الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة تحرير النقول في نفقة الفروع والأصول
تأليف شيخنا العلّامة والعمدة الفهامه شيخ الإسلام وعلم الأعلام
السيد محمد عابدين
تغمده الله تعالى برحمته ونفعنا به آمين
الرسالة الثانية عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين (اما بعد) فيقول العبد الفقير. إلى مولاه القدير * محمد امين بن عمر عابدين. كان الله له أينما كان * ولطف به في كل مكان. وغفر له ولوالديه. ولمشايخه ولمن له حق عليه. امين ان مسائل النفقة على الاصول والفروع. المذكورة في كتب الفروع في باب النفقات. من كتب ائمتنا الحنفية الثقات. لم ارهم ذكر والها ضابطا يحصرها. حتى حار فيها عقل من يسيرها. وصار قصير الباع مثلى يخبط فيها خبط عشوى. ولا يهتدى إلى جواب حوادثها عند الفتوى. فشمرت عن ساق الجد والاجتهاد. واعملت الفكر فيما دونه خرط القتاد وتضرعت إليه سبحانه في بلوغ المراد. ابتغاء لوجهه تعالى ونفعا للعباد. حتى هداني سبحانه بحوله وقوته لا بحولى وقوتى * إلى أن اظهر على يدى ما ليس في طاقتي. بتحرير ضابط جامع. واصل نافع يحصر الفروع التي رايتهم ذكروها. ويوافق القواعد التي قرروها وحرروها. ويبين المراد مما اجملوه، ويوقف على ما تركو اذكره واهملوه، اعتمادا على حسن فقاهتهم * وقوة نباهتهم. وجمعت ذلك في رسالة (سميتها تحرير النقول. في نفقة الفروع والأصول) ورتبتها على ثلاثة فصول. واتبعتها بخلقة. راجيا حسن الخلقه فقدمت اولا ما ذكروه من العبارات * ثم ذكرت ما فيها من الاشكالات واجوبتها مع ما تحرر لي من هذه المقالات. ثم ذكرت الضابط واقعا فيه كل شيء في محله. حتى يرجع كل فرع إلى أصله. ثم ذكرت بعض زيادات وتوضيحات * وبالله استعين. في كل حين. راجيا منه الوصول إلى الصواب. والحصول على خالصه من اللباب. وأن ينفعنى بذلك والمسلمين امين.
(الفصل الأول) اعلم أن القرابة في الأصل نوعان قرابة الولادة وقرابة غير الولادة والثانية نوعان أيضًا قرابة محرمة للنكاح كالأخوة والعمومة والخؤلة وقرابة غير محرمة للنكاح كقرابة بنى الاعمام وبنى الخوال ولا خلاف عندنا في عدم ثبوت النفقة لهذه القرابة الاخيرة خلافا لابن أبى ليلى لأن قوله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) المراد منه الوارث من الاقارب الذى له رحم محرم بدليل قرأة عبد الله بن مسعود وعلى الوارث ذى الرحم المحرم مثل ذلك فبقى وجوب النفقة على القريب عندنا منوطا بقرابة الولادة وقرابة الرحم المحرم والمقصود لنا الكلام على الأولى منهما ولكنه
يستتبع بعض الكلام على الثانية (فنقول وبالله التوفيق) قال في الملتقى ونفقة البنت بالغة والابن زمنا على الأب خاصة وقيل على الأب ثلثاها وعلى الأم ثلثها وعلى الموسر يسارا يحرم الصدقة نفقة اصوله الفقراء بالسوية بين الابن والبنت ويعتبر فيها القرب والجزئية لا الإرث فلو كانت له بنت وابن ابن فنفقته على البنت مع أن ارثه لهما ولو كان له بنت بنت واخ فنفقته على بنت البنت مع أن كل ارثه للاخ وعليه نفقة كل ذى رحم محرم منه ان كان فقيرا صغيرا أو انثى أو زمنا او اعمى أو صحيحا لا يحسن الكسب لخرقه (الاخرق من لا يحسن الصنعة) أو لكونه من ذوى البيوتات أو طالب علم ويجبر عليها وتقدر بقدر الإرث حتى لو كان له اخوات متفرقات فنفقته عليهن اخماسا كما يرثن منه ويعتبر فيه اهلية الإرث لا حقيقته فنفقة من له خال وابن عم على خاله اهـ ونحوه في الاختيار ومختصر النقاية والتنوير ومواهب الرحمن (وقال) في الذخيرة ثم الأصل في نفقة الوالدين والمولودين أن يعتبر القرب والجزئية ولا يعتبر الميراث وإذا استويا في القرب تجب على من له نوع رحجان وإذا لم يكن لاحدهما رجحان فح تجب النفقة بقدر الميراث. فإذا كان للفقير ولد وابن ابن موسران فالنفقة على الولد لأنَّه أقرب. وإذا كان له بنت وابن ابن فعلى البنت خاصة وان كان الميراث بينهما لأن البنت أقرب. وإذا كان له ولد بنت واخ شقيق فعلى ولد البنت ذكرا كان أو أنثى وان كان الميراث للاخ (فعلم) أن العبرة لقرب القرابة والجزئية. ولو كان له أب وابن موسران فالنفقة على الابن وأن استويا في القرب لأنَّه ترجح باعتبار تأويل ثابت له في مال ولده أي في حديث انت ومالك لابيك ولو كان له جد وابن ابن فعليهما على قدر ميراثهما على الجد السدس والباقى على ابن الابن (والدليل) على عدم اعتبار الميراث أنه لو كان للمسلم ولدان أحدهما ذمي فعليهما وان كان الميراث للمسلم منهما وكذلك إذا كان له ابن نصراني واخ مسلم فعلى الابن وان كان الميراث للأخ. وكذلك لو كان للفقير بنت واخت لاب وام أو مولى عتاقة فعلى البنت وان كان الميراث بينهما سوية اهـ ملخصا ونقله في البحر وغيره (وقال) في البدائع شرح التحفة الحال في القرابة الموجبة للنفقة لا يخلوا ما ان كانت حال الانفراد واما ان كانت حال الاجتماع فإن كانت حال الانفراد بان لم يكن هناك من تجب عليه النفقة إلا واحدا تجب كل النفقة عليه عند استجماع شرائط الوجوب وان كانت حال الاجتماع فالاصل أنه متى اجتمع الأقرب والا بعد فالنفقة على الأقرب في قرابة الولادة وغيرها من الرحم المحرم وان استويا في القرب ففي قرابة الولادة يطلب الترجيح من وجه آخر وتكون النفقة على من وجد في حقه نوع رجحان
ولا تنقسم النفقة عليهما على قدر الميراث وان كان كل واحد منهما وارثا وان لم يوجد الترجيح فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما. واما (قوله واما في غيرها مقابل قوله ففى قرابة الولادة منه) في غيرها من الرحم المحرم فإن كان الوارت أحدهما والآخر محجوبا فالنفقة على الوارث ويترجح بكونه وارثا وان كان كل واحد منهما وارثا فالنفقة عليهما على قدر الميراث وإنما كان كذلك لأن النفقة في قرابة الولادة تجب بحق الولادة لا بحق الوراثة لقوله تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} وفى قرابة الرحم المحرم تجب باهلية الإرث لقوله تعالى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} علق الاستحقاق بالارث فتجب بقدر الميراث اهـ ثم ذكر الفروع على نحو ما مر عن الذخيرة ونحوه في الاختيار.
(الفصل الثاني) اعلم أن الذي تحصل من مجموع كلامهم أن المعتبر في قرابة الولادة هو القرب والجزئية دون الإرث إلا إذا تساويا ولا مرجح فيعتبر الإرث كما في جد وابن ابن موسرين فتجب اسداسا بقدر الإرث كما مر وعلله في البدائع بأنهما استويا في القرابة والوراثة ولا ترجيح على أحدهما من وجه آخر فكانت عليهما على قدر الميراث اهـ وان المعتبر
(9)
في الرحم المحرم قرب القرابة ثم الإرث
(أقول) ويرد على هذا الأصل ما في الخانية والذخيرة من أنه لو كان له أم وجد أبواب فالنفقة عليهما اثلاثا في ظاهر الرواية اعتبارا بالميراث اهـ فانهما من قرابة الولادة والأم أقرب من الجد ولم يعتبر فيها القرب بل اعتبر الإرث وكذا يرد ما في الخانية أيضًا لو له أم وجد لاب واخ شقيق فعلى الجد فقط عند الإمام وهو قول الصديق رضى الله تعالى عنه اهـ فاوجبها على الجد دون الأم مع اشتراكهما في الإرث وقرابة الولادة وترجح الأم بكونها أقرب، وكذا يرد ما لو كان له ابن وبنت موسران فالنفقة عليهما بالسوية في اظهر الروايتين كما في الذخيرة مع اشتراكهما في القرب والجزئية بلا مرجح ومقتضى ما مر أنه يعتبر بقدر الإرث كما في جد وابن ابن. وكذا يرد ما لو كان له ولدان أحدهما كافر فهى عليهما سوية كما مر مع تساويهما في القرب والجزئية وترجح الابن المسلم بالميراث ولم يعتبروا الإرث مع أن مقتضى ما مر اعتباره. وكذا يرد ما في البدائع والقنية وغيرهما أوله أم وعم عصبي فعليهما اثلاثا مع أن قرابة الأم قرابة ولادة دون العم ومع أنها أقرب منه وقد اعتبروا فيها الإرث (واقول) قد يجاب بان قولهم يعتبر القرب والجزئية لا الإرث خاص بنفقة الاصول الواجبة على الفروع دون العكس كما هو مقتضى ما قدمناه عن المتون وان كان خلاف ما يتبادر من كلام الذخيرة والبدائع وان قولهم وان استويا في القرب يطلب الترجيح
(9)
[قوله وان المعتبر الخ عطف على قوله الولادة الخ واعتبار قرب القرابة ثم الارث في الرحم المحرم يفهم من كلام البدائع اما اعتبار قرب القرابة فمن قوله وان كانت حال الاجتماع الخ واما اعتبار الارث فمن قوله وفي قرابة الرحم الخ منه]
خاص بما إذا كانت القرابة من جهتين بان وجد مع الفروع أصول كالأب مع الابن وكالجد مع ابن الابن اما لو كانت من جهة واحدة أعني جهة الفروع فقط كالابن والبنت وكولدين أحدهما كافر فلا يطلب فيها ترجيح بقرينة قوله في البدائع تجب على الابن والبنت بالسوية لاستوائهما في سبب الوجوب وهو الولادة ولكن يبقى الأشكال في مسئلة الأم مع الجد ومسئلة الأم مع العم فانهما ليستا من هذا القبيل لأن النفقة الواجبة فيهما نفقة الفروع الواجبة على الأصول وحيث خصصنا قولهم يعتبر القرب والجزئية لا الإرث بنفقة الأصول الواجبة على الفروع خرجت المسئلتان عن ضابط قرابة الولادة ودخلتا في ضابط قرابة الرحم المحرم والا يلزم أنه لم يعلم لهما ضابط وإذا دخلتا في ضابط قرابة الرحم المحرم يبقى الأشكال من وجه آخر وهو ان الأم فيهما أقرب من الجد والعم. وقد علمت أنه يعتبر في قرابة الرحم المحرم قرب القرابة ثم الإرث لما قدمناه عن البدائع من أن القرب معتبر في قرابة الولادة والرحم المحرم وانه إذا استويا فيها ففى قرابة الولادة يطلب الترجيح وفى قرابة الرحم المحرم ينظر إلى الإرث فعلم أن النظر إلى الإرث بعد التساوى في القرب * وهنا الأم لم تساو الجد ولا العم في القرب بل هي أقرب منهما فكيف اعتبر الإرث. والجواب أن اعتبار الإرث بعد القرب في نفقة الرحم المحرم مخالف لكلامهم فإنهم اعتبروا فيها الإرث فقط كما يعلم من المتون وغيرها. نعم دلت فروعهم على اعتبار القرب في بعض المواضع كما في جد لام وعم فاوجبوها على الجد لقربه مع أن العم هو الوارث. فعلم أن ما في البدائع من اعتبار القرب أولا ثم الإرث ليس على إطلاقه وكذا ما في المتون من اعتبار الإرث (فلا بد) من تحرير كلامهم اخذا مما ذكروه من الضوابط ومن الفروع على وجه لا يرد عليه شيء من الاشكالات الواردة المذكورة وغيرها (فنقول) اعلان الذي تحرر لي من مجموع كلامهم ومن الفروع التي ذكروا احكامها أن اعتبار القرب والجزئية دون الإرث في قرابة الولادة ليس على إطلاقه بل فيه تفصيل فإذا
(7)
وجد للفقير فروع فالمعتبر في وجوب نفقته القرب والجزئية أي جزئيته لغيره أو جزئية غيره له ولا يعتبر الإرث أصلا إذا انفرد الفروع والابان وجد معهم أصول اعتبر الإرث عند التعارض بلا مرجح * ففى ابن وبنت أو ابنين ولو أحدهما كافرا تجب بالسوية لا بقدر الإرث للتساوى في القرب والجزئية بلا معارض ولا مرجح فلا يعتبر الإرث أصلا * وفى بنت وابن ابن على البنت فقط لاشتراكهما في الجزئية وترجح البنت بالقرب وإن اشتركا في الإرث وفى ولد بنت واخ شقيق على ولد البنت فقط لاشتراكهما في القرب بالادلاء بواسطة في كل منهما وترجح
(7)
قوله فإذا وجد للفقير فروع الخ اطلقه فشمل ما اذا وجد معهم اصول ايضا او لا ولذا عمم في معنى الجزئية بقوله اي جزئته لغيره او جزئية غيره له ليشمل صورة اب وابن فان الجزئية بالمعنى الاعم المذكور موجودة فيهما فيقال اشتراكا في الجزئية وترجح الابن منه
ولد البنت بالجزئية دون الأخ وإن كان الميراث له * وفى اب وابن على الابن فقط لاشتراكهما في القرب إلى الفقير والجزئية وترجح الابن بان للفقير شبهة الملك في مال ابنه دون مال أبيه. ففى هذه الصور كلها لم يعتبروا الإرث أصلا * وفى جد وابن ابن تجب النفقة عليهما على قدر الإرث لعدم امكان الترجيح بالقرب والجزئية ولا بغيرهما للتساوى من كل جهة فاعتبر الإرث ضرورة (والدليل) على ذلك ما في احكام الصغار للإمام الاستروشنى عن شرح نفقات الخصاف إذا كان له ابن بنت وبنت بنت موسران واخ موسر فالنفقة على أولاد أولاده لأن في باب النفقة يعتبر الأقرب فالأقرب ولا يعتبر الإرث في الاولاد اهـ وقال في موضع آخر نفقته على أولاد البنات يستوى فيها الذكر والانثى ولا عبرة للارث في الأولاد وإنما يعتبر القرب اهـ، فخص عدم اعتبار الإرث بالفروع دون غيرهم.
(ويدل) على ذلك أيضًا أن أصحاب المتون خصوا ذلك الضابط أعني اعتبار القرب والجزئية دون الإرث في نفقة الأصول الواجبة على الفروع كما قدمناه عنهم، وعبارة القهستاني وشرح الملتقي ويعتبر فيها أي في نفقة الأصول القرب والجزئية لا الإرث الخ (ولا ينافي) ذلك قول صاحب الذخيرة الأصل في نفقة الوالدين والمولودين أن يعتبر القرب والجزئية ولا يعتبر الميراث الخ لأن ذلك الضابط انما اشترطنا فيه وجود الفرع ولم نشترط فيه عدم وجود الأصل فقد يوجد فرع ويوجد معه أصل وتكون النفقة عليهما كما في الجد مع ابن الابن أو على الفرع فقط كما في الأب مع الابن فلهذا ذكر الوالدين والمولودين (ويدل) على ذلك أن صاحب الذخيرة قد ذكر ذلك الضابط ثم ذكر مسائله ولم يذكر فيها مسئلة الا وفيها أحد من الفروع كما قدمناه فعلم أن مراده ما ذكرنا من تخصيص ذلك الضابط بما إذا وجد فرع ولكن مع هذا لا يخفى أن عبارة المتون اقعد وامتن في التعبير لأنَّه حيث وجبت النفقة على الفروع والأصول ولا مرجح اعتبر الإرث كما ذكرنا في الجد مع ابن الابن (فعلم) أن عدم اعتبار الإرث أصلا انما هو حيث وجبت على الفروع خاصة (ويظهر) من هذا أنه لو كان له ابن ابن وبنت بنت تجب عليهما بالسوية لاشتراكهما في القرب والجزئية ولا يترجح ابن الابن بكونه وارثا لأنَّه يلزم عليه اعتبار الإرث في الأولاد وقد سمعت أنه لا اعتبار له فيهم والالزم أن تجب على الابن المسلم وحده فيما لو كان له ابنان أحدهما كافر فانهما اشتركا في القرب والجزئية وزاد الابن المسلم بكونه هو الوارث مع انهم أوجبوها عليهما سوية فثبت أنه لا ينظر إلى الإرث في الأولاد أصلا كما هو صريح كلامهم وانه لا ترجح للوارث على غير الوارث منهم (وبه)
ظهر أن قول الرملي في حاشية البحر فيمن له ابن ابن وبنت بنت انها على ابن الابن لرجحانه أهـ مخالف لكلامهم.
(واما) قول الذخيرة وإن استويا في القرب تجب على من له نوع رجحان فليس مراده ترجيح الفروع بعضهم على بعض بل مراده إذا وجد معهم غيرهم ممن يساويهم كالأب مع الابن فهنا ينظر إلى المرجح والا ناقض مسئلة ابنين أحدهما كافر فافهم (ويؤخذ) من هذا أنه لو له أب وابن ابن تجب على الأب فقط لأن طلب الترجيح انما هو عند التساوى من كل جهة وهنا الأب أقرب ولقول المتون ولا يشارك الأب في نفقة ولده أحد (وهذا كله) إذا وجد في المسئلة فرع للفقير (واما) إذا لم يوجد فيها من قرابة الولادة فرع بل وجد فيه أصل واحد أو أكثر سواء وجد معهم غيرهم من الحواشى او لا فهو داخل في ضابط ذوى الأرحام بدليل ذكر مسائل الأصول تحت ذلك الضابط وهو اعتبار الإرث لكنا قد وجدناهم لم يعتبروه في بعض الصور فعلمنا أنه ليس على إطلاقه كما قدمنا بيانه وهذا منشأ الاشتباه (فلابد) من تحرير ضابط جامع لمسائل الأصول التي لم يوجد فيها أحد من الفروع اخذا من فروعهم التي بينوا احكامها (فنقول) أنه يعتبر فيهم القرب والجزئية أيضًا إلا إذا كان فيهم أب أو كانوا كلهم وارثين فإن كان فيهم أب فح تجب عليه فقط وإن كانوا كلهم وارثين فح يعتبر الإرث كما في ذوى الأرحام وكل ذلك مأخوذ من كلامهم (أما) اعتبار القرب والجزئية إذا كان فيهم غير وارث فلما في القنية لو كان له أم وجد لام فعلى الأم أي لترجحها بالقرب واختصاصها بالإرث دون الجد المذكور وفى حاشية الخير الرملي على البحر وإذا اجتمع اجداد وجدات لزمت الأقرب ولو لم يدل به الاخر اهـ أي كجد لأم وجد أبي أبي الأب ومقتضاه لزومها على أبى الأم لقربه وإن لم يرث وليس الجد الاخر مدليا به لأنَّه من جهة الأب وهذا من جهة الأم وفى القنية ايضا لو له جد لأم وعم فعلى الجد اهـ أي لترجحه بالجزئية إي كون الفقير جزأ له دون العم ولترجحه بالقرب لادلاء الجد بالأم وادلاء العم بأبي الأب ثم بالأب فقدم على العم وإن كان الإرث للعم وحده * وفي الحانية لو له جد لاب وأخ شقيق فعلى الجد اى لترجحه بالجزئية واختصاصه بالإرث وإن تساويا في القرب * ولم ار ما لو تساويا في القرب والجزئية وكان الوارث أحدهما كجد لأم وجد لاب والظه الترجيح بالإرث فإنهم جعلوا الإرث مرجحا عند التساوى كما في العم مع الخال بل جعلوه أقرب حكما ففي شرح الجامع الصغير لقاضي خان تجب على العم لأنَّه أقرب من حيث الحكم اهـ أي لكونه هو الوارث دون الخال ويكفى في إثبات ذلك قولهم في قرابة الولادة إذا لم يوجد
الترجيح اعتبر الإرث وهنا لم يوجد مرجع للتساوي من كل جهة إلا في الإرث فيعتبر وكذا قولهم في قرابة ذى الرحم المحرم أنه لو كان الوارث أحدهما ترجح بكونه وارثا وإن ورثا فعلى قدر الإرث كما مر عن البدائع في الفصل الأول * فيتعين في مسئلتنا وجوبها على الجد لأب لكونه هو الوارث دون الجد لأم والله أعلم (واما) إذا كان فيهم أب وكان أقرب من غيره أو مساويا كما في أب وجد أو اب وأم فعلى الأب لما في عامة المتون من أنه لا يشارك الأب في نفقة ولده أحد * وقال في البدائع ولو له أب وجد فعلى الأب لأنَّه أقرب وقال أيضًا ولو له أب وأم فعلى الأب اجماعا (واما) إذا كانوا كلهم وارثين فتجب بقدر الميراث كام مع أحد من العصبات لما في البدائع لو كان له أم واخ لاب وأم أو لأب أو ابن أخ لاب وأم أو لأب أو عم لاب وأم أو لأب كانت النفقة عليهما اثلاثا ثلثها على الأم والثلثان على الأخ وابن الأخ والعم اهـ وفى الخانية والذخيرة لو له أم وجد لأب فالنفقة عليهما اثلاثا في ظاهر الرواية (فقد) ثبت ما مهدناه من الأصل المذكور فيها إذا وجد أصول ولم يوجد معهم أحد من الفروع بدليل تفاريعهم المذكورة ويؤيده ما في حاشية العلامة الخير الرملي حيث قال ويظهر من فروعهم أن الاقربية أنما تقدم إذا لم يكونوا وارثين كلهم فأما إذا كانوا كلهم فلا كالام والعم والجد لقولهم بقدر الميراث اهـ كلامه لكنه خاص بما إذا لم توجد الفروع كما قلنا لما علمت من اعتبار القرب والجزئية دون الإرث إذا وجدت الفروع على التفصيل المار ومقيد أيضًا بما إذا لم يوجد في الأصول أب كما مر (فإن قلت) قال في الخانية إذا كان له أم وجد لأب وأخ شقيق قال أبو حنيفة انها على الجد وحده وهو مذهب الصديق رضى الله تعالى عنه اهـ وهذا يشكل على ما مهدته من الأصل المذكور لأنَّه قد وجد في المسئلة أصول وغيرهم وليسوا كلهم وارثين لأن الأخ يحجب بالجد فيعتبر القرب والجزئية فيلزم أن تكون النفقة على الأم فقط لأنها أقرب من الجد وإن نظرت إلى أن كلا من الأم والجد من الأصول ولم تنظر إلى الأخ المحجوب لزم أن تكون النفقة عليهما اثلاثا كما لو لم يوجد الأخ معهما (قلت) وبالله استعين أن مسئلة اجتماع الجد لأب مع الأم بدون أخ أنما اوجبوا فيها النفقة اثلاثا كالارث في ظاهر الرواية كما قدمناه لعدم تنزيلهم الجد منزلة الأب في باب النفقة واما إذا وجد مع الجد أخ فقد نزلوه منزلة الأب حتى حجب الأخ من الإرث إذا مات ذلك الفقير الذي مرادنا أن نوجب له النفقة فلما تحقق تنزيله منزلة الأب في هذه الصورة لزمت النفقة الجد كما لو كان الأب موجودا فلذا قدمنا أنه لو له جد لاب وأخ لزمت الجد ثم إذا وجدت معهما
أم أيضًا انما لم يلزمها شيء من النفقة وإن شاركت الجد في الميراث لما علمت من تحقق تنزيله منزلة الأب في هذه الصورة حتى حجب الأخ وإذا كان الأب موجودا حقيقة مع الأم لا يلزمها شيء من النفقة وإن شاركته في الإرث فكذا إذا كان موجودا تقديرا هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم.
(الفصل الثالث) حيث علمت ما قررناه واتضح لك ما ذكرناه وكان كله مأخوذا من فروعهم واصولهم صريحا أو دلالة فلنذكر لك الضابط الجامع لقرابة الولادة بنوعيها ليكون قاعدة يعول عند المراجعة عليها وهو في الحقيقة حاصل جامع الجميع ما تقدم.
(فأقول) مستعينا بمن علم الإنسان ما لم يعلم (اعلم) أن قرابة الولادة لا يخلو اما أن يكون الموجود منها واحدا أو أكثر فإن كان واحدا فالامر ظاهر وهو وجوب النفقة عليه عند استيفاء شروط الوجوب وإن كان أكثر فلا يخلو اما ان يوجد فروع فقط أو فروع وحواشي أو فروع واصول أو فروع واصول وحواشي او اصول فقط أو أصول وحواشي فالاقسام ستة وبقي قسم سابع وهو الحواشى فقط تتمة الاقسام العقلية ولكنه ليس من قرابة الولادة التى هى الفروع والأصول ونذكر حكمه تتميما للاقسام.
(القسم الأول) إذا كانوا فروعا فقط اعتبر القرب والجزئية فقط أي اعتبر الأقرب جزئية أن تفاوتوا قربا فيها ولا عبرة فيه للارث أصلا. ففى ولدين ولو أحدهما نصرانيا أو أنثى تجب عليهما سوية ذخيره * وفى ابن وابن ابن على الابن فقط لقربه بدائع. وكذا في بنت وابن ابن علي البنت فقط لقربها ذخيره. ويؤخذ من هذا أنه لا ترجيح لابن ابن علي بنت بنت وإن كان هو الوارث لاستوأيهما في القرب والجزئية ولتصريحهم بأنه لا اعتبار للارث في الأولاد والا لوجبت اثلاثا في ابن وبنت ولما لزم الابن النصراني شيء كما مر.
(القسم الثاني) إذا كانوا فروعا وحواشي فكذلك يعتبر القرب والجزئية أي كل منهما أو أحدهما دون الإرث وتسقط الحواشي بالجزئية * ففي بنت واخت شقيقة على البنت فقط وإن ورثتا بدائع وذخيرة * وتسقط الاخت لعدم الجزئية ولكون البنت أقرب. وفى ابن نصراني وأخ مسلم على الابن فقط وإن كان الوارث هو الأخ ذخيرة. أي لاختصاص الابن بالقرب والجزئية وفي ولد بنت وأخ شقيق على ولد البنت وإن لم يرث ذخيرة. أي لاختصاصه بالجزئية وإن استويا في القرب لادلاء كل منهما بواسطة.
(والمراد) بالحواشي من ليس من عمود النسب أي من ليس أصلا ولا فرعا مجازا فيدخل فيه ما في الذخيرة لوله بنت ومولى عتاقة فعلى البنت فقط وإن ورثا أي لاختصاصها بالقرب والجزئية.
(القسم الثالث) إذا كانوا فروعا واصولا فيعتبر فيه قرب
الجزئية فإن لم يوجد اعتبر الترجيح فإن لم يوجد اعتبر الإرث * ففى أب وابن تجب على الابن لترجمة بانت ومالك لابيك ذخيرة وبدائع. أي وإن استويا في قرب الجزئية. ومثله أم وابن لقول المتون ولا يشارك الولد في نفقة ابويه أحد. قال في البحر لأن لهما تأويلا في مال الولد بالنص ولانه أقرب الناس إليهما اهـ. فليس خاصا بالاب كما قد يتوهم بل الأم كذلك * وفى جد وابن ابن على قدر الميراث اسداسا للتساوي في القرب وكذا في الإرث وعدم المرجح من وجه اخر بدائع وظاهره أنه لو له أب وابن ابن أو بنت بنت فعلى الأب لأنَّه أقرب في الجزئية فانتفى التساوى ووجد المرجح وهو القرب وهو داخل تحت الأصل المار عن الذخيرة والبدائع وكذا تحت قول المتون لا يشارك الأب في نفقة ولده أحد.
(القسم الرابع) إذا كانوا فروعا وأصولا وحواشي وحكمه كالثالث لما علمت من سقوط الحواشي بالفروع لترجحهم بالقرب والجزئية فكأنه لم يوجد سوى الفروع والأصول وهو القسم الثالث بعينه.
(القسم الخامس) إذا كانوا أصولا فقط فإن كان معهم أب فلا كلام في وجوب النفقة عليه فقط لما في المتون من أنه لا يشارك الأب في نفقة ولده أحد. والا فلا يخلو اما أن يكون بعض الأصول وارثا وبعضهم غير وارث أو يكونوا كلهم وارثين. ففى الأول يعتبر الأقرب جزئية لما في القنية له أم وجد لام فعلى الأم أي لأنها أقرب * وفى حاشية الرملي إذا اجتمع اجداد وجدات فعلى الأقرب ولو لم. يدل به الاخر اهـ فإن تساوى الوارث وغيره في القرب فالمفهوم من كلامهم ترجح الوارث بل هو صريح قول البدائع في قرابة الولادة إذا لم يوجد الترجيح اعتبر الإرث اهـ وعليه ففى جد لام وجد لأب تجب على الجد لأب فقط اعتبارا للارث وفى الثانى أعني لو كان كل الأصول وارثين فكالارث ففى أم وجد لاب تجب عليهما اثلاثا في ظاهر الرواية خاينه وغيرها.
(القسم السادس) إذا كانوا اصولا وحواشي فإن كان أحد الصنفين غير وارث اعتبر الأصول وحدهم ترجيحا للجزئية ولا مشاركة في الإرث حتى يعتبر بقدر الميراث فيقدم الأصل سواء كان هو الوارث او كان الوارث هو المصنف الآخر الذى معه. مثال الأول ما في الخانية لو له جد لاب وأخ شقيق فعلى الجد * ومثال الثاني ما في القنية أو له جد لأم وعم فعلى الجد أي لترجمه فيهما بالجزئية مع عدم الاشتراك في الإرث لأنَّه هو الوارث في الأول والوارث هو العم في الثاني. وإن كان كل من الصنفين أعني الأصول والحواشي وارثا اعتبر الإرث. ففى أم وأخ عصبى أو ابن أخ كذلك أو عم كذلك على الأم الثلث وعلى العصبة الثلثان بدائع. ثم إذا تعدد الأصول
في هذا القسم بنوعيه ننظر إليهم ونعتبر فيهم ما اعتبر في القسم الخامس مثلا
(1)
لو وجد في المثال الأول جد لأم مع الجد لأب نقدم عليه الجد لأب لترجحه بالإرث. ولو وجد في المثال الثاني أم مع الجد لأم نقدمها عليه لترجحها بالإرث وبالقرب * وكذلك لو وجد في الامثلة الاخيرة جد لأم مع الأم نقدمها عليه لما قلنا ولو وجد معها جد لأب كانت النفقة عليه وحده لأنَّه يحجب الأخ وابنه والعم لتنزيله ح منزلة الأب وحيث تحقق تنزيله منزلة الأب لم تشاركه الأم في النفقة وإن شاركته في الإرث كما لو كان الأب موجودا حقيقة كما قررناه قبيل هذا الفصل (فهذا) زبدة ما قدمناه في الفصول السابقة على وجه الصواب وهو سالم من الخلل والاضطراب بحول الملك الوهاب.
(واما القسم السابع) وهو الحواشي فقط فتقريره واضح من كلامهم وهو ما قالوا أنه يعتبر فيه كونه ذا رحم محرم فلو محرما غير رحم كالاخ رضاعا لا تجب عليه نفقة وكذا لو رجحا غير محرم كابن العم وإن كان وارثا (ولابد) أيضًا من كون المحرمية بجهة القرابة احترازا عن ابن عم هو اخ رضاعا (وقد) اعتبروا في هذا القسم الإرث أي كونه اهلا للارث لا كونه وارثا حقيقة وعند الاستواء في المحرمية واهلية الإرث يترجح الوارث حقيقة. ففى خال وابن عم على الخال لأنَّه رحم محرم أهل للإرث عند عدم ابن العم ولا شيء على ابن العم وإن كان الميراث كله له لأنَّه غير محرم. وفى خال وعم على العم لاستوأيهما في الرحم والمحرمية وترجح العم بأنه وارث حقيقة * وفى عم وعمة وخالة على العم أيضًا ولو كان العم معسرا فعلى العمة والخالة اثلاثا كارثهما ويجعل العم كالعدم لأنَّه يحرز كل الميراث كما يأتي بيانه في الخاتمة.
(تنبيه) قال في القنيه له عم وجد أبو أم فنفقته على أبى الأم وإن كان الميراث للعم ولو كان له أم وأبو أم فعلى الأم قال وفيه اشكال قوى لأنَّه ذكر في الكتاب إذا كان له أم وعم موسران فعليهما اثلاثا فلم يجعل الأم أقرب من العم وجعل في المسئلة المتقدمة أبا الأم أقرب من العم ولزم منه أن تكون النفقة على أبى الأم مع الأم ومع هذا اوجبها على الأم (ويتفرع) من هذه الجملة فرع اشكل الجواب فيه وهو ما إذا كانت له أم وعم وأبو الأم موسرون فيحتمل أن تجب على الأم لا غير لأن أبا الأم لما كان أولى من العم والام أولى من أبى الأم كانت الأم أولى من العم لكن يترك جواب الكتاب ويحتمل أن تكون على الأم والعم اثلاثا اهـ ونقله في البحر وغيره
(1)
قوله لو وجد في المثال الأول المراد به ما مر عن الخانية وقوله ولو وجد في المثال الثانى المراد به ما مر عن القنيه منه
ولم يجيبوا عنه (أقول) وانت خبير بأنه لا اشكال أصلا على ما مهدنا من الضابط الجامع لأن ما ذكره من تقديم أبى الأم على العم فهو لكون أبى الأم مترجحا بالجزئية مع عدم اشتراكهما في الإرث فاعتبرت الجزئية فقط بخلاف ما عزاه إلى الكتاب من عدم تقديم الأم على العم لانهما اشتركا في الإرث فاوجبها عليهما ثلاثا وبنحو ذلك أجاب الخير الرملي واماما فرعه واستشكله فهو ظاهر أيضًا مما مهدناه لأنَّه اجتمع الأصول مع الحواشي وكل من الصنفين وارث فيعتبر الإرث فيجب على الأم والعم اثلاثا ويسقط أبو الأم بالأم لترجحها عليه بالقرب والارث. وبذلك أفتى بعض المتأخرين من مشايخ مشايخنا في خصوص هذا الفرع وكذا قال العلامة الرملى في حاشية البحران الذي ينبغي التعويل عليه في الفرع المشكل أن تكون على الأم والعم اثلاثا لأن كلا منهما وارث وقد سقط ابو الام بالأم فكان كالميت فتأمل يظهر لك الامر اهـ وفى ذلك تأييد لما مهدناه لموافقته له وعدم مخالفته لمسئلة الكتاب والله أعلم بالصواب.
(والخاتمة) اعلم أن جميع ما قدمناه أنما هو فيما إذا كان جميع الموجودين موسرين اذ لا تجب النفقة إلا على الموسر فلا تجب على غير الموسر ولو قادرا على الكسب ولكن هذا بإطلاقه خاص بالنفقة لغير قرابة الولادة اما في قرابة الولادة فإنه ينظر فإن كان المنفق هو الأب فلا يشترط لوجوب النفقة عليه يساره بل تكفى قدرته على الكسب فإذا كان معسرا كاسبا تجب عليه نفقة أولاده الصغار الفقراء والذكور الزمني الفقراء والإناث الفقيرات وإن كن صحيحات وإن كان لهم جد موسر لم تفرض النفقة عليه وإنما هو يؤمر بها ليرجع على الأب لأنها لا تجب على الجد عند وجود الأب القادر على الكسب الا ترى أنه لا يجب على الجد نفقة ابنه المذكور فنفقة أولاده الأولى نعم لو كان الأب زمنا قضى بنفقتهم ونفقة الأب على الجد (وإن كان) المنفق هو الابن وهو معسر مكتسب وفي كسبه فضل عن قوته يجبر على الانفاق على الأب من الفضل وإن كان لا يفضل شيء وله عيال يدخله معهم وتمامه في البدائع * فالمعتبر في إيجاب نفقة الوالدين مجرد الفقر وهو ظاهر الرواية كما في الذخيرة. اما غير هما فالمعتبر فيه الفقر والعجز بالصغر او الزمانة أو الانوثة أو بالخرق (أي عدم احسان الصنعة أو بكونه من ذوى البيوتات كما في الذخيرة وقدمنا عن الملتقى وغيره زيادة كونه طالب علم (واعلم) أن ما ذكرناه آنفا عن البدائع من أنها لا تفرض على الجد إذا كان الأب فقيرا هو المفهوم من عبارات المتون والشروح حيث لم يقيدوا وجوب النفقة على الأب باليسار لكن نقل ذلك في الذخيرة عن القدورى وقال
قبله قال في الكتاب الجد بمنزلة الأب في استحقاق النفقة عليه إذا كان الأب ميتا أو كان الأب حيا إلا أنه فقير لأن الفقير يلحق بالميت في استحقاق النفقة على الموسر ثم قال بعد ذلك وهذا هو الصحيح من المذهب وما ذكره القدوري قول الحسن بن صالح هكذا ذكر الصدر الشهيد في شرح ادب القاضي للخصاف اهـ. لكن ذكر في الذخيرة أيضًا أن الأب إذا كان معسرا والام موسرة تؤمر أن تنفق من مالها على الولد ليكون دينا ترجع به عليه إذا ايسر لأن نفقة الصغير على الأب وإن كان معسرا كنفقة نفسه فكانت الأم قاضية حقا واجبا عليه بأمر القاضى فترجع عليه إذا ايسر والام أولى بالتحمل من سائر الاقارب اهـ. ولا يخفى أن هذا مخالف لما صححه اولا اذ لو جعل الأب كالميت لكان الوجوب على الأم بلا رجوع على الأب فهذا موافق ومؤيد لما في المتون والشروح من أنه لا يشارك الأب في نفقة ولده أحد ولما في الخانية من أن نفقة الأولاد الصغار والاناث المعسرات على الأب لا يشاركه في ذلك أحد ولا تسقط بفقره اهـ فعلم أن رواية القدورى غير ضعيفة بل اقتصار المتون والشروح عليها اختيار لها كما نص عليه العلامة الرملي ولما قصر نظره صاحب البحر على ما صححه في الذخيرة قال لابد من إصلاح المتون والشروح وانت خبير بأنه على هذه الرواية لا حاجة إلى اصلاحها كيف هذا مع قولهم أن المتون والشروح تقدم على الفتاوى. نعم أن كان الأب زمنا فقيرا فح تجب نفقة الصغار على الجد أو الام أو غيرهما من الاقارب ويجعل الأب كالميت بلا خلاف كما نص عليه في الذخيرة حيث قال وإن كان الأب زمنا قضى بنفقة الصغار على الجد ولم يرجع على أحد اتفاقا لأن نفقة الأب في هذه الحالة على الجد فكذا نفقة الصغار اهـ (واعلم أيضًا) أن الأصل أنه إذا اجتمع في قرابة من تجب له النفقة موسر ومعسر ينظر إلى المعسر فإن كان يحرز كل الميراث يجعل كالمعدوم ثم ينظر إلى ورثة من تجب له النفقة فتجعل النفقة عليهم على قدر مواريثهم وإن كان المعسر لا يحرز كل الميراث تقسم النفقة عليه وعلى من يرث معه فيعتبر المعسر لاظهار قدر ما يجب على الموسرين ثم يجعل كل النفقة على الموسرين على اعتبار ذلك كذا في الخانية وغيرها لكن إذا كان المعسر ابا انما يجعل كالميت إذا كان زمنا كما علمته مما قررناه آنفا بخلاف غير الأب فتنبه لذلك (بيان هذا الأصل) صغير له أم واخت شقيقة موسرتان وله اخت لاب واخت لأم معسرتان فالنفقة على الأم والشقيقة على أربعة ولا شيء على غيرهما ولو جعل من لا تجب عليه النفقة كالمعدوم أصلا كانت اخماسا ثلاثة اخماس على الشقيقة والخمسان على الأم اعتبارا
بالميراث. ولو كان له أم معسرة ولامه اخوات متفرقات موسرات فالنفقة على الخالة لأب وأم لأن الأم تحرز كل الميراث فتجعل كالمعدومة واما نفقة الأم فعلى اخواتها اخماسا على الشقيقة ثلاثة اخماس وعلى الأخت لأب خمس وعلى الأخت لأم خمس * ولو كان رجل معسر زمن له ابن صغير فقير وثلاثة أخوة متفرقين موسرين فنفقة الرجل على أخيه الشقيق واخيه لامه اسداسا اعتبارا بالميراث. واما نفقة ولده فعلى عم الولد الشقيق فقط أي لأنَّه إذا جعل الأب كالمعدوم لكونه يحرز كل ميراث ابنه يكون الوارث للابن هو العم الشقيق فقط فيختص بالنفقة أيضًا ولو كان الولد بنتا كانت نفقة الأب وبنته على أخيه الشقيق فقط اما البنت فلما قلنا أنه يجعل الأب كالمعدوم كما في الابن. واما الأب فلان وارثه هنا هو اخوه الشقيق لأنَّه يرث مع البنت ولا يرث غيره من الأخوة فلا تجعل البنت كالمعدومة بخلاف الابن لأنَّه لا يرث معه أحد من أخوة أبيه فمست الحاجة إلى أن يلحق الابن بالعدم وإذا جعلناه معدوما كان ميراث الأب بين الأخ الشقيق والأخ لأم على ستة فتجب النفقة عليهما كذلك ولو كان مكان الأخوة اخوات
(1)
متفرقات والولد ذكر فنفقة الأب على اخواته على خمسة لأنَّه لا يرث مع الابن منهن أحد فيجعل كالمعدوم فيكون ميراث الأب بينهن على خمسة ثلاثة اخماس للشقيقة وخمس للأخت لأب وخمس للأخت لأم بطريق الرد فتجب النفقة كذلك واما نفقة الابن فعلى الشقيقة فقط عندنا لأن ميراثه عند عدم الأب يكون لها فكذلك النفقة اهـ ملخصا من فتاوى الإمام قاضي خان.
(أقول) ومن فروع هذا الأصل ما في فتاوى المرحوم على افندى المرادى مفتى دمشق حيث (سئل) في امرأة فقيرة لها بنتان غنية وفقيرة واربعة أبناء أخ عصبى اغنياء (فأجاب) بان على بنتها الغنية النصف وعلى أبناء أخيها النصف قال لأن الفقيرة حسبت ليكون لاختها الثلث ولابناء اخيها الثلث ثم سقطت عند النفقة فوجبت على أصحاب الثلثين. فتنصفت عليهما اهـ (وسئل ايضا) عن طفل فقير له ام فقيرة وجدة لأب وعم موسران (فأجاب) على الجدة السدس والباقي على العم على قدر الإرث (وسئل أيضًا) في أيتام فقراء لهم جد لأب معسر واعمام موسرون وأم موسرة (فأجاب) بان النفقة كلها على الأم دون الجد لأنَّه معسر ودون الاعمام لعدم ارثهم مع الجد اهـ (أقول) لكن في جوابه عن السؤال الأول غلط والصواب وجوب النفقة تمامها على البنت الغنية فقط لقول المتون لا يشارك الولد في نفقة
(1)
قوله متفرقات أي واحدة الأم واب وواحدة لأب فقط وواحدة لأم فقط منه.
ابويه أحد فلا يجب على الفقيرة شيء لاعسارها ولا على أبناء الأخ لأنهم من الحواشي. وقد علمت مما مهدناه من الأصل الجامع أنه متى وجد الفروع تسقط الحواشي كما في بنت واخت شقيقة فإنها تجب على البنت فقط ولا شيء على الشقيقة مع انها أقرب من أبناء الأخ. واولى من ذلك أيضًا ابن نصراني وأخ مسلم تجب على الابن فقط ولا شيء على الأخ المسلم وإن كان الإرث كله له. وكذا الجواب عن السؤال الثاني غير صحيح لأن الأم فيه لا تحرز كل الميراث فلا تنزل منزلة المعدوم كما علمت من الأصل الذى قررناه في الخاتمة فإن إطلاق ذلك الأصل يقتضى أن من لا يحرز كل الميراث يعتبر حيا وإن لم يكن الوارث معه متعددا فإذا اعتبرنا الأم هنا حية تسقط الجدة بها فيكون الوارث هو العم فقط فتكون النفقة كلها عليه وحده ولهذا أوجب النفقة في السؤال الثالث على الأم وحدها واسقط الاعمام الموسرين بالجد المعسر لأن الوارث على اعتبار حياة الجد لأب هو الأم وحدها وهى غير متعددة والله أعلم (وإنما نبهنا) على ذلك لئلا يغتر به أحد وليعلم المتصدر للفتوى صعوبة هذه المسائل. فإنها مما تحير فيها الأئمة الاوائل. وزلت فيها اقدام افهام الافاضل * فقد اشبهت بكثرة التنويع والانقسام. مسائل توريث ذوي الأرحام. والذي يسهل الأمر على الناظر والسامع. حفظ ما تقدم من الضابط الجامع. فكن له ارغب آخذ * وعض عليه بالنواجذ .. فإنك لا تكاد تجده في كتاب * ولا تسمعه من خطاب * وادع القصير الباع. قليل المتاع. الذي اظهر الله تعالى من فضله على يديه. بما لم يسبق إليه. ولم يقف أحد قبله عليه. مع ضعفه وقصوره * وكلالة ذهنه وفتوره. ولكن لله در من قال. وابلغ في المقال شعر (ان المقادير إذا ساعدت. الحقت العاجز بالقادر) والحمد لله اولا واخرا. وباطنا وظاهرا * والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم قال مؤلفها روح الله تعالى روحه ونور مرقده وضريحه نجزت الرسالة المباركة الميمونة ان شاء الله تعالى على يد جامعها الحقير محمد عابدين اسعده مولاه. في دنياه وعقباه وذلك في شوال سنة 1235 ألف ومأتين وخمسة وثلاثين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وتحية