الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحبير التحرير في إبطال القضا بالفسخ بالغبن الفاحش بلا تغرير
تأليف خاتمة المحققين وخلاصة المدققين عين آل طه وياسين
مولانا العلامة الشريف السيد محمد افندى عابدين
نفع الله تعالى به في الدنيا والدين وتعمده
برحمته آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لواهب العقل. الذي ميز به أهل العلم على أهل الجهل. وجعله خير شاهد عدل * على ثبوت ما صح بالنقل. لانقاذ من ذل. وعن الطريق ضل. والصلاة والسلام على ذى المقام الاجل * الحائز لقصبات السبق في مضمار كل فضل وعلى جميع الآل والاصحاب والاهل * عدد كل وابل وطل. ما لبى محرم واهل (اما بعد) فيقول الفقير إلى رحمة رب العالمين * محمد عابدين * كان الله له خير معين ورحم والديه ومشايخه والمسلمين. أنه قد ورد على من ثغر صيدا سؤال وجوابه لمفتيها محصله صحة الفسخ بخيار الغبن بلا تغرير وصحة حكم القاضى بذلك فكتبت في جانبه الجواب بما يخالفه ولم أطول الكلام في بيان التوجيه والتعليل. لعلمي بان من يتصدر للافتا يكفيه القليل. فلما وصل إليه ذلك جمع له اخوه النائب في صيدا وريقات سماها الرد المسدد. على من يقول أن القول بالرد بالغبن الفاحش مطلقا غير معتمد كتب فيها السؤال وجواب أخيه * وجوابي الذي ينافيه. وكتب في الرد على جوابي ما ظهر لفهمهما مما لا يقبله ولا يرتضيه. كل فقيه نبيه وارسلا هذه الوريقات إلى بعض الناس. ممن له في زعمهما في هذا الشأن احساس فاثنى عليهما وصوب رأيهما ونسب جوابي إلى المناقضة والفساد * والاستدلال على ما ينفى المراد. واخبرنى من جاءني بالسؤال أن معه كتابا أرسل إليه مشتملا على الطعن والذم في الفقير. وطلب منى الجواب عما قاله هؤلاء الطاعنون بلا تصور ولا تدبير. والح على كثيرا وأنا امتنع لاشتغالى بما هو اهم * وخوفا من ضياع الوقت بخطاب من لا يفهم. فلما لم ار بدا من الجواب * لازهاق الباطل واظهار الحق والصواب * جمعت هذه الرسالة (وسميتها) تحبير التحرير * في ابطال القضا بالفسخ بالغبن الفاحش بلا تغرير. وقيدت التسمية بقولى بلا تغرير. لاني ما قلت بمنع الرد مطلقا كما تعلمه في اثناء التقرير. حيث اذ كر حاصل السؤال وجواب ذلك المفتى وجوابي واعتراض أخيه على جوابي ثم اعقب ذلك بما في كلام هؤلاء الطاعنين من العوار * وان ما بثوه على شفا جرف هار (فأقول) وبحوله تعالى أصول (حاصل السؤال) في دار مشتركة بين قصر وبالغين باع البالغون حصتهم لزيد وباع وصى القصر حصتهم لزيد أيضًا وحرر ذلك في حجة فيها الابراء من الغبن الفاحش والمسوغ الشرعى في خصة القصر وان الثمن ثمن المثل والآن ادعى البلغ والوصى على المشترى بالغبن الفاحش (فهل تسمع دعواهما وللقاضى
الحكم بفسخ البيع حيث رآه انفع للقصر ولا عبرة لما كتب في الحجة بل العبرة لما في الواقع (وهل الرد بالغبن الفاحش قول مصحح في المذهب (وهل تقدم بينة الغبن على بينة المشترى أن الثمن ثمن المثل (وحاصل) الجواب نعم تسمع الدعوى المذكورة ولا يمنع ما ذكر في حجة البيع وإذا انكر البلغ الإبراء فالبينة على المشترى كما افتى به الخير الرملى حيث قال تسمع دعوى اليتيم وتقبل بينته على أن البيع كان بالغبن الفاحش ولا يمنع من ذلك ما ذكر في صك التبايع ولو أقام المشترى بينة أن القيمة مثل الثمن واقام اليتيم بينة الغبن فبينة الغبن أولى انتهى (وذكر) في سؤال آخر في وصى قاض باع كرما لمهر زوجة الميت وعزل الوصى واقيم غيره فادعى أنه بغبن فاحش وبرهن على ذلك فأجاب نعم تقبل البينة انتهى (وذكر) في جواب سؤال آخران تقديم بينة الغبن مذكور في البزازية والخلاصة ومشتمل الأحكام وغيرها وهو الراجح الذي عليه الأكثر والمذكور في بعض المتون الموضوعة للصحيح من الأقوال فكان عليه المعول انتهى (فإذا) رفع كل من البلغ أو الوصى أو خصم عنهما أمرهما إلى قاض وثبت الغبن وحكم القاضى بانفساخه حيث رآه انفع لجهة القصر صح حكمه ونفذ قضاؤه لما سمعت من النصوص الصريحة بان دعوى الغبن مسموعة والقائلون بالرد بالغبن كثيرون اقوالهم معتمدة (قال) الخير الرملى واما الرد بالغبن الفاحش فقد افتى به كثير من علمائنا مطلقا ومع الغرور اجمع المتأخرون عليه وعللوا الأول بأنه ارفق بالناس فلو رآه القاضى وحكم به نفذ اذ هو قول مصحح افتى به كثير من علمائنا انتهى ما في الخيرية (وإذا) رفع حكم هذا القاضى إلى غيره من القضاة وجب عليه تنفيذه ولا يجوز نقضه بعد استيفاء شرائطه سواء سواء كان متفقا عليه أم مختلفا فيه في محل بسوغ فيه الاجتهاد لقولهم في المتون والشروح وإذا رفع إليه حكم قاض آخر نفذه إلا ما خالف كتابا أو سنة مشهورة أو اجماعا (قال) في الخيرية اما المتفق عليه فظاهر واما المختلف فيه فلانه بالقضاء المستوفى للشرائط ارتفع الخلاف وانقطع الخصام وهذا مما أجمعت عليه الأمة. واتفقت عليه الأئمة. ومع ارتفاع الخلاف. كيف يسوغ الاستيناف. انتهى ما في الخيرية (فهذا) حاصل ما أجاب به ذلك المفتى (واما جوابي) الذى كتبته بجانبه فهو قولى الحمد لله تعالى الجواب عن هذا السؤال المذكور. على ما هو المحرر في كتب المذهب ومسطور. أن يقال أن دعوى القاصرين بعد بلوغهم بان بيع الوصى كان بغين فاحش مسموعة ونقله ما مر في الجواب السابق (لكن بشرط أن لا يكون وقت البيع قد شهدت بينة بان الثمن هو من المثل اذ ذاك بعد دعوى صحيحة لدى حاكم
شرعى فإن قامت البينة وقت البيع كذلك لا تسمع دعواهم الآن ولا تقبل بينتهم الآن على الغبن الفاحش (لأن البينتين إذا تعارضتا واتصل القضا بإحداهما لا تسمع الثانية كما هو مشهور. وفى كتب المذهب مسطور. وما مر من تقديم بينة الغبن فذاك فيما إذا لم يحكم بالأخرى. وعلله الخير الرملى في كتاب الدعوى بقوله لا يتصور بيع واحد بمثل القيمة وغبن فاحش للتنافى انتهى. وذلك بعد ما صرح في صدر الجواب بقوله
(1)
لا يصح نقض الحكم الأول لانه بعد تأكده بالحكم السابق لا ينقض ولا يحول انتهى (واما دعوى البالغين الغبن وفسخهم البيع به ففيها أقوال ثلاثة قبل تصح ويفسخ مطلقا وقيل لا مطلقا وقيل بالتفصيل أن غره نعم والا فلا وبه افتى أكثر العلماء رفقا بالناس ومشى عليه في متن التنوير آخر باب المرابحة. وفي الزيلعي والصحيح أن يفتى بالرد أن غره والا فلا. وبه افتى الخير الرملي قبيل البيع الفاسد (حيث سئل) هل له خيار الفسخ به حيث غره بذلك (أجاب) نعم له فسخ البيع بذلك والحالة هذه وقد ذكر المسئلة في فتاوى قارى الهداية في ثلاثة مواضع منها وكذا ذكره الزيلعى في باب التولية والمرابحة وصاحب البحر وصاحب منح الغفار * وكثير من الاسفار. فاختار بعضهم الرد مطلقا وبعضهم عدمه مطلقا والصحيح الذي يفتى به أن غره رد والا فلا انتهى (ونقل) قبله في الخيرية قوله وعلى هذا فتوانا وفتوى أكثر العلماء رفقا بالناس انتهى (فإن قلت) لم اطلقتم الجواب في فسخ القاصر بعد بلوغه بدون اشتراط التغرير (قلت) ان البالغ العاقل يصح شراؤه وبيعه لنفسه ما عز وهان فصح تصرفه لكن ان غره البائع مثلا فهو معذور فيثبت له خيار الرد بخلاف وصى القاصر فإن تصرفه في مال القاصر منوط بالمصلحة وليس من المصلحة بيعه مال القاصر بالغبن الفاحش ولو بدون تغرير. كما لا يخفى على الحاذق الخبير (وحيث) علمت أن الصحيح في البالغ أنه ليس له الرد إلا بالتغرير فلو حكم حاكم في زماننا بالرد بدون تغرير لم ينفذ حكمه (قال) في الدر المختار من كتاب القضاء المقلد متى خالف معتمد مذهبه لا ينفذ حكمه وينقض وهو المختار للفتوى (وقال) أيضًا ولو قيده السلطان بصحيح مذهبه كزماننا تقيد بلا خلاف لكونه معزولا عنه انتهى والمسئلة شهيرة فهذا ما يجب التعويل عليه في الجواب والله تعالى أعلم بالصواب هذا ما كتبته (واما الذى كتبه) نائب صيدا اخو المجيب الأول فهو قوله الحمد لله وحدم والصلاة
(1)
قوله لا يصح نقض الحكم الأول اى الحكم بأنه بمثل القيمة فافهم منه.
والسلام على من لا نبي بعده أقول (اما) قوله أن دعوى القاصرين بعد بلوغهم بان بيع الوصى كان بغبن فاحش مسموعة بشرط أن لا يكون وقت البيع قد شهدت بينة بان الثمن هو ثمن المثل إلى آخر عبارته فمسلم لاشك فيه ولا خفا لانه معلوم مشهور وفى كتب المذهب مسطور وإنما ترك المجيب هذا التقييد بالشرط في الجواب فيحتمل أنه للعلم به من كتب الاصحاب ويحتمل أيضًا أن نقول أنه اقتصر في جوابه على المسؤل (واما) قوله وحيث علمت أن الصحيح في البالغ أنه ليس له الرد إلا بالتغرير فلو حكم حاكم في زماننا بالرد بدون تغرير لم ينفذ حكمه فممنوع وغير مسلم وما نقله عن الدر لا يقوم حجة ولا دليلا وذلك لانا لم نر من صرح من علمائنا بان القول بالرد بدون تغرير ضعيف أو غير معتمد حتى يقال أن المقلد متى خالف معتمد مذهبه لا ينفذ حكمه وينقض وليس فيما ذكره من النقول ما يدل على ضعف هذا القول او انه غير معتمد كيف وقد صرح الخيرى عليه الرحمة بان الرد بالغبن مطلقا افتى به كثير من علمائنا وانه ارفق بالناس فلو راه القاضى وحكم به نفذ اذ هو مصحح افتى به كثير من علمائنا انتهى * وهذا صريح منه رحمه الله تعالى بان القول بالرد مطلقا ليس بالغير المعتمد بل هو مصحح مفتي به * وصرح أيضًا في كتاب البيوع من فتاويه حيث سئل عن خيار الغبن الفاحش فأجاب. قال في البحر من باب المرابحة والتولية نقلا عن القنية من اشترى شيئًا وغبن فيه غبنا فاحشا فله ان يرده على البائع بحكم الغبن وفيه روايتان ويفتى بالرد رفقا بالناس. ثم رقم لاخر وقع البيع بغبن فاحش ذكر الجصاص وهو أبو بكر الرازي في واقعاته أن للمشترى أن يرد وللبائع أن يسترد وهو اختيار أبي بكر الزرنجرى والقاضي الجلال وأكثر روايات المضاربة الرد بالغبن الفاحش وبه يفتى. ثم رقم خلافه وبه افتى بعضهم وهو ظاهر الرواية. ثم رقم لاخر ان غر المشترى البائع فله أن يسترد وكذا ان غر البائع المشترى له أن يرد وعلى هذا فتوانا وفتوى أكثر العلماء رفقا بالناس انتهى (ومثله) في الدر المختار وعبارته واعلم أنه لا رد بغبن فاحش هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين في ظاهر الرواية وبه افتى بعضهم مطلقا كما في القنية ثم رقم وقال ويفتى بالرد رفقا بالناس وعليه أكثر روايات المضاربة وبه يفتى ثم رقم وقال ان غره أي غر المشتري البائع أو بالعكس أو غره الدلال فله الرد والا لا وبه افتى صدر الإسلام وغيره انتهى (وفي) شرح الكنز للعيني قالوا في المغبون غبنا فاحشا له أن يرده على بائعه بحكم الغبن وقال أبو على النسفي فيه روايتان عن أصحابنا ويفتي برواية الرد رفقا بالناس
وكان صدر الإسلام أبو اليسر يفتى بان الراد إذا قال للمشترى قيمة متاعى كذا أو قال متاعى يساوى كذا فاشترى بناء على ذلك فظهر بخلافه له الرد بحكم أنه غره وإن لم يقل ذلك فليس له الرد وقيل لا يرد كيف ما كان والصحيح أن يفتي بالرد ان غره والا فلا انتهى (وفى) حواشى الاشباه للعلامة الحموى رحمه الله تعالى وقد ذكر المصه في شرح الكنز الخلاف في الرد بالغبن الفاحش ثم قال فقد تحرران المذهب عدم الرد به ولكن بعض مشايخنا افتى بالرد وبعضهم افتى به أن غره الآخر وبعضهم افتى بظاهر الرواية من عدم الرد مطلقا وبعضهم اختار الرد به إذا لم يعلم به المشترى وكما يكون المشتري مغبونا مغرورا يكون البائع كذلك كما في فتاوى قارى الهداية والصحيح ان ما يدخل تحت تقويم المقومين يسير وما لا يدخل فاحش انتهى ومثله في كثير من الكتب المعتمدة (ولم) ينصوا على أن القول بالرد مطلقا غير معتمد بل صريح عباراتهم ناطقة وشاهدة بأنه مصحح مفتي به (واما) قول الخيرى وعلى هذا فتوانا وفتوى أكثر العلماء رفقا بالناس فيحتمل رجوع هذا الضمير البارز
(1)
إلى كل من القول بالرد مطلقا والقول بالرد مع التغرير اخذا من قوله رفقا بالناس مع سوقه رواية ظاهر الرواية لأن كلا من القولين فيه رفق بل الأول ارفق كما ذكره الخيرى بقوله وعللوا الأول بأنه ارفق بالناس لكن رجوعه إلى القول بالرد مع التغرير اوجه لانه أقرب مذكور وعلى كل فلا دليل في ذلك على أن القول بالرد مطلقا غير معتمد فلا يصلح حجة المدعى عدم الاعتماد (وحيث) ظهر لك بهذه النقول التي أوردناها أن القول بالرد مطلقا أيضًا قول معتمر مصحح افتى به كثير من علمائنا كالقول بالرد مع التغرير قطعت وحزمت أنه لو حكم به حاكم نفذ ولا ينقض لأن الحاكم بهذا الحكم لم يكن مخالفا معتمد مذهبه بل يكون قد وافق حكمه قولا معتمدا مصححا في المذهب ويكون قول صاحب الدر المقلد متى خالف معتمد مذهبه الخ ليس واردا (وعلى) هذا فتقول المجيب الأول فلو حكم حاكم به نفذ صحيح ويؤيده قول المرحوم الخيرى فلو راه القاضى وحكم به نفذ اذ هو قول مصحح افتى
(1)
قوله الضمير البارز قد اجاد وافاد. فوق المراد. بهذه العبارة السنية مسئلة نحويه. تكتب بمرارة الجمل. أو خل الدقل. على ورق البصل. لانها خفيت على البصريين والكوفيين كالكسائي وسيبويه ونفطويه وابن خالويه وهى ان لفظ هذا من الفاظ الضمائر لكنه لم يصرح بأنه ضمير غائب أو ضمير حاضر وكأنه لاحتمال كل من الأمرين واما كونه ضمير متكلم فالظه أنه لا يجوز عند أهل البلدين فلتراجع المسئلة من الكتب المبسوطة فلعلها بعد التأمل توجد مضبوظة منه.
به كثير من علمائنا وهو كما ترى يصادم قول هذا المجيب الثاني فلو حكم حاكم به لم ينفذ حكمه وحيث ادعى أن القول بالرد مطلقا غير معتمد فيحتاج إلى البيان والى إقامة الحجة والبرهان والا فمدعى الاعتماد مثبت وغيره ناف والحق احق أن يتبع ورحم الله تعالى الإمام أبا حنيفة النعمان حيث قال إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فعلى الرأس والعين وإذا كان عن أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم اخذنا من قولهم ولم نخرج عن قولهم وإذا كان عن التابعين زاحمناهم وفي رواية فهم رجال ونحن رجال وفى هذا القدر كفاية لاهل الفهم والدراية اهـ (هذا نص ما كتبه نائب صيدا) وقد ظن أنه صاد صيدا. ولم يدر أنه حاطب ليل. وجارف سيل. فإنه نقل في كلامه ما هو حجة عليه. ومسدد اسهم الرد إليه. وحيث لم يفهم ذلك. ولم يغنه ما اشرنا إليه هنالك. تعين البيان. واظهار الحق للعيان. بسوق جيوش نقول. ليس في سيوفها فلول. تقد دروع الباطل والبهتان وتحطم ضلوعه قبل أن تسل من الاجفان
شعر
ولقد أقول لمن تحرش بالهوى
…
عرضت نفسك للبلى فاستهدف
(فأقول) اعلم اولا أني قد كنت كتبت الجواب السابق على عجل فلم اصرح بجميع ما في جواب ذلك المفتى وحكم أخيه من الخلل. بل صرحت ببعض ذلك. ظنا منى بفهمهما ما اشرت إليه هنالك * فانى ذكرت في جواب أن دعوى القصر بعد بلوغهم مسموعة ولم اقل مثل ما قال ذلك المفتى ان دعوى وصيهم مسموعة إشارة إلى انها لا تسمع ولكن اين من يفهم وبالاشارة يقنع (ففى) الفتاوى الرحمية سئل في وصى باع شجر اليتيم الموضوع في أرض الوقف المحتكرة هل يحتاج إلى مسوغ شرعى كالعقار واهل تسمع دعوى هذا الوصى أنه بعين فاحش او انه وقف او لا
(أجاب) لا يحتاج إلى مسوغ لأن الشجر من قسم المنقول لأنَّه ليس محفوظا بنفسه وبيع الوصى للمنقول جائز بلا مسوغ واما دعوى هذا الوصى ان بيعه بالغين الفاحش لينقضه فلا تسمع لانه يسعى في نقض ما تم من جهته فسعيه رد عليه إلا ما استثنى وهذه ليست من ذلك واما دعواه أنه وقف فالصحيح انها لا تسمع للتناقض كما في الخانية ولو أقام البينة على ذلك لا تقبل على الاحوط كما في الزيلعي في مسائل شتى والحالة هذه والله تعالى أعلم انتهى ما في الرحيمية من كتاب الوصايا (فهذا) يدلك على خطأ ذلك المفتى في فتواه وعلى بطلان حكم أخيه فيما حكم به وامضاه. حيث كان ذلك الوصى لا تسمع دعواه. فإنه ليس بخصم والخصم شرط صحة الحكم
بلاشك ولا اشتباه * نعم لو ادعى ذلك وصى اخر غير البائع يصح لما في البزازية برهن الوصى الثانى أن الوصى الأول كان باعه بغبن فاحش او باع العقار المتروك لقضاء الدين مع وجود المنقول يقبل ويبطل البيع انتهى (ولكن) الواقع في السؤال أنه الوصى الأول لانه ذكر معرفا اولا وثانيا والمعرفة إذا اعيدت معرفة فهى عين ولو كان مراد المجيب أنه وصى اخر كان الواجب عليه أن يشير إليه * ثم اعلم أن العلم امانة وكتمه خيانة وانى بعد تحرير هذه الرسالة رأيت صاحب الأشباه استثنى مسئلة الوصى من قاعدة من سعى في نقض ما تم من جهته فافاد صحة دعواه وافتى به التمرتاشي الغزى وهو خلاف ما في الرحيمية ويؤيده ان في الدر المختار أن بيع الوصى مال اليتيم بغبن فاحش باطل وقيل فاسد ورجح انتهى فحيث كان كذلك يجب فسخه لكن كتب السيد أبو السعود في حاشية الأشباه ما يفيد التوفيق حيث ذكر عن الخانية وصى باع مال اليتيم ثم طلب منه بأكثر فإن القاضى يرجع إلى أهل البصر والامانة ان أخبره اثنان منهم ان قيمته ذلك لا يلتفت إلى من يزيد وإن كان في المزايدة يشترى بأكثر وفي السوق باقل لا ينقض بيع الوصى بل يرجع إلى قول رجلين من أهل الامانة على قول محمد وعلى قولهما يكفي قول الواحد وعلى هذا قيم الوقف انتهى ووجه التوفيق أن القاضى بسؤال أهل الامانة يعلم بفساد هذا البيع فينقضه وإن لم يدع الوصى بذلك وفي التنوير وشرحه من البيع الفاسد وإذا اصر أحدهما على امساكه وعلم به القاضى فسخه جبرا عليهما حقا للشرع انتهى فعلم ان سماع دعوى الوصى بذلك إنما تسوغ إذا علم القاضى بفساد البيع من أهل الخبرة فهذا وجه ما في الاشباء والتمر تاشية اما إذا لم يعلم القاضى ذلك فلا يلتفت إلى دعواه لتكذيب أهل الخبرة له ولتناقضه وسعيه في نقض ما تم من جهته وهذا وجه ما في الرحيمية وهذا معنى قول الخانية لا يلتفت إلى من يزيد فعلم أن هذا النائب إذا حكم بالفسخ بلا سؤال أهل الخبرة والامانة فحكمه باطل كيف والمذكور في حجة التبايع كما مر في السؤال أن الثمن من المثل (ومن جملة ما في جوابه من الخلل أنه استشهد على صحة دعوى ذلك الوصى بما في الخيرية من سماع دعوى اليتيم بعد بلوغه وبما فيها أيضًا من سماع دعوى وصى اخر بعد عزل الأول فكأنه زعم في نفسه أنه بلغ رتبة الاجتهاد في المذهب حتى افتى بالقياس فإن مسئلته في دعوى الوصى الأول وقد علمت ان دعواه غير مسموعة لسعيه في نقض ما تم من جهته إلا إذا علم القاضى صدقه بسؤال أهل الخبرة بخلاف دعوى وصى اخر أو دعوى اليتيم بعد بلوغه فإنه لم يوجد منهما ذلك فكيف يصح القياس والاستشهاد * يا عباد الله ما هذا الخلل والفساد
(ومن جملة) ما فيه من الخلل أنه ترك من شروط صحة تلك الدعوى أن لا يكون وقت البيع ثبت أن الثمن ثمن المثل فإنه إذا ثبت ذلك لا تسمع دعوى الغبن كما بيناه مع أنه مذكور في حجة التبايع أن الثمن ثمن المثل مع صدور الابراء من الغبن الفاحش وقد تعرض في الجواب لمسئلة الابراء ولم يتعرض لكون الثمن ثمن المثل ثابتا أو غير ثابت مع أنه لو ثبت لم يصح الحكم الذى حكم به اخوه النائب (واما جواب أخيه عنه بأنه لم يتعرض لذلك لكونه مشهورا في كتب المذهب أو لكونه اقتصر في جوابه على المسؤل عنه فنقول يمكن أن يكون عالما بكونه مشهورا قبل أن انبهه في جوابي عليه ولكنه لم يقتصر في جوابه على غير المشهور فكان عليه افادة ذلك أيضًا ليفيده لمن كان جاهلا به ولاسيما المقام مقام بيان ومراده فسخ عقد البيع السابق بتقديم بينة الغبن فلا بد من بيان عدم ما ينافيه حتى يتمكن من فسخه وايضا لما اراد اخوه النائب أن يحكم بفسخ البيع وعلم أن في حجة التبايع كون الثمن ثمن المثل والحجة في عرف زماننا ما يكتب فيها حكم الحاكم فكان عليه أن يحتاط في ذلك ويسأل عنه فإن كان لم يحكم إلا بعد التثبت فقد فعل ما وجب * والا فلا عجب (ومن جملة) ما فيه من الخلل أنه افتى بخلاف ما صرحوا بأنه هو ظاهر الرواية وانه هو المذهب وانه المفتى به وانه هو الصحيح وانه الذي افتى به أكثر العلماء وانه الارفق بالناس وانه الذي اجمع عليه المتأخرون وهذه الالفاظ مذكورة في كلام ذلك النائب الذي رد به جوابي ولم يدر أنها حجة عليه اذ لم يبق شيء في الفاظ الترجيح اقوى من هذه الالفاظ التي خالفها ذلك المفتى واخوه * ولا شك ولا شبهة أن هذه الالفاط صريحة في أن المعتمد في المذهب خلاف ما مشيا عليه من الفسخ بالغبن الفاحش مطلقا (وقد) نقلت عن الدر المختار أن المقلد متى خالف معتمد مذهبه لا ينفذ حكمه وينقض وهو المختار وانه لو قيده السلطان بصحيح مذهبه كزماننا تقيد بلا خلاف لكونه معزولا عنه اهـ. وقد صرحوا بان المذهب والصحيح وظاهر الرواية خلاف القول بالفسخ مطلقا وقد حكم ذلك النائب بالفسخ مطلقا فقد خالف معتمد مذهبه وخرج عما قيده به السلطان ولا ينفعه ما قيل أنه به يفتى وعليه أكثر روايات المضاربة بعد ما سمعت أنه خلاف المذهب وخلاف ظاهر الرواية وخلاف المفتى به وخلاف الصحيح وخلاف ما اجمع عليه المتأخرون * واما ما نقله ذلك النائب واخوه عن الخير الرملى من أن الرد بالغبن الفاحش افتى به كثير من علمائنا مطلقا الغرور اجمع المتأخرون عليه وعللوه بأنه الارفق فلو رآه القاضي وحكم به نفذ اذ هو قول مصحح افتى به كثير من علمائنا اهـ فانى لم أجده في فتاوى الخير الرملي بعد استقصائي مظانه مثل كتاب البيع وكتاب
القضا وكتاب الدعوى ولكن على تسليم وجوده وصحة نقله فكلامه في القاضى الذى له رأى ونظر واستنباط وهو المعبر عنه بالمجتهد في المذهب بدليل قوله فلو رآه القاضى فإن الرأى بمعنى الاجتهاد والنظر كما يعرفه من سبر كلامهم * قال البيرى في شرحه على الأشباه هل يجوز العمل بالضعيف من الرواية في حق نفسه نعم إذا كان له رأى قال في خزانة الروايات العالم الذي يعرف معنى النصوص والاخبار وهو من أهل الدراية يجوز له أن يعمل بها وإن كان مخالفا لمذهبه اهـ وفى قضاء الدر المختار عن القهستاني وغيره اعلم أن كل موضع قالوا الرأى فيه للقاضى فالمراد قاضى له ملكة الاجتهاد اهـ. وبه ظهر ان قول الخير الرملي فلو راه القاضى أي القاضي الذي له راى في مواقع الاجتهاد وإن كان اجتهادا مقيدا لأن القاضي الذي هو مقلد محض لا راى له وانما هو مثل المفتى المقلد ناقل وحاك لقول غيره كما صرحوا به (وهذا إذا كان الضمير في قوله فلو راه القاضى راجعا إلى الأول لا إلى الثاني الذي قال أنه اجمع عليه المتأخرون (وإن كان مراده القاضى المقلد وانه لو حكم بالرد مطلقا نفذ حكمه) فهو غير مسلم بالنسبة إلى قضاة زماننا لما علمت من أنه خلاف المعتمد في المذهب وخلاف ظاهر الرواية (فإن قلت) اليس القول بالرد مطلقا قولا معتمدا مصححا أيضًا بدليل أنه افتى به كثير (قلت) هذا هو منشاء الغلط في مسئلتنا فلابد في بيانه من زيادة الكشف والتحقيق * حتى يظهر الحق لذوى التوفيق فنقول قد علمت أن القول بفسخ البيع بالغبن الفاحش مطلقا مخالف لظاهر الرواية وان المذهب خلافه * وقد قال في البحر من كتاب القضاء ان ما خرج عن ظهر الرواية فهو مرجوع عنه والمرجوع عنه لم يبق قولا للمجتهد اهـ * وقال في باب قضاء الفوائت أن المسئلة إذا لم تذكر في ظاهر الرواية وثبتت في رواية أخرى تعين المصير إليها اهـ يعنى واما إذا ذكرت في كتب ظاهر الرواية أيضًا تعين المصير إلى ما هو ظاهر الرواية لما علمت من أن خلافه مرجوع عنه * وقال في انفع الوسائل أن القاضى المقلد لا يجوز له أن يحكم إلا بما هو ظاهر المذهب لا بالرواية الشاذة إلا أن ينصوا على أن الفتوى عليها اهـ يعنى ولم ينصوا على تصحيح ظاهر الرواية * قال في البحر من كتاب الرضاع الفتوى إذا اختلفت كان الترجيح لظاهر الرواية * وقال فيه من باب مصرف الزكاة إذا اختلف التصحيح وجب الفحص عن ظاهر الرواية والرجوع إليه انتهى (وقال) فيه من باب التعليق عن الخانية لو قال لزوج طلقتك امس وقلت إن شاء الله في ظاهر الرواية القول قوله وفي النوادر عن محمد لا يقبل قوله ويقع الطلاق وعليه الاعتماد والفتوى احتياطا
لغلبة الفساد انتهى (قال) محشيه الخير الرملي أقول وحيثما وقع خلاف وترجيح لكل من القولين فالواجب الرجوع إلى ظاهر الرواية لأن ماعداها ليس مذهبا لاصحابنا وكما غلب الفساد في الرجال غلب في النساء فيفتى المفتى بظاهر الرواية الذى هو المذهب ويفوض باطن الامر إلى الله تعالى فتأمل وانصف من نفسك انتهى (وقد) افتى بذلك في فتاواه الخيرية وقال ينبغى أن لا يعدل عن ظاهر الرواية لما صرحوا به أن ما خرج عن ظاهر الرواية ليس مذهبا لابي حنيفة ولا قولا له ففى البحر ما خرج عن ظاهر الرواية فهو مرجوع عنه لما قرروه في الاصول من عدم امكان صدور قولين مختلفين متساويين من مجتهد والمرجوع عنه لم يبق قولا له الخ (وقوله) ينبغى بمعنى يجب بدليل قوله في عبارته السابقة فالواجب الرجوع إلى ظاهر الرواية (فانظر) كيف اوجب الرجوع إلى ظاهر الرواية مع عدم تصريحهم بتصحيحه وتصريحهم في القول الآخر بان عليه الاعتماد والفتوى وما ذاك إلا لكون ما خالف ظاهر الرواية قولا مرجوعا عنه ليس مذهبا لابي حنيفة فكيف يتأتى منه أن يقول في مسئلتنا أنه إذا رآه القاضى وحكم به نفذ حكمه مع اعتقاده بان ذلك القاضي قد خالف الواجب عليه من اتباع مذهبه فتعين ما قلناه سابقا في تأويل كلامه بعد صحة نقله عنه والا فلا حاجة إلى التأويل (وفى) قضاء التنوير ويأخذ أي القاضى كالمفتى بقول أبي حنيفة على الإطلاق ثم بقول أبي يوسف ثم بقول محمد ثم بقول زفر والحسن بن زياد ولا يخبر إذا لم يكن مجتهدا (قال) شارحه بل المقلد متى خالف معتمد مذهبه لا ينفذ حكمه وينقض وهو المختار للفتوى كما بسطه المصه في فتاويه وغيره (ثم قال وفي شرح الوهبانية للشرنبلالي قضى من ليس مجتهدا كحنفية زماننا بخلاف مذهبه عامدا لا ينفذ اتفاقا وكذا ناسيا عندهما ولو قيده السلطان بصحيح مذهبه كزماننا تقيد بلا خلاف لكونه معزولا عنه انتهى (قلت) وبه علم أن قولهم وإذا رفع إليه حكم قاض امضاء إلا ما خالف كتابا أو سنة الخ إنما هو في القاضي الذي قضى بصحيح مذهبه فلو قضى بخلافه عامدا لا يصح قضاؤه فلا يمضيه غيره وكذا أو ناسيا عندهما وهو المعتمد (قال) في فتح القدير والوجه في هذا الزمان أن يفتى بقولهما لأن التارك لمذهبه عمدا لا يفعله الا لهوى باطل لا لقصد جميل واما الناسي فلان المقلد ما قلده الا ليحكم بمذهبه لا بمذهب غيره انتهى (وقال) أيضًا هذا كله في القاضي المجتهد فأما المقلد فإنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة فلا يملك المخالفة فيكون معزولا بالنسبة إلى ذلك الحكم انتهى (وقال) في الشرنبلالية عن البرهان وهذا صريح الحق
الذى يعض عليه بالنواجذ انتهى (فقد) ظهر لك من هذه النقول الصريحة انهم إذا افتوا بقولين متخالفين لا يعدل عن ظاهر الرواية التي هي نص المذهب وان من قال إذا كان في المسئلة قولان مصححان يختار المفتى ايهما أراد فذاك إذا لم يكن أحدهما ظاهر الرواية بل كانا متساويين في كونهما ظاهر الرواية أو خلافه لأنهما إذا صححا وكان أحدهما ظاهر الرواية يكون معه زيادة رجحان وهو كونه نص المذهب وكون الاخر خارجا عن المذهب فهو كما لو لم يصرح بتصحيح واحد منهما فإنه يجب الاخذ بظاهر الرواية (فإذا كان) ظاهر الرواية هو مذهب أبي حنيفة وكان خلافه خارجا عن المذهب وهو هنا القول بفسخ البيع بالغبن مطلقا وقد صرحوا بان الفتوى على كل من القولين وجب على المفتى والقاضى المقلدين لمذهب أبي حنيفة اتباع مذهبه لأن مذهبه ما صح نقله عنه وهو المعبر عنه بظاهر الرواية وتصحيح خلافه سقط بتصحيحه فحيث تساوى التصحيحان تساقطا فكأنه لم يصحح واحد منهما فوجب الرجوع إلى ما هو ظاهر الرواية ويكون هو الراجح والمعتمد في المذهب ويكون مقابله ضعيفا ومرجوحا لكونه خلاف المذهب (وإذا) حكم القاضى المقلد بخلاف مذهبه لا يصح حكمه لما علمت من قول المحقق ابن الهمام أن المقلد إنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة فلا يملك المخالفة فيكون معزولا بالنسبة إلى ذلك الحكم (وقد) سمعت ما في الشرنبلالية عن البرهان من ان هذا صريح الحق الذى يعض عليه بالنواجذ (وقد) قال الله تعالى فماذا بعد الحق إلا الضلال (وقال) العلامة قاسم في تصحيحه واما الحكم والفتيا بما هو مرجوح فخلاف الإجماع (وانت) قد عملت وتحققت ان كنت فهمت ان القول بالفسخ مطلقا خلاف المذهب وخلاف ظاهر الرواية وخلاف ما افتى به أكثر العلماء وخلاف الصحيح كما مر في النقول السابقة اولا وح فلاشك أنه يكون مرجوحا بالنسبة إلى ما هو المذهب وظاهر الرواية (فيكون) ما افتى به ذلك المفتى وحكم به ذلك النائب مخالفا للاجماع
شعر
فإن كنت لا تدرى فذاك مصيبة* وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم
(ومن) كان حاله هكذا لا ينبغى له أن يشبه نفسه بأبي حنيفة ويتمثل بقوله وإذا كان عن التابعين زاحمناهم وبقوله فهم رجال ونحن رجال فإن من يزاحم في هذا الشأن * لابد أن يكون من فرسان ذاك الميدان والا قيل له ما قال القائل * من الأوائل
أقول لخالد لما التقينا
…
تنكب لا يقنطرك لزحام
(ثم اعلم) أن كلا من المفتى والقاضى لابد أن يكون له معرفة واطلاع على ما هو الراجح في مذهبه ولا يعمل بالتشهى (قال) العلامة المحقق الشيخ قاسم انى رأيت من عمل في مذهبنا بالتشهى حتى سمعت من لفظ بعض القضاة هل ثم حجر فقلت نعم اتباع الهوى حرام والمرجوح في مقابلة الراجح بمنزلة العدم والترجيح بغير مرجح في المتقابلات ممنوع وقال في كتاب الاصول لليعمري من لم يطلع على المشهور من الروايتين أو القولين فليس له التشهى والحكم بما شاء منهما من غير نظر في الترجيح * وقال الإمام أبو عمرو في آداب المفتى أعلم أن من يكتفى بان يكون فتواه أو عمله موافقا لقول او وجه في المسئلة ويعمل بما شاء من الأقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح فقد جهل وخرق الاجماع * وحكى الباجي أنه وقعت له واقعة فافتوا فيها بما يضره فلما سألهم قالوا ما علمنا انها لك وافتوه بالرواية الأخرى التي توافق قصده * قال الباجي وهذا لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد به في الإجماع أنه لا يجوز * قال في أصول الاقضية ولا فرق بين المفتى والحاكم لأن المفتى مخبر بالحكم والقاضى ملزم به انتهى كلام العلامة قاسم (وقال) العلامة المحقق ابن حجر المكي في فتاواه الفقهية الكبرى قال في زوائد الروضة أنه لا يجوز للمفتى والعامل أن يفتى أو يعمل بما شاء من القولين أو الوجهين من غير نظر وهذا لا خلاف فيه وسبقه إلى حكاية الإجماع فيهما ابن الصلاح والباجي من المالكية في المفتى وكلام القرافي دال على أن المجتهد والمقلد لا يحل لهما الحكم والافتاء بغير الراجح لانه اتباع للهوى وهو حرام اجماعا انتهى (فقد) بان للاعين والاسماع * أن هذين الاخوين قد خرقا الإجماع * وسجل على جهله من صوب رأيهما * وحسن لهما فعلهما
(تنبيه) ثم اعلم أنه ظهر لي الآن هاهنا نظر دقيق * ومزيد تحقيق. يحصل به التوفيق * بمعونة التوفيق * وذلك أنه تقدم في عبارة الخيرية نقلا عن البحر عن القنية ما حاصله أن الرد بالغبن الفاحش فيه روايتان وإن بعضهم افتى بالرد رفقا بالناس وبعضهم افتى بعدمه وهذو ظاهر الرواية وبعضهم قال أن غر المشترى البائع أو بالعكس يثبت الرد وعلى هذا فتوانا وفتوى أكثر العلماء رفقا بالناس انتهى (والذى) يظهر من هذه العبارة أن القول الثالث توفيق بين الروايتين بحمل الرواية الأولى على ما إذا كان الغبن مع التغرير والثانية على ما إذا كان بدون تغرير ويؤيده ان من افتى بالرواية الأولى علل فتواه بقوله رفقا بالناس كما علل به أصحاب القول بالتفصيل فعلم انهم حملوا الرواية بالرد التي هي ارفق بالناس
على ما إذا كان مع التغرير وحلو الثانية التى ليس فيها رفق بالناس على ما إذا كان بدون تغرير اذ لا تصلح علة واحدة لقولين متغايرين وهذا التوفيق ظاهر ووجهه ظاهر اذ الرد مطلقا ليس ارفق بالناس بل خلاف الأرفق لانه يؤدى إلى كثرة المخاصمة والمنازعة في كثير من البيوع اذ لم تزل أصحاب التجارة يربحون في بيوعهم الربح الوافر ويجوز بيع القليل بالكثير وعكسه * والقول بعدم الرد مطلقا خلاف الارفق أيضًا. واما القول بالتفصيل فهو القول الوسط القاطع للشغب والشطط * وخير الامور أوساطها لا تفريطها ولا افراطها لأن من اشترى القليل بالكثير * مع خداع البائع والتغرير * يكون بدعوى الرد معذورا * وبائعه آثما ومازورا * (فلا جرم) ان قالوا وعلى هذا فتوانا وفتوى أكثر العلماء رفقا بالناس وقال الزيلعي انه الصحيح ومشى عليه في متن التنوير وعامة المتأخرين (ويظهر) من هذا أن ما يقع في بعض العبارات كعبارة الدر المختار من أنه افتى بالرد بعضهم مطلقا كما في القنية غير محرر لانه في القنية لم يذكر الإطلاق وكأن من صرح بالإطلاق فهم من عدم ذكر القيد في كل من الروايتين فحملهما على الإطلاق ولم يلحظ ما لحظه أهل التوفيق * ودفع التنافى بين الروايتين والتفريق * وارجاعهما إلى رواية واحدة * ويا لها من فائدة واى فائدة * وكم لذلك من نظير * كما يعرفه من هو بالفقه خبير. مثل توفيقهم بين الروايات الثلاث المنقولة في صلاة الوتر والروايتين في صلاة الجماعة وغير ذلك اذ لا شك أنه أولى من التناقض في أقوال المجتهد وهذا شأن كل متناقضين ظاهرا في النصوص وغيرها من أقوال العلماء فإنه يطلب اولا التوفيق فإن لم يمكن يطلب الترجيح كما هو مقرر في كتب الاصول وغيرها (مع أنه) قد صرح المحقق ابن الهمام في تحريره وكذا غيره بان المنقول عن عامة العلماء في كتب الاصول أنه لا يصح لمجتهد في مسئلة قولان للتناقض فإن عرف المتأخر منهما تعين كون ذلك رجوعا والا وجب ترجيح مجتهد بعده بشهادت قلبه وان نقل عنه في أحدهما ما يقويه فهو الصحيح عنده والعامي يتبع فتوى المفتى الاتقى الاعلم والمتفقه يتبع المتأخرين ويعمل بما هو صواب واحوط عنده انتهى ملخصا (وقد) اشبعت الكلام في هذه المسئلة في شرح ارجوزتي التي جمعتها في رسم المفتى فارجع إليها في هذا المحل ترى ما يشفى العليل (وحيث) علمت أنه لا يصح في مسئلة لمجتهد قولان متناقضان علمت أن الحق الحقيق * مع أهل التوفيق *وانه الصواب * الذى لاشك فيه ولا ارتياب * وانه ليس في المسئلة المتنازع فيها روايتان * ولا قولان متناقضان * بل قول واحد * لا يجحده جاحد (وعلى هذا) فما اجمع عليه المتأخرون لم يخرج عن ظاهر الرواية وعن هذا قال الزيلعي
أنه الصحيح وقد صرحوا بان مقابل الصحيح فاسد وقد علمت أن المتفقه يتبع المتأخرين وحيث فصل لنا المتأخرون هذا التفصيل لانه لم يخرج عن الروايتين * بل هو عمل بها معا وبه صارتا متفقتين * واختلافهما في اللفظ فقط لاختلاف الجهتين * وجب الرجوع إليه * والتعويل عليه (وقد) صرح العلامة الشيخ ابراهيم الحلبي في شرحه على منية المصلى بأنه إذا جاءت رواية أو قول مطلق وقيده المشايخ بقيد وجب اتباعهم (فحيث) اتحدت الروايتان بهذا التفصيل صار هذا القول هو الذى قالوا أنه ظاهر الرواية وانه المذهب وانه الصحيح وانه المفتى به وح لم يبق لنا قول في المذهب بالرد مطلقها فضلا عن يكون قولا مصححا * أو معتمدا مرجحا (فإن قلت) هذا التحرير لم نر من ذكره * ولا سمعنا من اظهره واشهره (قلت) نعم هو كذلك وانه من فتح رب الممالك * واختص بكشفه هذا العبد الحقير * ببركة انفاس مشايخه خصوصا سعيدهم العالم التحرير * على أن الذي حررته ليس من عندى * ولا من قدح زندي * بل هو مأخوذ من كلامهم * على وفق مرامهم * فانظر فيما نقلته لك مرتين * وارجع البصر كرتين فإن رأيته ماخوذا من كلامهم فاقبله واطلبه. والا فرده على واجتنبه بعد أن تجتنب داء الحسد والاعتساف * وتسلك سبيل الحق مع أهل الإنصاف * وتنظر لما قيل لا لمن قال * وتعرف الحق بالحق لا بالرجال (ولقد) انصف خاتمة النحاة العلامة ابن مالك * سلك اللّه تعالى به خير المسالك * حيث قال في خطبة التسهيل وإذا كانت العلوم منحا آلهيه * ومواهب اختصاصية * فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين * ما عسر على كثير من المتقدمين (وقد) من اللّه تعالى على هذا العبد الحقير من هذا القبيل * بشيء كثير * يعرفه من اطلع على حاشيتي رد المحتار * على الدر المختار * وغيرها من الرسائل * المؤلفة في تحرير المسائل * واقول ذلك تحدثا بنعمة اللّه تعالى * وشكرا لها لتزداد على وتتوالى * فانى اتيقن أن ذلك كله بقوته سبحانه وحوله وامداد وطوله * فاحمد الله الذي بنعمه تتم الصالحات * وتستزاد العطايا وتستنمى البركات * هذا وقد ممم اشحن سفن هذه الرسالة بأنواع الغرر * واستخرج بغواص ممم مناسباتها نفائس الدرر * ولكنى من العوائق في قيود. وقد يستغنى ممم عند تعذر الورود (نعم) نطق لسان الالهام * بما اقتضاء المقام ممم
(حيث قال تحدثا بنعم ذي الجلال)
على كشف الخوافي
…
لكل شهم موافى
وما على إذا لم
…
بدر المقال مجافى
يا طالب الورد باكر
…
لتحتسى من سلافي
فاشرب
(1)
ورد ورد روضي
…
وكل ثمار اقتطافي
وكن حليف رشاد
…
واسلك سبيل انتصافي
وخذ خلاصة علم
…
ودع سبيل اعتسافي
(2)
وحل عاطل جيد
…
فدر عقدي صافي
وذاك توفيق رأى
…
به زوال الخلاف
فإنهم لم يجيزوا
…
على الفحول التنافى
وذى مقالة صدق
…
والحق ليس بخافي
(تتمة) لهذه المهمة اعلم انى عذرت هذين الاخوين * عفا عنهما خالق الملوين* لأن حداثة السن* تنفخ الشن* وتحقق الوهم والظن مع أنه غبنهما الغبن الفاحش مع التغرير * من هو في زعمهما أنه علامة تحرير * وقد علمت أن صاحب التغرير مخصوص بالرد عليه وبتصويب اسنة الطعن إليه * حيث قال من جملة ما حرر بقلمه * واتبعه بختمه * وما أجاب به الاخوان * تقربه العينان. وتصغى له الاذنان اذ ليس الخبر كالعيان * وجواب الشام لا يسام ولا يقوم به الميزان اذ صدره ينافى آخره * واوله ناقض ثانيه وناكره * هذا وعبارة الدرتنادى على كلامه بالفساد * وعلى ما قاله من الضعف بالكساد * على أنه صرح في غير موضع من ذلك الكتاب * بان المسئلة إذا كان فيها قولان مصححان جاز القضاء والافتاء بأحدهما ولاشك أن التصحيح فيها مختلف كما تراه في النقول المتقدمة ولا يجوز نقض الحكم بعد وقوعه صحيحا معتبرا فافهم * وعجبا لمن يتصدى للافاده * ويستدل بما ينفى مراده * ولله در القائل
ممم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم ممم بقلمه) واتبابه عن ضعف علمه وسقمه * فيا عباد الله من ينصفني ممم الافترا * والترهات الباطلة بلا مرا * متى كان ما أجاب به الاخوان * ممم بعد ما سمعته من ساطع البرهان * على أنه في الدرك الأسفل من البطلان * ممم أول كلامي آخره * وناقضه وناكره * ومتى كان في مسئلة قولان مصححان
(1)
ممم ورد بكسر الراء وسكون الدال المهملة أمر من الورود والواو فيه عاطفة ممم الثانية بكسر الواو وسكون الراء والاشراف على الماء وغيره.
(2)
ممم وحل أمر من التحلية.
حتى لا يقوم بكلامى ميزان * بعد ما سمعته من البيان * الذي لا يخفى على من له أدنى انصاف واذعان * لكونه منصوص اساطين العلماء الأعلام * الذين ازاح اللّه بانوارهم الظلام * واما عبارة الدر المختار * وكذا بقية عبارات الأئمة الاخيار * فقد افصحت عما في مقالته هذه من العوار * ودمرت جميع ما انت عليه باذن ربها أي دمار (واما) قوله لاشك أن التصحيح فيها مختلف * فنقول نعم عند من لا يفرق بين المختلف والمؤتلف * ولا يعرف معنى الصحيح والضعيف * ويعتقدان كل مستدير رغيف * ومن هذه شأنه لا يعتبر بشكه واعتقاده * ولا بإصداره وايراده (فقد) قالوا ان معرفة راجح المختلف فيه من مرجوحه ومراتبه قوة وضعفا * هو نهاية آمال المشمرين في تحصيل العلم دون الضعفا (وبهذا) ظهر لك أن تعجبه صادر من نفسه عليها وما انشده من البيت متوجه إليها * اذ قد بان من هو صاحب الفهم السقيم * والاحق بالتعنيف والتلويم * ومن يسعى إلى الهيجا بغير سلاح فإن دمه يراق ويستباح
شعر
يا سالكابين الاسنة والقنا * انى اشم عليك رائحة الدم
وإن السيف اقطع ما يكون اذا هز * والجواد اسرع ما يكون إذا لز * ولكن الأولى أن احبس العنان * واغمد حدى السيف واللسان * واعدل عن نار القرى* إلى نار القرى * واضرب عما يستحقه ذلك القائل صفحا * لنعقد ولو على رأى العامرية صلحا * فلعل من خطأ ابن اخت امه * بنى ذلك على حسب فهمه * لا قصدا منه إلى اخفاء الحق الابلج * واظهار الباطل المسمهج
شعر
ولست بمستبق اخا لا تمله * على شعث أي الرجال المهذب
وليس ذلك من باب الطعن والوقيعة * وإنما هو لتعرف المغتر بنفسه وصون احكام الشريعة * ويرحم الله تعالى الشيخ خير الدين حيث قال في الجواب سؤال رد فيه على بعض معاصريه * مع كونه ممن يماثله ويضاهيه
وما رمت ذما للمجيب وإنما
…
خشيت اقتحاما في قضاء محرم
وكيف واحكام الشريعة واجب
…
صيانتها من كل دخن مذمم
(وقد) آن أن احبس عنان القلم عن الجريان * في حومة ميدان البيان بعدما بان فجر الحق وانتشر في آفاقه * وتمزق ثوب ليل الباطل البهيم من اطواقه * راجيا منه سبحانه أن ينزع ما في القلوب من غل ويجعل قصدنا اظهار الحق ويجمعنا في حظيرة قدسه في ارفع محل وان يعفو عن عثراتنا
وزلاتنا وخطيئاتنا وأن يوفقنا جميعا لصالح العمل • ويحسن ختامنا عند انتهاء الاجل • وصلى اللّه تعالى على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين • وعلى آله وصحبه اجمعين • والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين • آمين والحمد لله رب العالمين • وذلك في نصف جمادى الآخرة من شهور عام ثمانية واربعين ومائتين والف على يد جامعها افقر العباد • واحوجهم إلى رحمة مولاه يوم التناد • محمد امين بن عمر عابدين غفر الله تعالى ذنوبه • وملأ من زلال العفو ذنوبه آمين