره الشيطان، أو نحو ذلك، وهي مبثوثة في كتب الأذكار والسنة

(2)

.

ومن حثه على التداوي والعلاج:

1 -

ما رواه البخاري عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنزل الله من داء إلا أنزل معه شفاء»

(3)

.

2 -

ما رواه أحمد، ومسلم عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ

(1)

أخرجه أحمد في مسنده (1/ 62، 66)، وأبو داود في سننه (4/ 323)، حديث رقم:

(5088)

، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، والترمذي في سننه (5/ 465)، حديث رقم:(3388)، كتاب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح، وإذا أمسى، والحاكم في مستدركه (1/ 514)، وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني أيضاً في صحيح ابن ماجة في سننه (2/ 332)، حديث رقم:(3869)، كتاب الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح، وإذا أمسى.

(2)

انظر مثلا: عمل اليوم والليلة للنسائي، والأذكار للنووي، والكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية، والوابل الصيب لابن القيم، وتحفة الأخيار للشيخ ابن باز، وغيرها.

(3)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، أول باب فيه، انظر: فتح الباري (10/ 141)، حديث رقم:(5678)، وابن ماجة في سننه (2/ 1138)، حديث رقم:(3439)، كتاب الطب، أول باب فيه، وأخرجه أحمد في مسنده (1/ 377، 413، 453)، من حديث ابن مسعود، رضي الله عنه.

ص: 140

بإذن الله عز وجل»

(1)

.

3 -

ما رواه أحمد، والبخاري عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية من نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي»

(2)

.

4 -

ما رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة عن أسامة بن شريك

(3)

، رضي الله عنه، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟، فقال:«نعم، عباد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد» ، قالوا ما هو؟، قال:«الهرم»

(4)

.

لقد دلت هذه النصوص وغيرها على مشروعية التداوي بما أحله الله من الأدوية، أو الرقية، أو غيرها، دون التداوي بما حرمه الله، وفيما أباحه الله وأذن فيه الغنية والكفاية عما حرمه.

وإن مما حرمه الله الذهاب إلى السحرة، والمشعوذين، والكهان، فلا يجوز للمسلم في حال من الأحوال أن يأتيهم طلباً للشفاء والعلاج منهم، أو عندهم،

(1)

رواه أحمد في مسنده (3/ 335)، ومسلم في صحيحه (4/ 1729)، حديث رقم:

(2204)

، كتاب السلام، باب لكل داء دواء، واستحباب التداوي.

(2)

رواه أحمد في مسنده (1/ 246)، والبخاري في كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، انظر: فتح الباري (10/ 143)، حديث رقم:(5680).

(3)

هو أسامة بن شريك الثعلبي من بني ثعلبة بن يربوع، صحابي جليل، تفرد بالرواية عنه زياد بن علاقة. انظر ترجمته في: التقريب ص (124)، والإصابة (1/ 29).

(4)

رواه أحمد في مسنده (4/ 278)، وأبو داود في سننه (4/ 3)، حديث رقم:(3855)، كتاب الطب، أول باب فيه، والترمذي في سننه (4/ 383)، حديث رقم:(2038)، كتاب الطب، باب ما جاء في الدواء والحث عليه، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (2/ 252)، حديث رقم:(3436)، كتاب الطب، أول باب فيه.

ص: 141

لدلالة النصوص الكثيرة على تحريم ذلك، والتي أوردناها في الفصل السابق، ومن أوضحها دلالة، وأصرحها في ذلك:

1 -

ما رواه مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أتى عرَّافاً، فسأله، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة»

(1)

.

فكيف يجوز إتيان من إتيانه، وسؤاله يذهب بأجر صلاة أربعين ليلة.

2 -

ما رواه أحمد، والحاكم، وغيرهما، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنا، أو عرافا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)

(2)

.

فكيف يجوز إتيان من إتيانه، وتصديقه في قوله كفر بالقرآن الذي أنزله الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

3 -

ما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم، رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالا يأتون الكهان؟، قال:«فلا تأتهم»

(3)

.

فهذا نهي صريح عن إتيانهم، فكيف يقول أحد بجوازه؟.

4 -

ما رواه أحمد، وأبو داود، عن جابر، رضي الله عنه، قال:«سئل رسول الله عن النشرة، قال: هي من عمل الشيطان»

(4)

.

(1)

تقدم تخريجه في ص (23).

(2)

تقدم تخريجه في ص (23).

(3)

تقدم تخريجه في ص (25).

(4)

أخرجه أحمد في مسنده (3/ 294)، وأبو داود سننه (4/ 6)، حديث رقم:(3868)، كتاب الطب، باب في النشرة، والحاكم في مستدركه (4/ 418)، وصححه، ووافقه الذهبي، وحسنه ابن حجر في الفتح (10/ 244)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 733)، حديث رقم:(3277).

ص: 142

والنشرة: هي حل السحر عن المسحور بسحر مثله

(1)

؛ وهي التي من عمل الشيطان، لأن الألف واللام في «النشرة» في الحديث للعهد الذهني، أي النشرة المعهودة التي هي من عمل الشيطان، التي كان يقوم بها أهل الجاهلية

(2)

.

ووجه الاستدلال بالحديث: أن الساحر إنما يحل عن المريض بالسحر الذي هو عمل الشيطان، فكيف يجوز للمسلم أن يفعل ذلك، ويطلبه من الساحر.

وقد بين أهل العلم تحريم الذهاب إلى السحرة، وما فيه من الخطر، من ذلك: فتوى اللجنة الدائمة جواباً لسؤال عن حكم الذهاب إلى الساحر، ليزيل السحر، فأجابوا بما نصه:«لا يجوز ذلك - يعني الذهاب إلى الساحر - والأصل فيه ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، بسنده عن جابر، رضي الله عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال: «هي من عمل الشيطان»

(3)

، وفي الأدوية الطبيعية، والأدعية الشرعية ما فيه كفاية، فإن الله ما أنزل من داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله، وقد أمر رسول الله بالتداوي، ونهى عن التداوي بالمحرم، فقال صلى الله عليه وسلم:«تداووا، ولا تتداووا بحرام»

(4)

، وروي عنه أنه قال:«إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها»

(5)

(6)

.

(1)

عرفها بذلك ابن القيم، كما في فتح المجيد (2/ 502)، وذكر أيضا أن النشرة نوعان: جائزة: وهي التي تكون بالرقى الشرعية. ومحرمة: وهي التي ذكرها هنا. وانظر: زاد المعاد

(4/ 124 - 127).

(2)

أشار إليه العلامة ابن باز في التعليق المفيد على كتاب التوحيد ص (153)، وذكر أن ذلك تفسير أهل العلم للنشرة.

(3)

تقدم تخريجه في ص (30).

(4)

رواه أبو داود في سننه (4/ 7)، ح (3874) كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة.

(5)

انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 372).

(6)

والحديث أخرجه من حديث أم سلمة رضي الله عنها أحمد في الأشربة ص (159)، وابن حبان في صحيحه، كما في الإحسان (3/ 233)، حديث رقم:(1391)، والطبراني في الكبير (23/ 326)، حديث رقم:(749)، والبيهقي في سننه (10/ 5)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال:«ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، خلا حسان بن مخارق، وقد وثقه ابن حبان» . قلت: وقد أخرجه من قول ابن مسعود رضي الله عنه البخاري تعليقاً في صحيحه، كتاب الأشربة، باب شرب الحلواء والعسل. انظر: فتح الباري (10/ 81)، وصحح إسناد الموقوف ابن حجر، وقد أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 108)، والحاكم في مستدركه (4/ 218)، وصححه.

ص: 143

وقال العلامة الشيخ ابن باز في جوابه عن سؤال عن حكم الذهاب إلى الكهنة والمشعوذين: «

أما العلاج عند الذين يدعون علم الغيب، أو يستحضرون الجن، أو أشباههم من المشعوذين، أو المجهولين الذين لا تعرف حالهم، ولا تعرف كيفية علاجهم، فلا يجوز إتيانهم، ولا سؤالهم، ولا العلاج عندهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أتى عرافا، فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» ، أخرجه مسلم في صحيحه

(1)

، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافاً، أو كاهنا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد جيد

(2)

، ولأحاديث أخرى في هذا الباب، كلها تدل على تحريم سؤال العرافين، والكهنة، وتصديقهم، وهم الذين يدعون علم الغيب، أو يستعينون بالجن، أو يوجد من أعمالهم وتصرفاتهم ما يدل على ذلك» اه

(3)

؛ ونحوه قول العلامة محمد بن صالح العثيمين

(4)

.

(1)

تقدم تخريجه في ص (23).

(2)

تقدم تخريجه في ص (23).

(3)

انظر: فتاوى إسلامية (1/ 29، 30).

(4)

انظر فتواه في ذلك في: القول المفيد (1/ 533)، وانظر: الفتاوى الذهبية ص (159).

ص: 144

‌المبحث الرابع: خطر السحر على المجتمع

إن السحر داء خطير، يهدد المجتمع المسلم، وينخر في كيانه، ويقوض بنيانه، لما له من العواقب السيئة، ومما يؤسف له أنه قد انتشر في مجتمعات المسلمين انتشاراً مخيفاً، وعظم خطره، وانتشر شره، وصار دعاته ومنتحلوه يتسابقون إلى جذب الناس إليهم، بنشر دعاياتهم الكاذبة عن جودة طبهم، ومعرفتهم بالأمراض، ومقدرتهم على علاجها، فسقط في ذلك كثير من الناس إلا من رحم الله، بحجة أنه معذور بطلب الشفاء والعافية مما أصابه.

ولا يخفى ما يصاب به المريض من الضعف، والخور، والتلهف إلى طلب الشفاء، وقديماً قيل: المريض عند مرضه يتشبث فيما يظنه سبباً لشفائه بخيط العنكبوت

(1)

إلا أن ذلك ليس عذراً يحل له الحرام، وما منعه الله منه بالنصوص الصريحة كما سبق

(2)

، وقد فتح الله له - وله الحمد على ذلك كثيراً - أبواب التداوي والعلاج بالمباح والحلال، وأذن فيه. بل الأصل في التداوي الحل والإباحة، كما دل على ذلك كثير من النصوص التي سبق إيراد بعضها

(3)

.

وقد وصل هذا الداء الخطير إلى هذه البلاد المباركة - حرسها الله - مهبط الوحي، وموطن الرسالة والتوحيد، وصفاء العقيدة، رغم ما يقوم به ولاة الأمر - وفقهم الله للخير، وزادهم توفيقاً وأخذاً على أيدي السحرة والمشعوذين، وجميع المفسدين - من تحذير عن السحر والشعوذة عبر وسائل الإعلام، وما تقوم به جهات الاختصاص من مداهمة لأوكارهم، وتنفيذ حدود

(1)

انظر: فتح المجيد (1/ 168).

(2)

انظر ص (21) وما بعدها.

(3)

انظر ص (28) وما بعدها.

ص: 145

الشرع فيهم، وقتل بعض منهم. ومما لا شك فيه أن على المجتمع المسلم قسط كبير من المسئولية عن وجود هؤلاء، لأنهم وفروا لهم مرتعا خصباً، ومصدرا للمال ثرياً بذهابهم إليهم، وتصديقهم، وعدم التعاون مع ولاة الأمر في الإخبار عنهم، لِيُكفَى المسلمون شرهم.

فيجب على الجميع التعاون على البر والتقوى، وإخبار الجهات المعنية عنهم، وعن أماكن وجودهم، ليقضى عليهم، وليكف شرهم عن المسلمين.

وأجمل خطر السحر على المجتمع في النقاط التالية:

1 -

كفر تلك الشريحة من المجتمع التي تقوم بالسحر وتتعاطاه، كما سيأتي بيان ذلك

(1)

.

2 -

كفر أولئك الذاهبين إلى السحرة والمشعوذين بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم

(2)

إذا صدقوهم بما يقولون.

3 -

ما يترتب على الكفر - والعياذ بالله - من عداوة الله، ومحاربته، وتخلي الله عن صاحبه، وتولي الشيطان له

(3)

.

4 -

عدم قبول صلاة أربعين ليلة من أولئك المصلين الذين يذهبون إلى السحرة، ويسألونهم سؤالا مجرداً، من غير تكذيب لهم، أو مصلحة راجحة

(4)

.

(1)

انظر ص (69) وما بعدها.

(2)

كما هو نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سبق تخريجه في ص (23).

(3)

ولا يغفل عن معرفة شروط الكفر، وموانعه، وبسط ذلك له موضع آخر.

(4)

وهو نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم السابق تخريجه في ص (23، 24)، وأما الذهاب إليه من أجل أن يختبره، أو لأجل أن يعرف ما عنده من الشر، أو لأجل أن يبين عوره وعجزه للناس، فهذا مستثنى من ذلك، بل هو مندوب إليه، كما نص عليه أهل العلم. انظر: القول المفيد

(1/ 533).

ص: 146

5 -

خضوع بعض المسلمين للسحرة والمشعوذين، وتعلق قلوبهم بهم، وخوفهم، ورجاؤهم، وتقديم أمرهم على أمر الله ورسوله، فإن طلبوا منه أن يذبح ذبيحة بلون معين، وفي وقت معين، وفي مكان معين، وربما بذكر أحد معين، غير اسم الله، أو غير ذلك مما يطلبونه منهم أجابوا لذلك.

6 -

ضعف الاعتماد على الله والتوكل عليه عند المتعاطين السحر، إن لم يكن قد ذهب بالكلية.

7 -

فساد ذات البين بين المسلمين، وإيجاد العداوة والبغضاء والحقد بينهم، فإذا علم المسحور بأن فلانا سحره، نشأ عن ذلك من الأمور المحرمة ما لا يحصى - إلا من رحم الله - فتجده يبغضه، ويحقد عليه، ويسعى في الانتقام منه، والإضرار به، وإن كان من ذي رحمه قطعه وهجره، وربما شارك كل واحد من الطرفين في كل ما سبق أقاربه ومحبوه، فحصل من الشر، والفساد، والقطيعة ما لا يعلمه إلا الله، قال تعالى:{فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} [سورة محمد: 22].

8 -

نشر الرعب، والذعر، والخوف في قلوب كثير من المسلمين، بسبب ما يحصل من أفعال هؤلاء السحرة والمشعوذين، أو بسبب ما يقولونه، ويدعونه من الإضرار بفلان، أو الانتقام منه، أو غير ذلك، حتى صار كثير من المسلمين يعيش في وهم دائم، وحيرة شديدة، وقلق متزايد، ووسوسة ملازمة.

9 -

استنزاف موارد الأمة، وإهدار الأموال، وإضاعتها، وصرفها في غير وجه حقها، بل لأناس سحرة كفرة، أو كادوا، يعبثون بها، ويأكلونها بالباطل، ويصرفونها في معصية الله ورسوله.

10 -

هدم كثير من بيوت المسلمين، بالتفريق بين هذا المرء وزوجه؛ وإيقاع آخر وعطفه على زوجه، بحيث يستجيب لكل رغبتها، وينقاد معها

ص: 147

انقياد الدابة الذلول مع صاحبها، حتى ولو كان على حساب دينه، بمعصية الله ورسوله، أو بعقوق والديه، أو بإضراره بزوجة أخرى، أو هجر ومقاطعة لذي رحمه؛ وصرف آخر عن زوجه، وبغضه لها، فينتج عنه من الظلم لها، والعداوة، والخلاف، والشر ما لا يعلمه إلا الله.

11 -

مصير كثير من الهارعين إلى السحرة والمشعوذين فقراء معدمين، يتكففون الناس، ويستدينون الأموال الطائلة، لدفعها إليهم، لأنهم كثيرا ما يربطونه بهم، فيصبح مترددا عليهم بين الفينة والأخرى، بحجة استكمال العلاج، لأنه على مراحل لهذا المرض، أو أن هذا المرض خطير يحتاج علاجه إلى سنة أو سنوات، أو نحو ذلك من كذبهم، وافتراءاتهم.

12 -

ما يحصل من بعضهم مع بعض النساء من الوقوع في المنكرات المحرمة، كالزنا، أو التقبيل، أو تعليقها به، فتطلب الزواج منه، ولا تستطيع الصبر عن رؤيته، ومجيئه، خاصة إذا كانت جميلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهذا قليل من كثير من خطرهم، إلا أن فيما ذكر كفاية، ومقنعا لكل ذي عقل، بشدة فساد هؤلاء، وضررهم على المجتمع، ووجوب الحذر منهم، والسعي للقضاء عليهم، واستئصال شأفتهم من مجتمع المسلمين؛ والله المستعان.

ص: 148

‌الفصل الثاني: الحديث عن آية البقرة وهي قوله: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان

}

وتحته أربعة مباحث:

‌المبحث الأول: سبب نزول الآية، وتحقيق القول في ذلك

قد ذكر العلماء أسباباً عدة لنزول هذه الآية، كما سأذكره - إن شاء الله - وإن كانت هذه الأسباب في جملتها لا تعارض بينها، بل يستفاد من مجموعها تفسير الآية، كما أشار إليه ابن كثير

(1)

، بقوله:«فهذه نبذة من أقوال أئمة السلف في هذا المقام، ولا يخفى ملخص القصة، والجمع بين أطرافها، وأنه لا تعارض بين السياقات على اللبيب الفهم» .

وفيما يلي بيانها:

السبب الأول:

أخرج سعيد بن منصور في سننه

(2)

، وابن جرير

(3)

، وابن أبي حاتم

(4)

، والحاكم

(5)

، وصححه

(6)

، ووافقه الذهبي

(7)

، عن ابن عباس، رضي الله عنهما،

(1)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 350).

(2)

انظره في سننه (2/ 594)، حديث رقم:(207).

(3)

انظر: تفسير ابن جرير (2/ 415)، حديث رقم:(1662).

(4)

انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1/ 300)، حديث رقم:(996).

(5)

انظر: المستدرك (2/ 265).

(6)

نقل تصحيحه السيوطي في الدر المنثور (1/ 233).

(7)

انظر: المستدرك (2/ 265)، وقواه ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب (1/ 307)، فقال:«قلت أثر ابن عباس، أخرجه الحاكم في المستدرك من هذا الوجه، وعمران أخرج له مسلم، وباقي رجاله رجال الصحيح» .

ص: 149

قال: أتاه رجل فقال له: من أين أقبلت؟، فقال: من العراق، قال: كيف تركت الناس وراءك؟، قال تركت الناس يتحدثون أن عليا سوف يخرج إليهم

(1)

، فقال: لو شعرنا ما زوجنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه

(2)

، وسأحدثك عن ذلك: إن الشياطين كانت تسترق السمع في السماء، فإذا سمع أحدهم كلمة حق كذب معها ألف كذبة، فاشربتها قلوب الناس، واتخذوها دواوين، فاطلع عليها سليمان، فدفنها تحت كرسيه، فلما مات سليمان قام شياطين بالطريق، فقالت: ألا أدلكم على كنز سليمان الممنَّع الذي لا كنز مثله؟، فاستخرجوها، قالوا: سحر، وإن بقيتها هذا يتحدث به أهل العراق، وأنزل الله عذر سليمان فيما قالوا من السحر:

{واتبعوا ما تتلوا الشياطين

} الآية

(3)

[سورة البقرة: 102].

قلت: وهذا الإسناد صحيح إلى ابن عباس، رضي الله عنهما، كما مر، لكنه موقوف عليه، مع أنه من أخبار بني إسرائيل، لأن ابن عباس ممن أخذ عن بني إسرائيل، وإن كان ذلك لا يضر هنا، كما سأبينه بعد ذكر جميع الأسباب.

(1)

يعني يخرج بعد موته، وهذا من خزعبلات السبئية اتباع عبد الله بن سبأ الذي أشاع أن علياً لم يقتل، وإنما رفع إلى السماء. انظر في ذلك: الفرق بين الفرق ص (233) وما بعدها، والفصل لابن حزم (4/ 179) وما بعدها.

(2)

قاله ابن عباس، رضي الله عنهما، على سبيل التهكم، والسخرية، والإزراء بهذا القول بدليل ما بعده.

(3)

هذا نص رواية سعيد بن منصور، وهناك بعض الاختلافات اليسيرة بينه وبين بقية من أخرجوه، ممن سبق ذكرهم.

ص: 150

السبب الثاني:

ما رواه ابن أبي حاتم

(1)

، والنسائي

(2)

، عن ابن عباس، رضي الله عنهما أيضاً، قال: قال آصف كاتب سليمان، وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان، ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين، فكتبوا بين كل سطرين سحراً وكفراً، وقالوا هذا الذي كان سليمان يعمل بها، قال فأكفره جهال الناس، وسبوه، ووقف علماؤهم، فلم يزل جهالهم يسبوه حتى نزل على محمد:{واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا}

(3)

[سورة البقرة: 102].

قلت: هو موقوف على ابن عباس، رضي الله عنهما، وهو -والله أعلم - مما تلقاه عن أهل الكتاب، وقد رواه النسائي عن محمد بن العلاء، عن أبي أسامة، نا الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن حبير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، ورواه ابن أبي حاتم، عن أبي سعيد الأشج عن أبي أسامة به، ورجاله ثقات، غير المنهال: صدوق ربما وهم.

السبب الثالث:

ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير

(4)

، قال: كان سليمان يتتبع ما في أيدي الشياطين من السحر، فيأخذه، فيدفنه تحت كرسيه في بيت خزانته، فلم

(1)

انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1/ 297).

(2)

انظر: تفسير النسائي (1/ 179)، حديث رقم:(14).

(3)

ونقله ابن كثير في تفسيره (1/ 346)، وابن حجر في العجاب (1/ 310).

(4)

هو سعيد بن جبير الأسدي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت فقيه، قتل بين يدي الحجاج ظلماً سنة خمس وتسعين، ولم يكمل الخمسين. انظر ترجمته في: التقريب ص (374).

ص: 151

تقدر الشياطين أن يصلوا إليه، فدنت إلى الإنس، فقالوا لهم: أتريدون العلم الذي كان سليمان يسخر به الشياطين، والرياح، وغير ذلك، قالوا: نعم. قالوا: فإنه في بيت خزانته، وتحت كرسيه، فاستثارته الإنس، فاستخرجوه، فعملوا به، فقال أهل الحجى

(1)

: (ما)

(2)

كان سليمان يعمل بهذا، وهذا سحر، فأنزل الله على نبيه براءة سليمان، فقال:{واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا} الآية [سورة البقرة: 102]، فأبرأ الله سليمان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم

(3)

.

السبب الرابع:

ما رواه الطبري مطولاً، والواحدي مختصراً عن السدي

(4)

، قال: كانت الشياطين تصعد إلى السماء، فتقعد منها مقاعد للسمع، يستمعون من كلام الملائكة، فيما يكون في الأرض من موت، أو غيب، أو أمر، فيأتون الكهنة، فيخبرونهم، فتحدث الكهنة الناس، فيجدونه كما قالوا، حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم، فأدخلوا فيه غيره، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة فاكتتبت الناس ذلك الحديث في الكتب، وفشا في بني إسرائيل إن الجن تعلم الغيب، فبعث

(1)

في تفسير الطبري «الحجاز» ، والمثبت كما في تفسير ابن كثير، والعجاب.

(2)

ساقطة في تفسير الطبري، وتفسير ابن كثير، وإثباتها من العجاب.

(3)

أخرجه ابن جرير (2/ 413)، وعنه ابن كثير (1/ 348)، والحافظ ابن حجر في العجاب (1/ 313 - 314).

(4)

هو الإمام المفسر إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة، أبو محمد الحجازي، ثم الكوفي الأعور السدي، صدوق يهم، ورمي بالتشيع، وعند إطلاق السدي ينصرف إليه دون السدي الصغير - وهو محمد بن مروان - مات سنة 127 هـ. انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد (6/ 323)، التقريب (141)، وطبقات المفسرين (1/ 110).

ص: 152

سليمان في الناس، فجمع تلك الكتب، فجعلها في صندوق، ثم دفنها تحت كرسيه، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق، وقال سليمان لا أسمع أحداً يذكر أن الشياطين تعلم الغيب إلا ضربت عنقه، فلما مات سليمان، وذهب العلماء الذي يعرفون أمر سليمان، وخلف بعد ذلك خلف تمثل شيطان في صورة إنسان، ثم أتى نفراً من بني إسرائيل، فقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً - أي لا تنفدونه أبداً - قالوا: نعم. قال: فاحفروا تحت الكرسي، وذهب معهم، فأراهم المكان، وقام ناحية، فقالوا له: فادن، قال: لا، ولكنني هاهنا في أيديكم، فإن لم تجدوه فاقتلوني، فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها، قال الشيطان: إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر، ثم طار، فذهب، وفشا في الناس أن سليمان كان ساحراً، واتخذت بنوا إسرائيل تلك الكتب، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم خاصموه بها، فذلك حين يقول:{وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا}

(1)

[البقرة: 102].

السبب الخامس:

أورد الواحدي عن الكلبي

(2)

، قال: إن الشياطين كتبوا السحر والنارنجيات

(3)

على لسان آصف هذا ما علم آصف برخيا الملك، ثم دفنوها

(1)

أخرجه الطبري (2/ 405 - 406)، وعنه ابن كثير في تفسيره (1/ 347)، وابن حجر في العجاب (1/ 317)، وأورده الواحدي في أسباب النزول ص (33) مختصرا، وبدون إسناد.

(2)

هو محمد بن السائب بن بشر الكلبي، أبو النضر، الكوفي، النسابة المفسر، متهم بالكذب، ورمي بالرفض، مات سنة ست وأربعين ومائة. انظر ترجمته في: التقريب ص (847).

(3)

النارنجيات: جمع نيرج، وهي أُخذ تشبه السحر، وليست بحقيقته، ولا كالسحر، وإنما هي تشبيه، وتلبيس، والأُخذ جمع أخذة، وهي حيلة تمنع به المرأة زوجها من غيرها، ومنه يقال: لفلانة أخذة، تؤخذ بها الرجال عن النساء.

انظر: الفائق في غريب الحديث (1/ 28)، ولسان العرب (2/ 376)، مادة نرج، والقاموس المحيط (1/ 217)، مادة نرج.

ص: 153

تحت مصلاه حين نزع الله ملكه، ولم يشعر بذلك سليمان، ولما مات سليمان استخرجوه من تحت مصلاه، وقالوا للناس: إنما ملككم سليمان بهذا، فتعلموه، فأما علماء بني إسرائيل فقالوا: معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان، وأما السفلة فقالوا: هذا علم سليمان، وأقبلوا على تعلمه، ورفضوا كتب أنبيائهم، وفشت على سليمان، فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم، فأنزل عذر سليمان على لسانه، وأظهر براءته مما رمي به، فقال:{واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان} الآية»

(1)

[سورة البقرة: 102].

قال ابن حجر في العجاب

(2)

: «وأما أثر الكلبي فأخرج الطبري

(3)

نحوه، عن ابن إسحاق

(4)

، ثم ساق لفظه -مع بعض الاختلاف- ثم قال: «

هكذا ذكره ابن إسحاق بغير إسناد، وأخرج الطبري

(5)

من طريق شهر بن حوشب نحوه بطوله، فلعل ابن إسحاق أخذه عنه، وعن الكلبي» اه.

(1)

أورده الواحدي في أسباب النزول، ص (32)، بدون إسناد، ونقله عنه ابن حجر في العجاب (1/ 305).

(2)

انظر: العجاب (1/ 305).

(3)

انظر: تفسير الطبري (2/ 407)، ونقله عنه ابن كثير في تفسيره (1/ 348).

(4)

هو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالولاء المدني، من أقدم مؤرخي الإسلام، وإمام في المغازي، صدوق يدلس، رمي بالتشيع والقدر، سكن بغداد، ومات بها سنة (151) هـ. انظر ترجمته في: التقريب ص (825)، والأعلام (6/ 28).

(5)

انظر: تفسير الطبري (2/ 416)، ونقله عنه ابن كثير في تفسيره (1/ 349).

ص: 154

السبب السادس:

ما رواه سعيد بن منصور

(1)

، عن خصيف

(2)

، قال: كان سليمان إذا نبتت الشجرة، قال: لأي داء أنت، فتقول: لكذا وكذا، فلما نبتت شجرة الخُرنُوبة الشامي

(3)

، قال: لأي شيء أنت، قالت: لمسجدك، أخربه، قال: تخربينه، قالت: نعم، قال: بئس الشجرة أنت! فلم يلبث أن توفي، فجعل الناس يقولون في مرضاهم: لو كان لنا مثل سليمان، فأخذوا الشياطين، فأخذوا كتابا، فجعلوه في مصلى سليمان، فقالوا: نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به، فانطلقوا، فاستخرجوا ذلك الكتاب، فإذا فيه سحر ورقى، فأنزل الله عز وجل:{واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين} [سورة البقرة: 102]، وذكر أنها في قراءة أبي «وما يتلى على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر» سبع مرار، فإن أبى إلا أن يكفر، علماه، فيخرج منه نار أو نور حتى يسطع في السماء، - قال المعرفة التي كان يعرف - اه.

واسنده الواحدي

(4)

مختصراً، ونقله عنه الحافظ ابن حجر في

(1)

انظر: سنن سعيد بن منصور (2/ 576).

(2)

هو خصيف - بالصاد مصغرا - بن عبد الرحمن الجزري، أبو عون الخضرمي بكسر الخاء المعجمة - الحراني الأموي مولاهم، صدوق سيئ الحفظ، خلط بآخره، ورمي بالإرجاء، مات سنة (137)، انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (6/ 145).

(3)

الخرنوبة: نوعان من الشجر: بري وشامي، أما بريه، فيسمى الينبوتة ذو شوك، وهو الذي يستوقد به، ويرتفع قدر الذراع، وله حمل، لكنه بشع، لا يؤكل إلا في الجهد، وفيه حب صلب، وأما شامية: فهو حلو يؤكل، وله حب وحمل، كالخيار. انظر: تاج العروس

(2/ 347 - 348).

(4)

انظر: أسباب النزول ص (32).

ص: 155

العجاب

(1)

، ثم قال

(2)

: «

وأما أثر خصيف ففيه ضعف مع إعضاله».

السبب السابع:

ما رواه الطبري

(3)

عن الربيع بن أنس

(4)

: أن اليهود سألوا محمداً زمانا عن أمور التوراة، لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله تعالى عليه ما سألوه عنه، فيخصمهم، فلما رأوا ذلك، قالوا: هذا أعلم بما أنزل الله إلينا منا. وإنهم سألوه عن السحر، وخاصموه به، فأنزل الله: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان

} [سورة البقرة: 102]؛ وإن الشياطين عمدوا إلى كتاب، فكتبوا فيه السحر والكهانة، وما شاء الله من ذلك، فدفنوه تحت مجلس سليمان، وكان سليمان عليه السلام لا يعلم الغيب، فلما فارق سليمان الدنيا، استخرجوا ذلك السحر، وخدعوا الناس، وقالوا هذا علم كان سليمان يكتمه، ويحسد الناس عليه، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، فرجعوا من عنده بخزي، وأدحض الله حجتهم».

‌الخلاصة:

بالنظر في أسباب نزول الآية السابقة يتبين ما يأتي:

1 -

أنه لا يصح منها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء ما كان عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهما سببان منها، أو ما كان عن التابعين، وهي خمسة،

(1)

انظر: العجاب (1/ 306).

(2)

انظر: العجاب (1/ 310).

(3)

انظر: تفسير الطبري (2/ 406)، وعنه ابن كثير في تفسيره (1/ 348)، والحافظ في العجاب (1/ 312).

(4)

هو الربيع بن أنس البكري أو الحنفي بصري، نزل خراسان، صدوق له أوهام، ورمي بالتشيع، مات سنة أربعين ومائة، وقيل قبلها. انظر ترجمته في: التقريب ص (318).

ص: 156

وذلك لما يلي:

أ- ما كان منها عن ابن عباس فإنه وإن صح الإسناد إليه لا يكون له حكم الرفع، لأن ابن عباس ممن أخذ عن أهل الكتاب، والسببان المذكوران من أخبار أهل الكتاب.

ب - ما كان منها عن التابعين فإنه موقوف عليهم، ولم يرفعوه، وغايته أن يكون من أخبار بني إسرائيل.

لكن ينبغي أن يعلم أن ذلك ليس قادحاً في قبول ما ورد فيها من حيث الجملة، كما سيأتي.

2 -

أنها جميعها نصت على أن الشياطين هي التي وضعت السحر، وأنهم نسبوه إلى سليمان عليه السلام زوراً وبهتانا، وأنه منه براء، كما برأه الله فيما أنزله على رسوله في الآية المتحدث عنها.

3 -

أنها وإن كانت من أخبار بني إسرائيل، فإنها مما يقبل، ويؤخذ به من حيث الجملة، لأن ظاهر القرآن يدل عليها إجمالاً، ولذلك أوردها الأئمة، كابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن كثير، والواحدي، وابن حجر، وغيرهم، على أنها سبب نزول الآية، وقد تقدم قول ابن كثير في الإشارة إلى ذلك

(1)

.

4 -

أن التفسير الصحيح للآية لا يخرج عما ورد في هذه الأسباب، وأقوال الأئمة في ذلك؛ والله أعلم.

(1)

انظر ما سبق في ص (37).

ص: 157

‌المبحث الثاني: تفسير مفردات الآية، وبيان أقوال المفسرين إجمالاً

قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين

} [سورة البقرة: 102].

ذكر المفسرون في معنى «تتلوا» قولين هما:

الأول: «تتلوا» بمعنى: «تروي، وتتكلم، وتخبر» ، وبه قال ابن عباس، وعطاء

(1)

، وقتادة

(2)

(3)

.

الثاني: «تتلوا» بمعنى: تتبع، وتعمل به؛ وبه قال ابن عباس، وأبو رزين

(4)

(5)

.

وسبب الاختلاف: أن «تتلوا» ترد في كلام العرب لمعنيين: فترد بمعنى القراءة، وهذا كثير في القرآن، ومنه قوله تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلوا منه من

(1)

هو عطاء بن أبي رباح، بفتح الراء والباء، وأسم أبي رباح: أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل، لكنه كثير الإرسال، مات سنة (114) هـ، وقيل إنه تغير بآخره. انظر ترجمته في: التقريب ص (677).

(2)

هو قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري الضرير، ثقة ثبت، وكان من أوعية العلم والحفظ، رأسا في التفسير والحديث، توفي سنة (118) هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد (7/ 229)، وسير أعلام النبلاء (5/ 269)، والتقريب ص (798).

(3)

انظر: تفسير الطبري (2/ 409)، وغريب القرآن لابن قتيبة ص (59)، والمحرر الوجيز

(1/ 305)، والبحر المحيط (1/ 522)، وتفسير القرطبي (2/ 42)، وفتح القدير (1/ 183).

(4)

هو مسعود بن مالك، أبو رزين الأسدي، مولى أبي وائل الأسدي، الكوفي، ثقة فاضل، مات سنة خمس وثمانين. انظر ترجمته في: التقريب ص (936).

(5)

انظر: تفسير الطبري، والمحرر الوجيز، والبحر المحيط بنفس الجزء والصفحة السابقين.

ص: 158

قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً}؛ [سورة يونس: 61]، وقوله:{هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته} ؛ [سورة الجمعة: 2].

وترد بمعنى الاتباع، كما في قوله تعالى:{أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه} ؛ [سورة هود: 17].

لكن بالنظر إلى سبب نزول الآية، يترجح المعنى الأول؛ والله أعلم.

قوله: {الشياطين}

الشياطين: جمع شيطان، وهو مشتق في اللغة من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بفسقه عن كل خير، وهذا اختيار البصريين، على أن نونه أصلية.

وقيل: مشتق من شاط، إذا احترق، لأنه مخلوق من نار، وهذا على أن نونه زائدة، وهو اختيار الكوفيين

(1)

.

والأول أصح، وعليه يدل كلام العرب، قال أمية بن أبي الصلت

(2)

في ذكر ما أوتي سليمان عليه السلام:

أيما شاطن عصاه عكاه

ثم يُلقى في السجن والأغلال

(3)

فقال: أيما شاطن، ولم يقل: شائط.

(1)

انظر: تفسير الطبري (1/ 112) وما بعدها، ولسان العرب (13/ 238) وما بعدها، مادة: شطن.

(2)

هو أمية بن عبد الله أبي الصلت، بن أبي ربيعة، بن عوف الثقفي، شاعر جاهلي، حكيم من أهل الطائف، كان له اطلاع على الكتب القديمة، وكان متعففا عن شرب الخمر، ونابذا لعبادة الأوثان، أدرك عصر النبوة، لكن لم يسلم، مات سنة (5) هـ.

انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي (2/ 23).

(3)

انظره في: تفسير الطبري (1/ 112)، ولسان العرب (13/ 239)، مادة شطن.

ص: 159

وقال سيبويه

(1)

: «العرب تقول: تشيطن فلان، إذا فعل فِعل الشيطان، ولو كان من شاط لقالوا: تشيط»

(2)

.

والشيطان مشتق من البعد، ولهذا يسمى كل من تمرد من جني وأنسي وحيوان شيطاناً

(3)

.

قال الله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً} ؛ [سورة الأنعام: 112].

فبين في الآية أن الشيطان يكون في الجن والإنس. وأما إطلاقه على الحيوان، فكما في الحديث الذي رواه مسلم:«الكلب الأسود شيطان»

(4)

.

والمراد به في الآية: أنهم شياطين الجن، وهو الذي يدل عليه سياق الآية، وسبب نزولها.

وقيل: المراد: شياطين الإنس؛ وفيه نظر.

قوله: {على ملك سليمان}

أي في ملك سليمان، قاله ابن جرير

(5)

، ونقله عن ابن جريج

(6)

، وابن

(1)

هو عمرو بن عثمان، بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب بسيبويه، إمام النحاة، وأول من بسط في علم النحو، ولد سنة (148) هـ، تلقى عن الخليل بن أحمد، ففاقه، وألف كتابه المسمى:«كتاب سيبويه» في النحو، مات بالأهواز سنة (180) هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي (5/ 81).

(2)

انظر قوله في الكتاب له (2/ 12)، ونقله عنه القرطبي في تفسيره (1/ 90).

(3)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 115).

(4)

رواه مسلم (1/ 365)، برقم:(510)، كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي.

(5)

انظر: تفسير الطبري (2/ 411).

(6)

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج الأموي مولاهم، المكي، ثقة فقيه فاضل، مات سنة خمسين ومائة. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (6/ 325)، وتاريخ بغداد

(10/ 400)، والتقريب ص (624).

ص: 160

إسحاق، على أن «على» بمعنى:«في» ؛ وهو القول الأول.

والقول الثاني: أن «تتلوا» ضمنت معنى: «تكذب، أو تتقول» ، ولذلك عديت ب «على» ؛ وهو اختيار ابن كثير

(1)

، وأبي حيان

(2)

، والسمين الحلبي

(3)

، ورجحه بقوله: والثاني أولى، فإن التجوز في الأفعال أولى من التجوز في الحروف.

ومعنى ملك سليمان: شرعه، ونبوته، وحاله. وقيل: على عهده، وفي زمانه، وهما متقاربان

(4)

.

قوله: {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت}

فيه ثلاث مسائل:

‌المسألة الأولى: في نوع «ما» في قوله تعالى {وما أنزل}

اختلف المفسرون في ذلك على أقوال:

الأول: أن «ما» موصولة، بمعنى: الذي، ومحلها النصب، عطفاً على السحر، والتقدير: يعلمون الناس السحر، والمنزل على الملكين.

الثاني: أنها موصولة أيضا، ومحلها النصب، لكن عطفاً على:«ما تتلوا الشياطين» ؛ والتقدير: واتبعوا ما تتلوا الشياطين، وما أنزل على الملكين، وعلى هذا فما بينهما اعتراض، ولا حاجة إلى القول بأن في الكلام تقديماً وتأخيراً.

(1)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 350).

(2)

انظر: تفسير البحر المحيط (1/ 522).

(3)

انظر: الدر المصون (2/ 28).

(4)

انظر: المرجع قبل السابق.

ص: 161

قلت: والقولان متقاربان من حيث المعنى.

الثالث: أن «ما» حرف نفي، والجملة معطوفة على الجملة المنفية قبلها، وهي:«وما كفر سليمان» ؛ والتقدير: وما أنزل على الملكين إباحة السحر.

الرابع: أن محلها الجر عطفاً على «ملك سليمان» ؛ والتقدير: افتراءً على ملك سليمان، وافتراءً على ما أنزل على الملكين. قال أبو البقاء

(1)

: «تقديره: وعلى عهد الذي أنزل على الملكين»

(2)

.

هذا حاصل ما قيل في إعرابها، وبالتأمل في هذه الأقوال الأربعة، يتبين أن الأول والثاني يدلان على أن السحر أنزل على الملكين، والثالث والرابع يدلان على نفي إنزال السحر على الملكين؛ ولهذا تدور أقوال المفسرين على المعنيين المذكورين؛ وإليك بعض توجيهات المفسرين لهما:

أولاً: القول بأن «ما» نافية:

قال ابن جرير الطبري: «

فتأويل الآية على هذا المعنى الذي ذكرناه عن ابن عباس، والربيع من توجيهها معنى قوله:«وما أنزل على الملكين» إلى: ولم ينزل على الملكين؛ واتبعوا الذي تتلوا الشياطين على ملك سليمان من السحر، وما كفر سليمان، ولا أنزل الله السحر على الملكين، ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت»؛ فيكون حينئذ قوله:

(1)

هو عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري البغدادي، أبو البقاء، محب الدين، عالم بالأدب، واللغة، والفرائض، والحساب، أصله من عكبرا، ومولده ووفاته في بغداد، مكثر في التأليف، مات سنة 616 هـ. انظر ترجمته في: الأعلام (4/ 80).

(2)

انظره في التبيان له (1/ 99)، وانظر في الأقوال السابقة: تفسير الطبري (2/ 419) وما بعدها، والمحرر الوجيز (1/ 307، 308)، وتفسير ابن كثير (1/ 350)، والدر المصون

(2/ 30).

ص: 162

ببابل هاروت وماروت من المؤخر الذي معناه التقديم.

فإن قال قائل: وكيف وجه تقديم ذلك؟؛ قلنا: وجه تقديمه أن يقال: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان من السحر، وما أنزل الله السحر على الملكين، ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، فيكون معنيا بالملكين «جبريل وميكائيل

(1)

، لأن سحرة اليهود فيما ذكر تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود، فأكذبها الله بذلك، وأخبر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر قط، وبرّأ سليمان مما نحلوه من السحر، وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين، وأنها تعلم الناس ذلك ببابل، وأن اللذين يعلمانهم ذلك رجلان اسم أحدهما هاروت، واسم الآخر ماروت، فيكون «هاروت وماروت» على هذا التأويل ترجمة

(2)

على الناس ورداً عليهم»

(3)

اه.

وقال القرطبي: «قوله تعالى: {وما أنزل على الملكين}، «ما» نفي، والواو للعطف على قوله:{وما كفر سليمان} ، وذلك أن اليهود قالوا: إن الله أنزل جبريل وميكائيل بالسحر، فنفى الله ذلك.

وفي الكلام تقديم وتأخير، التقدير: وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، فهاروت

(1)

يعني الملكين المنفي عنهما تعليم السحر هما جبريل وميكائيل.

(2)

ترجمة: أي عطف بيان، أو بدل، وهذا اصطلاح الكوفيين، أفاده محمود شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري (2/ 340)، وعليه يكون هاروت وماروت على هذا التفسير عطف بيان أو بدلاً من «الناس» في أول الآية.

(3)

انظر: تفسير الطبري (2/ 419، 420)، ونقله عنه والقول الذي بعده ابن كثير في تفسيره (1/ 350، 351).

ص: 163

وماروت بدل من الشياطين في قوله: «ولكن الشياطين كفروا» ، هذا أولى ما حملت عليه الآية من التأويل، وأصح ما قيل فيها، ولا يلتفت إلى ما سواه»

(1)

اه.

ثانيا: القول بأن «ما» موصولة

أكثر المفسرين على ذلك، وهو اختيار الطبري، وابن كثير، ويعضده ظاهر القرآن، وبعض الآثار، مع السلامة من الحاجة إلى تقدير تقديم وتأخير في الكلام.

قال ابن جرير بعد أن ساقه عن ابن مسعود، وابن عباس، والسدي، وقتادة، وابن زيد

(2)

«فمعنى الآية على تأويل هذا القول الذي ذكرناه عمن ذكرنا عنه: واتبعت اليهود الذي تلت الشياطين في ملك سليمان، والذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، وهما ملكان من ملائكة الله

».

وهذا القول يرد عليه إشكالان:

الأول: ما أشار إليه الطبري بقوله: «إن قال لنا قائل: وهل يجوز أن ينزل الله السحر، أم هل يجوز لملائكته أن تعلمه الناس؟» .

وأجاب عنه بقوله: «قلنا له: إن الله عز وجل قد أنزل الخير والشر، وبين جميع ذلك لعباده، فأوحاه إلى رسله، وأمرهم بتعليم خلقه، وتعريفهم ما يحل لهم مما يحرم عليهم، وذلك كالزنا، والسرقة، وسائر المعاصي التي أخبرهم بها، ونهاهم عن العمل بها

»

(3)

.

الثاني: ما دلت عليه النصوص من عصمة الملائكة من الوقوع في المعاصي،

(1)

انظر: تفسير القرطبي (2/ 50).

(2)

هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي مولاهم، صاحب قرآن وتفسير، جمع تفسيرا في مجلد، وكان ضعيفاً في الحديث، مات سنة 182 هـ. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (8/ 349)، والتقريب ص (578).

(3)

انظر: تفسير ابن جرير (2/ 421، 422).

ص: 164

كما قال تعالى: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} ؛ [سورة التحريم: 6].

وقد أجاب عنه ابن كثير بقوله: «

فيكون الجمع بين هذا - القول بأنهما ملكين - وبين ما ثبت من الدلائل على عصمة الملائكة: أن هذين سبق في علم الله لهما هذا، فيكون تخصيصاً لهما، فلا تعارض حينئذ، كما سبق في علمه من أمر إبليس ما سبق، وفي قول: إنه كان من الملائكة، لقوله تعالى:{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى} ؛ [سورة طه: 116] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك. مع أن شأن هاروت وماروت على ما ذكر أخف مما وقع من إبليس لعنه الله»

(1)

.

‌المسألة الثانية: هل الملكان ملكان حقيقيان أم لا؟

اختلف المفسرون في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنهما من الإنس على خلاف بين القائلين بذلك:

فقال الضحاك: هما علجان من أهل بابل

(2)

.

وقال عبد الرحمن بن أبزي

(3)

: هما سليمان وداود

(4)

، وكان يقرأ «الملكين» بكسر اللام

(5)

، لكنها قراءة شاذة.

(1)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 352، 353).

(2)

أخرجه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 303)، وعنه ابن كثير (1/ 352).

(3)

هو عبد الرحمن بن أبزي الخزاعي، مولى نافع بن عبد الحارث، صحابي جليل، له رواية وفقه وعلم، عاش إلى سنة نيف وسبعين. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (3/ 201)، وغاية النهاية (1/ 361).

(4)

انظر: المرجعين السابقين في الهامش قبل السابق.

(5)

وبها قرأ ابن عباس، والضحاك، والحسن.

انظر: تفسير القرطبي (2/ 53)، والبحر المحيط (1/ 527)، ومعجم القراءات (1/ 95).

ص: 165

وقال ابن عباس: هما رجلان ساحران من أهل بابل

(1)

.

القول الثاني: أنهما من الشياطين

(2)

؛ وقال ابن حزم: هما قبيلان من الجن

(3)

.

وهذان القولان مرجوحان، لأن القول بهما عدول عن ظاهر القرآن بغير حجة يجب المصير إليها، فلا يلتفت إليهما.

القول الثالث: أنهما ملكان حقيقيان، هما هاروت وماروت، قال ابن كثير:

«وذهب كثيرون من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء، وأنهما أنزلا إلى الأرض، فكان من أمرهما ما قال»

(4)

.

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية

(5)

، أنه قال: هما جبريل وميكائيل

(6)

.

قلت: والجزم بمثل ذلك يحتاج إلى نقل صحيح صريح، يصار إليه، وإنما الذي يجزم به أنهما ملكان من ملائكة الله، واسمهما هاروت وماروت، لظاهر القرآن، ولمجيء ما يدل عليه من الآثار، منها:

ما رواه الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله إلى الأرض، قالت الملائكة: أي رب، {أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك،

(1)

انظر: البحر المحيط (1/ 527).

(2)

انظر: المرجع السابق.

(3)

ذكره عنه ابن كثير في تفسيره (1/ 352)، واستغربه.

(4)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 352).

(5)

هو عطية بن سعد، بن جنادة، العوفي، الجدلي بفتح الجيم، الكوفي، أبو الحسن، صدوق يخطئ كثيراً، مات سنة إحدى عشرة ومائة، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/ 145)، والتقريب ص (680).

(6)

انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1/ 302)، وعنه ابن كثير في تفسير (1/ 351).

ص: 166

ونقدس لك، قال: إني أعلم ما لا تعلمون}، [سورة البقرة: 30]؛ قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة، حتى نهبطهما إلى الأرض، فننظر كيف يعملان؟، قالوا: يا ربنا، هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض، ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر، فجاءتهما، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله شيئاً أبداً، فذهبت عنهما، ثم رجعت بصبي تحمله، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا: لا والله لا نقتله أبداً، ثم ذهبت فرجعت بقدح خمر تحمله، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر، فشربا، فسكرا، فوقعا عليها، وقتلا الصبي، فلما أفاقا، قالت المرأة: والله ما تركتما شيئا أبيتماه علي إلا قد فعلتماه حين سكرتما، فخيّرا بين عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا»

(1)

.

قلت: هذا الحديث مما اختلف أهل العلم في صحته؛ فحسنه الحافظ ابن حجر في العجاب، فقال بعد إيراده له: «

قال شيخنا الحافظ أبو الحسن

(2)

في زوائد المسند: «رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، غير موسى بن جبير، وهو ثقة»

(3)

. قلت: السند على شرط الحسن، وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه، كعادته في تصحيح مثله

»

(4)

.

(1)

أخرجه أحمد في مسنده (2/ 134)، وابن حبان في صحيحه؛ انظر صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (14/ 64)، حديث رقم:(6186).

(2)

هو الإمام الهيثمي: علي بن أبي بكر، ولد سنة (735) هـ، وتوفي سنة (807) هـ.

انظر ترجمته في: أنباء الغمر (5/ 256 - 260)، والضوء اللامع (5/ 200)، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص (541).

(3)

انظره في: مجمع الزوائد له (6/ 314).

(4)

انظر: العجاب (1/ 320).

ص: 167

وحسنه أيضا في فتح الباري

(1)

، وقال في القول المسدد:«وله طرق كثيرة، جمعتها في جزء مفرد، يكاد الواقف عليه يقطع بوقوع هذه القصة، لكثرة الطرق الواردة فيها، وقوة مخارجها؛ والله أعلم»

(2)

اه.

وصححه الحاكم أيضا بقوله بعد إيراده له: «حديث صحيح الإسناد، لم يخرجاه، وترك حديث يحيى بن سلمة عن أبيه، من المحالات التي يردها العقل، فإنه لا خلاف أنه من أهل الصنعة، فلا ينكر لأبيه أن يخصه بأحاديث ينفرد بها»

(3)

.

وتعقبه الذهبي بقوله: «قال النسائي: متروك، وقال أبو حاتم: منكر الحديث»

(4)

.

وضعف هذا الحديث كثير من أهل العلم، فقد قال الإمام أحمد: «هذا منكر، إنما يروى عن كعب

(5)

(6)

. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هذا الحديث، فقال: حديث منكر

(7)

. وقال ابن كثير في تفسيره

(8)

بعد إيراده

(1)

انظر: فتح الباري (10/ 235).

(2)

انظر: القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد ص (63، 64).

(3)

انظر: المستدرك (4/ 607، 608).

(4)

انظر: المرجع السابق.

(5)

هو كعب بن ماتع بن ذي هجن الحميري، أبو إسحاق، المعروف بكعب الأحبار، ثقة، كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن، ثم أسلم زمن أبي بكر، وقدم المدينة زمن عمر، وأخذ عن الصحابة، خرج إلى الشام، وسكن حمص ومات فيها سنة 32 هـ. انظر ترجمته في: التقريب ص (812)، والأعلام (5/ 228).

(6)

انظر: الضعيفة للألباني (1/ 318)، حديث رقم:(170)، وعزاه لمنتخب ابن قدامة.

(7)

انظر: العلل لابن أبي حاتم (2/ 69 - 70).

(8)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 353).

ص: 168

للحديث السابق عند أحمد: «وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ورجاله كلهم ثقات، من رجال الصحيحين، إلا موسى بن جبير هذا، وهو الأنصاري السلمي، مولاهم، المديني الحذاء

وذكره ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل، ولم يحك فيه شيئاً من هذا ولا هذا، فهو مستور الحال

»، ثم ذكر له متابعين، وقال عنهما:

«وهذان أيضاً غريبان جداً، وأقرب ما في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال عبد الرزاق

(1)

في تفسيره عن الثوري

(2)

، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، عن كعب

»؛ ثم ذكر له طرقاً، ثم قال:«فهذا أصح، وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع، فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار، عن كتب بني إسرائيل؛ والله أعلم»

(3)

.

وذكر ابن كثير نحو ذلك في البداية والنهاية فقال: «روى الإمام أحمد حديثا مرفوعاً عن ابن عمر وصححه ابن حبان في تقاسيمه، وفي صحته عندي نظر، والأشبه أنه موقوف على عبد الله بن عمر، ويكون مما تلقاه عن كعب الأحبار

ثم قال: «وبالجملة فهو خبر إسرائيلي، مرجعه إلى كعب الأحبار»

(4)

.

(1)

هو الإمام عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ، مصنف شهير، عمي في آخر عمره، فتغير، مات سنة إحدى عشرة ومائتين، وله خمس وثمانون. انظر ترجمته في: التقريب ص (607).

(2)

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، وكان ربما دلس، مات سنة إحدى وستين ومائة، وله أربع وستون سنة. انظر ترجمته في: التقريب ص (394).

(3)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 353 - 355).

(4)

انظر: البداية والنهاية (1/ 43).

ص: 169

وأخرجه البزار، وقال:«رواه بعضهم عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً، وإنما أتى رفع هذا عندي من زهير، لأنه لم يكن بالحافظ»

(1)

.

والبيهقي في سننه، وقال: «رواه موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن كعب، قال:

وهذا أشبه»

(2)

.

وضعفه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند، وأطال النفس في إبطاله، وتعقب ابن حجر في قوله الذي مر:«وله طرق كثيرة، جمعتها في جزء مفرد، يكاد الواقف عليه أن يقطع بوقوع هذه القصة، لكثرة الطرق الواردة فيها، وقوة مخارجها» ؛ تعقبه بقوله: «أما هذا الذي جزم به الحافظ بصحة وقوع هذه القصة، لكثرة طرقها، وقوة مخارج أكثرها فلا، فإنها كلها طرق معلولة، أو واهية

»

(3)

(4)

.

وقال عنه الشيخ الألباني في الضعيفة: «باطل مرفوعاً»

(5)

.

قلت: وبهذا يتبين أن رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح، وأما وقفه على ابن عمر، فصحيح، وعليه يحمل تحسين الحافظ ابن حجر، إلا أن ابن عمر رواه عن كعب، فرجع إلى كونه من أخبار بني إسرائيل، لا من قول المعصوم صلى الله عليه وسلم؛ والله أعلم.

(1)

انظر: مسند البزار، حديث رقم:(2938).

(2)

انظر: السنن الكبرى (1/ 4، 5).

(3)

انظر: مسند الإمام أحمد تحقيق أحمد شاكر (9/ 29 - 33)، حديث رقم:(6178).

(4)

وضعفه أيضاً شعيب الأرنؤوط، ورفقاؤه في تحقيق مسند أحمد (10/ 318)، حديث رقم:(6178).

(5)

انظر: الضعيفة (1/ 314) وما بعدها، حديث رقم:(170)، وانظر لمزيد من التفصيل في حاشية سنن سعيد بن منصور (2/ 583 - 595)، حديث رقم:(206).

ص: 170

وقد جاءت جملة من الآثار تدل على ما دل عليه الأثر السابق، أنهما ملكان؛ منها: ما جاء عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد

(1)

بأسانيد جيدة

(2)

.

‌المسألة الثالثة: في المراد ببابل في قوله: {بابل}

فيه أربعة أقوال:

القول الأول: أنها دنباوند أو جبال دماوند.

القول الثاني: أنها نصيبين.

القول الثالث: أنها المغرب؛ وضعفه ابن عطية.

القول الرابع: أنها بابل العراق

(3)

، ورجحه ابن كثير، واستدل عليه بما رواه ابن أبي حاتم

(4)

، وأبو داود

(5)

، عن علي رضي الله عنه، أنه قال:«إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي في المقبرة، ونهاني أن أصلي في أرض بابل، فإنها ملعونة» ؛ وبما

(1)

هو مجاهد بن جبر، بفتح الجيم، وسكون الباء، أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي، ثقة، إمام في التفسير وفي العلم، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة، وله ثلاث وثمانون سنة. انظر ترجمته في: التقريب ص (921).

(2)

انظرها، وتصحيحها في العجاب لابن حجر (1/ 321 - 331)، وانظرها أيضاً في: تفسير الطبري (2/ 427) وما بعدها، وفي تفسير ابن كثير (1/ 355) وما بعدها.

(3)

انظر: تفسير الطبري (2/ 436)، والمحرر الوجيز (1/ 307)، وتفسير ابن كثير (1/ 362).

(4)

انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1/ 303)، وتفسير مبهمات القرآن (1/ 169)، وفتح القدير (1/ 184).

(5)

انظر: سنن أبي داود (1/ 132)، حديث رقم:(490)، كتاب الصلاة، باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص (43)، حديث رقم:(490).

ص: 171

رواه الطبري

(1)

، وابن أبي حاتم

(2)

، عن عائشة بسند جيد، كما قال ابن كثير

(3)

، وفيه قصة عجيبة، لامرأة أرادت أن تتعلم السحر، فذهبت إلى بابل».

قلت: وهو ظاهر القرآن، فإنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضوان الله عليهم بما يعرفون من اسم ذلك المكان.

قوله: {هاروت وماروت}

مر عند قوله: {وما أنزل على الملكين} أقوال المفسرين فيهما، وأن الراجح أنهما ملكان

(4)

، وقد أورد المفسرون جملة من الآثار في خبرهما؛ منها:

1 -

ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر، رضي الله عنهما، وقد سبق هناك

(5)

، وسبق بيان أن غايته وإن صح إلى ابن عمر أنه من أخبار بني إسرائيل.

2 -

ما رواه عبد بن حميد بسند صحيح، كما يقول الحافظ ابن حجر

(6)

، عن علي رضي الله عنه، أنه قال: «أرأيتم الزهرة - نجم في السماء معروف بشدة الإضاءة - تسميها العجم أناهيد - وكانت امرأة، وكان الملكان يهبطان أول النهار، يحكمان بين الناس، ويصعدان آخر النهار، فأتتهما، فأراداها على نفسها، كل واحد من غير علم صاحبه، ثم اجتمعا، فأراداها، فقالت لهما: لا إلا أن تخبراني بم تهبطان إلى الأرض، وبما تصعدان، فقال أحدهما للآخر: علمها. فقال: كيف بنا لشدة عذاب الله؟، قال: إنا لنرجو سعة رحمة الله،

(1)

انظر: تفسيره (2/ 440).

(2)

انظر: تفسيره (1/ 312).

(3)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 361).

(4)

انظر ما سبق في ص (54).

(5)

تقدم ذلك في ص (54).

(6)

انظر: العجاب (1/ 322).

ص: 172

فعلماها، فتكلمت به، فطارت إلى السماء، فمسخها الله، فكانت كوكباً»

(1)

.

3 -

وأخرج عبد الرزاق في تفسيره

(2)

، والحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي

(3)

، وابن حجر

(4)

، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال:«إن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت، فهي هذه الكوكبة الحمراء، يعني الزهرة» .

وقال ذكر الحافظ في العجاب له عن ابن عباس عدة طرق، بعضها مطول، وبعضها مختصر

(5)

.

وقد جاء ذكر قصتهما عن جمع من السلف، كما في تفسير الطبري

(6)

، وابن كثير

(7)

، والدر المنثور

(8)

، إلا أن القول الفصل فيها ما قاله ابن كثير رحمه الله حيث قال: «وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين، كمجاهد، والسدي، والحسن البصري

(9)

، وقتادة، وأبي العالية، والزهري، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين من

(1)

أخرجه الطبري في تفسيره (2/ 429)، والحاكم في مستدركه (2/ 265 - 266)، وصححه، ووافقه الذهبي.

(2)

انظر: تفسير عبد الرزاق (1/ 54).

(3)

انظر: المستدرك (2/ 266).

(4)

انظر: العجاب (1/ 323).

(5)

انظر: العجاب (1/ 327 - 331).

(6)

انظر: تفسير الطبري (2/ 427 - 435).

(7)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 353 - 360).

(8)

انظر: الدر المنثور (1/ 238 - 250).

(9)

هو الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه: يسار الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيراً، ويدلس، مات سنة عشر ومائة، وقد قارب التسعين. انظر ترجمته في: التقريب ص (236).

ص: 173

المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة، من غير بسط، ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى؛ والله أعلم بحقيقة الحال»

(1)

.

قوله: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق}

قال ابن كثير: «أي ولقد علم اليهود الذي استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، لمن فعل فعلهم ذلك أنه ما له في الآخرة من خلاق»

(2)

.

واختلف المفسرون في المراد بالخلاق على أقوال:

القول الأول: قال ابن عباس، ومجاهد، والسدي، وسفيان: أن المراد به النصيب.

القول الثاني: قال قتادة: الخلاق: الحجة.

القول الثالث: قال الحسن: الخلاق: الدين.

القول الرابع: قال ابن عباس: الخلاق: القوام

(3)

.

والراجح: أن المراد بالخلاق: «النصيب» ، قال الطبري: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: معنى الخلاق في هذا الموضع النصيب، وذلك أن ذلك معناه في كلام العرب، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليؤيدن الله هذا الدين بأقوام لا

(1)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 360).

(2)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 364).

(3)

انظر: تفسير الطبري (2/ 453)، وتفسير ابن أبي حاتم (1/ 314)، وتفسير ابن كثير

(1/ 364).

ص: 174

خلاق لهم»

(1)

.

قوله: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون}

أي لبئس ما باعوا به أنفسهم؛ قاله السدي، وابن جرير

(2)

.

لأن كلمة «شروا» من الأضداد، تأتي للبيع، وللشراء، كما ذكره ابن الأنباري في الأضداد

(3)

.

قال ابن كثير

(4)

في بيان معنى الآية: «يقول تعالى: «ولبئس» البديل ما استبدلوا به من السحر عوضاً عن الإيمان ومتابعة الرسل، لو كان لهم علم بما وعظوا به، {ولو أنهم آمنوا، واتقوا لمثوبة من عند الله خير} ، أي ولو أنهم آمنوا بالله ورسله، واتقوا المحارم، لكان مثوبة الله على ذلك خيراً لهم مما استخاروا لأنفسهم، ورضوا به، كما قال تعالى:{وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن، وعمل صالحاً، ولا يلقاها إلا الصابرون} ؛ [سورة القصص: 80].

(1)

رواه من حديث أبي بكرة الإمام أحمد في مسنده (5/ 45)، وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد، والطبراني، ورجالهما ثقات، ورواه من حديث أنس النسائي في السنن الكبرى (8/ 147)، حديث رقم:(8834)، كتاب السير، باب الاستعانة بالفجار في الحرب، والطبراني في الأوسط (2/ 565)، حديث رقم:(1969)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 302)، وقال: رواه البزار، والطبراني في الأوسط، وأحد أسانيد البزار ثقات الرجال».

(2)

انظر: تفسير الطبري (2/ 455).

(3)

انظر: الأضداد له ص (72).

(4)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 364).

ص: 175

‌المبحث الثالث: دلالة الآية على كفر الساحر، وتحقيق القول في ذلك

لقد قدمت في التعريف أن مرادي السحر الذي يكون فيه تعظيم لغير الله، وتقرب إلى الجن، ونحو ذلك، وهذا النوع لا يختلف أهل العلم في كفر من فعله - وهو السحر المعني في الآية التي نحن بصدد الاستدلال بها على كفر الساحر -.

قال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله في معرض تقريره مسألة كفر من تعلم السحر، أو استعمله: «

التحقيق في المسألة هو التفصيل، فإن كان السحر مما يعظم فيه غير الله، كالكواكب، والجن، وغير ذلك مما يؤدي إلى الكفر، فهو كفر بلا نزاع، ومن هذا النوع سحر هاروت وماروت المذكور في سورة البقرة، فإنه كفر بلا نزاع، ثم ذكر من الآية ما يدل على كفره - وسنورده قريباً، إن شاء الله - ثم قال: «

وإن كان السحر لا يقتضي الكفر، كالاستعانة بخواص بعض الأشياء من دهانات، وغيرها، فهو حرام حرمة شديدة، ولكنه لا يبلغ بصاحبه الكفر»

(1)

.

قلت: وبهذا يتبين أن مدار الحكم على كفر الساحر من عدمه يتوقف على معرفة نوعية السحر الذي يقوم به الساحر، وهل هو مما اتفق العلماء على أنه سحر أم لا؟.

وقد وفق الشيخ سليمان بن عبد الله

(2)

رحمه الله بين قولي العلماء

(1)

انظر: أضواء البيان (4/ 456).

(2)

هو صاحب تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، وحفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وقد سبق التعريف به في ص (23).

ص: 176

في حكم الساحر اللذين ظاهرهما الاختلاف، فقال بعد أن ذكر قول الجمهور في كفر الساحر، وقول الشافعي في عدم كفره: «

وعند التحقيق ليس بين القولين اختلاف، فإن من لم يكفر لظنه أنه يتأتى بدون الشرك، وليس كذلك، بل لا يتأتى السحر الذي من قبل الشياطين إلا بالشرك، وعبادة الشيطان، والكواكب، ولهذا سماه الله كفراً في قوله:{إنما نحن فتنة فلا تكفر} [سورة البقرة: 102]، وقوله:{وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا} [سورة البقرة: 102]

إلى أن قال: «

وأما سحر الأدوية، والتدخين، ونحوه، فليس بسحر، وإن سمى سحراً، فعلى سبيل المجاز، كتسمية القول البليغ، والنميمة سحراً، ولكنه يكون حراماً لمضرته يعزر تعزيرا بليغاً»

(1)

.

بعد هذه المقدمة الموجزة، والتي يزول بها كثير من الإشكالات في هذا الموضوع إليك بيان دلالة الآية على كفر الساحر؛ فقد دلت هذه الآية والتي تليها على كفر الساحر من خمسة أوجه:

الأول: نفي الكفر عن نبي الله سليمان عليه السلام في معرض اتهامه بالسحر في قوله: {وما كفر سليمان} ، إذ لو كان ساحراً - وحاشاه - لكان كافراً.

ثانياً: قوله: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} صريح في كفر معلم الناس السحر.

ثالثاً: قوله عن هاروت وماروت مقرراً له: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} ، قال صديق حسن خان: أبلغ إنذار وأعظم تحذير، أي: إن هذا ذنب يكون من فعله كافر، فلا تكفر

(2)

.

(1)

انظر: تيسير العزيز الحميد ص (283).

(2)

انظر: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام ص (21).

ص: 177

رابعاً: قوله: {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} أي: نصيب، ونفي النصيب في الآخرة بالكلية لا يكون إلا للكافر عياذاً بالله تعالى

(1)

.

خامساً: قوله: {ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون} . ففي إخباره أنهم لو تركوا الحال التي هم عليها، وانتقلوا منها إلى الإيمان، والتقوى، لكان ذلك خيراً لهم، مثوبة عند الله، دليل على أنهم كانوا كفرة، فحثهم على الإيمان.

ومما يستدل به أيضاً على كفر الساحر من غير هذه الآية، ما يلي:

1 -

قوله تعالى في سورة طه: [69]: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} ، فهو يعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر، وأكد ذلك بالتعميم في الأمكنة، بقوله:

«حيث أتى» ، وذلك دليل على كفره، لأن الفلاح لا ينفى بالكلية نفياً عاماً إلا عمن لا خير فيه، وهو الكافر، قاله الأمين الشنقيطي، واستدل عليه بأمرين:

الأول: هو ما جاء من الآيات الدالة على أن الساحر كافر - وذكر ما مر قريباً من الاستنباطات الدالة على كفر الساحر -.

الثاني: أنه عرف باستقراء القرآن أن الغالب فيه أن لفظة: «لا يفلح» ، يراد بها الكافر، كقوله تعالى في سورة يونس:[68 - 70]: {قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون. قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون} .

(1)

انظر: أضواء البيان (4/ 442).

ص: 178

وقوله في سورة يونس أيضا، آية:[17]: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون} .

وقوله في سورة الأنعام، آية:[21]: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون} ؛ إلى غير ذلك من الآيات، ويفهم من مفهوم مخالفة الآيات المذكورة أن من جانب تلك الصفات التي استوجبت نفي الفلاح عن السحرة والكفرة أنه ينال الفلاح، وهو كذلك، كما بينه جل وعلا في آيات كثيرة، كقوله:{أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} ، [سورة البقرة: 5].

وقوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} ، [سورة المؤمنون: 1]، والآيات بمثل ذلك كثيرة.

وقوله في هذه الآية الكريمة: {ولا يفلح الساحر} مضارع أفلح، بمعنى: نال الفلاح، والفلاح يطلق في العربية على الفوز بالمطلوب.

وقوله في هذه الآية: «حيث أتى» حيث كلمة تدل على المكان، كما تدل «حين» على الزمان، ربما ضمنت معنى الشرط، فقوله:«ولا يفلح الساحر» أي: حيث توجه وسلك»

(1)

.

2 -

ما رواه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟، قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»

(2)

.

فقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قرين الشرك، وعده من الموبقات التي توبق

(1)

انظر: أضواء البيان (4/ 442، 443) مع بعض التصرف.

(2)

تقدم تخريجه في ص (19).

ص: 179

وتهلك صاحبها في الدنيا والآخرة.

3 -

ما رواه أحمد، والحاكم، وصححه على شرطهما، والبيهقي عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنا أو عرّافاً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)

(1)

.

والساحر كاهن وزيادة، وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله:«من أتى كاهنا، أو ساحرا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد»

(2)

.

وقد مر قول الإمام أحمد: «العراف: طرف من السحر، والساحر أخبث»

(3)

.

4 -

ما رواه البزار، والطبراني في الأوسط، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من تطير، أو تطير له، أو تكهن، أو تكهن له، أو سحر، أو سحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)

(4)

.

5 -

أن الساحر إنما يقوم بسحره بواسطة إعانة الشياطين له، مقابل ما

(1)

تقدم تخريجه في ص (23).

(2)

أخرجه البزار في مسنده، (5/ 256)، حديث رقم:(1873)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 179)، حديث رقم:(5386)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 104). وأورده المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 36)، وقال: رواه البزار، وأبو يعلى بإسناد جيد موقوفاً، وقال عنه الحافظ في فتح الباري (10/ 228):«وأخرجه أبو يعلى من حديث ابن مسعود بسند جيد، لكن لم يصرح برفعه، ومثله لا يقال بالرأي» ، وصححه موقوفا الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 172)، حديث رقم:(3048). وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد

(5/ 118)، وقال:«رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، خلا هبيرة بن مريم، وهو ثقة» .

(3)

سبق عزوه في ص (24).

(4)

تقدم تخريجه في ص (24).

ص: 180

يقدمه لهم من طاعة، وخضوع في مخالفة الشرع، والالتجاء إلى الشياطين، واتخاذهم أولياء دليل على عدم الإيمان

(1)

، قال الله تعالى: {إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا

يؤمنون}، [سورة طه: 27]؛ وكما قال: {فريقاً هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون} ، [سورة الأعراف: 30]. وقال: {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ، [سورة البقرة: 257]. وقال: {ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم} ؛ [سورة الأنعام: 118].

وبهذا يتبين أن الساحر كافر، وأن قول جماهير أهل العلم هو الصواب، وأن الخلاف بينهم في كفره خلاف لفظي، وصوري، وعند التحقيق لا خلاف بينهم في ذلك على ما مر؛ والله أعلم.

(1)

بتصرف من كتاب السحر بين الحقيقة والخيال ص (184).

ص: 181

‌المبحث الرابع: دلالة الآية على حكم تعلم السحر وتعليمه

(1)

لقد جاءت هذه الشريعة المباركة بتحصيل المصالح، ودرء المفاسد، فما أحلت، وأذنت في شيء إلا وخيره أكثر من شره، إن لم يكن خيراً محضاً، ولا منعت من شيء إلا وشره أكثر من خيره، إن لم يكن شراً محضاً، ولهذا فإن الشر الذي من السحر أضعاف أضعاف ما يحصل به من النفع إن حصل؛ ولهذا لم يختلف العلماء في تحريمه، قال ابن قدامة:«تعلم السحر، وتعليمه حرام، لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم»

(2)

.

وقال النووي: «

فعمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع»، ثم قال: «

وأما تعلمه، وتعليمه فحرام

»

(3)

.

وقد دلت هذه الآية الكريمة على تحريم تعلمه، وتعليمه من عدة وجوه:

الأول: قوله: {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} ، قال الأمين الشنقيطي رحمه الله في تقريره عدم جواز تعلم السحر: «والتحقيق وهو الذي عليه الجمهور، وهو أنه لا يجوز، ومن أصرح الأدلة في ذلك: تصريحه تعالى بأنه يضر

(1)

كنت أريد ذكر القول الآخر القائل بجواز تعلم السحر، وأدلته، فلم أجد أحدا قال به من المفسرين غير الفخر الرازي، ثم تأملت هذا القول، فوجدته مردوداً بحكاية الإجماع على حرمته، كما ذكره ابن قدامة، والنووي، كما سيأتي، وإن لم يكن إجماعاً، فهو قول باطل مردود بمعارضته لصحيح وصريح النصوص، فلا يشتغل بذكره، بل قد يكون في ذكره مضرة، وقد توسع في رد هذا القول وإبطاله الشيخ عمر الأشقر في كتابه عالم السحر والشعوذة ص (219 - 224)، ورده بعشرة أوجه.

(2)

انظر: المغني (8/ 154).

(3)

انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (14/ 176).

ص: 182

ولا ينفع، في قوله:{ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} ، وإذا أثبت الله أن السحر ضار، ونفى أنه نافع، فكيف يجوز تعلم ما هو ضرر محض، لا نفع فيه؟»

(1)

.

الثاني: قوله: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} ، فنهيهما لمن أراد أن يتعلم، وتحذيرهما له من الكفر دليل على عدم جوازه، إذا كيف يجوز تعلم، أو تعليم ما يجعل الإنسان كافراً، والعياذ بالله. قال العلامة صديق حسن خان:«الآية دليل على أن تعلم السحر كفر، وظاهره عدم التفريق بين المعتقد وغير المعتقد، وبين من تعلمه ليكون ساحراً ومن تعلمه ليقدر على دفعه»

(2)

.

الثالث: قوله: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} فقد علل كفر الشياطين بسبب تعليمهم الناس السحر، فكيف يجوز تعلم أو تعليم ما يكفر به الإنسان، ويخرج من دينه.

الرابع: قوله: {ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} فالتفريق بين المرء وزوجه أمر محرم، يضاد ما أمر الله به من النكاح، واجتماع الزوجين، وائتلافهما، وحث كل واحد منهما على الصبر على الآخر، بل وبعث حكمين عند الاختلاف سعياً في الإصلاح، واستدامة العشرة الزوجية، فتعلم أو تعليم أمر يضاد ذلك، ويناقضه لا شك في تحريمه.

الخامس: قوله: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} ، فنفي الحظ والنصيب في الآخرة عمن أخذ السحر، وعمل به، دليل على كفر صاحبه، لأن المسلم مهما كان عنده من الذنوب، فله حظ ونصيب في الآخرة، فأمر هذا مآل وحال صاحبه، كيف يجوز تعلمه وتعليمه؟.

(1)

أضواء البيان (4/ 462).

(2)

انظر: نيل المرام له ص (21).

ص: 183

قوله: {ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير} ، فقد دلت هذه الآية على أن الساحر على حال غير الإيمان والتقوى، فخير له أن يؤمن بالله، ويتقي؛ فأمر صاحبه على غير الإيمان والتقوى، كيف يقال يجوز تعلمه، أو تعليمه؟، فإن ذلك دعوة إليه، ومعارضة لصريح القرآن في إرشاده لتركه؛ والله أعلم.

ص: 184

‌الفصل الثالث: آيات السحر الواردة في قصة موسى مع فرعون

؛

وتحته ثلاثة مباحث:

‌المبحث الأول: تفسير تلك الآيات، وذكر أقوال المفسرين فيها

وتحته أربعة مطالب: -

لقد ذكر الله عز وجل قصة موسى مع فرعون وسحرته وما جرى بينهم من مناظرة، أظهر الله فيها الحق على الباطل في أربعة مواضع في كتابه الكريم: في سورة الأعراف، وفي سورة يونس، وفي سورة طه، وفي سورة الشعراء؛ كما سيأتي ذكرها وتفسيرها، وتكرر ورود هذه القصة لحكم بالغة منها:

1 -

ما ذكره ابن كثير رحمه الله في تفسيره

(1)

بقوله: «

وكثيراً ما يذكر الله تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون في كتابه العزيز، لأنها من أعجب القصص، فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر، فسخره القدر أن رَبَّى هذا الذي يحذر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد، ثم ترعرع، وعقد الله له سببا أخرجه من بين أظهرهم، ورزقه النبوة والرسالة والتكليم، وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى، ليعبده ويرجع إليه، هذا مع ما كان عليه فرعون من عظمة المملكة والسلطان، فجاءه برسالة الله، وليس له وزير سوى أخيه هارون عليه السلام، فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية والنفس الخبيثة الأبية، وقوي رأسه، وتولى بركنه، وادعى ما ليس له

وعتا وبغى وأهان حزب الإيمان من بني إسرائيل، والله تعالى يحفظ رسوله موسى وأخاه هارون، ويحوطهما بعنايته،

(1)

انظر: تفسير ابن كثير (3/ 285).

ص: 185

ويحرسهما بعينه التي لا تنام، ولم تزل المحاجة والمجادلة والآيات تقوم على يدي موسى شيئا بعد شيء، ومرة بعد مرة، مما يبهر العقول، ويدهش الألباب، مما لا يقوم له شيء ولا يأتي به إلا من هو مؤيد من الله، وما تأتيهم من آية إلا هي أكبر من أختها، وصمم فرعون وملؤه - قبحهم الله - على التكذيب بذلك كله، والجحد والعناد والمكابرة، حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد، وأغرقهم في صيحة واحدة أجمعين:{فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} . [الأنعام: 45].

2 -

ومنها إظهار إعجاز القرآن، والدلالة على أنه من لدن حكيم خبير، فتجده يذكر في كل موضع من الفوائد ما لم يذكره في المواضع الأخر، مع أن كلها حق وصدق، ولهذا سمى القرآن مثاني، لأنه تثنى فيه الأخبار والقصص.

3 -

ومنها ما جبلت عليه النفوس من محبة القصص، وتأثرها به، واتعاظها بما ورد به، فكلما تكرر عليها زادت انتفاعاً به، وإتقانا لمضمونه.

هذه بعض الحكم لتكرار هذه القصة العظيمة، وقد تناولت كل موضع وردت فيه بالتفسير على حدة

(1)

اتباعاً لكتاب الله، وجعلت كل موضع في مطلب؛ وإليك ذلك:

(1)

وقد قمت بانتقاء تفسير الآيات من عدة كتب من كتب التفسير، وأشرت إلى أسمائها عند نهاية كل مطلب، وما ورد في تفسيره خلاف عن السلف ذكرته وعزوته إلى مصادره عند مكان وروده.

ص: 186

‌المطلب الأول: تفسير ما ورد في قصة موسى مع فرعون وسحرته في سورة الأعراف

قال الله تعالى في سورة الأعراف: {وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين. حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل. قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين. فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين. ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين. قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون. قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين. يأتوك بكل ساحر عليم. وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين. قال نعم وإنكم لمن المقربين. قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين. قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم. وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون. فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون. فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين. وألقي السحرة ساجدين. قالوا آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون. قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون. لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين. قالوا إنا إلى ربنا منقلبون. وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين} [الأعراف: 104 - 126].

التفسير:

يخبر جل وعلا في هذه الآيات الكريمة أن موسى عليه السلام لما جاء إلى فرعون، ودعاه إلى الإيمان بالله، وأخبره بأنه رسول من رب العالمين، وأن معه بينة ومعجزة تدل على صدقه، وهي العصا واليد، طالبه فرعون بالإتيان بذلك،

ص: 187

كما قال تعالى عنه: {قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين} فأجابه موسى إلى ذلك، قال تعالى:{فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين} ، قال ابن عباس:«ثعبان مبين» ، الحية الذكر، وفي رواية عنه: «فتحولت - أي العصا - حية عظيمة، فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون، فلما رأى فرعون أنها قاصدة إليه اقتحم عن سريره، واستغاث بموسى أن يكفها عنه ففعل؛ ونحوه قول قتادة، والسدي

(1)

.

وقوله: {ونزع يده فإذا هي بيضاء}

قال ابن عباس: «أي: أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء {من غير سوء} يعني من غير برص، ثم أعادها إلى كمه، فعادت إلى لونها الأول، وكذا قال مجاهد وغير واحد

(2)

.

فلما جاءهم موسى بالبينات لم يستكينوا للحق، ولم يؤمنوا، بل وصفوا موسى بأنه ساحر، وما جاء به السحر، كما قال تعالى:{وقال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم} ، والمراد بالملأ: جمهورهم وسادتهم، موافقة لقول فرعون، حيث قال ذلك أولاً، كما أخبر الله تعالى عنه في سورة الشعراء حينما رأى آية العصا والثعبان:{قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم} ، [الشعراء، آية: 34]. أي ساحر عليم بالسحر.

{يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون} يعني يريد أن يخرجكم من أرض مصر - ثم تشاوروا في شأنه، وماذا يصنعون في أمره، وكيف تكون حيلتهم في إطفاء نوره، فاتفق رأيهم على ما حكاه الله عنهم بقوله: {قالوا أرجه

(1)

انظر: تفسير الطبري (13/ 15، 16)، وتفسير ابن كثير (3/ 455).

(2)

انظره في تفسير الطبري (13/ 18)، وتفسير ابن كثير (3/ 455).

ص: 188

وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم}، وفي الشعراء:{سحَّار عليم} أي كثير السحر، عالم فيه - ومعنى:«أرجه» من الإرجاء، وهو التأخير، أي: أخره وأخاه، قاله ابن عباس، وقال قتادة: احبسه، والصواب الأول؛ قال الطبري: الإرجاء في كلام العرب التأخير، يقال:«أرجيت هذا الأمر» «وأرجأته» إذا أخرته، ومنه قوله تعالى:{ترجي من تشاء منهن} [سورة الأحزاب: 51] تؤخر

(1)

.

{وأرسل} أي: وابعث، كما هو لفظ آية الشعراء

(2)

.

والمدائن: هي الأقاليم وأطراف الملك، أي: وابعث في أقاليم ملكك ومدنه

{حاشرين} أي: من يحشر لك السحرة، ويجمعهم من سائر أطراف البلاد. والحاشرون: هم الشرط، شرط فرعون، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي، وغيرهم

(3)

.

وقد كان السحر في زمنهم غالباً كثيراً ظاهراً، لهذا اعتقد من اعتقد منهم، وأوهم من أوهم أن ما جاء به موسى من قبيل ذلك - كما مر قريباً من قول فرعون وملئه:{إن هذا لساحر عليم} ، وكما قال تعالى في سورة طه مخبراً عن قول فرعون:{أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى. فلنأتينك بسحر مثله} ، [طه: 57، 58].

ثم قال تعالى: {وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين. قال نعم وإنكم لمن المقربين} . أي: جاء السحرة بعد جمعهم من أطراف مملكة فرعون،

(1)

انظر: تفسير الطبري (13/ 20 - 21).

(2)

سورة الشعراء، آية:(36).

(3)

انظر: تفسير الطبري (13/ 23)، والدر المنثور (3/ 512).

ص: 189

فشارطوه إن غلبوا موسى ليثيبنهم، وليعطينهم عطاء جزيلاً، روي معنى ذلك عن ابن عباس، والسدي، وابن إسحاق

(1)

.

وقد اختلف في عدد السحرة، فقال عكرمة

(2)

: كانوا سبعين ألفاً. وقال ابن إسحاق: خمسة عشر ألفاً. وقال كعب: اثنا عشر ألفاً

(3)

.

قلت: ولا يترتب على معرفة ذلك حكم، والله أعلم بعددهم.

وقوله: {قال نعم وإنكم لمن المقربين} ، أي: إنكم لممن أقربه وأدنيه مني، فوعدهم الأجر، والتقريب، وعلو المنزلة عنده، ليجتهدوا ويبذلوا وسعهم وطاقتهم. {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين} هذه مبارزة من السحرة لموسى عليه السلام لما اجتمعوا في حضرة الخلق العظيم، فقالوا على سبيل التألي وعدم المبالاة: إما أن تلقي ما معك، وإما أن نلقي نحن عصينا وما جئنا به؛ قال لهم: ألقوا أنتم قبل. والحكمة في هذا - والله أعلم - ليرى الناس صنيعهم ويتأملوه، فإذا فُرغ من تخييلهم جاء الحق الواضح الجلي بعد تطلب له، وانتظار لمجيئه، فيكون أوقع في النفوس، وكذا كان.

{فلما ألقوا سحروا أعين الناس} سحروا أعينهم سحراً حقيقياً، حيث صرفوها عن إدراكها، فصارت تتخيل الحبال والعصي تسعى

(4)

.

(1)

انظره في تفسير الطبري (13/ 24 - 25)، وانظر: تفسير ابن كثير (3/ 456).

(2)

هو عكرمة بن عبد الله البربري المدني، أبو عبد الله، مولى ابن عباس، تابعي، كان من أعلم الناس بالتفسير والمغازي، وكان ثقة ثبتا، لم يثبت تكذيبه، ولا ثبتت عنه بدعة، مات سنة (104) هـ. انظر: التقريب ص (687)، وطبقات المفسرين (1/ 386)، والأعلام

(4/ 244).

(3)

انظر: تفسير الطبري (13/ 26)، والدر المنثور (3/ 513)، وفتح القدير (2/ 244).

(4)

انظر تحقيق القول في أن هذا السحر وقع للأعين حقيقة ص (134) وما بعدها.

ص: 190

{واسترهبوهم} أي: أدخلوا الرهبة والخوف في قلوبهم، {وجاءوا بسحر عظيم} أي: تخييل عظيم كبير من التخييل والخداع. قال ابن عباس: «القوا حبالا غلاظاً طوالا وخشبا طوالا، فأقبلت يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى»

(1)

.

وقال ابن إسحاق: «صف خمسة عشر ألف ساحر، مع كل ساحر حباله وعصيه، وخرج موسى معه أخوه يتكئ على عصاه، حتى أتى الجمع وفرعون في مجلسه، مع أشراف مملكته، ثم قالت السحرة:{يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى. قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} [سورة طه: 65، 66]، فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون، ثم أبصار الناس بعد، ثم ألقى كل رجل منهم ما في يده من العصي والحبال، فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي، يركب بعضها بعضاً، {فأوجس في نفسه خيفة موسى} [سورة طه: 67]، وقال: والله إن كانت لعصيا في أيديهم، ولقد عادت حيات، وما تعدو عصاي هذه

أو كما حدث في نفسه»

(2)

.

قال تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون} ، يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى عليه السلام في ذلك الموقف العظيم الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل، يأمره بأن يلقي ما في يمينه، وهي عصاه، فألقاها فإذا هي تلقم وتبتلع {ما يأفكون} ، أي ما يلقونه، ويوهمون أنه حق، وهو باطل.

قال ابن عباس: فجعلت لا تمر بشيء من حبالهم وخشبهم إلا التقمته،

(1)

انظر: تفسير الطبري (13/ 28)، وتفسير ابن كثير (3/ 457).

(2)

أخرجه بإسناده الطبري في تفسيره (13/ 28)، وأورده ابن كثير في تفسيره (3/ 457)، وهو من أخبار بني إسرائيل، لكنه من جنس ما تجوز حكايته، وإيراده والاستئناس به.

ص: 191

فعرفت السحرة أن هذا أمر من السماء وليس بسحر، فخروا سجداً، وقالوا:

{آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون} ، ونحوه قول السدي، وقتادة، وابن إسحاق، وابن أبي بزة

(1)

(2)

.

{فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون} ، أي: فظهر الحق، وتبين لمن شهده وحضره في أمر موسى وأنه لله رسول يدعو إلى الحق {وبطل ما كانوا يعملون} ، من إفك السحر وكذبه؛ {فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين} ، أي: فغلب موسى فرعون وجموعه «هنالك» عند ذلك، «وانقلبوا صاغرين» أي: انصرفوا من ذلك الموقف، «صاغرين» ذليلين مقهورين، قد اضمحل باطلهم، وتلاشى سحرهم، ولم يحصل لهم المقصود.

{وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون} ، أي: خروا على وجوههم سجداً لربهم قائلين: صدقنا بما جاءنا به موسى، وآمنا بربنا رب العالمين، ثم لم يكتفوا بذلك حتى قالوا:{رب موسى وهارون} لئلا يتوهم متوهم من قوم فرعون المقرين له بإلاهيته أن السجود له.

وأجابوا للحق مسرعين، لأنهم يعرفون من السحر وأنواعه وجزئياته ما لا يعرفه غيرهم، فعرفوا أن هذه آية عظيمة من آيات الله لا قدرة لأحد بها.

{قال فرعون آمنتم به} ، أي: قال لهم فرعون متوعداً ومهدداً لهم على الإيمان أصدقتم موسى وأقررتم بنبوته، {قبل أن آذن لكم} بالإيمان به. وهذا دليل أنه كان طاغية حاكما مستبداً على أديانهم وأقوالهم، فقد تقرر عنده

(1)

هو القاسم بن أبي بزّة - بفتح الموحدة وتشديد الزاي المكي مولى بني مخزوم القارئ، ثقة، أخرج له الجماعة، ومات سنة خمس عشرة ومائة. انظر ترجمته في: التقريب ص (790).

(2)

انظر: تفسير الطبري (13/ 29، 30)، وتفسير ابن كثير (3/ 457).

ص: 192

وعندهم أن قوله هو المطاع، وأمره نافذ فيهم، ولا خروج لأحد عن قوله وحكمه.

{إن هذا} أي: تصديقكم إياه وإيمانكم به، {لمكر مكرتموه في المدينة} يقول لخدعة خدعتم بها من في مدينتنا ومواطأة بينكم وبين موسى على أن تنغلبوا له فتتبعوه، ثم يتبعكم الناس فتخرجوا منها أهلها {فسوف تعلمون} ما أفعل بكم، وما أحل بكم من العقوبة، ثم فسر هذا الوعيد.

{لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين} يعني بقطع يد الرجل اليمنى ورجله اليسرى أو العكس، فيخالف بين العضوين في القطع،

{ولأصلبنكم أجمعين} أي على جذوع النخل، كما في سورة طه آية [7]{في جذوع النخل} ، قال ابن عباس، وكان أول من صلب، وأول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون

(1)

.

{قالوا إنا إلى ربنا منقلبون} ، أي: راجعون إليه بالموت، {وما تنقم منا} وما تنكر منا، ولا تعيب علينا، {إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا} ، أي: بحججه وأدلته التي لا يقدر على مثلها أنت، ولا أحد سوى الله، ثم دعوا الله قائلين، {ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين} أي: أفض علينا صبراً، أي حبساً يحبسنا عن الكفر بك عند تعذيب فرعون لنا، {وتوفنا مسلمين} أي: اقبضنا إليك على الإسلام منقادين لأمرك متبعين لرسولك؛ قال ابن عباس، وعبيد بن عمير

(2)

،

(1)

انظر: تفسير الطبري (13/ 34)، وتفسير ابن كثير (3/ 459).

(2)

هو عبيد بن عمير بن قتادة الليثي الجندعي، أبو عاصم المكي الواعظ المفسر، ولد في حياة النبي، قاله مسلم وعده غيره في كبار التابعين، وكان قاصّ أهل مكة، مجمع على ثقته، مات سنة أربع وسبعين، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد (5/ 463)، وسير أعلام النبلاء (4/ 156 - 157)، والتقريب ص (651).

ص: 193

وقتادة، وابن جريج: كانوا في أول النهار سحرة، وفي آخره شهداء

(1)

(2)

.

‌المطلب الثاني: تفسير الآيات الواردة في قصة موسى مع فرعون والسحرة في سورة يونس

قال الله تعالى: {ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين. فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين. قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون. قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين. وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم. فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون. فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين. ويحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون} [سورة يونس: 75 - 82].

التفسير:

يخبر ربنا تبارك وتعالى بقوله: {ثم بعثنا من بعدهم} أنه بعث وأرسل من بعد أولئك الرسل - وهم من بعد نوح - {موسى وهارون} ابني عمران إلى

{فرعون} مصر {وملئه} قومه، {بآياتنا} أي: حججنا وبراهيننا الدالة على حقيقة ما دعوهم إليه من الإذعان لله بالعبودية والإقرار لهما بالرسالة،

{فاستكبروا} عن اتباع الحق والانقياد له، {وكانوا قوماً مجرمين} يعني: آثمين

(1)

انظر: تفسير الطبري (13/ 36)، وتفسير ابن كثير (3/ 459).

(2)

تم انتقاء تفسير الآيات من تفسير الطبري (13/ 15 - 36)، وتفسير ابن كثير (3/ 454 - 459)، وفتح القدير (2/ 241 - 246)، وتفسير السعدي (2/ 141 - 144).

ص: 194

مكذبين بالحق.

{فلما جاءهم الحق من عندنا} ، وهو ما جاء به موسى من الحجج والآيات، {قالوا إن هذا لسحر مبين} أي: بين لمن رآه وعاينه أنه سحر.

{قال موسى} موبخاً لهم على ردهم للحق الذي لا يرده إلا أظلم الناس

{أتقولون للحق لما جاءكم} أنه سحر مبين، {أسحر هذا} إنكار عليهم، فإنه بمجرد النظر في وصفه، وما اشتمل عليه يجزم بأنه الحق، {ولا يفلح الساحرون} لا يظفرون بمطلوب، ولا يفوزون بخير لا في الدنيا ولا في الآخرة.

{قالوا} رادين لقوله بما لا يُرد به {أجئتنا} يا موسى {لتلفتنا} لتصرفنا وتثنينا {عما وجدنا عليه آباءنا} أي: الدين الذي كانوا عليه، فجعلوا الباطل والشرك الذي عليه آباؤهم حجة يردون بها الحق الذي جاء به موسى.

{وتكون لكما} أي: لك ولهارون {الكبرياء في الأرض} أي: الملك، قاله مجاهد، وقال الضحاك: الطاعة في الأرض، وقيل: العظمة والرياسة

(1)

، وهي متقاربة؛ {وما نحن لكما بمؤمنين} بمقرين بأنكما رسولان أرسلتما إلينا ولا متبعين ما جئتما به تكبراً وعناداً، لا لبطلان ما جاءا به، ولا لاشتباه فيه، ولا لغير ذلك، إنما هو الظلم والعدوان، وإرادة العلو في الأرض الذي رموا به موسى وأخاه.

{وقال فرعون} معارضاً للحق الذي جاء به موسى {ائتوني بكل ساحر عليم} ماهر بالسحر متقن له، فأرسل في مدائن مصر من أتاه بأنواع السحرة.

{فلما جاء السحرة} لمغالبة موسى {قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون} أي: أيُّ شيء أردتم لا أُعيّن لكم شيئا، وذلك لأنه جازم بغلبته غير مبال بهم وبما جاءوا به، وليرى الناس ما صنعوا من الباطل، ثم يأتي الحق بعده، فيدمغه. {فلما ألقوا}

(1)

انظر: تفسير الطبري (11/ 146 - 147)، وتفسير ابن كثير (4/ 285).

ص: 195

حبالهم وعصيهم {قال موسى ما جئتم به السحر} أي: هو السحر العظيم، ولكن مع ذلك ف {إن الله سيبطله} أي: سيذهب به، فذهب به تعالى بأن سلط عليه عصا موسى حينما حولها ثعبانا تتلقفه، حتى لم يبق فيه شيء، كما في سورة الأعراف، آية:[117]: {فإذا هي تلقف ما يأفكون} ، وفي سورة طه، آية:[69]: {وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا} . {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} أي: أن الله لا يصلح عمل من سعى في أرض الله بما يكرهه، وعمل فيها بمعاصيه. {ويحق الحق} أي: يبينه ويوضحه {بكلماته} التي أنزلها في كتبه على رسله، لاشتمالها على الحجج والبراهين {ولو كره المجرمون} من آل فرعون والمجرمون على العموم

(1)

.

‌المطلب الثالث: تفسير الآيات الواردة في قصة موسى مع فرعون وسحرته في سورة طه

قال الله تعالى: {ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى. قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى. فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوًى. قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى. فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى. قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى. فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى. قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى. فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً وقد أفلح اليوم من استعلى. قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى.

(1)

تم انتقاء تفسير الآيات من تفسير الطبري (11/ 145)، وتفسير ابن كثير (4/ 284 - 287)، وفتح القدير (2/ 479 - 481)، وتفسير السعدي (2/ 334 - 337).

ص: 196

قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس في نفسه خيفة موسى. قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى. وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى. فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى. قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى. قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا. إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى. إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى. ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى. جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى} [سورة طه: 56 - 76].

يخبر جل وعلا عن قيام الحجة على فرعون بقوله: {ولقد أريناه آياتنا كلها} أي: أدلتنا وحججنا على حقيقة ما أرسلنا به رسولينا: موسى وهارون كلها.

{فكذب وأبى} أن يقبل من موسى وهارون ما جاءا به من عند ربهما من الحق استكباراً وعناداً، كما قال تعالى:{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} [النحل: 14]، فقال عند ذلك:{أجئتنا لتخرجنا من أرضنا} منازلنا ودورنا {بسحرك يا موسى} زعم أن الآيات التي جاء بها موسى سحر وتمويه، لذا قال:{فلنأتينك بسحر مثله} أي: لنعارضنك بمثل ما جئت به من السحر، حتى يتبين للناس أن الذي جئت به سحر، يقدر على مثله الساحر،

{فاجعل بيننا وبينك موعداً} ، أي: وعداً، أي: اجعل لنا يوماً معلوماً، ويدل عليه:{موعدكم يوم الزينة} ، وقيل: مكاناً، أي: مكانا مستوياً يتبين الناس ما فيه، قاله عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم، وقال السدي: عدلاً، وقال مجاهد، وقتادة

ص: 197

«سوى» نصفاً بيننا وبينك. {قال} موسى {موعدكم يوم الزينة} وهو يوم عيدهم، قاله ابن جريج والسدي، وقتادة، وابن زيد، وقال سعيد بن جبير: يوم سوقهم، وقال ابن عباس: كان يوم الزينة يوم عاشوراء

(1)

.

قال ابن كثير ولا منافاة بينها

(2)

.

{وأن يحشر الناس ضحى} ، أي: وقت الضحى، ليكون أظهر وأجلى وأبين وأوضح، وهكذا شأن الأنبياء، كل أمرهم واضح بين، ليس فيه خفاء ولا ترويج.

{فتولى فرعون} ، أي: انصرف من ذلك المكان، ليهيئ ما يحتاج إليه مما تواعدا عليه، وقيل:«تولى» أعرض عن الحق، {فجمع كيده} أي ما يكيد به موسى من السحرة، {ثم أتى} أي: جاء للموعد الذي وعده موسى، ومعه سحرته.

{قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا} لا تختلقوا على الله كذباً، ولا تتقولوه، {فيسحتكم بعذاب} السحت: الاستئصال، أي: فيستأصلكم بعذاب يهلككم، قاله قتادة، وقال ابن عباس: فيهلككم. {وقد خاب من افترى} أي: خاب وخسر من افترى على الله الكذب.

{فتنازعوا أمرهم بينهم} أي: تناظروا وتشاوروا وتجاذبوا أطراف الكلام، فصار كل منهم ينزع بكلام، وذلك بعد قول موسى عليه السلام السابق؛

{وأسروا النجوى} النجوى: هي المناجاة، والمعنى: أن السحرة تناجوا فيما بينهم سراً، وقد اختلف في الشيء الذي تناجوا فيه.

فقال قتادة: قالوا: إن كان هذا ساحراً فإنا سنغلبه، وإن كان من السماء فله أمر.

(1)

انظر هذه الأقوال والتي سبقت قبلها في تفسير الطبري (16/ 176، 177)، وتفسير ابن كثير (5/ 300)، وتفسير الشوكاني (3/ 372).

(2)

انظره في تفسيره (5/ 300).

ص: 198

وقال وهب بن منبه

(1)

: قال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر.

وقال السدي: قالوا فيما بينهم عن موسى وهارون: «إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما» .

وقال الفراء والزجاج

(2)

: قال بعضهم لبعض: إن غلبنا اتبعناه

(3)

.

وقد اختلفت القراءة في قوله: «إن هذان» .

فقرأ عامة القراء بتشديد النون في «إن» ، وبالألف في «هذان» ، على أن «إن» هي الناصبة، و «هذان» اسمها، لكنها على لغة بني الحارث بن كعب

(4)

، يلزمون المثنى الألف في كل حال.

وقرأ حفص

(5)

: «إن» بتخفيف النون، و «هذان» بالألف، على أن «إن»

(1)

هو وهب بن منبه بن كامل اليماني، أبو عبد الله الأبناوي بفتح الهمزة، ثقة مؤرخ، كثير الأخبار عن الكتب القديمة، وأخبار بني إسرائيل، مات سنة 114 هـ. انظر ترجمته في: التقريب ص (1045)، والأعلام (8/ 125).

(2)

هو أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل، عالم بالنحو واللغة، ولد ومات في بغداد، وكانت ولادته سنة 241 هـ، ومات سنة 311 هـ. انظر ترجمته في: الأعلام (1/ 40).

(3)

تفسير الطبري (16/ 179 - 180)، وتفسير القرطبي (11/ 215)، وتفسير ابن كثير

(5/ 301)، وفتح القدير (3/ 374).

(4)

بنو الحارث بن كعب: بطن من مذحج، من القبائل القحطانية، وهم بنو حارث بن كعب، بن عبد الله، بن مالك، بن نضر، بن الأزد، كانوا يقطنون نجران، بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، فدعاهم إلى الإسلام، واستجابوا من دون قتال. انظر: معجم قبائل العرب (1/ 231).

(5)

هو حفص بن سليمان، أبو عمرو الأسدي الكوفي البزاز، أعلم أصحاب عاصم بقراءته، وابن زوجته، وهو في القراءة ثقة ثبت ضابط لها، بخلاف حاله في الحديث؛ مات سنة ثمانين ومائة. انظر ترجمته في: معرفة القراء (1/ 140)، وغاية النهاية (1/ 254).

ص: 199

مخففة من الثقيلة مهملة، و «هذان» مبتدأ، و «لساحران» خبر.

وقرأ ابن كثير

(1)

مثل قراءة «حفص» إلا أنه شدد النون من «هذان» ، وذلك للتعويض عن ألف المفرد التي حذفت في التثنية.

وقرأ أبو عمرو

(2)

: «إن» بتشديد النون، و «هذين» بالياء، على أن «إنَّ» هي المؤكدة العاملة، و «هذين» اسمها

(3)

.

{إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم} ، وهي أرض مصر،

{بسحرهما} الذي أظهراه، {ويذهبا بطريقتكم المثلى} ، قال ابن عباس، ومجاهد:{طريقتكم المثلى} سادتكم وأشرافكم، يقال: هو طريقة قومه، ونظورة قومه، ونظيرتهم إذا كان سيدهم وشريفهم والمنظور إليه، يقال ذلك للواحد والجمع، وربما جمعوا فقالوا هؤلاء طرائق قومهم، ومنه قوله تعالى:{كنا طرائق قددا} ، [الجن: 11]؛ قاله ابن جرير

(4)

.

(1)

هو عبد الله بن كثير بن المطلب، أبو معبد، مولى عمرو بن علقمة الكناني الداري المكي، إمام المكيين في القراءة، ولد سنة 45 هـ، وروى عن عدد من الصحابة، وقرأ على درباس مولى ابن عباس، وعلى عبد الله بن السائب، ومجاهد، وأخذ عنه أبو عمرو بن العلاء، وشبل بن عباد، وغيرهما، صدوق؛ مات سنة 120 هـ. انظر ترجمته في: معرفة القراء

(1/ 88)، وغاية النهاية (1/ 443)، والتقريب ص (537).

(2)

هو زبان بن العلاء، بن عمار، بن العريان التميمي المازني البصري، وقيل في اسمه ونسبه غير ذلك، إمام في العربية والإقراء مع الصدق والثقة، وأحد القراء السبعة، وأكثرهم شيوخاً، ولد بمكة سنة 68 هـ، ونشأ بالبصرة، ومات بالكوفة سنة 154 هـ. انظر ترجمته في: إنباه الرواة (4/ 288)، تهذيب التهذيب (12/ 178).

(3)

انظر هذه القراءات، وتوجيه العلماء لها في: حجة القراءات ص (454)، والمغني في توجيه القراءات العشر (3/ 24)، والدر المصون (8/ 63).

(4)

انظر: تفسيره (16/ 182).

ص: 200

وقال ابن زيد، والكسائي

(1)

: أي يغيروا سنتكم ودينكم الذي أنتم عليه.

وقال ابن عباس: طريقتكم المثلى، ملكهم الذي هم فيه والعيش

(2)

.

قال ابن كثير: «{ويذهبا بطريقتكم المثلى} ويستبدَّا بهذه الطريقة، وهي السحر، فإنهم كانوا معظمين بسببها، لهم أموال وأرزاق عليها، يقولون: إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض، وتفردوا بذلك، وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم»

(3)

.

{فأجمعوا كيدكم} الإجماع: الإحكام، والعزم على الشيء. أي: اعزموا على أمركم، وأظهروه دفعة واحدة، متظاهرين متساعدين فيه، متناصرين متفقا رأيكم وكلمتكم.

{ثم ائتوا صفاً} أي: مصطفين مجتمعين، ليكون أمكن لعملكم، وأهيب لكم في القلوب، {وقد أفلح اليوم من استعلى} أي: قد ظفر بحاجته من علا على صاحبه، فقهره وغلبه.

{قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى} خيروا موسى، موهمين أنهم على جزم من ظهورهم عليه بأيّ حال كانت، قال لهم موسى:{بل ألقوا} أنتم، فألقوا {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} ، وذلك أنهم

(1)

هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي ولاء، الكوفي، أبو الحسن الكسائي، إمام في القراءة واللغة، ولد في إحدى قرى الكوفة، وتعلم بها، وقرأ النحو في الكبر، وتنقل في البادية، وسكن بغداد، ومات بالري سنة (189) هـ. انظر ترجمته في: إنباه الرواة (2/ 256)، وسير أعلام النبلاء (9/ 131)، والأعلام (4/ 283).

(2)

انظر: تفسير الطبري (16/ 182، 183)، وتفسير ابن كثير (5/ 301)، وفتح القدير

(3/ 375).

(3)

تفسير ابن كثير (5/ 301).

ص: 201

سحروا أعين الناس، ومن بينهم موسى وفرعون حقيقة، وصار أثر ذلك السحر أن أعينهم صارت تتخيل سعي العصي والحبال وحركتها

(1)

. {فأوجس في نفسه خيفة موسى} أي: أحس خوفاً، كما هو مقتضى الطبيعة البشرية، وإلا فهو جازم بوعد ربه، وقيل: خاف موسى على الناس أن يفتتنوا بسحرهم، ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه؛ {قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى} أي: المستعلي عليهم بالظفر والغلبة والقهر، {وألق ما في يمينك} أي عصاك، {تلقف ما صنعوا} أي: تتلقف وتبتلع بسرعة حبالهم وعصيهم، {إنما صنعوا كيد ساحر} مكيدة وخديعة ساحر، {ولا يفلح الساحر حيث أتى} أي: لا يفلح جنس الساحر، حيث أتى، وأين توجه.

{فألقي السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى} ، في الكلام محذوف، تقديره: فألقى موسى عصاه، فلقفت حبالهم وعصيهم، فلما رأوا ذلك سجدوا، وقد سبق في سورة الأعراف ذكر ذلك، وتفسيره

(2)

.

قال ابن كثير: «وذلك أنها - أي عصا موسى - صارت ثعبانا عظيماً هائلا ذا عيون وقوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي، حتى لم تبق منها شيئا إلا تلقفته وابتلعته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانا جهرة نهاراً ضحوة، فقامت المعجزة، واتضح البرهان، وبطل ما كانوا يعملون

، ثم قال: «فلما عاين السحرة ذلك، وشاهدوه، ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه، علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل، وأنه حق لا مرية فيه، ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول

(1)

وقد بسطت القول في أن السحر كان حقيقة ص (109)، فليراجع.

(2)

انظر ص (79).

ص: 202

للشيء كن فيكون، فعند ذلك وقعوا سجداً، وقالوا:«آمنا برب العالمين رب موسى وهارون» ، ولهذا قال ابن عباس، وغيره: كانوا أول النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء بررة

(1)

.

{قال آمنتم له} أي: صدقتموه وأقررتم له {قبل أن آذن لكم} في ذلك، بل أفتتم عليّ، ولم تراجعوني وتأخذوا موافقتي، ثم قال قولا يعلم الجميع أنه بهت وكذب {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} أي: لعظيمكم ورئيسكم الذي علمكم السحر، واتفقتم معه عليَّ، {فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} أي: مخالفا بينها، اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، أو عكسها، {ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي: على جذوع النخل، {ولتعلمن أيّنا أشد عذاباً وأبقى} وأدوم أنا أو موسى،

{قالوا لن نؤثرك} نختارك ونتبعك {على ما جاءنا من البينات} الحجج والآيات الواضحات على حقيقة ما دعاهم إليه موسى، {والذي فطرنا} معطوف على {ما جاءنا} أي: لن نختارك على ما جاءنا به موسى من البينات والذي فطرنا. وقيل: هو قسم، أي: والله الذي فطرنا لا نؤثرك. ومعنى «فطرنا» أي: خلقنا، {فاقض ما أنت قاض} فاصنع ما أنت صانع، واعمل بنا ما بدا لك، {إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} إنما سلطانك علينا، ونفوذ أمرك فينا في هذه الحياة الدنيا، ولا سبيل لك علينا فيما بعدها، {إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا} التي سلفت منا من الكفر، والذنوب، {وما أكرهتنا عليه من السحر} أي: وليغفر لنا ما أكرهتنا عليه من عمل السحر الذي عارضنا به الحق، {والله خير} منك ثواباً لمن أطاعه {وأبقى} وأدوم عذاباً لمن عصاه. {إنه من يأت ربه مجرماً} أي: يلقى الله متلبساً بالكفر والمعاصي

{فإن له نار جهنم} مرجعاً ومآلاً ومسكناً {لا يموت

(1)

انظر: تفسير ابن كثير (5/ 302 - 303).

ص: 203

فيها} فيستريح من العذاب،

{ولا يحيى} حياة طيبة، {ومن يأته مؤمناً} موحداً لا يشرك به شيئاً {قد عمل الصالحات} ، أي: الطاعات وما أمره الله به، {فأولئك لهم الدرجات العلى} في الجنة، {جنات عدن} بيان للدرجات، أو بدل منها؛ والعدن: الإقامة، يعني: جنات إقامة لا ضعن عنها ولا نفاد ولا فناء، {تجري من تحتها الأنهار} يعني: من تحت أشجارها الأنهار، {خالدين فيها} أي: ماكثين فيها دائماً وأبداً، {ذلك} إشارة لما تقدم من الثواب، {جزاء من تزكى} أي: تطهر من الكفر والمعاصي والذنوب

(1)

.

‌المطلب الرابع: تفسير الآيات الواردة في قصة موسى مع فرعون وسحرته في سورة الشعراء

قال الله تعالى: {قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين. قال أو لو جئتك بشيء مبين. قال فأت به إن كنت من الصادقين. فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين. ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين. قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون. قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين. يأتوك بكل سحّار عليم. فجمع السحرة لميقات يوم معلوم. وقيل للناس هل أنتم مجتمعون. لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين. فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين. قال نعم وإنكم إذاً لمن المقربين. قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون. فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون. فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون. فألقي السحرة ساجدين.

(1)

تم انتقاء تفسير الآيات من تفسير الطبري (16/ 175 - 191)، وتفسير ابن كثير (5/ 299 - 307)، وفتح القدير (3/ 371 - 378)، وتفسير السعدي (3/ 238 - 244).

ص: 204

قالوا آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون. قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علَّمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين. قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون. إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين} [سورة الشعراء: 29 - 51].

التفسير:

يخبر جل وعلا أن فرعون لما دعاه موسى إلى الإيمان برب العالمين أبى، وأعرض، وكابر، بل وتهدد موسى قائلا:{لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين} أي: لأجعلنك من أهل السجن، {قال} موسى {أو لو جئتك بشيء مبين} أي: بحجة وبرهان قاطع واضح يبين لك صحة ما جئت به، {قال} فرعون {فأت به إن كنت من الصادقين. فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين} حية ذكر، بين واضح

(1)

، {ونزع يده} وأخرج موسى يده من جيبه، {فإذا هي بيضاء} تلمع

{للناظرين} لمن ينظر إليها ويراها، {قال للملأ حوله} يعني: لأشراف قومه وسادتهم الذين كانوا حوله {إن هذا لساحر عليم} أي: لساحر ذو علم ومعرفة بالسحر، بارع فيه، فروج عليهم فرعون أن هذا من قبيل السحر، لا من قبيل المعجزة، ثم هيجهم على مخالفته، والكفر به، فقال:{يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره} أي: من بلادكم، وهي مصر. خوفهم فرعون أن هذا قصده، ليجدوا ويجتهدوا في معاداة من يريد إجلاءهم عن أولادهم وديارهم. {فماذا تأمرون} ما رأيكم، وما مشورتكم فيما نصنع به. {قالوا أرجه وأخاه} أخر موسى وأخاه، وأنظرهما، وقيل: أحبسهما، {وابعث في المدائن} في الأقاليم، وأطراف الملك

{حاشرين} هم الشرط، يقومون بجمع السحرة من كل مكان،

(1)

سبق تفسيرها مبسوطا في سورة الأعراف ص (75).

ص: 205

{يأتوك بكل ساحر عليم} أي: بكل ساحر فائق في معرفة السحر وصنعته، {فجمع السحرة لميقات يوم معلوم} وهو يوم الزينة الذي ضربه موسى لفرعون وملائه

(1)

، {وقيل للناس هل أنتم مجتمعون} أي: نودي بعموم الناس بالاجتماع في ذلك اليوم المعلوم، وحثوا على ذلك، {لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين} ، فيه دليل على خبث طوية القوم، وأن الرعية على دين ملكهم، حيث قالوا ذلك، ولم يقولوا نتبع الحق، سواء كان من السحرة، أو من موسى. {فلما جاء السحرة} إلى فرعون {قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً} أي: لجزاء تجزينا به من مال أو جاه؟، {قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين} أي: أخص مما تطلبون، أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي. {قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون} في الكلام اختصار، يدل عليه قوله تعالى في سورة الأعراف، آية:[115]: {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين} ، وفي سورة طه، آية:[65]: {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى} . فقد عرضوا عليه أيهم يبدأ بالإلقاء، فقال لهم:{ألقوا ما أنتم ملقون} أي: ألقوا ما في خواطركم إلقاؤه، ولم يقيدهم بشيء دون شيء، لجزمه ببطلان ما جاءوا به من معارضة الحق {فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون} ، أقسموا بعزة فرعون وشدة سلطانه ومنعة مملكته {إنا لنحن الغالبون} هذا جواب القسم، وقيل: المراد بقولهم: {بعزة فرعون} أي: نغلب بسبب عزة فرعون، والمراد بالعزة: العظمة، وقد ذكر الله في سورة الأعراف، آية:[116] أنهم {سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} ، وفي سورة طه، آية [66 - 67]: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى. وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد

(1)

انظر الكلام عليه فيما سبق ص (86).

ص: 206

ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى}. وقال هاهنا: {فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون} أي: تختطفه وتجمعه من كل بقعة، وتبتلعه، ولم تدع منه شيئا. فلما رأى السحرة هذه الآية العظيمة تيقنوا أن هذا ليس بسحر، وإنما هو آية من آيات الله، ومعجزة تنبئ بصدق موسى، وصحة ما جاء به، {فألقي السحرة ساجدين} أي: خروا لوجوههم سجداً لله، مذعنين له بالطاعة، مقرين لموسى بالذي أتاهم به من عند الله أنه هو الحق، وأن ما كانوا يعملونه من السحر باطل قائلين:{آمنا برب العالمين} الذي دعانا موسى لعبادته، {رب موسى وهارون} ، هذا عطف بيان ل (رب العالمين)، وأضافوا ربوبيته إليهما، لأنهما القائمان بالدعوة إليه في تلك الحال، وفيه تبكيت لفرعون بأنه ليس برب، وأن الرب في الحقيقة هو الله.

فلما سمع فرعون ذلك منهم، ورأى سجودهم لغيره، تمادى في غيه وطغيانه وعناده، فقال لهم:{آمنتم له قبل آذن لكم} في الإيمان به، فقال مغالطاً للسحرة الذين آمنوا، وموهماً للناس أن فعل موسى سحر من جنس ذلك السحر {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} أي: إنه لرئيسكم في السحر، وهو الذي علمكموه، ولذلك آمنتم به، {فلسوف تعلمون} تهددهم إجمالا، ثم فصل تهديده قائلا:

{لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} ، أي: اليد اليمنى والرجل اليسرى، ثم اليد اليسرى والرجل اليمنى، {ولأصلبنكم أجمعين} أكد أنه لن يستبق أحداً، فقال السحرة حين وجدوا حلاوة الإيمان، وذاقوا لذته:{لا ضير} أي: لا ضرر علينا، ولا يضرنا الذي تقول، وإن صنعته بنا، قاله ابن زيد

(1)

، {إنا إلى ربنا منقلبون} أي: راجعون، وهو لا يضيع أجر من أحسن

(1)

انظر: تفسير ابن جرير (16/ 74).

ص: 207

عملاً، ولا يخفى عليه ما فعلت بنا، وسيجزينا على ذلك أتم الجزاء {إنا نطمع} أي: نرجو {أن يغفر لنا خطايانا} يصفح لنا، ويغفر لنا خطايانا التي سلفت منا قبل إيماننا، فلا يعاقبنا بها، {أن كنا أول المؤمنين} بسبب أننا كنا أول المؤمنين بعد ظهور الآية، حيث بادرنا إلى الإيمان بك يا ربنا

(1)

.

(1)

تم انتقاء تفسير الآيات من تفسير الطبري (19/ 69 - 74)، وتفسير ابن كثير (6/ 139 - 141)، وفتح القدير (4/ 95 - 98)، وتفسير السعدي (3/ 462 - 466).

ص: 208

‌المبحث الثاني: ذكر ما ورد عن بعض المفسرين في علاج السحر بقراءة بعض الآيات الواردة في هذه القصة، وبيان جوازه بالرقى الشرعية، وتحريم ما عدا ذلك

لقد ذكر بعض المفسرين جملة من الآيات تقرأ لعلاج السحر وإبطاله، لكن قبل إيراد تلك الآيات، أقدم بمقدمة فيها الجواب على التساؤل الذي ينقدح في نفس كل مسلم إذا سمع مثل ذلك - أي تلك الآيات شفاء للسحر مثلاً - ألا وهو ما هو الدليل على ذلك، وما مدى صحته، فأقول: لقد دلت نصوص من الكتاب والسنة على التداوي بالقرآن؛ منها ما هو عام، ومنها ما هو خاص، فمن هذه الأدلة:

1 -

قوله تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} ؛ [فصلت: 44].

2 -

قوله تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} ؛ [يونس: 57].

3 -

قوله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} ؛ [الإسراء: 82].

ووجه الاستدلال بهذه الآيات الثلاث: أن الله سبحانه وتعالى أخبر أن القرآن شفاء، فهو شفاء لأمراض القلوب، وأمراض الأبدان، قال القرطبي في تفسيره:

«اختلف العلماء في كونه شفاء على قولين:

أحدهما: أنه شفاء للقلوب، بزوال الجهل عنها، وإزالة الريب، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل، لفهم المعجزات، والأمور الدالة على الله تعالى.

ص: 209

الثاني: شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ، ونحوه

(1)

،

ثم ذكر جملة من الأحاديث في الاسترقاء، وستأتي.

وأورد القولين الشوكاني في تفسيره، ثم قال: «

ولا مانع من حمل الشفاء على المعنيين، من باب عموم المجاز، أو من باب حمل المشترك على معنييه»

(2)

.

قلت: وهذا هو الحق في حمل دلالة الآية على العموم إلا إذا دل دليل على صحة بعض ما دلت عليه دون بعض، وظاهر تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لمن رقى بالفاتحة، ورقيته لنفسه بالمعوذات، كما سيأتي، يدل على العموم.

وأشار إلى هذين القولين السمرقندي

(3)

، والماوردي

(4)

، وابن الجوزي

(5)

، وأبو حيان

(6)

، والسعدي

(7)

، والقاسمي

(8)

، وغيرهم.

وحققه العلامة ابن القيم في زاد المعاد، فقال: «

قال الله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} ، الإسراء:[82]- والصحيح أن «من» هاهنا لبيان الجنس لا للتبعيض

(9)

، وقال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من

(1)

انظر: تفسير القرطبي (10/ 316).

(2)

انظر: فتح القدير (3/ 259).

(3)

انظر: بحر العلوم له (2/ 281).

(4)

انظر: تفسير الماوردي (3/ 268).

(5)

انظر: زاد المسير (7/ 263).

(6)

انظر: البحر المحيط (7/ 104).

(7)

انظر: تفسير السعدي (3/ 128)، ورجح العموم.

(8)

انظر: تفسير القاسمي (10/ 3978).

(9)

وهو اختيار الزمخشري في الكشاف (2/ 373)، والعكبري في التبيان (2/ 830)، وانظر: الدر المصون (7/ 402).

ص: 210

ربكم وشفاء لما في الصدور}، يونس:[57]- فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه، وسببه، والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه»

(1)

.

وقال أيضاً: «

ومن المعلوم أن بعض الكلام له خواص ومنافع مجربة، فما الظن بكلام رب العالمين الذي فضله على كل كلام كفضل الله على خلقه الذي هو الشفاء التام، والعصمة النافعة، والنور الهادي، والرحمة العامة، الذي لو أنزل على جبل لتصدع من عظمته وجلالته، قال تعالى:{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة} [سورة الإسراء: 82] و «من» هنا لبيان الجنس، لا للتبعيض

هذا أصح القولين»

(2)

.

4 -

ما اتفق عليه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: «انطلق نفر من أصحاب النبي في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حيّ من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحيّ، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء، لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟، فقال

(1)

انظر: زاد المعاد (4/ 352).

(2)

المرجع السابق (4/ 177).

ص: 211

بعضهم

(1)

: نعم، والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم، فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: - الحمد لله رب العالمين - فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي، وما به قلَبَه، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له، فقال:«وما يدريك أنها رقية» ، ثم قال:«أصبتم، أقسموا، واضربوا لي معكم سهماً» ، فضحك رسول الله»

(2)

.

ووجه الاستدلال: أن أبا سعيد عالج المريض بقراءة سورة من القرآن، ولم يكن عنده خبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها رقية

(3)

بدليل: «وما يدريك أنها رقية؟» ،

(1)

هو أبو سعيد الخدري، راوي الحديث، كما جاء مصرحاً به عند الترمذي (4/ 398)، حديث رقم:(2063)، كتاب الطب، باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ، وفيه التنصيص على قراءة الفاتحة سبع مرات، وعند ابن ماجة في سننه (2/ 729)، حديث رقم:(2156)، كتاب التجارات، باب أجر الراقي.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، انظر: فتح الباري (4/ 529)، حديث رقم:(2276)، ومسلم في صحيحه (4/ 1727)، حديث رقم:(2201)، كتاب السلام، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن، وانظر: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (3/ 62)، حديث رقم (1420).

(3)

يدل على ذلك ما ذكره الحافظ في فتح الباري (5/ 534)، حيث قال: «

وزاد سليمان بن قته في روايته بعد قوله: «وما يدريك أنها رقية» ، قلت:«ألقي في روعي» ، وللدارقطني من هذا الوجه «فقلت: يا رسول الله، شيء ألقي في روعي»، وهو ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقى بالفاتحة، ولهذا قال له أصحابه لما رجع:«ما كنت تحسن رقية» ، كما وقع في رواية معبد بن سيرين».

ص: 212

ثم أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.

5 -

ما اتفق عليه الشيخان من حديث عائشة، رضي الله عنها، قالت:«أن رسول الله كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح بيده رجاء بركتها»

(1)

.

وجه الاستدلال به أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مرض يتعالج بالقرآن، بقراءة المعوذات.

فهذا الحديث والذي قبله يدلان على جواز التداوي بالقرآن مطلقاً، ولا يخص ذلك بالسور التي ذكرت؛ وقد تفطن لذلك البخاري، فبوب في كتاب الطب من صحيحه، باب الرقى بالقرآن والمعوذات

(2)

.

بل ويدل على العموم أيضا ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عوف بن مالك الأشجعي

(3)

، قال:«كنا نرقى في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك، فقال: «اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك»

(4)

.

(1)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب المعوذات؛ انظر: فتح الباري (8/ 679)، حديث رقم:(5016)، ومسلم في صحيحه (4/ 1723)، حديث رقم (2192)، كتاب السلام، باب رقية المريض بالمعوذات والنفث؛ وانظر: اللؤلؤ والمرجان (3/ 61)، حديث رقم:(1415).

(2)

انظر: فتح الباري (10/ 205).

(3)

هو عوف بن مالك الأشجعي، أبو حماد، ويقال غير ذلك، صحابي مشهور، من مسلمة الفتح، سكن دمشق، ومات سنة ثلاث وسبعين. انظر ترجمته في: التقريب ص (758).

(4)

رواه مسلم في صحيحه (4/ 1727)، حديث رقم:(2200)، كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك.

ص: 213

6 -

أن الأصل في التداوي الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

«عباد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاءً»

(1)

.

7 -

إجماع أهل العلم على جواز الرقى بكتاب الله؛ ذكره النووي

(2)

، وغيره. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري

(3)

: «

وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بذات الله تعالى

».

قلت: فما اجتمع فيها هذه الشروط الثلاثة فهي الرقية الشرعية الجائزة، وما سواها فممنوع.

وبعد ذكر ما تقدم من النصوص من الكتاب والسنة الدالة على جواز التداوي بالقرآن، وأن المسلم إذا رقأ نفسه أو غيره بآيات منه - خاصة إذا كان لها مناسبة بالمرض - لا ينكر عليه، بل هو داخل في الإذن العام، نخلص إلى المقصود، وهو ما ذكره بعض المفسرين من الآيات لحل السحر:

روى ابن أبي حاتم عن ليث بن أبي سليم

(4)

، قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله، تقرأ في إناء فيه ماء، ثم تصب على رأس المسحور،

(1)

تقدم تخريجه في ص (29).

(2)

انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 169)، وحكاه أيضاً الأُبي في شرحه لمسلم

(7/ 359).

(3)

انظر: فتح الباري (10/ 206).

(4)

هو الليث بن أبي سليم بن زنيم، واسم أبيه أيمن، وقيل: أنس، وقيل غير ذلك، صدوق، اختلط جداً، ولم يتميز حديثه، فترك، مات سنة 148 هـ. انظر ترجمته في: التقريب ص

(819)

.

ص: 214

وهذه الآيات هي قوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون. فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون. فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين} [الأعراف: 117 - 119].

وقوله تعالى: {فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين. ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون} [يونس: 81 - 82].

وقوله: {إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} [طه: 69]

(1)

.

وقال عبد الرزاق الصنعاني: «وفي كتاب وهب أن تؤخذ سبع ورقات من سدر أخضر، فيدقه بين حجرين، ثم يضربه في الماء، ويقرأ فيه آية الكرسي، وذوات قل

(2)

، ثم يحسو

(3)

منه ثلاث حسوات، ويغتسل به، فإنه يذهب عنه كل ما به إن شاء الله، وهو جيد للرجل إذا حبس من أهله»

(4)

.

وقد جمع العلامة ابن باز بين الأثرين السابقين

(5)

في بيان علاج السحر، فقال: «ومن علاج السحر بعد وقوعه أيضاً، وهو علاج نافع للرجل إذا حبس

(1)

أورده السيوطي في الدر المنثور (4/ 381)، وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ، وأورده أيضا العلامة عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد (2/ 502).

(2)

أي المعوذات الثلاث، وقل يا أيها الكافرون، لأنها تبدأ ب «قل» .

(3)

أي يشرب، والحُسوة بالضم هي الجرعة من الماء؛ انظر: النهاية في غريب الحديث

(1/ 387)، مادة:(حسا).

(4)

انظر: مصنف عبد الرزاق (11/ 13)، وذكره القرطبي في تفسيره (2/ 49)، وأورده الحافظ في فتح الباري (10/ 244)، والعلامة عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد

(2/ 503).

(5)

إلا أنه زاد آيتين في سورة يونس قبل الآيات التي ذكرها ليث بن أبي سليم، وزاد خمس آيات قبل ما ذكره في سورة طه، والأمر في ذلك واسع، كما قررناه قريباً، أن الأصل جواز التداوي بالقرآن.

ص: 215

من جماع أهله أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر، فيدقها بحجر أو نحوه، ويجعلها في إناء، ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل، ويقرأ آية الكرسي، و «قل يا أيها الكافرون» ، و «قل هو الله أحد» ، و «قل أعوذ برب الفلق» ، و «قل أعوذ برب الناس» ، وآيات السحر التي في سورة الأعراف، وهي قوله سبحانه:

{وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون. فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون. فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين} [الأعراف: 117 - 119]. والآيات التي في سورة يونس، وهي قوله سبحانه {وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم. فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون. فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين. ويحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون} [يونس: 79 - 82]. والآيات في سورة طه {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى. قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس في نفسه خيفة موسى. قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى. وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} [طه: 65 - 69].

وبعد قراءة ما ذكر في الماء، يشرب منه ثلاث مرات، ويغتسل بالباقي، وبذلك يزول الداء إن شاء الله، وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر، فلا بأس حتى يزول الداء إن شاء الله»

(1)

.

وقد ذكر بعض أهل العلم أنواعا أخرى لعلاج السحر

(2)

لكن أردت

(1)

انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة له (3/ 279 - 280).

(2)

انظر: المصنف لعبد الرزاق (11/ 13)، والتمهيد (15/ 342)، وفتح الباري (10/ 244) وأحكام الرقى والتمائم ص (63، 156، 157)، والسحر بين الحقيقة والخيال ص

(217)

، وما بعدها، والسحر للدميني ص (63) وما بعدها.

ص: 216

الاقتصار على ما ذكر فيه قراءة بعض الآيات - والأصل جواز ذلك، ما لم يشتمل على محظور شرعي، قال العلامة ابن باز رحمه الله: «

أما حله بالرقية والتعوذات الشرعية والأدوية المباحة، فلا بأس بذلك، كما تقدم، وقد نص على ذلك العلامة ابن القيم، والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد رحمة الله عليهما، ونص على ذلك أيضاً غيرهما من أهل العلم»

(1)

.

(1)

انظر: مجموع فتاوى ومقالات (3/ 280 - 281).

ص: 217

‌المبحث الثالث: ذكر استدلال بعض المفسرين بقوله: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} على أنه لا حقيقة للسحر، ومناقشة ذلك، مع بيان الراجح في هذه المسألة

ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى أن السحر له حقيقة، وليس تخييلاً

(1)

.

وذهب المعتزلة

(2)

، ووافقهم بعض العلماء، كابن حزم الظاهري

(3)

، وأبو جعفر الاستراباذي من الشافعية

(4)

، وأبو منصور الماتريدي

(5)

،

(1)

انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (7/ 86)، وإكمال إكمال المعلم للأبي

(7/ 364) وما بعدها، وشرح النووي على صحيح مسلم (14/ 174)، وشرح السنة للبغوي (12/ 185)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/ 46)، وبدائع الفوائد (2/ 221 - 228)، وفتح الباري (2/ 227، 10/ 233).

(2)

انظر رأيهم في: متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار (1/ 101، 15/ 241)، وتنزيه القرآن عن المطاعن له أيضاً ص (8، 29)، والكشاف للزمخشري (1/ 85، 86)، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص (115، 116)، وكتاب النبوات لابن تيمية (2/ 1036)، والبحر المحيط (1/ 327)، والتحرير والتنوير (1/ 637).

(3)

هو الإمام الحافظ أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، عالم الأندلس في عصره، ولد بقرطبة سنة 384 هـ، تولى الوزارة في بلده في شبيبته، ثم انصرف للعلم، والتأليف، فبرع، واشتهر على حدة فيه، وظاهرية؛ مات في بادية لبله سنة 456 هـ. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (10/ 184)، والأعلام (4/ 254).

وانظر رأيه في السحر في الفصل له (5/ 99).

(4)

لم أستطع معرفته، وقد ذكره القرطبي في تفسيره (2/ 46)، وابن قدامة في المغني (10/ 113) ب أبي إسحاق الاستراباذي، وذكره كما هنا الحافظ في فتح الباري (10/ 233).

(5)

هو محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي، من أئمة علماء الكلام، بل إليه ينتسب الماتريدية، وماتريد محلة بسمرقند، له كتاب أوهام المعتزلة، وكتاب التوحيد؛ مات سنة 333 هـ بسمرقند. انظر ترجمته في: الأعلام (7/ 19).

ص: 218

والجصاص

(1)

من الحنفية إلى أنه لا حقيقة للسحر، وأنه مجرد تخييل وتمويه.

ومما استدل به المنكرون لحقيقة السحر؛ قوله تعالى: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} [طه: 66].

وقد ذكر الله هذه الآية في سياق قصة موسى مع السحرة في سورة طه، وقبلها {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى. قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} [طه: 65، 66].

ووجه الاستدلال بها:

قال الجصاص: «

فأخبر أن ما ظنوه سعياً لم يكن سعيا، وإنما كان تخييلاً، وقد قيل إنها كانت عصا مجوفة قد ملئت زئبقا

(2)

، وكذلك الحبال كانت معمولة من أدم محشوة زئبقاً، وقد حفروا قبل ذلك تحت المواضع أسراباً، وجعلوا آزاجا

(3)

، وملؤها ناراً فلما طرحن عليه، وحمي الزئبق حركها، لأن من شأن الزئبق إذا أصابته النار أن يطير، فأخبر الله أن ذلك كان مموها على غير حقيقة»

(4)

.

(1)

هو أحمد بن علي الرازي، أبو بكر الجصاص من أهل الري، سكن بغداد، ومات فيها، انتهت إليه رياسة الحنفية في وقته، وطلب منه أن يتولى القضاء فامتنع، له كتاب أحكام القرآن؛ مات سنة 370 هـ. انظر ترجمته في: الأعلام (1/ 171).

وانظر رأيه في: كتاب أحكام القرآن له (1/ 51).

(2)

الزئبق: عنصر فلزي سائل في درجة الحرارة العادية. انظر: المعجم الوسيط (1/ 401).

(3)

الآزاج: جمع أزج، وهو بناء مستطيل مقوس السطح. انظر: المعجم الوسيط (1/ 16)، مادة: أزج، والقاموس المحيط (1/ 184)، مادة: أزج.

(4)

أحكام القرآن له (1/ 52) وما بعدها.

ص: 219

وقال ابن حزم في الفصل بعد إيراده لقوله تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} [سورة طه: 66]: «فأخبر تعالى أن عمل أولئك السحرة إنما كان تخييلاً لا حقيقة له»

(1)

.

ونحوه قول الزمخشري في الكشاف

(2)

، والفخر الرازي في التفسير الكبير

(3)

.

فملخص استدلالهم بالآية «أن الله أخبر عن عمل أولئك السحرة أنه كان تخييلاً، لا حقيقة له، حيث لم يقل تسعى على الحقيقة، ولكن قال: يخيل إليه»

(4)

.

مناقشة هذا الرأي:

لا يسلم أن الذي حصل مجرد تخييل، بل قد حصل سحر حقيقي لأعين الناس، نتج عنه التخييل، يدل لذلك قوله تعالى:{سحروا أعين الناس} فقد أخبر تعالى أن السحرة سحروا أعين الناس حقيقة، فنتج عن ذلك أن الأعين لما أصابها السحر، صارت تتخيل الحبال والعصي أنها تسعى.

قال الشيخ سليمان الحمدان: «فالتخييل إنما هو في نظر المسحور، فهو ناشئ عن السحر، لا نفس السحر»

(5)

. وأشار إلى أن السحر الذي حصل لموسى سحر حقيقي جمع من المفسرين، منهم ابن جرير الطبري حيث قال «

وذكر أن السحرة سحروا عين موسى، وأعين الناس قبل أن يلقوا حبالهم وعصيهم، فخيَّل حينئذ إلى موسى أنها تسعى

ثم ساق بسنده إلى وهب بن

(1)

الفصل (5/ 103).

(2)

انظر: الكشاف (2/ 439).

(3)

انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي (22/ 83).

(4)

انظر: السحر بين الحقيقة والخيال ص (49).

(5)

الدر النضيد ص (168).

ص: 220

منبه قال: قالوا يا موسى {إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا} ، فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى، وبصر فرعون، ثم أبصار الناس بعد، ثم ألقى كل رجل منهم ما في يده من العصي والحبال، فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي، يركب بعضها بعضاً»

(1)

.

وحكاه أبو حيان قولاً، فقال: «

وقيل إنها - أي الحبال والعصي - لم تتحرك، وكان ذلك من سحر العيون، وقد صرح تعالى بهذا فقال:{سحروا أعين الناس} ، فكأن الناظر تخيل إليه أنها تنتقل»

(2)

.

وذكره الألوسي أحد القولين في تفسير الآية، واستظهره بقوله:«والظاهر أن التخيل من موسى قد حصل حقيقة بواسطة سحرهم، وروي ذلك عن وهب»

(3)

، وغيرهم

(4)

.

ويقول ابن القيم رحمه الله مبينا بطلان من يقول إن السحر لا حقيقة له:

«

وهذا خلاف ما تواترت به الآثار عن الصحابة، والسلف، واتفق عليه الفقهاء، وأهل التفسير، والحديث، وما يعرفه عامة العقلاء.

والسحر الذي يؤثر مرضاً وعقداً وحباً وبغضا ونزيفاً وغير ذلك من الآثار - تعرفه عامة الناس، وكثير منهم قد علمه ذوقاً بما أصيب به منه، وقوله تعالى:

{ومن شر النفاثات في العقد} [سورة الفلق: 4] دليل على أن هذا النفث يضر المسحور في حال غيبته عنه، ولو كان الضرر لا يحصل إلا بمباشرة البدن ظاهراً،

(1)

انظر: تفسير الطبري (16/ 185 - 186).

(2)

انظر: تفسير البحر المحيط (7/ 356).

(3)

انظر: روح البيان (16/ 227).

(4)

انظر مثلا: أضواء البيان (4/ 438)، والسحر للدكتور مسفر الدميني ص (27)، وأحكام الرقى والتمائم للدكتور فهد السحيمي ص (145).

ص: 221

كما يقوله هؤلاء، لم يكن للنفث ولا للنفاثات شر يستعاذ منه.

وأيضاً فإذا جاز على الساحر أن يسحر جميع أعين الناظرين مع كثرتهم، حتى يروا الشيء بخلاف ما هو به، مع أن هذا تغيير في إحساسهم، فما الذي يحيل تأثيره في تغييره بعض أعراضهم وقواهم وطباعهم؟، وما الفرق بين التغيير الواقع في الرؤية والتغيير الواقع في صفة أخرى من صفات النفس والبدن؟. فإذا غير إحساسه حتى صار يرى الساكن متحركاً، والمتصل منفصلاً، والميت حياً، فما المحيل لأن يغير صفات نفسه حتى يجعل المحبوب إليه بغيضاً، والبغيض محبوبا، وغير ذلك من التأثيرات، وقد قال تعالى عن سحرة فرعون أنهم {سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} [الأعراف: 116]، فبين سبحانه أن أعينهم سحرت، وذلك إما أن يكون لتغيير حصل في المرئي، وهو الحبال والعصي، مثل أن يكون السحرة استغاثت بأرواح حركتها، وهي الشياطين، فظنوا أنها تحركت بأنفسها، وهذا كما إذا جرَّ من لا تراه حصيراً أو بساطاً، فترى الحصير والبساط ينجر، ولا ترى الجارَّ له، مع أنه هو الذي يجره، فهكذا حال الحبال والعصي، التبستها الشياطين، فقلبتها كتقليب الحية، فظن الرائي أنها تقلبت بأنفسها، والشياطين هم الذين يقلبونها، وإما أن يكون التغيير حدث في الرائي، حتى رأى الحبال والعصي تتحرك، وهي ساكنة في أنفسها، ولا ريب أن الساحر يفعل هذا وهذا، فتارة يتصرف في نفس الرائي وإحساسه، حتى يرى الشيء بخلاف ما هو به، وتارة يتصرف في المرئي باستغاثته بالأرواح الشيطانية، حتى يتصرف فيها»

(1)

.

مناقشة تفسيرهم للآية:

إن تفسيرهم للآية، وهو ما ذكره الجصاص، وغيره

(2)

، بأن الحبال والعصي

(1)

انظر: بدائع التفسير لابن القيم (5/ 411 - 412)، وبدائع الفوائد له (2/ 227 - 228).

(2)

انظر ما سبق في ص (108).

ص: 222

قد فعل بها ما أوجب سعيها وحركتها، غير صحيح، ولا يسلم لهم ذلك:

قال ابن القيم رحمه الله مبينا بطلانه: «وأما ما يقوله المنكرون من أنهم فعلوا في الحبال والعصي ما أوجب حركتها ومشيها، مثل الزئبق، وغيره، حتى سعت، فهذا باطل من وجوه:

1 -

لو كان كذلك لم يكن خيالاً، بل حركة حقيقية، ولم يكن ذلك سحراً لأعين الناس، ولا يسمى ذلك سحراً، بل صناعة من الصناعات المشتركة، وقد قال تعالى:{فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} [سورة طه: 66]، ولو كانت تحركت بنوع حيلة، كما يقوله المنكرون لم يكن هذا من السحر في شيء، ومثل هذا لا يخفى.

2 -

لو كان ذلك بحيلة، كما قال هؤلاء، لكان طريق إبطالها إخراج ما فيها من الزئبق، وبيان ذلك المحال، ولم يحتج إلى إلقاء العصا لابتلاعها.

3 -

مثل هذه الحيلة لا تحتاج فيها إلى الاستعانة بالسحرة، بل يكفي فيها حذاق الصناع.

4 -

ولا يحتاج في ذلك إلى تعظيم فرعون للسحرة، وخضوعه لهم، ووعدهم بالتقريب والجزاء.

5 -

لا يقال في ذلك: {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} [سورة طه: 71]، فإن الصناعات يشترك الناس في تعلمها وتعليمها»

(1)

.

ومما يدل على بطلان ما احتجوا به غير ما ذكره ابن القيم:

6 -

أن الزئبق عنصر فلزي سائل، ووضعه في الحبال والعصي مدعاة لاكتشاف الحيلة التي احتالوها، لأن الحبال والعصي ليست أجساماً حافظة،

(1)

انظره مع تصرف يسير في بدائع الفوائد (2/ 228)، وبدائع التفسير (5/ 412 - 413).

ص: 223

كالزجاج، ونحوه مما يحفظ هذا السائل، فاحتمال تسربه أو بعضه قوي جداً، وهذا ما تبطل معه الحيلة، وتنكشف الخدعة.

7 -

القول بأنهم حفروا أسرابا، وجعلوا لها آزاجاً، وملؤها ناراً، فلما طرحت الحبال والعصي على ذلك الموضع، وحمى الزئبق حركها، بعيد كل البعد، لأن هذا العمل لن يخفى على الناس، فهو في مكان عام واسع، وافتضاح هذه الحيلة ممكن في وقته، أو بعد ذلك

(1)

.

8 -

أن أبابكر الجصاص أشار إلى هذا الخبر بقوله: «وقيل» ، وهذه إشارة إلى ضعفه، علماً بأن ما ذكره لا يقال بالرأي والاجتهاد، بل يحتاج إلى نقل عن معصوم، ولم أقف عليه مسنداً، لينظر في إسناده، ويحكم عليه، لا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا إلى غيره، فمثله لا يجوز ذكره واعتماده قولاً في تفسير كلام الله، فضلاً عن أن تبنى عليه عقيدة أو أحكام.

وبعد عرض استدلال المنكرين لحقيقة السحر بهذه الآية

(2)

، وإبطاله، وعرض أقوال السلف في تفسيرها، تبين لك جلياً دلالتها على قول أهل الحق، أن للسحر حقيقة، ولمزيد من معرفة بقية أدلتهم على ذلك؛ انظر ما سبق حشده من الأدلة في المبحث الثاني من الفصل الأول

(3)

.

(1)

انظر الوجه السادس والسابع مع تصرف يسير في السحر بين الحقيقة والخيال ص (64).

(2)

وهي قوله تعالى: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ([طه: 66].

(3)

انظر ص (13) وما بعدها.

ص: 224

‌الخاتمة:

وتتضمن جملة من الوصايا فيما يتحصن به من السحر

لقد تبين بحمد الله من خلال هذا البحث جملة من الأحكام، والفوائد، تتلخص في الآتي:

الأول: أن السحر محرم لا يجوز فعله، ولا تعلمه، ولا تعليمه، ولا الذهاب إلى أهله.

الثاني: كفر السحرة، وخطر تصديقهم، وبيان شدة الإثم في ذلك.

الثالث: معرفة تفسير قوله: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان

} الآية [102] من سورة البقرة، وأسباب نزولها، والراجح منها.

الرابع: معرفة تفسير قصة موسى مع فرعون، وما في ذلك من الفوائد، والتداوي بقراءة تلك الآيات على المسحور، فيشفى بإذن الله.

الخامس: أن للسحر حقيقة، وواقع ملموس، لهذا ينبغي للمسلم أن يتحصن منه، باتباع ما جاء في الشرع في ذلك، ومما يتحصن به:

1 -

تحقيق التوحيد والإخلاص لله تعالى.

2 -

التوكل على الله، والاعتماد عليه، وتفويض الأمر له، قال تعالى:{ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: 3].

3 -

المحافظة على الصلوات، لاسيما صلاة الفجر، قال تعالى:{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238]، وفي صحيح مسلم عن جندب بن سفيان، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الصبح، فهو في ذمة

ص: 225

الله، فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك الله من ذمته بشيء»

(1)

.

4 -

قراءة سورة البقرة في البيت، قال صلى الله عليه وسلم:«لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة»

(2)

.

ويقول صلى الله عليه وسلم: «اقرأوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة»

(3)

. قال معاوية

(4)

: بلغني أن البطلة السحرة.

5 -

قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام

(5)

؛ يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت»

(6)

.

6 -

قراءة آية الكرسي عند النوم، لما رواه البخاري تعليقاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت يحثو من

(1)

رواه مسلم في صحيحه (1/ 454)، حديث رقم:(657)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة.

(2)

رواه مسلم في صحيحه (1/ 539)، حديث رقم:(780)، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النافلة.

(3)

رواه مسلم في صحيحه (1/ 553)، حديث رقم:(804)، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة.

(4)

هو معاوية بن سلام، أحد رواة الحديث؛ انظر: المصدر السابق.

(5)

ذكر ذلك العلامة ابن باز رحمه الله في مجموع فتاوى ومقالات في العقيدة (3/ 277).

(6)

أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة ص (49)، حديث رقم:(100)، وفي السنن الكبرى (9/ 44)، حديث رقم:(9848)، والطبراني في الكبير (8/ 134)، حديث رقم:

(7532)

، من حديث أبي أمامة؛ وانظر: صحيح الجامع (2/ 1103)، حديث رقم:

(6464)

، والصحيحة (2/ 697)، حديث رقم:(972).

ص: 226

الطعام

فذكر الحديث، وفيه: فقال: أي الشيطان - إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخلى سبيله، فأصبح فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله، فقال:«صدقك وهو كذوب»

(1)

.

7 -

قراءة آخر آيتين من سورة البقرة، لما رواه الشيخان عن أبي مسعود الأنصاري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه»

(2)

.

8 -

قراءة المعوذات في الصباح والمساء، لما رواه عبد الله بن خبيب، رضي الله عنه، قال:«خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة، نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فقال: «قل» ، فلم أقل شيئاً، ثم قال:«قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء»

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري تعليقاً في كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجلاً فترك الوكيل شيئاً، فأجازه الموكل، فهو جائز؛ انظر: فتح الباري (4/ 568)، حديث رقم:(2311، 3275، 5010)، ووصله النسائي في عمل اليوم والليلة ص (278)، حديث رقم:(965)، وفي السنن الكبرى (9/ 350)، حديث رقم:(10729)، وانظر: ذكر الحافظ ابن حجر لوصل الحديث في فتح الباري (4/ 569).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة البقرة، انظر: فتح الباري (8/ 672)، حديث رقم:(5009)، ومسلم في صحيحه (1/ 555)، حديث رقم:(255)، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه، (4/ 322)، حديث رقم:(5082)، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، والترمذي في سننه (5/ 567)، حديث رقم:(3575)، كتاب الدعوات، وقال: حديث حسن صحيح، وانظر: صحيح الترمذي للألباني (3/ 182).

ص: 227

9 -

قراءة المعوذات دبر كل صلاة، لما رواه عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال:«أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة»

(1)

.

10 -

قول المسلم «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم»

(2)

؛ ثلاث مرات في الصباح والمساء.

11 -

الإكثار

(3)

من التعوذ ب «كلمات الله التامات من شر ما خلق» في الليل والنهار، وعند نزول منزل في البناء أو الصحراء أو الجو أو البحر لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من نزل منزلا فقال: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق» لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك»

(4)

.

12 -

التصبّح بأكل سبع تمرات من عجوة المدينة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«من تصبح بسبع تمرات عجوة، لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر»

(5)

. أو بسبع تمرات مما بين لابتي المدينة، لما رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل سبع تمرات مما بين

(1)

رواه أبو داود في سننه (2/ 86)، حديث رقم:(1523)، كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، والترمذي في سننه (5/ 171)، حديث رقم:(2903)، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في المعوذتين؛ وقال: حديث حسن غريب؛ وانظر: صحيح الترمذي (3/ 8)، حديث رقم:(3079).

(2)

سبق تخريجه في ص 27.

(3)

ذكره العلامة ابن باز في فتاوى في العقيدة (3/ 278).

(4)

رواه مسلم في صحيحه (4/ 208)، حديث رقم:(2708)، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره.

(5)

سبق تخريجه في ص (19).

ص: 228

لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي»

(1)

.

ويرى العلامة ابن باز أن تلك الوقاية ترجى لمن أكل سبع تمرات من أي تمر، حتى لو كان من غير تمر المدينة

(2)

.

13 -

تطهير البيت من الصور والتماثيل، لما رواه مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير»

(3)

. فوجود الصور والتماثيل في البيت يمنع من دخول الملائكة البيت، والبيت الذي لا تدخله الملائكة تدخله الشياطين وبسهولة، وهذا التحصن ليس خاصاً بالسحر، بل هو عام في دفع الشرور، ومن بينها السحر

(4)

.

14 -

ومنها قول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» مائة مرة، فإن من قالها كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك

(5)

.

(1)

رواه مسلم في صحيحه (3/ 1618)، حديث رقم:(2047)، كتاب الأشربة، باب فضل أهل المدينة.

(2)

ذكره عنه سعيد القحطاني في كتاب الدعاء ص (89)، وقد ذكر الدكتور/ أحمد الحمد في كتابه السحر بين الحقيقة والخيال ص (78) وما بعدها، بحثاً ماتعاً نقل فيه عن أهل الطب والكيمياء ما يؤيد ما ذهب إليه الشيخ.

(3)

رواه مسلم في صحيحه (3/ 1672)، حديث رقم:(2112)، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير الحيوان

الخ.

(4)

ذكره الطيار في فتح الحق المبين ص (50).

(5)

متفق عليه من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه؛ انظر: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (3/ 225)، حديث رقم:(1724)، وقد رواه البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، انظر: فتح الباري (6/ 390)، حديث رقم:

(3293)

، ومسلم في صحيحه (4/ 2071)، حديث رقم:(2691)، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء.

ص: 229

15 -

ومنها قول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير» عشر مرات بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة المغرب، فإن من قالها كانت حرزاً له من كل مكروه، وحرس من الشيطان

(1)

.

(1)

رواه الترمذي في سننه (5/ 515)، حديث رقم:(3474)، كتاب الدعوات، وقال: حسن صحيح غريب، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (3/ 173)، وفي صحيح الترغيب (1/ 321)، وللحديث شواهد يتقوى بها. وقد تم استخلاص هذه التحصنات من مجموع فتاوى ومقالات للعلامة ابن باز (3/ 285 - 287)، وفتح الحق المبين ص (42، 52، 181)، والدعاء من الكتاب والسنة ص (85)، وموقف الإسلام من السحر (2/ 679) وما بعدها، والسحر لإبراهيم أدهم ص (55) وما بعدها، السحر في القرآن الكريم ص (81) وما بعدها، والسحر لبركة بنت مضيف ص (131 - 145)، والنشرة ص (66) وما بعدها.

ص: 230

‌فهرس المراجع والمصادر

أحكام الرقى والتمائم: تأليف الدكتور فهد بن ضويان السحيمي، طبع أضواء السلف، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

أحكام القرآن: لأبي بكر، أحمد بن علي الرازي، المعروف بالجصاص، تحقيق محمد الصادق قمحاوي، نشر دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1405 هـ - 1985 م.

أحكام القرآن: لأبي بكر، محمد بن عبد الله، المعروف بابن العربي، (ت 543 هـ)، تحقيق علي محمد البجاوي، طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه.

إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: تأليف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الثانية، 1405 هـ - 1985 م.

أسباب النزول: لأبي الحسن، علي بن أحمد الواحدي (ت 468 هـ)، تحقيق عصام بن عبد المحسن الحميدان، نشر دار الإصلاح، الطبعة الأولى 1411 هـ.

الأشربة: تأليف أحمد بن محمد بن حنبل، تحقيق صبحي السامرائي، نشر عالم الكتب - بيروت - لبنان، الطبعة الثانية 1405 هـ.

الإصابة في تمييز الصحابة: للحافظ أحمد بن علي بن محمد المعروف بابن حجر، نشر دار الكتب العلمية - بيروت.

الأضداد: لمحمد بن القاسم الأنباري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر المكتبة العصرية - بيروت، سنة 1407 هـ - 1987 م.

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: للشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، نشر عالم الكتب - بيروت.

الأعلام: تأليف خير الدين الزركلي، نشر دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة السادسة 1984 م.

إكمال إكمال المعلم، المعروف بشرح الأُبي: تأليف محمد بن خليفة الوشناني الأُبي، نشر دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

إكمال المعلم بفوائد مسلم: تأليف أبي الفضل، عياض بن موسى اليحصبي (ت 544 هـ)، تحقيق د/ يحيى إسماعيل، نشر دار الوفاء، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

ص: 231

إنباء الغمر بأبناء العمر في التأريخ: تأليف شهاب الدين، أبي الفضل، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، (ت 852 هـ)، طبع دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، الطبعة الثانية 1406 هـ.

إنباه الرواة على أنباه النحاة: للوزير جمال الدين، أبي الحسن، علي بن يوسف القفطي، (ت 624 هـ)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر دار الفكر العربي - القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ - 1986 م.

الأوسط للطبراني: للحافظ أبي القاسم، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير الطبراني، (ت 360 هـ)، طبعة مكتبة المعارف - الرياض، الطبعة الأولى 1405 هـ، تحقيق د/ محمود الطحان.

الأوسط: لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير الطبراني، (ت 360 هـ)، تحقيق طارق عوض الله وزميله، طبع دار الحرمين - القاهرة، عام 1415 هـ.

بحر العلوم: لأبي الليث، نصر بن محمد بن أحمد السمرقندي، (ت 375 هـ)، تحقيق د/ عبد الرحمن أحمد الزقة، مطبعة الإرشاد - بغداد، الطبعة الأولى 1405 هـ.

بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية: جمعه يسري السيد محمد، نشر دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1414 هـ.

بدائع الفوائد: لشمس الدين، محمد بن أبي بكر، المعروف بابن القيم، دار الفكر.

البداية والنهاية: لأبي الفداء، إسماعيل بن كثير الدمشقي، حققه د/ أحمد أبو ملحم وأخرون، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ.

بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، دار الفكر، الطبعة الثانية 1399 هـ - 1979 م.

تاج العروس: تأليف أبي الفيض، السيد محمد مرتضى الحسيني، تحقيق عبد السلام أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت.

تاريخ بغداد: لأبي بكر أحمد بن علي، المعروف بالخطيب البغدادي، دار الكتاب العربي - بيروت.

تأويل مشكل القرآن: لعبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق السيد أحمد صقر، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثالثة 1401 هـ - 1981 م.

التبيان في إعراب القرآن: لأبي البقاء، عبد الله بن الحسين العكبري، تحقيق علي محمد

ص: 232

البجاوي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه.

التحرير والتنوير: تأليف محمد الطاهر ابن عاشور، نشر الدار التونسية، سنة 1984 م.

تخريج أحاديث إحياء علوم الدين: استخراج أبي عبد الله، محمود بن محمد الحداد، منشورات دار العاصمة للنشر - الرياض، الطبعة الأولى 1408 هـ.

الترغيب والترهيب: للإمام الحافظ زكي الدين، عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تعليق مصطفى محمد عمارة، منشورات دار الحديث - القاهرة، 1407 هـ.

التعليق المفيد على كتاب التوحيد: تأليف العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، نشر مكتبة التراث الإسلامي.

تفسير ابن أبي حاتم (الجزء الأول والثاني): تحقيق الدكتور/ أحمد الزهراني، والدكتور/ حكمت بشير، نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة، وطيبة بالرياض، وابن القيم بالدمام، الطبعة الأولى 1408 هـ.

تفسير ابن سعدي: انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.

تفسير ابن كثير: انظر: تفسير القرآن العظيم.

تفسير البحر المحيط: لمحمد بن يوسف، الشهير بأبي حيان الأندلسي، دار الفكر، الطبعة الثانية 1403 هـ - 1983 م.

تفسير البغوي المسمى: معالم التنزيل: تأليف الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق خالد عبد الرحمن العك ومروان سوار، دار المعرفة - بيروت.

تفسير الطبري المسمى: جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لأبي جعفر، محمد بن جرير الطبري، تحقيق أحمد شاكر، دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية.

تفسير الطبري المسمى: جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لمحمد بن جرير الطبري، شركة مكتبة ومطبعة البابي الحلبي - مصر، الطبعة الثالثة 1388 هـ - 1968 م.

تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب: لفخر الدين الرازي، محمد بن عمر الشهير بخطيب الري، دار الفكر، الطبعة الثالثة 1405 هـ -1985.

تفسير القاسمي المسمى: محاسن التأويل: تأليف محمد جمال الدين القاسمي، نشر مطبعة دار إحياء الكتب العربية.

تفسير القرآن: للإمام عبد الرزاق بن همام الصنعاني، المتوفى سنة 211 هـ، طبعة مكتبة الرشد

ص: 233

- الرياض، الطبعة الأولى 1410 هـ، تحقيق د/ مصطفى مسلم محمد.

تفسير القرآن العظيم: تأليف أبي الفداء، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، (ت 774 هـ)، تحقيق سامي بن محمد سلامة، نشر دار طيبة، الطبعة الثانية 1420 هـ.

تفسير القرطبي المسمى الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي؛ - لم تذكر فيه الطبعة -.

تفسير الماوردي المعروف بالنكت والعيون: تأليف أبي الحسن، علي بن محمد بن حبيب الماوردي، (ت 450 هـ)، نشر دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1412 هـ.

تفسير مبهمات القرآن: للإمام أبي عبد الله، محمد بن علي البلنسي، المتوفى سنة 782 هـ، طبعة دار الغرب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ، تحقيق د/ حنيف بن حسن القاسمي.

تفسير النسائي: للإمام أبي عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي النسائي المتوفى سنة 303 هـ، طبعة مكتبة السنة - القاهرة، الطبعة الأولى 1410 هـ، تحقيق سيد الجليمي وصبري الشافعي.

تقريب التهذيب: للحافظ أحمد بن علي، المعروف بابن حجر، تحقيق أبي الأشبال صغير أحمد شاغف، دار العاصمة- الرياض، الطبعة الأولى 1416 هـ.

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: لأبي عمر، يوسف بن عبد الله ابن محمد بن عبد البر النمري الأندلسي، (ت 463 هـ)، نشر دار الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1420 هـ.

تنزيه القرآن عن المطاعن: تأليف القاضي عبد الجبار بن أحمد، نشر دار النهضة الحديثة.

تهذيب التهذيب: للحافظ أحمد بن علي، المعروف بابن حجر، دار حيادر - بيروت.

تهذيب الكمال في أسماء الرجال: لجمال الدين، أبي الحجاج، يوسف المزي، تحقيق د/ بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1405 هـ.

تهذيب اللغة: لأبي منصور، محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق عبد السلام هارون، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، الدار المصرية للنشر والترجمة.

تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد: تأليف سليمان بن عبد الله ابن محمد بن عبد الوهاب الحنبلي، (ت 1233 هـ)، نشر دار الفكر - بيروت - لبنان، طبع عام

ص: 234

1412 هـ.

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: تأليف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تقديم محمد زهري النجار، منشورات دار المدني بجدة 1408 هـ.

الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: لأبي عيسى، محمد بن سورة الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر، الطبعة الثانية 1398 هـ - 1978 م.

جامع العلوم والحكم: تأليف زين الدين، أبي الفرج، عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي، الشهير بابن رجب (ت 795 هـ)، تحقيق شعيب الأرنؤوط، نشر مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1411 هـ.

جهود الشيخ محمد الأمين في تقرير عقيدة السلف: تأليف د/ عبد العزيز بن صالح الطويان، نشر مكتبة العبيكان - الرياض، الطبعة الأولى 1419 هـ.

حجة القراءات: لأبي زرعة، عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة، تحقيق سعيد الأفغاني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة 1404 هـ - 1984 هـ.

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم، أحمد بن عبد الله الأصبهاني، نشر دار الباز - مكة المكرمة، طبع دار الكتب العلمية.

الدر المصون: تأليف شهاب الدين، أحمد بن يوسف السمين، تحقيق الدكتور أحمد الخراط، طبع دار القلم - دمشق، الطبعة الأولى 1406 هـ.

الدر المنثور في التفسير بالمأثور: لجلال الدين، عبد الرحمن السيوطي، دار الفكر - بيروت، طبع 1403 هـ - 1983 م.

الدر النضيد على أبواب التوحيد: تأليف سليمان بن عبد الرحمن الحمدان، نشر مكتبة الصحابة - جدة.

الدعاء من الكتاب والسنة: تأليف سعيد بن علي بن وهف القحطاني، توزيع مؤسسة الجريسي - الرياض، الطبعة الثالثة عشرة.

ذيل طبقات الحنابلة: تأليف زين الدين، أبي الفرج، عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد البغدادي الحنبلي (ت 795 هـ)، نشر دار المعرفة - بيروت - لبنان.

رياض الصالحين: تأليف أبي زكريا، يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ)، تحقيق شعيب

ص: 235

الأرنؤوط، طبع مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1420 هـ.

زاد المسير: لأبي الفرج، عبد الرحمن بن الجوزي، نشر المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى.

زاد المعاد في هدي خير العباد: لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة عشرة 1406 هـ - 1986 م.

الزهد: تأليف الإمام وكيع بن الجراح، (ت 197 هـ)، تحقيق د/ عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، طبع مكتبة الدار - المدينة، الطبعة الأولى 1404 هـ.

السحر: تأليف د/ إبراهيم أدهم، نشر دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية 1419 هـ.

السحر بين الحقيقة والخيال: تأليف الدكتور أحمد بن ناصر بن محمد آل حمد، إخراج مكتبة الفرقان، الطبعة الثانية.

السحر بين الحقيقة والوهم: تأليف الدكتور عبد السلام السكري، نشر دار المصرية، الطبعة الدولية 1409 هـ.

السحر حقيقته وتأثيره وحكمه: تأليف بركة بنت مضيف الطلحي، نشر مطابع الحميضي، الطبعة الأولى 1422 هـ.

السحر حقيقته وحكمه والعلاج منه: تأليف الدكتور مسفر بن غرم الله الدميني، طبع مكتبة المغني - الرياض، الطبعة الثانية 1413 هـ.

السحر في القرآن الكريم: تأليف عبد المنعم الهاشمي، نشر دار ابن حزم، الطبعة الثانية 1419 هـ.

سلسلة الأحاديث الصحيحة (من الأول إلى الخامس): للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي - بيروت.

السلسلة الضعيفة: تأليف وتخريج محمد ناصر الدين الألباني، بنشر المكتب الإسلامي، الطبعة الخامسة 1405 هـ.

سنن ابن ماجة: للحافظ أبي عبد الله، محمد بن يزيد القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر للطباعة والنشر.

سنن أبي داود: للحافظ أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا - بيروت.

سنن الترمذي: (انظر: الجامع الصحيح للترمذي).

ص: 236

سنن الدارقطني: للحافظ علي بن عمر الدارقطني، عالم الكتب - بيروت، الطبعة الرابعة 1406 هـ - 1986 م.

سنن سعيد بن منصور: تحقيق د/ سعد بن عبد الله الحميد، نشر دار الصميعي، الطبعة الثانية 1420 هـ.

السنن الكبرى: للإمام أبي بكر، أحمد بن الحسين البيهقي، طبع دار المعرفة - بيروت، نشر وتوزيع ومكتبة المعارف بالرياض.

السنن الكبرى: تأليف أبي عبد الرحمن، أحمد بن شعيب النسائي، (ت 303 هـ)، طبع مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1422 هـ.

سير أعلام النبلاء: لشمس الدين، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1420 هـ - 1982 م.

شرح السنة: للإمام الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ومحمد زهير الشاويش، الطبعة الثانية 1403 هـ.

شرح معاني الآثار: تأليف أبي جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي، المعروف بالطحاوي، (ت 321 هـ)، نشر دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1407 هـ.

شرح النووي على مسلم: لأبي زكريا، يحيى بن شرف بن مري الشافعي، المعروف بالنووي، دار إحياء التراث العربي.

صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: تأليف علاء الدين، علي بن بلبان الفارسي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1418 هـ.

صحيح الترغيب والترهيب: تأليف العلامة محمد ناصر الدين الألباني، طبع دار المعارف - الرياض، الطبعة الأولى 1421 هـ.

صحيح الجامع الصغير وزيادته: تأليف محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1402 هـ.

صحيح سنن ابن ماجة: تأليف محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الثالثة 1408 هـ.

صحيح سنن أبي داود: تأليف محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى 1409 هـ.

ص: 237

صحيح سنن الترمذي: تأليف العلامة محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ.

صحيح مسلم: تأليف أبي الحسين، مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

ضعيف سنن أبي داود: تأليف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1412 هـ.

الضوء اللامع: تأليف شمس الدين، محمد بن عبد الرحمن السخاوي، نشر دار مكتبة الحياة - بيروت.

طبقات بن سعد (الطبقات الكبرى): تأليف محمد بن سعد بن منيع البصري، (ت 230 هـ)، طبع دار صادر بيروت.

طبقات الحفاظ: تأليف جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر، المعروف بالسيوطي، طبع دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى - 1403 هـ.

عالم السحر والشعوذة: تأليف الدكتور عمر سليمان الأشقر، طبع دار النفائس - الأردن، الطبعة الثالثة 1418 هـ.

العجاب في بيان الأسباب: تأليف شهاب الدين، أبي الفضل، أحمد بن علي، المعروف بابن حجر العسقلاني، (ت 852 هـ)، تحقيق عبد الحكيم محمد الأنيس، نشر دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1418 هـ.

علاج الأمور السحرية: تأليف أبي بكر الحنبلي.

علل الحديث: لأبي عبد الرحمن بن أبي حاتم، (ت 327 هـ)، تحقيق محمد نصيف، نشر دار السلام - حلب، طبع 1343 هـ.

علماء ومفكرون عرفتهم: تأليف محمد المجذوب، نشر دار عالم المعرفة، الطبعة الثالثة 1403 هـ.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري: تأليف بدر الدين، محمود بن أحمد العيني، نشر دار الفكر، الطبعة الأولى 1418 هـ.

عنوان المجد في تاريخ نجد: تأليف العلامة عثمان بن بشر النجدي الحنبلي، طبع مكتبة الرياض الحديثة - الرياض.

ص: 238

غاية النهاية في طبقات القراء: لأبي الخير، محمد بن محمد الجزري، نشر ج. براجستراسر، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثالثة 1402 هـ.

غريب الحديث: لأبي عبيد، القاسم بن سلام الهروي، (ت 224 هـ)، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ.

غريب القرآن: لأبي محمد، عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق السيد أحمد صقر، منشورات دار الكتب العلمية - بيروت، سنة 1398 هـ.

الفائق في غريب الحديث: تأليف جار الله، محمود بن عمر، الشهير بالزمخشري، حققه محمد أبو الفضل إبراهيم، ورفيقه، توزيع دار الباز، طبع دار المعرفة، الطبعة الثانية.

الفتاوى الذهبية في الرقى الشرعية: جمع خالد بن عبد الرحمن، نشر دار الوطن، الطبعة الأولى 1417 هـ.

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: جمع وترتيب أحمد بن عبد الرزاق الدويش، نشر مكتبة العبيكان، الطبعة الثانية 1421 هـ.

فتح الباري شرح صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز، وترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، دار الريان للتراث - القاهرة، الطبعة الأولى 1407 هـ.

فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين: تأليف الدكتور عبد الله بن محمد الطيار، طبع دار الوطن، الطبعة الثانية 1415 هـ.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد: تأليف الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، تحقيق الوليد الفريان، نشر دار الصميعي، الطبعة الأولى 1415 هـ.

الفرق بين الفرق: تأليف عبد القاهر بن طاهر البغدادي، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، نشر دار المعرفة - بيروت.

الفروق: تأليف شهاب الدين، أبي العباس الصنهاجي، المعروف بالقرافي، نشر دار المعرفة - بيروت - لبنان.

الفصل في الملل والأهواء والنحل: تأليف أبي محمد، علي بن أحمد المعروف بابن حزم الظاهري، نشر دار الجيل - بيروت، طبع عام 1405 هـ.

القاموس المحيط: تأليف محمد بن يعقوب، الشهير بالفيروزآبادي، دار الجيل - بيروت.

ص: 239

القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد: لأبي الفضل، شهاب الدين، أحمد بن علي، المعروف بابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، نشر عالم الكتب، الطبعة الأولى 1404 هـ.

القول المفيد على كتاب التوحيد: تأليف العلامة محمد صالح العثيمين، طبع دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1421 هـ.

الكافي: لأبي محمد، عبد الله بن قدامة المقدسي، طبع المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1402 هـ.

الكتاب: لأبي بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر، المعروف بسيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، عالم الكتب - بيروت.

الكشاف: لأبي القاسم، جار الله، محمود بن عمر، المعروف بالزمخشري، توزيع دار الباز، طبع دار المعرفة - بيروت.

كشف الأستار على زوائد البزار على الكتب الستة: تأليف نور الدين، علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807) هـ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، نشر مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثانية 1404 هـ.

لسان العرب: لأبي الفضل، جمال الدين، محمد بن مكرم، الشهير بابن منظور، تصوير دار الفكر عن طبعة دار صادر - بيروت.

اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: تأليف محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

متشابه القرآن: للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني، تحقيق د/ عدنان محمد زرزور، دار التراث - القاهرة.

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لنور الدين، علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الثالثة 1402 هـ.

مجموع الفتاوى: لشيخ الإسلام ابن تيمية، أبي العباس، تقي الدين، أحمد بن عبد الحليم، جمع عبد الرحمن بن قاسم النجدي وابنه محمد، توزيع الرئاسة العامة لشئون الحرمين، تنفيذ مكتبة الحديثة، طبع إدارة المساجد العسكرية بالقاهرة.

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة: للعلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، طبع شركة العبيكان، الطبعة الثانية 1410 هـ.

ص: 240

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: للقاضي أبي محمد، عبد الحق بن غالب بن عطية، تحقيق المجلس العلمي بفاس، مطابع فضالة بالمحمدية - المغرب، الطبعة الثانية 1403 هـ.

المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله، محمد بن عبد الله، المعروف بالحاكم، وبذيله تلخيص المستدرك: للذهبي، دار الكتب العلمية.

المسند: للإمام أحمد بن محمد بن حنبل، تحقيق أحمد محمد شاكر، طبع درا المعارف، الطبعة الثالثة 1368 هـ.

مسند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241 هـ)، تحقيق شعيب الأرنؤوط ورفاقه، نشر مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1414 هـ.

المسند للإمام أحمد بن محمد بن حنبل، وبهامشه منتخب كنز العمال، دار الفكر العربي.

مسند أبي يعلى: للإمام أبي يعلى بن علي الموصلي، تحقيق إرشاد الحق الأثري، من منشورات دار القبلة للثقافة الإسلامية - جدة، الطبعة الأولى 1408 هـ.

المصنف: لعبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، توزيع المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1403 هـ.

معاني القرآن: لأبي زكريا، يحيى بن زياد الفراء، عالم الكتب، الطبعة الثانية 1403 هـ.

معجم القراءات القرآنية: تأليف د/ أحمد مختار عمر، ود/ عبد العال سالم مكرم، نشر جامعة الكويت، الطبعة الثانية 1408 هـ.

المعجم الكبير: لأبي القاسم، سليمان بن أحمد الطبراني، (ت 360 هـ)، تحقيق حمدي السلفي، نشر مكتبة ابن تيمية - القاهرة.

المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: وضع محمد فؤاد عبد الباقي، نشر دار الفكر، الطبعة الثالثة 1412 هـ.

معجم المؤلفين: تأليف عمر كحالة، دار إحياء التراث العربي.

المعجم الوسيط: تأليف إبراهيم مصطفى وآخرون من مجمع اللغة العربية، نشر شركة الإعلانات الشرقية، الطبعة الثالثة 1405.

معجم قبائل العرب القديمة والحديثة: تأليف عمر رضا كحالة، نشر مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الخامسة 1405 هـ.

معرفة القراء الكبار: لشمس الدين، أبي عبد الله، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت

ص: 241

748 هـ)، تحقيق بشار عواد وآخرون، نشر مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى 1404 هـ.

المغني: لأبي محمد، عبد الله بن أحمد بن قدامة، نشر مكتبة الجمهورية العربية، ومكتبة الكليات الأزهرية.

المغني في توجيه القراءات العشر: تأليف د/ محمد سالم محيسن، نشر دار الجيل - بيروت، الطبعة الثانية 1408 هـ.

المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد: لإبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح (ت 884 هـ)، تحقيق د/ عبد الله العثيمين، نشر مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1410 هـ.

الملل والنحل: لأبي الفتح، محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة - بيروت.

موقف الإسلام من السحر: تأليف حياة سعد عمر با أخصر، طبع مكتبة المجتمع، الطبعة الأولى 1415 هـ.

النبوات: تأليف شيخ الإسلام، أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، (ت 728 هـ)، تحقيق د/ عبد العزيز الطويان، نشر مكتبة أضواء السلف، الطبعة الأولى 1420 هـ.

النشرة: تأليف عبد العظيم بن إبراهيم أبا بطين، نشر مكتبة الجواب - الرياض، الطبعة الأولى 1416 هـ.

النهاية في غريب الحديث والأثر: لأبي السعادات، المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الراوي، ومحمود محمد الطناحي، دار الكتب العلمية- بيروت.

نيل المرام في تفسير آيات الأحكام: تأليف محمد صديق حسن القنوجي البخاري، نشر مكتبة المدني.

ص: 242