الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم الوالدة حفظها الله
الحمد لله الذي أنعم فأكرم، الحمد لله الذي منّ فأجزل، الحمد لله الذي أعطى فأكثر، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده سبحانه حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذّاكرين، لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، له الفضل وله النعمة وله الثناء الحسن، أحمدهُ تبارك وتعالى حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» ، أسأل الله أن يجمع لنا هذه الخصال.
ابنتي: أعجز عن وصف شعوري لما رأيت الكتاب مطبوعًا بين يديّ
…
لطالما دعوت ربي ورجوته أن أنفع ديني وأخدم أمتي، وأن أنشر العلم
…
، فلم يسعني الوصول لما أتطلّع إليه، فمنَّ عليّ الكريم بفضله سبحانه وتعالى بمن يواصل مسيرتي وينفعني، ويحيي كتبي، ويستعمل مكتبتي فيما يرضي ربي عز وجل.
فجنينا بفضل الله وتوفيقه ثمرة ذلك في هذه الرسالة المباركة، التي أسأل الله أن يجعلها من العلم النافع الذي يكون حجة لكِ لا عليكِ، وأن ينفع بها الأمة الإسلامية؛ تنفعها في سلامة عقيدتها، التي هي أُس الدين وأساسه.
ابنتي: أوصيك بتقوى الله وهي الوصية التي أوصى الله جل جلاله بها الأولين والآخرين:
واعلمي بارك الله فيكِ أن قيمة المرء بالعلم النافع، كما قال الناظم:
وقيمة المرء ما قد كان يُحسنه
والجاهلون لأهل العلم أعداءُ
فقم بعلم ولا تطلب به بدلاً فال
ناس موتى وأهل العلم أحياءُ
واحرصي على العمل بالعلم؛ فإن العلم ثمرته العمل:
وعالم بعلمه لم يعملن
معذب من قبل عباد الوثن
وختامًا: أسأل الله لكِ يا ابنتي مزيدًا من التوفيق والتفوّق والنجاح، وأن لا يحرمنا الأجر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
والدتك .. حرر يوم الخميس 21/ 7/ 1440 هـ
تقديم الوالد حفظه الله
ابنتي وسميّةُ أمي:
أرى أمامك مستقبلاً مشرقًا
زاخرًا بالإنجازات المميزة
ومفعمًا بالنجاحات الباهرة
كم أنا فخورٌ بكِ يا ابنتي ..
وفّقك ربّي وسدّدك
وأسعدك في الدنيا والآخرة ..
والدك
تقريظ المشرف
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن الاهتمام بالآثار والعناية بها والسعي لإحيائها من الموضوعات المهمة في هذا العصر، وتأتي هذه الأهمية من جوانب متعددة منها:
من جانب صلة ذلك بالجانب العقدي والآثار المترتبة عليه، ومما لا شك فيه أن إحياء الآثار له صلة كبيرة وواضحة بالجانب العقدي، إذ أول شرك وقع بين الناس كان بسبب إحياء الآثار، كما حصل لقوم نوح عليه السلام، وأن كثيرًا من البدع والانحرافات في هذه الأمة كانت بسبب إحياء آثار، سواء كانت آثار كتب ومؤلفات أو آثار مشاهد وأماكن ومزارات.
من جانب الاهتمام بموضوع الإحياء سواء اهتمامًا بإقامة الفعاليات الخاصة بذلك أو بكتابة المقالات والبحوث في تقرير ذلك والدعوة إلى تبنيه والعناية به، أو السعي في اكتشاف الآثار وإعادة بنائها وترميمها وتسهيل الوصول إليها لعامة الناس.
وقد كثرت في هذا الزمن وتعددت الدعوات لإحياء الآثار، وإبراز آثارها الإيجابية حسب زعمهم من الناحية التاريخية والاقتصادية والاجتماعية.
حتى التبس ذلك على كثير من الناس، وخفي عليهم الحكم الشرعي، والموقف الصحيح من ذلك.
فأصبحت هناك حاجة ماسة لدراسة ذلك الأمر دراسة علمية شرعية،
وتحرير الحكم الشرعي، وبيان الموقف الصحيح من ذلك وفق ما دلت عليه الأدلة الشرعية من نصوص الكتاب والسنة ومن أقوال العلماء من سلف هذه الأمة.
من هنا جاءت هذه الرسالة العلمية الموسومة ب (إحياء الآثار دراسة عقدية) من إعداد الأخت الباحثة الفاضلة: منيرة بنت عبد العزيز المقوشي، والذي هدفت فيه إلى جمع شتات الموضوع ودراسته بدقة، وتأصيل علمي؛ لحماية جناب التوحيد، ولسدّ طرق الشرك ووسائله؛ من خلال جمع الجهود العملية، والدعوة إلى التمسك بالسنة وتجنب البدعة.
ومن خلال إشرافي على الباحثة في إعداد هذه الرسالة، تبين لي اجتهادها في تحرير المسائل تحريرًا علميًّا مبنيًّا على الأدلة الشرعية الصحيحة، وفق فهم السلف الصالح، والضوابط العلمية السليمة، متوخية فيه الحق، ومتحرية الصدق والإنصاف، وأرادت فيه الخير للمسلمين، أحسبها كذلك والله حسيبها ولا أزكي على الله أحدًا.
وقد حرصت الباحثة وسعت في استيعاب جميع المسائل المتعلقة بهذا الموضوع، فلم تدخر جهدًا ولا وقتًا في تحرير ذلك وبيانه بيانًا يزيل الاشتباه والإشكال حوله.
ومن ذلك أن تحرير مصطلح الآثار، والذي يكاد ينحصر في كثير من الأذهان حول مفهوم محدد محصور في الآثار المكانية المحسوسة المرئية غير المشروعة.
فلم تقف الباحثة عند هذا المفهوم المحصور، وتكتفِ به في رسالتها، وإنما اجتهدت في تحرير هذا المصطلح وتوسعة مدلوله جمعًا بين ما لدى علماء السلف وأهل اللغة وأهل علم الآثار بعد تأسيسه كعلم مستقل؛ فانتهت إلى أن الآثار تشمل: الآثار المروية والمرئية، كما يشمل الآثار الزمانية والمكانية، وسواء كانت آثارًا شرعية أو بدعية أو شركية، مادية أو معنوية، ثابتة أو مزيفة، اندرست أو ما زالت باقية، فاستوعبت ذلك كله حسب ما وقفت عليه، مع اجتهاد وحرص كبيرين في ذلك.
فجاءت الرسالة مشتملة على: نحو ستين مسألة مصنفة في تسعة وثلاثين مطلبًا متضمنة في اثني عشر مبحثًا تحت ثلاثة فصول رئيسة.
كما لم تدخر الباحثة في جمع ما يثيره المخالفون من شبه يزعمون أنها استدلالات تؤيد ما ذهبوا إليه من إحياء الآثار والعناية بها وتشريع ذلك، وقد بلغت الشبه ثلاثين شبهة، وقامت الباحثة بتفنيدها، وبيان فسادها وبطلانها في مجموع نحو مائة وجه.
وقد اجتهدت الباحثة في تصنيف الآثار، فصنفتها تصنيفًا، قد لا تجده لدى من كتب في ذلك، فجاءت في خمسة أصناف هي الآثار: النبوية، والدينية، والوثنية والجاهلية، وآثار القبور والمشاهد.
وهذه الآثار في الجملة لا تخرج عن أحد هذه الحالات:
آثار ثابت إحياؤها، وخص الشرع قصدها إما للتعبد بها أو عندها أو للاتعاظ والاعتبار والتذكير بالآخرة.
أو آثار غير ثابت إحياؤها، وليس لها خصوصية في الشرع، ولا تقصد لا بالعبادة ولا بالزيارة، فضلاً عن شد الرحال إليها.
وساقت نماذج وأمثلة لتلك الآثار، مع بيان الحكم الشرعي لإحياء تلك الأصناف، وأبرز صور المخالفات المترتبة على إحياء الآثار في تلك التصنيفات.
وعنيت الباحثة بتحرير بعض الأنواع التي يغفل عنها ولا يتطرق لها كالآثار النبوية سواء كانت:
آثارًا حديثية مروية وبيان أنها أعظم وأشرف ما خلّفه النبي صلى الله عليه وسلم من آثار، والأدلة على وجوب إحيائها واهتمام السلف بها وحثهم على إحيائها.
أو آثارًا نبوية منفصلة عن جسد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان أن دعوى وجود آثار النبي صلى الله عليه وسلم المحسوسة في زماننا هذا، دعوى مجردة عن البرهان والدليل القاطع، إذ إنها تصنف ضمن الآثار المزيفة.
كما لم تغفل عن موقف المخالفين من أتباع الفرق والمستشرقين فأبانت حرصهم على إحياء آثار الوثنية الجاهلية والأمم الهالكة، أو مما لم يثبت
صحة نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم من آثاره، وإهمال الآثار المروية الصحيحة وتعطيلها، وفندت ما تشبثوا به من شبهات وأباطيل.
واختتمت الرسالة ببيان المخالفات العقدية المترتبة على إحياء الآثار، وبيان أسباب تلك المخالفات، والمفاسد المترتبة على إحياء الآثار من عودة المظاهر الشركية، وزعزعة الولاء والبراء لدى المسلمين، وإساءة سمعة الدين الإسلامي، وتفشي القومية والعنصرية، ووقوع الكذب بكل أشكاله.
وأحسب أن الباحثة اجتهدت في إخراج البحث بأتم تحرير وأكمل صورة، ولم تدخر جهدًا ولا وقتًا في تحقيق هذا الهدف وهذه الغاية.
أسأل الله أن يبارك في الباحثة وهذا البحث، وأن يقيم به الحجة، ويزيل به الشبهة، وأن يعم بنفعه المسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
مقدمة الرسالة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد
فقد قال الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213].
فطر الله سبحانه وتعالى البشر على التوحيد، وهو الأصل الذي كانوا عليه، ثم بعد ذلك تفرقوا واختلفوا بسبب الشرك، والذي كانت بدايته إحياء آثار قوم صالحين.
فأول شرك حصل على وجه الأرض كان في قوم نوح عليه السلام، ولم يظهر ذلك إلا بعد مرور نحو عشرة قرون بعد آدم عليه السلام، حيث إنهم كانوا على التوحيد، ولم يزل الشيطان دائبًا جادًّا مشمرًا في عداوة بني آدم، فزين لقوم نوح إحياء آثار الصالحين بنصب صورهم، ففعلوا ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وذهب العلم وجاء جيل جاهل عُبدت، كما جاء في الأثر الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أَمَّا وَدٌّ: كانت لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ: كانت لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ: فكانت لِمُرَادٍ، ثم لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عند سَبَأٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ: فكانت لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ: فكانت لِحِمْيَرَ، لآِلِ ذِي الْكَلَاعِ.
أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسمّوها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك، وَتَنَسَّخَ العلم عُبِدَتْ
(1)
.
فلو جاءهم الشيطان نعوذ بالله منه من أول مرة وأمر قوم نوح بعبادتهم لم يطيعوه ولم يقبلوا ذلك؛ بل أمر الأولين بنصب الصور لتكون ذريعة لمن بعدهم أن يعبدوا الله عندها، ثم تكون عبادة الله عندها ذريعة إلى عبادتها ممن يخلفهم.
وللأمم المتأخرة ورث من الأمم الأولى فالأصنام التي في الأمم البائدة قد انتقلت إلى العرب كما جاء في الأثر الصحيح الموقوف عن ابن عباس رضي الله عنهما المذكور آنفًا.
والتي لم تضمحل إلا بعد أن بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك، فقام صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما بعثه الله به أكمل قيام، وأوذي في الله أشد الأذى فصبر على ذلك وصبر معه أصحابه رضي الله عنهم على تبليغ الدعوة.
حتى أزال الله من الجزيرة العربية جميع الأصنام والأوثان التي كانت تُعبد من دون الله، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وكسرت الأصنام، وهدمت الأوثان، وعلت كلمة التوحيد وظهر الإسلام.
ولعل من خلال الإشارة إلى ما سبق، وجب التنبه إلى ما حدث في هذا الزمان الذي عج بالفتن، وتخبط الناس فيه بين الشبهات والشهوات، وكثرت فيه الدعوات حول إحياء معالم الماضي والتراث، والتباكي على اندراس الآثار، والمناداة بإحيائها، والافتتان بتتبعها، والعناية بها في مواضعها أو في معارض مخصصة، ولا يزال الجدال قائمًا بين الكثير من الناس حولها.
فالحديث عن هذا الموضوع الشائك يحتاج إلى بحث علمي دقيق رصين، بعيدًا عن الأحاسيس والعواطف الجياشة، من منظور شرعي عقدي
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، سورة نوح، باب: ودا ولا سواعا ولا يعوث ويعوق (6/ 160/ ح 4920).
بحت؛ حفاظًا على الدين، وصيانة له من الوثنيات الجاهلية، وتجنبًا للانجراف في مستنقع الشرك والبدع.
ونظرًا لما يؤدي إليه إحياء الآثار من مخاطر تمس العقيدة، تقدمت بأطروحة ماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت عنوان:
إحياءُ الآثارِ دراسة عقدية
تحريًا للحق، وتقصيًا لما كتبه أهل العلم الراسخون في ذلك؛ لكشف الشبهة، وإيضاح الحجة، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.
أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
1 الإفراط والغلو في الآثار المرئية الجاهلية، والتفريط والإهمال للآثار النبوية الحديثية المروية.
2 كثرة الدعوات المؤيدة لإحياء الآثار المرئية والاهتمام والاعتناء بها، وإغفال النتائج الوخيمة المترتبة على إحيائها.
3 ازدياد عدد المقالات والكتب المؤلفة في إحياء الآثار والمطالبة بالعناية بها؛ بحجة الحفاظ على الآثار والتراث وامتلاؤها بالشبهات والانحرافات العقدية.
4 كثرة الافتتان بالآثار الوثنية والجاهلية، والولاء لها، والتهاون بإحيائها واستبعاد وقوع المخالفات العقدية.
5 أن التنقيب عن الآثار والبحث عنها لم يظهر إلا في القرن الماضي، حيث يعدّ من العلوم الحديثة التي يُخشى أن تعارض أصولها أصول الدين الإسلامي.
أهداف الموضوع:
1 حماية جناب التوحيد، وسد ذرائع الشرك ووسائله.
2 الدعوة إلى التمسك بالسُّنَّة وتجنب البدعة، من خلال الرد على شبهات المخالفين لأهل السُّنَّة في تعظيمهم للآثار وتبركهم بها واعتبارها وسائل وأسباب شفائية.
3 تتبع الردود العلمية المتفرقة، والجهود العملية للعلماء المتعلقة بإحياء الآثار، وجمع شتات الموضوع ودراسته بدقة؛ للوصول إلى المنهج الحق وتمييزه عن غيره من المناهج البدعية وهذا الأمر من الواجبات التي ينبغي أن يقوم بها طلاب العلم.
الدِّراسات السَّابقة:
لم أجد بعد التتبع في المكتبات العامَّة والتِّجاريَّة والرَّسائل الجامعيَّة من تناول هذا الموضوع بالبحث على نحو مستوفٍ.
وقد وجدت بعض العناوين المقاربة، والتي تتداخل مع جزئيات بعض عناوين الرسالة، وهي كما يلي:
1 الآثار والمشاهد وأثر تعظيمها في الأمة الإسلامية، للدكتور: عبد العزيز بن عبد الله الجفير:
رسالة علميَّة مقدمة لنيل درجة الماجستير في قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى، عام 1417 هـ 1997 م، وهذه الرسالة تناولت ما يتعلق بالآثار والمشاهد وأثر تعظيمهما على الأمة الإسلامية.
وكحال أي عمل بشري لن يبلغ الكمال؛ فالكمال لله عز وجل، ولكتابه، ولدينه، فقد تبيَّن على حد علمي القاصر أن هذه الرسالة على أصالتها، وقيمتها العلمية، ووفرة معلوماتها، إلا أنها تفتقر إلى السبر والتقسيم، والتفصيل في أقسام الآثار وأنواعها والمخالفات العقدية الناشئة عن تعظيم الآثار.
حيث إن دائرة تعظيم الآثار أضيق من دائرة الإحياء والعناية والاهتمام بها؛ وبسبب انفتاح دائرة الإحياء واشتمالها على الغلو والتعظيم وما هو أكثر من ذلك أو أقل منه بكثير، حصل التساهل به وهذه حجة أغلب من يتهاون في مسألة إحياء الآثار المرئية الوثنية الجاهلية بأنهم لم يقصدوا تعظيمها ولا تقديسها.
لهذا السبب أتت هذه الرسالة توضح أن إحياء الآثار الوثنية والجاهلية وسيلة موصلة للشرك، وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك أصل عظيم من أصول الدين الإسلامي، يجب الاهتمام به؛ حتى لا تصل الأمة إلى مرحلة لا تحمد عقباها.
وكما أن الرسالة التي بين أيديكم تناولت الآثار بالعموم ولم تقتصر على الآثار المحسوسة، وكذلك هي إعادة ترتيب وتقسيم مع تكميل الناقص وإضافة بعض المباحث والفصول مثل:
1 الآثار بأنواعها من خلال اعتبارات مختلفة، ومن حيثيات متنوعة؛ كالآثار باعتبار: المروي والمرئي، الشرعي والشركي، المكاني والزماني، المادي والمعنوي، الثابت والمزيف، الباقي والمندرس، وحكم إحياء كل نوع منها من حيث الزيارة والتردد، وأيضًا من ناحية الاهتمام بعين الآثار وتهيئتها؛ لتسهيل الوصول إليها.
2 إحياء الآثار المروية الحديثية، وموقف المخالفين في هذا الجانب وتفنيد شبهاتهم.
3 ربطها بالواقع ك:
أ ضرب الأمثلة على الآثار المتواجدة حاليًّا.
ب ذكر الأمصار ذوات الآثار وانشغال الناس بها.
ج عرض للمحاولات المعاصرة لإحياء الآثار وردود العلماء العلمية وجهودهم العملية في إزالة الآثار والقضاء عليها.
4 أسباب المخالفات العقدية والمفاسد المترتبة على إحياء الآثار.
5 شبهات المبتدعة، والمستشرقين حول الآثار بأنواعها، وتفنيدها.
ومن الدراسات السابقة أيضًا:
2 أحكام الآثار في الشريعة الإسلامية دراسة عقدية، للدكتور: خالد بن عبد العزيز السيف:
بحث قصير مؤلَّف من (55) صفحة منشور في مجلة الدراسات العقدية في العدد: (16)، 1437 هـ.
تناول هذا البحث بعض الآثار المرئية المحسوسة وأحكامها إجمالاً، اعتمد على ضابط معنى الآثار عند خبراء الآثار: بأن الأثر ما كانت قيمته من تراكم الزمن، وتباعد التاريخ عليه، وما عدا ذلك ليس بأثر.
فتحديد معنى الأثر في هذه الرسالة مرتكز على قيمته، بحيث إنه إذا كان الأثر متعلقًا بشخص أو غيره لا يسمى أثرًا لعدم سريان مقولة التاريخ عليه.
3 التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم دراسة عقدية، للدكتور: فهد بن سعد المقرن:
بحث مؤلَّف من (52) صفحة منشور في مجلة دراسات إسلامية، في العدد:(25)، 1435 هـ 1436 هـ، ورد في البحث الإجابة عن عدة تساؤلات، اشتملت على: حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته، وبعد مماته، وصحة آثاره الباقية إلى يومنا هذا في عدة متاحف، والمنهج الشرعي اتجاه آثار النبي صلى الله عليه وسلم.
4 أحكام الآثار في الفقه الإسلامي، للدكتور: عبد الله الرميح:
رسالة علميَّة مقدمة لنيل درجة الدُّكتوراه في قسم الفقه بكلية الشريعة، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تناول فيها الباحث الأحكام الفقهيَّة المتعلقة بالآثار.
5 الآثار والمشاهد وحكم المحافظة عليها في الشريعة الإسلامية، للباحث: نائل إبراهيم نجم الصرايرة: رسالة علميَّة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الفقه وأصوله بجامعة مؤته، 2011 م.
6 حماية الآثار في الفقه الإسلامي، للباحث: أحمد خالد أحمد نوفل: رسالة علميَّة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بغزة، 1438 هـ 2017 م.
7 الآثار وتعظيمها بزيارتها لاستعادة تلك الأمجاد، للشيخ الفقيه عبد الله بن حميد رحمه الله: رسالة قيّمة لا تتجاوز صفحاتها (4) صفحات، فيها رد على من طالب بإحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم.
8 حكم الإسلام في إحياء الآثار، لسماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: رسالة قيّمة لا تتجاوز صفحاتها (10) صفحات، فيها رد على من طالب بإحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك كتب الشيخ رحمه الله مقالين عنوانهما: الرد على مصطفى أمين، والرد على صالح محمد جمال وكلها مدرجة في مجموع فتاوى ومقالات الشيخ رحمه الله.
9 إحياء الآثار الدينية والوثنية، للشيخ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن رحمه الله: رسالة قيّمة لا تتجاوز صفحاتها (10) صفحات، وكذلك للشيخ مقالات أخرى حول الآثار بعنوان: الآثار والصّحافة الجاهلة والقدوة الضالة، الآثار بين الوحي والفقه وبين الفكر المخالف لهما، بل هو سد لذرائع الشرك.
10 التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة، للشيخ: عبد المحسن العباد البدر: رسالة قيّمة مؤلَّفة من (47) صفحة، حذّر فيها المؤلف من تعظيم الآثار، وأنها وسيلة مفضية إلى الشرك.
11 إحياء الآثار مقالات وبحوث، لمعالي الشيخ: د. صالح الفوزان: مجموعة مقالات وبحوث، بلغ عددها تقريبًا (13) مقالاً وبحثًا، تدور أغلبها حول الآثار المتعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم، اعتنى بها وجمعها الشيخ: فهد بن إبراهيم الفعيم.
12 حكم زيارة أماكن السيرة النبوية، للشيخ: د. سعد بن ناصر الشثري: رسالة مؤلَّفة من (51) صفحة، تناول فيها المؤلف حكم زيارة المواضع المتعلقة بالسيرة النبوية على جهة: العبادة وكذلك السياحة، كما تناول فيها حكم تهيئتها للزيارة.
خطة البحث:
تشتمل الرسالة على مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة، وفهارس.
المقدمة، وفيها:
أهمية الموضوع، أسباب اختياره، أهدافه، الدراسات السابقة، خطة البحث، منهج البحث، شكر وتقدير.
التمهيد، وفيه: التعريف بمفردات العنوان إحياء الآثار.
* الفصل الأول: أنواع الآثار؛ وفيه تمهيد، وخمسة مباحث:
المبحث الأول: الآثار النبوية؛ وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الآثار النبوية الحديثية المروية.
المطلب الثاني: الآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق بها.
المطلب الثالث: آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية.
المبحث الثاني: الآثار الدينية؛ وفيه مطلبان:
المطلب الأول: آثار المواسم الدينية الزمانية.
المطلب الثاني: آثار المساجد وأماكن التعبّد.
المبحث الثالث: آثار الأمم الهالكة؛ وفيه ستة مطالب:
المطلب الأول: سفينة نوح عليه السلام بجبل الجودي.
المطلب الثاني: ديار عاد بالأحقاف.
المطلب الثالث: ديار ثمود بالحجر.
المطلب الرابع: ديار قوم لوط بالسدوم.
المطلب الخامس: ديار أصحاب مدين بالبدع.
المطلب السادس: حكم إحياء آثار الأمم الهالكة.
المبحث الرابع: الآثار الوثنية والجاهلية؛ وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: الآثار الفرعونية.
المطلب الثاني: الآثار الفينيقية.
المطلب الثالث: الآثار البابلية.
المطلب الرابع: الآثار الجاهلية.
المطلب الخامس: حكم إحياء الآثار الوثنية والجاهلية.
المبحث الخامس: آثار القبور والمشاهد؛ وفيه مطلبان:
المطلب الأول: المراد بالقبور والمشاهد.
المطلب الثاني: حكم إحياء آثار القبور والمشاهد.
* الفصل الثاني: موقف الفرق والمستشرقين من الآثار وتفنيد شبهاتهم؛ وفيه تمهيد، ومبحثان:
المبحث الأول: موقف الفرق والمستشرقين من الآثار؛ وفيه مطلبان:
المطلب الأول: موقف الفرق المخالفة لأهل السُّنَّة من الآثار.
المطلب الثاني: موقف المستشرقين من الآثار.
المبحث الثاني: تفنيد أبرز شبهات الفرق والمستشرقين حول الآثار؛ وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أبرز الشبهات حول الآثار الحديثية والمروية وآثار المواسم الزمانية.
المطلب الثاني: أبرز الشبهات حول الآثار المرئية.
* الفصل الثالث: المخالفات العقدية المترتبة على إحياء الآثار؛ وفيه تمهيد، وخمسة مباحث:
المبحث الأول: المخالفة المتعلقة بكلمة التوحيد؛ وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: المراد بكلمة التوحيد وحكم مخالفتها.
المطلب الثاني: سبب الانحراف عن كلمة التوحيد.
المطلب الثالث: عواقب مخالفة كلمة التوحيد وثمار تحقيقها.
المبحث الثاني: المخالفة المتعلقة بالتبرك بالآثار؛ وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: المراد من التبرك بالآثار.
المطلب الثاني: أقسام التبرك بالآثار وأحكامه.
المطلب الثالث: أسباب الانحراف في التبرك بالآثار.
المطلب الرابع: عواقب التبرك بالآثار.
المبحث الثالث: المخالفة المتعلقة بالتوسل بالآثار؛ وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: المراد من التوسل.
المطلب الثاني: أقسام التوسل وأحكامه.
المطلب الثالث: أسباب الانحراف في التوسل بالآثار.
المطلب الرابع: عواقب التوسل بالآثار.
المبحث الرابع: أبرز صور المخالفات التعبّدية المترتبة على إحياء الآثار، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار النبوية.
المطلب الثاني: أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار الدينية.
المطلب الثالث: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار الأمم الهالكة والآثار الوثنية.
المطلب الرابع: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار القبور والمشاهد.
المبحث الخامس: أسباب المخالفات العقدية والمفاسد المترتبة على إحياء الآثار، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أسباب المخالفات العقدية المترتبة على إحياء الآثار.
المطلب الثاني: المفاسد المترتبة على إحياء الآثار.
الخاتمة، وفيها: أهم التوصيات والنتائج.
الفهارس، وفيها:
1 فهرس الآيات القرآنية.
2 فهرس الآثار المروية المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
3 فهرس الآثار المروية الموقوفة على الصحابة رضي الله عنهم.
4 فهرس الآثار المرئية.
5 فهرس المصادر والمراجع.
6 فهرس الرموز.
7 فهرس الموضوعات.
منهج البحث:
اعتمدت على المنهج التاريخي التحليلي النقدي، حيث تمّ جمع المادة العلمية من المصادر التاريخية، ودراستها دراسة تحليلية نقدية برؤية شرعية عقدية، وذلك ببيان:
1 أنواع الآثار وأقسامها.
2 الحكم الشرعي من إحياء جميع أنواع الآثار.
3 موقف المبتدعة، والمستشرقين من الآثار.
4 تفنيد أبرز شبهات الفرق والمستشرقين حول الآثار، وذلك باستقراء ردود العلماء العلمية، وجهودهم العملية في الرد على أهل البدع، وبيان مخالفتهم لمنهج أهل السُّنَّة والجماعة، وتحليل جهودهم على أسس علمية منهجية دقيقة؛ بقصد التوصل إلى حقائق ذات براهين علمية واضحة.
5 أبرز صور المخالفات العقدية المترتبة على إحياء الآثار.
6 أسباب المخالفات العقدية المترتبة على إحياء الآثار.
7 المفاسد المترتبة على إحياء الآثار.
أما عن
المنهج المتبع في كتابة الرسالة
فعلى النحو التالي:
1 إيراد المسائل من غير توسع في تقريرها إلا ما تدعو الحاجة المُلحّة إليه.
2 عزو الآيات بذكر السورة ورقم الآية مع كتابتها بالرسم العثماني.
3 تخريج الأحاديث من مظانها فإن كان في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالعزو إلى موضعه فيهما، وإن لم يكن فيهما، اجتهدت في تخريجه من كتب السُّنَّة الأخرى، مع ذكر حكم أهل العلم عليها صحةً أو ضعفًا ما أمكن.
4 توثيق النقول بعزوها إلى مصادرها الأصلية إن وجدت، أو الإحالة إلى الكتب المعتمدة التي نقلتها.
5 بيان معاني الألفاظ الغريبة من كتب اللغة وغريب الحديث.
6 الاقتصار في الترجمة على من احتيج إلى بيان حاله من الأعلام.
7 الالتزام بتدوين سنة الوفاة للعالم في حال النقل عن مجموعة من العلماء؛ لمعرفة المتقدّم من المتأخر من الأقوال والرمز له ب (ت:
…
)، ولم ألتزم بتدوينه عند النقل عن عالم أو عالمين.
8 عند الرجوع لمصدر أو مرجع واحد لكن بطبعات أو دور نشر مختلفة، يتم الإشارة في الحاشية ب [ط:
…
]، بعد اسم الكتاب والمؤلف، وقبل رقم الجزء والصفحة للكتاب؛ لتمييز طبعة الكتاب أو دار النشر التي تم الرجوع لها.
9 استخدمت الأقواس التالية:
أ الآيات القرآنية: {
…
}
ب الآثار النبوية المروية الحديثية «
…
».
ج الآثار المروية الموقوفة على الصحابة رضي الله عنهم ....
د النص المقتبس
…
، وفي بعض المواضع استخدمت:
…
إذا أسندت النص إلى قائله.
هـ تخصيص كلمة أو تمييز مصطلح ....
و تمييز الأرقام (
…
).
ز إدراج إضافة على نص منقول في صلب البحث، وكذلك استُخدم في الحاشية لتوضيح طبعة الكتاب [
…
].
* * *
شكر وتقدير
ولا يفوتني في ختام هذه المقدمة أن أحمد ربي وأشكره، أول الشكر وآخره، المستحق سبحانه للحمد والثناء كله، المنعم والمتفضل سبحانه وتعالى، فأحمده حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه على عونه وتوفيقه وتيسيره فهو أهل الثناء والمجد، فله الحمد والشكر من قبل ومن بعد.
والفضل لله سبحانه وتعالى ثم لوالديّ الغاليين اللذين لهما الأثر الكبير في تفاصيل حياتي، ولن أبلغ ما حييت شكرهما، فأسأله سبحانه أن يرزقني برهما ويحفظهما ويُلبسهما لباس الصحة والعافية، ويغفر لهما ويرحمهما كما ربياني صغيرة.
وأشكره سبحانه الذي رزقني إخوة لم يدخروا جهدًا لمساعدتي، والذين كانوا وما زالوا بعد الله سبحانه وتعالى عونًا وسندًا لي في هذه الحياة، لا حرمني الله منهم وحفظهم ورعاهم وأسعدهم في الدنيا والآخرة.
واعترافًا بالفضل أتقدّم بالشكر الجزيل لمعلّمي ومشرفي الفاضل: د. محمد بن ناصر السحيباني، الذي لم يألُ جهدًا في توجيهي وإرشادي لتقويم الرسالة، ولم يتوانَ عن إسداء المرئيات السديدة، وإبداء الملاحظات الدقيقة، جزاه الله خيرًا وأحسن إليه.
كما أتقدم بجزيل الشكر والعرفان للمناقِشَيْنِ الكريمين: أ. د. فهد بن سعد المقرن، ود. عبد الرحمن بن عبد الله الشدي؛ لتفضلهما بتقويم الرسالة وتقييمها، مواصلين السعي لإكمال الفائدة المرجوة منها، وبذل ما في وسعهما لرفع مستوى الرسالة تقبل الله منهما، وأجزل لهما المثوبة.
كما أشكر فضيلة الشيخ أ. د فهد بن سليمان الفهيد على تفضله بالتقديم
للرسالة، وتقويمها بالملاحظات الموفقة، والاقتراحات المسددة جزاه الله خيرًا وأحسن الله إليه وبارك في علمه.
ولن أنسى في هذا المقام أن أتقدم بصادق الشكر والعرفان للأخت الفاضلة: حصة الحارثي، التي اقترحت عنوان الرسالة في عام (1435 هـ)، مشيرةً لأهمية هذا الموضوع في وقتنا الحالي جزاها الله خير الجزاء، وجعله في موازين حسناتها.
وكذلك الشكر موصول للشيخ الفاضل: عبد الجبار بن عبد العظيم آل ماجد على تعاونه، واعتنائه لنشر هذا الكتاب، ومتابعته لمراحل طباعته بحرص واهتمام شكر الله سعيه وأثابه وجزاه عنّي خير الجزاء.
وكذلك أشكر الأستاذ الفاضل: غسان البابا صاحب مؤسسة السنابل للصف الإلكتروني، على سرعة إنجازه ودقة عمله، وتنفيذه للمطلوب بصدر رحب بارك الله في جهوده وجعلها ذخرًا للإسلام والمسلمين.
كما أشكر كل من قدّم لي عونًا، أو أسدى إليّ يدًا، أو كان له دورًا في إتمام هذه المسيرة العلمية بالإفادات، والتوجيهات والنصائح أو حتى بالدعاء.
وأسدي بالفضل إلى جامعتي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ممثّلة في كلية أصول الدين، وفي قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة جزاء ما قدموه لي ولطلاب وطالبات الدراسات العليا من خدمات جليلة؛ تسهيلاً، وترغيبًا لطلب العلم والبحث والتحصيل العلمي المنضبط أدام الله الجامعة ومنسوبيها ذخرًا للإسلام والمسلمين.
هذا وأسأل الله سبحانه أن ينفع بهذا الجهد المقل اليسير، ويجعله خالصًا صوابًا، وأن يعم نفعه العباد وأرجاء البلاد، ويجعله حجة لي يوم ألقاه، وأصلي وأسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
التمهيد
التعريف بمفردات العنوان إحياء الآثار
أولاً: التعريف ب إحياء:
لغةً: إحياء مفرد، مصدره أَحْيَا
(1)
، وأصلها حيي، وجاء في مقاييس اللغة أن: الحاء والياء والحرف المعتل، لها أصلان:
(2)
1 الاستحياء الذي هو ضد الوقاحة، وليس هو المعنى المراد.
2 الحَياةُ التي هي ضد الموت
(3)
، والإحياء من الإنشار، والنشور هو البعث بعد الموت
(4)
، فأحياه: جعله حيًّا، واستحياه: استبقاه
(5)
.
وأحيا الليل: قام فيه وسهره، وأحيا النار: نفخ فيها حتى تحيا، وأحيا الأرض: أخصبها
(6)
، ويقال: أحْيوا ما بين العشاءَين؛ أي: اشْتَغلوا بالصلاة والعبادة والذكر ولا تعطلوه فتجعلوه كالميتة بعُطْلَته
(7)
.
والأصل الثاني هو المعنى المراد من الإحياء في هذه الرسالة.
الإحياء في اصطلاح اللغويين:
1 المباشرة بالتأثير على الشيء من عناية وإحاطة واهتمام
(8)
.
(1)
معجم اللغة العربية المعاصرة، لأحمد مختار (598/ ح ي ي: 1534).
(2)
مقاييس اللغة، لابن فارس [ط: دار الكتب العلمية] (1/ 328/ مادة حيي).
(3)
يُنظر: الصحاح، للجوهري (6/ 2323/ مادة حيا)، لسان العرب، لابن منظور (14/ 211/ مادة حيا).
(4)
يُنظر: المغرب في ترتيب المعرب، للمطرز (2/ 303)، لسان العرب (2/ 116/ مادة بعث).
(5)
يُنظر: القاموس المحيط، للفيروزآبادي (430).
(6)
يُنظر: المنجد في اللغة والأعلام (165).
(7)
يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (1/ 471).
(8)
يُنظر: معجم اللغة العربية المعاصرة (598/ ح ي ي: 1534).
2 بعث الحيوية والنشاط والإنعاش والتجديد
(1)
.
3 هو جعل الشيء حيًّا ذا قوة إحساسية
(2)
.
العلاقة بين المعنى اللّغوي والاصطلاحي عند أهل اللغة:
تكمن العلاقة بينهما في أن الإحياء هو مباشرة الشيء واستبقاؤه بالعناية والاهتمام، وإعادة الحياة له قبل أن يموت ذكره، أو يندثر أثره.
الإحياء في اصطلاح علماء الشرع:
1 إعادة الأجسام بعد صيرورتها رميمًا
(3)
.
2 إحياء الميت وإيجاد الحياة فيه
(4)
.
3 إعادة الأمر بعد إهماله، والاشتغال به، ودوام مواصلته، وعدم الانقطاع عنه، أو تعطيله وجعله كالميت في عطلته
(5)
.
نلحظ من خلال هذه التعريفات أن الإحياء في مفهوم العلماء المتقدمين يدور حول الإحياء الذي يعود أصله إلى خلاف الموت، دون الإشارة إلى المفهوم الاصطلاحي الآخر وهو إعادة الشيء وتجديده، وإحياؤه بالتهيئة وتسهيل الوصول إليه.
بينما عُرف هذا عند المتأخرين والمعاصرين من العلماء، وهذا يدل كما سيأتي على أنه لم يكن الإحياء بالمفهوم الاصطلاحي عند المتقدمين معروفًا ولا متداولاً لديهم.
العلاقة بين معنى الإحياء عند أهل اللغة وعلماء الشرع:
يتبين أن للإحياء معانٍ مترابطة، ولا يخرج بعضها عن بعض، إذ إن الإحياء بالعموم هو إعادة الشيء وتجديده أو استبقاؤه من خلال الاهتمام
(1)
المرجع السابق.
(2)
كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، للتهانوي (1/ 114).
(3)
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (1/ 303).
(4)
مفتاح دار السعادة، لابن القيم (2/ 525).
(5)
يُنظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (2/ 230).
والإحاطة والحفظ والصون والحماية، بعد أن أُهمل وكاد أن يموت ويندثر ويختفي.
ثانيًا: التعريف ب «الآثار» :
لغة: الآثار أصلها أثر، وجمع الأثر آثار وأُثور
(1)
، وجاء في مقاييس اللغة أن: الهمزة، والثاء، والراء، لها ثلاثة أصول:
(2)
1 تقديم الشيء وتفضيله، وأصلها قوله تعالى:{قَالُوا تاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: 91]؛ أي: لقد قدّمك الله علينا، وفضلك بالعلم والحلم والفضل
(3)
، وليس هو المعنى المراد هنا.
2 ذكر الشيء وخبره، وأصلها قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12]؛ أي: أخبارهم ومساعيهم، وخطاهم وسننهم
(4)
.
فيقصد بالأَثَرِ: الخَبَرُ
(5)
، ويسمى الحديث مأثور:
(6)
أي: منقول قرنًا عن قرن
(7)
، وأَثَرَ الحديث: نَقَلهُ
(8)
، ويقال أيضًا: أَثَرَتُ الحديث بمعنى رويته، ويسمى كذلك المحدّث أثريًّا نسبة للأثر
(9)
، ويقال كذلك الأثريّ: العالم بالآثار
(10)
، والآثار: الأعْلام
(11)
.
3 رسم الشيء الباقي وعلامته: وأصلها قوله تعالى: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ
(1)
لسان العرب (4/ 5/ مادة أثر) بتصرف.
(2)
مقاييس اللغة، لابن فارس [ط: دار الكتب العلمية] (1/ 35/ مادة أثر).
(3)
يُنظر: جامع البيان في تأويل آي القرآن، لابن جرير الطبري (13/ 329).
(4)
يُنظر: معاني القرآن، للزجاج (4/ 281)، الكشاف، للزمخشري (4/ 9).
(5)
تاج العروس من جواهر القاموس، للزبيدي (10/ 13) بتصرف.
(6)
معجم النفائس الكبير (16) بتصرف.
(7)
المنجد في اللغة والأعلام (3/ مادة أثر).
(8)
معجم النفائس الكبير (16).
(9)
يُنظر: تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، للسيوطي (1/ 29)، القاموس المحيط (37).
(10)
المنجد في اللغة والأعلام (3/ مادة أثر).
(11)
القاموس المحيط (37).
عِلْمٍ} [الأحقاف: 4]؛ أي: عَلامة مِنْ عِلْم، ويجوز أن يكون على معنى بقية من علم، ويجوز أن يكون على معنى ما يؤثر من العلم
(1)
.
الآثار في اصطلاح اللغويين:
1 هي اللوازم المعلّلة بالشيء
(2)
.
2 بقيّة ما يُرَى من كلّ شيء وما لا يرى بعد أن تبقى فيه علقة
(3)
.
3 حصول ما يدل على وجود الشيء والنتيجة
(4)
.
العلاقة بين المعنى اللّغوي والاصطلاحي للآثار عند أهل اللغة:
تكمن العلاقة بينهما في أن الأثر هو بقية الشيء المنقول من قرن إلى قرن سواء كان مرويًّا أو مرئيًّا، وهذا مقتضى ورودها اللغوي، وكما أنه هو المعنى المراد به في هذه الرسالة.
الآثار في اصطلاح علماء الشرع:
1 ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير
(5)
.
2 ما يروى من السُّنَّة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا، أو موقوفًا على الصحابة رضي الله عنهم
(6)
.
(1)
يُنظر: معاني القرآن، للزجاج (4/ 438).
(2)
التعريفات، للجرجاني (11/ الآثار 23).
(3)
مقاييس اللغة [ط: دار الكتب العلمية](1/ 35/ مادة أثر).
(4)
التوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي (38).
(5)
يُنظر: الكفاية في معرفة أصول علم الرواية، للخطيب البغدادي (1/ 96)، مقدمة النووي على صحيح مسلم (1/ 53)، فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، للسخاوي (1/ 178)، الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، لأحمد شاكر (38).
وقد نبه النواوي رحمه الله في التقريب إلى أن: أهل الحديث كلهم يطلقون الأَثر على: المرفوع، والموقوف. يُنظر: تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، للسيوطي (1/ 29)، النكت على مقدمة ابن الصلاح، للزركشي (1/ 417).
(6)
يُنظر: العدة في أصول الفقه، للفراء (3/ 896)، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، لابن عبد البر (1/ 221)، (8/ 122).
3 ما رُوي عن الصحابة رضي الله عنهم موقوفًا، وعن التابعين مقطوعًا
(1)
.
4 كل علم روي بالإسناد عن من يُقبل قوله، وقيّد وصل سنده بالكتابة
(2)
.
5 هو ما أُثر عمن سلف؛ أي: نُقل عنهم وبقي أثرًا من آثارهم
(3)
.
6 ما يدل على بقية الشيء
(4)
.
7 ما يُستدل به على آثار الأقدام وما يتصل بها من القافة ك أريه القافة
(5)
.
8 ما يترتب على الشيء، كقولهم: أثر النكاح
(6)
.
العلاقة بين معنى الآثار عند أهل اللغة وعلماء الشرع:
اشترك علماء الشرع في أن معنى الآثار: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير، وإن كان لهم معانٍ أخرى أعم من تخصيص الأثر بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنهم لم يختلفوا في نسبة الأثر للحديث المرفوع.
وهذا المعنى الشرعي مرتبط بالمعنى اللغوي في أصله، حيث إن معنى الأثر عند أهل اللغة المذكور آنفًا هو بقية الشيء المنقول من قرن إلى قرن ويدخل ضمنه الخبر المروي.
(1)
يُنظر: النكت على مقدمة ابن الصلاح (1/ 417 - 418).
(2)
يُنظر: درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية (1/ 58).
(3)
معجم مصطلحات علوم القرآن (60).
(4)
وهذا المعنى اصطلحه الفقهاء، مثاله: الإنقاء إزالة عين النجاسة وبلتها بحيث يخرج الحجر نقيًّا وليس عليه أثر إلا شيئًا يسيرًا. المغني، لابن قدامه المقدسي (1/ 174).
وتوْصيف الآثار فقهيًّا يندرج تحت ما يسمَّى الركاز، ويتَّضح ذلك من خلال النَّظر في كتب الفقه وأقوال الفقهاء وحكمهم بأن: الركاز أحد أنواع الآثار. يُنظر: شرح فتح القدير، لابن الهمام الحنفي (2/ 233)، الأم (2 - 18)، الإقناع، للحجاوي (1/ 269).
(5)
الأم، للشافعي (5/ 18).
(6)
الفقه على المذاهب الأربعة، لعبد الرحمن الجزيري (4/ 386).
فالآثار بالمعنى الشرعي واللغوي هو المراد والمقصود في المطلب الأول من هذه الرسالة، إذ إنه يتضمن معنى أحد أنواع الآثار.
علم الآثار في اصطلاح خبراء الآثار:
لم يتفق خبراء الآثار على تعريف موحد لعلم الآثار؛ وذلك بسبب حداثته، حيث إنه يعتبر وليد القرن الماضي
(1)
، ولم يُوضع له حد معين، إلا أنه يمكن ذكر خلاصة ما نهجه أصحاب هذا الفن في بيان المعنى الاصطلاحي لعلم الآثار، حيث لا تخرج عن مسلكين:
المسلك الأول: ذهب أصحابه إلى أن علم الآثار يشمل الموروثات المادية المحسوسة، والتي تسمى ب أركيولوجيا Archaeology وكذلك يشمل الموروثات البشرية المعنوية والفكرية والاعتقادية والثقافية، والتي تسمى ب أنثروبولوجيا Anthropology.
وبناء على هذا المسلك وضعوا تعريفات تشمل المورثات الحسية والمعنوية، ومن هذه التعريفات التي سلكت هذا المسلك
(2)
:
1 مخلفات الأمم السابقة سواء المادية منها أو الفكرية، الثابتة أو المنقولة، الظاهرة منها أو المطمورة
(3)
.
2 كل ما أنتجه الإنسان من عناصر مادية، أو نتاج ثقافي خلال تاريخه الحضاري
(4)
.
3 ما خلّفه السابق للاحق
(5)
.
(1)
يُنظر: الآثار الشرقية، من مقدمة المترجم مارون الخوري (هـ).
(2)
يُنظر: تاريخ علم الآثار، لجورج ضو (7 - 10)، حماية الآثار في الفقه الإسلامي، لأحمد نوفل (9 - 10).
(3)
علم الآثار، لجمال عبد الهادي (6)، نقلاً من حماية الآثار، لأحمد نوفل (10).
(4)
الآثار من منظور حضاري إسلامي، لصبري خليل، (مقال إلكتروني) نشر في صحيفة الراكوبة.
(5)
يُنظر: تعظيم الآثار والمشاهد، لعبد العزيز الجفير (12).
المسلك الثاني: ذهب أصحابه إلى أن علم الآثار يختص بالموروثات البشرية المادية المحسوسة فقط والتي يطلق عليها أركيولوجيا Archaeology.
فمن هذه التعريفات التي سلكت هذا المسلك
(1)
:
1 دراسة بقايا الماضي، من خلال التعرف على أبنيتها وتماثيلها ومحنطاتها ونقودها وما شاكل ذلك
(2)
.
2 جميع الأشكال الملموسة والمنظورة التي تحفظ أثر النشاط البشري، أو هي الأثر الحقيقي أو العظيم للصناعة والفن البشري خلال القرون
(3)
.
3 هو أحد العلوم الذي يتعرف على ماضي البشرية من خلال أنشطته المادية
(4)
.
4 موروثات مادية محسوسة خلفها الإنسان في مكان ما، واكتسبت قيمتها الأثرية من تراكم الزمن عليها وتباعده
(5)
.
يمكن الجمع لمعنى الآثار بالإجمال عند اصطلاح أهل اللغة وأهل الشرع وخبراء الآثار بأنه: ما تركه السابق للاحق من موروثات فكرية أو مادية.
والمتأمل لما سبق يجد أن معاني الآثار الاصطلاحية عند أهل كل فن، والمعنية في هذه الرسالة، لا تخرج عن أحد معنيين، وهما:
1 الآثار الحديثية المروية: والتي هي ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير أو صفة خُلقية أو خَلقية، وهذا المعنى الشرعي.
(1)
يُنظر: تاريخ علم الآثار، لجورج ضو (7 - 10)، حماية الآثار في الفقه الإسلامي، لأحمد نوفل (9 - 10).
(2)
يُنظر: الآثار الغارقة، لروبرت سلفربرج (5)، المنجد في اللغة والأعلام (3).
(3)
تاريخ علم الآثار، لجورج ضو (7).
(4)
التعريف بعلوم الآثار نشأتها التاريخية، لعبد العزيز بن الأحرش (23).
(5)
يُنظر: تاريخ علم الآثار، لجورج ضو (7)، وكلًّا من: الآثار من منظور حضاري، لخيري، ومجلة الآثار، نقلاً من حماية الآثار في الفقه الإسلامي، لأحمد نوفل (10).
2 الآثار المحسوسة المرئية: والتي هي الموروثات البشرية سواء كانت الفكرية أو المادية، وهذا المعنى الاصطلاحي.
وأما عن
معنى إحياء الآثار كمصطلح مركب
فلم أقف على معنى يشتمل على المراد ويستوعب المقصود، فاجتهدت:
أولاً: في بيان تعريف إحياء الآثار،
بأنه:
العناية والاهتمام بما خلفه السابق للاحق من موروثات مروية أو مرئية، سواء كان بالمحافظة عليها وإبقائها، أو بالتنقيب عنها واستخراجها بعد أن كانت مندثرة، وإعادة ترميمها وتجديدها وتهيئتها.
ثانيًا: في تحديد بيان المعاني التي يتضمنها هذا المصطلح،
وهي:
1 إحياء الآثار المروية بالعلم والحفظ والدراسة والمذاكرة.
2 إحياء الآثار المرئية يشمل عدة معاني، منها ما يلي:
أ إحياؤها بالزيارة والتردد عليها.
ب إحياؤها بالتنقيب عنها ونبش الأرض لاستخراجها بعد أن كانت مطمورة.
ج إحياؤها بالاهتمام بها والترميم والتحسين وعمارتها والبناء عليها، وتهيئتها، وتسهيل الوصول إليها، وتزيينها بالجص والزخارف ونحو ذلك.
ولعل من المناسب الإشارة إلى أن علم الآثار والتنقيب عن القطع والهياكل الأثرية بصورته الحديثة علمٌ غربي محض، لا اهتمام للمسلمين به ولا عناية؛ بل اهملوه؛ لعدم أهميته.
ويُلاحظ ذلك من خلال ما تم عرضه من معاني الآثار المذكورة آنفًا عند السلف المتقدمين والمصنفين المتأخرين إذا ذُكر علم الآثار فإنه يقصد به: المرويات النبوية التي من أقواله وأفعاله وسيرته صلى الله عليه وسلم، فتلك الكتب التي تجمع سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم هي كتب الآثار، وكذلك آثار السلف الصالح.
هذا هو المراد من مصطلح علم الآثار عند المسلمين وقد سبق أن بيّنت مدلول هذه الكلمة آنفًا.
وكذلك ما اصطلحه أهل اللغة، في المعاجم الكبرى والتي شملت جميع العلوم والفنون، حيث إنهم يترجمون علم الآثار بأنه: علم يبحث عن أقوال وأفعال العلماء الراسخين وسيرهم في أمر الدين والدنيا
(1)
، وهذا هو غاية ما يفهم من مصطلح علم الآثار قبل قرنين تقريبًا.
أما عن تأسيس «علم الآثار» كعلم مستقل له مقدماته وأدواته ونظرياته، وتصنيفه من العلوم الإنسانية المعروفة بالمصطلح العصري إنما هو من اختراعات الغرب.
فقد نشأ وأُسس على أيديهم؛ بل وتولوه حتى في ديار المسلمين، وتربعوا على أعلى المناصب من خلاله وصنف فيه مؤلفوهم المؤلفات والرسائل
(2)
.
وبالطبع من خلال ما تقدّم يتبين مدى البون الشاسع بين مراد المسلمين وأهدافهم من الآثار، وبين نظرة الغرب المادية البحتة من دراسة الآثار واعتبارها حضارة من الحضارات
(3)
.
حتى إنهم جعلوا مقياس الحضارة ما يكتشفون ويجدون من المخلفات المادية والفكرية التي سيطرت في القديم على الإنسان من علو طبقة على طبقة.
بينما مقياس الحضارة الحقيقي هو تخليص الإنسان وتحريره من عبودية
(1)
يظهر ذلك عند النظر في معجم اصطلاحات العلوم والفنون: مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، والذي شمل معاني اصطلاحات أغلب العلوم: الغث منها والسمين، يقول مؤلفه في تفسير معنى علم الآثار: هو علم يبحث فيه عن أقوال العلماء الراسخين من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين وأفعالهم وسيرهم في أمر الدين والدنيا. يُنظر: مفتاح السعادة، لطاشْكُبْري زَادَهْ (552).
(2)
يُنظر: دور أهل الذمة في إقصاء الشريعة، لماجد المضيان (333).
(3)
يُنظر: المرجع السابق (332).
المخلوق، بإثراء فكره، ونشر العلوم النافعة، وتفقيه الناس، وسد فاقتهم واحتياجاتهم، وتوفير الأمن الفكري والأمان المعيشي.
لذلك نجد أن المجتمع الإسلامي يبرز في عصور القوة بالعلم النافع بين أفراده، وتفتح فيه المدارس والجامعات على اختلاف تخصصاتها، وتكثر فيها المؤلفات النافعة.
وفي المقابل فإن في عصور الضعف والظلم والطغيان يبرز فن العمارة والزخارف، وتشييد القصور التي يتفاخر أصحابها على أنها من عجائب الدنيا، ثم تصنف بعد انهيار الدولة وسقوط أصحابها بأنها آثار
(1)
.
والنتيجة التي نخرج بها أن علم الآثار في أصله غربي، ولا علاقة للمسلمين بالمفهوم الذي يرمي إليه المستشرقون.
ولا يُفهم من ذلك تنقّص علم التاريخ أو نبذه والتحذير منه؛ بل إن التاريخ هو أداة ربط الخلف بالسلف، إذ إن معرفة تاريخ الأمم مهم، وكما قيل: من ليس له ماضٍ ليس له حاضر.
فالتاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا
(2)
.
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فينبغي للعقلاء أن يعتبروا بسُنَّة الله وأيامه في عباده، ودأب الأمم وعاداتهم
(3)
.
وقد أغنى الله جل جلاله المسلمين بأعظم تاريخ، وأروع سيرة تحكي حياة أفضل البشر نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وسيرة خلفائه رضي الله عنهم ومن بعدهم من الأئمة والحفاظ والقادة والفاتحين، والعلماء الأفذاذ، بما تشحذ به عقول المسلمين
(1)
يُنظر: دور أهل الذمة في إقصاء الشريعة (346 - 347).
(2)
يُنظر: تاريخ ابن خلدون (1/ 13) بتصرف يسير.
(3)
يُنظر: مجموع الفتاوى (28/ 427).
اليوم؛ ليتغذوا من سيرهم وأخلاقهم وصبرهم ومثابرتهم وجدهم، وثمرة جهودهم التي لا زال المسلمون ينهلون ويحصدون منها كل نافع ومفيد
(1)
، هذا هو التاريخ الذي يحتاجه المسلمون اليوم.
أما عن تاريخ الأمم الهالكة، والتاريخ الجاهلي وتاريخ الفراعنة والبابلية وغيرهم من الآثار الوثنية، فلا حاجة للمسلمين إلا الاعتبار والاتعاظ بما حصل لهم من عذاب ونكال بسبب كفرهم وطغيانهم.
ولم يظهر الشغف لمعرفة التاريخ القديم وتعظيم الأمم البائدة والفخر والاعتزاز بهم إلا بعد ظهور الاهتمام بعلم الآثار الذي يزعمون أنه فرع من فروع علم التاريخ
(2)
.
وما حصل بسببه من افتتان الناس بأمور تنافي الدين الإسلامي، والعقيدة الصحيحة: كاستخراج الأصنام، والتعصب للوثنيات، وإحياء القبور والغلو فيها وتعظيمها وتقديسها.
* * *
(1)
يُنظر: تعظيم الآثار والمشاهد (277).
(2)
يُنظر: الآثار والمشاهد وحكم المحافظة عليها في الشريعة الإسلامية، لنائل الصرايرة (12).
الفصل الأول
أنواع الآثار
وفيه تمهيد وخمسة مباحث:
تمهيد.
المبحث الأول: الآثار النبوية.
المبحث الثاني: الآثار الدينية.
المبحث الثالث: آثار الأمم الهالكة.
المبحث الرابع: الآثار الوثنية والجاهلية.
المبحث الخامس: آثار القبور والمشاهد.
تمهيد
قبل الخوض في مباحث هذا الفصل سأعرّف بالمعنى المراد من مفردات العنوان: أنواع الآثار.
1 - النوع لغة:
النون والواو والعين كلمتان تدلان على معنيين:
الأول: النوع من الشيء، والضرب منه، وطائفة من الشيء مماثلة له، وليس هذا من نوع ذاك.
والثاني: ضرب من الحركة كقولهم: ناع الغصن ينوع، إذا تمايل، فهو نائع؛ لذلك يقال: جائع نائع؛ أي: مضطرب من شدة جوعه متمايل
(1)
.
والمعنى الأول هو المعنى المراد بعنوان هذا الفصل.
والمراد بالنوع في اصطلاح أهل اللغة:
اسم دال على تخصيص أشياء كثيرة مختلفة، ويقصد به كل مقول يخصص به شيء واحد؛ لتُعرف ماهية جنسه
(2)
.
فالجنس مطلق، والنوع مقيد، حيث إن النوع يُعدّ أحد أقسام الجنس المختلفة التي تُحمل على نوعها؛ لأن الواحد من الجنس نوع
(3)
.
(1)
مقاييس اللغة (5/ 370 - 371).
(2)
يُنظر: التعريفات، للجرجاني (247).
(3)
يُنظر: رسالتان في اللغة، للرماني (70 - 71).
2 - الآثار:
سبق التفصيل في تحديد المعنى المراد بالآثار في التمهيد
(1)
، وسيأتي أيضًا تحديد المراد من كل نوع بالتفصيل في بداية كل مطلب؛ لأن في كل مبحث أو مطلب يكون للآثار معنى خاص متعلقٌ بما يُضاف إليه.
وقد اشتملت هذه الرسالة على الآثار بأنواعها من خلال اعتبارات مختلفة، ومن حيثيات متنوعة، كالآثار باعتبار:
1 المروي والمرئي.
2 الشرعي والشركي.
3 المكاني والزماني.
4 المادي والمعنوي.
5 الثابت والمزيف.
6 الباقي والمندرس.
وتختلف قيمة الآثار وسبب إحيائها وتعامل من حولها بحسب نوع الأثر، فمنها ما يكون قيمته من:
1 تراكم الزمن على الأثر وتباعده وهذا ما اصطلحه خبراء الآثار.
2 اتصال الأثر بشخص معظّم.
3 تفضيل الشرع له، ومجيء الأمر الإلهي بإحيائه.
ولا يفهم من هذا التقسيم الإقرار بصحة قيمة الآثار من عدمها، ولكن المراد أن الأثر يبقى أثرًا في أصله على اختلاف قيمته، عدا ما فضّله الشرع فهو يتعالى عن إطلاق مسمى أثر عليه، وإن كان ينطبق عليه اصطلاح خبراء الآثار، ولكن نسميه بما سماه وما اصطلحه الشرع وليس لنا تغيير مسماه، كما سيأتي بيانه بالتفصيل في موضعه.
(1)
راجع لطفًا (27).
المبحث الأول
الآثار النبوية
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الآثار النبوية الحديثية المروية.
المطلب الثاني: الآثار النبوية المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق بها.
المطلب الثالث: آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية.
المبحث الأول
الآثار النبوية
بعثة الرسل نعمة من الله على البشرية؛ لأن الحاجة إليهم ضرورية، فلا ينتظم للبشر حال، ولا يستقيم لهم دين إلا بدعوة الأنبياء والرسل عليهم السلام.
وأولوا العزم هم أفضل الرسل، وأفضل أولي العزم: رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم الذي أُرسل رحمة للعالمين، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ *} [الأنبياء].
فكانت بعثته مشعل نور، وهداية للثقلين، وفرقانًا بين الحق والباطل، ودعوة إلى التوحيد الخالص الذي أُسه وأساسه إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرٌ أوجبه الله وشرعه لعباده، تبعًا لمحبته جل جلاله، وأن اتباعه صلى الله عليه وسلم علامة على محبته، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31].
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله،
…
وزعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية
(1)
.
ولا يكمُل إيمان العبد إلا إذا كان يحب الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه وماله ووالده وولده والناس أجمعين
(2)
، وهذا الحب ضابطه التوسط والابتعاد
(1)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (2/ 32) بتصرف يسير.
(2)
كما جاء في الصحيحين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» . أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، (1/ 12/ ح 15)، ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأْهل والولد والوالد والناس أجمعين، (1/ 49/ ح 44).
عن الغلو
(1)
.
وقد قام المسلمون بأداء ما افترضه الله عليهم من محبة نبيّه صلى الله عليه وسلم وتوقيره وإكرامه وبره واتباعه وطاعته حق قيام، وظهر من حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما جعلهم يفدونه بكل عزيز وغال، ويؤثرونه على الأهل والأوطان والأموال، حتى باعوا أنفسهم وأموالهم لربِّ العالمين. نصرة لدينه، ودفاعًا عن نبيه صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وبرهان هذه المحبة هو اتباعه في جميع أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته وجميع تصرفاته فأي أثر ثبت عنه من ذلك يبادرون بإحيائه وامتثاله.
ولكن بسبب ضعف الإيمان وفشو الجهل أصبح بعض الناس يعظمون الرسول صلى الله عليه وسلم بطرق لم يأت بها الشرع بل نهى عنها، فيقعون في الغلو في محبته صلى الله عليه وسلم بدعوى أنهم يظهرون حبه وتعظيمه.
وقد ضلوا وأضلوا، وأوهموا المخدوعين بهم أنهم أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم حبًّا له، فمال إليهم الأغرار، وظنوا أنهم من الأبرار الأخيار، وأنهم أحباب النبي صلى الله عليه وسلم المصطفى المختار، فقد بالغوا في هذه المحبة حتى أخرجوه من نطاق البشرية إلى مرتبة الألوهية
(3)
.
وقد حذّر نبيُّنا صلى الله عليه وسلم من الغلو في قوله صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ في الدِّينِ فإنه أَهْلَكَ من كان قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ في الدِّينِ»
(4)
، فالتحذير من الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقع إلا على شيء يكون خطرًا على المسلم وضررًا عليه
(5)
.
وأيضًا نهى صلى الله عليه وسلم عن إطرائه، فقال: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابن
(1)
يُنظر: براءة الصحابة الأخيار من التبرك بالأماكن والآثار، لربيع بن هادي (11/ 631 - 633).
(2)
يُنظر: محبة الرسول بين الاتباع والابتداع، لعبد الرؤوف محمد عثمان (3).
(3)
المرجع السابق (4) بتصرف.
(4)
أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي، (2/ 1008/ ح 3029)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 278/ ح 1283).
(5)
التعليق على صحيح مسلم، لابن عثيمين (1/ 32) بتصرف يسير.
مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا: عبد اللهِ وَرَسُولُهُ»
(1)
.
ولما قال بعض أصحابه: أنت سيدنا وابن سيدنا قال صلى الله عليه وسلم: «
…
قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أو بَعْضِ قَوْلِكُمْ وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ»
(2)
.
فعلى المسلم أن يسلك سبيل الرشاد والتوسُّط الذي مدح الله به هذه الأمَّة فقال جل جلاله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]
(3)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} ، (4/ 167/ ح 3445).
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في كراهية التمادح، (4/ 254/ ح 4806)، صححه الألباني، في السلسلة الصحيحة (3/ 88/ ح 1097).
(3)
يُنظر: رياض الجنة في الرد على أعداء السُّنَّة، للوادعي (261)، براءة الصحابة الأخيار (11/ 631 - 633)
المطلب الأول
الآثار النبوية الحديثية المروية
بسط هذا المطلب في خمسة مسائل:
المسألة الأولى: المراد بالآثار النبوية الحديثية المروية.
المسألة الثانية: الأدلة على ثبوت حجية الآثار الحديثية المروية ووجوب إحيائها.
المسألة الثالثة: اهتمام السلف بالآثار النبوية الحديثية المروية.
المسألة الرابعة: حث السلف على إحياء الآثار الحديثية المروية.
المسألة الخامسة: أحوال المتلقين للآثار النبوية الحديثية المروية.
المسألة الأولى: المراد بالآثار النبوية الحديثية المروية:
سبق بيان المراد بمصطلح الآثار في التمهيد
(1)
، وأنه يختلف بحسب أهل الاصطلاح، والمقصود به هنا في اصطلاح المحدثين من علماء الشرع، وهو المعنى المرادف للسنة والحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو: ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير
(2)
أو صفة خُلقية أو خَلقية.
وهذا أعظم وأشرف ما خلّفه النبي صلى الله عليه وسلم من آثار
(3)
؛ لأنها وحي من الله سبحانه وتعالى أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وأمر باتباعها؛ لحصول البركة في حياة المسلم، وليست كسائر الآثار.
(1)
راجع لطفًا (28).
(2)
يُنظر: الكفاية في معرفة أصول علم الرواية (1/ 96)، مقدمة النووي على صحيح مسلم (1/ 53)، فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (1/ 178)، الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث (38).
(3)
يُنظر: النكت على مقدمة ابن الصلاح (1/ 417 - 419)، حكم إحياء الآثار، لصالح الفوزان (5/ 94 وما بعدها)، التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة، لعبد المحسن العباد البدر (4/ 215).
والرسول صلى الله عليه وسلم بلّغ هذا الوحي للناس فيما أُمر به ونُهي عنه، فهذا يدل على أنها مصدر وأصل من أصول الدين، وركن في بنائه القويم، يجب اتباعها ويحرم مخالفتها، ولا غنى للمسلمين عنها؛ لأنه لا يصح ولا يكتمل إيمان العبد إلا بها
(1)
.
فإن أحق ما عُني به المسلم العمل على اقتفاء آثار النبي صلى الله عليه وسلم الحديثية وتجسيدها في حياته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، من خلال إحيائها في نفسه وفي مجتمعه تعلمًا، وتعليمًا، وعملاً، ودعوة، فهذه الآثار النبوية الحديثية المروية تتميز بخصائص يستحيل إيجادها في آثار أخرى.
ولقد حرص أئمة الحديث على نقل كل ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلقية أو خَلقية، وحافظوا عليه بطرق مُحكمة لم تعهدها البشرية طوال تاريخها، فواقعهم يشهد على جهودهم العظيمة، فقد حظيت آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديثية من الحياطة والعناية الفائقة، والضوابط الدقيقة بما لم يحظَ بعشر معشاره أي علم من العلوم
(2)
، ولولاهم بعد الله عز وجل لدرست الآثار واضمحلت الأخبار، وعلا أهل الضلالة والهوى وارتفع أهل البدع والعمى
(3)
.
المسألة الثانية: الأدلة على ثبوت حجية الآثار النبوية الحديثية المروية ووجوب إحيائها:
أجمعت الأمة على وجوب اتباع الآثار النبوية الحديثية المروية
(4)
، وإحياؤها هو نوع من الاتباع والاقتداء الذي حثنا عليه الشرع وبيَّن أهميته.
ومما يؤكد ذلك ما دلَّت عليه الأدلة القطعية الكثيرة، التي لا تدع مجالاً
(1)
الحديث والمحدثون، لمحمد أبو زهو (20) بتصرف، ويُنظر: الرسالة، للشافعي (73 - 105).
(2)
يُنظر: مكانة السُّنَّة، لصالح الفوزان (23 - 25)، حجية خبر الآحاد، لربيع بن هادي مدخلي (33 - 84).
(3)
يُنظر: مقدمة كتاب المجروحين، لابن حبان (1/ 58).
(4)
يُنظر: مراتب الإجماع، لابن حزم (195)، كتاب الإقناع في مسائل الإجماع، لابن قطان (1/ 50).
للشك، فمن أنكر ذلك فقد نابذ الأدلة القطعية، واتبع غير سبيل المؤمنين.
فالأدلة الآمرة بوجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سُنَّته ولزومها تؤكد على مصدريتها وأنها حجة بنفسها، وتدل أيضًا بوجه من الوجوه على إحياء هذه الآثار الحديثية بمعنى الاهتمام بها تعلمًا، وتعليمًا، وعملاً، ودعوة.
وقد تعددت الأدلة على حجية الآثار النبوية الحديثية المروية، ووجوب إحيائها وتنوعت صورها واختلفت أساليبها، فمن ذلك ما يلي:
(1)
1 الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
(2)
:
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ *} [آل عمران: 32].
يقول إمام المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله: هذا أمرٌ من الله بطاعة رسوله في حياته فيما أمرَ ونهى، وبعد وفاته باتباع سُنَّته، وذلك أن الله عمّ بالأمر بطاعته، ولم يخصص بذلك في حال دون حال، فهو على العموم حتى يخصّ ذلك ما يجبُ التسليم له
(3)
.
وقال سبحانه وتعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، هذا أمر من الله جل جلاله بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة الله جل جلاله
(4)
، فمن أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم كان من أوليائه المتقين، وكانت له سعادة الدنيا والآخرة، ومن عصاه كان من أهل الشقاء والعذاب
(5)
.
(1)
يُنظر: الرسالة (1/ 73 - 105)، شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة، للالكائي (1/ 55 - 75)، مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله (450 - 455)، شرح السُّنَّة، للبغوي (1/ 189 - 209)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (19/ 46 - 58)، وإعلام الموقعين (4/ 84 - 133).
(2)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد أُمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في نحو أربعين موضعًا. مجموع الفتاوى (19/ 46).
(3)
جامع البيان، لأبي جعفر الطبري (7/ 175).
(4)
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الشنقيطي (7/ 515).
(5)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (35/ 212).
2 الأمر باتباع الحكمة وهي سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
:
قال تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 129]، وقال سبحانه وتعالى:{وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ *} [البقرة]، وقال سبحانه وتعالى:{وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} [البقرة: 231]، معنى: الْكِتَابَ: القرآن وَالْحِكْمَةَ: السُّنَّة، فالأمر باتباع الكتاب الذي هو القرآن يوجب الأمر باتباع الحكمة التي بُعث بها الرسول صلى الله عليه وسلم وباتباعه وطاعته مطلقًا
(2)
.
3 الأمر بالعمل بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم:
قَالَ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]؛ أي: مهما أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه؛ فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر
(3)
، ومما يدل على ذلك من السُّنَّة قول النبي صلى الله عليه وسلم:«فعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي»
(4)
.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وَمَا أَمَرْتُكُمْ فَأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ»
(5)
، وهذا الأمر عام في كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وثَبَتَ عنه، ولهذا
(1)
ورد في القرآن الكريم: «الكتاب والحكمة» بمعنى: القرآن والسُّنَّة في سبعة مواضع من سور القرآن: 1 البقرة آية: (129 - 151 - 231)، 4 آل عمران آية:(48 - 164)، 6 النساء آية:(113)، 7 الجمعة آية:(2).
(2)
يُنظر: الرسالة (78)، جامع البيان (2/ 575)، تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (1/ 444، 464، 631، 700)، (2/ 158، 410)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (19/ 46).
(3)
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (8/ 67).
(4)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السُّنَّة، باب في لزوم السُّنَّة، (4/ 329/ ح 4607)، والترمذي، في جامعه، أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الأخذ بالسُّنَّة واجتناب البدع، (4/ 408/ ح 2676)، وأحمد في مسنده (مسند الشاميين رضي الله عنهم، حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم 7/ 3804// ح 17416).
صححه ابن الملقن في كتابه البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير (9/ 582).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (9/ 94/ ح 7288)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة فِي العمر، (4/ 102/ ح 1337).
اتفق علماء أهل السُّنَّة على عدم التفريق بين المتواتر والآحاد، ثم إن التفريق بين المتواتر والآحاد في الحجية أمر حادث لا أصل له في الكتاب، ولا في السُّنَّة، ولم يكن معروفًا لدى سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، كما أن هذا التفريق يترتب عليه رد الكم الهائل من الأحاديث النبوية، وتعطيل العمل بها دون دليل شرعي معتبر
(1)
، كما سيأتي في الفصل الثاني تفنيد الشبهات المتعلقة بالآثار النبوية المروية
(2)
.
4 الأمر بالرجوع إلى الكتاب والسُّنَّة عند التنازع، والوعيد الشديد لمن خالف أمره صلى الله عليه وسلم:
قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ} [النساء: 59]، فيه أمر من الله جل جلاله برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما
(3)
، فدل على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسُّنَّة ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنًا بالله ولا باليوم الآخر
(4)
.
وقَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} [النور]، عن أمره راجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إلى الله والمعنى واحد؛ لأن الأمر من الله، والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عنه، فتوعد المخالف عن أمره بالفتنة أو العذاب الأليم، وحذرهم من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: أمرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم هو سبيله ومنهاجه وطريقته وسُنَّته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله صلى الله عليه وسلم، فما
(1)
يُنظر: معالم أصول الفقه عند أهل السُّنَّة والجماعة، لمحمد الجيزاني (1/ 147).
(2)
للوصول إلى تفنيد الشبهات المتعلقة بالآثار النبوية المروية انتقل لطفًا (382).
(3)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبد الرحمن السعدي (183).
(4)
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (2/ 346).
(5)
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الشنقيطي (6/ 280 - 281).
وافق ذلك قُبِل، وما خالفه فهو مَرْدُود على قائله وفاعله، كائنًا ما كان
(1)
.
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً *} [الأحزاب]، لم يكن لمؤمن بالله ورسوله، ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء أن يتخيروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم، ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما فيعصوهما، ومن يعص الله ورسوله فيما أمرا أو نهيا فقد ضل ضلالاً مبينًا؛ أي: جار عن قصد السبيل، وسلك غير سبيل الهدى والرشاد
(2)
.
5 بيان وجوب التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم:
قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب: 21].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله
(3)
.
إذ إن المتابعة أن يُفعل مثل ما فعل صلى الله عليه وسلم على الوجه الذى فعل، فإذا فعل فعلاً على وجه العبادة، شُرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك
(4)
؛ فالمتابعة إذن لا بد فيها من أمرين
(5)
:
1 المتابعة في صورة العمل.
2 المتابعة في القصد.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فهذه النصوص توجب اتباع
(1)
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (6/ 89 - 90).
(2)
جامع البيان (19/ 112).
(3)
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (6/ 391).
(4)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 198).
(5)
معالم أصول الفقه عند أهل السُّنَّة (126)، ويُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 281).
الرسول صلى الله عليه وسلم وإن لم نجد ما قاله منصوصًا بعينه في الكتاب، كما أن تلك الآيات توجب اتباع الكتاب وإن لم نجد ما في الكتاب منصوصًا بعينه في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم غير الكتاب، فعلينا أن نتبع الكتاب، وعلينا أن نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباع أحدهما هو اتباع للآخر؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الكتاب والكتاب أمر بطاعة الرسول، ولا يختلف الكتاب والرسول البتة
(1)
.
6 بيان ثواب من أحيا أثرًا من آثاره صلى الله عليه وسلم النبوية الحديثية المروية:
عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»
(2)
.
سبب ورود هذا الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله للرجل الذي تصدق بصُرّة
(3)
كادت كفه تعجز عن حملها، فتتابع الناس على إثر صدقته يتصدقون، فكان البادئ بهذا الخير له الفضل العظيم
(4)
.
فهذه السُّنَّة الحسنة لم يأت بها الصحابي رضي الله عنه من قبل نفسه؛ لأنَّ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من سَنَّ» ؛ أي: من أحيا سُنَّة كانت مشروعة في كتاب الله وثابتة في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن أميتت بعده وخفيت على الناس وكادوا أن يغفلوا عنها فأحياها وأيقظها، فاقتدى به غيره،
(5)
ومعلوم أن إحياء السنن يؤجر المسلم عليه مرتين، مرة على فعل السُّنَّة، ومرة على إحيائها
(6)
.
(1)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (19/ 47).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، (3/ 87/ ح 1017).
(3)
تصدق بصُرّة: الصُّرَّة ما يُجمع فيه الدراهم والدنانير ويشدّ به عليهما. يُنظر: لسان العرب (4/ 452).
(4)
يُنظر: شرح النووي على مسلم (4/ 113)، تذكرة المؤتسي، لعبد الرزاق العباد (382).
(5)
يُنظر: الاعتصام، للشاطبي (1/ 228 - 235).
(6)
شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين (3/ 528) بتصرف.
ففي هذا الحديث الترغيب في إحياء السنن التي أُميتت وتُركت وهجرت، فإنه يُكتب لمن أحياها أجرها وأجر من عمل بها.
وفيه التحذير من السنن السيئة، وأن من سن سُنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، حتى لو كانت في أول الأمر سهلة ثم توسعت فإن عليه وزر هذا التوسع، فإنه إذا توسع الأمر بسبب ما أفتى به الناس، فإن عليه الوزر، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة
(1)
.
ولا ريب أن في إحياء الآثار النبوية الحديثية الثابتة الصحيحة فضلاً كبيرًا، وفيه تحصيل ثواب عظيم من أبواب كثيرة، ينبغي للمسلم أن يدركه، ويحرص عليه، ولا يغفله
(2)
.
وفي المقابل فليحذر من إحياء بدعة أميتت؛ لأنه سيكون عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهو محمول على من لم يتب من ذلك الذنب
(3)
.
المسألة الثالثة: اهتمام السلف بالآثار النبوية الحديثية المروية:
حفظ السلف سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدورهم، ونقلوها كما سمعوها، وشاهدوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد همَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتدوينها، ثم امتنع خشية أن تختلط بكتاب الله، واكتفى بحفظها بالصدور، والتحديث بها
(4)
.
وكان المسلمون آنذاك على خير وهدى، فلما وقعت الفتنة، وساء فعل من لا خلاق لهم بالوضع في الحديث ما ليس منه، انتدب السلف للحفاظ على السُّنَّة، والذب عنها، فاتخذوا تدابير قوية، ووضعوا قواعد صلبة، بها يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزيادة والنقصان.
(1)
يُنظر: المرجع السابق (2/ 345).
(2)
الاهتمام بالسنن النبوية، لعبد السلام بن برجس «مجموع مؤلفاته» (2/ 50) بتصرف.
(3)
فتح الباري، لابن حجر (12/ 193).
(4)
تدوين العقيدة السلفية، لعبد السلام بن برجس «مجموع مؤلفاته» (3/ 8) بتصرف.
وكان ذلك أكبر دليل على عظم هذه الأمة وعلو شأنها، وأنها قادرة على التجديد الموافق لمقصد الشارع، فقواعد المحدثين شاهد من شواهد الجهود الجبارة في هذه الأمة، حيث وضعوا قواعد وأنظمة يعجز العصر الحديث بما فيه من تقدم وتطور في الوسائل أن يحكم كما أحكمت، وأن يتقن كما أتقنت، فرحمهم الله رحمة واسعة وجزاهم عن الإسلام والسُّنَّة خير الجزاء
(1)
.
وكان من تلك التدابير لحفظ السُّنَّة: تدوينها وفق قواعد متقنة، والفضل بعد الله عز وجل في هذه الخطوة المباركة يعود لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي كتب إلى أئمة أهل السُّنَّة
(2)
في الآفاق: انْظُرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاجْمَعُوهُ وَاحْفَظُوهُ؛ فَإِنِّي أَخَافُ دُرُوسَ الْعِلْمِ، وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ
(3)
.
فكتب قاضي المدينة أبو بكر بن حزم رحمه الله، ولكنه لم يُلم بجميع الأحاديث والآثار التي في المدينة، وكتب ابن شهاب الزهري رحمه الله، فكان هو الجامع لأكثر السُّنَّة والمدوّن لها، ثم تتابع العلماء والمحدّثون على التدوين، فقلّما تجد بلدًا من البلدان إلا وفيه عالم يجمع ويكتب
(4)
.
حتى قُيّدت الآثار المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أوائل القرن الثاني الهجري، وتتابع التدوين عبر القرون، وذلك من خلال التصانيف الكثيرة من السنن والصحاح والمسانيد والآثار المنقولة بواسطة العدل الضابط عن مثله إلى
(1)
المرجع السابق.
(2)
تدوين العقيدة السلفية (3/ 9) بتصرف.
(3)
علّقه البخاري في صحيحه مجزومًا به، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (1/ 31)، ويُنظر: تاريخ أصبهان، لأبي نعيم (1/ 366)، فتح الباري، لابن حجر (1/ 195).
(4)
على سبيل المثال: في مكة: ابن جريج، وابن إسحاق، وفي المدينة: سعيد بن أبي عروبة، ومالك بن أنس، وفي البصرة: حمّاد بن سلمة، وفي الكوفة: سفيان الثوري، وفي اليمن: معمر، وفي مصر: الليث بن سعد، وفي الشام: الأوزاعي، وفي واسط: هشيم بن بشير، وفي خرسان: عبد الله بن المبارك، وفي الري: جرير بن عبد الحميد. يُنظر: تدوين العقيدة السلفية (3/ 9) بتصرف.
منتهاه، حتى يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حفظًا لها وصيانةً
(1)
.
فجمعوا ما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شرعه، في العقائد، والأحكام، العلمية والعملية، الواجبة والمندوبة، وقد جرى على ذلك الإمامان: البخاري، ومسلم في صحيحيهما، وغيرهما في الموطآت والجوامع
(2)
والسنن
(3)
والمسانيد
(4)
والمصنفات
(5)
التي لا يحصيها إلا الله عز وجل
(6)
.
فإنهم مع نقل السُّنَّة المتعلقة بالأحكام، نقلوا السُّنَّة المتعلقة بالعقائد
(7)
.
وصنفت كتب العقيدة المسندة
(8)
، التي جمعت السنن الخاصة في باب الاعتقاد، وأُفردت المسائل العقدية، وسمى بعض العلماء كتب العقيدة بالسُّنَّة؛ وذلك للتميز بين عقيدة أهل السُّنَّة، وعقيدة أهل البدعة
(9)
.
وسموها كذلك باسم الشريعة؛ فسموا أصول الاعتقاد شريعة، وفرقوا بين شريعة أهل السُّنَّة، وشريعة غيرهم
(10)
.
(1)
يُنظر: حكم إحياء الآثار (5/ 94).
(2)
كموطأ مالك وأصحاب الجوامع: الترمذي، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة.
(3)
أصحاب السنن: النسائي وأبو داود، وابن ماجه.
(4)
أصحاب المسانيد: الشافعي، وأحمد، وأبو قرة الزبيدي، وأبو داود الطيالسي، وابن وهب، وأحمد بن منيع، ومسدد، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن أبي عمر العدني، وبقي بن مخلد، والحميدي، والدارمي، وعبد بن حميد، وأبو يعلى الموصلي، والحسن بن سفيان، وأبو بكر البزار.
(5)
أصحاب المصنفات: حماد بن سلمة، وعبد الله بن المبارك، وكيع، وهشيم، وعبد الرزاق ..
(6)
للاستزادة: يُنظر: التسعينية، لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 130 - 149).
(7)
مما تضمنته كتبهم: كتاب التوحيد، والإيمان، والسُّنَّة، والقدر، وأحاديث في إثبات الصفات، وغيرها من أمور العقيدة.
(8)
كشرح اعتقاد أهل السُّنَّة للإمام اللالكائي حيث عقد بابًا: سياق ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ثواب من حفظ السُّنَّة وأحياها ودعا إليها يُنظر: (1/ 55 - 75)، وكذلك البغوي في شرح السُّنَّة (1/ 189 - 209)، وغيرهم كثير.
(9)
كالسُّنَّة، لعبد الرحمن بن القاسم، ولأبي سعيد أسد بن موسى، ولابن الإمام أحمد، وللخلال، وللطبراني، وللجعفي وللأثرم. للاستزادة في معرفة المؤلفات التي خدمت السُّنَّة يُنظر: تدوين العقيدة السلفية (3/ 11).
(10)
كالشريعة للآجري، والإبانة عن شريعة الفرقة الناجية، لابن بطة العكبري. يُنظر: المرجع السابق.
فهؤلاء الأئمة الأعلام، والمحدثون الحفاظ، الذي قال فيهم أبو عبد الله الحاكم النيسابوري رحمه الله: قوم سلكوا محجة الصالحين، واتبعوا آثار السلف من الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين، بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوم آثروا قطع المفاوز والقفار، على التنعم في الدمن والأوطار، وتنعموا بالبؤس في الأسفار، مع مساكنة العلم والأخبار، وقنعوا عند جمع الأحاديث والآثار بوجود الكسر والأطمار،
…
فعقولهم بلذاذة السُّنَّة غامرة، وقلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة، تعلّم السنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم، وأهل السُّنَّة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم
(1)
.
ولقد كان للعلماء الربانيين على مرّ العصور، يدٌ ظاهرة، في الحث على إحياء الآثار النبوية الحديثية المروية، والدفاع عنها، إرشادًا، وتعليمًا، وتأليفًا
(2)
.
ولم تزل بحفظ الله وتوفيقه وإعانته، طائفة في كل عصر تكرّس جهودها، وتوجه همّها، وتنشئ أبناءها على العناية المكثفة بالآثار النبوية الحديثية المروية.
فمصنفات أهل الحديث أكثر من أن تُحصر وأشهر من أن تُذكر، سواء كانت من خلال المصنفات المستقلة بالعقائد أو ما تضمنتها من أبواب ضمنها.
فكثير من أئمة السلف اهتموا بالتصنيف؛ لإحياء هذا الأصل العظيم، واعتنوا به أشد العناية وسموا ذلك بعلم الأثر.
فأفنوا أعمارهم من أجل المحافظة عليها، وقطعوا القفار، وكابدوا مشقة الأسفار، وأوصلوا الليل بالنهار؛ لأجل جمع آثار النبي صلى الله عليه وسلم وتدوينها؛ ليُعمل بها، وبلغ من حرصهم على تتبع آثاره صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية بأن نقلوا إلينا دقائق
(1)
معرفة علوم الحديث (1/ 2 - 3).
(2)
يُنظر: الاهتمام بالسنن النبوية (2/ 12).
شؤون حياة النبي صلى الله عليه وسلم: كغُسله ووضوئه، وأكله وشربه، ونومه واستيقاظه
…
هذا كان دينهم، وتلك كانت مهمتهم
(1)
.
ولم يكتفوا بذلك فحسب بل حفظوها عن أيدي العابثين، ودافعوا عنها، وردوا على من أنكرها، فألفوا الرسائل والكتب؛ للدفاع عن السُّنَّة والرد على أهل الباطل.
فكان أول من تصدى للرد على من أنكر حجية السُّنَّة قديمًا فيما أعلم الإمام الشافعي رحمه الله فقد جاء في كتاب الأُم
(2)
وكتاب جماع العلم
(3)
تفنيد شبهات من أنكر السُّنَّة كلها، كما عقد رحمه الله فصلاً طويلاً في كتابه الرسالة
(4)
أسماه: حجية خبر الآحاد والرد على من أنكره.
وتبعه الإمام أحمد رحمه الله فصنّف كتاب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
(5)
ردَّ فيه على من احتج بظاهر القرآن في معارضة سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم وترك الاحتجاج بها، وتبعهما عدد من العلماء
(6)
.
(1)
علم الآثار وبيان المنهج الإسلامي، لعمر بن محمد العمر (1048) بتصرف.
(2)
يُنظر: الأم (7/ 250).
(3)
يُنظر: كتاب جماع العلم (4 - 19).
(4)
يُنظر: الرسالة، للشافعي (3/ 400 - 471).
(5)
أشار إلى وجود هذا الكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/ 97)، والذي يظهر والله أعلم أنه مفقود كما أفاد بذلك الشيخ عبد العزيز السدحان حفظه الله في رسالة قصيرة تحوي (39) صفحة تحت عنوان: الملتقط من كتاب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للإمام أحمد بن حنبل والذي جمع فيه ما تفرق من أحاديث الطاعة، ويُنظر أيضًا: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله، باب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم (450 - 455).
(6)
أمثال: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة رحمه الله فألف كتاب: تأويل مختلف الحديث، ردَّ فيه على أعداء السُّنَّة وبخاصة المعتزلة.
ومحمد بن نصر المروزي رحمه الله فصنّف كتابه السُّنَّة وأجاد فيه وأفاد، وألّف ابن عبد البر رحمه الله كتاب: جامع بيان العلم وفضله، وضمنه أبوابًا كثيرة في الحث على لزوم السُّنَّة والدفاع عنها، ثم جاء بعدهم أبو المظفر السمعاني رحمه الله فألف كتابه المستطاب: الانتصار لأهل الحديث.
ثم جاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فصنّف منهاج السُّنَّة وأبدع فيه، وأتى بعده تلميذه ابن القيم رحمه الله فحرّر كتابه الصواعق المرسلة وبحث فيه مسألة خبر الواحد بما لا مزيد عليه، كما صنَّف إعلام الموقعين وخصص مئات الصفحات للذبّ عن السنن.
وألف محمد بن إبراهيم القاسمي الوزير اليمني رحمه الله كتاب: العواصم والقواصم، واختصره في: الروض الباسم في الذب عن سُنَّة أبي القاسم
…
، هذه إشارة إلى بعض مؤلفات السلف في الذب عن السُّنَّة، والدفاع عنها للاستزادة يُنظر: شبهات القرآنيين، لمحمود مزروعة (12 - 16).
وبفضل الله ثم بفضل جهود السلف العلمية في إحياء الآثار النبوية الحديثية المروية بالاهتمام بها حفظًا، وضبطًا، وروايةً، وتفقهًا في معانيها، وذبًّا عنها، وردًّا على من أنكرها.
ولا أدل على ذلك من هذه الكتب التي وصلت إلينا الزاخرة بالكثير من الآثار القولية والفعلية، محفوظة، مخدومة؛ لينصب جهد المسلم على إحيائها بالعلم، والتعلّم، والتعليم، والدعوة إليها
(1)
.
المسألة الرابعة: حث السلف على إحياء الآثار الحديثية المروية:
1 عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (ت: 32 هـ)، قال: إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر
(2)
.
2 قال ابن عباس رضي الله عنهما (ت: 68 هـ): عليكم بالاستفاضة والأثر، وإياكم والبدَع
(3)
، وقال: فإنَّ من أحدث رأيًا ليس في كتاب الله ولم تمضِ به سُنَّة رسول الله لم يدرِ ما هو عليه إذا لقِيَ الله عز وجل
(4)
، وقال: عليك بالاستقامة واتباع الأثر
(5)
.
3 قال أنس رضي الله عنه (ت: 90 هـ): اتَّبعوا آثارنا، ولا تبتدعوا، فقد كُفِيتم
(6)
.
(1)
يُنظر: الاهتمام بالسنن النبوية (2/ 13)، علم الآثار وبيان المنهج الإسلامي (1048).
(2)
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة (1/ 96).
(3)
أخرجه ابن وضاح كما أشار إلى ذلك الشاطبي في الاعتصام (1/ 110).
(4)
الاعتصام، للشاطبي (1/ 135).
(5)
أخرجه ابن بطة العكبري في الإبانة الكبرى (1/ 337/ 200).
(6)
أخرجه الدارمي في سننه، كتاب علامات النبوة، باب في كراهية أخذ الرأي (1/ 121/ ح 212).
4 كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله (ت: 101 هـ): بإحياء السُّنَّة وإماتة البدعة
(1)
.
5 قال الحسن البصري رحمه الله (ت: 110 هـ): لا تغتر بقولك: المرء مع من أَحَبّ، إنه من أَحَبّ قومًا اتبع آثارهم، ولن تلحق بالأبرار حتى تتبع آثارهم، وتأخذ بهديهم، وتقتدي بسُنَّتهم، وتصبح وتمسي وأنت عَلَى منهاجهم، حريصًا أن تكون منهم، وتسلك سبيلهم، وتأخذ طريقهم، وإن كنت مقصرًا في العمل؛ فإن مَلاكَ الأمرِ أن تكون عَلَى استقامة، أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء المردية يحبون أنبياءهم وليسوا معهم؛ لأنهم خالفوهم في القول والعمل، وسلكوا غير طريقتهم فصار مأواهم النار؟ نعوذ بالله من النار
(2)
.
6 قال ابن سيرين رحمه الله (ت: 110 هـ): كانوا يقولون: ما دام على الأثر فهو على الطريق
(3)
.
7 قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله (ت: 150 هـ): عليك بالأثر وطريق السلف، وإياك وكل محدثة فإنها بدعة
(4)
.
8 كان سفيان الثوري رحمه الله (ت: 161 هـ) يبغض أهل الأهواء وينهى عن مجالستهم أشد النهي، حيث كان يقول: عليكم بالأثر وإياكم والكلام في ذات الله عز وجل
(5)
، وقال رحمه الله: إنما الدين الآثار
(6)
9 قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله (ت: 179 هـ): ما قلّتِ الآثار في قوم إلا ظهرت فيهم الأهواء، ولا قلَّت العلماء إلا ظهر في الناس الجفاء
(7)
.
(1)
أخرجه اللالكائي في كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة (1/ 56).
(2)
مجموع رسائل الحافظ ابن رجب (1/ 253)
(3)
ذم الكلام وأهله، للهروي (2/ 183).
(4)
المرجع السابق (5/ 206 - 207).
(5)
أحاديث في ذم الكلام وأهله، لأبي الفضل المقرئ (89).
(6)
ذم الكلام وأهله، للهروي (2/ 180).
(7)
المرجع السابق (5/ 79).
10 قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (ت: 241 هـ): عليكم بالسُّنَّة، عليكم بالأثر، عليكم بالحديث، لا تكتبوا رأي فلان ورأي فلان فسمَّى أصحاب الرأي
(1)
.
11 قال سهل بن عبد اللّه التّستري رحمه الله (ت: 283 هـ): عليكم بالاقتداء بالأثر والسُّنَّة، فإني أخاف أنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع أحواله ذموه ونفروا عنه وتبرؤوا منه، وأذلوه وأهانوه
(2)
.
المسألة الخامسة: أحوال المتلقين للآثار النبوية الحديثية:
تقدم أن اتباع سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم نوع من إحياء آثاره النبوية الحديثية المروية، ولذا فالموقف من اتباع السُّنَّة هو الموقف نفسه من الإحياء، فالقول فيهما واحد.
وقد ضرب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مثلاً في أحوال الناس حين تلقيهم ما جاء به صلى الله عليه وسلم من العلم والهدى، والذي أصبح أثرًا من آثاره النبوية الحديثية المروية.
حيث قال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ
(3)
، أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ، لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ»
(4)
.
(1)
طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى (1/ 326).
(2)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (7/ 139).
(3)
قال أبو سليمان الخطابي: أجادب: واللفظة فيها تصحيف، وإنما هو الأجارد يقال: أرض جرداء ومكان أجرد، والجرد من الأرض فضاء لا نبات فيها. يُنظر: غريب الحديث (1/ 723).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب فضل من علم وعلم، (1/ 27/ ح 79)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم، (7/ 63/ ح 2282).
فشبّه النبي صلى الله عليه وسلم المطر الذي ينزل على الأرض في حال حاجتهم إليه، بحال الناس، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت، ثم شبه السامعين له بما جاء به من الهدى، بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنها:
1 طائفة حفظت الماء وأنبتت الكلأ وهو العشب، فارتوى الناس من مخزونات مياهها ورعوا من كلئها وذلك مثل: العلماء العاملين الحفاظ الفقهاء.
2 طائفة أمسكت الماء ولم تنبت كلأها؛ لأنها أجادب فارتوى الناس من مخزون مياهها؛ لأن لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة، فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم فيأخذه منهم فينتفع به، فهؤلاء نفعوا بما بلغهم وهم الحفاظ غير الفقهاء.
وفي كلا الطائفتين خير.
3 طائفة لم تمسك ماء ولم تنبت كلأ، وهذا مثل من لم يقبل هدى الله الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرفع بذلك رأسًا
(1)
.
فالقسم الأخير المقابل للحفاظ الفقهاء، هم من لم ينتفعوا بالهدى والعلم، وهذا القسم يتفرع منه طوائف من أهل الضلال:
منهم من قبِل الآثار النبوية الحديثية المروية المتواترة دون الآحاد كالمعتزلة.
ومنهم من قبِل ما يوافق عقولهم، وما يخالفه ردوه ولم يقبلوه كأهل الكلام والعقلانيين وهم من أفراخ المعتزلة.
ومنهم من رد الآثار النبوية الحديثية المروية بأكملها، واكتفوا بالقرآن
(1)
يُنظر: شرح النووي على مسلم (15/ 46)، فتح الباري، لابن حجر (1/ 176 - 177).
دون السُّنَّة ك القرآنيين كما سيأتي بيان موقفهم
(1)
.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء وفضحهم قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا، فقال صلى الله عليه وسلم:«لا ألْفِيَنَّ أحدَكُم متَّكئًا على أريكته، يأتيه أمري: ممَّا أمرتُ به، أو نَهيتُ عنه، فيقولُ: لا أدْرِي، ما وجدْنا في كتاب الله اتَّبعْناهُ»
(2)
.
وفي الآونة الأخيرة كثُرت وللأسف الشديد الهجمات الشرسة والحملات الشعواء على لواء السُّنَّة المطهرة، والآثار النبوية الشريفة؛ إذ جعلوا الاهتمام بالسنن، والحرص على تطبيقها في كل شؤوننا؛ عائقًا من عوائق تصحيح مسار المسلمين، وانتشالهم من أوحال الضعف بزعمهم.
فجاءت كتاباتهم، ومحاضراتهم مقررة لهذه الفكرة النكراء، تارة بالتصريح، وأخرى بالتلويح باسم الغيرة على السُّنَّة!
(3)
.
فالنبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من هؤلاء، وبيَّن لنا أنه صلى الله عليه وسلم أُعطي القرآن وأُعطي السُّنَّة كلاهما من عند الله عز وجل كما قَالَ تَعَالَى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *} [النجم]، وأما ما زعموه فهو أصل من أصول أهل البدع والضلال والانحراف عن الحق، ولو تم الاستغناء عن السُّنَّة؛ لانهدم الدين من أساسه، ولانفتح باب الزندقة على مصراعيه
(4)
.
فالواجب على المسلم أن يسعى سعيًا حثيثًا لإحياء الآثار النبوية الحديثية المروية الصحيحة والدفاع عنها من خلال تعلّمها والعمل بها، وتعلِيمها
(1)
للوصول إلى موقفهم انتقل لطفًا (348).
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السُّنَّة، باب في لزوم السُّنَّة (4/ 329/ ح 4605)، والترمذي في جامعه، أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 398/ ح 2663)، وابن ماجه في سننه، أبواب السُّنَّة، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضه (1/ 9/ ح 13)، وأحمد في مسنده، مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث أبي رافع رضي الله عنه (11/ 5723/ ح 24384)، وفي صحيح سنن أبي داود (ج 3/ ص 118/ ح 4605) حكم عليه الألباني بأنه: صحيح.
(3)
الاهتمام بالسنن النبوية (2/ 7) بتصرف.
(4)
يُنظر: مكانة السُّنَّة (26)، الإصباح في بيان منهج السلف في التربية والإصلاح، لعبد الله العبيلان (29).
وتبليغها للناس، والمحافظة عليها، إذ إن مذهب أهل السُّنَّة والجماعة هو الاحتجاج بها وعدم ردها.
أما الذين يرون الاقتصار على القرآن دون السُّنَّة فهؤلاء ضالون مضلون، كما سيأتي تفنيد شبهاتهم بالتفصيل في الفصل الثاني
(1)
.
* * *
(1)
للوصول إلى تفنيد شبهاتهم انتقل لطفًا (382).
المطلب الثاني
الآثار النبوية المنفصلة عن جسد النبي (ص) وما أُلحق بها
عُلم مما تقدّم
(1)
أن البركة تحصل باتباع الآثار النبوية الحديثية المروية، وهذه البركة متحققة في الامتثال بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء بأفعاله صلى الله عليه وسلم، وكذلك تشمل البركة ذات النبي صلى الله عليه وسلم وما انفصل عن جسده صلى الله عليه وسلم.
والآثار التي انفصلت عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم على نوعين:
1 آثار ذهبت بوفاته صلى الله عليه وسلم.
2 آثار بقيت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
أما النوع الأول: وهي الآثار التي ذهبت بوفاته صلى الله عليه وسلم: فقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتبركون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بما اتصل من جسده صلى الله عليه وسلم: كيده
(2)
، وكشحه
(3)
، وريقه
(4)
، وبصاقه
(5)
، وفضل وضوئه
(6)
صلى الله عليه وسلم، وحرصوا
(1)
راجع لطفًا (45).
(2)
يُنظر: صحيح البخاري، كتاب الطب، باب الرقى بالقرآن والمعوذات (490/ ح 5735)، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب الرقية المريض بالمعوذات والنفث (1067/ ح 51).
(3)
يُنظر: سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في قُبلة الجسد (1604/ ح 5224)، والحاكم في مستدركه، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، باب ذكر أسيد بن حضير الأنصاري (3/ 327/ ح 5262)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.
ومعنى كَشْحَه: أَيْ: باطِنَه. والكَشْح: الخَصْر، يُنظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير (4/ 175).
(4)
يُنظر: صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب غزوة الطائف (354/ ح 4328)، ومسلم في صحيحه، فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين (1117/ ح 164).
(5)
يُنظر: صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد (217 - 218/ ح 2731 - 2732).
(6)
يُنظر: صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب استعمال فضل وضوء الناس (18/ ح 187 - 189)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي (756/ ح 250).
عليها، واهتموا بها، وهذا النوع من التبرك قد انقطع بموته صلى الله عليه وسلم.
وأما النوع الثاني وهو الذي يعنينا في هذا المطلب: الآثار التي بقيت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وهي الآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم: كالشعر، والعرق، وما أُلحق بها: كالبردة، والعمامة، والخاتم، وغيرها من الآثار التي سيتم إيرادها إن شاء الله تعالى في المسائل التالية.
فبسط هذا المطلب في أربع مسائل:
المسألة الأولى:
المراد بالآثار النبوية المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق بها.
المسألة الثانية:
الآثار المروية في الآثار النبوية المرئية المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق بها.
المسألة الثالثة:
صحة الآثار النبوية الشريفة المُشاهدة في المتاحف.
المسألة الرابعة:
حكم إحياء الآثار النبوية المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق بها.
المسألة الأولى: المراد بالآثار النبوية المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق بها:
هي ما بقي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من آثار كانت متصلة بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وانفصلت عنه: كالشعر والعرق، أو ما لاصقت جسده صلى الله عليه وسلم: كاللباس والنعل، أو ما استخدمه صلى الله عليه وسلم من أدوات: كالقدح والدرع
(1)
.
(1)
يُنظر: حكم إحياء الآثار (5/ 95)، التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة (4/ 216).
وبعد تتبع النصوص الشرعية نجد أن الآثار المتعلقة بجسد النبي صلى الله عليه وسلم والباقية بعد موته صلى الله عليه وسلم برهة من الزمن، على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ما انفصل عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وبقي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم: كالشعر، والعرق.
النوع الثاني: ما لاصق جسده صلى الله عليه وسلم ولبسه: كالبردة، والعمامة، والخاتم، والنعل.
النوع الثالث: ما استخدمه صلى الله عليه وسلم من أدوات: كالدرع، والعصا، والسيف، والقدح، والمكحلة.
وسأعرض في المسألة التالية الآثار المتعلقة بجسد النبي صلى الله عليه وسلم بأنواعها المذكورة آنفًا، من خلال ذكر ما جاء عنها في الآثار المروية، وفق الترتيب التالي:
* بيانها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
* بيانها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
* نهاية تلك الآثار ومآلها.
المسألة الثانية: الآثار المروية في الآثار النبوية المرئية المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق بها:
النوع الأول: ما انفصل عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وبقي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
1 الشعر:
* بيانه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
أ عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلاَّقِ:«خُذْ وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ»
(1)
.
ب وعنه رضي الله عنه قَالَ: فَبَدَأَ بِالشِّقِّ الأَيْمَنِ، فَوَزَّعَهُ الشَّعَرَةَ وَالشَّعَرَتَيْنِ بَيْنَ
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب بيان أن السُّنَّة يوم النحر أن يرمي ثم
…
(894/ ح 323).
النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: بِالأَيْسَرِ فَصَنَعَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ:«هَا هُنَا أَبُو طَلْحَةَ؟ فَدَفَعَهُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنه»
(1)
.
ج وعنه أيضًا رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْحَلاَّقُ يَحْلِقُهُ، وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلاَّ فِي يَدِ رَجُل
(2)
.
* بيانه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
أ عَنِ ابن سِيرِينَ رحمه الله (110 هـ)، قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ رضي الله عنه أو مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ رضي الله عنهم.
فَقَالَ: لَأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
(3)
.
ب عَنْ عُثْمَانَ بن عَبْدِ الله بن مَوْهَبٍ رحمه الله (ت: 120 هـ)، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانَ عَيْنٌ أو شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ، فَاطَّلَعْتُ فِي الْحِجْلِ، فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا
(4)
.
ج قال حنبل رحمه الله: أعطى بعض ولد الفضل بن الربيع أبا عبد الله
(5)
وهو في الحبس ثلاث شعرات، فقال: هذه من شعر النبي صلى الله عليه وسلم
(6)
.
* نهايته ومآله:
أ كان خالد بن الوليد رضي الله عنه يضع شعرات للنبي صلى الله عليه وسلم في قلنسوته، فسقطت عنه يوم اليمامة
(7)
.
(1)
التخريج السابق (894/ ح 324).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب قربه صلى الله عليه وسلم من الناس وتبركهم به وتواضعه لهم (1088/ ح 75).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان (17/ ح 170).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب ما يُذكر في الشيب (502/ ح 5896).
(5)
أبو عبد الله الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
(6)
يُنظر: سير أعلام النبلاء (11/ 337).
(7)
يُنظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني (3/ 37).
ب حُكي أن معاوية رضي الله عنه أوصى عند موته: أن يُوضع شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، في فمه وعينيه
(1)
.
ج أوصى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عند موته: أن يُجعل على كل عين شعرة، وشعرة على لسانه، ففُعل ذلك به عند موته
(2)
.
أما عن نهاية أثر شعرات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عند بقية الصحابة رضي الله عنهم، فلم أجد لها ذكرًا في كتب التاريخ والسير من بعد القرن الثالث الهجري؛ لانقطاع سندها وأخبارها منذ ذاك الحين.
إذ أن آخر من صح أنه كان عنده شيء من شعر النبي صلى الله عليه وسلم الإمام أحمد رحمه الله
(3)
، ولو بقيت بعده لبقي ذكر تداولها وتصريح من اقتناها؛ لأهمية ذلك الأثر ونسبته للنبي صلى الله عليه وسلم والفخر به وحُقّ لهم ذلك، ولكن لما انقطع سند تداول الشعرات وخبرها دلّ على فقدانها، وأن نهايتها ومآلها كان في القرون المتقدّمة، والله أعلم.
2 العرق:
* بيانه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
أ عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ
(4)
عِنْدَنَا، فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ
(5)
الْعَرَقَ فِيهَا،
فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ما هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟
قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ»
(6)
.
(1)
أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ، للقرماني (2/ 9).
(2)
يُنظر: سير أعلام النبلاء (11/ 337).
(3)
يُنظر: أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة، لأحمد النجمي (427).
(4)
قَالَ: يقيل من القيلولة، وهي الاستراحة نصف النهار. يُنظر: مقاييس اللغة (1/ 87)، النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 133).
(5)
تسلت: سَلَت العرَقَ أو الخِضابَ ونحوَه أخَذه ومسحَه. يُنظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 406).
(6)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب طيب عرقه صلى الله عليه وسلم والتبرك به (1088/ ح 83).
ب وفي رواية: قالت رضي الله عنها: «يَا رَسُولَ اللهِ نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا، قَالَ: أَصَبْتِ»
(1)
.
* بيانه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
جاء في الصحيح أنه: لَمَّا حَضَرَت أَنَسَ بن مَالِكٍ رضي الله عنه الْوَفَاةُ أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ
(2)
مِنْ ذَلِكَ الطيب
(3)
.
* نهايته ومآله:
قد انقطع العرق بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب بذهابه صلى الله عليه وسلم؛ لانقطاع منبعه، ولم أجد في الآثار الصحيحة أن أحدًا احتفظ بعرق النبي صلى الله عليه وسلم إلا أم سُلَيْمٍ رضي الله عنها.
فأثر العرق وإن بقي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن بقاؤه لمدة طويلة؛ لأن طبيعة المواد السائلة عُرضة للجفاف والتبخر والانسكاب، وأيضًا للانتهاء بالاستخدام المستمر للذين توارثوها.
خصوصًا وأن من يملك شيئًا من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم ضنين بها لنفسه، ولا يؤثر بها غيره، والله أعلم.
النوع الثاني: ما لبسه: كالبردة، والخاتم، والعمامة، والنعل.
1 البردة
(4)
:
* بيانها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
أ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَةٍ، فَقَالَ سَهْلُ بن سَعْد رضي الله عنه لِلْقَوْمِ: «أَتَدْرُونَ ما البُرْدَةُ؟ فَقَالَ القَوْمُ: هِيَ الشَّمْلَةُ.
(1)
التخريج السابق (1088/ ح 84).
(2)
حَنُوطِهِ: هُوَ مَا يخلط من الطّيب ويوضع على أكفان الموتى وأجسامهم. يُنظر: غريب الحديث، لابن الجوزي (1/ 247)، النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 450)، والمقصود به: الطيب المخلوط بعرق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب من زار قومًا فقال عندهم (529/ ح 6281).
(4)
البردة: كساء مربَّع أسود صغير تلبسه الأعراب، وقيل أيضًا: بأنها شملة من صوف. يُنظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 68)، لسان العرب (3/ 87)، الفائق في غريب الحديث (2/ 173).
فَقَالَ سَهْلٌ: هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا.
فَقَالَتْ المرأة: يَا رَسُولَ اللهِ، أَكْسُوكَ هَذِهِ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ما أَحْسَنَ هَذِهِ، فَاكْسُنِيهَا، فَقَالَ: نَعَمْ.
فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَامَهُ أَصْحَابُهُ، قَالُوا: ما أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لا يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ، فَقَالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا
(1)
.
قَالَ سَهْل رضي الله عنه: فَكَانَتْ كَفَنَهُ»
(2)
.
ب أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أيلة
(3)
بردة مع كتابه الذي كتب فيه أمانًا لهم
(4)
.
ج لما أنشد كعب بن زهير رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم قصيدته. رمى إليه ببردة كانت عليه صلى الله عليه وسلم
(5)
.
* بيانها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
أ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: أخرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ رضي الله عنها كِسَاءً مُلَبَّدًا، وَقَالَتْ: فِي هَذَا نُزِعَ رُوحُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِاليَمَنِ، وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي يَدْعُونَهَا المُلَبَّدَةَ
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب حسن الخلق (510/ ح 6036).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب من استعد الكفن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه (99/ ح 1277).
(3)
أيلة: بفتح الهمزة وسكون الياء، وهي مدينة على ساحل بحر القلزم [البحر الأحمر] مما تلي الشام، تقع شمال الحجاز وشرق مصر وجنوب الشام أقربها. يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 85)، معجم البلدان، لياقوت الحموي (1/ 292).
(4)
قاله ابن إسحاق. يُنظر: مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (1/ 168)، تاريخ الإسلام، للذهبي (2/ 432).
(5)
يُنظر: الكامل في التاريخ، لابن الأثير (2/ 148)، تاريخ الخلفاء، للسيوطي (45).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم (250/ ح 3108).
ب أن أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها أخرجت جبة
(1)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالت: هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَتَّى قُبِضَتْ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا
(2)
.
ج كتب معاوية إلى كعب رضي الله عنهما: بعنا بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف درهم، فأبى عليه، وقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا، فلما مات كعب رضي الله عنه بعث معاوية رضي الله عنه إلى أولاده بعشرين ألف درهم، وأخذ منهم البردة
(3)
.
د توارث خلفاء بني العباس بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي كانت أمانًا لأهل أيلة، بعدما اشتراها منهم أبو العباس السفاح
(4)
.
* نهايتها ومآلها:
ورد في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه المذكور آنفًا نهاية ومآل أحد بُرد النبي صلى الله عليه وسلم، وأما البردتان: الكعبية والأيلية
(5)
اختلف المؤرخون في تحديد زمن فقدانها واختفائها، بعد اتفاقهم على ثبوتها، وتداولها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، والذي عليه أكثر المؤرخين أن
(6)
:
1 البردة الكعبية التي وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن زهير رضي الله عنه، اشتراها معاوية رضي الله عنه من أبناء كعب بعدما ورثوها من أبيهم، وفُقدت عند زوال بني أمية.
وقيل: أوصى معاوية رضي الله عنه بأن يُكفّن بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم
(7)
.
(1)
الجبة: الفروة، وسميت جبة؛ لأنها تشمل الجسم وتجمعه فيها. يُنظر: مقاييس اللغة (1/ 424)، لسان العرب (15/ 151).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس، باب تحريم لبس الحرير للرجال (1048/ ح 10).
(3)
يُنظر: الكامل في التاريخ (2/ 148)، تاريخ الخلفاء (45).
(4)
يُنظر: البداية والنهاية (6/ 379).
(5)
أشهر بردتين للرسول صلى الله عليه وسلم:
1 البردة الكعبية المنسوبة لكعب بن زهير رضي الله عنه.
2 البردة الأيلية المنسوبة لأهل أيلة، يُنظر: الآثار النبوية، لأحمد تيمور (7 - 21).
(6)
يُنظر: الأحكام السلطانية، للماوردي (222 - 223)، البداية والنهاية، لابن كثير (6/ 379)، تاريخ الخلفاء (45)، أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ، للقرماني (2/ 197)
(7)
يُنظر: أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ (2/ 10).
2 البردة الأيلية التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل آيلة أمانًا لهم، اشتراها أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح بثلاثمائة دينار، وتوارثها الخلفاء حتى سنة (320 هـ)، ولكن فقدت عند مقتل المقتدر رحمه الله، وقيل: أحرقها هولاكو
(1)
سنة (656 هـ) مع سقوط الدولة العباسية
(2)
.
وآخر ذِكر للبردتين، ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله في معرض حديثه عن نهاية ومآل بُردة رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدرى ما كان من أمرها بعد سقوط الدولة العباسية
(3)
.
2 العمامة:
* بيانها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
1 قال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ»
(4)
.
2 كَانَتْ لَرسول الله صلى الله عليه وسلم عِمَامَةٌ تُسَمّى: السّحَابَ كساهَا عليًّا رضي الله عنه وكان يلْبسُها وَيلْبسُ تحتها القلنسوة
(5)
، فكان ربما طلع عليه علي رضي الله عنه فيقول صلى الله عليه وسلم:«أتاكم عليّ في السحاب» ؛ يعني: عمامته التي وهبها له صلى الله عليه وسلم
(6)
.
* بيانها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
عن سعد الرازي الدشتكي يقول: رَأَيْتُ رَجُلاً بِبُخَارَى عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ
(1)
هولاكو بن تولي قان ابن الملك جنكزخان، طاغية من ملوك التتار، سفك دماء المسلمين، صُرع عام:(663 هـ). يُنظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (15/ 93، 105).
(2)
يُنظر: الأحكام السلطانية (222 - 223)، البداية والنهاية، لابن كثير (6/ 379)، تاريخ الخلفاء (45)، أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ (2/ 197).
(3)
البداية والنهاية (6/ 379)، السيرة النبوية، لابن كثير (4/ 713) بتصرف.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة من غير إحرام (2/ 990/ ح 1358).
(5)
زاد المعاد، لابن القيم [ط: 15] (1/ 130).
(6)
السيرة الحلبية، لأبي الفرج علي الحلبي (3/ 481).
عَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ سَوْدَاءُ، فَقَالَ: كَسَانِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
3 الخاتم:
* بيانه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى رَهْطٍ أو أُنَاسٍ مِنْ الأَعَاجِمِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلاَّ عَلَيْهِ خَاتَمٌ فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ فَكَأَنِّي بِوَبِيصِ أو بِبَصِيصِ
(2)
الْخَاتَمِ فِي إِصْبَعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أو فِي كَفِّهِ
(3)
.
* بيانه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ رضي الله عنه، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ
(4)
.
* نهايته ومآله:
فكانت نهايته ومآله وقوعه في بئر أريس، الذي سمي بعد هذه الحادثة بئر الخاتم، ولقد حاول بعض الصحابة رضي الله عنهم نزح
(5)
البئر فلم يجدوه
(6)
.
(1)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب ما جاء في الخز، (4/ 45/ ح 4038) ضعّف الألباني إسناده، يُنظر: ضعيف سنن أبي داود (ح 4038).
(2)
الْوَبِيصُ: الْبَرِيقُ واللَّمعان. يُنظر: غريب الحديث، لأبي عبيد ابن سلام (4/ 333) المغرب في ترتيب المعرب (2/ 339).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب نقش الخاتم (502/ ح 5872).
(4)
تخريج الحديث السابق.
(5)
نزح البئر: نضب ماؤه أو قلَّ، أو أُخذ. يُنظر: المغرب في ترتيب المعرب (2/ 296)، النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 40 - 68).
(6)
يُنظر: ما رواه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب هل يُجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر (501/ ح 5879).
4 النعل
(1)
:
* بيانها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان نعلاه صلى الله عليه وسلم لهما قبالان
(2)
»
(3)
.
* بيانها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
جاء في الصحيح: أن أَنَسَ بن مالك رضي الله عنه: أخْرَجَ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ
(4)
لَهُمَا قِبَالَانِ، وقال: هذه نَعْلَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(5)
، وفي رواية أخرى: لما أخرجها أنس رضي الله عنه لأحد التابعين
(6)
، قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ رحمه الله: هَذِهِ نَعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(7)
.
* نهايتها ومآلها:
أ آخر ذكر لها ما قاله صاحب كتاب فتح المتعال في وصف النعال، المتوفى (1041 هـ): وقد فحصت عن أمر هذه النعل الشريفة في زماننا هذا فلم أجد لها عند أحد ممن سألت خبرًا، وأظن أنها ذهبت في فتنة تيمورلنك
(8)
حين خرّب دمشق وأحرقها سنة (803 هـ)
…
ذهبتا في وقعة
(1)
ومما يؤسف حقًا انتشار صورة في بعض المواقع [الإلكترونية] يزعمون أنها صورة لنعل النبي صلى الله عليه وسلم فيتبرك بها بعض الناس مع أنها لم تثبت بسند صحيح، ولو سُلّم ثبوتها فليست الصورة هي النعل التي يُتبرك بها. يُنظر: شرح شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، لعبد الرزاق البدر (126).
(2)
قبالان: القبال: زِمَام النَّعْل، وهو السير الذي يكون بين الإصبع الوسطى والتي تليها، والقبالان؛ أَي: الزمامان. يُنظر: غريب الحديث، لابن الجوزي (2/ 217)، النهاية في غريب الحديث (4/ 8)، الفائق في غريب الحديث (3/ 153).
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه، كتاب اللباس، باب ما جاء في نعل النبي صلى الله عليه وسلم (1832/ ح 1772)، والنسائي في سننه، كتاب الزينة، باب صفة نعل النبي صلى الله عليه وسلم (2430/ ح 5368)، صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 287).
(4)
جَرْدَاوَيْنِ: أي: لا شعر عليهما. يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 256).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم
…
(250/ ح 3107).
(6)
هو التابعي: عيسى بن طهمان رحمه الله.
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب قبالان في نعل (499/ ح 5857).
(8)
تيمورلنك بن طرغاى السلطان الأعرج والطاغية الكبرى، هلك عام:(807 هـ). يُنظر: البدر الطالع، للشوكاني (1/ 173 - 179).
تيمورلنك، ولا يدرى أين ذهبتا
(1)
.
النوع الثالث: ما استخدمه من أدوات: كالدرع، والعصا، والسيف، والقدح، والمكحلة.
1 الدرع:
* بيانه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
قالت عائشة رضي الله عنها: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير»
(2)
.
وجاء في زاد المعاد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له سبعة أدرع
(3)
:
1 ذات الفضول، وهي درع من حديد رهنها النبي صلى الله عليه وسلم عند اليهودي.
2 ذات الوشاح.
3 ذات الحواشي.
4 السعدية.
5 فضة.
6 البتراء.
7 الخرنق.
* بيانه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ونهايته ومآله:
قال الماوردي رحمه الله
(4)
: حُكي أن درعه صلى الله عليه وسلم المعروفة بالبتراء كانت على الحسين بن علي رضي الله عنهما يوم قُتل.
(1)
فتح المتعال في وصف النعال، لأحمد المقري (254) بتصرف يسير.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم (234/ ح 2916).
(3)
يُنظر: زاد المعاد، لابن القيم [ط: 15] (1/ 130).
(4)
أبو الحسن عليّ بن محمد بن حبيب، البصْريّ الماوَرْديّ، كان معتزليًّا، زل في مسألة القدر، وتفسيره مشحون بتأويلات أهل الباطل تدسيسًا وتلبيسًا، توفي سنة (450 هـ). يُنظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (9/ 751)، طبقات الشافعية، للسبكي (5/ 267).
فأخذها عبيد الله بن زياد، فلما قَتلَ المختار
(1)
عبيد الله بن زياد صارت الدرع إلى عباد بن الحصين الحنظلي.
ثم إن خالدًا بن عبد الله القسري، وكان أمير البصرة سأل عبادًا عنها فجحده إياها، فضربه مائة سوط فكتب إليه عبد الملك بن مروان مثل عباد لا يُضرب إنما كان ينبغي أن يُقتل أو يعفى عنه؛ ثم لا يعرف للدرع خبر بعد ذلك
(2)
.
ولم أجد عن الدروع الأخرى بقاء ولا نهاية في كتب السيرة والتاريخ.
2 العصا:
(3)
* بيانها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ الْمَدِينَةَ
…
، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَابِتُ بن قَيْسِ
…
، وَفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضِيبٌ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ
…
، فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: إِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الأَمْرِ ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بَعْدَكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْقَضِيبَ ما أَعْطَيْتُكَهُ
…
»
(4)
.
* بيانها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
قال ابن الجوزي رحمه الله: كان له صلى الله عليه وسلم قضيب وهو اليوم عند الخلفاء [العباسيين]
(5)
.
(1)
المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب، كذب على الله وأدّعى بأنه يوحى إليه، توفي سنة (67 هـ). يُنظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (2/ 674).
(2)
الأحكام السلطانية (221 - 222).
(3)
العصا والقضيب والعكاز كلها تطلق على ما يختصره النبي صلى الله عليه وسلم ويتكئ عليها بيده، وتسمى أيضًا بالمخصرة. يُنظر: المعلم بفوائد مسلم، للمازري (3/ 312)، النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (2/ 36)، لسان العرب (4/ 243)، تاج العروس، للزبيدي (11/ 172).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب قصة الأسود العنسي (358/ ح 4378).
(5)
الوفا بأحوال المصطفى، لابن الجوزي (2/ 379).
* نهايتها ومآلها:
قال الماوردي رحمه الله: وأما القضيب فهو من تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي صدقة وقد صار مع البردة من شعار الخلافة
(1)
، حتى سنة (656 هـ) عندما سقطت الدولة العباسية على يد هولاكو، الذي قام بإحراق البردة والقضيب وذر رمادهما في دجلة
(2)
.
3 السيف:
(3)
* بيانه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر
(4)
.
* بيانه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: صار إلى آل علي رضي الله عنهم سيف من سيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكربلاء كان معه، فأخذه علي بن الحسين بن زين العابدين فقدم معه دمشق حين دخل على يزيد بن معاوية ثم رجع معه إلى المدينة
(5)
.
وحين قدموا المدينة، لَقِيَ المسور بن مخرمة علي بن الحسين، فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ فقال له علي: لا.
فقال المسور: فهل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وَايْم الله! لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدًا حتى تبلغ نفسي
…
(6)
.
(1)
الأحكام السلطانية (223).
(2)
يُنظر: أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ (2/ 197).
(3)
ورد في كتب السيرة أن للنبي صلى الله عليه وسلم تسعة أسياف، يُنظر: زاد المعاد [ط: 15](1/ 130)، ولكن لم أجد بعد بحثي القاصر في السُّنَّة الصحيحة إلا سيف واحد وهو:(ذو الفقار).
(4)
أخرجه الترمذي في جامعه، أبواب السير، باب في النفل، وأخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الجهاد، باب السلاح، (2/ 939/ ح 2808).
(5)
البداية والنهاية (6/ 376).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم، وعصاه، وسيفه وقدحه
…
(250/ ح 3110)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل فاطمة رضي الله عنها (1108/ ح 95).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أراد المسور رضي الله عنه بذلك صيانة سيف النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يأخذه من لا يعرف قدره، والذي يظهر أن المراد بالسيف المذكور ذو الفقار
(1)
.
4 القدح:
(2)
* بيانه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
عَنْ أبي حازم
(3)
عن سَهْلِ بن سَعْدٍ رضي الله عنه قال:
…
أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ.
ثُمَّ قَالَ: «اسْقِنَا يَا سَهْلُ» فَخَرَجْتُ لَهُمْ بِهَذَا القَدَحِ فَأَسْقَيْتُهُمْ فِيهِ
(4)
.
* بيانه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
أ قال أبو حازم رحمه الله: فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ ذَلِكَ القَدَحَ فَشَرِبْنَا مِنْهُ
قَالَ: ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بن عَبْدِ العَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ
(5)
.
و عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ رحمه الله قَالَ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه وَكَانَ قَدْ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ، قَالَ: وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ
(6)
، قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا القَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ
(1)
فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر (6/ 214).
(2)
القدح: إناء يستخدم للشرب من الجلد وغيره. يُنظر: الدلائل في غريب الحديث (3/ 1011) لسان العرب (1/ 628).
(3)
أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج المدني، الإمام القدوة الواعظ شيخ المدينة النبوية، ثقة، لم يكن في زمانه مثله، توفي سنة (140 هـ). يُنظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (3/ 664).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأشربة، باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته (483/ ح 5637).
(5)
التخريج السابق.
(6)
نُضَار: أي: من خشب نضار، وهو خشب معروف من شجر الصفصاف، وقيل: هو الأثل الورسي اللون. يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 71).
كَذَا وَكَذَا
(1)
ب قَالَ ابن سِيرِينَ رحمه الله: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَرَكَهُ
(2)
.
ج قال أَنَسُ بن مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ، قَالَ عَاصِمٌ رحمه الله: رَأَيْتُ القَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ
(3)
.
د روى عبد الله ابن الإمام أحمد أنه رأى أباه: أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في حَبِّ الماء، ثم شرب فيها
(4)
.
5 المكحلة:
* بيانها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له مكحلة يكتحل بها كل ليلة ثلاثة في هذه، وثلاثة في هذه
(5)
.
* بيانها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقد بلغني أن بالديار المصرية مزارًا فيه أشياء كثيرة من آثار النبي صلى الله عليه وسلم اعتنى بجمعها بعض الوزراء المتأخرين، فمن ذلك مكحلة وقيل: ومشط، وغير ذلك فالله أعلم
(6)
.
ولم أجد في كتب التاريخ والسير من بعد القرون الأولى نهاية ومآل،
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأشربة، باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته (483/ ح 5638).
(2)
التخريج السابق.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم
…
(250/ ح 3109).
(4)
سير أعلام النبلاء (11/ 212).
(5)
أخرجه الترمذي في جامعه، أبواب اللباس، باب ما جاء في الاكتحال (4/ 234/ ح 1757)، صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (4/ 257/ ح 1757).
(6)
السيرة النبوية، لابن كثير (4/ 712).
ولا بقاء للسيف والقدح والمكحلة والعمامة وبقية الدروع وغيرها من الآثار.
وهذا يدل والله أعلم على اندثارها أو ضياعها؛ لانقطاع سندها وخبرها، ولو كانت موجودة لصرح بها ورثتها والذين وصلهم شيءٌ منها.
ومن الجدير بالذكر أن درع النبي صلى الله عليه وسلم وسيفه وقدحه والمكحلة وغيرها من الآثار الخاصة به صلى الله عليه وسلم، جاء ذكر وجود بعضها في كتب المتأخرين من أصحاب السير والتاريخ، مع انقطاع سندها قبل ذلك، فهذا يدل والله أعلم على عدم صحة ثبوتها كما سيأتي تحقيق ذلك في المسألة التالية.
إذ إن كتب السيرة والتاريخ لا يمكن الاعتماد عليها؛ لما فيها من نقل الغثّ والسمين، والصالح والطالح.
قال صاحب كتاب السيرة الحلبية: ولا يخفى أن السير تجمع الصحيح والسقيم والضعيف والبلاغ والمرسل والمنقطع والمعضل دون الموضوع.
ومن ثم قال الحافظ الزين العراقي رحمه الله:
وليعلم الطالب أن السيرا
تجمع ما صح وما قد أنكرا
(1)
.
المسألة الثالثة: مدى صحة الآثار النبوية الشريفة المُشاهدة في المتاحف:
تبيَّن في المسألة السابقة نهاية ومآل بعض الآثار المرئية النبوية من خلال ذكر ما جاء عنها من الآثار المروية، والتي يمكن تلخيصها كالتالي:
1 آثار انقطعت بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم وذهبت بذهابه صلى الله عليه وسلم: كاليد، والريق، والبصاق، وفضل الوضوء
(2)
.
2 آثار دفنت في القبور
(3)
: كالبردة، والعصا، والشعر.
(1)
السيرة الحلبية، لأبي الفرج نور الدين الحلبي (1/ 5).
(2)
كما سبق بيانه في (54).
(3)
يُنظر: ما رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب حسن الخلق (510/ ح 6036).
3 آثار احترقت
(1)
: كالبردة، والعصا.
4 آثار فُقدت وضاعت
(2)
: كالشعر، والبردة، النعلين، والدرع، والخاتم.
5 آثار نسبتها غير صحيحة: كالقدح، والعصا
(3)
، والعمامة، والنعل
(4)
.
والواجب التحقق من مدى صحة بعض الآثار التي تُعرض في المتاحف، وتُعرف في بعض البلدان بالأمانات المباركة
(5)
: كأسنان نبوية، ونعلين نبويتين، وخرقة السعادة، السجادة النبوية، وقبضة سيف من السيوف النبوية، وقوس نبوي، ولواء نبوي، ماء من الغسل النبوي، وآثار أخرى لبعض الأنبياء عليهم السلام، وآثار لبعض الصحابة رضي الله عنهم.
وأعجب هذه الآثار بقاء ماء من الغسل النبوي حتى هذا القرن الخامس عشر!
صحيح أنه جاء في الأثر عن أم سُليم رضي الله عنها أنها احتفظت بعرق النبي صلى الله عليه وسلم بقوارير
(6)
لكن لم يؤثر عن الصحابة رضي الله عنهم في الأحاديث الصحيحة، أن أحدًا منهم احتفظ بشيء من فضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته.
ولو سلمنا ببقاء فضل وضوئه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن بقاؤه لمدة طويلة؛ لأن طبيعة المواد السائلة كما ذكرتُ سابقًا
(7)
تكون عُرضة للجفاف
(1)
يُنظر: الأحكام السلطانية (222 - 223)، البداية والنهاية (6/ 379)، تاريخ الخلفاء (45)، أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ (2/ 197).
(2)
يُنظر: تاريخ الخلفاء (45)، الآثار النبوية، لأحمد تيمور باشا (20 - 21).
(3)
القدح والعصا التي وصلت من بيت ابن القلقشندي أنهما ليسا من الأثر النبوي، وإنما هما من أثر الليث بن سعد. يُنظر: مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، لمحمد بن طولون الصالحي (311).
(4)
نعل أهداها بعضهم للخليفة المهدي العباسي، فظهر له أنها غير صحيحة. الآثار النبوية (129).
(5)
الآثار التي بالقسطنطينية، وهي المعروفة عند الأتراك بالأمانات المباركة، وهي كثيرة لم يذكر أصحاب التواريخ التركية إلا أهمها. يُنظر: الآثار النبوية، لأحمد تيمور (78 - 79) بتصرف.
(6)
سبق تخريجه راجع فضلاً (67).
(7)
راجع لطفًا (68).
والتبخر والانسكاب، وأيضًا للانتهاء بالاستخدام المستمر للذين توارثوها، خصوصًا وأن من يملك شيئًا من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم ضنين بها لنفسه، ولا يؤثر بها غيره.
وأيضًا بقاء النعلين، وعرضها في بعض المتاحف، فقد جاء ذكر فقدانها في وقعة تيمورلنك، وليس لها ذكر بعد ذلك
(1)
.
والقول في بقية الآثار السابق ذكرها واحد وهو أن ما وصل منها إلى الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخلفاء والكبراء، حافظوا عليها واهتموا بها مدة من الزمن، لكن لما تعاقبت الفتن والمحن على المسلمين أدى ذلك إلى فقدانها، وانقطاع سند تداولها، وعدم مجيء خبرها من الزمن المتقدّم، وهذا دليل على فقدانها واندثار معالمها، فإن الباحث المحقق يكاد يجزم بأن دعوى بقاء شيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا دعوى غير صحيحة.
ولقد أفاد المحدّث الفقيه حماد بن إسحاق الأزدي (ت: 267 هـ) رحمه الله في كتابه: تركة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قلة ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم من آثار مرئية وحسية، مستندًا على الحديث الصحيح الذي رواه البخاري رحمه الله عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه قال:«مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَوْتِهِ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً وَلَا شَيْئًا إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلَاحَهُ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً»
(2)
.
فهذا دليل صريح صحيح يؤكد قلَّة ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم من آثار حسية
(3)
.
ومن زاوية أخرى حتى لو أراد أصحاب المتاحف والمزارات إثبات الآثار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالطرق التجريبية الحديثة فإن خبراء الآثار
(1)
كما سيأتي بيانه في تفنيد الشبهات المتعلقة بالنعل وغيره، انتقل لطفًا (429).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب الوصايا (4/ 2/ ح 2739).
(3)
للاستزادة في معرفة ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم من آثار، يُنظر: تركة النبي صلى الله عليه وسلم (94 - 115).
لا يعتدّون بأي قطعة أثرية عضوية
(1)
كانت مكشوفة ومعرضة للهواء والتلوث، ولم تُحفظ من وقت اكتشافها بطريقة علمية صحيحة، ولم تُطبق عليها خطوات علمية يسلكها خبراء الآثار تجاه القطع الأثرية؛ لمعرفة وقياس عمر الأثر
(2)
.
ومن المعلوم أن القطع الأثرية العضوية المكشوفة والمعرضة للهواء تتلوث، ولا يمكن بتاتًا معرفة عمرها الصحيح، ولا قياس زمن بقائها بالطرق الحديثة عند خبراء الآثار: كقياسها بواسطة النظائر المشعة: 14 C، 238 U، 232 Th، والمستخدم منها في تحليل العينات الأثرية العضوية هو الكربون المشع Radiocarbon Dating والذي يرمز له ب: 14 C
(3)
.
حيث يُعدّ هذا القياس عند خبراء الآثار من أحدث الطرق وأفضلها في تحديد التاريخ المطلق الرقمي لعمر الأثر، وهي أكثر طريقة يثقون بها؛ لدقة نتائجها، وقربها للصواب
(4)
في ظنهم.
بناءً على ذلك فإن الآثار المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم لا يعتدّ بها عند خبراء الآثار؛ لأنها لم تكن محفوظة عند من ورثها بطرق صحيحة؛ بل بالعكس كانت معرضة للهواء ومتاح للجميع لمسها وتقبيلها والتبرك بها.
وهذا أمر ينفي وجود أي إثبات لها، لا بالطرق الشرعية ولا بالعلوم التجريبية الحديثة، وهذا يزيد الباحث عن حقيقتها يقينًا بزيفها وعدم صحة نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
الآثار العضوية: أي: قطعة كانت متصلة بكائن من الكائنات الحية وانفصلت عنه تسمى قطعة عضوية، أو يكون الكائن نفسه فقد الحياة، مثالها: أسنان وشعر وقلامة أظافر الإنسان، أو جلد وعظم الحيوان، وكذلك من النباتات ورق البردي وخشب الأشجار، والفحم وشمع العسل، والمنسوجات من الكتان والقطن والحرير، وغيرها.
(2)
أفادني بذلك عميد كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود: أ. د. عبد الناصر بن عبد الرحمن الزهراني، في مساء يوم الإثنين، الموافق: 28/ 8/ 1439 هـ 14/ 5/ 2018 م.
(3)
يُنظر: التقنيات التحليلية في صيانة مواد الآثار، لباربرا هـ. ستيوارت (394).
(4)
يُنظر: المسح الأثري في الوطن العربي (30)، استخدام التقنيات الحديثة في علم الآثار (59).
والذي عليه العلماء من المحدثين والمحققين وبعض المؤرخين والآثاريين: عدم صحة الآثار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في العصور المتأخرة وإنكارها؛ لعدم وجود أدلة تثبت صحتها بل الأدلة تؤكد عدم ذلك، أنقل لكم بعضًا مما ورد في ذلك:
1 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ت: 728 هـ): وما يذكره بعض الجهال فيها أي: في الصخرة من أن هناك أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
وأثر عمامته وغير ذلك فكله كذب
(2)
.
2 يقول المحدّث ناصر الدين الألباني رحمه الله (ت: 1420 هـ): ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم من ثياب أو شعر أو فضلات قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين
(3)
.
وقال أيضًا رحمه الله: وما يفعلونه اليوم في بعض البلاد من التبرك في بعض المناسبات بشعرة محفوظة في زجاجة فهو شيء لا أصل له في الشرع، ولا يثبت ذلك بطرق صحيحة
(4)
.
3 يقول الشيخ العلامة أحمد النجمي رحمه الله (ت: 1429 هـ): التبرك المشروع في حق النبي صلى الله عليه وسلم اختص به أهل عصره ومن بعدهم بقليل، الذين حصل لهم شيء من ثيابه أو شعره أو عرقه، وآخر من صح أنه كان عنده شيء من شعر النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
أما أهل الأزمنة المتأخرة فقد فاتهم ذلك، وإن كان قد فاتهم هذا فإن البركة كل البركة، والخير كل الخير في الاستقامة على هديه، واقتفاء سننه، واتباع طريقه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتقرب إلى الله بتلاوة الكتاب الذي أُنزل عليه، ودراسة السُّنَّة التي نطق بها، والعمل بما دلت عليه فعلاً وتركًا، لقوله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [آل عمران]
(5)
.
(1)
سيأتي الكلام عن أثر القدم وعدم صحة نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم في صفحة (100).
(2)
مجموع الفتاوى (27/ 13).
(3)
التوسل أنواعه وأحكامه، للألباني (144).
(4)
دفاع عن الحديث النبوي والسيرة، للألباني (76).
(5)
أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة (427 - 428).
4 يقول الشيخ العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله: وقد ظفر بآثار النبي صلى الله عليه وسلم الجسدية الصحابة رضي الله عنهم ومن وصله شيء منها من التابعين ومن بعدهم، وبعد ذلك انقرضت، ولم يكن لها وجود على الحقيقة، ولا مجال للتعلق بها
(1)
.
5 يقول الشيخ العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله:
…
وما يدعيه الآن بعض الخرافيين من وجود شيء من شعره صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك؛ فهي دعوى باطلة لا دليل عليها،
…
إذ لا وجود لهذه الآثار الآن لتطاول الزمن الذي تبلى معه هذه الآثار وتزول، ولعدم الدليل على ما يُدعى بقاؤه منها بالفعل
(2)
.
6 يقول أ. د. ناصر الجديع حفظه الله: ثبوت فقدان الكثير من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم على مدى الأيام والقرون، بسبب الضياع، أو الحروب والفتن، وغير ذلك
(3)
،
…
لا سيما مع مرور أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان على وجود تلك الآثار النبوية، ومع إمكان الكذب في ادعاء نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم للحصول على بعض الأغراض، كما وضعت الأحاديث، ونسبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كذبًا وزورًا
(4)
.
7 يقول المؤرخ ابن طولون (ت: 270 هـ) في معرض حديثه عن القدح والعصا التي وصلت من بيت ابن القلقشندي: ثم تبيّن أنهما ليسا من الأثر النبوي، وإنما هما من أثر الليث بن سعد
(5)
.
8 يقول المؤرخ أحمد تيمور باشا رحمه الله (ت: 1384 هـ): لم نر أحدًا من الثقات ذكرها [الآثار النبوية] بإثبات أو نفي، فالله سبحانه وتعالى أعلم بها، وبعضها لا يسعنا أن نكتم ما يخامر النفس فيها من الريب، ويتنازعها من
(1)
التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة (4/ 216).
(2)
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب، لصالح الفوزان (1/ 175 - 176).
(3)
التبرك أنواعه وأحكامه، لناصر الجديع (257).
(4)
المرجع السابق (260).
(5)
مفاكهة الخلان في حوادث الزمان (311).
الشكوك
(1)
.
وقال أيضًا على صحة الشعرات المنسُوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها!
(2)
.
9 يقول خبير الآثار أ. د. عفيف البهنسي رحمه الله (ت: 1439 هـ): إنه تمت دراسة الآثار التي يقال: إنها نبوية في متاحف إسطنبول والنتيجة: أنه لا يُمكن إثبات أي شيء منها تاريخيًّا، حتى ما يُنسب للصحابة الكرام رضي الله عنهم.
وغاية الأمر أن النادر منها يُمكن أن يرقى زمنيًّا للقرن الأول، دون أن يوجد أي إثبات أثري وتاريخي أنها لفلان من الناس دون غيره
(3)
.
وبناء على ما تقدم من نهايات لتلك الآثار التي صح ثبوت بعضها برهة من الزمن، يتبين أنها اندثرت وزالت ولم تبق؛ إذ لا دليل ولا برهان صحيح يدل على وجود شيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم ولكن العجيب وجود بعضها في أكثر من موضع ومتحف ومزار!.
المسألة الرابعة: حكم إحياء الآثار النبوية المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق بها:
بناءً على ما سبق تبيَّن أن الآثار النبوية المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم لها حالتان:
الأولى: ما كانت في عهد الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم
(4)
، من الذين وصلهم شيء من الآثار الثابتة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقينًا، فهذه بيانها والمحافظة عليها جائزة؛ إذ هي موضع البركة
(5)
.
إذ إن الآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم لها من الخصوصية
(1)
الآثار النبوية، لأحمد تيمور باشا (79).
(2)
المرجع السابق (84).
(3)
نقلاً من أحكام الآثار، لعبد الله الرميح (1/ 214).
(4)
يُنظر: التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة (4/ 216).
(5)
يُنظر: شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 62).
التي خصّه الله جل جلاله بها دون غيره من البركة الذاتية، والحسية.
فإقرار النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة بتبركهم بريقه
(1)
، ونخامته
(2)
، ووضوئه
(3)
، والاحتفاظ بما انفصل عنه صلى الله عليه وسلم، دليل على مشروعية فعل ذلك بما انفصل عنه صلى الله عليه وسلم وبقي بعد وفاته، وهذا يعتبر نوع من الإحياء لآثاره صلى الله عليه وسلم.
ومن المهم التنبيه إلى أنه لا يُقاس إحياء آثار النبي صلى الله عليه وسلم بغيره من الصالحين؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يتبركوا بأحد من فضلائهم، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إجماعًا منهم على تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم دون سواه
(4)
.
كما أكّد على ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله قائلاً: وكذلك التبرك بالآثار ولما كان يفعله الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم بعضًا، ولا يفعله التابعون مع الصحابة مع علو قدرهم
(5)
، كما سيأتي بيان حكمه بالتفصيل في الفصل الثاني
(6)
.
الثانية: ما كانت في زماننا الحاضر من الآثار النبوية، فهذه لا يمكن إثبات صحتها؛ بل الدلائل تدل على كذب نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم وتزييفها، وعليه فلا يجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن إحيائها والمحافظة عليها.
وإنما الواجب على المسلم أن يحيي الآثار النبوية من أقواله وأفعاله وسننه ويحافظ عليها ويلتزم بها في حياته.
(1)
يُنظر: إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب غزوة الطائف (ص 354/ ح 4328)، ومسلم في صحيحه، فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين (ص 1117/ ح 164).
(2)
يُنظر: إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد (ص 217 - 218/ ح 2731 - 2732).
(3)
يُنظر: إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب استعمال فضل وضوء الناس (18/ ح 187)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي (756/ ح 250).
(4)
أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة (425) بتصرف يسير، ويُنظر: فتح المجيد، لعبد الرحمن بن حسن (142)، المسائل العقدية المتعلقة بذات النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة، لفهد الجهني (636 - 639).
(5)
الحِكَم الجديرة بالإذاعة، لابن رجب «مجموع رسائله» (1/ 252).
(6)
كما سيأتي تفصيل ذلك في (495).
وهذا هو الأولى والأحرى بالمسلم كما وجه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم، حيث صرفهم صلى الله عليه وسلم عن التبرك بآثاره الحسية إلى التبرك بآثاره الحديثية.
وذلك لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بوضوئه وتوضأ به، بادر الصحابة رضي الله عنهم إلى وضوئه فشربوا منه ومسحوا وجوههم ورؤوسهم وصدورهم، فلما رآهم يصنعون ذلك
(1)
:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كنتم تحبون أن يحبكم الله ورسوله فحافظوا على ثلاث خصال: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الجوار»
(2)
.
علَّق الإمام الشاطبي رحمه الله على هذا الحديث قائلاً:
…
هو مشعر بأن الأولى تركه [التبرك بالآثار النبوية الحسية]، وأن يتحرى ما هو الآكد والأحرى من وظائف التكليف
(3)
.
وقال العلامة المحدّث ناصر الدين الألباني رحمه الله معلقّا على هذا الحديث: انظر هذا اللطف في النقد من الأمر المفضول إلى الحكم الفاضل، لم يصدهم الرسول صلى الله عليه وسلم صدًّا، وإنما مهد لهم تمهيدًا بأسلوب عظيم جدًّا: ما الذي يحملكم على هذا؟ قالوا: حب الله ورسوله وهم صادقون في ذلك،
فقال لهم: هذا لا يدل [على] حبكم لله والرسول!
الذي يدلكم على ذلك هو أن تعملوا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه وتعالى
(4)
.
هذا ولا بد من التنبيه إلى جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وعدم إنكاره،
(1)
يُنظر: فتاوى الإمارات، الموسوعة العقدية للعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني (3/ 902).
(2)
رواه الخلعي في الفوائد (18/ 73/ 1)، وابن وهب في جامعه نقلاً عن الإمام الشاطبي في الاعتصام (2/ 139)، ورواه عبد الرزاق في المصنف (11/ 7/ 19748)، الطبراني في الأوسط (1/ 152/ 1)، والمعجم الكبير أيضًا (47/ 1 مجموع 6)، أخرجه ابن منده في المعرفة (2/ 21/ 1)، (2/ 259/ 2)، وكذا أبو نعيم في فوائد ميمونة كما في الإصابة، حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (ج 6/ ق 2/ ص 1264/ ح 2998).
(3)
الاعتصام، للشاطبي (1/ 485).
(4)
فتاوى الإمارات، الموسوعة العقدية للعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني (3/ 902).
ولكن لهذا التبرك شروط، منها
(1)
:
1 الإيمان الشرعي المقبول عند الله، فمن لم يكن مسلمًا صادق الإسلام فلن يحقق الله له أي خير بسبب تبركه هذا.
2 الحصول يقينًا على أثر من آثار النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن آثاره صلى الله عليه وسلم من ثياب أو شعر وغيرها قد فقدت، وليس لأحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين.
وإذا كان الأمر كذلك فإن التبرك بهذه الآثار أصبح أمرًا يستحيل في زماننا هذا.
نخلص مما سبق إلى الموقف الشرعي للمسلم تجاه الآثار المرئية المحسوسة المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: كالشعر، البردة، النعل، العمامة، القدح، العصا
…
وغيرها:
أولاً: أن يعتقد المسلم قلّة ما خلّفه النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، كما جاء في السُّنَّة الصحيحة
(2)
، وأن يعلم أن الآثار القليلة التي خلفها النبي صلى الله عليه وسلم خضعت، وتعرّضت لأمور، منها:
1 الاستهلاك والدفن؛ وذلك لأن من يمتلك أثرًا نبويًّا ضَنِين به لنفسه، فغالبها يستهلكها أصحابها، أو يوصوا بأن يكفنوا بها، أو تدفن معهم في القبر.
2 الفقدان، والتلف، والضياع؛ بسبب ما عانته الأمة الإسلامية وتعرضت له من: حروب، ونكبات، وفتن، وكربات.
ثانيًا: أن لا يقبل المسلم دعوى وجود الآثار النبوية المرئية المحسوسة في زماننا هذا؛ لأنها دعوى مجردة عن البرهان والدليل القاطع، إذ لا بد من إثبات الأثر المرئي المحسوس بأسانيد متصلة صحيحة تؤكد صحة نسبة هذا الأثر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كالأثر المروي تمامًا؛ لما يترتب عليه من أحكام شرعية، وقواعد مرعية.
(1)
يُنظر: التوسل أنواعه وأحكامه، للألباني (144).
(2)
راجع لطفًا (81).
فكما أن الآثار الحديثية المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُقبل منها إلا ما كان متصل السند عن الثقات العدول، كذلك الآثار المرئية! وهذا ما تميزت به هذه الأمة، بأنها: أمة إسناد.
كما قال الإمام عبْد الله بن المبارك (ت: 181 هـ) رحمه الله: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء، ما شاء
(1)
.
* * *
(1)
مقدمة صحيح مسلم (676/ أثر: 32).
المطلب الثالث
آثار مقامات النبي (ص) المكانية
إن معرفة الأماكن التي سلكها النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله صلى الله عليه وسلم المنقولة عنه؛ حفاظًا على السُّنَّة، هو مسلك العلماء الذين ألفوا في السيرة النبوية، وجمعوا الأحاديث وكتبوها، وضبطوا العلم الموروث عن الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك ما يترتب عليها من مسائل شرعية وقواعد مرعية متعلقة بتلك الأماكن.
كمسألة حدود الحرم، وما يتعلق بمضاعفة ثواب الصلاة فيه، وبئر بضاعة وعلاقتها بطهارة الماء، وحدود مشاعر الحج كمنى وعرفة ومزدلفة
(1)
.
وكذلك الاهتمام بمعرفة الأماكن التي تُقصد بالعبادة والقربة، من الصلاة والدعاء والوفاء بالنذر وما يترتب على تلك الأماكن من أحكام شرعية.
كما جاء عن رجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أنه نذر أن ينحر إبلاً بِبُوَانَةَ
(2)
فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» قالوا: لا.
قال: «هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟» قالوا: لا.
(3)
.
(1)
يُنظر: أحكام عرفة، لصالح العصيمي (57)، المزدلفة، لعبد العزيز الحميدي (11 - 58).
(2)
بوانة: هضبة من وراء ينبع قريبة من ساحل البحر. معجم البلدان، لياقوت الحموي (1/ 505).
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام (3/ 219/ ح 3257)، وأيضًا في كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من وفاء النذر (3/ 236/ ح 3313)، قال ابن الملقن: إسناد صحيح. يُنظر: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير: (9/ 518)، وكذلك ابن حجر صحح سنده. يُنظر: التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: (4/ 331).
فإحياء آثار المقامات المكانية التي قصدها النبي صلى الله عليه وسلم، ومواضع السيرة النبوية بالدراسة، والتعلّم، وفهم الوقائع الحادثة؛ لأغراض علمية تقوم وتبنى عليها الأحكام الشرعية، هو المطلوب إحياؤه شرعًا
(1)
.
وأما ما جاء عن بعض المتأخرين والمهتمين بالآثار من إحياء مقامات النبي صلى الله عليه وسلم التي لم يقصدها، بالعناية والاهتمام، وتسمية بعض المواضع بأنها نبوية؛ لمرور النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولو لبرهة من الزمن، وبناء المساجد لا للحاجة إلى المسجد لكن لأجل صلاته صلى الله عليه وسلم فيه
(2)
وتسميته: مسجد نبوي
(3)
، واعتقاد فضل الصلاة فيه، وكذلك إطلاق على بعض الآبار بأنها نبوية؛ لاستقاء النبي صلى الله عليه وسلم أو وضوئه منها، أو جلوسه عليها، وغيرها من المواضع، كلها إطلاقات لا تصح؛ لعدم ورودها عن السلف الصالح
(4)
.
وعندما أُدرج بعض الأمثلة من المواضع والبقاع التي أُثر أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث فيها، أو وطئها عرضًا
(5)
، ضمن تقسيم المسألة الثانية، فهو من باب الحكاية عن القوم الذين سموها بذلك وحرصوا على التردد إليها، وليس من باب الإقرار والرضا بفضلها أو الحث والاهتمام بها؛ نزولاً للمخالف بهذه التسمية، وهو اصطلاح فُرض علينا ونحن نناقشه، كما أورد أهل العلم في كتبهم تلك المواضع لبيان حكم قصدها بالزيارة والتعبد، وليس لفضل كونها مقامات نبوية
(6)
.
(1)
وهي المواضع التي سأتحدث عنها بالتفصيل في المبحث الذي يليه، للوصول إليه انتقل فضلاً (171).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لابن تيمية (2/ 276).
(3)
باستثناء المسجد النبوي، والمقصود بها المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم عرضًا.
(4)
يُنظر: براءة الصحابة الأخيار من التبرك بالأماكن والآثار (661، 694).
(5)
عرضًا أي: مصادفة واتفاقًا دون قصد أو عمد. يُنظر: المعجم المفصل، لإميل بديع (237).
(6)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 271)، فيض الباري على صحيح البخاري، للديوبندي (2/ 102)، فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية، لمحب الدين الخطيب (2/ 283)، الثمر المستطاب في فقه السُّنَّة والكتاب، للألباني (1/ 472)، تسهيل العقيدة الإسلامية، لابن جبرين (298)، شرح مسائل الجاهلية، لصالح الفوزان (225).
وبسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: المراد بآثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية.
المسألة الثانية: أمثلة على آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية.
المسألة الثالثة: حكم إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية.
المسألة الأولى: المراد بآثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية:
المقام: هو الموضع الذي يُقام فيه
(1)
، وأقام في المكان؛ أي: لبث فيه.
كما جاء في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13]؛ أي: لا موضع لكم تقيمون فيه
(2)
.
والمقام يحمل أثر صاحبه، من غير أن يكون موضع دفنه، وتتعدد المقامات لانتقال صاحبه من مكان لآخر
(3)
.
والمقام بشكل عام هو: كل مكان قام به الإنسان أو جلس به لأمر ما
(4)
.
والمقصود بمقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية:
المواضع التي أُثر أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث فيها، أو وطئها، عرضًا
(5)
، لأي غرض كان
(6)
.
(1)
يُنظر: لسان العرب (12/ 506).
(2)
يُنظر: فتح القدير، للشوكاني (4/ 266).
(3)
يُنظر: الآثار والمشاهد، لنائل الصرايرة (20).
(4)
يُنظر: لسان العرب (12/ 506)، (13/ 451).
(5)
عرضًا أي: مصادفة واتفاقًا دون قصد أو عمد. يُنظر: المعجم المفصل، لإميل بديع (237).
(6)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 271)، فيض الباري على صحيح البخاري (2/ 102)، فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية، لمحب الدين الخطيب (2/ 283)، شرح مسائل الجاهلية، لصالح الفوزان (225)، الثمر المستطاب (1/ 472)، تسهيل العقيدة الإسلامية، لابن جبرين (298).
المسألة الثانية: أمثلة على آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية:
آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية التي تقع في مكة، أو المدينة، أو خارجهما، لا تخلو عن أحد أمرين:
1 آثار مكانية ثابت ذكرها في القرآن أو في الآثار المروية الحديثية.
2 آثار مكانية غير ثابت ذكرها، وإنما انقطعت أخبارها، وخفيت معالمها فترة من الزمن، ومن ثم أُحييت آثارها بعد قرون متطاولة من اندثارها، وأصبحت موجودة الآن.
وهي من حيث نوعها: إما مساكن وبقاع، أو مساجد ومصليات، أو جبال وغيران، أو عيون وآبار وغيرها من المواضع التي جاء الخبر بمرور النبي صلى الله عليه وسلم عليها.
فمن الأمثلة عليها ما يلي:
1 آثار مكانية ثابت ذكرها في الآثار المروية منها:
أ ما اندثر وزال.
ب ما بقي حتى الآن.
أ آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية الثابتة المندثرة:
1 المنبر: يقع منبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده شرقي محرابه، في موضع معروف، مشهور، لكنه في عام (654 هـ) ذهب ضحية؛ بسبب الحريق الذي حصل في المسجد النبوي، فاحترق المنبر تمامًا، ولم يبق منه شيء، فوضِع مكانه منبر آخر، ثم جُدّد وبُدّل عدة مرات على مرّ العصور
(1)
.
ويعتبر منبره صلى الله عليه وسلم من المعالم الأثرية، له فضله المذكور، وخبره المأثور، ومع ثبوت هذه الفضائل إلا أنه لا يجوز أن يُخص المنبر بالزيارة أو العبادة، لا سيما أن الموجود اليوم ليس هو المنبر نفسه الذي كان يخطب عليه النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
(1)
يُنظر: المسائل العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية، ألطاف الرحمن بن ثناء الله (417 - 425).
(2)
يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (645).
2 بيت عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه
(1)
: من الدور التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بعدما طلب عتبان رضي الله عنه من الرسول صلى الله عليه وسلم الوقوف في بيته على جهة القبلة
(2)
.
3 بئر حاء
(3)
: من آبار المدينة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب من ماء فيها طيّب
(4)
، وقد اندثر، ومحال أن يُعثر عليه
(5)
.
4 بئر أريس الخاتم: جلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم وتوسط حافته
(6)
، وسقط فيه خاتمه صلى الله عليه وسلم من يد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه
(7)
.
5 بئر بضاعة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها
(8)
، وقد ردم البئر، واندثر وزال، وذهب رسمه
(9)
.
6 دار الأرقم بن الأرقم
(10)
ومسجده: هي الدار التي عند الصفا
(1)
من الدور التي يذكرها المؤرخون في المدينة، وقد اندثرت معالمه منذ زمن غابر، ولا يُعرف إلا جهته يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (233).
(2)
يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (1/ 522).
(3)
الاسم المعروف والمشهور لها هو: بيرحا أو بريحا، وتُعرف كذلك بقصر بني حديلة. يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (172).
(4)
يُنظر: صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب (2/ 119/ ح 1461)، وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين، (2/ 693/ ح 998).
(5)
لأن أرضها اجتثت من أسفلها بعشرات الأمتار؛ لتوسعة وعمارة المسجد النبوي، وجميع المعالم التي يمكن أن تحدد بها قد محيت. يُنظر: معجم المعالم، للبلادي (41 - 42)، معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (175).
(6)
يُنظر: صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لو كنت متخذًا خليلاً» (3/ 1343/ ح 3471)، اندثر هذا البئر منذ زمن غابر، ولا يمكن تعيين موضعه، في الزمن الحاضر. يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (150).
(7)
سميت بالخاتم لسقوط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من يد عثمان رضي الله عنه بها، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب نقش الخاتم، (7/ 157/ ح 5873).
(8)
يُنظر: إلى ما أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب ما جاء في بئر بضاعة، سنن أبي داود (1/ 17/ ح 66)، صححه الألباني في: صحيح الترمذي (66).
(9)
حُفرت أرضها وردمت بسبب توسعة وتطوير المنطقة المركزية حول المسجد النبوي، وليس على تعيين موضعها من جهة المتأخرين خبر مستند، أو دليل معتمد. يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (167)، رسائل في آثار المدينة النبوية، لغازي التمام (71 - 72).
(10)
يُنظر: إلى ما أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (3/ 574/ ح 6129) وسكت عنه الذهبي في التلخيص، وأبو نُعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 40).
بمكة، اختبأ النبي صلى الله عليه وسلم بها، ودعا فيها إلى الإسلام سرًّا، وفيها أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(1)
.
وفي عام (171 هـ) اشترتها أم الخليفة هارون الرشيد، وأصبح الموضع يسمى باسمها دار الخيزران، وبنت فيها مسجدًا، وقد هدم في عام (1375 هـ)
(2)
وجعلت ضمن توسعة ساحة الحرم، ومواقفًا للسيارات، وطريقًا للمشاة
(3)
.
7 غار المرسلات ومسجده
(4)
: عن يمين مسجد الخَيْف، في مكة، نزلت سورة المرسلات على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الغار، وقد بني عنده مسجد، واندثر واندرس الغار والمسجد
(5)
.
ب آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية الثابتة والباقية حتى الآن:
1 جبل أُحد: جبل شمال المدينة، ويعتبر من معالمها المشهورة
(6)
، صعد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال:«هذا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»
(7)
.
2 جبل ثور: يوجد جبلين بهذا الإسم، أحدهما: شمال المدينة
(8)
،
(1)
يُنظر: أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، للأزرقي (2/ 200)، أخبار مكة، للفاكهي (2/ 177)، مثير العزم (2/ 84)، القرى لقاصد أم القرى، لمحب الدين الطبري (664).
(2)
يُنظر: التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، لمحمد الكردي المكي (2/ 86).
(3)
وكفى الله المسلمين شرّ التعلق والتبرك بها. يُنظر: حاشية فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم (1/ 159).
(4)
أخرج البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، سورة {وَالْمُرْسَلَاتِ} (6/ 164/ ح 4931): عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ، إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ:{وَالْمُرْسَلَاتِ} ....
(5)
يُنظر: التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، لمحمد الكردي المكي (5/ 308).
(6)
يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (253)، أحد الآثار والمعركة والتحقيقات (11).
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب أُحد يحبنا ونحبه، (4/ 1498/ ح 3856).
(8)
شمال جبل أُحد. يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (257)، أُحد الآثار والمعركة والتحقيقات، لسعود بن عبد المحيي الصاعدي، ويوسف المحمدي (37).
والآخر: جنوب مكة، وفيه الغار الذي اختفى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في طريقهما للهجرة، وأنزل الله ذكره في القرآن
(1)
في قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
3 جبل حراء
(2)
: شمال مكة، وهو غار كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحنث فيه قبل البعثة أيامًا، ونزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم وهو فيه
(3)
.
4 جبل الرماة: جبل في جنوب المدينة، ويسمى جبل عينين، أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الرماة يوم أُحد
(4)
.
5 مسجد الخَيْف: مسجد مشهور موجود بمنى
(5)
، صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم في حجته، والأنبياء قبله
(6)
.
6 مسجد مُزْدَلِفَة: بين مِنَى وعَرَفات، وهو المسجد الموجود بالمشعر الحرام، يقال: بُني في موضع صلَّى فيه النبي صلى الله عليه وسلم
(7)
.
7 مسجد الجُعرّانَة: بين مكة والمدينة، أحرم النبي صلى الله عليه وسلم منه
(8)
(1)
يُنظر: المسائل العقدية المتعلقة بمكة المكرمة (287).
(2)
ويعرف اليوم بجبل النور. يُنظر: حاشية مستخرج أبي عوانة (11/ 27).
(3)
يُنظر: صحيح مسلم، كتاب الوحي، باب بَدْءِ الْوَحْيِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (1/ 139/ ح 160) أخبار مكة، للفاكهي (4/ 7)، المدخل لدراسة الآثار والمدن الإسلامية، لأحمد الخالدي (22).
(4)
يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (264 - 266)، أُحد الآثار والمعركة والتحقيقات (32).
(5)
يُنظر: أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، للأزرقي (2/ 189)، شرح ابن ماجه، لمغلطاي (1218).
(6)
كما ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلَّى في مسجد الخيف سبعون نبيًّا منهم موسى عليه السلام» . أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثمانية آلاف من الأنبياء (2/ 598/ ح 4191)، والبيهقي في سننه الكبير، كتاب الحج، باب دخول مكة بغير إرادة حج ولا عمرة (5/ 177/ ح 9945)، والطبراني في الكبير، باب العين، (11/ 452/ ح 12283)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/ 37).
(7)
يُنظر: أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار (2/ 186)، أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، للفاكهي (4/ 301)، التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، لمحمد الكردي المكي (1/ 489).
(8)
يُنظر: صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب غزوة الطائف (354/ ح 4328).
عام حنين
(1)
.
8 عين تبوك: مرّ بها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وغسل فيها وجهه ويده، ثم أعاد فيها
(2)
2 آثار مكانية غير ثابت ذكرها، أو انقطعت أخبارها، وخفيت معالمها فترة من الزمن، ومن ثم أحييت بعد قرون متطاولة من اندثار آثارها، وادّعي وجودها الآن، مثل:
1 موضع مولد الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يُعرف له أساس صحيح يُعتمد عليه، وأول من حدده ابن إسحاق وتبعه بعد ذلك أصحاب السير واختلف بعده العلماء والمؤرخون في تعيينه؛ لعدم وجود أدلة قطعية تحدد هذا الموضع يقينًا
(3)
.
والسبب يعود إلى أن ولادته صلى الله عليه وسلم حدثت في زمن الجاهلية، وليس هناك من يعتني بحفظ الأماكن، لا سيما مع عدم وجود غرض يدفعهم للاهتمام به بعد مجيء الإسلام، وقد عُلم من حال الصحابة وتابعيهم رضي الله عنهم عدم الاعتناء بالأماكن التي لا يتعلق بها عمل شرعي، ولا يترتب عليها ثواب.
فكان هذا هو السبب في خفاء كثير من الآثار في الإسلام، فما بالك بما وقع في الجاهلية
(4)
.
2 مسجد البيعة:
(5)
زُعم بأنه بُني على موضع بايع فيه النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
يُنظر: مثير العزم، لأبي الفرج الجوزي (2/ 86)، الجامع اللطيف (337)، شرح السُّنَّة، للبغوي (7/ 41).
(2)
يُنظر: إلى ما أخرجه مسلم صحيحه، كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 1784/ ح 706).
(3)
يُنظر: المباحث العقدية المتعلقة بمكة المكرمة (285)، البلد الحرام فضائل وأحكام (88)
(4)
يُنظر: ماء الموائد والمسمى بالرحلة العياشية، لأبي سالم عبد الله العياشي (1/ 358 - 359).
(5)
يُنظر: أخبار مكة، للفاكهي (3/ 395)، التاريخ القويم (5/ 309)، الجامع اللطيف، للمخزومي (333).
كان يسمى مسجد الجن، ويسميه أهل مكة الآن: مسجد الحرس. يُنظر: معالم مكة التاريخية والأثرية، لعاتق البلادي (268).
الأنصار ليلة العقبة، ومن المعلوم أن موضع البيعة قد خفي على الصحابة رضي الله عنهم
(1)
، فمن باب أولى خفاؤه على من بعدهم، وقد بني فترة ثم هُدم، ثم بُني في موضع آخر، وهو المسجد الموجود الآن والذي يقع قريبًا من جمرة العقبة، والصحيح أنه لا علاقة له بمسجد البيعة ولا وقعة الحديبية، وإنما هو بناء مُحدث
(2)
.
3 المساجد السبعة
(3)
: هي عبارة عن مجموعة محاريب مساجد صغيرة، لا يكاد بعضها يسع صفين
(4)
، تقع جنوب غرب سفح جبل سلع في المدينة النبوية، وهي جزء من امتداد واقعة غزوة الخندق
(5)
، وهي الموسومة
(6)
ب:
أ مسجد الفتح
(7)
.
ب مسجد سلمان الفارسي رضي الله عنه
(8)
.
ج مسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه
(9)
.
د مسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
(10)
.
(1)
يُنظر: إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، (5/ 124/ ح 4163).
(2)
يُنظر: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (1/ 159 - 160).
(3)
لمعرفة مزيد تفصيل عن هذه المساجد يُنظر: المساجد السبعة تاريخًا وأحكامًا، لأبي جابر الأنصاري (79)، ومعجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة، لسعود بن عيد الصاعدي (379 - 426 - 528 - 537 - 563 - 564 - 584)، وكذلك المسائل العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (1189).
(4)
المساجد السبعة تاريخًا وأحكامًا (9) بتصرف.
(5)
يُنظر: على طريق الهجرة، لعاتق البلادي (114 - 141).
(6)
وهناك خلاف في تسمية هذه المساجد، يُنظر: المساجد السبعة تاريخًا وأحكامًا (57 - 72).
(7)
يُنظر: المساجد السبعة (79)، معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (584).
(8)
يُنظر: المساجد السبعة (79).
(9)
لم يسلم من الهدم، فأحيا أثره ابن أبي الهيجاء العبيدي سنة (577 هـ)، وهُدم مرة أخرى فجدده زين الدين ضيغم بن حشرم المنصوري، سنة (876 هـ)، وهو مندثر اليوم. يُنظر: المساجد السبعة (80).
(10)
يُنظر: المساجد السبعة (80 - 81).
هـ مسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(1)
.
و مسجد سعد بن معاذ رضي الله عنه
(2)
.
ز مسجد بني حرام رضي الله عنهم
(3)
.
4 مسجد الكوع أو الموقف: يقع المسجد الآن على الطريق المؤدي لوادي وج بمحافظة الطائف، يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم استراح عنده بعد مطاردة ثقيف إياه
(4)
، ودعواهم خالية عن الدليل، وتحتاج إلى إثبات.
5 جبل إلال
(5)
: ويسمى جبل عرفات
(6)
، لم يقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، وإنما وقف تحته عند الصخرات الكبار صلى الله عليه وسلم
(7)
.
6 بئر غرس: كانت معروفة، ثم صارت بوارًا، وكأن لم تكن، ولم يرد ذكرها إلا في الأحاديث الموضوعة، والمنكرة، والواهية التي لا تقوم بها حجة، ولا تبنى عليها عقيدة، ومن عيّنها من المتأخرين، يعوزه الدليل، وقوة التعليل، ولو عُرف موضعها فإنه ليس لها، أو للاستقاء منها فضل شرعي مخصوص
(8)
.
(1)
يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (564).
(2)
يُنظر: المرجع السابق (528).
(3)
يُنظر: المرجع السابق (426) المساجد السبعة (171).
(4)
يُنظر: الآثار الإسلامية في محافظة الطائف، لناصر الحارثي (106).
(5)
ويسمى جبل الرحمة ولكن لم تُعرف تسميته باسم جبل الرحمة إلا في أواخر القرن الرابع الهجري. يُنظر: جبل إلال بعرفات تحقيقات تاريخية شرعية، لبكر أبو زيد (30).
(6)
جبل إلال بعرفات تحقيقات تاريخية شرعية (76).
(7)
يُنظر: أخبار مكة، للأزرقي (2/ 194)، أخبار مكة، للفاكهي أخبار مكة، للفاكهي (4/ 302) و (5/ 24).
ولم يرد ذكر جبل إلال في الآثار النبوية الحديثية، والإجماع على أن هذا الجبل لا فضيلة تخصه.
قال العلماء: أن صعوده على وجه النسك بدعة، منهم: إمام الحرمين الجويني، والنووي، وابن تيمية، وابن حجر الهيتمي، وصديق خان وغيرهم كثير.
يُنظر: فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الأولى/ 11/ 207)، جبل إلال بعرفات تحقيقات تاريخية شرعية (76).
وللاستزادة في معرفة أقوال العلماء في تحديد موقف النبي صلى الله عليه وسلم يراجع: الأحكام الفقهية المتعلقة بجبل عرفة، لسليمان الملحم (100 - 116).
(8)
يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (217).
7 مبرك الناقة
(1)
: هذا اسم لعدة مواضع:
1 بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه
(2)
.
2 موضع في وسط مسجد قُباء
(3)
.
3 موضع غزوة بدر
(4)
.
مواضع بروك الناقة المذكورة، ليس لها أصل في الشريعة، حتى لو ثبت موضع فيها، فليس لها فضل؛ لعدم إحياء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح لها، حتى أنهم لم يعيروها أدنى اهتمام أو عناية
(5)
.
8 أثر القدم المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم: في مصر، والقدس، والقسطنطينية، والطائف
(6)
.
عدم صحة نسبة أثر القدم المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ إن المعروف الآن من هذه الأحجار سبعة: أربعة منها بمصر، وواحد بقبة الصخرة في بيت المقدس، وواحد بالقسطنطينية، وواحد بالطائف وهي حجارة سوداء إلى الزرقة، في الغالب عليها آثار أقدام متباينة في الصورة والقدر، لا يشبه الواحد منها الآخر!
(7)
.
وقد جاء نفي صحتها عند بعض العلماء منهما:
1 شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ت: 728 هـ) يقول: وما يذكره بعض الجهال فيها أي: في الصخرة من أن هناك أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم
…
وغير ذلك فكله كذب
(8)
.
(1)
مبرك: هو الموضع الذي تبرك فيه الإبل. يُنظر: مقاييس اللغة (1/ 228).
والمقصود به هنا: مبرك ناقة النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة ودخل المدينة.
(2)
يُنظر: مرآة الجنان، لليافعي (1/ 101)، وشذرات الذهب، لابن العماد (1/ 247 - 247)، وفاء الوفاء، للسمهودي (1/ 202 - 203).
(3)
رحلة ابن جبير (175)، وفاء الوفاء، للسمهودي (3/ 23)، رحلة ابن بطوطة (1/ 361).
(4)
رحلة ابن جبير (166)، رحلة ابن بطوطة (1/ 365).
(5)
معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (362).
(6)
يُنظر: الآثار النبوية، لأحمد تيمور (49).
(7)
يُنظر: المرجع السابق.
(8)
مجموع الفتاوى (27/ 13).
2 ابن قيم الجوزية رحمه الله (ت: 751 هـ) يقول: وكل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى والقدم الذي فيها كذب موضوع مما عملته أيدي المزورين الذين يروجون لها ليكثر سواد الزائرين
(1)
.
وبناء على الآثار السابق ذكرها فما كان غير ثابت، مكذوب مفترى، فلا يشمله الكلام الآتي؛ بل هو من قبيل التزييف التاريخي الذي يجب إزالته، وإبعاده.
ويمكن تلخيص ما سبق ذكره من الآثار إلى أن:
1 المساجد: لم يثبت الفضل في الشرع إلا لأربعة مساجد: المسجد الحرام، المسجد النبوي، المسجد الأقصى، مسجد قباء، وما عداها لا يُشرع قصده بالصلاة ولا التعبّد فيه، وكذلك لا يشرع إحياء المساجد بالبناء على المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها ليس لها خصيصة في الشرع، ولا فضل ولا ميزة، وإنما حكمها كحكم بقية المساجد
(2)
.
وأن الهدف من بناء المساجد جمع الناس للصلاة والعبادة فيها، وهو اجتماع مقصود في الشريعة ووجود بعض المساجد المتقاربة في مكان واحد كالمساجد السبعة، لا يحقق هذا الهدف؛ بل هو مدعاة للافتراق المنافي لمقاصد الشريعة، والمساجد السبعة لم تبن للاجتماع وإنما للتبرك بالصلاة فيها والدعاء، وهذا ابتداع واضح
(3)
.
2 الجبال والغيران: تعدّ من المعالم التي ما زال أثرها باقيًا في زماننا، وليس لها فضل، إلا جبل أحد ثبت ذكر فضله، مع ذلك ليس هناك دليل يحث على إحيائه بالزيارة الشرعية، وهذه المواضع لا يجوز تقديسها، ولا صعودها، قصد التعبد عندها، ولا التماس البركة منها، ولا تعلق لها
(1)
المنار المنيف (1/ 87).
(2)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (26/ 144).
(3)
يُنظر: فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الثانية/ 5/ 182).
بالمناسك، وإنما هي علامات جغرافية ليس إلاّ
(1)
.
3 المساكن والبقاع والطرق: أن المواضع التي سلكها النبي صلى الله عليه وسلم عرضًا، أو البقاع التي جلس فيها، أو مكث فيها مصادفة ولو لوهلة، ليس لها خصوصية، ولا أفضلية في الشرع، ولا يترتب على زيارتها ثواب، ولا ميزة لها على غيرها من الأماكن، ولا يجوز إحياؤها، ولا قصدها بالزيارة الشرعية، مثلها مثل بقية الأماكن
(2)
.
4 الآبار والعيون: الآبار المذكورة آنفًا جاءت ثابتة في الآثار النبوية الحديثية ما عدا بئر غرس فهي مع ثبوتها ليس لها خصوصية شرعية، حتى وإن أحيوا أثر ما اندثر منها فليس للاستقاء منها فضل، ولا ميزة عن بقية الآبار
(3)
.
فتحديد البقاع الأثرية المرتبطة بالنبي صلى الله عليه وسلم تجد عناية خاصة من قِبل بعض المعنيين بالآثار، لما يرون من أنها تحتفظ بتاريخ عريق وأحداث ارتبطت بالماضي.
كما أشار بعض المؤرخين في كتبهم إلى أماكن السيرة النبوية بمكة والمدينة، وما بينهما، برسم خرائط تُحدّد فيها المواقع التي مرّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم؛ سعيًا منهم لإحيائها وتهيئتها للزيارة وتتبع حدودها على أرض الواقع، ومن ثم تحصل المبادرة بالتطبيق والتنفيذ إحياءً لها وتذليلاً للوصول إليها؛ لأسباب عاطفية يتخللها حسن نية وإرادة الخير، أو لأسباب اقتصادية ترفع من مستوى الدخل المادي، مع عدم تقدير الجانب العقدي والمنهج السلفي المتعلق بإحياء تلك الآثار.
(1)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 268)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (26/ 144)، رحلة الصديق إلى البيت العتيق، لمحمد صديق القنوجي (13)، معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (233 - 253 - 257 - 259 - 264 - 266).
(2)
يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (673 - 676)، المسائل العقدية المتعلقة بمكة المكرمة (286).
(3)
يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (150 - 167 - 175 - 178 - 217).
ولأجل ذلك تم إيراد بعض الأمثلة على الآثار والأماكن الثابتة المندثرة، وبيان حال التي اختفت معالمها؛ من باب الاحتراز، والتحصين من الذين يطالبون بإحيائها، ويسعون إلى تتبع وتحديد معالمها بالبحث والتنقيب عن أماكنها، إذ إنها لا فضيلة تخصها ولا ميزة كما تقدّم بيانه.
والمتأمل لكتب السيرة النبوية يجد أن أغلب الآثار فقيدة المعالم، عديمة الأسماء حتى جاء المؤرخون المتأخرون، ورغبوا في إعادة تلك المواضع، والاستفادة من تلك المراجع، وأن ينهلوا من تلك المراضع، ولكنهم وجدوها قليلة الكلام، مرّة الفطام، فلم يجدوا أمامهم إلا الظن فجعلوه إمامهم
(1)
.
ولعل من المناسب الإشارة إلى ما ينبني على ثبوت تلك الأماكن الباقية، وهي:
1 أنها كسائر مثيلاتها ولا ميزة لها على غيرها
(2)
.
2 ما هو موجود منها الآن لا يشرع قصد الصلاة فيها لا للقربة ولا للتماس البركة
(3)
.
3 لا يجوز إحياء عين الأثر بالترميم والعناية وتذليل الوصول إليه
(4)
.
كما سيتم بيان الحكم بالتفصيل في المسألة التالية.
المسألة الثالثة: حكم إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية:
حكم إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم التي سلكها أو مكث فيها، أو صلى بها اتفاقًا من غير قصد، فيها تفصيل بحسب المراد بالإحياء، من ناحيتين:
1 إحياء المسلم لآثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة.
2 إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية بالعناية وتذليل الوصول إليها بالترميم والتحسين والتهيئة.
(1)
يُنظر: المساجد السبعة (75).
(2)
يُنظر: المسائل العقدية المتعلقة بمكة المكرمة (286).
(3)
للوصول إلى حكم المسألة انتقل فضلاً (104).
(4)
للوصول إلى حكم المسألة انتقل فضلاً (120).
حكم إحياء المسلم لآثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية بالزيارة
يتفرع عنه مقصدان:
أ تحري العبادة، والقربة إلى الله جل جلاله.
ب الاطلاع والمشاهدة والفرجة.
سأتناول في هذه المسألة حكم إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية الثابتة سواء بالزيارة، أو إحيائها بالعناية والترميم وتذليل الوصول إليها.
أما الآثار المكذوبة، والمنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم زورًا وبهتانًا، فلا يشملها الحكم؛ وليست هي محل دراسة؛ إذ إنها تعتبر من التزييف التاريخي الذي يجب أن يُزال ويُبعد.
حكم إحياء المسلم لآثار مقامات النبي (ص) المكانية بالزيارة بقصد تحري العبادة، والتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى:
حكى جماعة من أئمة السلف، من الصحابة
(1)
والتابعين
(2)
، ومن بعدهم
(3)
، عدم مشروعية إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية بالزيارة بقصد تحري العبادة، والتقرب إلى الله جل جلاله.
(1)
إقرار جمهور الصحابة رضي الله عنهم على فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما:
1 نهى رضي الله عنه عن تتبع المواضع التي صلَّى فيها النبي صلى الله عليه وسلم عرضًا.
2 قطع رضي الله عنه الشجرة.
(2)
كسعيد بن المسيب، ومالك، وسفيان، ووكيع وغيرهم رحمهم الله.
(3)
يُنظر: البدع والنهي عنها، لابن وضاح (91)، الاعتصام، للشاطبي، (1/ 448)، اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 275 - 279)، وأيضًا: مجموع الفتاوى (3/ 274)، زاد المعاد، لابن القيم [ط: 15] (1/ 54)، وتيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبد الله آل الشيخ (286)، فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 156 - 157)، مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 403)، موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (2/ 493 - 515)، اللقاءات الشهرية، لمحمد العثيمين (4/ 133)، البيان لأخطاء بعض الكُتّاب، لصالح الفوزان (2/ 5 - 8) وأيضًا (37 - 43) وأيضًا (5/ 93 - 120)، حكم زيارة أماكن السيرة النبوية، لسعد الشثري (16)، التبرك أنواعه وأحكامه، لناصر الجديع (343).
وأول من تصدى لبدعة تتبع آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية وتحري العبادة عندها، الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(1)
، ثم بعد ذلك توالى أئمة السلف في كل قرن ينهون عن تحري العبادة عند الآثار، ويكرهون زيارتها.
ولتوضيح ذلك سأذكر أوجه تحريم إحيائها بالزيارة قصد التعبّد والقربة، كالتالي:
1 ثبوت النهي المقتضي للتحريم؛ استنادًا على فعل الخليفة الراشد، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(2)
، وإقرار الصحابة رضي الله عنهم له عندما نهى رضي الله عنه عن الصلاة في المواضع التي صلى بها النبي صلى الله عليه وسلم عرضًا.
كما جاء في الأثر الثابت عن المعرور بن سويد رحمه الله قال: خرجنا مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من مكة إلى المدينة، فلما أصبحنا صلى بنا الغداة، ثم رأى الناس يذهبون مذهبًا، فقال: أين يذهب هؤلاء؟
قيل يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هم يأتون يصلون فيه، فقال: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعًا، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل، ومن لا، فليمض، ولا يتعمّدها
(3)
.
(1)
أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سُنَّته كما جاء في الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» سبق تخريجه راجع فضلاً (48).
(2)
التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة (4/ 223).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (2/ 118/ ح 2734)، وسعيد بن منصور في سننه كما أشار شيخ الإسلام في الاقتضاء (2/ 273)، وابن وضاح في البدع والنهي عنها (87)، وحكم عليه محققه: عمرو عبد المنعم سليم بأن: إسناده حسن، وأخرجه أيضًا الطحاوي في شرح مشكل الآثار (14/ 397/ ح 5708)، وصحح الألباني: إسناده، وقال: على شرط الستة. يُنظر: الثمر المستطاب (1/ 472)، وقال أيضًا في تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (125): سنده صحيح على شرط الشيخين.
فهذه الحادثة حصلت في عهد الصحابة رضي الله عنهم عندما تتبعوا الآثار التي صلى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأحيوها بالصلاة متابعةً واقتداءً به صلى الله عليه وسلم.
وذلك لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل، فإذا فعل فعلاً على وجه العبادة، شُرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة، خصصناه بذلك
…
فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه؛ بل صلى فيه لأنه موضع نزوله، رأى عمر رضي الله عنه أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة؛ بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب، التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصورة، ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب، وهذا هو الأصل، فإن المتابعة في النية أبلغ من المتابعة في صورة العمل
(1)
.
فالنبي صلى الله عليه وسلم نزلها لكونها في طريقه، ولم يقصد الموضع أو البقعة بالعبادة، وإنما حصلت منه صلى الله عليه وسلم اتفاقًا، وجلس صلى الله عليه وسلم فيها مصادفة، وسلكها صلى الله عليه وسلم عرضًا، ومن قصدها بالعبادة؛ فإنه يكون مخالفاً للنبي صلى الله عليه وسلم في النية والقصد
(2)
.
فلما أنكر عليهم أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين عن تتبع الآثار التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم، دل ذلك على عدم مشروعية التتبع فضلاً عن القربة والتبرك، ولو اقتصرنا على هذا الدليل في عدم مشروعية إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم وتتبُعها لكفى.
2 جاء في الأثر الثابت عن الإمام نافع رحمه الله: أن عمر رضي الله عنه لما بلغه أن ناسًا يأتون الشجرة التي بويع تحتها، فأمر بها فقطعت
(3)
؛ أي: أنه رضي الله عنه
(1)
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، لابن تيمية (220 - 221).
(2)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 278)، حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (14 - 15).
(3)
سيأتي تخريجه انتقل فضلاً (122).
قطعها لما رأى مجرد تتبع موضعها فضلاً عن التعبّد عندها.
3 أن زيارة آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية للتعبد بدعة محدثة؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم عاشوا سنوات عديدة قبل الهجرة وبعدها، في مكة والمدينة، ولم يقصدوا بقعة منها للعبادة، ولم يُنقل عن أحد منهم أنه زار جبل ثور أو حراء أو العقبة
(1)
، أو موضع المولد وغيرها من المواضع السابق ذكرها للتعبد والتقرب.
ومعلوم أنه لو كان هذا مشروعًا مستحبًّا يثيب الله عليه؛ لكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس، وأحرصهم على تبليغ هذا الأمر للصحابة رضي الله عنهم، ولكان الصحابة رضي الله عنهم أسبق الناس وأرغب فيها ممن بعدهم، فلما كانوا لا يلتفتون إلى شيء من ذلك عُلم أنه من البدع المحدثة
(2)
.
فكل أمر لم يكن مشروعًا في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه رضي الله عنهم لا يمكن أن يكون مشروعًا بعد ذلك، ولو فُتح هذا الباب لفسد أمر الدين، ودخل فيه ما ليس منه
(3)
.
4 أن الأصل في العبادات الحظر
(4)
، إلا ما ورد الدليل بمشروعيته، فيكون قصد التقرب إلى الله بزيارة آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية محرم شرعًا، ولا يجوز إحياؤها بأي شكل كان؛ لعدم ورود الدليل بمشروعيته
(5)
.
5 أن قصد التقرّب لله تعالى عند آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية،
(1)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/ 251)، اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 333 - 334).
(2)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 278).
(3)
مجموع فتاوى ابن باز (1/ 408) بتصرف.
(4)
يُنظر: جماع العلم، للشافعي (3 - 4)، وجامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (2/ 32)، إعلام الموقعين، لابن القيم (3/ 107)، الموافقات، للشاطبي (2/ 513)، الدرر السنية في الأجوبة النجدية (4/ 173)، فتاوى نور على الدرب، لابن باز (1/ 126)، (13/ 379)، وللاستزادة في معرفة تفاصيل القاعدة وتحريراتها يُنظر: دراسة وتحقيق قاعدة الأصل في العبادات المنع، لمحمد الجيزاني (79 - 85).
(5)
يُنظر: حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (15).
يؤدي إلى اعتقاد بركة ذات المكان، وهذا الاعتقاد يخل بتوحيد المسلم، والشريعة الإسلامية قد جاءت بسد ذرائع البدع والشرك
(1)
.
وقد نص علماء السلف على أن سد الذرائع أصل عظيم من أصول الدين الإسلامي، فها هو الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله أثبت تسعة وتسعين دليلاً على اعتبار قاعدة سد الذرائع
(2)
، وكما ساق الإمام الشاطبي رحمه الله اتفاق السلف على أصل سد الذريعة
(3)
.
6 تشبه بالكفار والمشركين من اليهود والنصارى؛ لأن الأصل في تتبع الآثار، وإحيائها بالقربة ليس من دين الإسلام؛ بل هو من دين المشركين، ولما جاء الإسلام أبطل ما كانوا عليه من تعظيم البقاع والأشجار
(4)
.
وما يدل على ذلك حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ وَكَانُوا أَسْلَمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ قَالَ: فَمَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله اجعل لنا ذات أنواط كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكِفُونَ حَوْلَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يَدْعُونَهَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ فَلَمَّا قُلْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ *} لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»
(5)
.
(1)
يُنظر: المرجع السابق (16).
(2)
يُنظر: أعلام الموقعين (4/ 551 - 555)، (5/ 5 - 30).
(3)
يُنظر: الموافقات (3/ 263).
(4)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 279)، تيسير العزيز الحميد (150 وأيضًا 286).
(5)
أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب التاريخ، ذكر الإخبار عن اتباع هذه الأمة سنن من قبلهم من الأمم (15/ 94/ ح 6702)، والنسائي في الكبرى، كتاب التفسير، قوله تعالى {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا} (10/ 100/ ح 11121) والترمذي في جامعه، أبواب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم (4/ 49/ ح 2180) وأحمد في مسنده، مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه (9/ 5128/ ح 22315)، والطيالسي في مسنده أبو واقد الليثي رضي الله عنه (2/ 682/ ح 1443) واللفظ له، وابن أبي عاصم في السُّنَّة (1/ 37/ ح 76)، صححه الألباني في ظلال الجنة في تخريج السُّنَّة، لابن أبي عاصم (1/ 31).
وأيضًا قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأثر السابق ذكره: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعًا، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل، ومن لا، فليمض، ولا يتعمدها
(1)
.
7 قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ
…
»
(2)
.
علّق الحافظ ابن عبد البر رحمه الله على هذا الحديث بقوله: التحذير أن يصلى إلى قبره، وأن يُتخذ مسجدًا، وفي ذلك أمر بأن لا يعبد إلا الله وحده، وإذا صنع من ذلك
(3)
في قبره فسائر آثاره أحرى بذلك.
وقد كره مالك رحمه الله وغيره من أهل العلم طلب موضع الشجرة التي بويع تحتها بيعة الرضوان، وذلك والله أعلم مخالفة لما سلكه اليهود والنصارى في مثل ذلك
(4)
.
فيؤخذ من الحديث المنع من تتبع آثار الأنبياء، والصالحين؛ كقبورهم، ومجالسهم، ومواضع صلاتهم؛ للصلاة، والدعاء عندها؛ فإن ذلك من البدع، أنكره السلف من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، وغيرهم
(5)
.
(1)
سبق تخريجه راجع فضلاً (105).
(2)
أخرجه الإمام مالك في موطئه، كتاب الصلاة، جامع الصلاة (1/ 241/ 593/ 183)، وأخرجه أحمد في مسنده، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (3/ 1551/ ح 7475)، والحميدي في مسنده، مسند بشر بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحٍ أَبُو عَلِيٍّ الأَسَدِيّ، باب الجنائز عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 224/ ح 1055)، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب الصلاة على القبور (1/ 406/ ح 1587)، وابن أبي شيبة في مصنفه من أبواب صلاة التطوع، في الصلاة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإتيانه (5/ 179/ ح 7626)، كتاب الجنائز، من كره زيارة القبور (7/ 372/ ح 11941).
(3)
تعود الإشارة ذلك: إلى أن يُصلى على قبره أو أن يُتخذ مسجدًا. إذ إن كلام المصنف على حديث: «اللَّهُمَّ لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
(4)
الاستذكار، لابن عبد البر (2/ 360).
(5)
تيسير العزيز الحميد، لسليمان بن عبد الله (285 - 286) بتصرف يسير.
ومما يُثبت المنع ما قاله الأئمة الأعلام في تحريم إحياء الممنوع من الآثار:
قال الإمام ابن وضاح رحمه الله (ت: 286 هـ):
كان مالك بن أنس رحمه الله وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ما عدا قباء وحده
(1)
.
وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس فصلى فيه، ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيره أيضًا ممن يقتدى به.
وقدم وكيع أيضًا مسجد بيت المقدس فلم يعد فعل سفيان.
وقال رحمه الله: فعليكم بالاتباع لأئمة الهدى المعروفين؛ فقد قال بعض من مضى: كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكرًا عند من مضى، ومتحبب إليه بما يبغضه عليه، ومتقرب إليه بما يبعده منه، وكل بدعة عليها زينة وبهجة
(2)
.
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله (ت: 520 هـ):
انظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمونها، ويرجون البُرْءَ والشفاء من قِبَلها، ويضربون بها المسامير والخِرَق؛ فهي ذات أنواط، فاقطعوها
(3)
.
وقال الحافظ أبو شامة رحمه الله (ت: 665 هـ):
ما قد عَمَّ به الابتلاء، من تزيين الشيطان للعامّة تخليق الحيطان والعُمُد، وسرج مواضع مخصوصة من كل بلد، يحكي لهم حاكٍ أنه رأى في منامه بها أحدًا ممن شُهِرَ بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك، ويحافظون عليه، مع تضييعهم فرائض الله وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها، ويرجون الشفاء لمرضاهم،
(1)
وردت في كتاب ابن وضاح: قباء وأُحدًا، وجاءت في رواية الشاطبي عن ابن وضاح: قباء وحده ينظر: الاعتصام، للشاطبي (1/ 449)، والصحيح والله أعلم ما أثبتنا بأنها: قباء وحده؛ لدلالة السياق.
(2)
البدع والنهي عنها (88 - 89).
(3)
الحوادث والبدع (38 - 39).
وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي من بين عيون، وشجر، وحائط، وحجر
(1)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ت: 728 هـ):
كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وسائر السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجًا وعمارًا ومسافرين، ولم ينقل عن أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبًّا لكانوا إليه أسبق، فإنهم أعلم بسُنَّته، وأتبع لها من غيرهم
(2)
.
وقال رحمه الله: فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها، ولم يستحب الشارع قصدها، فهو من المنكرات، وبعضه أشد من بعض، سواء قصدها ليصلي عندها، أو ليدعوا عندها
…
(3)
.
وقال رحمه الله: وأصل دين المسلمين: أنه لا تختص بقعة بقصد العبادة فيها إلا المساجد خاصة، وما عليه المشركون وأهل الكتاب، من تعظيم بقاع للعبادة غير المساجد كما كانوا في الجاهلية يعظمون حراء، ونحوه من البقاع فهو مما جاء الإسلام بمحوه وإزالته ونسخه
(4)
.
وقال رحمه الله: ولم يشرع الله تعالى للمسلمين مكانًا يقصد للصلاة إلا المسجد، ولا مكان يقصد للعبادة إلا المشاعر، فمشاعر الحج كعرفة ومزدلفة ومنى تقصد بالذكر والدعاء والتكبير لا الصلاة، بخلاف المساجد، فإنها هي التي تقصد للصلاة، وما ثم مكان يقصد بعينه إلا المساجد والمشاعر، وفيها الصلاة والنسك
…
وما سوى ذلك من البقاع فإنه لا يستحب قصد بقعة بعينها للصلاة ولا الدعاء ولا الذكر إذ لم يأت في شرع الله ورسوله قصدها لذلك، وإن كان مسكنًا لنبي أو منزلاً أو ممرًّا.
فإن الدين أصله متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وموافقته بفعل ما أمرنا به وشرعه لنا
(1)
الباعث على إنكار البدع والحوادث (25 - 26).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 278).
(3)
المرجع السابق (2/ 158).
(4)
المرجع السابق (2/ 354).
وسنَّه لنا، ونقتدي به في أفعاله التي شرع لنا الاقتداء به فيها
(1)
.
وقال رحمه الله: وأما زيارة المساجد التي بنيت بمكة غير المسجد الحرام؛ كالمسجد الذي تحت الصفا، وما في سفح أبي قبيس ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كمسجد المولد وغيره، فليس قصد شيء من ذلك من السُّنَّة ولا استحبه أحد من الأئمة
…
، وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة غير المشاعر عرفة ومزدلفة ومنى مثل جبل حراء والجبل الذي عند منى الذي يقال: إنه كان فيه قبة الفداء ونحو ذلك، فإنه ليس من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارة شيء من ذلك بل هو بدعة.
وكذلك ما يوجد في الطرقات من المساجد المبنية على الآثار والبقاع التي يقال: إنها من الآثار؛ لم يشرع النبي صلى الله عليه وسلم زيارة شيء من ذلك بخصوصه، ولا زيارة شيء من ذلك
(2)
.
وقال رحمه الله: وأما صعود الجبل الذي هناك [عرفة] فليس من السُّنَّة ويسمى جبل الرحمة ويقال له: إلال على وزن هلال، وكذلك القبة التي فوقه التي يقال لها: قبة آدم لا يستحب دخولها ولا الصلاة فيها.
والطواف بها من الكبائر، وكذلك المساجد التي عند الجمرات لا يستحب دخول شيء منها ولا الصلاة فيها. وأما الطواف بها أو بالصخرة أو بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم وما كان غير البيت العتيق فهو من أعظم البدع المحرمة
(3)
.
وقال رحمه الله: ألا ترى أن متابعة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في أعمالهم، أنفع وأولى من متابعتهم في مساكنهم ورؤية آثارهم
(4)
.
وقال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله (ت: 751 هـ):
عمّى الصحابة رضي الله عنهم بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبرَ دانيال، وأخفاه عن
(1)
مجموعة الرسائل والمسائل، لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/ 98).
(2)
مجموع الفتاوى (26/ 144).
(3)
يُنظر: مجموع الفتاوى (26/ 133).
(4)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 268).
الناس، ولما بلغه أن الناس ينتابون الشجرة التي بايع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، أرسل فقطعها
…
؛ لأن الناس كانوا يذهبون فيصلُّون تحتها، فخاف عليهم الفتنة.
فإذا كان هذا فعل عمر رضي الله عنه بالشجرة التي ذكرها الله في القرآن، وبايع تحتها الصحابةُ رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا حكمه فيما عداها
(1)
.
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله (ت: 790 هـ):
وقد كان مالك رحمه الله يكره كل بدعة وإن كانت في خير.
وجميع هذا ذريعة لئلا يتخذ سُنَّة ما ليس بسُنَّة، أو يعد مشروعًا ما ليس معروفًا.
وقد كان مالك رحمه الله يكره المجيء إلى بيت المقدس؛ خيفة أن يتخذ ذلك سُنَّة، وكان يكره مجيء قبور الشهداء، ويكره مجيء قباء؛ خوفًا من ذلك، مع ما جاء في الآثار من الترغيب فيه، ولكن؛ لما خاف العلماء عاقبة ذلك؛ تركوه
…
وسئل ابن كنانة رحمه الله عن الآثار التي تركوا بالمدينة، فقال: أثبت ما في ذلك عندنا قباء، إلا أن مالكًا كان يكره مجيئها، خوفًا من أن يتخذ سُنَّة.
فهذه أمور جائزة أو مندوب إليها، ولكنهم كرهوا فعلها خوفًا من البدعة؛ لأن اتخاذها سُنَّة إنما هو بأن يواظب الناس عليها مظهرين لها، وهذا شأن السُّنَّة، وإذا جرت مجرى السنن؛ صارت من البدع بلا شك
(2)
.
وقال ولي الله الدهلوي رحمه الله (ت: 1176 هـ):
كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها، ويتبركون بها، وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى.
فَسَدّ النبي صلى الله عليه وسلم الفساد لئلا يلتحق غير الشعائر بالشعائر، ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله، والحق عندي أن القبر، ومحل عبادة ولي من أولياء الله،
(1)
إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/ 380).
(2)
الاعتصام، للشاطبي (1/ 449 - 450).
والطور، كل ذلك سواء في النهي والله أعلم
(1)
.
وقال العلامة سليمان بن عبد الله رحمه الله (ت: 1233 هـ):
المنع من تتبع آثار الأنبياء والصالحين كقبورهم ومجالسهم، ومواضع صلاتهم للصلاة، والدعاء عندها، فإن ذلك من البدع، أنكره السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم
(2)
.
وقال الأمير العالم محمد صديق خان القنوجي رحمه الله (ت: 1307 هـ): في معرض حديثه عن الجبال التي بمكة:
ليست زيارة شيء من هذه الجبال بسُنَّة
(3)
.
وقال المحدّث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله (ت: 1420 هـ):
وما رجحناه من المنع إنما هو في المواضع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفاقًا، وأما الأماكن التي كان صلى الله عليه وسلم يقصدها للصلاة والدعاء عندها فقصدها من أجل ذلك سُنَّة اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ثم إن ذلك المنع إذ لم يقترن به شد رحل، وأما إذا اقترن به ذلك فهو ممنوع قطعًا
(4)
.
وقال العلامة صالح الفوزان حفظه الله:
النبي صلى الله عليه وسلم حرم كل الوسائل التي تُفضي إلى الشرك، من تعظيم الآثار التي تتمثل بتعظيم البيوت التي تنسب إليه صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وأصحابه رضي الله عنهم فلم يحافظ عليها، ولا أمر بالمحافظة عليها.
ولما سئل عام الفتح: أتنزل في دارك غدًا قال: «وهل ترك لنا عقيل
(5)
من رباع أو دور».
لأنه باعها، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم باسترجاعها والمحافظة عليها؛ بل تركها
(1)
حجة الله البالغة (1/ 325).
(2)
تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (286).
(3)
رحلة الصديق إلى البيت العتيق (13).
(4)
الثمر المستطاب (1/ 472).
(5)
هو: عقيل بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم.
تباع وتشترى ويُسكن فيها حسب الحاجة
(1)
.
وقال: الأمة ليست بحاجة إلى إحياء آثار ترابية، وإنما هي بحاجة إلى إحياء السُّنَّة النبوية
(2)
.
تلك هي نماذج لنهي السلف الصالح ومنعهم بأقوالهم وأفعالهم عن إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية بالزيارة قصد التعبّد والتقرب إلى الله تعالى.
أما عن حكمها من جهة إحياء المسلم آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية الثابتة بالزيارة على غير وجه التعبد؛ وإنما للاطلاع والمشاهدة:
اختلف العلماء في حكم زيارة آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم للاطلاع، أو المشاهدة، على غير وجه القربة والتعبد، وبدون شد الرحال إليها، على قولين:
القول الأول: بالمنع، واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: أن في زيارتها ذريعة للبدع، ووسيلة للشرك؛ لأن النفوس ضعيفة ومجبولة على التعلّق بما تظن أنه ينفعها.
مناقشة الدليل: تكون الزيارة ذريعة للبدع، ووسيلة للشرك إذا قُصدت تلك المواضع للتعبد.
الدليل الثاني: أنه لم يكن من عمل الصحابة رضي الله عنهم زيارة تلك الآثار، ومن هنا خفيت كثير من تلك المعالم بعد زمن يسير، وعلى ذلك سار علماء الأمة في عصورها الأُول.
كما جاء عن الإمام مالك بن أنس، وعلماء المدينة، وسفيان الثوري ووكيع وغيرهم، أنهم كانوا يكرهون إتيان تلك المساجد، والمجيء إلى بيت المقدس، وإلى قبور الشهداء، وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ما عدا قُباء، مع ما
(1)
البيان لأخطاء بعض الكُتّاب (5/ 118).
(2)
المرجع السابق (2/ 37).
جاء في الآثار من الترغيب فيه، ولكن لما خاف العلماء عاقبة ذلك؛ تركوه
(1)
، خشية أن يتخذ ذلك سُنَّة، وتكون زيارتها عيدًا
(2)
.
وأيضًا كرهوا طلب موضع الشجرة التي بويع تحتها بيعة الرضوان، خشية التشبه باليهود والنصارى
(3)
.
مناقشة الدليل: كراهة الزيارة هنا؛ خشية أن تكون سُنَّة، وتُتخذ عيدًا، فإذا لم يواظب المسلم على زيارتها بشكل مستمر على أوقات متكررة فإنه يخرج عن الكراهة.
وأما التشبه بأهل الكتاب فلا يكون إلا إذا حصل تعظيم لذلك الأثر، وقربة له، فإذا لم يحصل التعظيم، ولا القربة، لم يحصل التشبه بأهل الكتاب.
الدليل الثالث: إنكار الصحابة رضي الله عنهم على من قصد زيارة جبل الطور
(4)
:
1 فقد أنكر ابن عمر رضي الله عنهما على قزعة رحمه الله عندما أراد الذهاب لجبل الطور، فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ النبي صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى» ، ودع عنك الطور فلا تأته
(5)
.
2 وأنكر أبو بصرة رضي الله عنه على أبي هريرة سفره إلى الطور، فلما لقيه وهو مقبل من الطور فقال: لو لقيتك قبل أن تأتيه لم تأته، إني سمعت
(1)
يُنظر: البدع والنهي عنها، لابن وضاح (88 - 89)، الاعتصام، للشاطبي (1/ 449 - 450).
(2)
يُنظر: الاعتصام، للشاطبي (1/ 449 - 450)، اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 274).
(3)
الاستذكار، لابن عبد البر (2/ 360).
(4)
الجبل الذي كلَّم الله فيه موسى عليه السلام. يُنظر: جامع البيان في تأويل آي القرآن، لابن جرير الطبري (1/ 665).
(5)
أخرجه الأزرقي في أخبار مكة (304) بإسناد صحيح رجاله رجال الصحيح، وأورد المرفوع منه الهيثمي في المجمع (4/ 4) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات. يُنظر: أحكام الجنائز، للألباني (1/ 226).
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هذا، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى»
(1)
.
ففهم أبو بصرة رضي الله عنه: أن النهي يشمل المواطن الفاضلة كالطور، ويستثني المساجد الثلاثة، وأقّره على ذلك أبو هريرة رضي الله عنه
(2)
.
مناقشة الدليل: ورد الإنكار؛ لأن فيه شدّ رحال، وقصد المكان بالسفر إلى المواضع المباركة.
القول الثاني: بالإباحة، واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صعد أُحدًا هو وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فرجف بهم فقال: «اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ»
(3)
.
مناقشة الدليل: صعوده صلى الله عليه وسلم للجبل ليس لكونه موضع من مواضع السيرة، وإنما أراد صلى الله عليه وسلم النشاط والحركة، فصعد الجبل، بدلالة أنه صلى الله عليه وسلم لم يزر غار ثور ولا شجرة البيعة مع كونهما مذكورين بالقرآن، فهما أولى بالزيارة من غيرهما، ومع ذلك لم يزرهما
(4)
.
الدليل الثاني: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نزل بالصحابة على الحجر، أرض ثمود، وقال صلى الله عليه وسلم:«لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لا يُصِيبُكُمْ ما أَصَابَهُمْ»
(5)
.
(1)
أخرجه الطيالسي (1348)، والإمام أحمد (6/ 7/ ح 23848) والسياق له، وإسناده صحيح.
وله عند أحمد طريقان آخران، إسناد الأول منهما حسن، والآخر صحيح. يُنظر: أحكام الجنائز، للألباني (1/ 226).
(2)
يُنظر: موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (2/ 504).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لو كنت متخذًا خليلاً» (3/ 1344/ ح 3472).
(4)
يُنظر: حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (22).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، (1/ 94/ ح 433)، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، (4/ 2285/ ح 2980).
مناقشة الدليل: لم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود، وإنما جاءت في طريقه، وهو في غزوة تبوك، ولم يقصدها صلى الله عليه وسلم بالزيارة، فمرّ عليها مسرعًا
(1)
، ونهى الصحابة رضي الله عنهم عن دخول ديار المعذبين إلا أن يكونوا باكين أو متباكين؛ خشية أن يصيب الزائرين ما أصاب المعذبين
(2)
.
الدليل الثالث: أن زيارة هذه الأماكن على غير وجه العبادة لا يوجد دليل صحيح صريح في منعه.
مناقشة الدليل: عدم وجود دليل يوجب المنع، ليس حجة على جوازه وإباحته، فقد يكون من السنن التركية، التي انتفى مانعها، مع توفر دواعيها ووسائلها
(3)
.
الترجيح:
الذي يظهر والله أعلم أن الراجح في حكم إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية الثابتة، بالزيارة؛ للاطلاع والمشاهدة: هو الجواز إلا أنه يُمنع إذا لم يتقيّد الزائر بشروط وضوابط تُجنبه وقوع المحذور
(4)
.
إذ إن الأصل جواز الأفعال غير المُتعبد بها، بالإضافة إلى أنه لا توجد أدلة تمنع إحياءها بالزيارة، ولا أدلة ترغب بإحيائها؛ لكونها زيارة دنيوية لا دينية.
(1)
ورد ذكر مرور النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} ، (4/ 149/ ح 3380)، وفي صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، (4/ 2285/ ح 2980).
(2)
الشرح الممتع على زاد المستقنع، لابن عثيمين (7/ 315).
(3)
يُنظر: الترك عند الأصوليين، لمحمد ملاح (28).
(4)
من العلماء الذين قيدوا للزيارة شروطًا وضوابط: ما جاء عن الإمام أحمد كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 271 - 275)، وأشار أيضًا إلى قول الإمام أحمد مرعي الكرمي في شفاء الصدور (103)، وكذلك الشيخ محمد بن صالح العثيمين في اللقاءات الشهرية (4/ 133)، والشيخ ربيع بن هادي في كتاب الأحكام (15/ 363 - 364)، والشيخ صالح الفوزان في تفسير الإمام محمد بن عبد الوهاب [الدرس 18] 1434 هـ الدروس الصيفية لكبار العلماء، والشيخ سعد الشثري في حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (23).
ولكن لارتباط هذه الأماكن بمواضع النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن زيارتها وإن كانت دنيوية، فقد ينحرف عن مقصود الزائر دون أن يشعر إلى اعتقاد فضل الأثر، واستشعار هيبة المكان، وكله لا شك من إغواء الشيطان.
والقول بجواز هذه الزيارة مقيّد ببعض الشروط والضوابط فمن أهم الشروط والضوابط التي يجب على الزائر، التقيد بها:
1 أن لا يشد الرحال إليها
(1)
.
2 أن لا تُتخذ عيدًا، ولا يفرط ولا يكثر الزيارة بشكل مستمر ولا يواظب على أوقات متكررة
(2)
.
3 أن لا يقصد زيارة المساجد والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم، باستثناء المساجد الأربعة المشروعة
(3)
.
4 أن لا يقصد ويحدد الزيارة في تواريخ معينة توافق تواريخ المعارك والحوادث الواقعة في ذلك المكان؛ لأنه بذلك أصبح ذريعة لاتخاذه عيدًا زمانيًّا ومكانيًّا
(4)
.
5 أن لا ينوي الزائر بزيارة الآثار التقرب إلى الله عز وجل
(5)
، وأن لا يتعبّد بالقول أو بالفعل.
6 أن لا يتعلق قلب الزائر بالأثر، ولا يستشعر عظمة ذات المكان
(6)
.
7 أن لا يعتقد وجود أثر من آثار النبي صلى الله عليه وسلم في المكان.
8 أن تؤمَن الفتنة، بأن لا يكون هناك مظاهر شركية محرمة، أو تكون زيارته في أيام زيارات أهل البدع؛ فلا يجوز للزائر أن يشاركهم في هذا
(1)
يُنظر: الدليل المذكور آنفًا من إنكار ابن عمر على قزعة، وأبي بصرة على أبي هريرة رضي الله عنهم سفره إلى الطور.
(2)
يُنظر: تفصيل الإمام أحمد في مسألة القليل الذي لا يُتخذ عيدًا والكثير الذي يُتخذ عيدًا، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 272 - 275).
(3)
قيّد هذا الشرط الإمام أحمد، نقلاً من شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 272).
(4)
يُنظر: دليل السائح الفقهي، لفهد باهمام (193).
(5)
يُنظر: حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (23).
(6)
يُنظر: المرجع السابق.
الشر؛ لأنهم يظنون أنه معهم، ويكثّر سوادهم، إلا إذا كان يذهب قاصدًا نصحهم، وأما أن يذهب ولا ينصح، فهذا يأثم، وسلامة الدين مقدمة على هذا القصد
(1)
.
وقد أشار فضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله إلى قصد زيارة مقامات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأجل الاعتبار والاتعاظ بقوله: أما إذا كان النظر إليها لأجل الاعتبار والاتعاظ فقط من غير تبرك بها أو اعتقاد نفعها وضرّها، فهذا له وجه، ولكن دون أن يصبح ذلك عادة دائمة في أوقات محددة، ودون الاعتقاد بنفعها وضرّها وبالتالي تصبح مقدّسة، وذلك بأن يُجعل لهذه الأماكن حراسة ويُجعل لها مظاهر، هذا لا يجوز؛ لأنَّ هذا يؤول إلى تعظيمها والاعتقاد بنفعها وضرّها فما بقي من هذه الآثار فإنه يُترك على حاله، والنظر إليه يكون من باب الاتعاظ والاعتبار فقط: جائز، لا من باب التبرك، وطلب النفع من أصحابها، والاستغاثة بهم
(2)
.
والأفضل للمسلم أن لا يقصدها بعينها وينشئ السير لها؛ بل تكون تلك المقامات في طريقه مع التقيد بالشروط السابق ذكرها.
والواقع للأسف الشديد يحكي ما هو حاصل عند تلك الآثار الثابتة والمزيفة، من البدع والشركيات، فضلاً عن التقيّد بالشروط السابق ذكرها.
حكم إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم بالعناية، والاهتمام، وتذليل الوصول إليها بالترميم والتحسين والتهيئة:
لا يشرع إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم بالتهيئة، والتحسين والعناية، وتذليل الوصول إليها؛ لمخالفة هذا الفعل للسُّنَّة، وللتشبه بالكفار، وكذلك يمنع من باب سدّ الذريعة المفضية إلى الشرك، ولا شك أن من أصول الشريعة حماية جناب التوحيد، وسدّ الطرق المفضية إلى الشرك والبدع
(3)
.
(1)
يُنظر: كتاب الأحكام، لربيع بن هادي (15/ 363 - 364)، حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (21 - 23).
(2)
يُنظر: التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم، لصالح الفوزان (4/ 1630).
(3)
يُنظر: أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وإقرار جمهور الصحابة رضي الله عنهم له على:
1 قطع شجرة البيعة.
2 إخفائه لقبر دانيال، وأيضًا يُنظر: فتاوى العلماء: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 151 - 162)، مجموع فتاوى ابن باز (1/ 402)، التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة (209 - 229)، حكم إحياء الآثار، لصالح الفوزان (5/ 93 - 102)، وأيضًا له: البيان لأخطاء بعض الكُتّاب (2/ 5 - 8)(2/ 37 - 43)، التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم (4/ 1630)، حكم زيارة أماكن السيرة النبوية، لسعد الشثري (30).
فدعوى إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم بالعناية، والاهتمام، وتذليل الوصول إليها بالترميم والتحسين والتهيئة، دعوى مُحدثة، ومبادرة خبيثة.
إذ إن أعظم الظلم الشرك بالله جل جلاله وهو مقصد نهى عنه الشارع وعن ما يفضي إليه من وسائل؛ لأن الوسائل لها حكم المقاصد.
وتهيئة الأثر وتذليل الوصول إليه، وسيلة تفضي إلى المحرمات من البدع والشركيات، فسد الذريعة يُعمل بها عند قوة إفضاء الذريعة إلى الممنوع شرعًا
(1)
.
حتى إذا فُرض وتقرر وجود المصلحة الاقتصادية، كرفع الدخل المادي الذي يعود نفعه على المسلمين، وأن الشرع حضّ على جلب المصالح؛ فقواعد المصالح كلها تقتضي المنع.
فالممارسات الشركية والمخالفات البدعية من التعظيم والغلو عند تلك الآثار، حاصل ومُشاهد، بالرغم من أن أغلب الآثار لم تُهيأ ولم تلقَ أي اهتمام.
فإذا حصلت الاستجابة لدعوى الاهتمام والتهيئة وتذليل الوصول إليها؛ فإنه ستزداد هذه الظاهرة سوءًا، وستقع الأجيال القادمة في أمور لا تُحمد عقباها.
وفي قصة قوم نوح عليه السلام وإحيائهم آثار رجال صالحين العظة البالغة، والعبرة الواضحة، والحجة الدامغة لمن طالب بإحياء أماكن وبقاع لم يثبت شرعًا إحياؤها.
(1)
يُنظر: أحكام الآثار في الفقه الإسلامي، لعبد الله الرميح (1/ 217).
وللتأكيد على عدم مشروعية إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم بالتهيئة وتذليل الوصول إليها، سأذكر أبرز أوجه التحريم فيما يلي:
1 ثبوت النهي استنادًا على أمر الخليفة الراشد، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بإزالة المعالم الدالة على تلك الآثار مع قرب العهد النبوي، فقد ثبت:
أ أنه رضي الله عنه أمر بقطع شجرة بيعة الرضوان؛ سدًّا للذريعة المفضية إلى الشرك
(1)
، وهو كما جاء في الأثر الثابت عن الإمام نافع رحمه الله: أن عمر رضي الله عنه لما بلغه أن ناسًا يأتون الشجرة التي بويع تحتها، فأمر بها فقطعت
(2)
، فإذا كان هذا فعل عمر رضي الله عنه بالشجرة التي جاء ذكرها في القرآن، وبايع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم فماذا سيكون حكم ما عداها؟
(3)
.
ب أنه رضي الله عنه أمر بتعمية قبر دانيال عليه السلام، وأن يُخفى عن الناس، وأن تدفن الرقعة التي وُجدت معه
(4)
.
كما جاء في الأثر الصحيح ما رواه أبو خلدة خالد بن دينار، قال: حدثنا أبو العالية قال:
(1)
يُنظر: الحوادث والبدع، للطرطوشي (148)، الباعث على إنكار البدع والحوادث، لأبي شامة (62)، الاعتصام، للشاطبي (1/ 449)، فتح الباري، لابن رجب (3/ 180)، فتح الباري، لابن حجر (7/ 448)، اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 274)، إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، لابن القيم (1/ 371)، تيسير العزيز الحميد، لسليمان بن عبد الله (286)، جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، للألوسي (524)، فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 162)، مجموع فتاوى ابن باز (1/ 404)، مجموع فتاوى ابن عثيمين (8/ 600) وأيضًا (9/ 186)، التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة (4/ 223)، حكم إحياء الآثار (97).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 150/ ح 7545) وقال: رجاله رجال الصحيح، وابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 76)، وابن وضاح في البدع (86) وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري (7/ 448): ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر رضي الله عنه بلغه أن قومًا يأتون الشجرة ....
(3)
إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/ 380).
(4)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (5/ 147).
لما فتحنا تَسْتُر، وجدنا في بيت مال الهرمزان
(1)
سريرًا عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
…
،
…
قلت: فما صنعتم بالرجل؟
قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرًا متفرقة، فلما كان الليل دفناه،
وسوينا القبور كلها، لنعميّه على الناس، لا ينبشونه.
قلت: وما يرجون منه؟
قال: كانت السماء إذا حُبستْ عليهم، برزوا بسريره فيُمْطَرُون.
قلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له: دانيال.
فقلت: منذ كم وجدتموه مات؟ قال: منذ ثلاثمائة سنة
(2)
.
قلت: ما كان تغير بشيء؟ قال: لا، إلا شعيرات من قفاه،
إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض، ولا تأكلها السباع
(3)
.
فأمرُ أميرِ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة، وتعمية قبر دانيال عليه السلام، دليل على وجوب إزالة الآثار التي يُخشى افتتان الناس بها أو قد يحصل الاغترار بها.
فلما اجتمعت القرائن بفعله رضي الله عنه، ولم يخالفه الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، ولم ينكروا عليه رضي الله عنه
(4)
، عُلم أن عدم إحيائها من باب أولى.
(1)
الهرمزان صاحب تستر وهو من جملة الملوك الذين يرأسهم يزدجرد، أسلم على يد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، هُزم الهرمزان إثر معركة نهاوند، وجيء به إلى المدينة حيث بقي فيها، وقيل: أنه شارك في مؤامرة اغتيال عمر رضي الله عنه. توفي بعد سنة: (13 هـ)، يُنظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (2/ 163)، تقريب التهذيب، لابن حجر (1/ 571)، حاشية سيرة ابن إسحاق (66).
(2)
يقول محقق كتاب سيرة ابن إسحاق (67): والأقرب إلى الصحة إبدال المئة بألف.
(3)
رواه ابن إسحاق في مغازيه (66 - 67) مطولاً، والطبري في تاريخ الأمم والملوك (2/ 505) بنحوه، صححه الألباني في فضائل الشام ودمشق (18)، وقال محقق كتاب الصَّارم المُنْكِي في الرَّدِّ عَلَى السُّبْكِي (129): سند القصة حسن.
(4)
يُنظر: فتح المجيد، لعبد الرحمن بن حسن (246)، موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (2/ 497 - 498)، حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (29 - 30).
فسدّ الذريعة أصل عظيم، وموجبه قائم، ومنه انطلق الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه والأئمة بعده
(1)
.
2 أنه ليس من هدي السلف الصالح إحياء تلك الآثار بالتهيئة والعناية والاهتمام، فلو كان إحياؤها مما يحبه الله جل جلاله ويرضاه لحث على إحيائها، ولأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة بالعناية بها، وقام الصحابة بها حق قيام، امتثالاً لأوامر الله جل جلاله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أعلم الناس بشريعة الله، وأحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما لم يقع شيء من ذلك، بدليل خفاء كثير من المواضع، عُلم أنه أمر مبتدع، ليس من الدين بل هو من المحدثات، التي لا أصل لها في الشرع؛ بل إنها من أعظم الوسائل التي تفضي إلى الشرك الأصغر وسرعان ما يصل للأكبر.
وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم من وسائل الشرك، فنهى عن البناء على القبور واتخاذ المساجد والسُرج
(2)
؛ فالقبور داخلة من باب أولى بالآثار؛ بل هي من أعظم الآثار، فإذا فُتح الباب لإحياء الآثار دخل في ذلك إحياء القبور، والناس لا يقفون عند حدّ؛ بل هم أحرص على الغلو في القبور من الغلو في غيرها
(3)
.
3 أن إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم بالتهيئة والعناية وتذليل الوصول إليها، يُعدّ من تعظيمها، وهذا يُفضي إلى اتخاذها أوثانًا تعبد من دون الله
(4)
، ولو على المدى البعيد؛ لأنه بإحيائها تمهيدًا لذلك شئنا أم أبينا سيأتي جيل جاهل يزين لهم الشيطان عبادة تلك الآثار المهيأة كما حصل بقوم نوح عليه السلام
(5)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإنَّ تعظيم مكانٍ لم يعظِّمه الشَّرع
(1)
براءة الصحابة الأخيار من التبرك بالأماكن والآثار (701).
(2)
يُنظر: مجموع فتاوى ابن باز (1/ 403 - 404) وأيضًا (3/ 339).
(3)
يُنظر: البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب، لصالح الفوزان (2/ 39).
(4)
يُنظر: أحكام الآثار في الفقه الإسلامي (1/ 215).
(5)
يُنظر: البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب (2/ 7 - 8).
شرٌّ من تعظيم زمان لم يعظِّمْه؛ فإنَّ تعظيم الأجسام بالعبادة عندها أقْرب إلى عبادة الأوثان من تعظيم الزمان
(1)
.
4 أن فيه تشبهًا باليهود والنصارى في تعظيمهم لآثار أنبيائهم وعظمائهم، وتقديسهم واهتمامهم بالأماكن والآثار المتعلقة بهم، حتى أنهم من غلوهم اتخذوا آثارهم مساجد ومعابد ومزارات
(2)
.
5 أن كثيرًا من تلك المواقع التي زعموا أنها من مقامات النبي صلى الله عليه وسلم لم تثبت، ومن أبرزها مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
؛ لأنهم يعتمدون على الظنون والأوهام، والتناقضات في المسميات، في تحديد وتعيين المعالم والجهات
(4)
.
6 إذا فُرض أن بإحياء آثار المقامات بالتهيئة وتذليل الوصول إليها، وجود مصلحة اقتصادية، كرفع الدخل المادي الذي يعود نفعه على المسلمين، والشرع حضّ على جلب المصالح.
فنقول: إن قواعد المصالح كلها تقتضي المنع، ودونك البيان:
1 إذا تزاحمت المصالح قُدّم أعلاها؛ فإن مصلحة حفظ الدين، أعلى من المصالح الدنيوية
(5)
.
2 إذا تعارضت المصلحة والمفسدة، قُدّم أرجحهما، ولا شك أن الراجح هو تحقق المفسدة، فتُمنع المصلحة حتى لا تتحقق المفسدة
(6)
.
3 درء المفسدة مقدّم على جلب المصلحة، وتهيئة الأثر مفسدة عليا، ورفع الدخل المادي مصلحة دنيا
(7)
.
(1)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 165).
(2)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/ 134)، مجموع فتاوى ابن باز (1/ 402)، حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (30).
(3)
يُنظر: ماء الموائد المسمى الرحلة العياشية، للعياشي (1/ 358 - 359).
(4)
يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (674).
(5)
يُنظر: قواعد تعارض المصالح والمفاسد، لسليمان الرحيلي (61 - 94).
(6)
يُنظر: المرجع السابق (128 - 149).
(7)
يُنظر: المرجع السابق (150 - 172).
فإذا تزاحمت المصالح قُدّمت المصلحة العليا، وإذا تعارضت المفسدة والمصلحة قُدّم درء المفسدة على جلب المصلحة.
7 أيضًا لو تقرر أن في تهيئة آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم وتذليل الوصول إليها، خصوصًا الآثار الوعرة كالجبال، والغيران وغيرهما: حفظ للنفس من الأذى، والشريعة فرضت قواعد الحفظ ومنها النفس.
أقول: لا شك أن حفظ النفس من مقاصد الشريعة، ولكن ضرورة حفظ الدين أولى وأعلى رتبة، وحفظها مقدّم ومعتبر على ضرورة حفظ النفس
(1)
.
يتلخص مما سبق ذكره من أوجه تحريم إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم بالتهيئة والعناية، ما يلي:
1 ليس من هدي السلف الصالح، وإنما هو بدعة محدثة.
2 يمنع سدًّا للذريعة المفضية إلى الشرك.
3 تشبه باليهود والنصارى.
4 إذا تزاحمت المصالح، فمصلحة الدين مقدّمة على كل مصلحة.
5 إذا تعارضت المصلحة والمفسدة، فدرء المفسدة العليا مقدّم على جلب المصلحة الدنيا.
6 ضرورة حفظ الدين مقدّمة على كل شيء.
ومما يؤكد عدم مشروعية إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم الردود العلمية للأئمة والعلماء، والجهود العملية في التصدي لتلك المبادرات التي تدعو إلى إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية بالتهيئة والترميم وتذليل الوصول إليها، فهناك جملة من العلماء المتأخرين الذين تصدوا لهذه الدعاوى وألفوا الرسائل وأفردوا المقالات لذلك
(2)
.
(1)
يُنظر: الموافقات، للشاطبي (2/ 265).
(2)
من الردود العلمية والجهود العملية في التصدي للمبادرات التي تدعوا إلى إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية، أصحاب الفضيلة العلماء حفظ الله حيهم، ورحم ميتهم:
1 محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، يُنظر: فتاواه ورسائله (1/ 151 - 162).
2 عبد الله بن محمد بن حميد، يُنظر: فتاواه (1/ 106).
3 عبد العزيز بن عبد الله بن باز، يُنظر: مجموع فتاواه (1/ 391 - 410)، (3/ 334 - 340).
4 ناصر الدين الألباني، يُنظر: الموسوعة العقدية (2/ 511 - 519)
5 سعد بن عبد الرحمن الحصين، يُنظر: إحياء الآثار الدينية والوثنية، مقال صحفي، نُشر بجريدة المدينة، الرسالة، الجمعة 4 محرم، 1424 هـ 7 مارس 2003 م، وأيضًا بل هو سد لذرائع الشرك، مقال صحفي، نُشر بجريدة المدينة، الرسالة، الجمعة 25 محرم، 1424 هـ 28 مارس 2003 م، وأيضًا الآثار والصّحافة الجاهلة والقدوة الضالة (مقال إلكتروني):
http://www.saadalhusayen.com/index.php?option=com_content&view=article&id=74:2013-09-10-19-45-18&catid=11:exemplecategorie&Itemid=2
6 ربيع بن هادي مدخلي، يُنظر: براءة الصحابة الأخيار من التبرك بالأماكن والآثار (11/ 631 - 727).
7 عبد المحسن بن حمد العباد البدر، يُنظر: التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة، (4/ 209 - 229).
8 صالح بن فوزان الفوزان يُنظر: مجموعة مقالات بخصوص حكم إحياء الآثار في كتاب البيان لما أخطاء فيه بعض الكُتّاب (2/ 5 - 8، 37 - 43) وأيضًا (5/ 93 - 120).
9 سعد بن ناصر الشثري. يُنظر: حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (27 - 30)
ومن جهود علماء التوحيد العملية في إزالة مظاهر الشرك وهدمها، كما حصل ببلاد إفريقية، عين تُسمى عين العافية، وكان العامة قد افتتنوا بها، يأتونها من الآفاق، فمن تعذّر عليه نكاحٌ أو ولد قال: امضُوا بي إلى العافية، فتعرف فيها الفتنة، فخرج بعض أهل العلم في السَّحَر فهدمها، وأذّن للصبح عليها، ثم قال: اللَّهُمَّ إني هدمتها لك، فلا ترفع لها رأسًا
(1)
.
قال الحافظ أبو شامة رحمه الله: فما رُفع لها رأس إلى الآن
(2)
.
وقد كان بدمشق كثير من هذه الأنصاب، فيسّر الله سبحانه كسرها على يد شيخ الإسلام ابن تيمية وحزب الله الموحِّدين كالعامود المخَلّق، والنُّصْب الذي كان بمسجد النارنج عند المصلى يعبده الجهال، والنُّصْب الذي كان تحت الطاحون، الذي عند مقابر النصارى، ينتابه الناس للتبرك به، وكان صورة صنم في نهر القَلّوط ينذرون له ويتبركون به، وقطع الله سبحانه النُصْب الذي كان عند الرّحَبة يُسْرَج عنده، ويتبرك به المشركون، وكان عمودًا طويلاً
(1)
يُنظر: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/ 382).
(2)
الباعث على إنكار البدع والحوادث (35).
على رأسه حجر كالكُرة، وعند مسجد درب الحجر نُصْب قد بُني عليه مسجد صغير، يعبده المشركون، يسَّر الله كَسْرَهُ.
فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون الله، ولو كانت ما كانت!
(1)
.
وقد أقام الله في آخر القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية، من جدد به دين الإسلام، وإخلاص العبادة لله وحده بعد اندراسه، وهو: الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
فنصر الله به الدين القويم، فأزال الله به الشرك، وعبادة الأوثان من أرض نجد، من الكفر والطغيان، ويسر الله كسر تلك الأوثان على يده، وأيدي أتباعه من الموحدين، وحزب الله المفلحين.
وكان قبل ذلك في كل أرض وبلد من أرض نجد، أوثان وأشجار تعبد من دون الله، وينذر لها ويذبح لها القربان، ويعظمونها أعظم من تعظيم الله، كقبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه في الجبيلة وكشجرة في قريوة في بلد الدرعية، وشجرة أخرى لأهل الطرفية، وغار يقال له: غار بنت الأمير في أسفل بلد الدرعية، وقبر يقال له: قبر المغربي.
وأعظم من ذلك: عبادتهم تاجًا، وشمسان
(2)
، مع شهادتهم عليهم بالفجور، لكن يزعمون أنهم أولياء، لا تضرهم الذنوب، ويهابونهم أعظم مما يهابون الله؛ ومنهم من يدعو الجن ويذبح لهم، وفي كل بلد من ذلك شيء عظيم، فأزال الله ذلك كله، بشيخ الإسلام، وأقام الله به الحجة على أهل زمانه
(3)
.
وكذلك ما كان في صحن المسجد النبوي من بئر ونخلة وشجيرات، حيث كان الجهال يسمونها: بستان فاطمة ويتبركون بالنخلة وتمرها
(1)
يُنظر: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/ 383).
(2)
هما رجلان سلك الناس في ذلك العصر فيهما سبيل الطواغيت، ورفعوهما إلى مقام الألوهية بل الربوبية.
(3)
يُنظر: الدرر السنية في الكتب النجدية (13/ 192 - 194).
وبالشجيرات والبئر، ويعتقدون أن بئر زمزم تجري تحت الأرض حتى تصل بتلك البئر يوم عاشوراء من كل سنة!
فيُقبل الناس في يوم عاشوراء على تلك البئر، ويأخذون منها ماء كثيرًا؛ للتبرك به، حتى أمر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن طيّب الله ثراه، بإزالة البستان بعد بيان من العلماء بخصوص ما يحصل عند الشجيرات من تبرك وشرك، فردم البئر، وقلعت تلك الأشجار، وسُطحت الأرض؛ لأن المسجد كله وقف للصلاة، ولا يجوز أن يشغل بغيرها؛ ولأن الجهال افتتنوا بماء البئر والنخلة والشجيرات
(1)
.
وقد يسّر الله سبحانه في زماننا من يزيل مظاهر الشرك من هذه البلاد المباركة، وقيّض لها رجالها، فقد تم إزالة ما يتبرك به بعض المعتمرين، وما يتقربون إليه من الحجر التي يدّعون أن النبي صلى الله عليه وسلم اِتكأ عليها، والشجر التي استظل صلى الله عليه وسلم بها!
وتمت ولله الحمد إزالتها من أربع مواضع في بني سعد
(2)
بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير: خالد الفيصل حفظه الله ورعاه وجعل الجنة مثواه
(3)
.
هذه لمحة موجزة عن جهود أهل التوحيد العملية في القضاء على مظاهر الشرك.
فإحياء الآثار هو مبدأ التقديس، والتعظيم، وأساسه، وبداية انطلاق الفتنة؛ لذلك حسم الدين هذه المادة بقاعدة سد الذرائع.
ولا شك أن إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية بالترميم والتحسين مُشعر بتهيئة المكان للزيارة، حتى لو كان للاعتبار والاتعاظ والتذكر والاقتداء، فهذا سيكون ذريعة للتعظيم والتبرك، والغلو فيه، ومن ثم عبادة من دون الله عز وجل.
والواقع يحكي ذلك على مرأى ومسمع رواد تلك الأماكن والآثار التي لم
(1)
يُنظر: الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة، محمد تقي الدين الهلالي (129).
(2)
في محافظة بيسان بالطائف.
(3)
كانت إزالتها في يوم الثلاثاء الموافق: 27/ 5/ 1439 هـ 13/ 2/ 2018 م.
تُهيأ ولم يذلل الوصول إليها، ومع ذلك وقعت البدع والشركيات من التمسح والتبرك والدعاء، فإن لم تُزل، فنقول في أقل أحوالها أن تُهمل وتترك ولا يُعتنى بها، حتى تندرس، وتختفي معالمها؛ لأن العناية بها موصلٌ إلى تعظيمها، وتهيئتها، وتذليل الوصول إليها نوع من الإقرار بما يحصل عندها من شركيات.
فإحياء الآثار بالعناية والاهتمام، وتذليل الوصول إليها جرثومة الشرك ووسيلة توصل إليه لا محاله، وإهمالها وعدم إحيائها سدًّا لذريعة الشرك ووسائله: هو أمرٌ مطلوبٌ شرعًا.
وأما إحياء آثار المقامات المكانية بالعلم والدراسة، يختلف عن إحيائها بالعناية بها وترميمها وتهيئة الوصول إليها وزيارتها، فالفارق بينهما كبير، من جهة أن إحياءها بالعلم والمعرفة والدراسة لا يصحبها إبراز حسي مرئي، وإنما هو إبراز علمي مروي
(1)
.
حيث إن الآثار المروية وقعها وأثرها على النفوس الضعيفة أقل بكثير من وقع وأثر الآثار المُشاهدة المحسوسة؛ فجاء المنع من إبرازها؛ لأن تعلّق النفوس بها أكثر، والغلو بها وارد غالبًا من اعتقاد فضل المكان وبركته.
كما قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: والآثار المطلوب إحياؤها في عرف أهل العلم هي ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أحاديثه الشريفة التي حثَّنا صلى الله عليه وسلم على روايتها وحفظها والمحافظة عليها والعمل بها وتبليغها للناس.
ولم يأمرنا صلى الله عليه وسلم بتتبُّع البقاع والمباني التي سكنها أو جلس فيها وبنائها والعناية بها، وإنما حدث هذا بعد القرون المفضلة لما فشا في المسلمين الجهل والابتداع والتخلّف والتشبه بالأمم الأخرى.
فالواجب على المسلمين أن يهتموا بإقامة دينهم والعناية بسنة رسولهم، وأن يبتعدوا عما يخالف ذلك، كما يجب عليهم الدفاع عن رسولهم وكتابهم ضد هجمات الكفار والمشركين.
(1)
سبق الإشارة إلى هذا الأمر (90).
وإن أعداءنا ليفرحون إذا رأوا فريقاً من المسلمين معنيين بالتنقيب عن الآثار وتعظيمها والعناية بها؛ فالكفار يحثون على ذلك لأنهم يعلمون آثاره السيئة على دين المسلمين وعقيدتهم. فالواجب التنبه لهذا الأمر، والابتعاد عن مثل هذه الأمور التي لا مصلحة للإسلام والمسلمين فيها، بل فيها مضرَّة عليهم وعلى دينهم
(1)
.
* * *
(1)
إحياء الآثار مقالات وبحوث، لصالح الفوزان (23 - 27).
المبحث الثاني
الآثار الدينية
وفيه مطلبان:
المطلب الأول:
آثار المواسم الدينية الزمانية.
المطلب الثاني:
آثار المساجد وأماكن التعبد.
المبحث الثاني
الآثار الدينية
خصَّ الله تعالى بعض الأمكنة والأزمنة بفضائل دون ما سواها، وحضَّ على الطاعات فيها؛ مضاعفة للأجور وتكفيرًا للذنوب وغفرانًا للمعاصي.
فمثال تفضيل الأزمنة: تفضيل ليلة القدر على سائر الليالي، وتفضيل شهر رمضان على سائر الشهور، وتخصيص يوم الجمعة بمزيد فضل على سائر الأيام، وغيرها من الأزمنة الفضيلة.
وأما عن تفضيل الأمكنة: كفضل المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى على سائر بقاع الأرض.
والشاهد أن الزمان والمكان لا يكتسبان مزية الفضيلة؛ إلا بما ثبت بالأدلة الشرعية من الحث على إحيائهما وتفضيلهما، وتخصيصهما بمزيد اهتمام وعناية كما سيأتي بيانه في مطالب هذا المبحث.
ومن الجدير بالذكر أن كثيرًا من الأزمنة والأمكنة الفضيلة لها مزايا تخصها مما ليس لغيرها، فسأذكر فضائلها وما تختص به من مضاعفة الأجور والثواب، من باب الحث على إحيائها، والحض عليها، والترغيب فيها.
إذ إن بيان فضيلة الزمان أو المكان، يولِّد في النفس الرغبة والشوق لآداء الصالحات، ويبعث النشاط في القلب والبدن، ويطرد العجز والكسل، ويحرك الجوارح بالطاعة والعبادة، ويُنطِق اللسان بالذكر والشكر، ويجمِّل القلوب والأبدان بالإيمان، والأخلاق، والأعمال الصالحة، وكما قيل: من
لم يعرف ثواب الأعمال ثَقُلت عليه في جميع الأحوال
(1)
.
وبسط هذا المبحث في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: آثار المواسم الدينية الزمانية.
المطلب الثاني: آثار المساجد وأماكن التعبد.
* * *
(1)
نقله الحافظ ابن رجب عن أحد أهل العلم. يُنظر: الحكم الجديد بالإذاعة، لابن رجب «مجموع رسائله» (4/ 18).
المطلب الأول
آثار المواسم الدينية الزمانية
(1)
بسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: المراد بآثار المواسم الدينية الزمانية.
المسألة الثانية: أقسام آثار المواسم الدينية الزمانية.
المسألة الثالثة: حكم إحياء آثار المواسم الدينية الزمانية.
المسألة الأولى: المراد بآثار المواسم الدينية الزمانية:
هي أوقات متكررة يحييها المسلم بالتعبّد؛ تقربًا إلى الله عز وجل.
وهذه الأوقات المتكررة من المواسم لا تخرج عن كونها أشهر، أو أيام، أو ليالي، أو ساعات، وهذا ما سيتم بيانه بالتفصيل إن شاء الله تعالى في المسألة التالية.
المسألة الثانية: أقسام آثار المواسم الدينية الزمانية:
تقسّم آثار المواسم الزمانية التي يحييها المسلم من حيث أصلها إلى قسمين:
1 آثار المواسم الزمانية التي لها أصل شرعي.
2 آثار المواسم الزمانية التي ليس لها أصل شرعي.
وهذا القسم ينقسم من حيث تعلقه بالوقائع إلى نوعين:
1 آثار المواسم الزمانية المتعلقة بوقائع إسلامية.
2 آثار المواسم الزمانية غير المتعلقة بوقائع إسلامية.
(1)
المقصود بهذا المطلب: الآثار المروية في المواسم الزمانية ولست أقصد أنها تسمى آثارًا؛ بل هي أوقات ومواسم جاءت فيها آثار نبوية حديثية مروية تحث المسلم على إحيائها.
القسم الأول: آثار المواسم الزمانية التي لها أصل شرعي، من أمثلة هذا القسم:
إحياء شهر محرم بالصيام، وله ثلاثة أحوال:
1 صيام أغلب الشهر: لقَول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ
…
»
(1)
.
2 صيام اليوم العاشر عاشوراء: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، فقال لهم صلى الله عليه وسلم:«مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» .
فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ»
(2)
، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، فلما نزل فرض صيام رمضان قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لا يَصُومُهُ»
(3)
، ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء، قال:«يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ»
(4)
.
3 صيام اليوم التاسع مع العاشر: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى.
فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» .
قَالَ ابن عباس رضي الله عنهما: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم (3/ 169/ ح 1163).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء (3/ 149 - 150/ ح 1130).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية (5/ 41/ ح 3831).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس (3/ 167/ ح 1162).
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب أي يوم يصام فِي عاشوراء (3/ 151/ ح 1134).
قال بعض الأئمة الأعلام: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر ونوى صيام التاسع؛ ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر أن لا يتشبه باليهود في إفراد العاشر
(1)
.
إحياء شهر رمضان بالطاعات:
ورد في شهر رمضان كثير من الفضائل والمزايا التي تخصه دون غيره من الشهور، منها:
1 أن القرآن نزل فيه، قال الله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
2 تضاعف الأجور فيه، كما جاء في الحديث القدسي: قال الله عز وجل: «كُلُّ عَمَلِ ابن آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ
…
»
(2)
، وفي رواية: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابن آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عز وجل: إِلاَّ الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي»
(3)
.
في هذا الحديث بيان عظم فضل الصوم والحث إليه
…
؛ لعظم فضله وكثرة ثوابه؛ لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء
(4)
.
3 فيه تُصفّد الشياطين، وتغلق أبواب النار، وتُفتح أبواب الجنان، ولله فيه عتقاء كل ليلة، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ مَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَمُنَادٍ يُنَادِي: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ
(1)
يُنظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي (8/ 12 - 13).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب ما يذكر في المسك، (7/ 164/ ح 5927).
(3)
أخرجه مسلم، في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل الصيام (2/ 807/ ح 164).
(4)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي (8/ 29).
مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ»
(1)
.
هذه لمحة عن بعض فضائل شهر رمضان، أوردتها على سبيل المثال لا الحصر.
وقد ثبت في الشرع استحباب إحياء شهر رمضان بجمع من العبادات والطاعات، منها ما يلي:
1 الصلاة والقيام: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول:«مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»
(2)
.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضي الله عنهم ثلاث ليالي من رمضان ولم يخرج إليهم في الليلة الرابعة؛ خشية أن تُفرض عليهم
(3)
.
ثم في عهد الخليفة الراشد الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى أن يجمع الناس عليها في المسجد
(4)
.
2 الإكثار من تلاوة القرآن: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل عليه السلام كل رمضان مرة
(5)
، إلا عندما قرب أجله صلى الله عليه وسلم عرضه مرتين
(6)
.
3 الصدقة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير من الريح
(1)
أخرجه الترمذي في جامعه، أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل شهر رمضان (3/ 57/ ح 682)، صححه الألباني في صحيح الترمذي (2/ 182/ ح 682).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (1/ 523/ ح 174).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد (2/ 11/ ح 924)، مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (1/ 524/ ح 177).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان، (3/ 45/ ح 2010).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفضائل، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير من الريح المرسلة، (4/ 1803/ ح 2308).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، (4/ 204/ 3624).
المرسلة، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان
(1)
.
4 أداء العمرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة الأنصارية رضي الله عنها: «فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أو حَجَّةً مَعِي»
(2)
.
5 السحور: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»
(3)
، وقد نص العلماء الإجماع على أن السحور مندوب إليه
(4)
.
6 إحياء ليالي العشر الأواخر بالإكثار من العبادات والتزود بالطاعات
(5)
: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد مئزره
(6)
.
أحيا ليله: أي: بالسهر؛ لأن النوم أخو الموت
(7)
، واشتغل بالقيام والصلاة والذكر والدعاء وتلاوة القرآن، وغيرها من الأعمال الصالحة.
وأيقظ أهله: أي: أمر بإيقاظهم،
(8)
فكان صلى الله عليه وسلم لا يدع أحدًا من أَهله يُطيق الْقيام إلاَّ أَقَامَهُ
(9)
.
وشد مئزره صلى الله عليه وسلم، كناية عن أمرين:
(10)
1 الجد والتشمير في العبادة.
2 ترك النساء واعتزالهن.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفضائل، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير من الريح المرسلة، (4/ 1803/ ح 2308).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء، (3/ 19/ ح 1863).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب بركة السحور من غير إيجاب، (3/ 29/ ح 1923).
(4)
يُنظر: الإجماع، لابن المنذر (49).
(5)
يُنظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي (8/ 71).
(6)
أخرجه البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان، (3/ 47/ ح 2024)، ومسلم في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب الاجتهاد فِي العشر الأْواخر من شهر رمضان (3/ 175/ ح 1174).
(7)
يُنظر: التوشيح شرح الجامع الصحيح، للسيوطي (4/ 1485).
(8)
يُنظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للقاري (4/ 1441).
(9)
يُنظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني (11/ 140).
(10)
يُنظر: أعلام الحديث شرح صحيح البخاري، للخطابي (2/ 981)، إكمال المعلم بفوائد مسلم، لأبي الفضل السبتي (4/ 158).
حيث كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره
(1)
.
وهذا يدل على أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يزِيد فِي الْعشْر الأَخير على عَادَته
(2)
، ويُبالغ في طلب أنواع الخيرات ويخصها بالعبادة وأصناف المبرات والطاعات أكثرَ من غيرهن من الليالي
(3)
؛ لأنها ختام الشهر فيختمها صلى الله عليه وسلم بصالح الأعمال
(4)
.
وكذلك من الأعمال المستحبة التي جاء الدليل بتخصيصها، والحث على إحيائها بالعشر الأواخر:
أ الاعتكاف: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان
(5)
.
ب تحري ليلة القدر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»
(6)
، وفي رواية:«تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ»
(7)
.
يحض الحديثان على التماس ليلة القدر وطلبها بصلاة الليل والاجتهاد بالدعاء
(8)
.
ومن الأدعية الوارد إحياء ذكرها في هذه الليلة، ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال:«قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»
(9)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب الاجتهاد فِي العشر الأْواخر (3/ 176/ ح 1175).
(2)
يُنظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (7/ 204).
(3)
يُنظر: المفاتيح في شرح المصابيح، للمُظهري (3/ 55)، حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 537).
(4)
يُنظر: التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني (8/ 540).
(5)
أخرجه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر، (3/ 47/ ح 2025).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، (3/ 47/ ح 2020).
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، (3/ 46/ ح 2017).
(8)
يُنظر: الاستذكار، لابن عبد البر (3/ 409).
(9)
أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، الدعاء في ليلة القدر (1/ 530/ ح 1948)، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والنسائي في الكبرى (7/ 146/ ح 7665) كتاب النعوت، العفو، (9/ 322/ ح 10642)، والترمذي في جامعه، أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب حدثنا قتيبة بن سعيد، (5/ 490/ ح 3513) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه في سننه، أبواب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية (5/ 20/ ح 3850).
وكذلك من آثار المواسم الزمانية التي لها أصل في الشرع:
إحياء أشهر الحج بأداء العمرة:
قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، يتبين من الآية بأن أشهر الحج معلومة عند المخاطبين، مشهورة، بحيث لا تحتاج إلى تخصيص، كما احتاج الصيام إلى تعيين شهره، وكما بيَّن تعالى أوقات الصلوات الخمس، وأما الحج فقد كان من ملة إبراهيم عليه السلام، التي لم تزل مستمرة في ذريته معروفة بينهم
(1)
.
والمراد بالأشهر المعلومات عند جمهور العلماء: شوال، وذي القعدة، وعشر من ذي الحجة، وهي الشهور التي يقع فيها الإحرام بالحج غالبًا
(2)
.
والنبي صلى الله عليه وسلم أحرم بأربع عُمر منفردة في ذي القعدة
(3)
:
1 عمرة الحديبية حيث صدّه المشركون.
2 عمرة القضاء من العام المقبل حيث صالحهم.
3 عمرة الجُعرّانة.
4 عمرة أحرم بها صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة، وقرنها وأدّاها مع حجته صلى الله عليه وسلم.
ونقل الحافظ ابن رجب رحمه الله عن طائفة من السلف استحباب العمرة في أشهر الحج؛ لتكرار إحرام النبي صلى الله عليه وسلم للعمرة في شهر ذي القعدة
(4)
.
(1)
يُنظر: تيسير الكريم الرحمن (91).
(2)
يُنظر: المرجع السابق (91).
(3)
يُنظر: ما أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب العمرة، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، (3/ 3/ ح 1778 ح 1779 ح 1780)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن (4/ 60/ ح 1253).
(4)
يُنظر: لطائف المعارف، لابن رجب (259).
فتكرار اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ذي القعدة ليس لأجل الشهر بعينه؛ وإنما لأجل ترسيخ جواز العمرة في أشهر الحج.
وكذلك بيّن الحافظ ابن حجر رحمه الله سبب تكرار الاعتمار في أشهر الحج؛ لإبطال ما كان عليه أهل الجاهلية، حيث إنهم كانوا يمتنعون عن أداء العمرة فيها
(1)
، ويعتقدون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور.
كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض
(2)
، فاستحباب العمرة في أشهر الحج وخصوصًا ذو القعدة؛ مخالفةً وإبطالاً لاعتقاد جاهلي
(3)
، ليس إلاّ.
إحياء شهر ذي الحجة بجمع من العبادات:
ورد في شهر ذي الحجة فضائل ومزايا تخصه دون غيره من الشهور، فمن تلك الفضائل:
أ أقسم الله جل جلاله بليالي العشر الأُول من ذي الحجة
(4)
، في كتابه العزيز فقال جل جلاله:{وَالْفَجْرِ *وَلَيَالٍ عَشْرٍ *} [الفجر]، فإقسام الله جل جلاله بالعشر، يكفيها شرفًا وفضلاً، إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم
(5)
.
ب أفضل أيام الدنيا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ؛ يَعْنِي: أَيَّامَ الْعَشْرِ
…
»
(6)
.
(1)
يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (3/ 605).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب التمتع والإقران والإفراد (2/ 142/ ح 1564)، كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية (5/ 41/ ح 3832)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب جواز العمرة فِي أشهر الحج (4/ 56/ ح 1240)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الحج، ذكر الإباحة للمعتمر أن يعتمر في ذي القعدة (9/ 80/ ح 3765).
(3)
يُنظر: تعليقات ابن عثيمين على الكافي، لابن قدامة (3/ 347).
(4)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (8/ 390).
(5)
يُنظر: جامع البيان (24/ 402)، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، لأبي العباس الفاسي (8/ 455).
(6)
أخرجه البزار في مسنده، مسند ابن عباس رضي الله عنهما، ومما روى مجاهد عن ابن عباس (11/ 186/ ح 4930)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/ 253/ ح 1133).
ج أعظم الأيام عند الله جل جلاله، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ التَّسْبِيحَ، وَالتَّكْبِيرَ، وَالتَّهْلِيلَ»
(1)
.
أبرز ما يميز أيام العشر من ذي الحجة
(2)
هو اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره
(3)
.
ثبت في الشرع استحباب إحياء عشر ذي الحجة بجمع من العبادات والطاعات، منها ما يلي:
1 التزود بالطاعات والإكثار من الأعمال الصالحات:
قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: أيام العشر
(4)
.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ» .
قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير، باب العين، مجاهد عن ابن عباس (11/ 82/ ح 11116) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. يُنظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 17)، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (3/ 1184/ ح 5547)، وحكم على إسناده أحمد شاكر بالصحة. مسند أحمد (7/ 224)(9/ 14).
(2)
لفتة لطيفة: سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أيهما أفضل عشر ذي الحجة أو العشر الأواخر من رمضان؟ فأجاب: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/ 287).
وعلّق ابن قيم الجوزية رحمه الله على إجابة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قائلاً:
وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيًا كافيًا، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة. وفيها يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية. وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحييها كلها، وفيها ليلة خير من ألف شهر. فمن أجاب بغير هذا التفصيل، لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة. بدائع الفوائد، لابن القيم (3/ 162).
(3)
يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (2/ 460).
(4)
يُنظر: إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق (2/ 20/ ح 969).
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَلَا الْجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ»
(1)
.
يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وهذا الحديث نصَّ في أن العمل المفضول يصير فاضلاً إذا وقع في زمان فاضل، حتى يصير أفضل من غيره من الأعمال الفاضلة؛ لفضل زمانه.
وفي أن العمل في عشر ذي الحجة أفضل من جميع الأعمال الفاضلة في غيره.
ولا يستثنى من ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد، وهو أن يخرج الرجل بنفسه وماله، ثم لا يرجع منهما بشيء
(2)
.
فالعمل الصالح في العشر بأداء العبادات من صلاة، وصيام، وصدقة، واستغفار، ودعاء، وإعانة للمحتاج، وذكر لله عز وجل
…
، أعظم أجرًا، وأثقل في ميزان العبد من الجهاد في سبيل الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فاستيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلاً ونهارًا، أفضل من جهاد لم يذهب فيه نفسه وماله
(3)
.
فعلى المسلم الفطن أن يسارع بإحيائها ويكثر من الطاعات؛ حتى يفوز بالجنات.
2 التكبير:
(4)
كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق (2/ 20/ ح 969).
(2)
فتح الباري، لابن رجب (9/ 12).
(3)
الفتاوى الكبرى، لابن تيمية (5/ 342).
(4)
التكبير المطلق: يبدأ من أول ليلة من شهر ذي الحجة إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة. يُنظر: مجموع فتاوى ابن باز (13/ 18).
وأما التكبير المقيد والذي يكون بعد الصلوات: يبدأ من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق. يُنظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية (2/ 369).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق (2/ 20/ ح 969).
يقول ميمون بن مهران رحمه الله: أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر، حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها
(1)
.
3 صيام اليوم التاسع من ذي الحجة «عرفة» :
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة، فقال:«يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ»
(2)
.
4 الأضحية:
يتقرب المسلمون إلى الله تعالى في اليوم العاشر من ذي الحجة بإقامة شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام وهي: ذبح الأضاحي من بهيمة الأنعام
(3)
.
إحياء العيدين «الفطر والأضحى» بجمع من العبادات:
يشرع إحياء العيدين بأنواع من العبادات التي دل الدليل الصحيح على ثبوتها، ومن جملة تلك العبادات:
1 التكبير:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والتكبير في عيد الأضحى مشروع باتفاق، وكذا مشروع في عيد الفطر عند مالك، والشافعي، وأحمد
(4)
.
ولكل منهما وقت يبدأ فيه التكبير وينتهي، فعيد الفطر يبدأ التكبير من ليلة العيد وغروب شمس رمضان، إلى حضور الإمام لصلاة العيد
(5)
.
وأما عيد الأضحى التكبير المطلق: يبدأ من أول ليلة من شهر ذي الحجة إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، واليوم الثالث عشر من ذي الحجة
(6)
.
(1)
فتح الباري، لابن رجب (9/ 9).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس (3/ 167/ ح 1162).
(3)
يُنظر: زاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 55)، المحلى بالآثار، لابن حزم (5/ 128)، الإيضاح في مناسك الحج والعمرة، للنووي (37).
(4)
الفتاوى الكبرى، لابن تيمية (5/ 357).
(5)
يُنظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (16/ 216).
(6)
يُنظر: مجموع فتاوى ابن باز (13/ 18).
وأما التكبير المقيد والذي يكون بعد الصلوات، فيبدأ من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق
(1)
.
2 الاغتسال والتطيّب والتجمّل بأحسن الثياب، قبل الخروج للمصلى:
أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم ينكر عليه التجمّل للعيد حين رأى عمرُ جبة فقال:«يا رسول الله، ابتع هذه، تجمل بها للعيد والوفود»
(2)
.
وقد بوّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: «باب في العيدين والتجمل فيه» ، مستندًا على تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لمقولة عمر رضي الله عنه
(3)
، وهو دليل على مشروعية أصل التجمل والتزين للعيد، وأنها سُنَّة على كل من يقدر عليها
(4)
.
وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يغتسل في العيدين قبل أن يغدو إلى المصلى
(5)
، ويلبس أحسن ثيابه
(6)
، ويتطيب
(7)
.
واستحب طائفة من أهل العلم الاغتسال للعيد، والتطيّب ولبس أجمل الثياب
(8)
، ولو اقتصر على الوضوء، وعلى ثيابه العادية فلا حرج
(9)
.
(1)
يُنظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية (2/ 369).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العيدين، باب في العيدين والتجمل فيه (2/ 16/ ح 948).
(3)
يُنظر: إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العيدين، باب في العيدين والتجمل فيه (2/ 16/ ح 948).
(4)
يُنظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (2/ 547)، فتح الباري، لابن رجب (8/ 413).
(5)
أخرجه مالك في الموطأ، كتاب صلاة العيدين، باب غسل العيدين (3/ 278/ ح 6209)، وقال أبو بكر عبد الرزاق الصنعاني معلقًا على فعل ابن عمر رضي الله عنهما: وأنا أفعله. يُنظر: مصنف عبد الرزاق، كتاب صلاة العيدين، باب الاغتسال في يوم العيد (3/ 309/ ح 5753).
(6)
كما أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد صحيح. أشار إلى صحة إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/ 439).
(7)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب صلاة العيدين، باب الاغتسال في يوم العيد (3/ 309/ ح 5752).
(8)
قال ابن قطان رحمه الله: اتفق الفقهاء على أن الغسل للعيدين حسن لمن فعله، والطيب يجزئ عند الجميع منه، وجمعهما أفضل. يُنظر: الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 178).
(9)
يُنظر: مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (16/ 235).
أما النساء إذا خرجن لمصلى العيد، وللمساجد بالعموم لا يتطيبن، ولا يتبرجن، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
…
لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ
(1)
»
(2)
.
3 أكل تمرات وترًا قبل صلاة عيد الفطر، والأكل من الأضحية بعد صلاة عيد الأضحى:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يَطْعَمَ، وكان لا يأكل يوم النحر شيئًا حتى يرجع فيأكل من أضحيته
(3)
.
وقال أنس رضي الله عنه: ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، أو أقل من ذلك، أو أكثر من ذلك وترًا
(4)
.
4 صلاة العيد
(5)
:
أجمع المسلمون على مشروعية صلاة العيد
(6)
؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، وواظب عليها، حتى أنه صلى الله عليه وسلم أمر النساء العواتق، وذوات الخدور، والحيض بالخروج إلى الصلاة.
ومن حرص النبي صلى الله عليه وسلم لخروج الجميع للصلاة أوصى من لم يكن لديها
(1)
تَفِلَاتٍ: أَيْ: تَارِكَاتٍ لِلطِّيبِ. يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (1/ 191).
(2)
أخرجه أبو داود في سننه كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (1/ 222/ ح 565)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، ذكر وصف خروج المرأة التي أبيح لها شهود العشاء في الجماعة (5/ 592/ ح 2214)، صححه الألباني في إرواء الغليل (2/ 293/ ح 515).
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب العيدين (2/ 380/ ح 1715)، وأحمد في مسنده، مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه (10/ 5450/ ح 23450)، والحديث صحيح. يُنظر: نصب الراية لأحاديث الهداية (2/ 221)، تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي (1/ 380)، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (2/ 169)، البدر المنير، لابن الملقن (5/ 70).
(4)
أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب صلاة العيدين، يفطر يوم الفطر على تمرات قبل أن يغدو (1/ 294/ ح 1095)، وقال الحاكم: صحيح على شرطه. يُنظر: المستدرك على الصحيحين: (1/ 294/ ح 1094)، قال ابن الملقن: هذا الحديث صحيح. يُنظر: البدر المنير (5/ 69).
(5)
قال ابن قطان رحمه الله: تقديم الصلاة قبل الخطبة في العيدين لا خلاف في ذلك بين علماء المسلمين. يُنظر: الإقناع مسائل الإجماع (1/ 180).
(6)
مراتب الإجماع، لابن حزم [ط: دار الكتب العلمية] (32)، الإقناع في مسائل الإجماع، لابن القطان (1/ 178).
جلباب بأن تلبسها صاحبتها من جلبابها؛ ليشهدن الخير ودعوة المؤمنين
(1)
.
5 الفرح والسرور واللهو المباح:
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ولأهلها يومان يلعبون فيهما فقال صلى الله عليه وسلم:«مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ»
(2)
.
فهذا الحديث يدل على ما كان عليه أهل الجاهلية من اللعب في يومين كل سنة، ويعملون ما لا يرضى به الله تعالى، فلما ظهر الإسلام، أبدل الله منهما هذين اليومين اللذين يظهر فيهما تكبير الله تعالى وتحميده وتوحيده ظهورًا شائعًا يغيظ المشركين
(3)
.
وقيل: إنهما يقعان شكرًا على ما أنعم به من أداء العبادات، فعيد الفطر يقع شكرًا لله تعالى على إتمام صوم رمضان، وعيد الأضحى يقع شكرًا لله تعالى على العبادات الواقعة في العشر، وأعظمها إقامة شعيرة الحج
(4)
.
وأيضًا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها وعندها جاريتان تغنيان بغناء بعاث
(5)
، فاضطجع صلى الله عليه وسلم على الفراش، وحوّل وجهه
(6)
، وجاء أبو
(1)
يُنظر: ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العيدين، باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد (2/ 22/ ح 980).
(2)
أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب صلاة العيدين، يفطر يوم الفطر على تمرات قبل أن يغدو (1/ 294/ ح 1095)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب المساجد، بدء العيدين (2/ 295/ ح 1767)، وكذلك أخرجه في المجتبى، كتاب صلاة العيدين، باب صلاة العيدين (1/ 334/ ح 1555/ 1)، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب صلاة العيدين (1/ 441/ ح 1134)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 452).
(3)
شرح أبي داود، للعيني (4/ 477) بتصرف.
(4)
يُنظر: المرجع السابق.
(5)
بعاث: أي: تنشدان الأشعار التي قيلت يوم بعاث، وهو حرب كانت بين الأنصار، وليس المقصود الغناء المعروف بين أهل اللهو واللعب. وقد رخص عمر رضي الله عنه في غناء الأعراب، وهو صوت كالحداء. يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (3/ 392).
(6)
حوّل وجهه: تحويل الاتجاه من اليسار إلى اليمين أو العكس. يُنظر: الفائق في غريب الحديث (1/ 341).
بكر رضي الله عنه فانتهرها وقال: مزمار الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ»
(1)
.
وأيضًا في يوم العيد لعب الحبشة بالحراب والدرق بالمسجد، ورقصوا بها، قالت عائشة رضي الله عنها: سمعت لغطًا وصوت صبيان، فقام النبي صلى الله عليه وسلم: فإذا حبشة تزفن؛ أي: ترقص والصبيان حولها فقال: «يا عائشة تعالي فانظري» ، قالت: فأقامني وراءه، خدي على خده وهو يقول:«دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ» ، حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ، قَالَ:«حَسْبُكِ» . قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:«فَاذْهَبِي»
(2)
.
هذه الأحاديث تدل على مشروعية التوسعة في أيام الأعياد بأنواع اللهو المباح، وما يحصل به من بسط النفس، وترويح البدن، من كلف العبادة، وأن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين
(3)
.
إحياء يوم الجمعة بجمع من العبادات:
يُعدّ هذا اليوم العظيم عيدًا من أعياد المسلمين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ
…
»
(4)
.
وهو خير أيام الاسبوع: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ. وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ. وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا»
(5)
.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه، وتخصيصه بعبادات
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب أصحاب الحراب في المسجد، (1/ 98/ ح 454 - 455)(2/ 16/ ح 949)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة فِي اللعب الذي لا معصية فيه فِي أيام العيد (3/ 21 - 22 - 23/ ح 892).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العيدين، باب الحراب والدرق يوم العيد (2/ 16/ 949)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة فِي اللعب الذي لا معصية فيه فِي أيام العيد (3/ 21 - 22 - 23/ ح 892).
(3)
يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (2/ 443).
(4)
أخرجه ابن ماجه في سننه، أبواب إقامة الصلاة والسُّنَّة فيها، باب ما جاء فِي الزينة يوم الجمعة (2/ 197/ ح 1098)، والطبراني في الأوسط، باب الميم، محمد بن أبان الأصبهاني (7/ 230/ ح 7355)، حسّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 442/ ح 707).
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب فضل يوم الجمعة (3/ 6/ ح 854).
يختص بها عن غيره
(1)
.
فيختص هذا اليوم بفضائل ومزايا تخصه دون غيره من الأيام
(2)
، ويشرع إحياء يوم الجمعة بأنواع من العبادات المشروعة التي دل الدليل الصحيح على ثبوتها، ومن جملة تلك العبادات ما يلي:
1 الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب والتسوّك:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَسِوَاكٌ، وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ ما قَدَرَ عَلَيْهِ»
(3)
.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس يوم الجمعة أحسن ثيابه
(4)
، كما حثّ على ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله:«مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى ما كَتَبَ اللهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا»
(5)
.
2 الإكثار من الدعاء وتحري ساعة الإجابة:
ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى شَيْئًا، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا
(6)
.
(1)
يُنظر: زاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 375)
(2)
للاستزادة في معرفة خصائص يوم الجمعة وفضائله التي تزيد عن ثلاثين خصيصة، والتي أفرد لها ابن القيم فصلاً أسماه: هديه صلى الله عليه وسلم في الجمعة وذكر خصائص يومها. راجع لطفًا كتاب زاد المعاد [ط: 27](1/ 353 - 407).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة (3/ 3/ ح 846).
(4)
يُنظر: ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد (180/ ح 348)، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (140/ ح 266).
(5)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب في الغسل للجمعة (1/ 135/ ح 343)، قال ابن الملقن: هذا الحديث صحيح. البدر المنير (4/ 669)، وحسّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 103).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة (2/ 13/ ح 935).
3 قراءة سورة الكهف:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ ما بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ»
(1)
.
4 الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
:
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *} [الأحزاب].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» .
قَالُوا: وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟
فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ عز وجل حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ»
(3)
.
(4)
.
(1)
أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب التفسير، فضيلة قراءة سورة الكهف يوم الجمعة (2/ 368/ ح 3412)، والبيهقي في سننه الكبير، كتاب الجمعة، باب ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها (3/ 249/ ح 6078)، صححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (1142)، وصحيح الترغيب والترهيب (1/ 455).
(2)
للاستزادة راجع لطفًا كتاب: جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام، لابن القيم، فهو كتاب عظيم متين في بابه كثير الفوائد جمّ المنافع، قال رحمه الله في المقدمة: وهو كتاب فرد في معناه، لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها، بيّنا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وصحيحها من حسنها ومعلولها، وبيّنا ما في معلولها من العلل بيانًا شافيًا، ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد، ثم في مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ومحالها، ثم الكلام في مقدار الواجب منها، واختلاف أهل العلم فيه وترجيح الراجح، وتزييف المزيف، ومخبر الكتاب فوق وصفه، والحمد لله ربِّ العالمين. جلاء الأفهام (27).
(3)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة (3/ 217/ ح 1733)، صححه، الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري (11/ 374)، وقد احتج المخالفون بهذا الحديث على بقاء آثار الأنبياء؛ للانتقال إلى تفنيد هذه الشبهة انتقل فضلاً (424).
(4)
أخرجه الطبراني في الأوسط، باب العين، علي بن سعيد بن بشير الرازي (4/ 183/ ح 3923)، وحسنه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (78/ ح 778).
فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت، والإكثار منها في يوم الجمعة خصوصًا قربة من أجلِّ القربات، ومن أعظم الطاعات التي أمر الله تعالى بها، وندبَ إليها، وأثنى على أهلها؛ لأنها مِنْ أنفَع الأدعية التي تكون للمسلم في الدُّنيا والآخرة، حيث إنها سببٌ لمغفرة الذنوب، وقضاء الحاجات، وكذلك في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تحقيق لازم من لوازم وتمام محبَّته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره وأداء حقِّه
(1)
؛ الذي هو أعظم الخلق حقًّا على المسلم، فحقه أعظم من حق الوالدين
(2)
.
ومن الفوائد والثمرات التي يجنيها المسلم عند الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
:
1 امتثال أمر الله سبحانه وتعالى، وموافقة الله في أمر أخبر سبحانه أنه فعله لنبيه صلى الله عليه وسلم.
2 موافقة الملائكة فيها.
3 حصول عشر صلوات من الله جل جلاله على المصلي مرة.
4 يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه فهي تصاعد الدعاء إلى الرب جل جلاله.
5 يرفع الله العبد بها عشر درجات.
6 ويكتب له عشر حسنات، ويُمحى عنه عشر سيئات.
7 سبب لغفران الذنوب.
8 سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم، وقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
9 سبب لقضاء العبد حوائجه، وكفايته ما أهمه.
والثمرات المجنية كثيرة لا سبيل إلى حصرها هنا، وقد ذكر ابن القيّم رحمه الله ما يزيد على ثلاثين ثمرة وفائدة تحصل للمسلم عندما يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
.
(1)
يُنظر: بدائع الفوائد، لابن القيم (2/ 190)، حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، لمحمد بن خليفة التميمي (499).
(2)
يُنظر: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ بن عثيمين (16/ 24).
(3)
يُنظر: جلاء الأفهام، لابن القيم (445).
(4)
يُنظر: المرجع السابق (445 - 447).
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله عن فضل يوم الجمعة: إنه اليوم الذي يُستحب أن يتفرغ فيه للعبادة، وله على سائر الأيام مزية بأنواع من العبادات واجبة ومستحبة.
فالله سبحانه جعل لأهل كل ملة يومًا يتفرغون فيه للعبادة، ويتخلون فيه عن أشغال الدنيا، فيوم الجمعة يوم عبادة، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان.
ولهذا من صح له يوم جمعته وسلم، سلمت له سائر جمعته، ومن صح له رمضان وسلم، سلمت له سائر سنته، ومن صحت له حجته وسلمت له صح له سائر عمره، فيوم الجمعة ميزان الأسبوع، ورمضان ميزان العام، والحج ميزان العمر، وبالله التوفيق
(1)
.
فحريّ بالمسلم اغتنام هذا اليوم بالذكر والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
…
، ولا يجعله موضع النزهة واللعب والتفريط
(2)
.
القسم الثاني: آثار المواسم الزمانية التي ليس لها أصل شرعي، وهذا القسم ينقسم من حيث تعلقه بالوقائع إلى نوعين:
1 آثار المواسم الزمانية المتعلقة بوقائع إسلامية.
2 آثار المواسم الزمانية غير المتعلقة بوقائع إسلامية.
النوع الأول: آثار المواسم الزمانية المتعلقة بوقائع إسلامية:
بدعية إحياء ذكرى المولد النبوي
(3)
:
من جملة ما أُحدث في الدين الاجتماع في اليوم الثاني عشر من ربيع
(1)
زاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 386).
(2)
تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لعطية سالم (8/ 164).
(3)
يُنظر: المورد في عمل المولد، لأبي حفص تاج الدين الفاكهاني (5 - 14)، إنكار الاحتفال بالمولد النبوي، لمحمد بن إبراهيم آل الشيخ (15 - 54)، الرد القوي على الرفاعي والمجهول وعلوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي، لحمود التويجري (65 - 72)، الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع، لمحمد بن شقير (919)، التحذير من البدع، لابن باز (11).
الأول؛ للاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بإحياء سيرته وإلقاء الخطب والقصائد والأشعار فيه، حيث يشتمل الاجتماع على بدع وشركيات كالاستغاثة والنداء وطلب المدد، وإنشاد القصائد التي فيها غلو في وصفه وتجاوز في إطرائه.
وكذلك يتخلله أمورٌ من المحرمات كالاختلاط والمعازف والرقص وإضاعة الأموال الطائلة فيما يُغضب الله جل جلاله.
ومما لا شك فيه أن ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم تتجدد مع المسلم كل حين، ولا تحتاج إلى إحياء؛ لأنها هي في أصلها حيّة وحاضرة ومرتبطة بالمسلم في كل تفاصيل حياته، وفي جميع أحواله، وأوقاته، ولم يمت ذكره صلى الله عليه وسلم حتى يُلجأ إلى إحيائه.
والمتأمل لأصل إحياء ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم نجد أنه تقليد للنصارى في إحيائهم ذكرى مولد عيسى عليه السلام، والرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من التشبه بأهل الكتاب، قائلاً صلى الله عليه وسلم:«لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ»
(1)
.
فلما تسللت إلينا الفكرة من الخارج، وكان التنفيذ من الداخل، والتقليد هو الدافع، تشبهًا بالمجتمع النصراني الذي أصابه التخلّف الأخلاقي، والتمزق والتفرق، مما اضطرهم إلى إحياء كثير من الأعياد في مجتمعاتهم؛ حتى يبقى شيءٌ من قيمهم ومبادئهم التي انحدرت في الهاوية، وانسلخت عنها الفضيلة، أتى من المغترين بهم من ينفذ كل ما يرى عندهم بدون أن يعرض على الشرع هذا الأمر المُحدث.
ولا شك أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه ومحبته تكون بالإيمان بكل ما
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (4/ 169/ ح 3456)، ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى (8/ 57/ ح 2669).
جاء به من عند الله عز وجل وباتباع شريعته عقيدةً وقولاً، وعملاً، وخلقًا، وبترك الابتداع في الدين.
إذ إن إحياء ذكرى المولد النبوي لا أصل له لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية التاريخية، كما سيأتي التفصيل في تفنيد الشبهات المتعلقة بالمولد
(1)
.
بدعية إحياء ليلة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من رجب:
مما لا شك ولا امتراء فيه أن حادثة الإسراء والمعراج حق، ومن آيات الله العظيمة، الدالة على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل، كما أنها من الدلائل الباهرة على قدرة الله جل جلاله، وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه
(2)
.
ومع ما حصل في هذه الليلة من الآيات العظيمة، والمعجزات الباهرة، لم يثبت أصل في إحياء هذه الليلة من ناحيتين:
1 الناحية الشرعية: لم يأتِ دليل صحيح يخصص هذه الليلة بشيء، ولا يميّزها بالعبادة أو الاحتفال، ولم يكن معروفًا عند الصحابة رضي الله عنهم والتابعين إحياء ليلة الإسراء والمعراج، بدليل أنهم لم يحفظوا تاريخ حصولها.
2 الناحية التاريخية: لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيين الشهر الذي حصلت فيه الحادثة، فضلاً عن اليوم، وكل ما ورد في تعيينها غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولله الحكمة البالغة في نسيان الناس لها
(3)
.
وجاء عن كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين: أن تعيين ليلة الإسراء في رجب عين الكذب
(4)
؛ وذلك للاختلاف الحاصل في تحديد السنة والشهر،
(1)
للوصول إلى موضع الشبهات المتعلقة بالمولد انتقل لطفًا (405).
(2)
يُنظر: التحذير من البدع، لابن باز (17).
(3)
يُنظر: المرجع السابق (18 - 19).
(4)
يُنظر: الابتهاج في أحاديث المعراج (7 - 8)، أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب (53 - 54)، كلاهما لأبي الخطاب ابن دحية، الباعث على إنكار البدع والحوادث، لأبي شامة (74)، البداية والنهاية، لابن كثير (3/ 118 - 119)، زاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 59).
فضلاً عن تعيين اليوم
(1)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها؛ بل النقول منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يُقطع به، ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره
(2)
.
والعجيب إن من أهل البدع من يحتفل بليلة الإسراء والمعراج وهم في الأصل ينكرون صفة العلو للرب جل جلاله!!
بدعية إحياء يوم عاشوراء بإظهار الفرح أو الترح:
تقدّم بيان استحباب صيام يوم عاشوراء، وهي العبادة الوحيدة التي جاء الدليل الصحيح بإحيائها في هذا اليوم.
وأما إحياء النواصب له بالفرح والسرور، واتخاذه موسمًا كمواسم الأعياد والأفراح، وفي المقابل الرافضة تحييه بإقامة المآتم؛ لإظهار الأحزان والأتراح، كلاهم انحرفوا عن السُّنَّة، وجانبوا الصواب، وضلوا عن الصراط
(3)
.
يقول الشيخ العلامة محمد العثيمين رحمه الله: وإظهار الحزن أو الفرح في هذا اليوم كلاهما خلاف السُّنَّة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم إلا صيامه
(4)
.
الأيام التي جرت فيها حادثة متعلقة بالسيرة النبوية وانتصارات المسلمين:
لا شك أن السيرة النبوية حافلة بالأحداث الجليلة، والوقائع العظيمة،
(1)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: العلماء اختلفوا فيه اختلافًا يزيد على عشرة أقوال. فتح الباري (7/ 203).
(2)
زاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 58).
(3)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/ 310).
(4)
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (16/ 194).
وحصول المعارك والغزوات الكبيرة، التي جعلها الله سببًا لنصرة الإسلام، وإعلاء كلمته.
ومن أعظمها وأجلّها هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة للمدينة، والتي ابتدأ تدوين التاريخ الهجري من حينها.
وأقيمت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام في المدينة النبوية، وانتشرت الدعوة إلى الله جل جلاله وعمّت أرجاء الأرض.
وكذلك الفتوحات والغزوات التي حقق الله فيها النصر للمسلمين: كيوم بدر، ويوم الخندق، ويوم فتح مكة، ويوم حنين، وحطين، وعين جالوت، وغيرها من الوقائع الشريفة، والأحداث العظيمة التي تكللت بانتصارات باهرة للإسلام والمسلمين، وحُفظ تاريخ حدوث بعضها.
ومع ما في هذه الوقائع من أحداث عظيمة إلا أنها لم تخصص بمزيد فضل، ولا تميّز بشيء عن بقية الأيام.
وإنما يُتعظ بالسيرة النبوية، وينتفع بالدروس والعبر التي حدثت فيها، طوال أيام السنة ولياليها على الوجه الشرعي، ولا يخصص شيء لم يخصصه الشرع
(1)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الأعياد شريعة من الشرائع فيجب فيها الاتباع لا الابتداع وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة مثل: يوم بدر وحنين والخندق وفتح مكة ووقت هجرته ودخول المدينة، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ مثال تلك الأيام أعيادًا وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادًا أو اليهود وإنما العيد شريعة فما شرعه الله اتبع، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه
(2)
.
(1)
يُنظر: التبرك، لناصر الجديع (379).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 123).
النوع الثاني: آثار المواسم الزمانية غير المتعلقة بوقائع إسلامية:
شهر رجب:
من المعلوم أن شهر رجب لا فضيلة ولا ميزة له إلا أنه من الأشهر الحرم الذي تعظّم فيه الأجور، وتغلّظ فيه الذنوب والآثام، وما عدا ذلك فلم يثبت فيه شيء
(1)
.
وقد كان كفار قريش يعظمونه، ويمتنعون عن القتال فيه، ويعتقدون بأن الرحمة تصب فيه صبًّا، والشياطين تطرد
(2)
.
ومن الأمور المحدثة التي تحصل في هذا الشهر
(3)
:
1 إحياء العتيرة الرجبية: وهي شاة تذبح في العشر الأول من رجب
(4)
، كان أهل الجاهلية يتقربون بها للأصنام، ويصبون دم الذبيحة على رأس الصنم
(5)
، وكان الذبح في رجب من الأمور الجاهلية التي كانوا يواظبون عليها فيما بينهم، ولا شك أنها شرك
(6)
، كما أفتى بذلك العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله.
2 إحياء نهار بعض أيامه بالصيام: كتخصيص صيام أول خميس من شهر رجب، والمبادرة إلى صيام الشهر كاملاً استنادًا على أحاديث ضعيفة
(7)
.
وقد صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضرب أيدي الذين كانوا يصومونه؛ ليضعوا أيديهم في الطعام في رجب، ويقول: لا تشبهوه
(1)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 134)، تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (4/ 148).
(2)
يُنظر: البدع الحولية، لعبد الله التويجري (217).
(3)
للاستزادة في معرفة تفاصيل البدع في هذا الشهر يُنظر: البدع الحولية (220 - 267).
(4)
يُنظر: تعليق أبو داود على حديث في سننه، كتاب الضحايا، باب في العتيرة (3/ 64/ ح 2833).
(5)
يُنظر: معالم السنن، للخطابي 288 (2/ 226)، النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (3/ 178).
(6)
يُنظر: فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (6/ 165 - 166).
(7)
يُنظر: البدع الحولية (226).
برمضان
(1)
، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يكره صيامه، وينهى عنه لئلا يُتخذ عيدًا
(2)
.
3 إحياء ليله بالقيام والاعتكاف
(3)
: يخصص فيه «صلاة الرغائب»
(4)
، و «صلاة أم داود»
(5)
، فهاتان الصلاتان وردت فيهما أحاديث موضوعة على النبي صلى الله عليه وسلم
(6)
، وجاء في صفتيهما مخالفة منكرة تردها أصول الشريعة
(7)
.
4 أداء العمرة فيه، والزيارة الرجبية: تخصيص رجب بالعمرة وزيارة المدينة، ليس له أصل في الشرع.
والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يعتمر في رجب قط
(8)
، ولم يأمر أو يحث على الاعتمار فيه، وأما ما حصل عن بعض السلف، من أنهم كانوا يعتمرون فيه، فليس في ذلك دليل على تخصيصه بالعمرة؛ وإنما القصد والله أعلم هو الإتيان بالحج في سفرة والعمرة في سفرة أخرى، رغبة في إتمام الحج والعمرة المأمور بها
(9)
.
فتخصيص هذه الأعمال في شهر رجب من البدع المُحدثة التي ليس لها أصلٌ في الشرع، كما نص على ذلك كثير من العلماء
(10)
.
(1)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/ 291).
(2)
يُنظر: ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عباس (4/ 292/ ح 7854).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهذا إسناد صحيح. يراجع: تبيين العجب بما ورد في فضل رجب، لابن حجر (35).
(3)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/ 290).
(4)
يصلَّى في ليلة أول جمعة من رجب ثنتي عشرة ركعة، بين صلاة المغرب والعشاء.
(5)
في نصف رجب، يصلَّى فيه أربعة عشر ركعة.
(6)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 122)، اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، للسيوطي (2/ 48 - 49).
(7)
يُنظر: البدع الحولية (250).
(8)
يُنظر: إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب العمرة، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ (3/ 2/ ح 1775).
(9)
كما وضح ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله معلقًا على ما نقله ابن سيرين عن بعض السلف في مسألة العمرة في رجب. يُنظر: لطائف المعارف (120 - 121).
(10)
يُنظر: الحوادث والبدع (133)، أداء ما وجب (48)، حكم صوم رجب وشعبان، لابن العطار (24)، لطائف المعارف، لابن رجب (121)، تبيين العجب (11)، اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 121)، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، للشوكاني (48)، مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (6/ 131)، مجموع فتاوى ابن باز (11/ 389)، التمسك بالسُّنَّة النبوية، لابن عثيمين (24 - 29)،
…
وغيرهم كثير.
فليجتنب المسلم جميع البدع في كل الأوقات وخصوصًا في الأشهر الحُرم، التي إثمها أشد وآكد من بقية الشهور.
إحياء ليلة النصف من شعبان بالصلاة:
تخصيص صلاة مائة ركعة في هذه الليلة، ويُطلق عليها:«صلاة الألفية» ؛ لأنه يُقرأ فيها سورة الإخلاص، ألف مرة، في كل ركعة يقرأ الفاتحة مرة، وبعدها سورة الإخلاص عشر مرات، وهي صلاة طويلة مستثقلة لم يأت فيها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع، وللعوام بها افتتان عظيم
(1)
.
ذكرى الأموات:
إحياء ذكرى الموتى، وخاصة العلماء والعظماء، بعد موته بسنة أو أكثر؛ لتجديد الأحزان والإعلان عن ذلك بإقامة مأتم، واجتماع على ختم القرآن، وإهداء ثوابه للميت، ثم يتناولون ما لذ وطاب من الطعام والشراب، أو يقتصرون بإقامة برامج في شتى وسائل التواصل يحيون فيها سيرة الميت وشخصيته، ونشر كتبه، ومؤلفاته إحياءً لذكراه في التاريخ الموافق لتاريخ وفاته
(2)
.
وفي بعض البلدان يلتزمون بإحياء ذكرى الميت بعد مرور أربعين يومًا، وتسمى بالذكرى الأربعينية، ويفتتحون الاحتفال بالوقوف دقيقة مع الصمت تحية وحدادًا على الميت تشريفًا وتكريمًا لروحه
(3)
، وهذا لا شك تشبه بالكفار في عاداتهم القبيحة، ومن المنكرات، والبدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان
(4)
.
(1)
يُنظر: الباعث على إنكار البدع والحوادث (34)، اللآلئ المصنوعة (1/ 9)، الفوائد المجموعة (51).
(2)
يُنظر: البدع الحولية (402)، قواعد وأسس في السُّنَّة والبدعة، لحسام عفانة (167).
(3)
يُنظر: قواعد وأسس في السُّنَّة والبدعة (167).
(4)
يُنظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المجموعة الأولى (2/ 213).
وأصل إقامة المآتم تعود إلى معتقدات المصريين القدماء «الفراعنة» ومخترعاتهم، الذين كانوا إذا مات فيهم أحدٌ دفنوه ثم يعودون إليه بعد أربعين يومًا لينظروا حال جسده فإن كانت الأرض قد أثرت في جسده فأبلته، ظنوا أن روحه قد حلت في شيء حقير وذلك لسوء عمله!
وإذا لم تؤثر الأرض في جسده ظنوا أن روحه قد حلت في شيء عظيم، فيصنعون عنده الطعام والشراب اعتقادًا منهم بعودته إلى الحياة مرة أخرى ومما لا شك فيه أن هذا المعتقد باطل من جهة الشرع والعقل
(1)
.
وقد أجاب الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله عندما سئل عن أصل الذكرى الأربعينية بقوله: الأصل فيها أنها عادة فرعونية، كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام، ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم، وهي بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام
(2)
.
وهذه المآتم وللأسف الشديد لا زالت تقام في بعض المواضع؛ للمفاخرة والمجاملة، ودفعًا لنقد بعض الجهال.
المسألة الثالثة: حكم إحياء آثار المواسم الدينية الزمانية:
تقدّم في المسألة السابقة أقسام المواسم الزمانية، فمن خلال تقسيمها يتبين أن حكم إحيائها ينقسم إلى قسمين:
أ مواسم مستحبة: وهي الأوقات التي حث الشرع على إحيائها وخصها بمزيد فضل: كصيام عرفة، وعاشوراء، وإحياء رمضان وعشر من ذي الحجة بكثرة الصلاة والذكر، والاستغفار، والدعاء، وتلاوة القرآن، والتزود بالطاعات، والتعبد والتقرب لله كما هو مقيّد بالأدلة السابق إيرادها.
ب مواسم محرمة: وهي الأوقات التي ليس لها أصل في الشرع؛
(1)
يُنظر: الأربعين والخمسين والذكرى السنوية، لعمرو عبد المنعم سليم (12).
(2)
مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز (13/ 398 - 399).
كالاحتفال بذكرى المولد النبوي، والاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيص شهر رجب بجملة من العبادات،
…
وغيرها من الأزمنة المُحدثة، التي يحرم إحياؤها ويمنع من عدة أوجه.
سأذكر بعضًا من الأدلة التي تؤكد تحريمها وأوجه منعها، منها:
1 أن الله جل جلاله أكمل الدين لهذه الأمة، وأتمّ النعمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة
(1)
، فمن أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها؛ فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً} [المائدة: 3]، فما لم يكن يومئذ دينًا؛ فلا يكون اليوم دينًا
(2)
.
2 الأصل أن العبادات توقيفية، ومبناها على المنع والحظر، وهذا الأصل من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية
(3)
، فلا يُعبد الله إلا بما شرع، لقوله تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ *} [الجاثية].
فالعبادات لا تثبت بآراء الناس وأهوائهم، وإنما تثبت بدليل من الكتاب والسُّنَّة الصحيحة؛ أي: أن المسلم لا يقوم بأي عبادة إلا إذا وقف على دليل شرعي صحيح يستند عليه.
فعدم ورود دليل يخصص تلك الأزمنة بالعبادة، يدل لزومًا على أنها من البدع المحدثة، وكل بدعة في الدين فهي محرمة وضلالة
(4)
؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»
(5)
،
(1)
يُنظر: التحذير من البدع، لابن باز (20).
(2)
مقولة إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله. يُنظر: الاعتصام، للشاطبي (1/ 494).
(3)
يُنظر: جماع العلم، للشافعي (3 - 4)، وجامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (2/ 32)، وللاستزادة في معرفة تفاصيل القاعدة وتحريراتها يُنظر: دراسة وتحقيق قاعدة الأصل في العبادات المنع، لمحمد الجيزاني (79 - 85).
(4)
يُنظر: عقيدة التوحيد، لصالح الفوزان (216).
(5)
أخرجه ابن حبان في صحيحه، المقدمة، ذكر وصف الفرقة الناجية من بين الفرق التي تفترق عليها أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم (1/ 178/ ح 5)، والحاكم في مستدركه، كتاب العلم، عليكم بسنتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين، (1/ 95/ ح 328)، (1/ 96/ ح 329 - 330)، وأبو داود في سننه، كتاب السُّنَّة، باب في لزوم السُّنَّة (4/ 329/ ح 4607)، والترمذي في جامعه، أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الأخذ بالسُّنَّة واجتناب البدع (4/ 408/ ح 2676)، (4/ 409/ ح 2676)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والدارمي في مسنده، مقدمة المؤلف، باب اتباع السُّنَّة (1/ 228/ ح 96)، وابن ماجه في سننه، أبواب السُّنَّة، باب اتباع سُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين (1/ 28/ ح 42)، (1/ 29/ ح 43)، (1/ 30/ ح 44)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (6/ 526/ ح 2735).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ»
(1)
، وفي رواية:«مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»
(2)
، فدلت هذه الأحاديث على أن كل محدث في الدين فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة مردودة
(3)
.
3 لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أنهم احتفلوا بآثار المواسم الزمانية المُحدثة، ولم يخصصوها بشيء، ولو احتفل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعُرف ذلك واشتهر، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا فقد نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين؛ بل هم السابقون إلى كل خير رضي الله عنهم
(4)
.
4 الاحتفال بآثار المواسم الزمانية المُحدثة، واتخاذها عيدًا فيه تشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى وقد جاء النهي الصريح عن التشبه بهم
(5)
، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 184/ ح 2697)، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، ومسلم في صحيحه (5/ 132/ ح 1718)، كتاب الأْقضية، باب نقض الأْحكام الباطلة ورد محدثات الأْمور، (5/ 132/ ح 1718).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ (3/ 77/ ح 2201).
(3)
يُنظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (1/ 177 - 178).
(4)
يُنظر: المدخل، لابن الحاج الفاسي (3/ 25)، اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 123)، التحذير من البدع، لابن باز (19).
(5)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 40)، وزاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 407).
سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ»
(1)
.
5 أغلب آثار المواسم الزمانية المُحدثة التي يحييها أهل البدع، لم تثبت من الناحية التاريخية، فإذا كان تحديد تاريخ الحادثة التي يحتفلون بها لم يثبت، فكيف تُحيا على غير مستند تاريخي فضلاً أن يكون شرعيًّا، فعدم ثبوته يدل على بطلانه، والمبني على الباطل باطل
(2)
.
وكذلك عدم ثبوتها تاريخيًّا يدل على عدم اهتمام السلف بها، إذ لو كان من الأهمية بمكان لكان تاريخها محفوظ عند السلف.
6 ظهرت أغلب آثار المواسم الزمانية المُحدثة في القرن الرابع، في زمن الدولة العبيدية الرافضية الذين يُسَمّون أنفسهم بالفاطميين وهم من أكفر الناس وأفسقهم، وانتسابهم إلى آل البيت كذب ومحض افتراء؛ بل أصلهم مخلوط بين المجوس واليهود، وهم من مؤسسي الدعوة الباطنية
(3)
.
يقول مؤرخ الديار المصرية أبو العباس المقريزي رحمه الله (ت: 845 هـ): وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي: موسم رأس السنة، وموسم أوّل العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومولد عليّ بن أبي طالب، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد فاطمة رضي الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أوّل رجب، وليلة نصفه، وليلة أوّل شعبان، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرّة رمضان
…
(4)
، فكانوا هم أول من أظهروا وأحيوا البدع في بلاد المسلمين فعليهم وزرها ووزر كل من عمِل بها إلى يوم القيامة
(5)
.
(1)
تقدّم تخريجه راجع فضلاً (155).
(2)
يُنظر: مجموع فتاوى الشيخ بن عثيمين (16/ 192 - 193).
(3)
يُنظر: قواعد وأسس في السُّنَّة والبدعة (240)، البدع الحولية (439).
(4)
يُنظر: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (2/ 436) بتصرف يسير.
(5)
يُنظر: الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع، لمحمد بن شقير (919).
ومن جملة ما قاله الأئمة الأعلام حول تحريم إحياء آثار المواسم الزمانية المحدثة، والذي يؤكد ما تقدم من أوجه منعه وتقرير تحريمه ما يلي:
قال الحافظ أبو شامة رحمه الله (ت: 665 هـ):
ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها الشرع؛ بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل، إلا ما فضله الشرع، وخصه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك؛ اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها، كصوم يوم عرفة وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان.
ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلاً فيه جميع أعمال البر كعشر ذي الحجة، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ أي: العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر.
فالحاصل: أن المكلف ليس له منصب التخصيص؛ بل ذلك إلى الشارع، وهذه كانت صفة عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ت: 728 هـ):
فمن البدع في العبادات: إحداث أعياد واحتفالات لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، إنما فعلتها الأمم الأخرى كاليهود والنصارى، أو فارس والروم، ونحوهم؛ كالاحتفال بيوم عاشوراء، وبالمولد النبوي، وبليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وإحداث صلوات لم يشرعها الله؛ كصلاة الرغائب، وتخصيص ليالٍ وأيام بعينها بعبادة معتادة؛ كأول خميس من رجب، وليلة أول جمعة وليلة النصف منه، وكالرهبنة، والسياحة لغير قصد مشروع أو مباح، والغلو في الدين
(2)
.
(1)
الباعث على إنكار البدع والحوادث، لأبي شامة (51).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 40).
وقال رحمه الله: وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار؛ فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها
(1)
.
قال ابن الحاج رحمه الله (ت: 737 هـ)
(2)
:
في معرض حديثه عن حكم المولد: إذ إن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه؛ لأنهم أشد الناس اتباعًا لسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له ولسُنَّته صلى الله عليه وسلم ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم، وقد عُلم أن اتباعهم في المصادر والموارد
(3)
.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله (ت: 790 هـ):
إذا ندب الشرع مثلاً إلى ذكر الله فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد، وبصوت، أو في وقت معلوم مخصوص عن سائر الأوقات، لم يكن في ندب الشرع ما يدل على هذا التخصيص الملتزم؛ بل فيه ما يدل على خلافه
…
،
فالذكر قد ندب إليه الشرع ندبًا في مواضع كثيرة
…
، ومع ذلك؛ فلم يلتزموا فيه كيفيات، ولا قيدوه بأوقات مخصوصة، بحيث تشعر باختصاص التعبد بتلك الأوقات، إلا ما عينه الدليل؛ كالغداة والعشي، ولا أظهروا منه إلا ما نص الشارع على إظهاره
(4)
.
(1)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/ 298).
(2)
أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحاج العبدري الفاسي، توفي سنة (737 هـ)، صنف كتاب المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات، وبيَّن فيه البدع المختلفة والعوائد المنتحلة، لكنه للأسف وقع في ما حذر منه، واستحسن بعض البدع الشركية، وقد نبَّه على مواضع ما ورد من بدع في المدخل الشيخ أ. د. محمد بن عبد الرحمن الخميس في رسالة قيمة بعنوان: المنخل لغربلة خرافات ابن الحاج في المدخل. يُنظر: موسوعة مواقف السلف في العقيدة (8/ 186).
(3)
المدخل، لابن الحاج الفاسي (3/ 25).
(4)
الاعتصام، للشاطبي (1/ 318 - 319).
قال طائفة من العلماء في معرض حديثهم عن إحياء بعض آثار المواسم الزمانية المحدثة:
وتقرر في الشريعة المطهرة: أنه لا يسوغ تعظيم زمان أو مكان بنوع من أنواع التعظيم، إلا زمان أو مكان جاء تعظيمه في الشرع؛ فكما أن تعظيم القبور، أو بقعة لم يجئ تعظيمها في الشرع من أعظم البدع، فكذلك تعظيم زمان من الأزمنة، ولا فرق.
فلو ساغ تعظيم زمان من الأزمنة التي لم يدل على تعظيمها الشرع وجعله عيدًا، لساغ تعظيم ليلة الإسراء، ويوم بدر، ويوم الفتح، وجعلها أعيادًا، لما حصل في تلك الأزمنة من الخير الكثير وإعلاء كلمة الله تعالى، وتشريف رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (ت: 1421 هـ):
فلا يمكن للمرء أن يخصص وقتًا من الأوقات وعبادة من العبادات إلا بدليل من الشرع؛ لأن العبادة تتوقف على الشرع في سببها وفي جنسها وفي قدرها وفي هيئتها وفي زمانها وفي مكانها، لا بد أن يكون الشرع قد جاء في كل هذه الأشياء، فإذا خصصنا عبادة من العبادات في زمن معين بدون دليل كان ذلك من البدع
(2)
.
كما لخص أحد العلماء جملة من البدع الزمانية التي أُحدثت في العبادات والتي تمارس الآن ولا دليل عليها:
منها: الاحتفال بالمناسبات الدينية؛ كمناسبة الإسراء والمعراج، ومناسبة الهجرة النبوية، والاحتفال بتلك المناسبات لا أصل له من الشرع.
ومن ذلك: ما يفعل في شهر رجب؛ كالعمرة الرجبية، وما يفعل فيه من العبادات الخاصة به؛ كالتطوع بالصلاة والصيام فيه؛ فإنه لا ميزة له على
(1)
الدرر السنية في الكتب النجدية (6/ 63).
(2)
فتاوى نور على الدرب، لابن عثيمين (6/ 240).
غيره من الشهور؛ لا في العمرة والصيام والصلاة والذبح للنسك فيه ولا غير ذلك.
ومن ذلك: تخصيص النصف من شعبان بقيام ليله، وصيام نهاره؛ فإنه لم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك: إقامة المآتم على الأموات وصناعة الأطعمة واستئجار المقرئين؛ يزعمون أن ذلك من باب العزاء، أو أن ذلك ينفع الميت، وكل ذلك بدعة لا أصل له، وآصار وأغلال ما أنزل الله بها من سلطان
(1)
.
* * *
(1)
يُنظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، لصالح الفوزان (277 - 278) بتصرف.
المطلب الثاني
آثار المساجد وأماكن التعبّد
سبق في التمهيد بيان المعنى المراد من الآثار عند خبراء الآثار
(1)
، حيث إنهم يركزون على العمر التاريخي للأثر وأن قيمته تُكتسب من خلال تقادم الزمن وتراكمه عليه وتباعده
(2)
، هذا من حيث اصطلاح المختصين بالآثار.
فالآثار المكانية: الدينية والتاريخية، من حيث اصطلاح خبراء الآثار، كل منهما يعد أثرًا مكانيًّا، لكن لا نسلّم لهم من حيث اكتساب القيمة والأهمية، ولا حتى بالتسمية المطلقة بكون المساجد وأماكن التعبد آثارًا؛ لأن المساجد وأماكن التعبد اصطبغت بالصبغة الدينية، واتصفت بالصفة الشرعية، واتسمت بكونها أماكن تعبد لا كونها آثارًا تاريخية
(3)
.
وحيث إنه لا يجري ولا ينطبق اصطلاح خبراء الآثار على آثار المساجد
(1)
راجع لطفًا التمهيد (30).
(2)
يُنظر: تاريخ علم الآثار، لجورج ضو (7)، ويُنظر كذلك: الآثار من منظور حضاري، لخيري، ومجلة الآثار، نقلاً من حماية الآثار في الفقه الإسلامي، لأحمد نوفل (10).
(3)
بالمقارنة مع الدراسات الأخرى، اختلف بعض الباحثين في إطلاق مسمى الآثار على الأماكن الدينية الإسلامية، على قولين هما:
الأول: إثبات مسمى الآثار على الأماكن الدينية الإسلامية إطلاقًا، وممن ذهب إلى هذا الإطلاق: د. عبد العزيز الجفير في رسالته الماجستير والتي بعنوان: المشاهد والآثار.
الثاني: نفى هذه التسمية إطلاقًا، وممن ذهب إلى هذا: د. خالد السيف في بحثه المعنون: أحكام الآثار في الشريعة الإسلامية والذي يظهر لي والله أعلم أنه يمكن الجمع بين هذين الرأيين والتوفيق بينهما كما تقدم الإشارة إليه في الأعلى بحيث إن الأماكن الدينية الإسلامية: إذا تم النظر إليها بتجرد عن الأدلة الشرعية تعتبر آثارًا.
لكن لكون الشريعة الإسلامية أمرت بتعظيمها خرجت وارتقت وتُنزّه عن كونها آثارًا تاريخية إلى أماكن دينية إسلامية؛ لاكتساب قيمتها من الشريعة الإسلامية وليس من التراكم الزمني، والتباعد التاريخي.
وأماكن التعبد؛ لأنها لم تكتسب قيمتها الدينية لدى المسلمين من تقادم الزمن وتراكمه، وإنما بورود النص الشرعي في بيان فضلها وقدرها، والأمر بتعظيمها وإحيائها.
فالآثار التاريخية اكتسبت قيمتها عند الآثاريين من تباعد التاريخ، وتقادم الزمن كما ذكرت آنفًا بينما المساجد وأماكن التعبد الإسلامية اكتسبت قيمتها الدينية من خلال ورود الأدلة الشرعية في فضلها، والأمر الإلهي بتعظيمها، وليس من مضي السنين وتقادم الزمن.
فالعمر التاريخي للمساجد وأماكن التعبد وإن زادت أهميتها لدى خبراء الآثار غير المسلمين، إلا أنها لدى المسلمين ليست كذلك؛ بل إن فضلها ثابت ولا يختلف عند من عاصر بناها أو من جاء بعده إلى أن تقوم عليه الساعة
(1)
.
فنخلص إلى أن قيمة المساجد وأماكن التعبد ومكانتها بحسب ما ورد بالشرع من تفضيل، وبيان أن بعضها أعظم مكانة من بعض، بغض النظر عن عمرها الزمني.
كما هو حال المساجد الثلاثة، فالمسجد الأقصى أقدم من المسجد النبوي، ومع ذلك جاء الشرع بتفضيل المسجد النبوي على المسجد الأقصى في ثواب الصلاة فيه كما سيأتي بيانه في موضعه.
وبسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: المراد بالمساجد وأماكن التعبّد.
المسألة الثانية: أمثلة على المساجد وأماكن التعبّد.
المسألة الثالثة: حكم إحياء المساجد وأماكن التعبّد.
المسألة الأولى: المراد بآثار المساجد وأماكن التعبّد:
هي المواضع التي يحييها المسلم بالتعبد؛ تقربًا إلى الله تعالى، وامتثالاً لأمره جل جلاله، وتأسيًا برسوله صلى الله عليه وسلم صورةً وقصدًا.
(1)
يُنظر: أحكام الآثار في الشريعة الإسلامية، لخالد السيف (152).
المسألة الثانية: أمثلة على آثار المساجد وأماكن التعبّد:
إن مما ينبغي أن يُعلم أن للمسجد في المجتمع الإسلامي رسالة عظمى، ألزم ما يكون على المسلمين إحياؤها: وهي أن المسجد لهم هو بيت الأمة فيهم؛ لجميع مصالحهم العامة والخاصة تقريبًا
(1)
.
فتعتبر المساجد بوجه عام من المواضع الدينية الثابت إحياؤها، وتقصد بالعبادة، وباستقراء أنواع المساجد نجد أنها لا تخرج عن ثلاثة أنواع:
(2)
النوع الأول: مساجد المسلمين العامة، فهذه لها ما لعموم المساجد، ولا يثبت لها فضل يخصها، ولا ميزة في قصدها عن بقية المساجد، وإنما حكمها عام.
النوع الثاني: مساجد بدعية محدثة، وهي على نوعين:
أ مساجد بُنيت على مقامات النبي صلى الله عليه وسلم التي صلى فيها.
ب مساجد نُسبت إلى العهد النبوي، وعهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، واتخذت مزارًا، كالمساجد السبعة، ومسجد في جبل أُحد، وغيرها.
فهذه المساجد لم يثبت لها فضيلة تخصها، ولم يرد الترغيب في قصدها، وليس لها أصل في الشرع المطهر، ولا يجوز قصدها لعبادة ولا لغيرها؛ بل هي بدعة ظاهرة كما سبق بيان ذلك في موضعه
(3)
.
النوع الثالث: مساجد ثبت فضلها في الشرع، وخصّت عن بقية المساجد بمزايا، وهي أربعة مساجد:
1 المسجد الحرام:
قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [البقرة: 127]، خلق الله جل جلاله موضع البيت قبل أن تُخلق الأرض بألفي عام فمحي الموضع واندرس، فأطلع الله جل جلاله الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام على الموضع، فرفعا
(1)
يُنظر: تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لعطية سالم (8/ 327).
(2)
يُنظر: فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الثانية/ 5/ 179 - 185).
(3)
سبق الحديث عنها في مطلب مقامات النبي صلى الله عليه وسلم راجع لطفًا (101).
قواعد البيت على تلك الأركان
(1)
.
ومن المناسب قبل أن أعرض بعضًا من صور إحياء المسلم للمسجد الحرام، سأذكر خصائصه وفضائله، فمن ذلك:
1 أول مسجد وُضع في الأرض وأقدم موضع متعبد فيه
(2)
؛ لقوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ *} [آل عمران]
…
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض؟
قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» . قيل: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الأَقْصَى» .
قيل: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ عَامًا»
(3)
.
جاء في التفسير الوسيط: أن أولوية المسجد الحرام في الزمان تستلزم أولويته في الشرف والمكانة
(4)
.
2 فضل الصلاة فيه، ومضاعفة الثواب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ»
(5)
وهذا صريح بأنه أفضل بقاع
(1)
يُنظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري (2/ 561)، الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (2/ 120).
(2)
يُنظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (4/ 137).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ *} (4/ 162/ ح 3425)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (2/ 63/ ح 520).
(4)
التفسير الوسيط، للزحيلي (1/ 217) بتصرف يسير.
قوله: الأولوية في الزمان تستلزم الأولوية في الشرف والمكانة، ليس على إطلاقه؛ فالمسجد الأقصى أقدم من المسجد النبوي، وفضل الصلاة في المسجد النبوي وأجرها أكثر وأعظم من المسجد الأقصى.
(5)
أخرجه ابن ماجه في سننه، أبواب إقامة الصلاة والسُّنَّة فيها، باب ما جاء فِي فضل الصلاة فِي المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 412/ ح 1406)، والإمام أحمد في مسنده، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (6/ 3103/ ح 14920)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 714/ ح 3838).
الأرض على الإطلاق
(1)
.
3 فيه الكعبة قبلة لأهل الأرض كلهم، فليس على وجه الأرض قبلة غيرها
(2)
؛ لقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144].
4 تشد الرحال إليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلاَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى»
(3)
.
5 جعله الله سبحانه وتعالى حرمًا آمنًا يُمنع فيه القتال، قال تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران: 97]، يأمن الناس فيه على أنفسهم وأموالهم، فهو الأمان التام لكل خلق الله
(4)
.
6 اختصاصه بانجذاب أفئدة المؤمنين إليه، حيث جعله الله جل جلاله محلًّا تشتاق إليه القلوب وتحن إليه، ولا تقضي منه وطرًا، ولو ترددت إليه كل عام، استجابة من الله تعالى لدعاء خليله إبراهيم عليه السلام:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]
(5)
.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في معرض حديثه عن المسجد الحرام وانجذاب الأفئدة إليه: وقد ظهر سر هذا التفضيل، والاختصاص في انجذاب الأفئدة، وهوى القلوب، وانعطافها ومحبتها لهذا البلد الأمين، فجذبه للقلوب أعظم من جذب المغناطيس للحديد
…
(1)
يُنظر: زاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 49).
(2)
زاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 50)، ويُنظر: جامع البيان (2/ 661).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب مسجد بيت المقدس (2/ 61/ ح 1197)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (4/ 102/ ح 827)، واللفظ لمسلم.
(4)
يُنظر: زاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 47).
(5)
يُنظر: جامع البيان (13/ 699 - 700)، تفسير القرآن العظيم، لابن أبي حاتم (7/ 2249 - 2250)، زاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 52)، تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (5/ 414).
ولهذا أخبر سبحانه أنه مثابة للناس؛ أي: يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار، ولا يقضون منه وطرًا؛ بل كلما ازدادوا له زيارة، ازدادوا له اشتياقًا
(1)
.
7 احتواؤه على مشاعر دينية وأماكن تعبدية، يرتادها المسلمون لأداء المناسك؛ كمقام إبراهيم، والحجر الأسود، والركن اليماني، والصفا والمروة.
وقد اختص المسجد الحرام لإحيائه وعمارته بعبادات لا تشرع في غيره، ومن جملة تلك العبادات:
أ الطواف حول الكعبة
(2)
:
الطواف حول الكعبة طاعة لله عز وجل، وامتثالاً لأمر رب الكعبة بالتعبّد والتقرّب، قال تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ *} [الحج]، فليس على وجه الأرض بقعة يجب على كل قادر السعي إليها والطواف بالبيت الذي فيها غيرها
(3)
.
ب الصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام
(4)
:
الصلاة ركعتا الطواف خلف مقام إبراهيم عليه السلام كما قال تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125].
(1)
زاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 52).
(2)
الكعبة: هي بيتُ الله الحرام، لقوله تعالى:{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة: 97]، وقبلة المسلمين، التي أمر الله جل جلاله باستقبالها في الصلاة، والطواف حولها تحية لدخول المسجد الحرام، أو الطواف لأداء ركن من أركان الحج أو العمرة، لقوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ *} [الحج]، يُنظر: زاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 49).
(3)
يُنظر: زاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 49).
(4)
مقام إبراهيم عليه السلام: يقع شرق الحجر الأسود، يبعد عن شاذروان الكعبة (13. 25 م)، وهو المقام المقابل لباب الكعبة، والذي قامَ عليه الخليل إبراهيمُ عليه السلام عندَ بناءِ البيت؛ يقول ابن عباس رضي الله عنهما: سمي بذلك؛ لقيامه عليه عليه السلام. يُنظر: أخبار مكة، للأزرقي (1/ 59)، فتح الرحمن في تفسير القرآن، لمحمد العليمي المقدسي (1/ 191)، تيسير الكريم الرحمن (138)، مكة المكرمة تاريخ ومعالم، لمحمود حمو (60).
والشاذروان: هي الحجارة المائلة الملتصقة بأسفل جدار الكعبة من جوانبها الثلاثة. يُنظر: مكة المكرمة تاريخ ومعالم، لمحمود حمو (53).
ج تقبيل الحجر الأسود
(1)
، واستلام الركنين اليمانيين
(2)
:
الكعبة المشرفة لها أربعة أركان: ركنان يمانيان، وركنان شاميان، فالركنان اليمانيان هما:
1 ركن الحجر الأسود
(3)
:
يستحب للمسلم عند الطواف حول الكعبة تقبيل الحجر الأسود واستلامه: والدليل: لما جَاءَ عُمَر رضي الله عنه إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ وقَبَّلَهُ، قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ ما قَبَّلْتُكَ
(4)
.
(1)
الحجر الأسود: وهو الحجر الموجود في الركن الشرقي من الكعبة الشريفة، وهو على قواعد إبراهيم عليه السلام، ويرتفع عن أرض المطاف (1. 10 م)، هذا مقدار الارتفاع بالمقاييس الحالية. يُنظر: مكة المكرمة تاريخ ومعالم، لمحمود حمو (48)، أما بالمقاييس القديمة يُنظر: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، للقسطلاني (3/ 161)
(2)
الركن اليماني: هو الركن الجنوبي للكعبة المشرفة، الواقع غرب الحجر الأسود، وهو على قواعد إبراهيم عليه السلام. يُنظر: مكة المكرمة تاريخ ومعالم، لمحمود حمو (50).
(3)
كان الحجر الأسود حين نزوله من الجنة أبيض اللون كما ورد في الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم قال: «نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ؛ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ» أخرجه الترمذي في جامعه، أبواب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الحجر الأسود والركن والمقام (2/ 215/ ح 877)، وقال: حديث حسن صحيح، وكذلك صححه الألباني في صحيح الترمذي (3/ 217/ ح 877).
وهنا لفتة لطيفة أشار إليها الحافظ محب الدين الطبري رحمه الله في تأثير الخطايا على الحجر الأسود بقوله: في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة؛ فإن الخطايا إذا أثّرت في الحجر الصلد، فتأثيرها في القلب أشد!. يُنظر: كوثر المعاني الذراري في كشف خبايا صحيح البخاري، للشنقيطي (13/ 207)، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم، لمحمد الأمين الهرري (14/ 215). وللاستزادة يُنظر: تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة الدينوري (413)، التوشيح شرح الجامع الصحيح، للسيوطي (3/ 1268).
وقد كان الحجر الأسود قطعة واحدة، لكنه مع الحوادث والكوارث التي مرت عليه تكسر، ولم يبق منه إلا ثمانية قطع صغار مختلفة الحجم، ولعل أسوأ مرحلة مرّ بها الحجر الأسود، وأشنع ما تعرّض، وحدث له حادثة القرامطة عندما أخذوه في شهر ذي الحجة سنة (316 هـ)، وغيبوه، ثم رُدّ إلى موضعه يوم النحر من سنة (339 هـ). يُنظر: مكة المكرمة تاريخ ومعالم، لمحمود حمو (48).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود (2/ 149/ ح 1597)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأْسود فِي الطواف (4/ 66/ ح 1270)، واللفظ للبخاري.
قال المحدِّث أبو القاسم الطبراني رحمه الله: إنما قال ذلك عمر رضي الله عنه؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر رضي الله عنه أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية
(1)
.
فتقبيل الحجر الأسود ليس لأجل ذات الحجر؛ بل هي عبادة محضة لله سبحانه وتعالى امتثالاً لأمره
(2)
، وتأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم صورةً وقصدًا؛ لحصول بركة الثواب، خلافًا لمن يظنُّ أن به بركة حسية؛ فيقبّله ويستلمه، ثم يمسح على سائر بدنه تبركًا بذلك
(3)
.
2 الركن اليماني:
يستحب للمسلم عند الطواف حول الكعبة استلام الركن اليماني: والدليل: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم لا يَسْتَلِمُ إِلاَّ الْحَجَرَ، وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ
(4)
.
ولهذا اتفق العلماء على أنه لا يشرع تقبيل شيء من الأحجار إلا الحجر الأسود، ولا استلام إلا الركنان اليمانيان
(5)
.
فالحجر الأسود يقبّل ويستلم، والركن اليماني يستلم فقط.
يقول صاحب كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى:
اعلم أن للبيت أربعة أركان: الركن الأسود، والركن اليماني، ويقال لهما: اليمانيان، وأما الركنان الآخران، فيقال لهما: الشاميّان.
(1)
نقلاً من التوشيح شرح الجامع الصحيح، للسيوطي (3/ 1268).
(2)
يُنظر: الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لمحمد الأمين الهرري (14/ 215).
(3)
يُنظر: القول المفيد، لابن عثيمين (1/ 196).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين (2/ 151/ ح 1609)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب استحباب استلام الركنين اليمانيين فِي الطواف دون الركنين الآخرين (4/ 66/ ح 1267)، واللفظ لمسلم.
(5)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 274).
فالركن الأسود فيه فضيلتان:
إحداهما: أنه على قواعد إبراهيم عليه السلام.
والثانية: أن فيه الحجر الأسود.
وأما اليمانيّ: ففيه فضيلة واحدة، وهي كونه على قواعد إبراهيم عليه السلام.
وأما الركنان الآخران فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين،
فلهذا خصّ الحجر الأسود بشيئين: الاستلام، والتقبيل؛ للفضيلتين.
وأما اليمانيّ، فيستلمه
(1)
، ولا يقبّله؛ لأن فيه فضيلة واحدة.
وأما الركنان الآخران، فلا يقبلان، ولا يستلمان. والله أعلم
(2)
.
فليس على وجه الأرض موضع يشرع استلامه، وتحط الخطايا والأوزار فيه غير الركنين اليمانيين
(3)
؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مَسْحَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَالرُّكْنِ الأَسْوَدِ يَحُطُّ الْخَطَايَا حَطًّا»
(4)
.
د السعي بين الصفا والمروة
(5)
:
الصفا والمروة يقصدان بالسعي بينهما في الحج والعمرة؛ لقوله تعالى:
(1)
يستلم فقط: أي: يمسح عليه بيده اليمنى. يُنظر: اللقاءات الشهرية، لابن عثيمين (1/ 141).
(2)
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى، والمعروف بشرح سنن النسائي، لمحمد الأتيوبي (25/ 244).
(3)
يُنظر: زاد المعاد، لابن القيم [ط 27](1/ 49).
(4)
أخرجه أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (3/ 1214/ ح 5725)، وعبد بن حميد في المنتخب من مسنده، أحاديث ابن عمر رضي الله عنهما (1/ 263/ ح 831)، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب المناسك، باب الطواف واستلام الحجر وفضله (5/ 29/ ح 8877)، والطبراني في الكبير، باب العين، عبيد بن عمير عن ابن عمر رضي الله عنهما (12/ 389/ ح 13438)، والطبراني في الأوسط، باب الميم، محمد بن النضر الأزدي (5/ 191/ ح 5044)، صححه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/ 489/ ح 1805)، والصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 103)، ويُنظر: فتح الغفار الجامع لأحكام سُنَّة نبيّنا المختار، للصنعاني (2/ 1023).
(5)
الصفا: جبل صغير في الجهة الجنوبية الشرقية من الكعبة، وهو الذي يبدأ منه السعي.
المروة: جبل صغير في الجهة الشمالية الشرقية من الكعبة، وإليه ينتهي السعي.
يُنظر: مكة المكرمة تاريخ ومعالم، لمحمود حمو (66).
والدليل من السُّنَّة على تخصيص الكعبة بالطواف، والمقام بالصلاة خلفه، والصفا والمروة بالسعي بينهما المذكورة آنفًا فعل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أنه طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ»
(1)
.
فيستحب إحياء المسجد الحرام بتلك العبادات التي جاء الشرع بتخصيصها؛ امتثالاً لأمر الله جل جلاله، وتأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم واقتداءً به صلى الله عليه وسلم صورةً وقصدًا.
2 المسجد النبوي:
ذكر الله جل جلاله المسجد النبوي في القرآن الكريم عند قوله: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة: 108]
(2)
.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْمَسْجِدَيْنِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟
قَالَ: فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ، فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ، ثُمَّ قَالَ:«هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا»
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب قول الله:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} (1/ 88/ ح 395).
(2)
اختلفوا في هذه الآية بالمسجد الذي أسس على التقوى: فمنهم من قال بأن المقصود هو مسجد قباء، وقال آخرون: المقصود به المسجد النبوي، وهو الذي يرجحه ابن جرير الطبري في جامع البيان (11/ 685) بقوله: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لصحة الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا معارضة بين الأحاديث الواردة في تفسير الآية في أنه المسجد النبوي أو مسجد قباء، إذ كلا المسجدين أُسس على التقوى. للاستزادة في تحقيق هذه المسألة، وتحريرات العلماء يُنظر: الأحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعًا ودراسة، لصالح الرفاعي (372 - 373).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة (4/ 126/ ح 1398).
من خصائص المسجد النبوي وفضائله:
1 أنه أُسس على التقوى؛ لقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة: 108].
2 فضل الصلاة فيه ومضاعفة الثواب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
…
»
(1)
.
3 اختصاصه بشد الرحال إليه مع المسجد الحرام والأقصى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلاَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى»
(2)
.
4 فضل ما يحويه من الروضة الشريفة والتي هي روضة من رياض الجنة
(3)
؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي»
(4)
.
3 المسجد الأقصى:
ذكر الله جل جلاله المسجد الأقصى في القرآن الكريم في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ سُلَيْمَانَ بن دَاوُدَ عليهما السلام لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللهَ عز وجل خِلَالاً ثَلَاثَةً، سَأَلَ اللهَ عز وجل: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللهَ عز وجل: مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللهَ عز وجل حِينَ فَرَغَ
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (2/ 60/ ح 1190)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (4/ 124/ ح 1394)، واللفظ لمسلم.
(2)
سبق تخريجه راجع فضلاً (116).
(3)
يُنظر: تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لعطية سالم (8/ 325).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل ما بين القبر والمنبر (2/ 61/ ح 1195)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة (4/ 123/ ح 1390).
مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ: أَنْ لا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لا يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلَاةُ فِيهِ، أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ، كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»
(1)
.
من خصائص المسجد الأقصى وفضائله:
1 أنه أول قبلة للمسلمين قبل أن يتحولوا عنها إلى الكعبة، بأمر من الله سبحانه جل جلاله، أَوَّلَ ما قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ
…
، صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أو سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلاَّهَا صَلَاةَ العَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ
…
(2)
.
2 أنه ثاني بيت وضع في الأرض بعد المسجد الحرام: لحديث أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أي مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الحَرَامُ» ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الأَقْصَى» ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ»
(3)
.
3 اختصاصه بشد الرحال إليه مع المسجد الحرام والنبوي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلاَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى»
(4)
.
(1)
أخرجه النسائي في المجتبى، كتاب المساجد، باب فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه (1/ 158/ ح 692/ 1)، إسناد صحيح. يُنظر: المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (2/ 113)، فتح الباري شرح صحيح البخاري (6/ 468)، سنن النسائي بشرح جلال الدين السيوطي (2/ 32).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الصلاة من الإيمان (1/ 17/ ح 40).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حدثنا موسى بن إسماعيل (4/ 145/ ح 3366)، ومسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة (2/ 63/ ح 520)، واللفظ للبخاري.
(4)
سبق تخريجه راجع فضلاً (116).
4 أنه أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وعُرج به صلى الله عليه وسلم منه إلى السماء، لقوله:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1].
5 أنه فضل الصلاة فيه، ومضاعفة ثوابها لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَفِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلَاةٍ، وَفِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلَاةٍ»
(1)
.
6 مبارك ما حوله: لقول الله تعالى: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1]، وقوله:{الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ *} [الأنبياء]؛ أي: أن البركة جُعلت لسكانه في معايشهم، وأقواتهم، وحروثهم، وغروسهم
(2)
.
4 مسجد قُباء:
قال تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة: 108]
(3)
.
وهو أول مسجد بُني في المدينة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، قبل بناء المسجد النبوي، وقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم في تأسيسه، وكان يقصده صلى الله عليه وسلم بين الحين والآخر
(4)
.
(1)
أخرجه البزار في مسنده، مسند أبي الدرداء رضي الله عنه، ما روى فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء (10/ 77/ ح 4142)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها (2/ 69/ ح 609).
حسّن الحديث والإسناد جمع من الأئمة والمحدثين. يُنظر: مسند البزار (10/ 77/ ح 4142)، شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 668)، الاستذكار، لابن عبد البر (7/ 222)، فتح الباري، لابن حجر (3/ 80)، تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي (1/ 269)، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (6/ 14)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 776/ ح 4211)، وإرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (4/ 342/ ح 1130).
(2)
جامع البيان (14/ 448).
كما سيأتي بيان المقصود بالبركة في المسجد الأقصى، للوصول إلى تفصيل المسألة انتقل فضلاً (498).
(3)
تقدّم قبل صفحات قليلة في الحاشية الجمع بين القولين في الآية. راجع لطفًا (179).
(4)
يُنظر: العرف الشذي شرح سنن الترمذي، لمحمد أنور شاه (1/ 325).
من خصائص مسجد قُباء وفضائله:
1 أنه أول مسجد بُني في المدينة، يقول عروة بن الزبير رضي الله عنه عندما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف ولبث فيهم بضع عشرة ليلة: «
…
وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ
…
»
(1)
.
2 أن فضل الصلاة في مسجد قباء وأجره كعمرة، لمن تطهر في بيته وخرج إليه، والدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ فَصَلَّى فِيهِ صَلَاةً كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ»
(2)
.
3 تسن زيارته يوماً من كل أسبوع، ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان: «
…
يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا»
(3)
، وفي رواية:«فيصلي فيه ركعتين»
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (5/ 60/ ح 3906).
(2)
أخرجه النسائي في المجتبى، كتاب المساجد، باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه (1/ 159/ ح 698/ 2)، والنسائي في الكبرى، كتاب المساجد، فضل مسجد قباء والصلاة فيه (1/ 387/ ح 780)، وابن ماجه في سننه، أبواب إقامة الصلاة والسُّنَّة فيها، باب ما جاء فِي الصلاة فِي مسجد قباء (2/ 416/ ح 1412)، وأحمد في مسنده، مسند المكيين رضي الله عنهم، حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه (6/ 3449/ ح 16228)، والحاكم في مستدركه، كتاب الهجرة، من صلى في قباء كان كعدل عمرة (3/ 12/ ح 4302)، واللفظ لابن ماجه، صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 48/ ح 1181).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب من أتى مسجد قباء كل سبت (2/ 61/ ح 1193)، ومسلم في صحيحه كتاب الحج، باب فضل مسجد قباء (4/ 127/ ح 1399)، واللفظ للبخاري.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب إتيان مسجد قباء ماشيًا وراكبًا (2/ 61/ ح 1194)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل مسجد قباء (4/ 127/ ح 1399).
ومعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت؛ أي: يزوره مرة في كل أسبوع، وعُبر بالسبت عن الأسبوع كما يعبر عن الأسبوع بالجمعة
(1)
.
ولا يشرع قصد مسجد قباء بشد الرحال إليه؛ لخصوصية ذلك بالمساجد الثلاثة السابق ذكرها، وإنما يقصده من بيته كما يقصد الرجل مسجد مصره الذي يأتيه من القرب، فمسجد قباء يُختص بإحيائه بالزيارة أسبوعيًّا دون السفر
(2)
.
وقد اشتركت تلك المساجد الأربعة بأمور تربط بينها، واختصت بها دون بقية المساجد، أهمها أمران
(3)
:
1 جاء تحديد مكانها بوحي من الله جل جلاله.
2 كلها بناها رسل الله عليهم السلام.
وأن المساجد الثلاثة: النبوي والأقصى، وقباء، يتم إحياؤها بالعبادات المشروعة كالصلاة والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف.
فكل ما يشرع فيها من العبادات، يشرع في سائر المساجد، ولم يشرع فيهم عبادات خاصة كالمسجد الحرام.
(1)
يُنظر: موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (2/ 509).
ومما يؤيد أن المقصود بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم لقباء السبت؛ يعني: مرة في الأسبوع وليس يوم السبت بعينه:
1 جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زار قباء في غير يوم السبت.
2 ورد في الحديث السبت مجرد عن إضافة كلمة: يوم قبله.
3 جاء في كلام العرب وأشعارهم إطلاق السبت يريدون بذلك مرور أسبوع؛ كقول أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث الاستسقاء: لم نرَ الشمس سبتا فدل على أن المقصود به الأسبوع وليس يوم السبت بعينه، يُراجع تفسير العلماء لقول الصحابي: كالزين بن المنير، المحب الطبري، والنووي، يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (2/ 504)، عمدة القاري، للعيني (7/ 40)، النهاية، لابن الأثير (2/ 331).
(2)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 342)، قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق، لابن تيمية (47).
(3)
يُنظر: تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لعطية سالم (8/ 324 - 325).
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المساجد جميعها تشترك في العبادات، فكل ما يفعل في مسجد يفعل في سائر المساجد، إلا ما خص به المسجد الحرام، من الطواف ونحوه، فإن خصائص المسجد الحرام لا يشاركه فيها شيء من المساجد، كما أنه لا يصلى إلى غيره.
وأما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، فكل ما يشرع فيهما من العبادات، يشرع في سائر المساجد: كالصلاة والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف، ولا يشرع فيهما جنس لا يشرع في غيرهما: لا تقبيل شيء، ولا استلامه، ولا الطواف به ونحو ذلك، لكنهما أفضل من غيرهما، فالصلاة فيهما تضاعف على الصلاة في غيرهما
(1)
.
وقال أيضًا رحمه الله: وقد اتَّفق المسلمون على أنَّه لا يُشرَعُ الطوافُ إلاَّ بالبيتِ المعمور، فلا يَجوزُ الطوافُ بصَخرَةِ بيت المقدس، ولا بِحُجرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا بالقُبَّةِ الَّتِي في جبَلِ عرفات ولا غير ذلك، وكذلك اتفق المسلمون على أنه لا يشرع الاستلام ولا التقبيل إلا للركنين اليمانيين؛ فالحجر الأسود يستلم ويقبل واليماني يستلم،
…
وأما غير ذلك فلا يشرع استلامه ولا تقبيله؛ كجوانب البيت والركنين الشاميين؛ ومقام إبراهيم والصخرة والحجرة النبوية وسائر قبور الأنبياء والصالحين
(2)
.
يتبين مما سبق أن المسجد الحرام تميز بصور من الإحياء، وأنواع من العبادات الخاصة، وأن المساجد الثلاثة (النبوي الأقصى قُباء)، تميزت واختصت بالفضل ومضاعفة الأجر، وكذلك اختصت المساجد الثلاثة دون قباء بشدّ الرحال إليها.
(1)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 354).
(2)
مجموع الفتاوى (4/ 521).
المسألة الثالثة: حكم إحياء آثار المساجد وأماكن التعبّد:
إحياء آثار المساجد وأماكن التعبّد لها جانبان:
الجانب الأول: إحياؤها بالعبادات والطاعات تقربًا لله تعالى.
الجانب الثاني: إحياؤها بالاهتمام والترميم والتجديد والبناء وتذليل الوصول إليها.
الجانب الأول: إحياؤها بالعبادات والطاعات تقربًا لله تعالى:
يجب على المسلم أن يُحيي المساجد، ويعظمها على الوجه الصحيح الوارد في الكتاب والسُّنَّة وعن سلف الأمة، وتحقيق ذلك بالالتزام بالعبادات الشرعية المتعلقة بالمساجد، والإتيان بما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فيها من العبادات
(1)
.
ولا يزيد عن ذلك ويبتدع عبادات لم تشرع، وإن كان على وجه التعظيم، والتقرب لله وزيادة الطاعات، ولا يخصص مسجدًا بعبادة دون غيره من المساجد إلا ما ثبت تخصيصه.
فلا يشرع للمسلم التمسّح بحيطان الكعبة، ولا التعلّق بأستارها، ولا تقبيل مقام إبراهيم، ولا التمسَّح به، ولا التبرك بأي شيء في المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى وغيرها من المساجد، كل ذلك من البدع والشركيات التي ما أنزل الله بها من سلطان
(2)
.
ولم يخصص صلى الله عليه وسلم مسجدًا بعبادة خاصة دون غيره من المساجد إلا المسجد الحرام خُص ببعض العبادات، ولذلك ما يشرع إتيانه في عامة المساجد هو الذي يشرع إتيانه في المسجد الأقصى والمسجد النبوي وقباء
(3)
.
(1)
يُنظر: أدب زيارة المسجد النبوي والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعطية سالم (39 - 43)، وفضل المدينة وآداب سكناها وزيارتها (43 - 48)، والمسائل العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (438).
(2)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 274 - 476)، وتجريد التوحيد، للمقريزي (18)، البدع والمحدثات، وما لا أصل له (252 - 258).
(3)
يُنظر: أدب زيارة المسجد النبوي والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعطية سالم (39 - 43)، وفضل المدينة وآداب سكناها وزيارتها (43 - 48)، والمسائل العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (438).
فتعظيم أمر الله جل جلاله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتنفيذ ما شرع بالإخلاص والاتباع، وعدم الابتداع، وأما الزيادة في التعظيم بحجة التعبد والحب، فهذا تجاوز وغلو.
وأما المساجد البدعية المحدثة التي نسبت إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين، واتُخذت مزارًا كالمساجد السبعة، ومسجد في جبل أُحد وغيرها، فهذه مساجد لا أصل لها في الشرع المطهر، ولا يجوز قصدها لعبادة ولا لغيرها؛ بل هو بدعة ظاهرة.
والأصل الشرعي: أن لا نعبد إلا الله، وألا نعبد الله إلا بما شرع على لسان نبيّه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه بالرجوع إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكلام سلف الأمة الذين تلقوا هذا الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغوه لنا عنه، وحذرونا من البدع امتثالاً لأمر البشير النذير صلى الله عليه وسلم
(1)
.
هذا من جهة إحياء المسلم المساجد وأماكن التعبد وتعظيمها تعبدًا وتقربًا إلى الله جل جلاله.
وأما
الجانب الثاني: إحياؤها بالاهتمام والترميم والتجديد والبناء وتذليل الوصول إليها:
إحياء المساجد وأماكن التعبد بالاهتمام والترميم والتجديد والبناء وتذليل الوصول إليها من الأمور المشروعة؛ بل هو من الأمور الضرورية على المسلمين
(2)
، لتحقق العبودية وامتثالاً للأوامر الشرعية، وما يترتب عليه من الأجر والفضل العظيم، والثواب الجزيل لمن بنى المسجد خالصًا لوجه الله سبحانه وتعالى
(3)
.
ومعلوم أن الهدف من بناء المساجد وعمارتها جمع الناس فيها للعبادة، وهو اجتماع مقصود في الشريعة، أما عن وجود مجموعة مساجد في مكان واحد لا يحقق هذا الغرض؛ بل هو مدعاة للافتراق المنافي لمقاصد الشريعة،
(1)
فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الثانية/ 5/ 179).
(2)
يُنظر: المجموع شرح المهذب، للنووي (2/ 179 - 180)، ونيل الأوطار، للشوكاني (2/ 171 - 173)، أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية، لإبراهيم الخضيري (2/ 31).
(3)
يُنظر: نيل الأوطار، للشوكاني (2/ 173)، أحكام المساجد، لإبراهيم الخضيري (2/ 33 - 34).
وبعض المساجد لم تبن للاجتماع؛ لأنها متقاربة جدًّا، وإنما بنيت للتبرك بالصلاة فيها والدعاء، وهذا ابتداع واضح
(1)
.
ومن المعلوم أيضًا أن بناء المساجد من حيث الشكل ليس توقيفيًّا؛ بل هو متطور مع التطور العمراني، ويختلف شكله من جهة إلى أخرى، ومن بلد إلى بلد
(2)
ولكن هناك أمورٌ لا بد أن تكون في الحسبان عند عمارة المساجد وإحيائها، من أهمها:
1 تجنّب بناء المسجد على القبر، أو دفن الميت في المسجد؛ لورود النهي عن ذلك، واتفاق الأئمة على تحريمه
(3)
.
فإذا كان المسجد قديم والقبر أحدث فيه، فإنه يزال وينبش وينقل الرفات إلى المقبرة العامة في حفرة خاصة، ويسوى ظاهرها كسائر القبور، ويبقى المسجد على حاله يصلى فيه؛ لزوال المحذور.
وأما إذا كان المسجد هو الأخير الذي بني على القبور وجب هدمه، وأن لا يبقى؛ لأنه أسس على الباطل.
فيُعلم أنه في الصورة الأولى: إذا كان المسجد الأول والقبر هو الحادث ينبش القبر ويزال من المسجد.
وفي الصورة الثانية: إذا كان القبر الأول يبقى القبر ويهدم المسجد.
ولا يجوز للمسلمين أن يصلوا في المساجد التي فيها قبور، والصلاة فيها غير صحيحة؛ لثبوت النهي عن ذلك في الأحاديث الصحيحة
(4)
.
كما سيأتي التفصيل في بيان تحريم البناء على القبور في موضعه
(5)
.
2 تجنّب وضع ستائر على زوايا المسجد؛ لأجل مقام رجل صالح أو
(1)
فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الثانية/ 5/ 182).
(2)
يُنظر: أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية، لإبراهيم الخضيري (2/ 40).
(3)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/ 488).
(4)
يُنظر: الفروع، لابن مفلح (3/ 381)، حكم السُّنَّة والكتاب في الزوايا والقباب، لأبي زيد النتيفي البيضاوي (62)، فتاوى نور على الدرب، لابن باز (264).
(5)
للوصول إلى تفصيل مسألة البناء على القبور انتقل فضلاً (301).
ولي من أولياء الشيطان كما قال صاحب كتاب إصلاح المساجد من البدع والعوائد: أن بعض المساجد في غير هذه البلاد يوجد بها ستائر على زوايا المسجد، أو على جانب حائط، أو على عمود، ويزعمون أنها لمقام فلان، أو أنه كان يحضر حيًّا في هذا المكان، فيقدسونه لأجل ذلك، وربما تمسحوا به، وربما زعموا أنه قبره، وربما عبدوه من دون الله، نعوذ بالله من الشرك
(1)
.
ثم ذكر حوادث تؤيد قوله، وذكر غيره: أن هذه الستائر تحوي كلمات فيها شرك كالاستغاثة بغير الله، وهذا والله من ألاعيب الشيطان ومن انتشار الجهل بالدين، نسأل الله السلامة والعافية
(2)
.
فإذا كان يُتبرك بالمقام الذي في المسجد، أو يعتقدون فيه أنه يشفي مرضاهم، ويتمسحون بما أخذوا من ترابه، أو ما أشبه ذلك، فإنه يُهدم؛ لأنه من قواعد الشرك ومن أساسات الشرك التي يجب أن تُزال
(3)
.
3 تجنّب زخرفة حوائط المساجد وأرضه وسقفه ونحوها؛ لورود النهي عن ذلك، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ» ، علّق ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى
(4)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ»
(5)
.
(1)
يُنظر: إصلاح المساجد من البدع والعوائد، للقاسمي (216 - 217).
(2)
يُنظر: أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية، لإبراهيم الخضيري (2/ 116).
(3)
يُنظر: فتاوى نور على الدرب، لابن باز (264).
(4)
أخرجه ابن حبان في صحيحه كتاب الصلاة، ذكر العلة التي من أجلها زجر عن هذا الفعل (4/ 493/ ح 1615)، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في بناء المساجد (1/ 170/ ح 448)، وابن ماجه في سننه، أبواب المساجد والجماعات، باب تشييد المساجد (1/ 476/ ح 740)، صححه الألباني في صحيح أبي داود (2/ 347/ ح 475).
(5)
أخرجه النسائي في المجتبى، كتاب المساجد، باب المباهاة في المساجد (1/ 157/ ح 1/ 688)، وكذلك في السنن الكبرى، كتاب المساجد، المباهاة في المساجد (1/ 383/ ح 770)، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في بناء المساجد (1/ 171/ ح 449) واللفظ له، صححه الألباني في صحيح أبي داود (2/ 348/ ح 476).
وكما جاء في الأثر عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: إِذَا زَوَّقْتُمْ
(1)
مَسَاجِدَكُمْ، وَحَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ، فَالدَّبَارُ
(2)
عَلَيْكُمْ
(3)
؛ لأن زخرفة المساجد وتزيينها وتحلية المصاحف تُشغل القلوب وتُلهي عن الخشوع والحضور مع الله تعالى الذي هو روح العبادة
(4)
.
وغيرها من الآثار كثير والتي تدل في مجملها على كراهة السلف الصالح للزخرفة؛ لكونها مشابهة للمشركين من اليهود والنصارى ونحوهم، وقد جاء الأمر بمخالفتهم، والنهي عن مشابهتهم.
وكذلك فيها مخالفة للغرض الأساسي الذي من أجله بنيت المساجد، وهي عبادة الله تعالى، ولما فيها كذلك من الإسراف
(5)
.
فيتبين من ذلك أن زخرفة المساجد مكروهة كراهة شديدة
(6)
قد تصل إلى التحريم، وأما عن تزويقها بالذهب أو الفضة حتى ولو كانت الكعبة: فحرام مطلقًا، وبغيرهما مكروه
(7)
.
ومما يستأنس بذكره ما جاء عن أبان بن عثمان رحمه الله لما سأله الخليفة عن المسجد النبوي بعدما فرغ من بنائه بالحجارة المنقوشة، وعمله بالفسيفساء والمرمر، وعمل سقفه بالسَّاج وماء الذهب، واعتنى بتحسينه وتزينه.
(1)
زَوَّقْتُمْ: الزاووق هو الزئبق؛ لأنه يطلى به مع الذهب ثم يدخل النار، فيذهب الزئبق ويبقى الذهب، ويقال لكل مزيّن ومنقّش ومحسّن: مزوّق وإن لم يكن فيه الزئبق. يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 319)، لسان العرب (10/ 150).
(2)
فالدبار عليكم: الهلاك عليكم. يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 98).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلاة، في زينة المساجد وما جاء فيها (3/ 85/ ح 3166)، وكذلك في كتاب فضائل القرآن، في المصحف يحلى (15/ 544/ ح 30864)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 336/ ح 1351).
(4)
يُنظر: فيض القدير، للمناوي (1/ 366)، سبل السلام، للصنعاني (1/ 236).
(5)
يُنظر: نيل الأوطار، للشوكاني (2/ 175)، أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية، لإبراهيم الخضيري (2/ 44).
(6)
يُنظر: المجموع شرح المهذب، للنووي (2/ 180)، أحكام المساجد، لإبراهيم الخضيري (2/ 44).
(7)
يُنظر: فيض القدير، للمناوي (1/ 366).
قائلاً: أين هذا من بنيانكم؟
فقال أبان رحمه الله: بنيناه بناء المساجد، وبنيتموه بناء الكنائس!
(1)
.
4 النهي عن الإكثار من بناء المساجد في المحلة الواحدة؛ وذلك لما فيه من تفريق الجمع وتشتيت شمل المصلين، وتعديد الكلمة، وحل عروة الانضمام في العبادة، وذهاب رونق وفرة المتعبدين واختلاف المشارب ومضادة حكمة مشروعية الجماعات
(2)
.
وجاء في «الإقناع» : ويحرم أن يبنى مسجد إلى جنب مسجد إلا لحاجة كضيق الأول ونحوه
(3)
.
وبحمد الله وفضله قامت دولتنا الرشيدة المملكة العربية السعودية على خدمة المساجد عمومًا وعلى خدمة الحرمين الشريفين المسجد الحرام، والمسجد النبوي، حق القيام بالمحافظة والاهتمام البالغ، والعناية الفائقة.
فتعد جهودها درة الأعمال الجليلة التي ميّزها الله جل جلاله بها؛ لخدمة الإسلام والمسلمين بالمحافظة على المساجد والمشاعر الدينية.
ولا يمكن لأحد أن يزايد مطلقًا على عناية المملكة ببيت الله الحرام، والمشاعر المقدسة، والمسجد النبوي الشريف، والاهتمام بها، والحرص على تشييدها وتوسعتها وصيانتها وإعمارها وتهيئتها للعبادة، لا شك أن ذلك كله يعد من صميم رسالة ملوك هذا البلد المعطاء
(4)
.
ابتداءً من عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود
(1)
يُنظر: تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد، لأبي بكر الصالحي (239 - 240).
(2)
يُنظر: الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع، للسيوطي (200)، إصلاح المساجد، للقاسمي (96).
(3)
الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، للحجاوي المقدسي (1/ 333).
(4)
يُنظر: التاريخ ينصف رعاية المملكة للحرمين، مقال في جريدة الرياض، الجمعة 23 جمادى الأولى 1439 هـ 9 فبراير 2018 م، وجهود المملكة في خدمة الحرمين الشريفين، لعلي بن محمد الغامدي (مقال إلكتروني بموقع وزارة التعليم).
طيب الله ثراه وحتى الآن في عهد الملك سلمان حفظه الله ورعاه والتي تعدّ جهودهم عقد من اللآلئ التي ترصع التاريخ الإسلامي على مر العصور، وسيبقى التاريخ خير شاهد
(1)
.
ومن الجدير بالذكر أن المسجد الحرام والمشاعر المقدسة في سنة: (316 هـ)، تعرضت لحوادث وكوارث من قِبل القرامطة، الذين كانوا قبل هذه السنة يقطعون على الحجاج طريقهم وينهبونهم لكن في هذا العام (316 هـ) تمادوا وهجموا بهجوم عنيف على مكة، وقاموا بأعمال شنيعة في موسم الحج، اشتملت على القتل والنهب والسرقة والتخريب
(2)
.
فقد استحلوا حرمة البيت الحرام، فخلعوا الميزاب وباب الكعبة، وسلبوا كسوتها الشريفة، ونهبوا جميع ما كان من البيت من المحاريب والمصابيح ومما يزين به البيت من ذهب وفضة، فجرّدوا البيت مما كان عليه، وحملوا ذلك على خمسين جملاً، وأرادوا الاستيلاء على مقام إبراهيم، ولكن سدنة المسجد غيبوه عنهم في بعض شعاب مكة، فلم يجدوه إذ كانوا جشعين في طلبه لنهبه، فعادوا عند ذلك إلى الحجر الأسود، واقتلعوه من مكانه، واحتملوه إلى بلادهم.
وقتلوا زهاء ثلاثين ألفًا من أهل البلد ومن الحجاج ورموهم في بئر زمزم، وسبوا النساء والذراري ما يقارب عشرين ألف رأس، فجمعوا شيئًا عظيمًا من الذهب والفضة، والجواهر والورق التي سلبوها من الحجاج القادمين من بلدان الإسلام كلها، وحملوا منها مقدار مائة ألف جمل وأحرقوا الباقي، وانقلبوا إلى بلادهم يحملون الحجر الأسود حيث أبقوه عندهم ثم استرد إلى مكة بعد (22 سنة)
(3)
.
(1)
يُنظر: المرجعين السابقين.
(2)
يُنظر: صلة تاريخ الطبري، للقرطبي (95).
(3)
يُنظر: التنبيه والإشراف، للمسعودي (1/ 334 - 335)، تثبيت دلائل النبوة، للقاضي عبد الجبار (2/ 384 - 386).
تنبيه: المؤلفان السابقان كلاهما معتزليان، وتم النقل عنهما؛ لأنهما عاصرا الحادثة، وأرّخا لها، وأسهبا في وصفها، وصفًا دقيقًا، والمسألة المنقولة عنهما ليست متعلقة بأمر عقدي.
ولعل هذه أول حادثة في القرن الرابع تعطّل الحج فيها؛ بسبب القرامطة كما قال الحافظ الذهبي رحمه الله: ولم يحجّ أحدٌ في هذه السنة
(1)
خوفًا من القرامطة
(2)
، وربما حج من كان في مكة أو من وصل إليها من المسلمين، والله أعلم.
ومن المهم التنبيه إلى ما ظهر مؤخرًا من الكذب والتزييف التاريخي في نسبة بعض آثار المساجد للعهد النبوي، أو عهد الخلفاء الراشدين، وإن كان الأصل عدم التفضيل إلا ما جاء الشرع بتفضيله وتعظيمه كما قررت ذلك سابقًا، وأن التراكم التاريخي الذي ينسبونه للمساجد لا يزيدها قيمة ولا فضلاً فهي كبقية المساجد، مثال ذلك:
ما روجته بعض الجهات بإعلانها لأول مئذنة في الإسلام في دومة الجندل
(3)
، والتي أمر ببنائها مع المسجد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان متجهًا إلى بيت المقدس، عام (16 هـ)، وسُمِّي المسجد باسمه رضي الله عنه، ولا تزال المئذنة محافظة على شكلها المعماري لأكثر من (14 قرنًا) على حد قولهم.
والحقيقة أن الفاحص لكتب التاريخ المتقدّمة والمتأخرة وكذلك المعاصرة لا يجدُ ذكرًا للمآذن في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
بل إن أول مئذنة عُرفت في الإسلام في عهد الدولة الأموية
(4)
، والتي قيل بأنها بنيت في عام:(45 هـ)
(5)
، وقيل في عام:(53 هـ)
(6)
، ولم
(1)
في سنة ستة عشرة وثلاثمائة من الهجرة النبوية (316 هـ).
(2)
يُنظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (7/ 217)
(3)
دومة الجندل: في منطقة الجوف الواقعة شمال غرب المملكة العربية السعودية.
(4)
يُنظر: فتوح البلدان، للبَلَاذُري (338 - 339)، المواعظ والاعتبار، للمقريزي (4/ 8 - 9)، إصلاح المساجد من البدع والعوائد، للقاسمي (145).
(5)
يُنظر: فتوح البلدان، للبَلَاذُري (338 - 339).
(6)
يُنظر: المواعظ والاعتبار (4/ 8 - 9).
تكن قبل ذلك
(1)
.
ومع أنه ليس هناك دليل صحيح على إثبات نسبة المئذنة للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فليس في نسبتها مزيد فضل، ولا ميزة تميزها عن بقية المآذن.
والمقرر عند خبراء الآثار هو أن علم التاريخ هو العمود الفقري للدراسات الأثرية
(2)
، فكيف ينسب خبراء الآثار المئذنة إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وليس لها ذكر في كتب التاريخ!
وكما أشار أحد المهتمين بالمساجد وعمارتها قائلاً إن: أقدم ما بقي لدينا رغم عوادي الزمن من المنارات منارة جامع عقبة في القيروان
…
وهي التي بناها عامل بني أمية على القيروان
…
ما بين سنة (105 هـ 109 هـ) وتليها في القدم منارة قصر الحير الشرقي في الشام ويرجع إنشاؤها إلى حوالي سنة (110 هـ)
(3)
.
والعجيب بقاء بنائها من الحجر والطين صامدًا بقوامه لمدة (14 ق) ولم يسقط!
والأعجب من ذلك ما صرّح به أحد أهالي المنطقة الشمالية أن تلك المئذنة التي في دومة الجندل والتي نسبوها للخليفة الراشد رضي الله عنه أنها في حقيقتها منارة قديمة بنيت مع كنيسة!!
وهُدمت الكنيسة وبقيت المنارة بجوار مسجد عمر رضي الله عنه
(4)
.
ومن المعلوم أن الإذاعة عن الآثار ومهنة الإرشاد السياحي من أخصب المهن وأكثرها قبولاً للتلون والكذب.
(1)
يُنظر: الوسائل إلى معرفة الأوائل، للسيوطي، نقلاً من إصلاح المساجد من البدع والعوائد، للقاسمي (145).
(2)
يُنظر: المدخل إلى علم الآثار، لزيدان كفافي (135).
(3)
تاريخ المساجد الشهيرة، لعبد الله سالم نجيب (222).
(4)
يوجد صور قديمة تُثبت وجود الكنيسة قبل الهدم وبعده، وهي محفوظة لدى أهل المنطقة.
كما أكّد على ذلك أحد كبار خبراء الآثار بقوله: أرى لزامًا علي أن أخبرك بهذه المناسبة بأنه: ما من مهنة يمكن أن يندس فيها الدجالون أكثر من هذه المهنة، وعالم الآثار كما رسمته هو الرجل ذو الصفات المتعددة
(1)
.
* * *
(1)
الآثار الشرقية، من مقدمة المترجم مارون خوري [ط: الأولى] (م).
المبحث الثالث
آثار الأمم الهالكة
وفيه ستة مطالب:
المطلب الأول: سفينة نوح عليه السلام بجبل الجودي.
المطلب الثاني: ديار عاد بالأحقاف.
المطلب الثالث: ديار ثمود بالحجر.
المطلب الرابع: ديار قوم لوط عليه السلام بالسدوم.
المطلب الخامس: ديار أصحاب مدين بالبدع.
المطلب السادس: حكم إحياء آثار الأمم الهالكة.
المبحث الثالث
آثار الأمم الهالكة
كان الناس أمة واحدة على التوحيد الخالص من آدم إلى نوح عليهما السلام؛ لقوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة: 213]
(1)
.
ثم طرأ عليهم الشرك، بعد مرور عشرة قرون، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«كان بين آدمَ ونوحٍ عليهما السلام عَشَرَةُ قُرُونٍ»
(2)
(3)
.
فبعث الله الأنبياء عليهم السلام مبشرين ومنذرين، يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهون عن عبادة ما سواه، وما من نبي يُبعث إلا ويقول:{يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]، اعبدُوا: أي: وحِّدُوا
(4)
.
وقد جاء في القرآن الكريم الإخبار عن أحوال الأمم السابقة مع أنبيائهم، حيث أنجى الله جل جلاله رسله وأتباعهم المؤمنين، وأهلك المكذبين
(5)
.
وهذه سُنَّة الله في بعض الأمم التي كفرت، وكذّبت الرسل عليهم السلام، وتحدّت آيات الأنبياء، أن يهلكهم ويستأصلهم، ولا يبقي لهم عقب.
(1)
يُنظر: فتح الرحمن في تفسير القرآن، لمجير الدين العليمي المقدسي (1/ 297).
(2)
أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، بيان القرون فيما بين الأنبياء (2/ 549/ ح 4038)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (9/ 69/ ح 3289).
(3)
أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب التفسير، تفسير سورة {حم *عسق *} (2/ 442/ ح 3675)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
(4)
تفسير القرآن العظيم، لابن أبي حاتم (5/ 1505).
(5)
يُنظر: جامع البيان (20/ 369).
وقد قال الله تعالى في هلاك الأمم السابقة واستحقاقهم للعذاب: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ *وَثَمُودُ وقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُولَئِكَ الأَحْزَابُ *إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ *} [ص].
ومن الأمم من تستجيب لدعوة نبيّها فتنجو من العذاب كما قال الله تعالى في قوم يونس عليه السلام: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ *} [يونس].
ومن الأمم من تكذّب دعوة نبيّها فتكون عاقبتها الاستئصال والهلاك.
وأول الأمم التي أهلكها الله تعالى قوم نوح عليه السلام، ثم عاد قوم هود عليه السلام، ثم ثمود قوم صالح عليه السلام، ثم قوم لوط عليه السلام، ثم أصحاب مدين قوم شعيب عليه السلام، وهكذا من بعدهم
(1)
، فهؤلاء بعض الأمم المعذبة بالاستئصال
(2)
، المتتابعة على الهلاك، الذين عتوا عن أمر ربهم، وكذبوا رسلهم عليهم السلام
(3)
.
فعجّل الله سبحانه وتعالى لهم العذاب في الدنيا، وما يدّخر لهم في الآخرة أشد وأعظم مما أصابهم قبل مماتهم
(4)
نسأل الله السلامة والعافية.
(1)
يُنظر: تاريخ الأمم والملوك، لابن جرير الطبري (1/ 112 - 197)، البداية والنهاية، لابن كثير (1/ 112 - 204)، صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (47 - 173).
(2)
قال صاحب رسالة أسباب هلاك الأمم السالفة كما وردت في القران الكريم: بعد استقراء الآيات الواردة في قصص السابقين، تبيَّن أن الذين عاقبهم الله بعذاب الاستئصال أربع عشرة أمة، وهي نتيجة توصل لها في نهاية الرسالة. يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة، لسعيد بن محمد بابا سيلا (457). حصر الباحث عدد الأمم الهالكة الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم، وإلا فالأمم الهالكة أكثر من (14)، كما جاء ذكرهم في السُّنّة وكتب السيرة.
(3)
يُنظر: تيسير الكريم الرحمن (552).
(4)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (7/ 95) وأيضًا (8/ 155).
ومضمون ما جرى للأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم نجده مستوفيًا في القرآن الكريم، والسُّنَّة النبوية الصحيحة.
فالقرآن يحكي صورًا من الأمم الهالكة ومصارعهم الغابرة، من أولهم حتى آخرهم؛ للاتعاظ والاعتبار واجتناب الأسباب التي أدت إلى هلاكهم وتعذيبهم
(1)
.
وما هلكت الأمم الغابرة، وأُعدّت لهم النيران في الآخرة إلا بالشرك والإباء عن التوحيد
(2)
، والكفر بالله جل جلاله والتكذيب برسله عليهم السلام والتمادي في المعاصي، والجرائم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فكان في قوم لوط مع الشرك إتيان الفواحش التي لم يسبقوا إليها؛ وفي عاد مع الشرك التجبر والتكبر والتوسع في الدنيا وشدة البطش وقولهم: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: 15] وفي أصحاب مدين مع الشرك الظلم في الأموال
…
وكان عذاب كل أمة بحسب ذنوبهم وجرائمهم، فعذب قوم عاد بالريح الشديدة العاتية التي لا يقوم لها شيء.
وعذب قوم لوط بأنواع من العذاب لم يعذب بها أمة غيرهم، فجمع لهم بين الهلاك والرجم بالحجارة من السماء، وطمس الأبصار، وقلب ديارهم عليهم بأن جعل عاليها سافلها، والخسف بهم إلى أسفل سافلين.
وعذب قوم شعيب بالنار التي أحرقتهم وأحرقت تلك الأموال التي اكتسبوها بالظلم والعدوان.
وأما ثمود فأهلكهم بالصيحة فماتوا في الحال، فإذا كان هذا عذابه لهؤلاء وذنبهم مع الشرك عقر الناقة التي جعلها الله آية لهم، فمن انتهك محارم الله واستخف بأوامره ونواهيه وعقر عباده وسفك دماءهم كان أشد عذابًا.
(1)
يُنظر: البداية والنهاية، لابن كثير (1/ 112 - 355).
(2)
يُنظر: معارج القبول، لحافظ الحكمي (2/ 486).
ومن اعتبر أحوال العالم قديمًا وحديثًا وما يعاقب به من يسعى في الأرض بالفساد وسفك الدماء بغير حق وأقام الفتن واستهان بحرمات الله: علم أن النجاة في الدنيا والآخرة للذين آمنوا وكانوا يتقون
(1)
.
والآثار المعنية في هذا المبحث: هي المعالم المرئية الباقية من الأمم السابقة.
وهذه الآثار يمكن القول بأنها على نوعين: أحدهما: ظاهرة، والأخرى: مطمورة.
فأما النوع الأول فهي كآثار ديار: عاد، وثمود، ومدين.
وأما النوع الآخر الآثار المطمورة فهي كأثر:
سفينة نوح عليه السلام، وخسف ديار قوم لوط عليه السلام تحت الأرض.
وبسط هذا المبحث في المطالب التالية:
المطلب الأول: سفينة نوح عليه السلام بجبل الجودي.
المطلب الثاني: ديار عاد بالأحقاف.
المطلب الثالث: ديار ثمود بالحجر.
المطلب الرابع: ديار قوم لوط عليه السلام بالسدوم.
المطلب الخامس: ديار أصحاب مدين بالبدع.
المطلب السادس: حكم إحياء آثار الأمم الهالكة.
* * *
(1)
مجموع الفتاوى (16/ 249 - 250).
المطلب الأول
سفينة نوح عليه السلام بجبل الجودي
أول الأمم التي أهلكها الله تعالى قوم نوح عليه السلام أهلكهم الله جل جلاله بالطوفان؛ لشركهم، الذي كان بدايته إحياء لآثار الصالحين ومن ثم غلوا فيهم، ومن ثم عبدوهم، وهو أول شرك حصل على وجه الأرض.
وبسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: لمحة عن دعوة نبي الله نوح عليه السلام لقومه.
المسألة الثانية: هلاك قوم نوح عليه السلام.
المسألة الثالثة: سفينة نوح عليه السلام وأثرها.
المسألة الأولى: لمحة عن دعوة نبي الله نوح عليه السلام لقومه:
أول رسول أرسله الله جل جلاله إلى أهل الأرض: نوح عليه السلام وهو أحد أولي العزم من الرسل، لقوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا *} [الأحزاب].
وأثنى الله عليه في القرآن بقوله جل جلاله: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا *} [الإسراء]، وأيضًا استجاب الله دعوته ونجاه من الكرب، وجعل في ذريته النبوة والكتاب؛ لقوله تعالى:{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ *وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ *وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ *} [الصافات].
وما صَبَرَ أحدٌ في طول مدة دعوته إلى الله صَبْرَ نوح عليه السلام وثَبَتَ ثباتُه، فقد مكث عليه السلام يدعوا قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وما آمن معه إلا قليل، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينهاهم عن الشرك به سبحانه وتعالى، ويبدي فيهم ويعيد، يدعوهم سرًّا وجهارًا، ليلاً ونهارًا، وهم لا يزدادون إلا
عتوًّا ونفورًا
(1)
.
فخلّد الله جل جلاله ذكره في القرآن الكريم، وذُكرت قصته في كثير من السور
(2)
، وسميت سورة من المفصل باسمه عليه السلام «سورة نوح» ، وذُكر أيضًا عليه السلام بآيات مع ذكر الأنبياء، وذكر قومه مع مجمل الأمم في سور أُخر
(3)
.
رُوي عن جماعة من السلف أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون
(4)
كلهم على ملة الحق، وأن الكفر بالله إنما حدث في القرن الذين بُعث إليهم نوح عليه السلام
(5)
.
حيث كان قبل بعثة نبي الله نوح عليه السلام رجالٌ صالحون لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا، زيّن الشيطان لأتباعهم الذين كانوا يقتدون بهم، أن يحيوا آثارهم ويصوروا صورهم، ثم نصبوا في مجالسهم التي يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم: ودًّا وسواعًا ويغوثَ ويعوقَ ونسرًا؛ لتُذكرهم بهم وينشطوا على الطاعة إذا رأوها بزعمهم، وتكون عونًا لهم على عبادة الله، ففعلوا ولم تعبد في أول الأمر، لكن لما مات أتباعهم، ثم طال الأمد، ونُسي العلم، وقلّ التوحيد، وجاء آخرون، دب إليهم إبليس وقال لهم: إن أسلافكم إنما كانوا يعبدونهم، ويتوسلون إليهم، وبهم يسقون المطر، فأطاعوه
(1)
يُنظر: جامع البيان (12/ 394)، تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (4/ 321)، البداية والنهاية (1/ 112 - 355).
(2)
ذكرت قصة نوح عليه السلام وقومه في سورة: الأعراف (59 - 64)، يونس (71 - 73)، هود (25 - 49)، الأنبياء (76 - 77)، المؤمنون (23 - 30)، الشعراء (105 - 122)، العنكبوت (14 - 15)، الصافات (75 - 82)، القمر (9 - 17).
(3)
يُنظر: سورة آل عمران (33)، النساء (63)، الأنعام (84)، التوبة (70)، إبراهيم (9)، الإسراء (3)، مريم (58)، الحج (42)، الفرقان (37)، الأحزاب (7)، سورة ص (12)، غافر (5 - 31)، الشورى (13)، سورة ق (12)، الذاريات (46)، النجم (52)، الحديد (26)، التحريم (10).
(4)
عشرة قرون: المراد بالقرن الجيل أو المدة على ما سلف، قال الحافظ ابن كثير: المراد بالقرن مائة سنة، فبينهما ألف سنة لا محالة. يُنظر: الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد (20/ 40 - 41).
(5)
تاريخ الأمم والملوك، للطبري (1/ 111).
وألهوهم، وعُبدت الأصنام، فوقع الشرك
(1)
.
فكان هدفهم الأول في إحياء آثارهم أن يتذكروهم؛ فينشطوا ويزدادوا من الطاعات، وفعل الخيرات، لكن سرعان ما تحوّل إحياء آثارهم، والاهتمام بهم إلى تعظيم وتقديس، حتى غلوا وجاوزوا الحد في العناية، ووصلوا إلى التأليه والعبادة نسأل الله السلامة والعافية حتى حصلت النتيجة الوخيمة وهي الوقوع في الشرك؛ الذي كان سببه التدرج بالانحراف، والتهاون بوسائل الشرك وذرائعه.
فلما انتشر في الأرض الفساد، وعمّ البلاء بعبادة الأصنام، وشرع الناس بالضلال والغي، أرسل الله عبده ورسوله نوح عليه السلام يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه، وكان عليه السلام أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض
(2)
.
فكان نبي الله نوح عليه السلام أول رسول أرسله الله جل جلاله لإبطال الشرك، وإقامة الحجة على المشركين؛ لتذكيرهم بنعم الله ووجوب شكرها، ودلالتهم على سوء مغبة الشرك ولزوم التبري منه، ولكن القوم غلب عليهم هوى الشرك، ففقدوا رشدهم، ولم يفقهوا دعوة نبيّهم، واجتهدوا في الدفاع عن وثنيتهم بما هو خارج عن موضوع النزاع
(3)
.
كما قال الله سبحانه وتعالى حكاية عن قوم نوح عليه السلام: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ *أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ *فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ *} [هود]، فكانوا يردون دعوته بحجة أنه بشر، وأنه ما آمن به
(1)
يُنظر: البداية والنهاية، لابن كثير (1/ 119) وتيسير الكريم الرحمن (889).
(2)
كما ثبت في الصحيحين في حديث الشفاعة الطويل، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا قال: «
…
فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا
…
» أخرجه البخاري في صحيحه كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} (4/ 134/ ح 3340).
(3)
يُنظر: رسالة الشرك ومظاهره، لمبارك الميلي (1/ 112).
منهم إلا الأراذل والسفلة بزعمهم، وأنه ليس بأفضل منهم حتى ينقادوا لأمره عليه السلام
(1)
، ورموه بالكذب
(2)
، واتهموه بالجنون
(3)
، والضلال المبين
(4)
، ولا شك أن زعمهم باطل، وقولهم فاسد.
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله معلقًا على زعمهم الباطل لأتباع نبي الله نوح عليه السلام: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} : وهم في الحقيقة الأشراف، وأهل العقول، الذين انقادوا للحق ولم يكونوا كالأراذل، الذين يقال لهم: الملأ الذين اتبعوا كل شيطان مريد، واتخذوا آلهة من الحجر والشجر، يتقربون إليها ويسجدون لها، فهل ترى أرذل من هؤلاء وأخس؟
(5)
.
وكان فعلهم أعجب من قولهم فقد كانوا يرفعون ثيابهم ويغطون بها رؤوسهم، ويضعون أصابعهم في آذانهم إذا سمعوه يدعوهم إلى الله جل جلاله؛ لئلا ينفذ إليهم كلام الحق؛ ولئلا ينظروا إلى الرسول الكريم عليه السلام، كما قال تعالى:{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا *} [نوح].
واستمروا على هذا الضلال حتى فشا فيهم الكفر والطغيان، وأشركوا بالله، وأصبح السابق يوصي اللاحق بالتمسك بآلهتهم، وعدم ترك عبادة الأوثان، قائلين لهم:
{لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا *} [نوح]، فتمسكوا بضلالهم وتواصوا به، فلم يستجيبوا لدعوة نبي الله نوح عليه السلام مع قوة حجته، وطول مدته
(6)
.
فدعوة نبي الله نوح عليه السلام لاقت قلوبًا غلفًا، وآذانًا صمًّا، وأعينًا عميًا،
(1)
تيسير الكريم الرحمن (380).
(2)
يُنظر: تيسير الكريم الرحمن (380)، رسالة الشرك ومظاهره، لمبارك الميلي (1/ 112).
(3)
يُنظر: سورة يونس، آية:(73).
(4)
يُنظر: سورة القمر، آية:(9).
(5)
يُنظر: سورة الأعراف، آية:(60).
(6)
يُنظر: رسالة الشرك ومظاهره، لمبارك الميلي (1/ 112).
فكان كلما طال عليهم الأمد ازدادوا كفرًا
(1)
.
فقد كانت سجاياهم تأبى الإيمان، واتباع الحق، ولهذا قال جل جلاله:{وَلَا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا *} [نوح]
(2)
.
ثم انتهى بهم الأمر إلى استعجال نزول العذاب، وقطعوا رجاءه عليه السلام في إيمانهم، فقالوا:{قَالُوا يانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ *} [هود]
(3)
.
المسألة الثانية: هلاك قوم نوح عليه السلام:
إحياء آثار الصالحين هو المدخل الذي أغوى الشيطان به قوم نوح عليه السلام حتى غلوا فيهم، وعظموهم وألهوهم، وبه وقع أول شرك على وجه الأرض، فهم أول الأمم التي أهلكها الله جل جلاله
(4)
.
فلما كذبوا نوحًا عليه السلام واستكبروا وعصوا أمر ربهم، أمر الله تعالى نوح عليه السلام بصناعة الفلك.
وقد جاء وصف هلاكهم في القرآن الكريم وصفًا دقيقًا، كما قال الله تعالى مخبرًا عنهم: {وَأُوْحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ *وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ *فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ *حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ *وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ *وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِل يابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا
(1)
أسباب هلاك الأمم السالفة (216) بتصرف.
(2)
يُنظر: تيسير المنان في قصص القرآن، لأحمد فريد (45).
(3)
يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (218).
(4)
يُنظر: رسالة الشرك ومظاهره، لمبارك الميلي (1/ 112).
وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ *قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ *وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ *قَال يانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ *قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ *قِيل يانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ *} [هود].
فكان هلاكهم بالطوفان
(1)
، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ *} [العنكبوت].
والطوفان الذي أهلك الله به قوم نوح عليه السلام لم يكن من قبيل الفيضانات التي تحدث بين الحين والآخر في مختلف بقاع الأرض؛ بل كان عذابًا عامًّا أعده الله جل جلاله؛ لاستئصال المشركين المستكبرين، وتطهير الأرض من دنسهم وطغيانهم، وقد وصف الله سبحانه وتعالى هول العذاب وشدّته في قوله:{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ *وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ *وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ *تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ *} [القمر]
(2)
.
المسألة الثالثة: سفينة نوح عليه السلام وأثرها:
حكى المؤرخون وبعض المفسرين هيئة السفينة التي أمر الله جل جلاله نوحًا عليه السلام، بأن يصنعها، حيث جاء في وصفها أن مقدمتها مثل صدر الطائر، وطولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون ذراعًا
(3)
، وارتفاعها ثلاثون ذراعًا،
(1)
قال الأصفهاني في المفردات (ص 532) عن معنى الطوفان: كل حادثة تحيط بالإنسان. اه. لكنه صار متعارفًا عليه في الماء المغرق المتناهي في الكثرة، بحيث يجرفه إلى الموت، سواء كان مطرًا أو سيلاً. يُنظر: جامع البيان (12/ 398)، لسان العرب (9/ 227).
(2)
يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (63).
(3)
يُنظر: جامع البيان (12/ 392 - 394).
ومكونة من ثلاث طبقات، كل طبقة عشرة أذرع؛ فالطبقة السفلى فيها الدواب والوحوش، وفي الطبقة الوسطى الناس، وفي الطبقة العليا الطيور، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها، وكان بابها في عرضها
(1)
.
ورُوي أن قوم نوح كانوا يسألونه عليه السلام عما يصنع فيجيبهم أنه يصنع بيتًا يجري على الماء، ولم يكن هذا معروفًا ولا متصورًا من قبل
(2)
.
فهذه السفينة العظيمة لم يكن لها نظير قبلها، ولن يكون بعدها مثلها؛ لأنها معجزة نبي، فهي حُفظت فترة من البلى؛ لتكون آية تشهدها الأمم التي كذبت الرسل، وتكون لهم عبرة وتخويفًا
(3)
.
وبعدما أهلك الله تعالى قوم نوح عليه السلام قال جل جلاله: {يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44]، فرست السفينة واستقرت على جبل بجزيرة قرب الموصل
(4)
، يسمى الجودي
(5)
.
قال الله تعالى عن بقاء أثر السفينة: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ *} [القمر].
وجاء في الصحيح عن قتادة رحمه الله (ت: 118 هـ) قال: أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أوائل هذه الأمة
(6)
.
(1)
يُنظر: تاريخ الأمم والملوك (1/ 113 - 118)، البداية والنهاية (1/ 123)، صحيح قصص الأنبياء (64).
(2)
تفسير القرآن الحكيم، لمحمد رشيد رضا (12/ 63) بتصرف.
(3)
يُنظر: صحيح قصص الأنبياء (62)، التحرير والتنوير، لابن عاشور (27/ 186)
(4)
يُنظر: جامع البيان (12/ 419)، الكشف والبيان، للثعلبي (5/ 171)، معالم التنزيل، للبغوي (2/ 451).
(5)
الجوديّ ياء مشددة: جبل مطلّ على جزيرة ابن عمر، في شرقيّ دجلة، من أعمال الموصل، استوت عليه سفينة نوح لما نضب الماء. يُنظر: مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع (1/ 356).
(6)
علّقه البخاري في صحيحه مجزومًا به، كتاب تفسير القرآن، باب {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ *} (6/ 143/ ح 4869)، وأشار الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8/ 618) إلى أن سنده: وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بلفظه، وزاد: على الجودي، وأورد سنده كاملاً في تغليق التعليق (4/ 328): قَالَ عبد بن حميد: أَنا عبد الرَّزَّاق عَنْ معمر عَنْ قَتَادَة قال: أبقى الله سفينة نوح على الجودي حَتَّى أدْركهَا أَوَائِل هَذِه الأْمة.
وقال أيضًا رحمه الله: فأبقى الله عز وجل السفينة
…
عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة نظرًا، وكم من سفينة كانت بعدها فصارت رمادًا
(1)
.
وعلّق المحدّث شمس الدين الكِرماني رحمه الله (ت: 786 هـ) على ما جاء عن قتادة رحمه الله: أبقى الله: أي نشأ من أجزائها إلى زمان بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو تفسير لقوله تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً}
(2)
.
ورُوي عن ابن جريج رحمه الله (ت: 149 هـ) أنه قال: كانت السفينة تذكرة للأمم، وكم من سفينة قد هلكت وأثرها قد ذهب، إلا سفينة نوح عليه السلام أدركها بعض من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرأوا ألواحها على الجوديّ
(3)
.
وقال ابن عاشور رحمه الله (ت: 1393 هـ) في تفسيره للآية المذكورة آنفًا: أي: أبقينا سفينة نوح عليه السلام محفوظة من البلى؛ لتكون آية يشهدها الأمم الذين أرسلت إليهم الرسل، متى أراد واحد من الناس رؤيتها ممن هو بجوار مكانها، تأييدًا للرسل وتخويفًا بأول عذاب عذبت به الأمم، أمة كذبت رسولها فكانت حجة دائمة مثل ديار ثمود.
ثم أخذت تتناقص حتى بقي منها أخشاب شهدها صدر الأمة الإسلامية فلم تضمحل حتى رآها جماعة من الأمم بعد نوح عليه السلام فتواتر خبرها بالمشاهدة تأييدًا لتواتر خبر الطوفان وقد ذكر القرآن أنها استقرت على جبل الجودي فمنه نزل نوح عليه السلام ومن معه وبقيت السفينة هنالك لا ينالها أحد
(4)
.
وقد قال تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ *ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ *إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ *} [الشعراء].
وقال عز وجل: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ *} [العنكبوت].
(1)
يُنظر: إلى ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 2037/ ح 10916)، وجامع البيان (12/ 423). تفسير عبد الرزاق (3/ 260)، تغليق التعليق، لابن حجر (4/ 328).
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (18/ 119).
(3)
يُنظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي (14/ 666 - 667).
(4)
التحرير والتنوير، لابن عاشور (27/ 186).
وقال جل جلاله: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ *لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ *} [الحاقة]، وقال جل جلاله:{وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ *} [القمر]، فالضمير في قوله تعالى:{تَرَكْنَاهَا} يعود إلى السفينة وجنسها
(1)
.
فجنس السفينة وصنعها أبقاه الله جل جلاله؛ ليدل ذلك على رحمته سبحانه وتعالى بخلقه وعنايته، وكمال قدرته، وبديع صنعته جل جلاله
(2)
.
فجعل الله جنس السفينة آية للعالمين، يعتبرون بها رحمة من ربهم، الذي قيض لهم أسبابها، ويسر لهم أمرها، وجعلها تحملهم وتحمل متاعهم من محل إلى محل ومن قُطرٍ إلى قُطر
(3)
.
فهذا دليل من القرآن دلل بعض المفسرين به على بقاء السفينة؛ عبرة وآية للاتعاظ وأن أثرها كان موجودًا وأدركه الأوائل والسابقون، وجنسها ما زال موجودًا حتى الآن.
وما زال خبراء الآثار ينقبون عن آثار السفينة في أماكن مختلفة بشتى الطرق، وتنوّع الوسائل وضروب من التقنيات العالية والدقيقة؛ للعثور عليها.
وادّعّى بعض الباحثين والمنقبين عن الآثار، من أهل الكتاب
(4)
على أنهم اكتشفوا بقايا سفينة قديمة فوق جبل «أرارات» ، وقالوا بأنها سفينة
(1)
يُنظر: تيسير الكريم الرحمن (825).
(2)
يُنظر: المرجع السابق.
(3)
المرجع السابق (628) بتصرف.
(4)
يُنظر: بحث أستاذ الفلسفة في جامعة تارتو فريدريك بارووت في عام 1829 م: Reise zu ARMENIAN Friedrich Parrot ARARAT/http://www.ebay.com/itm/ARARAT-Journ
…
/360212338112.
وتلاه على نفس المنوال المؤرخ والأستاذ في جامعة أوكسفورد جيمس برايس في عام 1876 م،.http://www.noahsarksearch.com/BryceJames/BryceJames.htm
وفي عام 1982 م قام رائد الفضاء السابق جيمس أيرون بحملة جديدة إلى جبل أرارات للبحث عن سفينة نوح عليه السلام،http://www.arlingtoncemetery.net/jbirwin.htm واستمروا على مدى سنوات محاولين إثبات وجود السفينة على جبال الأرارات، ولكن محاولتهم كلها بائت بالفشل. يُنظر:http://www.ebnmaryam.com/vb/t186631.html
نوح عليه السلام، استنادًا إلى الكتاب المقدس
(1)
المحرّف، ولكن جميع ما توصلوا له مجرد توقعات، خالية عن الأدلة والإثباتات، بدليل فشلهم على العثور عليها.
ولا شك أن سفينة نوح عليه السلام استوت على جبل الجودي كما جاء في القرآن الكريم، وسواء كان أثر السفينة ظاهرًا أو غير ظاهر، فنحن مؤمنون مصدقون موقنون بأن الله جل جلاله أهلك قوم نوح بالطوفان، ونجى نوحًا عليه السلام والذين آمنوا معه بالسفينة التي استوت على الجودي، والتي أدركها السابقون، فكانت قصته عليه السلام مع قومه عظة وذكرى للمعتبرين.
وبالتمعّن والنظر إلى قصة نوح عليه السلام يستخلص منها: أن بداية الانحراف للشرك، وعبادة الأصنام والأوثان، هو إحياء آثار الصالحين بنية حسنة، وبقصد الذكرى والتذكر؛ جهلاً واتباعًا للأهواء.
وهذا القصد يجعل المسلم على شفا جرف هارٍ، ومزلق يؤدي به إلى هوة سحيقة من المهالك في الدنيا والآخرة.
وأن إبليس وأتباعه من شياطين الإنس والجن يستغلون لحظات ضعف المسلم، بحب الذكرى والتذكّر، من خلال التقاط الصور التذكارية والاحتفاظ بها، وتعليقها ونصبها بطرق احترافية، بدايةً من صورة كبيرة معلقة في أماكن بارزة، ومن ثم مع الوقت تصبح كالتماثيل التذكارية، كلما رأوها تذكروا صاحبها وزرعوا في نفوس من حولها كبارًا وصغارًا حبها وتعظيمها، ومن ثم تقديسها، والتتيم بها، ومخاطبتها بأحوالهم وما حصل لهم وكأن صاحب الصورة يسمعهم وتصله أخبارهم، ودعاءها، وطلب البركة منها، بالتقرّب منها، ومن ثم التقريب لها، وصرف ما لا يجوز صرفه لغير الله جل جلاله، ومعلوم أن النار من مستصغر الشرر
(2)
.
فلينتبه المسلم الفطن من وسائل الشرك ولا يتهاون بها.
(1)
يُنظر: سفر التكوين (8).
(2)
يُنظر: تعظيم المشاهد والآثار، لعبد العزيز الجفير (24).
المطلب الثاني
ديار عاد بالأحقاف
عاد قبيلة من العرب العاربة البائدة، سكنت الأحقاف، ومساكنهم مشهورة معلومة عند العرب قبل الإسلام
(1)
، وحتى وقتنا هذا.
وبسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: موضع ديار عاد.
المسألة الثانية: لمحة عن دعوة نبي الله هود عليه السلام لقومه.
المسألة الثالثة: هلاك عاد.
المسألة الأولى: موضع ديار عاد:
قال تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ} [الأحقاف: 21]، والأحقاف جمع حقف، وهو ما استطال من الرمل الكثير العظيم واعوج ولم يبلغ جبلاً
(2)
.
ولم يأتِ في القرآن موقع الأحقاف من جزيرة العرب، ولكن جاءت الإشارة إلى أن مساكنهم كانت معلومة لدى العرب، كما قال تعالى:{وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} [العنكبوت: 38].
وقد اختلف أهل العلم قديمًا وحديثًا في تحديد تلك المنطقة، بيد أن معظم المفسرين
(3)
والمؤرخين
(4)
، حددوا موقع الأحقاف في أرض اليمن، بين حضرموت وعمان.
(1)
يُنظر: صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (73).
(2)
يُنظر: تفسير القرطبي (16/ 174).
(3)
يُنظر: جامع البيان (21/ 151)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (16/ 203)، تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (7/ 285)، وتيسير الكريم الرحمن (782).
(4)
يُنظر: مروج الذهب، للمسعودي (1/ 445)، وديوان المبتدأ والخبر، لابن خلدون (4/ 287)، ومعجم البلدان، لياقوت الحموي (1/ 115).
حيث جاء في وصفهم أنهم كانوا يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام
(1)
، وقد أشار بعضهم إلى أن آثار مساكنهم معروفة، وما زالت معالمها موجودة حتى الآن في جنوب المملكة العربية السعودية، وشمال حضرموت
(2)
.
ومن الجدير بالتنبيه ما ينسبه بعض أهالي منطقة حضرموت للآثار القديمة التي في قرية «سنا» من أنها آثار عاد قوم هود عليه السلام، بينما يرى خبراء الآثار أنها بقايا مدينة حميرية
(3)
، والله أعلم بالصواب.
يقول إمام المفسرين والمؤرخين ابن جرير الطبري رحمه الله فيما يرويه عن المحدثين في تحديد موقع الأحقاف: أولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى أخبر أن عادًا أنذرهم أخوهم هود بالأحقاف، والأحقاف ما وصفت من الرمال المستطيلة المشرفة
…
الذي يكون كهيئة الجبل تدعوه العرب الحقف، ولا يكون أحقافًا إلا من الرمل.
وجائز أن يكون ذلك جبلاً بالشام، وجائز أن يكون واديًا بين عمان وحضرموت، وجائز أن يكون الشحر، وليس في العلم به أداء فرض، ولا في الجهل به تضييع واجب، وأين كان فصفته ما وصفنا من أنهم كانوا قومًا منازلهم الرمال المستعلية المستطيلة
(4)
.
المسألة الثانية: لمحة عن دعوة نبي الله هود عليه السلام لقومه:
وقع الشرك مرة أخرى بعد الطوفان في عاد، فبعث الله فيهم أخاهم هودًا عليه السلام يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه.
فكانوا خلفاء لقوم نوح عليه السلام؛ لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ
(1)
يُنظر: صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (73).
(2)
يُنظر: المعالم الأثيرة في السُّنَّة والسيرة، لمحمد شُرَّاب (20).
(3)
يُنظر: المدخل إلى علم الآثار، لسمير أديب (246).
(4)
يُنظر: جامع البيان (21/ 152 - 153).
مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *} [الأعراف].
كانت أجسامهم على قدر كبير من القوة والشدّة، والمهارة في العمران، والبناء، وأمدهم الله بأنعام وبنين وجنات وعيون، وبسط عليهم في المعاش، وسائر ضروب الحياة، وبدل الاستعانة بهذه النعم على طاعة الله عز وجل استعانوا بها على الكفر والتجبر، والعتو، والطغيان فأرسل الله إليهم هودًا عليه السلام يدعوهم إلى توحيد الله، ويذكرهم بتلك النعم التي أنعم الله بها عليهم؛ لتلين قلوبهم، ويشكروا منعمهم، ويخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له
(1)
.
فكشف لهم حقيقة الأوثان التي سموها آلهة، كما قال تعالى:{قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [الأعراف: 71]، ومع ذلك أعرضوا وصدوا، وقالوا:{سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ *} [الشعراء].
فكان من آيات نبي الله هود عليه السلام الخاصة أنه متفرد في دعوته، وهم أهل البطش والقوة، والجبروت، وقد خوفوه بآلهتهم إن لم ينته، أن تمسه بجنون، أو سوء، فتحداهم علنًا، وقال لهم جهارًا
(2)
وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة، ودلالة قاطعة على صدق ما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر؛ بل هي جماد لا تسمع ولا تبصر، ولا توالي ولا تعادي
(3)
.
فأي آية أعظم من هذا التحدي، لهؤلاء المشركين الحريصين على إبطال
(1)
يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (28 وأيضًا 375 - 376).
(2)
يُنظر: تيسير الكريم الرحمن، لعبد الرحمن السعدي (383 - 384).
(3)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (4/ 330).
دعوته
(1)
، المتمردين، العتاة، الجبارين، الخارجين عن طاعته، المكذبين لرسله، الجاحدين لكتبه فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم وجعلهم أحاديثًا وعبرًا
(2)
.
فخلّد الله جل جلاله ذكر نبي الله هود عليه السلام وقومه في القرآن الكريم، فذُكرت قصته في كثير من السور
(3)
، وسميت سورة من المفصل سورة هود
(4)
وجرى ذِكر قومه عاد مع مجمل الأمم المعذبة في سور أُخر
(5)
.
المسألة الثالثة: هلاك عاد:
كانت عاد أمة مشركة على شاكلة قوم نوح عليه السلام، يعبدون أصنامًا اتخذوها آلهة من دون الله، وفشا فيهم الشرك والضلال، وصار التوحيد أمرًا منكرًا وغريبًا عندهم.
ودليل ذلك جوابهم على نبيِّهم هود عليه السلام عندما دعاهم إلى عبادة الله وحده، قالوا:{أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *} [الأعراف]، وفي موضع آخر قالوا:{أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *} [الأحقاف]، فقد جعلوا الدعوة إلى عبادة الله وحده ونبذ الأوثان أمرًا يُتعجب منه، ولا تستسيغه عقولهم!
(6)
.
فأهلك الله جل جلاله هذه الأمة المتجبرة المستكبرة، التي بارزت الجبار بالعداوة، وجحدت آياته وعصت رسوله، وهي عاد التي اعتدت بقوتها وشدتها، وقالت مقالتها الشنيعة
(7)
: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ
(1)
يُنظر: تيسير الكريم الرحمن، لعبد الرحمن السعدي (384).
(2)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (8/ 394).
(3)
ذكرت قصة هود عليه السلام وقومه في سورة: الأعراف (65 - 72)، والمؤمنون (31 - 40)، والشعراء (123 - 140)، وفصلت (15 - 16)، والأحقاف (21 - 25)، والذاريات (41 - 42)، والنجم (50 - 55)، والقمر (18 - 22)، والحاقة (6 - 8)، والفجر (6 - 14).
(4)
الآيات التي احتوت على قصته عليه السلام من آية (50 - 60).
(5)
يُنظر: سورة: التوبة (70)، إبراهيم (9)، الحج (42)، الفرقان (38)، العنكبوت (38)، سورة ص (12)، غافر (31)، فصلت (13)، سورة ق (13)، الحاقة (4).
(6)
يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (132).
(7)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (7/ 169)، أسباب هلاك الأمم السالفة (64 - 65).
الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ *} [فصلت].
رُوي عن بعض المفسرين في وصف هلاك عاد قوم هود عليه السلام أن عذابهم كان من جنس فعلهم وقولهم وتجبرهم، فسلّط الله عليهم ريحًا هي أشد منهم قوة، فمن شدّتها وقوتها، وهولها تثير الهلع في القلوب، والفزع في النفوس، فكانت تدخل في أفواههم، فتخرج ما في أجوافهم من أدبارهم، ثم تحمل الواحد منهم على ضخامته وقوته إلى عنان السماء وتقذف به على رأسه ظاهر الأرض فتكسره، فيصير بدنه كأنه جذع نخلة، فلما نظر بعضهم إلى المعذبين منهم تطير بهم الريح بين السماء والأرض، هربوا وصاروا يختبؤون في البيوت والشعاب والحفر إلا أن الريح تنزعهم منها فتصرعهم
(1)
.
كما قال تعالى عنهم: {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ *} [القمر]، وقال جل جلاله في موضع آخر:{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ *سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ *} [الحاقة]
(2)
، واستمر هبوب الرياح عليهم سبع ليالٍ حتى صرعهم وجعلهم كأعجاز النخل الخاوية؛ فكان هذا جزاء كِبرهم وقوة بطشهم.
وزيادة في التنكيل بهم فإن الريح أتتهم من حيث كانوا ينتظرون المطر؛ لما أصابهم القحط
(3)
فقال تعالى مخبرًا عنهم: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ *} [الأحقاف].
(1)
يُنظر: جامع البيان (12/ 394)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (18/ 261)، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل، للبيضاوي (5/ 166)، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير (7/ 169)(8/ 209).
(2)
الصرصر: الشديدة الهبوب، مع شدّة بردها.
العاتية: تجاوزت الحد في شدة الهبوب والبرودة. يُنظر: جامع البيان (23/ 209).
(3)
يُنظر: المرجع السابق (12/ 394)، أسباب هلاك الأمم السالفة (66).
فلما أهلكهم الله، أرسل إليهم طيرًا سودًا، فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه، فذلك قوله:{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ *} [الأحقاف]
(1)
.
المطلب الثالث
ديار ثمود بالحجر
بعد هلاك عاد بالريح ظهرت من بين الأمم ثمود، وهي قبيلة من العرب العاربة البائدة، ومساكنهم مشهورة معلومة عند العرب قبل الإسلام، وحتى وقتنا هذا.
وقد جاء ذكرهم في القرآن
(2)
:
تارة بقوم صالح عليه السلام؛ نسبة للنبي الذي بعثه الله إليهم.
وتارة بثمود؛ نسبة للقبيلة التي تنتسب لها.
وتارة بأصحاب الحجر؛ نسبة للمكان الذي كانت تسكن فيه.
وبسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: موضع ديار ثمود.
المسألة الثانية: لمحة عن دعوة نبي الله صالح عليه السلام لقومه.
المسألة الثالثة: هلاك ثمود.
المسألة الأولى: موضع ديار ثمود:
كانت ثمود تسكن الحجر في وادي القرى بين الحجاز وتبوك
(3)
، ومساكنهم مشهورة معلومة عند العرب قبل الإسلام
(4)
.
وما زالت موجودة في وقتنا هذا وتُعرف بالحجر، الكائن بالتحديد في
(1)
يُنظر: جامع البيان (10/ 278).
(2)
يُنظر: تاريخ الأمم والملوك (138 - 142)، صحيح قصص الأنبياء (89)، أسباب هلاك الأمم السالفة (30 - 36).
(3)
يُنظر: تاريخ الأمم والملوك، لابن جرير الطبري (2/ 183)، صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (89)، تاريخ ابن خلدون (1/ 79).
(4)
يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (30).
رأس وادي القرى
(1)
شمال مدينة العلا
(2)
.
ووصف المؤرخون وعلماء البلدان للمنطقة وبنائها كله يشير إلى ما هو معروف اليوم بمدائن صالح
(3)
.
قال الله جل جلاله في وصف مساكنهم: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ *} [النمل]، خاوية: أي: خالية ليس فيها أحد من السكان، وأوحشت من ساكنيها، وعطلت من نازليها؛ لتكون عظة وعبرة
(4)
.
ومما يؤكد موقع ديار ثمود، ما جاء في الآثار المروية الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في طريقه لغزوة تبوك مرّ بالحجر
(5)
، كما سيأتي بيانه في موضعه
(6)
.
المسألة الثانية: لمحة عن دعوة نبي الله صالح عليه السلام لقومه:
أرسل الله جل جلاله نبي الله صالحًا عليه السلام إلى ثمود، وكان مشهودًا له عند قومه بالصدق، والأمانة، والفضل، والحسب والنسب، والكمال
(7)
.
(1)
المسمى حاليًّا: وادي العُلا.
(2)
على بُعد (365) كيلاً من المدينة عن طريق خيبر. يُنظر: معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، لعاتق البلادي (93)، المعالم الأثيرة في السُّنَّة والسيرة (97)، أسباب هلاك الأمم السالفة (30).
(3)
يُنظر: تاريخ الأمم والملوك (138 - 141)، البداية والنهاية (1/ 146)، تاريخ ابن خلدون (1/ 79)، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية (93)، الآثار شمال الحجاز، لإلويس موسل (142 - 144)، المعالم الأثيرة (97).
ولمعرفة المزيد عن تحديد موضع ديار ثمود عند أئمة اللغة والتفسير، وشراح الحديث، وعلماء التاريخ، وبتحري سؤال أهل الخبرة. راجع لطفًا: أبحاث هيئة كبار العلماء (3/ 79 - 100) تجد بحثًا نافعًا ناجعًا مستوفيًا.
(4)
يُنظر: الجامع لأحكام القرآن (13/ 218)، تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (6/ 200)، تيسير الكريم الرحمن (606).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} (4/ 148/ ح 3378 - 3379)، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين (8/ 221/ ح 2981).
(6)
لمعرفة موقف النبي صلى الله عليه وسلم من ديار المعذبين انتقل لطفًا (234).
(7)
يُنظر: تيسير الكريم الرحمن (384)، وقصص الأنبياء (40)، كلاهما للسعدي.
ولكن لما دعاهم إلى عبادة الله وحده: {قَالُوا ياصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ *قَال ياقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ *} [هود]، وهذا تلطف منه عليه السلام لهم بالعبارة، ولين الجانب، وحسن تأتٍّ في الدعوة لهم إلى الخير
(1)
.
واشترطوا حتى يؤمنوا أن يخرج لهم ناقة نعتوها وتعنتوا فيها، فأجابهم وسأل الله الآية التي طلبوها، ومع ذلك لم يؤمنوا بل رموه عليه السلام بالكذب والبطر
(2)
، والسحر
(3)
، حتى صار عليه السلام من أبغض الناس إليهم؛ لما يدعوهم إليه من الحق
(4)
.
حيث كانت ثمود تعيش حياة طيبة رغدة، يملكون مواش كثيرة، وحرثًا وزرعًا، وأوتوا حظًّا من العلم والمعرفة بفنون البناء والعمارة، فجعلوا من الجبال بيوتًا لهم منحوتة متقنة، واتخذوا السهول قصورًا مزخرفة
(5)
، أشرًا وبطرًا وعبثًا من غير حاجة إلى سكناها
(6)
.
فعُرفت ثمود بأنها أمة باغية، طاغية، مستكبرة
(7)
، بطرت، وأشركت
(1)
يُنظر: صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (93).
(2)
يُنظر: سورة المؤمنون، آية: 38، سورة القمر، آية:25.
(3)
يُنظر: سورة الشعراء، آية:153.
(4)
يُنظر: تيسير المنان في قصص القرآن، لأحمد فريد (202).
(5)
يُنظر: تيسير الكريم الرحمن، لعبد الرحمن السعدي (596)، أسباب هلاك الأمم السالفة (184)، تيسير المنان في قصص القرآن، لأحمد فريد (196).
(6)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (6/ 156).
(7)
يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (168).
بالله، وكفرت بالنعم
(1)
.
وخلّد الله جل جلاله ذكر نبي الله صالح عليه السلام وهلاك قومه في سورة الحجر
(2)
، وذُكرت قصته عليه السلام مع قومه في كثير من السور
(3)
، وجرى ذِكر قومه ثمود مع مجمل الأمم المعذبة في عدة سور
(4)
.
المسألة الثالثة: هلاك ثمود:
أورد الحافظ ابن كثير رحمه الله عدة روايات في هلاك ثمود قوم صالح عليه السلام، أحدها: أن ثمودًا اجتمعوا يومًا في ناديهم فجاءهم نبي الله صالح عليه السلام فدعاهم إلى الله، وذكرهم ووعظهم وأمرهم وحذرهم.
فقالوا له: أخرج لنا ناقة من هذه الصخرة وأشاروا إلى صخرة، من صفتها كيت وكيت
(5)
.
فقال لهم نبي الله صالح عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به؟
قالوا: نعم، فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك.
ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا.
فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء، على الصفة التي نعتوا.
فلما عاينوها كذلك رأوا أمرًا ومنظرًا هائلاً، وقدرة باهرة ودليلاً قاطعًا
(1)
يُنظر: تيسر الكريم الرحمن، لعبد الرحمن السعدي (384).
(2)
يُنظر: سورة الحجر (80 - 84).
(3)
الأعراف (73 - 79)، وهود (61 - 68)، والإسراء (59)، والشعراء (141 - 159)، والنمل (45 - 53)، وفصلت (17 - 18)، والقمر (23 - 32)، والشمس (11 - 15).
(4)
يُنظر: سورة: التوبة (70)، وهود (95)، إبراهيم (9)، الحج (42)، الفرقان (38)، العنكبوت (38)، سورة ص (13)، غافر (31)، فصلت (13)، سورة ق (12)، الحاقة (4)، البروج (18).
(5)
أي: ذكروا أوصافًا ونعتوها وتعنتوا فيها.
وبرهانًا ساطعًا، فآمن جماعة منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم وعنادهم.
فقال لهم نبي الله صالح عليه السلام: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [هود: 64]
(1)
.
فلما خرجت الناقة بهذه الكيفية العجيبة، الخارقة للعادة؛ تلبية لطلبهم بأن يُخرج لهم آية بصفات معينة، لزمهم تجاه ظهور هذه الآية لوازم، وأمرهم نبي الله صالح عليه السلام بعدة أمور:
(2)
1 الإيمان بالله جل جلاله وحده، وترك عبادة ما سواه، لقوله:{يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [الأعراف: 73].
2 تقسيم الماء بينهم وبين الناقة، فلهم يوم وللناقة يوم؛ لقوله:{هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ *} [الشعراء].
3 عدم المساس بالناقة بأي سوء، منذرًا لهم بأن أي مساس للناقة بسوء يستدعي العذاب القريب العظيم الأليم، لقوله تعالى:{وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ *} [هود]، وفي موضع:{عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ *} [الشعراء]، وفي موضع آخر:{عَذَابٌ أَلِيمٌ *} [الأعراف].
فبقيت هذه الناقة بين أظهرهم، ترعى حيث شاءت من أرضهم، وترد الماء يومًا بعد يوم، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم
(3)
.
ولهذا قال تعالى: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ واصْطَبِرْ *} [القمر]؛ أي: اختبارًا لهم أيؤمنون بها أم يكفرون؟
…
فلما طال عليهم هذا الحال اجتمع ملأهم، واتفقوا على أن يعقروا هذه الناقة، ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم
(4)
.
(1)
يُنظر: صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (94 - 95).
(2)
يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (399 - 404).
(3)
صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (95) بتصرف.
(4)
المرجع السابق (95).
فقال الله تعالى حكاية عن فعلهم: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ *} [الأعراف]، وقال جل جلاله:{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ *} [هود]، عقر الناقة أشقاهم بموافقتهم جميعًا؛ لأجل ذلك نُسب الفعل إليهم كلهم
(1)
.
ولم يقفوا إلى هذا الحد من الطغيان والعتو؛ بل تجاوز الأمر إلى أشنع من ذلك.
ففي أثناء مدّة الثلاثة أيام، اجتمع الرهط التسعة الذين قال الله فيهم:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ *} [النمل]، وتآمروا على قتل نبيّهم وكتموا أمرهم؛ خشية أن يمنعهم أهل بيت نبي الله صالح عليه السلام؛ لأنه كان عليه السلام في بيت عز وشرف
(2)
.
كما قال تعالى عن مؤامرتهم: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ *وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ *فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ *} [النمل]، فدبروا هذا المكر العظيم، فحين كمنوا في أصل جبل؛ لينظروا الفرصة في قتل نبي الله صالح عليه السلام، أنزل الله العقوبة بهم؛ ليكون هلاكهم سلفًا مقدمًا لقومهم إلى نار جهنم، فأرسل الله جل جلاله صخرة من أعلى الجبل فرضختهم وشدختهم، وقتلوا أشنع قتلة
(3)
.
ثم لما تمت الثلاثة أيام، جاءتهم الصيحة
(4)
من فوقهم، والرجفة
(5)
من تحتهم، وصعقوا، ففاضت الأرواح، وزهقت النفوس، وأصبحوا في ديارهم
(1)
يُنظر: المرجع السابق (96).
(2)
يُنظر: تيسر الكريم الرحمن، لعبد الرحمن السعدي (294 - 384 - 606).
(3)
المرجع السابق.
(4)
الصيحة: الصوت الشديد المرتفع. المفردات، للأصفهاني (496).
(5)
الرَّجْفَةُ: الزلزلة الشديدة التي ينال معها الإنسان اهتزاز وارتعاد واضطراب. المحرر الوجيز، لأبي بكر الأندلسي (2/ 429).
جاثمين خامدين، جثثًا لا أرواح فيها ولا حراك بها
(1)
.
كما قال تعالى في وصف العذاب الذي أصابهم: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *} [فصلت]، وقال جل جلاله:{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ *} [هود]، وفي موضع أخر قال جل جلاله:{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ *} [الأعراف].
وبعد هلاكهم تولى عنهم نبي الله صالح عليه السلام ناعيًا كفرهم، كما جاء في قوله تعالى:{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ *} [الأعراف].
فاستحبوا العمى والطغيان، على الهدى والإيمان، فوقع عليهم العذاب والخسران.
* * *
(1)
يُنظر: صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (98)، تيسر الكريم الرحمن، لعبد الرحمن السعدي (294 - 384 - 603).
المطلب الرابع
ديار قوم لوط عليه السلام بالسدوم
أخبر الله تعالى أن لوطًا عليه السلام كان ممن آمن بالخليل إبراهيم
(1)
عليه السلام في قوله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 26]، وقد بُعث لوط عليه السلام إلى قرى السدوم في حياة الخليل عليه السلام، وقد جاء ذكره في القرآن:
تارة بقوم لوط عليه السلام نسبة إلى نبيِّهم.
وتارة بالمؤتفكات؛ لأجل ائتفاك وانقلاب أرضهم بهم
(2)
، وقيل: المقصود بالمؤتفكات: المكذبات، وهي القرى الخمسة المكذبة بدعوة نبي الله لوط عليه السلام
(3)
.
وبسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: موضع ديار قوم لوط عليه السلام.
المسألة الثانية: لمحة عن دعوة نبي الله لوط عليه السلام لقومه.
المسألة الثالثة: هلاك قوم لوط عليه السلام.
(1)
لفتة لطيفة من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قوم إبراهيم عليه السلام وسبب عدم إهلاكهم مع أنهم لم يؤمنوا به عليه السلام، يقول رحمه الله: والله تعالى لم يذكر قطّ عن قوم إبراهيم أنهم أهلكوا، كما ذكر ذلك عن غيرهم؛ بل ذكر أنّهم ألقوه في النار، فجعلها الله عليه بردًا وسلامًا، وأرادوا به كيدًا، فجعلهم الله الأسفلين الأخسرين.
وفي هذا ظهور برهانه، وآيته، وأنه أظهره عليهم بالحجة والعلم، وأظهره أيضًا بالقدرة؛ حيث أذلهم ونصره. وهذا من جنس المجاهد الذي هزم عدوه، وتلك من جنس المجاهد الذي قتل عدوه، وإبراهيم عليه السلام بعد هذا لم يقم بينهم؛ بل هاجر وتركهم. وأولئك الرسل لم يزالوا مقيمين بين ظهراني قومهم حتى هلكوا، فلم يوجد في حق قوم إبراهيم سبب الهلاك؛ وهو إقامته فيهم، وانتظار العذاب النازل. النبوات (1/ 209).
(2)
يُنظر: تفسير عبد الرزاق (2/ 158)، جامع البيان (11/ 555).
(3)
يُنظر: تفسير مقاتل بن سليمان (2/ 181)، جامع البيان (12/ 537).
المسألة الأولى: موضع ديار قوم لوط عليه السلام:
قال الله تعالى في وصف ديار قوم لوط، وآثار تدمير الله لها:{وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ *} [الحجر]؛ أي: بطريق ثابت يسلكه الناس حتى اليوم لم يندرس بعد، يمر به أهل الحجاز في ذهابهم إلى الشام، فيرون آثار تدمير الله لهم، ويشاهدونها على حقيقتها، وفي ذلك عبرة ومزدجر يوجب عليهم الحذر أن يفعلوا كفعلتهم، فيصيبهم ما أصابهم
(1)
.
فكان قوم لوط عليه السلام يسكنون في المنطقة الواقعة بين المدينة والشام
(2)
، وبين الأردن وفلسطين، في خمس قرى أكبرها السدوم
(3)
.
وذكر بعض المفسرين والمؤرخين أن أطلال قرى قوم لوط عليه السلام تقع تحت مياه البحيرة المنتنة التي لا يُنتفع بمائها، ولا بما حولها من الأرض المتاخمة لفنائها، ورداءتها ودناءتها
(4)
، وهي المعروفة حاليًّا بالبحر الميت، الواقع بين الأردن وفلسطين، وهي أخفض منطقة على وجه الأرض
(5)
.
المسألة الثانية: لمحة عن دعوة نبي الله لوط عليه السلام لقومه:
أرسل الله جل جلاله نبيَّه لوطًا عليه السلام إلى قوم من أفجر الناس، وأكفرهم، وأسوئهم طوية، وأرداهم سريرة وسيرة، يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر، ولا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.
ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، وهي إتيان الذكران من العالمين، وترك ما خلق الله من النسوان لعباده الصالحين.
فدعاهم لوط عليه السلام إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات والفواحش المنكرات، والأفعال المستقبحات فتمادوا
(1)
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الشنقيطي (2/ 281 - 288).
(2)
يُنظر: تاريخ الأمم والملوك، لابن جرير الطبري (1/ 182).
(3)
يُنظر: مروج الذهب، للمسعودي (1/ 12).
(4)
يُنظر: صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (171).
(5)
يُنظر: حاشية كتاب صحيح قصص الأنبياء، تحقيق: سليم الهلالي (171).
على ضلالهم وطغيانهم، واستمروا على فجورهم وكفرانهم، فأحل الله بهم من البأس الذي لا يرد ما لم يكن في خلدهم وحسبانهم، وجعلهم مثلة في العالمين، وعبرة يتعظ بها الألباء من العالمين
(1)
.
فخلّد الله جل جلاله ذكر لوط عليه السلام مع قومه في القرآن الكريم، فذُكرت قصته في كثير من السور
(2)
، وذُكر عليه السلام بآيات مع ذكر الأنبياء، وذُكر قومه في سور أُخر مع مجمل الأمم المكذبة، والغابرة
(3)
.
المسألة الثالثة: هلاك قوم لوط عليه السلام:
دعا لوط عليه السلام قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وحذرهم من فعل الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين، فاجتمع شركهم مع سوء طويتهم، وفعلتهم الشنعاء.
ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله بأن لوطًا عليه السلام لم يؤمن به أحد من قومه ولا من أهل بيته إلا ابنتاه
(4)
، أما امرأته فقد آثرت البقاء على دين قومها فأصابها ما أصابهم
(5)
.
فلم يستجيبوا لدعوة نبيهم وكذبوا ولم يؤمنوا به، واستمروا على حالهم في غيهم وضلالهم، وهموا بإخراج رسولهم، كما قال تعالى:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ *} [النمل]، ولم يزدادوا إلا عتوًّا وتماديًا فيما هم فيه من غيّ وضلال
(6)
.
(1)
يُنظر: صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (159).
(2)
ذكرت قصة لوط عليه السلام وقومه في سورة: الأعراف (80 - 84)، هود (69 - 83)، الحجر (51 - 77)، الشعراء (160 - 175)، النمل (54 - 58)، العنكبوت (28 - 35)، الصافات (133 - 138)، الذاريات (31 - 37)، القمر (33 - 40).
(3)
يُنظر: سورة: هود (89)، الحج (43)، سورة ص (13).
(4)
يُنظر: صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (163، 169).
(5)
يُنظر: المرجع السابق (169)، أسباب هلاك الأمم السالفة (32).
(6)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (16/ 249).
فطلبوا من لوط عليه السلام الإتيان بالعذاب إن كان صادقًا في رسالته، ومصيبًا في إنكاره عليهم فعل الفاحشة
(1)
.
فلما أراد الله جل جلاله أن ينصر رسوله عليه السلام، ويهلكهم أرسل الملائكة إلى لوط عليه السلام بصورة أضياف آدميين شباب، فساء لوطًا عليه السلام ذلك؛ لعلمه بما عليه قومه من جرأة شنيعة، فوقع ما خاف منه
(2)
.
فقال الله تعالى في وصف حاله عليه السلام: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ *وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَال ياقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ *قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ *} [هود].
ويُروى أن لوطًا عليه السلام أغلق الباب حتى لا يصل قومه إلى أضيافه، وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب، وهم يرومون فتحه، وولوجه في إلحاح وإلعاج
(3)
، كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله
(4)
.
فلما ضاق الأمر وعسر الحال قال لوط عليه السلام لهم: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ *قَالُوا يالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ *} [هود].
وقال تعالى في موضع آخر عن العذاب المعجل لمن باشروا مراودة أضياف لوط عليه السلام: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ *} [القمر].
(1)
يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (226).
(2)
يُنظر: تيسير الكريم الرحمن، لعبد الرحمن السعدي (386).
(3)
إلعاج: اتقاد الشهوة وثورانها. يُنظر: حاشية صحيح قصص الأنبياء، لسليم الهلالي (168).
(4)
يُنظر: صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (168).
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: فخرج إليهم جبريل عليه السلام فضرب وجوههم خفقة، فطمس أعينهم، فرجعوا يتحسسون الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن
(1)
.
وبعدما خرج لوط عليه السلام بأهله ليلاً باستثناء امرأته، وخلصوا من بلادهم، وجاء الصبح، وطلعت الشمس، وحان موعد العذاب، جاءهم من أمر الله ما لا يُرد، ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يُصد
(2)
.
قال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ *} [الحجر]، وقال تعالى في موضع آخر:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ *مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ *} [هود].
اقتلع جبريل عليه السلام بطرف جناحه أراضي تلك المنطقة من أصولها بمن فيها من القوم المعذبين، ومن معهم من حيوانات، فرفع الجميع إلى عنان السماء، حتى سمعت الملائكة التي في السماء أصوات ديكتهم، ونباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها
(3)
.
وبعد قلب ديارهم أتبعهم بحجارة صلبة شديدة قوية، متتابعة، مرقومة على كل حجر اسم صاحبه الذي تسقط عليه فتدمغه
(4)
.
فعذبوا بأنواع من أشدّ العذاب لم يعذب بها أمة غيرهم، فجمع لهم بين الهلاك بطمس الأبصار، والصيحة، وقلب ديارهم عليهم بأن جعل عاليها سافلها، والرجم بالحجارة من السماء، والخسف بهم إلى أسفل سافلين
(5)
نسأل الله السلامة والعافية.
فالعذاب عمّ الجميع: الفاعلين للفاحشة، والراضين عن المنكر، والساكتين عنه
(6)
، فأبيدوا عن آخرهم، وبقيت قصتهم عبرة للمعتبرين.
(1)
المرجع السابق.
(2)
يُنظر: صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (169).
(3)
يُنظر: المرجع السابق.
(4)
يُنظر: المرجع السابق (169 - 170).
(5)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (16/ 250) بتصرف.
(6)
يُنظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (7/ 243).
المطلب الخامس
ديار أصحاب مدين بالبدع
بعد هلاك قوم لوط عليه السلام بمكان ومدة ليست بعيدة، ظهرت مدين وهي قبيلة عربية، يعود نسبها للخليل إبراهيم عليه السلام، وقد جاء ذكرهم في القرآن
(1)
:
تارة بأصحاب مدين؛ نسبة إلى جدهم.
وتارة بأصحاب الأيكة؛ نسبة إلى أيكة، وهو الشجر الملتف الذي كانوا يعبدونه.
وبسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: موضع ديار أصحاب مدين.
المسألة الثانية: لمحة عن دعوة نبي الله شعيب عليه السلام لقومه.
المسألة الثالثة: هلاك أصحاب مدين.
المسألة الأولى: موضع ديار أصحاب مدين:
تمتد ديار مدين من خليج العقبة إلى مُوْآب
(2)
وطور سيناء
(3)
، وهي قريبة من أرض معان، من أطراف الشام، مما يلي الحجاز، وقريبًا من بحيرة قوم لوط عليه السلام
(4)
.
وأرض مدين تعرف اليوم باسم: البدع، ومغاير شعيب، وهي قرية بين تبوك
(5)
والساحل، وهي في واد بين الجبال، وواديها يسمى عفال
(6)
.
(1)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (6/ 158)، فتح الباري، لابن حجر (8/ 497).
(2)
مدينة طرف الشام، شرقي البحر الميت. يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (33).
(3)
يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (33).
(4)
يُنظر: صحيح قصص الأنبياء، لابن كثير، تحقيق سليم الهلالي (175).
(5)
تبعد عن تبوك غربًا (132) كيلاً. يُنظر: معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، لعاتق البلادي (284).
(6)
ويقال: عفل. يُنظر: الآثار شمال الحجاز، لإلويس موسل (153 - 154)، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، لعاتق البلادي (284).
ويظهر أنها كانت ممتدة في أصقاع واسعة، قد تصل إلى عمان شرقي الأردن، وإلى بئر السبع في جنوب فلسطين.
وقال بعضهم: إن مدين هي «كفر مندا» من قرى فلسطين، في قضاء الناصرة، وكانت قديما من أعمال طبرية، وعندها البئر والصخرة، ولكن الأول أقوى
(1)
.
المسألة الثانية: لمحة عن دعوة نبي الله شعيب عليه السلام لقومه
(2)
:
أرسل الله جل جلاله إلى أصحاب مدين شعيبًا عليه السلام رسولاً منهم يدعوهم بدعوة جميع الأنبياء والرسل قبله إلى توحيد الله ونبذ الشرك، ثم نبههم على ما هم عليه من ظلم وجور، ومنكرات من التطفيف في المكيال والميزان
(3)
.
وقد تلطّف في دعوته عليه السلام بالترغيب والترهيب، وأحسن مراجعتهم، وتذكيرهم بالبعث والنشور واليوم الآخر، ثم توعدهم وحذّرهم من مصير من قبلهم، فاستجاب له رهط من قومه وآمنوا به.
ولكن على الرغم من الجهود التي بذلها نبي الله شعيب عليه السلام في دعوتهم، ومعالجة هذه الانحرافات، لم يلق منهم غير العناد والتكذيب، والصدّ والإعراض، والسخرية، والأذية، والتهديد بالرجم، كما جاء وصفهم في القرآن:{قَالُوا ياشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ *} [هود].
(1)
يُنظر: المعالم الأثيرة في السُّنَّة والسيرة (243).
(2)
يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (227 - 232 وأيضًا 452).
(3)
المقصود به هنا: التطفيف بالمعاملات وحق الأموال، كما توعّد الله تعالى من فعل فعلهم بقوله:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ *} ومن المهم التنبيه إلى أن التطفيف لا يقتصر على المعاملات المالية، وإنما يشمل جميع الحقوق، فكل من يستوفي حقه كاملاً، ولا يفي بالحق الذي عليه فهو مطفف موعود بالويل، مثال ذلك من واقعنا: الموظف الذي يأخذ راتبه كامل، ويتهاون بأداء عمله ونظام أوقات العمل المحددة، وكذلك بعض الأزواج يطالب زوجته بأن تقوم بحقه كاملاً ولكنه يتهاون بحقها وغيره من الأمثلة كثير، فهؤلاء مطففون موعودون بالويل. يُنظر: اللقاءات الشهرية، لابن عثيمين (3/ 346 - 354).
ومن مظاهر استكبارهم واستعلائهم، تهديد الملأ المستكبرين من قومه بإخراجه عليه السلام هو ومن معه، كما قال الله جل جلاله عنهم:{قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ *} [الأعراف].
فخلّد الله جل جلاله ذكره في القرآن الكريم، فذُكرت قصته في كثير من السور
(1)
، وذكر قومه مع مجمل الأمم في سور أخر
(2)
.
المسألة الثالثة: هلاك أصحاب مدين:
السبب الرئيس لهلاك أصحاب مدين هو الشرك، ثم تطفيفهم بالمكاييل، وسبب تطفيفهم أنهم كانوا حلقة وصل بين تجارة شمال الجزيرة وجنوبها، وبين مصر والشام والعراق، فكانوا في موقعهم يتحكمون في مسيرة التجارة والتّجار بفرض ما شاءوا من المعاملات التجارية الجائرة؛ سعيًا إلى جني الربح الفاحش، دون مراعاة ما يقع على غيرهم من الظلم والغبن، وقد شاعت فيهم هذه المعاملات حتى صار أمرًا متعارفًا عليه عندهم
(3)
.
ومع شركهم وتكذيبهم واستكبارهم، وبخسهم بالمكاييل والموازين، وغشهم في المعاملات، وأذيتهم لنبي الله شعيب عليه السلام الذي أرسله الله جل جلاله إليهم، وتحديهم له بأن يُنزل العذاب بهم، لم يكتفوا بذلك فحسب بل حددوا نوع العذاب، كما جاء نبأهم في القرآن:{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ *فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ *} [الشعراء].
وفي بيان هلاكهم في موضع آخر من القرآن: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ *} [الأعراف]، وقال تعالى:{وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ *} [هود].
(1)
ذكرت قصة شعيب عليه السلام وقومه في سورة: الأعراف (59 - 64)، يونس (85 - 93)، هود (84 - 95)، الحجر (78 - 79)، الشعراء (176 - 191).
(2)
يُنظر: سورة: التوبة (70)، وهود (95)، الحج (44).
(3)
يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (448).
جاء وصف هلاكهم في القرآن الكريم في آيات متفرقة بألوان وأصناف من العذاب مغايرة، تارة بالصيحة وتارة بالرجفة وتارة بعذاب يوم الظلة، ولا تعارض في وقوع أصناف العذاب وألوانه بوقت واحد، ولا يُفهم من ذلك أن المغايرة في أنواع العذاب تقتضي المغايرة في المعذبين.
كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله بقوله: أن المغايرة في أنواع العذاب إن كانت تقتضي المغايرة في المعذبين فليكن الذين عذبوا بالرجفة غير الذين عذبوا بالصيحة، والحق أنهم أصابهم جميع ذلك، فإنهم أصابهم حر شديد فخرجوا من البيوت فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فرجفت
(1)
بهم الأرض من تحتهم وأخذتهم الصيحة
(2)
من فوقهم
(3)
فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام
(4)
.
* * *
(1)
تقدّم بيان معناها عند هلاك ثمود، راجع فضلاً (222).
(2)
تقدّم بيان معناها عند هلاك ثمود راجع فضلاً (222).
(3)
فتح الباري، لابن حجر (6/ 450).
(4)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (3/ 449).
المطلب السادس
حكم إحياء آثار الأمم الهالكة
يتبيَّن مما سبق أنه مع وضوح الحجة وظهور البرهان، خسرت الأمم الهالكة الامتحان، واستحبوا العمى والطغيان على الهدى والإيمان، فوقع عليهم العذاب والخسران.
وإنّ هذه العجائب والآيات التي أهلك الله بها الأقوام الغابرة، تارةً تُعلم بمجرّد الأخبار المتواترة، وإن لم نشاهد شيئًا من آثارها، وتارةً مع الخبر نُشَاهد بالعيان آثارها الدالّة على ما حدث؛ لقوله تعالى:{وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} [العنكبوت: 38]، وقال جل جلاله:{وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ *} [الحجر]
(1)
.
فالواجب على المسلم الإيمان والتصديق بما جاء في الكتاب والسُّنَّة الصحيحة من أخبار السابقين، وما حصل لهم من عذاب ونكال، وإن لم تبقَ لهم آثارٌ مُشاهدة، وما كان له أثرٌ باقٍ من مواضع، ومساكن، وديار، فالواجب سلوك المنهج النبوي القويم تجاهه.
و من خلال موقف السلف تجاه آثار الأمم الهالكة، يمكننا تفصيل حكم إحيائها من خلال مسألتين:
المسألة الأولى: إحياء المسلم لآثار ديار المعذبين بالزيارة، وإنشاء السير لها بالأبدان.
المسألة الثانية: إحياء آثار ديار المعذبين؛ للسياحة، بالتهيئة، وتذليل الوصول إليها.
(1)
يُنظر: النبوات، لابن تيمية (1/ 514).
المسألة الأولى: حكم إحياء المسلم لآثار الأمم الهالكة بزيارة ديارهم ودخول مواضع هلاكهم، وإنشاء السير لها بالأبدان،
يتفرع عنه مقصدان:
1 قصد الاتعاظ والاعتبار من غير حاجة.
2 قصد الاطلاع والمشاهدة.
حكم الزيارة وإنشاء السير لديار المعذبين بالأبدان؛ لقصد الاتعاظ والاعتبار من غير حاجة:
دلَّت الأحاديث الصحيحة على أن آثار الأمم الهالكة ومواضع العذاب لا يمكث فيها، ولا تُدخل إلا أن تكون في طريق، وأن الدخول لديار المعذبين، والمكث فيها منهي عنه لغير حاجة، ولو لقصد الاعتبار
(1)
، ومن الأدلة الدالة على النهي ما يلي:
1 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه لغزوة تبوك، مرّ بالحجر، واستقى الصحابة رضي الله عنهم من بئرها واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهرقوا ما استقوا من بئرها، وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، حَذَرًا أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْل ما أَصَابَهُمْ»
(2)
، ثُمَّ زَجَرَ فَأَسْرَعَ حَتَّى خَلَّفَهَا
(3)
، وفي رواية:«فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ»
(4)
، وفي رواية: ثم ارتحل حتى نزل في الموضع الذي كانت تشرب منه الناقة
(5)
.
(1)
شرح العمدة في الفقه، لشيخ الإسلام ابن تيمية (508).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر (6/ 7/ ح 4419).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} (4/ 149/ ح 3381)، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين (8/ 220 - 221 / ح 2980).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قول الله:{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ} (6/ 81/ ح 4702).
(5)
صحيح ابن حبان (14/ 83/ ح 6203).
فنهى صلى الله عليه وسلم عن عبور ديارهم إلا على وجه الخوف المانع من العذاب
(1)
، وكذلك وجود الحاجة للمرور وقد ورد به النص.
وفي روايات أخرى: قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أَخْشَى أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْل ما أَصَابَهُمْ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ»
(2)
، وقال صلى الله عليه وسلم:«لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ عُذِّبُوا فَيُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصَابَهُمْ»
(3)
، وجاء في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قنع رأسه، وأسرع السير، حتى اجتاز الوادي
(4)
، فالروايات تفسر بعضها بعضًا.
فدل الحديث والروايات السابقة على منع قصدها بالدخول لورود النهي
(5)
، والنهي يقتضي التحريم
(6)
، ومما يدل على أن المنع للتحريم لا للكراهة؛ نهي النبي صلى الله عليه وسلم والتشديد على المارين من غير خوف وحذر، والتغليظ عليهم بأن يصيبهم ما أصاب القوم
(7)
.
يقول الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وليس المراد أن يصيبكم العذاب الرجز الحسي، فقد يراد به العذاب والرجز المعنوي، وهو أن يقسو قلب الإنسان، فيكذب بالخبر، ويتولى عن الأمر
(8)
.
وقد يقع الرجز والعذاب الحسي كما هو ظاهر الحديث وكما فسَّره بعض
(1)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (15/ 324).
(2)
أخرجه أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (3/ 1276/ ح 6092)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين يُنظر: مسند الإمام أحمد (10/ 192/ ح 5984) تحقيق: شعيب الأرنؤوط وصاحباه.
(3)
أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب التاريخ، ذكر البيان بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم رحل من أرض ثمود كراهية الانتفاع بمائها (14/ 83/ ح 6203)، صححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (9/ 44 - 45/ 6170).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه. كتاب المغازي، باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر (6/ 7/ ح 4419).
(5)
يُنظر: فتح الباري، لابن رجب (3/ 237).
(6)
يُنظر: شرح مختصر الروضة، لأبي الربيع الصرصري (2/ 370 - 373).
(7)
يُنظر: شرح العمدة في الفقه، لابن تيمية (1/ 510)، أحكام الآثار في الفقه، لعبد الله الرميح (2/ 556).
(8)
يُنظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (7/ 316).
العلماء
(1)
، ولا تعارض في الجمع بين العذاب الحسي والمعنوي إذ الإصابة بالعذاب المعنوي يتبعه العذاب الحسي، سواء في الدنيا أو في الآخرة نسأل الله السلامة والعافية.
وأما من مرّ بهم غير قاصدٍ ديار المعذبين، فله أن يسلك طريقه بالعبور مسرعًا؛ باكيًا أو متباكيًا، خاشعًا خائفًا معتبرًا متعظًا، متذكرًا حالة الدنيا، وتقلبها بأهلها، وينظر عاقبة الأمم السابقة رُغم قوتهم إلا أنهم أُهلكوا بعذاب شديد قضى عليهم؛ وذلك بسبب كفرهم، وتكذيبهم، وطغيانهم
(2)
.
2 جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: «أَمَرَهُمْ أَنْ يُهَرِيقُوا ما اسْتَقَوْا، وَيَعْلِفُوا الإِبِلَ الْعَجِينَ، وأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ»
(3)
، وجاء في رواية: «ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّى نَزَلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهُ النَّاقَةُ
…
»
(4)
.
قول ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم ارتحل» يدل على أنه صلى الله عليه وسلم نزل قريبًا من ديار المعذبين ومساكنهم، فلما رآهم يستقون من آبارها، نهاهم عن ذلك، ثم ارتحل إلى بئر الناقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان على الطريق بجوارها
(5)
،
(1)
يُنظر: شرح السُّنَّة، للبغوي (14/ 362)، المفاتيح في شرح المصابيح، للمُظْهِري (5/ 259)، وكذلك جاء عن الشيخ ابن عثيمين في موضع آخر الجمع بينهما. يُنظر: شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين (4/ 578).
(2)
يُنظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع، لابن عثيمين (7/ 315).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} (4/ 149/ ح 3379)، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين. (8/ 221/ ح 2981) واللفظ لمسلم.
بئر الناقة: هي الآن مجهولة. كما علّق بذلك السفاريني على شيخ الإسلام ابن تيمية لما ذكر بئر الناقة وورود الحجاج عليها في زمنه قائلاً: هي الآن مجهولة، فقد سألت عنها لما مررنا بها في ذهابنا وإيابنا سنة حجنا، وهي سنة 1148 هـ فلم يخبرني بها أحد. يُنظر: شرح ثلاثيات الإمام أحمد (1/ 52).
(4)
أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب التاريخ، ذكر البيان بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم رحل من أرض ثمود كراهية الانتفاع بمائها (14/ 83/ ح 6203)، صححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (9/ 44 - 45/ 6170).
(5)
يُنظر: تحذير الموحدين من تتبع آثار المشركين، لسعيد العمر (54 - 55).
ولم ينزل في ديار ثمود ألبته
(1)
.
ومن جملة ما قاله العلماء تعليقًا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مرّ بديار ثمود، ونهيه صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم من دخول ديار المعذبين، منها ما يلي:
قال النووي رحمه الله (ت: 676 هـ): فينبغي للمارّ في مثل هذه المواضع المراقبة والخوف والبكاء، والاعتبار بهم وبمصارعهم، وأن يستعيذ بالله من ذلك
(2)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ت: 728 هـ): نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى مساكن المعذبين عمومًا، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في الأماكن الملعونة خصوصًا، ونهى عن الدخول إليها خصوصًا، وعمل بذلك خلفاؤه الراشدون وأصحابه رضي الله عنهم مع أن الأصل في النهي التحريم والفساد، لم يبق للعدول عن ذلك بغير موجب وجه.
لا سيما والنهي هنا كان مؤكدًا، ولهذا لما عجنوا دقيقهم بماء آل ثمود أمرهم أن يعلفوه النواضح، ولا يطعموه، فأي تحريم أبين من هذا!
قوم مجاهدون في سبيل الله، في غزوة العسرة التي غلب عليهم فيها الحاجة، وهي غزوة تبوك، التي لم يكن يحصي عددهم فيها ديوان حافظ، وخرجوا في شدة من العيش، وقلة من المال، ومع هذا يأمرهم أن لا يأكلوا عجينهم الذي أعز أطعمتهم عندهم، فلو كان إلى الإباحة سبيل، لكان أولئك القوم أحق الناس بالإباحة فعُلم أن النهي عن الدخول والاستقاء كان نهي تحريم
(3)
.
وقال أيضًا رحمه الله: فإذا كان المكث في مواقع العذاب والدخول إليها لغير حاجة منهي عنه، فالصلاة بها أولى، ولا يقال فقد استثنى ما إذ كان الرجل باكيًا؛ لأن هذا الاستثناء من نفس الدخول فقط فأما المكث بها، والمقام والصلاة، فلم يُؤذن فيه، بدليل حديث علي رضي الله عنه
(4)
ولأن مواضع السخط
(1)
يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (1/ 530).
(2)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن حجاج، للنووي (9/ 363).
(3)
يُنظر: شرح العمدة في الفقه، لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 510).
(4)
عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه مَرَّ بِبَابِلَ وَهُوَ يَسِيرُ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ يُؤْذِنُهُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَلَمَّا بَرَزَ مِنْهَا أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: إِنَّ حِبِّي صلى الله عليه وسلم نَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَنَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي أَرْضِ بَابِلَ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ، أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة (1/ 182/ ح 490)، والبيهقي في سننه الكبير، كتاب الصلاة، باب من كره الصلاة في موضع الخسف والعذاب (2/ 451 ح/ 4435)، درجة الحديث: في إسناده ضعف، ومجمع على ضعفه، يُنظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: (5/ 203)، فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب:(2/ 432)، عون المعبود شرح سنن أبي داود:(1/ 183)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري:(4/ 189)، تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي:(1/ 280).
والعذاب قد اكتسبت السخط بما نزل ساكنيها وصارت الأرض ملعونة
(1)
.
قال ابن قيّم الجوزية رحمه الله (ت: 751 هـ): أن من مرّ بديار المغضوب عليهم والمعذبين لم ينبغ له أن يدخلها ولا يقيم بها؛ بل يسرع السير ويتقنع بثوبه حتى يجاوزها
(2)
.
قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله (ت: 852 هـ): وفي الحديث الحث على المراقبة والزجر عن السكنى في ديار المعذبين والإسراع عند المرور بها
(3)
.
فإذا وافق المسلم في طريق سفره ديار المعذبين ولم يُنشاء السير إليها، ودون أن يقصدها، فتجاوزها بسرعة وخوف ووجل، وعظة وعبرة وبكاء، ففي هذه الحالة فإن فعله موافق لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم صورةً وقصدًا، ولا يعتبر ممن أحيا آثار الأمم الهالكة.
وأما الذي يقصد آثار المعذبين وديارهم بالزيارة، وينشاء السير أو يشد الرحال إليها، أو يدعو إلى تهيئتها للسياحة هو الذي يعدّ صورة من صور الإحياء الممنوعة شرعًا.
ومن الجدير بالتنبيه أن مواقع العذاب كلها داخلة في هذا التوجيه النبوي، كما علّق الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله على حديث مرور النبي من الحِجْر وهو في طريقه لغزوة تبوك قائلاً: وهذا يتناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم وإن كان السبب ورد فيهم
(4)
.
(1)
شرح العمدة في الفقه، لشيخ الإسلام ابن تيمية (508).
(2)
زاد المعاد، لابن القيم (3/ 488).
(3)
فتح الباري، لابن حجر (1/ 531).
(4)
المرجع السابق (6/ 380).
وعلى هذا فإن آثار الأمم الهالكة ومواضع العذاب لا تُدخل زيارة، ولا يُنشاء السير إليها بالأبدان إلا أن تكون في طريق، وإن قصد ديار المعذبين لغير حاجة، منهي عنه، حتى لو كان الزائر يقصدها ويُنشاء السير لها للاعتبار والاتعاظ، ولو كان ذلك مشروعًا لأمر به النبي صلى الله عليه وسلم كما أمر بزيارة القبور؛ للتذكير بالآخرة، ولم يقل يومًا لأمته زوروا مواضع هلاك عاد وثمود وغيرهم من المعذبين.
حكم إنشاء السير بالأبدان لديار المعذبين لقصد الاطلاع والمشاهدة:
الفاحص لأقوال الأئمة يجدهم متفقين على تحريم دخول ديار المعذبين وقصدها بالزيارة للاطلاع والمشاهدة
(1)
؛ لثبوت الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفًا فيمن صادف ديار المعذبين في طريقه مارًا بها ولم يقصدها، فضلاً عن زيارتها وإنشاء السير لها؛ لقصد المشاهدة والاطلاع، فهو داخلٌ في النهي من باب أولى، وكذلك من جملة تلك الأدلة الدالة على النهي:
1 قال صلى الله عليه وسلم: «عَلَامَ تَدْخُلُونَ عَلَى قَوْمٍ قَدْ غَضِبَ اللهُ عز وجل عَلَيْهِمْ؟!»
فَنَادَاهُ رَجُلٌ: نَعْجَبُ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أُخْبِرُكُمْ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ، رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُخْبِرُكُمْ بِمَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ، فَاسْتَقِيمُوا، وَسَدِّدُوا، فَإِنَّ اللهَ عز وجل لا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ شَيْئًا، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ لا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا»
(2)
.
(1)
يُنظر: حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح، لأحمد الطحطاوي الحنفي (357)، مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل، للحطاب الرُّعيني المالكي (1/ 50 - 51)، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، لشهاب الدين النفراوي المالكي (1/ 123)، المجموع شرح المهذب، للنووي الشافعي (1/ 91 - 92)، المغني، لابن قدامة المقدسي الحنبلي (1/ 407)، شرح العمدة في الفقه، لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 508)، أبحاث كبار العلماء في المملكة العربية السعودية (3/ 69).
(2)
أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين رضي الله عنهم، حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه (7/ 4079/ ح 18314 - 18315)، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب المغازي، ما حفظ أبو بكر في غزوة تبوك (20/ 552/ ح 38167)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دخول المواضع التي قد غضب الله عز وجل على أهلها من نهي ومن إباحة (9/ 362/ ح 3741)، والطبراني في الكبير مسند من يعرف بالكنى، أبو كبشة الأنماري (22/ 340/ ح 851 - 852)، فهذا الحديث روي من طريق محمد بن أبي كبشة الأنماري أنمار غطفان عن أبي كبشة المذحجي، قال ابن كثير في البداية والنهاية (5/ 14): إسناده حسن ولم يخرجوه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 290 - 291): رواه الطبراني وأحمد بأسانيد أحدها حسن.
وهذا يدل على أن أناسًا يأتون بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا يدفعون عن أنفسهم العذاب؛ لمخالفتهم الصفة التي أرشد الله إليها الرسول صلى الله عليه وسلم عند المرور من مساكن المعذبين، حيث جعلوا مساكنهم ساحات للهو والغفلة والمتعة والأكل والشرب، ولم يتعظوا من حال أهل الديار التي هم فيها يسيحون
(1)
.
2 قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ»
(2)
.
الشاهد من الحديث «ومبتغ في الإسلام سُنَّة الجاهلية» : والمقصود بها: كل جاهلية مطلقة كانت أو مقيدة
(3)
.
وجه الاستدلال: أن إحياء ديار الأمم المعذبة بالزيارة، والإشادة بآثارها وتعظيمها، كل ذلك إن لم يكن القصد منه عبادتها، كان من ابتغاء سُنَّة جاهلية في الإسلام، فكان صاحبه من أبغض الناس عند الله تعالى
(4)
.
والزائرون لمواضع الهلاك على خطر عظيم؛ لأن الزائر إذا دخل على ديار المعذبين؛ للمشاهدة والسياحة والنزهة قلبه يكون قاسيًا غير خاشع أثناء مشاهدته لآثار العذاب، وحينئذٍ يصيبه دون أن يشعر ما أصابهم من التكذيب والتولي
(5)
.
وإن الذين يذهبون إلى ديار المعذبين ويقصدونها؛ للفرجة، والتنزه، ويبقون فيها أوقاتًا طويلة ينظرون في آثارهم القديمة، مخالفون لهدي
(1)
يُنظر: أحكام السياحة وآثارها، لهاشم ناقور (234).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب من طلب دم امرئ بغير حق (9/ 6/ ح 6882).
(3)
يُنظر: فضل الإسلام، لمحمد بن عبد الوهاب (6).
(4)
يُنظر: الآثار والمشاهد، لعبد العزيز الجفير (194)، أحكام الزيارة في الفقه الإسلامي، لمحمد عبد الرحيم (420).
(5)
يُنظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع، لابن عثيمين (7/ 315).
رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُنَّته، وفعلهم معصية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرّ بهذه الديار أسرع وقنع رأسه صلى الله عليه وسلم حتى جاوز الوادي وقطع، وخرج من ذلك الموضع، تحذيرًا من أن يدخل المسلم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم والذين أهلكهم الله في هذه الأرض خوفًا أن يصيب الإنسان ما أصابهم من عذاب الله إما بكفره بالله عز وجل حتى يستحق هذا العذاب، وإما بعقوبة يعاقب بها، وإن لم يكفر
(1)
.
وأما الآيات التي جاء فيها الأمر بالنظر في آثار الأمم الهالكة والتفكّر في مآلها؛ كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ، وقوله تعالى:{قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ *} [الأنعام]، وقال تعالى:{قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ *} [الروم].
فليس المراد منها إنشاء السير بالأبدان إلى ديار المعذبين؛ لأن هذا المراد معارض لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى»
(2)
.
فالاستدلال الصحيح المراد به في هذه الآيات أنّ:
1 الخطاب في الآيات موجه للمكذبين من كفار قريش الذين سبق وأن رأوا من قبل ديار المعذبين، الذين أهلكهم الله جل جلاله، في سفر سابق، كما جاء في تفسير إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله على قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
(3)
:
أ قال في تفسير الآية التي في سورة فاطر: أولم يسر يا محمد هؤلاء المشركون بالله في الأرض التي أهلكنا أهلها بكفرهم بنا وتكذيبهم
(1)
المفاتيح في شرح المصابيح، للمُظْهِري (5/ 259)، شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين (4/ 578) بتصرف.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (2/ 60/ ح 1189)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (4/ 126/ ح 1397).
(3)
هذه الآية وردت في ثلاث مواضع من القرآن في سورة: الروم: (9)، فاطر (44)، غافر (21).
رسلنا، فإنهم تجار يسلكون طريق الشام {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [يوسف: 109]
(1)
.
ب وقال في تفسير الآية التي في سورة الروم: أولم يسير هؤلاء المكذبون بالله، الغافلون عن الآخرة من قريش في البلاد التي يسلكونها تُجّارًا، فينظروا إلى آثار الله فيمن كان قبلهم من الأمم المكذبة، كيف كان عاقبة أمرها في تكذيبها رسلها
(2)
.
ج وقال في تفسير الآية التي في سورة غافر: أفلم يسر يا محمد هؤلاء المجادلون في آيات الله من مشركي قومك في البلاد، فإنهم أهل سفر إلى الشأم واليمن رحلتهم في الشتاء والصيف فينظروا فيما وطئوا من البلاد إلى وقائعنا بمن أوقعنا به من الأمم قبلهم، ويروا ما أحللنا بهم من بأسنا بتكذيبهم رسلنا، وجحودهم آياتنا، كيف كان عقبى تكذيبهم
(3)
.
2 الأمر في الآيات موجه للكفار والمشركين، بدلالة قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ *أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ *} [الروم].
ومما يثبت أن الخطاب موجه للكفار، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين بالسرعة في تجاوز المساكن؛ إذ لو كان الخطاب للمسلمين لم ينههم صلى الله عليه وسلم عن دخولها
(4)
.
3 على تقدير أن المخاطب بالسير في الأرض، والنظر إليها، هم
(1)
جامع البيان (19/ 395).
(2)
المرجع السابق (18/ 465).
(3)
المرجع السابق (20/ 371).
(4)
يُنظر: الآثار والمشاهد، لعبد العزيز الجفير (193).
المسلمون فيكون معناه: السير بالعقول والأذهان، لا بالأبدان، وبهما تتحقق الغاية والمطلوب، كما قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا} [الروم: 9]، ببصائرهم وقلوبهم
(1)
.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: بأفهامهم وعقولهم ونظرهم وسماعهم أخبار الماضين
(2)
.
فقرر الحافظ ابن كثير رحمه الله أن عاقبة الأمم السابقة تُرى بعين البصيرة لا عين البصر.
والذي يؤكد ذلك قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ *} [الحج].
ومما ينبغي على النساء التنبه له، إضافةً إلى التحريم العام السابق، أن زيارة ديار المعذبين التي يوجد فيها قبور، تحرم عليهن؛ للأحاديث الثابتة الواردة في لعن النبي صلى الله عليه وسلم لزائرات القبور
(3)
، وهو تحريم مطلق لزيارة النساء للقبور
(4)
، وغيرها من الأمور المحرمة المتعلقة بهن مما يؤكد المنع في حقهن.
* خلاصة ما سبق:
لا يجوز قصد زيارة مواضع الهلاك، ولا إنشاء السير لها بالأبدان.
وأن قصد زيارتها والدخول لها بحجة الاتعاظ والاعتبار غير مشروع؛ لأن الصورة الموافقة لفعل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وقصده، أنه عندما خرج لغزوة تبوك ومرّ بديار ثمود، تقنّع وأمر بالإسراع، والمرور، فقصده صلى الله عليه وسلم كان متجهًا لغزوة تبوك.
(1)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (14/ 9).
(2)
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (6/ 305).
(3)
كما سيأتي بيان المسألة بالأدلة، انتقل فضلاً (310).
(4)
يُنظر: كشف السُّتور في نهي النساء عن زيارة القبور، لحماد الأنصاري (47).
وكذلك لم يأمر صلى الله عليه وسلم بزيارتها لقصد الاتعاظ أو الدخول إليها للاعتبار وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن دخولها وحذّر، فالاتعاظ والاعتبار هو المنهج النبوي لمن جاءت في طريقه كما سبق بيان ذلك بالتفصيل.
المسألة الثانية: حكم إحياء عين الآثار؛ للسياحة، بالتهيئة والتحسين، وتذليل الوصول إليها:
يتبيَّن من حكم المسألة السابقة عدم جواز دخول ديار المعذبين وقصدها للاعتبار أو إنشاء السير لها من غير حاجة؛ فضلاً عن فتح باب السياحة إليها، والتشجيع لشدّ الرحال لها.
وقد قامت هيئة كبار العلماء بدراسة حول ديار ثمود وتحديد موضعها، وإصدار قرار على المعاملة
(1)
المتعلقة بحكم إحياء أرض ديار ثمود.
وبعد دراسة مجلس الهيئة، وتداول الرأي قررت الاتفاق على أنه لا يجوز إحياء أراضي ديار ثمود، للأحاديث الصحيحة
(2)
.
وقد تم بعد ذلك تحديد المحظور إحياؤه من أرض ديار ثمود وذلك ببيان ما جاء في نصوص الكتاب والسُّنَّة، وما يتعلق بتحديد ديار ثمود عند أئمة اللغة، والتفسير، وشراح الحديث، وعلماء التاريخ، وبتحري سؤال أهل الخبرة
(3)
.
(1)
الوارد إلى رئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، خطاب المقام السامي رقم (5576) بتاريخ 26/ 3/ 1392 هـ، المحال إلى الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، بخصوص رغبة الملك فيصل رحمه الله في أن تقوم هيئة كبار العلماء بدراسة: حكم إحياء أرض ديار ثمود، وموافاته رحمه الله بما يتقرر.
فجرى عرض ذلك على مجلس هيئة كبار العلماء في دورتها الثانية المنعقدة في أول شهر شعبان حتى 13 منه عام 1392 هـ.
(2)
هيئة كبار العلماء: عبد الرزاق عفيفي، محضار عقيل، محمد الأمين الشنقيطي، عبد الله خياط، عبد الله بن حميد، عبد العزيز بن باز، عبد العزيز بن صالح، عبد المجيد حسن، محمد الحركان، سليمان بن عبيد، إبراهيم بن محمد آل الشيخ، صالح بن غصون، راشد بن خنين، عبد الله بن غديان، محمد بن جبير، صالح اللحيدان. أبحاث هيئة كبار العلماء (3/ 70).
(3)
بحث مستوفى وشامل لتحديد ديار ثمود، لمعرفة المزيد يُنظر: أبحاث هيئة كبار العلماء (3/ 49 - 113).
ثم بعد ذلك أصدرت اللجنة العلمية قرار تحريم إحياء ديار ثمود
(1)
مع تحديد الموضع المحرم إحياؤه
(2)
.
حيث قامت الدولة وفقها الله آنذاك بتخطيط الأماكن، وعمل سياج حول الأراضي التي صدر القرار بعدم جواز إحيائها
(3)
.
قال الشيخ العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: ولا تجوز الإقامة فيها [ديار المعذبين]، ولا فتح مشاريع استثمارية فيها، من مطاعم ومقاه، وفنادق، مما يُرغب في زيارتها ويجلب الكفار السيّاح إلى بلاد المسلمين
(4)
.
وقال حفظه الله: نحن لا ننظر إليها [ديار المعذبين] نظر إعجاب ونفتخر بها، أو ننظر إليها اقتصاديًّا، كما تفعل الدول غير المسلمة، أو المسلمة المقلّدة لها؛ لأن هذا يخالف ما جاء به ديننا نحوها، من عدم العناية بها وحمايتها فضلاً عن استثمارها
(5)
.
إذ إن تنظيم البرامج السياحية، وإعداد جولات النزهة، لديار المعذبين يُخشى منها؛ عدم تحقق الشرط المبيح للدخول والمكث
(6)
، هذا على تقدير جواز قصدها بالزيارة لغير حاجة!
(7)
إذ لم تغن عنهم قوتهم، ولم تردّ عنهم العذاب الذي حاق بهم، وبقيت تلك المساكن بعدهم عبرة وعظة للقرون اللاحقة، كما قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً
(1)
استنادًا على الأئمة والعلماء القائلين بالمنع منهم: الخطابي، أحمد بن حنبل، محمود العيني، ابن القيم، ابن حجر العسقلاني، وغيرهم. يُنظر: أبحاث هيئة كبار العلماء (3/ 51).
(2)
قرار رقم (30) بتاريخ 21/ 8/ 1394 هـ. يُنظر: أبحاث هيئة كبار العلماء (3/ 78 - 81).
(3)
يُنظر: تحذير الموحدين من تتبع آثار المشركين، لسعيد العمر (55).
(4)
حكم إحياء الآثار (10).
(5)
المرجع السابق.
(6)
يُنظر: حراسة السياحة، لعلي الأحمد (17 - 18).
(7)
يُنظر: شرح العمدة في الفقه، لشيخ الإسلام ابن تيمية (508).
وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ *} [القصص]
(1)
.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: لم يسكنها إلا المسافر، ومارُّ الطريق يومًا أو ساعة
(2)
؛ لشؤم ما وقع فيها من معاصيهم
(3)
.
وعلى هذا التقدير: لم تسكن من بعد هلاك أهلها إلا قليلاً؛ لأن منازل المهلَكين لم تسكن بعد هلاكهم ألبته، ولم يخلفهم فيها أحد، فبقيت خرابًا غير مسكونة
(4)
.
ومعلوم أن العقيدة الإسلامية لا تقف ضد الدراسات التاريخية
(5)
من حيث كونها دراسات، ولكن تهمها المقاصد والغايات، فإن كان المقصد التذكير بمآل ومصير الأمم الهالكة فنعم
(6)
، فبالآيات القرآنية التي تقرع القلوب، وبالآثار المروية الصحيحة، التي وصفت لنا حالهم ومآلهم.
وقد قال أحد السلف: مَنْ لم يردعه القرآن والموت، ثم تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع
(7)
.
أما الالتزام بربط المسموع بالحس للتعليم والتذكير، فهذا قد يؤثر في مسألة عدم الإيمان وتصديق الخبر إلا إذا كان مرئيًا ماديًا محسوسًا، وهو السبب الرئيس الذي دفع المشركين لتجسيد الآلهة والمعبودات، والمؤدي غالبًا إلى عبادة الأصنام والأوثان
(8)
.
(1)
يُنظر: أحكام السياحة، لابن جبرين (60 - 61).
(2)
يُنظر: الكشف والبيان، للثعلبي (7/ 256).
(3)
يُنظر: فتح القدير، للشوكاني (4/ 181).
(4)
يُنظر: التفسير البسيط، للواحدي (17/ 429)، والوسيط في تفسير القرآن المجيد، له (3/ 404).
(5)
ذكرت في التمهيد لفتة عن أهمية معرفة التاريخ راجع فضلاً (34).
(6)
يُنظر: أحكام السياحة وآثارها، لهاشم ناقور (233).
(7)
المقولة للحسن بن عبد العزيز الجذامي الجروي المصري (ت: 260 هـ). يُنظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (6/ 66).
(8)
يُنظر: تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، لأبي الريحان البيروني الخوارزمي (78)، تعظيم المشاهد والآثار، لعبد العزيز الجفير (64).
وختامًا فالصفة الجائزة في هذا المطلب واحدة وهي مماثلة النبي صلى الله عليه وسلم في الصورة والقصد عند المرور بديار المعذبين؛ كمروره صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، عرضًا من غير قصدها، مع الالتزام في حال المرور بالاعتبار والتفكر والبكاء، والاتعاظ بعاقبة أمر المعذبين، مجانبًا الإعجاب بأبنيتهم حتى مغادرة موضع العذاب
(1)
؛ لأنه لم يؤثر فيما أعلم عن أحد من السلف أنه كان يقصدها بالزيارة دون حاجة.
فإن قصد به التقرب إلى الله والتعبد فهو من الابتداع في الدين، وإن قُصد به الإعجاب والفخر والتكسّب وراء ذلك فهو من مشابهة المشركين والكفار والملاحدة، نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق للجميع.
* * *
(1)
كما نبّه الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى حال المسلم عند المرور من ديار المعذبين فقال: ليس المراد الاقتصار في ذلك على ابتداء الدخول بل دائمًا عند كل جزء من الدخول. فتح الباري (1/ 530).
المبحث الرابع
الآثار الوثنية والجاهلية
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول:
الآثار الفرعونية.
المطلب الثاني:
الآثار الفينيقية.
المطلب الثالث:
الآثار البابلية.
المطلب الرابع:
الآثار الجاهلية.
المطلب الخامس:
حكم إحياء الآثار الوثنية والجاهلية.
المبحث الرابع
الآثار الوثنية والجاهلية
عاش المسلمون قرونًا طويلة لا يرفعون رأسًا لأمور الجاهلية، ولا يعيرون لآثارها اهتمامًا، ولا يكترثون لها، وإن ذكروها فإنما يتحدثون عنها لأجل بيان ما كانوا عليه من الضلال، وكيف هداهم الله جل جلاله، وأنعم عليهم بالإسلام.
فكان الناس في إسلامهم، والآثار تحت أرضهم، لا يثير الحديث التاريخي عنهم شيئًا من الانتماء أو التعصب أو الحماس
(1)
.
حتى غزا الكفار بعض بلاد المسلمين تحت اسم الاستعمار، وانتقلت أفكارهم وعقائدهم، واتجهت أطماعهم إلى بلاد المسلمين؛ للتنقيب عن كنوز الأرض بزعمهم، وإحياء الآثار الجاهلية؛ بدعوى معرفة التاريخ القديم، وما يخبئه الماضي من أخبار مجهولة
(2)
.
كما قال المستشرق كويلرينج: إننا في كل بلد إسلامي دخلناه نبشنا الأرض؛ لنستخرج حضارات ما قبل الإسلام، ولسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى ما قبل الإسلام، ولكن يكفينا تذبذبه بين الإسلام وبين تلك الحضارات
(3)
.
ولم تتوانى الحملات الآثارية عن ذلك، فأرسلوا بعثات متوالية؛ لبدء التنقيب في أراضي المسلمين، وإحياء الآثار الوثنية والجاهلية القديمة، حيث يزودون كل بلد الانتماء المناسب لأرضه؛ لذبذبة الولاء للإسلام، وتفكيك وحدة المسلمين، وإشعال النعرات القومية والوطنية، فتكون العراق بابلية،
(1)
يُنظر: دور أهل الذمة في إقصاء الشريعة الإسلامية، لماجد المضيان (345).
(2)
يُنظر: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر (131).
(3)
الشرق الأدنى ومجتمعه وثقافته، لكويلر ينج، نقلاً من واقعنا المعاصر (188).
ومصر فرعونية، ولبنان فينيقية، ونحو ذلك
(1)
.
حتى انجرف ولاء بعض المسلمين لها شيئًا فشيئًا، وأصبح من الشعوب المسلمة من يفتخر بانتمائه الجاهلي أكثر من اعتزازه بالإسلام، ثم يتحول ذلك إلى صراع وعصبية بين القوميات، فهذه قومية فرعونية، وتلك بابلية والأخرى فينيقية وغيرها من القوميات الجاهلية
(2)
.
فصار إحياء الآثار القديمة في أرض الإسلام وبلاد المسلمين تحقيقًا لخطط الأعداء، الذين يسعون جاهدين لإقناع كل دولة مسلمة بأن لها كيانًا قائمًا بذاته منذ أقدم العصور، والعمل على جعل مناط الولاء والبراء هو الانتماء إلى الثقافات التي يُلحق بها الاكتشاف الأثري
(3)
، الذي به يتحقق إحياء القوميات الوثنية والجاهلية بين المسلمين.
فظاهر دعواهم إحياء الآثار، والمحافظة عليها؛ لمعرفة التاريخ القديم لكل إقليم، وإبراز الحضارات العريقة له، والتقدّم والتطور العلمي الذي كانوا يتحلون به، ومن ثم عرضها في المتاحف، واستثمارها ماديًّا واقتصاديًّا.
وباطنها إحياء الشرك والوثنية التي يعيشها الكفار ليل نهار، وتحقيق أهداف خفية خبيثة من الاستيلاء على الأراضي، أو إحياء النعرة العرقية بين المسلمين؛ حتى يتفرقوا فتنشأ بينهم العصبيات القومية، والجاهلية، والعداوات، والحروب، وتتحقق مطامعهم في الشرق الإسلامي.
وللأسف تحقق قدر كبير من أهدافهم بنبش عمق الأراضي؛ لاستخراج الآثار، والنظر في تاريخ الأقاليم، فأصبح كلٌّ منهم يفخر بتاريخه الجاهلي الوثني متناسيًا انتماءه للإسلام الذي ينافي الوثنية والجاهلية وينقضها.
كفخر بعض المصريين بأنهم أحفاد الفراعنة، وبعض اللبنانيين بأنهم أحفاد الفينيقيين، وبعض العراقيين بأنهم أحفاد البابليين وغيرهم
(4)
.
(1)
يُنظر: براءة الصحابة الأخيار من التبرك بالأماكن والآثار (636).
(2)
تهافت العلمانية في الصحافة العربية، للبهنساوي (175).
(3)
يُنظر: دور أهل الذمة (345).
(4)
يُنظر: براءة الصحابة الأخيار (636)، دور أهل الذمة (343).
فإحياء تلك الآثار مثل إحياء قوم نوح عليه السلام للأوثان.
ولا شك أن الأصل في سعيهم الحثيث لنبش الآثار هو عبادة غير الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم يأنفون من توحيد رب العالمين، وإخلاص العبادة له جل جلاله، لهذا تجدهم يبحثون عما بحث عنه الشيطان من الأصنام، لما أخرجها لعمرو بن لحي من تحت رمال شاطئ جدة؛ حتى عبدها من عبد من مشركو العرب، فهؤلاء الكفار الذين احتلوا بعض بلاد المسلمين، هم أولياء الشيطان وأعوانه، فلا غرْو أن يستخدمهم لهذا الغرض.
وفي ظل تلك المؤشرات نجد أن مخلفات الأمم التي مضت، والتحريات الحديثة لها، بعيدة كل البعد عن التطوّر المادي، أو التقدّم العلمي، وما ينادونها به من حضارة؛ بل هي رجعية يحيطها ظلام الجهل.
وأكبر دليل على تخلّفها وجهلها وضلالها: الانحطاط العقدي، والطقوس الوثنية التي كانوا متمسكين بها؛ كخضوعهم للصخور، وعبادتهم للحيوانات، والأشجار، وغيرها من الأشياء التي يستحيل على العاقل الموفّق التصديق على أنها آلهة.
كما نفى بعض السلف عن المشركين أن يكون لهم عقول!
يقول الإمام حرب الكرماني رحمه الله: قلتُ لإسحاق رحمه الله: فالرجل يقول للمشرك إنه رجل عاقل؟ قال: لا ينبغي أن يقال؛ لأنه ليست لهم عقول
(1)
.
والآثار المعنية في هذا المبحث: هي المعالم المرئية الباقية من الأمم الوثنية السابقة.
ففي هذا المبحث سأتناول إن شاء الله بعضًا من الآثار الوثنية والجاهلية، الموجودة في بعض بلاد المسلمين، والتي قد يفخر وينتسب إليها بعض المسلمين.
(1)
مسائل حرب الكرماني (2/ 881).
ويظنون أن حضارة أي أمة من الأمم بما تخبئه أرضها من قلاع وحصون وصور ونصب وتماثيل، وغير ذلك من آثار الأمم التي سبقتهم والتي جعلوها مقياسًا للحضارة.
متناسين عبودية المخلوقات التي كانت سائدة آنذاك؛ وما تشير إليه القرائن من علو طبقة على أخرى، الذي جاء الإسلام بهدمه ونقضه، وتحرير الإنسان من عبودية المخلوق إلى عبودية الخالق، وهذه الحرية الحقيقية التي كفلها الإسلام للإنسان
(1)
.
فلأجل ذلك نجد أن الآثار الوثنية والجاهلية القديمة اشتملت على أشكال وألوان من الانحرافات العقدية التي أصابت البشرية في حقبة من الزمن، والتي فيها فشا الجهل وبرز التخلّف وساد الضلال وعمّ.
ولست أقصد في هذا المبحث استقصاء جميع الآثار الوثنية، والجاهلية التي كانت من قبل، ولكن سأشير إلى أبرزها، والتي سيكون بسطها في المطالب التالية:
المطلب الأول: الآثار الفرعونية.
المطلب الثاني: الآثار الفينيقية.
المطلب الثالث: الآثار البابلية.
المطلب الرابع: الآثار الجاهلية.
المطلب الخامس: حكم إحياء الآثار الوثنية والجاهلية.
* * *
(1)
يُنظر: دور أهل الذمة (346).
المطلب الأول
الآثار الفرعونية
بسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: التعريف بالفراعنة ومعتقداتهم.
المسألة الثانية: من سعى في إحياء الآثار الفرعونية وتسبب في إخراجها.
المسألة الثالثة: أمثلة على الآثار الفرعونية الموجودة حاليًّا.
المسألة الأولى: التعريف بالفراعنة ومعتقداتهم:
الفراعنة هو لقب لحكَّام مصر القدامى، الذين يرجع تاريخهم إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد
(1)
، القاطنين على ضفاف نهر النيل، في الشمال الشرقي لأفريقيا
(2)
، والمعروفة الآن بجمهورية مصر العربية.
أما عن أبرز المعتقدات الوثنية، والخرافات الجاهلية التي كانت سائدة عند الفراعنة، ما يلي:
1 خلود الروح، والحياة الأبدية، فيما وراء هذا العالم، وهذا ما كان يشغلهم، حيث دفعهم إلى الابتكار والبناء، والعمارة، والهندسة، والتشييد للأهرامات، وعلوم الطب للتحنيط
(3)
، وغيرها من العلوم التي برزوا فيها
(1)
يُنظر: تطور الفكر الغربي، لمجموعة مؤلفين (27).
ملحوظة: يختلف تحديد تاريخ الفراعنة وزمن وجودهم من كتاب لآخر، نظرًا لغموض المدة، فحسابها مجرد تخمين، وهو ظني لا يقيني، والمتداول بين الناس على أن تاريخها يعود إلى عام (7000 ق. م.) غير صحيح، حيث إن معظم المؤرخين متفقين على أن تاريخ مصر يعود إلى عام (3200 ق. م.). يُنظر: لغز الحضارة الفرعونية، لسيد كريم (8).
(2)
يُنظر: التراث الجغرافي، لرنده اللباييدي (10).
(3)
يُنظر: اليوم الآخر في الأديان السماوية والديانات القديمة، ليسر محمد (29)، وتطور الفكر الغربي (27).
لتحقيق هدف مستحيل، وفشلوا في تحقيقه وهو: الخلود والبقاء.
ولا شك أن المخلوقات كلها فانية، كما قال تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ *} [الرحمن].
فلما رأوا ملوكهم يموتون وتخرج أرواحهم دون جدوى من محاولاتهم، قالوا بأن الأرواح بعد الموت تحتاج إلى ما يحتاج إليه الحي، فمن هنا كان النداء إلى القرابين الغذائية، التي ترافقها الطقوس الشركية
(1)
.
فوضعوا بجوار الموتى في قبورهم أدوات الصيد؛ كالسكين، والمكشط، وما إلى ذلك؛ ظنًّا منهم بأن الأموات يصطادون، ويذبحون طرائدهم، ويقاتلون أعداءهم
(2)
.
2 عقيدة تناسخ الأرواح، وذلك بأن الروح تعود بعد الموت، فتقيم في المومياء وفي التماثيل، وتظل تتردد من مكان إلى مكان ولا تعود إلى الإنسان في قبره إلا بعد أن يجتاز الحساب
(3)
.
3 تعدد المعبودات الوثنية وتنوعها؛ لتأثر أهل مصر القدامى بالظواهر الطبيعية، والكائنات المحلية
(4)
، فاتخاذهم للآلهة يرجع إلى شعورهم اتجاه الشيء بالحب والولاء، والخوف والرهبة، فيقدسونه ويعبدونه جهلاً وظنًّا منهم بأنه يرضى عنهم فيجنبهم أذاه، وينفعهم ويحميهم، ويعطيهم ويأخذ منهم
(5)
.
فكانوا يؤلهون كل من له قوة أو صفة؛ بحجة أن له القدرة على إكسابهم القوة والصفة التي يمتلكها إذا تقربوا إليه وطلبوها منه، ولم يكن لديهم ما يمنع
(1)
يُنظر: تاريخ الحضارات العام، الشرق واليونان القديمة، لمجموعة مؤلفين (108)، اليوم الآخر في الأديان السماوية والديانات القديمة (29).
(2)
يُنظر: اليوم الآخر في الأديان السماوية والديانات القديمة (34).
(3)
يُنظر: تطور الفكر الغربي (27)، دراسات في الأديان الوثنية القديمة، لأحمد عجيبة (85)، اليوم الآخر في الأديان السماوية والديانات القديمة (30).
(4)
كعبادتهم للحيوانات: «العجل التمساح النسر البقرة الوزة الكبش القط الكلب الدجاجة الأفعى» . يُنظر: دراسات في الأديان الوثنية القديمة (85).
(5)
يُنظر: معالم حضارات الشرق الأدنى القديم، لمحمد أبو المحاسن عصفور (64 - 66)، دراسات في الأديان الوثنية القديمة (85).
من تقديس الظواهر الطبيعية إلى جانب الكائنات المحلية، فيرون تقديس كلًّا من الشجر لاتصافه بالثبات والدوام والاستمرار، والثور لقدرته على الإنتاج والذرية، واللبوة؛ لأنها تمثل البطش والقوة، وكذلك الإنسان يرون أن له قوة جسمانية فيكون له نصيب من التأليه، حيث إنهم ينحتون على الصخور جسم إنسان برأس حيوان، كالصنم «خنوم» رأس كبش بهيئة جسم إنسان، الذي يعتبرونه الآلهة التي تصور الأجنة، وغيرها من الأصنام والتماثيل التي يعتقدون أن لها القدرة على القيام بمهام التصرّف والتدبير فيعبدونها، ويطلبون منها حاجتهم
(1)
.
وكذلك من الظواهر الطبيعية أنهم عبدوا الشمس؛ لاعتقادهم أنها طائر بازيٌّ
(2)
في عرض السماء، فنحتوا قرص شمس مجنحًا، ونصبوه على الهرم الكبير كرمز مقدس له، وعبدوه، وكذلك كانوا يعبدون النيل ويقربون له القرابين والهدايا!
(3)
.
ومن الملاحظ أن الديانة المصرية القديمة ظلت تتنقل في الشرك والانحراف من آلهة إلى أخرى، فكانت تعبد وتألّه شيئًا واحدًا، ثم ثلاثة، ثم تسعة، ثم ضُوعف حتى بلغ عددهم المائة وتجاوزوها!
(4)
فلما تعددت التماثيل وُزِّعت على المدن، فأصبحت تختلف معبودات كل مدينة عن الأخرى، وتنوعت أسماؤهم ما بين اسم لملك، أو صفة لكوكب، أو تعظيم لظاهرة طبيعية، أو تقديس لحيوان أو طير، حتى آل الأمر لبعض سكان المدن إلى عبادة ملوكهم بعد وفاتهم معتقدين بأن أرواحهم صعدت إلى السماء وأصبحوا آلهة تتصرف في أهل الأرض
(5)
.
(1)
يُنظر: معالم حضارات الشرق الأدنى القديم (65).
(2)
بازي: جنسٌ من الصُّقور الصَّغيرة أو المتوسِّطة الحجم، من فصيلة العُقاب النَّسْرية. يُنظر: لسان العرب (5/ 204 - 205).
(3)
يُنظر: العصور القديمة، لجايمس هزي براستد (49 - 40).
(4)
يُنظر: التفسير الديني في المعتقدات العراقية والمصرية القديمة، لصالح القريشي (17).
ولمعرفة المزيد عن أسماء وأوصاف الآلهة والخزعبلات التي كانوا يعبدونها، يُراجع: الديانة المصرية القديمة، لياروسلاف تشرني (223 - 240).
(5)
يُنظر: التفسير الديني في المعتقدات (18)، ودراسات في الأديان الوثنية القديمة (91).
كما هو الحاصل في معبد «سيتي الأول» فإلى جانب هياكل الآلهة السبعة أضافوا هيكلاً ثامنًا لعبادة الملك «سيتي» ؛ أي: بعد أن مات أصبح إلهًا
(1)
.
وقد علّل أحد الدارسين للأديان القديمة أن الآثار تدله إلى أن الفراعنة لم يقدسوا الحيوانات لذاتها، وإنما قدسوها لحلول أرواح الآلهة فيها
(2)
.
ولا شك أن اعتقاداتهم كلها باطلة، وفساد ما كانوا عليه يلوح للمسلم البصير بأدنى نظر.
المسألة الثانية: من سعى في إحياء الآثار الفرعونية وتسبب في إخراجها:
لم يستمر حكم الفراعنة في مصر إلا حقبة من الزمن، ثم بعد ذلك هجم عليهم الروم، وأغاروا عليهم، وأبطلوا ديانة مصر القديمة، فحكموا مصر في القرن الأول الميلادي، وعمموا الديانة النصرانية
(3)
.
حتى وصلت الفتوحات الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مصر، وأصبحت من بلاد المسلمين عام (20 هـ) على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه واعتنق أهلها الإسلام، وما زالت ولله الحمد حتى وقتنا الحالي
(4)
.
فعاش المسلمون قرونًا طويلة
(5)
لا يعيرون التاريخ القديم وآثار الفراعنة اهتمامًا، ولا يكترثون لها، وذلك يرجع إلى عدم اهتمام المسلمين بما ليس له ارتباط في الدين، ولا أهمية، فكان الغموض يحيط بتاريخ الفراعنة لمرورها
(1)
يُنظر: أصنام في بلاد الإسلام، لأبي الوفاء محمد درويش (4).
(2)
يقصد: عقيدة الحلول. يُنظر: دراسات في الأديان الوثنية القديمة (85).
(3)
يُنظر: التفسير الديني في المعتقدات العراقية والمصرية القديمة، لصالح القريشي (18)، موسوعة تاريخ مصر عبر العصور، لمجموعة من المؤلفين (499).
(4)
يُنظر: فتوح مصر والمغرب، لأبي القاسم المصري (104)، فتوح الشام، للواقدي (2/ 32)، فتوح البلدان، لأحمد البَلَاذُري (216).
(5)
تقريبًا (12) قرنًا، فتح المسلمين مصر في القرن (7 م)، ودخلت الحملات الصليبية للتنقيب القرن (19 م).
بفترتين من التحوّل: بالنصرانية، ثم لنور الإسلام
(1)
، الذي انتشل الناس من أوحال الوثنية والشرك، وقطع الصلة بينه وبين الجاهلية، التي تعمّ أرجاء بلاد مصر آنذاك.
ولم يُذكر في كتب التاريخ فيما أعلم أن الآثار الفرعونية كانت موجودة عندما فتح المسلمون مصر، أو أنهم رأوها.
كما أشار أحد المؤرخين إلى عدم وجود بعض الآثار آنذاك بقوله: كان أكثرها مغمورًا بالرمال ولا سيما أبا الهول
(2)
.
ومما يؤكد ذلك أنّ أبا الهول في القرن التاسع الهجري لم يظهر منه إلا الرأس والعنق فقط كما أشار إلى ذلك مؤرخ الديار المصرية أبو العباس المقريزي رحمه الله
(3)
.
حتى بدأت رحلات الغرب الاستكشافية للتنقيب عن الآثار، وإحياء التاريخ القديم على أيدي الفرنسيين في القرن التاسع عشر الميلادي
(4)
.
فكان الإسهام الكبير في إحياء آثار الفراعنة على يد المستشرقين الذين كان همهم الأكبر هو إحياء القومية الوثنية والجاهلية في بلاد المسلمين؛ لتحقيق مطامعهم
(5)
.
فأول وأشهر بعثات الآثار في ديار المسلمين هي تلك الحملة الصليبية التي قادها نابليون
(6)
على بلاد مصر المسلمة عام (1798 م)، تجاوز عدد أعضاء الحملة المائة من أهل الاختصاص، وتنوعت تخصصاتهم ما بين علماء الطب، والهندسة، ومنقبي الآثار، وعلماء التاريخ والجغرافيا، وخبراء علم
(1)
يُنظر: موسوعة تاريخ مصر عبر العصور (19).
(2)
شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، للزركلي (4/ 1188).
(3)
يُنظر: المواعظ والاعتبار، للمقريزي (1/ 129).
(4)
يُنظر: موسوعة تاريخ مصر عبر العصور (19).
(5)
علم الآثار وبيان المنهج الإسلامي، لعمر بن محمد العمر (1019) بتصرف.
(6)
نابليون بونابرت، كان قائد عسكريًّا فرنسيًّا، ثم توّج نفسه إمبراطورًا على فرنسا، أبحر إلى مصر عام (1798 م) على رأس جيش مؤلف من (38000) جندي، وعرفت باسم الحملة الفرنسية على مصر، مات سنة (1821 م). يُنظر: الموسوعة العربية العالمية (25/ 9).
الأرض، ومختصين في شتى العلوم؛ لاستخراج الآثار، وقراءة ما كُتب عليها
(1)
.
فأمر نابليون بإنشاء المجمع العلمي المصري، وكذلك المتحف الوطني المصري، حيث تولى أحد المستشرقين هيئة الآثار المصرية
(2)
.
ويُذكر أن أحد أثرياء اليهود
(3)
، تبرع بعشرة ملايين دولار؛ لإنشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر، وألحق به معهدًا لتخريج المختصين في هذا الفن، تحت إشراف لجنة مسؤولة عن إدارة المتحف والمعهد، يهدف إلى إنشاء جيل من المتعصبين للفراعنة
(4)
، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على ما في هذا الاتجاه من مصلحة صهيونية
(5)
.
ثم توالت بعد ذلك البعثات الأجنبية الآثارية؛ لمعرفة المزيد من الآثار الفرعونية، ومن القرن (19 م) وحتى القرن الحالي ما زال المستشرقون من أوروبا يفدون إلى مصر مظهرين انبهارهم بالآثار الفرعونية الوثنية مشيدين بها
(6)
.
وعلل أحد الباحثين سبب بدء المستشرقين بالتنقيب عن الفراعنة في مصر؛ لملائمة البيئة المصرية الدينية في نشر التماثيل حيث كانت تنتشر الأضرحة والقبور والمشاهد والمزارات، وأيضًا لقرب مصر من أوروبا، الذين كان لهم العناية الكبيرة بالآثار الرومانية واليونانية، التي لها امتداد للأراضي المصرية
(7)
.
(1)
يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (154)، وملامح علم الآثار وفن المتاحف، لممدوح درويش مصطفى (51)، ودور أهل الذمة (334).
(2)
يُنظر: دور أهل الذمة (335).
(3)
روكفلر الأمريكي، وهو من غلاة الصهاينة، وقد استرد هبته آنذاك، بسبب رفض الحكومة شرط إشراف الأجانب على المعهد الفني. يُنظر: الاتجاهات الوطنية (132 - 133)، والإسلام والحضارة الغربية، لمحمد محمد حسين (237).
(4)
يُنظر: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر (132).
(5)
يُنظر: الإسلام والحضارة الغربية (237).
(6)
يُنظر: موسوعة تاريخ مصر عبر العصور (22)، تطور الفكر الغربي (27)، دور أهل الذمة (331 - 332).
(7)
يُنظر: تعظيم الآثار والمشاهد، لعبد العزيز الجفير (314).
المسألة الثالثة: أمثلة على الآثار الفرعونية الموجودة حاليًّا:
لما تراكمت الآثار التي اكتشفها المستشرقون وقاموا بجمعها والتنقيب عنها، أنشأوا لها المتاحف والأماكن الخاصة؛ للحفاظ عليها؛ كمتحف الآثار المصرية في القاهرة الذي يضم الآن أكثر من (136 ألف) قطعة أثرية
(1)
، وتبعه كثير من المتاحف
(2)
.
وما زالت عمليات التنقيب والحفريات في تزايد حتى وقتنا الحاضر، والاهتمام بالهياكل والمعابد قائم؛ كالتماثيل والأصنام التي شيدوا لها القصور، وأحيوها ولم يتوانوا من إظهارها وإبرازها.
وتلك الآثار ماثلة للعيان وباقية ومُشاهدة في وقتنا الحالي، وتلقى وللأسف اهتمامًا بالغًا من قِبل بعض المهتمين بالآثار.
وهي لا تخلو عن أحد أمرين: إما آثار ثابتة في الأرض، وإما منقولة ومتحركة.
وهي من حيث نوعها: إما معابد وهياكل، أو أهرامات وقبور وتوابيت، أو تماثيل وأصنام، أو ألواح صخرية أو طينية عليها كتابات قديمة، وغيرها.
فمن الأمثلة على الآثار الموجودة حاليًّا ما يلي:
1 المعابد مثل:
أ معبد أبو سنبل، وهو عبارة عن معبدين متجاورين منحوتين في الصخر، من أيام الملك الفرعوني رمسيس الثاني، يقع المعبدان في جنوب أسوان على الضفة الغربية لشاطئ نهر النيل، وفي واجهة المعبد الكبير أربعة أصنام ضخمة منحوتة على الصخر، وبداخل المعبد تمثال بتاح، وشمال المعبد الكبير معبد آخر بداخله تمثال حتحور وفي واجهة
(1)
يُنظر: علم المتاحف والمعارض، لعفيف البهنسي (131)، ملامح علم الآثار (250).
(2)
من الملاحظ أن معظم المتاحف العربية اُفتتحت وللأسف الشديد في أثناء فترات الاحتلال الأوروبي للبلدان العربية. يُنظر: متاحف الآثار والتراث، لخلف الطروانة (24 - 25).
المعبد تماثيل منحوتة في الصخر ل رمسيس الثاني وزوجته نفرتاري
(1)
.
ب معبد الكرنك ومعبد الأقصر بطيبة
(2)
.
ج معبد حتشبسوت في الدير البحري
(3)
.
د معبد سيتي الأول المسمى بمعبد القرنة في جبانة طيبة وهو يعتبر من المعابد الجنازية
(4)
، وغيرهم كثير.
2 الأهرامات، مثل:
أ الهرم الأكبر
(5)
المنسوب لملكهم خوفو وما حوله من الأهرامات بالجيزة
(6)
.
ب أهرام اوناس، بيبي الثاني، تيتي في سقارة
(7)
، وغيرهم.
3 القبور، مثل:
أ قبر توت عنخ أمون بالبر الغربي بالأقصر
(8)
.
(1)
ومن صور العناية والاهتمام وإحياء الآثار الوثنية ما حصل للمعبدين من ارتفاع مياه السد العالي حتى غمرت موقع هذين المعبدين، فقاموا بقص صخور المعبد ونقلها إلى ربوة مرتفعة على ضفة البحيرة، لا تبعد عن الموقع الأصلي، واشتركت في النقل منظمة اليونسكو، واستغرقت حوالي (4) أعوام، من عام (1964 إلى 1968 م). يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (208 - 209).
(2)
يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (198)، وملامح علم الآثار (105 - 106).
(3)
يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (199).
(4)
يُنظر: المرجع السابق (200).
(5)
الهرم الكبير: هو ضريح في الجيزة لأحد ملوك الفراعنة يسمى: «خوفو» ، بناه بناء حجري قديم (2900 ق. م)، بارتفاع:(55 قدم)، ويعتبر أكبر الأهرامات وأقدمها. يُنظر: العصور القديمة، لجايمس هزي براستد (42 - 43)، تاريخ الشرق القديم، لسامي الأحمد، وجمال رشيد (70 - 71).
(6)
يُنظر: العصور القديمة (42)، ملامح علم الآثار (100).
(7)
اكتشف تلك الأهرامات «جاستن ماسبيرو» الإيطالي. يُنظر: ملامح علم الآثار (55).
(8)
اكتشف هذا القبر وملحقاته «هاورد كارتر» الإنجليزي، حيث يوجد بجوار هذا القبر عدة غرف خارجية تحتوي على الممتلكات الشخصية لصاحب القبر، من ملابس ومجوهرات، ومصابيح، وسلاح، وقوس الصيد، وخنجرين، وعربات، وأثاث مغطى بالذهب، وسبعة مجاديف سحرية، وحائط مصمت من الذهب عليه نقوش ورموز سحرية، وكثير من التماثيل المغطاة بالذهب التي يعتبرونها آلهة. يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (158)، وملامح علم الآثار (60 - 63)، وقد نُقلت محتويات القبر إلى متحف الآثار المصرية. يُنظر: علم المتاحف والمعارض (131).
ب قبور العجول المقدسة في جنوب القاهرة، المعروفة باسم: ايبس
(1)
.
ج المقابر الملكية التي يزيد عددها عن (62 قبرًا) في وادي الملوك
(2)
، وغيرهم كثير.
4 التوابيت، مثل:
أ تابوت سيتي الأول الموجود الآن في متحف سوان في لندن
(3)
.
ب مجموعة ملوك في توابيتهم في الدير البحري بالأقصر بلغ عددهم (34) تابوتًا
(4)
، وغيرها من التوابيت كثير.
5 التماثيل والأصنام، مثل:
أ تمثال خفرع في سقارة
(5)
.
ب تمثال أبو الهول في الجيزة
(6)
.
ج وعدة تماثيل ل بتاح، رمسيس الثاني، حتحور التي في معبد أبو سنبل
(7)
، وغيرها كثير.
(1)
اكتشفها «مارييت» الفرنسي، الذي كان أول مدير لمصلحة الآثار المصرية. يُنظر: ملامح علم الآثار (54).
(2)
يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (203).
(3)
اكتشفه جيوفاني باتيستا بلزوني الذي كان يعمل لحساب قنصل بريطانيا، اكتشف القبر والتابوت في وادي الملوك، جهة البر الغربي للأقصر. يُنظر: ملامح علم الآثار (53)
(4)
اكتشفها جاستن ماسبيرو الإيطالي الذي خلف مارييت الفرنسي في إدارة مصلحة الآثار المصرية، يُقال: بأنها كانت خبيئة تضم مجموعة من الموميات، قام الكهنة بإخفاء توابيتهم بعدما سُرقت قبورهم. يُنظر: ملامح علم الآثار (55).
(5)
استخرجه «مارييت» الفرنسي من حفائر سقارة. يُنظر: ملامح علم الآثار (55).
(6)
كُشف عنه عام (1869 م) ولكن الرمال عادت فغطت جزء منه، ثم بعد ذلك أمر جاستن ماسبيرو الإيطالي بإزالة الرمال عنه وإخراجه بالكامل. يُنظر: ملامح علم الآثار (55).
(7)
يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (208 - 209).
6 ألواح صخرية أو طينية عليها كتابات قديمة، مثل:
أ حجر رشيد
(1)
، وهو موجود الآن في المتحف البريطاني
(2)
.
ب النقوش والكتابات على الصخور الجرانيتية في أسوان منها في المدينة نفسها، وبعضها على الصخور التي في وسط النيل، وبعضها في المحاجر التي خلف المدينة
(3)
.
ج ألواح تل العمارنة الطينية
(4)
التي تجاوز عددها (350) لوحًا، حيث إن (81) منها في المتحف البريطاني، و (20) في أكسفورد، و (160) في متحف برلين، و (60) في متحف القاهرة، وحوالي (20) لوحًا أو أكثر في متاحف أخرى
(5)
.
وبعد هذه اللمحة الموجزة عن الفراعنة من الناحية العقدية والتاريخية، يتضح من خلالها أن السمة الغالبة على الآثار التي اكتشفها الغرب واستخرجوها من باطن الأرض أنها أصنام وتماثيل جاهلية وثنية شركية، وأن الجهل والشرك كان يعم أرجاء مملكتهم.
(1)
اكتشفه أحد الضباط الفرنسيين التابعين لحملة نابليون، أثناء تقويتهم لقلعة رشيد، الواقعة على البحر المتوسط، فنُقل الأثر إلى الإسكندرية، وعندما احتلت بريطانيا مصر، نقلوا إليهم كثير من الآثار عام (1801 هـ). وحجر رشيد: عبارة عن قطعة حجر من البازلت الأسود، طوله:(114 سم) وعرضه: (72 سم)، وسمكه:(28 سم)، يضم الحجر في أعلاه (14 سطر) بالكتابة الهيروغليفية، وفي وسطه (32 سطر) بالكتابة الديموطيقي، وفي أسفله (54 سطر) بالكتابة اليونانية القديمة. يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (154)، وملامح علم الآثار (51).
وقد قام خبير الآثار الفرنسي: شامبليون بفك الطلاسم المكتوبة على حجر رشيد، وقراءتها ب الهيروغليفية اللغة المصرية القديمة. يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (155)، دور أهل الذمة (331 - 335).
(2)
يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (154)، وملامح علم الآثار (51).
(3)
يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (207).
(4)
هي عبارة عن مكاتبات بين مصر ودول الشرق الأدنى، استخرجها بتري الإنجليزي من مصر الوسطى بالقرب من قرية تل العمارنة. يُنظر: ملامح علم الآثار (58 وأيضًا 69).
(5)
موقع دائرة المعارف الكتابية المسيحية، قاموس الكتاب المقدس، ألواح تل العمرانه:
https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/23_L/amarna-letters.html
المطلب الثاني
الآثار الفينيقية
بسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: التعريف بالفينيقية ومعتقداتهم.
المسألة الثانية: من سعى في إحياء الآثار الفينيقية وتسبب في إخراجها.
المسألة الثالثة: أمثلة على الآثار الفينيقية الموجودة حاليًّا.
المسألة الأولى: التعريف بالفينيقية ومعتقداتهم:
الفينيقيون اسم أطلقه اليونانيون على سكان ساحل البحر الأبيض المتوسط الذين كانوا يشتهرون بالملاحة، وصناعة السفن والأرجوان
(1)
، والذين يرجع تاريخهم تقريبًا إلى أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد
(2)
.
لم تكن فينيقيا دولة سياسية تحتلّ مكانًا معيّنًا، وإنما كانت مجموعة من المدن على ساحل البحر الأبيض المتوسط، كل مدينة مستقلة بذاتها لها ملك وإله مختلف عن بقية المدن، ويقال: بأنها كانت مجموعة دويلات مستقلة سياسيًّا، مجتمعة اقتصاديًّا، وليست على النمط الفرعوني أو البابلي
(3)
.
فنشأت المدن الفينيقية على الساحل والتي من أهمها: صيدا، وصور، وعكا، وبيروت، وجبيل، وطرابلس، وأرواد، وأغاريت، وقرطاجة
(4)
.
(1)
يُنظر: تاريخ الشرق القديم (241)، وحضارات بادت وعادات سادت، لرحاب عكاوي (67).
(2)
يُنظر: التراث الجغرافي (11).
(3)
يُنظر: حضارات بادت وعادات سادت (67)، تاريخ الشرق القديم (243).
(4)
يُنظر: المنجد، للويس معلوف (428)، والفينيقيون وأساطيرهم، لمحمد الدنيا (4 - 7) وأيضًا (45 - 46).
وكان لهم متاجر ومرافئ على كثير من الشواطئ للإقامة فيها: كقبرص، واليونان، ومالطة، وإسبانيا وغيرها
(1)
.
فلم يكن لهم موضع واحد، بل كانوا متفرقين وموزعين على الساحل، مختلفي الأماكن؛ وليس هذا محل تحديد زمن انهيارهم واختفائهم، ولا ذكر تفاصيل الهجوم والتدمير الذي تعرضت له أراضيهم من أطماع قوى الشعوب المجاورة لهم
(2)
.
ومع تفرقها إلا أنها تتفق بالطقوس الدينية والبقايا الأثرية، كما سيتم بيان ذلك إن شاء الله.
أبرز المعتقدات الوثنية، والخرافات الجاهلية التي كانت سائدة لدى الفينيقيين، ما يلي:
1 تمجيد العناصر والظواهر الطبيعية، متجسدة في آلهة متعددة، منظمة داخل مجلس الآلهة لكل منها رتبته ووظائفه، وفق طقوس دينية خرافية
(3)
.
إذ إن لكل مدينة إلهًا باستثناء إيل الذي كان إلهًا لفينيقيا كلها، ويزعمون أنه الإله الأعظم، وكانت فكرة الثالوث المقدّس مسيطرة عليهم، فكان بعل إله الجبال والعواصف والصواعق، و عشتروت إله الحب والجمال
(4)
، هؤلاء أبرز ثلاثة كانوا يعبدونهم، وغيرها كثير.
2 تأثر الفينيقيون بعقيدة الفراعنة في مسألة خلود الروح، والحياة الأبدية، فأصبحوا يهتمون بقبور موتاهم، وبتحنيط أجسادهم، وبناء المقابر العالية، وأحاطوها بمظاهر التقديس والاحترام؛ لاعتبارها البيوت الأبدية
(5)
.
(1)
يُنظر: الفينيقيون وأساطيرهم (7).
(2)
يُنظر: تاريخ الشرق القديم (244).
(3)
يُنظر: حضارات بادت وعادات سادت (68 - 69).
(4)
يُنظر: قصة وتاريخ الحضارات العربية، لجوزف صقر (108 - 109)، الفينيقيون وأساطيرهم (17 - 21).
(5)
يُنظر: قصة وتاريخ الحضارات العربية بين الأمس واليوم (111 وأيضًا 125).
لأجل ذلك تجد كثيرًا من آثار قبورهم الباقية محفورة في الصخر كالمقابر الحجرية، والغرف المأتمية، والمغازل، مثالها: المقابر الموجودة الآن في عمريت
(1)
.
ووُجد على الشاطئ السوري توابيت ومقابر من الرصاص، والطين، والخشب، مزخرفة على شكل مقدمة أنف أسد، ومنحوتة بمادة البرونز المعدنية
(2)
.
وكذلك التوابيت الحجرية ذات الغطاء المحدّب، المنحوت عليه رأس الميت، والمكتوب عليه اسمه، ومآثره بالحروف الفينيقية
(3)
، كما هو مُشاهد بعضها في متحف اللوفر في فرنسا
(4)
.
المسألة الثانية: من سعى في إحياء الآثار الفينيقية وتسبب في إخراجها:
لم يكن للفينيقيين تاريخ يُذكر، سوى ما ورد في الكتابات القديمة عند اليونان والرومان.
حيث بدأت بالظهور بعد حملة التنقيب الفرنسية التي كانت بقيادة نابليون على مصر لاستخراج الآثار الفرعونية، فوجدوا آثار صخور وألواح منحوت عليها رسائل تدل على التواصل بين الفينيقيين وبين الفراعنة في ذلك الوقت، وكتابات محفورة تصف الفينيقيين وتحدد مواقعهم
(5)
على حد قولهم.
وفي ظل تلك المؤشرات الآثارية رحل أحد المستشرقين الفرنسيين إلى مدن الساحل؛ للتنقيب عن الآثار، فقام بحفريات واسعة، واستخراج كثير من
(1)
يُنظر: الآثار الشرقية، لأرنست بابلون (197 - 199).
(2)
يُنظر: المرجع السابق (202).
(3)
أول من اخترع الحروف الفينيقية هو «قدموس» الفينيقي، ونشرها بين الشعوب الأوروبية، وهي مؤلفة من (22) حرف يعود تاريخها إلى (1200 ق. م.). يُنظر: حضارات بادت وعادات سادت (69)، والفينيقيون وأساطيرهم (66).
(4)
يُنظر: الآثار الشرقية (201 - 202).
(5)
يُنظر: ملامح علم الآثار (68)، تاريخ الشرق القديم (242).
الآثار
(1)
، ولم يكن لأعماله أي اعتبار من أهل المنطقة، فعاد إلى بلده فرنسا محملاً ما وجد خلال تنقيبه
(2)
.
ثم بعد ذلك تواردت البعثات الآثارية من فرنسا وألمانيا في القرنين (19 - 20)
(3)
، فأحيوا الآثار الثابتة وأبرزوها كالقبور وغرف المآتم، والهياكل والمعابد والتماثيل، الموجودة الآن في: عمريت، وجبيل، وصيدا وقرطاجة
(4)
.
ونقلوا بعض الآثار المتحركة كالتوابيت والتماثيل والأواني الفخارية إلى متحف اللوفر في فرنسا
(5)
.
وحيث لم يكن ثمة اهتمام من أهل المنطقة بالآثار، تولّد لديهم بعد الحملات الأوروبية شغف باستخراج ما هو مطمور تحت الرمال، وإحياء ما دُفن من الآثار.
فافتتن أهل تلك المناطق بالبحث والتنقيب، وإنشاء المتاحف الخاصة بالآثار الوثنية والجاهلية القديمة التي كانت مدفونة بالرمال قرونًا من الزمان وإبرازها بعد اندثارها.
المسألة الثالثة: أمثلة على الآثار الفينيقية الموجودة حاليًّا:
كثير من معالم الآثار الفينيقية زالت ولله الحمد ولم يبقَ لها أثر، كما أشار إلى ذلك بعض خبراء الآثار
(6)
.
ولكن بعضها ما زال موجودًا في قليل من الأماكن والمتاحف، كما أن بعضها الآخر نقله المستشرقون إلى متاحف بلادهم.
(1)
يُنظر: الآثار الشرقية (197).
(2)
يُنظر: علم المتاحف والمعارض (81 - 82)، تاريخ الشرق القديم (242).
(3)
يُنظر: صور مفتاح البحر المتوسط، لريمون الكك (41 - 41).
(4)
يُنظر: الآثار الشرقية (197 - 204).
(5)
يُنظر: المرجع السابق (197).
(6)
يُنظر: الآثار الشرقية (188، 192، 195).
والآثار كما ذُكر سابقًا أنها لا تخلو عن أحد أمرين: إما آثار ثابتة في الأرض، وإما منقولة.
وهي من حيث نوعها: إما معابد وهياكل، أو قبور وتوابيت، أو تماثيل ونصب، وغيرها.
فمن الأمثلة على الآثار الموجودة حاليًّا ما يلي:
1 المعابد والهياكل، مثل:
أ معبد عمريت، وجد فيه هيكل مصغّر على غرار الهياكل المصرية
(1)
.
ب معبد أشمون في شمال صيدا، يعتقدون بأنه الإلهة الفينيقي
(2)
.
ج هيكل أريحا وهيكل مجدو، وكان في كل هيكل عامود مقدّس يرمز إلى إله الهيكل، ونصب من الحجر، أو يُستعاض عن الحجر بشجرة، ويُقال بأنهما من أقدم الهياكل التي بناها الفينيقيون
(3)
.
2 القبور، لم تقتصر مقابر الفينيقيين على الحفر؛ بل اتخذت أشكالاً مختلفة، منها:
أ مقابر على شكل كهوف، ذات فتحة واحدة، يدخل منها الميت، وتُغلق المقبرة بحجر كبير مستدير الشكل، كما وُجدت بعض القبور من هذا النوع بالقرب من مدينتي صيدا وصور
(4)
.
ب قبر بارز فوق الأرض، ومبني فوقه برج أو غرف مرتفعة، كقبور مدينة أوغاريت.
ج قبر مستوٍ على سفح الصخر، محفور تحته، ويُنزل إليه بواسطة البئر أو السلّم، كقبر مرث عمريت
(5)
، وكبقية قبور مدينة جبيل وصيدا الأثرية.
(1)
يُنظر: المرجع السابق (188).
(2)
يُنظر: ملامح علم الآثار (71).
وفي موقع هيكل أشمون توجد الآن كنيسة لويس. يُنظر: الآثار الشرقية (192 - 193).
(3)
يُنظر: قصة وتاريخ الحضارات العربية (112).
(4)
يُنظر: المرجع السابق (125).
(5)
اكتشف هذا القبر وملحقاته رينان الفرنسي. يُنظر: الآثار الشرقية (197).
نُقلت محتويات القبر إلى متحف الآثار المصرية. يُنظر: علم المتاحف والمعارض (131).
وفي كل أشكال القبور الآنف ذكرها توضع مع الميت ممتلكاته وبعضها تتكون من غرف، وتؤثث بأثاث مأتمي على حسب ثروة الميت وأدواته، وتوضع له تعويذات شركية، وتماثيل، وقناديل، وآنية
(1)
.
3 التوابيت، مثل:
أ تابوت حجري محفور على أحد جوانب التابوت (10) كلمات، بالحروف الفينيقية، وحوض التابوت مرتكز على أربعة تماثيل، يُقال أنه لملك جبيل أحيرام، وهو موجود الآن في متحف بيروت الوطني
(2)
.
ب تابوت يُمثّل غطاؤه إنسانًا، نُحت عليه رأس الميت وذراعه، وهو موجود الآن في متحف اللوفر في فرنسا
(3)
.
ج مجموعة توابيت وُجدت في بئر بالقرب من قرية الهلالية شرق صيدا، بلغ عددهم (17) تابوتًا
(4)
.
د تابوت عليه غطاء منقوش بالفينيقي، يقال أنه لأحد ملوك صيدا
(5)
، وغيرها.
4 التماثيل والأصنام: استُخرجت بعض التماثيل من سرداب بجوار معبد عمريت
(6)
، وبعضها من أوغاريت رأس الشمرة، ومن أماكن أخرى، مثل:
أ الرأس العاجي، الموجود الآن في المتحف الوطني بدمشق
(7)
.
ب وعدة تماثيل ل عشتروت و فتاح حيث يُعدّان إلهين فينيقيين، ونحت
(1)
يُنظر: الآثار الشرقية (204)، وقصة وتاريخ الحضارات العربية (125 - 126).
(2)
يُنظر: الفينيقيون وأساطيرهم، لمحمد الدنيا (35 - 66).
(3)
يُنظر: الآثار الشرقية (201 - 202).
(4)
يُنظر: ملامح علم الآثار (70).
(5)
إنهار جزء من تل صغير بالقرب من صيدا نتج عنه ظهور القبر وفيه التابوت. يُنظر: ملامح علم الآثار (69).
(6)
الآثار الشرقية (207 - 208).
(7)
يُنظر: علم المتاحف والمعارض (92).
رأس من تابوت، وهما موجودان الآن في متحف اللوفر في فرنسا
(1)
.
ج مجموعة تماثيل فينيقية منحوتة على عدة عناصر: الحجر والرخام والذهب والفضة والبرونز، وهي موجودة الآن في متحف بيروت
(2)
، وغيرها.
* * *
(1)
الآثار الشرقية (207 - 208).
(2)
قصة وتاريخ الحضارات العربية (126).
المطلب الثالث
الآثار البابلية
بسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: التعريف بالبابلية ومعتقداتهم.
المسألة الثانية: من سعى في إحياء الآثار البابلية وتسبب في إخراجها.
المسألة الثالثة: أمثلة على الآثار البابلية الموجودة حاليًّا.
المسألة الأولى: التعريف بالبابلية ومعتقداتهم:
تقع بابل
(1)
في العراق جنوب بغداد، أسفل ملتقى النهرين على ضفة الفرات اليسرى
(2)
، الذين يرجع تاريخهم إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد
(3)
.
وجاء ذكر بابل في القرآن الكريم في قوله تعالى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]؛ أي: أن الله سبحانه وتعالى امتحن الناس آنذاك بالملكين الكائنين بأرض بابل في العراق، بتعلّم السحر منهما فمن نجاه الله منهما سعِد بالإيمان ونجا من الكفر، ومن انقاد لهما وانفتن بتعلّم السحر شقي بالكفر، فيزداد المعلمان بالتعليم عذابًا، حيث فيه ابتلاء المعلم والمتعلّم
(4)
.
(1)
بابل لفظة يونانية مصحفه عن باب إيلو ومعناها: باب الرب، أو بيت الرب. يُنظر: العراق قديمًا وحديثًا، لعبد الرزاق الحسني (81)، الذخائر الشرقية، لكوركيس عواد (18).
(2)
يُنظر: دراسات في تاريخ الشرق الأدنى القديم، لأحمد أمين سليم (303)، المنجد، للويس معلوف (100).
(3)
يُنظر: العراق قديمًا وحديثًا (81)، والتراث الجغرافي (13).
(4)
يُنظر: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، للثعلبي (1/ 245)، تيسير الكريم الرحمن (61).
وأيضًا جاء عن بعض المفسرين أن بابل هي الأرض التي خسف الله بها النمرود
(1)
، وسميت بابل؛ لتبلبل الألسنة بها عند سقوط صرح النمرود؛ أي: تفرقها مِنَ الفزع
(2)
.
فدلّ ما سبق على أن بابل كانت أرض: السحر، والخسف.
أبرز المعتقدات الوثنية، والخرافات الجاهلية التي كانت سائدة عند البابلية، ما يلي:
1 يعتقدون ارتباط الظواهر الطبيعية بالقوى الإلهية
(3)
، مما أدى إلى ظهور جملة من الطقوس الدينية الخرافية التي سيطرت عليهم، من تعدد الآلهة التي تجاوزت الألفي إله
(4)
.
فتعلقوا بعبادة الأجرام السماوية، وخاصة الشمس، والقمر والكواكب، ومظاهر الطبيعة؛ كالماء والهواء والنور والظلام وغيرها، ولكل إله اسم معيّن، ومهام ووظائف يقوم بها بزعمهم
(5)
.
مثل: مردوك ويقال: مردوخ وهو الإله الأعظم لبابل، الذي يزعمون أنه يحيي الموتى
(6)
، و عشتار التي يقولون بأنها أم مردوك،
(1)
يُنظر: جامع البيان (4/ 568)، تفسير القرآن العظيم، لابن أبي حاتم (7/ 2253)، فتوح البلدان، لأحمد البَلَاذُري (269)
والنمرود هو: نمرود بن كنهان بن كوش بن سام بن نوح، ملك بابل، استمر في ملكه (400) سنة، طغى وبغى، وتجبر وعتا، وآثر الحياة الدنيا، ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، حمله الجهل والضلال وطول الآمال على إنكار الرب وادعى لنفسه الربوبية، فحاجه إبراهيم الخليل عليه السلام فبهت وعاند واستكبر. يُنظر: تاريخ الأمم والملوك، لابن جرير الطبري (1/ 127 - 144).
(2)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن أبي حاتم (7/ 2253)، معالم التنزيل، للبغوي (1/ 148)، الهداية إلى بلوغ النهاية، لأبي محمد القيسي (6/ 3977).
(3)
يُنظر: عشتار ومأساة تموز، لفاضل عبد الواحد (20).
(4)
يُنظر: التفسير الديني في المعتقدات العراقية والمصرية القديمة، لصالح القريشي (11).
(5)
يُنظر: تاريخ العلاقات العراقية المصرية، لداود سلمان (26)، نقلاً من التفسير الديني في المعتقدات العراقية والمصرية القديمة، لصالح القريشي (13)، ومعالم حضارات الشرق الأدنى القديم (216 - 217).
(6)
يُنظر: بلاد ما بين النهرين، لديلا بورت (143 - 144).
ويعتقدون بأنها آلهة التناقض الحرب والحب ويرمزون لها بشعار النجمة الثُمانيّة
(1)
، وإله الشمس الذي يزعمون أنه القاضي الأعظم الذي أملى قوانين العدالة على الملوك، وإله القمر الذي يزعمون أنه يقيس الزمن، ويعاقب المذنبين من الملوك بقضاء حياتهم في التأوهات والدموع
(2)
، وغيرها كثير من التماثيل والأصنام التي كانوا يعبدونها.
حيث كان لكل مدينة عراقية إله يختص لها يُرمز لها
(3)
، وأيضًا كان لكل أسرة آلهتها المنزلية التي تقام إليها الصلاة في المناسبات، وتقدّم لها القرابين
(4)
.
وقد قيل: ليس في الوثنيات القديمة أغنى في الخرافة من البابلية
(5)
.
2 يعتقدون قدرتهم على التأثير في مظاهر الطبيعة، وتسخيرها بالسحر، والتي تعتبر من أصول عبادتهم، إذ إن رجل الدين الأول: هو الساحر، والثاني: المنجم والعرّاف
(6)
.
ويقول كثير من المؤرخين أن البابليين هم الذين أسسوا وأنشأوا علم الفلك والتأثير التنجيم
(7)
، فكانوا لا يجرؤن على البتّ في أمر من الأمور، أو الإقدام على مشروع، إلا إذا استعان بكاهن أو عرّاف؛ ليقرأ طالعه بطريقة من طرق الشعوذة السحرية الخفية
(8)
.
فاهتموا بتدوين الملاحظات على الأجرام السماوية اعتقادًا منهم أن لها تأثيرًا على طبائع البشر، والتكهن بمصائرهم
(9)
.
(1)
يُنظر: الحضارة البابلية (63).
(2)
يُنظر: معالم حضارات الشرق الأدنى القديم (217).
(3)
يُنظر: العراق في موكب الحضارة، لسامي الأحمد (1/ 144).
(4)
يُنظر: قصة الحضارة، لول وايريل ديورانت (214)، العبادات في الأديان السماوية، لعبد الرزاق الموحي (27).
(5)
يُنظر: قصة الحضارة (227).
(6)
يُنظر: بلاد ما بين النهرين، لديلا بورت (151 - 154).
(7)
يُنظر: معالم حضارات الشرق الأدنى القديم (250).
(8)
يُنظر: قصة الحضارة (227).
(9)
يُنظر: معالم حضارات الشرق الأدنى القديم (250).
ومما يجدر الإشارة إليه والتنبيه إلى ما انتشر في زماننا من التهاون في مسألة الأبراج وقراءاتها، يقول الشيخ العلامة صالح آل الشيح حفظه الله محذرًا: وإذا قرأ هذه الصفحة وهو يعلم برجه الذي ولد فيه، أو يعلم البرج الذي يناسبه، وقرأ ما فيه، فكأنه سأل كاهنًا، فلا تقبل له صلاة أربعين يومًا، فإن صدق بما في تلك البروج فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلك على غربة التوحيد بين أهله. التمهيد لشرح كتاب التوحيد (1/ 490).
ويعتقدون أن الأمراض تسببها الأرواح الشيطانية الشريرة، فيلجؤون إلى آلهة الطب، والتي رمزوا لها بعصا ملتفٌ حولها حية أو حيتان، حيث تعتبر الحية باعتقادهم قادرة على تجديد شبابها؛ لأنها تخلع جلدها فيعود إليها الشباب.
كما أنهم يلجؤون إلى الأطباء الذين كانوا غالبًا من الكهنة، ويدّعون علاجهم بالطلاسم، والتمائم
(1)
كوضع قلادة من حجارة صغيرة تُسلك في خيط وتعلق على العنق، وما إليها من الرقى والتعاويذ؛ لاسترضاء الآلهة على حد زعمهم والحصول على مساعدتها في شفاء المرضى
(2)
.
لأجل ذلك نجد أن أكثر الألواح التي عثروا عليها في أرض بابل مكتوب عليها بحروف مسمارية
(3)
طلاسم وصيغ سحرية؛ بحجة طرد الشياطين، وتكهنات وتنبؤات بالغيب، وقوائم في الفأل السماوي منه والأرضي
(4)
.
المسألة الثانية: من سعى في إحياء الآثار البابلية وتسبب في إخراجها:
لم يستمر حكم البابليون إلا حقبة من الزمن، تلاه هجوم الفرس في عام (539 ق. م.)، فسقطت الدولة البابلية
(5)
.
ثم بعد ذلك بزمن وصلت الفتوحات الإسلامية إلى العراق، وأصبحت
(1)
سيأتي التعريف بالتمائم في الفصل الثالث، انتقل فضلاً (519).
(2)
يُنظر: قصة الحضارة (226)، معالم حضارات الشرق الأدنى القديم (253).
(3)
إن مؤسسي الكتابة المسمارية هم السومريون، ثم انتقلت إلى البابليون، والحروف المسمارية شديدة التعقيد، تعدّ حروفها قرابة (600 حرفًا)، لكثير منها عدّة معاني. يُنظر: الحضارات القديمة، لدياكوف وكوفاليف (108).
(4)
يُنظر: قصة الحضارة (227).
(5)
يُنظر: جوانب من تاريخ وحضارة العرب في العصور القديمة، لأحمد أمين سليم (200).
من بلاد المسلمين، واعتنق أهلها الإسلام
(1)
، وما زالت ولله الحمد حتى وقتنا الحالي.
فعاش المسلمون قرونًا طويلة لا يعبئون بأمور الجاهلية ومنها الآثار البابلية ولا يعيرونها اهتمامًا، ولا يكترثون لها.
ثم بدأت تتوافد إلى العراق بعثات التنقيب الألمانية، مساهمة في الحفريات الأثرية على أطلال بابل خلال السنوات (1899 م 1917 م)، فعثروا على شظايا ذات ألوان زاهية من الأحجار المصقولة التي كان يتشكل منها جدار المدينة، والتي من خلالها أعادوا بوابة عشتار التي تعدّ أحد آلهة بابل، واستمرت البعثات تنقّب وتستخرج ما تحت الرمال من الآثار والأوثان
(2)
.
وكذلك توافدت بعثات التنقيب من فرنسا، وبريطانيا، والدانمارك، وغيرها من الدول
(3)
، وما زالت البعثات قائمة في العراق حتى الآن
(4)
؛ تسعى لإخراج وإحياء الآثار الوثنية الجاهلية؛ لتحقيق مطامعها في الشرق الإسلامي
(5)
.
المسألة الثالثة: الآثار البابلية الموجودة حاليًّا:
ما زالت آثار قصور بابل، وهياكلها ومعابدها وشوارعها وزواياها القائمة، ماثلة للعيان، فمن أشهر آثارها الباقية حتى الآن:
(1)
استمرت المعارك بين المسلمين والفرس من نهاية عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه حتى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه تقريبًا ما بين سنة (12 - 14 هـ)، والسبب أن الفرس كانوا يخضعون للمسلمين ويدفعون الجزية، وما يلبثون مليًّا إلا وينقضون العهود والمواثيق التي بينهم وبين المسلمين، حتى انتهى الأمر بمعركة القادسية، التي استمرت أربعةَ أيام وثلاثَ ليال بنصرٍ حاسِم للمسلمين، أدّى إلى تقليص نفود الفرس بالشرق. يُنظر: تاريخ الأمم والملوك، لابن جرير الطبري، فتح الحيرة (2/ 307 وما بعدها)، ومعركة النمارق (2/ 362 وما بعدها)، ومعركة القادسية (2/ 424 وما بعدها).
(2)
يُنظر: الذخائر الشرقية، لكوركيس عواد (19)، العراقية، بوابة عشتار (8 - 17).
(3)
يُنظر: رواد علم الآثار في العراق، لسالم الألوسي (9 - 11)، المدخل إلى علم الآثار (158 - 162)، وملامح علم الآثار (66 - 68).
(4)
يُنظر: علم المتاحف والمعارض (75).
(5)
علم الآثار وبيان المنهج الإسلامي، لعمر بن محمد العمر (1019) بتصرف.
1 من المعابد:
أ معبد بابل الرئيس ايساكيلا للآلهة مردوك يقع جنوب ايتيمينانكي
(1)
.
ب معبد إيماخ للآلهة ننماخ يقع في الجنوب الشرقي للقصر الرئيس لبابل، وبالقرب من بوابة عشتار
(2)
.
ج معبد كولا للآلهة نينورتا، يقع في جنوب الجنوب الشرقي لمعبد ايساكيلا
(3)
.
2 بوابة عشتار، المكسوة بالنقوش المزخرفة بالأحجار المصقولة الشبيهة بالسيراميك، وكانت النقوش عبارة عن صور تحمل قرابة (575) تنينًا وثورًا
(4)
، وهذه البوابة موجودة الآن ومُشاهدة في متحف برغامون في برلين
(5)
.
3 الصور الوحشية المنحوتة على الحوائط
(6)
، كما هو مُشاهد على حائط شارع الموكب وعلى حائط الملك نبوخذ نصر.
4 تمثال أسد بابل المعروض على إحدى ساحات البصرة، وغيره كثير من التماثيل المعروضة في المتاحف، كما هو ماثل للعيان في متاحف بابل في الحلة، و المتحف العراقي في بغداد
(7)
، ومتحف برلين بألمانيا، ومتحف اللوفر في فرنسا، و المتحف البريطاني، وغيرها من المتاحف التي نقلوا إليها تماثيل بابل وآثارها
(8)
.
5 الكتابات المسمارية التي على أكثر الصخور والألواح والتي ترمز
(1)
يُنظر: الذخائر الشرقية، لكوركيس عواد (22).
(2)
يُنظر: المرجع السابق.
(3)
يُنظر: المرجع السابق (23).
(4)
يُنظر: المرجع السابق (25 - 26)، العراقية، بوابة عشتار (8 - 17).
(5)
نُقلت البوابة بعد الحرب العالمية الثانية إلى برلين في ألمانيا على هيئة حطام يحوي الأحجار والنقوش، ثم بعد ذلك قام الألمان بترتيب القطع وإخراجها بالشكل المُشاهد الآن في متحف برغامون. يُنظر: المجلة العراقية، بوابة عشتار (16 - 17).
(6)
يُنظر: العراق قديمًا وحديثًا، لعبد الرزاق الحسني (81).
(7)
يُنظر: علم المتاحف والمعارض (136 - 142).
(8)
يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (158 - 162)، وملامح علم الآثار (66 - 68).
إلى طلاسم وصيغ سحرية، وتكهنات وتنبؤات غيبية، وتنجيم وقوائم في الفأل السماوي منه والأرضي
(1)
كما ذكرت آنفًا.
وما يُحكى عن حدائق بابل المعلقة، والمُحاطة بخندق مائي، والتي يُقال بأنها من عجائب الدنيا السبع، فلا أثر لها في الواقع، وإنما هي مجرد نسج من الخيال
(2)
، وقيل بأنها مجرد أشجار نمت على شرفات القصر كما جاء في وصفها، وليست معلقة فعليًّا.
* * *
(1)
يُنظر: قصة الحضارة (227).
(2)
يُنظر: المدخل إلى علم الآثار (210).
المطلب الرابع
الآثار الجاهلية لدى كفار العرب قبل الإسلام
وبسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: المقصود بالجاهلية، ومعتقدات أهلها.
المسألة الثانية: من سعى في إحياء الآثار الجاهلية وتسبب في إخراجها.
المسألة الثالثة: أمثلة على الآثار الجاهلية.
المسألة الأولى: المقصود بالجاهلية، ومعتقدات أهلها:
أ المقصود بالجاهلية:
هي الحال التي كان عليها الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
ولا شك أن الآثار الفرعونية، والبابلية، والفينيقية السابق ذكرها تعتبر من الآثار الجاهلية المخالفة للهدي الرباني، فكل ضلال وكفر وإلحاد حصل قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يدخل تحت مسمى الجاهلية
(2)
.
فالجاهلية نوعان:
1 جاهلية مطلقة
(3)
.
2 جاهلية مقيّدة بمكان أو زمان أو أشخاص
(4)
.
وعليه يكون المراد بالجاهلية في هذا المطلب: هي حالة الجهل
(1)
يُنظر: شرح مسائل الجاهلية، لصالح الفوزان (9)، موسوعة العقيدة والأديان والفرق (2/ 842).
(2)
يُنظر: شرح مسائل الجاهلية، لصالح الفوزان (10).
(3)
يُنظر: شرح مسائل الجاهلية، لصالح آل الشيخ (9)، موسوعة العقيدة والأديان (2/ 845).
(4)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 258)، شرح مسائل الجاهلية، لصالح آل الشيخ (9).
والضلال، التي مرّ بها مشركو العرب في شبه الجزيرة، بعد ما غُيّر دين إبراهيم عليه السلام، وقبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ب وأما عن أبرز معتقدات أهل الجاهلية:
اعتقادهم أن ما يدعون من دون الله تقربهم إلى الله وتشفع لهم
(1)
، حيث إنهم كانوا يعبدون الله ويشركون معه ما يَنحِتون من الهياكل والتماثيل.
وقد كان المشركون الأولون إذا اشتد عليهم الكرب دعوا الله مخلصين له الدين، كما قال تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ *} [العنكبوت].
وأما مشركو زماننا فهم أغلظ شركًا من الأولين؛ لأن الأولين يشركون في الرّخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائم في الرّخاء والشدة
(2)
.
وكلهم مشركون، الأولون مشركون، والآخرون مشركون، لكن الأولين شركهم أخف، والمتأخرون شركهم أغلظ وأشد.
فالشرك يتضاعف، وكما أن الموحدين يتفاوتون في التوحيد والإيمان، بعضهم أقوى إيمانًا وتوحيدًا من بعض، فكذلك المشركون بعضهم أشد وأغلظ شركًا من بعض
(3)
.
المسألة الثانية: من سعى في إحياء الآثار الجاهلية وتسبب في إخراجها
(4)
:
العرب في شبه الجزيرة كانوا على قسمين
(5)
:
1 قسم اتبع أهل الكتاب: اليهود والنصارى.
2 قسم كان على الحنيفية: دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
(1)
يُنظر: القواعد الأربع، لمحمد بن عبد الوهاب (6/ 144).
(2)
يُنظر: أصول الدين الإسلامي مع قواعده الأربع (36).
(3)
يُنظر: شرح القواعد الأربع، لصالح الفوزان (34 - 36)، شرح القواعد الأربع، لعبد العزيز الراجحي (إلكتروني).
(4)
يُنظر: شرح مسائل الجاهلية، لصالح الفوزان (10).
(5)
يُنظر: البداية والنهاية (7/ 175).
واستمروا على ذلك حتى ظهر الشقي عمرو بن لحي الخزاعي، الذي كان ملكًا على الحجاز، وسيدًا مُطاعًا لا يُعصى، يُطعم الطعام، ويحمل المغرم، ويُظهر التنسك، والعبادة والصلاح
(1)
.
روي أنه مرض وذهب إلى الشام؛ للعلاج، وشاهد أهلها يعبدون الأصنام، فاستحسن ذلك، وعاد ومعه أصنام من الشام.
فجاءه الشيطان فأغواه ودلّه على أماكن أصنام قوم نوح عليه السلام ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر والتي طمسها الطوفان ودفنها
(2)
. ثم أخذ يبحث وينقّب عنها، فنبشها وأخرجها، ووزعها على قبائل العرب وأمر بعبادتها؛ وقبلوا منه ذلك
(3)
.
فاتخذت قبيلة هذيل بن مدركة بأرض ينبع «سواعا» ،
واتخذت قبيلة كلب بدومة الجندل ودا
(4)
،
واتخذت قبيلة مذحج وأهل جرش «يغوث» ،
واتخذت قبيلة همدان بالقرب من صنعاء «يعوق» ،
واتخذت قبيلة حمير «نسرا» ،
فكان هو الساعي في إحياء آثار الأصنام الخمسة التي كان يعبدها قوم نوح عليه السلام، وإخراجها للناس، وإعادة الشرك في جزيرة العرب
(5)
.
وأيضًا جعل هبل
(6)
الذي أتى به من الشام في جوف الكعبة
(7)
،
(1)
يُنظر: أخبار مكة، للأزرقي (1/ 193).
(2)
قِيل: إنها بعد الطوفان أهبط الله الأصنام من أرض إلى أرض، حتى قذفها إلى أرض جدة، فلما نضب الماء بقيت على الشط، فساقت الرياح عليها التراب، حتى وارتها. يُنظر: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن عبد الوهاب (51).
(3)
يُنظر: البداية والنهاية، لابن كثير (3/ 194).
(4)
ودًّا: هدمه خالد بن الوليد رضي الله عنه وجعله جذاذًا، بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم. يُنظر: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن عبد الوهاب (51).
(5)
يُنظر: الأصنام، لأبي المنذر الكلبي (9 - 13).
(6)
صنم من عقيق أحمر على صورة إنسان، مكسور اليد اليمنى، أدركته قريش كذلك، فجعلوا له يدًا من ذهب. يُنظر: الأصنام، لأبي المنذر الكلبي (28).
ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة رأى حول البيت (360) صنمًا، معهم هُبل، فجعل يطعن في وجوهها فتتساقط، ثم أمر بها فأخرجت من المسجد وحُرّقت. مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن عبد الوهاب (54).
(7)
يُنظر: أخبار مكة، للأزرقي (1/ 193)، مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن عبد الوهاب (12).
ونصب مناة
(1)
على ساحل البحر الأحمر بين المدينة ومكة،
واللات
(2)
بالطائف، والعزى
(3)
بوادي نخلة بين مكة والطائف،
فعمّ الشرك أرجاء البلاد، وكثرت الأصنام والأوثان في كل بقعة من الحجاز
(4)
.
فكان من تلك الأصنام ذو الخلصة
(5)
بتبالة، بين مكة واليمن
(6)
.
ورُوي أنه أمر الناس بعبادة وثنيّ: إساف ونائلة
(7)
والتمسح بهما، بعد
(1)
قام بهدمها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعدما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح. يُنظر: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن عبد الوهاب (52)
(2)
اللات عبارة عن صخرة مربعة، كان أحد اليهود يلت عندها السويق. يُنظر: الأصنام، لأبي المنذر الكلبي (16).
قام بهدمها وحرقها بالنار المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، بعدما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم. يُنظر: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن عبد الوهاب (52).
(3)
يقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد رحمه الله فقال: «ائت بطن نخلة فإنك ستجد ثلاث سمرات فاعضد الأولى» .
فأتاها فعضدها. فلما جاء إليه قال: «هل رأيت شيئًا؟» قال: «لا» قال: «فاعضد الثانية» ، فعضدها.
ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هل رأيت شيئًا؟» قال: «لا» قال: «فاعضد الثالثة» .
فأتاها فإذا هو بحبشية نافشة شعرها واضعة يديها على عاتقيها، تضرب بأنيابها، وخلفها سادنها ثم ضربها ففلق رأسها فإذا حممة، ثم عضد الشجرة وقتل السادن.
ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «تلك العزى، ولا عزى بعدها للعرب» . مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (53).
(4)
يُنظر: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن عبد الوهاب (13).
(5)
مروة بيضاء منقوش عليها كهيئة التاج. يُنظر: الأصنام، لأبي المنذر الكلبي (34).
وقيل: بأنها بيت بداخله صنم يدعى الخلصة، وتسمى كذلك ب الكعبة اليمانية. يُنظر: لسان العرب (7/ 26).
(6)
يُنظر: الأصنام، لأبي المنذر الكلبي (28 - 34).
قام بهدمها جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه بعدما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تريحني من ذي الخلصة» . يُنظر: إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب حرق الدور والنخيل (4/ 62/ ح 3020)
(7)
إساف ونائلة: رجل وامرأة من جرهم فجرا في الكعبة، فمُسخا حجرين، وعُلقا في بيت الله؛ ليتعظ الناس بهما، فلما طال مكثهما وعُبدت الأصنام، عُبدا معها، وكانوا ينحرون ويذبحون عندهما. يُنظر: أخبار مكة، للأزرقي (1/ 193)، سيرة ابن إسحاق (24 - 34).
أن نقلهما إلى الكعبة ونصبهما
(1)
.
فكان الشقي عمرو بن لحي هو أول من أحيا آثار الأصنام والأوثان في جزيرة العرب، وأخرجها من تحت الرمال، وغيّر دين الحنيفية، وسيب السائبة
(2)
، ووصل الوصيلة
(3)
، وبحر البحيرة
(4)
، وحمى الحامية
(5)
؛
(6)
ولذلك رآه النبي صلى الله عليه وسلم: «يجرُّ قُصْبَهُ
(7)
في النار»
(8)
.
فكانت حالة العالم آنذاك في ضلال وظلام حالك.
حتى أرسل الله جل جلاله خاتم المرسلين نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليقضي على مظاهر الوثنية والجاهلية، فكسر الأصنام والأوثان، وطهر الله جل جلاله به صلى الله عليه وسلم الجزيرة العربية بأسرها من رجس الأوثان، وعادت غالب العرب بفضل الله إلى التوحيد.
المسألة الثالثة: أمثلة على الآثار الجاهلية:
من الآثار الجاهلية الكعبة اليمانية التي أخبر نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم بظهورها آخر الزمان وافتتان الناس بها، فقال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ
(1)
يُنظر: أخبار مكة، للأزرقي (1/ 120)، الروض الأنف، للسهيلي (1/ 219).
(2)
سيب السائبة: أي: نوع من بهيمة الأنعام إذا بلغت شيئًا اصطلحوا عليه، سيبوها فلا تركب ولا يحمل عليها ولا تؤكل، وبعضهم ينذر شيئًا من ماله يجعله سائبة. يُنظر: تيسير الكريم الرحمن (246).
(3)
وصل الوصيلة: الناقة البكر، تبكر في أول نتاج الإبل، ثم تثني بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم، إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (3/ 208).
(4)
بحر البحيرة: ناقة يشقون أذنها، ثم يحرمون ركوبها. تيسير الكريم الرحمن (246).
(5)
حمى الحامية: جمل يحمى ظهره عن الركوب والحمل، إذا وصل إلى حالة معروفة بينهم. تيسير الكريم الرحمن (246).
(6)
يُنظر: الأصنام، لأبي المنذر الكلبي (8).
(7)
قصبه: أمعاءه. يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (4/ 67).
(8)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب قصة خزاعة (4/ 184/ ح 3521)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (8/ 155/ ح 2856).
أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ»، وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِتَبَالَةَ
(1)
، وذو الخلصة
(2)
: وثن كان يسمى ب الكعبة اليمانية
(3)
.
وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وعظم افتتان أهل تبالة ومن حولهم من القبائل بذي الخلصة، وأعادوا سيرتها الأولى التي كانوا عليها في الجاهلية.
حتى ظهرت دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فدعا إلى التوحيد، وقضى على الشرك ووسائله، وجدد ما اندرس من معالم الدين.
حيث أرسل الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمه الله، حملة لهدم ذي الخلصة، فأتلفوها، وهدموا بعض بنائها، وبقي بعضه قائمًا.
وزال الافتتان بها فترة من الزمن، ثم عاد الجهال إلى ما كانوا عليه من الافتتان بها، حتى عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله، حيث أمر جماعة من المسلمين، فهدموا ما بقي من بنائها، ورموا بأنقاضها في الوادي، فعُفي بعد ذلك رسمها، وانقطع أثرها، ولله الحمد والمنة
(4)
.
فالجاهلية المطلقة قد زالت ولله الحمد من بعد بعثة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أثر فيما أعلم للأوثان والأصنام الجاهلية، ووجه إيرادها في هذا المطلب
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب تغيير الزمان حتى تعبد الأوثان (9/ 58/ ح 7116)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة (8/ 182/ ح 2906).
(2)
وقد تباينت الروايات، وتعددت الآراء حول تعيين صنم ذي الخلصة من حيث مكانه والقبائل التي كانت تعظمه، لمعرفة الروايات التي جاءت في تعريف ذي الخلصة يُراجع: أخبار مكة، للأزرقي (1/ 124)، الأصنام، لأبي المنذر الكلبي (34 - 36)، سيرة ابن هشام (1/ 86)، سبل الهدى والرشاد، لمحمد الصالحي الشامي (6/ 244)، معجم البلدان، لياقوت الحموي (2/ 383)، صفة جزيرة العرب، للهمداني (127)، الأغاني، للأصبهاني (9/ 111)، لسان العرب، لابن منظور (7/ 29)، تاج العروس، للزبيدي (17/ 561)، فتح الباري، لابن حجر (1/ 113)، وللاستزادة في تحقيق المسألة يُراجع: كتاب الأحاديث الواردة في تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الشرك، لفهد المقرن (52 - 60).
(3)
يُنظر: لسان العرب (7/ 26).
(4)
يُنظر: إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، لحمود التويجري (2/ 225).
من باب الاحتراز والحذر والتحذير منها، فإذا عرفها المسلمون؛ أصبح لديهم منعة وحصانة؛ لتجنبها، وأما إذا جهلوها يُخشى عليهم من العودة إلى الشرك والافتتان به
(1)
.
كما قال بعض السلف: يوشك أن تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية
(2)
.
وأيضًا كما قيل:
عَرَفتُ الشَرَّ لا لِلشَّر لَكِن لِتَوَقّيهِ
وَمَنْ لَم يَعرِفِ الشَّرَّ مِنَ الخَيرِ يَقَع فيهِ
(3)
ومن جهة أخرى إذا عُرفت الجاهلية، عُرف في المقابل فضل الإسلام
(4)
، وكما قيل:
الضِّدُّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِّدُّ
وبِضِدِّها تتبيّنُ الأشياءُ
(5)
ولكن قد يظن بعض الناس أن الشرك قد زال وأنه لا رجعة له بسبب انتشار العلوم واستنارة العقول بها، وأن جناب التوحيد محمي ولا تضره وسائل الشرك!
وهذا ظن باطل، إذ إن الواقع يخالفه، والشرك على اختلاف أنواعه ومظاهره لا يزال ضاربًا أطنابه في أكثر بقاع الأرض، ولا سيما في بلاد الغرب عقر دار الكفر، ومن أبرز ما يظهر للعيان انتشار التماثيل بينهم، وإن مما يُؤسَفُ له أن هذه الظاهرة قد أخذت تنتشر رويدًا في بعض البلاد
(1)
يُنظر: شرح مسائل الجاهلية، لصالح الفوزان (15 - 16).
(2)
يُنظر: منهاج السُّنَّة النبوية، لابن تيمية (2/ 398).
(3)
ديوان أبي فراس الحمداني (352) بتصرف يسير.
(4)
يُنظر: شرح مسائل الجاهلية، لصالح الفوزان (16).
(5)
يكثر تداول هذين البيتين مع أنهما ملفقين، وهما عبارة عن شطرين كل شطر لشاعر مختلف.
فقوله: «فالضد يظهر حسنَه الضدُّ» هذا بيت للمنبجي من قصيدته «اليتيمة» .
أما قوله: «وبضدها تتبين الأشياء» فهذا بيت للمتنبي في قصيدة يُثني بها ويمدح أحد المتنسكة الذين مالوا إلى التصوف نسأل الله السلامة والعافية. يُنظر: الوساطة بين المتنبي وخصومه، للجرجاني (278)، المنصف للسارق والمسروق منه، لابن وكيع (584)، شرح ديوان المتنبي، للعكبري (1/ 22). وقد نبه وألمح لهذا الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه مسائل الجاهلية.
الإسلامية!
(1)
.
ومما أخبر به رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم من آثار مروية تدل على ظهور الشرك آخر الزمان، ما يلي:
1 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ»
(2)
، المذكور آنفًا.
(3)
.
3 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
…
وَلَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ
…
»
(4)
.
4 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللهُ اللهُ»
(5)
.
(1)
يُنظر: موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (2/ 236 - 240)، وكذلك تحذير الساجد (155 - 161).
(2)
سبق تخريجه راجع فضلاً (283).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة (8/ 182/ ح 2907).
(4)
أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب الفتن والملاحم، إذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة (4/ 449/ ح 8484)، والنسائي في الكبرى، كتاب عشرة النساء، فضل نفقة المرأة وكسوتها (8/ 270/ ح 9138)، وأبو داود في سننه، كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها (4/ 157/ ح 4252)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (3/ 1488).
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب ذهاب الإيمان آخر الزمان (1/ 91/ ح 148).
وهناك آثار نبوية حديثية مروية كثيرة تدل دلالة قاطعة على أن الشرك واقع في هذه الأمة، ولعل ما أوردته هنا يكفي لإثبات عودة الشرك آخر الزمان كما سيأتي تفصيل ذلك
(1)
.
قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله: أن هذه الأمة ستبتلى بما ابتليت به الجاهلية من عبادة القبور والأحجار، والتبرك بها وهذا حصل، وقاله عليه السلام إخبارًا بأنه سيقع، فحذر منه.
وأن الواجب هو الثبات على عبادة الله وحده كما فعل الأنبياء عليهم السلام
(2)
.
فإذا كان الأمر كذلك فيجب على المسلمين أن يبتعدوا عن كل الوسائل والأسباب التي قد تؤدي بهم إلى الشرك
(3)
.
* * *
(1)
للوصول إلى هذه المسألة والرد على شبهة ادعاء الأمن من الشرك، وادّعاء عدم عودته، انتقل فضلاً (447).
(2)
شرح كتاب التوحيد (1/ 414).
(3)
يُنظر: موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (2/ 236 - 240)، وكذلك تحذير الساجد (101 - 120).
المطلب الخامس
حكم إحياء الآثار الوثنية والجاهلية
من خلال موقف السلف تجاه الآثار الوثنية والجاهلية، يمكننا تفصيل حكم إحيائها من خلال مسألتين:
1 إحياء المسلم للآثار الوثنية والجاهلية بقصد الزيارة؛ للاطلاع، والنزهة والسياحة.
2 إحياء عين الآثار، بالتنقيب عنها، وإخراجها وتهيئتها، وتسهيل الوصول إليها.
المسألة الأولى: حكم إحياء المسلم للآثار الوثنية والجاهلية بقصد الزيارة؛ للاطلاع، والنزهة والسياحة:
يحرم قصد المواضع التي تحتوي على الأصنام والتماثيل، وجاء النهي عن دخولها؛ استنادًا على الأدلة منها:
1 أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدِم إلى الكعبة، بعد أن نصره الله جل جلاله بفتح مكة، أبى أن يدخل البيت وفيها آلهتهم فأمر بها فأخرجت، فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في أيديهما الأزلام كما يدّعون فقال صلى الله عليه وسلم:«قَاتَلَهُمُ اللهُ، أَمَا وَاللهِ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ» . فدخل البيت، فكبَّر في نواحيه ولم يصل فيه
(1)
.
وأيضًا لم يدخل صلى الله عليه وسلم البيت الذي فيه صور، وتوعّد أصحاب الصور بأنهم سيعذبون يوم القيامة، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لا تَدْخُلُهُ
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب من كبر في نواحي الكعبة (2/ 150/ ح 1601).
الْمَلَائِكَةُ»
(1)
.
فامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول المكان حتى تزال ما به من صور وتماثيل، دليل على أنها من المنكرات التي لا يجوز قصدها، ولا الرضى بها؛ لعدم إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على وجودها؛ بل أمر بإزالتها
(2)
.
وهذا دليل على عدم جواز قصد الأماكن التي بها تماثيل وأصنام حتى لو للفرجة، خصوصًا وإن أغلب المتاحف تعرض التماثيل التي كانوا يعتبرونها في الجاهلية آلهة تعبد، أو ملكًا يُعظم!
2 قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور
(3)
، فامتناع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الدخول للكنائس؛ لوجود التماثيل دليل على عدم إباحة الدخول إلى الأماكن التي بها تماثيل وأصنام.
3 إقرار الأئمة الفقهاء على حرمة النظر إلى المحرم
(4)
؛ لوجهين:
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب من لم يدخل بيتًا فيه صورة (7/ 169/ ح 5961)، ومسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة (6/ 160/ ح 2107).
(2)
يُنظر: شرح العمدة، لابن تيمية (506)، فتح الباري، لابن حجر (3/ 468).
(3)
علّقه البخاري في صحيحه مجزومًا به، كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة (1/ 94/ ح 434).
(4)
الذين صرحوا بتحريم الفرجة على المُحرم:
1 الحنفية: يُنظر: حاشية ابن عابدين (6/ 354).
2 المالكية: يُنظر: مواهب الجليل، للحطاب الرُّعيني (4/ 4)، الشرح الكبير، للدردير (2/ 338).
3 الشافعية: الفتاوى الحديثية، لابن حجر الهيتمي (87)، إعانة الطالبين، للبكري (3/ 412).
بينما نص الحنابلة على أنه إذا دعي مسلم لموضع فيه منكر، ولا يقدر على تغييره، فإنه يحرم عليه الحضور؛ وعللوا ذلك بتحريم مشاهدة المنكر. يُنظر: المبدع في شرح المقنع، لأبي إسحاق (6/ 238).
وفي الآداب الشرعية والمنح المرعية، لابن مفلح (3/ 519) قال: يحرم النظر إلى الحرير، وأواني الذهب والفضة إن دعت إلى حب التزين بها والمفاخرة.
أ أن ما حرُم فعله واتخاذه، حرم النظر إليه، والفرجة عليه؛ لأنه يتعارض بُغض المنكر مع الاستمتاع بالنظر والفرجة عليه، والإعجاب به
(1)
.
كما أن الفرجة عليها هي من الإعانة على بقائها، والعناية بها
(2)
، لا سيما وإن بعض المتاحف قد أُعدّت لعرض التماثيل، وللدخول لها لا بد من دفع عوض مالي، ولا شك أن المبالغ المدفوعة هي إحدى مقومات حفظ تلك الآثار الوثنية، ورعايتها والاهتمام بها، والإعانة على بقائها ودوامها
(3)
.
ب أن رؤية المنكر كسماعه، فكما يحرم سماع المنكر فكذلك رؤيته
(4)
.
يتبين مما السابق حرمة النظر إلى محرم فكيف بمن يقصده ويذهب إليه.
4 قصد المسلم للأماكن التي تحوي آثار وثنية من تماثيل وأصنام، قد يؤثر على عقيدته، ويغترّ ويتعلق بها، ويحصل في قلبه إعظام لها ولصانعيها، فسدًّا للذريعة المفضية إلى الحرام، يبتعد عن هذه الأماكن، ولا يقصدها بالزيارة
(5)
.
فحكم إحياء الآثار الوثنية والجاهلية، بالزيارة سياحة ونزهةً محرمٌ شرعًا، وحكمها واحد كما سبق بيانه، سواء كانت آثار الأصنام والأوثان في مكانها الذي وجدت به، أو كانت داخلة في المتاحف أو المعابد أو أي مكان تعرض فيه.
(1)
يُنظر: الوسيط في المذهب، لأبي حامد الغزالي (5/ 276)، الفتاوى الفقهية الكبرى، لابن حجر الهيتمي (1/ 262)، حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 376).
(2)
قال الحلبي: وكل ما حَرُمَ، حَرُمَ التفرّج عليه؛ لأنه إعانة على المعصية. حاشية الشرواني على تحفة المحتاج في شرح المنهاج (10/ 221).
(3)
إعانة الطالبين، للبكري (3/ 412)، ويُنظر: أحكام الآثار في الفقه الإسلامي (2/ 488).
(4)
يُنظر: المغني، لابن قدامة (7/ 285).
(5)
يُنظر: أحكام الآثار في الفقه الإسلامي (2/ 486).
المسألة الثانية: حكم إحياء عين الآثار الوثنية الجاهلية؛ بالتنقيب عنها، وتهيئتها، وتسهيل الوصول إليها:
لا يجوز الاحتفاظ بالآثار الوثنية والجاهلية من: الأصنام، والأوثان أو بأجزائها أو التنقيب عنها
(1)
، للأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي جاء فيها الأمر بتكسير الأصنام، وطمس الصور، وإزالتها، والنهي عن التعلّق بآثار الجاهلية وأمورها، منها:
1 الحديث السابق ذكره بعد أن نصر الله جل جلاله نبيّه صلى الله عليه وسلم بفتح مكة، وعند قدومه صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، أبى أن يدخل البيت؛ لأن فيها الأصنام، وأمر بإخراجها، وتكسيرها
(2)
.
2 نهي النبي صلى الله عليه وسلم من التعلّق بالأمور الجاهلية، ومن أمور الجاهلية إحياء آثارها، كما قال صلى الله عليه وسلم:«أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ»
(3)
.
ومن أمور الجاهلية المنتشرة في بلاد المسلمين، إحياء الآثار التاريخية، وإبرازها، والفخر بها، مما يؤدي إلى المبالغة في الاحتفاء بها، وتعظيمها، وذلك من أكبر ذرائع الشرك ووسائله
(4)
.
3 أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحد التابعين، قائلاً: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى ما بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ
(5)
.
4 احترازه صلى الله عليه وسلم من التشبّه بأهل الجاهلية في أفعالهم
(6)
، ونهيه صلى الله عليه وسلم أن يصرف أي نوع من أنواع العبادة في الأماكن الجاهلية التي كان يُتعبّد عندها؛
(1)
يُنظر: حكم إحياء الآثار والعناية بأمور الجاهلية وشخصياته، لصالح الفوزان (11).
(2)
يُنظر: إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب من كبر في نواحي الكعبة (2/ 150/ ح 1601).
(3)
سبق تخريجه راجع فضلاً (240).
(4)
يُنظر: موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب، لمجموعة من الأكاديميين والباحثين (2/ 846).
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الأْمر بتسوية القبر (3/ 61/ ح 969).
(6)
يُنظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 2251).
لأجل ذلك حرِص النبي صلى الله عليه وسلم على سؤال الرجل الذي نذر أن ينحر إبلاً ببوانة
(1)
: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» .
قالوا: لا، قال:«هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟» . قالوا: لا،
(2)
، هذا أمر منه صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم بقوله.
5 أما بفعله صلى الله عليه وسلم فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما كان في الحج وأتى بطن محسّر
(3)
أسرع وحرّك راحلته
(4)
، وقد علّل بعض العلماء إسراع النبي صلى الله عليه وسلم في عبور وادي محسر؛ بأن أهل الجاهلية كانوا يقفون على هذا الوادي، ويذكرون أمجاد آبائهم
(5)
.
6 تحذير النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه عن التشبه باليهود والنصارى، كما جاء في الحديث عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه يقول: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بِحُنَيْنٍ وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ، فَمَرَرْنَا عَلَى شَجَرَةٍ يَضَعُ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ،
فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ!
فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، قُلْتُمْ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ لِمُوسَى عليه السلام: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}» ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّكُمْ سَتَرْكَبُونَ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»
(6)
.
وأيضًا يدل الحديث على أن الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم طلبتهم كطلبة بني إسرائيل، ولم يلتفت إلى
(1)
بوانة: موضع بين الشام وبين ديار بني عامر [قريب من رابغ]. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، للبكري (1/ 283).
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من وفاء النذر (3/ 236/ ح 3313)، صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ومشكاة المصابيح (2/ 1024/ ح 3437).
(3)
وادي محسر: وادي معترض بين منى ومزدلفة. يُنظر: رحلة ابن جبير (150).
(4)
يُنظر: إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 38/ ح 1218).
(5)
يقول الشيخ العلامة محمد العثيمين رحمه الله: ولعل هذا أقرب التعاليل. يُنظر: الشرح الممتع (7/ 316).
(6)
سبق تخريجه راجع فضلاً (108).
كونهم سموها ذات أنواط. فالمشرك مشرك وإن سمى شركه ما سماه، كمن يسمي دعاء الأموات والذبح والنذر لهم ونحو ذلك تعظيمًا ومحبة، فإن ذلك هو الشرك وإن سماه ما سماه. وقس على ذلك
(1)
.
ونقيس على ذلك إحياء الآثار الوثنية والجاهلية، حتى وإن سموها بإحياء آثار الحضارات، وبتاريخ مجد الأمم فسيبقى أصلها الجاهلي الوثني.
فالعبرة بالمعاني والحقائق، كما هو معلوم عند كل عاقل: أن حقائق الأشياء لا تتغير بتغير أسمائها، فالشرك إنما حرم لقبحه في نفسه، وكونه متضمنًا مسبة الرب سبحانه وتعالى وتنقصه، وتشبيهه بالمخلوقين؛ فلا تزول هذه المفاسد بتغيير اسمه
(2)
.
وللتفصيل في إطلاق الحكم فإن الآثار الوثنية والجاهلية، لها حالات، منها
(3)
:
1 ثابتة كالمعابد وغيرها من أماكن التعبّد في الجاهلية فقد جاء الأمر بطمسها وإتلاف معالمها حفاظًا على العقيدة من الموروث الجاهلي الذي يجرّ إلى الشرك.
كما قال ابن القيم رحمه الله: لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها، وإبطالها يومًا واحدًا؛ فإنها شعائر الكفر والشرك، وهي أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة ألبته،
…
لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض، مع القدرة على إزالته، وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركًا عندها وبها، والله المستعان
(4)
.
2 متحركة ومنقولة: كالأوثان والأصنام والنصب، فقد جاء الأمر بإتلافها، وتكسيرها وإزالة معالمها
(5)
.
(1)
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن حسن (140).
(2)
يُنظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية، عبد الله أبابطين (1/ 5).
(3)
يُنظر: حكم إحياء الآثار والعناية بأمور الجاهلية وشخصياته، لصالح الفوزان (11).
(4)
زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 443).
(5)
يُنظر: صحيح البخاري، كتاب الحج، باب من كبر في نواحي الكعبة (2/ 150/ ح 1601).
ولا يجوز إحياؤها ومشابهة أهلها، والاحتفاظ بها أو بأجزائها أو التنقيب عنها أو جلبها من بلاد الكفار.
كما فعل عمرو بن لحي لما جلب الأصنام من بلاد الشام إلى أرض الحجاز وغيّر دين إبراهيم عليه السلام وأمر بعبادتها من دون الله.
3 مساكن ومرابع ليست من أعلام دين المشركين فإنها تترك، ولا يُعتنى بها ولا ترمم حتى تندرس وتذهب كسائر الخربات.
وقد عقّب الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله على من يقول:
أن الآثار التي تُقصد للسياحة والنزهة؛ بقصد الاستثمار، ليست داخلة في الآثار التي تفضي إلى الشرك.
قائلاً: إن إحيائها للزائرين والسائحين وسيلة لتعظيمها، والتبرك بها من قِبل الخرافيين.
فقد نشطوا لما فُتح هذا الباب، وفرحوا بالفكرة، واتخذوها حجة لهم في إحياء الآثار الشركية، والممارسات البدعية، فيجب سدّ هذا الباب من أصله
(1)
.
فالآثار الوثنية المستخرجة من تحت الرمال ماثلة للعيان تهيئتها وعرضها بشكل يوحي بالاهتمام، والاحترام، سواء كانت في المتاحف أو القصور أو حتى في الطرقات.
ولو وقع التعاون في إحيائها، فسيؤول ذلك إلى عبادتها ولو على المدى البعيد؛ لأن إحياءها تمهيدًا لتعظيمها، ومن ثم عبادتها شئنا أم أبينا إذ إن كل جيل أجهل من الذي قبله، فقد يأتي جيل جاهل ويزين لهم الشيطان عبادة تلك الآثار كما فعل بقوم نوح عليه السلام
(2)
.
وكما اغترّ مشركو العرب بإساف ونائلة الذين نصبوهم في بداية الأمر؛ للعظة والعبرة، ومع كونهما معذبين وممسوخين إلى حجرين، إلا أن الأمر آل إلى عبادتهم!
(1)
حكم إحياء الآثار (21).
(2)
يُنظر: البيان لأخطاء الكتاب، لصالح الفوزان (2/ 7).
والحاصل الآن وللأسف أن بعضًا من المسلمين يضاهون الغرب الكفار لمباهتهم وانتمائهم لأصول وثنية وشركية، كما انتمت اليونان إلى اللاتينية القديمة واعتزّت بها.
وقد نهانا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم عن ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ»
(1)
.
وكذلك جاء في الحديث الثابت الصحيح عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عليه السلام، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟ قَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ابْنُ الإِسْلَامِ. قَالَ: فَأَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى عليه السلام: إِنَّ هَذَيْنِ الْمُنْتَسِبَيْنِ، أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَمِي، أَوِ الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ، فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ»
(2)
.
ونظيرهم في الواقع كثير، كما تقدّم سابقًا كمباهاة بعض أهل مصر بالفراعنة، واعتزاز بعض أهل العراق بالبابلية أو الآشورية أو الكلدانية، وبعض أهل الشام يفخرون بالفينيقية، وبعض أهل اليمن يعتزون بالسبئية
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (4/ 169/ ح 3456)، ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى (8/ 57/ ح 2669).
(2)
أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائده على مسند الإمام أحمد، مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث أبي المنذر أبي بن كعب رضي الله عنه (9/ 4928/ ح 2156)، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، مسند أبي بن كعب الأنصاري رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري عن أبي بن كعب رضي الله عنه (3/ 439/ ح 1241)، وعبد بن حميد في المنتخب من مسنده، حديث أبي بن كعب رضي الله عنه (1/ 92/ ح 179). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 265/ ح 1270).
والحميرية، ونحو ذلك من الأصول الوثنية القديمة التي يفخرون ويفاخرون بها ويعتزون بها كاعتزاز الكفار ومباهاتهم بأوثانهم وشركهم، متناسين اعتزازهم الحقيقي بالإسلام الذي انتشلهم من أوحال الوثنية.
وكما حذّر أيضًا فضيلته من بعثات خبراء الآثار الغربية قائلاً: ومن دسائس هذه المنظمات الكفرية دعوتها إلى إحياء الآثار القديمة والفنون الشعبية المندثرة؛ حتى يشغلوا المسلمين عن العمل المثمر بإحياء الحضارات القديمة والعودة إلى الوراء وتجاهل حضارة الإسلام، وإلا فما فائدة المسلمين من البحث عن أطلال الديار البائدة، والرسوم البالية الدارسة!
وما فائدة المسلمين من إحياء عادات وتقاليد أو ألعاب قد فنيت وبادت!
في وقت هم في أمس الحاجة إلى العمل الجاد المثمر، وقد أحاط بهم أعداؤهم من كل جانب، واحتلوا كثيرًا من بلادهم، وبعض مقدساتهم!
إنهم في مثل هذه الظروف بحاجة إلى العودة إلى دينهم، وإحياء سُنَّة نبيّهم، والاقتداء بسلفهم الصالح، حتى يعود لهم عزهم وسلطانهم، وحتى يستطيعوا الوقوف على أقدامهم لرد أعدائهم، وأن يعتزوا برصيدهم العلمي من الكتاب والسُّنَّة والفقه، ويستمدوا من ذلك خطة سيرهم في الحياة، ويقرؤوا تاريخ أسلافهم؛ لأخذ القدوة الصالحة من سيرهم، أما أن ينشغلوا بالبحث عن آثار الديار، وإحياء الفنون الشعبية بالأغاني والأسمار، وإقامة مشاهد تحاكي العادات القديمة، فكل ذلك مما لا جدوى فيه، وإنما هو استهلاك للوقت والمال في غير طائل؛ بل ربما يعود بهم إلى الوثنية، والعوائد الجاهلية
(1)
.
فالحاصل أن الانتماء والاعتزاز بغير الإسلام من أمور الجاهلية؛ والدليل على ذلك لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم من سمعه يقول: يا للأنصار ومن يقول: يا للمهاجرين.
(1)
يُنظر: الخطب المنبرية، لصالح الفوزان (3/ 68 - 69).
قال صلى الله عليه وسلم: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟»
…
ثم قال: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»
(1)
.
فالاعتزاز بالوثنيات السابق ذكرها أو حتى بالقبيلة أو بالقومية أو بالعروبة أو بالإنسانية كلها تعتبر اعتزاز وانتماء بأمور الجاهلية
(2)
.
فالجاهلية وأهلها مذمومون بل كل ما نسب إلى الجاهلية فهو مذموم: كحمية الجاهلية، وظن الجاهلية، وتبرج الجاهلية، وعزاء الجاهلية، ودعوى الجاهلية، وحكم الجاهلية.
فلا يجوز للمسلمين أن يتركوا الاعتزاز بالإسلام، ويفخروا بالجاهلية وأهلها، ولا يليق بهم ذلك؛ لأن هذا إحياء للجاهلية التي أذهبها الله بالإسلام وأبدل المسلمين بخير منها
(3)
.
وأختم هذا المطلب بمقولة الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نحن أمة أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العز بغيره أذلنا الله
(4)
.
* * *
(1)
جزء من حديث أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} (6/ 154/ ح 4905)، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأْخ ظالمًا أو مظلومًا (8/ 19/ ح 2584).
(2)
لمعرفة المزيد حول الانتماء للشعارات الجاهلية يُنظر: نقد القومية العربية، للعلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله، رسالة قصيرة مكونة من (64) صفحة، أورد الشيخ رحمه الله فيها أوجه بطلان الدعوة إلى القومية العربية والانتماء لها، والرد على شبهات من اغتر بها.
(3)
يُنظر: حكم إحياء الآثار، لصالح الفوزان (5/ 40).
(4)
أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الإْيمان، قصة خروج عمر إلى الشام وقوله: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام (1/ 62/ ح 208) بنحوه، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب البعوث والسرايا، في توجه عمر إلى الشام (18/ 320/ ح 34539)، وأيضًا في كتاب الزهد، كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه (19/ 138/ ح 35585)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 47).
المبحث الخامس
آثار القبور والمشاهد
وفيه مطالبان:
المطلب الأول:
المراد بالقبور والمشاهد.
المطلب الثاني:
حكم إحياء آثار القبور والمشاهد.
المطلب الأول
المراد بالقبور والمشاهد
القبور: جمع قبر. وموضعه: مقبرة
(1)
.
والمراد بالقبر: هو مدفن الميت في الأرض من الشقِّ أو اللحد
(2)
.
ومن الأسماء التي تُطلق على القبر:
الضريح، الرمس، الكُدى، اللحد، الجدث
(3)
، الأصواء
(4)
.
المشاهد: جمع مَشهَد، والمشهد: البناء على قبور الأنبياء والأولياء والصالحين
(5)
.
وقيل: هو الضريح، ومكان استشهاد الشهيد
(6)
.
والشاهد: هو كل ما يوضع من علامة، وشارة على أثر؛ لأجل أن يُعرف ويُتخذ دليلاً
(7)
.
والشاهدة: هما العمودان المستقيمان من الحجر أو الخشب ينصبان شارة للقبر على شكل مستطيل، أعلى زواياه نصف مربع أو نصف دائرة،
(1)
يُنظر: لسان العرب (5/ 68).
(2)
يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (4/ 4)، التعريفات الفقهية، للبركتي (170).
اللحد: أن يُحفَر في قاع القبر حُفرة في جانبه إلى جهة القبلة، والشق: أن يحفر للميت في وسط القبر، واللحد أفضلُ؛ لأن الله سبحانه وتعالى اختاره لنبيِّه صلى الله عليه وسلم، وإن تَعذَّر اللحد فلا بأس بالشَّقِّ. يُنظر: المخصص، لابن سيده (2/ 78)، مجمع بحار الأنوار، لجمال الدين الصديقي (4/ 471).
(3)
يُنظر: المخصص، لابن سيده (2/ 78).
(4)
يُنظر: معارج القبول، للحكمي (2/ 930 - 932).
(5)
يُنظر: تلخيص كتاب الاستغاثة، لابن تيمية (2/ 673)، حاشية كتاب التوحيد، لابن قاسم (1/ 786).
(6)
يُنظر: الآثار والمشاهد، لنائل الصرايرة (18).
(7)
يُنظر: تكملة المعاجم العربية، لرينهارت بيتر (6/ 368).
يوضع أحدهما عموديًّا عند رأس الميت والآخر عند رجله
(1)
.
والمراد بالمشاهد في هذا المبحث: كل ما نُصب على قبور المعظمين، سواء كانت بناية أو قبة أو شاهدًا، مزينًا بالذهب والفضة والرخام والستور وغيرها
(2)
.
ومن الإطلاقات والمسميات التي لها صلة بمعنى المشاهد:
1 الأضرحة: مفرده ضريح، وهو قبر بلا لحد، سمي ضريحًا؛ لأنه يشق في الأرض شقًّا
(3)
.
2 المقامات: مفرده مقام، وهو المكان الذي قام فيه الأنبياء والصالحين، أو أقاموا، أو عبدوا الله سبحانه، لكنهم لم يتخذوه مسجدًا
(4)
.
وقد عرّف قانون أوقاف أحد البلدان العربية المراد بالمقام بأنه: المكان الذي دفن فيه، أو أقام، أو مرّ منه أحد الأنبياء، أو الصحابة، أو التابعون، أو السلف الصالح، وبني عليه ما يدل على ذلك
(5)
.
3 المزارات: مفرده مَزَار، وهو ما يُزَارُ من مقابر الأَولياء؛ إحياءً وتعظيمًا لذكراهم
(6)
.
4 الزوايا: مفرده زاوية، وهو ركن من أركان المسجد يعقد فيها دعاة الطرق الصوفية حلقات الذكر، وقد يضاف إلى تلك الزاوية ضريح مؤسسها التي تسمى باسمه غالبًا، أو من له قرابة به، أو له علاقة بالطريقة الصوفية، ويطلق عليها الزاوية ذات الولي
(7)
.
(1)
يُنظر: المرجع السابق.
(2)
يُنظر: تلخيص كتاب الاستغاثة، لابن تيمية (2/ 673)، تقديس الأشخاص، لمحمد لوح (2/ 53).
(3)
يُنظر: تهذيب اللغة، للهروي (4/ 122).
(4)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 271).
(5)
جاء ذكر المقام في قانون الأوقاف الأردني رقم: (32)، عام (2001 م)، والمنشور بالجريدة الرسمية العدد:(4496) تاريخ: 16/ 7/ 2001 م، ص (2838) نقلاً من الآثار والمشاهد، لنائل الصرايرة (19).
(6)
يُنظر: تكملة المعاجم العربية (5/ 383).
(7)
وللزوايا معاني وأنواع وأشكال مختلفة. يُنظر: تاريخ الإسلام السياسي والديني، لحسن إبراهيم (4/ 401).
المطلب الثاني
حكم إحياء القبور والمشاهد
وبسط هذا المطلب في المسائل التالية:
1 إحياء القبور، بالبناء عليها، وتجصيصها، وتسريجها.
2 إحياء القبور والمشاهد باتخاذها معلمًا أثريًّا، ومزارًا سياحيًّا.
3 إحياء القبور والمشاهد بالزيارة.
المسألة الأولى: إحياء القبور، بالبناء عليها، وتجصيصها، وتسريجها:
اتفق أئمة الإسلام على تحريم البناء على القبور، والنهي عن اتخاذها مساجد
(1)
؛ استنادًا على النصوص الشرعية الصريحة الدالة على المنع والنهي عن البناء على القبور وتجصيصها.
والأدلة الواردة في تحريم البناء على القبور وتجصيصها، وتسريجها، على قسمين:
القسم الأول: أدلة جاء النهي فيها بتحريم البناء على القبور وتجصيصها، وتسريجها.
(1)
يُنظر: الآثار، لمحمد بن الحسن الحنفي (2/ 190)، المدونة الكبرى، للإمام مالك (1/ 263)، الأم، للإمام الشافعي (1/ 316)، المجموع شرح المهذب، للنووي (5/ 316)، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، لابن قدامة المقدسي (2/ 382)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/ 448، 488)، المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع (173)، زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 443)، تطهير الاعتقاد، للصنعاني (76 - 78)، شرح الصدور بتحريم رفع القبور، للشوكاني (114 - 115)، شفاء الصدور، لمرعي الكرمي (45)، منهاج التأسيس والتقديس، لعبد اللطيف آل الشيخ (30)، غاية الأماني، للألوسي (2/ 443)، أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة (87)، فتاوى كبار علماء الأزهر حول الأضرحة والقبور والموالد والنذور (31 - 40).
القسم الثاني: أدلة جاء الأمر فيها بوجوب هدم ما بُني على القبور، وتسويتها بالأرض.
القسم الأول: من الأدلة التي جاء النهي فيها بتحريم البناء على القبور وتجصيصها، ما يلي:
1 حديث جابر رضي الله عنه قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ»
(1)
.
يؤخذ من هذا الحديث عدة أحكام، منها:
أ نهيُ النبي صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبور وتجصيصها، والأصل في النهي التحريم، الذي يؤثم فاعله
(2)
.
ب عموم التحريم من جانبين:
الجانب الأول: جميع المقبورين سواءً كانت قبور الأنبياء أو الأولياء أو الصالحين؛ لأنها ذريعة إلى الشرك
(3)
.
الجانب الثاني: جميع ما يُبنى على القبور كبناء: المساجد، والقباب، والزوايا، والمقامات، والشواهد، ويشمل كل شيء يرتفع فوق القبر وينصب عليه
(4)
.
2 حديث جابر رضي الله عنه قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ أو يُزَادَ عَلَيْهِ
…
»
(5)
، جاء النهي عن الزيادة من غير ترابه، وأن لا يزيد ارتفاعه على وجه الأرض شبرًا
(6)
، أو شبرين؛ حتى يُعرف فيُصان ولا يُهان، ولا مخالفة بين النهي عن البناء على القبور والأمر بتسويتها، إذ المراد تسوية ما رفع عليه من البناء الزائد عن الحد المشروع
(7)
، كما سيأتي لاحقًا التفصيل في بيان تسوية القبور.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب النهي عَنْ تجصيص القبر والبناء عليه (3/ 61/ ح 970).
(2)
يُنظر: أحكام الآثار في الفقه الإسلامي (1/ 323).
(3)
يُنظر: أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة (87).
(4)
يُنظر: بدع القبور، لصالح العصيمي (168).
(5)
أخرجه النسائي في المجتبى، كتاب الجنائز، باب الزيادة على القبر (1/ 417/ ح 2026/ 1).
(6)
يُنظر: الأم، للشافعي (1/ 322).
(7)
يُنظر: المجموع شرح المهذب (5/ 295 - 297)، تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، للألباني (119)، منهج الإمام الشافعي في إثبات العقيدة، لمحمد بن عبد الوهاب العقيل (267 - 269).
3 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
…
أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ»
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم عن الكنيسة التي وُصفت له بأرض الحبشة: «أُولَئِكِ إِذَا مَاتَ مِنْهُمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَةَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ»
(2)
، فهؤلاء جمعوا بين فتنتين: القبور، والتماثيل
(3)
.
الحديثان يدلان على تحريم الصلاة مستقبلاً القبر، وعلى السجود عليه، وبناء المساجد على القبور، وأنه كبيرة من الكبائر، ومن فعل ذلك فهو من شرار الخلق عند الله يوم القيامة
(4)
.
والمعنى المراد من اتخاذ القبور مساجد ثلاثة معانٍ:
أ الصلاة على القبور، بمعنى السجود عليها
(5)
.
ب قصد الصلاة إلى القبور، واستقبالها بالصلاة والدعاء
(6)
.
ج بناء المساجد عليها
(7)
، وقصد الصلاة إليها وعليها
(8)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عَنْ بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها (2/ 67/ ح 532).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب بناء المسجد على القبر (2/ 90/ ح 1341)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عَنْ بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها (2/ 66/ ح 528).
(3)
إغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 333).
(4)
يُنظر: سبل السلام، للصنعاني (1/ 155).
(5)
قال الهيتمي في الزواجر (1/ 246): واتخاذ القبر مسجدًا معناه: الصلاة عليه أو إليه.
(6)
يُنظر: المرجع السابق، وفيض القدير، للمناوي (4/ 466)، مرقاة المفاتيح، لعلي القاري (3/ 1217).
(7)
ترجم البخاري للحديث في كتاب الجنائز: باب بناء المسجد على القبر (2/ 90/ ح 1341).
(8)
يُنظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيتمي (1/ 246).
فبناء المساجد على القبور أو اتخاذ القبور مساجد بلا بناء، كِلَا الأمرين محرمٌ شرعًا، ومن كبائر الذنوب، آثم فاعلها بالمستفيض من السُّنَّة
(1)
.
4 حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم الموت، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال صلى الله عليه وسلم وهو كذلك:«لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ، يحذر ما صنعوا
(2)
.
قالت رضي الله عنها: فَلَوْلَا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا
(3)
.
فهذا تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته لئلا يفعلوا كفعل اليهود والنصارى، وأن هذا الفعل موجب للعنة الله عليهم، وكذلك على من فعل مثلهم من هذه الأمة
(4)
.
5 جاء اللعن على من اتخذ السرج على القبور، استنادًا على حديث:«لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ»
(5)
.
وإيقاد السرج على المقابر موجب للعنة الله جل جلاله لأسباب:
(6)
أ أن في إسراج القبور تعظيمًا لها، وتعظيمها ذريعة قوية إلى الغلو والافتتان بها.
ب أنه كبيرة من كبائر الذنوب، بدليل لعن النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الفعل.
ج أن فيه تشبهًا بالمجوس
(7)
.
د أن فيه إضاعة للمال من غير فائدة
(8)
؛ بل حصول مضرّة.
(1)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 335).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب حدثنا أبو اليمان (1/ 95/ ح 435).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (2/ 88/ ح 1330) ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عَنْ بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها (2/ 67/ ح 529).
(4)
يُنظر: أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة (87).
(5)
سيأتي تخريجه انتقل فضلاً (310).
(6)
يُنظر: أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية، لعبد الله السحيباني (501 - 502).
(7)
يُنظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر، للهيتمي (1/ 273).
(8)
يُنظر: المرجع السابق، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، لابن قدامة المقدسي (2/ 382).
القسم الثاني: من الأدلة التي جاء الأمر فيها بوجوب هدم ما بُني على القبر وتسويته بالأرض:
1 أوصى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أحد التابعين، قائلاً:«أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى ما بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ»
(1)
، والبناء على القبور يدخل في عموم إشراف القبر، الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسويته، وعدم إقراره يدل على تحريمه
(2)
.
2 جاء في الصحيح: أن ثمامة بن شفي رحمه الله قال: كنا مع فضالة بن عبيد رحمه الله بأرض الروم برودس، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها
(3)
.
3 هدم الرسول صلى الله عليه وسلم لمسجد الضرار، دليل على هدم ما هو أعظم فسادًا منه؛ كالمساجد المبنية على القبور والقباب؛ لأنها أُسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخالفة لأمره صلى الله عليه وسلم، وحكم الإسلام فيها أن تهدم وتسوى بالأرض، وهي أولى بالهدم من بناء الغاصب قطعًا
(4)
.
4 أمر أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه
(5)
بتسوية القبور فسويت إلا قبر أم عمرو ابنة عثمان، فقال: ما هذا القبر؟ فقالوا: قبر أم عمرو، فأمر به فسوّي
(6)
.
(1)
سبق تخريجه راجع فضلاً (290).
(2)
يُنظر: أحكام الآثار في الفقه الإسلامي (1/ 323).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الأْمر بتسوية القبر (3/ 61/ ح 968).
(4)
يُنظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 380).
(5)
عثمان رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنته كما جاء في الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» . أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب في لزوم السنة (4/ 329/ ح 4607)، والترمذي في جامعه أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (4/ 408 - 409/ ح 2676)، صححه الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 58).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجنائز، في تسوية القبر (7/ 360/ ح 11917)، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الجنائز، باب الجدث والبنيان (3/ 504/ ح 6489)، صحح الألباني سنده. يُنظر: تحذير الساجد (118).
5 إنكار ابن عمر رضي الله عنهما لما رأى فسطاطًا على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقال: انزعه يا غلام فإنما يظله عمله
(1)
.
6 جاء في الصحيح عن أحد التابعين لما مات، ضربت امرأته على قبره قبة لمدة (سنة) ثم رفعت، فسمعوا صائحًا يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه الآخر: بل يئسوا فانقلبوا
(2)
.
فتلك الآثار المروية صريحة جلية، واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار
(3)
في تحريم البناء على القبور، واتخاذها مساجد.
وفي دواوين السُّنَّة أحاديث كثيرة في معنى ما أوردت سابقًا، ولعل ما اقتصرت عليه يكفي في بيان الحكم، ومقنع لمن أراد الحق، ورزقه الله البصيرة.
ومن المهم الإشارة إلى بعض فوائد الآثار المروية السابقة، وأوجه تحريمها، بما يلي:
1 أن البناء على القبور من فعل اليهود والنصارى، وأن فعلهم موجب للعنة عليهم، وعلى من فعل مثلهم من هذه الأمة
(4)
.
والمتأمل لذلك يجد أن البناء على القبور فيه شبه بأهل الكتاب، وتعظيم الموتى فيه شبه بعبدة الأصنام
(5)
.
2 أن البناء على القبور وسيلة للغلو في المقبور، وذريعة للوقوع في البدع والشركيات، كما هو مُشاهد وواقع عند بعض المشاهد والمقابر
(6)
.
3 أن القباب التي أُحدثت في أول الأمر كان المقصود منها نفع الميت، لا الانتفاع منه، وكانت تبنى مؤقتة، لا مستديمة، بخلاف ما حصل بعد ذلك،
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الجريد على القبر (2/ 95/ ح 1361).
(2)
علّقه البخاري في صحيحه مجزومًا به، كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (2/ 88/ ح 1330).
(3)
كالشمس في رائعة النهار: أمر شديد الوضوح، ومُعظمُه ظاهر، ومن الأخطاء الشائعة المشتهرة قول: كالشمس في رابعة النهار. يُنظر: المعجم الوسيط (1/ 382)، معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة، لمحمد العدناني (247)، معجم اللغة العربية المعاصرة، لأحمد مختار (2/ 961).
(4)
يُنظر: أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة (87).
(5)
يُنظر: الكوكب الدري على جامع الترمذي، للكاندهلوي (1/ 316).
(6)
يُنظر: أحكام الآثار في الفقه الإسلامي (1/ 323، 325).
من البناء المستديم، من المساجد والقباب والزوايا والمقامات، واعتقاد الانتفاع من الميت والتوسل به، والاستغاثة، وطلب ما لا يطلب إلا من الله جل جلاله
(1)
، كما ورد عن تقبيح الهاتفين لفعل المرأة المذكور آنفًا عن أحد التابعين لما مات، ضربت امرأته
(2)
على قبره قبة لمدة (سنة) ثم رفعت، فسمعوا صائحًا يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه الأخر: بل يئسوا فانقلبوا
(3)
.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: جاءت الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا، وكأنهما من الملائكة، أو من مؤمني الجن
(4)
، كما نبّه رحمه الله إلى أن مناسبة ذكر هذا الأثر: لموافقته للأدلة الشرعية، لا لأنه دليل برأسه
(5)
.
4 أن البناء على القبور بدعة منكرة، من البدع التي أُحدثت في آخر عهد الصحابة رضي الله عنهم، مع إنكار الصحابة على من فعل ذلك من العامة
(6)
.
كما أنكر ابن عمر رضي الله عنهما لما رأى فسطاطًا على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقال: انزعه يا غلام فإنما يظله عمله
(7)
.
5 وجوب هدم كل قبر مشرف، وكل مشهد مرفوع، وكل أثر مقدّس؛ يفضي إلى التعظيم والغلو
(8)
.
6 لما كان منشأ عبادة الأصنام من فتنة القبور، نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الافتتان بها؛ حماية لجناب التوحيد
(9)
، وحسم مادة الشرك، وسدًّا للذرائع المفضية إليه، فإن التهاون في هذه الوسائل يفضي إلى الشرك الأكبر، والخروج من الملة
(10)
.
(1)
يُنظر: أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة (88).
(2)
اسمها: فاطمةُ بنتُ الحسينِ بن علي، وهي زوجة ابن عمها الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم. يُنظر: منحة الباري بشرح صحيح البخاري (3/ 401).
(3)
سبق تخريجه آنفًا في الصفحة السابقة.
(4)
فتح الباري، لابن حجر (3/ 200).
(5)
المرجع السابق.
(6)
يُنظر: أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة (88).
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الجريد على القبر (2/ 95/ ح 1361).
(8)
يُنظر: تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي، لمحمد لوح (2/ 65).
(9)
يُنظر: زيارة القبور الشرعية والشركية، للبركوي (9 - 10).
(10)
يُنظر: المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع (167).
7 لا يظنّ الظان أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، أن هذا تنقّص لأصحابها؛ بل هذا من إكرامهم واحترامهم، وسلوك المنهج القويم تجاههم
(1)
.
حيث إن القصد من الزيارة كما سيأتي بيانه السلام على الميت، والدعاء له، والاعتبار والاتعاظ بالموت وتذكر الآخرة.
8 أن الاهتمام بالقبور كما جاء في الشرع بعدم الجلوس والمشي عليها، وعدم رمي النفايات، وليس بإحيائها بالبدع، كالبناء عليها واتخاذها مساجد.
المسألة الثانية: إحياء القبور والمشاهد باتخاذها معلمًا أثريًّا، ومزارًا سياحيًّا:
حكم هذه المسألة مترتب على حكم المسألة السابقة، إذ إن في إحياء القبور والمشاهد باتخاذها معلمًا أثريًّا، ومزارًا سياحيًّا يستلزم البناء عليها
(2)
وتسريجها هذا في أقل الأحوال، وقد بيّنت في المسألة السابقة بالأدلة ما يدل على تحريم البناء على القبور وتسريجها وغيرها من الوسائل الشركية التي تُفعل عند القبور، فاتخاذ القبور معلمًا أثريًّا فيه محذوران:
الأول: البناء على القبر وقد تقدم بيانه.
الثاني: إحياؤه بمخالفات شرعية كما سيأتي بيانه.
حيث إن إحياء القبور والمشاهد باتخاذها معلمًا أثريًّا، ومزارًا سياحيًّا مناقض لمقاصد الشريعة من جانبين:
1 أن فيه نوعًا من المباهاة والسمعة والفخر، والمقابر ليست موضعًا لذلك؛ لأن زينة الدنيا قد ارتفعت بالموت، والقبور من منازل الآخرة، ولا محل للمباهاة فيها
(3)
.
2 أن فيه مخالفة للصفة الشرعية الخاصة بزيارة قبور المسلمين؛ لأن زيارة المقبرة بغير قصد الاتعاظ داخل في النهي، وهو أمر محدث، غير مطلوب شرعًا
(4)
.
ومن أوجه تحريم اتخاذ القبور من المعالم الأثرية، والمزارات السياحية
(5)
:
1 أن الشريعة جاءت بمنع تعظيم القبور، وسد الذرائع المفضية لكل ما يحصل به تعظيمها، والبناء عليها وتجصيصها وإبرازها، وإيقاد السرج، لا ريب أن كل ذلك مفضٍ إلى تعظيمها.
(1)
يُنظر: زيارة القبور الشرعية والشركية، للبركوي (17).
(2)
يُنظر: أحكام الآثار في الفقه الإسلامي (1/ 325).
(3)
يُنظر: مواهب الجليل، للحطاب الرُّعيني (2/ 242)، منح الجليل شرح مختصر خليل، لمحمد عليش (1/ 517).
(4)
يُنظر: شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور، لمرعي الكرمي (25).
(5)
تمت الاستفادة في نقل أوجه التحريم من أحكام الآثار في الفقه الإسلامي (1/ 323 - 330).
2 مناقض لمقاصد الشريعة في زيارة القبور من جانبين، كما ذكرت آنفًا.
3 لن يسلم القبر لكونه مزارًا أثريًّا من البناء عليه وتزيينه، ورفعه وإبرازه، وتسريجه، والكتابة عليه، وهذا يناقض الصفة الشرعية للقبر.
4 أنه وسيلة للغلو في المقبور، وذريعة للوقوع في البدع والشركيات، كما هو مُشاهد وماثل للعيان عند كثير من القبور والمشاهد.
5 أنه يفضي إلى اتخاذها عيدًا، بالاجتماع إليها، أو تكرار الزيارة لها
(1)
.
6 أنه تشبه بالمشركين من أهل الجاهلية، وبالكفار من أهل الكتاب
(2)
.
7 أنه يفضي إلى الإسراف وإضاعة المال؛ بلا مبرر له، ولا مصلحة
(3)
.
(1)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 272 - 275)، المُشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية، لمحمد المعصومي الحنفي (11 - 12).
(2)
يُنظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر، للهيتمي (1/ 273).
(3)
يُنظر: المرجع السابق.
وبهذا يتبين حرمة اتخاذ القبر معلمًا أثريًّا، وأبرز أوجه التحريم في ذلك: مخالفة القبر للصفة الشرعية، ومخالفة الزيارة لمقاصد الشريعة.
وأما بالنسبة لزيارة الرجال للقبور، في حال انتفاء الصفة الشرعية للقبور بالبناء عليها، وحصول المنكرات التي يصل بعضها إلى الشرك بالله، فتُمنع الزيارة شرعًا لا لتحريم أصل الزيارة؛ وإنما الحرمة عارضة لما صحب القبر من مظاهر شركية وتصرفات بدعية، ويستثنى من ذلك من يزورها؛ مُنكرًا ولديه القدرة الشرعية على تغيير المنكر أو إزالته كما سياتي آنفًا بيانه بالتفصيل.
المسألة الثالثة: حكم إحياء القبور والمشاهد بالزيارة:
يختلف حكم زيارة القبور والمشاهد باختلاف هيئة المكان الذي لا يخرج عن حالين:
أ القبور الشرعية، التي لا بناء عليها، ولا يزيد فيها ارتفاع القبر عن الأرض نحو شبرين.
ب المشاهد البدعية، المبني عليها المسجد أو القبة أو الفسطاط
(1)
أو الخباء
(2)
، وغيرها من الأبنية
(3)
.
أ حكم زيارة القبور الشرعية:
ورد النهي عن زيارة القبور في أول الإسلام ثم أُذن بالزيارة؛ وقد علل بعض العلماء ذلك بأنه من باب سد ذريعة الشرك؛ لكون المسلمين حديثي عهد بالكفر، ثم لما تمكّن التوحيد في قلوبهم، أُذن لهم بالزيارة مع التحلي بآدابها، والتقيّد بضوابطها حتى لا تتعلق القلوب بالقبور وأهلها؛ فيقع الغلو
(1)
الفسطاط: بيت من الشعر، وهو ضرْب مِنَ ضروب الأَبنية. يُنظر: لسان العرب (7/ 371)، المصباح المنير، للفيومي (2/ 472).
(2)
الخباء: ما يعمل من وبر أو صوف أو شعر، ويكون على عمودين أو ثلاثة وما فوق ذلك فهو بيت. يُنظر: المصباح المنير، للفيومي (1/ 163).
(3)
يُنظر: أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية (186 - 197)، بدع القبور (178 - 186).
والشرك بالله تعالى
(1)
.
فالنهي جاء أولاً عن زيارة الرجال والنساء جميعًا، ثم جاءت الرخصة لهم في الزيارة رجالاً ونساء، ثم استقر المنع للنساء وبقي الإذن للرجال؛ لأن النساء لا يصبرن عند زيارة القبور وقد يجزعن بتذكرهن للميت، فكان من حكمة الله أن منعهن من زيارة القبور لئلا يَفتتنّ بالجزع أو يُفتتن بهن
(2)
.
فزيارة القبور في حق النساء محرم مطلقًا على الراجح؛ لأن المنع في حقهن ثابت تحريمه بالأدلة
(3)
.
لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَعَنَ اللهُ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ»
(4)
، وفي رواية:
(1)
يُنظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 361)، المجالس الأربعة من مجالس الأبرار، لأحمد الرومي (386)، المُشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية، لمحمد المعصومي الحنفي (4)، الصارم المنكي في الرد على السبكي، لمحمد بن عبد الهادي الحنبلي (322 - 323).
(2)
يُنظر: شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور، لمرعي الكرمي (25)، مجموع فتاوى ومقالات ابن باز [ط: الرئاسة العامة] (28/ 111 - 112).
(3)
لمعرفة المزيد من الأدلة وأقوال الأئمة والفقهاء في تحرير حكم المسألة بالتفصيل راجع لطفًا: كشف السُتور في نهي النساء عن زيارة القبور، لحماد الأنصاري (30 - 49)، بدع القبور، لصالح العصيمي (295 - 314)، أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية، لعبد الله السحيباني (269 - 284)، منهج الإمام الشافعي في إثبات العقيدة (277).
(4)
أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الجنائز وما يتعلق بها مقدمًا أو مؤخرًا، ذكر لعن المصطفى صلى الله عليه وسلم المتخذات المساجد والسرج على القبور (7/ 452/ ح 3179)، وأيضًا (7/ 453/ ح 3180 - 3185)، والحاكم في مستدركه، كتاب الجنائز، الأمر بخلع النعال في القبور (1/ 374/ ح 1388)، والنسائي في المجتبى، كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور (1/ 420/ ح 1/ 2042)، والنسائي في الكبرى، كتاب الجنائز، التغليظ في اتخاذ السرج على القبور (2/ 469/ ح 2181)، وأبو داود في سننه، كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور (3/ 212/ ح 3236)، والترمذي في جامعه، أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدًا (1/ 352/ ح 320)، وابن ماجه في سننه، أبواب الجنائز، باب ما جاء فِي النهي عن زيارة النساء القبور (2/ 514/ ح 1575)، والبيهقي في سننه، الكبير، كتاب الجنائز، باب ما ورد في نهيهن عن زيارة القبور (4/ 78/ ح 7305 - 7306)، وأحمد في مسنده، مسند بني هاشم رضي الله عنهم، مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 507/ ح 2058)، وأيضًا في نفس مسند بني هاشم رضي الله عنهم تكرر بأسانيد مختلفة:(2/ 635/ ح 2646)، (2/ 718/ ح 3032)، (2/ 748/ ح 3179)، وابن أبي شيبة في مصنفه، من أبواب صلاة التطوع، في الصلاة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإتيانه (5/ 181/ ح 7631)، وأيضًا كتاب الجنائز، من كره زيارة القبور (7/ 370/ ح 11936)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في لعنه زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج (12/ 178/ ح 4741)، وأيضًا (12/ 179/ ح 4742)، والطبراني في الكبير، باب العين، أبو صالح عن ابن عباس (12/ 148/ ح 12725).
صححه ابن حبان في البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير (5/ 345)، وأيضًا أبو العباس الأنصاريُّ القرطبيُّ في المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (2/ 632)، وحسنه الترمذي في جامعه (1/ 352/ ح 320)، وأيضًا مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال (2/ 345)، وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: حسن وفي بعض النسخ صحيح. يُنظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/ 397).
«لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ»
(1)
، واللعن على الفعل من أدّل الأدلة على تحريمه
(2)
.
وأما الرجال يستحب لهم زيارة القبور على قول جمهور الفقهاء
(3)
، والدليل على ذلك:
1 قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا
…
»
(4)
.
2 فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما زار: قبر أمه
(5)
، وشهداء أُحد
(6)
، ومقبرة
(1)
أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب الجنائز، الرخصة في زيارة القبور (1/ 374/ ح 1389)، وابن ماجه في سننه، أبواب الجنائز، باب ما جاء فِي النهي عن زيارة النساء القبور (2/ 514/ ح 1574)، والبيهقي في سننه الكبير، كتاب الجنائز، باب ما ورد في نهيهن عن زيارة القبور (4/ 78/ ح 7304)، وأحمد في مسنده، مسند المكيين رضي الله عنهم، حديث حسان بن ثابت رضي الله عنه (6/ 3338/ ح 15897)، صححه الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 554/ ح 1770).
(2)
يُنظر: تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم (1551).
(3)
يُنظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم الحنفي (2/ 210)، بلغة السالك لأقرب المسالك، للصاوي المالكي (1/ 563)، المهذب في فقه الإمام الشافعي، لأبي إسحاق الشيرازي (1/ 139)، زاد المستقنع في اختصار المقنع، للحجاوي (72)، شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور، لمرعي الكرمي (25).
قال النووي رحمه الله: اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب للرجال زيارة القبور وهو قول العلماء كافة، ونقل العبدري فيه إجماع المسلمين. يُنظر: المجموع شرح المهذب (5/ 310).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل فِي زيارة قبر أمه (3/ 65/ ح 977).
قال النووي رحمه الله: هذا من الأحاديث التي تجمع الناسخ والمنسوخ، وهي صريحة في نسخ نهي الرجال عن زيارتها، وأجمعوا على أن زيارتها سُنَّة لهم. يُنظر: شرح صحيح مسلم (7/ 46 - 47).
(5)
يُنظر: إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل فِي زيارة قبر أمه (3/ 65/ ح 976).
(6)
يُنظر: إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد (2/ 91/ ح 1344)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الجنائز وما يتعلق بها مقدمًا أو مؤخرًا، (7/ 474/ ح 3199).
بقيع الغرقد
(1)
.
والزيارة الشرعية للمقابر يقصد بها أمران:
أ أمر يتعلق بالميت؛ بالسلام عليه، والدعاء له، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه رضي الله عنهم عند زيارة القبور، أن يقولوا:«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ»
(2)
.
ب أمر يتعلق بالحي الزائر؛ باتباع السُّنَّة، وامتثال قول النبي صلى الله عليه وسلم:«فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ»
(3)
، فزيارتها؛ للاتعاظ والاعتبار، وتذكّر الموت والآخرة، وللتنبيه على أنه لا بقاء لأحد من المخلوقين، ولو كان نبيًّا أو وليًّا.
وهذا سرّ الترغيب في زيارة القبور لا غير، فمن اعتقد غير ذلك فقد خالف الله جل جلاله ورسوله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
وأما عن حكم زيارة المسلم للقبور، وبيان ما يحصل فيها من أمور، فالزيارة على ثلاثة أحوال:
(5)
1 شرعية. 2 بدعية. 3 شركية.
الحالة الأولى: الزيارة الشرعية: هي الزيارة التي أذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم للمسلم بأن يزور فيها القبور، مع الالتزام بالضوابط الشرعية؛ حسمًا لذرائع الشرك، وحفاظًا على جناب التوحيد، والتحلي بالآداب المرعية؛ لأن لقبور المسلمين حرمة، إذ هي بيت الميت
(6)
؛ لأجل ذلك فرض الشرع آداب لا بد من التحلي بها أثناء الزيارة، وضوابط يجب الالتزام بها قبل الزيارة.
(1)
يُنظر: إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (3/ 63/ ح 974).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (3/ 64/ ح 975).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل فِي زيارة قبر أمه (3/ 65/ ح 976).
(4)
يُنظر: المُشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية، لمحمد المعصومي الحنفي (5).
(5)
يُنظر: تيسير العزيز الحميد (297 - 306)، أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة (52 - 55).
(6)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 176).
ومن الضوابط الشرعية التي يجب على المسلم الالتزام بها قبل الزيارة، ما يلي:
1 أن لا يُتخذ القبر عيدًا سواء بالاجتماع إليه، أو اعتياد المجيء إليه بتكرار الزيارة
(1)
، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا
…
»
(2)
، وفي رواية:«لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا»
(3)
.
فاتخاذ القبر مسجدًا وموسمًا، وعيدًا من الأعياد، تُشدّ الرحال إليه، كما تشد الرحال للمساجد الثلاثة من أشدّ البدع الموصلة إلى الشرك
(4)
.
2 أن لا يشد الرحال لزيارة القبور
(5)
؛ لعدم جواز شد الرحال إلا للمساجد الثلاثة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى»
(6)
.
ومن المهم التنبيه إلى ما يفعله بعض الناس من شد الرحال إلى قبور بعض الأنبياء على حد زعمهم في أيام معلومة، فهو خطأ ظاهر من وجهين:
1 أن كل القبور المضافة إلى الأنبياء عليهم السلام لا يصح منها شيء، إلا قبر نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة النبوية، والخلاف قائم في قبر إبراهيم عليه السلام، إذ لم يرد في تحديده خبر صحيح
(7)
.
(1)
يُنظر: المُشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية، لمحمد المعصومي الحنفي (11 - 12).
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب زيارة القبور (2/ 169/ ح 2042)، والطبراني في الأوسط، باب الميم، موسى بن هارون (8/ 81/ ح 8030)، وحكم عليه الألباني بالصحة، وقال على سند رواية أبي داود: إسناده صحيح، وكذا قال الحافظ، وحسنه ابن القيم. يُنظر: تهذيب سنن أبي داود (6/ 282).
(3)
أخرجه أحمد في مسنده، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (2/ 1848/ ح 8926)، وأبو يعلى في مسنده، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1/ 361/ ح 469)، وحكم الألباني على سند رواية الإمام أحمد بقوله: إسناده حسن، وهو على شرط مسلم، وهو صحيح. يُنظر: أحكام الجنائز (1/ 219).
(4)
يُنظر: المُشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية، لمحمد المعصومي الحنفي (39).
(5)
يُنظر: شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور، لمرعي الكرمي (25).
(6)
سبق تخريجه راجع فضلاً (116).
(7)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/ 445 - 446).
وغاية ما روي في ذلك آثار معضلات، بأسانيد واهيات،
…
فلا يلتفت إليها، وإن ساقها بعض المبتدعة مساق المسلمات
(1)
.
إذ إن ليس في معرفة قبور الأنبياء عليهم السلام بأعيانها فائدة شرعية، وليس حفظ ذلك من الدين ولو كان من الدين لحفظه الله كما حفظ سائر الدين وذلك أن عامة من يسأل عن ذلك إنما قصده الصلاة عندها والدعاء بها ونحو ذلك من البدع المنهي عنها
(2)
.
2 أنه لا يجوز شد الرحال لأي قبر كان، استنادًا على الدليل المذكور آنفًا ومن المعلوم أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم أشرف القبور بلا ارتياب، إذ هو صلى الله عليه وسلم أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، وأفضل بني البشر على الإطلاق، ومع ذلك يُزار قبره كما تُزار بقية القبور؛ للسلام، وللاتعاظ والاعتبار، وتذكر الموت
(3)
.
فإذا كان هذا ما يفعله المسلم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقبر غيره من الصالحين أولى وأحرى.
ومن المنهيات التي يجتنبها الزائر للقبور، ما يلي:
(4)
أ الجلوس أو الاتكاء على القبر.
ب المشي عليه أو وطئه.
ج الحديث في أمر الدنيا.
د رفع الصوت، أو أذيتهم بالأقوال القبيحة، والأفعال الخبيثة.
هـ رمي النفايات، أو شيء من النجاسات.
(1)
تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، للألباني (101).
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/ 444).
(3)
يُنظر: المُشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية، لمحمد المعصومي الحنفي (5).
(4)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 176)، شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور، لمرعي الكرمي (25)، أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية (405 - 432).
وما ورد من المنهيات يدل على تمام محاسن الشريعة الإسلامية ومظاهر كمالها، في
(1)
:
1 إكرام منازل الموتى.
2 احترام الميت المسلم في قبره بمنزلة احترامه في داره التي يسكنها في الدنيا؛ لأن القبور هي ديار الموتى ومنازلهم.
فليس في الزيارة الشرعية تعظيم للمقبور، ولا حاجة الزائر للميت، ولا سؤاله، ولا توسله به؛ بل فيها منفعة الحي للميت بالدعاء له، والترحّم عليه
(2)
، وهذا عكس ما يحصل في الزيارة الشركية والبدعية.
الحالة الثانية: الزيارة البدعية: هي قصد القبور والمشاهد؛ لأجل الصلاة والدعاء لله عندها، رجاء الإجابة والقربة لله وهي: بدعة باتفاق الأئمة،
…
ويحرم بلا نزاع
(3)
، وكذلك التقبيل والتمسح بها، والتوسل إلى الله بجاه الميت، وغيرها من الأمور التي تحرم وتخل بآداب وضوابط الزيارة الشرعية السابق ذكرها
(4)
.
الحالة الثالثة: الزيارة الشركية: هي قصد القبور والمشاهد؛ لأجل التقرّب إلى أصحابها المقبورين بأنواع العبادات؛ كالطواف حولها، والالتجاء إلى الميت، والاستغاثة والاستعانة به؛ لقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وغير ذلك من الأمور التي كان عُبّاد الأوثان يطلبونها من أوثانهم
(5)
، وهذه الزيارة الشركية نتيجة الغلو الذي حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته
(6)
.
(1)
يُنظر: أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية (406).
(2)
يُنظر: زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور، لابن تيمية (16)، الصارم المنكي في الرد على السبكي، لمحمد بن عبد الهادي الحنبلي (126).
(3)
الفروع، لابن مفلح (3/ 229)، ويُنظر: الرد على البكري، لابن تيمية (1/ 146).
(4)
يُنظر: أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة (52 - 55)، مجموع ابن سعدي في العقيدة والمنهج (641).
(5)
يُنظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم (2/ 1057)، زيارة القبور الشرعية والشركية، للبركوي (33)، مجموع ابن سعدي في العقيدة والمنهج (642)، أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة (52 - 55).
(6)
يُنظر: غربة الإسلام، لحمود التويجري (2/ 871).
أما عن زيارة القبور للفرجة، والاطلاع، والتنزه فأمر مُحدثٌ غير مطلوب شرعًا
(1)
، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد زيارة قبر أمه قال صلى الله عليه وسلم:«اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ»
(2)
.
فالتذكر والاتعاظ بالموت هو المقصد الشرعي من زيارة المقابر، وأما قصد زيارة القبور؛ للفرجة والتنزّه، فهي زيارة تناقض وتعارض المقصد الشرعي لزيارة القبور وتنافيه.
ب حكم زيارة المشاهد البدعية:
تقدّم تقرير استحباب زيارة الرجال للقبور، ولكن إذا انتفت الصفة الشرعية للقبور بالبناء عليها، وحصلت المنكرات التي يصل بعضها إلى الشرك بالله، تمنع الزيارة شرعًا ليس لتحريم أصل الزيارة؛ وإنما لأجل الحرمة العارضة لما يصحب القبر من مظاهر شركية وتصرفات بدعية، ويستثنى من ذلك من يزورها مُنكرًا؛ وتكون لديه القدرة الشرعية على تغيير المنكر أو إزالته.
ومن أوجه تحريم زيارة المشاهد البدعية، ما يلي:
1 أن البناء على القبور محرمٌ شرعًا باتفاق الأئمة كما سبق بيانه، وما كان محرمٌ في نفسه حرم النظر إليه كما قرر ذلك الفقهاء
(3)
.
(1)
يُنظر: شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور، لمرعي الكرْمي (25).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل فِي زيارة قبر أمه (3/ 65/ ح 976).
(3)
الذين صرحوا بتحريم الفرجة على المُحرّم:
1 الحنفية: يُنظر: حاشية ابن عابدين (6/ 354).
2 المالكية: يُنظر: مواهب الجليل، للحطاب الرُّعيني (4/ 4)، الشرح الكبير، للدردير (2/ 338).
3 الشافعية: الفتاوى الحديثية، لابن حجر الهيتمي (87)، إعانة الطالبين، للبكري (3/ 412).
بينما نص الحنابلة على أنه إذا دعي مسلم لموضع فيه منكر، ولا يقدر على تغييره، فإنه يحرم عليه الحضور؛ وعللوا ذلك بتحريم مشاهدة المنكر. يُنظر: المبدع في شرح المقنع، لأبي إسحاق (6/ 238).
وقال ابن مفلح رحمه الله: يحرم النظر إلى الحرير، وأواني الذهب والفضة إن دعت إلى حب التزين بها والمفاخرة. الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 519).
وقال الحلبي رحمه الله: وكل ما حَرُمَ، حَرُمَ التفرّج عليه؛ لأنه إعانة على المعصية. حاشية الشرواني على تحفة المحتاج في شرح المنهاج (10/ 221).
وأيضًا رؤية المنكر كسماعه، فكما يحرم سماع المنكر فكذلك رؤيته
(1)
، وعليه يحرم حضور المكان الذي فيه منكر وهذا من أشنع المنكرات المتعلقة بالشرك ووسائله
(2)
.
2 تحرم زيارة المشاهد؛ لما يصاحبها من رؤية المنكرات التي قد يصل بعضها إلى الشرك الأكبر، وحرمة الزيارة ليس لذاتها؛ وإنما عارضة
(3)
لما تخلل المكان من وجود وسائل شركية، وكذلك ما يصدر من الزوار من تصرفات بدعية.
3 زيارة المشاهد فيه تكثير لسواد عبّاد القبور المشركين، وما يميز أهل الحق عن أهل الباطل اختلاف السبل، كما قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *} [يوسف]. ومن زار المشاهد من غير حاجة إلا لتكثير سواد أهله ولم يفعل ما يوجب الشرك فهو عاصٍ
(4)
.
4 يُخشى من زيارة المشاهد الفتنة من جهتين:
1 افتتان غيره بزيارته خصوصًا إذا كان قدوة؛ لتأسي الجهال به، وجعل فعله عرضه لفسادهم
(5)
.
2 فتنة للزائر نفسه لما يرى، وقد يستنكر في بداية الرؤية ثم مع الوقت يصبح لا يتمعر قلبه من المنكرات؛ لأن القلب إذا كان نقيًّا ضج لحدوث المنكر، فإذا تكرر مر عليه ولم ينكر، فيصبح بليد الطبع لا ينفر
(6)
.
(1)
يُنظر: المغني، لابن قدامة (7/ 285).
(2)
يُنظر: شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور، لمرعي الكرمي (25).
(3)
يُنظر: مدارج السالكين، لابن القيم (1/ 372).
(4)
يُنظر: حكم السُّنَّة والكتاب في الزوايا والقباب، لأبي زيد النتيفي البيضاوي (95).
(5)
يُنظر: حكم السُّنَّة والكتاب في الزوايا والقباب (95).
(6)
يُنظر: اللطائف، لابن الجوزي (51).
كما نبه المحدّث ابن النحاس رحمه الله إلى ذلك بقوله: قد تقوم كثرة رؤية المنكرات مقام ارتكابها في سلب القلب نور التمييز والإنكار؛ لأن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها، وتكرر في العين شهودها، ذهبت عظمتها من القلوب شيئًا فشيئًا، إلى أن يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكرات، ولا يميز بفكره أنها معاصٍ؛ لما أحدث تكرارها من تأليف القلب لها
(1)
.
5 يحرم زيارة المشهد الذي فيه وثن من أوثان الجاهلية يعبد، أو عيد من أعيادها قطعًا، والدليل على ذلك: لما نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوَانَةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوَانَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» قَالُوا: لَا. قَالَ: «هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟» قَالُوا: لَا. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا لا يَمْلِكُ ابن آدَمَ»
(2)
.
تلخيص أحكام الزيارة:
من العرض السابق يتبين أن أحكام زيارة الرجال للقبور لا تخرج عن ثلاثة أحوال، وهي
(3)
:
1 زيارة القبور الشرعية؛ للاتعاظ والاعتبار، وللسلام على الموتى، والدعاء لهم؛ اتباعًا للسُّنَّة النبوية، وهي الزّيارة الشرعيّة للقبر فاعلها مثاب، إذا كانت زيارته خالصةً صوابًا
(4)
.
2 زيارة القبور والمشاهد؛ للتقرب إلى الله بالموتى، واتخاذهم أسبابًا، والدعاء بهم؛ وهي الزّيارة البدعية، فاعلها فاسق مستحق للمقت والعقوبة من الله تعالى، ولكن لا يخرج عن دائرة الإسلام، وفعله ذريعة إلى الشرك
(5)
.
(1)
يُنظر: تنبيه الغافلين، لابن النحاس (105).
(2)
سبق تخريجه راجع فضلاً (90).
(3)
يُنظر: تجريد التوحيد المفيد، للمقريزي (20).
(4)
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: الخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السُّنَّة. يُنظر: إعلام الموقعين، لابن القيم (3/ 435).
(5)
يُنظر: أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة، لأحمد النجمي (52 - 55).
3 زيارة القبور والمشاهد؛ للتقرّب إلى الموتى، ودعائهم والاستغاثة بهم؛ لقضاء الحوائج، والتوسل إلى المقبور بطلب ما لا يقدر عليه إلا الله جل جلاله، وهي الزّيارة الشركية، فاعلها خارج عن الإسلام؛ لنقضه توحيد الألوهية والربوبيّة، وارتكابه الشرك الأكبر الذي يكفر صاحبه
(1)
.
ومن جملة ما قاله الأئمة الأعلام حول تحريم إحياء آثار القبور بالبناء والتجصيص أو الكتابة أو إيقاد السرج، وتعظيمها بالزيارة والإفراط في ذلك، والذي يؤكد ما تقدم من أوجه التحريم وتقرير المنع ما يلي:
1 نقل الحافظ محمد بن الحسن رحمه الله (ت: 189 هـ) عن الإمام أبو حنيفة رحمه الله (ت: 150 هـ) قال: لا نرى أن يزاد على ما خرج من القبر، ونكره أن يجصص أو يطين أو يجعل عنده مسجد، أو عَلَمٌ، أو يكتب عليه، ونكره الآجر أن يبنى به أو يدخل القبر
…
، وهو قول أبو حنيفة رحمه الله
(2)
.
2 قال الإمام مالك رحمه الله (ت: 179 هـ): أكره تجصيص القبور التي هي من أعظم الوسائل إلى الشرك
(3)
.
3 قال الإمام الشافعي رحمه الله (ت: 204 هـ): أحب أن لا يبنى [القبر] ولا يجصص، فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء، وليس الموت موضع واحد منهما، ولمْ أرَ قبور المهاجرين والأنصار مجصصة
…
وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها، فلم أر الفقهاء يعيبون ذلك
…
(4)
.
4 قال الحافظ النووي رحمه الله (ت: 676 هـ): واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر سواء كان الميت مشهورًا بالصلاح أو غيره لعموم الأحاديث، قال الشافعي والأصحاب: وتكره الصلاة إلى القبور سواء كان الميت صالحًا أو غيره
(5)
.
(1)
يُنظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (2/ 24).
(2)
الآثار (2/ 190).
(3)
المدونة الكبرى (1/ 263).
(4)
الأم (1/ 316).
(5)
المجموع شرح المهذب (5/ 316).
5 ونقل مذهب الإمام أحمد رحمه الله (ت: 241 هـ) العلامة الفقيه ابن قدامة المقدسي رحمه الله (ت: 620 هـ) قال: ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور
…
ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله؛ ولأن فيه تضييعًا للمال في غير فائدة، وإفراطًا في تعظيم القبور أشبه تعظيم الأصنام، ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور،
…
ولأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب إليها وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها
(1)
.
6 علّق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ت: 728 هـ) على إطلاق لفظ الكراهة في أقوال الأئمة بقوله: فأما بناء المساجد على القبور فقد صرح عامة علماء الطوائف بالنهي عنه، متابعة للأحاديث، وصرح أصحابنا وغيرهم، من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما، بتحريمه، ومن العلماء من أطلق فيه لفظ الكراهة. فما أدري عنى به التحريم، أو التنزيه؟ ولا ريب في القطع بتحريمه
(2)
ثم ساق الأدلة رحمه الله.
وقال رحمه الله مستنكرًا ما يُبنى على القبور: وما أحدث في الإسلام من المساجد والمشاهد على القبور والآثار، فهو من البدع المحدثة في الإسلام من فعل من لم يعرف شريعة الإسلام، وما بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم من كمال التوحيد وإخلاص الدين لله وسد أبواب الشرك التي يفتحها الشيطان لبني آدم؛ ولهذا يوجد من كان أبعد عن التوحيد وإخلاص الدين لله ومعرفة دين الإسلام هم أكثر تعظيمًا لمواضع الشرك فالعارفون بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أولى بالتوحيد وإخلاص الدين لله، وأهل الجهل بذلك أقرب إلى الشرك والبدع
(3)
.
وقال رحمه الله: ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك [تعظيم المشاهد] شيء في بلاد الإسلام لا في الحجاز ولا اليمن ولا الشام ولا العراق ولا مصر ولا خراسان ولا المغرب ولم يكن قد أحدث مشهد لا
(1)
المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل (2/ 382).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 184).
(3)
مجموع الفتاوى (17/ 497).
على قبر نبي ولا صاحب ولا أحد من أهل البيت ولا صالح أصلاً؛ بل عامة هذه المشاهد محدثة بعد ذلك.
وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس وتفرقت الأمة، وكثر فيهم الزنادقة الملبسون على المسلمين وفشت فيهم كلمة أهل البدع، وذلك من دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة.
فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القداحية بأرض المغرب، ثم جاءوا بعد ذلك إلى أرض مصر. ويقال: إنه حدث قريبًا من ذلك: المكوس في الإسلام. وقريبًا من ذلك ظهر بنو بويه.
وكان في كثير منهم زندقة وبدع قوية. وفي دولتهم قوي بنو عبيد القداح بأرض مصر وفي دولتهم أظهر المشهد المنسوب إلى علي رضي الله عنه بناحية النجف وإلا فقبل ذلك لم يكن أحد يقول: إن قبر علي رضي الله عنه هناك!
(1)
.
وقال رحمه الله: الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالقيام بحقوق الله وحقوق عباده، بأن يعبدوا الله لا يشركوا به شيئًا.
ومن عبادته الإحسان إلى الناس حيث أمرهم الله سبحانه به كالصلاة على الجنائز وكزيارة قبور المؤمنين.
فاستحوذ الشيطان على أتباعه فجعل قصدهم بذلك الشرك بالخالق وإيذاء المخلوق، فإنهم إذا كانوا إنما يقصدون بزيارة قبور الأنبياء والصالحين سؤالهم أو السؤال عندهم أو بهم، لا يقصدون السلام عليهم ولا الدعاء لهم كما يقصد بالصلاة على الجنائز كانوا بذلك مشركين، وكانوا مؤذين ظالمين لمن يسألونه، وكانوا ظالمين لأنفسهم. فجمعوا بين أنواع الظلم الثلاثة
(2)
.
وقال أيضًا رحمه الله واصفًا حال من افتتن بالقبور والمشاهد: وأقل ما صار شعارًا لهم تعطيل المساجد، وتعظيم المشاهد، فإنهم يأتون من تعظيم المشاهد، وحجها والإشراك بها ما لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا أحد من
(1)
مجموع الفتاوى (27/ 466).
(2)
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (1/ 76).
أئمة الدين؛ بل نهى الله عنه ورسوله: عباده المؤمنين.
وأما المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فيخربونها
…
ولا يصلون جمعة ولا جماعة
(1)
.
وقال رحمه الله: وكل ما عُظّم بالباطل من مكان أو زمان أو شجر أو بنية؛ يجب قصد إهانته، كما تهان الأوثان المعبودة
(2)
.
وعلّق رحمه الله على ما يعتقده عبّاد القبور من غلوهم في المقبورين قائلاً: منهم من ينسب إلى أحد هؤلاء ما لا تجوز نسبته إلى أحد من البشر مثل دعوى بعضهم أن الغوث، أو القطب هو الذي يمد أهل الأرض في هداهم، ونصرهم، ورزقهم، فإن هذا لا يصل إلى أحد من أهل الأرض إلا بواسطة نزوله على ذلك الشخص، وهذا باطل بإجماع المسلمين، وهو من جنس قول النصارى في الباب.
وكذلك ما يدعيه بعضهم من أن الواحد من هؤلاء قد يعلم كل ولي لله كان، ويكون، واسمه، واسم أبيه، ومنزلته من الله، ونحو ذلك من المقالات الباطلة، التي تتضمن أن الواحد من البشر يشارك الله في بعض خصائصه مثل أنه بكل شيء عليم، أو على كل شيء قدير، ونحو ذلك.
كما يقول بعضهم في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي شيوخه: إن علم أحدهم ينطبق على علم الله، وقدرته منطبقة على قدرة الله، فيعلم ما يعلمه الله، ويقدر على ما يقدر الله عليه!
(3)
.
7 إنكار الحافظ الذهبي رحمه الله (ت: 748 هـ) على الحاصل من الأعمال الشركية عند قبر نفيسة في مصر بقوله: ولجهلة المصريين فيها اعتقاد يتجاوز الوصف، ولا يجوز مما فيه من الشرك، ويسجدون لها، ويلتمسون منها المغفرة، وكان ذلك من دسائس دعاة العبيدية
(4)
.
8 وكذلك أنكر الحافظ ابن كثير رحمه الله (ت: 774 هـ) على غلو العوام في
(1)
مجموع الفتاوى (4/ 518) بتصرف يسير.
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 335).
(3)
يُنظر: منهاج السُّنَّة النبوية (1/ 95 - 96).
(4)
يُنظر: سير أعلام النبلاء (10/ 106).
قبر نفيسة لما ترجم لها قال رحمه الله: بالغ العامة في اعتقادهم فيها، وفي غيرها كثيرًا جدًّا، ولا سيما عوام مصر، فإنهم يطلقون فيها عبارات بشعة فيها مجازفة تؤدي إلى الكفر والشرك، وألفاظًا كثيرة ينبغي أن يعرفوا أنها لا تجوز إطلاقها في مثل أمرها
…
والذي ينبغي أن يعتقد فيها ما يليق بمثلها من النساء الصالحات.
وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام، ومن زعم أنها تفك من الخشب أو أنها تنفع أو تضر بغير مشيئة الله فهو مشرك
(1)
.
9 وقال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله (ت: 751 هـ): حكمُ المشاهد التي بُنيت على القبور التي اتُّخِذَت أوثانًا وطواغيت تُعبد من دون الله، والأحجار التي تُقصد للتعظيم والتبرك، والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القُدرة على إزالته، وكثير منها بمنزلة اللات والعُزَّى، ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركًا عندها، وبها، والله المستعان
(2)
.
وقال رحمه الله: ومن أعظم مكايده [إبليس] التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يُرد الله فتنته: ما أوحاه قديمًا وحديثًا إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور، حتى آل الأمر فيها إلى أن عبد أربابهُا من دون الله، وعُبِدتْ قبورهم، واتُّخِذت أوثانًا، وبُنيت عليها الهياكل، وصُوّرت صورُ أربابها فيها، ثم جعلت تلك الصور أجسادًا لها ظلٌّ، ثم جُعلت أصنامًا، وعُبدت مع الله.
وكان أول هذا الداء العظيم في قوم نوح عليه السلام كما أخبر سبحانه عنهم في كتابه، حيث يقول:{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا *وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا *وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا *وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلَالاً *} [نوح]
…
قال غير واحد من السلف: كان هؤلاء قومًا صالحين في قوم نوح عليه السلام، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوّروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمَدُ فعبدوهم
(3)
.
(1)
البداية والنهاية (10/ 703).
(2)
زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 443).
(3)
سبق تخريجه (12).
فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل، وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها: أن أمّ سَلَمَة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كَنِيسة رأتها بأرضِ الحبشة يقال لها: ماريةُ، فذكرتْ له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح؛ بَنَوْا على قَبره مسْجدًا، وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله»
(1)
…
فجمع في هذا الحديث بين التماثيل والقبور
(2)
.
وقال رحمه الله: ولا تحسبْ أيّهُا المُنْعَمُ عليه باتباع صراط الله المستقيم، صراط أهل نعمته ورحمته وكرامته أن النهي عن اتخاذ القبور أوثانًا وأعيادًا وأنصابًا، والنهي عن اتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها، وإيقاد السُّرج عليها، والسفر إليها، والنذر إليها، واستلامها، وتقبيلها، وتعْفِير الجِباه في عَرَصاتها: غَضٌّ من أصحابها، ولا تنقيصٌ لهم، كما يحسبه أهل الإشراك والضلال؛ بل ذلك من إكرامهم، وتعظيمهم، واحترامهم، ومتابعتهم فيما يُحبونه، وتجنُّب ما يكرهونه، فأنت والله وليُّهم ومُحِبّهم، وناصر طريقتهم وسُنَّتهم، وعلى هَدْيهم ومنهاجهم، وهؤلاء المشركون أعصَى الناس لهم، وأبعدهم من هَدْيهم ومتابعتهم، كالنصارى مع المسيح عليه السلام، واليهود مع موسى عليه السلام، والرافضة مع علي رضي الله عنه.
فأهل الحق أوْلىَ بأهل الحق من أهل الباطل، فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض، والمنافقون بعضهم من بعض.
فاعلم أن القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن، فتجد أكثر هؤلاء العاكفين على القبور معرضين عن طريقة من فيها وهديه وسُنَّته، مشتغلين بقبره عما أمر به ودعا إليه! وتعظيم الأنبياء والصالحين ومحبتهم إنما هو باتباع ما دعوا إليه من العلم النافع والعمل الصالح، واقتفاء آثارهم، وسلوك طريقتهم، دون عبادة قبورهم، والعكوف عليها، واتخاذها أعيادًا.
(1)
تقدّم تخريجه راجع فضلاً (302).
(2)
إغاثة اللهفان (1/ 330 - 333).
فإن من اقتفى آثارهم كان متسببًا إلى تكثير أجورهم؛ باتباعه لهم، ودعوته الناس إلى اتباعهم، فإذا أعرض عما دعوا إليه، واشتغل بضده، حرم نفسه وحرمهم ذلك الأجر، فأي تعظيم لهم واحترام في هذا
(1)
.
10 وردّ الأمير الصنعاني (ت: 1182 هـ) رحمه الله على من يحتج بفعل الكثرة في إحياء الشرك ووسائله عند القبور والمشاهد قائلاً: فإن قلتَ: هذا أمرٌ عَمَّ البلادَ، واجتمعت عليه سكان الأغوار والأنجاد، وطبَّق الأرض شرقًا وغربًا، ويَمنًا وشامًا، وجنوبًا وعَدَنًا، بحيث لا تجدُ بلدةً من بلاد الإسلام إلاَّ وفيها قبور ومشاهد وأحياء، يعتقدون فيها ويعظِّمونها وينذرون لها، ويهتفون بأسمائها ويحلفون بها، ويطوفون بفناء القبور، ويُسرجونها ويلقون عليها الأوراد والرياحين، ويُلبسونها الثياب، ويصنعون كلَّ أمر يقدرون عليه من العبادة لها، وما في معناها من التعظيم والخضوع والخشوع والتذلُّل والافتقار إليها.
بل هذه مساجد المسلمين غالبُها لا يخلو عن قبر أو قريب منه، أو مَشهد يقصده المصلُّون في أوقات الصلاة، يَصنعون فيه ما ذكِر أو بعض ما ذكر، ولا يَسَعُ عقلُ عاقل أنَّ هذا منكرٌ يبلُغُ إلى ما ذكرتَ مِنْ الشناعة، ويَسكتُ عليه علماءُ الإسلام الذين ثبَتت لهم الوَطأة في جميع جهات الدنيا.
قلتُ: إن أردتَ العدلَ والإنصافَ، وتركتَ متابعة الأسلاف، وعرفتَ أنَّ الحقَّ ما قام عليه الدليلُ، لا ما اتَّفق عليه العوالِم جيلاً بعد جيل، وقَبيلاً بعد قبيل، فاعلم أنَّ هذه الأمور التي ندَندِنُ حولَ إنكارِها، ونسعى في هَدم منارها، صادرةٌ عن العامة الذين إسلامهم تقليدُ الآباء بلا دليل، ومتابعتهم لهم من غير فرق بين دبير وقبيل، ينشأ الواحدُ فيهم فيجِدُ أهلَ قريته وأصحاب بلدته يُلَقِّنُونه في الطفولية أن يَهتِفَ باسم مَنْ يعتقدون فيه، ويراهم يَنذرون عليه، ويعظِّمونه، ويرحلون به إلى مَحلِّ قبره، ويلطخونه بترابه، ويجعلونه طائفًا على قبره، فيَنشأ وقد قَرَّ في قلبه عظمةُ ما يعظِّمونه، وقد صار أعظم الأشياء عنده مَنْ يعتقدونه.
فنشأ على هذا الصغير، وشاخَ عليه الكبيرُ، ولا يسمعون مِنْ أحد عليهم من نكير؛ بل تَرَى مِمَّنْ يتَّسِم بالعلمِ، ويَدَّعِي الفضلَ، وينتصب للقضاء والفتيا
(1)
إغاثة اللهفان (1/ 385 - 386).
والتدريس، أو الولاية أو المعرفة أو الإمارة والحكومة، معظِّمًا لِمَا يعظِّمونه، مُكرمًا لِما يكرمونه، قابضًا للنذور، آكلاً ما يُنحر على القبور، فيَظنُّ العامَّة أنَّ هذا دينُ الإسلام، وأنَّه رأسُ الدِّين والسَّنَام.
ولا يَخفى على أحد يتأهَّل للنظر، ويعرفُ بارِقَةً مِنْ عِلم الكتاب والسُّنَّة والأثر، أنَّ سكوتَ العالِم أو العالم على وقوع مُنكر ليس دليلاً على جواز ذلك المنكر
(1)
.
11 وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني رحمه الله (ت: 1250 هـ): وقد يجعل الشيطان طائفة من إخوانه من بني آدم يقفون على ذلك القبر، يخادعون من يأتي إليه من الزائرين، يهولون عليهم الأمر، ويصنعون أمورًا من أنفسهم، وينسبونها إلى الميت على وجه لا يفطن له من كان من المغفلين.
وقد يصنعون أكاذيب مشتملة على أشياء يسمونها كرامات لذلك الميت، ويبثونها في الناس، ويكررون ذكرها في مجالسهم، وعند اجتماعهم بالناس، فتشيع وتستفيض، ويتلقاها من يحسن الظن بالأموات، ويقبل عقله ما يروى عنهم من أكاذيب، فيرويها كما سمعها، ويتحدث بها في مجالسه، فيقع الجهال في بلية عظيمة من الاعتقاد الشركي، وينذرون على ذلك الميت كرائم أموالهم، ويحبسون على قبره من أملاكهم ما هو أحبها إلى قلوبهم، لاعتقادهم أنهم ينالون بجاه ذلك الميت خيرًا عظيمًا وأجرًا كبيرًا، ويعتقدون أن ذلك قربة عظيمة، وطاعة نافعة، وحسنة متقبلة، فيحصل بذلك مقصود أولئك الذين جعلهم الشيطان من إخوانه من بني آدم على ذلك القبر. فإنهم إنما فعلوا تلك الأفاعيل وهولوا على الناس بتلك التهاويل، وكذبوا تلك الأكاذيب، لينالوا جانبًا من الحطام من أموال الطغام الأغتام وبهذه الذريعة الملعونة، والوسيلة الإبليسية تكاثرت الأوقاف على القبور، وبلغت مبلغًا عظيمًا، حتى بلغت غلات ما يوقف على المشهورين منهم ما لو اجتمعت أوقافه لبلغ ما يقتاته أهل قرية كبيرة من قرى المسلمين.
(1)
تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد (76 - 78).
ولو بيعت تلك الحبائس الباطلة لأغنى الله بها طائفة عظيمة من الفقراء
(1)
.
وقال رحمه الله: والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك،
…
ومن رفع القبور: الداخل تحت الحديث دخولاً أوليًّا القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وأيضًا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك ....
وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام، منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك؛ فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصدًا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا.
وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئًا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون
(2)
.
12 قال المفسّر محمود الألوسي رحمه الله (ت: 1270 هـ): وقد رأينا كثيرًا من الناس على نحو هذه الصفة، التي وصف الله تعالى بها المشركين، يهشون لذكر أموات يستغيثون بهم، ويطلبون منهم، ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم، توافق هواهم واعتقادهم فيهم، ويعظمون من يحكي لهم ذلك، وينقبضون من ذكر الله تعالى وحده
(3)
، ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه عز وجل وسرد ما يدل على مزيد عظمته وجلاله، وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة، وينسبونه إلى ما يكره.
وقد قلت يومًا لرجل يستغيث في شدة ببعض الأموات وينادي يا فلان أغثني فقلت له: قل يا الله فقد قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، فغضب وبلغني أنه قال: فلان منكر على الأولياء!
(1)
شرح الصدور بتحريم رفع القبور (114 - 115).
(2)
يُنظر: نيل الأوطار (4/ 102).
(3)
يؤيد ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ *} [الزمر].
وسمعت عن بعضهم أنه قال: الولي أسرع إجابة من الله عز وجل وهذا من الكفر بمكان نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزيغ والطغيان
(1)
.
13 قال شيخ الأزهر محمود شلتوت رحمه الله (ت: 1383 هـ): شرعت الصلاة في الإسلام لتكون رباطًا بين العبد وربه، يقضي فيها بين يديه خاشعًا ضارعًا يناجيه، مستشعرًا عظمته، مستحضرًا جلاله، ملتمسًا عفوه ورضاه؛ فتسمو نفسه، وتزكو روحه، وترتفع همته عن ذل العبودية والخضوع لغير مولاه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *} [الفاتحة].
وكان من لوازم ذلك الموقف، والمحافظة فيه على قلب المصلى، أن يخلص قلبه في الاتجاه إليه سبحانه، وأن يحال بينه وبين مشاهد من شأنها أن تبعث في نفسه شيئًا من تعظيم غير الله، فيصرف عن تعظيمه إلى تعظيم غيره، أو إلى إشراك غيره معه في التعظيم ولذلك كان من أحكام الإسلام فيما يختص بأماكن العبادة تطهيرها من هذه المشاهد
…
{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا *} [الجن].
وما زلّ العقل الإنساني وخرج عن فطرة التوحيد الخالص فعبد غير الله، أو أشرك معه غيره في العبادة والتقديس إلا عن طريق هذه المشاهد التي اعتقد أن لأربابها والثاوين فيها صلة خاصة بالله، بها يقتربون إليه، وبها يشفعون عنده؛ فعظمها واتجه إليها واستغاث بها، وأخيرًا طاف وتعلق، وفعل بين يديها كل ما يفعله أمام الله من عبادة وتقديس
…
والإسلام من قواعده الإصلاحية أن يسد بين أهله ذرائع الفساد.
وإذا كان الافتتان بالأنبياء والصالحين، كما نراه ونعلمه شأن كثير من الناس في كل زمان ومكان، فإنه يجب محافظة على عقيدة المسلم إخفاء الأضرحة من المساجد، وألا تتخذ لها أبواب ونوافذ فيها، وبخاصة إذا كانت في جهة القبلة، فيجب أن تفصل عنها فصلاً تامًّا بحيث لا تقع أبصار المصلين عليها، ولا يتمكنون من استقبالها وهم بين يدي الله.
(1)
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (12/ 265 - 266).
ومن باب أولى يجب منع الصلاة في نفس الضريح، وإزالة المحاريب من الأضرحة
(1)
.
14 وأجاب وزير الأوقاف في مصر ومدير جامعة الأزهر الأستاذ أحمد حسن الباقوري رحمه الله (ت: 1405 هـ) على سؤال وجه إليه من بعض الهيئات الدينية الإسلامية في الهند عن ما يتعلق بتزيين القبور وإقامة الأضرحة عليها فاستهلّ قائلاً: هذا العمل ضرب من الوثنية، وعبادة الأشخاص، وقد منعه الإسلام، ونهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحث على تركه
…
وإذا كان المسلمون اليوم يتخذون من تزيين القبور مجالاً للتفاخر والتظاهر، ويمضي بعضهم في الشطط حتى يقيم الضريح على القبر، إظهارًا للميت بأنه من أولياء الله، أو بأنه من سلالة فلان أو فلان، استغلالاً لهذه الرابطة على حساب الدين، فإن ذلك حرام في حرام
(2)
.
وكذلك من المؤرخين من كتب في تحريم إحياء آثار القبور حيث قال عبد الرحمن بن حسن الجبرتي رحمه الله (ت: 1237 هـ): وأما ما حدث من سؤال الأنبياء والأولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها واتخاذها أعيادا وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحذر منها
…
وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية وسد كل طريق يؤدي إلى الشرك، فنهى أن يجصص القبر وأن يبني عليه
…
ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القباب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا هو الذى أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذى ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف الصالح من الأمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] فمن
(1)
فتاوى كبار علماء الأزهر حول الأضرحة والقبور والموالد والنذور (31 - 35).
(2)
المرجع السابق (39 - 40).
لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان
(1)
.
وقال المؤرخ رفيق بك العظم رحمه الله (ت: 1343 هـ) في خاتمة ترجمة أبي عبيدة رضي الله عنه كلمة قيّمة في القبور مُفَادُها
(2)
:
أ أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رضي الله عنهم لم يكن في عصرهم تشييد قبور الأموات، وتعظيم الرفات؛ لتحققهم النهي الصريح عن ذلك من صاحب الشريعة الغرّاء.
ب لو جاء أثر في صدر الإسلام في تعظيم القبور، والاحتفاظ بأماكن الأموات بتشييد القباب والمساجد عليها، لما غابت عنا إلى الآن قبور الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
ج البناء على القبور وتشييدها تعيد سيرة الوثنية بأقبح أنواعها، وأبعد منازعها عن الحق، وأقربها إلى الشرك.
د لو اعتبر المسلمون باختفاء قبور الصحابة رضي الله عنهم الذين عنهم أخذوا هذا الدين، وبهم نصر الله الإسلام، لما اجترؤوا على إقامة القباب على القبور وتعظيم الأموات تعظيمًا يأباه العقل والدين، وخالفوا في هذا كله الصحابة رضي الله عنهم والتابعين الذين أدوا إلينا أمانة نبيّهم فأضعناها، وأسرار الشريعة فعبثنا بها.
يتبين من الأقوال السابقة شدّة نكير أهل العلم من الأئمة والعلماء والمؤرخين على من أحيا القبور بالأبنية بجميع أشكالها، وأنهم متفقون على تحريم كل ما بُني على القبور بالعموم، ووجوب هدمها وتسويتها بالأرض؛ لما يؤدي إليه ذلك من الوقوع في الشرك والفتنة والضلال البعيد.
وممن يستأنس بأقوالهم ولا يحتج بها، ما حكاه أحد المستشرقين
(3)
في وصفه لعبّاد القبور ومخالفتهم لصريح القرآن والسُّنَّة، بقوله:
بقي كثير من عناصر الديانات السابقة للإسلام واستأنفت حياتها في
(1)
تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (2/ 590 - 591).
(2)
يُنظر: أشهر مشاهير الإسلام (521 - 524).
(3)
القائل: إجنتس جولدتسهير ستأتي ترجمته، ومواقفه الخبيثة تجاه الإسلام والمسلمين في الفصل الثاني.
المظاهر العديدة الخاصة بتقديس الأولياء، وفي الحق ليس من شيء أشد خروجًا على السُّنَّة القديمة من هذا التقديس المبتدع المفسد لجوهر الإسلام والماسخ لحقيقته وإن السني الصادق الحريص على اتباع السُّنَّة لا بد أن يعده من قبيل الشرك
…
وأضرحة الأولياء والأماكن المقدسة الأخرى هي موضع عبادتهم التي يرتبط بها أحيانًا ما يظهره العامة من تقديس وثني غليظ لبعض الآثار والمخلفات؛ بل إن العامة تخص الأضرحة ذاتها بما لا يقل عن العبادة المحضة
(1)
.
ويقول مستشرق آخر: بالرغم من التوحيد المصرح به في القرآن فإن الأمم الإسلامية لا زالت تحتفظ بكثير من العادات الوثنية، فإن من أهم الصفحات في الحياة الدينية للعوام في جميع الأمم الإسلامية هو تقديسهم لقبور الصالحين
…
وقد أصبح لكل قوم أئمة محليون يزورون قبورهم وآثارهم
…
(2)
.
فإحياء آثار القبور والمشاهد، هو السبب الرئيس لضعف المسلمين وهوانهم، وللأسف الواقع المرير يشهد بذلك.
فلا يكاد المسلم ينزل في بلد من بلاد العالم الإسلامي إلا ويقابله قبر مشرف أو قبة مرفوعة على رفات مقبور، أو مسجد مبني على قبر ولي معظّم والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن الجدير بالتنويه الإشارة إلى ما أنعم الله سبحانه وتعالى به على المسلمين في المملكة العربية السعودية، بأن طهّر أرضها وأهلها من رفع القبور، والبناء عليها وسد كل وسيلة شركية تقام حولها، بفضل الله أولاً ثم بفضل دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي نشر التوحيد والعقيدة الصحيحة؛ بقوة الحجة، وقوة السلطان: الإمام محمد بن سعود رحمهما الله وأيّد من عقبهما ومن سار على نهجهما وهذه من أجل النعم الباقية، وأعظمها علينا وعلى المسلمين جميعًا، فواجبنا تجاه هذه النعمة رعايتها والمحافظة عليها، وشكرها؛ لتقرّ وتزيد.
(1)
نقلاً من: هذه هي الصوفية، لعبد الرحمن الوكيل (101 - 102).
(2)
يُنظر: المرجع السابق (102).
الفصل الثاني
موقف الفرق والمستشرقين من الآثار وتفنيد شبهاتهم
وفيه تمهيد، ومبحثان:
المبحث الأول: موقف الفرق والمستشرقين من الآثار.
المبحث الثاني: تفنيد شبهات الفرق والمستشرقين حول الآثار.
تمهيد
قبل الخوض في مباحث هذا الفصل ومطالبه سأقوم بتعريف ألفاظ عنوان الفصل: «موقف الفرق والمستشرقين من الآثار وتفنيد شبهاتهم» وبيان المعنى المراد منها.
حيث إن كل كلمة من كلمات عنوان هذا الفصل لها أكثر من معنًى مختلف ولكن يتحدد المعنى المراد بحسب موضع الكلمة، وما يضاف إليها من كلمات تسبقها أو تليها؛ لذلك سأقتصر على ذكر المعنى المراد الذي يخص هذا الفصل:
1 موقف:
الموقف لغة: الواو والقاف والفاء، أصل واحد يدل على تمكّث في شيء،
…
وموقف الإنسان وغيره: حيث يقف
(1)
.
اصطلاحًا: رأي يتخذه المرء تجاه قضية ما
(2)
.
2 الفِرق:
الفِرق لغة: الفاء والراء والقاف أصَلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمييز وتزييل بين شيئين
(3)
.
اصطلاحًا: مفارقة أهل السُّنَّة والجماعة في أصل من أصول الدين
(1)
مقاييس اللغة، لابن فارس [ط: دار الفكر] (6/ 135).
(2)
يُنظر: موقف صريح، لجبران مسعود جبران (2/ 1457) نقلاً من: موقف المستشرقين من الصحابة رضي الله عنهم، لسعد الماجد (13).
(3)
يُنظر: مقاييس اللغة، لابن فارس [ط: دار الفكر] (4/ 493) بتصرف يسير.
الاعتقادية، ومخالفة إجماعهم، أو الشذوذ عنهم في المنهج، أو الخروج على أئمتهم، أو استحلال السيف
(1)
.
3 المستشرقون:
المستشرق لغة: الشين والراء والقاف أصل واحد يدل على إضاءة وفتح، من ذلك: شرقت الشمس؛ أي: طلعت، وأشرقت إذا أضاءت، والشرق: الجهة التي تشرق منها الشمس، والتشريق: الأخذ من ناحية المشرق
(2)
.
والمراد بالمستشرقين اصطلاحًا: طائفة من الباحثين العجم غير المسلمين يقومون بدراسة كل ما يتعلق بالشرق من لغات وآداب، ومعتقدات، وعلوم وفنون وما شبهها؛ لتحقيق دوافع وأهداف مختلفة في بلاد المسلمين
(3)
.
ويراد بالمستشرق أيضًا: اهتمام الباحث الغربي بالعالم العربي والإسلامي؛ لتحقيق أهداف معينة
(4)
.
4 الآثار:
سبق التفصيل في تحديد المعنى المراد بالآثار في التمهيد
(5)
، وكذلك تم تحديد المراد من كل نوع في بداية كل مطلب في الفصل الأول.
5 تفنيد:
التفنيد لغة: الفاء والنون والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على ثِقَل وشدة،
(1)
يُنظر: دراسات في الأهواء والفرق والبدع، لناصر العقل (21 - 22).
(2)
يُنظر: الصحاح تاج اللغة (4/ 1501)، مقاييس اللغة [ط: دار الفكر] (3/ 264)، لسان العرب (10/ 173 - 175)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 311).
(3)
يُنظر: أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، لعبد الرحمن حبنكة الميداني (50)، افتراءات المستشرقين على الأصول العقدية في الإسلام، لعبد المنعم فؤاد (18)، رؤية إسلامية للاستشراق، لأحمد غراب (7)، الاستشراق والمستشرقون، لمصطفى السباعي (15)، نقلاً من: موقف المستشرقين من الصحابة رضي الله عنهم لسعد الماجد (15).
(4)
يُنظر: المراجع السابقة.
(5)
راجع لطفًا (27).
وممَّا يقاس عليه التفنيد، وهو اللوم؛ لأنَّه كلام يثقل على سامعه ويشتدّ
(1)
.
ويقال: فنّد رأيه: أي: أضعفه وأبطله، وخطّأه بالحجة والدليل، ولامه عليه
(2)
.
اصطلاحًا: معارضة قضيّة ما بذكر الحجج التي تؤيّد عدم الأخذ بها بطريقة منهجيّة منظمة
(3)
.
6 شبهاتهم:
الشبهات لغة: الشين والباء والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تشابُه الشّيء وتشاكُلِهِ لونًا وَوَصْفًا،
…
والمُشَبِّهَات من الأمور: المشكلات. واشتبه الأمرانِ، إذا أَشْكَلَا
(4)
.
اصطلاحًا: ما التبس أمره على بعض الناس، فلا يدرى أحلال هو أم حرام وحق هو أم باطل
(5)
.
* * *
(1)
يُنظر: مقاييس اللغة، لابن فارس [ط: دار الفكر] (4/ 453 - 454).
(2)
يُنظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، لأحمد مختار (1745).
(3)
يُنظر: المرجع السابق.
(4)
يُنظر: مقاييس اللغة، لابن فارس [ط: دار الفكر] (3/ 243).
(5)
يُنظر: المعجم الوسيط، لمجموعة من المؤلفين (1/ 471).
المبحث الأول
موقف الفرق والمستشرقين من الآثار
وفيه مطلبان:
المطلب الأول:
موقف الفرق المخالفة لأهل السُّنَّة من الآثار.
المطلب الثاني:
موقف المستشرقين من الآثار.
المبحث الأول
موقف الفرق والمستشرقين من الآثار
سأتناول في هذا المبحث موقف الفرق المخالفة لأهل السُّنَّة وكذلك موقف المستشرقين، من الآثار المروية والزمانية والمكانية المرئية.
ابتداءً بالآثار الحديثية المروية التي تعرضت لهجمات وانتقاصات منذ زمن بعيد، يتلقفها في كل فترة أفرادٌ من المسلمين، وجماعات من المستشرقين، بإيراد الشبهات والمقالات، وما يخمد أحدهما إلا ويظهر من يكمل المسيرة الشيطانية.
والتي بدأت مسيرتها على هيئة فردية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بصورة لا اعتبار لها
(1)
، حيث إنها ظهرت واختفت ولم تُذكر في معرض التاريخ لمنكري السُّنَّة؛ لشذوذها وندرتها، ثم لعودة أصحابها إلى الحق، وانقضاء أثرها.
أما عن إنكار السُّنَّة على هيئة مؤثرة، وعلى أيدي طوائف لها ذكرها في التاريخ؛ فقد بدأت كأول ظهور لها: نهاية خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه على أيدي الخوارج والرافضة، ثم انضمت إليهم المعتزلة وغيرهم من المتكلمين
(2)
.
والمتأمل لهجمة المخالفين لأهل السُّنَّة على الآثار الحديثية المروية
(1)
أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْبِضُ مِنْهَا يُعْطِي النَّاسَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ قَالَ: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ لَقَدْ خِبْتَ، وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ
…
». أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (3/ 110/ ح 1063). وكذلك راجع لطفًا: ما رواه الشيخين في سبب نزول قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} ، والذي أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم (6/ 46/ ح 4585)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم (7/ 90/ ح 2357).
(2)
يُنظر: شبهات القرآنيين حول السُّنَّة النبوية، لمحمود مزروعة (425 - 426)
النبوية يرى أنها ناتجة عن اعتقادات باطلة، وأفكار منحرفة، سيطرت على عقولهم فأفسدتها، وتولّد عنها عدم قبول للآثار الحديثية المروية النبوية وإنكارها فضلاً عن إحيائها.
كإنكار الرافضة والخوارج للآثار الحديثية؛ لطعنهم في الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك المعتزلة ردّوها؛ لتقديم العقل على النقل، وغيرها من الأسباب الواهية، والاعتقادات الباطلة، التي يترتب عليها انحراف في الدين ومخالفة في أصول الشرع.
وغيرها من الفرق والطوائف التي نحت نحوهم، وضلّت في هذا الجانب كما سيأتي إن شاء الله بيانه في موضعه.
أما موقف المخالفين لأهل السُّنَّة من آثار المواسم الزمانية فقد أتوا بالعجائب وأثبتوا تناقضهم، وانحرافهم، واتباع أهوائهم؛ كاحتفال بعضهم بليلة الإسراء والمعراج مع إنكارهم لصفة العلو للرب جل جلاله!!
وكذلك احتفالهم بموالد آل البيت وليلة النصف من شعبان، وغيرها من المواسم والاحتفالات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وكان للمستشرقين دعم واضح لبعض احتفالات المواسم المحدثة والتشجيع على القيام بها كما سيأتي بيانه في موضعه.
وكان لهم أيضًا يدٌ طولى خبيثة في إحياء الآثار الوثنية والجاهلية التي يدّعون أنها حضارات.
فقد ساهموا في إخراج الآثار الجاهلية من أراضي المسلمين وإبرازها في الأماكن والمتاحف، وفرضوا إحياءها والاهتمام بها كما سبق بيان ذلك في موضعه.
أما عن موقف المخالفين لأهل السُّنَّة تجاه الآثار المرئية فقد بالغوا في إحيائها وتعظيمها وغلوا فيها، وخصوصًا المشاهد والأضرحة فقد لاقت تعظيمًا، وتقديسًا، وإحياءً وعنايةً ما لقيتها اللات والعزى، ولا ظفرت بها مناة الثالثة الأخرى، ولا تمتع بها هبل في الجاهلية!!
فما بال بعض المسلمين يشركون؟ {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ *} [يوسف].
وبسط هذا المبحث في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: موقف الفرق المخالفة لأهل السُّنَّة من الآثار.
المطلب الثاني: موقف المستشرقين من الآثار.
* * *
المطلب الأول
موقف الفرق المخالفة لأهل السُّنَّة من الآثار
خالفت كثيرٌ من الفرق أهل السُّنَّة والجماعة في مسائل متنوعة، ومن تلك المسائل: الآثار الحديثية المروية، وآثار المواسم الزمانية، والآثار المرئية، فكانت لهم آراء مخالفة للاعتقاد الصحيح، ومنحرفة عن المنهج القويم تجاه الآثار بأنواعها.
فبسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: موقف الفرق من الآثار الحديثية المروية.
المسألة الثانية: موقف الفرق من آثار المواسم الزمانية.
المسألة الثالثة: موقف الفرق من الآثار المرئية.
المسألة الأولى: موقف الفرق من الآثار الحديثية المروية:
الكتاب والسُّنَّة الصحيحة هما مصدرا التشريع في الإسلام، وأهل السُّنَّة والجماعة لا يستقلون بفهم القرآن عن السُّنَّة، ولا عن فهم السلف الصالح للكتاب والسُّنَّة؛ لأنهم مقرون بما قال الله جل جلاله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح، وعلى هذا سار أصحاب القرون المفضلة الأولى
(1)
.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستظهر طوائف تنكر الآثار النبوية الحديثية المروية، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله:«لا ألْفِيَنَّ أحدَكُم متَّكئًا على أريكته، يأتيه أمري: ممَّا أمرتُ به، أو نَهيتُ عنه، فيقولُ: لا أدْرِي، ما وجدْنا في كتاب الله اتَّبعْناهُ»
(2)
.
(1)
يُنظر: الإصباح في بيان منهج السلف في التربية والإصلاح، لعبد الله العبيلان (19 - 38).
(2)
سبق تخريجه راجع فضلاً (61).
وحقًّا ظهرت الخوارج والرافضة، ثم انضمت إليهما المعتزلة وطوائف من المتكلمين.
فالرافضة رفضوا كثيرًا من السُّنَّة، ولم يقبلوا إلا القدر الضئيل؛ بسبب طعنهم في الصحابة رضي الله عنهم.
وكذلك الخوارج طعنوا في الصحابة رضي الله عنهم بعد وقعة صفين، فمن الخوارج مَنْ فَسَّقهم، وهم قلة لا تذكر، والأكثرون من طوائف الخوارج كفَّروا الصحابة نسأل الله السلامة والعافية، وقد دفعهم ذلك إلى ردّ كثير من السُّنَّة، ورغبتهم السيئة الملحة في مخالفة جماعة المسلمين وتكفيرهم
(1)
.
وأما المعتزلة فقد هجروا السُّنَّة، وشرعوا لأنفسهم أصولاً عقلية
(2)
، لا تعارضها آية إلا أوّلوها، ولا حديث إلا أنكروه؛ لذلك موقفهم من الحديث تارة التشكيك، وتارة الإنكار
(3)
.
وإن كان حزبهم اندثر كفرقة قائمة بذاتها ومسماها، إلا أن أفكارهم ومعتقداتهم ذابت في طوائف متعددة بحيث أخذوا بعض ما عند المعتزلة من اعتقادات وطرحوا ما قد تورط فيه دعاة الاعتزال الضُلاّل من تطرّف وإفراط
(4)
.
ونشأ أفراخ هذه الفرقة الذين انتشروا في وقتنا الحاضر تحت
(1)
يُنظر: السُّنَّة ومكانتها في التشريع، لمصطفى السباعي (150)، السُّنَّة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم، لعبد الموجود محمد (85)، خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة، لعبد الله السرحاني (ب).
(2)
أصولهم الخمسة التي أجمعوا عليها: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يُنظر: شرح الأصول الخمسة، للقاضي عبد الجبار (124).
والرد على هذه الأصول قد أُشبعت بحثًا في أكثر من مؤلف ورسالة علمية يُراجع: موقف ابن تيمية من المعتزلة في مسائل العقيدة، لقدرية شهاب الدين (94 - 111)، وآراء المعتزلة الأصولية، لعلي الضويحي (79 - 135)، والمعتزلة وأصولهم الخمسة، لعواد المعتق (81 - 279)، والأصول الخمسة عند المعتزلة، لصالح الشيبي (30 - 58).
(3)
يُنظر: ضحى الإسلام، لأحمد أمين (740).
(4)
يُنظر: إسلام بلا مذاهب، لمصطفى الشكعة (533).
مسميات مختلفة كالعقلانيين الذين يتشدقون بالرأي ويخالفون الكتاب والسُّنَّة
(1)
.
والحاصل هو تطاول تلك الفرق على الشريعة، وتحاكم كل فرقة بموجب أصولها المحدثة، المبنية على اعتقادات منحرفة في كثير من مسائل العقيدة؛ بدعوى حجية العقل وتقديمه على النقل وادّعاء التعارض بينهما
(2)
، ولا شك غلطهم في ذلك؛ لأن العقل الصريح لا يعارض النص الصحيح
(3)
كما سيأتي تفصيل ذلك في المبحث التالي
(4)
.
وهكذا بدأت مسيرة إنكار سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم والشغب عليها ورفض اعتبارها مصدرًا تشريعيًّا والاكتفاء بالقرآن، والخروج عن طاعة الله جل جلاله ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
واستمرت على أيدي الخوارج والرافضة، ثم تلقفها منهم وسار على ضلالهم طوائف من المتكلمين وأشهرهم المعتزلة، ثم يأخذها ويسلمها ضال إلى ضال.
وقد ظلّت مسيرة الضلال تنتقل عبر التاريخ بطوائفها المختلفة وعلى مستوى الأمة المسلمة شرقًا وغربًا، حتى نشأت في بلاد الهند طائفة القرآنيين وذلك في نهاية القرن (19 م) وبداية القرن (20 م)، زعمت الاعتماد على القرآن وحده، وطرح السُّنَّة النبوية المطهرة، وأخذت تدعو إلى نحلتها بهمّة ونشاط تحت رعاية الاستعمار الإنجليزي، ثم انتقلت من الهند إلى باكستان تحت مسمى البرويزيين
(5)
، ثم في مصر تحت مسمى الفرماوية.
فالمخالفون افترقوا في ضلالهم إلى مذاهب وطوائف، فطائفة تنكر السُّنَّة
(1)
يُنظر: السُّنَّة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم (45).
(2)
يُنظر: خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة (ج)، السُّنَّة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم (45).
(3)
يُنظر: خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة (16).
(4)
للوصول إلى تفاصيل في هذه المسألة انتقل فضلاً (396).
(5)
يُنظر: شبهات القرآنيين حول السُّنَّة النبوية، لمحمود مزروعة (426 - 432).
النبوية بأكملها صراحةً كالقرآنيين، وأخرى تنكرها كلها تلويحًا، وتنكر بعضها تصريحًا كالخوارج والرافضة، والمعتزلة، وثالثة أخرى فرّقت بين الأحاديث المتواترة وبين الآحاد في حجية خبرهما، وفي إفادتهما علمًا يقينيًّا قطعيًّا أو ظنيًّا كالأشاعرة وغيرهم من أصحاب الكلام
(1)
.
وغالب المنكرين للآثار النبوية الحديثية يزعمون أنهم يأخذون أحكامهم وقضايا دينهم من القرآن، وما علموا أنهم نابذوا القرآن بنبذهم للسُّنَّة واتخذوها ظهريًّا، يهدمون الدين بحجة الحرص عليه، ويكفرون بالقرآن وهم يزعمون الاستمساك به، والاعتماد عليه.
وقد قال المُحدّث جلال الدين السيوطي رحمه الله: اعلموا رحمكم الله أَنْ من أنكر كَون حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم قولاً كَانَ أَوْ فعلاً بِشَرْطِهِ الْمَعْرُوف فِي الأصُول حجَّة، كفر وَخرج عَنْ دَائِرَة الإِسْلَام وَحشر مَعَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى، أَوْ مَعَ من شَاءَ الله من فرق الْكَفَرَة
(2)
.
ويمكن إيجاز موقف بعض الفرق التي خالفت أهل السُّنَّة في إحياء الآثار النبوية الحديثية المروية، بما يلي:
موقف الرافضة من الآثار النبوية الحديثية المروية:
1 موقفهم من الآثار الحديثية المروية مرتبط بموقفهم من الصحابة رضي الله عنهم، فقد ردّوا السُّنَّة، وطعنوا في رواتها؛ بدعوى وقوع التحريف من الصحابة رضي الله عنهم، وتكفيرهم رضي الله عنهم إلا بضعة من الصحابة
(3)
، وانتقاصهم، وادّعاء ردتهم، وعدم عدالتهم
(4)
.
(1)
وأيضًا كالكلابية والماتريدية. يُنظر: خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة (ج).
(2)
يُنظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (5).
(3)
استثنوا خمسة عشر من مجموع الصحابة رضي الله عنهم الذين يبلغ عددهم مائة وعشرين ألف صحابي تقريبًا. يُنظر: حجية السُّنَّة وتاريخها، للحسين شواط (266).
(4)
يُنظر: السُّنَّة ومكانتها في التشريع (150)، السُّنَّة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم (81، 83)، خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة (11).
2 مدار الصحة والتوثيق عندهم في الآثار المروية النقلية مبني على الحب والبغض، فمن كان أكثر بغضًا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون مروياته عندهم أوثق من غيره، فهم أكذب الناس في النقليات، وأجهلهم في العقليات؛ لذلك هم أجهل الطوائف وأكذبها، كما قال ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
(1)
.
3 وضعهم في الحديث وكذبهم، ولم يكتفوا بإنكار الحديث ورفض السُّنَّة، وإنما لجأوا إلى وَضع أحاديث، كذبًا وزورًا وبهتانًا، فألَّفوا كلامًا على هيئة أحاديث في تعظيم أئمتهم، وتأكيد نحلتهم، وتأصيل معتقدهم وأصولهم المخترعة
(2)
، وأيضًا في ذم مخالفيهم وعقائدهم، فشرّعوا لأنفسهم دينًا بأسانيد نسبوها إلى أهل البيت، وقد كان لهذه الأحاديث المزعومة الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم دور في حجية التشريع وأصول الدين لديهم
(3)
، ومنهم بدأ الكذب والوضع في السُّنَّة النبوية
(4)
.
موقف الخوارج من الآثار النبوية الحديثية المروية:
موقف الخوارج من الآثار الحديثية المروية مرتبط بموقفهم من الصحابة رضي الله عنهم، فقد أبطلوا السند وطعنوا في المتن، وأعرضوا عن السُّنَّة وقالوا بظاهر القرآن؛ لتكفيرهم الصحابة رضي الله عنهم بعد وقعة صفين، لما رفعوا المصاحف لعلي رضي الله عنه على أسنّة الرماح، وحكموا القرآن
(5)
.
(1)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/ 263).
(2)
أصولهم الأولية: الإمامة، التوحيد، العدل، النبوة والعصمة، الرجعة. يُنظر: أصول الفرق، لعلي الشبل (99)، تناقض أهل الأهواء والبدع، لعفاف مختار (1/ 124).
(3)
يُنظر: المنتقى من منهاج الاعتدال، لابن تيمية (87)، خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة (ب)، شبهات القرآنيين حول السُّنَّة النبوية، لمحمود مزروعة (428).
(4)
يُنظر: حجية السُّنَّة وتاريخها، للحسين شواط (266).
(5)
يُنظر: السُّنَّة ومكانتها في التشريع، لمصطفى السباعي (150)، السُّنَّة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم (85)، خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة (ب)
فهاتان الفرقتان الرافضة والخوارج اتفقتا على ردّ النصوص والطعن فيها، وتقديم الهوى والنزعة العقلية على الثابت من الوحي، وكان ذلك بعد مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه
(1)
، حيث إن الخوارج كانوا يُعدّلون جميع الصحابة رضي الله عنهم قبل الفتنة، وكفروهم بعدها
(2)
.
موقف المعتزلة من الآثار النبوية الحديثية المروية:
1 ينفون العدالة عن بعض الصحابة رضي الله عنهم حملة لواء السُّنَّة النبوية، ويسيئون الأدب معهم، ولا يتورعون عن إلصاق التُهم بهم وانتقادهم رضي الله عنهم
(3)
.
2 يُحكّمون العقل على الحديث، فيقبلون ما وافق عقولهم وإن كان ضعيفًا، ويردون ما خالف عقولهم القاصرة وإن كان صحيحًا
(4)
، فهم يستدلون بالنصوص للاعتضاد لا للاعتماد: فيعتقدونَ الاعتقاد ثم يشرعون في الاستدلالِ عليه وهذا المنهج في الاستدلال غاية الفسادِ كما لا يخفى
(5)
.
ولا شك أنهم خالفوا الأصول المتفق عليها بين الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان في تقديم الشرع على العقل والهوى
(6)
، مع أن العقل السليم لا يعارض النقل الصحيح.
(1)
يُنظر: السُّنَّة ومكانتها في التشريع، لمصطفى السباعي (153)، خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة (7).
(2)
يُنظر: الفرق بين الفرق، للبغدادي (307)، خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة (7).
(3)
يُنظر: موقف المعتزلة من السُّنَّة النبوية، لأبي لبابة حسين (78)، حجية السُّنَّة وتاريخها، للحسين شواط (270).
(4)
يُنظر: حجية السُّنَّة وتاريخها، للحسين شواط (271).
(5)
يُنظر: منهج التلقي والاستدلال بين أهل السُّنَّة والمبتدعة، لأحمد الصويان (84)
(6)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/ 28).
المطلع على: كتاب فضل الاعتزال، للقاضي عبد الجبار، والدرر الدائر المنتخب، للزمخشري، ورسائل الجاحظ رسالة التربيع والتدوير، وعلى أكثر كتب المعتزلة يجد أنهم يقدمون العقل على نصوص الوحيين.
3 يجوِّزون وقوع الكذب في الحديث المتواتر، إلا إذا كان أحد رواته من أهل الجنة، ولا شك أنهم خالفوا إجماع الأمة في إفادة المتواتر القطع
(1)
.
4 إنكارهم حجية خبر الآحاد؛ مشترطين التعدد، وهو أن يرويها أربعة عن أربعة!
ولا شك أنهم خالفوا جمهور العلماء في رد خبر الواحد
(2)
.
5 ردّهم وتشكيكهم في صحة كثير من الأحاديث التي تعارض أصولهم
(3)
.
6 كذبهم في الحديث؛ لما عُرف عنهم من ارتكاب المحرمات، وعدم التورع عن المنكرات، فجعلوا الكذب في الحديث هي الوسيلة التي يبررون بها أفعالهم القبيحة
(4)
.
موقف الصوفية من الآثار النبوية الحديثية المروية:
1 ردّ الأحاديث الصحيحة؛ بحجة أنها ظنية، لا تفيد اليقين
(5)
.
وعند الاستدلال ببعض الأحاديث يلجؤون إلى التأويل الفاسد؛ الناتج عن سوء فهمهم، وجهلهم بالنصوص، حيث إن هذا التأويل يُخرجها عن مرادها الشرعي؛ لإثبات أقوالهم وأفعالهم
(6)
.
(1)
يُنظر: موقف المعتزلة من السُّنَّة النبوية، لأبي لبابة حسين (97)، حجية السُّنَّة وتاريخها، للحسين شواط (271).
(2)
يُنظر: المرجعين السابقين.
(3)
يُنظر: حجية السُّنَّة وتاريخها، للحسين شواط (271).
(4)
يُنظر: موقف المعتزلة من السُّنَّة النبوية، لأبي لبابة حسين (101 - 102).
(5)
يُنظر: جهود علماء السلف في القرن السادس في الرد على الصوفية، لمحمد الجوير (240، 245).
(6)
يُنظر: المرجع السابق، وموقف الإمام ابن الجوزي من الصوفية، لعلي بن صالح المقوشي (2/ 463، 470).
2 وضعهم للأحاديث التي تؤيد مذهبهم
(1)
؛ وحجة الوضّاعين للأحاديث: حدثني قلبي عن ربي
(2)
.
3 احتجاجهم بالأحاديث الضعيفة، والروايات المكذوبة الموضوعة
(3)
.
4 الزهد عن تعلّم الحديث والسُّنَّة النبوية، والصدّ عن ذلك، وتنفيرهم من طلب الحديث، والمنع من قراءته؛ لاعتمادهم على مجرد الرأي والذوق دون استناد إلى دليل شرعي
(4)
.
موقف متكلمي الأشاعرة من الآثار النبوية الحديثية المروية:
1 قدموا المعقول على المنقول من السُّنَّة؛ لاعتقادهم أن متواتر النص ظني الدلالة فلا يحتجون إلا بما وافق العقل
(5)
.
2 عدم استدلالهم بأحاديث الآحاد في المسائل العقدية
(6)
.
موقف القرآنيين
(7)
من الآثار النبوية الحديثية المروية:
1 إنكار الاحتجاج بالآثار النبوية الحديثية المروية كليًا، والاكتفاء بالقرآن الكريم ونبذ السُّنَّة؛ بحجة تعارضها مع القرآن الذي يزعمون
(1)
يُنظر: موقف الإمام ابن الجوزي من الصوفية (2/ 466)، جهود علماء السلف في القرن السادس في الرد على الصوفية (240).
(2)
يُنظر: خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة (22).
(3)
يُنظر: موقف الإمام ابن الجوزي من الصوفية (2/ 466)، خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة (22).
(4)
يُنظر: قاعدة في الجرح والتعديل، للسبكي (54)، موقف الإمام ابن الجوزي من الصوفية (2/ 461، 466)، السُّنَّة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم (42).
(5)
يُنظر: أصول الدين، لعبد القاهر البغدادي (14 - 23)، الإرشاد إلى قواطع الأدلة، للجويني (15 - 22).
(6)
يُنظر: المرجعين السابقين.
(7)
للاستزادة في معرفة تفاصيل هذه الطائفة وعقائدها المنحرفة: يُراجع: القرآنيون، لعلي محمد زينو، وكذلك القرآنيون، لخادم حسين إلهي بخش.
بأنه المصدر الوحيد للتشريع الإسلامي
(1)
.
2 اعتقاد أن السُّنَّة ليست وحيًا، والتشكيك في مصدريتها، بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم أهمل تدوينها، ونهى عن كتابتها، وأن ما نُسب إليه من أقوال زورٌ وتزييفٌ، وأنه لم ينزل عليه شيء من الوحي سوى ما حواه القرآن
(2)
.
3 ادّعاء أن السُّنَّة تأخر تدوينها وأنها قابلة للتحريف والتغيير، وأن الله جل جلاله لم يتكفل بحفظها كالقرآن
(3)
.
المسألة الثانية: موقف الفرق المخالفة لأهل السنة من آثار المواسم الزمانية:
ومن عرض المسألة السابقة يتضح تعطيل بعض الفرق المخالفة لأهل السُّنَّة للآثار النبوية الحديثية المروية، والتشكيك بها، ووضع الأحاديث المكذوبة، والاحتجاج بما يوافق عقولهم القاصرة، وأهواءهم الضالة.
وعلى هذا يتبين ارتباط موقف جميع الفرق المخالفة من آثار المواسم الزمانية، بموقفهم من الآثار النبوية الحديثية المروية.
(1)
يُنظر: القرآن والحديث والإسلام، لرشاد خليفة، ومسيلمة في مسجد توسان، لأحمد صبحي منصور (61)، وأضواء على السُّنَّة المحمدية، لمحمود أبو ريّة (407)، الإسلام هو القرآن وحده، لتوفيق صدقي، مقال في مجلة المنار في العدد (7 - 12 - 19)، وغيرهم. نقلاً من كتاب السُّنَّة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم، لعبد الموجود محمد عبد اللطيف (88 - 89)، وذكر المودودي قادة هذه الحركة في كتابه: السُّنَّة في مواجهة الأباطيل (76).
(2)
يُنظر: ما نقلته مجلة إشاعة السُّنَّة (9/ 291)، عن كتاب المباحثة، لعبد الله جكر الوي (81)، وأيضًا يُنظر: بلاغ الحق، لمحب الحق (19)، نقلاً من كتاب القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة (214).
(3)
يُنظر: مقام حديث (7)، مجلة إشاعة السُّنَّة (19/ 152)، وبلاغ الحق، لمحب الحق (22)، ومقام حديث، لحافظ أسلم (110)، نقلاً من كتاب القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة (243، 250).
للاطلاع على تفنيد الشبهات السابقة انتقل لطفًا (382).
وكذلك الفرق المخالفة لأهل السُّنَّة تتشابه طوائفها بشكل عام في الأصول، ولا يعني تشابه أهل البدع في المحدثات انضمام فرقة إلى أخرى، ولكن حصل التشابه بينهم لاعتمادهم على أهوائهم وعقولهم القاصرة وعلى ما يوافق أصولهم المبتدعة؛ لأن أهل البدع ليس لهم منهج ثابت، وإنما منهجهم مبني على أهوائهم
(1)
.
فمخالفتهم لم تقتصر على إحياء آثار المواسم الزمانية المحدثة والمبتدعة؛ بل حتى المواسم المشروعة خالفوا في إحيائها أهل السُّنَّة، مثال ذلك: ما يفعله الرافضة يوم عاشوراء من إقامة المآتم؛ لإظهار الأحزان والأتراح، والنواصب يحيونه بالسرور والأفراح، واتخاذه موسمًا كمواسم الأعياد
(2)
.
وأما عن ظهور المواسم الزمانية المُحدثة، فقد ظهرت أغلبها في القرن الرابع، في زمن الدولة العبيدية
(3)
الرافضية الذين هم من أكفر الفرق وأفسقهم، كما أشرت إلى ذلك سابقًا
(4)
.
ومما يؤكد ذلك ما قاله مؤرخ الديار المصرية أبو العباس المقريزي رحمه الله: وكان للخلفاء العبيديين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي:
موسم رأس السنة، وموسم أوّل العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومولد عليّ بن أبي طالب، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد فاطمة رضي الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أوّل رجب، وليلة نصفه، وليلة أوّل شعبان،
(1)
يُنظر: أصول الفرق، لعلي الشبل (13).
(2)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/ 310).
(3)
العبيدية: فرقة رافضية وهم الذين يُسَمّون أنفسهم بالفاطميين، وانتسابهم إلى آل البيت كذب ومحض افتراء؛ بل أصلهم مخلوط بين المجوس واليهود، وهم من مؤسسي الدعوة الباطنية. يُنظر: قواعد وأسس في السُّنَّة والبدعة (240)، والبدع الحولية (439).
(4)
راجع فضلاً (165).
وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرّة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النيروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام الركوبات
(1)
.
ثم فشت تلك المحدثات الزمانية بين الفرق والطوائف وأصبح الاحتفال بها طابعًا غالبًا على أكثر الفرق المخالفة لأهل السُّنَّة إن لم تكن كلها، وكذلك أصبح المقلدون الجاهلون من أهل السُّنَّة يحذون حذوهم.
فكان أغلب ظهور بدع المواسم الزمانية في زمن الدولة العبيدية، فهم الذين أحدثوها وأحيوها، وبقي أثرها في بلاد المسلمين إلى اليوم، فعليهم وزر ما ابتدعوه ووزر كل من عمِل به إلى يوم القيامة
(2)
.
فأحدثوا بدعًا ما أنزل الله بها من سلطان، من الأعياد الزمانية التي تزداد يومًا بعد يوم بين المسلمين والتي هي من الأغلال والآصار التي ابتليت بها الأمة الإسلامية
(3)
.
المسألة الثالثة: موقف الفرق المخالفة لأهل السنة من الآثار المرئية
(4)
:
أول الفرق افتتانًا بالآثار المرئية القبورية
(5)
وعلى رأسهم الرافضة وما تفرع عنها من الفرق الباطنية، ثم تبعتها الصوفية بطرقها وزواياها، ثم بعد
(1)
المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (2/ 436) بتصرف يسير.
(2)
يُنظر: الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع، لمحمد بن شقير (919).
(3)
يُنظر: مقدمة اقتضاء الصراط المستقيم، لناصر العقل (1/ 55).
(4)
الآثار المرئية: هي الآثار المحسوسة والتي تُرى بالعين، كالآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وآثار مقاماته صلى الله عليه وسلم، وآثار الأمم الهالكة والآثار الوثنية والجاهلية، وآثار القبور والمشاهد.
(5)
القبورية: شاملة لكل الفرق التي غلت في القبور كالروافض، والصوفية الطرقية، والشيعة الزيدية، والبريلوية، والكوثرية، والديوبندية، وبعض التبليغية، ومن الباطنية: الإسماعيلية، والقرامطة، والنصيرية، وكل من تأثر بأفكار عبّاد القبور وأعمالهم. يُنظر: جهود علماء الحنفية (1669).
ذلك تبعتهم الفرق الضالة المخالفة لأهل السُّنَّة
(1)
والمقلدون الجهلة من أهل السُّنَّة.
وقد كان موقف الفرق المخالفة لأهل السنة متشابه تجاه الآثار المرئية بل قد يكون متماثلاً؛ لذا يمكن إجمال القول في موقفهم تجاه الآثار من حيث نوعها بما يلي:
1 الآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق بها:
أ الكذب في نسبة كثير من الآثار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وادّعاء أنها بحوزتهم؛ كالشعر، والنعال والجبة والعمامة
(2)
، وغيرها من الآثار المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم إفكًا وافتراءً، بأسانيد واهية، ورؤى منامية خاوية.
ب الغلو بالآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم مع أنها لم تثبت بسند صحيح، وإظهار الذل والخضوع لها، وتقديسها والتبرك بها والتمسح بها وتقبيلها
(3)
؛ اعتقادًا منهم بأنها تجلب النفع وتدفع الضر، وفيها النجاة من المهالك، والشفاء من الأوجاع والأمراض، والحرز من الشيطان، والنفع للمضطر، والأمان من البغاة، والبركة وغيرها
(4)
.
ج الاعتماد على المكاشفات والرؤى والمنامات في معرفة آثار النبي صلى الله عليه وسلم، وتصويرها، ومن ثم التبرك بالصورة!
(5)
.
(1)
يُنظر: مقدمة اقتضاء الصراط المستقيم، لناصر العقل (1/ 66).
(2)
يُنظر: سلوة الأنفاس، للكتاني (388 - 392)، أسرار الآثار النبوية، لأبي الفضل الحسيني الصوفي (73 - 75).
للوصول إلى تفنيد بعض الشبهات المتعلقة بهذه المسألة انتقل لطفًا (421).
(3)
يُنظر: أسرار الآثار النبوية، لأبي الفضل الحسيني الصوفي (73 - 75)، سلوة الأنفاس، للكتاني (391 - 392).
(4)
يُنظر: سلوة الأنفاس، للكتاني (392).
(5)
يُنظر: شرح شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، لعبد الرزاق البدر (126).
2 من مواقف الفرق المخالفة لأهل السنة تجاه آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم:
أ تتبع آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم والعناية بها، واعتقاد فضلها، وتعظيمها، والمواظبة على زيارتها، والتعبّد عندها ولها.
ب الحرص على تحديد مواضع مقامات النبي صلى الله عليه وسلم، والسعي لإحيائها، والدعوة إلى ذلك من خلال بناء المساجد والقباب عليها
(1)
؛ كموضع ولادة النبي صلى الله عليه وسلم أو الأماكن التي صلى بها، وسار عليها كطريق الهجرتين، والمطالبة بإحيائها وجعلها مزارًا سياحيًّا.
ج ربط الخرق وعقد الخيوط ونحوها، وتعليقهما على الأشجار والأحجار وغيرها، من الآثار التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم اعتقاد بركتها، وأنها تجلب النفع، وتدفع الضر، وتحقق الحاجات كما هو مُشاهد في جبل حراء وغيره.
د كتابة الأدعية الشركية وطلب المدد على صخور الجبال، والأحجار، والأشجار وغيرها من الآثار التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
3 من مواقف الفرق المخالفة لأهل السنة في شأن المساجد وأماكن التعبد:
أ الغلو في تعظيم أماكن التعبد، والتمسح والتبرك ببعض المساجد وما يلحق بها، من أماكن التعبّد كالكعبة والحجر الأسود، والمقام.
ب تعظيم قبة بيت المقدس، والطواف حولها
(2)
.
4 من مواقف الفرق المخالفة لأهل السنة تجاه آثار القبور والمشاهد:
أ تعظيم وتقديس آثار القبور والمشاهد والمزارات، وتنشيطها، ودعمها
(1)
يُنظر: تاريخ مكة، لأبي البقاء المكي (184 - 190).
(2)
يُنظر: شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور، لمرعي الكرمي (111)، قواعد وأسس في السُّنَّة والبدعة (210).
ماديًّا ومعنويًّا
(1)
.
ب اتخاذ قبور الأولياء والصالحين مساجد ومزارات، وتقديسها فضلاً عن إحيائها
(2)
.
ج تشييد القباب وبناء الأضرحة والهياكل على قبور أئمتهم وأوليائهم، وإيقاد السرج والمصابيح
(3)
.
د إحياء آثار الأضرحة المدروسة، وحرص أئمة الفرق على دعوة الناس إلى الزيارات الشركية والبدعية للأضرحة والقبور وتشجيعهم؛ بحجة القيام بحق الأولياء، وتعظيمهم
(4)
.
هـ صرف أنواع من العبادات عند المشاهد؛ اعتقادًا منهم أنها ليست شركًا بالله تعالى، ومن تلك الصور
(5)
:
1 شد الرحال للحج إليها، والقيام بالمناسك
(6)
.
2 الطواف حول القبور والبكاء والابتهالات وسؤال الحاجات، والتمسح بسياجها، وأستارها
(7)
.
3 تقديم القربان والنذور لأصحاب القبور؛ اعتقادًا منهم أنه يصل للأموات كما يصل إلى الأحياء
(8)
.
(1)
يُنظر: التصوف في تهامة اليمن، لعبد الله المصلح (3).
(2)
يُنظر: تناقض أهل الأهواء والبدع، لعفاف مختار (1/ 124).
(3)
يُنظر: تعظيم الآثار والمشاهد، لعبد العزيز الجفير (119).
(4)
يُنظر: التصوف في تهامة اليمن، لعبد الله المصلح (3، 26).
(5)
سيأتي ذكرها بالتفصيل مستقلة في الفصل الثالث للوصول إلى أبرز صور المخالفات العقدية انتقل لطفًا (524).
(6)
مثل: كتاب الحج إلى زيارة المشاهد، للمفيد المرتضى الرافضي، يُنظر: منهاج السُّنَّة النبوية (1/ 476).
(7)
يُنظر: تعظيم الآثار والمشاهد (90، 123).
(8)
يُنظر: المرجع السابق (88).
4 الاستغاثة بالأموات ودعاؤهم؛ لتفريج الكربات، وغفران الزلات، والنصر على الأعداء، ودفع المصائب
(1)
.
وتجاوز الحال بهم إلى أن اتخذوها أوثانًا تعبد من دون الله جل جلاله.
ومن المعلوم أن كل ما يُعبد من دون الله يسمى وثنًا، ويُعدّ من الشرك الأكبر
(2)
.
كما حكى الإمام ابن القيم رحمه الله حالهم قائلاً: ومن أعظم مكايده [الشيطان] التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يُرد الله فتنته: ما أوحاه قديمًا وحديثًا إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور، حتى آل الأمر فيها إلى أن عبد أربابُها من دون الله، وعُبِدتْ قبورهم، واتُّخِذت أوثانًا، وبُنيت عليها الهياكل، وصُوّرت صورُ أربابها فيها، ثم جعلت تلك الصور أجسادًا لها ظلٌّ، ثم جُعلت أصنامًا، وعُبدت مع الله
(3)
.
فأشهر الفرق التي غلت في جانب آثار القبور وعظمتها وأظهرت التقديس والتأليه عندها بالبناء، عليها، والصلاة عندها والطواف والذبح وغيرها، هم الرافضة بطوائفها والصوفية بطرقها، والقبورية تشملهم كلهم.
حيث إن حديثهم عن الموتى أكثر من حديثهم عن الأحياء، وتعاملهم مع أصحاب القبور أكثر من تعاملهم مع الأحياء في ميادين الحياة، ووجوه العمل؛ لعكوفهم على القبور، واتخاذهم الأضرحة والقباب مأوى لهم يحركون شفاههم، ويرقصون مسابحهم، ويمدون أيديهم للتبرك بالمقبور، وغيرها من الأعمال
(4)
.
(1)
يُنظر: شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور، لمرعي الكرمي (110).
(2)
يُنظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البر (5/ 45).
(3)
إغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 330).
(4)
يُنظر: التصوف والمتصوفة في مواجهة الإسلام، لعبد الكريم الخطيب (250).
فإحياء آثار القبور والمشاهد عند القبورية من الرافضة والصوفية ومن نحا نحوهم من الفرق والطوائف أثمر الشرك والوثنية، فقد بدأت بالتساهل وترويج ذرائع الشرك ووسائله على أنها مخالفات يسيرة، ثم زادت وتضاعفت إلى أن أصبحت عواقبها وخيمة؛ لا تُحمد عقباها.
* * *
المطلب الثاني
موقف المستشرقين من الآثار
من أساليب المستشرقين في الغزو الفكري، إدخال الشبه في دين المسلمين، وسعيهم في كل أمر يهدمه، وإشغال المسلمين عن دينهم، ومحاولة إغرائهم بشتى الوسائل؛ لتحقيق أهدافهم الخبيثة.
قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]. وقال جل جلاله: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].
حيث إن إثارة الشبهات في الآثار المروية والتشكيك في الثوابت الدينية، والحث على إحياء الآثار الزمانية المحدثة ودعمهم لها، وكذلك السعي الحثيث بالتنقيب عن الآثار المرئية والتفتيش عنها تحت أراضي المسلمين؛ لاستخراجها وصناعة تاريخ مخترع للأراضي الإسلامية، كل ذلك من الوسائل والطرق التي تسلل بها المستشرقون إلى بلاد المسلمين.
وبسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: موقف المستشرقين من الآثار الحديثية المروية.
المسألة الثانية: موقف المستشرقين من آثار المواسم الزمانية.
المسألة الثالثة: موقف المستشرقين من الآثار المرئية.
المسألة الأولى: موقف المستشرقين من الآثار الحديثية المروية:
ابتلي المسلمون بالمستشرقين في نهاية القرن (16 م) تزامنًا مع بداية اتصال الغرب النصراني بالشرق الإسلامي
(1)
.
وعلى اختلاف أصول المستشرقين وجنسياتهم وتباينهم، إلا أن موقفهم من الآثار الحديثية النبوية المروية يصبّ في مصب واحد وهو إنكارها كليًّا
(2)
وذلك من خلال
(3)
:
1 الطعن في مصدريتها.
2 التشكيك في ثبوتها.
3 اتهام رواتها، والطعن في أساليب تحملهم لرواية الأحاديث.
ويرجع سبب إنكار المستشرقين للآثار النبوية المروية إلى إنكارهم للنبوة والرسالة
(4)
، وعدائهم للدين الإسلامي، ورغبتهم في إبعاد المسلمين عن دينهم بزعزعة ثوابته، والتشكيك في مسلماته من خلال إسقاط الآثار النبوية المروية التي بذهابها يذهب الدين بالكلية، ويصبح المسلم جاهلاً، لا يستطيع تطبيق أوامر الشرع ولا اجتناب نواهيه، إن لم يعادِها؛ لأن الإنسان عدو ما يجهل
(5)
.
وهذه الأهداف والدوافع الخبيثة معلنة وواضحة لدى كثير من المستشرقين المجاهرين بعدائهم للإسلام والمسلمين، وعلى رأسهم: جولدتسهير
(6)
الذي
(1)
يُنظر: المبشرون والمستشرقون في موقفهم من الإسلام، لمحمد البهي (11)، السُّنَّة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم (76).
(2)
الحكم هنا على غالب المستشرقين الذين ينكرون السُّنَّة كليًّا تصريحًا أو تلويحًا؛ وإن كان هناك القلّة القليلة منهم منصفين متجردين عن أهوائهم أظهروا الحق بالرغم من معاداتهم للدين الإسلامي، والنادر لا حكم له.
(3)
يُنظر: موقف المستشرقين من السُّنَّة، لأمامة الحبّال (11، 107 - 109).
(4)
يُنظر: المستشرقون والسُّنَّة والسيرة في المراجع العربية، لعلي النملة (47).
(5)
يُنظر: موقف المستشرقين من السُّنَّة (108).
(6)
إجنتس جولدتسهير: مستشرق مجري يهودي، دفعته البيئة اليهودية والتعاليم التلمودية المحرفة؛ لتطبيق المنهج النقدي التاريخي على الدين الإسلامي، فاجتاح العلوم الإسلامية ناقدًا لها مجانبًا الموضوعية والمصداقية، معتمدًا على تصيّد الأخبار التالفة والسقيمة والتي لا تصح أن تكون أدلة ولا حجج؛ للتشكيك في مسلمات الدين الإسلامي، ولم يعتمد على المصطلحات والقواعد الخاصة بالعلوم الإسلامية، معتبرًا لأفكاره المسبقة ومعتمدًا على سوء طويته، فبالتالي تجردت نتائج دراساته عن الإنصاف والنزاهة، وبعيدة كل البعد عن الأمانة العلمية والمصداقية. يُنظر: موقف المستشرقين من السُّنَّة (126)، مناهج المستشرقين ومواقفهم، لرياض العمري (124)، موسوعة المستشرقين، لعبد الرحمن بدوي (197 - 203).
نشر نتائج بحثه عن الدين الإسلامي في كتابه المعنون: دراسات إسلامية عام (1890 م)، حيث إنه دس فيه سموم وشبهات في الدين الإسلامي بشكل عام وفي السُّنَّة والتشكيك بها بشكل خاص، حيث أصبح كتابه في دائرة الاستشراق إنجيلاً مقدسًا لدى الغربيين من ذلك الوقت حتى الآن
(1)
.
وبعد مضي ستين عامًا على نشر ذلك الكتاب جاء دور المستشرق جوزيف شاخت
(2)
، حيث قضى عشرة أعوام في البحث والتنقيب في معادن الأحاديث الفقهية، فنشر نتائج بحوثه في كتابه أصول الشريعة المحمدية وقد فاق جوزيف سلفه جولدتسهير فغيّر النظرة التشكيكية إلى الإنكار الكلي ونفي الصحة، وأصبح كتابه للمستشرقين إنجيلاً ثانيًا يعتمدون عليه في استقاء المعلومات عن الإسلام والمسلمين
(3)
.
ومن ذلك الوقت وبعد هذين الكتابين لم يُنشر عن الحديث النبوي بأقلام المستشرقين في غضون ثلاثة أرباع قرن، إلا عدة مقالات أو كتب عالجت موضوع الحديث من بعيد، وتكرار لكلام الهالكين السابقين لهم
(4)
.
منها: كتاب أحاديث الإسلام للمستشرق ألفريد جيّوم
(5)
، اعتمد اعتمادًا كليًّا على كتاب جولدتسهير، وهو مجرد ناعق وناقل لمن سبقه.
(1)
يُنظر: مناهج المستشرقين ومواقفهم (372).
(2)
جوزيف شاخت: مستشرق يهودي ألماني من أصل هولندي، درس اللغات الشرقية، انتدب للعمل في الجامعة المصرية عام (1934 م)، لتدريس مادة فقه اللغة العربية، والسريانية، اهتم بالفقه الإسلامي، وسلك مسلك صاحبه «جولدتسهير» في التشكيك في مسلمات الدين الإسلامي، بالإضافة إلى تخرصاته الواضحة في الفقه الإسلامي. يُنظر: موقف المستشرقين من السُّنَّة (130 - 132)، موسوعة المستشرقين (366 - 368).
(3)
يُنظر: مناهج المستشرقين ومواقفهم (373).
(4)
يُنظر: المرجع السابق.
(5)
ألفريد جيّوم: مستشرق إنجليزي، درس اللغة العربية، وعمل في فرنسا ومصر خلال الحرب العالمية الأولى، وعيّن بعد ذلك استاذًا للغة العربية في الجامعة الأمريكية في بيروت، ورئيس الشرقين: الأدنى والأوسط. يُنظر: المستشرقون، لنجيب العقيقي (2/ 543).
وأول الدول التي استُغلّت ووقع عليها الاختيار من قِبل المستشرقين هي الهند؛ لبُعد أكثر المسلمين عن الدين، وعدم المعرفة بالأحكام والحجج والبراهين، والجهل بقواعد اللغة العربية، فقاموا بدعم بعض الأفراد لإبراز آرائهم وإلباسها ثوب العلم والموضوعية، حتى انطلت حيلهم وأكاذيبهم على كثير من البسطاء والجهلة، ونجحوا في تحقيق خططهم، وعلى إثرهم ظهر القرآنيون
(1)
.
فهؤلاء المستشرقون المنكرون للآثار الحديثية النبوية المروية المشككون بها، هدفهم الأول هو هدم الإسلام برمته؛ إذ يعتقدون أنهم بهدمهم سيجردون المسلمين من أقوى الأسلحة التي بها بقاء الدين الإسلامي وظهوره على باقي الملل والنحل؛ إذ إن السُّنَّة النبوية هي المبينة لكتاب الله، الشارحة لمجمله، المفصلة لأحكامه، وكذلك فإنها مقيدة لمطلقه مخصصة لعمومه، كل هذا وغيره من ارتباط لازم لا ينفك بين السُّنَّة والقرآن
(2)
.
وبالرغم من عدائهم وغياب روح الإنصاف وقصد الحقيقة، وسطوة الحقد والنوايا السيئة التي ينطلقون منها لدراسة العلوم الإسلامية وتشويهها، إلا أن الحق عليه نور، فإذا دخل القلب وشاء الله لصاحبه الهداية، لا يصده بعد ذلك ما كان في قلبه من قبل، ويتلاشى تلقائيًّا عنه كل العداء.
ودليل ذلك ما حصل للمستشرق النمساوي ليوبولد فايس
(3)
الذي قام بالتعليق على صحيح البخاري وفهرسته عام (1935 م) ثم أعلن إسلامه، وغيّر اسمه إلى محمد أسد، وألّف كتاب الإسلام على مفترق الطرق وذكر فيه
(1)
يُنظر: شبهات القرآنيين حول السُّنَّة النبوية، لمحمود مزروعة (426 - 432).
(2)
يُنظر: موقف المستشرقين من السُّنَّة (167).
(3)
ليوبولد فايس: مستشرق نمساوي، أشهر إسلامه بعد أن اختلط بالمسلمين وعايشهم وغيّر اسمه إلى محمد أسد، أنشأ المجلة الثقافة الإسلامية في حيدر أباد الدكن (1927 م) بمعاونة وليم بكتول مستشرق إنجليزي أسلم، ونشر في المجلة دراسات وافرة معظمها في تصحيح أخطاء المستشرقين عن الإسلام، وفضح الظلم التاريخي الذي تعرض له المسلمين من قِبل الصليبيين وحركة الاستعمار الحديثة، وكشف تحريف المبشرين وتشويههم لدين الإسلام. يُنظر: المستشرقون، لنجيب العقيقي (2/ 642)، مناهج المستشرقين، لرياض العمري (1/ 231).
قصة دخوله في الإسلام، وأشار فيه إلى أهمية السُّنَّة، مؤكدًا فيه ضرورة الاستقاء من معينها الصافي، والعودة إليها.
يقول رحمه الله: لقد كانت السُّنَّة مفتاحًا لفهم النهضة الإسلامية منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، فلماذا لا تكون مفتاحًا لفهم انحلالنا الحاضر؟
إن العمل بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عمل على حفظ كيان الإسلام وعلى تقدمه، وإن ترك السُّنَّة هو انحلال الإسلام
…
لقد كانت السُّنَّة الهيكل الحديدي الذي قام عليه صرح الإسلام، وإنك إذا أزلت هيكل بناء ما، أفيدهشك أن يتقوض ذلك البناء كأنه بيت من ورق
(1)
. اه.
فالحاصل أن المتأمل لحال غالب خبراء الآثار من المستشرقين، والمتأثرين بهم من المسلمين يرى عجبًا، في تشكيكهم وردهم حجية الآثار المروية الصحيحة بدعوى ساقطة.
بينما يرون دلالات الآثار المرئية قطعية؛ بل ويدّعي بعضهم أن التاريخ المبني على الآثار يرتقي إلى مصاف العلوم العلمية، مع أن دلالات الآثار المرئية غير قطعية واحتمالات الصدق فيها ضعيف، ورواتها مجهولون وجزء كبير من تحليلاتها قائم على خيالات وأوهام، أو مبنيٌ على قناعات مسبقة وتأثيرات بيئية أو دينية أو تمليه دوافع إفساد وتخريب مما يبرهن على أن لها دوافع استعمارية
(2)
.
فعجبًا لمن أنكر الأثر المروي اليقيني، وشكك فيه، وأثبت الأثر المرئي الظني، ودعا إلى تعظيمه!
ومن المهم التنبيه إلى أن بداية إطلاق مسمى التراث على الكتاب والسُّنَّة، ومحاولة إقراره وفرض إثباته على المسلمين كان من قِبل المستشرقين؛ وذلك لسريان المنهج النقدي على كل التراث الإنساني، وبالتالي يسري على
(1)
يُنظر: الإسلام على مفترق الطرق، لمحمد أسد (89).
(2)
يُنظر: تعظيم الآثار والمشاهد (289 - 290).
السُّنَّة، بحيث يتناولون الآثار النبوية المروية كوثيقة تاريخية أو نصوصٍ فكرية، أو نظريات وضعية، تقبل الرد والنقد ولا يسلّم لها مطلقًا؛ لعدم ثبوتها علميًّا؛ لزعزعة كثير من الثوابت الإسلامية، تحت هذا المسمى الذي تنبني عليه أمور غير مسلّم بها.
وغني عن البيان ما تحمله هذه المحاولات من مخاطر على أصول الدين، وتشكيك في ثوابته، وطعن في أساس العقيدة الإسلامية
(1)
.
المسألة الثانية: موقف المستشرقين من آثار المواسم الزمانية:
اهتم المستشرقون بإحياء آثار المواسم الزمانية المُحدثة، وحرصوا على حضور الاحتفالات الخاصة بها وشجعوا القائمين عليها، واعتنوا بها، ودعموها ماديًّا ومعنويًّا؛ لضمان انتظامها واستمراريتها.
ومما يؤكد ذلك ما حدث إبان الحملة الصليبية الفرنسية على مصر عام (1213 هـ).
حين سأل بونابرت نابليون عن سبب توقف إحياء الاحتفال بذكرى المولد النبوي في أحد المواسم، فاعتذروا له؛ بسبب تعطيل الأمور، وتوقف الأحوال.
فلم يقبل عذرهم، وأوجب عليهم إحياءه، ودعمهم بالأموال معونة؛ لإقامة الاحتفال بالمولد، وأمر بتعليق الزينة، وإيقاد القناديل، وإرسال الطبول الكبيرة إلى موضع الاحتفال، واجتمع الفرنسيون في الميادين، وضربوا طبولهم، وعزفوا على مختلف الآلات والمزامير، ذات الأصوات المطربة، واستمروا يضربونها من أول النهار حتى آخر الليل، وأطلقوا ألعابًا نارية تصعد في الهواء، كما حكى ذلك بالتفصيل أحد المؤرخين
(2)
.
(1)
يُنظر: دور أهل الذمة في إقصاء الشريعة الإسلامية، لماجد المضيان (351).
(2)
يُنظر: تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، للجبرتي (2/ 201).
وكذلك في المولد الحسيني
(1)
حصل منهم موقف مشابه للموقف الآنف ذكره.
فمبادرة المستشرقين لإحياء المواسم التي يقوم بها المبتدعة، ليست حفاظًا على الإسلام، وحبًّا للمسلمين؛ بل لعلمهم أنها تخالف أصول الدين الإسلامي، وأن في إحيائها هدمًا للسنن والدين، وما تظهر بدعة إلا اندثرت في المقابل سُنَّة.
كما جاء عن السلف: ما أحدثت أمة في دينها بدعة إلا رفع بها عنهم سُنَّة
(2)
، وكذلك: ما أحدث قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سُنَّتهم مثلها، ثم لم يعدها إليهم إلى يوم القيامة
(3)
، ومن المعلوم أن القلوب إذا اشتغلت بالبدع؛ أعرضت عن السنن
(4)
.
المسألة الثالثة: موقف المستشرقين من الآثار المرئية:
سبقت الإشارة إلى بيان موقف المستشرقين من الآثار المرئية وسعيهم في إحياء الآثار: الفرعونية والفينيقية والبابلية في الفصل الأول
(5)
.
ولم يقتصروا على ذلك فحسب؛ بل بذلوا جهدهم في التنقيب عن كثير من الآثار الوثنية والجاهلية في أراضي المسلمين وما زالوا ينبشون الأراضي.
ومن المعلوم أن علم الآثار والتنقيب عن المخلّفات القديمة وليد القرن الماضي، فهو يعتبر من العلوم التي نشأت وظهرت حديثًا؛ لأجل ذلك ابتكر خبراء الآثار الأوروبيين مصطلح علم الآثار
(6)
، وصنفوا الكتب؛ للتعريف به، ووضعوا ضوابط وأسس وقواعد تخصه، وأقساماً عامة، وتقاسيم مفصلة للآثار
(1)
يُنظر: المرجع السابق (2/ 213).
(2)
مقولة لقمان بن أبي إدريس الخولاني رحمه الله. الاعتصام، الشاطبي (1/ 40).
(3)
مقولة حسان بن عطية رحمه الله. المرجع السابق.
(4)
إغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 385 - 386).
(5)
للعودة إلى مبحث الآثار الوثنية والجاهلية راجع فضلاً (257 - 266 - 274).
(6)
يُنظر: الآثار الشرقية، من مقدمة المترجم مارون الخوري (هـ).
الموجودة على سطح الأرض، والتي هي مقياس الحضارة لديهم، واعتمدوا على ثمانية أنواع من الآثار فقط، كما هو مقرر في كتبهم، وهي
(1)
:
1 آثار ما قبل التاريخ.
2 آثار أوروبا الغربية.
3 الآثار المصرية الفرعونية.
4 الآثار الآشورية ما بين النهرين.
5 الآثار الرومانية واليونانية.
6 آثار العهد المسيحي القديم، والعصور الوسطى.
7 آثار عصر النهضة.
8 الآثار الشرقية الهند الصين فارس.
فيتضح من خلال تقسيم الآثار السابق والمعتمد لدى المستشرقين أن تركيزهم في التنقيب مسلّط على الآثار الجاهلية والوثنية، وإهمالهم للآثار الإسلامية التي في الأندلس وفي الدول العربية وفي كل منطقة؛ لعدم توافقها مع أهدافهم!
(2)
.
وكذلك حاولوا طمس الحقائق المتعلقة بآثار الأنبياء والأمم الهالكة، كسفينة نوح عليه السلام ومصارع قوم صالح عليه السلام وغيرهم من الأمم الهالكة؛ لزعزعة الحقيقة التي أخبر بها القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الصحيحة، ولطمس أي معلم أثري من المعالم الأثرية الذي يدل على دعوة الأنبياء أو الإيمان بالله وتوحيده
(3)
.
(1)
يُنظر: دور أهل الذمة في إقصاء الشريعة الإسلامية (329 - 330، 339 - 340).
(2)
ليس المقصود الإشارة إلى أهمية التنقيب عن الآثار الإسلامية إذ إن المسلمين ليسوا بحاجة لها، أو يُفهم التحسّر لأنهم أهملوها؛ بل المراد التنبيه إلى أحد دوافع المستشرقين الخبيثة في إغفال الآثار الإسلامية وطمسها وعدم إظهارها؛ لتفريق المسلمين، واحتلال أراضيهم كما سيتم تفصيل ذلك في موضعه.
(3)
يُنظر: دور أهل الذمة (347 - 350).
ويتجلّى موقف المستشرقين من الآثار الوثنية والجاهلية من خلال التعظيم والتبجيل فضلاً عن الإحياء، إذ إن التنقيب عن الآثار يصحبه اهتمام وترميم، وإعادة تشكيل ما تضرر منه، ومحافظة على الموقع الذي وُجد فيه، وإذاعة نتائج اكتشافه ومن ثم إبرازه في موقعه إذا كان لا يُنقل، أو نقله للمتاحف التي أصبح لها نوع من القداسة المشابهة لقداسة دور العبادة، بحيث يجد الزائر للمتاحف أجواء غريبة داخل المتحف من قِبل الزوار الذين تعلموا منذ الصغر تعظيم التماثيل والصور القديمة المحفوظة في المتاحف، وأنها لا تقدّر بثمن.
حيث تجد الزائر يقف أمام بعض القطع الأثرية منبهرًا وهذا مشاهد في الواقع، حيث تظهر على رواد المتحف علامات الإعجاب والانبهار والتعظيم والتبجيل.
أضف إلى ذلك ما يفتعله المشرفون على المتحف من التعتيم المصطنع في بعض الزوايا، والإضاءة الخافتة في بعضها الآخر، ومن أسلوب العرض لبعض اللوحات، كأن تعرض لوحة واحدة بمفردها في قاعة كبيرة خاصة، وقد يخصص بناء كامل مستقل للوحة أثرية واحدة
(1)
.
إن موقف المستشرقين تجاه الآثار الوثنية صريح وظاهر من تعاملهم وسعيهم، ولا إشكال فيه، وتتجلى حقيقة موقفهم تجاه الآثار الوثنية والجاهلية، من الوسائل التي اتخذوها؛ لتحقيق أهدافهم، وبيان ذلك من خلال التفصيل في أمرين:
أ الوسائل والطرق المستخدمة في إحياء الآثار الوثنية والجاهلية.
ب الدوافع والأهداف في إحياء الآثار الوثنية والجاهلية.
(1)
يُنظر: تعظيم الآثار والمشاهد (292).
أ الوسائل والطرق المستخدمة في إحياء الآثار الوثنية والجاهلية والتي يمكن تلخيصها كالتالي
(1)
:
1 تأسيس مراكز ومعاهد في علم الآثار، والمطالبة برئاستها والإشراف عليها؛ لتدريب بعض أفراد المسلمين بناءً على قواعدهم وأسسهم، الموافقة لأهدافهم.
ودليل ذلك ما أشرت إليه سابقًا
(2)
من أن أول وأشهر بعثات الآثار في ديار المسلمين تلك الحملة الصليبية التي قادها نابليون على بلاد مصر والذي أصدر حينها أمرًا بإنشاء المجمع العلمي والمتحف الوطني المصري، وتولية أحد المستشرقين رئاسة هيئة الآثار المصرية.
2 إلحاق إدارات علم الآثار بالجهات التعليمية، وتخطئة من ألحقها بمصالح السياحة، وفرض مقرر علم الآثار في المناهج الدراسية.
ومما يؤكد ذلك ما حصل في مصر، من إلغاء دراسة التاريخ الإسلامي من المرحلتين الابتدائية والثانوية لحساب تاريخ الفراعنة والغرب.
حيث كان التاريخ الفرعوني يدرَّس في (75) صفحة، وفي المرحلة الإعدادية فقط، ثم أصبح يدرَّس في المراحل الثلاث وفي (317) صفحة!
وهذا التوسع جاء على حساب التاريخ الإسلامي الذي كان يدرَّس في المراحل الثلاث في (307) صفحة، فاختزل في مرحلة واحدة من الإعدادية إلى (32) صفحة!
(3)
.
3 إنشاء المتاحف الأثرية الوطنية لكل بلد، وتوفير الدعم المادي، واستخدام أساليب خاصة في عرض المقتنيات الأثرية.
ومما يؤكد ذلك قول أحد المغترين بالآثار مفاخرًا بها: والمتاحف الشرقية ثمرة من ثمرات جهود مئات المستشرقين، الذين تفرقوا في بقاع الشرق تحت
(1)
يُنظر: دور أهل الذمة (329 - 330، 335 - 340)، الاتجاهات الوطنية، لمحمد حسين (129 - 142)، تعظيم الآثار والمشاهد (291 - 309).
(2)
راجع لطفًا (258).
(3)
قاله: د. جمال عبد الهادي في ندوة بعنوان: هويتنا الإسلامية: بين التحديات والانطلاق، نشرت في مجلة البيان (الحلقة الثالثة ص 42 العدد: 130 جمادى الأخرة، 1419 هـ).
حرارة الشمس اللافحة، بين رماله ووهاده وجباله؛ فكشفوا عما خلفه أسلافنا من حضارات: سومرية، وآكدية، وبابلية، وآشورية، ومصرية، وفينيقية، وقرطاجينية وغيرها، مطمورة تحت الأرض أو ملقاة عليها، أو مدونة في آجرها وصخورها، وقد مر بها ملايين الناس، طوال مئات الأجيال، دون أن يتنبه
…
متنبه حتى كشف عنها المستشرقون وهدوا البشرية إليها بحلِّهم حروف لغاتها المندثرة ووضعهم قواعدها ومعاجمها وتصنيفهم في فنونها وآدابها وعلومها، فبعثوها من مرقدها، في متاحف ومعاهد ومطابع ومجلات، لتبهر أبصار العالم
…
(1)
.
ولعل ما يُجنى من تلك الثمرة المسمومة هو إحياء الوثنية في بلاد المسلمين، وإقعادها من مرقدها لتدمير الإسلام وتفكيكه.
وأيضًا مما يؤكد دعمهم وحرصهم على إنشاء المتاحف ما أشرت إليه سابقًا
(2)
حين دعم أحد المستشرقين اليهود
(3)
من ماله الخاص أكثر من عشرة مليون دولار؛ لإنشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر، وألحق به معهدًا لتخريج المختصين في هذا الفن، تحت إشراف لجنة مسؤولة عن إدارة المتحف والمعهد.
4 استخدام آليات منظمة لتفعيل جميع وسائل التواصل الاجتماعية لإحياء الآثار؛ للسيطرة الفكرية والثقافية على العالم الإسلامي، مثل:
أ إبراز أهمية الآثار الوهمية وأماكن تواجدها في الإعلام المرئي، والمسموع، وكذلك المكتوب ونشره بواسطة الكتب، والصحف والمجلات.
ب عرض نماذج من الآثار المكتشفة في الميادين وأماكن تجمع الناس؛ مما يشد انتباه البسطاء، ويحثهم على زيارة أماكن تواجد الأثر الحقيقي.
ج الحث على دراسة علم الآثار من خلال الإغراء المادي للدارسين والمقبلين على العمل، بتوفر وظائف ذات دخل عالٍ.
(1)
المستشرقون، لنجيب العقيقي (3/ 1125).
(2)
للعودة إلى مبحث الآثار الوثنية راجع لطفًا (250).
(3)
روكفلر الأمريكي، وهو من غلاة الصهاينة، وقد استرد هبته آنذاك، بسبب رفض الحكومة شرط إشرافهم على المعهد الفني لمدة 33 سنة؛ يهدف إلى إنشاء جيل من المتعصبين. يُنظر: الاتجاهات الوطنية (132 - 133)، والإسلام والحضارة الغربية (237)، كلاهما لمحمد محمد حسين.
ومن الجدير بالذكر أن مهنة التنقيب عن الآثار والإرشاد السياحي من أخصب المهن وأكثرها قابلية للتلون والكذب، كما أشار لذلك أحد خبراء الآثار بقوله: أرى لزامًا علي أن أخبرك بهذه المناسبة بأنه ما من مهنة يمكن أن يندس فيها الدجالون أكثر من هذه المهنة، وعالم الآثار كما رسمته هو الرجل ذو الصفات المتعددة
(1)
.
د تصوير الشعارات الأثرية على كثير من المقتنيات، وطوابع البريد، وكذلك اتخادهم بعض الآثار شعارًا للكليات.
هـ الحث على نظم الشعر والأدب في التمجيد الوثني والاعتزاز بالجاهلية، كما نظم أحد شعراء مصر أبياتًا يظهر فيها اعتزازه بالفراعنة، وغلوه الشديد في ذكر أحوالهم وتمجيدهم، وأن الأنبياء والرسل لجؤوا وعاشوا في ظلال الفراعنة، قائلاً:
(2)
أين الفراعنة الأُلى استذرَى بهم
عيسى ويوسف والكليم المُصْعقُ
الموردون الناس منهل حكمة
أفضى إليها الأنبياء ليستقوا
الرافعون إلى الضحى آباءهم
فالشمس أصلهم الوضيء المعرق
وكأنما بين البلى وقبورهم عهدٌ
على أن لا مساس وموثق
فحجابهم تحت الثرى من هيبة
كحجابهم فوق الثرى لا يُخرق
بلغوا الحقيقة من حياة علمُها
حُجب مكثّفة وسرٌّ مُغلق
وتبينوا معنى الوجود فلم يروا
دون الخلود سعادة تتحققُ
5 القيام بعمل احتفالات سنوية؛ احتفاءً بالاكتشافات الأثرية، وإبرازًا بعض ما تم اكتشافه من باب التذكير ولفت انتباه الناس لأهميته في حياتهم، وإحياء ذكره في المهرجانات الشعبية وغيرها، مما يجعلهم ينصرفون عن كثير من القضايا المعاصرة التي تعانيها الشعوب إلى علم الآثار.
(1)
الآثار الشرقية، من مقدمة المترجم مارون الخوري [ط: 1] (م).
(2)
ديوان أحمد شوقي المسمى ب الشوقيات (2/ 409).
6 ربط مدى التقدم والتحضر والرقي، بالحضارات والآثار السالفة التي تحيا الشعوب على أطلالها، والتهويل من شأن هذه الاكتشافات الأثرية وتفخيمها وإحاطتها بهالة من التمجيد والتبجيل مع إبراز سمو مرتبة الانتساب لها، مما يؤدي إلى وسم من لم يتقبلها ويرفضها بالتخلف والرجعية والتأخر.
7 رصد الجوائز للاكتشافات الأثرية وإضفاء ألقاب التعظيم والتبجيل على المشتغلين بعلم الآثار، والبحث والتنقيب عنها، على خلاف موقفهم ممن يقدمون الخير الحقيقي للبشرية المستحقين للتعظيم والتقدير.
وذلك يظهر من موقف أحد المتأثرين والمفتونين بالآثار الوثنية بعدما اكتشف أحد المستشرقين في سوريا إبلا الأثرية قائلاً:
…
باكتشاف إبلا الأثرية في أواسط السبعينيات من قرننا الحالي استرجعت سورية العربية صفحة من أنصع صفحات تاريخها ووقفت على قدم المساواة مع حضارتي وادي النيل وبلاد ما بين النهرين بعد أن كان ينظر إليها كمحطة للحضارة وليست صانعة لها وفاعلة فيها
…
باكتشافات إبلا تفتحت أمام الباحثين والمؤرخين والآثاريين آفاق لا تنتهي من العمل المتجدد للبحث عن أصول التمدن وبواكير الحضارة
…
أصبح بمقدور العلماء البحث في تفاصيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية والإدارية والسياسية والتجارية والدولية
…
ومن خلال رؤية حديثة إلى تاريخنا العربي القديم وضمن إطار تاريخي موحد قادر على استيعاب هذا التاريخ بكامله بحيث تستوعب الوثائق الأثرية المستجدة وتدرج في سياقها المعقول خاصة وأن في اكتشافاتنا الآثارية المتلاحقة ما يدعو إلى الاعتزاز بتراثنا الحضاري واستلهام الماضي من أجل الحاضر والمستقبل المشرق
(1)
.
فانظروا إلى افتتان الكاتب كيف اعتبر الآثار الوثنية الجاهلية لسوريا
(1)
إمبراطورية إبلا، نقلاً من تعظيم الآثار والمشاهد (259).
أنصع صفحاتها، وجعلها تقف على قدم المساواة مع مصر والعراق، وأن سوريا ليست أقل شأنًا منهما في هذه النصاعة التاريخية!!
والعجيب في الأمر أن المستشرقين ينسبون أصولهم، ويلصقون انتماءهم، ويلحقون أنفسهم بأراضي المسلمين التي نقبوا فيها واكتشفوا بعض آثارها.
فآثار إبلا مكتشفها مستشرق إيطالي فيصفها بأنها حضارة من حضارات إيطاليا القديمة في سوريا!
فيقول: كل هذا يقدم الدليل الذي يثبت أهمية الموقع حضاريًّا وتاريخيًّا، لذلك قمنا بهذه الأعمال وكما ترى فإنها تهدف إلى توسيع معرفتنا بمملكة إبلا، ولا شيء سوى ذلك مع إيماننا الأكيد بأن إبلا ما زالت تحتاج إلى عشرات السنين من المواسم التنقيبية حتى نتمكن من إعطاء صورة كاملة عن حضارتنا الزاهية النادرة
(1)
.
وكذلك اغتياظ بعض الآثاريين اليهود من عدم وجود أي أثر مكتوب أو محفور بالعبرية في بلاد المسلمين، والتصريح بذلك، فيقول أحدهم بعدما وجد كثيرًا من الآثار العربية البحتة عند زيارته لخيبر: ومما غاظني بالفعل أنني تلقيت كيسًا مليئًا بالنقوش إلا أنني لم أجد بينها أي نقش عبري يحمل اسم أي يهودي أو يتحدث عن أي نشاط لليهود في خيبر
(2)
.
وكذا خبراء الآثار في أمريكا لا تعنيهم آثار الهنود الحمر التي في بلدهم؛ لأنها لا تمثل شيئًا من ماضيهم الثقافي، ولكن انصبت عنايتهم هم وأمثالهم الأوروبيين بالآثار التي في بلاد المسلمين؛ وزعموا أنها تشكل شيئًا من ماضيهم وآثارهم!
(3)
(1)
يُنظر: إمبراطورية إبلا (166)، نقلاً من تعظيم الآثار والمشاهد (254 - 255).
(2)
الآثار في شمال الحجاز، لحمود القثامي (1/ 216 - 217)، نقلاً من تعظيم الآثار والمشاهد (263).
(3)
يُنظر: تعظيم الآثار والمشاهد (266).
ب الدوافع والأهداف في إحياء الآثار الوثنية والجاهلية:
اتخاذ التنقيب عن الآثار الوثنية ذريعة للدخول إلى أراضي المسلمين، مما يمثل خطورة على المجتمع الإسلامي من أوجه متعددة، وتحقيقًا لأهداف الأعداء، وهذه الأهداف تتمثل فيما يلي:
(1)
1 إحياء القوميات المندثرة؛ لتفكيك وحدة المسلمين، وذلك من خلال إقناع كل دولة مسلمة بأن لها كيانًا قائمًا بذاته منذ أقدم العصور، والعمل على جعل مناط الولاء والبراء هو الانتماء إلى التاريخ القديم الذي يُلحق به الاكتشاف الأثري الوثني والجاهلي؛ فعملوا جاهدين على تفرقة وحدة المسلمين وتقطيع أواصر العلاقات المبنية على الوحدة الدينية العقدية الإسلامية، والخلفية التاريخية، إلى التعددية الحضارية التابعة للبقاع المختلفة والثقافات التي كانت تنتمي إليها الدول الإسلامية قبل الفتوحات كالفرعونية والأشورية والبابلية والفارسية.
وذلك يعدّ أكبر رافد ومغذٍّ للقوميات الوطنية في بلاد المسلمين وأكبر معول هدم لتمزيق وتفتيت القوى، وإضعاف الوحدة، وتفريق الأخوة ما يجعلهم فريسة سهلة للعدوان والغزو الثقافي والعسكري؛ وسبب ذلك كله أن ولاء المسلم وانتماءه اتجه للوجهة الخاطئة والمنحرفة عن مقاصد الدين الإسلامي وأصوله.
كما قال المستشرق كويلر ينج: إننا في كل بلد إسلامي دخلناه نبشنا الأرض؛ لنستخرج حضارات ما قبل الإسلام، ولسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى ما قبل الإسلام، ولكن يكفينا تذبذبه بين الإسلام وبين تلك الحضارات
(2)
.
2 إحياء الوثنيات القديمة؛ حتى يسهل صرف الأمة الإسلامية عن دينها، وذلك من خلال تسليط الضوء على التقدّم العلمي الذي أحرزته الأمم الكافرة والغابرة.
(1)
يُنظر: دور أهل الذمة (340 - 245، 353)، الاتجاهات الوطنية (131 - 140)، تعظيم الآثار والمشاهد (244 - 252).
(2)
الشرق الأدنى ومجتمعه وثقافته، لكويلر ينج، نقلاً من واقعنا المعاصر (188) ..
من خلال إبراز الأصنام والأوثان باسم إحياء الآثار، والحضارات القديمة، حيث إنهم يظهرون ضرورة الاهتمام بها، وتعظيم شأنها، وإبهار المُشاهد لها، وإغفال قبح هذا الفعل وخطورته على عقيدة المسلم، حتى تحوّل الحس لدى بعض المسلمين عند مشاهدتها من استهجانها والبراءة منها، إلى الولاء والانتماء لها.
والتي هي في حقيقتها آثارٌ جاهلية وثنية؛ فبالتالي يعيدون المسلم للأحوال الوثنية التي كانوا عليها قبل الإسلام والتركيز على الأصنام التي كانت تعبد في الجاهلية؛ كتماثيل الفراعنة والفينيقيين والبابليين وغيرهم.
3 إبعاد ما جاء عن تفسير آثار الأنبياء مع أقوامهم في القرآن الكريم؛ لتغيير النظرة تجاه آثار الأمم الهالكة من أنها أمم طغت وكفرت بالله سبحانه وتعالى إلى نظرة إعجاب بالحضارة والقوة ومهارة البناء، وإبداع الصنع وغيرها على حد زعمهم.
حيث نجد سائر تاريخ البشرية وما يسمى بالصروح الحضارية، والمعالم الأثرية، لا تنشأ إلا في دول الظلم والطغيان، والبعد عن الله جل جلاله.
وأكبر دليل على ذلك آثار ديار قوم ثمود المعذبين، والفراعنة الهالكين، وغيرهم من الأمم الكافرة الغابرة.
وكذلك الآثار التي خلفها المسلمون مثلاً في مصر خلال عهد الدولة العبيدية، وآثار المسلمين في الأندلس وكذلك الشام والعراق وغيرها، بدأت في عصور الضعف وانتشار المعاصي والظلم، وطغيان الأموال، وفي مرحلة الانحطاط العقدي والفكري لدى المسلمين.
ولكن للأسف هذه الرؤية بدأت تنطمس عند المسلمين، إذ سيطرت عليهم الكتابات الغربية في تحويل مفهوم الآثار من الخوف والعظة والاعتبار إلى الدهشة والإعجاب والانبهار بفن الإبداع والإتقان!
4 التجسس على الإسلام والمسلمين، والنظم الحاكمة، والخطوط الثقافية التي تموج بها المجتمعات، ونقل هذه الأخبار لعقول التفكير الخارجي لانتهاز الفرص؛ لتحصيل مصالحهم الخاصة.
ومما يؤكد ذلك ما جاء في مذكرات السلطان العثماني والتي ذكر فيها واحدة من تلك الوقائع تحت عنوان التجسس لاكتشاف البترول عن طريق الأبحاث الأثرية
(1)
.
وإن كانت هناك وسائل وأهداف كثيرة تظهرُ حينًا وتختفي حينًا آخر، لكن لعل ما أوردت أظهرها، وهي أبرز السهام القاتلة التي أُطلقت تجاه السُّنَّة لإضعاف العالم الإسلامي، بتوجيه من المستشرقين وأعداء الدين؛ للقضاء على الإسلام والمسلمين باسم إحياء الآثار والحفاظ على الحضارات التي سادت ثم بادت وبسعي من المستشرقين عادت!
وبالرغم من اختلاف أصول المستشرقين وتباينهم إلا أن موقفهم مشترك تجاه الآثار الوثنية والجاهلية؛ بل متفق في استخدام وسائل إحياء الآثار، وكذلك سعيهم في تنفيذ الأهداف والدوافع.
إلا أن المستشرقين اليهود تجاوزوا الحد وبالغوا في ذلك؛ وتجلّى ذلك من خلال موقفهم الخبيث الذي قام به المحتلون لأراضي المسلمين من خطوات دالة على سوء طويتهم المتسترة تحت مسمى إحياء الآثار؛ ويتضح ذلك بما يلي
(2)
:
1 التنقيب عن المخلفات القديمة واستخراجها من باطن الأرض، وتفسيرها بناءً على فرضيات مسبقة ذات تلازم بين البُعد اللاهوتي، والبُعد الاستعماري، فليس المقصود التعرّف على الأثر وهويته بعد اكتشافه؛ بل تنزيل النص التوراتي المحرّف على الأثر؛ لرفعه كمستند يربط بين الجوهر وأراضي المنطقة والكيان الاستعماري.
(1)
ترجم المؤرخ محمد حرب ما جاء في المذكرة من أحداث حصلت بين السلطان العثماني عبد الحميد وفريق من خبراء الآثار المستشرقين الإنجليز، حيث بدأت بالتنقيب عن الآثار خدمة للتاريخ والحضارات دون مقابل، وانتهت بحفر آبار البترول!! لمعرفة تفاصيل القصة. يُنظر: دور أهل الذمة (356 - 359).
(2)
يُنظر: مستشرقون في علم الآثار، لمحمد الأسعد (9، 11 - 12، 25 - 28، 34 - 37)، التوراة في مواجهة علم الآثار والدراسات التوراتية، للطفي السومى (259 - 306).
كما أكد على ذلك أحد المنقبين الإيرلنديين في كتابه قرن من التنقيب في فلسطين الذي نقد فيه علم الآثار التوراتي، قائلاً: ثمة نزعة غير علمية تسود مبحث التنقيب هنا، فالباحثون ينطلقون من فرضيات مسبقة، ويحاولون التفتيش عما يدعمها في المواقع الأثرية، ويهملون في سعيهم كل الآثار المكتشفة التي لا تدعم فرضياتهم، أو يختلقون قراءات للآثار المكتشفة تعزز ما في أذهانهم
(1)
ثم بدأ بضرب كثير من الأمثلة العلمية المختلقة.
2 طمس الهوية الإسلامية التي تعود إلى مئات السنين، وذلك بمحاولة إعادة تركيب الأراضي الإسلامية، والمجتمعات العربية الشرقية بالعموم، تاريخيًّا وجغرافيًّا؛ لقطع المسلم المعاصر عن العمق التاريخي الإسلامي، للاستيلاء على الأرض بحجة عدم صلة آثارها بالمسلمين، كما هو الحاصل في فلسطين.
ولو حاول أحد خبراء الآثار إبراز اكتشافات أثرية متعلقة بالمسلمين، أو أظهر ألواحًا كُتبت بالعربية، فإن مصيره الموت!
وما يؤكد ذلك ما حصل لعالم الآثار الأمريكي، الذي كان رئيس قسم الآثار في جامعة بير زيت، ومؤسس معهد الآثار الفلسطيني الأول من نوعه في الوطن العربي.
حينما كان يستعد لنشر نتائج أبحاثه القائمة على التنقيب الميداني في المواقع الفلسطينية، ولم يوافق خطاب الاستشراق التوراتي في نتائج المكتشفات الأثرية!
وقد اختفى قبل أن ينشر أبحاثه، وبعد البحث والتحقيق وجدوا أنه اغتيل ورمي في البحر
(2)
.
(1)
يُنظر: Edward Fox، op.cit.p 92، نقلاً من مستشرقون في علم الآثار (55).
(2)
يُنظر: مستشرقون في علم الآثار، لمحمد الأسعد (53 - 55)، ولمعرفة الحدث كامل راجع لطفًا:
Palestine twilight: the murder of D.Albert Glock and the Archaeology of the Holy Land، Harper Collins Publishers، Edward Fox، London، 2001، pp. (37).
3 السعي بشتى الطرق والوسائل للتنقيب في الأراضي الإسلامية؛ لصناعة تاريخ جديد للمنطقة بإبادة سكانها الأصليين، ونسبة اللغة والفنون والعقائد المكتشفة إلى التوراة المحرّفة، بحيث يصنعون تاريخًا ذا خلفية مكانية وزمانية مختلفة، بأسلوب غريب على البحث العلمي.
الذي هو عبارة عن مزج بين المعطيات الأثرية التي لا صلة بينها وبين الآثار، ولا علاقة حقيقية في الاستنتاجات المنطقية تجمعها، حيث إنها تخرجها إلى دائرة التصورات الموروثة بكل أخطائها؛ للوصول إلى فرضيات مسبقة، مستندة في مصادرها على روايات توراتية.
ومما يؤيد ذلك ما طرحه أحد المستشرقين الألمان في مقدمة كتابه بابل والكتاب المقدس متسائلاً:
ما الداعي لبذل كل هذا الجهد في تلك البلاد البعيدة والخطرة والوعرة؟
لماذا هذا التنقيب المكلف في التلال المتراكمة منذ آلاف السنين إلى عمق المياه الجوفية حيث لا ذهب ولا فضة؟
لماذا التنافس بين أمم على حجز حق التنقيب في البلاد المقفرة؟
ما الذي يدفع بالناس على كِلَا شاطئي المحيط إلى هذا الاهتمام المتزايد والاستعداد للتضحية في سبيل الحفريات في مناطق مملكة بابل وبلاد آشور؟.
فأجاب باختصار:
إن جوابًا واحدًا يشير ولو بشكل غير كاف إلى السبب والغرض .. إنه الكتاب المقدس
(1)
.
(1)
بابل والكتاب المقدس، لفريدريك دالاتش (7).
فيظهر مما سبق خبث الطوية التي خلف نشأة علم الآثار والتنقيب عنها، وأنها ذريعة للقضاء على الإسلام والحد من انتشاره، ومحاولة للغزو الفكري والعسكري، والاقتصادي: وبيان ذلك فيما يلي:
(1)
أ الغزو الفكري؛ وذلك من خلال إحياء القومية والوثنية وتعظيمها والتي هي السبب الأول والرئيس في شرك السالفين من الأقوام كما جاء في الكتاب والسُّنَّة الصحيحة من قصص آثار الأمم الهالكة، من قوم نوح عليه السلام وحتى مشركي العرب.
وكذلك ما جاء في التاريخ من ذكر الآثار التي خلفتها الدول المعادية للإسلام كالآثار الفرعونية والفينيقية في العصور المتقدمة، وفي العصور المتأخرة آثار الدولة العبيدية الرافضية في مصر والصفوية في بلاد فارس، وغيرهم.
ب الغزو العسكري: وذلك من خلال إرسال الحملات والبعثات الآثارية؛ لطمس الهوية الإسلامية، ومحاولة إعادة تركيب الأراضي الإسلامية تاريخيًّا وجغرافيًّا؛ وقطع المسلم المعاصر عن العمق التاريخي الإسلامي المتعلق بأرضه، والاستيلاء على وطنه بحجة عدم صلة آثارها بالمسلمين، كما فعل نابليون في مصر، وكذلك اليهود في فلسطين.
ج التوهين الاقتصادي العام: وذلك من خلال رصد الأموال لحفظ هذه الآثار وإنشاء المعاهد والمؤسسات التي تُصرف لها الميزانيات الضخمة؛ فيكثر التوجه لها، وفي المقابل تُغفل الميزانيات الأخرى الأكثر أهمية، فينصرف النظر عن التعليم والصحة والزراعة والدفاع، وهو نوع من توهين الاقتصاد العام للدول الإسلامية، وإشغال أبنائها بما لا يفيد بل يضر.
وأن الدول التي اعتمدت على الآثار كأحد مصادر الدخل الاقتصادي لها، لم تحقق الرخاء بل جعلها أكثر ضعفًا؛ لتعلقها بما يسهل الإضرار به، بخلاف مصادر الدخل الأخرى كالصناعة والزراعة وغيرها.
(1)
يُنظر: أعداء الإسلام وعلم الآثار، لمصطفى مهدي (مقال إلكتروني في شبكة الألوكة الشرعية).
المبحث الثاني
تفنيد شبهات الفرق والمستشرقين حول الآثار
وفيه مطلبان:
المطلب الأول:
الشبهات حول الآثار المروية، وآثار المواسم الزمانية.
المطلب الثاني:
الشبهات حول الآثار المرئية.
المبحث الثاني
تفنيد شبهات الفرق والمستشرقين حول الآثار
إن المكر بالإسلام والكيد له، وتشويه معالمه ابتلي به المسلمون منذ القرون الأولى، ولقد تولى ترويج مكر المستشرقين وأعداء الإسلام، وتنفيذ كيدهم، وبث شبهاتهم داخل صفوف المسلمين، بعض الفرق المنحرفة، والحركات الهدامة المنتسبة للإسلام.
وأغلب الشبهات إن لم تكن كلها تعتمد على ثلاثة أمور
(1)
:
1 قياس فاسد.
2 نقل كاذب.
3 خطاب ألقي على العبد واعتقد أنه من الله جل جلاله وكان من إلقاء الشيطان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذه الثلاثة هي عمدة من يخالف السُّنَّة بما يراه حجة ودليلاً، إما أن يحتج بأدلة عقلية ويظنها برهانًا، وأدلة قطعية وتكون شبهات فاسدة مركبة من ألفاظ مجملة، ومعان متشابهة لم يميز بين حقها وباطلها، كما يوجد مثل ذلك في جميع ما يحتج به من خالف الكتاب والسُّنَّة إنما يركب حججه من ألفاظ متشابهة، فإذا وقع الاستفسار والتفصيل تبين الحق من الباطل وهذه هي الحجج العقلية.
وإن تمسك المبطل بحجج سمعية فإما أن تكون كذبًا على الرسول أو تكون غير دالة على ما احتج بها أهل البطول، فالمنع إما في الإسناد وإما في المتن ودلالته على ما ذكر وهذه هي الحجة السمعية
(2)
.
(1)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/ 68).
(2)
المرجع السابق.
ومن المهم التنبيه إلى أن تفنيد بعض الشبهات، وإطلاق بعض المسميات أو التسليم ببعض الفرضيات التي يحتج بها المخالف وبيان بطلان ما يلزم منها، ليس من باب الإقرار والرضى بقول المخالف؛ بل هو نزولاً للمخالف بما يصطلحه ويفرضه، ومن باب الحكاية عن القوم الذين احتجوا بتلك الاحتجاجات والدعاوى، وهو اصطلاح فُرض علينا ونحن نناقشه.
وبسط هذا المبحث في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: أبرز الشبهات حول الآثار الحديثية المروية والمواسم الزمانية.
المطلب الثاني: أبرز الشبهات حول الآثار المرئية.
* * *
المطلب الأول
أبرز الشبهات حول الآثار الحديثية المروية والمواسم الزمانية
تعرضت الآثار النبوية الحديثية الشريفة لهجمات شرسة بعد زمن النبوة، حيث قام أعداء الملة والمناوئون للسنة بالتشكيك بها وانتقاصها. فلم يطِلّ القرن الثاني الهجري حتى ظهر من يُنكر حجيتها جزئيًا، وكليًا، نتيجة للشبهات التي خلفتها الروافض والخوارج ومن بعدهم كالمعتزلة
(1)
.
حيث سلكوا عدة طرق منها: عدم الاستدلال بالآثار النبوية الحديثية، ومحاولة إبطال حجيتها بإثارة شبه قد تروّج على بعض الجاهلين وذوي الأهواء المنحرفة.
وإن ادّعت تلك الفرق والحركات أنها تؤمن بالقرآن الكريم.
إذ القرآن الكريم بإعجازه سورٌ شامخٌ حال بين هؤلاء الحاقدين وبين ما يريدون.
وقد سبق بيان أن الاحتجاج بالآثار النبوية الحديثية الصحيحة التي تلقتها الأمة بالقبول أمرٌ بديهي، لا يحتاج إلى إثبات
(2)
؛ لأن الإسلام يقوم على أساسين هما: الكتاب والسُّنَّة، بفهم سلف الأمة.
ومن الواجب على أهل الإسلام الرد على من أنكر حجيتها كليًّا أو جزئيًّا؛ ودحض شبهاتهم. من باب إحياء الآثار النبوية الحديثية، وتيمنًا بمنهج أهل السُّنَّة والجماعة في الرد على المخالفين، إذ يقول الإمام مسلم رحمه الله في
(1)
كما سبق بيان موقفهم في المطلب السابق راجع فضلاً (341).
(2)
يُراجع فضلاً (46).
مقدمة صحيحه عن غلط قول بعض المنتحلين لأهل الحديث في تصحيح الأسانيد وتضعيفها: لو ضربنا عن حكايته، وذكر فساده صفحًا لكان رأيًا متينًا، ومذهبًا صحيحًا، إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته، وإخمال ذكر قائله، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهًا للجهال عليه، غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب، واغترار الجهلة بمحدثات الأمور، وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين، والأقوال الساقطة عند العلماء، رأينا الكشف عن فساد قوله ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد، أجدى على الأنام، وأحمد للعاقبة إن شاء الله
(1)
. وكذلك الصحابة والتابعون رضي الله عنهم قاموا بالذب عن السنة، وجهادهم معروف في حفظها.
فالمتأمل لكتاب الله يجد الرد على من لم يقبل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وحكمه، والمتتبع لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بيان حكم من رد حديثه صلى الله عليه وسلم، وكذلك الصحابة والتابعون رضي الله عنهم قاموا بالذب عن السنّة، وجهادهم معروف في حفظها، والرد على أعدائها، ثم أتباع التابعين ومن بعدهم من الأئمة الأعلام كالإمام الشافعي رحمه الله حيث تصدى للرد على منكري حجية السنة قديمًا كما تقدّمت الإشارة
(2)
فقد جاء في كتابه «الأُم» وكتابه «جماع العلم» ردٌ على من أنكر السُّنَّة كلها، ودحض لأباطيلهم وشبهاتهم بردود قوية، وحجج دامغة
(3)
.
كما عَقَدَ رحمه الله فصلاً طويلاً في كتابه «الرسالة» لحجية خبر الآحاد والرد على من أنكرها
(4)
.
وكذلك تصدى للرد عليهم الإمام أحمد، وابن قتيبة، والدارمي، وغيرهم من الأئمة، بيد أن الإمام ابن قتيبة رحمه الله أطال النفس في تصديه لهم،
(1)
مقدمة صحيح مسلم (1/ 28).
(2)
راجع فضلاً (56).
(3)
يُنظر: كتاب جماع العلم، باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها (4 - 19) وكذلك كتاب الأم (7/ 250)، وقد لخّص د. مصطفى السباعي ردود الإمام الشافعي وجوابه على منكري السُّنَّة، بخمس نقاط موجزة في كتابه: السُّنَّة ومكانتها في التشريع (152) يُنصح بمراجعتها للفائدة.
(4)
يُنظر: الرسالة، للشافعي، خصص باب الحجة في تثبيت خبر الواحد (3/ 400 - 471).
ونصّ على عدد من رؤوس أهل الضلال، وفنّد مطاعنهم، في كتابه: تأويل مختلف الحديث
(1)
.
والشبهات المعنية في هذا المطلب، هي تلك الشبهات المصبوغة بالصبغة الإسلامية زورًا، إذا خطورتها أعظم، والافتتان بها أشد مما سواها.
وأما عن الشبهات المتعلقة بآثار المواسم الزمانية، فلقد لاقت رواجًا عند كثير من الناس لا سيما أهل البدع؛ لأنها ظهرت بصبغة دينية، وقالب شرعي، ودعوى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بإحياء ذكرى مولده، وليلة أُسري به صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي بيانه في موضعه.
فبسط هذا المطلب في المسألتين التاليتين:
المسألة الأولى: الشبهات المتعلقة بإنكار الآثار الحديثية المروية.
المسألة الثانية: الشبهات المتعلقة بآثار المواسم الدينية الزمانية.
المسألة الأولى: الشبهات المتعلقة بإنكار الآثار الحديثية المروية:
من يتأمل مجموع الشبهات المتعلقة بالآثار النبوية الحديثية يظهر له أنها مهما تعددت فهي لا تخلو عن أحد قسمين:
القسم الأول: الشبهات المتعلقة بالإنكار الكلي للآثار النبوية الحديثية:
وهو الأصل الذي يبدؤون به في إثارة شبهاتهم.
القسم الثاني: الشبهات المتعلقة بالإنكار الجزئي للآثار النبوية الحديثية:
وهو الفرع الذي يُعدّ بديلاً يلجؤون إليه إذا فشلوا في تمرير القسم الأول.
وهذا التقسيم ناشئ باعتبار الادّعاءات التي أثاروها؛ بناءً على تأويلهم المنحرف للأدلة، والاستدلالات الباطلة، وكِلَا القسمين يهدف إلى ردّ السُّنَّة.
(1)
يُنظر: حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام، لربيع بن هادي (22).
ومن الشبهات المتعلقة بالإنكار الكلي للآثار الحديثية المروية، ما يلي
(1)
:
* الشبهة الأولى: الاكتفاء بالقرآن الكريم ونبذ السُّنَّة، واحتجوا لإثبات هذه الشُّبه بعدة دعاوى منها:
(2)
أ أن القرآن قد حوى الدين كله، بجملته وتفصيله، بكلياته وجزئياته، وأنه يحتوي على جميع الأحكام التشريعية، ولهذا كان القرآن كافيًا، ولم يكن ثمّة حاجة لمصدر ثانٍ للتشريع، واستدلوا بقوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ *} [الأنعام]، وغيرها من الآيات
(3)
.
الرد على هذه الشبهة يقوم على محورين
(4)
:
الأول: بيان خطأ الاستدلال بالآية.
الثاني: دلالة الواقع العملي لحياة المسلم.
أما المحور الأول بيان خطأ الاستدلال بالآية: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ *} [الأنعام]، قالوا إن المراد بالكتاب هو القرآن، وهذا مخالف من وجهين:
(1)
يُنظر: القرآن والحديث والإسلام، لرشاد خليفة، ومسيلمة في مسجد توسان، لأحمد صبحي منصور (61)، وأضواء على السُّنَّة المحمدية، لمحمود أبو ريّة (407)، الإسلام هو القرآن وحده، لتوفيق صدقي، مقال في مجلة المنار في العدد (7 - 12 - 19)، وغيرهم. نقلاً من كتاب السُّنَّة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم، لعبد الموجود محمد عبد اللطيف (88 - 89)، وذكر المودودي قادة هذه الحركة في كتابه: السُّنَّة في مواجهة الأباطيل (76).
(2)
المراجع السابقة، ويُنظر أيضًا: مجلة إشاعة القرآن (49) العدد (3) عام (1902 م) العدد (4) عام (1927 م)، لعبد الله وخليفته حشمت علي، وإشاعة السُّنَّة (19/ 286) عام (1902 م)، نقلاً من كتاب القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة، لخادم حسين إلهي بخش (210).
(3)
هناك كثير من الآيات التي استدلوا بها استدلالات باطلة، للاستزادة يُنظر: حجية السُّنَّة، لعبد الغني عبد الخالق (385 - 387)، الشبهات الثلاثون، لعبد العظيم المطعني (133 - 134)، القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة (212)، ولمعرفة انحراف القرآنيون في أصول تفسير القرآن، يُنظر: القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة (257).
(4)
يُنظر: السُّنَّة ومكانتها في التشريع، لمصطفى السباعي (155 - 166)، شبهات القرآنيين، لمحمود مزروعة (50 - 56)، حجية السُّنَّة، لعبد الغني عبد الخالق (383 - 389)، الشبهات الثلاثون، لعبد العظيم المطعني (131 - 137)، حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين (397 - 398)، القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة، لخادم حسين إلهي بخش (210 - 213)، حجية السُّنَّة، لمحمد لطفي الصباغ (29 - 35).
1 تأويل واستدلال باطل؛ لأن المراد من الكتاب في الآية هو: اللوح المحفوظ
(1)
؛ يدل على ذلك:
أ دلالة السياق، وأنه المعنى الذي لا يحتاج إلى تأويل ولا تقييد، والدليل على ذلك أن سياق الآية والذي يظهر بأدنى تأمل يدل على أن المعنى المراد بالكتاب: هو اللوح المحفوظ لقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]
(2)
.
ب تفسير الكتاب باللوح المحفوظ هو الثابت عن غير واحد من السلف، ولم يثبت مخالفته.
فاللوح المحفوظ هو الذي حوى كل شيء، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات، كبيرها وصغيرها، جليلها ودقيقها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، على التفصيل التام.
2 لو سلمنا أنَّ المقصود بالكتاب في هذه الآية: القرآن؛ فلا يصح الاستدلال بالآية على الاستغناء عن السُّنَّة، من وجهين:
أولاً: يكون المعنى: أن القرآن يحتوي على كل أمور الدين، إما بالنص الصريح، وإما ببيان السُّنَّة له.
ثانيًا: أن القرآن لم يُفصّل إلا قليلاً من الأحكام، فلا يمكن الاستغناء به عن السُّنَّة، كما سيأتي بيانه في المحور الثاني.
(1)
المقصود ب (الكتاب) في الآية: {أُمُّ الْكِتَابِ} وهو اللوح المحفوظ، وهذا التفسير ورد عن ابن عباس بروايتين عند:
1 ابن أبي حاتم، يُنظر: تفسيره (4/ 1286).
2 الطبري، يُنظر: جامع البيان (9/ 232)، وأيضًا يُنظر: تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (109)، وهو اختيار البغوي في معالم التنزيل (2/ 122)، وابن الجوزي في زاد المسير (2/ 26)، والطّرطوشيّ في تحرير المقال (1/ 198)، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (6/ 420)، ونسب هذا التفسير إلى أكثر العلماء، شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (8/ 221)، وابن القيم في شفاء العليل (40)، والسيوطي في الدر المنثور (6/ 45)، وابن عثيمين في مجموع فتاويه (5/ 245) وأيضًا (25/ 471).
(2)
يُنظر: درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية (9/ 39).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هؤلاء المنكرين للسُّنَّة بدعوى الاستغناء بالقرآن الكريم عنها، ويستدلون على ذلك بالآيات نجد أنهم باستدلالاتهم لا يكتفون بإنكار حجية السُّنَّة فحسب؛ بل يتأولون القرآن ويفسرونه بأهوائهم، ويحمّلون الآيات ما لا تحتمل، ويوجهون معناها الوجهات الخاطئة، إذ إنهم لم يحاولوا فهم القرآن من كل جوانبه؛ بل يأخذون بعض الآيات التي توافق أهوائهم الضالة، ويبنون عليها مذهبهم الفاسد
(1)
.
فالخطأ الذي وقعوا فيه، يؤدي إلى محظورين:
1 عدم الفهم الصحيح للمراد بالآيات.
2 ضرب القرآن بعضه ببعض.
المحور الثاني: الواقع العملي للأمة منذ صدر الإسلام، حتى يومنا هذا!
الأمة مجمعة على أن القرآن العظيم قد اشتمل على أصول الدين وقواعد الأحكام العامة، في كثير من جوانبه، ومفصلاً في جوانب أخرى.
والله جل جلاله أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم هاديًا للناس، ومبينًا لهم أحكام دينهم، وبيانه للأحكام الدينية التشريعية بيان لآيات القرآن، إما نصًّا وإما دلالةً.
فلا يمكننا معرفة الناسخ والمنسوخ من آيات القرآن إلا بالسُّنَّة، ولا معرفة أحكام الدين التفصيلية كذلك إلا بالسُّنَّة!
فإن تعطيلها تعطيل لأركان الإسلام العملية: كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج!
فليس في القرآن من أحكام الصلاة سوى تقرير وجوبها وحسن أدائها.
وليس في القرآن عن الزكاة إلا الأمر بأدائها، وبيان الجهات الثمانية المستفيدة منها.
(1)
يُنظر: السُّنَّة ومكانتها في التشريع، لمصطفى السباعي (155 - 166)، شبهات القرآنيين، لمحمود مزروعة (50 - 56)، حجية السُّنَّة، لعبد الغني عبد الخالق (383 - 389)، الشبهات الثلاثون، لعبد العظيم المطعني (131 - 137). حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين (397 - 398)، القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة، لخادم حسين إلهي بخش (210 - 213)، حجية السُّنَّة، لمحمد لطفي الصباغ (29 - 35).
وليس في القرآن عن الصيام إلا تقرير وجوبه، وبعض أحكامه،
وليس في القرآن عن الحج إلا بعض أحكامه.
فإذا كان أصحاب هذه الشبهة يزعمون أن القرآن المجيد قد فصل كل شيء!
فلنحتكم وإياهم إلى عماد الدين الصلاة!!
أين في القرآن عدد الصلوات؟ ووقت كل صلاة؟ وهيئتها وأركانها وواجباتها وسننها ونواقضها؟ وكذلك بقية الأركان من الزكاة والصيام والحج.
فالسُّنَّة النبوية هي البيان القولي والتطبيق العملي، فالسُّنَّة تؤصل وتفسر، وتفصل، وتبين آيات القرآن الكريم، وتحوّل القرآن إلى حياة تطبيقية، كحياة النبي صلى الله عليه وسلم.
دفع مرفوض:
دفع منكرو السُّنَّة الرد الذي سبق إيراده وهو: تعطّل وتوقف حياة الأمة عن تطبيق أركان الإسلام العملية التي جاء القرآن آمرًا بها، باعتراض وهو:
هذه الأركان العملية يكفينا فيها محاكاة النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية أدائها، وهي سنن عملية منقولة إلينا بالتواتر.
فالصلاة مثلاً فيها هذا الأمر بمحاكاة تأدية رسول الله صلى الله عليه وسلم لها: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»
(1)
، والحج قال صلى الله عليه وسلم فيه:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»
(2)
.
والجيل الذي عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم حاكى الرسول كما رآه يصلي ويحج، وهكذا دواليك حتى وصلت المحاكاة إلى جيلنا، ويأخذها كل جيل عن الجيل الذي قبله حتى قيام الساعة؟
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة
…
(1/ 128/ ح 631).
(2)
أخرجه البيهقي في سننه الكبرى، كتاب المناسك، باب الإيضاع في وادي محسر (8/ 748/ ح 15892)، صححه الألباني في إرواء الغليل (4/ 271/ ح 1074).
تفنيد هذا الدفع الباطل ونقضه:
وهذا الدفع غير مقبول وفاسد؛ لعدة أسباب:
أولها: أن السُّنَّة القولية أصل للسُّنَّة العملية؛ إذ إن السنن العملية لم تبلغنا إلا عن طريق السنن القولية، فالسنن العملية لا تُدرك من مجرد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ويحج ويصوم ويزكي؛ بل لا بد من قوله صلى الله عليه وسلم وأمره بالعمل والاقتداء به.
فكيف يُستغنى عن أصل ثبتت به السُّنَّة العملية؟!
وذلك بدليل أنهم احتجوا بالحديثين السابق ذكرهما، وهما قوله صلى الله عليه وسلم:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، وقوله:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، هذان الحديثان الأصل أنهما من السُّنَّة القولية لا من السُّنَّة العملية.
وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو لم يقل: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ما ثبت شرعًا وجوب محاكاة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولو لم يقل: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ما علمنا أن الأمة يجب أن تتأسى بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله في الحج، وإلا وقع الحج باطلاً لمخالفته كيفية حج النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: على فرضية مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة العشاء من تكبيرة الإحرام إلى الخروج منها بالسلام.
فهل مجرد المشاهدة يميز لنا أركان الصلاة وشروطها وسننها، وما تبطل الصلاة بتركه وما لا تبطل.
وما يدرينا أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم» ثلاثًا، ويقول في سجوده:«سبحان ربي الأعلى» ثلاثًا، وأن لكل السنن العملية سننًا قولية، ليس في الصلاة وحدها بل في كل التكاليف، وبهذا يُرفض هذا الدفع الباطل
(1)
.
(1)
يُنظر: السُّنَّة ومكانتها في التشريع، لمصطفى السباعي (155 - 166)، شبهات القرآنيين، لمحمود مزروعة (50 - 56)، حجية السُّنَّة، لعبد الغني عبد الخالق (383 - 389)، الشبهات الثلاثون، لعبد العظيم المطعني (131 - 137)، حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين (397 - 398)، القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة، لخادم حسين إلهي بخش (210 - 213)، حجية السُّنَّة، لمحمد لطفي الصباغ (29 - 35).
* الشبهة الثانية
(1)
: زعمهم أن السُّنَّة ليست وحيًا، والتشكيك في مصدرها؛ بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم أهمل تدوينها، ونهى عن كتابتها، وتكذيب ما نُسب إليه صلى الله عليه وسلم من أحاديث، وأنه لم ينزل عليه شيء من الوحي سوى ما حواه القرآن.
واحتجوا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا حَرَجَ
…
»
(2)
.
تفنيد هذه الشبهة
(3)
:
1 قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *} [النجم]، هذا دليل صريح من القرآن يدل على أن السُّنَّة وحي من الله جل جلاله على رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
وكذلك قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقوله جل جلاله:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، وقوله:{إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ *} [الشعراء]، وقوله:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} [النور]، وغيرها من الآيات التي تدل على حجية السنة وأنها وحي من الله جل جلاله.
2 دعوى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة السُّنَّة والتهوين من شأن تدوينها، لا يدل بوجه من الوجوه على عدم حُجِيَّتِهَا، إذ إن المصلحة كانت تقتضي ذلك، وتضافر الصحابة رضي الله عنهم مع قِلَّتِهِمْ على كتابة القرآن والسنة وتدوينهما،
(1)
يُنظر: ما نقلته مجلة إشاعة السُّنَّة (9/ 291)، عن كتاب المباحثة، لعبد الله جكر الوي (81)، وأيضًا يُنظر: بلاغ الحق، لمحب الحق (19)، نقلاً من كتاب القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة (214).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب التثبت فِي الحديث وحكم كتابة العلم، (8/ 229/ ح 3004).
(3)
للاطلاع أكثر على تفنيد هذه الشبهة يُراجع: الشبهات الثلاثون (77)، القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة (213 - 219)، حجية خبر الآحاد، لربيع بن هادي (5/ 81 - 118).
(4)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (17/ 85)، تيسير الكريم الرحمن (818).
وكذلك تضافر المسلمون على حِفظ كتاب الله خشية الضياع واختلاط شيء به.
3 ليست الحُجِّيَّةُ مقصورة على الكتابة حتى يُقَالَ: لو كانت حُجِّيَّةُ السُّنَّةِ مقصودة، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها، فإن الحُجِّيَّةَ تثبت بأمور غير الكتابة؛ كالتواتر اللفظي، ونقل العُدُول الثقات.
والقرآن نفسه في عهد أبي بكر رضي الله عنه لم يكن جَمْعُهُ بِنَاءً على الرقاع المكتوبة فحسب؛ بل بتواتر حفظ الصحابة رضي الله عنهم لكل آية منه، وليس النقل عن طريق الحفظ بأقل صحة وضبطًا من الكتابة، خصوصًا من قوم كالعرب عُرفوا بقوة الحافظة واختصوا بذلك.
فقد كان الرجل منهم يحفظ القصيدة كلها من مرة واحدة، حتى إنه ورد عن بعضهم كراهة الكتابة حتى لا تذهب عنهم ملكة الحفظ أو تضعف
(1)
.
4 أما ما ورد من النهي عن كتابة السُّنَّة واحتجاجهم بحديث: «لا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا حَرَجَ
…
»
(2)
.
فقد اجتهد أهل العلم في الجمع بين هذا الحديث
(3)
في المنع وأحاديث الإذن بالكتابة الكثيرة
(4)
إلى عدة أقوال أهمها
(5)
:
أ أن يكون من منسوخ السُّنَّة بالسُّنَّة؛ أي: إنه نُهِيَ عن كتابة الحديث في أول الأمر؛ خشية التباس القرآن بغيره
(6)
.
ب أن النهي لم يكن مطلقًا، وإنما كان عن كتابة القرآن مع غيره في
(1)
يُنظر: المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للرَّامَهُرْمُزِيِّ (379 - 402)، جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (1/ 268 - 297) السُّنَّة ومكانتها في التشريع (181).
(2)
سبق تخريجه راجع فضلاً الصفحة السابقة.
(3)
وإن كان الحديث معلولاً، قد أعلّه الإمام البخاري وغيره بالوقف على أبي سعيد رضي الله عنه. يُنظر: مناقشة د. محمد مصطفى الأعظمي في دراسات في الحديث النبوي (1/ 76 - 97).
(4)
يُنظر: صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم، (313 - 315/ ح 113 - 114)، سنن أبي داود، كتاب العلم، باب كتابة العلم (10/ 79/ ح 3629)، مسند الإمام أحمد (2/ 162)، سنن الدارمي، المقدمة، باب (43).
(5)
لخص هذه الأقوال د. محمد مطر الزهراني في كتابه تدوين السُّنَّة (67).
(6)
ذهب إلى هذا القول: ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث (412)، والخطابي، معالم السنن، (4/ 184).
صحيفةٍ واحدة
(1)
.
ج أن النهي خاص بمن خُشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ، والإذن لمن أمن منه ذلك
(2)
، وهناك أقوالٌ أخرى لكن ما ذُكر أشهرها وأوجهها.
* الشبهة الثالثة
(3)
: زعمهم بأن الله جل جلاله تكفل بحفظ القرآن دون السُّنَّة: واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *} [الحجر].
تفنيد هذه الشبهة:
1 إن وعد الله بحفظ الذكر لا يقتصر على القرآن وحده؛ بل المراد به دين الله وشرعه، الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالذكر هنا يشمل الكتاب والسُّنَّة، وليس كما يظنه أصحاب هذه الدعوى بأنه القرآن وحده
(4)
.
2 حفظ الله جل جلاله السُّنَّة بأن هيأ لها من أئمة العلم من يحفظها وينقلها ويميز صحيحها من دخيلها، لأجل ذلك بقيت سُنَّة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم محفوظة مدونة في مصادرها، ولم يذهب منها شيء؛ لأن السُّنَّة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقرآن، فحفظ السُّنَّة من حفظ القرآن
(5)
.
3 لو فرضنا أن المحفوظ هو القرآن فقط كما ادّعوا، فإن الله تعالى قد حفظ أشياء كثيرة غير القرآن؛ كحفظ النبي صلى الله عليه وسلم من الكيد والقتل، وحفظه جل جلاله العرش والسماوات والأرض من الزوال إلى أن تقوم الساعة، فلا يُفهم من الحفظ الحصر وعدم حفظ ما عداه
(6)
.
(1)
ذهب إلى هذا القول: الخطابي يُنظر: معالم السنن، (4/ 184)، والخطيب البغدادي يُنظر: تقييد العلم (93).
(2)
المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للرَّامَهُرْمُزِيِّ (379 - 402)، تقييد العلم، الخطيب البغدادي (46).
(3)
يُنظر: مقام حديث (7)، نقلاً من كتاب القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة (250).
(4)
السُّنَّة ومكانتها في التشريع، لمصطفى السباعي (180 - 181) بتصرف، ويُنظر: حجية السُّنَّة، لعبد الغني عبد الخالق (390 - 392)، شبهات القرآنيين، لمحمود مزروعة (83 - 87).
(5)
المراجع السابقة.
(6)
يُنظر: حجية السُّنَّة، لعبد الغني عبد الخالق (390).
* الشبهة الرابعة: قابليتها للتحريف والتغيير بحجة أن السُّنَّة تأخر تدوينها فزال اليقين بضبطها، وأصبحت مجالاً للظن
(1)
.
تفنيد هذه الشبهة:
هذا قول من لم يقف على جهود الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة الأعلام في حفظ الحديث وضبطه، ومكافحة التحريف والوضع؛ فالسُّنَّة نُقلت بالضبط والحفظ غالبًا، والكتابة أحيانًا، من عصر الصحابة إلى نهاية القرن الأول، حيث إن السُّنَّة قد دُون جزء منها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كالمعاهدات والكتب المرسلة إلى الملوك والرؤساء، وأنصبة الزكاة، إضافة إلى ما كتبه بعض الصحابة رضي الله عنهم مثل
(2)
:
1 صحيفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه (ت: 13 هـ) فرائض الصدقة.
2 صحيفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه (ت: 40 هـ)
(3)
التي كانت معلقة في سيفه
(4)
.
3 صحيفة سعد بن عبادة رضي الله عنه (ت: 15 هـ)
(5)
.
4 صحيفة سمُرة بن جندب رضي الله عنه (ت: 59 هـ) التي أرسلها لابنه
(6)
.
5 صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما (ت: 68 هـ) التي تسمى: الصادقة
(7)
.
(1)
يُنظر: مجلة إشاعة السُّنَّة (19/ 152)، وبلاغ الحق، لمحب الحق (22)، ومقام حديث، لحافظ أسلم (110)، نقلاً من كتاب القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة (243).
(2)
أورد الخطيب البغدادي في كتابه تقييد العلم كثير من الصحف التي دونت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته يُنظر (48 - 98)، وكذلك يُنظر: دراسات في الحديث النبوي، لمحمد مصطفى الأعظمي (92 - 142).
ملحوظة: تحديد وفيات الصحابة جميعها من أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير: 1 (3/ 330)، 2 (4/ 113)، 3 (2/ 554). 4 (3/ 345). 5 (2/ 441).
(3)
يُنظر: صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم (1/ 33/ ح 111).
(4)
يُنظر: صحيح البخاري، كتاب الاعتصام، باب ما يكره من التعمق، (9/ 97/ ح 7300).
(5)
يُنظر: جامع الترمذي، كتاب الأحكام، باب اليمين (3/ 619/ ح 1343).
(6)
يُنظر: سنن أبو داود، كتاب الصلاة، باب اتخاذ المساجد في الدور (1/ 343/ ح 456)، قال عنها محمد بن سيرين: إنها اشتملت على علم كثير. يُنظر: تهذيب التهذيب، لابن حجر (4/ 236).
(7)
أخرج البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب كتابة العلم (1/ 34/ ح 113) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثًا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب، ويُنظر أيضًا: ما أخرجه أبو داود في سننه، كتاب العلم (4/ 60) والإمام أحمد في مسنده (2/ 163)، والدارمي في سننه، باب من رخص في كتابة العلم (1/ 103).
هذه صحائف بعض الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك التابعين كانت لهم صحائف كثيرة، ومن صحائف التابعين
(1)
:
1 صحيفة سعيد بن جبير رحمه الله (ت: 95 هـ).
2 صحف مجاهد بن جبر رحمه الله (ت: 103 هـ).
3 صحيفة أبي عدي الزبير بن عدي الهمداني رحمه الله (ت: 131 هـ).
4 الصحيفة الصحيحة لهمام بن منبه رحمه الله (ت: 131 هـ).
5 صحيفة أيوب بن أبي تميمة السختياني رحمه الله (ت: 131 هـ).
حتى أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز (ت: 102 هـ) ابن شهاب الزهريّ (ت: 124 هـ) في نهاية القرن الأول بتدوين أكثر السُّنَّة، فكانت سلسلة الحفظ والصيانة متصلة لم يتطرق لها الانقطاع، وأما ما دُّس على السُّنَّة من كذب فقد تصدى له الأئمة الحفاظ وبينوه بما لا يترك مجالاً للشك
(2)
.
وفيما يلي سأذكر أبرز الشبهات التي أثارها المنكرون جزئيًّا للآثار النبوية المروية الحديثية.
أبرز الشبهات المتعلقة بالإنكار الجزئي للآثار الحديثية المروية، والناتجة عن التشكيك، والطعن في السند والمتن، ما يلي:
* الشبهة الأولى
(3)
: الطعن في بعض الصحابة رضي الله عنهم وتكفيرهم، ونفي العدالة
(1)
يُنظر: تذكرة الحفاظ، للذهبي (1/ 77)، تهذيب التهذيب (1/ 59) العجاب في بيان الأسباب (1/ 203 - 204، 214) كلاهما لابن حجر، معرفة النسخ والصحف الحديثية، لبكر أبو زيد (104، 145، 229)، بحوث في تاريخ السُّنَّة المشرفة، لأكرم العمري (230).
(2)
السُّنَّة ومكانتها في التشريع، لمصطفى السباعي (183) بتصرف.
(3)
كغلاة الرافضة والخوارج، يُنظر: الفرق بين الفرق، لعبد القاهر البغدادي (284، 304).
وبعض المعتزلة؛ لأن فرق المعتزلة تتفاوت في تعظيم الصحابة من فرقة لأخرى، فطوائف منهم ردوا شهادة بعض الصحابة كالزبير وطلحة رضي الله عنهما باتهامهما بالفسق. يُنظر: أصول الفرق، لعلي الشبل (134).
عنهم رضي الله عنهم، والتشكيك في صدق بعضهم؛ وينبني عليه ردّ أكثر الأحاديث
(1)
.
تفنيد هذه الشبهة:
1 الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول بدليل:
أ شهادة الله جل جلاله لهم في قول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *} [التوبة].
ب شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم رضي الله عنهم في قوله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»
(2)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: «
…
وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي ما يُوعَدُونَ»
(3)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»
(4)
.
(1)
يُنظر: السُّنَّة ومكانتها في التشريع، لمصطفى السباعي (150)، حجية السُّنَّة وتاريخها، للحسين شواط (266)، السُّنَّة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم (81، 83)، خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة (11).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب إثم من لا يفي بالنذر (8/ 141/ ح 6695)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب فضل الصحابة رضي الله عنهم ثُمَّ الذين يلونهم (7/ 185/ ح 2535).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه (7/ 183/ ح 2531).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب حدثنا الحميدي ومحمد بن عبد الله (5/ 8/ ح 3673)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم (7/ 188/ ح 2541).
فأي تعديل للصحابة رضي الله عنهم أعظم وأجلّ من تعديل وثناء علاّم الغيوب سبحانه، وتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وعلى هذا يتبين أن الشبهة مناقضة لما دلّ عليه الدليل من الكتاب والسُّنَّة الصحيحة.
2 إن هذه الشبهة مخالفة لإجماع سلف الأمة، وجماهير خلفها على عدالة جميع الصحابة رضي الله عنهم بما فيهم من لابس الفتنة
(2)
، وأن انتقاصهم آية من آيات الزندقة.
كما قال الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله (ت: 264 هـ): إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة رضي الله عنهم، وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسُّنَّة، فالجرح بهم أولى، وهم زنادقة
(3)
.
وكما نقل الإمام أبو القاسم هبة الله اللالكائي رحمه الله (ت: 418 هـ) عن أحد السلف أنه قال: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر
(4)
.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله (ت: 774 هـ) في من طعن في الصحابة رضي الله عنهم وتنقصهم بأن فعله: من الهذيان بلا دليل، إلا مجرد الرأي الفاسد، عن ذهن بارد، وهوى متبع، وهو أقل من أن يرد، والبرهان على خلافه أظهر وأشهر، مما علم من امتثالهم أوامره بعده صلى الله عليه وسلم، وفتحهم الأقاليم والآفاق، وتبليغهم عنه الكتاب والسُّنَّة، وهدايتهم الناس إلى طريق الجنة، ومواظبتهم على الصلوات، والزكوات وأنوع القربات، في سائر الأحيان والأوقات، مع الشجاعة والبراعة، والكرم والإيثار، والأخلاق الجميلة التي لم تكن في أمة من الأمم المتقدمة، ولا يكون أحد بعدهم مثلهم في ذلك، فرضي الله عنهم أجمعين
(5)
.
(1)
يُنظر: المستصفى في علم الأصول، لأبي حامد الغزالي (130).
(2)
حكى الإجماع ابن الصلاح. يُنظر: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، للعراقي (301).
(3)
يُنظر: الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي (49).
(4)
شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة، للالكائي (1/ 200).
(5)
الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث (135 - 136).
وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (ت: 1206 هـ): ومن نسب جمهور أصحابه صلى الله عليه وسلم إلى الفسق والظلم، وجعل اجتماعهم على الباطل فقد ازدرى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وازدراؤه كفر
(1)
.
3 يترتب على تكفير الصحابة رضي الله عنهم والطعن فيهم، إسقاط جميع مروياتهم رضي الله عنهم، فلما أسقطوها وردوها لم يبقَ لهم من السُّنَّة ما يكفي للعبادة، وفهم مقاصد الشرع الحنيف، ففقدوا بذلك مرجعية السُّنَّة في معظم مسائل الدين، وانغمسوا في رذيلة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتعويض ذلك النقص، فعبدوا الله على غير ما شرع فضلوا وأضلّوا!
(2)
.
4 الصحابة رضي الله عنهم هم حملة لواء السُّنَّة، وهم الطبقة المعاصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الزمان، المطلعة على أحواله قولاً وفعلاً، الأمينة في وصف أحواله صلى الله عليه وسلم صغيرها وكبيرها، الحريصة على أن تحفظ وتنقل الدين كاملاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فما وصلت إلينا سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من خلال الصحابة رضي الله عنهم؛ بل إن الدين كله وصل إلينا من خلالهم رضي الله عنهم.
حتى صار المسلمون بفضل الله ثم بفضلهم يعيشون في أحواله صلى الله عليه وسلم كافة، وكأنهم يرون هيئاته صلى الله عليه وسلم، جزاهم الله عن الأمة خيرًا.
فالمتشبث بهذه الشبهة ممن يرفض الأخذ عن الصحابة رضي الله عنهم بحجة أنهم ليسوا عدولاً؛ نسأله: من هم العدول الذين يأخذ عنهم دينه، وأنى له معرفة شرائع الإسلام؟
ومن أين سيأخذ أحكام الدين، ويعرف ما يحل وما يحرم، وما يأخذ أو يدع في شؤون الحياة جميعها.
فمن رفضهم رضي الله عنهم فقد رفض آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم النبوية المروية، وكان لهذا الرفض الأثر الوخيم عليهم في ابتداعهم في الدين، واعتناقهم عقائد
(1)
رسالة في الرد على الرافضة (7).
(2)
يُنظر: حجية السُّنَّة وتاريخها، للحسين شواط (268 - 269).
منحرفة، ومزاولتهم شرائع باطلة لا تمت إلى الإسلام بصلة؛ بل تُناقض الإسلام وتعارضه.
وقد انتهى بهم الأمر إلى أن نقضوا عرى الإسلام، وكفّروا الأمة المسلمة، وما كفرت الأمة ولكن الظالمين كفروا، يهدمون الدين بحجة الحرص عليه، ويكفرون بالقرآن وهم يزعمون الاستمساك به والاعتماد عليه
(1)
.
* الشبهة الثانية
(2)
: دعوى معارضة العقل للنقل، وأنّ العقل مقدّم على النّقل عند التّعارض؛ بحجة أن الآثار النبوية الحديثية المروية نقلية ظنية لا تفيد اليقين
(3)
؛ لاحتمالها الخطأ، والمجاز، والتخصيص، والنسخ، وأن دلالة المعقولات قطعية، وعليه فتُقدّم المعقولات على نصوص الشرع وكذلك المحسوسات
(4)
؛ لأن العقل بزعمهم هو الأصل والعمدة في الشرع وفي كل الأمور.
تفنيد هذه الشبهة:
1 الإسلام وسط بين الملل، وأهل السُّنَّة وسط بين النحل، فالوسطية شأنهما في جميع الأمور، لا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا إجحاف، ومن بينها العقل، الذي كانوا يأخذون ويأمرون به.
فأهل السُّنَّة لا يغلون في العقل، ولا ينكرونه، ولا يحجرون عليه؛ بل يعتقدون أن للعقل مكانة سامية، وأن الإسلام يقدّر العقل، ويتيح له مجالات النظر والتفكّر، وفي الوقت نفسه لا يغلون فيه، ولا يجعلونه حاكمًا على نصوص الشرع؛ بل يرون أن للعقل حدًّا يجب أن يقف عنده؛ حتى لا يكون وبالاً على صاحبه.
(1)
يُنظر: شبهات القرآنيين حول السُّنَّة النبوية، لمحمود مزروعة (426 - 432).
(2)
القائلون بهذه الشبهة هم: أهل الكلام بالعموم؛ كالمعتزلة وغيرهم من الفرق، والمطلع على كتبهم يجد أنهم يقدمون العقل على نصوص الوحيين مثل: كتاب فضل الاعتزال، للقاضي عبد الجبار، والدرر الدائر المنتخب، للزمخشري، ورسائل الجاحظ رسالة التربيع والتدوير، وغيرها.
(3)
يُنظر: المحصول، للرازي (6/ 104).
(4)
يُنظر: الجواب الصحيح، لابن تيمية (4/ 395 - 402).
فالعقل عند أهل السُّنَّة له مكانته اللائقة به، وهم في ذلك وسط بين طرفين
(1)
:
الطرف الأول: من جعل العقل أصلاً كليًّا أوليًّا، يستغني بنفسه عن الشرع.
الطرف الثاني: من أعرض عن العقل، وذمه وعابه، وخالف صريحه، وقدح في الدلائل العقلية مطلقًا.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينًا وموضحًا مكانة العقل عند أهل السُّنَّة:
…
العقل شرط في معرفة العلوم وكمال وصلاح الأعمال وبه يكمل العلم والعمل؛ لكنه ليس مستقلًّا بذلك؛ بل هو غريزة في النفس وقوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين؛ فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار.
وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن إدراكها وإن عُزل بالكلية: كانت الأقوال والأفعال مع عدمه، أمورًا حيوانية قد يكون فيها محبةٌ ووجدٌ وذوقٌ كما قد يحصل للبهيمة، فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة والأقوال المخالفة للعقل باطلة
…
لكن المسرفون فيه قضوا بوجوب أشياء وجوازها وامتناعها لحجج عقلية بزعمهم، اعتقدوها حقًّا وهي باطل، وعارضوا بها النبوات وما جاءت به، والمعرضون عنه صدَّقوا بأشياء باطلة ودخلوا في أحوال وأعمال فاسدة وخرجوا عن التمييز الذي فضل الله به بني آدم على غيرهم
(2)
2 أن الله سبحانه وتعالى خلق العقول، وأعطاها قوة الفكر، وجعل لها حدًا تقف عنده من حيث إنها مفكرة، لا من حيث إنها مُشرّعة، فإذا استعملت العقول أفكارها فيما هو في طورها وحدّها ووفت النظر حقه، أصابت بإذن الله، وإذا سلطت الأفكار على ما هو خارج عن طورها ووراء حدها الذي حده الله
(1)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 338 - 340).
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 338 - 339).
لها، ركبت متن عمياء، وخبطت خبط عشواء، فلم يثبت لها قدم، ولم ترتكن على أمر تطمئن إليه
(1)
.
فإدراك العقل له حد ينتهي إليه لا يتعداه، ولم يجعل الله جل جلاله له سبيلاً إلى الإدراك في كل مطلوب، ولو كان كذلك لاستوت مع الباري سبحانه وتعالى في إدراك جميع ما كان وما يكون وما لا يكون، إذ لو كان كيف كان يكون؟
فعلم الله جل جلاله لا يتناهى، وعلم العبد متناهٍ، والمتناهي لا يساوي ما لا يتناهى
(2)
.
3 من المعلوم قطعًا و يقينًا أن كل ما جاءت به الشريعة لا يُعارض العقل، لكن أي عقل هو؟
العقل الصريح؛ أي: السالم من الشبهات، والشهوات، وليس العقل المشوب بشبهة التبست عليه وخلطت الحق بالباطل، أو شهوة ظهرت له فاتبع هواه، فكل ما جاءت به الشريعة فإنه لا شك موافق لصريح المعقول ولا يمكن أبدًا أن يخالفه
(3)
.
4 يستند العقل في أحكامه إلى معطيات الحس، التي تأتيه عبر رسله؛ كالسمع والبصر، وغيرهما من الحواس، وهذه تنقل بدورها إدراك أشياء موجودة مشهودة، تقع على الحواس مجتمعة أو منفردة، فيقوم العقل بعملية التركيب والتحليل، والتجميع والتفريق، وقياس الأشباه والنظائر، ثم استنباط القواعد، واستخراج النتائج، وإصدار الأحكام، وهو في كل هذا العمل إنما يعتمد على معطيات حسية، لها وجود مشهود، ولو تعدى هذا المجال لنطق بغير علم، وحكم من غير هدى
(4)
.
5 لن يهتدي العقل إلا بالشرع، والشرع لا يتبين إلا بالعقل، فالعقل
(1)
يُنظر: لوامع الأنوار البهية، للسفاريني (1/ 105).
(2)
الاعتصام، للشاطبي (2/ 831).
(3)
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (7/ 233 - 234) بتصرف يسير.
(4)
منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، لعثمان بن علي حسن (1/ 175 - 176).
كالأُس، والشرع كالبناء، ولن يغني أسٌّ ما لم يكن له بناء، ولن يثبت بناءٌ ما لم يكن له أسٌ.
وأيضًا العقل كالبصر والشرع كالنور ولن يغني البصر ما لم يكن نور من خارج، ولن يغني النور ما لم يكن له بصر.
وأيضًا العقل كالسراج والشرع كالزيت الذي يمده، فإن لم يكن زيت لم يحصل السراج، وما لم يكن سراج، ولم يضئ الزيت.
كما قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقَيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 35]، والله هو الهادي.
وأيضًا الشرع عقل من خارج، والعقل شرع من داخل، وهما متعاضدان بل متحدان، ولكون الشرع عقلاً من خارج سلب الله تعالى اسم العقل من الكافر في غير موضع من القرآن
(1)
.
وجاء في موضعين من القرآن الإشارة إلى أن الهداية بالشرع، لا بالعقل، كما في قوله تعالى في سورة الأنبياء آية [73]، وسورة السجدة {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} آية [24].
وقد أخبر تعالى بأن هدايتهم بما أمر به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لا بمقتضى عقولهم، وآرائهم وسياساتهم وأذواقهم وتقليد أسلافهم بغير برهان من الله؛ لأنه جل جلاله قال:{يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73]
(2)
.
(1)
يُنظر: تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، للراغب الأصفهاني (1/ 73 - 74).
(2)
يُنظر: رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه (1/ 18).
6 امتن الله عز وجل على الإنسان بأن منحه نعمة العقل الذي يميزه عن سائر المخلوقات من الحيوانات وغيرها
(1)
؛ فقال تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ *} [الملك].
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: فبالسمع تسمعون، وبالأبصار تبصرون، وبالأفئدة تعقلون، ولكن قليلاً ما تشكرون
(2)
.
فالعقل له منزلة عند أهل السُّنَّة والجماعة لا تُنكر، ومجالاته كثيرة، وجديرة عن أن تُذكر
(3)
، وهذه النعمة هي التي ترفع صاحبها إلى مستوى التكاليف الشرعية الإلهية، وتؤهله لإدراكها وفهمها؛ فالعقل مناط التكليف
(4)
.
7 تفاوت العقول في الفهم والإدراك، يدل على أن لكل واحد منها حدًّا وغايةً في إدراك الأشياء ينتهي إليه، ولا يتعداه، فالعقل لا يدرك كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو أخبر عنه؛ فمداركه ليست شاملة
(5)
.
كما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ليس في السُّنَّة قياس ولا تضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول وإنما هو الاتباع
(6)
.
وعلّق شيخ الإسلام ابن تيمية على قول الإمام أحمد بقوله: عقول الناس لا تدرك كل ما سنَّه رسول لله صلى الله عليه وسلم؛ فإنها لو أدركت ذلك لكان علم الناس كعلم الرسول صلى الله عليه وسلم ولاستغنوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم
(7)
.
8 لا يُعلم حديث واحد يخالف العقل أو السمع الصحيح إلا وهو عند أهل العلم ضعيف بل موضوع؛ بل لا يُعلم حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
يُنظر: مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل، لعثمان ضميرية (79/ 357).
(2)
جامع البيان (23/ 517).
(3)
يُنظر: مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل، لعثمان ضميرية (79/ 339).
(4)
يُنظر: المرجع السابق (79/ 358)، حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين (400 - 401).
(5)
العقل، لعبد القادر صوفي (79/ 366 - 369)، حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين (403).
(6)
أصول السُّنَّة، لأحمد بن حنبل (16 - 17).
(7)
يُنظر: درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية (5/ 297)، (9/ 51).
في الأمر والنهي أجمع المسلمون على تركه إلا أن يكون له حديث صحيح يدل على أنه منسوخ، ولا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح أجمع المسلمون على نقيضه فضلاً عن أن يكون نقيضه معلومًا بالعقل الصريح البيِّن لعامة العقلاء فإن ما يعلم بالعقل الصريح البيِّن أظهر مما لا يعلم إلا بالإجماع ونحوه من الأدلة السمعية
(1)
.
فتقديم النقل الصحيح على العقل الفاسد المعارض له، واجب؛ بل هو أصل من أصول الإسلام
(2)
.
9 من الخطأ مقابلة العقل بالنقل، إذ إن العقل يقابله الجنون!
وهذه المقابلة بين العقل والنقل أثر من آثار الثنائيات المتناقضة التي نادت بها المسيرة الفكرية الغربية
(3)
، وهي مسيرة سبقهم بها إبليس لما أعرض عن السجود لآدم عليه السلام وقدّم عقله الفاسد على أمر الله جل جلاله، فكان هو أول من قدّم رأيه وعقله على أمر الله وشرعه، ووافقه على ذلك أهل البدع وسلكوا مسلكه
(4)
.
وعلى هذا؛ فإن القائلين بتحكيم العقل وتقديمه على النقل من المعتزلة، والرافضة
(5)
، والأشاعرة
(6)
، ومن نحا نحوهم من العقلانيين الذين هم أفراخ المعتزلة حيث ضلوا عن سواء السبيل، وأسسوا دينهم على معقولات من عند أنفسهم مع اختلافهم وتنازعهم فيها وسموها قطعيات، وجعلوا النصوص تبعًا لها، فإن أفصحت النصوص بموافقتها أخذوا بها معتضدين، وإن خالفت ردوا ألفاظها بالطعن والتشكيك والتكذيب، أو معانيها بالتأويل والتحريف، والتفويض، والتعطيل.
(1)
يُنظر: درء تعارض العقل والنقل، لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 85).
(2)
يُنظر: موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (4/ 2079).
(3)
يُنظر: حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، لنخبة من العلماء (402 - 403).
(4)
يُنظر: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، للملطي (81 - 82).
(5)
يُنظر: أصول الفقه، لأبي زهرة (70 - 74).
(6)
وكذلك الماتريدية. يُنظر: شرح العقيدة السفارينية، لابن عثيمين (1/ 115).
فنهجوا بذلك نهج من استغنى عن النبوة بهواه، وعن الوحي برأيه، حتى ثقل عليهم الإيمان بحقائق أسماء الله وصفاته عز وجل، ونصوص البرزخ والبعث، والحساب والجزاء، والميزان، والصراط، لعدم إدراكهم لها بعقولهم!
(1)
.
ولقد تصدى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله للرد على المخالفين لمنهج أهل السُّنَّة القائلين بتقديس العقل وتقديمه على النقل، وأفحمهم بالحجج والبراهين القوية في كتابه المبارك الجامع الناجع النافع: درء تعارض العقل والنقل.
وأشار إلى هذا الكتاب العالم ابن القيم رحمه الله في نونيته بقوله
(2)
:
واقرأ كتاب العقل والنقل الذي
ما في الوجود له نظير ثان
وقد أكّد الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله على ذلك في تعليقه على النونية، مشيرًا إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله: وهو كتاب عظيم
…
ويريد بما في الوجود من الكتب المؤلفة في بابه، رأيته [كأنه] يقول: أنا مستعد لكل من أتى بدليل من كتاب الله أو من صحيح سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من أتى بدليل يستدل به على باطل، فأنا مستعد أن أجعله دليلاً عليه لا له.
انظر القدرة والله سبحانه وتعالى يؤتي فضله من يشاء، فكل ما يستدل به أهل الباطل من كتاب الله أو صحيح السُّنَّة فإنه دليل عليهم وليس دليلاً لهم، وهذه قدرة في معرفة المعاني وكيف يرد الشيء، أو كيف يرد الخنجر في صدر من عدا به، إذا كان عدوانه على باطل
(3)
.
وكذلك بذل أبو الحسن الأشعري رحمه الله جهدًا كبيرًا بعد انسلاخه عن المعتزلة في بيان خطئهم في تقديس العقل وسلطانه على كل القضايا، دينية كانت أو دنيوية، وإثبات أن التمسك بالنصوص الدينية الشرعية، والآثار المروية، لا يعارض العقل.
(1)
يُنظر: منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، لعثمان بن علي حسن (1/ 168 - 169، 179).
(2)
متن القصيدة النونية، لابن القيم (1/ 230).
(3)
يُنظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (7/ 233 - 234).
* الشبهة الثالثة: عدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد؛ بحجة أنها ظنية وتحتمل الصدق والكذب من الراوي، وأنها لا تؤدي أداء الشهادة
(1)
.
تفنيد هذه الشبهة
(2)
:
1 جاء الأمر بقبول خبر الآحاد في القرآن، وجرى العمل عليه في شرع الله، قال تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]، وقال:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]. ولم يشترط شهادة التواتر
(3)
.
2 أن خبر الواحد العدل يقبل، وهو مفهوم المخالفة من قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ *} [الحجرات]، وكما بوّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام.
3 ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من إرسال أمرائه ورسله، وقضاته؛ لتبليغ الأحكام، والقضاء، وأخذ الصدقات، وتبليغ الرسالة
(4)
.
4 إجماع الصحابة وجماهير المسلمين على قبول خبر الآحاد
(5)
، فقد اشتهر ذلك عنهم في وقائع لا تنحصر، منها:
أ عند تحويل القبلة، فقد كان المصلون من أهل قباء مستقبلين بيت
(1)
مجلة أهل الحديث، للحافظ أسلم (9/ عدد 3) إبريل 1936 م، وتعليمات قرآن (102)، ومقام حديث، لبرويز (37)، وبلاغ الحق، لمحب الحق (15)، نقلاً من كتاب القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة (253).
(2)
للاستزادة في الرد على هذه الشبهة يُنظر: الرسالة للشافعي (400 - 470)، الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم (1/ 119 - 137)، مذكرة أصول الفقه، لمحمد الأمين الشنقيطي (154 - 157)، السُّنَّة ومكانتها في التشريع، لمصطفى السباعي (155 - 166).
(3)
القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة، لخادم حسين إلهي بخش (254).
(4)
الواضح في مصطلح الحديث، لعبد العزيز الشايع (60) بتصرف.
(5)
حكى الإجماع ابن قدامة المقدسي رحمه الله في روضة الناظر (1/ 192)، وكذلك النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم (1/ 131): قائلاً: فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها.
المقدس، فبخبر الواحد استداروا جهة الكعبة وهم في الصلاة
(1)
.
ب لما كان جماعة من المسلمين يشربون فضيخ بُسر ولم يُحرّم يومئذ من الأشربة شيء فأتاهم آت فأخبرهم أن الخمر قد حرّمت، فأمروا بكسر جرار شرابهم فجرت في سكك المدينة
(2)
.
* الشبهة الرابعة: عدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد وقبولها في الأحكام، وأن خبر الواحد يوجب العمل ولا يوجب العلم
(3)
.
تفنيد هذه الشبهة
(4)
:
والأدلة في فساد هذه الشبهة ونقضها هي نفسها أدلة الرد على الشبهة السابقة، فإن الذين نقلوا لنا أحاديث العقائد هم الذين نقلوا لنا أحاديث الأحكام
(5)
.
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: ولم يفرق هو [أي: الإمام الشافعي رحمه الله]
(6)
ولا أحد من أهل الحديث ألبته بين أحاديث الأحكام وأحاديث الصفات، ولا يعرف هذا الفرق عن أحد من الصحابة، ولا عن أحد من التابعين، ولا من تابعهم، ولا عن أحد من أئمة الإسلام، وإنما يعرف عن رؤوس أهل البدع ومن تبعهم
(7)
(1)
ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (6/ 21/ ح 4486).
(2)
يُنظر: صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} (6/ 54/ ح 4620).
(3)
يُنظر: شرح منار الأنوار في أصول الفقه، لابن الملك (208)، أصول الدين، لعبد القاهر البغدادي (14 - 23)، الإرشاد إلى قواطع الأدلة، للجويني (15 - 22).
(4)
للاستزادة في الرد على هذه الشبهة يُنظر: ردود ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، للموصلي (605 - 612)، وكذلك مذكرة أصول الفقه، لمحمد الأمين الشنقيطي (158 - 168).
(5)
الواضح في مصطلح الحديث، لعبد العزيز الشايع (61) بتصرف.
(6)
سياق الكلام في الكتاب عن جهود الإمام الشافعي رحمه الله في الرد على منكري السُّنَّة، حيث كان رحمه الله أول من تصدى للرد عليهم. يُنظر: مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، للموصلي (607).
(7)
المرجع السابق.
فالذي لا يقبل خبر الآحاد يعزل نفسه عن الحياة والمعرفة، فلا يقبل الأخبار العلمية، ولا السياسية، ولا الاجتماعية، ولا التاريخية، ولا النصوص الشرعية
(1)
.
وبهذا يتبين أن الشبهات التي أوردها أعداء الإسلام ضد الآثار النبوية الحديثية المروية قديمًا وحديثًا هي شبهات واهية لا تقف أمام الحقائق العلمية، ولا تروج على من عنده علم من الكتاب والسُّنَّة بفهم سلف الأمة، وإنما قد تنطلي على جهلة المسلمين وعوامهم وما أكثرهم في هذا الزمان.
وإن العصمة من الزلل والانحراف العقدي الفكري والسلوكي إنما تكون بطلب العلم الشرعي من مصادره الصافية، ومن هنا وجب على كل مسلم أن يسعى للتفقه في الدين، ويرفع الجهل عن نفسه وعن غيره، ويتحصن به خصوصًا في هذا الزمان الذي عج بالفتن، وتخبط الناس فيه بين الشبهات والشهوات.
هذا هو موقف الأمة منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، يعتقدون ويعملون بالحديث الصحيح، ولم يفرقوا بين حديث رواه واحد أو اثنان، وبين حديث رواه أربعون، فما أبعد منكري السُّنَّة عن الحق، في كل شبهاتهم التي يثيرونها حول إنكار الآثار النبوية الحديثية الثابتة والصحيحة فضلاً عن إحيائها، وغلوهم في آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية، وإحيائهم لآثار المواسم الزمانية المحدثة، كما سيأتي بيانه في موضعه.
المسألة الثانية: الشبهات المتعلقة بآثار المواسم الدينية الزمانية:
أغلب الشبهات التي تُثار حول آثار المواسم الزمانية المُحدثة متقاربة ادّعاءاتها، ومتشابهة التباساتها، إن لم تكن تحمل نفس الطابع والدافع لإحيائها؛ لأجل ذلك سأقتصر في إيراد بدعة إحياء ذكرى المولد النبوي التي اغتر كثير بها، وتداولوا شبهاتها في الكتب والرسائل، والجلسات الحوارية، ووسائل التواصل الاجتماعية، ولقيت قبولاً عند العوام؛ لارتباط الذكرى
(1)
حجية السُّنَّة، لمحمد لطفي الصباغ (37).
بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ اعتقادًا منهم أنها قربةٌ إلى الله عز وجل وتحقيقٌ لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ينالون منها الأجر والثواب.
والقائلون بهذه البدعة أرادوا إضفاء الصبغة الشرعية عليها، فاحتجوا ببعض الشبهات مستندين على الأدلة الضعيفة، والاستدلالات الباطلة، تأويلاً لها بما يوافق أهوائهم، وعقائدهم الفاسدة.
فكانوا كما قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ *} [الجاثية].
والقصد هنا هو الإشارة والتنبيه إلى أبرز الشُبه المثارة حول إحياء ذكرى المولد النبوي، إذ إن القائلين يستندون إلى حجج واهية، وليس هذا مجال حصرها؛ لأن استقصاءها والإحاطة بها، يحتاج إلى رسالة مستقلة.
فسأذكر بشكل موجز بعض الشبهات التي يحتجون بها على مشروعية المولد، وردود العلماء على هذه الشُّبهات، وأنه ليس في احتجاجاتهم دليل صحيح يدل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي.
* الشبهة الأولى:
(1)
الاحتجاج بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة فوجد اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال لهم صلى الله عليه وسلم:«مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» ، فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى عليه السلام شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ»
(2)
.
فيدّعون أن هذا الحديث أصل ثابت في الشرع على إحياء ذكرى المولد النبوي، ويستفاد منه فعل الشكر لله على ما منَّ به في ذلك اليوم من إسداء
(1)
مع أن بعض المجيزين لإحياء ذكرى المولد صرّحوا بأنها بدعة، كما قال السيوطي في مقدمة كلامه بأن: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة. يُنظر: الحاوي للفتاوى (1/ 229)، وكذلك يُنظر: ما قاله السخاوي في الأجوبة المرضية (3/ 1116)، وأبو شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث (23).
(2)
سبق تخريجه راجع فضلاً (137).
نعمة أو دفع نقمة، وأي نعمة أعظم من بروز النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، ويعاد نظير ذلك اليوم من كل سنة.
تفنيد هذه الشبهة:
1 صيام يوم عاشوراء له أصل شرعي جاء الدليل الثابت الصحيح على مشروعيته، وأيضًا له أصل تاريخي محفوظ يقينًا، فقياس الاحتفال بالمولد النبوي على صيام يوم عاشوراء قياس باطل، فاسد؛ لوجود الفارق، إذ إن المولد لم يثبت له أصل من الناحيتين:
أ الناحية الشرعية: لم يأتِ دليل صحيح يخصص هذه الليلة بشيء، ولا يميّزها بالعبادة أو الاحتفال، ولم يكن معروفًا إحياء ذكرها عند الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، بدليل أنهم لم يحفظوا تاريخ حصولها
(1)
.
ب الناحية التاريخية: لم يأتِ في الأحاديث الصحيحة، ولا في الأخبار الثابتة تعيين الشهر الذي حصل فيه المولد، فضلاً عن تاريخ اليوم، وكل ما ورد في تعيينه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا يوم الاثنين
(2)
، وما يحييه أهل البدع في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من الاحتفال ظنًّا منهم بأنه التاريخ الموافق للمولد، هو في الحقيقة يوافق تاريخ وشهر وفاته صلى الله عليه وسلم!!
(3)
.
حتى ولو تحدد تاريخ المولد يقينًا، فلم يأتِ في الشرع دليل صحيح يحث على إحيائه.
2 أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء، ورغب فيه، بخلاف الاحتفال بمولده، واتخاذه عيدًا، فإنَّه صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يرغّب فيه، ولو كان في ذلك شيء من الفضل لبيَّن ذلك لأمته؛ لأنَّهُ صلى الله عليه وسلم ما من خير إلا وقد دلَّهم عليه،
(1)
يُنظر: السنن والمبتدعات، لمحمد الشقيري الحوامدي (139).
(2)
يُنظر: ما أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس (3/ 167/ ح 1162).
(3)
يُنظر: السنن والمبتدعات، لمحمد الشقيري الحوامدي (139)، القول المسدد في حكم الاحتفال بالمولد، لمحمد الحمود النجدي (18).
ورغَّبهم فيه، وما من شر إلا وقد نهاهم عنه وحذَّرهم منه، وهذه البدعة من الشر الذي نهاهم عنها، وحذرهم منها
(1)
.
3 الاستدلال بحديث عاشوراء على أن للمولد النبوي أصلاً شرعيًا، مخالف لما أجمع عليه السلف فهمًا وعملاً؛ فعدم عمل السلف الصالح بالنص على الوجه الذي يفهمه منه من بعدهم، يمنع اعتبار ذلك الفهم صحيحًا؛ لأنه لو كان هذا الحديث يُستدل به على إحياء ذكرى المولد النبوي لم يعزب عنه فهم السلف الصالح، ويفهمه من بعدهم!
(2)
.
كما يُمنع اعتبار الاستدلال به؛ لأنه لو كان دليلاً عليه لعمِل به السلف الصالح، فاستنباط هذا الاستدلال من بعض المتأخرين مخالف لما أجمع عليه السلف المتقدمون، من ناحية فهمه، ومن ناحية العمل به، وما خالف إجماعهم فهو خطأ؛ لأنهم لا يجتمعون إلا على هدى
(3)
.
4 إن إحياء ذكرى المولد لم يفعله الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعون، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه، ولو كان فيه خيرٌ محض، أو راجحٌ لكان الصحابة رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص
(4)
.
5 ولو افترضنا تخريج بدعة إحياء المولد على نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن:
أ اتخاذ قبره عيدًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا»
(5)
.
ب إطرائه ورفعه فوق منزلته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابن مَرْيَمَ»
(6)
.
(1)
يُنظر: الرد القوي، لحمود التويجري (87)، البدع الحولية (152).
(2)
وقد بسط الإمام الشاطبي رحمه الله الكلام على تقرير هذه القاعدة. يُنظر: الموافقات (1/ 139 - 154).
(3)
يُنظر: البدع الحولية، لعبد الله التويجري (151).
(4)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 123)، المورد في عمل المولد، للفاكهاني (8 - 9).
(5)
سبق تخريجه راجع فضلاً (313).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} (4/ 167/ ح 3445).
لقلنا: إن هذين الحديثين أولى وأقرب من تخريجها على صيام يوم عاشوراء.
ويؤيد هذا التخريج أن الاحتفال بالمولد النبوي مبني على التشبه بالنصارى في اتخاذهم يوم مولد المسيح عيدًا، فعيد مولد المسيح عند النصارى، وعيد مولد النبي صلى الله عليه وسلم عند المحتفلين به متشابهان ولا فرق، وكلاهما من ثمرة الغلو والإطراء وعواقبهما السيئة
(1)
.
فنخلص إلى أن حديث عاشوراء ثابت صحيح، ولكن الاستدلال به على المولد مردود باطل؛ لأن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الرأي والاستحسان والابتداع
(2)
.
* الشبهة الثانية
(3)
: الاحتجاج بأن إحياء المولد النبوي من السنن المباركة.
ويستشهدون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً
…
»
(4)
.
(1)
يُنظر: الرد القوي، لحمود التويجري (32 - 33).
(2)
يُنظر: المرجع السابق (32).
(3)
يُنظر: الحاوي للفتاوى، للسيوطي (1/ 222).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة (8/ 61/ ح 1017).
تفنيد هذه الشبهة:
1 إن السُّنَّة الحسنة تكون فيما له أصل في الشرع: كالصدقة التي هي سبب ورود الحديث
(1)
، فإذا عُرف سبب الحديث وتنزل المعنى عليه، تبيَّن أن المراد بسن السُّنَّة سن العمل بها، وليس سن التشريع؛ لأن التشريع لا يكون إلا لله ورسوله، وأن معنى الحديث: من سن سُنَّة؛ أي: ابتدأ العمل بها واقتدى الناس به فيها، كان له أجرها وأجر من عمل بها، هذا هو المعنى المتعين للحديث
(2)
.
ولو كان معنى الحديث أن الإنسان له أن يشرع ما شاء، لكان الدين الإسلامي لم يكمل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكان لكل أمة شرعةٌ ومنهاج
(3)
.
2 المقصود بالحديث: أن السنن الشرعية هي التي سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سنّها أحد الخلفاء الراشدين المهديين وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم.
وأما ما سوى ذلك فهو من المحدثات التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر أنها شر وضلالة، ومن ذلك الاحتفال بالمولد النبوي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك، ولم يفعله، ولم يأمر به أحدًا من الخلفاء الراشدين، ولم يفعله أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولا التابعين وتابعيهم بإحسان
(4)
، وعلى هذا فهو بدعة وضلالة يجب ردها لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»
(5)
.
3 أن معنى: من سن في الإسلام سُنَّة حسنة؛ أي: أتى بطريقة مرضية يشهد لها أصل من أصول الدين،
…
ومن سن في الإسلام سُنَّة شر أو سيئة؛
(1)
يُنظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي (7/ 104).
(2)
يُنظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (2/ 295).
(3)
يُنظر: المرجع السابق (2/ 295).
(4)
يُنظر: الرد القوي، لحمود التويجري (14).
(5)
سبق تخريجه راجع فضلاً (164).
أي: طريقة غير مرضية لا يشهد لها أصل من أصول الدين
(1)
، ولا شك أن المولد من سنن الشر التي يترتب عليها عظيم الوزر، لما فيه من المعارضة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
4 يلزم المسلم الجمع بين الأحاديث وعدم الأخذ بحديث دون آخر، فإنَّ الذي قال: «مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسَنةً
…
»
(3)
(4)
، وهو القائِل:«مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ»
(5)
، فهذه أحاديث صحيحة، يتعيّن الأخْذُ بها جميعًا، والتوفِيقُ بينها.
5 من اللوازم الفاسدة التي تُلزم من يعتقد أن القيام بذكرى المولد النبوي سُنَّة مباركة وفعل مستحسن محمود:
أ أن الشرع لم يكمل بعد عندهم، فلا يكون لقوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، معنى معتبر، ومُحسن الظن منهم يتأولها حتى يخرجها عن ظاهرها
(6)
.
ب أنهم انفردوا بهذا الفضل عن القرون الثلاثة المفضلة الأولى، واختصوا به عمن قبلهم، وحصل لهم العمل بسُنَّة حسنة مباركة محمودة لم تحصل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه رضي الله عنهم، وأنهم أتقى لله تعالى من رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وأحرص على الخير منهم، وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل ودين
(7)
.
(1)
يُنظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري (7/ 365).
(2)
يُنظر: الرد القوي، لحمود التويجري (212).
(3)
سبق تخريجه راجع فضلاً (51).
(4)
سبق تخريجه راجع فضلاً (48).
(5)
سبق تخريجه راجع فضلاً (164).
(6)
يُنظر: الاعتصام للشاطبي (1/ 147).
(7)
الرد القوي، لحمود التويجري (17 وأيضًا 196).
* الشبهة الثالثة
(1)
: الاحتجاج بأن إحياء المولد النبوي من البدع الحسنة.
ويستشهدون بقول الخليفة الراشد أمير المؤمنين عُمر بن الْخطَّابِ رضي الله عنه عندما أمر بجمع الناس فِي رمضان لأداء صلاة التراويح في الْمَسْجِد، فلما رآهم بعد تنفيذ أمره رضي الله عنه، قَالَ: نِعْمَتُ الْبِدْعَة هَذِهِ
(2)
.
تفنيد هذه الشبهة:
1 هذا جمع بين حق وباطل، أما الحق فهو التصريح بأن المولد بدعة، وهذا التصريح يلائم ويوافق الأحاديث الواردة في التحذير من البدع، وأما الباطل فهو إضافة الحسنة إلى البدعة؛ وهذه الإضافة غير صحيحة، إذ لا دليل عليها من كتاب ولا سُنَّة
(3)
.
2 ليس في الدين بدع حسنة، ووصفها بالحسن من مجازفات أهل الغلو والإطراء
(4)
، وهذا القول مخالف لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»
(5)
؛ لأن البدعة محمولة عند العلماء على عمومها، ولا يستثنى منها شيء ألبته، وليس فيها ما هو حسن أصلاً، إذ لا حسن إلا ما حسّنه الشرع
(6)
.
وممَّا يُؤيِّد ذلك أن الاستحسان يعتبر من الأصول الموهومة التي يُظن أنها من أصول الأدلة وليس منها، وقد قال به الإمام أبو حنيفة رحمه الله
(7)
.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: من اسْتَحْسنَ فقد شَرَّعَ
(8)
.
(1)
يُنظر: الحاوي للفتاوى، للسيوطي (1/ 222).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الصلاة، ما جاء في قيام رمضان (1/ 158/ ح 378).
(3)
يُنظر: الرد القوي، لحمود التويجري (169).
(4)
يُنظر: المرجع السابق (34).
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (3/ 11/ ح 867).
(6)
يُنظر: فتاوى الإمام الشاطبي (180 - 181)، الاعتصام، للشاطبي (1/ 188 - 189).
(7)
يُنظر: المستصفى في علم الأصول، لأبي حامد الغزالي (1/ 171).
(8)
يُنظر: نهاية المطلب في دراية المذهب، للجويني (18/ 473)، المستصفى في علم الأصول، لأبي حامد الغزالي (1/ 171).
ولا يُتصَوَّر ممَّن يرَى الاستحسانَ، أنْ لا يستحسن أي أمر من الأمور إلا بدليل، فضلاً عن استحسان البدع والمحدثات التي لا دليل عليها.
ويطول حصر كلام العلماء في إنكار تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة، ولا يتسع المقام لذكره؛ لأجل ذلك سأكتفي بإيراد ثلاث نقولات عن أهل العلم:
أ قال إمامُ دارِ الهجرة مالكُ بن أنسٍ رحمه الله (ت: 179 هـ): أن من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً} [المائدة: 3]، فما لم يكن يومئذ دينًا؛ فلا يكون اليوم دينًا
(1)
.
ب قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله (ت: 224 هـ): البدع والأهواء كلها نوع واحد في الضلال
(2)
.
ج قال الحافظ ابن رجب رحمه الله (ت: 795 هـ): فقوله صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» : من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ»
(3)
؛ فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه؛ فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة
(4)
.
3 أن الاحتجاج بقول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وما فعله من جمع الناس على إمام واحد في قيام رمضان هو سُنَّة مندوب إليها لأمرين
(5)
:
أ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بالناس ثلاث ليال في رمضان، ثم قطع ذلك خشية أن يفرض على أمته، وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فهو سُنَّة وليس ببدعة.
ب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ،
(1)
يُنظر: الاعتصام، للشاطبي (1/ 494).
(2)
كما أشار إلى ذلك ابن بطال في شرح صحيح البخاري (8/ 588).
(3)
سبق تخريجه راجع فضلاً (48).
(4)
جامع العلوم والحكم، لابن رجب (2/ 128).
(5)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 93 - 94)، الرد القوي، لحمود التويجري (49).
تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»
(1)
، فهذا النص الصحيح يدل على أن ما فعله عمر رضي الله عنه من جمع الناس على إمام واحد في قيام رمضان فهو سُنَّة وليس ببدعة.
فقوله رضي الله عنه: «نعمتُ البدعة هذه» إطلاق كلمة البدعة لغوي لا شرعي
(2)
، إذ إن مفهوم البدعة في اللغة أوسع منه في الشرع، فلا تعني تسمية أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لها:«بدعة» أنها بدعة في الدين، وإنما سماها باعتبار ظاهر الحال
(3)
، أو قد يكون من باب الرد والتنزّل في الحجة على من قال: إنها بدعة.
فالإلزام بأنه رضي الله عنه يقصد أنها بدعة حسنة، أو أن البدع منها ما هو حسن من حيث المبدأ؛ إنما هو تقوّل على أمير المؤمنين رضي الله عنه، وافتراء على الدين
(4)
.
ويصح قول بدعة حسنة أو سيئة في البدع اللغوية الدنيوية، أما البدع الدينية الشرعية فلا تكون إلا سيئة
(5)
.
والمتأمل في قول المحتجين بالجواز يجد أن هناك تناقضًا بين قولهم: سُنَّة مباركة وبين قولهم: بدعة حسنة، ففي الشبهة الثانية: تستلزم دعواهم الاستدراك على الشرع والدين، في تشريع سُنَّة لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي الشبهة الثالثة: تستلزم دعواهم مناقضة النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، في ذم البدع والتحذير منها، والأمر بردها.
(1)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السُّنَّة، باب في لزوم السُّنَّة (4/ 329/ ح 4607)، والترمذي في جامعه، أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الأخذ بالسُّنَّة واجتناب البدع (4/ 408 - 409/ ح 2676)، صححه الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 58).
(2)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 95)، جامع العلوم والحكم، لابن رجب (2/ 131).
(3)
يُنظر: الاعتصام، للشاطبي (1/ 250).
(4)
يُنظر: تحقيق اقتضاء الصراط المستقيم، ناصر العقل (1/ 65).
(5)
يُنظر: الرد القوي، لحمود التويجري (192).
* الشبهة الرابعة
(1)
: احتجاجهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صيام يوم الاثنين، قال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ
…
»
(2)
، بأنه صلى الله عليه وسلم كان يعظم يوم مولده، ويعبّر عن هذا التعظيم بالصوم، ويعتبرون هذا مسوغًا لدعوى الاحتفال.
تفنيد هذه الشبهة:
1 لم يأتِ عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه صام يوم الاثنين؛ لأجل تعظيم يوم ولادته، أو لفضيلة شهر ربيع الأول، وإنما جاء عنه الترغيب في صيام يوم الاثنين والخميس أيضًا؛ لأجل إنهما يومان تُعرض فيهما الأعمال على الله سبحانه وتعالى، وأنه صلى الله عليه وسلم يحب أن يُعرض عمله على الله جل جلاله وهو صائم
(3)
.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته، وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح تحديدهم، وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه في كل شهر أربع مرات، ولو كان الأمر كما احتجوا به، لكان الترغيب في صوم يوم الاثنين مقصورًا على أيام الاثنين التي تكون في شهر ربيع الأول، دون غيره من بقية الشهور، فتبين أن هذا الاستدلال في غاية البعد والتكلّف، وبناء عليه فإن تخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول، بعمل محدد دون يوم الاثنين من كل أسبوع، يعتبر استدراكًا على الشارع، وتصحيحًا وإكمالاً، وما أقبح هذا إن كان!
(4)
.
2 ولو سلمنا للمراد من إقامة المولد وهو شكر الله تعالى على نعمة ولادة النبي صلى الله عليه وسلم فيه وخروجه إلى الدنيا، فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول صلى الله عليه وسلم ربه به، وهو الصوم.
وعليه يلزمهم الصيام كما صام صلى الله عليه وسلم، غير أن أرباب الموالد لا يصومونه؛
(1)
يُنظر: الرد القوي على الرفاعي والمجهول وعلوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي (61).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس (3/ 167/ ح 1162).
(3)
يُنظر: إلى ما أخرجه الترمذي في جامعه، أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في صوم يوم الاثنين والخميس (2/ 114/ ح 747)، وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (4/ 104).
(4)
يُنظر: الرد القوي، لحمود التويجري (61 - 62)، الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف، لأبي بكر الجزائري (372).
لأنَّ الصيام فيه مقاومة لشهوات النفس بحرمانها من لذة الطعام والشراب، وهم يريدون ذلك الطعام والشراب فتعارض الغرضان، فآثروا ما يحبون على ما يحب الله، وهذا بعينه أعظم الزلل عند أهل البصائر والنهى
(1)
.
3 لا ننكر مشروعية صيام الاثنين، فصومه مستحب على طوال العام، لا في وقت دون آخر، ولكن قياس ما هو مشروع وهو الصيام على ما لم يشرع وهو الاحتفال، قياس باطل، عاطل، فاسد، كاسد؛ لوجود الفارق
(2)
.
* الشبهة الخامسة
(3)
: الاحتجاج برؤية منامية: رآها أحدهم في أبي لهب بعد موته، فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار، إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين، وأمص بين أصبعي ماء بقدر هذا وأشار لرأس أصبعه وأن ذلك بإعتاقي لثويبة، عندما بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له.
فإذا كان أبو لهب الكافر، الذي نزل القرآن بذمه قد جوزي بالتخفيف عنه؛ لفرحة بليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم به، فما حال المسلم الموحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يسر بمولده.
تفنيد هذه الشبهة:
1 أن هذا الخبر جاء مرسلاً وعلى ذلك لا يصح الاستدلال به؛ لأنه ضعيف
(4)
.
إذ إنه لم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا إن ثويبة بشرته بولادته، ولا إنه أعتق ثويبة من أجل البشارة بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، فكل هذا لم يثبت، ومن ادّعى ثبوت شيء من ذلك، فعليه إقامة الدليل على ما ادَّعاه، ولن يجد إلى الدليل الصحيح سبيلاً
(5)
.
(1)
يُنظر: الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف، لأبي بكر الجزائري (372).
(2)
يُنظر: الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع، لمحمد بن شقير (932).
(3)
يُنظر: الحاوي للفتاوى، للسيوطي (1/ 230).
(4)
يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (9/ 145).
(5)
يُنظر: الرد القوي، لحمود التويجري (56).
وعلى تقدير مجئ الخبر موصولاً، فهو رؤيا منامية ولا حجة فيه، أضف إلى ذلك أن الرائي الذي رآها في منامه لم يكن إذ ذاك أسلم بعد! فلا يحتج به
(1)
.
2 لو سلمنا بصحة الخبر، فثويبة لم تعتق في يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أعتقها أبو لهب بعد الهجرة
(2)
.
خلاصة القول في حكم إحياء ذكرى المولد النبوي وما يترتب على إقامته وإحيائه:
1 ليس له أصل في الشرع، وهو من الابتداع في الدين؛ لأن أصحاب القرون الثلاثة المفضلة لم يحيوا ذكره، ولم يحتفلوا به؛ إذ إن منشأ هذه البدعة من الرافضة.
2 فيه تشبه بالنصارى في إحيائهم ذكرى مولد عيسى عليه السلام.
3 يؤدي إلى مفاسد عقدية، ومخالفات شرعية كثيرة: كالغلو والمبالغة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه والاستغاثة به، وطلب المدد، وإلقاء القصائد الشركية
(3)
، التي فيها غلو وإطراء، يتخللها سوء أدب
(4)
، واعتقاد أنه صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، ويحضر لاحتفالهم.
وأيضًا لا تخلو هذه الاحتفالات من اشتمالها على منكرات أخرى كاللهو والإسراف، وإضاعة الأموال والأوقات، واختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وغير ذلك من الشرور التي تحصل حين الاحتفال بالمولد.
4 إحياء بدعة المولد يفتح بابًا للبدع الأخرى، مما يؤدي إلى الانشغال عن الفرائض والسنن، لذلك نجد أهل البدع ينشطون لإحياء البدع، ويكسلون عن إحياء السنن.
(1)
يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (9/ 145).
(2)
يُنظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (1/ 87)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر (1/ 28).
(3)
كقصيدة البردة، للبويصيري.
(4)
كقراءة سيرته من مولد المناوي، لعبد الله بن محمد المناوي.
5 محبة النبي صلى الله عليه وسلم تتحقق بإحياء سُنَّته، بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وبأن لا يُعبد الله إلا بما شرع، بهذا تتحقق المحبة الصادقة.
هناك ثلاث أسئلة موجهة للمجيزين الاحتفال بالمولد النبوي، وهم مطالبون بالإجابة عنها، وهي:
س 1/ هل القيام بالمولد النبوي طاعة أم معصية؟
س 2/ هل عَلِمَها النبي صلى الله عليه وسلم أم جَهِلَها؟
س 3/ هل بلّغها النبي صلى الله عليه وسلم للأمة؟
ولا عبرة للمحتجين باستحسان بعض العلماء المتأخرين المجيزين للمولد النبوي واشتراطهم عدم اصطحاب المنكرات، مع أن بعض من أجازها أقر بأنها أمر محدث!
(1)
.
إذ إن الاحتفال في أصله مخالف للذين؛ فإنهم خالفوا الأصول الشرعية والقواعد المرعية؛ لإن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الرأي والاستحسان والابتداع.
ولو افترضنا أن القائل بالجواز عالمٌ يُعتدّ به، فكلام العالم ليس دليلاً شرعيًّا يُحتج به؛ بل هو اجتهاد منه فإن وافق الكتاب والسُّنَّة كان صوابًا، وإن خالفهما كان خطأ باطلاً، وقد يكون معذورًا عند الله جل جلاله؛ لأنه بذل وسعه، ولا يجوز متابعته على خطئه مع الثناء والدعاء له.
فالمتقدمون من السلف الصالح صانوا الدين، وتصدوا للردّ على البدع والمحدثات، ولا يسعنا إلا اتباع أصحاب القرون المفضلة الثلاثة الأولى، والسير على نهجهم.
قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة
(2)
.
(1)
كما صرح بذلك: السيوطي في الحاوي للفتاوي (1/ 222)، والسخاوي في الأجوبة المرضية (3/ 1116)، وأبو شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث (23) وغيرهم.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في الزهد (ص 134/ أثر 896)، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب السُّنَّة (28/ أثر 78)، والطبراني في الكبير (9/ 154/ ح 8770).
وقال رضي الله عنه: من كان منكم متأسيًا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالاً، قومًا اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم
(1)
.
وقال أيضًا رضي الله عنه: إنكم اليوم على الفطرة، وإنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدي الأول
(2)
، وقال رضي الله عنه: عليكم بالسمت الأول
(3)
.
وبعد استعراض بعض من الشبهات التي يلوح فسادها للبصير بأدنى نظر، لا يسع المسلم الباحث عن الحق إلا أن يتبع ويسلّم للمنهج القويم الذي كان عليه السلف الصالح، المتبع للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك برهان محبته صلى الله عليه وسلم، فمن يزعم محبته، ويخالف هديه، يصدق عليه قول القائل:
لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأَطَعْتَهُ
إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
(4)
ومن محبتة صلى الله عليه وسلم إحياء سُنَّته، ومجانبة ما خالفها، لكن لمّا كَثُر المدَّعونَ للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يعطى الناس بدعواهم لَادَّعى الخَلِيُّ حُرْقةَ الشَّجيّ، فتنوع المدَّعونَ في الشهود فقيل لا تقبل هذه الدَّعْوى إلا ببيّنة:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]، فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه
(5)
.
(1)
جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (2/ 947).
(2)
أخرجه الدارمي في مسنده (1/ 270/ ح 174)، وابن أبي شيبة في مصنفه (19/ 602/ ح 37177)، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب السُّنَّة (29/ أثر 80).
(3)
أخرجه الإمام أحمد في الزهد (134/ أثر 897).
(4)
تُنسب هذه الأبيات للإمام الشافعي رحمه الله ولغيره، فهي في ديوان محمود الوراق، وديوان ذي الرمة، يُنظر: ديوان الإمام الشافعي (78).
(5)
مدارج السالكين، لابن القيم (3/ 8) بتصرف يسير.
يقول العالم محمد البشير الإبراهيمي الجزائري رحمه الله (ت: 1385 هـ): إن محمدًا صلى الله عليه وسلم يطالبكم بإقامة الدين لا بإقامة المولد
(1)
.
وأما الذي يتعصب للبدع ويهواها ويدافع عنها، سواء كانت الأدلة الشرعية ثابتة ضده، أو ضعيفة في جانبه، فإن مثل هذا من المستحيل أن يصرفه إلا أن يشاء الله عن موقفه أي دليل أو برهان، ولو كان كالشمس في رائعة النهار
(2)
.
هذا؛ وقد آثرت الاقتصار على بدعة واحدة من بدع آثار المواسم الزمانية، خشية التطويل، وللعلماء قديمًا وحديثًا جهود وآثار علمية في التصنيف والتأليف؛ للتصدي لبدع المواسم الزمانية التي يحييها بعض الناس.
فمن المصنفات والمؤلفات ما اشتمل على تفنيد البدع بشكل عام وكان للبدع الزمانية، منها فصل خاص
(3)
، ومنها ما أُفردت برسائل مستقلة اشتملت على تفنيد شبهات بدعة واحدة أو مجموعة من البدع الزمانية
(4)
.
* * *
(1)
آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (4/ 144).
(2)
للعودة إلى معنى كالشمس في رائعة النهار راجع فضلاً (293).
(3)
يُنظر: البدع والنهي عنها، لابن وضاح، الحوادث والبدع، للطرطوشي، الباعث على إنكار البدع والحوادث، لأبي شامة، اقتضاء الصراط المستقيم، المدخل، لابن الحاج الفاسي، الاعتصام، للشاطبي
…
وغيرهم كثير.
(4)
يُنظر: الابتهاج في أحاديث المعراج، وكتاب أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب، لأبي الخطاب ابن دحية، والمورد في عمل المولد، لأبي حفص تاج الدين الفاكهاني، وغاية الكلام في إبطال عمل المولد والقيام، لبشير الدين القنوجي، وحكم الاحتفال بالمولد النبوي والرد على من أجازه، ورسالة إنكار الاحتفال بالمولد النبوي، لمحمد بن إبراهيم آل الشيخ، والتحذير من البدع مجموعة رسائل تشمل: الاحتفال بالمولد النبوي، الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، الاحتفال بليلة النصف من شعبان، لعبد العزيز بن باز، والرد القوي على الرفاعي والمجهول وعلوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي، لحمود التويجري
…
وغيرهم كثير.
المطلب الثاني
أبرز الشبهات حول الآثار المرئية
بسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: الشبهات المتعلقة بالآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق به.
المسألة الثانية: الشبهات المتعلقة بآثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية.
المسألة الثالثة: الشبهات المتعلقة بآثار القبور والمشاهد.
المسألة الأولى: الشبهات المتعلقة بالآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق به:
تقدّم في الفصل الأول بيان قلَّة ما بقي من آثار النبي صلى الله عليه وسلم وبيان ما فُقد، ولكن العجيب وجود بعضها في أكثر من موضع ومتحف ومزار!
بدعوى أنها آثار نبوية توارثوها من الأجيال السابقة، واحتفظوا بها؛ بحجة أنها أسرار وأدلة شرعية، وحالات شفائية عن طريق مبشرات منامية على حد زعمهم!
(1)
.
لا شك أن زعمهم باطل، ومجرد دعوى بلا دليل قاطع، إذ لا بد من إثبات الأثر المرئي بأسانيد متصلة صحيحة تؤكد صحة نسبة هذه الآثار للرسول صلى الله عليه وسلم كما هو الحال مع الأثر المروي، فالآثار المرئية كالآثار المروية الحديثية عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ يترتب عليها حكم شرعي.
(1)
يُنظر: أسرار الآثار النبوية، لأبي الفضل الحسيني الصوفي (65 - 76).
ومما تميزت به هذه الأمة بأنها: أمة إسناد، كما قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
(1)
.
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن بعض المتاحف تحوي على عدد من الأدوات والأواني التي كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، لكنها كما يصرح القائمون عليها مجرد مقتنيات ومجسمات تحاكي الأدوات والأواني التي كان يستخدمها النبي صلى الله عليه وسلم، بغرض التذكير بسيرته صلى الله عليه وسلم.
وعليه؛ فليس الحديث هنا عن نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فمتفق على أنها مجرد مجسمات تحاكي ما كان يستخدمه النبي صلى الله عليه وسلم من أدوات، والهدف منها التعريف والتذكير بما كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم.
وإنما الحديث عن مشروعية هذا العمل
(2)
الذي يتضمن نوعًا من الإحياء للآثار النبوية المنفصلة عن جسده الشريف صلى الله عليه وسلم، ومعرفة ما أفتى به العلماء بخصوصه.
فالشبهات المتعلقة بالآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق به، سيتم تقسيمها إلى قسمين:
1 شبهات المتاحف التي تدّعي اقتناء بعض آثار النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية وبقاءها عندهم.
2 شبهات المتحف الذي يحوي أدوات وأواني تحاكي ما كان يستخدمه النبي صلى الله عليه وسلم.
أولاً: شبهات المتاحف التي تدّعي اقتناء بعض آثار النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية وبقائها لديهم.
(1)
مقدمة صحيح مسلم (ص 676/ أثر: 32).
(2)
محاكاة الأدوات والأواني التي كان يستخدمها النبي صلى الله عليه وسلم.
* الشبهة الأولى: ادّعاء وجود أسانيد تثبت صحة نسبة الأثر للنبي صلى الله عليه وسلم
(1)
، والاحتجاج بشهادة أئمتهم وعلمائهم على يقين نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
تفنيد هذه الشبهة:
1 دعوى مجردة عن الدليل والبرهان القاطع؛ لعدم إفصاحهم عن رجال السند واتصاله، وأسماء الأئمة الذين شهدوا يقينًا بنسبة الأثر للنبي صلى الله عليه وسلم.
أي: ليس لديهم إثبات صحيح يُحتج به، إذ إنهم كعادتهم يوهمون الناس والبسطاء بوجود إثباتات وشهادات وأسانيد، وهي في الحقيقة ليس لها أصل صحيح.
2 لا يُكتفى في إثبات صحة نسبة الأثر بالإشارة إلى شهادة أئمة وعلماء مجهولين أو مبهمين دون التصريح بأسمائهم، ومعرفة أحوالهم؛ لأهمية ما يترتب على هذا الأمر من عبادة شرعية يجب مراعاة صحة نسبتها يقينًا.
3 دعوى وجود ما يثبت صحة الأثر بشهادة الأئمة، والأسانيد كلها قائمة على مكاشفة، أو إلهام، أو رؤى منامية تعتمد على أصولهم ومصادر تلقيهم في الاستدلال
(3)
التي تخالف أصول أهل السُّنَّة؛ لتقديمهم المكاشفات وغيرها من الأصول الباطلة على الكتاب والسُّنَّة الصحيحة.
فلا يُفهم من أن المقصود من ادّعائهم بوجود السند الصحيح المتصل عن الرواة العدول؛ بل هو سند مزيف لا يعدوا عن كونه معتمدًا على أحد أصولهم الباطلة، التي تخالف أصول أهل السُّنَّة والجماعة.
(1)
يُنظر: أسرار الآثار النبوية، لأبي الفضل الحسيني الصوفي (76).
(2)
يُنظر: سلوة الأنفاس، للكتاني (391).
(3)
مصادر التلقي عند الصوفية: الكشف والمكاشفات، والرؤى المنامية، والإلهام، والذوق، والوجد. يُنظر: المصادر العامة للتلقي عند الصوفية، صادق سليم صادق (183 - 197).
* الشبهة الثانية: ادّعاء بقاء الأثر وعدم فنائه؛ احتجاجًا بحديث: «إِنَّ اللهَ عز وجل قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام»
(1)
، وأنه لا يبعد أن ينسحب الأثر كاللباس والنعال وما شابههما على ما حلّ بأجسادهم
(2)
.
تفنيد هذه الشبهة:
1 قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *} [الرحمن]، هذا دليل عام خرج منه فناء أجساد الأنبياء؛ بدليل يخصصه
(3)
.
أما الآثار الملحقة بأجساد الأنبياء عليهم السلام من اللباس والنعال والعمامة، فما الدليل الذي يخصصه؛ ليخرج من عموم الآية؟!
2 قياس الآثار المنفصلة عن أجساد الأنبياء وما أُلحق بها من اللباس والنعال والعمامة، على أجسادهم عليهم السلام قياس باطل؛ لوجود الفارق.
3 وجه الاستدلال بالحديث مخالف لما استدل عليه السلف؛ حيث إنه يُستدل به على الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة؛ بدلالة سياق الحديث
(4)
.
(1)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة (3/ 217/ ح 1733)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الرقائق، ذكر البيان بأن صلاة من صلى على المصطفى صلى الله عليه وسلم من أمته تعرض عليه في قبره (3/ 190/ ح 910)، والحاكم في مستدركه، كتاب الجمعة، الأمر بكثرة الصلاة في الجمعة (1/ 278/ ح 1034)، والنسائي في المجتبى، كتاب الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة (1/ 293/ ح 1373/ 1)، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب الجمعة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة (1/ 405/ ح 1047)، صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/ 440/ ح 2212).
(2)
يُنظر: سلوة الأنفاس، للكتاني (391).
(3)
يُنظر: أهوال القبور، لابن الجوزي (208)، أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور، لابن رجب (128).
(4)
يُنظر: ذخيرة العقبى في شرح المجتبى، للوَلَّوِي (16/ 92)، شرح مسند الشافعي، للرافعي (1/ 536) يراجع تخريجه في الصفحة السابقة.
سياق الحديث: عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَفْضَلَ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» قَالُوا: وَكَيْفَ صَلَاتُنَا تُعْرَضُ عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟ قَالَ: «إِنَّ اللهَ عز وجل قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ» يُراجع تخريجه في الصحفة السابقة.
* الشبهة الثالثة: ادّعاء صحة الأثر الذي بحوزتهم؛ لتميزه بخواص عديدة وبركات كثيرة على حد زعمهم؛ كإجابة دعاء الداعي به وحصول المطلوب، وبالاستغاثة به تتحقق لهم النجاة من المهالك، والشفاء من الأوجاع والأمراض، والحرز من الشيطان، والنفع للمضطر، والأمان من البغاة، والبركة وغيرها
(1)
، وإثبات ذلك من خلال التجربة.
تفنيد هذه الشبهة:
1 دعوى باطلة؛ لأن العمدة الصحيحة في نسبة الأثر للنبي صلى الله عليه وسلم هي رواية العدل الضابط بسند متصل إلى منتهاه، وليس ما ادّعوا!
2 الناتج عن فعلهم الممنوع شرعًا ليس دليلاً على صحة نسبة الأثر للنبي صلى الله عليه وسلم؛ بل قد يكون من تغرير الشيطان وتسويله، وخداعه، أو قد يوافق قدرًا، أو قد يكون استدراجًا.
3 الاحتجاج بالتجربة لإثبات شرعية أي أمر من الأمور باطل ولا يصح، فإثبات العبادات الدينية يكون بالأدلة الشرعية لا بالتجارب الشخصية.
وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على شبه من ادّعى إجابة الدعاء، وحصول المطلوب عند بعض الآثار كأثر قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبور الصالحين ومشاهد الأولياء ودعواهم بأنها الترياق المجرب، ويدخل ضمنها الآثار المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم زورًا وبهتانًا، وغيرها من الآثار، فالحكم فيها واحد، قال رحمه الله: وأما قول القائل: إن الحوائج تُقضى لهم بعض الأوقات فهل يسوغ ذلك لهم قصدها؟
فيقال: ليس ذلك مسوغ قصدها لوجوه:
أحدها: أن المشركين وأهل الكتاب يُقضى كثير من حوائجهم بالدعاء عند الأصنام وعند تماثيل القديسين والأماكن التي يعظمونها؛ وتعظيمها حرام في زمن الإسلام.
فهل يقول مسلم: إن مثل ذلك سوغ لهم هذا الفعل المحرم بإجماع المسلمين، وما تجد عند أهل الأهواء والبدع من الأسباب التي بها ابتدعوا ما
(1)
يُنظر: سلوة الأنفاس، للكتاني (392).
ابتدعوه إلا تجد عند المشركين وأهل الكتاب من جنس تلك الأسباب ما أوقعهم في كفرهم وأشد ومن تدبر هذا وجده في عامة الأمور فإن البدع مشتقة من الكفر.
وكمال الإيمان: هو فعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله، فإذا ترك بعض المأمور وعوض عنه ببعض المحظور كان في ذلك من نقص الإيمان بقدر ذلك
…
الوجه الثاني: أن هذا الباب يكثر فيه الكذب جدًّا؛ فإنه لما كان الكذب مقرونًا بالشرك كما دل عليه القرآن في غير موضع والصدق مقرونًا بالإخلاص فالمؤمنون أهل صدق وإخلاص، والكفار أهل كذب وشرك وكان في هذه المشاهد من الشرك ما فيها: اقترن بها الكذب من وجوه متعددة.
منها: دعوى أن هذا قبر فلان المعظم أو رأسه؛ ففي ذلك كذب كثير.
والثاني: الإخبار عن أحواله بأمور يكثر فيها الكذب.
والثالث: الإخبار بما يقضى عنده من الحاجات فما أكثر ما يحتال المعظمون للقبر بحيل يلبسون على الناس أنه حصل به خرق عادة أو قضاء حاجة وما أكثر من يخبر بما لا حقيقة له، وقد رأينا من ذلك أمورًا كثيرة جدًا.
والرابع: الإخبار بنسب المتصلين به مثل كثير من الناس يدعي الانتساب إلى قبر ذلك الميت إما ببنوة. وإما بغير بنوة حتى رأيت من يدعي أنه من ولد إبراهيم بن أدهم مع كذبه في ذلك؛ ليكون سادن قبره وأما الكذب على العترة النبوية فأكثر من أن يوصف.
الخامس: أن الرافضة أكذب طوائف الأمة على الإطلاق، وهم أعظم الطوائف المدعية للإسلام غلوًّا وشركًا، ومنهم كان أول من ادعى الإلهية في القرابة، وادّعى نبوة غير النبي صلى الله عليه وسلم كمن ادعى نبوة علي وكالمختار بن أبي عبيد ادعى النبوة ثم يليهم الجهال كغلاة ضلال العباد وأتباع المشايخ؛ فإنهم أكثر الناس تعظيمًا للقبور بعد الرافضة وأكثر الناس غلوًّا بعدهم وأكثر الطوائف كذبًا وكل من الطائفتين فيها شبه من النصارى. وكذب النصارى وشركهم وغلوهم معلوم عند الخاص والعام وعند هذه الطوائف من الشرك والكذب ما لا يحصيه إلا الله.
الوجه الثالث: أنه إذا قضيت حاجة مسلم وكان قد دعا دعوة عند قبره فمن أين له أن لذلك القبر تأثيرًا في تلك الحاجة؟ وهذا بمنزلة ما ينذرونه عند القبور أو غيرها من النذور: إذا قضيت حاجاتهم
…
وأن النذر ليس سببًا في دفع ما علق به من جلب منفعة أو دفع مضرة مع أن النذر جزاء تلك الحاجة ويعلق بها ومع كثرة من تقضى حوائجهم التي علقوا بها النذور؛ كانت القبور أبعد عن أن تكون سببًا في ذلك. ثم تلك الحاجة: إما أن تكون قد قضيت بغير دعائه، وإما أن تكون قضيت بدعائه.
فإن كان الأول: فلا كلام وإن كان الثاني: فيكون قد اجتهد في الدعاء اجتهادًا لو اجتهده في غير تلك البقعة أو عند الصليب لقضيت حاجته؛ فالسبب هو اجتهاده في الدعاء؛ لا خصوص القبر.
الوجه الرابع: أنه إذا قدر أن للقبور نوع تأثير في ذلك سواء كان بها كما يذكره المتفلسفة ومن سلك سبيلهم في ذلك بأن الروح المفارقة: تتصل بروح الداعي فيقوى بذلك
…
في زيارة القبور أو كان بسبب آخر. فيقال: ليس كل سبب نال به الإنسان حاجته يكون مشروعًا؛ بل ولا مباحًا وإنما يكون مشروعًا إذا غلبت مصلحته على مفسدته. أما إذا غلبت مفسدته فإنه لا يكون مشروعًا؛ بل محظورًا وإن حصل به بعض الفائدة.
ومن هذا الباب تحريم السحر مع ما له من التأثير وقضاء بعض الحاجات وما يدخل في ذلك من عبادة الكواكب ودعائها واستحضار الجن.
وكذلك الكهانة والاستقسام بالأزلام؛ وأنواع الأمور المحرمة في الشريعة مع تضمنها أحيانًا نوع كشف أو نوع تأثير. وفي هذا تنبيه على جملة الأسباب التي تقضى بها حوائجهم
(1)
.
وقال أيضًا رحمه الله: إن قول القائل: إن الدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء والصالحين قول ليس له أصل في كتاب الله ولا سُنَّة رسوله، ولا قاله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أحد من أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في الدين؛ كمالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأبي حنيفة
(1)
مجموع الفتاوى (27/ 173 - 177).
والشافعي وأحمد بن حنبل
…
ولم يكن في الأئمة والمشايخ المتقدمين من يقول: إن الدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء والصالحين لا مطلقًا ولا معينًا. ولا فيهم من قال: إن دعاء الإنسان عند قبور الأنبياء والصالحين أفضل من دعائه في غير تلك البقعة
(1)
.
وقال رحمه الله: وأما إجابة الدعاء، فقد يكون سببه: اضطرار الداعي وصدقه، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له، وقد يكون أمرًا قضاه الله لا لأجل دعائه، وقد يكون له أسباب أخرى، وإن كانت فتنة في حق الداعي، فإنا نعلم أن الكفار قد يستجاب لهم فيسقون، وينصرون ويعانون، ويرزقون مع دعائهم عند أوثانهم وتوسلهم بها. وقد قال الله تعالى:{كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا *} [الإسراء]، وقال تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا *} [الجن]، وأسباب المقدورات فيها أمور يطول تعدادها، ليس هذا موضع تفصيلها، وإنما على الخلق اتباع ما بعث الله به المرسلين، والعلم بأن فيه خير الدنيا والآخرة
(2)
.
وكذلك أبطل الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله دعوى إجابة الدعاء عند القبر وحصول المطلوب، بقوله: حكايات حُكِيَتْ لهم عن تلك القبور: أن فلانًا استغاث بالقبر الفلاني في شِدة، فخلص منها، وفلان دعاه أو دعا به في حاجة، فقُضِيَتْ له، وفلان نزل به ضُرٌّ فاسترجى صاحبَ ذلك القبر، فكُشِفَ ضرُّه.
وعند السّدنة والمقابرية من ذلك شيء كثير يطول ذكره، وهم من أكذب خلق الله على الأحياء والأموات، والنفوسُ مُولَعةٌ بقضاء حوائجها، وإزالة ضروراتها، وتسمع بأن قبر فلان تِريْاق مُجرّب، والشيطان له تلطُّفٌ في الدعوة.
فيدعوهم أولاً إلى الدعاء عنده، فيدعو العبدُ عنده بحُرْقَةٍ وانكسار وذِلّة، فيجيب الله دعوته لما قام بقلبه لا لأجل القبر، فإنه لو دعاه كذلك في الحانة والخمارة والحمام والسوق أجابه!
فيظن الجاهل أن للقبر تأثيرًا في إجابة تلك الدعوة، والله سبحانه يجيب
(1)
مجموع الفتاوى (27/ 115).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 169 - 168).
دعوة المضطرِّ ولو كان كافرًا، وقد قال تعالى:{كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا *} [الإسراء]، وقد قال الخليل:{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ، فقال الله سبحانه وتعالى:{وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *} [البقرة].
فليس كلُّ من أجاب الله دعاءه يكون راضيًا عنه، ولا محبًّا له، ولا راضيًا بفعله، فإنه يجيب البَرَّ والفاجر، والمؤمن والكافر. وكثير من الناس يدعو دعاءً يَعْتدي فيه، أو يُشرك في دعائه، أو يكون مما لا يجوز أن يُسأل، فيحصل له ذلك أو بعضه، فيظن أن عمله صالح مُرضٍ لله، ويكون بمنزلة من أُمْلِيَ له، وأُمِدّ بالمال والبنين، وهو يظن أن الله يُسارع له في الخيرات.
وقد قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44].
فالدعاء قد يكون عبادة، فيثاب عليه الداعي، وقد يكون دعاءَ مسألةٍ تُقضى به حاجته، ويكون مضرةً عليه، إما أن يعاقب بما يحصل له، أو تنقص به درجته، فتُقضى حاجتُه، ويعاقبه على ما جرى عليه من إضاعة حقوقه، وارتكاب حدوده
(1)
.
يتبين مما سبق أن حصول المطلوب ليس دليلاً على صحة السبب الشركي، وليس هو مسوغًا للوسائل الشركية بحجة التجربة، كما أجاد وأفاد شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في توضيح هذه المسألة، وبيّنت بطلان اعتقاد ذلك.
* الشبهة الرابعة: ادّعاء أن أثر النعال، محفوظ ومحمي من الماء والشمس، وقياس بقائه كبقاء جلود الكتب والكواغد
(2)
.
تفنيد هذه الشبهة:
1 استخدام الكتب مختلف تمامًا عن استخدام النعل من ناحية الاستهلاك في بداية الأمر، والحاصل من استخدام النعل المشي والاحتكاك والتعرض للحرارة والماء، والخشونة الأرضية وغيرها من الأمور التي تُتلف
(1)
إغاثة اللهفان (1/ 388).
(2)
يُنظر: سلوة الأنفاس، للكتاني (391).
النعل قبل الاحتفاظ به، وليست كجلود الكتب والكواغد التي تكون محفوظة قبل وبعد الكتابة عليها، ولا تستهلك كلبس النعال، ولم تتعرض لما تعرضت له النعال.
2 يؤيد ذلك ما حُكي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه كان يلبس الخفين حتى تخرقا
(1)
.
3 علميًّا: عمر الجلود وبقاؤها له مدة معينة، كما ذكر بعض المختصين بدباغة الجلود من أهل الحرفة عن النعلين المنسوبتين إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إن كانتا من الجلد النيئ غير المدبوغ فإنه يسوس، وإن كانتا من الجلد السبتي المدبوغ الذي ليس فيه شعر، فإنه يكرف وييبس ويتمزق، وإن كانتا من الجلد الإفرنجي العنان، فإنه يكرف ويتمزق أيضًا، ولا أثر لبقاء وجودهما إلى الآن، ومن ادّعى شيئًا من ذلك، فلا يصدقه العرف في دعواه
(2)
.
ومما يستأنس الاستدلال به؛ لبيان أن الكذب حولهما من قديم الزمان، ما حُكي في زمان الخليفة المهدي
(3)
رحمه الله أنه جاءه رجل وفي يده نعل في منديل، فقال: يا أمير المؤمنين، هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهديتها لك.
فقال: هاتها، فدفعها إليه، فقبل باطنها ووضعها على عينيه، وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم، فلما أخذها وانصرف.
قَالَ لجلسائه: أترون أني لم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرها فضلاً عن أن يكون لبسها؟
ولو كذبناه، قَالَ للناس: أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردها
(1)
أخرجه الترمذي في جامعه، أبواب اللباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في لبس الجبة والخفين (3/ 370/ ح 1769)، والترمذي في الشمائل، باب ما جاء في خف رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/ 68/ ح 74)، والطبراني في الكبير، باب الميم، عامر الشعبي عن المغيرة (20/ 413/ ح 991)، ضعفه الألباني في مختصر الشمائل (ص 52/ ح 59).
(2)
مناقب الوزاني، لمحمد الطيب، كما أشار إلى ذلك الكتاني في سلوة الأنفاس (391)، ونقله عنهما أحمد تيمور في الآثار النبوية (126).
(3)
أبو عبد الله محمد بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي العباسي المهدي بالله، من خلفاء الدولة العباسية في العراق، توفي سنة (169 هـ)، يُنظر: الأعلام، للزركلي (6/ 221).
علي، وكان من يصدقه أكثر ممن يدفع خبره، إذ كان من شأن العامة الميل إلى أشكالها، والنصرة للضعيف على القوي وإن كان ظالمًا، فاشترينا لسانه، وقبلنا هديته، وصدقنا قوله، ورأينا الذي فعلناه أنجح وأرجح
(1)
.
فإذا كان هذا في زمن ليس بالبعيد من عصر النبوة، وهو زمن المهدي رحمه الله المتوفى سنة (195 هـ) فكيف بزماننا هذا؟
(2)
.
وآخر ما جاء عن النعلين هو فقدانها في وقعة تيمورلنك، وليس لها ذكر بعد ذلك.
والذي عليه العلماء من المحدثين والمحققين ومن المؤرخين وخبراء الآثار عدم وجود براهين قوية تثبت صحة الآثار المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم، كما سبق استعراض أقوالهم
(3)
، التي تؤيد بطلان صحة نسبة بعض الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم، ويزيد الباحث عن حقيقتها يقينًا بزيفها.
وكما أشرت سابقًا إلى ما وصل إليه خبراء الآثار من اكتشافات مخبرية حديثة تقيس عمر الأثر، وتحدد مدة مكثه، حيث إنهم لا يعتدّون بأي قطعة أثرية عضوية
(4)
مكشوفة ومعرضة للهواء والتلوث، ولم تحفظ من وقت اكتشافها بطريقة صحيحة، وخطوات علمية يتخذها خبراء الآثار تجاه القطع الأثرية أثناء اكتشافها
(5)
.
فبناء على ذلك لا يُعتدّ بالآثار المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم عند خبراء الآثار؛ لأنها لم تكن محفوظة عند من ورثها بطرق صحيحة؛ بل بالعكس
(1)
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي (3/ 382).
(2)
يُنظر: التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم دراسة عقدية، لفهد المقرن (42).
(3)
راجع فضلاً (88).
(4)
الآثار العضوية: أي: قطعة كانت متصلة بكائن من الكائنات الحية وانفصلت عنه تسمى قطعة عضوية، أو يكون الكائن نفسه فقد الحياة، مثالها: أسنان وشعر وقلامة أظافر الإنسان، أو جلد وعظم الحيوان، وكذلك من النباتات ورق البردي وخشب الأشجار، والفحم وشمع العسل، والمنسوجات من الكتان والقطن والحرير، وغيرها.
(5)
أفادني بذلك عميد كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود: أ. د. عبد الناصر بن عبد الرحمن الزهراني، في مساء يوم الإثنين، الموافق: 28/ 8/ 1439 هـ 14/ 5/ 2018 م.
كانت معرضة للهواء ومتاحًا للجميع لمسها وتقبيلها والتبرك بها.
ومن المعلوم أن القطع الأثرية العضوية المكشوفة والمعرضة للهواء والتلوث، لا يمكن بتاتًا معرفة عمرها الصحيح، ولا قياس زمن بقائها بالطرق الحديثة عند خبراء الآثار: كقياسها بواسطة النظائر المشعة: TH 232، U 238، C 14، والمستخدم منها في تحليل العينات الأثرية العضوية هو الكربون المشع Radiocarbon Dating والذي يرمز له ب: C 14
(1)
، حيث يُعدّ عند خبراء الآثار من طرق التأريخ المطلق الرقمي لا التقريبي، وهي أكثر طريقة يثقون بها ويعتقدون بأنها من أحسن الطرق للتزمين؛ لدقة نتائجها، وقربها للصواب
(2)
.
فيُعلم من ذلك استحالة ثبوت صحة الآثار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا من الطرق الشرعية ولا من الطرق المخبرية الحديثة.
* ثانيًا: شبهات المتحف الذي يحوي على أدوات تحاكي ما كان يستخدمه النبي صلى الله عليه وسلم.
* الشبهة الأولى: الاحتجاج بسلامة الهدف الذي يرمي إليه هذا المتحف وهو التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم، والدعوة إلى رسالة الإسلام السامية، بالعلم والحكمة والبصيرة والموعظة الحسنة.
تفنيد هذه الشبهة:
1 ما من عمل محدث إلا وله وجه حسن، نظر إليه المخالف، وغفل عن وجهه الآخر، وهو العاقبة والمآل، وما أفضت إليه بدعته بعد حينٍ بحسن نيته، وصلاح قصده.
فحُسن النية لا يصحح الخطأ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: كم مريد للخير لم يصبه!
(3)
، وإن كان قصدهم حسنًا، فلا يكفي لصحة العمل
(1)
يُنظر: التقنيات التحليلية في صيانة مواد الآثار، لباربرا هـ. ستيوارت (394).
(2)
يُنظر: المسح الأثري في الوطن العربي (30)، استخدام التقنيات الحديثة في علم الآثار (59).
(3)
أخرجه الدارمي في سننه، (23)، باب كراهية الفتيا (ص 69)، وحكم عليه الألباني بالصحة، يُنظر: السلسلة الصحيحة (ج 5/ ص 11/ ح 2005).
صلاح النية فقط؛ بل لا بد من موافقة سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع هديه.
2 لا اعتراض على سلامة الهدف، وإنما الاعتراض على الطريقة والوسيلة المستخدمة للوصول إلى الهدف، أو ما سيؤول إليه من المخاطر التي تمس العقيدة؛ كتعلق القلب بهذا الأثر، وتعظيمه، والتبرك به، قبل الوصول للغاية والهدف، فالغاية لا تبرر الوسيلة بل إن الوسيلة لها حكم المقصد
(1)
.
يقول الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله: إن البدع وذرائع الشرك يجب النهي عنها، ولو حسن قصد فاعلها أو الداعي إليها، لما تفضي إليه من الفساد العظيم وتغيير معالم الدين، وإحداث معابد ومزارات، وعبادات لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً} [المائدة: 3]، فكل شيء لم يكن مشروعًا في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه رضي الله عنهم لا يمكن أن يكون مشروعًا بعد ذلك
(2)
* الشبهة الثانية: ادّعاء أن القيام بهذا المشروع من المصلحة المرسلة، وليس من باب التعبد، وإنما هي وسيلة تحقيق عبادة، والشرع لم ينه عن الوسيلة
(3)
.
تفنيد هذه الشبهة:
إن أصل هذه الشبهة يرتكز على مخالفتين:
المخالفة الأولى: كونها: من المصلحة المرسلة وهذا مخالفٌ لعدة أمور:
1 أن المصلحة المرسلة لا تأتي في العبادات وأمور العقيدة؛ لأنها توقيفية
(4)
.
(1)
القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير، عبد الرحمن العبد اللطيف (2/ 598) بتصرف يسير.
(2)
مجموع فتاوى ورسائل ابن باز (1/ 307).
(3)
مقال لحاتم العوني نُشر له في جريدة عكاظ، عدد الجمعة 12/ 10/ 1433 هـ.
(4)
يُنظر: تعقيب الشيخ صالح الفوزان على مشروع السلام عليك أيها النبي، وردًّا على مقال د. حاتم العوني الذي نُشر في جريدة عكاظ الجمعة 12/ 10/ 1433 هـ، يُنظر: البيان لما أخطأ فيه بعض الكُتّاب، لصالح الفوزان (5/ 106).
فالعبادات لا تثبت بآراء الناس وأهوائهم، وإنما تثبت بدليل من الكتاب والسُّنَّة الصحيحة؛ أي: أن المسلم لا يقوم بأي عبادة إلا إذا وقف على دليل شرعي صحيح يستند عليه.
2 عدم تحقق المصلحة المرسلة؛ لمعارضتها مفسدة أرجح منها، وهي سد الذرائع المفضية إلى الشرك
(1)
، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح المقصودة فضلاً عن المرسلة
(2)
.
فالمصلحة المرسلة إذا استلزمت مفسدة أرجح منها أو مساوية لها في المآل وثاني الحال، فإن الحكم لا ينبني على تلك المصلحة قولاً واحدًا؛ لأن الشرع لا يأمر باستجلاب مصلحة مؤدية إلى مفسدة أكبر منها
(3)
.
3 على فرضية تنزيل المصلحة المرسلة، فهو دليل ضد المتحف لا له، فمن مصلحة الشرع، إزالته وعدم إقامته حفاظًا على الدين وصيانةً للعقيدة
(4)
.
المخالفة الثانية: قولهم: ليس من التعبد وقولهم: إنه وسيلة للعبادة فيه تناقض، فإذا كانت الوسيلة للعبادة عبادة، مثل المشي إلى المسجد؛ فالمشي عبادة؛ لأنه وسيلة للصلاة يؤجر عليها بكل خطوة حسنة
(5)
.
(1)
المرجع السابق، ويُنظر: المصالح المرسلة، لمحمد الأمين الشنقيطي (21).
(2)
يُنظر: مشروع السلام عليك أيها النبي وكلمة سواء، لصالح بن علي الشمراني (مقال إلكتروني حُرر بتاريخ 10/ 11/ 1433 هـ) المقال عبر الشبكة العنكبوتية لموقع طريق الإسلام:https://ar.islamway.net/article/11645، مشروع السلام عليك أيها النبي وكلمة سواء.
(3)
مذكرة أصول الفقه (410) بتصرف، ويُنظر: المصالح المرسلة (21) كلاهما لمحمد الأمين الشنقيطي.
(4)
يقول محمد الأمين المختار الشنقيطي رحمه الله: اقتضى التشريع الإسلامي بما اشتمل عليه من الحكم البالغة صيانته والمحافظة عليه بأحكم الطرق وأقومها وأعدلها. يُنظر: منهج التشريع الإسلامي وحكمته (66).
(5)
يُنظر: تعقيب الشيخ صالح الفوزان على مشروع السلام عليك أيها النبي، وردًّا على مقال د. حاتم العوني الذي نُشر في جريدة عكاظ الجمعة 12/ 10/ 1433 هـ، يُنظر: البيان لما أخطأ فيه بعض الكتّاب، لصالح الفوزان (5/ 106).
* الشبهة الثالثة: تشبيه هذا المشروع بأمرين
(1)
:
1 جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان رضي الله عنهما.
2 وضع الخطوط التي تساعد على تسوية الصفوف في بعض المساجد.
تفنيد هذه الشبهة:
1 أن القرآن الكريم جُمع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أمر بكتابته، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد كُتب القرآن كله، لكنه كتب على أشياء متفرقة عند الصحابة رضي الله عنهم.
والذي عمله أبو بكر رضي الله عنه هو جمع هذه المكتوبات في مكان واحد؛ خشية أن يضيع منها شيء ويتفرق.
ثم بعد ذلك لما كثرت المصاحف في أيدي الصحابة رضي الله عنهم، جمعهم عثمان رضي الله عنه وعنهم على مصحف واحد تلافيًا للخلاف.
فاتضح أن جمع القرآن ليس عملاً محدثًا وإنما تم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
(2)
.
2 وأما قياس المتحف بالخطوط التي تساعد على تسوية الصفوف في بعض المساجد فقياس باطل؛ لوجود الفارق، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بتسوية الصفوف، وتعديلها، وبها يتحقق مقصد الشارع، ولا يؤول وضع الخطوط على أرض المسجد إلى مفسدة لا يقرها الشرع. والله أعلم.
* الشبهة الرابعة: إنكار أن يكون هذا العمل وسيلة إلى الشرك، بحجة أن الآثار التي سيضعونها في المتحف سيُبَيّنون لرواد المتحف أنها ليست هي عين الآثار النبوية الشريفة، وإنما هي أدوات حديثة الصنع، فيبعد أن يتبرك بها أحد
(3)
.
(1)
مقال لحاتم العوني نُشر له في جريدة عكاظ، عدد الجمعة 12/ 10/ 1433 هـ.
(2)
التعقيب على المشروع مرة أخرى، مقال مقتبس من كتاب البيان لما أخطأ فيه بعض الكتّاب، لصالح الفوزان (5/ 106).
(3)
مقال لحاتم العوني نُشر له في جريدة عكاظ، عدد الجمعة 12/ 10/ 1433 هـ.
تفنيد هذه الشبهة
(1)
:
1 معلوم أن آثار المتحف حديثة الصنع لكن انتسابها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجمعها في مكان واحد سيجعلها محل تعظيم وغلو بالرسول صلى الله عليه وسلم ودعائه والاستغاثة به، وسؤاله قضاء الحاجات، وكشف الكربات وغيرها من الوسائل الشركية التي قد تحصل عندها مستقبلاً.
2 ومن المعلوم أيضًا أن من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم المنفصلة عن جسده الشريف كانت متاحة ومتوافرة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين.
وكانوا قادرين على جمعها ووضعها في مكان يعرفه الجميع لكنها لم تجمع!
ولم يأتِ فيما أعلم عن أحد من الصحابة والسلف الحرص والعناية والاهتمام بعرض تلك الآثار على الملأ، أو في سوق من الأسواق، للتعريف بها، مع شرعية التبرك بتلك الآثار المنسوبة حقيقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وشدة رغبة الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من التابعين في رؤية الآثار النبوية والتبرك بها
(2)
.
(1)
يُنظر: تنبيهات على مشروع الموسوعة العلمية ومحاكاة الآثار النبوية، (مقال إلكتروني حُرر بتاريخ 21/ 10/ 1433 هـ) مجموعة مقالات الشيخ البريدية في الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد البدر:http://al-abbaad.com/articles/85-1433-10-21
ويُنظر: التعقيب على المشروع مرة أخرى، مقال مقتبس من كتاب البيان لما أخطأ فيه بعض الكتّاب، لصالح الفوزان (5/ 105)، ويُنظر: متحف الآثار النبوية، لسمير بن خليل المالكي (مقال إلكتروني حُرر يوم الأحد 14/ 11/ 1433 هـ) الصفحة الخاصة بالمؤلف عبر موقع صيد الفوائد:http://www.saaid.net/Doat/samer/40.htm
ويُنظر: مشروع (السلام عليك أيها النبي) وكلمة سواء، لصالح بن علي الشمراني (مقال إلكتروني حُرر بتاريخ 10/ 11/ 1433 هـ) المقال عبر الشبكة العنكبوتية لموقع طريق الإسلام:https://ar.islamway.net/article/11645مشروع السلام عليك أيها النبي وكلمة سواء.
(2)
يُنظر: متحف الآثار النبوية، لسمير بن خليل المالكي (مقال إلكتروني حُرر يوم الأحد 14/ 11/ 1433 هـ) الصفحة الخاصة بالمؤلف عبر موقع صيد الفوائد:
http://www.saaid.net/Doat/samer/40.htm
3 مهما عمل أهل الحق من احتياط أو تحفظ فلن يحول ذلك بين الجهال وبين المفاسد المترتبة على تعظيم الآثار؛ وما سيؤول الأمر إليه من توهم كثير من الناس بأنها من مقتنيات الرسول صلى الله عليه وسلم الحقيقية، فيتبركون بها كما كان الصحابة رضي الله عنهم يتبركون بالآثار المنفصلة حقيقة عن جسده الشريف صلى الله عليه وسلم.
فأهل التبرك والشرك إنما يتعلقون بأي أثرٍ أو رمزٍ، ولو لم يكن له حقيقة، فكل ما يرمز إلى معظّم عندهم يتخذونه وثنًا يعبد من دون الله، فهم لا يفرقون بين الآثار الحقيقية والآثار المبتدعة، كما هو الحاصل من التبرك والتمسح بجدران دار المولد في مكة؛ ظنًّا منهم أن ذلك قربة إلى الله سبحانه وتعالى ولحصول الشفاعة وكشف الكربة.
ومما يدل على ذلك ما يحصل أيضًا في غار حراء وغار ثور اللذين دخلهما النبي صلى الله عليه وسلم للحاجة ولم يعد إليهما بعد ذلك، وقد صارا مزارًا للمبتدعة ومحل تبرك يُمارس عندها كثير من أنواع الشرك والبدع والخرافات.
ويشاهد العاقل ذلك واضحًا في بعض البلاد التي بُليت بالتعلق بالأضرحة كيف أصبحوا يعبدونها من دون الله، ويطوفون بها كما يطاف بالكعبة؛ بحجة أن أهلها أولياء فإذا كان الأمر كذلك مع الأولياء وهم دون رتبة النبي، فكيف لا يُخشى من التبرك في هذه المجسمات التي تحاكي آثار النبي صلى الله عليه وسلم.
والمتأمل لآثار المتحف التي تحاكي آثار الرسول؛ قصد التذكير به صلى الله عليه وسلم وبسيرته يجد أنها مماثلة للصور التي رسمها الجهال للصالحين الأولين: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، وهي لم تكن من آثارهم؛ بل هي صور أحدثها غيرهم للتذكير بالأعمال الصالحة، فعُبدت تلك الصور المختَرَعة بعد زمن.
فالأمم السابقة إنما أُهلكت بسبب إحياء آثار أنبيائها والتبرك بها، وإعراضهم عما جاءت به رسلهم، أفلا يكون لنا بهم عبرة؟
فالصحابة والسلف الصالح لما فنيت آثار النبي صلى الله عليه وسلم من ملابسه وأوانيه لم
يقيموا لها مجسمات تشبهها وهم أحرص منا على الاقتداء به فلو كان هذا عملاً مشروعًا لسبقونا إليه ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها
(1)
.
فإحياء آثار النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة، إحياءٌ للآثار التي نُهي عن العناية والاهتمام بها، وأن القيام بمثل هذا المشروع أمر منكر ودعوة خبيثة، كما حذّر من ذلك كبار العلماء؛ لما تفضي إليه من الشرك، وما سيؤول الأمر إليه من اتخاذها عيدًا من الأعياد المكانية، وما سيحصل عندها من مخالفات لا تُحمد عقباها.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى بعض فتاوى كبار العلماء بخصوص متحف المشروع
(2)
:
قال الشيخ صالح اللحيدان حفظه الله: هو أمر منكر، ودعوة خبيثة سيئة، أقل أحوالها أنها دعوة إلى الشرك.
وقال سماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله: هو مشروع ليس بحسن، وهو إلى التبرك المحرم أقرب.
وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله: مجسمات مبتدعة، مدعاةٌ لتعلق الجهال بها، ووسيلة إلى الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: لا يجوز هذا العمل؛ لأنه وسيلة إلى الشرك والتبرك، وإعادة لأمور الجاهلية.
وأخيرًا: إذا تمَ متحف المشروع
(3)
وما شاكله من المتاحف على الوجه
(1)
هذه مقولة شهيرة، وكلمة عظيمة للإمام مالك بن أنس رحمه الله وافقه عليها أهل العلم قاطبة. يُنظر: المبسوط، للقاضي إسماعيل الجهضمي المالكي (ت: 282 هـ)، نقلاً من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم، للقاضي عياض (2/ 88)، اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 367)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 231)، الصارم المنكي في الرد على السبكي، لابن عبد الهادي (1/ 59).
(2)
يُنظر: القول الجلي في مشروع السلام عليك أيها النبي، لعمر بن عبد الرحمن العمر (29 - 30).
(3)
للاطلاع على مفاسد المشروع يُنظر: البيان لما أخطأ فيه بعض الكتّاب، لصالح الفوزان (5/ 105 - 114)، القول الجلي في بيان بطلان المشروع المسمى: السلام عليك أيها النبي، لعبد الله العبيلان (53 - 59)، القول الجلي في مشروع السلام عليك أيها النبي، لعمر العمر (5 - 28).
وقد أنكر الشيخ العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله على تسمية المشروع قائلاً: تسمية غريبة عجيبة؛ لأن جملة السلام عليك أيها النبي إنشائية وهي دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم وليست خبرية وهذه التسمية ليست مستقيمة؛ لأنه روعي فيها اللفظ فهي كلفظ الجلالة في جملة الله اسم عربي ولم يراع فيها المعنى كلفظ الجلالة في جملة الله رب العالمين، وأيضا المشروع شامل للكتاب والسُّنَّة فلا وجه لتخصيص تسميته بهذه الجملة الإنشائية، ويزداد الأمر غرابة أن يكتب بالأحرف الكبيرة على مدخل المبنى الخاص بالمشروع جملة: السلام عليك أيها النبي وهي خطاب ودعاء، وأيضًا فإن هذا الدعاء جاء في التشهد في الصلاة من حديث ابن مسعود وغيره من الصحابة رضي الله عنهم في الصحيحين وغيرهما بكاف الخطاب،
…
ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم متفقين على اللفظ الذي ورد في تسمية .... يُراجع: مقاله: تنبيهات على مشروع الموسوعة العلمية ومحاكاة الآثار النبوية، (مقال إلكتروني حُرر بتاريخ 21/ 10/ 1433 هـ). يُنظر: الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد البدر:http://al-abbaad.com/articles/85-1433-10-21
المذكور سابقًا، فإنه سيتعارض مع جهود دعوة التوحيد في هذه البلاد المباركة؛ لأنه يقوم على الشرك ووسائله وما يضادّ التوحيد، ومفاسده مؤثرة ولو على المدى البعيد
(1)
.
المسألة الثانية: الشبهات المتعلقة بآثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية:
عُلم مما تقدّم
(2)
عدم مشروعية إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية بالتهيئة وتذليل الوصول إليها، لما يترتب عليها من مفاسد تفضي إلى الشرك.
أضف على ذلك عدم ثبوت أغلبها، وظنية تحديد موقعها؛ بسبب ما حصل لها على مر العصور من حروب وكوارث، وهدم، وخفاء، واندثار معالمها بعد مرور (1400 سنة)، وعلى فرضية ثبوت مكانها فليس بمشروع إحياؤها.
وكثيرٌ ممن يتباكون على الآثار يطالبون بإحيائها اعتمادًا منهم على الأدلة الضعيفة، والاستدلالات الخاطئة، والقياسات الفاسدة، مستندين على روايات المؤرخين المتهمين، والمطعون في عدالتهم، والذين خلطوا الأحاديث والأخبار الصحيحة بالسقيمة.
وقد يعود السبب في إيراد بعض الشبهات، من قِبل بعض المهتمين بآثار
(1)
يُنظر: هؤلاء المشايخ أعجبتهم الأشكال وغفلوا عن الغايات والمآلات، مقال مقتبس من كتاب البيان لما أخطأ فيه بعض الكتّاب، لصالح الفوزان (5/ 114).
(2)
للعودة إلى حكم إحياء مقامات النبي صلى الله عليه وسلم راجع فضلاً (120).
مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية: هو استنادهم في إصدار الأحكام الشرعية على كتب أهل السير والمؤرخين
(1)
.
ومن المعلوم أن كتب السيرة والتاريخ لا يمكن الاعتماد عليها في الأحكام؛ لما فيها من نقل الغثّ والسمين، والصالح والطالح.
ولا يخفى أن السير تجمع الصحيح والسقيم والضعيف والبلاغ والمرسل والمنقطع والمعضل دون الموضوع،
…
قال الزين العراقي رحمه الله:
وليعلمِ الطالبُ أنَّ السّيَرَا
تَجمَعُ ما صحَّ وما قدْ أُنْكرَا
(2)
.
فالاستناد على رواية المؤرخين المتهمين، والمطعون في عدالتهم، أمثال: محمد بن الحسن بن زبالة
(3)
، وابن أبي يحيى الأسلمي
(4)
، والواقدي
(5)
…
، لا شك أنه مستند ضعيف، فبذلك يتضح أن بعض المؤرخين هم الذين حددوا بعض الأماكن البدعية، ورغّبوا في إحيائها بالزيارة
(6)
.
وكثير من المؤرخين جمعوا في كتبهم الصحيح والسقيم، القوي والضعيف، والموصول والمنقطع
(7)
.
(1)
وهذا الاستناد في كتبهم يلوح للبصير بأدنى نظر.
(2)
السيرة الحلبية، لأبي الفرج نور الدين الحلبي (1/ 5)، ويُنظر: الرد على البكري، لابن تيمية (1/ 73).
(3)
محمد بن الحسن بن زبالة، أبو الحسن، مخزومي، مدني. توفي قبل (200 هـ)، قال عنه أبو زرعة فيما نقله عنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 228/ ت: 1254)، والمزي كما في تهذيب الكمال (25/ 65): واهي الحديث، قال يحيى: هذا كذاب، ليس بشيء. وقال أيضًا أبو حاتم الرازي: واهي الحديث، ضعيف الحديث، ذاهب الحديث، منكر الحديث، عنده مناكير، وليس بمتروك الحديث.
يُنظر: سؤالات ابن الجنيد (390)، الضعفاء، لأبي زرعة الرازي (2/ 352)، (3/ 966).
(4)
ابن أبي يحيى الأسلمي ضعّفه جماعة من المحدثين؛ بل رماه الأكثرون بالكذب كمالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ويزيد بن هارون، وابن حبان. يُنظر: سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي (1/ 318).
(5)
محمد بن عمر بن واقد، الواقدي، الأسلمي، مولاهم، أبو عبد الله، المدني، القاضي أحد الأعلام وهو متروك مع سعة علمه. يُنظر: الضعفاء، لأبي زرعة الرازي في أجوبته على أسئلة البرذعي (2/ 352).
(6)
يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (673).
(7)
مثال ذلك: الدرة الثمينة، لابن النجار، التعريف بما آنست الهجرة، للمطري، وفا الوفا، للسمهودي
…
، وتابعهم على ذلك كثير ممن جاء بعدهم. يُنظر: معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة (673).
كما أكد الإمام الهمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله على الأخذ بالأحاديث الصحيحة والاعتماد عليها وعدم معارضتها بروايات التاريخ بقوله: لا يجوز معارضة الأحاديث الصحيحة المعلومة الصحة بروايات التاريخ المنقطعة المغلوطة
(1)
.
فمن أبرز الدعاوى والشُّبهات التي يُحتج بها على إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي:
* الشبهة الأولى
(2)
: الاحتجاج بحديث عتبان بن مالك الأنصاريِّ رضي الله عنه، وطلبِه مِنْ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنْ يُصلِّيَ في بيتِه لِيتَّخذَه مُصلًى، ففَعَل صلى الله عليه وسلم
(3)
، والادّعاء بأن هذا الحديث هو التأصيل الشرعي لمسألة التبرك بمقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية.
تفنيد هذه الشبهة:
1 كان الصحابي الجليل عتبان بن مالكٍ الأنصاري رضي الله عنه أَعمَى، يَؤُمُّ قومه
(4)
، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي ليصلي في بيته؛ لأجل الوقوف على جهة القبلة بالقطع
(5)
، وليس لإرادة البركة بالمكان.
2 لو كان فيه فضل ومزيّة؛ لتردد الصحابة رضي الله عنهم عليه، واهتموا به
(6)
.
3 ولو صحت فيه البركة فهي بركة العمل الصالح ليس إلاّ.
4 ولو افترضنا أن فعل الصحابي كان تبركًا بالنبي صلى الله عليه وسلم فلقرب عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالمكان حال حياته، بخلاف آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم التي تطاول عليها الزمان!
(1)
يُنظر: حاشية ابن القيم على عون المعبود (2/ 300).
(2)
يُنظر: الآثار النبوية بالمدينة المنورة، لعبد العزيز القاري (14).
(3)
يُنظر: إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت (1/ 435/ ح 425)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر (1/ 455/ ح 263).
(4)
التاريخ الكبير، للبخاري (7/ 80).
(5)
وهذا أولى الأقوال التي ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (1/ 522)؛ لاتفاقه مع الأصول الشرعية، والقواعد المرعية.
(6)
يُنظر: البيان لأخطاء بعض الكُتّاب، لصالح الفوزان (2/ 38).
* الشبهة الثانية
(1)
: الاحتجاج بحديث: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَدْمِ آطَامِ الْمَدِينَةِ» وحديث: «إِنَّهَا زِينَةُ الْمَدِينَةِ»
(2)
على عدم التعرض للمعالم الأثرية، والمحافظة عليها؛ لأنها زينة المدينة، وأولى تلك المعالم مقامات النبي صلى الله عليه وسلم.
تفنيد هذه الشبهة:
1 الحديث لا يثبت، وعلى ذلك لا يصح الاستدلال به
(3)
.
2 أن آطام المدينة وآثارها هدمت منذ زمن طويل، وكثير منها لليهود، ولو أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم أن يحافظوا عليها، لم تهدم بأكملها؛ لأنه لا
(1)
يُنظر: لا ذرائع لهدم آثار النبوة، لعمر كامل (12).
(2)
جاء الحديث من رواية الطحاوي في شرح المعاني (4/ 194)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 311)، وابن عدي في الكامل (5/ 272)، وغيرهم من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما:«إن رسول الله نهى عن هدم الآطام، وقال: إنها من زينة المدينة» ، وعبد الله بن نافع هو مولى ابن عمر رضي الله عنهما، قال البخاري في التاريخ الصغير (71/ ت: 197): منكر الحديث، وتركه النسائي كما جاء ذلك في الضعفاء (203/ ت: 344)، وغيره كما جاء في التاريخ رواية الدوري (3/ 206/ ت: 952)، والضعفاء، للعقيلي (2/ 311)، وأورد ابن عدي هذا الحديث في مناكيره، وضعفه ابن القيسراني في ذخيرة الحفاظ (2/ 909/ ح 4859)، وقال الألباني: منكر. وكذلك جاء الحديث من رواية البيهقي بسنده في كتابه معرفة السنن والآثار، كتاب المناسك، حرم المدينة وغير ذلك (7/ 440/ ح 10615)، عن موسى بن إسماعيل بن إسحاق القاضي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عيسى بن ميناء، قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ هَدْمِ آطَامِ الْمَدِينَةِ» ، وقال:«إِنَّهَا زِينَةُ الْمَدِينَةِ» ، وعبد الرحمن بن أبي الزناد روى أحاديث مناكير لا يتابع عليها، وتغير حفظه (*)، ولا يدرى متى سمع منه الراوي عنه، وهو: عيسى ابن ميناء، المعروف بقالون المقرئ، وكان حجة في القراءة لا الحديث. يُنظر: الميزان للذهبي (3/ 327/ ت: 6621)، والمغني له (2/ 502/ ت: 4837).
(3)
سبق بيان عدم ثبوته بالتفصيل آنفًا.
يجوز للمسلمين أن يخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فعدم وجودها يدل على ضعف الحديث، وعدم الأمر بالاهتمام بها، والمحافظة عليها
(1)
.
3 ليس من قواعد الشريعة الدعوة إلى التعلق بحجارة لا أثر لها، بل قد يؤدي التعلّق بها إلى الخروج عنها بالإحداث في الدين، أو تركه بالكلية، ومن أراد بقاء زينة المدينة الحقيقية فعليه بعدم إيواء المُحْدِثين، واجتناب ما يحرم فعله بها: كقطع شجرها، وقتل صيدها، وتنفيره، والتقاط لقطتها، ليألفها هو بنفسه، ويألفها أهل الإسلام، ويطيب لهم بذلك سكناها
(2)
.
* الشبهة الثالثة
(3)
: الاحتجاج بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُتِيتُ بدابة فوق الحمار ودون البغل خطوها عند منتهى طرفها، فركبت ومعي جبريل عليه السلام فسرت فقال: انزل فصل ففعلت.
فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر.
ثم قال: انزل فصل فصليت،
فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله عز وجل موسى عليه السلام.
ثم قال: انزل فصل فنزلت فصليت. فقال: أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام.
ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام، فقدمني جبريل عليه السلام حتى أممتهم، ثم صعد بي إلى السماء الدنيا
…
»
(4)
.
ودعواهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم في حادثة الإسراء تتبع مقامات الأنبياء عليهم السلام وصلى فيها.
(1)
يُنظر: البيان لأخطاء بعض الكُتّاب، لصالح الفوزان (2/ 43).
(2)
يُنظر: شرح معاني الآثار (4/ 193 - 194)، نقلاً من معجم المعالم الأثرية في المدينة (112).
(3)
يُنظر: لا ذرائع لهدم آثار النبوة، لعمر كامل (96).
(4)
أخرجه النسائي في سننه، كتاب الصلاة، باب فرض الصلاة، (1/ 221/ ح 450) حكم الألباني: منكر.
تفنيد هذه الشبهة:
1 هذا الحديث حكم عليه المحدثون بأن: فيه غرابة ونكارة جدًّا،
(1)
وعليه فلا يصح الاستدلال به؛ لأنه منكر.
2 على فرضية صحة هذا الحديث، فإنه يكون من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل ما وقع في حادثة الإسراء خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
* الشبهة الرابعة: عدم اعتبار قاعدة سد الذرائع، وإبطال تنزليها على حكم إحياء عين الأثر بالتهيئة وتذليل الوصول إليه، ودعوى عدم إمكانية الاعتماد عليها وتطبيقها على هذه المسألة
(3)
، بحجة وجود مصالح تعود على المسلمين من ناحيتين: اقتصادية مادية، وكذلك من ناحية الحفاظ على سلامة الزائرين عند ارتيادهم للآثار الوعرة
(4)
.
تفنيد هذه الشبهة:
أ جاءت الشريعة الإسلامية بسد ذرائع البدع والشرك، وقد نص علماء السلف على أن سد الذرائع أصل عظيم من أصول الدين الإسلامي، حيث إن الإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله أثبت تسعة وتسعين دليلاً على اعتبار قاعدة سد الذرائع
(5)
.
وكما ساق الإمام الشاطبي رحمه الله اتفاق السلف على أصل سد الذريعة
(6)
.
فلما كانت المقاصد لا يُتوصَّل إليها إلا بأسباب وطُرُق تُفْضِي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعةً لها مُعْتبرة بها.
(1)
يُنظر: حكم ابن كثير على الحديث في تفسير القرآن العظيم (5/ 12).
(2)
يُنظر: البيان لأخطاء بعض الكُتّاب، لصالح الفوزان (2/ 42).
(3)
يُنظر: ندوة الآثار في المملكة العربية السعودية حمايتها والمحافظة عليها (1/ 29 - 30) وأيضًا (2/ 129 - 138)، اهتمام أئمة الإسلام بالمعالم والآثار الإسلامية، لعصام بن عبد الله (177 - 178)، لا ذرائع لهدم آثار النبوة، لصالح كامل (75).
(4)
يُنظر: ندوة الآثار في المملكة العربية السعودية حمايتها والمحافظة عليها (1/ 29 - 30) وأيضًا (2/ 129 - 138)، الآثار الإسلامية، لصالح محمد جمال، مقال نشرته صحيفة الندوة في عددها الصادر في 24/ 5/ 1387 هـ.
(5)
يُنظر: أعلام الموقعين (4/ 551 - 555)، (5/ 305).
(6)
يُنظر: الموافقات (3/ 263).
فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقُرُبَات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها؛ فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصودٌ قصدَ الغاياتِ، وهي مقصودة قصد الوسائل؛ فإذا حَرَّمَ الربُّ تعالى شيئًا وله طرق ووسائل تُفْضِي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقًا لتحريمه، وتثبيتًا له، ومنعًا أن يقرب حِمَاه، ولو أباح الوسائل والذرائع المُفْضِية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم، وإغراءً للنفوس به.
وحكمته تعالى وعلمه تأبى ذلك كل الإباء؛ بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك؛ [وللَّه المثل الأعلى] فإن أحدَهم إذا منع جُنْدَه أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصِّلة إليه لعدَّ متناقضًا، ولحصل من رعيته وجنده ضدّ مقصوده
(1)
.
ب لو سلمنا بدعوى لا ذريعة لإحياء عين الأثر بالتهيئة وتذليل الوصول إليه، وافترضنا وجود مصلحة مادية اقتصادية، فنقول بناء على هذه الدعاوى: إن قواعد المصالح كلها تقتضي المنع، ودونك البيان:
1 إذا تزاحمت المصالح قُدّم أعلاها؛ فإن مصلحة حفظ الدين، أعلى من المصالح الدنيوية
(2)
.
2 إذا تعارضت المصلحة والمفسدة، قدّم أرجحهما، ولا شك أن الراجح هو تحقق مفسدة البدع والشرك التي ستحصل، فتمنع المصلحة حتى لا تتحقق المفسدة
(3)
.
3 درء المفسدة مقدّم على جلب المصلحة، فالمفسدة متحققة، وهي تهيئة المكان للزائرين؛ لأجل القربة لله عز وجل بالتعبد والتبرك والتمسح وتقبيل المكان.
والمصلحة متوهمة وهي تهيئة المكان للسياحة ورفع المستوى الاقتصادي والدخل المادي، ولسلامة الزائرين؛ لأجل الاطلاع والمشاهدة لا للقربة والعبادة.
(1)
إعلام الموقعين عن ربِّ العالمين (4/ 553).
(2)
يُنظر: قواعد تعارض المصالح والمفاسد، لسليمان الرحيلي (61 - 94).
(3)
يُنظر: المرجع السابق (128 - 149).
فهنا اجتمع في إحياء الأثر وتهيئته مصلحة متوهمة، ومفسدة متحققة، وعند علماء أهل السُّنَّة إذا اجتمعت مصلحة ومفسدة في أمر ما، يبادرون في سدّ باب المفسدة، حفاظًا على الدين، وبناءً على القاعدة الشرعية المقررة: درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح، واعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات
(1)
.
4 دعوى وضع درج للجبال أو شاخص ينصب في أعلاه: كجبل عرفة، فيه تغرير بالحجيج، ومساهمة بالإثم، وإقرار بإغرائهم؛ لاعتقاد مشروعية صعوده في نفوس العامة من أقطار العالم
(2)
.
وقد أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى حول توسيع الممر المؤدي إلى أعلى قمة الجبل الذي اشتهر باسم جبل الرحمة حلًّا لمشكلة الزحام الذي سهل على النشالين سرقة حجاج بيت الله الحرام بإزالة المصلى الواقع في وسط هذا الممر تحقيقًا للتوسعة.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على صعود جبل عرفات الذي اشتهر عند الناس باسم: جبل الرحمة، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم صعود هذا الجبل في حجه ولا اتخذه منسكًا، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»
(3)
، ودرج على ذلك الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فلم يكونوا يصعدون على هذا الجبل في حجهم ولا اتخذوه منسكًا لهم؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقف تحت هذا الجبل عند الصخرات الكبار
…
ولذا قال كثير من العلماء: إن صعود هذا الجبل في الحج على وجه النسك بدعة، منهم الإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ صديق خان، وبهذا يعلم أنه لا ينبغي توسعة هذا الممر، ولا السعي في جعله طريقًا مسلوكًا لما فيه من تقرير البدعة وتسهيل الطريق لفاعليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً
(1)
يُنظر: الأشباه والنظائر، للسبكي (1/ 105).
(2)
يُنظر: جبل إلال بعرفات تحقيقات تاريخية شرعية (77).
(3)
سبق تخريجه، للعودة إليه راجع فضلاً (386).
لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»
(1)
، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يصلي نفلاً بموقف عرفات؛ بل اكتفى بصلاة الظهر والعصر في مسجد نمرة، جمعًا وقصرًا، ولا اتخذ مصلى بما يسمى جبل الرحمة ليصلي فيه من صعد على هذا الجبل نافلة أو فريضة في يوم عرفات؛ بل اشتغل بعد صلاته الظهر والعصر بذكر الله تسبيحًا وتهليلاً وتحميدًا وتكبيرًا وتلبية، وبدعاء ربه والضراعة إليه، حتى غربت الشمس.
فاتخاذ مصلى أو مسجد على هذا الجبل ليصلي فيه من صعد عليه من البدع التي أحدثها الجهال، فينبغي إزالة المصلى الحالي لا لتوسعة الممر؛ بل للقضاء على البدعة، ولئلا يتمكن أهل المنكر والخداع من التلبيس على الأغرار من حجاج بيت الله الحرام، وقطعًا لأطماع هؤلاء من الصعود بالحجاج إلى قمة هذا الجبل أو إلى مصلاه، وتعريض الحجاج للمتاعب وسرقة أموالهم، على أن المكان الذي في هذا الجبل ليصلي فيه من صعد على الجبل لا يعطى أحكام المساجد، وعلى هذا جرى التوقيع، وبالله التوفيق وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وسلم
(2)
.
* الشبهة الخامسة
(3)
: ادعاء الأمن من الشرك، وأنه لن يعود إلى مهد الإسلام، احتجاجًا بحديث جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ»
(4)
.
تفنيد هذه الشبهة:
1 حديث جابر رضي الله عنه صحيح ثابت، لكن لا يدل على عدم عودة الشرك إلى جزيرة العرب؛ لثبوت الآثار الحديثية النبوية المروية الدّالة على حصول الشرك.
كما قال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي
(1)
سبق تخريجه، للعودة إليه راجع فضلاً (164).
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الأولى/ 11/ 206 - 208).
(3)
يُنظر: لا ذرائع لهدم آثار النبوة، لصالح كامل (25 - 28).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينًا، (4/ 2166/ ح 2812).
الْخَلَصَةِ»
(1)
، وغيرها كثير من الأحاديث المذكورة سابقًا
(2)
التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها بوقوع الشرك وحدوثه في هذه الأمة، ووقع، وحصل هذا الإخبار بما هو مشاهد عيانًا
(3)
.
2 يُحمل معنى إياس الشيطان على عدة معانٍ، منها:
أ عدم تسلطه على أناسٍ معلومين، وهم الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم:«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»
(4)
، وفي رواية:«لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ»
(5)
.
ب وأيضًا يُحمل حديث جابر رضي الله عنه في إياس الشيطان من أن يُعبد في جزيرة العرب، على نفي عودة الشرك إلى الجميع؛ بل يقع عند بعض دون بعض.
كما قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: فاليأس هنا أن تجتمع الأمة على أصل الشرك الأكبر
(6)
، ومما يؤكد ذلك ما حصل من ارتداد أكثر أهل الجزيرة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقتال الصديق والصحابة رضي الله عنهم لهم على اختلاف تنوعهم في الردة.
ج إن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الإياس إلى الشيطان، ولم يقل: إن الله آيسه،
(1)
سبق تخريجه راجع فضلاً (283).
(2)
راجع فضلاً (285)، وكذلك بقية الأحاديث التي في دواوين السُّنَّة. يُنظر: إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، (4/ 2230/ ح 2907)، وحديث آخر أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل المدينة، باب لا يدخل الدجال المدينة، (3/ 22/ ح 1881).
(3)
يُنظر: التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة، من مجموع مؤلفات الشيخ عبد المحسن العباد (4/ 211).
(4)
أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب الفتن والملاحم، لا يزال هذا الدين قائمًا يقاتل عليه المسلمون حتى تقوم الساعة (4/ 449/ ح 8483)، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (1/ 231/ ح 127)، وأورده ابن حجر في المطالب العالية، كتاب الفتن، باب نصرة أهل الحق حتى يأتي أمر الله (17/ 600/ ح 4352/ 4)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 478).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، باب قول النبي:«لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» (9/ 101/ ح 7311)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:«لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» (6/ 53/ ح 1921).
(6)
يُنظر: لطائف المعارف، لابن رجب (180).
فالإياس الحاصل من الشيطان لا يلزم تحقيقه واستمراره، ولكن عدو الله لما رأى ما ساءه من ظهور الإسلام في جزيرة العرب وعلوه، أيس من ترك المسلمين دينهم الذي أكرمهم الله به، ورجوعهم إلى الشرك الأكبر.
وهذا كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن الكفار في قوله: {أَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} [المائدة: 3]، لما رأى الكفار ظهور الإسلام في أرض العرب، وتمكنه فيها، يئسوا من رجوع المسلمين عن الإسلام إلى الكفر
(1)
.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من المفسرين: يئسوا أن ترجعوا إلى دينهم أبدًا
(2)
.
وقال ابن كثير رحمه الله في الربط بين الآية وحديث جابر رضي الله عنه: أن إياس الشيطان مثل إياس الكفار، وأن الكل يئس من ارتداد المسلمين، وتركهم دينهم
(3)
، ولا يلزم من ذلك امتناع وجود الكفار في أرض الجزيرة العربية.
د نسبة الإياس إلى الشيطان مبنيٌ للفاعل، ولم يقل أُيّس بالبناء للمفعول، ولو قدر أنه يئس من عبادته في أرض العرب إياسًا مستمرًّا، فإنما ذلك ظنٌّ منه وتخمين لا عن علم؛ لأنه لا يعلم الغيب، وهذا غيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن]، فإنه يطلعه على ما يشاء من الغيب
(4)
.
هـ يفسر حديث جابر رضي الله عنه رواية أخرى عن ابن مسعود رضي الله عنه: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ تُعْبَدَ الأَصْنَامُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ، وَلَكِنَّهُ سَيَرْضَى مِنْكُمْ بِدُونِ ذَلِكَ بِالْمُحَقَّرَاتِ، وَهِيَ: الْمُوبِقَاتُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
(5)
وكما هو معلوم أن
(1)
يُنظر: مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (ج 2/ القسم: 3/ 179) من رسائل الشيخ عبد الله أبي بطين.
(2)
يُنظر: جامع البيان (9/ 516).
(3)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (3/ 25).
(4)
يُنظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية (12/ 117).
(5)
أخرجه الحاكم في مستدركه (2/ 27/ ح 2234) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأحمد في مسنده (2/ 889/ ح 3895)، وصححه الألباني في: صحيح الترغيب والترهيب (2221).
الروايات تفسر بعضها؛ فالمعنى: أن الشيطان لا يرضى بأقل من الكفر والشرك
(1)
.
هذه بعض أوجه الجمع بين حديث جابر رضي الله عنه والأحاديث الأخرى.
* أما الأمن من الشرك، واستبعاد وقوعه:
1 لا يصح ادعاء الأمن من الشرك، وأسبابه؛ لأنه إذا أُمن ذلك في عصرنا الحاضر، فلا يؤمن ذلك مع مرور الزمن، ومن المعلوم أن وساوس الشيطان ليست مقتصرة على زمان دون زمان، مع أن عقلاء بني آدم من كبار الموحدين، لا يأمنون على أنفسهم ولا على من تبعهم من الوقوع في الشرك.
هذا خليل الله إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء قال الله جل جلاله عنه عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم].
وأيضًا خاف النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك على أفضل القرون من الصحابة رضي الله عنهم فقال لأصحابه: «إِنَّ أَخْوَفَ ما أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ»
(2)
.
فإذا خافه الأنبياء والرسل عليهم السلام وهم أشرف الخلق وأعلمهم بالله وأتقاهم له، فغيرهم أحرى بالخوف منه تعالى من خلال سد الطرق المفضية إلى الشرك.
وعند النظر في بعض الدول المجاورة نجد العديد من مظاهر الشرك فيها، بسبب إحياء تلك الآثار
(3)
.
2 الإنسان أينما كان سواء في جزيرة العرب أو في الحجاز، عرضة للفتن، والانجراف نحو البدع والشركيات إن لم يحمه الله عز وجل
(4)
.
(1)
يُنظر: التحذير من خطر الشرك والوثنية على بلاد المسلمين وخاصة بلاد الحرمين، ليوسف القويري (129).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (39/ 43/ ح 23636)، والبغوي في شرح السُّنَّة، كتاب الرقاق، باب الرياء والسمعة (14/ 323/ ح 4135)، وحكم عليه الألباني: صحيح. يُنظر: السلسلة الصحيحة (951).
(3)
يُنظر: مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز (3/ 337)، حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (28).
(4)
يُنظر: البيان لأخطاء بعض الكتّاب، صالح الفوزان (2/ 39).
* الشبهة السادسة
(1)
: قياسهم آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية على مقام إبراهيم وأنه جُعل مصلى، فكذلك الصفا والمروة.
تفنيد هذه الشبهة:
1 الصلاة خلف مقام إبراهيم أمر من الرب جل جلاله القائل في كتابه: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125]، فإحياء المقام بالعناية والاهتمام للصلاة خلفه، أمرٌ شرعي، جاء الدليل الصريح من الكتاب، وصحيح السُّنَّة باتخاذه مصلى، فتشرع الصلاة فيه امتثالاً لأمر الله جل جلاله واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
2 يجب أن يُفَرَّق بين ما جاء الشرع بالأمر به، وبين ما لم يأتِ الشرع بالحث عليه وتفضيله؛ فالأماكن التي لم يقصدها الشرع، وإنما مرّ بها الرسول صلى الله عليه وسلم أو جلس فيها عرضًا؛ أو صادفته الصلاة وصلى فيها من غير قصد لها، فإنه لا يجوز اتخاذها مصلى؛ لأن فعله كان عرضًا لا قصدًا، ولم يأتِ في الشرع الأمر به
(3)
.
* الشبهة السابعة
(4)
: قياس التبرك بآثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية على الآثار المنفصلة عن جسده الشريف صلى الله عليه وسلم ك: شعره وريقه ولباسه وفضل وضوئه
…
، وعدم التفريق بين التبرك بما انفصل عن جسده صلى الله عليه وسلم الشريف، وبين آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم التي وطئها أو جلس عليها أو مرّ بها، أو صلى فيها وغيرها.
تفنيد هذه الشبهة:
1 التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم وما انفصل من جسده صلى الله عليه وسلم من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم التي اختص بها، وتلك البركة الذاتية لا تتعدى غيره من آثار المقامات المكانية الترابية
(5)
، فقياس الأماكن على ما انفصل من جسد
(1)
يُنظر: لا ذرائع لهدم آثار النبوة، لعمر كامل (29).
(2)
يُنظر: شرح مسائل الجاهلية (228)، حول مقام إبراهيم، فيصل الصبحي (141).
(3)
يُنظر: شرح مسائل الجاهلية، لصالح الفوزان (228).
(4)
يُنظر: لا ذرائع لهدم آثار النبوة، لعمر كامل (12 - 13)، الآثار النبوية بالمدينة المنورة، عبد العزيز القاري (13 - 14)، اهتمام أئمة الإسلام بالمعالم والآثار الإسلامية، لعصام بن عبد الله (178 - 183).
(5)
يُنظر: البيان لأخطاء بعض الكُتّاب، لصالح الفوزان (2/ 37)، هذه مفاهيمنا، لصالح آل الشيخ (206).
النبي صلى الله عليه وسلم قياس باطل، عاطل، فاسد، كاسد؛ لوجود الفارق.
2 هذه الدعوى تعود إلى اعتقادهم الباطل بأن بركة الأماكن والبقاع التي لامست جسد النبي صلى الله عليه وسلم متعدية، ولم يُعرف دليل شرعي يومئ إلى أن بركة بدن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تعدت إلى هذا المكان، فيكون مباركًا يشرع التبرك به، ولذا لم يكن يفعل هذا صحابته رضي الله عنهم في حياته ولا بعد مماته.
فما سار فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نزل فيه فلا يجوز التبرك به؛ لأن هذا وسيلة إلى تعظيم البقاع التي لم يشرع لنا تعظيمها، ووسيلة من وسائل الشرك، وما تتبع قوم آثار أنبيائهم إلا ضلوا وهلكوا
(1)
.
3 فيه خلط بين الأحكام الذاتية الخاصة، المتعلقة بالرسول صلى الله عليه وسلم وبين الأحكام المتعلقة بالبقاع والأماكن.
4 أن بركة ذوات الأنبياء لا تتعدى إلى الأمكنة الأرضية، وإلا لزم أن تكون كل أرض وطئها، أو جلس عليها، أو مرَّ بها، تُطلب بركتها، ويُتبرك بها، وهذا لازم باطل قطعًا؛ فانتفى الملزوم، إذ إن تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم والتماس بركته، وتحريها، إنما يكون في هذا العصر باتباعه، والعمل بسُنته
(2)
.
5 على فرضية ثبوت مرور النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الأثر، وتعدي البركة للمكان كما زعم من قال بها، فهذا القول يحتاج إلى ضابط يحدد جوانب تلك البقعة، التي حلّت فيها البركة، من حيث الطول والعرض والعمق، حتى لا يُتَبرك خارج تلك الحدود التي جاءوا يسعون لأجلها
(3)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض كلامه عن تعظيم الأمكنة التي لا خصيصة لها في الشرع وقياسها بالمشروع: وإنما عُبدت الشمس والقمر بالمقاييس، وبمثل هذه الشبهات حصل الشرك في الأرض
(4)
.
(1)
يُنظر: أوضح الإشارة، لأحمد النجمي (426)، هذه مفاهيمنا (206).
(2)
يُنظر: دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية، لعبد الله الغصن (368).
(3)
يُنظر: المسائل العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (1089 - 1089).
(4)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 167).
* الشبهة الثامنة
(1)
: دعواهم بأن الصحابة رضي الله عنهم تبركوا بالمقامات التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم واستدلالهم بفعل ابن عمر رضي الله عنهما وتتبعه رضي الله عنه لآثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم.
تفنيد هذه الشبهة
(2)
:
كان الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما شديد التحري والاقتداء بكل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، وحريصًا على تمام الاتساء به صلى الله عليه وسلم، حتى أنه توضأ وصب فضل وضوئه في أصل شجرة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا تحرٍّ منه رضي الله عنه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قصد أن يفعل مثل فعله صلى الله عليه وسلم، في نزوله وصلاته، وصبّه للماء وغير ذلك، ولم يقصد ابن عمر رضي الله عنهما الصلاة والدعاء في المواضع التي نزلها، فضلاً أن يقصد التبرك بالبقعة كما يفهمه المتأخرون، وإنما قصد تمام التأسي والاقتداء، ولم يفعله غيره من الصحابة رضي الله عنهم، ولم يوافقوه.
بل إن أباه عمر رضي الله عنه نهى الناس عن تتبع آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية، وقوله مقدم على رأي ابنه عند الخلاف باتفاق، وهو خلاف لا يقوم في مقابلة اتفاق عمل الصحابة على ترك ما فعله ابن عمر رضي الله عنهما ولا شك أن الصواب والحق مع عمر رضي الله عنه وبقية الصحابة رضي الله عنهم، وهو الحري بالاتباع، والفاصل عند النزاع.
* الشبهة التاسعة
(3)
: تضعيفهم لأثر الإمام نافع رحمه الله لما أخبر عن قطع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشجرة التي بُويع تحتها عندما بلغه أن أناسًا يأتونها.
بحجة تعارضها مع الروايات الصحيحة التي جاءت عن:
1 ابن عمر رضي الله عنهما قال: رجعنا من العام المقبل، فما اجتمع منّا اثنان
(1)
يُنظر: لا ذرائع لهدم آثار النبوة، لعمر كامل (84).
(2)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 278 - 279، 330)، موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (2/ 493 - 494)، أوضح الإشارة، لأحمد النجمي (424)، هذه مفاهيمنا، لصالح آل الشيخ (208).
(3)
يُنظر: لا ذرائع لهدم آثار النبوة، لعمر كامل (28 - 29 وأيضًا 76 - 77).
على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله
(1)
.
2 أبي سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنه كان ممن بايع تحت الشجرة قال:
فرجعنا إليها العام المقبل فعميت علينا، وفي رواية: لقد رأيت الشجرة ثم أنسيتها بعد فلم أعرفها
(2)
.
تفنيد هذه الشبهة:
1 لا تعارض بين الروايات، فقد ورد ما يدل على صحة الجمع بين روايتَيْ قطع الشجرة ورواية خفائها، ونسيانهم لها
(3)
.
فقد جاء في الطبقات الكبرى عن الإمام نافع رحمه الله قال: خرَج قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأعوام، فما عرَفَ أحدٌ منهم الشجرة، واختلفوا فيها؟.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كانت رحمة من الله
(4)
.
دل قوله: بعد ذلك بأعوام على أن القطع كان أولاً ثم خفيت، وهذا بيان الجمع بين الروايتين، دون تعارض.
يقول صاحب كتاب فقه السيرة: وقد قُطعت الشجرة، ونسي مكانها، وذلك خير، فلو بقيت لضُربت عليها قبة، وشدت إليها الرحال، فإن الرعاع سراع التعلق بالمواد والآثار التي تقطعهم عن الله
(5)
.
2 استفاضة العلماء في الاستدلال بهذا الأثر
(6)
، فنقلُ العلماء له
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب البيعة في الحرب أن لا يفروا (4/ 50/ ح 2958)، ويُنظر: فتح الباري، لابن حجر (6/ 118).
(2)
يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (7/ 448).
(3)
ورد الجمع بين رواية قطع الشجرة ونسيانها عند: ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 76)، وابن حجر في فتح الباري (7/ 448).
(4)
يُنظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (2/ 205).
(5)
فقه السيرة، للغزالي (332).
(6)
ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 76)، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 150/ ح 7545)، ابن وضاح في البدع (86)، الطرطوشي في الحوادث والبدع (148)، أبي شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث (62)، الشاطبي في الاعتصام (1/ 449)، وابن رجب في فتح الباري (3/ 180)، وابن حجر في فتح الباري (7/ 448)، وابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 274)، وابن القيم في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/ 371)، وسليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد (286)، والألوسي في جلاء العينين في محاكمة الأحمدين (524)، محمد بن إبراهيم في فتاواه ورسائله (1/ 162)، وابن باز في مجموع فتاواه (1/ 404)، والألباني في موسوعته العقدية (2/ 497)، وابن عثيمين في مجموع فتاواه (8/ 600) وأيضًا (9/ 186)، وعبد المحسن العباد البدر في التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة (4/ 223)، وصالح الفوزان في حكم إحياء الآثار (97)
…
وغيرهم من العلماء كثير.
بالاستفاضة أقوى من سنده، كما قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: استفاضة هي أقوى من الإسناد
(1)
.
3 أثر قطع الشجرة جاء عن الإمام نافع رحمه الله
(2)
من باب الخبر، وهل يعقل أن ينقل رحمه الله خبرًا غير صحيح؟ وهو الثقة الثبت المفتي المتفق على إمامته في العلم!
* الشبهة العاشرة
(3)
: الإشادة بما فعل الغرب تجاه عظمائهم وأدبائهم كإحياء آثار شكسبير في بريطانيا، ومسكن بتهوفن في ألمانيا، على وجه التقدير والإعجاب لما قدمه هؤلاء لدولتهم، والتحسر على حال المسلمين بأنهم يمتلكون آثارًا كثيرة متعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة، لكن لا تلقى أي اهتمام، ويتباكون على عدم العناية والاهتمام بدار الأرقم وغار ثور وحراء، وموقع بيعة الرضوان وغيرها من الآثار والأماكن.
تفنيد هذه الشبهة:
1 يترتب على ذلك مشابهة الكفار في إحياء آثار أنبيائهم وعظمائهم، واتخاذها معابد ومزارات
(4)
.
(1)
يُنظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البر (23/ 442).
(2)
أبو عبد الله المدني الإمام المفتي الثبت مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، من أئمة التابعين بالمدينة، إمام في العلم متفق عليه، ثقة ثبت فقيه مشهور، تصدى للرد على المرجئة والقدرية، مات سنة (117 هـ) على الأصح. يُنظر: موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية (2/ 155 - 157)
(3)
يُنظر: آثار المدينة المنورة، لمصطفى أمين، مقال نشرته صحيفة الندوة في عددها الصادر في 24/ 6/ 1380 هـ، وأيضًا الآثار الإسلامية، لصالح محمد جمال، مقال نشرته صحيفة الندوة في عددها الصادر في 24/ 5/ 1387 هـ.
(4)
مجموع فتاوى ابن باز (1/ 402).
فهذه مطالبة تماثل مطالبة الصحابة حديثي العهد بالإسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجعل لهم ذات أنواط كما للمشركين ذاتُ أنواط!
2 إذا أحييت آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية كغار حراء وغار ثور وبيت النبي صلى الله عليه وسلم ودار الأرقم بن أبي الأرقم ومحل بيعة الرضوان، وأشباهها، وهُيئت وعُبّدت طرقها وعملت لها المصاعد واللوحات فلن تزار كما تزار آثار عظماء الكفرة؛ بل ستزار للتعبد والتقرب إلى الله
(1)
.
وبهذه الإجراءات نكون قد أحدثنا في الدين ما ليس منه، وشرعنا للناس ما لم يأذن به الله، وهذا هو نفس المنكر الذي حذر الله عز وجل منه في قوله سبحانه:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].
وحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»
(2)
.
وبقوله صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟»
(3)
.
3 أن هذا مخالف للشريعة الإسلامية التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وسد ذرائع الشرك والبدع وحسم الوسائل المفضية إليها.
فالبدع وذرائع الشرك يجب النهي عنها ولو حسن قصد فاعلها أو الداعي إليها لما تفضي إليه من الفساد العظيم وتغيير معالم الدين وإحداث معابد ومزارات وعبادات لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً} [المائدة: 3]
(4)
.
فالأمة ليست بحاجة إلى إحياء آثار ترابية، وإنما هي بحاجة إلى إحياء الآثار النبوية الحديثية
(5)
.
(1)
يُنظر: المرجع السابق (1/ 403).
(2)
سبق تخريجه راجع فضلاً (48).
(3)
سبق تخريجه راجع فضلاً (155).
(4)
مجموع فتاوى ابن باز (1/ 407) بتصرف.
(5)
يُنظر: البيان لأخطاء بعض الكتّاب، صالح الفوزان (2/ 37).
4 الاستجابة لدعوى إحياء آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية؛ للاعتبار، دعوى خطيرة يدخل ضمنها من باب أولى إحياء مقامات وقبور الصالحين؛ لأنها من أعظم الآثار الباقية، فإذا فُتح باب إحياء الآثار على مصراعيه فلن يقف على حد، فالناس أحرص على الغلو في القبور من غيرها
(1)
، والمخالفات العقدية المترتبة على إحياء القبور كثيرة كما سيتم إن شاء الله بيانها وتفصيلها في نهاية الفصل الثالث
(2)
.
وما أجمل ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ألا ترى أن متابعة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في أعمالهم، أنفع وأولى من متابعتهم في مساكنهم ورؤية آثارهم
(3)
.
* الشبهة الحادي عشرة
(4)
: بعد إزالة بعض الآثار المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم من حجر وشجر الحاصل بهما التمسح والتبرك وغيرها من مظاهر الشرك، مع أنها لم تهيأ للزيارة ولم يعتنى بها، احتج بعض الناس بالاكتفاء بنشر الوعي وتصحيح المفاهيم حولها، ولإبقائها وعدم إزالتها، وأن الاقتصار على التوعية تحقيق لمقاصد الشريعة، وذلك بالنظر في الآثار والاعتبار، مما يحول بين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وبين وقوع الممارسات الخاطئة، والمخالفات العقدية، من بعض زوار البيت الحرام.
تفنيد هذه الشبهة:
إبقاء الأثر بحجة الإكفاء بالتوعية احتراز لا يغني شيئًا، فمهما عمل أهل الحق من احتياط أو تحفظ فلن يحول ذلك بين الجهال وبين المفاسد المترتبة
(1)
يُنظر: المرجع السابق (2/ 39).
(2)
للوصول إلى المفاسد المترتبة على إحياء آثار القبور انتقل لطفًا (540).
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 268).
(4)
يُنظر: مقال أشواك الشجرة توحي لنا بالتريث، لعبده خال، منشور في صحيفة عكاظ، الخميس 28/ جمادى الأولى/ 1439 هـ 15 فبراير 2018 م:
https://www.okaz.com.sa/article/1615299
كتاب ومقالات/ الشجرة توحي لنا بالتريث!، وأيضًا كما ورد عن بعض المبادرات البدعية، نقلاً من معاد والتاريخ، لمحمد المقدي (26).
على إحياء الآثار وإبقائها؛ لأن الناس يتفاوتون من حيث الفهم والتأثر وتحري الحق اختلافًا كثيرًا
(1)
.
خصوصًا إذا عُبد الأثر من دون الله، وحصل عنده تبرك وشرك بالله، فإزالته أكبر توعية، وأعظم تصحيح لمفاهيم البُسطاء، وأوضح برهان على أنه لا ينفع ولا يضر.
وأيضًا من يطالبون بالتوعية مع إبقاء الآثار التي يتبرك بها الجهال، هل قاموا بواجب النصح والتوعية من خلال الكتابة وغيرها من الوسائل؟
أم يريدون أن تتم التوعية مباشرة أمام قوافل المتبركين من الأعاجم وغيرهم، الذين قد تحصل لهم مزيد فتنة!
فليحذر الساعي لإحياء الآثار والاهتمام بها، والداعي إلى إبقائها مع التوعية أن يكون مساهمًا في توطيد الطرق الموصلة لكثير من المخالفات، وميسر لسبل الانحراف والضلال، فيصدق عليه هذا البيت من القصيد
(2)
:
ألقاه في البحر مكتوفا وقال
له إياك إياك أن تبتل بالماء.
فإبقاء تلك الآثار التي وقع بها التبرك أو المطالبة بإحيائها؛ لأجل التثقيف والتوعية، وتحقيق مقاصد الشريعة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ادّعى بعضهم ليس هو الحل الصحيح لها؛ بل إن طمسها، وإزالة تلك الآثار المُتعلق بها، حفاظًا على الدين، هو الأصل الذي تتحقق به مقاصد الشريعة، وهو الحل السليم، والمنهج القويم، انطلاقًا من فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قطع شجرة البيعة؛ لما خشي على الناس أن يتبركوا بها
(3)
.
وهذا ما حصل لقوم نوح لما عبدوا ودًّا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا، مع أن الأصل في تصويرهم هو الاعتبار بهم، والتذكير بأعمالهم الصالحة للتأسي والاقتداء بهم، لا للغلو فيهم وعبادتهم من دون الله ولكن الشيطان
(1)
يُنظر: مجموع فتاوى ابن باز (3/ 338 - 340).
(2)
البيت مشهور يُنسب للحلاج الزنديق الصوفي. يُنظر: وفيات الأعيان، لابن خلكان (2/ 143).
(3)
تقدّم الأثر وتخريجه راجع فضلاً (122).
أنسى من جاء بعدهم هذا المقصد وزين لهم عبادتهم من دون الله وكان ذلك هو سبب الشرك في بني آدم
(1)
، فهذا أمر محسوم ومقطوع في كونه لا يجوز إبقاء الآثار التي يُخشى من التبرك بها أو إحيائها؛ بل يجب القضاء عليها
(2)
.
والحاصل: أن المفاسد التي ستنشأ عن الاعتناء بالآثار وإحيائها متحققة، ولا يحصي غاياتها وما ستؤول إليه إلا الله سبحانه، والمصلحة التي يدّعونها متوهّمة؛ بل إن السعي في سلامة المسلمين من الفتن وإبعادهم عنها من الإحسان إليهم، وإن من الشرّ المطالبة بإحياء ما يضرهم، ويوقعهم في الفتنة
(3)
.
فوجب إزالتها ومنع إبقائها وإحيائها، سدًّا للذرائع المفضية إلى الشرك، ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم أعلم الناس بدين الله وأحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكملهم نصحًا لله ولعباده ومع ذلك لم يحيوا هذه الآثار ولم يهتموا ببقائها ولم يدعوا إلى إحيائها رضي الله عنهم وأرضاهم
(4)
.
المسألة الثالثة: الشبهات المتعلقة بآثار القبور والمشاهد:
تقدّم بيان حكم الشرع في مسألة البناء على القبور
(5)
، واتخاذها مساجد، وعُلم تحريمه بالأدلة الصريحة، والبراهين الواضحة من الكتاب والسُّنَّة الصحيحة.
إلا أن هناك شبهات يتوكأ عليها أصحاب الأهواء في تقرير اعتقاداتهم الباطلة، وتبرير أفعالهم المبتدعة عند القبور من البناء عليها وإحيائها بصور مخالفة للشرع.
ولا شك أنها شبهات ساقطة لا تنطلي إلا على من قلّ حظه من تعلّم الكتاب والسُّنَّة بعيدًا عن فهم سلف الأمة.
(1)
تقدّم لآثر وتخريجه راجع فضلاً (11 - 12)، ويُنظر: التعليق على الحديث مجموع فتاوى ابن باز (3/ 338 - 340).
(2)
يُنظر: التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم، لصالح الفوزان (4/ 1630).
(3)
يُنظر: براءة الصحابة الأخيار من التبرك بالأماكن والآثار (708).
(4)
يُنظر: مجموع فتاوى ابن باز (3/ 338 - 340).
(5)
للعودة إلى مسألة حكم إحياء القبور بالبناء عليها راجع فضلاً (301).
فمن أبرز تلك الشبهات التي يروجونها كمبررات لمخالفاتهم شبهتان؛ اقتصرت عليهما لتعلّق المخالفين بهما وحجتهم بأنهما دليلان واضحان ثابتان: الأول: من القرآن، والثاني: متعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهما:
أ الاحتجاج بأن اتخاذ المساجد على القبور شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا شريعة لنا، استنادًا على قوله تعالى:{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا *} [الكهف].
ب الاستدلال بقبر النبي صلى الله عليه وسلم بحجة أنه لو كان منهي عن البناء على القبور لما اتُّخذ قبره مسجدًا ولما بُنيت عليه القبة.
* الشبهة الأولى
(1)
: استدل المجيزون البناء على القبور واتخاذها مساجد
(2)
، بقوله تعالى:{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا *} [الكهف]، واحتجوا بأن المؤمنين هم من أرادوا أن يتخذوا المسجد على القبور، وأن هذا شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا شريعة لنا.
تفنيد هذه الشبهة:
1 أن الاستدلال بهذه الآية على جواز اتخاذ المساجد على القبور ليس إلا تحريفًا لكتاب الله وتبديلاً لشرع الله
(3)
، تمسكًا بالمتشابه وعدم رده للمحكم.
كما أن تأويلها بهذا المعنى مخالف لإجماع المسلمين، وهذه طريقة أهل الأهواء.
(1)
يُنظر: الكشاف، للزمخشري (2/ 665)، مدارك التنزيل، للنسفي (2/ 293)، غرائب القرآن، لنظام الدين الحسن القمي (4/ 411)، إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد على القبور، لأحمد الغماري (21 - 27)، قال العلامة المحدّث الألباني رحمه الله عن كتاب الغماري: وهذا الكتاب من أغرب ما ابتلي به المسلمون في هذا العصر، وأبعد ما يكون عن البحث العلمي النزيه. تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (74 - 75).
(2)
هم القبورية من الرافضة بطوائفها، والصوفية بطرقها، والبريلوية والديوبندية، والكوثرية، ومن نحا نحوهم. يُنظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1650).
(3)
يُنظر: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، للألوسي (8/ 225).
2 لم يأتِ شرع نبي من الأنبياء عليهم السلام على اتخاذ القبور مساجد، فليس هذا من شرع الله، لا في أمة محمد ولا في الأمم السابقة؛ وإنما هذا من أعمال المشركين قديمًا وحديثًا
(1)
.
ولو سُلّم لهم على سبيل فرض المُحال أن اتخاذ المساجد على القبور شريعة من قبلنا، فهذا مردود من وجهين
(2)
:
أ شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا؛ لأدلة كثيرة، وهذا ما قرره أهل الأصول.
ب ولو افترضنا أن شريعة من قبلنا شريعة لنا فإن هذا مشروط بأن لا يخالف الفعل شرعنا، ولم يرد النهي عنه، ولا يُحتج به إلا إذا أقرّه شرعنا، وهذا الشرط معدوم؛ فإذا تبين هذا عُلم أنه لا يلزمنا الأخذ بما استدلوا به من باطل.
3 إن الذين غلبوا على أمرهم، والقائلين باتخاذ المساجد على القبور، ليسوا مسلمين كما جاء في كتب التفسير
(3)
، والصحيح بأنهم مشركون كافرون فاجرون؛ لأن فعلهم لا يدل على أنهم مسلمون
(4)
.
ولو افترضنا أنهم من المسلمين، فلا نسلم أن فعلهم يوافق أهل السُّنَّة؛ بل إن ذلك من فعل المبتدعة الخرافية من المسلمين على أقل تقدير
(5)
.
4 لعن النبي صلى الله عليه وسلم لليهود والنصارى؛ لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، كما جاء في الحديث
(6)
، ويؤيده أن الذين غلبوا على أمرهم كانوا
(1)
يُنظر: مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد وعند القبور، لعبد العزيز الراجحي (131)، جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1651).
(2)
يُنظر: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، للألباني (65 - 66).
(3)
يُنظر: جامع البيان، لابن جرير الطبري (15/ 215 - 217)، تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (5/ 147)، معالم التنزيل، للبغوي (3/ 185).
(4)
يُنظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية، لشمس الدين الأفغاني (1650 - 1651)، بدع القبور (188)، جامع البيان، لابن جرير الطبري (15/ 217).
(5)
يُنظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1651)، تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي، لمحمد لوح (2/ 70).
(6)
للاطلاع على الحديث راجع لطفًا (303).
كفارًا؛ لموافقتهم في صورة الفعل، وهذا يدل أيضًا على موافقة الآية للأحاديث الصحيحة المتواترة المانعة عن البناء على القبور والتي جاء النهي فيه صراحة
(1)
.
5 ليس في الآية إلا حكاية عن قول طائفة من الناس، وعزمهم على فعل ذلك، وليس خارجة مخرج المدح لهم، أو الحض على التأسي بهم، فمتى لم يثبت أن فيهم معصومًا، فلا يُعدّل فعلهم فضلاً عن تقرير مشروعية ما كانوا بصدده
(2)
.
6 أن الآية الكريمة لم يثبت فيها دليل على أن الذين غلبوا على أمرهم تم لهم بناء المسجد
(3)
.
7 ولو افترضنا صحة استدلالهم فإنما يستقيم على طريقة القرآنيين، الذين يكتفون بالقرآن وينبذون السُّنَّة الصحيحة
(4)
. وهذا إن كان في الآية استدلال أصلاً.
قال المفسّر محمود الألوسي رحمه الله: وبالجملة لا ينبغي لمن له أدنى رشد أن يذهب إلى خلاف ما نطقت به الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة معولاً على الاستدلال بهذه الآية فإن ذلك في الغواية غاية وفي قلة النهي نهاية، ولقد رأيت من يبيح ما يفعله الجهلة في قبور الصالحين من إشرافها وبنائها بالجص والآجر وتعليق القناديل عليها والصلاة إليها والطواف بها واستلامها والاجتماع عندها في أوقات مخصوصة إلى غير ذلك محتجًّا بهذه الآية الكريمة
(5)
.
(1)
يُنظر: بدع القبور (189)، مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد وعند القبور، لعبد العزيز الراجحي (130).
(2)
يُنظر: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، للألباني (65 - 66).
(3)
يُنظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1654).
(4)
يُنظر: مجلة التوحيد المصرية (17)، العدد (6 جمادى الآخرة 1410 هـ)، نقلاً من تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي (2/ 72).
(5)
يُنظر: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (8/ 227).
* الشبهة الثانية: الاستدلال بقبر النبي صلى الله عليه وسلم على جواز اتخاذ القبور مساجد والبناء عليها، والاحتجاج بأنه لو كان منهيًا عنه لما اتُّخذ مسجدًا، ولما بُنيت عليه القبة الخضراء.
توطئة قبل تفنيد الشبهة:
قبل الخوض في الرد على هذه الشبهة أود أن أعرض لمحة تاريخية موجزة عن المراحل التي مرّ بها قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والأطوار والتغيرات التي طرأت على المسجد النبوي، وما حول حجرة عائشة رضي الله عنها، والتي سأحاول بعون الله اختصارها في ثلاث فترات وأطوار:
الفترة الأولى: ما بين عام (11 هـ) إلى عام (35 هـ) تقريبًا.
توفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين 12/ ربيع الأول/ 11 هـ
(1)
، ودُفن في حجرة عائشة رضي الله عنها كما قالت رضي الله عنها: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا ما نَسِيتُهُ، قَالَ:«مَا قَبَضَ اللهُ نَبِيًّا إِلاَّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ» ، ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ
(2)
.
فدُفن في الحجرة التي كان في حياته صلى الله عليه وسلم يخرج منها إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وهذا أمر معروف مقطوع به عند علماء المسلمين، ولا خلاف فيه بينهم
(3)
.
ازداد عدد المسلمين في عهد الخليفتين الراشدين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما فقاما بتوسعة المسجد النبوي من كل الاتجاهات ما عدا
(1)
يُنظر: تاريخ الأمم والملوك، لابن جرير الطبري (1/ 453)، البداية والنهاية، لابن كثير (2/ 662).
(2)
أخرجه الترمذي في جامعه، أبواب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في دفن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قبض (2/ 327/ ح 1018)، وابن ماجه في سننه أبواب الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم (2/ 550/ ح 1628)، صححه الألباني في مختصر الشمائل (195).
(3)
يُنظر: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، للألباني (78 - 79).
جهة الشرق، وهي جهة حجرة عائشة رضي الله عنها التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ما اتفق عليه المؤرخون
(1)
.
الخليفتان الراشدان رضي الله عنهما وسعوا المسجد وتركوا القبر كما هو محاطًا بأربع حوائط؛ احترازًا من أن يدخل القبر في المسجد
(2)
.
ثم بعد ذلك دُفن في الحجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم الخليفتان: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فأصبحت الحجرة تضم ثلاثة قبور مسطحة لا مرتفعة ولا منخفضة، مسنمة بالحصباء
(3)
.
الفترة الثانية: ما بين عام (86 هـ) إلى عام (96 هـ) تقريبًا.
إعادة بناء الحائط الساقط من حوائط حجرة عائشة رضي الله عنها التي فيها قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما
(4)
.
حصلت التوسعة للمسجد النبوي من جميع الاتجاهات، فأحاط المسجد بالقبر، مع بقاء القبر في الطرف الشرقي
(5)
.
بُني حول حجرة عائشة رضي الله عنها حوائط ذات خمس زوايا مرتفعة، بحيث إن الحائطين الشماليين حرّفا من ركني القبر حتى التقيا
(6)
.
سُقّفت الحجرة وأُغلقت وسُدّ بابها؛ فأصبحت محاطة بخمسة حوائط تفصلها عن المسجد
(7)
.
حصلت التوسعة للمسجد النبوي بعد موت عامة الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا في المدينة
(8)
.
(1)
يُنظر: المسائل العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (658).
(2)
يُنظر: بدع القبور، لصالح العصيمي (235 - 237).
(3)
يُنظر: البداية والنهاية، لابن كثير (5/ 279 - 282)، مرقاة المفاتيح، لعلي الملا القاري (3/ 1225 - 1226).
(4)
يُنظر: إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 103/ ح 1390).
(5)
بعد صدور أمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك رحمه الله.
(6)
يُنظر: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، للسمهودي (2/ 111، 126).
(7)
يُنظر: المرجع السابق.
(8)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/ 417 - 418).
الفترة الثالثة: ما بين عام (678 هـ) إلى عام (1254 هـ) تقريبًا
(1)
.
إعادة بناء الحائطين الغربيين الداخلي والخارجي من حوائط حجرة عائشة رضي الله عنها، حيث إن الحائط الداخلي سقط على الحائط الخارجي فتصدّع الخارجي فأُعيد بناؤهما.
أُقيمت قبة زرقاء داخلية مربعة من أسفلها مثمنة من أعلاها مصنوعة من أخشاب، أُقيمت على رؤوس الأسوار المحيطة بحجرة عائشة رضي الله عنها، مكسوة بألواح الرصاص
(2)
.
بُنيت أسوار ثالثة على حجرة عائشة رضي الله عنها
(3)
.
تعرضت القبة لإصلاحات كثيرة ومُكلفة من قِبل الأمراء والملوك، حيث إنها جدّدت ورُممت وهُدم أعاليها، وبُنيت قبة أخرى بيضاء على الأسوار الخارجية المرتفعة
(4)
وغُيّر لونها مرات عديدة حتى طُليت باللون الأخضر
(5)
، ومنذ ذلك الوقت سميت بالقبة الخضراء واشتهرت بها كمعلم للمدينة، وكانت تعرف قبل ذلك بالقبة البيضاء ثم الفيحاء ثم الزرقاء.
وُضع سور حديدي بينه وبين السور الثالث نحو مترين في بعض المناطق، ونحو متر في بعضها، يضيق ويزداد من منطقة إلى منطقة حول حجرة عائشة رضي الله عنها.
(1)
يُنظر: تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة، للزين المراغي (81 - 82)، وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، للسمهودي (2/ 130، 157 - 159)، حكم القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، لمقبل بن هادي الوادعي (262)، الحجرات الشريفة سيرة وتاريخًا، لصفوان داوودي (100 - 103)، فصول من تاريخ المدينة، لعلي حافظ (127 - 128)، التمهيد لشرح كتاب التوحيد، (1/ 365 - 369)، لقاءات وجلسات (1/ 520 - 521) لصالح آل الشيخ، المسائل العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (670).
(2)
بعد صدور أمر السلطان المملوكي: قلاوون بن عبد الله التركي الصالحي ببنائها في عام (678 هـ).
(3)
في عهد الدولة العباسية.
(4)
كان آخرها في عهد السلطان العثماني: محمود الثاني بن عبد الحميد الأول في عام (1233 هـ).
(5)
أمر بطلائها بالأخضر السلطان العثماني: محمود الثاني بن عبد الحميد الأول في عام (1253 هـ).
هذه أبرز الفترات التي مرّ بها المسجد النبوي، وما حوله من حجرة عائشة رضي الله عنها.
تفنيد هذه الشبهة:
1 الحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وقد جاءت السُّنَّة الصحيحة المستفيضة بالنهي عن البناء على القبور واتخاذها مساجد كما سبق بيانها بالتفصيل
(1)
.
2 أيضًا الحجة في فعل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «
…
فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأَمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»
(2)
.
والخليفتان عمر وعثمان رضي الله عنهما لم يوسعوا رضي الله عنهم المسجد من ناحية الشرق التي هي جهة حجرة عائشة رضي الله عنها؛ وإنما أبقوا قبر النبي صلى الله عليه وسلم كما هو، فما كان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم وسُنَّة الخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم كان حجة صحيحة، ولا يُحتج بفعل من بعدهم
(3)
.
3 الاحتياطات التي اتخذت في الفترة الثانية كانت تحاشيًا للخطأ الذي أنكره العلماء والفقهاء ومع ذلك أشاروا من باب الاحتراز إلى بناء أسوار حول حجرة عائشة رضي الله عنها، حتى بلغت ثلاثة أسوار، أشار إلى وجودها الإمام ابن القيم رحمه الله في نونيته
(4)
:
فأجاب رب العالمين دعاءه
وأحاطه بثلاثة الجدران
حتى اغتدت أرجاؤه بدعائه
في عزة وحماية وصيان
وأيضًا من باب الاحتراز بُني على آخر الأسوار خمسة حوائط مرتفعة؛
(1)
راجع لطفًا: المبحث الخامس آثار القبور والمشاهد (300).
(2)
سبق تخريجه راجع فضلاً (48).
(3)
يُنظر: بدع القبور (249).
(4)
يُنظر: متن القصيدة النونية، لابن القيم (252).
بحيث إن الحائطين الشماليين حُرّفا حتى التقيا؛ لئلا يستقيم لأحد استقبالها بالصلاة، وأيضًا لئلا يكون رباعيًّا يشبه الكعبة
(1)
.
4 دُفن النبي صلى الله عليه وسلم في الموضع الذي قُبضت فيه روحه صلى الله عليه وسلم، وفي الحجرة التي بناها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم ولم يُبنَ عليه صلى الله عليه وسلم
(2)
.
كما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم الموت، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال صلى الله عليه وسلم وهو كذلك:«لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ، يحذر ما صنعوا، قالت عائشة رضي الله عنها: فَلَوْلَا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا
(3)
.
فالبناء الذي كان على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة رضي الله عنها ليس من جنس البناء على القبور ولا من بابه؛ لأن أصل هذا البناء كان موجودًا قبل أن يقبر تحته صلى الله عليه وسلم.
فلم يكن بناء الحجرة على قبره بعد وفاته؛ وإنما كان سابقًا له، وكذلك لم يكن البناء حينها على قبره صلى الله عليه وسلم على سبيل القصد والتعمد، أو لأجل المقبور
(4)
.
فالرسول صلى الله عليه وسلم هو من بنى المسجد النبوي والحجرات في المدينة، فكيف يكون ما بناه صلى الله عليه وسلم مبنيًا على قبره!
5 أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما ليس داخلاً في مسجده اليوم، وإنما لأجل التوسعة أحاط المسجد بالقبر، مع بقائه في الطرف الشرقي، ووجود حوائط فاصلة بينهما
(5)
.
6 قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبْنَ عليه مسجدٌ ولم يدخل في المسجد من أجل
(1)
يُنظر: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، للسمهودي (2/ 111، 126).
(2)
يُنظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (8/ 354)، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (2/ 232).
(3)
سبق تخريجهما راجع فضلاً (303).
(4)
يُنظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1659).
(5)
يُنظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد، لصالح آل الشيخ (1/ 368 - 369).
تعظيم قبره، على القول بأنه داخل المسجد؛ بل كان في طرف المسجد ومن أجل التوسعة لا التعظيم
(1)
.
7 لا يقاس المسجد النبوي بغيره من المساجد؛ لأن للمسجد النبوي فضيلة تميزه ليست لغيره من المساجد، وكذلك لقبر النبي صلى الله عليه وسلم خصوصية تخصه يُمنع أن يقاس به غيره من القبور.
ففضيلة المسجد النبوي أنه أسس على التقوى
(2)
، وأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام
(3)
.
وخصوصية قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أمرٌ توقيفي لا يجوز أن يُنقل منه، وهذه الخصوصية ليست لأحد من الناس
(4)
.
8 استمرار القبة على حجرة عائشة رضي الله عنها على مدى ثمانية قرون لا يعني أنها أصبحت جائزة، ووجودها ليس بحجة، ولا يُعتدّ به، لمخالفته للكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة.
إذ إن القبة الخضراء ليس لها صلة بعهد النبوة، ولا بعهد الصحابة رضي الله عنهم، ولا بعهد التابعين، ولا أتباعهم رضي الله عنهم، وإنما هي محدثة من قِبل الملوك المتأخرين من المماليك ومن بعدهم من العثمانيين، وفعلهم ليس بحجة
(5)
.
9 أن هذه الشبهة من المتشابه الذي يجب أن يُرد إلى المحكم، وهو النهي المطلق عن البناء على القبور.
10 المتتبع للتاريخ والسيرة يعلم أن ما حصل من محظورات للمسجد
(1)
يُنظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية (5/ 140).
(2)
راجع لطفًا الحديث (179).
(3)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/ 255).
(4)
يُنظر: شرح كتاب التوحيد، لسليمان الرحيلي (باب: 25).
(5)
يُنظر: المُشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية، لمحمد المعصومي الحنفي (26 - 34)، تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، للصنعاني (1/ 84)، حكم القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، لمقبل بن هادي الوادعي (262)، نور على الدرب، عبد العزيز بن باز (2/ 332 - 338)، المسائل العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (670).
النبوي وحجرة عائشة رضي الله عنها إنما هو جرّاء ما يستحسنه الملوك والسلاطين خلال مراحل تاريخية متباعدة.
إذن؛ أيُّ حُجة في فعلٍ وقعَ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يَحْضُرْه حتى الصحابة رضي الله عنهم مع مخالفة البناء على القبور لقولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعله، وكذلك لم يكن مِنْ قول الصحابة رضي الله عنهم ولا من فِعلهم
(1)
.
فاتخاذُ القبور مساجد كبيرةٌ عظيمةٌ مِنْ الكبائر، حيث جاء فيها الوعيد الشديد، ورتَّب الشارع على فِعلها اللَّعْن، ووصف فاعِلَها بأقبح الأفعال.
وبهذا فسد ما هذى به القبوريون من شبهٍ واهية ساقطة
{إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [الأعراف].
* * *
(1)
يُنظر: بغية السائل من أوابد المسائل، لوليد المهدي (2815).
الفصل الثالث
المخالفات العقدية المترتبة على إحياء الآثار
وفيه تمهيد، وخمسة مباحث:
المبحث الأول:
مخالفة كلمة التوحيد.
المبحث الثاني:
المخالفة المتعلقة بالتبرك بالآثار.
المبحث الثالث:
المخالفة المتعلقة بالتوسل بالآثار.
المبحث الرابع:
أبرز صور المخالفات التعبّدية المترتبة على إحياء الآثار.
المبحث الخامس:
أسباب المخالفات العقدية والمفاسد المترتبة على إحياء الآثار.
تمهيد
المخالفات العقدية المترتبة على إحياء الآثار لا تخلو من أحد أمرين:
الأول: مخالفات متعلقة بإحياء الأثر نفسه سواء كان شجرًا أو حجرًا أو مقام شخص.
الثاني: مخالفات متعلقة بإحياء الزائر للآثار.
فالأمر الأول: المخالفات المتعلقة بالأثر نفسه؛ كإحيائه والاهتمام به: بالبناء عليه وزخرفته وتسريجه وغيرها من الأمور التي تؤدي إلى تعظيمه وتقديسه، لا شك في حرمتها كما تم بيان ذلك في موضعه وتتعلق به جملة من المخالفات.
وأما الأمر الثاني: المخالفات المتعلقة بإحياء الزائر للآثار، وهي متعلقة بمراده وقصده من الزيارة، وما يصدر عنه من أقوال وأفعال وسلوكيات عند تلك الآثار.
فأما ما يتعلق بمراده وقصده، فلا يخلو الأمر من حالين:
1 أن يكون قصد الزائر التعبد والتقرب إلى الله جل جلاله، فهنا تتأكد المخالفة أكثر للآثار، إذ إن الأصل في مشروعية العبادة التوقيف، والمنع، حتى يثبت الدليل الصحيح على مشروعيتها
(1)
.
(1)
يُنظر: جماع العلم، للشافعي (3 - 4)، وجامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (2/ 32)، إعلام الموقعين، لابن القيم (3/ 107)، الموافقات، للشاطبي (2/ 513)، الدرر السنية في الأجوبة النجدية (4/ 173)، فتاوى نور على الدرب، لابن باز (1/ 126)، (13/ 379)، وللاستزادة في معرفة تفاصيل القاعدة وتحريراتها يُنظر: دراسة وتحقيق قاعدة الأصل في العبادات المنع، لمحمد الجيزاني (79 - 85).
2 أن يكون قصد الزائر التنزه والسياحة وقد تقدّم بيان حكم كل نوع من أنواع الآثار، والتفصيل فيه.
وأما ما يتعلق بما يصدر عن الزائر من أقوال وأفعال وسلوكيات، إذا كان قصده التعبد والتقرب إلى الله جل جلاله، فكثير منها لا يخلو من أن تكون بدعًا أو شركيات تنافي أصل التوحيد أو كماله، كما سيتم بيان ذلك في المطالب التالية.
وكما أن الأصل في العبادة التوقيف والمنع حتى تثبت بدليل صحيح، فكذلك لا تقبل العبادة إلا بتحقق شرطين، هما
(1)
:
الإخلاص لله تعالى.
المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم.
والمتابعة لا بد أن يتوفر فيها شرطان
(2)
:
1 المتابعة في صورة العمل.
2 المتابعة في القصد.
فينقسم الناس في هذه القاعدة على أربعة أقسام:
(3)
1 الموحد السُّنِّي: المخلص لله جل جلاله، المتابع لسُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم.
2 المبتدع: المخلص في أعماله، غير المتابع لسُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 المشرك: المتابع لسُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم غير المخلص لله جل جلاله.
4 المبتدع المشرك: من لا إخلاص له، ولا متابعة.
فلا يصل العبد إلى الله إلا بالله، وبموافقة خليله صلى الله عليه وسلم في شرائعه، ومن
(1)
يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (2/ 422)، تجريد التوحيد المفيد، للمقريزي (42)، الرسالة المفيدة، لمحمد بن عبد الوهاب (41).
(2)
معالم أصول الفقه عند أهل السُّنَّة (126)، ويُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 281).
(3)
يُنظر: تجريد التوحيد المفيد، للمقريزي (42 - 44).
جعل الطريق إلى الوصول في غير الاقتداء، يضل من حيث إنه مهتد
(1)
.
فإذا تقررت هاتان القاعدتان
(2)
وعُمل بهما، سلم المرء من الوقوع في المخالفة، وعبد الله على بصيرة واتباع لسُنَّة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم
(3)
، فكل مخالفة شرعية هي في أصلها مخالفة لكلمة التوحيد.
وبما أن معظم المخالفات العقدية المتعلقة بإحياء الآثار قد تشترك فيها تلك الأحوال المتقدم ذكرها مخالفات متعلقة بالأثر نفسه أو متعلقة بالزائر، فسيكون الحديث عن أبرزها وأكثرها وقوعًا وانتشارًا وهي مخالفة كلمة التوحيد، والتي ينتج منها مخالفات أخرى تتعلق بعدة مسائل منها:
1 التبرك.
2 التوسل.
3 أعمال تعبدية أخرى.
وسأقتصر على ذكر المخالفات المتعلقة بالتبرك والتوسل، وسأفرد كل مسألة منهما في مبحث مستقل؛ نظرًا لكثرة وقوع العوام والبُسطاء فيها وتفشيها بينهم؛ لجهلهم بحقيقتها، أو لاشتباههما عليهم وقياسهما على مسائل أخرى، والخلط بين المشروع والممنوع منهما.
* * *
(1)
مقولة أبو الحسن الوراق رحمه الله الاعتصام، للشاطبي (1/ 124) بتصرف يسير.
(2)
أعني بذلك قاعدة: أن الأصل في العبادة التوقف، وقاعدة: شرطي قبول العبادة: الإخلاص والمتابعة.
(3)
يُنظر: التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، لفهد المقرن (13).
المبحث الأول
مخالفة كلمة التوحيد
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول:
المراد بكلمة التوحيد وحكم مخالفتها.
المطلب الثاني:
سبب الانحراف عن كلمة التوحيد.
المطلب الثالث:
عواقب مخالفة كلمة التوحيد وثمار تحقيقها.
المطلب الأول
المراد بكلمة التوحيد وحكم مخالفتها
كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، أصل الإسلام، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله.
ومضمونها: أن لا يُعبد إلا الله وحده، والله هو الإله الذي تألهه القلوب عبادةً واستعانةً ومحبةً وتعظيمًا وخوفًا ورجاءً وإجلالاً وإكرامًا، فلا يُدعى، ولا يستعان، ولا يستغاث، ولا يُستعاذ إلا بالله، ولا يُتوكل إلا عليه، ولا يُخاف إلا منه، ولا يُرجى إلا هو وحده لا شريك له
(1)
.
قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا *} [الكهف]، وقال جل جلاله:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا *} [الجن].
فالمدلول الشرعي لكلمة التوحيد: هو اعتقاد أنه إله واحد لا شريك له، وإفراده عز وجل بالعبادة والتوجه إليه وحده بطلب المنافع ودفع المضار، ونفي الكفء والمثل عن ذاته تعالى وصفاته، فهو المتصف بصفات الكمال، ونفي الشريك له في الربوبية والإلهية، فكما أنه الخالق الرازق المحيي المميت وحده فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له
(2)
.
فكل من دعا مخلوقًا، أو استغاث به، أو اعتقد فيه شيئًا من خصائص الإلهية، فهو مخالف لكلمة التوحيد، مُشرك بالله تعالى، وإن قال بلسانه لا إله
(1)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (1/ 365)، اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 370)، الجواب الكافي، لابن القيم (1/ 457)، الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 291).
(2)
يُنظر: توحيد الألوهية أساس الإسلام، لحامد الأحمدي (2).
إلا الله؛ لأن فعله واعتقاده يخالف مقتضيات كلمة التوحيد
(1)
؛ لاقترافه أعظم الكبائر، وأول السبع الموبقات، وأظلم الظلم، وهو الشرك قال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ *} [لقمان]؛ لإعطائه المخلوق ما لا يستحقه؛ لأن العبادة حق لله وحده، ولا ند ولا شريك له سبحانه وتعالى
(2)
، لقوله:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36].
وتتمثل حقيقة كلمة التوحيد في إخلاص العبودية لله وحده لا شريك له، والبراءة من عبادة ما سواه، فترجع هذه الحقيقة إلى أمرين
(3)
:
1 «لا إله» : نفي الألوهية كلها عن غير الله.
2 «إلا الله» : إثبات الألوهية لله وحده لا شريك له.
ولا يتحقق معناها إلا بمعرفتها، والإقرار بها، وبالقيام بمقتضاها ظاهرًا وباطنًا، وتخليصها وتصفيتها من شوائب الشرك، والبدع والمعاصي، وذلك بكمال الإخلاص لله تعالى في الأقوال والأفعال والإرادات
(4)
.
نخلص مما سبق إلى أن تحقيق كلمة التوحيد تعتمد مع فعل الفرائض على ترك ثلاثة أمور، وهي:
1 ترك الشرك بأنواعه.
2 ترك البدع بأنواعها.
3 ترك المعاصي بأنواعها.
فإذا اجتنب المسلم هذه الأمور، كان محققًا لكمال كلمة التوحيد
(5)
.
(1)
يُنظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 292)، المجموع المفيد في تفسير كلمة التوحيد (31).
(2)
يُنظر: الجواب الكافي، لابن القيم (1/ 457)، بدع القبور (36 - 37).
(3)
يُنظر: معنى لا إله إلا الله، للزركشي (83)، مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان، لمحمد بن عبد الوهاب (1/ 371)، تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبد الله (32).
(4)
يُنظر: القول السديد في شرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن السعدي (28).
(5)
يُنظر: موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 777 - 778).
وإن المخالف لكلمة التوحيد إما أن يقع في
(1)
:
1 الشرك الأكبر، المناقض لأصل التوحيد.
2 الشرك الأصغر المنافي لكماله.
3 البدع والمعاصي التي تكدّر التوحيد، وتمنع كماله، وتعوقه عن حصول آثاره.
فالأحكام المترتبة على مخالفة كلمة التوحيد، يختلف حكمها على حسب نوع المخالفة، فيكون حكم المخالفة إما: شركًا، أو بدعة، أو معصية
(2)
.
* * *
(1)
يُنظر: القول السديد في شرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن السعدي (28).
(2)
يُنظر: الجامع الفريد في شروحات كتاب التوحيد، لكبار العلماء وأصحاب الفضيلة: عبد العزيز بن باز، محمد العثيمين، صالح الفوزان، صالح آل الشيخ وغيرهم (1/ 170 - 195).
المطلب الثاني
سبب الانحراف عن كلمة التوحيد
تعددت أسباب الانحراف عن كلمة التوحيد، وتنوعت صور مخالفتها، واغترار الناس بإحياء الآثار وتعظيمها يُعدّ أحد صور مخالفتها.
وأما عن أبرز أسباب الانحراف فهي: عدم معرفة المراد الشرعي لكلمة التوحيد والخلل في فهم المعنى الصحيح لهذه الكلمة العظيمة؛ المؤدي إلى الخلط بين معنى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وجعلهما معنًى واحدًا.
وتفسير المعنى المراد ب «لا إله إلا الله» بأنه: لا خالق، ولا مدبّر، ولا رازق ولا محيي ولا مميت إلا الله وحده لا شريك له؛ تفسير ناقص.
فظنّ المخالفون لكلمة التوحيد أنهم بإثبات أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت، قد حققوا مقتضى: لا إله إلا الله، وإن صرف شيئًا من العبادة لغير الله لا يخالف كلمة التوحيد بزعمهم، وهذا غير صحيح بل باطل غاية البطلان.
فالمشركون مقرون بتوحيد الربوبية، وهذا التوحيد مستقر في نفوس البشر، لا ينازع فيه أحد من الناس مسلمًا كان أم كافرًا، كما قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ *} [الزمر].
والقائلون بأن: لا خالق إلا الله، ولا مدبّر، ولا رازق ولا محيي ولا مميت إلا الله وحده لا شريك له، لا يكونوا مسلمين بهذا القول؛ لأن هذا القول مشترك فيه كافة الناس من اليهود والنصارى والمشركين.
إنما قررّ الله تعالى توحيد الربوبية؛ لإثباته وتأكيده، وللاستدلال به على
وجوب توحيد الألوهية، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *} [البقرة].
فالمقرون حقيقةً بتوحيد الربوبية يستلزم منهم الإقرار بتوحيد الألوهية، إذ إن توحيد الربوبية يستلزم أن لا يُعبد إلا الله، فكما أنه الخالق وحده فهو المستحق للعبادة وحده.
وكما أنهم مثبتون مؤمنون بأنه لا خالق ولا رازق إلا الله سبحانه وتعالى فذلك يلزمهم بصرف العبادة له وحده لا شريك له.
فيزعم المخالفون لكلمة التوحيد أنهم معترفون بأن الله جل جلاله وحده الخالق الرازق المحيي المميت المدبر
…
، وليس للآثار التي يتقربون إليها شيئًا من الخلق أو الرزق أو التدبير، ولكن يتقربون إلى المقبورين، والأصنام والأوثان وغيرها؛ بحجة أنها واسطة ووسيلة تشفع لهم عند الله سبحانه وتعالى
(1)
، فيصرفون أنواعًا من العبادات عند الآثار تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى.
وهذا لا شك من أوجه الشرك بالله تعالى، الذي نفاه عن نفسه جل جلاله في قوله تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ].
وبيان أوجه الشرك الحاصلة من الذين يدعون من دونه من المخلوقات، ما يلي
(2)
:
1 لا يملكون مثقال ذرة من ملكه جل جلاله.
2 ليس لهم من شرك في السماوات ولا في الأرض.
3 ليس أحد منهم معينًا ولا ظهيرًا لله جل جلاله.
4 لا يملكون الشفاعة، إذ إن الله هو مالكها، ولا يشفع إلا لمن أذن له ورضي عنه، ومن اتخذ شفيعًا من دون الله فهو مشرك.
(1)
يُنظر: المعتقد الصحيح، لعبد السلام بن برجس آل عبد الكريم (12 - 15).
(2)
يُنظر: زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور، لابن تيمية (6 - 7).
فنفى الله سبحانه وتعالى بذلك عن نفسه جميع أوجه الشرك: الملك، والشركة، والمعاونة، والشفاعة التي لا تكون إلا من بعد إذنه جل جلاله.
فيحتجون على عدم شركهم بالله، بأنهم لم يعبدوهم وإنما جعلوهم وسطاء، وشفعاء، ووسائل إلى الله تعالى، ولا يعتقدون نفعهم ولا ضرهم، وهذه هي حُجة المشركين.
فيقولون: إنّا لا نعتقد في طوافنا حول القبر أنه ينفع ويضر، أو مستقل في تحصيل المطالب، وإنما نريده وسيلة وواسطة
(1)
، كما قال تعالى عنهم:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18]، وحكى الله جل جلاله قولهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].
فاعتقادهم أنهم لا يضرون ولا ينفعون لكن يرجون شفاعة الميت أو الصنم، أوقعهم في شرك الألوهية، ولو اعتقدوا أنهم ينفعون ويضرون، لصار هذا شركًا في الربوبية، فإذا عبدوهم واعتقدوا أنهم يضرون وينفعون وقعوا في شركين: شرك الربوبية، وشرك الألوهية، فهم بين شرك وشركين
(2)
.
وهم في الحقيقة وقعوا في الشرك الأكبر، وانحرفوا عن أصل الدين وأساسه؛ لمخالفة كلمة التوحيد المتضمنة لمعنى توحيد الألوهية، والتي لأجلها بعث الله جل جلاله الرسل، وأنزل الكتب، وفطر الله عليها جميع المخلوقات
(3)
.
كما قال ابن قيّم الجوزية رحمه الله في كلمة التوحيد: هي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، وجردت سيوف الجهاد، وهي محض حق الله على جميع العباد، وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار،
(1)
يُنظر: مجموع ابن سعدي في العقيدة والمنهج (642)، فتح الرب الحميد بشرح تجريد التوحيد، لعبد العزيز الراجحي (184).
(2)
يُنظر: فتح الرب الحميد بشرح تجريد التوحيد، لعبد العزيز الراجحي (184).
(3)
يُنظر: تفسير كلمة التوحيد، لصالح الفوزان (100).
والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار، وهي المنشور الذي لا تدخل الجنة إلا به، والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم يتعلق بسببه، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وبها ينقسم الناس إلى شقي وسعيد، ومقبول وطريد، وبها انفصلت دار الكفر من دار الإسلام، وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان، وهي العمود الحامل للفرض والسُّنَّة
(1)
* * *
(1)
الجواب الكافي، لابن القيم (1/ 138).
المطلب الثالث
عواقب مخالفة كلمة التوحيد وثمار تحقيقها
إن انتشار الشركيات والخرافات البدعية يلحقهما آثار سيئة، وعواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، فمن الآثار والعواقب المترتبة على مخالفة كلمة التوحيد، ما يلي
(1)
:
1 تفرق شمل المسلمين وتمزقهم؛ المؤدي إلى ضعفهم، وهوانهم.
2 القلق والاضطراب، والخوف الدائم الملازم لقلب المشرك؛ بسبب تعلقه بغير الله.
3 عداوة المشرك لله جل جلاله ولنفسه، وللمسلمين.
4 الشركيات والبدع والخرافات تدعو إلى كل رذيلة، وتُبْعد عن كل فضيلة.
5 حلول العقاب من الله سبحانه وتعالى على المبتدع، وإبعاده عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومنعه من الشرب منه، والخلود الأبدي في النار لمن وقع في الشرك الأكبر.
6 جلب المبتدع على نفسه اللعنة من الله جل جلاله والملائكة ومن الناس أجمعين.
وفي المقابل عدم مخالفة كلمة التوحيد والقيام بها وبمقتضاها يجني المسلم منها ثمارًا عظيمة، وآثارًا حميدة.
ومن المعلوم أن التوحيد يرتكز على مصدرين، منهما يستقي المسلم عقيدته: الكتاب، والسُّنَّة، بفهم سلف الأمة، الذي بهما يحقق المسلم تفاصيل هذه الكلمة العظيمة.
وكذلك تتحقق سُنَّة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم بإحياء آثاره الحديثية المروية التي
(1)
يُنظر: موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (1/ 504) وأيضًا (4/ 1641 - 1642).
هي أحد ركني الشرع ومن الأساسات التي تنبني عليها العقيدة الصحيحة، وبها تتحقق كلمة التوحيد، فمن أبرز الثمار التي تحصل عند تحقيق هذه الكلمة العظيمة، ما يلي
(1)
:
1 الاعتصام بحبل الله، واجتماع الكلمة التي بها تتحقق القوة للمسلمين، والنصرة والتأييد على عدوهم، كما قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
2 توفر الأمن والأمان في المجتمع الواحد، والطمأنينة النفسية، والاستقرار الذهني؛ لأن العبد يعبد ربًّا واحدًا يعلم مراده، فيفعل ما يرضيه، ويعرف ما يسخطه فيتقيه، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ *} [الأنعام].
3 السمو والرفعة في الدنيا والآخرة لأهل التوحيد، قال تعالى:{حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ *} [الحج].
4 حصول السيادة والاستخلاف في الأرض، قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].
5 عصمة العرض والدم والمال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ»
(2)
.
هذه لمحة يسيرة إلى بعض ثمار تحقيق هذه الكلمة العظيمة، وإلا فليس شيء من الأمور يجنى من خلاله الثمار الحميدة، والآثار الجليلة أعظم من كلمة التوحيد، فهي جماع خيري الدنيا والآخرة.
(1)
يُنظر: موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 2544 - 2545).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة (2/ 105/ ح 1399)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله (1/ 38/ ح 20).
المبحث الثاني
المخالفة المتعلقة بالتبرك بالآثار
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: المراد من التبرك بالآثار.
المطلب الثاني: أقسام التبرك بالآثار وأحكامه.
المطلب الثالث: أسباب الانحراف في التبرك بالآثار.
المطلب الرابع: عواقب التبرك بالآثار.
المطلب الأول
المراد من التبرك بالآثار
التبرك لغة:
الباء والراء والكاف أصلٌ واحدٌ، وهو ثَباتُ الشيءِ، ثم يتفرع فروعًا يقاربُ بعضُها بعضًا
(1)
، ومصدرها تبرّك يتبرّك، تبرّكًا؛ أي: طلب البركة، والتبرك بالشيء: طلب البركة بواسطته
(2)
، وزيادة الخير ونماؤه ودوامه
(3)
.
شرعًا:
طلب البركة ورجاؤها من الله تعالى، والتماسها في ذات أو قول أو فعل أو زمن، أو مكان، بإذن الشارع، على كيفية مخصوصة، بوسائل مشروعة
(4)
.
العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي:
العلاقة تكمن في أن البركة معناها العام هي زيادة ونماء في شيء يريده المتبرك في تبركه بما تبرك به، وهذه البركة قد تكون في ذوات، أو صفات، أو أمكنة، وهذا مقتضى ورودها اللغوي
(5)
.
(1)
مقاييس اللغة، لابن فارس [ط: دار الفكر] (1/ 227).
(2)
يُنظر: تاج العروس، للزبيدي (27/ 57)، لسان العرب (10/ 395 - 340).
(3)
يُنظر: الصحاح، للجوهري (4/ 1575).
(4)
يُنظر: التبرك، لناصر الجديع (39)، التبرك المشروع والتبرك الممنوع، لعلي العلياني (11 - 28)، موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 568).
(5)
يُنظر: موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 568 - 569).
حقيقة التبرك:
ثبوت الخير ودوامه، أو كثرة الخير وزيادته، أو اجتماعهما معًا
(1)
.
التبرك الممنوع بالآثار:
يقصد به التماس البركة والخير من غير مستند شرعي يدل على ثبوت البركة فيه، كأن يكون أثر حجر أو شجر، أو أي أثر ارتبط بذات شخص، أو ما انفصل منه، أو مكانًا مرّ به أو جلس، أو دُفن به
(2)
، ويستثنى من ذلك ذوات الأنبياء عليهم السلام فقط.
* * *
(1)
موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 569).
(2)
يُنظر: التبَرُّك المنحرِف، لأكرم عصبان (46).
المطلب الثاني
أقسام التبرك بالآثار وأحكامه
ينقسم التبرك إلى عدة أقسام من حيثيات مختلفة؛ فالتبرك من حيث نوعه ينقسم إلى قسمين:
1 - تبرك مشروع:
أن يلتمس المسلم البركة فيما أذن له الشرع بالتماس البركة فيه، وفي حدود المأذون فيه
(1)
؛ كالتماس البركة في قراءة القرآن والشفاء في قراءته، وغيرها من الأمور التي ورد في الكتاب والسُّنَّة جواز التبرك بها
(2)
.
وحين ورود الدليل من الكتاب والسُّنَّة على عبادة ما؛ فالأصل فيها مع الإخلاص موافقة الشرع في المتابعة والتأسي في القصد وفي صورة العمل
(3)
.
إذ إن المتابعة في القصد أبلغ من المتابعة في صورة العمل كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
(4)
.
2 - تبرك ممنوع:
أن يلتمس المسلم البركة فيما لم يأذن به الشرع بالتماس البركة فيه، أو يتجاوز الحد المأذون له به إلى ما لم يأذن به الشرع
(5)
؛ كالتماس
(1)
حديث (اجعل لنا ذات أنواط) دراسة حديثية عقدية، لعبد الله الأحمدي (146).
(2)
يُنظر: موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 572)، حديث (اجعل لنا ذات أنواط) دراسة حديثية عقدية (146).
(3)
معالم أصول الفقه عند أهل السُّنَّة، لمحمد الجيزاني (126).
(4)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 281).
(5)
حديث (اجعل لنا ذات أنواط) دراسة حديثية عقدية (146).
البركة في آثار مقامات الأنبياء، والصالحين، والأحجار والأشجار وغيرها من الآثار التي لم يرد في الكتاب والسُّنَّة جواز التبرك بها، أو يتجاوز الحد المأذون له به إلى ما لم يأذن به الشرع كالغلو ببعض الآثار، وكالتبرك في المساجد الثلاثة وخصوصًا المسجد الحرام، والتبرك بما يحويه من أماكن التعبّد كالكعبة
(1)
، والحجر الأسود، والمقام وتجاوز المشروع عندها.
والتبرك المتعلق بإحياء الآثار، ليس هو التبرك المشروع، وإنما هو التبرك الممنوع؛ لذا سيُقتصر الحديث عليه.
ينقسم التبرك الممنوع من حيث حكمه إلى قسمين:
أ - شرك أكبر:
وهو اعتقاد استقلال المخلوق بذاته في منح البركة، وهبتها
(2)
، فيطلبون البركة من آثار المخلوقات، ويعتقدون أنها تملك البركة وتهبها، أو يعتقدون بتبركهم أنها وسيلة تتوسط لهم عند الله.
فإذا طلب بركة الأثر، معتقدًا أنه بتمسحه به، أو تمرغه عليه، أو التصاقه به يتوسط له عند الله ويكون وسيلة تقربه لله فهذا قد اتخذ مع الله إلهًا آخر، وأشرك شركًا أكبر مخرجًا من الملة، وهو يماثل ما كان يعتقده أهل الجاهلية في الأشجار والأحجار التي يعبدونها، وفي القبور التي يتبركون بها؛ اعتقادًا منهم بأنها وسائل ووسائط، يعكفون ويتمسحون بها، فهذا الفعل راجع إلى اتخاذ الأنداد والشركاء مع الله عز وجل، وقد قال سبحانه وتعالى:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]
(3)
.
ب - شرك أصغر:
وهو التماس المسلم البركة فيما لم يأذن به الشرع
(1)
الكعبة مباركة من جهة: تعلق القلوب بها، وكثرة الخير الذي يكون لمن أرادها، وأتاها، وطاف بها، وتعبد لله عندها، وكذلك الحجر الأسود هو حجر مبارك، ولكن بركته لأجل العبادة، بحيث إن من استلمه تعبدًا مطيعًا للنبي صلى الله عليه وسلم في استلامه له، وفي تقبيله، فإنها تناله بركة الاتباع. يُنظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد، لصالح آل الشيخ (124 - 125).
(2)
حديث (اجعل لنا ذات أنواط) دراسة حديثية عقدية، لعبد الله الأحمدي (147).
(3)
يُنظر: حاشية كتاب التوحيد، لابن قاسم (1/ 408)، القول السديد في شرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن السعدي (54)، التمهيد لشرح كتاب التوحيد، لصالح آل الشيخ (167 - 169).
بالتماس البركة فيه، أو يتجاوز الحد المأذون له به إلى ما لم يأذن به الشرع، مع اعتقاده أن الله جل جلاله هو من وضع البركة فيه
(1)
.
أي: أنه إذا كان يعتقد أن التبرك بالأثر سبب يحصل له البركة بدون اعتقاد أنها هي بعينها التي تهب البركة بل توصل وتقرب إلى الله فقد وقع في الشرك الأصغر، وفي التبرك البدعي كما سماه بعض العلماء
(2)
.
فمن يطلب البركة من الله تعالى، ولكن بواسطة شيء لم يرد في الشرع جواز التبرك به، أو اعتقد أنه سبب في البركة، كأن يأخذ تراب قبر، فينثره عليه؛ لاعتقاده أن هذا التراب جعله الله مباركًا، من جهة السببية: فهذا شرك أصغر؛ لأنه اعتقد ما ليس سببًا مأذونًا به شرعًا: سببًا
(3)
.
فحكم التبرك ودرجة الشرك تتحددان بحسب اعتقاد المتبرك.
ويمكن أيضًا تقسيم التبرك الممنوع من حيث جنس المتبرك به إلى ثلاثة أقسام، وهي
(4)
:
1 التبرك بآثار مقامات الأنبياء عليهم السلام.
2 التبرك بآثار الصالحين، ومقاماتهم.
3 التبرك بالأحجار والأشجار والأماكن ونحوها.
ومن صوره: التماس البركة من آثار مقامات الأنبياء أو ذوات الأولياء والصالحين وقبورهم، أو الأصنام والأوثان ومن الآثار بالعموم من شد الرحال إليها، والصلاة والدعاء والعكوف عندها، والتمسح بترابها، وجدرانها طلبًا للخير والبركة، والنماء.
(1)
حديث (اجعل لنا ذات أنواط) دراسة حديثية عقدية، لعبد الله الأحمدي (147).
(2)
يُنظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد، لصالح آل الشيخ (167 - 169)، موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 572).
(3)
يُنظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد، لصالح آل الشيخ (167 - 169).
(4)
يُنظر: موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 573).
ومن المعلوم أن البركة من الله جل جلاله، ولا تُطلب إلا منه سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يملكها أحد غيره سبحانه وتعالى؛ فيمنحها ويهبها من يشاء، ويمنعها عن من يشاء
(1)
.
قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} [الملك]، وقال جل جلاله:{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضَ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137]، وقال سبحانه وتعالى:{وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ *} [الأنبياء]، وقال تعالى:{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61].
فمن طلب البركة من غير الله، أو اعتقد في أثر أنه سبب للبركة، والله لم يجعله سببًا فقد وقع في الشرك؛ لأن البركة كلها من الله وحده، فهو مالكها وواهبها، فلا تطلب من غيره
(2)
.
والتبرك بالآثار من غير مستند شرعي منهي عنه، إذ إن الشيء لا يكون سببًا في حصول البركة، إلا بدليل صحيح؛ لأن الأصل في ذلك التوقيف.
وكذلك طريقة التبرك بما ثبتت بركته شرعًا ينبغي أن تكون شرعية، وأن لا يبتدع في ذلك هيئات وطرائق لم يفعلها السلف، فيكون متابعًا في صورة العمل وقصده
(3)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المتابعة أن يُفعل مثل ما فعل صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي فعل، فإذا فعل فعلاً على وجه العبادة، شُرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك
(4)
.
الخلاصة: أنه لا يشرع التبرك بشيء من الآثار كالأحجار والأشجار،
(1)
يُنظر: المرجع السابق (2/ 569).
(2)
لأجل ذلك لا يجوز أن يقول المسلم للمخلوق: باركت على الشيء، أو أبارك فعلكم، أو فيك البركة. يُنظر: موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 569).
(3)
يُنظر: التبرك المشروع والتبرك الممنوع، لعلي العلياني (11 - 28)، موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 573 - 574).
(4)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام (1/ 198).
والمشاهد والأماكن ونحوها
(1)
؛ لأن التبرك عبادة، وصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، هو تأليه مع الله سبحانه وتعالى وإشراك به
(2)
.
(3)
.
ولتوضيح أوجه تحريم التبرك بالآثار من خلال حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه؛ سأذكر ما يلي:
1 أن هذا الحديث أصل في تحريم التبرك بالآثار؛ لتغليظ النبي صلى الله عليه وسلم على من طلب بأن يجعل لهم ذات أنواط، حيث إنه صلى الله عليه وسلم كبّر، وشبّه فعلهم بفعل بني إسرائيل، ولم يعذرهم لكونهم حديثي عهد بالإسلام في قصدهم؛ استعظامًا للأمر الذي طلبوه
(4)
.
2 جاء النهي عن العكوف عند الأثر، والعكوف هو ملازمة الشيء والإقامة عليه بالمكان ولزومه على وجه التعظيم والقربة
(5)
.
ومنه قوله: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ *} [الأنبياء]، وجاء في الحديث: أنهم كانوا يعكفون عند شجرة: ذات أنواط تبركًا بها.
(1)
يُنظر: القول السديد في شرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن السعدي (54).
(2)
يُنظر: الملخص في شرح كتاب التوحيد، لصالح الفوزان (92).
(3)
سبق تخريجه راجع فضلاً (108).
(4)
يُنظر: القول المفيد على كتاب التوحيد، لابن عثيمين (1/ 204، 209).
(5)
يُنظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبد الله (1/ 230)، التمهيد لشرح كتاب التوحيد، لصالح آل الشيخ (132).
وفي رواية أخرى للحديث عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال: كان يُناط بها السلاح فسميت ذات أنواط، وكانت تُعبد من دون الله ....
فيُجمع بينهما: أن العكوف عندها؛ رجاء بركتها مفضٍ إلى عبادتها
(1)
.
3 انتفاء التوحيد؛ لأن التبرك بالشجر نوع من الشرك، واتخاذ الآلهة شرك واضح، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الأمر الذي طلبوه منه، وهو اتخاذ شجرة للعكوف عندها، وتعليق الأسلحة بها تبركًا كالأمر الذي طلبه بنو إسرائيل من موسى عليه السلام حيث قالوا:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ، فتبين أن في كِلَا الطلبين منافاة للتوحيد
(2)
.
4 الوقوع في الشرك؛ لأن في تعليق الأسلحة على الشجرة تبركًا بها، والعكوف عندها، يُعدّ اتخاذها إلهًا مع الله مع أنهم لا يعبدونها، ولا يسألونها!
فما الظن بما حدث من عباد القبور من دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والذبح، والنذر لهم، والطواف بقبورهم، وتقبيلها، وتقبيل أعتابها وجدرانها، والتمسح بها، والعكوف عندها، وجعل السدنة والحجاب لها؟!
وأي نسبة بين هذا، وبين تعليق الأسلحة على شجرة تبركًا؟!
(3)
.
5 النهي عن التشبه بأهل الجاهلية؛ لإنكار النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بقوله: «قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ» ، فكل من جهل الحق، وعمِل عَمل الجاهلين، فهو من أهل الجاهلية
(4)
.
6 تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من تقليد الأمم السابقة وتتبع طريقتهم، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:«لتركبن سنن من كان قبلكم» ، وهذا تنبيه منه صلى الله عليه وسلم إلى أن الأمة ستبتلى بما ابتلي به أهل الجاهلية، من عبادة القبور والأحجار، والتبرك بها، تحذيرًا منه صلى الله عليه وسلم لأمته من الوقوع في الشرك
(5)
.
(1)
يُنظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبد الله (1/ 230).
(2)
يُنظر: القول المفيد على كتاب التوحيد، لابن عثيمين (1/ 205).
(3)
يُنظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبد الله (1/ 231).
(4)
يُنظر: القول المفيد على كتاب التوحيد، لابن عثيمين (1/ 209).
(5)
يُنظر: شرح كتاب التوحيد، لابن باز (414).
المطلب الثالث
أسباب الانحراف في التبرك بالآثار
الانحراف عن الحق في أي أمر من الأمور لا بد أن يكون له بواعث وأسباب أدّت إليه، فهناك أسباب عامة للانحرافات بشكل مجمل؛ كالأسباب التي سيأتي ذكرها في المبحث الخامس، وأسباب أخرى خاصة بالانحراف في أمر معين وهي المقصودة هنا.
وتعود أسباب الانحراف في مسألة التبرك إلى وجود اللَّبْسِ في المعنى، فيركّب المبطلون إجمالَ اللفظ ابتغاءَ تمريرِ معناه المنحرف، وتلبيسًا على الأمة التي تقبله بمعناه الصحيح، فيُثمر هذا اللبسُ كتمانَ الحق.
وقد جاء في القرآن التحذير من هذا المسلك في قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *} [البقرة]، وقال جل جلاله:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *} [آل عمران].
فالتبَرُّك بالآثار يستغله أهل الضلال بالباطل ويلبسون ويدسّون شركهم في مضامينه، حيث احتوت على معنى شرعيّ وآخرَ بدْعيّ وثالث شرْكيّ.
فيطلقونها ويقصدون بها المعنى المنحرف، ويلبّسونها ثوب الأدلة للمعنى الشرعي الصحيح، فيقع الناس في أمر مَرِيج.
وهكذا دخل أهل الباطل على العامة، وساغت مفاهيمهم؛ إذ لو أظهروا قصدهم لنكِرَهم الناس؛ فإنه لا يرضى الوقوعَ في الشرك أحدٌ إلا من يشاء الله؛ فيعمدون إلى هذا المكر، فيظهرون الباطل في قالب الحق
(1)
.
وهذا من الخلطِ المتعمَّد بين التبرك الممنوع والمشروع، كقياس آثار
(1)
يُنظر: التبَرُّك المنحرِف، لأكرم عصبان (46).
الصالحين بآثار النبي صلى الله عليه وسلم في شرعية التبرك، وقياس التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم الذاتية والمنفصلة بالتبرك بالأماكن واعتقاد تعدي البركة الذاتية للأمكنة قياسًا على بركة الآثار الذاتية المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وأما عن أبرز الأسباب التي أدت إلى الانحراف في مسألة التبرك بالآثار، ما يلي:
السبب الأول: قياس آثار الصالحين وذواتهم بذات النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره في شرعية التبرك:
إن بركة الذوات لا تكون إلا لمن وهبه الله إياها وهم: الأنبياء والمرسلون، وأما غيرهم من عباد الله الصالحين فبركتهم بركة عملٍ؛ أي: ناشئة عن علمهم وعملهم واتباعهم لا عن ذواتهم.
فأجساد الأنبياء عليهم السلام فيها بركة ذاتية يتعدى أثرها إلى غيرهم، وهذا مخصوص بهم، وبركة الصالحين بأعمالهم كما جاء في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ
…
»
(2)
.
فكل مسلم فيه بركة راجعة إلى الإيمان واليقين الذي في قلبه، وإلى العلم والعمل، والتعظيم لله والإجلال له جل جلاله والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وأيضًا من بركات الصالحين: دعاؤهم الناس إلى الخير، ودعاؤهم لهم، ونفعهم الخلق بالإحسان إليهم بنيةٍ صالحة.
وكذلك من بركات أعمالهم ما يجلب الله من الخير بسببهم وما يدفعه من النقمة والعذاب العام ببركة صلاحهم وإصلاحهم، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ *} [هود].
فبركة المسلم الصالح لا تنتقل من شخص لآخر، فيكون معنى التبرك بأهل الصلاح هو الاقتداء بهم في صلاحهم، والتبرك بأهل العلم هو الأخذ
(1)
تقدّم تفنيد شبهة التبرك بآثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم على الآثار المنفصلة عن جسده صلى الله عليه وسلم راجع لطفًا (451).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأطعمة، باب أكل الجمار (7/ 80/ ح 5444).
من علمهم والاستفادة منه
(1)
.
وأما ما يعتقده بعض الناس من أن ذوات الصالحين مباركة، فيتمسح بهم، ويشرب سؤرهم، ويقبل أيديهم طلبًا للبركة ونحو ذلك، فهو ممنوع ومحرم شرعًا؛ لأسباب، منها
(2)
:
أ عدم المقاربة فضلاً عن المساواة للنبي صلى الله عليه وسلم في الفضل والبركة
(3)
.
ب عدم ورود الدليل الشرعي على جواز التبرك بآثار غير النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يؤكد اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالتبرك
(4)
، فإذا ثبتت خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بالتبرك بآثاره؛ فإنها تقتضي أن حكم غيره ليس كحكمه وذلك إجماع
(5)
.
ج أن الصحابة رضي الله عنهم أنفسهم لم يتبركوا بأحد من فضلائهم، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته
(6)
، فكان إجماعًا منهم على تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم دون ما سواه
(7)
.
د وكذلك التابعون ساروا على نهج الصحابة رضي الله عنهم فلم يُنقل عنهم أنهم تبركوا بالصحابة رضي الله عنهم، ولا فعله التابعون مع فضلائهم، وقادتهم في العلم والدين
(8)
.
ولو كان مشروعًا لسارع إليه الصحابة والتابعون رضي الله عنهم ولسبقونا إليه، ولم
(1)
يُنظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد (126 - 127)، هذه مفاهيمنا (203 - 208) كلاهما لصالح آل الشيخ.
(2)
يُنظر: الاعتصام، للشاطبي (1/ 482)، الحكم الجديرة بالإذاعة، لابن رجب (46)
(3)
تيسير العزيز الحميد، لسليمان بن عبد الله (150).
(4)
يُنظر: هذه مفاهيمنا، لصالح آل الشيخ (209).
(5)
حكى الإجماع الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام (1/ 228)، وحكى ابن الموقت الحنفي الاتفاق. يُنظر: التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام (2/ 403)، ويُنظر: الاعتصام، للشاطبي (1/ 482).
(6)
أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة (425) بتصرف يسير، ويُنظر: فتح المجيد، لعبد الرحمن بن حسن (142)، التبرك، لناصر الجديع (265)، المسائل العقدية المتعلقة بذات النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة، لفهد الجهني (636 - 639).
(7)
يُنظر: المراجع السابقة المذكورة آنفًا في حكاية الإجماع.
(8)
يُنظر: فتح المجيد، لعبد الرحمن بن حسن (142).
يُجمعوا على تركه، فهم أحرص الناس على فعل الخير
(1)
.
ومما يؤيد ذلك قول الإمام الشاطبي رحمه الله: لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو كان خليفته، ولم يفعل به شيء من ذلك، ولا عمر رضي الله عنه، وهو كان في الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة رضي الله عنهم، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركًا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها؛ بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذًا إجماع منهم على ترك تلك الأشياء كلها
(2)
.
وكما أكّد على ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله بقوله: وكذلك التبرك بالآثار ولما كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم بعضًا، ولا يفعله التابعون مع الصحابة مع علو قدرهم
(3)
.
هـ لا يجوز التبرك بآثار الصالحين، قياسًا على النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك سدًّا للذريعة المفضية إلى الشرك
(4)
.
وقد علل الإمام الشاطبي رحمه الله عدم جواز التبرك بالصالحين سدًّا للذريعة بقوله: لأن العامة لا تقتصر في ذلك على حد؛ بل تتجاوز فيه الحدود، وتبالغ بجهلها في التماس البركة، حتى يداخلها للمتبرك به تعظيم يخرج به عن الحد، فربما اعتقد في المتبرك به ما ليس فيه، وهذا التبرك هو أصل العبادة
(5)
.
فالتبرك فتنة للمعظِّم، والمعظَّم، كما قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في سياق كلامه عن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالتبرك به وعدم قياس الصالحين عليه قائلاً إن التبرك: فتنة للمعظِّم وللمعظَّم لما يُخشى عليه من الغلو المدخل في
(1)
يُنظر: التبرك، لناصر الجديع (265).
(2)
يُنظر: الاعتصام، للشاطبي (1/ 482).
(3)
الحِكَم الجديرة بالإذاعة، لابن رجب (46).
(4)
يُنظر: الاعتصام، للشاطبي (1/ 483).
(5)
يُنظر: المرجع السابق.
البدعة، وربما يترقى إلى نوع من الشرك
(1)
.
وعلى فرضية جواز التبرك بآثار الصالحين؛ تنزلاً مع المخالف نقول
(2)
:
1 عدم تحقق الصلاح؛ فإنه لا يتحقق إلا بصلاح القلب، وهذا أمر لا يمكن الاطلاع عليه إلا بنص: كالصحابة رضي الله عنهم الذين أثنى الله جل جلاله عليهم ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو أئمة التابعين وغيرهم من الذين تشهد لهم الأمة بالصلاح، وقد عُدم أولئك، أما غيرهم فغاية الأمر أن نظن أنهم صالحون فنرجو لهم ذلك.
2 حتى لو ظننا صلاح شخص، فلا نأمن أن يُختم له بخاتمة سوء، والأعمال بالخواتيم، فلا يكون أهلاً للتبرك بآثاره على حد قولهم، وتنزلاً لمقالهم.
وبناء على ذلك لا يُقاس التبرك بآثار الصالحين على تبرك الصحابة رضي الله عنهم بآثار النبي صلى الله عليه وسلم؛ لاختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولعدم مقاربة أحدٍ للنبي صلى الله عليه وسلم فكيف بمساواته بالبركة والفضل!
(3)
.
السبب الثاني: الخلط بين بركة الأماكن اللازمة غير المتعدّية وبين بركة الأنبياء الذاتية المتعدية، وعدم التمييز بينهما:
البركة الذاتية المتعدية للأنبياء سبق بيانها وإقرارها
(4)
.
أما عن بركة الأماكن فقد جاء في القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى بارك في بعض الأراضي والأماكن، كما في قوله تعالى عن البيت الحرام:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ *} [آل عمران].
وكما جاء عن المسجد الأقصى، في قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1].
ومعنى كون الأرض مباركة: أن يكون فيها الخير الكثير اللازم الدائم لها
(1)
يُنظر: الحكم الجديرة بالإذاعة، لابن رجب (46).
(2)
يُنظر: تيسير العزيز الحميد، لسليمان بن عبد الله (150 - 151).
(3)
يُنظر: المرجع السابق (150)، هذه مفاهيمنا، لصالح آل الشيخ (209).
(4)
راجع فضلاً (87 - 88).
ولأهلها في معايشهم، وأقواتهم، وحروثهم، وغروسهم؛ ليكون ذلك أشجع في ملازمتها والدعوة إليها
(1)
، كما أشرت إلى ذلك سابقًا
(2)
.
ولا يُفهم من هذه البركة أن يُتَمَسَّح بأرضها، أو بحيطانها؛ لأن بركتها لازمة، ولا تتعدى وتنتقل للذات، وإنما بركتها من جهة المعنى فقط.
فالكعبة مباركة من جهة: تعلق القلوب بها، وكثرة الخير الذي يكون لمن أرادها، وأتاها، وطاف بها، وتعبد لله عندها.
وكذلك الحجر الأسود هو حجر مبارك، ولكن بركته لأجل العبادة، بحيث إن من استلمه تعبدًا مطيعًا للنبي صلى الله عليه وسلم في استلامه له، وفي تقبيله، فإنه تناله بركة الاتباع
(3)
.
وكما تمت الإشارة أيضًا
(4)
إلى أن تقبيل الحجر الأسود عبادة محضة لله سبحانه وتعالى امتثالاً للأمر
(5)
، وتأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم صورةً وقصدًا؛ لحصول بركة الثواب، خلافًا لمن يظنُّ أن به بركة حسية؛ فيقبّله ويستلمه، ثم يمسح على سائر بدنه تبركًا بذلك
(6)
.
وقد قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لما قبّل الحجر الأسود: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك
(7)
بمعنى: أنه لا يجلب لمن قبّله شيئًا من النفع، ولا يدفع عن أحد شيئًا من الضر، وإنما الحامل على التقبيل مجرد الاتِّساء، تعبدًا لله جل جلاله، ولذلك قال رضي الله عنه:
…
ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
وبناءً على ذلك فإن الأمكنة لا تكون مباركة إلا بدوام الطاعة فيها، وهي
(1)
جامع البيان (14/ 448).
(2)
تقدّمت الإشارة بإيجاز إلى بركة المسجد الأقصى وفضائله، راجع لطفًا (182).
(3)
يُنظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد، لصالح آل الشيخ (124 - 125).
(4)
راجع فضلاً (177).
(5)
يُنظر: الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لمحمد الأمين الهرري (14/ 215).
(6)
يُنظر: القول المفيد، لابن عثيمين (1/ 196).
(7)
سبق تخريجه راجع فضلاً (176).
سبب إعطاء الله البركة، حتى المساجد فإنها مباركة، إلا أن بركتها لا تدوم مع زوال الطاعات عنها
(1)
.
فهذا معنى البركة التي جُعلت في الأمكنة أنها لا تنتقل للذات، وإنما هي بركة لازمة من جهة المعنى
(2)
.
وأن التبرك بالآثار المكانية بالتمسح والتقبيل وسيلة إلى ما هو أعظم
(3)
، من الغلو والتعظيم والتقديس المفضي إلى الشرك وعبادة من دون الله جل جلاله.
وقد حذّر العلماء والأئمة الحفاظ من تزيين الشيطان، واغترار الناس وافتتانهم بما يحصل من صلاحٍ أو خيرٍ للمتبرك به، فيرتكس مَنْ لا حظَّ له من الحق في عبادة غير الله باسم التبَرُّك
(4)
.
كما أشار إلى ذلك الحافظ أبو شامة رحمه الله بقوله: ما قد عَمَّ به الابتلاء، من تزيين الشيطان للعامّة تخليق الحيطان والعُمُد، وسرج مواضع مخصوصة من كل بلد، يحكي لهم حاكٍ أنه رأى في منامه بها أحدًا ممن شُهِرَ بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك، ويحافظون عليه، مع تضييعهم فرائض الله وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها، ويرجون الشفاء لمرضاهم، وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي من بين عيون، وشجر، وحائط، وحجر
(5)
.
وكما أرشد الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله إلى قطع دابر كل أثر يعظمه الناس، في قوله: انظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمونها، ويرجون البُرْءَ والشفاء من قِبَلها، ويضربون بها المسامير والخِرَق؛ فهي ذات أنواط، فاقطعوها
(6)
.
(1)
يُنظر: دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية، لعبد الله الغصن (368).
(2)
يُنظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد، لصالح آل الشيخ (124).
(3)
يُنظر: دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية، لعبد الله الغصن (368).
(4)
يُنظر: التبَرُّك المنحرِف، لأكرم عصبان (46).
(5)
الباعث على إنكار البدع والحوادث (25 - 26).
(6)
الحوادث والبدع (38 - 39).
المطلب الرابع
عواقب التبرك بالآثار
التبرك بالآثار ممنوع شرعًا كما سبق بيانه، ويترتب عليه مفاسد عظيمة، وشرور وخيمة، وآثار سيئة خطيرة، فمن أبرز تلك العواقب ما يلي:
(1)
1 الوقوع في الشرك المنافي للتوحيد أو لكماله.
2 الابتداع في الدين؛ لعدم ورود دليل من الكتاب والسُّنَّة، يدل على مشروعية التبرك بالآثار، ولم يكن من فعل السلف الصالح رضي الله عنهم.
3 الوقوع في الإفك، والكذب؛ للتغرير بالجهال، وإضلال الأجيال، وذلك من خلال:
أ الاستدلال على شرعية التبرك الممنوع بالأحاديث الضعيفة والموضوعة.
ب تحريف النصوص الشرعية، وتحميلها ما لا تحتمل
ج تحديد وتعيين موضع ومكان التبرك زورًا وبهتانًا.
د ادّعاء حصول البركة عند التمسح ببعض القبور، وإجابة الدعوات بها، كما يشيعه دجاجلة السدنة لعوام الناس
(2)
.
ولا شك أن التجارب والأخبار ليست هي الوسيلة الصحيحة؛ لمعرفة مشروعية الأعمال الدينية؛ بل الوسيلة الوحيدة المقبولة لذلك الاحتكام للشرع
(1)
يُنظر: التبرك، لناصر الجديع (483 - 494)، موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 573).
(2)
قد يُصدّق العوام هذه الترهات ويذهب ويتوسل ويستغيث بالمقبور أو أي أثر ووثن، ويفتن بإجابة دعائه، وحصول طلبه، وتحقيق مراده بعد وقوعه في شدّة واستغاثته وتوسله بالولي، وهو لا شك استدراج وفتنة يختبر الله سبحانه وتعالى بها عباده. يُنظر: التوسل، للألباني (23).
المتمثل بالكتاب والسُّنَّة
(1)
.
4 يؤدي إلى انتهاك المحرمات، ووقوع كثير من المفاسد، والمنكرات، كإحياء القبور واتخاذها مزارات، ومشاهد، وأعيادًا متكررة.
5 إضاعة السنن، فما أحدث قوم بدعة، إلا رفع مثلها من السُّنَّة، وما اشتغلت القلوب بالبدع إلا وأعرضت عن السنن؛ لأن القلب لا يشتغل بكلا الضدين.
6 سرعة انتشار البدع، وتفشيها؛ فالبدعة كالنار تبدأ شرارة ثم تكبر.
* * *
(1)
يُنظر: التوسل، للألباني (24).
سبق الرد على من اعتمد على التجارب في تحديد صحة السبب راجع فضلاً (424)، ولمعرفة سبب ترويج السدنة لكثير من الخزعبلات انتقل لطفًا (543).
المبحث الثالث
المخالفة المتعلقة بالتوسل بالآثار
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: المراد من التوسل بالآثار.
المطلب الثاني: أقسام التوسل وأحكامه.
المطلب الثالث: أسباب الانحراف في التوسل بالآثار.
المطلب الرابع: عواقب التوسل بالآثار.
المطلب الأول
المراد من التوسل بالآثار
التوسل لغة:
الواو والسين واللام كلمتان متباينتان، إحدى معانيها: الرَّغْبة والطَّلَب
(1)
.
ويعرّف بالمعنى العام عند أهل اللغة بأنه: التوصل إلى المراد والسعي في تحقيقه
(2)
.
التوسل شرعًا:
التقرب إلى الله بعبادته وطاعته، واتباع أنبيائه ورسله عليهم السلام، فيُتوسل إلى الله بما شرعه من العبادات، وبما جاء به نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم
(3)
، وبكل عمل يحبه الله ويرضاه
(4)
، من الواجبات والمستحبات المشروعة
(5)
، حتى يتوصل إلى رضوان الله والجنة؛ بفعل ما أمر الله جل جلاله وترك ما نهى عنه
(6)
.
كما أمر بذلك في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *} [المائدة].
(1)
يُنظر: مقاييس اللغة، لابن فارس [ط: دار الفكر] (6/ 110).
(2)
أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة، لنخبة من العلماء (57).
(3)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 199 - 201)، منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس، لعبد اللطيف آل الشيخ (339)، موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 815).
(4)
يُنظر: التوصل إلى حقيقة التوسل، لمحمد نسيب الرفاعي (20).
(5)
يُنظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (84).
(6)
يُنظر: قاعدة في الوسيلة، لشيخ الإسلام ابن تيمية (9)، أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة (57).
فائدة: أصل الوسيلة درجة من الجنة، ومنزلة خاصة لا تنبغي إلا لعبد واحد من عباد الله، نسأل الله أن تكون لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما وصانا صلى الله عليه وسلم بالدعاء بعد الأذان قائلاً:«إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ. فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» .
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه (2/ 4/ ح 384).
العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي:
أن التوسل لغة لا يخرج عن معنى التقرّب، أو ما يؤول إليه، وهو كذلك في الشرعي، ولكنه مقيّد فيما يحبه الله ويرضاه
(1)
.
وقد جاء عن المتأخرين تعريفات مختلفة ومخالفة لمعنى التوسل الشرعي المذكور آنفًا، فما ذكرته هو معنى التوسل الشرعي الصحيح، وأما التوسل بالآثار فهو يدخل تحت معنى آخر بدعي وثالث شركي، وهما كالتالي:
1 الإقسام بالمتوسل به على الله جل جلاله
(2)
، بسؤال الله ودعائه بجاه نبيّه، أو بحق عبده الصالح، أو ببركة الصالحين، وهذا هو المراد بالتوسل البدعي الذي جاء عن المتأخرين.
2 التقرّب إلى الموتى، والتزلّف بهم إلى الله جل جلاله
(3)
، بطلب الدعاء، والتضرع، والشفاعة للمتوسل إليه
(4)
، واتخاذه وسيلة؛ لإجابة الدعاء، والاستعانة والاستغاثة بهم، ودعائهم رغبة ورهبة، والذبح لهم والنذر، وتعظيمهم بما لم يشرع في حق مخلوق
(5)
، وهذا هو المراد بالتوسل الشركي الصادر من عبّاد القبور.
* * *
(1)
موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 815).
(2)
يُنظر: قاعدة في الوسيلة، لشيخ الإسلام ابن تيمية (10).
(3)
يُنظر: التوسل، لعلي أبو لوز (12).
(4)
يُنظر: قاعدة في الوسيلة، لشيخ الإسلام ابن تيمية (10).
(5)
يُنظر: منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس، لعبد اللطيف آل الشيخ (123).
المطلب الثاني
أقسام التوسل وأحكامه
قسّم العلماء التوسل من حيث حكمه إلى قسمين:
1 - توسل مشروع:
وهو التقرب إلى الله تعالى بالإيمان والطاعات والأعمال الصالحات، وهو على أنواع:
(1)
أ - التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا،
مثاله: دعاء الهم والحزن
(2)
.
ب - التوسل بالإيمان والتوحيد،
كما قال تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ *} [آل عمران].
ج - التوسل بالأعمال الصالحة
؛ كقصة أصحاب الغار الذين انحطت على فم غارهم صخرة من الجبل
(3)
.
(1)
يُنظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (86 - 87)، أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة، لنخبة من العلماء (58 - 63)، فتاوى نور على الدرب، لابن باز (123 - 125)، التوسل، للألباني (29 - 42)، موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 817 - 818).
(2)
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ، إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ
…
».
أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الرقائق، ذكر الأمر لمن أصابه حزن أن يسأل الله ذهابه عنه وإبداله إياه فرحًا (3/ 253/ ح 972)، والحاكم في مستدركه، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، دعاء يذهب الهم والحزن (1/ 509/ ح 1883)، حديث صحيح، يُنظر: التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (4/ 318)، تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي (4/ 260)، فتح الباري شرح صحيح البخاري (11/ 218).
(3)
الحديث بطوله أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، حديث الغار (4/ 172/ ح 3465)، ومسلم في صحيحه، كتاب الرقاق، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأْعمال (8/ 89 - 90 - 91/ ح 2743).
د - التوسل بدعاء الصالحين الأحياء الحاضرين الذين ترجى إجابة دعائهم،
كتوسل الصحابة بطلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته في حياته من باب قبول الله دعاءه وشفاعته؛ لكرامته عليه
(1)
، وأيضًا كتوسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدعاء عم الرسول صلى الله عليه وسلم العباس رضي الله عنه.
وهذا القسم لا يدخله ولا يتضمنه التوسل بالآثار، إذ التوسل بالآثار مندرج تحت القسم الثاني وهو التوسل الممنوع الآتي بيانه:
2 - توسل ممنوع:
وهو التقرب إلى الله بما لم يثبت شرعًا أنه وسيلة صحيحة، ولا دلّ عليه الكتاب ولا السُّنَّة النبوية الصحيحة، ويتفرع عنه بحسب حكمه نوعين
(2)
:
النوع الأول توسل بدعي:
وهو التقرب بوسيلة سكت عنها الشرع، مثاله:
1 - التوسل إلى الله بما لم يشرعه من البدع والمحدثات
؛ كالتقرب إلى الله جل جلاله بإحياء ليلة المولد، والإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وصلاة الرغائب في رجب، وأعياد الجاهلية
(3)
، وغيرها من آثار المواسم الزمانية المبتدعة، التي يعتقد أصحابها أنها أعمال صالحة وهي في الحقيقة محدثة، ولا دليل عليها.
2 - سؤال الله سبحانه وتعالى والإقسام عليه جل جلاله بالجاه وبالبركة وبالحرمة وبالحق
(4)
؛ كقول القائل: اللَّهُمَّ إني أسألك بجاه نبيّك كذا وكذا، أو كقولهم: اللَّهُمَّ اغفر لي بحق فلان، أو بحرمته، أو بذاته، أو بآثاره
(5)
، أو ببركة آثار
(1)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 199، 309).
(2)
يُنظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (86 - 87)، أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة، لنخبة من العلماء (63 - 69)، فتاوى نور على الدرب، لابن باز (113 - 117)، التوسل، للألباني (42 - 49)، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/ 179)، موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 818 - 819)
(3)
يُنظر: توطئة كتاب قاعدة في الوسيلة، لعلي الشبل (22 - 23).
(4)
يُنظر: فتاوى نور على الدرب، لابن باز (1/ 115، 137).
(5)
كما جاء عن البوطي في توسله بالآثار، وردّ المحدّث الألباني على شبهته. يُنظر: التوسل، للألباني (137 - 145).
المواسم الزمانية، كأن يقول: أتوسل إليك يا الله ببركة رمضان
(1)
، وغيرها من الأسباب أو الوسائل التي لم يرد في الكتاب والسُّنَّة دليلٌ على مشروعيتها.
وهذا النوع من التوسل بدعي محرم عند جمهور أهل العلم، ووسيلة موصلة إلى الشرك
(2)
؛ لعدة اعتبارات، منها
(3)
:
1 أنها عبادات وتوسلات بدعية مردودة، لم يشرعها الله سبحانه وتعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
2 الصحابة رضي الله عنهم أعلم الناس بشرع الله وبسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصدقهم إيمانًا، وحبًّا، واتباعًا، فلو كان مشروعًا لسبقونا رضي الله عنهم إلى القيام به، لا سيما مع قيام الداعي إلى ذلك.
3 أن جاه الصالح وذاته وآثاره عند الخالق سبحانه وتعالى، ليست كجاه المخلوق وذاته عند مخلوق مثله، حتى يتوصل بذلك لأَنْ يكون لجاه الصالح وذاته أثرٌ على الله جل جلاله.
4 أنه تحكّم على الله جل جلاله وسوء أدب وقلة إيمان، وإلا فمن أين نعلم أن جاه فلان وذاته لها على الله حق وأثر، أو تستوجب عليه شيئًا، فليس للمخلوق على الله جل جلاله حق إلا ما أوجبه هو سبحانه وتعالى على نفسه، وليس من ذلك ذوات الصالحين أو جاههم وآثارهم.
5 لا مناسبة بين منزلة المخلوق وجاهه، وبين طلب الدعاء بجاهه؛ إذ تصح المناسبة لو دعا صاحب ذلك الجاه نفسه ربه ومولاه.
النوع الثاني توسل شركي:
وهو التقرب بوسيلة نهى عنها الشرع مثل أن يتقرب فيه المتوسِل إلى المُتوسل به بشيء من أنواع العبادة؛ كاتخاذ الآثار وسائط بين الخالق والمخلوقين، ومن صورها:
1 - التقرب إلى الآثار من الأصنام، والأوثان، والقبور، بطلب الحوائج منهم.
(1)
شهر رمضان ليس عمل للعبد، وإنما هو شهر جعل الله فيه البركة، والصحيح أن يقول: اللَّهُمَّ إني أسألك بصيامي وبقيامي أن تغفر لي؛ أي: أن المسلم يتوسل بأعماله الطيبة في رمضان، ولا يتوسل بشهر رمضان. يُنظر: فتاوى نور على الدرب، لابن باز (2/ 148).
(2)
يُنظر: فتاوى نور على الدرب، لابن باز (148).
(3)
يُنظر: توطئة المحقق: علي الشبل على كتاب قاعدة في الوسيلة، لشيخ الإسلام ابن تيمية (21 - 22).
2 - دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والذبح والنذر لهم وغيرها من الأعمال الشركية، وما كان عليه أهل الجاهلية.
قال الله تعالى فيهم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ *} [الزمر]؛ أي: أنهم اتخذوهم وسيلة بدعائهم، وسؤالهم، وطلب الشفاعة منهم، وزعموا أنهم بهذا يكونون لهم وسيلة إلى مقاصدهم، وأن هذه المعبودات تشفع لهم عند الله جل جلاله، وتقربهم إلى الله زلفى.
فأبطل الله دين المشركين، ووصفهم جل جلاله بأنهم كَذَبة في قولهم؛ لزعمهم: أنها تقربهم إلى الله زلفى، وكفرة في فعلهم بدعائهم، والاستغاثة بهم، ونذرهم لهم، ونحو ذلك من الأعمال الشركية التي يقومون بها عند بعض الآثار اعتقادًا منهم أنها وسيلة توصلهم لمقاصدهم
(1)
.
قال الله تعالى في حقهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [يونس].
ولا شك أن هذا التوسل الحاصل عند بعض الآثار واتخاذ الوسائط من الشرك الأكبر، المخرج من الملّة
(2)
.
كما أثبت ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تعليقه على قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *} [آل عمران] بقوله: أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا كفر، فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين
(3)
.
(1)
يُنظر: فتاوى نور على الدرب، لابن باز (1/ 113).
(2)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 124).
(3)
المرجع السابق.
المطلب الثالث
أسباب الانحراف في التوسل بالآثار
التوسل من المسائل التي حصل فيها خلط ولبس، واضطراب في أفهام الناس؛ بسبب ما يتعرض له لفظ التوسل ومعناه من إجمال واشتباه، واشتراك
(1)
.
وهذا ناتج عن قلة العلم بالكتاب والسُّنَّة، وفهم سلف الأمة، ولغة العرب، وأيضًا قد يكون ناتجًا عن اتباع الهوى؛ لتحقيق أهداف شخصية من قِبل بعض دعاة الضلالة.
فمن أبرز أسباب الانحراف في مسألة التوسل الخلط بينه وبين غيره من المسائل؛ الناتج عن القياس الباطل، وذلك على النحو التالي:
1 قياس التوسل على التبرك المشروع.
2 قياس التوسل على الاستغاثة.
3 قياس التوسل على الشفاعة المشروعة.
أولاً: قياس التوسل على التبرك المشروع:
ذهب المخالفون لأهل السُّنَّة، إلى أن التوسل والتبرك معناهما واحد، وهو التماس الخير والبركة، عن طريق التوسل بالأثر ورجاء الحصول على الخير الدنيوي والأخروي
(2)
، ولا شك أن مذهبهم باطل؛ لقياسهم التوسل على التبرك بالآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن إجماله في الآتي
(3)
:
(1)
يُنظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (84).
(2)
يُنظر: موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (3/ 906).
(3)
يُنظر: التوسل، للألباني (141 - 142) وكذلك المرجع السابق (3/ 729، 907).
1 وجود جملة من الفروق والاختلافات والتي منها:
أ أن التبرك بالآثار المحسوسة يرجى بها شيئًا من الخير الدنيوي فحسب، بخلاف التوسل الذي يرجى به الخير الدنيوي والأخروي.
ب التبرك يستلزم حضور الشيء المتبرك به، أما التوسل لا يستلزم حضور المتوسل به.
ج أن التبرك هو التماس الخير العاجل، بخلاف التوسل الذي هو مصاحب للدعاء ولا يستعمل إلا معه
(1)
.
وعليه يتبين الفرق بين التوسل والتبرك فلا يصح قياسهما.
2 على افتراض أنهما سواء، ولا فرق بينهما، فلا يشرع التوسل، إذ إن للتبرك صورًا ليست جائزة مطلقا، وله أحكامه الخاصة التي سبق بيانها.
ثانيًا: قياس التوسل على الاستغاثة:
يتوسل بعض الناس إلى الأصنام والأوثان والمقبورين والأشجار وغيرها من الآثار؛ بحجة أن التوسل يشبه الاستغاثة الجائزة، ولا شك في خلطهم وفساد رأيهم، فمن أبرز الأمور التي تبين بطلان قياسهم، ما يلي
(2)
:
1 وجود جملة من الفروق بين التوسل والاستغاثة والاختلافات التي تبين بطلان القياس بينهما، منها:
أ المُتَوسّل به لا يُدعى ولا يُطلب منه ولا يُسأل، وإنما يُطلب به،
(1)
بيان ذلك: أنه يشرع للمسلم أن يتوسل في دعائه باسم من أسماء الله الحسنى، ويطلب بها تحقيق ما شاء من قضاء حاجة دنيوية كدعاء الشفاء من المرض، أو أخروية كدعاء دخول الجنة، فيقول مثلاً: اللَّهُمَّ إني أسألك وأتوسل إليك بأنك أنت الله الأحد، الصمد، أن تشفيني أو تدخلني الجنة
…
، بينما لا يجوز لهذا المسلم أن يفعل ذلك حينما يتبرك بأثر من آثاره صلى الله عليه وسلم، فهو لا يستطيع ولا يجوز له أن يقول مثلاً: اللَّهُمَّ إني أسألك وأتوسل إليك بثوب نبيك أو شعره أو
…
أن تغفر لي وترحمني
…
، ومن يفعل ذلك فإنه يعرّض نفسه من غير ريب ليشك الناس في عقله وفهمه فضلاً عن عقيدته ودينه. يُنظر: موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (3/ 729).
(2)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (101 - 107)، منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس، لعبد اللطيف آل الشيخ (120)، موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 822 - 823).
وكل أحد يفرق بين المدعو والمدعو به، هذه هي صورة التوسل.
وأما الاستغاثة فهي طلب من المستغاث، لا به؛ أي: جعل المستغاث به هو فاعل المطلوب، مثلاً: لا يقال: استغثت إليك يا فلان بفلان أن تفعل لي كذا، وإنما صورة الاستغاثة: اغثني يا فلان بكذا.
ب أن من سأل بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يكون مخاطبًا له ولا مستغيثًا به؛ لأن قول السائل: أتوسل إليك يا إلهي بفلان، إنما هو خطاب لله جل جلاله لا لذلك المتوسل به، بخلاف المستغاث به، فإنه مخاطب مسؤول مباشرة، فإن كان المطلوب لا يقدر عليه إلا الله وجب أن يكون المدعو هو الله وحده، ولم يجز صرف ذلك لغيره سبحانه وتعالى.
ج أن لفظ الاستغاثة في الكتاب والسُّنَّة وكلام العرب إنما هو مستعمل في معنى الطلب من المستغاث به مباشرة، لا بمعنى أن يكون المستغاث به وسيلة.
فقول القائل: أستغيث به بقصد: أتوسل بجاهه، هذا كلام لم ينطق به أحد من الأمم، ولا يوجد في لغة العرب لا حقيقةً ولا مجازًا.
د أن التوسل بسؤال الله بآثار المخلوقين أو حقهم بدعة منكرة، والاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك أكبر.
وعليه يتبين الفرق بين التوسل والاستغاثة فلا يصح قياسهما.
2 على افتراض أنهما سواء، ولا فرق بينهما، فلا يشرع التوسل؛ لأن الاستغاثة بالغائب، أو غير القادر شرك.
ثالثًا: قياس التوسل على الشفاعة المشروعة:
يتوسل بعض الناس إلى الأصنام والأوثان والمقبورين والأشجار وغيرها من الآثار؛ بحجة أن التوسل يشبه الشفاعة المشروعة، ولا شك في فساد قياسهم، وخلطهم بينهما.
ومما يبين فساد قياسهم وبطلانه أن الشفاعة بالنبي صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين:
1 - حال حياته صلى الله عليه وسلم.
2 - بعد موته صلى الله عليه وسلم.
ويمكن تفصيل ذلك في الآتي
(1)
:
1 - طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته،
جائز بالنص والإجماع، وقد وقع في حياته صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاء السائل أو طُلبت إليه حاجة، قال:«اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ما شَاءَ»
(2)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأجمع أهل العلم على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستشفعون به في حياتهم ويتوسلون به في حضرته
(3)
.
وهذه انتهت بموته صلى الله عليه وسلم ولذا لا يصح الاستدلال بهذا على جواز التوسل به بعد موته صلى الله عليه وسلم.
2 - طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته،
في فترتين:
الفترة الأولى: يوم القيامة.
الفترة الثانية: دار البرزخ.
وهذا التفصيل يتميز به الحق من الباطل والسُّنَّة من البدعة، وبيانه فيما يلي:
1 طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة: ثابت في النصوص الشرعية أن الناس يطلبونها منه صلى الله عليه وسلم كما في حديث الشفاعة الطويل، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: «
…
فَيَأْتُونِي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَغَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ
…
»
(4)
.
واستشفاع الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام يوم القيامة حكمه كحكم
(1)
يُنظر: موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 821 - 822).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها (2/ 113/ ح 1432)، ومسلم في صحيحه كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام (8/ 37/ ح 2627)، واللفظ للبخاري.
(3)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 314)، وكذلك تلخيص كتاب الاستغاثة (1/ 389).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب ذرية من حملنا مع نوح
…
(6/ 84/ ح 4712)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (1/ 127/ ح 194).
استشفاعهم وتوسلهم به في حال حياته، فإنهم يطلبون منه يوم القيامة أن يشفع لهم إلى الله تعالى كما كانوا في الدنيا يطلبون منه أن يدعو لهم في الاستسقاء وغيره.
2 إن كان طلب الشفاعة بعد موته صلى الله عليه وسلم؛ أي: في حال الحياة البرزخية فهذا لا يجوز بل هو من البدع المحدثة، والعقائد المنكرة، ولا دليل عليه، لا من كتاب ولا سُنّة ولا فعل الصحابة والتابعين من سلف الأمة وأئمتها رضي الله عنهم، وعليه لا يصح الاستدلال بهذا على جواز التوسل؛ إذ كلا الأمرين لا يجوز ولا دليل عليهما.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض كلامه عن التوسلات التي تحصل عند القبر، وفيمن أطلق لفظ التوسل على الشفاعة: العامة الذين يستعملون لفظ الشفاعة في معنى التوسل، فيقول أحدهم: اللَّهُمَّ إنا نستشفع إليك بفلان وفلان؛ أي: نتوسل به. ويقولون لمن توسل في دعائه بنبي أو غيره قد تشفع به من غير أن يكون المستشفع به شفع له ولا دعا له؛ بل وقد يكون غائبًا لم يسمع كلامه ولا شفع له وهذا ليس هو لغة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلماء الأمة؛ بل ولا هو لغة العرب فإن الاستشفاع طلب الشفاعة. والشافع هو الذي يشفع السائل فيطلب له ما يطلب من المسؤول المدعو المشفوع إليه.
وأما الاستشفاع بمن لم يشفع للسائل ولا طلب له حاجة بل وقد لا يعلم بسؤاله فليس هذا استشفاعًا لا في اللغة ولا في كلام من يدري ما يقول: نعم هذا سؤال به ودعاؤه ليس هو استشفاعًا به. ولكن هؤلاء لما غيروا اللغة كما غيروا الشريعة وسموا هذا استشفاعًا؛ أي: سؤالاً بالشافع صاروا يقولون استشفع به فيشفعك؛ أي: يجيب سؤالك به وهذا مما يبين أن هذه الحكاية وضعها جاهل بالشرع واللغة
(1)
.
(1)
مجموع الفتاوى (1/ 242).
فائدة عن الفرق بين التوسل والوسيلة والمتوسِّل: يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: الفرق بين التوسل، والوسيلة، والمتوسِّل هو أن: التوسل: دعاء المسلم، والوسيلة: الإيمان والتقوى والأسماء الحسنى والأعمال الصالحة. والمتوسِّل المسلم، فالتوسل دعاؤه، والوسيلة ما دعا به. اه .. فتاوى نور على الدرب (1/ 130).
وعليه؛ فلا يصح الاستدلال بهذا على جواز التوسل، للفرق بين الحالين، فطلب الشفاعة منه يوم القيامة يكون فيه حاضرًا قادرًا، بينما التوسل به في الدنيا بعد موته فغير حاضر ولا قادر.
والخلاصة: أنه لا يصح الاستدلال بالشفاعة به صلى الله عليه وسلم في:
1 حياته على جواز التوسل به؛ إذ إنها انتهت بموته صلى الله عليه وسلم.
2 يوم القيامة على جواز التوسل به، للفرق بين الحالين، فطلب الشفاعة منه يوم القيامة يكون به حاضرًا قادرًا، بينما التوسل به في الدنيا بعد موته فغير حاضر ولا قادر.
3 حال البرزخ على جواز التوسل به؛ إذ كلا الأمرين لا يجوز ولا دليل عليه.
فالأصل أن التوسل يكون بالإيمان والدعاء، والعمل الصالح لا بالذات والآثار، وأن التوسل المتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت منه إلا دعاؤه صلى الله عليه وسلم وأما التوسل بآثاره أو جاهه فلم يثبت منه شيء ألبتة، لا في كتاب ولا سُنَّة
(1)
.
* * *
(1)
يُنظر: التوسل، للألباني (143).
المطلب الرابع
عواقب التوسل بالآثار
تقدّم بيان أن التوسل بالآثار ممنوع شرعًا، ويترتب على فاعله آثار وخيمة، وعواقب وبيلة، فمن أبرز تلك الآثار والعواقب ما يلي
(1)
:
1 - التوسل البدعي وسيلة للوقوع في الشرك الأكبر،
وهذا مشاهد ومعلوم من عبّاد القبور والعاكفين على الآثار، إذ إنهم لما ادّعو جواز التوسل بآثار الأنبياء، والصالحين، والعظماء، والإقسام بهم على الله، أدّى بهم ذلك إلى جواز دعائهم، والاستغاثة بهم في الملمات، وغيرها من العبادات التي لا تصرف إلا لله وحده لا شريك له، بدعوى اقتصارهم على التوسل المشروع على حد زعمهم.
2 - الوقوع في البدع المنكرة، وذلك بإدخال صور من التوسل الممنوع ضمن التوسل المشروع
مثل: السؤال بجاه المخلوق أو بآثاره، فإن هذا من البدع التي لم ترد إلا عن المخالفين لأهل السُّنَّة، وهذا يؤدي إلى سخط الله جل جلاله، وغضبه، وأليم عقابه نسأل الله السلامة والعافية.
* * *
(1)
يُنظر: موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (2/ 823).
المبحث الرابع
أبرز صور المخالفات التعبدية المترتبة على إحياء الآثار
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار النبوية.
المطلب الثاني: أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار الدينية.
المطلب الثالث: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار الأمم الهالكة والآثار الوثنية والجاهلية.
المطلب الرابع: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار القبور والمشاهد.
المبحث الرابع
أبرز صور المخالفات التعبدية المترتبة على إحياء الآثار
الأقوال والأعمال والاعتقادات التعبدية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالشرع، بحيث إن المسلم لا يقوم بأي نوع من أنواع العبادة إلا بدليل من الكتاب أو السُّنَّة الصحيحة.
فإذا قام المسلم بعبادةٍ من غير مستند ولا دليل شرعي فإن ذلك العمل مخالفٌ للسنة ويدخل في حكم البدعة، ولا يقتصر الخطأ في ذلك العمل على عدم صحته، وعدم قبوله بل يترتب عليه الوزر والإثم.
فتحدث عند بعض الآثار أنواعٌ من العبادات: القولية، أو الفعلية، أو القلبية، وقد تصدر كلها في آن واحد، بمختلف صور التعبد والتقرب إلى الله، سواء كانت عبادات لم يرد دليل على ثبوتها، أو أنها ثابتٌ أصلها بالدليل الشرعي لكن حصل فيها تغيير وغلو وتبديل أخرجتها عن هيئتها الشرعية الثابتة بالنص الشرعي.
وعليه؛ فإن كثيرًا من الأعمال التي تفعل عند تلك الآثار، ويراد بها التقرب إلى الله تُعدّ أعمالاً بدعية؛ بل قد تصل إلى الشركيات.
وبسط هذا المبحث يبين جملة من تلك العبادات والسلوكيات الصادرة عن العبد تجاه الآثار، والتي سيتم عرضها في المطالب التالية:
المطلب الأول: أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار النبوية.
المطلب الثاني: أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار الدينية.
المطلب الثالث: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار الأمم الهالكة والآثار الوثنية والجاهلية.
المطلب الرابع: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار القبور والمشاهد.
المطلب الأول
أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار النبوية
بسط هذا المطلب في المسائل التالية:
المسألة الأولى: أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار الحديثية المروية.
المسألة الثانية: أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثالثة: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية.
المسألة الأولى: أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار الحديثية المروية:
كتابة بعض الآثار الحديثة المروية من الأذكار والأدعية المباحة على ورق أو جلد ونحوهما، أو جعلها في تمائم
(1)
وحروز وحجب يُتبرك بها ويُعتقد أنها تدفع العين والشر، وتجلب الخير والبركة من خلال تعليقها.
(1)
التمائم: جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطلها الإسلام. يُنظر: النهاية في غريب الأثر، لابن الأثير (1/ 197).
تنبيه: بعض الناس يقول: إنما أعلق هذه الأشكال التي تشبه التمائم للزينة، ولا أستحضر هذه المعاني المحظورة، فنقول: إن علق التمائم لدفع الضر، واعتقد أنها سبب لذلك: فيكون قد أشرك الشرك الأصغر، وإن علقها للزينة فهو محرم؛ لأجل مشابهته من يشرك الشرك الأصغر، فدار الأمر إذًا على النهي عن التمائم كلها، سواء اعتقد فيها أو لم يعتقد؛ لأن حاله إن اعتقد أنها سبب: فهو شرك أصغر، وإن لم يعتقد: فيكون قد شابه أولئك المشركين، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«من تشبه بقوم فهو منهم» . التمهيد لشرح كتاب التوحيد، لصالح آل الشيخ (1/ 142).
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ»
(1)
، وقال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ»
(2)
، فالنبي صلى الله عليه وسلم جعلها شركًا؛ لأنهم أرادوا بها دفع الأذى والمقادير المكتوبة عليهم من غير الله الذي هو دافعه
(3)
، وقيل:«مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللهُ لَهُ»
(4)
.
هذه صورة من صور المخالفات التعبدية المحرمة المنتشرة، فإذا منعت هذه الصورة التي هي: كتابة الآثار المروية الشرعية وتعليقها؛ لأجل دفع الضر، فمن باب أولى تحريم ما يكون من أدعية شركية، وطلاسم سحرية.
المسألة الثانية: أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق بها:
1 التوسل بما يُزعم أنه من الآثار المنفصلة عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وما أُلحق بها
(5)
.
2 إظهار الذل والخضوع، والتقديس والتمسح بها وتقبيلها، والاستغاثة بها
(6)
؛ اعتقادًا منهم بأنها تجلب النفع وتدفع الضر، وأن فيها النجاة من
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير، مسند من يعرف بالكنى، أبو معبد الجهني (22/ 385/ ح 960)، والحاكم في مستدركه، كتاب الطب، من تعلق شيئًا وكل إليه (4/ 216/ ح 7598)، والترمذي في جامعه، أبواب الطب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في كراهية التعليق (3/ 585/ ح 2072)، حسنه الألباني في غاية المرام (181/ ح 297).
(2)
أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين رضي الله عنهم، حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم (7/ 3880/ ح 17694)، والحاكم في مستدركه، كتاب الطب، أمسك النبي عن بيعة رجل في عضده تميمة (4/ 219/ ح 7608)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 889/ ح 492).
(3)
يُنظر: النهاية في غريب الأثر، لابن الأثير (1/ 198).
(4)
أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الرقى والتمائم، ذكر الزجر عن تعليق التمائم التي فيها الشرك بالله جل جلاله (13/ 450/ ح 6086)، والحاكم في مستدركه، كتاب الطب، إذا رأى أحدكم من نفسه أو أخيه ما يحب فليبرك (4/ 216/ ح 7596)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (3/ 427/ ح 1266).
(5)
كما جاء عن البوطي في توسله بالآثار، حيث ردّ العلامة المحدّث ناصر الدين الألباني رحمه الله على شبهته.
يُنظر: التوسل، للألباني (137 - 145).
(6)
يُنظر: أسرار الآثار النبوية، لأبي الفضل الحسيني الصوفي (73 - 75)، سلوة الأنفاس، للكتاني (391 - 392).
المهالك، والشفاء من الأوجاع والأمراض، والحرز من الشيطان، والنفع للمضطر، والأمان من البغاة، وطلب البركة، وغير ذلك، مع أن تلك الآثار لم تثبت بسند صحيح
(1)
.
المسألة الثالثة: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية:
1 شد الرحال أو إنشاء السير للمقام بالزيارة معتقدًا فضل المكان وبركته.
2 قصد الصلاة في مواضع مقامات النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة القرآن عندها.
3 صعود جبل النور وجبل ثور، ودخول غار حراء وغيرها من الجبال والغيران المرتبطة بمقامات النبي صلى الله عليه وسلم؛ اعتقادًا منهم ببركة المكان وأن له فضيلة، فيدعون الله عنده، ويتمسحون ويتبركون ويستغيثون به.
4 ربط الخرق وعقد الخيوط ونحوها، وتعليقهما على الأشجار والأحجار وغيرها من الآثار تبركًا بها، أو اعتقادًا بأنها تجلب النفع، وتدفع الضر، وتحقق الحاجات.
5 بناء المساجد والقباب على المواضع التي يُعتقد أنها من مقامات النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يكون مرّ بها أو مكث أو صلى عندها عرضًا
(2)
.
* * *
(1)
يُنظر: سلوة الأنفاس، للكتاني (392).
(2)
يُنظر: تاريخ مكة، لأبي البقاء المكي (184 - 190).
المطلب الثاني
أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار الدينية
بسط هذا المطلب في المسألتين التاليتين:
المسألة الأولى: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار المواسم الزمانية.
المسألة الثانية: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار المساجد وأماكن التعبد.
المسألة الأولى: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار المواسم الزمانية:
1 التوسل إلى الله بإحياء ليلة المولد، والإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وصلاة الرغائب في رجب، وأعياد الجاهلية
(1)
، وغيرها من آثار المواسم الزمانية المبتدعة.
2 إحياء ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم وموالد آل البيت: كمولد عليّ بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم والاحتفال بهم.
واشتمال تلك الاحتفالات على البدع والشرك؛ كالاستغاثة والنداء وطلب المدد، وإنشاد القصائد الشركية المغالية في وصفه وإطرائه
(2)
.
3 إحياء ليلة أوّل رجب، وليلة نصفه، وكذلك ليلة السابع والعشرين
(1)
يُنظر: توطئة كتاب قاعدة في الوسيلة، لعلي الشبل (22 - 23).
(2)
يُنظر: المورد في عمل المولد، لأبي حفص تاج الدين الفاكهاني (5 - 14)، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (2/ 436)، إنكار الاحتفال بالمولد النبوي، لمحمد بن إبراهيم آل الشيخ (15 - 54)، الرد القوي على الرفاعي والمجهول وعلوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي، لحمود التويجري (65 - 72)، الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع، لمحمد بن شقير (919)، التحذير من البدع، لابن باز (11).
من رجب التي يعتقدون بأنها ليلة الإسراء والمعراج، وإحياء أغلب أيامه ولياليه بالصيام والقيام والاعتكاف، وأداء العمرة فيه، والزيارة والعتيرة الرجبية
(1)
.
4 إحياء أوّل ليلة من شعبان، وكذلك ليلة النصف منه بالصلاة.
5 إحياء ليلة رمضان وسماط رمضان، وليلة الختم
(2)
، والاحتفال بليلة النصف من رمضان بما يسمى ويشتهر باسم: القرقيعان الذي يقومون به بتوزيع الحلوى والمال على الأطفال
(3)
.
6 التوسل إلى الله ببركة رمضان
(4)
.
7 إحياء يوم عاشوراء بإظهار الفرح أو الترح
(5)
.
8 إحياء الأيام التي جرت فيها حادثة متعلقة بالسيرة النبوية كالهجرة النبوية، أو انتصارات المسلمين في الغزوات.
9 إحياء الذكرى الأربعينية للموتى، وخاصة العلماء والعظماء، وبعضهم لا يلتزم بمرور أربعين يومًا بل بعد موته بسنة أو أكثر؛ لتجديد الأحزان، والإعلان عن ذلك بإقامة مأتم، والاجتماع على ختم القرآن، وإهداء ثوابه للميت
(6)
.
(1)
تقدّم التعريف بالعتيرة الرجبية؛ لمعرفة معناها راجع لطفًا (159)، ويُنظر: البدع الحولية (220 - 267).
(2)
حيث ذكر المقريزي كثيرًا من الأعياد التي يحيها الناس مثل: إحياء عيد الغدير، ويوم النيروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وموسم كسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، وخميس العدس. يُنظر: المواعظ والاعتبار (2/ 436).
(3)
يُنظر: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المجموعة الثانية (2/ 259).
(4)
شهر رمضان ليس عمل للعبد، وإنما هو شهر جعل الله فيه البركة، والصحيح أن يقول: اللَّهُمَّ إني أسألك بصيامي وبقيامي أن تغفر لي؛ أي: أن المسلم يتوسل بأعماله الطيبة في رمضان، ولا يتوسل بشهر رمضان. يُنظر: فتاوى نور على الدرب، لابن باز (2/ 148).
(5)
النواصب يحيون عاشوراء بالفرح والسرور، واتخاذه موسمًا كمواسم الأعياد والأفراح، وفي المقابل الرافضة يحيونه بإقامة المآتم؛ لإظهار الأحزان والأتراح، كلاهم انحرفوا عن السُّنَّة، وجانبوا الصواب، وضلوا عن الصراط. يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/ 310).
(6)
يُنظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المجموعة الأولى (9/ 154).
وغيرها من احتفالات المواسم الزمانية الكثيرة المحدثة التي ليس لها أصل، ولم يخصصها الشرع بمزية أو فضيلة؛ بل هي مخالفة للشرع، ومن البدع المنهي عنها.
المسألة الثانية: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار المساجد وأماكن التعبد:
1 التمسح بجدار الكعبة وإلصاق الوجه واليدين في غير الملتزم، والتبرك بما يسمى ب: العروة الوثقى
(1)
، و سرة الدنيا
(2)
، وبثوب الكعبة وأستارها، وأخذ قطعة من قماشه الذي كُسيت به، والاحتفاظ بها، والتبرك بالماء الذي تغسل به الكعبة، أو المطر النازل من ميزاب الرحمة من الكعبة، ومسح حلقات أبواب المسجد الحرام، والجدران؛ للاستشفاء، وطلب البركة
(3)
.
2 تقبيل جوانب الكعبة والركنين الشاميين ومقام إبراهيم والتمسح بهم
(4)
.
3 الاعتقاد بأن استلام الركن اليماني والحجر الأسود للتبرك لا للتعبد
(5)
.
(1)
هو موضع عال من جدار البيت المقابل لباب البيت تزعم العامة أن من ناله بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى! يُنظر: مناسك الحج والعمرة، للألباني (52).
(2)
يقول ابن الحاج رحمه الله في كتابه المدخل (4/ 243): سَمَّوهُ: «سرة الدنيا» ، يكشف أحدهم عن سرّته ويتبطح بها على ذلك الموضع حتى يكون واضعًا سرته على سرة الدنيا، فمن لم يكشف عن سرته ويضعها عليه وإلا وقع في زيارته الخلل على زعمهم، وهو مسمار يقع في وسط البيت. اه.
وقد أشار الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: إلى أنه لما وقع منذ قرون الافتتان بالمسمار المسمى ب: «سرة الدنيا» أُزيل ولله الحمد من ذلك الوقت. يُنظر: جبل إلال بعرفات تحقيقات تاريخية شرعية (77).
(3)
يُنظر: مناسك الحج والعمرة، للألباني (52)، وحجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه، للألباني (116)، والسنن والمبتدعات، لمحمد الشقيري (171) والبدع والمحدثات، وما لا أصل له (396 - 398).
(4)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 524).
(5)
يُنظر: القول المفيد، لابن عثيمين (1/ 196).
4 قصد الطواف تحت المطر بزعم أن من فعل ذلك غفر له ما سلف من ذنبه
(1)
.
5 الخروج على القهقرى من المسجد الحرام بعد طواف الوداع، أو بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد النبوي؛ يرجع على قفاه، يزعم أنه يتحاشى بذلك تولية الكعبة أو قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ظهره، وهذا الفعل ليس من البر والإحسان، وليس من الأدب والتعظيم بل من البدعة والغلو
(2)
.
6 الدعاء الجماعي في الطواف والسعي، ورفع الصوت فيهما
(3)
؛ لما في ذلك من التشويش على المصلين والذاكرين
(4)
.
7 تخصيص أدعية لم يخصصها الشرع؛ كتحديد دعاء عند المقام أو في الطواف عند ميزاب الكعبة أو في كل شوط من أشواط السعي، وغيرها من المواضع
(5)
.
8 التمسح بالحجرة النبوية، والتبرك بالمصحف والمنبر والجدران
(6)
.
9 الطواف حول قبة الصخرة في بيت المقدس، وهي بدعة قديمة منكرة ذكرها عدد من العلماء المتقدمين وما زالت موجودة إلى وقتنا الحاضر
(7)
.
(1)
يُنظر: حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه، للألباني (116).
(2)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/ 47).
(3)
يُنظر: فقه العبادات، لابن عثيمين (356)، فتاوى الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (2/ 30)، نقلاً من كتاب البدع والمحدثات، وما لا أصل له (398 - 399).
(4)
يُنظر: المباحث العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية، لألطاف الرحمن بن ثناء الله (448 - 449).
(5)
يُنظر: مناسك الحج والعمرة، للألباني (52)، وفتاوى الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (2/ 30) نقلاً من البدع والمحدثات، وما لا أصل له (396 - 398).
(6)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 524)، المدخل، لابن الحاج (1/ 308).
(7)
يقول أ. د. حسام الدين بن عفانة المدرس حاليًّا في جامعة القدس: بدعة الطواف بالصخرة بدعة قديمة ذكرها عدد من العلماء المتقدمين وما زالت موجودة إلى وقتنا الحاضر وقد شاهدت بأم عيني عندما كنت طالبًا في المدرسة الثانوية الشرعية مجموعة من النسوة يطفن بمسجد الصخرة وكان ذلك في شهر رمضان وفي يوم جمعة. يُنظر: قواعد وأسس في السُّنَّة والبدعة (210).
10 كتابة الأدعية البدعية والتوسلات الشركية على حوائط المساجد وغيرها من أماكن التعبد، كما هو الحاصل على حائط المبكى في القدس يكتبون على الورق حاجاتهم ويدخلونها في شقوق الحائط.
* * *
المطلب الثالث
أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار الأمم الهالكة والآثار الوثنية والجاهلية
في هذا المطلب قد تُفعل العبادات عند آثار الأمم الهالكة والآثار الوثنية والجاهلية على وجه التعبد أو قد تؤول إليه بعد مدة، وكذلك قد لا تكون صور التعبّد فيها واضحة لكونها متعلقة بأعمال القلوب من: الحب والتعظيم والولاء وعدم البراءة من الشرك وأهله وغيرها من العبادات القلبية، وما إن تتمكن من القلب إلا وتظهر على الجوارح صور التعبد المخالفة للشرع.
وبسط هذا المطلب في المسألتين التاليتين:
المسألة الأولى: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار الأمم الهالكة.
المسألة الثانية: أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار الوثنية والجاهلية.
المسألة الأولى: أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار الأمم الهالكة:
شد الرحال لزيارة آثار الأمم الهالكة وتعظيم أبنيتهم وتمجيدها؛ المؤدي إلى تقديسها، ومن ثم عبادتها!
ولا نستبعد ذلك أو نعتقد استحالته، فقد عبد أهل الجاهلية حجري: إساف ونائلة
(1)
، مع أن الناس كانوا قبل ذلك يرونهم رؤية اعتبار واتعاظ؛ لعقوبة الله لهما بالمسخ بسبب فعلهم المخزي، ومع ذلك عبدوهم.
(1)
تقدّم عرض قصتهما المخزية في حاشية صفحة (271).
المسألة الثانية: أبرز صور المخالفات التعبدية في الآثار الوثنية والجاهلية:
1 استنهاض التاريخ الجاهلي؛ لاكتشاف الانتماء الجاهلي، والتحايل في إحياء الآثار الوثنية والجاهلية باسم إحياء آثار الحضارات التاريخية القديمة، والدعوى إلى محبتها والولاء لها، والمناداة بالاعتزاز والفخر وتعظيمها في النفوس.
2 تقديم القرابين والهدايا للأصنام والأوثان قبل دخول المكان الذي يكون فيه الصنم، ومن صوره الحديثة عند ذهاب السائحين لبعض متاحف أو معابد الدول الكافرة، أنهم يطلبون من الزائر شراء هدايا ولو بسيطة تباع عند البوابات ويضعونها في موضع مخصص عند دخولهم للمكان، وهي عبارة عن هدايا للصنم الوثني، المنصوب في المتحف أو المعرض.
3 الانحناء عند الدخول إلى بعض الآثار الوثنية من خلال اجتياز ممرات ضيقة وقصيرة السقف؛ لإجبار الزائر على الانحناء قبل الدخول، كما هو الحاصل عند الدخول لبعض الأهرامات.
وغيرها من صور التعبّد القلبية، أو القولية، أو الفعلية المخالفة لأصل التوحيد أو كماله.
* * *
المطلب الرابع
أبرز صور المخالفات التعبدية في آثار القبور والمشاهد
وبسط هذا المطلب في المسألتين التاليتين:
المسألة الأولى: أبرز صور المخالفات التعبدية في القبر نفسه.
المسألة الثانية: أبرز صور المخالفات التعبدية التي تصدر من الزائر.
المسألة الأولى: أبرز صور المخالفات التعبدية في أثر القبر والمشهد:
1 تعظيم القبور والمشاهد والمزارات، وتنشيطها، ودعمها ماديًّا ومعنويًّا
(1)
.
2 إبراز قبور الأولياء والصالحين ورفعها، واتخاذها مساجد ومشاهد، ومزارات
(2)
.
3 تشييد القباب على أضرحة العظماء والبناء عليها، ووضع الشواهد، وتجصيصها والكتابة عليها، وإيقاد السرج والمصابيح
(3)
.
4 إحياء آثار القبور المدروسة، والسعي إلى إبرازها والاهتمام بها.
5 الدعوة إلى زيارة الأضرحة البدعية والمشاهد الشركية من خلال حث دعاة الضلالة إلى ذلك؛ بحجة تعظيم الأولياء، والقيام بحقهم
(4)
.
(1)
يُنظر: التصوف في تهامة اليمن، لعبد الله المصلح (3).
(2)
يُنظر: تناقض أهل الأهواء والبدع، لعفاف مختار (1/ 124).
(3)
يُنظر: تعظيم الآثار والمشاهد (119).
(4)
يُنظر: التصوف في تهامة اليمن، لعبد الله المصلح (3، 26).
المسألة الثانية: أبرز صور المخالفات التعبدية التي تصدر من الزائر للقبور:
1 -
تعلّق القلب بالقبور والمشاهد وتعظيمها، والتوسل بالمقبورين، والتبرك بتراب قبورهم، والتمسح به، وتقبيل موضع دفنهم طلبًا للبركة.
2 -
شد الرحال إلى المشاهد، والقيام بالمناسك البدعية
(1)
، كما هو مُشاهد فيما يُزعم أنه قبر نبي الله هود عليه السلام.
3 -
تحريّ الدعاء عند القبور والمشاهد باستقبالها، والاعتقاد بأنها موضع لإجابة الدعاء، وكذلك قصد الصلاة وقراءة القرآن، والذبح لها أو إليها.
4 -
تقديم القربان والنذور والهدايا لأصحاب القبور؛ اعتقادًا منهم أنه يصل للأموات كما يصل للأحياء
(2)
.
5 -
الاستغاثة بالأموات ودعائهم؛ لتفريج الكربات، وغفران الزلات، والنصر على الأعداء، ودفع المصائب
(3)
.
6 -
الطواف حول القبور والبكاء والابتهالات وسؤال الحاجات، والتمسح بسياجها، وأستارها. وتعليق الكتابات والسلاسل ونحوها على ما يحيط بالقبر.
7 -
تحديد زيارة القبور: في ليلة النصف من شعبان، وفي أول يوم العيد، وفي الثامن من شوال، وبعد صلاة الجمعة، وغيرها من المواسم المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
هذه بعض صور المخالفات التعبدية ذكرتها على سبيل القصر لا الحصر وإلا فالعبادات التي تصرف لغير الله عند القبور والمشاهد كثيرة، حتى تجاوز الحال بهم إلى أن صارت أوثانًا تعبد من دون الله جل جلاله من خلال اتخاذ القبور
(1)
يُنظر: كتاب الحج إلى زيارة المشاهد، للمفيد المرتضى محمد بن النعمان الرافضي، نقلاً من: منهاج السُّنَّة النبوية، لابن تيمية (1/ 476).
(2)
يُنظر: تعظيم الآثار والمشاهد (88).
(3)
يُنظر: شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور، لمرعي الكرمي (110).
والمشاهد مساجد يصلون إليها، ويعظمونها، ولا شك أن ذلك من الشرك الأكبر
(1)
.
وليُعلم أن المخالفات ليست على درجة واحدة في الحكم بل هي على درجات فبعضها شرك أكبر، وكفر صريح، وبعضها دون ذلك ولكن يجب أن يُعلم أن أي بدعة في الدين ولو صغرت فهي محرمة شرعًا، وليس في البدع ما هو مكروه كما يتوهم بعضهم
(2)
.
والدليل على ذلك: قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»
(3)
.
ولذلك أمر البدعة خطير جدًّا لا يزال أكثر الناس في غفلة عنها، ولا يحرص على معرفة ذلك إلا طائفة من أهل العلم المتمسكين بالكتاب والسُّنَّة.
فصور الأعمال التعبدية المذكورة آنفا مخالفة للسُّنَّة: لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام أشد تعظيمًا للدين وأحرص الناس عليه فلو كان خيرًا لسبقونا إليه
(4)
.
وما أجمل وأنفع وصية الإمام البربهاري رحمه الله في التحذير من البدع، وبيان خطورتها، حيث قال رحمه الله: واحذر صغار المحدثات من الأمور؛ فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيرًا، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة، كان أولها صغيرًا يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها، فعظمت وصارت دينًا يدان به فخالف الصراط المستقيم، فخرج من الإسلام.
(1)
يُنظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البر (5/ 45).
(2)
يُنظر: مناسك الحج والعمرة، للألباني (45).
(3)
أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب العلم، كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (1/ 97/ ح 332)، الحديث صحيح. يُنظر: التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: (4/ 349) المستدرك على الصحيحين: (1/ 97/ ح 332)، فتح الباري شرح صحيح البخاري:(13/ 266).
(4)
يُنظر: البلد الحرام فضائل وأحكام (93).
فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن، ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر هل تكلم به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن وجدت فيه أثرًا عنهم فتمسك به، ولا تجاوزه لشيء، ولا تختر عليه شيئًا فتسقط في النار.
واعلم أن الخروج من الطريق على وجهين:
أما أحدهما: فرجل زل عن الطريق، وهو لا يريد إلا الخير، فلا يُقتدى بزلته، فإنه هالك.
وآخر: عاند الحق وخالف من كان قبله من المتقين، فهو ضال مضل، شيطان مريد في هذه الأمة، حقيق على من يعرفه أن يحذر الناس منه، ويبين لهم قصته؛ لئلا يقع أحد في بدعته فيهلك.
واعلم رحمك الله أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعًا مصدقًا مسلمًا، فمن زعم أنه بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد كذَّبهم، وكفى به فرقة وطعنًا عليهم، وهو مبتدع ضال مضل، محدث في الإسلام ما ليس منه
(1)
.
ورحم الله الإمام مالك رحمه الله حيث قال: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها فما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم دينًا
(2)
.
وصلى الله وسلم على نبيِّنا وحبيبنا القائل: «مَا تَرَكْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ عَنِ النَّارِ إِلاَّ قَدْ بَيَّنْتُهُ لَكُمْ»
(3)
.
(1)
شرح السُّنَّة، للبربهاري (24).
(2)
هذه مقولة شهيرة، وكلمة عظيمة للإمام مالك بن أنس رحمه الله وافقه عليها أهل العلم قاطبة. يُنظر: المبسوط، للقاضي إسماعيل الجهضمي المالكي (ت: 282 هـ)، نقلاً من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم، للقاضي عياض (2/ 88)، اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 367)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 231)، الصارم المنكي في الرد على السبكي، لابن عبد الهادي (1/ 59).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الجامع، باب القدر (11/ 126/ ح 20100)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (7/ 67/ ح 2866).
المبحث الخامس
أسباب المخالفات العقدية والمفاسد المترتبة على إحياء الآثار
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أسباب المخالفات العقدية المترتبة على إحياء الآثار.
المطلب الثاني: المفاسد المترتبة على إحياء الآثار.
المبحث الخامس
أسباب المخالفات العقدية والمفاسد المترتبة على إحياء الآثار
نشأت فتنة إحياء الآثار من قوم نوح عليه السلام ثم انتشرت في جميع الأمم البائدة؛ كعاد وثمود، ومدين وغيرهم، ثم فلاسفة اليونان؛ فاليهود والنصارى، حتى وصلت العرب في الجاهلية.
ومن طريق هؤلاء الأمم تسلل الافتتان بالآثار بالعموم، وأشدّها انتشارًا إحياء آثار القبور تسربت إلى الفرق والطوائف، ومن هؤلاء جميعًا اجتاحت عبادة القبور صفوف المسلمين فافتتن بها مشايخ الطرق البدعية فضلاً عن بُسطاء الناس وعوامهم
(1)
.
وأول من أظهر هذا الداء في الإسلام وابتلي به: الرافضة؛ حيث إنهم أصل هذا البلاء، وعنهم انتشر في الصوفية بطرقها
(2)
.
فهذه الفتنة عمت العباد وطمت أرجاء البلاد إلا من شاء الله أن يبقى على التوحيد
(3)
.
وبسط هذا المبحث في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: أسباب المخالفات العقدية المترتبة على إحياء الآثار.
المطلب الثاني: المفاسد المترتبة على إحياء الآثار.
(1)
يُنظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (423، 445).
(2)
يُنظر: نشأة بدع الصوفية، لفهد الفهيد (36)، موقف ابن القيم من التصوف، لعبد الرؤوف خيري (181).
(3)
يُنظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (423، 445).
المطلب الأول
أسباب المخالفات العقدية المترتبة على إحياء الآثار
فطر الله سبحانه وتعالى البشر على التوحيد، وهو الأصل الذي كان الناس عليه، لكن لما حصل الانحراف عن هذا الأصل، والوقوع في البدع والشركيات، التي منها إحياء الآثار، ترتب على ذلك جملة من الانحرافات والمخالفات، والتي من أسبابها، ما يلي
(1)
:
1 -
الجهل بحقيقة ما بعث الله به رسله عليهم السلام من تحقيق التوحيد، وقطع الشرك ووسائله، والجهل بأحكام الدين، ومقاصد الشريعة، وقواعد اللغة العربية وأساليبها، فلا يرى الجهلة بأسًا من مُضاهاة المشركين.
والجهل بشكل عام أصل كل المخالفات وأساسها، وغيره من الأسباب فرع عنه.
2 -
اتباع الهوى، والاعتماد على الآراء، وهذا أصل الزيغ والضلال، فما وافق أهواءهم أخذوه، وما خالفها تركوه، فمتبع الهوى يثبت الأدلة الشرعية التي تحقق غرضه، ويقرر الحكم بناء على هواه، وهو قلب لقضية التشريع، وإفساد لغرض الشارع من نصب الأدلة، كما قال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50].
ويتمسكون بالشبهات في تسويغ انحرافاتهم، وما يتشبثون به إلا كبيت
(1)
يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/ 361 - 362)، إغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 387 - 392)، يُنظر: الاعتصام، للشاطبي (2/ 690)، مجموع فتاوى ابن باز (3/ 336)، فتاوى نور على الدرب، لابن باز (18/ 431)، عقيدة التوحيد، لصالح الفوزان (222 - 225)، بدع القبور، لصالح العصيمي (37 - 89)، نور السُّنَّة وظلمات البدعة، لسعيد بن وهف القحطاني (31)، والبدع الحولية (71)، التبَرُّك المنحرِف، لأكرم عصبان (46).
العنكبوت في الضعف والوهن، كما قيل عن ضعف الحجج التي يتمسك بها المخالف:
حجج تهافت كالزجاج تخالها
حقًّا وكل كاسر مكسور
(1)
3 -
الأحاديث الموضوعة والمختلقة على الرسول صلى الله عليه وسلم، التي تناقض الشرع، والاعتماد عليها، والاحتجاج بها.
4 -
تبنِّي دعاة الضلالة كثيرًا من البدع والخرافات وترويجها على العوام والبُسطاء، كما قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم: «دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا
…
»
(2)
.
وليّهم لأعناق النصوص، وتشرّب قلوبهم الشبهات، وإشباع الشَّهْوات الخفية التي تحصل عندما يحضّون على البدع من الجاهِ والمال
(3)
.
5 -
الاعتماد في الأحكام الشرعية على القصص والحكايات الخرافية والمنامات الشيطانية.
6 -
التهاون بالمخالفات، والتقاعس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسكوت العلماء؛ لأن العامة إذا رأوا سكوت العالم على أمر حسبوا أن ذلك الأمر مما جاء به الشرع، ولا يخالفه، فكلما سكت عالم سُنّة، لمع في المقابل داعي بدعة؛ ولهذا تكثر البدع في البلاد التي يقل بها العلماء.
7 -
تحوّل البدع إلى عادة يصعب تركها بسبب التقليد الأعمى.
8 -
الغلو بالعقل، وإنزاله المنزلة التي لا يستحقها، حيث جُعل هو المشرع، والمُقدّم على الشرع.
9 -
تأويل الكتاب والسُّنَّة تأويلاً باطلاً، سواء بسوء فهم، أو خبث
(1)
من نظم الخطابي يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 28).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة (9/ 51/ ح 7084)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن (6/ 20/ ح 1847).
(3)
للوصول إلى بعض الأمثلة التي تدل على ذلك انتقل فضلاً (543).
طوية، فترك تفسير أقوال السلف الصالح لنصوص الكتاب والسُّنَّة أحد أسباب الوقوع في المخالفات.
10 -
الغلو في الصالحين، وهو من أعظم الأسباب التي أدت إلى الوقوع في المخالفات العقدية، فعندما أحيوا آثار قبور الصالحين عظموهم وغلوا فيهم، وقد جاء النهي الصريح في الكتاب والسُّنَّة عن الغلو وخطره.
11 -
التعصب للآراء والأشخاص، بنبذ الحق، وترك الدليل؛ احتجاجًا بما كان عليه الآباء والمشايخ والأجداد كما قال تعالى فيهم:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة: 170].
12 -
التشبه بالكفار وتقليدهم في غالب أمورهم، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ»
(1)
.
هذه أبرز الأسباب التي أدت إلى الوقوع في كثير من المخالفات العقدية والانحرافات والتي على رأسها إحياء الآثار.
ومن المهم التنبيه إلى أنه لا مجال لمقاومة أي مخالفة وانحراف إلا بالعلم والعلماء، فإذا فُقد العلم والعلماء، أُتيحت الفرصة للبدع والشركيات بالظهور ولأهل الضلال بالانتشار
(2)
.
* * *
(1)
سبق تخريجه راجع فضلاً (155).
(2)
يُنظر: عقيدة التوحيد، لصالح الفوزان (224).
المطلب الثاني
المفاسد المترتبة على إحياء الآثار
لم يكن الشارع الحكيم ليحظر شيئًا جزافًا بلا حكمة تقتضي التحريم، فإذا تأملنا إحياء الآثار الوثنية والجاهلية وخصوصًا إحياء آثار القبور وتعظيمها ببناء المشاهد والمساجد والقباب، ورفع الأستار عليها وإيقاد السرج، وجعل السدنة لها والصناديق؛ لاستقبال النذور، والتمكين من الطواف حولها، والعكوف، والصلاة عندها ولها، وغيرها من المحظورات التي جاء الدليل بمنعها، نجد أنه يتخللها عواقب خطيرة، وآثارٌ وخيمة، ومفاسد يصعب حصرها.
وهذا أمر مطرد في كل ما نهى الشرع عنه، فإذا تقرر هذا، علمنا أن الخطورة أعظم عندما يتعلق الأمر باقتراف محظور شرعي يخص العقيدة؛ كالمخالفات الحاصلة عند الآثار، والتي نحن بصدد الحديث عنها وعن المفاسد المترتبة على إحيائها.
بسط هذا المطلب في مسألتين:
المسألة الأولى: المفاسد المترتبة على إحياء الآثار بالعموم.
المسألة الثانية: المفاسد المترتبة على إحياء آثار القبور والمشاهد.
المسألة الأولى: المفاسد المترتبة على إحياء الآثار بالعموم:
من أهم المفاسد المترتبة على إحياء الآثار
(1)
:
1 عودة المظاهر الشركية من خلال إظهار الأصنام والأوثان وإبرازها في الأماكن العامة، وذلك مفضٍ إلى الشرك الذي هو أعظم الذنوب،
(1)
يُنظر: إغاثة اللهفان (1/ 357 - 360)، علم الآثار وبيان المنهج الإسلامي، لعمر العمر (1034 - 1038).
وأظلم الظلم
(1)
.
صور الشرك وأنواعه كثيرة، غالب الناس لا يدركها، والذي يقف عند تلك الآثار سواء كانت حقيقة أو مزعومة بلا حجة، يرى كيف يتمسح الجهلة بترابها، وما فيها من أشجار أو أحجار، ويصلي عندها ويدعو من نسبت إليه ظنًّا منهم أن ذلك قربة إلى الله سبحانه ولحصول الشفاعة، وكشف الكربة؛ لأن النفوس ضعيفة ومجبولة على التعلق بما تظن أنه يفيدها
(2)
.
2 زعزعة الولاء والبراء لدى المسلمين، وذلك حاصل من خلال تعظيم الحضارات الجاهلية الوثنية من فرعونية وبابلية وفينيقية، وتقديمها على الإسلام، فلا تكون في قلوب المسلمين معزّة للإسلام بقدر ما لذلك التاريخ الجاهلي وأمجاده المزعومة.
3 إماتة للسنن، وإحياء للبدع.
4 إساءة لسمعة الدين الإسلامي عند من لا علم له بتعاليمه الصحيحة ومنهجه القويم
(3)
.
5 تفشي القومية والعنصرية بين المسلمين، إذ إن أبرز القيم الإسلامية والأخلاقية عدم وجود العنصرية والتمييز بين المسلمين، وإحياء الآثار يزعزع هذه القيم ويجتثها.
6 الوقوع في أنواع من الكذب:
النوع الأول من الكذب: الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم: ولا شك أن هذا
(1)
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ *} [لقمان]: ووجه كونه عظيمًا، أنه لا أفظع وأبشع ممن سوى المخلوق من تراب، بمالك الرقاب، وسوى الذي لا يملك من الأمر شيئًا، بمن له الأمر كله، وسوى الناقص الفقير من جميع الوجوه، بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوى من لم ينعم بمثقال ذرة من النعم بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم، ودنياهم وأخراهم، وقلوبهم، وأبدانهم، إلا منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟!. يُنظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (648).
(2)
يُنظر: مجموع فتاوى ابن باز (3/ 336).
(3)
يُنظر: تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي، لمحمد لوح (2/ 83).
النوع من أشد أنواع الكذب، ويتنوع الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، على النحو التالي:
أ الكذب في أقواله للاستدلال على شرعية زيارة أماكن الآثار وهذا هو الكثير، وقد يكون الكذب في نسبة آثاره صلى الله عليه وسلم، ومن نماذج الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله ما يأتي:
1 الأحاديث الموضوعة في فضل زيارة قبره صلى الله عليه وسلم.
2 الأحاديث المكذوبة في فضل الصخرة بالقدس.
ب الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم في نسبة آثاره المنفصلة عنه وما أُلحق بها:
وما ينسب إليه صلى الله عليه وسلم كذبًا وزورًا من آثار حسية كشعراته وبردته، وعمامته صلى الله عليه وسلم، وكذلك دعوى بقاء غسل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، ووجود أثر موطئ قدم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض الأحجار كما تقدم بيان زيفها
(1)
.
النوع الثاني من الكذب: التقوّل على السلف من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن كان على نهجهم ممن جاء بعدهم من الصالحين، وهو من ثلاث نواحي:
1 الكذب عليهم قد يكون في الأقوال، مثل ما ينسب إليهم من الروايات المكذوبة في ذكر فضائل بعض الأماكن.
2 الكذب عليهم في الأفعال فيما يحصل من الخير والبركة عند بعض قبورهم.
3 الكذب في تعيين موضع الأثر، ويكثر هذا النوع في تعيين مواضع قبور بعض الصحابة وغيرهم من الصالحين، وكذلك المساجد والموالد وغيرها من الآثار، ودعوى بركة بعض المواضع دون مستند شرعي.
المسألة الثانية: المفاسد المترتبة على إحياء آثار القبور والمشاهد
(2)
:
1 تفضيلها على أحب البقاع إلى الله سبحانه وتعالى، فإن بعض الآثار تُقصد
(1)
راجع فضلاً (100).
(2)
يُنظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 357 - 360).
تعظيمًا واحترامًا، وخشوعًا، وهذا التعظيم يُوقع في الافتتان بها؛ المقتضي عمارة المشاهد وخراب المساجد.
كما أن بعض الزائرين يرى أن زيارة المشاهد يماثل الحج إلى بيت الله الحرام، وبعضهم يُفضّل زيارة المشهد على الحج، وزعم غلاة المبتدعة أن زيارة الضريح أفضل من سبعين حجة في بيت الله الحرام!
(1)
.
2 اتخاذها عيدًا، بالاجتماع إليها، وتكرار زيارتها في مواسم محدثة
(2)
.
3 إيذاء أصحابها، بما يُفعل لهم عند القبور
(3)
، مع تصريح المقبور بتحريم وكراهة ذلك، كما هو الحاصل لقبر الإمامين: أبي حنيفة في بغداد
(4)
، والشافعي في مصر رضي الله عنه
(5)
.
4 مشابهة عبّاد الأصنام بما يفعلونه للقبور من ناحيتين:
أ اتخاذهم ذرائع الشرك: كتزيين القبر ببناء المساجد والقباب وغيرها من الأبنية، المطلية بالذهب والفضة، والمكسوة بالرخام والستور، وإيقاد السرج والقناديل، واتخاذ السدنة، وصناديق النذور، وتمكين الطواف حولها، وغيرها.
ب فعلهم للشرك الصريح: كالطواف حول القبر، والعكوف عنده، والنذر له، والتمسح والتقبيل، والتبرك به، والاستغاثة، والدعاء، والصلاة، وغيرها من العبادات.
5 انتشار المشاهد في العالم الإسلامي؛ نتيجة تساهل كثير من المنتسبين للعلم في أمر المشاهد، حتى أصبحت وكأنها من معالم الدين
(1)
يُنظر: غربة الإسلام، لحمود التويجري (2/ 857).
(2)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 40)، وزاد المعاد، لابن القيم [ط: 27] (1/ 407).
(3)
يُنظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (1/ 76).
(4)
عليه قبة عظيمة ومشهدًا فاخرًا ببغداد. كما قال الحافظ الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء (6/ 403).
(5)
يُنظر: بدع القبور (173).
الإسلامي
(1)
؛ كمشهد تاج محل في الهند، والذي يعتبر أشهر المزارات السياحية حول العالم، وما هو إلا ضريح ضخم، بناه أحد الرؤساء المسلمين القدامى إحياءً لذكرى زوجته التي توفيت
(2)
.
ومن أعظم الفتن في الأمصار مشهد أحمد البدوي
(3)
بمصر، ومشهد علي رضي الله عنه، ومشهد الحسين رضي الله عنه، ومشهد عبد القادر الجيلاني
(4)
بالعراق.
فهذه المشاهد المُحدثة ينتابها الزوار والحجاج من جميع الأقطار طلبًا للغوث والمدد
(5)
.
وغالبًا يحدد موضع قبر النبي أو الولي بناءً على الرؤى والمنامات، ويؤلفون له قصة من وهم الخيال، ويكون المشهد مبنيًّا على ألواح الخشب، أو جثث الحيوانات، يتناقلونها بخبر لا يُعرف قائله، أو نمّام لا تعرف حقيقته
(6)
.
(1)
يُنظر: تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي، لمحمد لوح (2/ 79).
(2)
بناه الإمبراطور شاه جيهان عام (1631 م)، إحياءً لذكرى زوجته التي توفيت وهي تلد ابنها. يُنظر: دليل السائح الفقهي، لفهد باهمام (233).
(3)
أحمد بن علي بن إبراهيم البدوي، فاسي الأصل، حفظ القرآن، واشتغل بالعلم مدة على مذهب الإمام الشافعي. فلما اجتالته الشياطين ومسته في حال يسميها المتصوفة حادث الوله: ترك ذلك كله، وانسلخ منه. وصار فاسدًا لا يصلي، ذا أحوال شيطانية، ومخاريق إبليسية، وإذا لبس ثوبًا أو عمامة لم يخلعها لغسل ولا لغيره حتى تذوب قذرًا! فلا صلاة تحمله على غسل، ولا وضوء، ولا مروءة نفس. وقد ناصحه بعض أهل العلم من معاصريه في تركه للصلاة: فلم يستجب ولم يصل.
رحل به أبوه إلى مكة، ثم سافر هو إلى العراق، ثم زار مصر، ودخل طنطا، وبقي فيها حتى هلك. يُنظر: مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد وعند القبور، لفيصل الراجحي (311).
(4)
عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله البغدادي الحنبلي الجيلي أو الجيلاني، فقيه صالح زاهد، إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، عظّمه قومه بعد موته وغلوا فيه، حتى أصبح قبره في بغداد وثن يعبد من دون الله، وأخطأ من قال بأنه مؤسس الطريقة القادرية، وإنما تأسيس الطريقة القادرية نتج عن اتباعه الذين قدسوه وتجاوزوا الحد في رفعه فوق منزلته، توفي سنة (563 هـ)، يُنظر: ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب (2/ 187 - 214)، طبقات الأولياء، لابن الملقن (246).
(5)
يُنظر: غربة الإسلام، لحمود التويجري (2/ 858).
(6)
يُنظر: موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (2/ 499).
ثم يترتب على ذلك اتخاذه مسجدًا فيصير وثنًا يعبد من دون الله تعالى؛ شركًا مبنيًا على إفك
(1)
.
والله جل جلاله يقرن في كتابه بين الشرك والكذب، كما يقرن بين الصدق والإخلاص، قال تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج]
(2)
.
6 شد الرحال والحج إليها، حتى آل الأمر بأصحابها، إلى تصنيف كتاب:«مناسك حج المشاهد» ؛ ترغيبًا وحثًّا على زيارتها، والحج إليها، واتخاذها أوثانًا تُعبد من دون الله، وهذا تشبيه منهم للمشاهد ببيت الله الحرام، ولا يخفى أن هذا محادة لله ورسوله، ومفارقة لدين الإسلام ودخول في دين الأصنام والأوثان
(3)
.
7 الاعتماد على الكذب، والدجل في إشاعة الحكايات الباطلة، والقصص الخرافية؛ في حصول المراد عند القبور والمشاهد، من إجابة الدعوات، وتفريج الكربات، وجلب الخيرات، ودفع المكروهات، من قِبل دجاجلة السدنة وما يروجه دعاة الضلالة دعاة الطرق المبتدعة، لعوام الناس؛ لكسب الأموال بالحرام.
كما اعترف أحد مشايخ الطرق الصوفية في مصر، بأن الإعانات المقدمة له من الدولة، عبارة عن 10% من إجمالي صناديق النذور بالمساجد، على مستوى جمهورية مصر العربية؛ فلذلك يحرصون على تذكير الناس بالموالد، وتشجيعهم على الذهاب للأضرحة والمشاهد؛ توسلاً وتبركًا
(4)
.
وكذلك صرّح سادن مسجد علي رضي الله عنه بالعراق بقوله: أنا الآن أقوم بعمل السادن
…
، وأتقاضى عنها مرتبًا كبيرًا من الدولة، وبالذات من وزارة
(1)
يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 279).
(2)
يُنظر: موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (2/ 499).
(3)
يُنظر: غربة الإسلام (2/ 857)، الرد على شبهات المستغيثين بغير الله، لعبد السلام بن برجس (5/ 66).
(4)
يُنظر: بدع القبور (91).
الأوقاف، وقد تولت أسرتنا سدانة مسجد الإمام علي منذ (170 سنة)، بمرسوم ملكي في ذلك الوقت، أما عن قطع الذهب والفضة والدنانير التي يضعها الزائرون في المقصورة، فإنها كانت إلى عهد قريب تعطى للسادن وحده، بالرغم من وجود عاملين بالمسجد يقومون على رعايته، وبالرغم من أن السادن يتقاضى مرتبًا شهريًّا من الدولة، ولذلك رأت الدولة تمشيًا مع العدالة الاجتماعية ألا ينفرد إنسان بهذا الدخل الذي يبلغ كل شهر حوالي خمسين ألف دينار، فقررت توزيعه على عدة جهات
(1)
.
8 تعلّق قلب العبد الحي القادر بالمقبور الميت العاجز، وذلك من خلال الاعتقاد بأن دعاء المقبورين يكشف البلاء، وينصر على الأعداء، ويستنزل غيث السماء، ويفرج الكرب، ويقضى الحوائج، وينصر المظلوم، ويجار الخائف، إلى غير ذلك من الخزعبلات التي يروجها السدنة والدعاة.
وهذا من أكبر المخاطر المترتبة على إحياء القبور وقصدها بالدعاء والاستغاثة، ليتعلق قلبه بالمقبور الميت العاجز، لما يسمع من حكايات وهمية، ومواقف خرافية.
وكما أوردت سابقًا الرد الوافي من شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية على دعوى إجابة الدعاء عند القبر وحصول المطلوب وبطلانها، فليُراجع في موضعه
(2)
.
هذه أبرز المفاسد المترتبة على إحياء الآثار، والتي يجب على المسلم أن يحذر ويحذّر من الوقوع فيها، ويتجنب الوسائل الموصلة إليها.
(1)
يُنظر: اللواء الإسلامي، العدد (66) السنة الثانية، بتاريخ 15/ رجب/ 1403 هـ 28 أبريل 1983 م.
وقد وضح مقدار دخل السادن صاحب كتاب بدع القبور ما يضعه الزائرون في المقصورة قائلاً: في تلك الآونة كان الدينار العراقي يعادل: (12) ريال سعودي تقريبًا، فمبلغ الدخل الذي يبلغ كل شهر حوالي خمسين ألف دينار؛ أي: ما يساوي (600) ألف ريال سعودي، فيكون الدخل السنوي من هذا الصنم سبعة ملايين ومئتي ألف ريال سعودي!! وهذا المبلغ يقنع ضعاف النفوس ليبيعوا من أجله دينهم. يُنظر: بدع القبور (92).
(2)
راجع فضلاً (424).
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبذكره تتنزل الرحمات، وبشكره تزيد الخيرات، له الحمد والشكر والفضل وله الثناء الحسن.
أحمده سبحانه الذي أحْيَا بما شاء مآثر آثَار الشريعة بعد الدُّثور، وبتوفيقه وصلنا العلم بالإسناد من الخبر الْمَأْثُور، وهدانا إلى اتباع آثار النبي المصطفى المختار عليه أفضل الصلاة والتسليم.
كما أحمده سبحانه على تفضّله وإكرامه بإتمام هذه الرسالة الموسومة ب: إحياء الآثار، دراسة عقدية، المكوّنة من مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول، وخاتمة وفهارس، والتي سأستخلص بعون الله أهم نتائجها بما يلي:
1 أن الآثار النبوية الحديثية المروية الصحيحة أعظم وأشرف ما خلّفه النبي صلى الله عليه وسلم من آثار؛ لأنها وحي من الله سبحانه وتعالى أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وليست كسائر الآثار.
2 أن دعوى وجود آثار النبي صلى الله عليه وسلم المنفصلة عن جسده في زماننا هذا، دعوى مجردة عن البرهان والدليل القاطع، إذ إنها تصنف ضمن الآثار المزيفة.
3 التبرك المشروع فيما اتصل أو انفصل عن جسد النبي صلى الله عليه وسلم اختص به أهل عصره ومن بعدهم بقليل، الذين حصل لهم شيء من آثاره صلى الله عليه وسلم، وآخر من صح أنه كان عنده شيء من شعر النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
أما أهل الأزمنة المتأخرة فقد فاتهم ذلك، وإن كان قد فاتهم هذا فلم تفتْهُم بركة إحياء آثاره الحديثية المروية الصحيحة بالاستقامة على هديه، واقتفاء سننه، واتباع طريقه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه صلى الله عليه وسلم.
4 لا يشرع تتبع آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم بقصد التعبد والقربة.
5 أُمرنا بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته واتباعه وإحياء سننه، ولم نؤمر بتعظيم الآثار والبقاع المتعلقة بمقامه ومواضع مكثه صلى الله عليه وسلم، والتي وردت عنه صلى الله عليه وسلم عرضًا بدون قصد، ولا خُصت من الشرع بميزة.
6 أن آثار المواسم الزمانية تقسّم من حيث حكم إحيائها، إلى قسمين، هما:
أ مواسم مستحب إحياؤها: وهي الأوقات التي حث الشرع على إحيائها وخصها بمزيد فضل: كصيام عرفة، وعاشوراء، وإحياء رمضان وعشر من ذي الحجة بكثرة الصلاة والذكر، والاستغفار، والدعاء، وتلاوة القرآن، والتزود بالطاعات، والتعبد والتقرب إلى الله بما شرع وثبت بالأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة.
ب مواسم محرم إحياؤها: وهي الأوقات التي ليس لها أصل في الشرع؛ كالاحتفال بذكرى المولد النبوي، والاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيص شهر رجب بجملة من العبادات،
…
وغيرها من الأزمنة المُحدثة، التي يحرم إحياؤها ويمنع من عدة أوجه سبق ذكرها.
7 على المسلم التقيد في العبادة بما شرع الله تعالى، امتثالاً لأمره، وتأسيًا برسوله صلى الله عليه وسلم صورةً وقصدًا، ولا يبالغ في التعبد بحجة الحب والتعظيم، ويخرج عن المشروع عند إحياء آثار المساجد وأماكن التعبد.
8 لا يجوز زيارة مواضع الهلاك، ولا إنشاء السير لها بالأبدان لغير حاجة، وأن زيارتها والدخول لها بقصد الاتعاظ والاعتبار غير مشروع؛ لأن الصورة الموافقة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، أنه خرج لغزوة تبوك ومرّ بديار ثمود غير قاصدٍ لها، وتقنّع وأمر بالإسراع في تجاوزها مع الخوف والبكاء، ولم ينزلها صلى الله عليه وسلم.
وكذلك لم يأتِ في الشرع الأمر بزيارتها للاتعاظ أو الدخول إليها للاعتبار، وإنما جاء النهي عن دخولها والتحذير من المكث بها، فالاتعاظ والاعتبار هو المنهج النبوي لمن جاءت في طريقه.
9 أن الله جل جلاله أغنى المسلمين بأعظم تاريخ وأروع سيرة تتعلق بأفضل البشر نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وسيرة خلفائه رضي الله عنهم ومن بعدهم من الأئمة والحفاظ والقادة والفاتحين، والعلماء الأفذاذ، بما تشحذ به عقول المسلمين اليوم بما يغنيهم عن التعلق بالتاريخ الجاهلي القديم، والتي لو تحقق ثبوتها لم يكن لها أثر في إصلاح واستقامة.
10 أن الانتماء والاعتزاز بغير الإسلام من أمور الجاهلية التي أذهبها الله بالإسلام وأبدل المسلمين خيرًا منها، حيث إن الجاهلية مذمومة في كل أحوالها: كحمية الجاهلية، وظن الجاهلية، وتبرج الجاهلية، وعزاء الجاهلية، ودعوى الجاهلية، وحكم الجاهلية.
11 شدة نكير السلف على من بنى على القبور وشيد المشاهد والأضرحة وعظمها، لما لاقت من قِبل دعاة الضلالة القبورية من التقديس والعناية ما لم تلقه اللات والعزى، ولا ظفرت بها مناة الثالثة الأخرى، ولا تمتع بها هبل في الجاهلية!!
12 يتأكد التحريم في حق النساء من زيارة مدائن صالح والأهرامات وغيرهما؛ لوجود القبور، وقد جاء بيان تحريم دخول النساء المقابر بالإطلاق يُراجع في موضعه.
13 أن زيارة القبور لا تخرج عن ثلاثة أحوال، وهي:
أ زيارة القبور الشرعية؛ للاتعاظ والاعتبار، وللسلام على الموتى، والدعاء لهم دون شد الرحال؛ اتباعًا للسُّنَّة النبوية: وهي الزّيارة الشرعيّة للقبر فاعلها مثاب، إذا كانت زيارته خالصةً صوابًا.
ب زيارة القبور والمشاهد؛ للتقرب إلى الله بالموتى، والدعاء بهم أو شدّ الرحال لزيارتها: وهي الزّيارة البدعية، فاعلها فاسق مستحق للمقت والعقوبة من الله تعالى، ولكن لا يخرج عن دائرة الإسلام، وفعله ذريعة إلى الشرك.
ت زيارة القبور والمشاهد؛ للتقرّب إلى الموتى، ودعائهم؛ لقضاء الحوائج: وهي الزّيارة الشركية، فاعلها خارج عن الإسلام؛ لنقضه توحيد الألوهية والربوبيّة، وارتكابه الشرك الأكبر الذي يكفر صاحبه.
14 وبالجملة فإن الآثار على تنوعها واختلاف أحكامها لا تخرج عن أحد هذه الحالات:
آثار ثابت إحياؤها، وخص الشرع قصدها لأمور:
أ التعبّد بها تقربًا إلى الله عز وجل مثالها: الآثار النبوية الحديثية المروية، آثار المواسم الدينية الزمانية المشروعة.
ب التعبّد عندها تقربًا إلى الله عز وجل مثالها: آثار المساجد وما يلحق بها من أماكن التعبّد المشروعة.
ج الاتعاظ والاعتبار، والتذكير بالآخرة: كزيارة القبور بشكل عام، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما، ومقبرة البقيع، وشهداء أُحد، على الخصوص دون شدّ رحال.
آثار غير ثابت إحياؤها، وليس لها خصوصية في الشرع، ولا تقصد لا بالعبادة ولا بالزيارة، فضلاً عن شد الرحال إليها، مثالها:
1 آثار مقامات النبي صلى الله عليه وسلم المكانية.
2 آثار المواسم الدينية الزمانية المحدثة.
3 الآثار الوثنية الجاهلية.
4 آثار الأمم الهالكة.
5 آثار المشاهد البدعية.
15 المتأمل لأحوال المخالفين للمنهج القويم يجد أنهم اهتموا بالآثار المرئية وعظموها، وأهملوا الآثار المروية الصحيحة وعطلوها، فعجبًا لمن أنكر الأثر المروي اليقيني، وأهمله، وأثبت الأثر المرئي الظني، واهتم به وعظمه!
16 أغلب انحرافات الفرق ومخالفاتهم المتعلقة بالآثار المرئية، تعود إلى تفريطهم بالآثار النبوية الحديثية المروية، الذي هو أحد الأسباب الأساسية الناتجة عن انحرافهم، ومن المعلوم أن القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن.
17 الأمة اليوم ليست بحاجة إلى إحياء آثار ترابية، وإقامة متاحف مرئية، وإنما هي بأمسِّ الحاجة إلى إحياء الآثار النبوية الحديثية المروية الصحيحة، التي بها صلاح الأمة وسعادتها الحقيقية.
18 من مخاطر الاهتمام بعلم الآثار والتنقيب عنها، وإحيائها في بلاد المسلمين: الغزو الفكري: من خلال إحياء الانتمائية الوثنية والجاهلية وتعظيمها، والغزو العسكري: من خلال إرسال الحملات والبعثات الآثارية؛ لطمس الهوية الإسلامية، والتوهين الاقتصادي العام: من خلال رصد الأموال لحفظ هذه الآثار، وإنشاء المعاهد والمؤسسات التي تُصرف لها الميزانيات الضخمة؛ فيكثر التوجه له، وفي المقابل تُغفل الميزانيات الأخرى الأكثر أهمية، وهو نوع من توهين الاقتصاد العام للدول الإسلامية، وإشغال أبنائها بما لا يفيد بل يضر.
حيث إن الدول التي اعتمدت أو جعلت المعالم الأثرية أحد مصادر الدخل الاقتصادي لها لم تحقق الرخاء بل جعلها أكثر ضعفًا؛ لتعلقها بما يسهل الإضرار به، بخلاف الزراعة والصناعة والتعليم والصحة والدفاع وغيرها من مشاريع التنمية التي تعدّ من أقوى مصادر الدخل وأنفعها، وكذلك الاهتمام بها يرمز إلى التقدّم.
19 أبرز أسباب المخالفات العقدية المترتبة على إحياء الآثار: الجهل، واتباع الهوى، والاعتماد على الآراء، وانتشار الآثار المروية الموضوعة والحكايات والقصص المختلقة، وتبنِّي دعاة الضلالة كثيرًا منها، والغلو في الصالحين، وفي العقل، والتعصب للآراء والأشخاص، والتشبه بالكفار وتقليدهم، والتقاعس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تفشت البدع والخرافات.
20 الجهل أصل كل المخالفات وأساسها، وهو السبب الرئيس، وغيره من الأسباب فرع عنه، فلا مجال لمقاومة أي مخالفة وانحراف إلا بالعلم والعلماء، فإذا فُقد العلم والعلماء، أُتيحت الفرصة للبدع والشركيات بالظهور ولأهل الضلال بالانتشار.
21 أهم وسائل مقاومة الانحرافات العقدية: نشر العلم، والدعوة إلى المنهج الحق، وإزالة وسائل الغلو، وذرائع الشرك ومظاهره.
22 أبرز المفاسد المترتبة على إحياء الآثار: عودة المظاهر الشركية، وزعزعة الولاء والبراء لدى المسلمين، وإساءة سمعة الدين الإسلامي، وتفشي القومية والعنصرية، ووقوع الكذب بكل أشكاله، وتسلط أعداء المسلمين على بلادهم.
وأخيرًا أوّد أن أنبّه إلى أن الباحث مهما ظن أنه أتقن وأجاد، إلا أنه سيلحظ فيما بعد ما غاب عنه، ويتبين له قصوره فيما قدّمه، فالعمل البشري من الطبيعي أن يسبقه الجهل وقلة علم، ويتخلله العيب والنقصان، ويعتريه فيما بعد النسيان.
وأقول ما قاله الحريري في منظومة ملحة الإعراب (ص 63):
وإنْ تجدْ عيبًا فسدَّ الخللا
فجلَّ مَنْ لا عيبَ فيه وعلا
وكما قال أحد الفضلاء: إني رأيتُ أنه لا يكتب أحدٌ كتابًا في يومهِ إلا قال في غَدِهِ: لوُ غُيّرَ هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يُستحَسن ولو قُدِّم هذا لكان أفضل ولو تُرِك هذا لكان أجمل، وهذا أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر.
والله أسأل أن ينفع بهذه الرسالة التي قدمتها للمسلمين دفاعًا عن العقيدة، وتوحيد رب العالمين، قد توخيت فيها الحق وتحريت الصدق والإنصاف، وأردت فيها الخير لي ولعامة المسلمين وخاصتهم، فإن أصبت فذلك قد قصدت، وإلا فالخير توخيت والحق أردت.
وما جهدي في هذه الرسالة إلا جهد المقل فإذا رأيت نقصًا أو خللاً؛ فبادر إلى إصلاحه، ولا تطر به في الآفاق، فما سَلِم إلا كتاب الواحد الخلاّق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
تمت ولله الحمد هذه الرسالة مساء يوم الخميس الموافق: 25/ 5/ 1440 من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
فهرس المصادر والمراجع
• القرآن الكريم.
• الإبانة الكبرى، لابن بطة، المؤلف: أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العُكْبَري المعروف بابن بَطَّة العكبري (المتوفى: 387 هـ)، المحقق: رضا معطي، وعثمان الأثيوبي، ويوسف الوابل، والوليد بن سيف النصر، وحمد التويجري، الناشر: دار الراية للنشر والتوزيع، الرياض.
• الابتهاج في أحاديث المعراج، المؤلف: أبو الخطاب عمر بن حسن ابن دحية، تحقيق: محمد زهير الشاويش، تخريج: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م.
• أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية، إعداد: الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، طبع ونشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الإدارة العامة لمراجعة المطبوعات الدينية، الرياض، المملكة العربية السعودية، المجلد الثالث، إصدار سنة 1421 هـ 2001 م.
• أبو زرعة الرازي وجهوده في السُّنَّة النبوية، كتاب الضعفاء، لأبي زرعة الرازي، الرسالة العلمية: لسعدي بن مهدي الهاشمي، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، الطبعة 1402 هـ 1982 م.
• الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، المؤلف: محمد محمد حسين (المتوفى: 1404 هـ)، الناشر: مكتبة الآداب ومطبعتها بالجمامي، دار الحمامي، مصر، شارع الجيش، الطبعة الثانية، 1388 هـ 1968 م.
• إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، المؤلف: حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري (المتوفى: 1413 هـ)، الناشر: دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1414 هـ.
• الآثار الإسلامية، مقال لصالح محمد جمال، نشرته صحيفة الندوة في عددها الصادر في 24/ 5/ 1387 هـ.
• آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، المؤلف: محمّد بن بشير بن عمر الإبراهيمي (المتوفى: 1385 هـ)، جمع وتقديم: نجله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1997 م.
• الآثار الشرقية، المؤلف: أرنست بابلون، ترجمة: مارون عيسى الخوري، أعدت فهارسه: منى حداد يكن، جروس برس ناشرون، دار حكمت شريف، لبنان طرابلس، 2015 م.
• الآثار الشرقية، المؤلف: أرنست بابلون، ترجمة: مارون عيسى الخوري، أعدت فهارسه: منى حداد يكن، جروس برس ناشرون، دار حكمت شريف، لبنان طرابلس، الطبعة الأولى، 1987 م.
• الآثار الغارقة، روبرت سلفربرج، ترجمة: محمد الشحات، مؤسسة سجل العرب، القاهرة، 1965 م.
• آثار المدينة المنورة، مقال لمصطفى أمين، نشرته صحيفة الندوة في عددها الصادر في 24/ 6/ 1380 هـ.
• الآثار النبوية بالمدينة المنورة وجوب المحافظة عليها وجواز التبرك بها، المؤلف: أبي مجاهد عبد العزيز بن عبد الفتاح القاري، نسخة وقف لله تعالى، 1427 هـ.
• الآثار النبوية، المؤلف: أحمد تيمور باشا، مطبعة دار الكتاب العربي، القاهرة، تحت إشراف: لجنة نشر المؤلفات التيمورية، 1370 هـ 1951 م.
• الآثار شمال الحجاز، المؤلف: إلويس موسل، أستاذ الدراسات الشرقية بجامعة براغ، نقله إلى العربية: عبد المحسن الحسيني، مؤسسة الثقافة الجامعية بالإسكندرية، 1952 م.
• الآثار في شمال الحجاز، المؤلف: حمود بن ضاوي القثامي، الناشر: دار البيان العربي، جدة، الطبعة الثانية، 1404 هـ.
• الآثار من منظور حضاري إسلامي، لصبري خليل، صحيفة الراكوبة:https://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-37387.htm
• الآثار والمشاهد وحكم المحافظة عليها في الشريعة الإسلامية، المؤلف: نائل إبراهيم نجم الصرايرة، المشرف: عبد الله مصطفى ذيب الفواز، رسالة علمية قدمت لجامعة مؤتة في الأردن، الكرك، لنيل درجة الماجستير، عام 2011 م.
• الآثار، المؤلف: الإمام الحافظ ابي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، المحقق: أبو الوفا الأفغاني، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
• الإجماع، المؤلف: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (المتوفى: 319 هـ)، المحقق: فؤاد عبد المنعم أحمد، الناشر: دار المسلم للنشر والتوزيع، الطبعة الطبعة الأولى 1425 هـ 2004 م.
• الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية، المؤلف: شمس محمد بن عبد الرحمن السخاوي (المتوفى: 902 هـ)، المحقق: د. محمد إسحاق محمد إبراهيم، الناشر: دار الراية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، النشر: 1418 هـ.
• الأحاديث الواردة في تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الشرك وأن بعضهم يعود إليه، دراسة عقدية، المؤلف: فهد بن سعد بن إبراهيم المقرن، اعتنى به وأعدّه للنشر: عبد الجبار بن عبد العظيم الماجد، دار الأماجد، الناشر المميز، دار قرطبة، بيروت، الطبعة الأولى، 1439 هـ 2018 م.
• الأحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعًا ودراسة، المؤلف: صالح بن حامد بن سعيد الرفاعي، دار الخضيري، سلسلة الرسائل العلمية.
• أحاديث في ذم الكلام وأهله، المؤلف: أبو الفضل المقرئ، تحقيق: د. ناصر بن عبد الرحمن بن محمد الجديع، الناشر: دار أطلس للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1417 هـ 1996 م.
• الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع، المؤلف: محمد بن سعد بن شقير، المدرج ضمن كتاب رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي، لمجموعة من العلماء، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م، طبعت بإذن من الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء.
• أُحد، الآثار والمعركة والتحقيقات، لسعود بن عبد المحيي الصاعدي، ويوسف بن مطر المحمدي، دار المجتمع، جدة، الطبعة الأولى، 1413 هـ 1992 م.
• أحكام الآثار في الشريعة الإسلامية دراسة عقدية، المؤلف: خالد بن عبد العزيز السيف، بحث محكم، صدر ضمن مجلة الدراسات العقدية، وهي مجلة علمية محكمة متخصصة تابعة للجامعة الإسلامية، بالمدينة النبوية، العدد 16 السنة الثامنة محرم 1437 هـ.
• أحكام الآثار في الفقه الإسلامي، المؤلف: عبد الله بن أحمد بن عامر الرميح، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الفقه، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إشراف: صالح بن عبد الله اللاحم، العام الجامعي: 1431 هـ 1432 هـ.
• أحكام الجنائز، المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420 هـ)، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الرابعة، 1406 هـ 1986 م.
• أحكام الزيارة في الفقه الإسلامي، تأليف: محمد عبد الرحيم ولد محمد عبد الرحمن ولد العربي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1431 هـ 2010 م.
• الأحكام السلطانية والولايات الدينية، المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، تحقيق: أحمد مبارك البغدادي، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت، الطبعة الأولى، 1409 هـ 1989 م.
• أحكام السياحة وآثارها دراسة شرعية مقارنة، المؤلف: هاشم بن محمد بن حسين ناقور، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، 1424 هـ.
• أحكام السياحة، ونصائح وتوجيهات للسائحين والسائحات، المؤلف: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، أعدّها للنشر: سليمان بن صالح الخراشي، الناشر: كتاب نت، وخزانة التراث العربي.
• الأحكام الفقهية المتعلقة بجبل عرفة المعروف بجبل الرحمة، المؤلف: سليمان بن أحمد الملحم، بحث مستل من مجلة البحوث الإسلامية، العدد (116)، الإصدار: من محرم إلى ربيع آخر لسنة 1440 هـ، البحوث الفقهية.
• أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية (الجزء الثاني)، المؤلف: إبراهيم بن صالح الخضيري، الطبعة الأولى، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، تاريخ النشر: 1419 هـ.
• أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية، المؤلف: عبد الله بن عمر بن محمد السحيباني، (رسالة ماجستير) الناشر: دار ابن الجوزي، سنة النشر: 1426 هـ 2005 م، الطبعة الأولى.
• أحكام عرفة دراسة فقهية حديثية، المؤلف: أبي عبد الإله صالح بن مقبل العصيمي التميمي، الطبعة الأولى، 1421 هـ.
• الإحكام في أصول الأحكام، المؤلف: أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي (المتوفى: 631 هـ)، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1404 هـ، تحقيق: د. سيد الجميلي.
• الإحكام في أصول الأحكام، المؤلف: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456 هـ)، المحقق: الشيخ أحمد محمد شاكر، قدم له: الأستاذ الدكتور إحسان عباس، الناشر: دار الآفاق الجديدة، بيروت.
• إحياء الآثار مقالات وبحوث، لمعالي الشيخ: د. صالح الفوزان، اعتنى بها وجمعها وأعدّها للنشر الشيخ: فهد بن إبراهيم الفعيم، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، 1440 هـ.
• إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد على القبور، المؤلف: أبي الفيض أحمد بن عبد الله بن محمد الصديق الغماري، مكتبة القاهرة، الطبعة الرابعة، 1429 هـ 2008 م.
• أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ، المؤلف: أحمد بن يوسف القرماني، دراسة وتحقيق: فهمي سعد، أحمد حطيط، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1412 هـ 1992 م.
• أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس المكي الفاكهي (المتوفى: 272 هـ)، المحقق: د. عبد الملك عبد الله دهيش، الناشر: دار خضر، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 هـ.
• أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، المؤلف: أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق الغساني المكي المعروف بالأزرقي (المتوفى: 250 هـ)، المحقق: رشدي الصالح ملحس، الناشر: دار الأندلس للنشر، بيروت.
• أخطاء فتح الباري في العقيدة، (رسالتان)، تأليف: عبد الله بن محمد بن أحمد الدويش، وعبد الله بن سعدي الغامدي العبدلي، وبحاشيتهما تعليقات: عبد العزيز بن باز، محب الدين الخطيب، إعداد: أبو يوسف بن يحيى المرزوقي، مكتبة أسد السُّنَّة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1426 هـ 2005 م.
• أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب، المؤلف: أبو الخطاب عمر بن حسن ابن دحية، حققه وخرّج أحاديثه: رفعت فوزي عبد المطلب، مكتبة الخانجي، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الأولى، 1417 هـ 1996 م.
• الآداب الشرعية والمنح المرعية، المؤلف: محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي الحنبلي (المتوفى: 763 هـ)، الناشر: عالم الكتب.
• الأدب المفرد بالتعليقات، المؤلف: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله (المتوفى: 256 هـ)، حققه وقابله على أصوله: سمير بن أمين الزهيري، مستفيدًا من تخريجات وتعليقات العلامة الشيخ المحدث: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م.
• أدب زيارة المسجد النبوي والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، المؤلف: عطية بن محمد سالم، الناشر: دار التراث، المدينة النبوية، الطبعة الأولى، 1408 هـ 1988 م.
• آراء المعتزلة الأصولية، راسة وتقويم، د. علي بن سعد بن صالح الضويحي، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1415 هـ 1995 م.
• الأربعين والخمسين والذكرى السنوية، المؤلف: عمرو عبد المنعم سليم، دار الصحابة للتراث بطنطا، الطبعة الأولى، 1413 هـ 1993 م.
• إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، المؤلف: أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين (المتوفى: 923 هـ)، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، الطبعة السابعة، 1323 هـ.
• الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، المؤلف: صالح بن فوزان بن عبد الله آل فوزان، مكتبة الهداية، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1423 هـ 2002 م.
• الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، المؤلف: إمام الحرمين الجويني، ضبط وتحقيق: أحمد عبد الرحيم السايح، توفيق علي وهبة، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى 1430 هـ 2009 م.
• الإرشاد في معرفة علماء الحديث، المؤلف: أبو يعلى الخليلي، خليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل القزويني (المتوفى: 446 هـ)، المحقق: د. محمد سعيد عمر إدريس، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1409 هـ.
• إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420 هـ)، إشراف: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1405 هـ 1985 م.
• أسباب هلاك الأمم السالفة كما وردت في القرآن الكريم (رسالة ماجستير)، المؤلف: سعيد بن محمد بابا سيلا، مقدمة لقسم التفسير وعلوم القرآن بكلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، بالجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، إشراف: طلال مصطفى عرقوس، منشورات مجلة الحكمة رقم 3، الطبعة الأولى 1420 هـ 2000 م.
• استخدام التقنيات الحديثة في علم الآثار، دائرة الثقافة والإعلام، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إدارة برامج الثقافة والاتصال، الإمارات العربية المتحدة، دار الشارقة عاصمة ثقافية.
• الاستذكار، المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463 هـ)، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ 2000 م.
• الاستيعاب في معرفة الأصحاب، المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463 هـ)، المحقق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، 1412 هـ 1992 م.
• أسد الغابة في معرفة الصحابة، المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630 هـ)، المحقق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، سنة النشر: 1415 هـ 1994 م.
• أسرار الآثار النبوية أدلة شرعية وحالات شفائية وصور نادرة للآثار المحمدية، لأبي الفضل عماد الدين جميل حليم الحسيني، (رئيس جمعية المشايخ الصوفية)، التوزيع في مصر: دار الركن والمقام، شركة دار المشاريع للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الاولى، 1427 هـ 2007 م.
• إسلام بلا مذاهب، مصطفى الشكعة، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الحادية عشرة، 1416 هـ 1996 م.
• الإسلام على مفترق الطرق، المؤلف: محمد أسد، ترجمة: عمر فرّوخ، دار العلم للملايين.
• الإسلام هو القرآن وحده، توفيق صدقي، مجلة المنار، التي تحت إشراف: السيد رشيد رضا، في العدد (7 - 12 - 19)، من السنة التاسعة، عام 1324 هـ 1906 م.
• الإسلام والحضارة الغربية، المؤلف: محمد محمد حسين (المتوفى: 1404 هـ)، الناشر: دار الفرقان.
• الإشارات إلى معرفة الزيارات، المؤلف: علي بن أبي بكر بن علي الهروي، أبو الحسن (المتوفى: 611 هـ)، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1423 هـ.
• الأشباه والنظائر، المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411 هـ 1991 م.
• أشهر مشاهير الإسلام، المؤلف: رفيق بك العظم، الناشر: مكتبة أمين هندية، بالموسكي، وبشارع المناخ في مصر.
• الإصباح في بيان منهج السلف في التربية والإصلاح، المؤلف: عبد الله بن صالح العبيلان، تقديم: صالح بن فوزان الفوزان، غراس، الكويت، الطبعة الأولى، 1429 هـ 2008 م.
• إصلاح المساجد من البدع والعوائد، المؤلف: محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي (المتوفى: 1332 هـ)، خرج أحاديثه وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الخامسة 1403 هـ 1983 م.
• أصنام في بلاد الإسلام، الكاتب: أبو الوفاء محمد درويش، مقال مقتبس من مجلة الهدي النبوي، السنة الثانية، العدد: الحادي والعشرون، التاريخ: ذو الحجة سنة 1357 هـ.
• الأصنام، المؤلف: أبو المنذر هشام بن محمد أبي النضر ابن السائب ابن بشر الكلبي (المتوفى: 204 هـ)، المحقق: أحمد زكي باشا، الناشر: دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الرابعة، 2000 م.
• الأصول الخمسة عند المعتزلة وموقف السلفيين منها، صالح زين العابدين الشيبي، إشراف: د. عوض الله جاد أحمد حجازي، رسالة علمية مقدمة إلى قسم الدراسات العليا الشرعية لنيل درجة الماجستير في العقيدة، 1397 هـ 1977 م، مكة المكرمة.
• أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة، المؤلف: نخبة من العلماء، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، تاريخ النشر: 1421 هـ.
• أصول الدين الإسلامي مع قواعده الأربع، تأليف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي 1206 هـ، دراسة وتحقيق: وترتيب: محمد الطيب بن إسحاق الأنصاري، الناشر: دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة.
• أصول الدين، المؤلف: أبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي (429 هـ)، مدرسة الإلهيات، تركيا، مطبعة الدولة، إسطنبول، الطبعة الأولى، 1346 هـ 1928 م.
• أصول السُّنَّة، المؤلف: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241 هـ)، الناشر: دار المنار الخرج السعودية، الطبعة الأولى، 1411 هـ.
• أصول الفرق، المؤلف: علي بن عبد العزيز بن علي الشبل، مدار الوطن للنشر، الطبعة الأولى 1436 هـ 2015 م.
• أصول الفقه، المؤلف: محمد أبو زهرة، الناشر: دار الفكر العربي.
• أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، المؤلف: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1393 هـ)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، لبنان، عام النشر: 1415 هـ 1995 م.
• أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، المؤلف: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد، الناشر: دار عالم الفوائد، وقف مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية.
• إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين (هو: حاشية على فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين)، المؤلف: أبو بكر (المشهور بالبكري) عثمان بن محمد شطا الدمياطي الشافعي (المتوفى: 1310 هـ)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوريع، الطبعة الأولى، 1418 هـ 1997 م.
• الاعتصام، المؤلف: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي الشاطبي، تحقيق: سليم عيد الهلالي، دار النشر: دار ابن عفان، القاهرة، دار ابن القيم الرياض، الطبعة الثانية، 1427 هـ 2006 م.
• الاعتقاد، المؤلف: أبو الحسين ابن أبي يعلى، محمد بن محمد (المتوفى: 526 هـ)، المحقق: محمد بن عبد الرحمن الخميس، الناشر: دار أطلس الخضراء، الطبعة الأولى، 1423 هـ 2002 م.
• أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري)، المؤلف: أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي (ت: 388 هـ)، المحقق: د. محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود، الناشر: جامعة أم القرى (مركز البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي)، الطبعة الأولى، 1409 هـ 1988 م.
• أعلام العراق، كتاب تاريخي أدبي انتقادي، يتضمن سيرة الإمام الألوسي الكبير، وتأبين العلماء والأدباء وتراجم نوابغ الألوسيين، المؤلف: محمد بهجت الأثري، المكتبة السلفية، 1345 هـ.
• إعلام الموقعين عن ربِّ العالمين، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية (المتوفى: 751 هـ)، قدم له وعلق عليه وخرج أحاديثه وآثاره: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، شارك في التخريج: أبو عمر أحمد عبد الله أحمد، الناشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1423 هـ.
• الإعلام بآخر أحكام الألباني الإمام، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420 هـ)، راجعه، وقدم له: محمد عبد الحكيم القاضي، الناشر: دار ابن رجب، عدد الأحاديث:307.
• الأعلام، المؤلف: خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفى: 1396 هـ)، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، أيار/ مايو 2002 م.
• إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751 هـ)، حققه: محمد عزير شمس، خرج أحايثه: مصطفى بن سعيد إيتيم، الناشر: دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1432 هـ.
• الأغاني، المؤلف: أبو الفرج الأصبهاني، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، تحقيق: سمير جابر.
• اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728 هـ)، المحقق: ناصر عبد الكريم العقل، الناشر: دار عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة، 1419 هـ 1999 م.
• الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، المؤلف: موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم الحجاوي المقدسي، ثم الصالحي، شرف الدين، أبو النجا (المتوفى: 968 هـ)، المحقق: عبد اللطيف محمد موسى السبكي، الناشر: دار المعرفة، بيروت، لبنان.
• الإقناع في مسائل الإجماع، المؤلف: علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، أبو الحسن ابن القطان (المتوفى: 628 هـ)، المحقق: حسن فوزي الصعيدي، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1424 هـ 2004 م.
• إكمال المعلم بفوائد مسلم، شرح صحيح مسلم، للقاضي عياض، المؤلف: عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (المتوفى: 544 هـ)، المحقق: الدكتور يحْيَى إِسْمَاعِيل، الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م.
• إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المؤلف: مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري المصري الحكري الحنفي، أبو عبد الله، علاء الدين (المتوفى: 762 هـ)، المحقق: أبو عبد الرحمن عادل بن محمد أبو محمد أسامة بن إبراهيم، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1422 هـ 2001 م.
• ألواح تل العمارنة، موقع إلكتروني:https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/23_L/amarna-letters.html
• الأم، المؤلف: الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي (المتوفى: 204 هـ)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 هـ 1983 م.
• الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ويسمى أيضًا: حقيقه السُّنَّة والبدعة، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ)، المحقق: ذيب بن مصري بن ناصر القحطاني، الناشر: مطابع الرشيد، عام النشر: 1409 هـ.
• الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف، المؤلف: جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري، المدرج ضمن كتاب رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي، لمجموعة من العلماء، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م، طبعت بإذن من الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء.
• إنكار الاحتفال بالمولد النبوي، وحكم الاحتفال بالمولد النبوي والرد على من أجازه، المؤلف: محمد بن إبراهيم آل الشيخ، المدرج ضمن كتاب رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي، لمجموعة من العلماء، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م، طبعت بإذن من الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء.
• أنوار التنزيل وأسرار التأويل، المؤلف: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (ت: 685 هـ)، المحقق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ.
• اهتمام أئمة الإسلام بالمعالم والآثار الإسلامية، لعصام بن عبد الله، مقال مدرج ضمن مقالات وردود بين المؤيدين والمعارضين، في كتاب لا ذرائع لهدم آثار النبوة، المؤلف: عمر بن عبد الله كامل، بيسان، لبنان، الطبعة الأولى، 2003 م.
• الاهتمام بالسنن النبوية، كتاب مدرج ضمن مجموع مؤلفات وتحقيقات فضيلة الشيخ د. عبد السلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم، الناشر: دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى، 1435 هـ 2014 م.
• أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور، المؤلف: جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 هـ)، شهرته: ابن الجوزي، المحقق: خالد عبد اللطيف السبع العلمي، دار النشر: دار الكتاب العربي، البلد: لبنان، بيروت، الطبعة الثالثة، سنة الطبع: 1414 هـ 1994 م.
• أهوال القبور، المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَّلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795 هـ)، المحقق: عاطف صابر شاهين، الناشر: دار الغد الجديد، المنصورة، مصر، الطبعة الأولى، 1426 هـ 2005 م.
• أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة، المؤلف: أحمد بن يحيى بن محمد بن شبير النجمي، دار المنهاج، القاهرة، الطبعة الأولى، 1426 هـ 2005 م.
• الإيضاح في مناسك الحج والعمرة، المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ)، وعليه: الإفصاح على مسائل الإيضاح على مذاهب الأئمة الأربعة وغيرهم لعبد الفتاح حسين، الناشر: دار البشائر الإسلامية، بيروت، المكتبة الأمدادية، مكة المكرمة، الطبعة الثانية، 1414 هـ 1994 م.
• بابل والكتاب المقدس، المؤلف: فريدريك ديليتش، ترجمة: ايرينا داود، العربي للنشر، دمشق، الطبعة الأولى، 1987 م.
• الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، تأليف: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الثالثة، 1408 هـ.
• الباعث على إنكار البدع والحوادث، المؤلف: أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي المعروف بأبي شامة (المتوفى: 665 هـ)، المحقق: عثمان أحمد عنبر، الناشر: دار الهدى القاهرة، الطبعة الأولى، 1398 هـ 1978 م.
• البحر الرائق شرح كنز الدقائق، المؤلف: زين الدين بن إبراهيم بن نجيم، المعروف بابن نجيم المصري (المتوفى: 970 هـ)، الناشر: دار المعرفة، مكان النشر: بيروت.
• البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، المؤلف: أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي (المتوفى: 1224 هـ)، دار النشر: دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية 2002 م 1423 هـ.
• بحوث في تاريخ السُّنَّة المشرفة، المؤلف: أكرم بن ضياء العمري، الناشر: بساط، بيروت، الطبعة الرابعة.
• البداية والنهاية، المؤلف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق: عبد الرحمن اللاذقي، محمد غازي بيضون، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثامنة، 1424 هـ 2003 م.
• بدائع الفوائد، المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751 هـ)، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
• البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، تأليف: محمد بن علي الشوكاني، المتوفى (1250 هـ)، الناشر: دار المعرفة، بيروت.
• البدع الحولية، المؤلف: عبد الله بن عبد العزيز بن أحمد التويجري، (رسالة ماجستير) الناشر: دار الفضيلة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1421 هـ 2000 م.
• بدع القبور، المؤلف: صالح بن مقبل العصيمي التميمي أبو عبد الإله، (رسالة ماجستير)، الناشر: دار الفضيلة، الرياض، الطبعة الأولى، سنة النشر: 1426 هـ 2005 م.
• البدع والمحدثات وما لا أصل له، مجموعة فتاوى لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، والشيخ صالح الفوزان، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وإعداد: حمود بن عبد الله المطر، دار ابن خزيمة، الرياض، الطبعة الثانية، 1419 هـ 1999 م.
• البدع والنهي عنها، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن وضاح بن بزيع المرواني القرطبي (المتوفى: 286 هـ)، تحقيق ودراسة: عمرو عبد المنعم سليم، الناشر: مكتبة ابن تيمية، القاهرة، مصر، مكتبة العلم، جدة، السعودية، الطبعة الأولى، 1416 هـ.
• براءة الصحابة الأخيار من التبرك بالأماكن والآثار، رسالة مدرجة ضمن مجموع كتب ورسائل وفتاوى ربيع بن هادي عمير مدخلي، دار الإمام أحمد، القاهرة، الطبعة الأولى، 1431 هـ 2010 م.
• بغية السائل من أوابد المسائل، المؤلف: وليد المهدي، دار الرافّ، 2018 م.
• بقاء تاريخ مكة مضمون ببقاء البيت العتيق والمشاعر وما حولها من الحرم، مقال مدرج ضمن البيان لأخطأ بعض الكتّاب، للشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، الجزء الخامس، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثالثة، 1427 هـ.
• بلاد ما بين النهرين، المؤلف: ديلا بورت، ترجمة: محرم كمال، مراجعة، عبد المنعم أبو بكر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثانية، 1997 م.
• البلد الحرام فضائل وأحكام، إعداد: كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، سلسلة الرسائل التوجيهية، الطبعة الأولى، 1424 هـ، طبع على نفقة مؤسسة الأميرة العنود الخيرية.
• بلغة السالك لأقرب المسالك المعروف بحاشية الصاوي على الشرح الصغير (الشرح الصغير هو شرح الشيخ الدردير لكتابه المسمى أقرب المسالك لِمَذْهَبِ الإمام مَالِكٍ)، المؤلف: أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي، الشهير بالصاوي المالكي (المتوفى: 1241 هـ)، الناشر: دار المعارف.
• بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728 هـ)، المحقق: مجموعة من المحققين، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الطبعة الأولى، 1426 هـ.
• البيان لأخطأ بعض الكُتَّاب، المؤلف: صالح بن فوزان الفوزان، الجزء الأول، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثالثة، 1427 هـ.
• البيان لأخطأ بعض الكُتَّاب، للشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، الجزء الثاني، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1425 هـ 2005 م.
• تاج العروس من جواهر القاموس، المؤلف: محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205 هـ)، المحقق: مجموعة من المحققين، الناشر: دار الهداية.
• تاريخ أصبهان ويسمى أيضًا: أخبار أصبهان، المؤلف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430 هـ)، المحقق: سيد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410 هـ 1990 م.
• تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، المؤلف: حسن إبراهيم حسن، دار الجيل، بيروت، لبنان، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، الطبعة الرابعة عشرة، 1416 هـ 1996 م.
• تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، المحقق: بشار عوّاد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي، تونس، الطبعة الثانية، 2011 م.
• تاريخ الأمم والملوك، والمشهور: بتاريخ الطبري، المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1407 م.
• تاريخ الحضارات العام، الشرق واليونان القديمة، المؤلف: أندريه ايمار، جانين أوبوايه، إشراف: موريس كروزيه، نقله إلى العربية: فريد م داغر، فؤاد ج أبو ريحان، يوسف أسعد داغر، أحمد عويدات، منشورات عويدات، بيروت، باريس، الطبعة الثانية، 1986 م.
• تاريخ الخلفاء، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تقديم: عبد الله مسعود، منشورات دار القلم العربي، حلب، 1413 هـ 1993 م، مطبعة الصباح، دمشق.
• تاريخ الشرق القديم، المؤلفان: سامي بن سعيد الأحمد، وجمال بن رشيد أحمد، بحث مقدّم لجامعة بغداد، كلية الآداب، قسم تاريخ الشرق القديم، مطبعة التعليم العالي في بغداد، 1988 م.
• التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، المؤلف: محمد طاهر الكردي المكي، الناشر: طبع على نفقه معالي الدكتور عبد الملك بن دهيش، يطلب من مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة، ودار خضر للطباعة بيروت، الطبعة الأولى 1420 هـ 2000 م.
• التاريخ الكبير، المؤلف: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله (المتوفى: 256 هـ)، الطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الدكن، طبع تحت مراقبة: محمد عبد المعيد خان، صحح هذه النسخة الإلكترونية ووضع حواشيها: الشيخ محمود محمد خليل.
• تاريخ المساجد الشهيرة، المؤلف: عبد الله سالم نجيب، بحث إلكتروني، نشر بواسطة المكتبة الشاملة.
• تاريخ بغداد، المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (المتوفى: 463 هـ)، المحقق: الدكتور بشار عواد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1422 هـ 2002 م.
• تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، المؤلف: عبد الرحمن بن حسن الجبرتي المؤرخ (المتوفى: 1237 هـ)، الناشر: دار الجيل بيروت.
• تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف، المؤلف: محمد بن أحمد بن الضياء محمد القرشي العمري المكي الحنفي، بهاء الدين أبو البقاء، المعروف بابن الضياء (المتوفى: 854 هـ)، المحقق: علاء إبراهيم، أيمن نصر، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1424 هـ 2004 م.
• تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف، المؤلف: أبي البقاء محمد بن أحمد بن محمد ابن الضياء المكي الحنفي، تحقيق: علاء إبراهيم الأزهري، أيمن نصر الأزهري، منشورات: محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1418 هـ 1997 م.
• تأويل مختلف الحديث، المؤلف: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276 هـ)، الناشر: المكتب الإسلامي، مؤسسة الإشراق، الطبعة الثانية، مزيده ومنقحة، 1419 هـ 1999 م.
• التبرك المشروع والتبرك الممنوع، المؤلف: علي بن نفيع العلياني، دار الوطن، الطبعة الأولى.
• التبَرُّك المنحرِف، المؤلف: أكرم مبارك عصبان، مقال قصير نُشر في مجلة البيان، العدد (309).
• التبرك أنواعه وأحكامه، د. ناصر بن عبد الرحمن الجديع، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة السادسة، 1428 هـ 2007 م.
• التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم دراسة عقدية، المؤلف: د. فهد بن سعد المقرن، بحث محكّم منشور في مجلة دراسات إسلامية، مجلة دورية، علمية، محكمة، تصدر عن وكالة المطبوعات والبحث العلمي، العدد: الخامس والعشرون، 1436 هـ 2015 م، المشرف العام معالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، رئيس التحرير والمدير العام: مساعد بن إبراهيم الحديثي، إدارة المجلة: زيد بن أحمد الزيد، عبد الله بن عبد العزيز الغزي، خالد بن مسفر العبد الله، حمد بن عثمان الحسن، أحمد بن محمد السميري، هيئة التحرير: مساعد بن إبراهيم الحديثي، محمد بن عبد الله السحيم، إبراهيم بن حماد الريس، مفرح بن سليمان القوسي، سهل بن رفاع العتيبي، ناصر بن محمد الهويمل.
• تبيين العجب بما ورد في فضل رجب، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852 هـ)، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه: أبو أسماء إبراهيم بن إسماعيل آل عصره، 1408 هـ 1987 م.
• تثبيت دلائل النبوة، المؤلف: القاضى عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني الأسد أبادي، أبو الحسين المعتزلي (المتوفى: 415 هـ)، الناشر: دار المصطفى شبرا القاهرة.
• تجريد التوحيد المفيد، المؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845 هـ)، المحقق: طه محمد الزيني، الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الطبعة 1409 هـ 1989 م.
• تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420 هـ)، الناشر: مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1422 هـ 2001 م.
• التحذير من البدع، المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420 هـ)، طباعة ونشر الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الطبعة الخامسة، 1430 هـ 2009 م.
• التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة، كتاب مدرج ضمن كتب ورسائل عبد المحسن بن حمد العباد البدر، مكتبة ليبيا الجديدة، طرابلس، الطبعة الثالثة، 1435 هـ.
• التحذير من خطر الشرك والوثنية على بلاد المسلمين وخاصة بلاد الحرمين، ليوسف القويري، مقال نُشر من خلال كتاب لا ذرائع لهدم آثار النبوة، مقالات وردود بين المؤيدين والمعارضين، المؤلف: عمر بن عبد الله كامل، بيسان، لبنان، الطبعة الأولى، 2003 م.
• تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل، المؤلف: أَبُو طالب وأَبُو المجد عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد بن عطية القضاعي الأندلسيّ الطّرطوشيّ، ثُمّ المَرّاكُشيّ (المتوفى: 608 هـ)، ومعه: مراتب الجزاء يوم القيامة، لأبي عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي (المتوفى سنة 488)، المحقق: مصطفى باحو، الناشر: دار الإمام مالك، أبو ظبي الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 1427 هـ 2006 م.
• التحرير والتنوير تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، المؤلف: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت: 1393 هـ)، الناشر: الدار التونسية للنشر، تونس، سنة النشر: 1984 م.
• تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المؤلف: أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفورى (المتوفى: 1353 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت.
• تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد، المؤلف: أبو بكر بن زيد الجراعي الصالحي الحنبلي (المتوفى: 883 هـ)، اعتنى به: صالح سالم النهام، محمد باني المطيري، صباح عبد الكريم العنزي، فيصل يوسف العلي، الناشر: وزارة الأوقاف الكويتية إدارة مساجد محافظة الفروانية المراقبة الثقافية، الطبعة الأولى، 1425 هـ 2004 م.
• تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة (مخطوطة)، المصنف: أبو بكر بن الحسين بن عمر زين الدين القرشي العبشمي الأموي العثماني المراغي (ت: 816 هـ)، أنجزها عام 766 هـ، ونشرت عام 1202 هـ.
• تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، المؤلف: أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي (المتوفى: 440 هـ)، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 هـ.
• تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، المشهور بالحافظ جلال الدين السيوطي، تحقيق: أبو قتيبة محمد نظر الفاريابي، الناشر: دار طيبة الرياض، الطبعة السابعة، 1425 هـ.
• تدوين السُّنَّة النبوية نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع الهجري، المؤلف: أبو ياسر محمد بن مطر بن عثمان آل مطر الزهراني (المتوفى: 1427 هـ)، الناشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1417 هـ 1996 م.
• تذكرة الحفاظ، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م.
• تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي، تأليف: الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، الناشر: غراس للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1424 هـ 2003 م.
• التراث الجغرافي الإسلامي، المؤلفة: رنده بنت أحمد اللباييدي، دار الأندلس للنشر والتوزيع، حائل، الطبعة الأولى، 1427 هـ 2006 م.
• الترك عند الأصوليين، المؤلف: محمد ربحي محمد ملاح، إشراف: حسن سعد خضر، قدمت هذه الأطروحة استكمالاً لمتطلبات درجة الماجستير في الفقه والتشريع، بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، فلسطين، 2010 م.
• تركة النبي صلى الله عليه وسلم والسبل التي وجهها فيها، المؤلف: حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم الأزدي البغدادي المالكي، دراسة وتحقيق: د. أكرم ضياء العمري، الطبعة الأولى، 1404 هـ 1984 م.
• التسعينية، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728 هـ)، دراسة وتحقيق: الدكتور محمد بن إبراهيم العجلان، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1420 هـ 1999 م.
• تسهيل العقيدة الإسلامية، المؤلف: عبد الله بن عبد العزيز بن حمادة الجبرين، الناشر: دار العصيمي للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية.
• التصوف في تهامة اليمن، المؤلف: عبد الله المصلح، بإشراف ومتابعة موقع الصوفية،www.alsoufia.com
• التصوف والمتصوفة في مواجهة الإسلام، المؤلف: عبد الكريم الخطيب، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، 1980 هـ.
• تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد ويليه شرح الصدور في تحريم رفع القبور، المؤلف: محمد بن إسماعيل الصنعاني، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، المحقق: عبد المحسن بن حمد العباد البدر، الناشر: مطبعة سفير، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1424 هـ.
• تطور الفكر الغربي رؤية نقدية، المؤلف: علي بن عبد المعطي محمد، علي حنفي محمود، عزمي طه السيد، زكريا بشير إمام، مكتبة الفلاح، الكويت، الطبعة الأولى، 1407 هـ 1987 م.
• التعريف بعلوم الآثار نشأتها التاريخية، المؤلف: عبد العزيز الأحرش، مجلة جامعة قسطنطينية، للعلوم الإنسانية، العدد السابع، 1996 م.
• التعريفات الفقهية، المؤلف: محمد عميم الإحسان المجددي البركتي، الناشر: دار الكتب العلمية (إعادة صف للطبعة القديمة في باكستان 1407 هـ 1986 م)، الطبعة الأولى، 1424 هـ 2003 م.
• تعظيم الآثار والمشاهد وأثرهما على الأمة الإسلامية، المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله الجفير، دار الهدي النبوي، مصر، دار الفضيلة، الرياض، الطبعة الأولى، 1424 هـ 2003 م.
• التعقيب على مشروع الدكتور ناصر الزهراني مرة أخرى، (حُرر المقال بتاريخ 17/ 10/ 1433 هـ) مقال مقتبس من كتاب البيان لما أخطأ فيه بعض الكتّاب، للشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، الجزء الخامس، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1436 هـ.
• التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم، المؤلف: صالح بن فوزان الفوزان، اعتنى به وأشرف على طبعه: عبد السلام بن عبد الله السليمان، الرسالة العالمية، دمشق، الطبعة الأولى، 1434 هـ 2013 م.
• التعليق على صحيح مسلم، المؤلف محمد بن صالح العثيمين، طُبع بإشراف: مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثانية، 1435 هـ.
• التعليق على فتح الباري، المؤلف: عبد الله بن محمد بن أحمد الدويش (المتوفى: 1409 هـ)، اعتنى به: عبد العزيز بن أحمد بن محمد المشيقح، دار العليا، الطبعة الأولى، 1411 هـ 1990 م.
• تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة (إلى أول كتاب الوقف وهو آخر ما شرح الشيخ رحمه الله، المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ).
• التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان وتمييز سقيمه من صحيحه، وشاذه من محفوظه، مؤلف الأصل: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (ت: 354 هـ)، ترتيب: الأمير أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الله، علاء الدين الفارسي الحنفي (ت: 739 هـ)، مؤلف التعليقات الحسان: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، ابن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (ت: 1420 هـ)، الناشر: دار باوزير للنشر والتوزيع، جدة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1424 هـ 2003 م.
• تعليقات على المخالفات العقدية في فتح الباري، المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر البراك، وقف على طبعه: عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر، دار التوحيد للنشر، الطبعة الأولى، 1433 هـ 2012 م.
• تغليق التعليق على صحيح البخاري، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، المحقق: سعيد عبد الرحمن موسى القزقي، الناشر: المكتب الإسلامي، دار عمار بيروت، عمان الأردن، الطبعة الأولى، 1405 هـ.
• التَّفْسِيرُ البَسِيْط، المؤلف: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (المتوفى: 468 هـ)، المحقق: أصل تحقيقه في (15) رسالة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود، ثم قامت لجنة علمية من الجامعة بسبكه وتنسيقه، الناشر: عمادة البحث العلمي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى، 1430 هـ.
• التفسير الديني في المعتقدات العراقية والمصرية القديمة، دراسة مقارنة في الأديان، المؤلف: صالح جبار القريشي، كلية العلوم الإسلامية، جامعة كربلاء.
• تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، المؤلف: محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (ت: 1354 هـ)، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة النشر: 1990 م.
• تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم، المؤلف: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم (ت: 327 هـ)، المحقق: أسعد محمد الطيب، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثالثة، 1419 هـ.
• تفسير القرآن العظيم، المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ)، المحقق: سامي بن محمد سلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1420 هـ 1999 م.
• تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل)، المؤلف: أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي (المتوفى: 710 هـ)، حققه وخرج أحاديثه: يوسف علي بديوي، راجعه وقدم له: محيي الدين ديب مستو، الناشر: دار الكلم الطيب، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م.
• التفسير الوسيط، المؤلف: وهبة بن مصطفى الزحيلي، الناشر: دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1422 هـ.
• تفسير عبد الرزاق، المؤلف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (ت: 211 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، دراسة وتحقيق: د. محمود محمد عبده، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1419 هـ.
• تفسير كلمة التوحيد، المؤلف: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، رسالة ضمن سلسلة شرح الرسائل، المجموعة الأولى، دار الإمام أحمد، القاهرة، الطبعة الثانية، 1432 هـ 2011 م.
• تفسير مقاتل بن سليمان، المؤلف: أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخى (ت: 150 هـ)، المحقق: عبد الله محمود شحاته، الناشر: دار إحياء التراث، بيروت، الطبعة الأولى 1423 هـ.
• تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، المؤلف: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)، الناشر: دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، عام النشر: 1983 م.
• تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي عرض وتحليل على ضوء الكتاب والسُّنَّة (رسالة ماجستير)، المؤلف: محمد بن أحمد لوح، دار ابن القيم، الدمام، دار ابن عفان، القاهرة، الطبعة الأولى، 1422 هـ 2002 م.
• تقريب التهذيب، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852 هـ)، المحقق: محمد عوامة، الناشر: دار الرشيد سوريا، الطبعة الأولى، 1406 هـ 1986 م.
• التقرير والتحبير، المؤلف: أبو عبد الله، شمس الدين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن أمير حاج ويقال له: ابن الموقت الحنفي (المتوفى: 879 هـ)، الناشر: دار الفكر بيروت، الطبعة 1417 هـ 1996 م.
• التقنيات التحليلية في صيانة مواد الآثار، تأليف: باربراه. ستيوارت، ترجمة: عبد الناصر بن عبد الرحمن الزهراني، دار جامعة الملك سعود، 1435 هـ 2014 م.
• تقييد العلم، المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (المتوفى: 463 هـ)، الناشر: إحياء السُّنَّة النبوية، بيروت.
• التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، تأليف: زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي 725 - 806 هـ، دراسة وتحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: محمد عبد المحسن الكتبي صاحب المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1389 هـ 1969 م.
• تكملة المعاجم العربية، المؤلف: رينهارت بيتر آن دُوزِي (المتوفى: 1300 هـ)، نقله إلى العربية وعلق عليه: ج 1 - 8: محمَّد سَليم النعَيمي، ج 9، 10: جمال الخياط، الناشر: وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، الطبعة الأولى، من 1979 - 2000 م.
• تلخيص كتاب الاستغاثة، المؤلف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، تحقيق: محمد علي عجال، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية المدينة النبوية، الطبعة الأولى، 1417 هـ.
• التمسك بالسُّنَّة النبوية وآثاره، المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)، مدار الوطن للنشر، طبع بإشراف: مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، عنيزة، 1433 هـ.
• التمهيد لشرح كتاب التوحيد، المؤلف: صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، الطبعة الأولى، الناشر: دار التوحيد، تاريخ النشر: 1424 هـ 2003 م.
• التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463 هـ)، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي محمد عبد الكبير البكري، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب، عام النشر: 1387 هـ.
• تناقض أهل الأهواء والبدع في العقيدة، دراسة نقدية في ضوء عقيدة أهل السلف، المؤلفة: عفاف بنت حسين مختار، إشراف الدكتور: محمد بن عبد الله السمهري، مكتبة الرشد، 1421 هـ 2000 م.
• تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الجاهلين، المؤلف: محيي الدين أبو زكريا أحمد بن إبراهيم ابن النحاس الدمشقي (المتوفى: 814 هـ)، حققه وعلق عليه: عماد الدين عباس سعيد، إشراف: المكتب السلفي لتحقيق التراث، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1407 هـ 1987 م.
• التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري، المؤلف: علي بن عبد العزيز بن علي الشبل، تقريظ كبار العلماء: عبد العزيز بن باز، عبد الله بن عقيل، صالح الفوزان، عبد الله بن منيع، عبد الله الغنيمان، دار الشبل، دار الوطن، الرياض، الطبعة الثانية، 1422 هـ 2001 م.
• التنبيه والإشراف، المؤلف: أبو الحسن علي بن الحسين بن على المسعودي المعتزلي (المتوفى: 346 هـ)، تصحيح: عبد الله إسماعيل الصاوي، الناشر: دار الصاوي، القاهرة.
• التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المؤلف: محمد بن أحمد بن عبد الرحمن، أبو الحسين المَلَطي العسقلاني (المتوفى: 377 هـ)، المحقق: محمد زاهد بن الحسن الكوثري، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث، مصر.
• تنبيهات على مشروع الموسوعة العلمية ومحاكاة الآثار النبوية، لعبد المحسن العباد البدر (مقال إلكتروني حُرر بتاريخ 21/ 10/ 1433 هـ). يُنظر: الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ:http://al-abbaad.com/articles/85-1433-10-21
• تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، ينسب: لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما (المتوفى: 68 هـ)، جمعه: مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (المتوفى: 817 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، لبنان.
• التنوير شرح الجامع الصغير، محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير (المتوفى: 1182 هـ)، المحقق: د. محمَّد إسحاق محمَّد إبراهيم، الناشر: مكتبة دار السلام، الرياض، الطبعة الأولى، 1432 هـ 2011 م.
• تهافت العلمانية في الصحافة العربية، المؤلف: سالم علي البهنساوي (المتوفى: 1427 هـ)، الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، مصر، الطبعة الأولى، 1410 هـ 1990 م.
• تهذيب التهذيب، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852 هـ)، الناشر: مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة الأولى، 1326 هـ.
• تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المؤلف: يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج، جمال الدين ابن الزكي أبي محمد القضاعي الكلبي المزي (المتوفى: 742 هـ)، المحقق: د. بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1400 هـ 1980 م.
• تهذيب اللغة، المؤلف: محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370 هـ)، المحقق: محمد عوض مرعب، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2001 م.
• تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته، المؤلف: حمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله (ت: 751 هـ)، المحقق: إسماعيل بن غازي مرحبا، الناشر: مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، سنة النشر: 1428 هـ 2007 م.
• توحيد الألوهية أساس الإسلام، حامد بن عبد القادر علي الأحمدي، رسالة ماجستير: الجامعة الإسلامية.
• التوراة في مواجهة علم الآثار والدراسات التوراتية، المؤلف: لطفي السومى، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2017 م
• التوسل أقسامه وأحكامه، ويليه: أحاديث وآثار وقصص ضعيفة وموضوعة في التوسل، المؤلف: أبو أنس علي بن حسين أبو لوز، مدار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، 1425 هـ 2004 م.
• التوسل أنواعه وأحكامه، المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين ابن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420 هـ)، المحقق: محمد عيد العباسي، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1421 هـ 2001 م.
• التوشيح شرح الجامع الصحيح، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ)، المحقق: رضوان جامع رضوان، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م.
• التوصل إلى حقيقة التوسل (المشروع والممنوع)، المؤلف: أبو غزوان، محمد نسيب بن محيي الدين الرفاعي (المتوفى: 1413 هـ)، الناشر: دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1399 هـ 1979 م.
• التوقيف على مهمات التعاريف، المؤلف: محمد عبد الرؤوف المناوي، تحقيق: عبد الحميد صالح حمدان، الناشر: عالم الكتب، القاهرة، الطبعة الأولى، 1410 هـ 1990 م.
• تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، المؤلف: سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (المتوفى: 1233 هـ)، المحقق: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الطبعة الأولى، 1423 هـ 2002 م.
• تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376 هـ)، المحقق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ 2000 م.
• تيسير المنان في قصص القرآن، المؤلف: أحمد فريد، دار ابن الجوزي، الرياض، الإصدار الثاني، الطبعة الأولى، 1429 هـ.
• الثمر المستطاب في فقه السُّنَّة والكتاب، المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420 هـ)، الناشر: غراس للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1422 هـ.
• جامع البيان عن تأويل آي القرآن المعروف والمشهور بتفسير الطبري، المؤلف: محمد ابن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310 هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن يمامة، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى، 1422 هـ 2001 م.
• جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَّلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795 هـ)، المحقق: شعيب الأرناؤوط إبراهيم باجس، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة السابعة، 1422 هـ 2001 م.
• الجامع الفريد في شرح كتاب التوحيد، شرح أصحاب الفضيلة العلماء: عبد الرحمن بن قاسم، عبد الرحمن السعدي، عبد العزيز بن باز، محمد العثيمين، صالح الفوزان، صالح آل الشيخ، ومعه شرح مسائل التوحيد لعبد الله الدويش، وأسئلة وأجوبة لعبد الله الجار الله، طبعة مخرجة الأحاديث على كتب العلامة محمد ناصر الدين الألباني، دار ابن حزم، القاهرة، إعداد: مركز العروة الوثقى، الطبعة الأولى، 1429 هـ 2008 م.
• الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف، المؤلف: جمال الدين محمد جار الله بن محمد نور الدين بن أبي بكر بن علي بن ظهيرة القريشي المخزومي، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى، 1340 هـ 1921 م.
• الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، صحيح البخاري، المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة الأولى، 1422 هـ.
• جامع بيان العلم وفضله، المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463 هـ)، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، الناشر: دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1414 هـ 1994 م.
• جامع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله للسُّنَّة النبوية المطهرة، الإصدار الأول (2014 م)، بترقيم شركة حرف.
• الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (ت: 671 هـ)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1384 هـ 1964 م.
• جبل إلال بعرفات، تحقيقات تاريخية شرعية، المؤلف: بكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م.
• الجرح والتعديل، المؤلف: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم (المتوفى: 327 هـ)، الناشر: طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند، دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة الأولى، 1271 هـ 1952 م.
• جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام، المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751 هـ)، المحقق: شعيب الأرناؤوط عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: دار العروبة الكويت، الطبعة الثانية، 1407 هـ 1987 م.
• جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، المؤلف: نعمان بن محمود بن عبد الله، أبو البركات خير الدين، الآلوسي (المتوفى: 1317 هـ)، قدم له: علي السيد صبح المدني، الناشر: مطبعة المدني، عام النشر: 1401 هـ 1981 م.
• جلباب المرأة المسلمة، المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح ابن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420 هـ)، الناشر: دار السلام للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 1423 هـ 2002 م.
• جماع العلم، المؤلف: الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي (المتوفى: 204 هـ)، الناشر: دار الآثار، الطبعة الأولى، 1423 هـ 2002 م.
• جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (رسالة دكتوراه)، المؤلف: شمس الدين السلفي الأفغاني، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى، 1416 هـ 1996 م.
• جهود علماء السلف في القرن السادس الهجري في الرد على الصوفية، المؤلف: د. محمد بن أحمد الجوير، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1324 هـ 2003 م.
• الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، الناشر: دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1414 هـ، تحقيق: د. علي حسن ناصر، د. عبد العزيز إبراهيم العسكر، د. حمدان محمد.
• الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (الداء والدواء)، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751 هـ)، حققه: محمد أجمل الإصلاحي، خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري، الناشر: دار عالم الفوائد مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1429 هـ.
• جوانب من تاريخ وحضارة العرب في العصور القديمة، لأحمد أمين سليم، دار المعرفة الجامعية، شارع سوتير، الأزاريطة، 1997 م.
• الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، المؤلف: شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي (المتوفى: 902 هـ)، المحقق: إبراهيم باجس عبد المجيد، الناشر: دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1999 م.
• حاشية ابن القيم على عون المعبود شرح سنن أبي داود، وتهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته، المؤلف: محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر، أبو عبد الرحمن، شرف الحق، الصديقي، العظيم آبادي (المتوفى: 1329 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1415 هـ.
• حاشية ابن عابدين، المسمى: رد المحتار على الدر المختار، المؤلف: ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252 هـ)، الناشر: دار الفكر بيروت، الطبعة الثانية، 1412 هـ 1992 م.
• حاشية السندي على سنن ابن ماجه، كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه، المؤلف: محمد بن عبد الهادي التتوي، أبو الحسن، نور الدين السندي (المتوفى: 1138 هـ)، الناشر: دار الجيل، بيروت، بدون طبعة.
• حاشية الشبراملسي (أبي الضياء نور الدين بن علي الشبراملسي الأقهري (1087 هـ) على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، المؤلف: شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي (المتوفى: 1004 هـ)، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة: ط. أخيرة 1404 هـ 1984 م، ويليه: حاشية أحمد بن عبد الرزاق المعروف بالمغربي الرشيدي (1096 هـ).
• حاشية الشرواني على تحفة المحتاج في شرح المنهاج، المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، روجعت وصححت: على عدة نسخ بمعرفة لجنة من العلماء، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى بمصر لصاحبها مصطفى محمد، عام النشر: 1357 هـ 1983 م.
• حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، المؤلف: أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي، توفي 1231 هـ، المحقق: محمد عبد العزيز الخالدي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1418 هـ 1997 م.
• حاشية كتاب التوحيد، تأليف: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ضمن الجامع الفريد في شرح كتاب التوحيد، دار ابن حزم، القاهرة، الطبعة الأولى، 1429 هـ 2008 م.
• الحاوي للفتاوى، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت لبنان، عام النشر: 1424 هـ 2004 م.
• حجة الله البالغة، المؤلف: أحمد بن عبد الرحيم بن الشهيد وجيه الدين بن معظم بن منصور المعروف ب الشاه ولي الله الدهلوي (المتوفى: 1176 هـ)، المحقق: سيد سابق، الناشر: دار الجيل، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، سنة الطبع: 1426 هـ 2005 م.
• حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420 هـ)، الناشر: المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الخامسة، 1399 هـ.
• الحجرات الشريفة سيرة وتاريخًا، المؤلف: صفوان عدنان داوودي، وقف البركة الخيري، المدينة النبوية، 1422 هـ.
• حجية السُّنَّة وتاريخها، المؤلف: أ. د. الحسين شواط، الجامعة الأمريكية العالمية، كلية الحديث الشريف، الطبعة الأولى، 1425 هـ 2004 م.
• حجية السُّنَّة، لعبد الغني عبد الخالق، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الرياض، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، هيرندن فيرجينيا الولايات المتحدة الأمريكية، طبعة معادة: 1415 هـ 1995 م.
• حجية السُّنَّة، محمد بن لطفي الصباغ، جمعية الكتاب والسُّنَّة، الأردن، راف، الطبعة الأولى، 1432 هـ 2011 م.
• حجية خبر الآحاد في العقائد والأخبار كتاب مدرج ضمن مجموع كتب ورسائل وفتاوى فضيلة الشيخ العلامة: ربيع بن هادي بن عمير المدخلي، دار الإمام أحمد، الطبعة الأولى، 1431 هـ 2010 م.
• حديث (اجعل لنا ذات أنواط) دراسة حديثية عقدية، المؤلف: عبد الله بن عيسى بن موسى الأحمدي، بحث محكّم منشور في مجلة الدراسات العقدية، مجلة علمية محكمة تصدر عن الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب، بإشراف الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية العدد: 19، المجموعة: التاسعة، 1438 هـ 2017 م.
• الحديث والمحدثون أو عناية الأمة الإسلامية بالسُّنَّة النبوية، المؤلف: محمد محمد أبو زهو، طبع ونشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الرياض، 1404 هـ 1984 م، شركة الطباعة العربية السعودية.
• حراسة السياحة، المؤلف: علي بن أحمد الأحمد، المصدر: الكتيبات الإسلامية، دار العاصمة، الرياض.
• الحضارات القديمة، المؤلفان: دياكوف وكوفاليف، ترجمة: نسيم واكيم اليازجي، منشورات دار علاء الدين، دمشق، الطبعة الأولى.
• حضارات بادت وعادات سادت، المؤلف: رحاب عكاوي، دار الحرف العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1424 هـ 2003 م.
• حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، مجموعة من المؤلفين: عبد الصبور مرزوق، عبد العظيم المطعنى، علي جمعة محمد، عمارة، محمود زقزوق، التحرير والمراجعة: علي جمعة محمد، وزارة الأوقاف لجمهورية مصر العربية، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، مطابع الأهرام التجارية، قليوب مصر، 1433 هـ 2012 م.
• حكم إحياء الآثار، مقال مدرج ضمن: كتاب البيان لما أخطأ فيه بعض الكتّاب، للشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، الجزء الخامس، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1436 هـ.
• الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بالسيف بين يدي الساعة، المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَّلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795 هـ)، المحقق: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: دار المأمون دمشق، الطبعة الأولى، سنة النشر: 1990 م.
• حكم السُّنَّة والكتاب في الزوايا والقباب، المؤلف: أبي زيد عبد الرحمن بن محمد النتيفي الجعفري البيضاوي المغربي (ت: 1385 هـ)، اعتنى به: حميد بن بوشعيب العقرة، دار الجيل، المغرب، الطبعة الثانية.
• حكم القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، رسالة مدرجة ضمن رياض الجنة في الرد على أعداء أهل السُّنَّة، المؤلف: أبي عبد الرحمن: مقبل بن هادي الوادعي، إشراف: حماد الأنصاري، منشورات دار الحرمين، القاهرة، الطبعة الرابعة.
• حكم زيارة أماكن السيرة النبوية، المؤلف: سعد بن ناصر الشثري، دار إشبيليا، المملكة العربية السعودية الرياض، الطبعة الأولى، 1423 هـ 2003 م.
• حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، المؤلف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430 هـ)، الناشر: السعادة بجوار محافظة مصر، 1394 هـ 1974 م.
• حماية الآثار في الفقه الإسلامي، المؤلف: أحمد بن خالد بن أحمد نوفل، إشراف: صلاح الدين طلب سلامة فرج، رسالة ماجستير في الفقه المقارن، بكلية الشريعة والقانون، في الجامعة الإسلامية في غزة، 1438 هـ 2017 م.
• الحوادث والبدع، المؤلف: محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الفهري الأندلسي، أبو بكر الطرطوشي المالكي (المتوفى: 520 هـ)، المحقق: علي بن حسن الحلبي، الناشر: دار ابن الجوزي، الطبعة الثالثة، 1419 هـ 1998 م.
• حول مقام إبراهيم، فيصل الصبحي، مقال مدرج ضمن مقالات وردود بين المؤيدين والمعارضين، لكتاب لا ذرائع لهدم آثار النبوة، المؤلف: عمر بن عبد الله كامل، بيسان، لبنان، الطبعة الأولى، 2003 م.
• خبر الآحاد وحجيته في إثبات العقيدة دراسة تطبيقية ونقدية، المؤلف: عبد الله بن ناصر السرحاني، بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه في العقيدة، إشراف الدكتور: محمد بن حسان كسبه، في جامعة أم القرى، كلية الدعوة وأصول الدين، قسم العقيدة، 1424 هـ 1425 هـ.
• الخطب المنبرية في المناسبات العصرية، المؤلف: صالح بن فوزان الفوزان، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1427 هـ 2006 م.
• الدر المنثور في التفسير بالمأثور، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ)، تحقيق: مركز هجر للبحوث، الناشر: دار هجر مصر، سنة النشر: 1424 هـ 2003 م.
• درء تعارض العقل والنقل، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728 هـ)، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1411 هـ 1991 م.
• دراسات في الأديان الوثنية القديمة، المؤلف: أحمد عجيبة، دار الآفاق العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2004 م.
• دراسات في الأهواء والفرق والبدع، المؤلف: ناصر بن عبد الكريم العقل، دار إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى، سنة النشر: 1418 هـ 1997 م.
• دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، المؤلف: محمد مصطفى الأعظمي، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، سنة النشر: 1400 هـ 1980 م.
• دراسات في تاريخ الشرق الأدنى القديم (مصر العراق إيران)، المؤلف: أحمد أمين سليم، دار النهضة العربية، بيروت، 1989 م.
• دراسة وتحقيق قاعدة الأصل في العبادات المنع، المؤلف: محمد بن حسين بن حسن الجيزاني، الناشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
• الدرر السنية في الكتب النجدية، تأليف: علماء نجد الأعلام من عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى عصرنا هذا، دراسة وتحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة السادسة، 1417 هـ 1996 م.
• الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، المؤلف: الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، سنة الولادة: 12/ شعبان/ 773 هـ/ سنة الوفاة: 852 هـ 1449 م، تحقيق: مراقبة: محمد عبد المعيد ضان، الناشر مجلس دائرة المعارف العثمانية، سنة النشر: 1392 هـ 1972 م، مكان النشر صيدر آباد: الهند.
• دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية عرض ونقد، المؤلف: د. عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن، الناشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1424 هـ.
• الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة، تأليف: محمد تقي الدين الهلالي، دار الطباعة الحدثية، الدار البيضاء.
• دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات محمد البوطي في كتاب فقه السيرة، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني، منشورات ومؤسسة الخافقين، محمد مفيد الخيمي، دمشق، 1397 هـ.
• الدلائل في غريب الحديث، المؤلف: قاسم بن ثابت بن حزم العوفي السرقسطي، أبو محمد (المتوفى: 302 هـ)، تحقيق: د. محمد بن عبد الله القناص، الناشر: مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، 1422 هـ 2001 م.
• دليل السائح الفقهي، المؤلف: فهد بن سالم باهمام، سماء الكتب، إخراج: الدليل المعاصر، الطبعة الثانية، 1433 هـ 2012 م.
• دليل العقل عند الشيعة الإمامية، بحث موضوعي للدليل الرابع من أدلة الأحكام الشرعية مقارن بآراء المذاهب الإسلامية، د. رشدي محمد عرسان عليان، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى 2008 م، بيروت.
• دور أهل الذمة في إقصاء الشريعة الإسلامية، المؤلف: ماجد بن صالح المضيان، الناشر: دار الهدي النبوي، دار الفضيلة، سنة النشر: 1428 - 2007 م.
• الديانة المصرية القديمة، المؤلف: ياروسلاف تشرني، المترجم: أحمد قدري، مراجعة: محمود ماهر طه، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1416 هـ 1996 م.
• ديوان أبي فراس الحمداني، المؤلف: الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون أبو فراس الحمداني، المحقق: خليل الدويهي، الناشر: دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية سنة النشر: 1414 هـ 1994 م.
• ديوان أحمد شوقي المسمى بالشوقيات، حققه وقدّم له: عمر فاروق الطباع، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت.
• ديوان الإمام الشافعي، اعتنى به: عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1426 هـ 2005 م.
• ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، المؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (ت: 808 هـ)، المحقق: خليل شحادة، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1408 هـ 1988 م.
• الذخائر الشرقية، المؤلف: كوركيس عواد، جمع وتقديم وتعليق: جليل العطية، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1999 م.
• ذم الكلام وأهله، المؤلف: شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي، تحقيق: عبد الرحمن عبد العزيز الشبل، الناشر: مكتبة العلوم والحكم، مكان النشر: المدينة النبوية.
• ذيل طبقات الحفاظ للذهبي، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ)، المحقق: الشيخ زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية.
• ذيل طبقات الحنابلة، المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَّلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795 هـ)، المحقق: د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الناشر: مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، 1425 هـ 2005 م.
• رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الأسفار، المؤلف: محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، أبو عبد الله، ابن بطوطة (المتوفى: 779 هـ)، أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، 1417 هـ.
• رحلة ابن جبير، المؤلف: ابن جبير، محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي، أبو الحسين (المتوفى: 614 هـ)، الناشر: دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى.
• رحلة الصديق إلى البلد العتيق، المؤلف: أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي (المتوفى: 1307 هـ)، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، الطبعة الأولى، 1428 هـ 2007 م.
• الرد القوي على الرفاعي والمجهول وعلوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي، المؤلف: حمود بن عبد الله التويجري، المدرج ضمن كتاب رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي، لمجموعة من العلماء، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م، طبعت بإذن من الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء.
• الرد على البكري المسمى تلخيص كتاب الاستغاثة، المؤلف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، تحقيق: محمد علي عجال، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1417 هـ.
• الرد على شبهات المستغيثين بغير الله، كتاب مدرج ضمن مجموع مؤلفات وتحقيقات فضيلة الشيخ د. عبد السلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم (1425 هـ)، الجزء الخامس، الناشر: دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى، 1435 هـ 2014 م.
• رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه، الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: عبد الله بن محمد المديفر، الناشر: مطابع الشرق الأوسط الرياض، 1420 هـ.
• رسالة الشرك ومظاهره، المؤلف: مبارك بن محمد الميلي، مكتبة النهضة الجزائرية، الجزائر، الطبعة الثانية، 1966 م.
• الرسالة المفيدة، المؤلف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206 هـ)، المحقق: محمد بن عبد العزيز المانع، الناشر: رئاسة إدراة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
• رسالة في الرد على الرافضة، المؤلف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان (المتوفى: 1206 هـ)، دراسة وتحقيق: ناصر بن سعد الرشيد، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر).
• الرسالة، المؤلف: الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي (المتوفى: 204 هـ)، المحقق: أحمد شاكر، الناشر: مكتبه الحلبي، مصر، الطبعة الأولى، 1358 هـ 1940 م.
• رسالتان في اللغة، المؤلف: أبو الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد الله الرماني، الناشر: دار الفكر للنشر والتوزيع عمان، 1984 م، تحقيق: إبراهيم السامرائي.
• رواد علم الآثار في العراق، المؤلف: سالم الألوسي، دار الورّاق، بيروت، الفرات للنشر والتوزيع، بيروت، شركة بيت الوراق في العراق، الطبعة الأولى، 2016 م.
• روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، المؤلف: شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270 هـ)، المحقق: علي عبد الباري عطية، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1415 هـ.
• الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (المتوفى: 581 هـ)، المحقق: عمر عبد السلام السلامي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ 2000 م.
• روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620 هـ)، الناشر: إثراء المتون، الطبعة: الخامسة، 1441 هـ 2019 م.
• رياض الجنة في الرد على أعداء السُّنَّة، ومعه: الطليعة في الرد على غلاة الشيعة، حول القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، المؤلف: أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي الكويت، الطبعة الثانية.
• زاد المستقنع في اختصار المقنع، المؤلف: موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم الحجاوي المقدسي، ثم الصالحي، شرف الدين، أبو النجا (المتوفى: 968 هـ)، المحقق: عبد الرحمن بن علي بن محمد العسّكر، الناشر: دار الوطن للنشر الرياض.
• زاد المسير في علم التفسير، المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 هـ)، المحقق: عبد الرزاق المهدي، الناشر: دار الكتاب العربي بيروت، الطبعة الأولى، 1422 هـ.
• زاد المعاد في هدي خير العباد، المؤلف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، الناشر: مؤسسة الرسالة مكتبة المنار الإسلامية بيروت الكويت، توزيع دار الريان، الطبعة الخامسة عشرة: 1407 هـ 1987 م، تحقيق: شعيب الأرناؤوط عبد القادر الأرناؤوط. [تمت الاستفادة من هذه الطبعة (15) في مبحث الآثار النبوية فقط].
• زاد المعاد في هدي خير العباد، المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751 هـ)، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، الطبعة السابعة والعشرون، 1415 هـ 1994 م.
• الزهد، المؤلف: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241 هـ)، وضع حواشيه: محمد عبد السلام شاهين، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1420 هـ 1999 م.
• الزواجر عن اقتراف الكبائر، المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974 هـ)، الناشر: دار الفكر، الطبعة الأولى، 1407 هـ 1987 م.
• زيارة القبور الشرعية والشركية، المؤلف: محيي الدين محمد البركوي، طبع تحت إشراف: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، بالمملكة العربية السعودية، الرياض، الطبعة الخامسة، 1430 هـ 2009 م.
• زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728 هـ)، الناشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، بالمملكة العربية السعودية، الرياض، الطبعة السادسة، 1430 هـ 2009 م.
• سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام، المؤلف: صالح بن طه عبد الواحد، راجعهُ وقدَّم لهُ: سليم بن عيد الهلالي، مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر: مكتبة الغرباء، الدار الأثرية، الطبعة الثانية، 1428 هـ.
• سبل السلام، المؤلف: محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير (المتوفى: 1182 هـ)، الناشر: دار الحديث، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ.
• سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، المؤلف: محمد ابن يوسف الصالحي الشامي (المتوفى: 942 هـ)، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1414 هـ 1993 م.
• سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420 هـ)، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، عام النشر: ج 1 - 4: 1415 هـ 1995 م، ج 6: 1416 هـ 1996 م، ج 7: 1422 هـ 2002 م.
• سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420 هـ)، دار النشر: دار المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1412 هـ 1992 م.
• السلسلة الضعيفة، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المعارف، الرياض.
• سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس، المؤلف: أبي عبد الله محمد ابن جعفر الكتاني، حققها ووضع فهارسها حفيد المؤلف: د. الشريف محمد بن حمزة الكتاني، الموسوعة الكتانية لتاريخ فاس.
• السُّنَّة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم، لعبد الموجود محمد عبد اللطيف، دار النشر: مطبعة طيبة، القاهرة، الطبعة الثانية 1411 هـ 1991 م.
• السُّنَّة ومكانتها في التشريع، المؤلف: مصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1396 هـ 1976 م.
• السُّنَّة، المؤلف: أبو بكر بن أبي عاصم وهو: أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى: 287 هـ)، المحقق: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الأولى، ج 1 - 4: 1415 هـ 1995 م، ج 6: 1416 هـ 1996 م، ج 7: 1422 هـ 2002 م.
• السُّنَّة، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المَرْوَزِي (المتوفى: 294 هـ)، المحقق: سالم أحمد السلفي، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ.
• سنن ابن ماجه، المؤلف: ابن ماجه أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، وماجه اسم أبيه يزيد (المتوفى: 273 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي.
• سنن أبي داود، المؤلف: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (المتوفى: 275 هـ)، المحقق: شعَيب الأرنؤوط، محَمَّد كامِل قره بللي، الناشر: دار الرسالة العالمية، الطبعة الأولى، 1430 هـ 2009 م.
• سنن أبي داود، المؤلف: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (المتوفى: 275 هـ)، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا، بيروت.
• سنن الترمذي، المؤلف: محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279 هـ)، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر (ج 1، 2)، ومحمد فؤاد عبد الباقي (ج 3)، وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف (ج 4، 5)، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر، الطبعة الثانية، 1395 هـ 1975 م.
• سنن الدارمي، المؤلف: عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد الدارمي، طُبع بعناية: محمد أحمد دهمان، مطبعة الاعتدال، دمشق، 1349 هـ.
• السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات، المؤلف: محمد بن أحمد عبد السلام خضر الشقيري الحوامدي (المتوفى: بعد 1352 هـ)، المصحح: محمد خليل هراس، الناشر: دار الفكر.
• سؤالات ابن الجنيد لأبي زكريا يحيى بن معين، المؤلف: أبو زكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام بن عبد الرحمن المري بالولاء، البغدادي (المتوفى: 233 هـ)، المحقق: أحمد محمد نور سيف، دار النشر: مكتبة الدار المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1408 هـ 1988 م.
• سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي، المؤلف: يوسف بن محمد الدّخيل النجدي ثم المدني (المتوفى: 1431 هـ)، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1424 هـ 2003 م.
• سير أعلام النبلاء، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذَّهَبي، المحقق: مجموعة محققين بإشراف: شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة.
• سيرة ابن إسحاق (كتاب السير والمغازي)، المؤلف: محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالولاء، المدني (المتوفى: 151 هـ)، تحقيق: سهيل زكار، الناشر: دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى، 1398 هـ 1978 م.
• السيرة الحلبية، والمسمى أيضًا: إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون، المؤلف: علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي، أبو الفرج، نور الدين ابن برهان الدين (المتوفى: 1044 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1427 هـ.
• السيرة النبوية لابن هشام، المؤلف: عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (المتوفى: 213 هـ)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية، 1375 هـ 1955 م.
• السيرة النبوية، للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1396 هـ 1971 م.
• شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، تأليف: خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزركلي الدمشقي (المتوفى: 1396 هـ)، دار العلم الملايين، الطبعة الثالثة، 1985 م.
• الشبهات الثلاثون، عبد العظيم بن إبراهيم بن محمد المطعني، مكتبة وهبة، مطبعة المدني القاهرة، الطبعة الأولى، 1420 هـ 1999 م.
• شبهات القرآنيين حول السُّنَّة النبوية، لمحمود بن محمد مزروعة، بحث مقدم لندوة (عناية المملكة بالقرآن الكريم وعلومه) الذي نظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف بالمدينة المنورة، في الفترة 4 - 7/ 6/ 1421 هـ.
• شذرات الذهب في أخبار من ذهب، المؤلف: عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد العَكري الحنبلي، أبو الفلاح (المتوفى: 1089 هـ)، حققه: محمود الأرناؤوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: دار ابن كثير، دمشق بيروت، الطبعة الأولى، 1406 هـ 1986 م.
• شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة من الكتاب والسُّنَّة وإجماع الصحابة والتابعين من بعدهم، المؤلف: هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي أبو القاسم، تحقيق: د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي، الناشر: دار طيبة الرياض، الطبعة التاسعة، 1426 هـ 2005 م.
• شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار بن أحمد، تعليق: أحمد بن الحسين بن أبي هاشم، تحقيق وتقديم: د. عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة، مصر.
• شرح ديوان المتنبي، المؤلف: أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري البغدادي محب الدين (المتوفى: 616 هـ)، المحقق: مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، الناشر: دار المعرفة بيروت
• شرح السُّنَّة، المؤلف: الحسن بن علي بن خلف البربهاري أبو محمد، تحقيق: د. محمد سعيد سالم القحطاني، الناشر: دار ابن القيم، الدمام، الطبعة الأولى، 1408 هـ.
• شرح السُّنَّة، المؤلف: محيي السُّنَّة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى: 516 هـ)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط محمد زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي دمشق، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 هـ 1983 م.
• شرح العقيدة السفارينية الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية، تأليف: الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، طُبع بإشراف: مؤسسة الشيخ الخيرية، مدار الوطن للنشر، الطبعة الأولى، 1424 هـ، الرياض.
• شرح العمدة في الفقه (من أول كتاب الصلاة إلى آخر باب آداب المشي إلى الصلاة)، المؤلف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، (ت: 727 هـ)، المحقق: خالد بن علي بن محمد المشيقح، الناشر: دار العاصمة، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1418 هـ 1997 م.
• شرح القواعد الأربع، تأليف: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، دراسة وتحقيق: خالد الردادي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1424 هـ 2003 م.
• شرح القواعد الأربع، تأليف: عبد العزيز الراجحي (إلكتروني).
• الشرح الكبير على مختصر خليل، المؤلف: أحمد بن محمد بن أحمد العدوي، أبو البركات الشهير بالدردير (1201 هـ)، ويليه: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، المؤلف: محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي (المتوفى: 1230 هـ)، الناشر: دار الفكر.
• الشرح الممتع على زاد المستقنع، المؤلف: محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، الرياض، بإشراف: مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الطبعة الأولى، 1424 هـ.
• شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد، المؤلف: محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي، المحقق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الطبعة الثالثة، 1399 هـ.
• شرح رياض الصالحين، المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (ت: 1421 هـ)، الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة 1426 هـ.
• شرح سنن ابن ماجه، الإعلام بسُنَّته عليه السلام، المؤلف: مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري المصري الحكري الحنفي، أبو عبد الله، علاء الدين (المتوفى: 762 هـ)، المحقق: كامل عويضة، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1999 م.
• شرح سنن أبي داود، المؤلف: أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابي الحنفي بدر الدين العيني (المتوفى: 855 هـ)، المحقق: أبو المنذر خالد بن إبراهيم المصري، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1420 هـ 1999 م.
• شرح سنن النسائي المسمى: ذخيرة العقبى في شرح المجتبى، المؤلف: محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي، الناشر:[من الجزء 1 إلى 5] دار المعراج الدولية للنشر، [من الجزء 6 إلى 40] دار آل بروم للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، الجزء (1 - 5): 1416 هـ 1996 م، الجزء (6 - 7): 1419 هـ 1999 م، الجزء (8 - 9): 1420 هـ 1999 م، الجزء (10 - 12): 1419 هـ 2000 م، الجزء (13 - 40): 1424 هـ 2003 م.
• شرح شمائل النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، تأليف: عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر، دار المستقبل، القاهرة، دار النصيحة، المدينة النبوية، الطبعة الأولى، 1435 هـ 2014 م.
• شرح صحيح البخاري لابن بطال، المؤلف: ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (المتوفى: 449 هـ)، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، دار النشر: مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، الطبعة الثانية، 1423 هـ 2003 م.
• شرح فتح القدير، المؤلف: كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المشهور بابن الهمام الحنفي (681 هـ)، الناشر: دار الفكر، بيروت.
• شرح كتاب التوحيد، لابن باز المدرج ضمن الجامع الفريد في شرح كتاب التوحيد، دار ابن حزم، القاهرة، إعداد: مركز العروة الوثقى، الطبعة الأولى، 1429 هـ 2008 م.
• شرح كتاب التوحيد، لسليمان الرحيلي (شرح مفرغ، في ملف إلكتروني).
• شرح مختصر الروضة، المؤلف: سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع، نجم الدين (ت: 716 هـ)، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1407 هـ 1987 م.
• شرح مسائل الجاهلية لمحمد بن عبد الوهاب، المؤلف: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1421 هـ 2001 م.
• شرح مسائل الجاهلية، المؤلف: صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ (إلكتروني).
• شرح مسند الشافعي، المؤلف: عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، أبو القاسم الرافعي القزويني (المتوفى: 623 هـ)، المحقق: أبو بكر وائل محمَّد بكر زهران، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية، إدارة الشؤون الإِسلامية، قطر، الطبعة الأولى، 1428 هـ 2007 م.
• شرح مشكل الآثار، المؤلف: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (المتوفى: 321 هـ)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1415 هـ 1494 م.
• شرح منار الأنوار في أصول الفقه، المؤلف: عبد اللطيف الشهير بابن الملك، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة مصورة عن نسخة المطبعة النفيسة العثمانية، 1308 هـ.
• الشرق الأدنى مجتمعه وثقافته، المؤلف: ت. كويلر ينج، ترجمة: عبد الرحمن محمد أيوب، مراجعة: أبو العلا عفيفي، مراجعة: محمد محمود الصياد، الألف كتاب للأعمال المختارة، دار النشر المتحدة القاهرة.
• الشفا بتعريف حقوق المصطفى مذيلاً بالحاشية المسماة: مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء، المؤلف: أبو الفضل القاضي عياض بن موسى اليحصبي (المتوفى: 544 هـ)، الحاشية: أحمد بن محمد بن محمد الشمنى (المتوفى: 873 هـ)، الناشر: دار الفكر الطباعة والنشر والتوزيع، عام النشر: 1409 هـ 1988 م.
• شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور، تأليف: مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي، مكتبة نزار مصطفى الباز، تحقيق: أسعد محمد الطيب، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
• شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751 هـ)، المحقق:، الناشر: دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة: 1398 هـ 1978 م.
• الصَّارِمُ المُنْكِي في الرَّدِّ عَلَى السُّبْكِي، المؤلف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي (المتوفى: 744 هـ)، تحقيق: عقيل بن محمد بن زيد المقطري اليماني، قدم له: فضيلة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله، الناشر: مؤسسة الريان، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1424 هـ 2003 م.
• الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، المؤلف: أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (المتوفى: 393 هـ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين بيروت، الطبعة الرابعة، 1407 هـ 1987 م.
• صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354 هـ)، شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة: الثانية، 1414 - 1993 م.
• صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري، المؤلف: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله (المتوفى: 256 هـ)، حقق أحاديثه وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: دار الصديق للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، 1418 هـ 1997 م.
• صحيح الترغيب والترهيب، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتَبة المَعارف لِلنَّشْرِ والتوزيْع، الرياض المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1421 هـ 2000 م.
• صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير)، المؤلف: محمد ناصر الدين ابن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري، شهرته: الألباني، (المتوفى: 1420 هـ)، دار النشر: المكتب الإسلامي، البلد: بيروت، الطبعة الثالثة، سنة الطبع: 1408 هـ 1988 م.
• صحيح سنن أبي داود، للإمام الحافظ سليمان بن الأشعث السجيستاني، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420 هـ)، مكتبة المعارف، الرياض، لصاحبها سعد بن عبد الرحمن الراشد، الطبعة الثانية، 1421 هـ 2000 م.
• صحيح سنن الترمذي، للإمام الحافظ: محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، تأليف: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية، 1422 هـ 2002 م.
• صحيح قصص الأنبياء، المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت: 774 هـ)، تحقيق: أبي أسامة سليم بن عيد الهلالي السلفي الأثري، الناشر: غراس الكويت، الطبعة الحادية عشرة، 1427 هـ 2007 م.
• صحيح مسلم بشرح النووي، المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، تحقيق: عصام الصبابطي، عازم محمد، عماد عامر، الناشر: دار الحديث القاهرة، الطبعة الرابعة، 1422 هـ 2001 م.
• صحيح مسلم، المصنف: مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
• صحيفة عكاظ، الخميس 28/ جمادى الأولى/ 1439 هـ 15 فبراير 2018 م، (مقال أشواك الشجرة توحي لنا بالتريث، لعبده خال)،https://www.okaz.com.sa/article/1615299/كتاب ومقالات/ الشجرة توحي لنا بالتريث!
• صحيفة عكاظ، عدد الجمعة 12/ 10/ 1433 هـ (مقال حاتم العوني).
• صفة جزيرة العرب، المؤلف: ابن الحائك، أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود الشهير بالهمداني (المتوفى: 334 هـ)، مطبعة بريل ليدن، 1884 م.
• صلة تاريخ الطبري، المؤلف: عريب بن سعد القرطبي، من سنة 291 - 320 هـ، منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت لبنان.
• صور مفتاح البحر المتوسط، المؤلف: ريمون الكك، مقال مستل من مجلة الفيصل الثقافية الشهرية، العدد (48)، 1401 هـ 1981 م، رئيس التحرير: علوي طه الصافي.
• ضحى الإسلام، المؤلف: أحمد أمين، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012 م.
• طبقات الأولياء، المؤلف: ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى: 804 هـ)، بتحقيق: نور الدين شريبه من علماء الأزهر، الناشر: مكتبة الخانجي، بالقاهرة، الطبعة الثانية، 1415 هـ 1994 م.
• طبقات الحنابلة، المؤلف: أبو الحسين محمد بن أبي يعلى الفراء البغدادي الحنبلي، المحقق: عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، 1419 هـ 1999 م، طبع على نفقة الملك فهد رحمه الله بمناسبة الاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة.
• طبقات الشافعية الكبرى، المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771 هـ)، المحقق: د. محمود محمد الطناحي د. عبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1413 هـ.
• الطبقات الكبرى، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى: 230 هـ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1410 هـ 1990 م.
• ظلال الجنة في تخريج السُّنَّة لابن أبي عاصم، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الثالثة، 1413 هـ 1993 م.
• العبادات في الأديان السماوية، المؤلف: عبد الرزاق رحيم صلال الموحي، التدقيق العام: إسماعيل الكردي، الأوائل، دمشق، الطبعة الأولى، 2001 م.
• العجاب في بيان الأسباب، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، المحقق: عبد الحكيم محمد الأنيس، الناشر: دار ابن الجوزي.
• العدة في أصول الفقه، المؤلف: القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء (المتوفى: 458 هـ)، حققه وعلق عليه وخرج نصه: د. أحمد بن علي بن سير المباركي، الأستاذ المشارك في كلية الشريعة بالرياض جامعة الملك محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الثانية، 1410 هـ 1990 م.
• العراق في موكب الحضارة، الأصالة والتأثير، المؤلف: سامي بن سعيد الأحمد، العراق بغداد، 1988 م.
• العراق قديمًا وحديثًا، المؤلف: عبد الرزاق الحسني، مكتبة نرجس، دار الرافدين للطباعة، لبنان، الطبعة الأولى، 2013 م.
• العراقية، بوابة عشتار، مجلة شهرية تصدر عن الخطوط الجوية العراقية، العدد الثالث، 2017 م.
• العرف الشذي شرح سنن الترمذي، المؤلف: محمد أنور شاه بن معظم شاه الكشميري الهندي (المتوفى: 1353 هـ)، تصحيح: الشيخ محمود شاكر، الناشر: دار التراث العربي بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1425 هـ 2004 م.
• عشتار ومأساة تموز، المؤلف: فاضل عبد الواحد علي، مطبعة دار الشؤون الثقافية العامة، العراق بغداد، 1981 م.
• العصور القديمة، المؤلف: جايمس هزي براستد، ترجمة: داود قربان، المطبعة الأميركانية، الطبعة الثانية، 1930 م.
• العقل: تعريفه، منزلته، مجالاته، ومداركه، د. عبد القادر بن محمد بن عطا صوفي، بحث مستل من مجلة البحوث الإسلامية، العدد التاسع والسبعون، الإصدار: من رجب إلى شوال لسنة 1427 هـ، البحوث.
• العقلانيون الذين هم أفراخ المعتزلة العصريون، علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد الحلبي الأثري، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية.
• العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، المؤلف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن يوسف الدمشقي الحنبلي (المتوفى: 744 هـ)، المحقق: محمد حامد الفقي، الناشر: دار الكاتب العربي بيروت.
• عقيدة التوحيد وبيان ما يضادها من الشرك الأكبر والأصغر والتعطيل والبدع وغير ذلك، المؤلف: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، لا يوجد بيانات على الطبعة، نسخه مطبوعة على نفقه فاعل خير.
• علم الآثار وبيان المنهج الإسلامي، عمر بن محمد بن عثمان العمر، مجلة كلية الآداب جامعة طنطا مصر ع 24 ج 2 (2011) 1110 - 1048. مسترجع من:http://search.mandumah.com/Record/339148، المكتبة الرقمية بواسطة: قاعدة بيانات دار المنظومة.
• علم المتاحف والمعارض، المؤلف: عفيف البهنسي، دار الشرق، المهندس: نبيل طعمة، الإشراف الفني: حيان فرجاني، الإعداد الطباعي: مركز محمد بري، التنفيذ الطباعي: مطبعة العجلوني، دمشق، الطبعة الأولى، 1425 هـ 2004 م.
• عمدة القاري شرح صحيح البخاري، المؤلف: أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابي الحنفي بدر الدين العيني (المتوفى: 855 هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي بيروت.
• غاية الأماني في الرد على النبهاني، المؤلف: أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي (المتوفى: 1342 هـ)، المحقق: أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1422 هـ 2001 م.
• غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420 هـ)، الطبعة الثالثة، الناشر: المكتب الإسلامي بيروت.
• غرائب القرآن ورغائب الفرقان، المؤلف: نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري، تحقيق: زكريا عميرات، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 1416 هـ 1996 م، الطبعة الأولى.
• غربة الإسلام، المؤلف: حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري (المتوفى: 1413 هـ)، حقق نصه وعلق عليه: عبد الكريم بن حمود التويجري، الناشر: دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ 2010 م.
• غريب الحديث، المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 هـ)، المحقق: الدكتور عبد المعطي أمين القلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1405 هـ 1985 م.
• غريب الحديث، المؤلف: حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي أبو سليمان، تحقيق: عبد الكريم إبراهيم العزباوي، الناشر: جامعة أم القرى معهد البحوث العلمية، مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، الطبعة الثانية، 1422 هـ 2001 م.
• غريب الحديث، تأليف: القاسم بن سلام الهروي أبو عبيد، سنة الولادة: 154، سنة الوفاة: 224 هـ، تحقيق د. محمد عبد المعيد خان، الناشر دار الكتاب العربي، سنة النشر: 1396 هـ، مكان النشر بيروت.
• الفائق في غريب الحديث والأثر، المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538 هـ)، المحقق: علي محمد البجاوي محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار المعرفة لبنان، الطبعة الثانية.
• فتاوى الإمارات، فتاوى مدرجة ضمن موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني موسوعة تحتوي على أكثر من (50) عملاً ودراسة حول العلامة الألباني وتراثه الخالد، المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، ابن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، صَنَعَهُ: شادي بن محمد بن سالم آل نعمان، الناشر: مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة، صنعاء اليمن، مكتبة ابن عباس، المنصورة، الطبعة الأولى، 1431 هـ 2010 م.
• فتاوى الإمام الشاطبي، المؤلف: إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الغرناطي أبو إسحاق الشهير بالشاطبي (المتوفى: 790 هـ)، المحقق: محمد أبو الأجفان، تونس، الطبعة الثانية، 1406 هـ 1985 م.
• الفتاوى الحديثية، المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974 هـ)، الناشر: دار الفكر.
• فتاوى الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، إشراف وتقديم وتعليق: صالح بن عبد الله بن حميد، جمع وإعداد: محمد بن عبد الرحمن المقرن، طبع على نفقة مؤسسة الأميرة العنود بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود.
• الفتاوى الفقهية الكبرى، المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974 هـ)، جمعها: تلميذ ابن حجر الهيتمي، الشيخ عبد القادر بن أحمد بن علي الفاكهي المكي (المتوفى 982 هـ)، الناشر: المكتبة الإسلامية.
• الفتاوى الكبرى، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728 هـ)، المحقق: محمد عبد القادر عطا مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الطبعة الأولى 1408 هـ 1987 م.
• فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (المجموعة الأولى، 26 جزءًا)، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، طباعة ونشر الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، الطبعة السادسة، 1436 هـ 2015 م.
• فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (المجموعة الثانية، 11 جزءًا)، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، الناشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الإدارة العامة للطبع، الرياض.
• فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، طباعة ونشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، دار المؤيد، جده، الطبعة الخامسة، 1424 هـ 2003 م.
• فتاوى كبار علماء الأزهر حول الأضرحة والقبور والموالد والنذور، تقديم: جماعة من كبار علماء الأزهر الشريف، وأئمة دار الإفتاء، وأعضاء هيئة كبار العلماء بمصر، دار اليسر، القاهرة، الطبعة الخامسة، 1431 هـ 2010 م.
• فتاوى نور على الدرب، المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420 هـ)، اعتنى به: أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار أبو عبد الله محمد بن موسى الموسى، مصدر الكتاب: موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء.
• فتاوى نور على الدرب، المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)، من إصدارات مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، عنيزة، الطبعة الأولى، 1434 هـ.
• فتاوى نور على الدرب، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، قدم لها: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ، ترتيب وإشراف: محمد بن سعد الشويعر، طبع ونشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، إدارة مجلة البحوث الإسلامية، الرياض، الطبعة الأولى، 1428 هـ 2007 م.
• فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، جمع وترتيب وتحقيق: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، تصوير طبق الأصل على الطبعة الأولى، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، 1399 هـ.
• فتح الباري شرح صحيح البخاري، المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، قرأ أصله تصحيحًا وتحقيقًا وأشرف على مقابلة نسخة المطبوعة والمخطوطة: عبد العزيز بن باز، رقّم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، الناشر: دار المعرفة بيروت، 1379 هـ.
• فتح الباري شرح صحيح البخاري، المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَّلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795 هـ)، تحقيق: محمود بن شعبان بن عبد المقصود، مجدي بن عبد الخالق الشافعي، إبراهيم بن إسماعيل القاضي، السيد عزت المرسي، محمد بن عوض المنقوش، صلاح بن سالم المصراتي، علاء بن مصطفى بن همام، صبري بن عبد الخالق الشافعي، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية المدينة النبوية، الحقوق: مكتب تحقيق دار الحرمين، القاهرة، الطبعة الأولى، 1417 هـ 1996 م.
• فتح الرب الحميد بشرح تجريد التوحيد المفيد للمقريزي، المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، إخراج: مركز عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، للاستشارات والدراسات التربوية والتعليمية، الطبعة الأولى، 1438 هـ 2017 م.
• الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومعه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني، المؤلف: أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي (المتوفى: 1378 هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية.
• فتح الرحمن في تفسير القرآن، المؤلف: مجير الدين بن محمد العليمي المقدسي الحنبلي (ت: 927 هـ)، اعتنى به تحقيقًا وضبطًا وتخريجًا: نور الدين طالب، الناشر: دار النوادر (إصدَارات وزَارة الأوقاف والشُّؤُون الإِسلامِيّة إدَارَةُ الشُّؤُونِ الإِسلَامِيّةِ)، الطبعة الأولى، 1430 هـ 2009 م.
• فتح الغفار الجامع لأحكام سُنَّة نبيّنا المختار، المؤلف: الحسن بن أحمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الرُّباعي الصنعاني (المتوفى: 1276 هـ)، المحقق: مجموعة بإشراف: الشيخ علي العمران، الناشر: دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى، 1427 هـ.
• فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، المؤلف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار النشر: دار الفكر بيروت.
• فتح المتعال في مدح النعال، المؤلف: أحمد بن محمد بن أحمد المقري التلمساني، تحقيق: علي عبد الوهاب، عبد المنعم فرج درويش، دار القاضي عياض للتراث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1417 هـ 1997 م، وأيضًا تم الرجوع للمخطوطة بخط: عامر بن سراج الدين الغمراوي، مكتبة جامعة الملك سعود، الرياض، قسم المخطوطات.
• فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، المؤلف: عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (المتوفى: 1285 هـ)، المحقق: محمد حامد الفقي، الناشر: مطبعة السُّنَّة المحمدية، القاهرة، مصر، الطبعة السابعة، 1377 هـ 1957 م.
• فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، تأليف الحافظ المؤرخ: شمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي، دراسة وتحقيق: د. عبد الله بن عبد الكريم بن عبد الرحمن الخضير، د. فهد بن عبد الله بن فهيد آل فهيد، مكتبة دار المنهاج، الرياض، الطبعة الثانية، 1428 هـ.
• فتوح البلدان، المؤلف: أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري (المتوفى: 279 هـ)، الناشر: دار ومكتبة الهلال بيروت، عام النشر: 1988 م.
• فتوح الشام، المؤلف: محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي (المتوفى: 207 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1417 هـ 1997 م.
• فتوح مصر والمغرب، المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، أبو القاسم المصري (المتوفى: 257 هـ)، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، عام النشر: 1415 هـ.
• الفرق الكلامية (المشبهة الأشاعرة الماتريدية) نشأتها، وأصولها، وأشهر رجالها، ومواقف السلف منها، المؤلف: ناصر بن عبد الكريم العقل، دار الوطن الرياض، الطبعة الأولى، 1422 هـ 2001 م.
• الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، المؤلف: عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي التميمي الأسفراييني، أبو منصور (المتوفى: 429 هـ)، الناشر: دار الآفاق الجديدة بيروت، الطبعة الثانية، 1977 م.
• الفروع، ومعه تصحيح الفروع لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي، المؤلف: محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي الحنبلي (المتوفى: 763 هـ)، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1424 هـ 2003 م.
• فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية (مطبوع مع رسالة قطف الثمر لصديق حسن خان)، المؤلف: أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي (المتوفى: 1342 هـ)، تقديم وتعليق: محب الدين الخطيب، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1421 هـ.
• فصول من تاريخ المدينة المنورة، المؤلف: علي حافظ، شركة المدينة المنورة، الطبعة الثالثة، 1417 هـ 1996 م.
• فضائل الشام ودمشق للربعي، مناقب الشام وأهله لشيخ الإسلام ابن تيمية، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة، 1405 هـ.
• فضل الإسلام، المؤلف: الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206 هـ)، دراسة وتحقيق: إسماعيل الأنصاري، محمد عيد، عبد العزيز بن إبراهيم الفريح، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية.
• فضل المدينة وآداب سكناها وزيارتها، المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر، الناشر: مطبعة النرجس، الطبعة الأولى، 1421 هـ 2000 م.
• فقه السيرة، المؤلف: محمد الغزالي السقا (المتوفى: 1416 هـ)، الناشر: دار القلم، دمشق، تخريج الأحاديث: محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1427 هـ.
• الفقه على المذاهب الأربعة، المؤلف: عبد الرحمن الجزيري، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية، 1424 هـ 2003 م.
• الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، المؤلف: أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم ابن مهنا، شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (ت: 1126 هـ)، الناشر: دار الفكر، الطبعة: بدون طبعة، تاريخ النشر: 1415 هـ 1995 م.
• الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، المؤلف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني (المتوفى: 1250 هـ)، المحقق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.
• فيض الباري على صحيح البخاري، المؤلف:(أمالي) محمد أنور شاه بن معظم شاه الكشميري الهندي ثم الديوبندي (المتوفى: 1353 هـ)، المحقق: محمد بدر عالم الميرتهي، أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية بدابهيل (جمع الأمالي وحررها ووضع حاشية البدر الساري إلى فيض الباري)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1426 هـ 2005 م.
• فيض القدير شرح الجامع الصغير، المؤلف: زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى: 1031 هـ)، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى مصر، الطبعة الأولى، 1356 هـ، مع تعليقات يسيرة لماجد الحموي.
• الفينيقيون وأساطيرهم، المؤلف: محمد الدنيا، مجلة لبنانية، رئيس مجلس الإدارة وزير الثقافة: رياض عصمت، المدير المسؤول: محمود عبد الواحد، رئيس التحرير: انطوانيت القس، مستشار التحرير: نوفل نيوف، الإشراف الطباعي: أنس الحسن.
• قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728 هـ)، المحقق: ربيع بن هادي عمير المدخلي، الناشر: مكتبة الفرقان عجمان، الطبعة الأولى، 1422 هـ 2001 م.
• قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728 هـ)، المحقق: سليمان بن صالح الغصن، الناشر: دار العاصمة الرياض، الطبعة الثانية، 1418 هـ 1997 م.
• قاعدة في الجرح والتعديل، مطبوع مع كتاب أربع رسائل في علوم الحديث، المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771 هـ)، المحقق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: دار البشائر بيروت، الطبعة الخامسة، 1410 هـ 1990 م.
• قاعدة في الوسيلة، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728 هـ)، تحقيق وتعليق: علي بن عبد العزيز بن علي الشبل، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1420 هـ 1999 م.
• القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، راجعه واعتنى به: أنس محمد الشامي، زكريا جابر أحمد، دار الحديث، القاهرة، تاريخ النشر: 1429 هـ 2008 م.
• القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة، لخادم حسين إلهي بخش، مكتبة الصديق، الطائف، الطبعة الثانية، 1421 هـ 2000 م.
• القرآنيون، نشأهم عقائدهم أدلتهم، المؤلف: علي محمد زينو، الناشر: دار القبس، دمشق، الطبعة الأولى، 1432 هـ 2011 م.
• القرى لقاصد أم القرى، المؤلف: أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر محب الدين الطبري المكي أبو العباس، الكتاب لم يدون عليه أي معلومة مرجع.
• قصة الحضارة، المؤلف: ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، اختارته وأنفقت على ترجمته: الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية.
• قصة وتاريخ الحضارات العربية بين الأمس واليوم، المؤلف: جوزف صقر، المطبعة الدولية، 1998 - 1999 م.
• قصص الأنبياء، فصول في ذكر ما قصّ الله علينا في كتابه من أخبار الأنبياء مع أقوامهم، المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376 هـ)، طبعة منقحة، ومخرجة الأحاديث تعتمد في تصحيحات وتضعيفات أحاديثها على أحكام الشيخ المحدّث محمد ناصر الدين الألباني، دار الآثار، القاهرة، الطبعة الثانية، 1434 هـ 2013 م.
• القواعد الأربع، مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء (6)، المؤلف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206 هـ)، المحقق: عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد وغيره، الناشر: دار القاسم، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1421 هـ 2000 م.
• قواعد الفقه، المؤلف: محمد عميم الإحسان المجددى البركتى، دار النشر: الصدف، ببلشرز.
• قواعد تعارض المصالح والمفاسد، المؤلف: سليمان بن سليم الله الرحيلي، دار الميراث النبوي، الجزائر، 1437 هـ 2016 م.
• قواعد وأسس في السُّنَّة والبدعة، (اتباع لا ابتداع)، المؤلف: حسام الدين بن موسى محمد بن عفانة، بيت المقدس، فلسطين، الطبعة الثانية، مصححة، 1425 هـ 2004 م.
• القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير، المؤلف: عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1423 هـ 2003 م.
• القول الجلي في بيان بطلان المشروع المسمى السلام عليك أيها النبي، تأليف: أبي عبد الرحمن عبد الله بن صالح العبيلان، تقديم: صالح بن فوزان الفوزان، اعتنى به: أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي، دار اللؤلؤة، بيروت، الطبعة الأولى، 1435 هـ 2014 م.
• القول الجلي في مشروع السلام عليك أيها النبي، مع فتاوى العلماء الكبار حول المشروع، وفتاوى مشابهة لهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة، إعداد: عمر عبد الرحمن العمر، مطابع الحميضي، الرياض، 1433 هـ.
• القول السديد في شرح كتاب التوحيد، المؤلف: أبو عبد الله، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي (المتوفى: 1376 هـ)، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1421 هـ.
• القول المسدد في حكم الاحتفال بالمولد، المؤلف: محمد الحمود النجدي، لجنة الدعوة والإرشاد، صباح الناصر، جمعية إحياء التراث الإسلامي، 1429 هـ.
• القول المفيد على كتاب التوحيد، المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)، الناشر: دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، محرم 1424 هـ.
• الكامل في التاريخ، تأليف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني، تحقيق: أبو الفداء عبد الله القاضي، دار النشر: دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1407 هـ 1987 م.
• أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة، المؤلف: نخبة من العلماء، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، تاريخ النشر: 1421 هـ.
• كتاب الأحكام، رسالة مدرج ضمن مجموع كتب ورسائل وفتاوى ربيع بن هادي عمير مدخلي، دار الإمام أحمد، القاهرة، الطبعة الأولى، 1431 هـ 2010 م.
• كتاب التوحيد، تأليف: الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، سنة الولادة: 1115 هـ/ سنة الوفاة: 1206 هـ، تحقيق: عبد العزيز بن زيد الرومي، د. محمد بلتاجي، د. سيد حجاب، الناشر: مطابع الرياض، مكان النشر: الرياض.
• كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، للإمام الحافظ محمد بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار المعرفة بيروت، 1412 هـ 1992 م.
• الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي بيروت.
• كشف الستور في نهي النساء عن زيارة القبور، المؤلف: حماد بن محمد الأنصاري الخزرجي السعدي (ت: 1418 هـ)، الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، طبعة: السنة 13 (العدد: 52) 1401 هـ 1981 م.
• الكشف والبيان (تفسير الثعلبي)، المؤلف: أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري، (ت: 427 هـ 1035 م)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، سنة النشر: 1422 هـ 2002 م، مكان النشر: بيروت لبنان.
• الكشف والبيان عن تفسير القرآن، المؤلف: أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (ت: 427 هـ)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1422 هـ 2002 م.
• الكفاية في علم الرواية، المؤلف: أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي، الناشر: المكتبة العلمية المدينة المنورة، تحقيق: أبو عبد الله السورقي، إبراهيم حمدي المدني.
• الكفاية في معرفة أصول علم الرواية، للخطيب البغدادي، الإمام الحافظ المحدّث أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت، تحقيق وتعليق: أبي إسحاق إبراهيم بن مصطفى آل بحبح الدمياطي، دار الهدى مبيت غمر، الطبعة الأولى، 1423 هـ 2003 م.
• الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، المؤلف: محمد بن يوسف بن علي بن سعيد، شمس الدين الكرماني (المتوفى: 786 هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، طبعة أولى: 1356 هـ 1937 م، طبعة ثانية: 1401 هـ 1981 م.
• كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري، المؤلف: محمَّد الخَضِر بن سيد عبد الله بن أحمد الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1354 هـ)، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1415 هـ 1995 م.
• الكوكب الدري على جامع الترمذي، المؤلف: رشيد أحمد الكنكوهي محمد يحيى بن محمد إسماعيل الكاندهلوي، المحقق: محمد زكريا بن محمد يحيى الكاندهلوي، الناشر: لجنة العلماء لكهنؤ الهند، سنة النشر: 1395 هـ 1975 م.
• الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (المسمَّى: الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج)، جمع وتأليف: محمد الأمين بن عبد الله الأُرَمي العَلَوي الهَرَري الشافعي، نزيل مكة المكرمة والمجاور بها، مراجعة: لجنة من العلماء برئاسة: البرفسور هاشم محمد علي مهدي، المستشار برابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة، الناشر: دار المنهاج دار طوق النجاة، الطبعة الأولى، 1430 هـ 2009 م.
• لا ذرائع لهدم آثار النبوة، مقالات وردود بين المؤيدين والمعارضين، المؤلف: عمر بن عبد الله كامل، بيسان، لبنان، الطبعة الأولى، 2003 م.
• اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، (المتوفى: 911 هـ)، تحقيق أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، سنة النشر: 1417 هـ 1996 م.
• لسان العرب، المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي (المتوفى: 711 هـ)، الناشر: دار صادر بيروت، الطبعة الثالثة: 1414 هـ.
• لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَّلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795 هـ)، الناشر: دار ابن حزم للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1424 هـ 2004 م.
• اللطائف والطب الروحاني، المؤلف: عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي أبو الفرج، المحقق: عبد القادر أحمد عطا، الناشر: دار الطباعة المحمدية القاهرة.
• لغز الحضارة الفرعونية، المؤلف: سيد كريم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996 م.
• اللقاءات الشهرية، المؤلف: محمد بن صالح العثيمين، من إصدارات مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، القصيم، الطبعة الأولى، 1437 هـ.
• لقاءات وجلسات، المؤلف: صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، تحقيق: عادل بن محمد مرسي رفاعي، مكتبة دار الحجاز، القاهرة، 1435 هـ 2014 م.
• لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (المتوفى: 1188 هـ)، مؤسسة الخافقين ومكتبتها دمشق، الطبعة الثانية، 1402 هـ 1982 م.
• ماء الموائد والمسماة ب الرحلة العياشية، أبو سالم عبد الله بن محمد العياشي، حققها وقدّم لها: د. سعيد الفاضلي، د. سليمان القرشي، الكتاب الحائز على جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي 2005 م، يشرف على هذه السلسلة، مشرف السلسلة: نوري الجراح، مستشار التحرير: علي كنعان، أمانة التحرير: محسن خالد، أيمن حجازي، الإشراف الفني: ناصر بخيت، التنفيذ والتنسيق: علاء البيوك.
• المبدع في شرح المقنع، المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين (المتوفى: 884 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1418 هـ 1997 م.
• المبشرون والمستشرقون في موقفهم من الإسلام، المؤلف: محمد البهي، الناشر: مطبعة الأزهر، الإدارة العامة لجامع الأزهر.
• متاحف الآثار والتراث، المؤلف: خلف فارس الطروانة، دار دجلة، الأردن، الطبعة الأولى، 2015 م.
• متحف الآثار النبوية، لسمير بن خليل المالكي (مقال إلكتروني حُرر يوم الأحد 14/ 11/ 1433 هـ) الصفحة الخاصة بالمؤلف عبر موقع صيد الفوائد:http://www.saaid.net/Doat/samer/40.htm
• متن القصيدة النونية، المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751 هـ)، الناشر: مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1417 هـ.
• مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن، المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 هـ)، المحقق: مرزوق علي إبراهيم، تقديم: حماد بن محمد الأنصاري، الناشر: دار الراية، الطبعة الأولى، 1415 هـ 1995 م.
• المجالس الأربعة من مجالس الأبرار، لأحمد الرومي الحنفي، الرسالة مدرجة ضمن المجموع المفيد في نقض القبورية ونصرة التوحيد، جمع: محمد بن عبد الرحمن الخميّس، مجموعة رسائل محققة، دار أطلس.
• مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد وعند القبور، المؤلف: عبد العزيز بن فيصل الراجحي، تقديم: الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، الناشر: مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1425 هـ 2004 م.
• المجتبى من السنن والمسمى السنن الصغرى للنسائي، المؤلف: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: 303 هـ)، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية حلب، الطبعة الثانية، 1406 هـ 1986 م.
• مجلة البيان (الحلقة الثالثة العدد: 130 جمادى الآخرة، 1419 هـ)، الصادرة عن المنتدى الإسلامي، الناشر لها إلكترونيًّا: المكتبة الشاملة.
• مجلة اللواء الإسلامي، العدد (66) السنة الثانية، بتاريخ 15/ رجب/ 1403 هـ 28 أبريل 1983 م.
• مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، المؤلف: نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (735 - 807 هـ)، بتحرير الحافظين الجليلين: العراقي وابن جحر، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة 1408 هـ 1988 م.
• مجموع ابن سعدي في العقيدة والمنهج والدعوة، المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، الناشر: دار الاستقامة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1436 هـ 2014 م.
• مجموع الفتاوى، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728 هـ)، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر: 1416 هـ 1995 م.
• المجموع المفيد في تفسير كلمة التوحيد لا إله إلا الله، المؤلفون: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، ربيع بن هادي عمير المدخلي، زيد بن محمد بن هادي المدخلي، عبيد بن عبد الله بن سليمان الجابري عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر، دار الميراث النبوي، مصر، 1436 هـ 2015 م.
• مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي، المؤلف: زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَّلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795 هـ)، المحقق: أبو مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1423 هـ 2002 م.
• المجموع شرح المهذب مع تكملة السبكي والمطيعي، المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت: 676 هـ)، الناشر: دار الفكر.
• مجموع فتاوى ورسائل العلامة محمد العثيمين، المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)، جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، الناشر: دار الوطن دار الثريا، طبعة: 1413 هـ.
• مجموع فتاوى ومقالات العلامة عبد العزيز بن باز، المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420 هـ)، أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر، الناشر: موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء. [تمت الاستفادة من هذه الطبعة في مبحث آثار القبور والمشاهد فقط]
• مجموع فتاوى ومقالات متنوعة العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله، المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420 هـ)، أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر، دار القاسم، الرياض، 1421 هـ.
• مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، المؤلف: علماء نجد الأعلام، الناشر: مطبعة المنار مصر، الطبعة الأولى، 1344 هـ 1349 هـ.
• مجموعة الرسائل والمسائل، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728 هـ)، علق عليه: السيد محمد رشيد رضا، الناشر: لجنة التراث العربي.
• مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الأول)، المؤلف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206 هـ)، المحقق: إسماعيل بن محمد الأنصاري، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية.
• محبة الرسول بين الاتباع والابتداع، المؤلف: عبد الرؤوف محمد عثمان، الناشر: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، إدارة الطبع والترجمة الرياض، الطبعة الأولى، 1414 هـ.
• المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، المؤلف: أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي الفارسي (المتوفى: 360 هـ)، المحقق: د. محمد عجاج الخطيب، الناشر: دار الفكر بيروت، الطبعة الثالثة، 1404 هـ.
• المحرر الوجيز، المؤلف: الإمام الحافظ أبو بكر غالب، بن عبد الرحمن، بن غالب، بن عبد الرؤوف، بن تمام، بن عبد اللّه، بن تمام، بن عطية، بن خالد، بن عطية الأندلسي، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، سنة الطبع: 1422 هـ.
• المحصول في علم الأصول، محمد بن عمر بن الحسين الرازي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض، الطبعة الأولى، 1400 هـ، تحقيق: طه جابر فياض العلواني.
• المحلى بالآثار، المؤلف: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456 هـ)، الناشر: دار الفكر بيروت.
• مختصر الشمائل المحمدية، المؤلف: محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279 هـ)، الناشر: المكتبة الإسلامية عمان الأردن، اختصره وحققه: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، ابن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، الأرنؤوطي (المتوفى: 1420 هـ).
• مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، مؤلف الأصل: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751 هـ)، اختصره: محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان البعلي شمس الدين، ابن الموصلي (المتوفى: 774 هـ)، المحقق: سيد إبراهيم، الناشر: دار الحديث، القاهرة مصر، الطبعة الأولى، 1422 هـ 2001 م.
• مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، المؤلف: محمد بن مكرم، المعروف: بابن منظور، تحقيق: روحية النحاس، رياض عبد الحميد مراد، محمد مطيع الحافظ، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1404 هـ 1984 م.
• مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء (6)، المؤلف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206 هـ)، المحقق: عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد وغيره، الناشر: دار القاسم، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1421 هـ 2000 م.
• المخصص، المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي (المتوفى: 458 هـ)، المحقق: خليل إبراهيم جفال، الناشر: دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة الأولى، 1417 هـ 1996 م.
• مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، المؤلف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، تحقيق: محمد حامد الفقي، الناشر: دار الكتاب العربي بيروت، الطبعة الثانية، 1393 هـ 1973 م.
• المدخل إلى علم الآثار وفن المتاحف، المؤلف: سمير أديب، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1428 هـ 2008 م.
• المدخل إلى علم الآثار، المؤلف: زيدان كفافي، جامعة اليرموك، إربد الأردن، 2004 م.
• المدخل لدراسة الآثار والمدن الإسلامية، المؤلف: أحمد أرشيد عثمان الخالدي، دار المعتز، عمان، الطبعة الأولى، 1433 هـ 2012 م.
• المدخل، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج، (المتوفى 737 هـ)، الناشر دار الفكر، سنة النشر: 1401 هـ 1981 م.
• المدونة الكبرى، المؤلف: مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (المتوفى: 179 هـ)، المحقق: زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
• مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر، محمد الأمين بن محمد المختار الجنكي الشنقيطي، إشراف: بكر أبو زيد، تمويل: مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي، دار عالم الفوائد، الطبعة الرابعة، 1437 هـ.
• مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، المؤلف: أبو محمد عفيف الدين عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي (المتوفى: 768 هـ)، وضع حواشيه: خليل المنصور، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1417 هـ 1997 م.
• مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، المؤلف: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت [تم الرجوع لهذه النسخة في مطلب آثار المواسم الزمانية فقط].
• مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، المؤلف: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، ونقد مراتب الإجماع لابن تيمية، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1402 هـ 1982 م.
• مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، المؤلف: عبد المؤمن بن عبد الحق، ابن شمائل القطيعي البغدادي، الحنبلي، صفيّ الدين (المتوفى: 739 هـ)، الناشر: دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، 1412 هـ.
• مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، المؤلف: علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 هـ)، الناشر: دار الفكر، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1422 هـ 2002 م.
• مروج الذهب ومعادن الجوهر، المؤلف: أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي المعتزلي، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، 1989 م.
• المزدلفة أسماؤها حدودها أحكامها، المؤلف: عبد العزيز بن أحمد بن محسن الحميدي، دار الطرفين، مكتبة الفرقان، مكة المكرمة.
• المساجد السبعة تاريخًا وأحكامًا، المؤلف: أبي جابر عبد الله بن عثمان الأنصاري، تقريظ: صالح بن فوزان الفوزان، دار الغرباء الأثرية، المدينة النبوية، الطبعة الأولى، 1427 هـ 2006 م.
• مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله، المؤلف: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241 هـ)، المحقق: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الأولى، 1401 هـ 1981 م.
• المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع جمعًا ودراسة، تأليف: خالد بن مسعود الجعيد، وعلي بن جابر العلياني، وناصر بن حمدان الجهني، إشراف: د. عبد الله الدميجي، الناشر: دار الهدي النبوي بمصر، ودار الفضيلة بالمملكة العربية السعودية، الرياض، الطبعة الأولى، 1428 هـ 2007 م.
• المسائل العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية، المؤلف: ألطاف الرحمن بن ثناء الله، رسالة علمية مقدمة لنيل درجة العالمية العالية الدكتوراه في الجامعة الإسلامية، بالمدينة النبوية، إشراف: سعود بن عبد العزيز الخلف، العام الجامعي: 1432 - 1433 هـ.
• المسائل العقدية المتعلقة بذات النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة، المؤلف: فهد بن عايد بن حامد المرواني الجهني، رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة الإسلامية، وقد حازت الرسالة على درجة الامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، دار العقيدة، القاهرة، 1436 هـ 2015 م.
• المسائل العقدية المتعلقة بمكة المكرمة، لمحمد عمر، إشراف: صالح بن محمد العقيل، رسالة علمية مقدمة لنيل درجة الماجستير العالمية في العقيدة، في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، العام الجامعي: 1434 هـ 1435 هـ.
• مسائل حرب الكرماني، المؤلف: أبو محمد حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني (المتوفى: 280 هـ)، إعداد: فايز بن أحمد بن حامد حابس، إشراف: حسين بن خلف الجبوري، الناشر: جامعة أم القرى، عام النشر: 1422 هـ.
• المستدرك على الصحيحين مع تعليقات الذهبي في التلخيص، المؤلف: أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (المتوفى: 405 هـ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1411 هـ 1990 م.
• مستشرقون في علم الآثار كيف قرأوا الألواح وكتبوا التاريخ، المؤلف: محمد الأسعد، الدار العربية ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى، 1431 هـ 2010 م.
• المستشرقون والسُّنَّة والسيرة في المراجع العربية، لمؤلف: علي بن إبراهيم النملة، بيسان، بيروت، الطبعة الأولى، 1431 هـ 2010 م.
• المستشرقون، المؤلف: نجيب العقيقي، دار المعارف، مصر، الطبعة الثالثة، 1964 م.
• المستصفى في علم الأصول، المؤلف: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505 هـ)، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1413 هـ 1993 م.
• المسح الأثري في الوطن العربي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إدارة الثقافة، تونس، وقائع المؤتمر الثاني عشر للآثار في الوطن العربي، المقام في البحرين، المنامة، 1413 هـ 1993 م.
• مسند الإمام أحمد بن حنبل، المؤلف: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241 هـ)، المحقق: شعيب الأرنؤوط، عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1421 هـ 2001 م.
• مسند الإمام أحمد بن حنبل، المؤلف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني. (ت: 241 هـ)، المشرق العلم على إصدار هذه الموسوعة: عبد الله بن عبد المحسن التركي، وشارك في التحقيق وتخريج الأحاديث والتعليق: شعيب الأرنؤوط، محمد نعيم العرقوسي، عادل مرشد، إبراهيم الزيبق، محمد رضوان العرقوسي، كامل الخراط، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية: 1429 هـ 2008 م.
• مسند الإمام الدارمي، المؤلف: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، درسه وضبط نصوصه وحققها: الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني، الناشر:(بدون ناشر)، (طُبع على نفقة رجل الأعمال: الشيخ جمعان بن حسن الزهراني)، الطبعة الأولى، 1436 هـ 2015 م.
• المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، المؤلف: مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261 هـ)، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي بيروت.
• المسنَد الصَّحيح المُخَرّج عَلى صَحِيح مُسلم، المؤلف: أبو عَوانة يَعقُوب بن إسحَاق الإسفرَايينيّ (المتوفى 316 هـ)، تحقيق: ج: 1، 2: عَبَّاس بن صفاخان بن شهَاب الدّين، ج: 3، 4: د. بَابا إِبْرَاهِيم الكميروني، ج: 5، 6: د. مُحَمَّد محمدي مُحَمَّد جميل، ج: 7: د. عبد الله بن مُحَمَّد مدنِي بن حَافظ، ج: 8: د. بشير بن عَليّ بن عمر، د. رَبَاح بن رُضيمَان الْعَنزي، د. عبد الله بن مُحَمَّد مدنِي بن حَافظ، ج: 9، 10: سَراج الحقّ بن محمّد هَاشِم، ج: 11: د. مُحَمَّد بن عبد الله بن عَطاء الله عَطِيَّة الله، ج: 12: د. عبد الْكَرِيم بن إِبْرَاهِيم آل غضية، ج: 13: د. سَالم بن عمر با عبد الله، ج: 14: د. رَبَاح بن رُضيمَان الْعَنزي، ج: 15: د. هاني بن أَحْمد بن عمر فَقِيه، ج: 16: د. عمر مصلح الْحُسَيْنِي، ج: 17، 18: د. أحمَد بن حَسَن الْحَارِثِيّ، ج: 19، 20: د. عَبد الله بن محمّد بن سعُود آل مسَاعِد، تنسيق وإخراج: فَرِيق مِنْ البَاحِثين بكليَّةِ الحَديثِ الشَّريفِ وَالدّرَاسَاتِ الإسلاميَّة بالجَامِعَة الإسلاميَّة، الناشر: الجَامِعَة الإسلاميَّة، المملَكة الْعَرَبيَّة السَّعُودية، الطبعة الأوُلى، 1435 هـ 2014 م.
• المُشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية، المؤلف: محمد سلطان المعصومي الخجندي المكي الحنفي، (ت: 1381 هـ)، نشر وتوزيع: رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، بالمملكة العربية السعودية.
• مشروع السلام عليك أيها النبي وكلمة سواء، لصالح بن علي الشمراني (مقال إلكتروني حُرر بتاريخ 10/ 11/ 1433 هـ) يُنظر: المقال عبر الشبكة العنكبوتية لموقع طريق الإسلام:https://ar.islamway.net/article/11645/مشروع السلام عليك أيها النبي وكلمة سواء.
• مشكاة المصابيح، المؤلف: محمد بن عبد الله الخطيب العمري، أبو عبد الله، ولي الدين، التبريزي (المتوفى: 741 هـ)، المحقق: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1985 م.
• المصادر العامة للتلقي عند الصوفية عرضًا ونقدًا، تأليف: صادق سليم صادق، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1415 هـ 1994 م.
• مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل، إعداد: عثمان بن جمعة ضميرية، بحث مستل من مجلة البحوث الإسلامية العدد السادس والأربعون الإصدار: من رجب إلى شوال سنة 1416 هـ البحوث.
• المصالح المرسلة، تأليف: محمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي، الناشر الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1410 هـ.
• المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المؤلف: أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (المتوفى: نحو 770 هـ)، الناشر: المكتبة العلمية بيروت.
• المصنف في الأحاديث والآثار، المؤلف: أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي (المتوفى: 235 هـ)، المحقق: كمال يوسف الحوت، الناشر: مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الأولى، 1409 هـ.
• معاد والتاريخ، المؤلف: محمد بن عبد الله المقدي، تقديم: عبد العزيز بن محمد آل العبد اللطيف، إحسان، الطبعة الأولى، 1439 هـ 2018 م.
• معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول، المؤلف: حافظ بن أحمد بن علي الحكمي (ت: 1377 هـ)، المحقق: عمر بن محمود أبو عمر، الناشر: دار ابن القيم الدمام، الطبعة الأولى، 1410 هـ 1990 م.
• معالم أصول الفقه عند أهل السُّنَّة والجماعة، المؤلف: محمد بن حسين بن حسن الجيزاني، دار ابن الجوزي، الطبعة السابعة، 1429 هـ.
• المعالم الأثيرة في السُّنَّة والسيرة، المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب، الناشر: دار القلم، الدار الشامية دمشق بيروت، الطبعة الأولى: 1411 هـ.
• معالم التنزيل في تفسير القرآن، المشهور بتفسير البغوي، المؤلف: أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (ت: 510 هـ)، المحقق: عبد الرزاق المهدي، الناشر: دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة الأولى، 1420 هـ.
• معالم السنن، وهو: شرح سنن أبي داود، المؤلف: أبو سليمان أحمد بن محمد الخطابي البستي (288 هـ)، الناشر: المطبعة العلمية حلب، الطبعة الأولى، 1351 هـ 1932 م.
• معالم حضارات الشرق الأدنى القديم، المؤلف: محمد أبو المحاسن عصفور، دار النهضة العربية، بيروت، 1408 هـ 1987 م.
• معالم مكة التاريخية والأثرية، المؤلف: عاتق بن غيث بن زوير بن زاير بن حمود بن عطية بن صالح البلادي الحربي (المتوفى: 1431 هـ)، الناشر: دار مكة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1400 هـ 1980 م.
• معاني القرآن وإعرابه، المؤلف: إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311 هـ)، المحقق: عبد الجليل عبده شلبي، الناشر: عالم الكتب بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ 1988 م.
• المعتزلة وأصولهم الخمسة، عواد بن عبد الله المعتق، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الرابعة 1421 هـ 2001 م.
• المعتقد الصحيح، المؤلف: أبو عبد الرحمن عبد السلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم (1387 - 1425 هـ)، مكتبة الفرقان، عجمان، الطبعة الرابعة، 1423 هـ 2002 م.
• معجم الأدباء، المسمى أيضًا: إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، المؤلف: شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي (المتوفى: 626 هـ)، المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1414 هـ 1993 م.
• معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة، المؤلف: محمد العدناني، مكتبة لبنان، ساحة رياض الصلح، بيروت، الطبعة الأولى: 1984 م، إعادة طبع: 1989 م.
• معجم البدع، المؤلف: رائد بن صبري بن أبي علفة، الناشر: دار العاصمة لِلنَّشْرِ وَالتَّوزيع، الطبعة الأولى، 1417 هـ 1996 م.
• معجم البلدان، المؤلف: ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله، الناشر: دار الفكر بيروت.
• معجم التعريفات، المؤلف: علي بن محمد بن علي الجرجاني، الناشر: دار الفضيلة، القاهرة، تحقيق: محمد صديق المنشاوي.
• معجم اللغة العربية المعاصرة، المؤلف: أحمد مختار عمر، الناشر: عالم الكتب القاهرة، الطبعة الأولى، تاريخ النشر: 1429 هـ 2008 م.
• معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة في ضوء المصادر الأصيلة والمراجع الحديثة، المؤلف: أ. د. سعود بن عيد بن عمير الصاعدي، دار الميراث النبوي، جدة، 1439 هـ 2018 م.
• معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، عاتق بن غيث بن زوير بن زاير بن حمود بن عطية بن صالح البلادي الحربي (ت: 1431 هـ)، الناشر: دار مكة للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1402 هـ 1982 م.
• المعجم المفصل في دقائق اللغة العربية، المؤلف: إميل بديع يعقوب، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1417 هـ 1996 م.
• معجم المؤلفين، المؤلف: عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة الدمشق (المتوفى: 1408 هـ)، الناشر: مكتبة المثنى بيروت، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
• معجم النفائس الكبير، لجماعة من المختصين، بإشراف: أ. د. أحمد أبو حاقة، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1482 هـ 2007 م.
• المعجم الوسيط، المؤلفين: إبراهيم مصطفى أحمد الزيات حامد عبد القادر محمد النجار، دار النشر: دار الدعوة، تحقيق: مجمع اللغة العربية، القاهرة.
• معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، المؤلف: أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (المتوفى: 487 هـ)، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثالثة، 1403 هـ.
• معجم مصطلحات علوم القرآن، المؤلف: أ. د. محمد بن عبد الرحمن الشايع، دار التدمرية، الرياض، الطبعة الأولى: 1433 هـ 2012 م.
• مقاييس اللغة، المؤلف: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي، المحقق: إبراهيم شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، بيروت، الطبعة الثالثة، 1432 هـ 2011 م [تم الرجوع لهذه النسخة في التمهيد والفصل الأول].
• مقاييس اللغة، المؤلف: أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395 هـ)، المحقق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: دار الفكر، عام النشر: 1399 هـ 1979 م [تم الرجوع لهذه النسخة في توضيح الألفاظ الغريبة والفصل الثاني والثالث فقط].
• معرفة السنن والآثار عن الإمام أبي عبد الله محمد بن أدريس الشافعي، الحافظ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو أحمد، البيهقي، الخسروجردي، (المتوفى: 458 هـ)، تحقيق: سيد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية، مكان النشر: لبنان بيروت.
• معرفة الصحابة، المؤلف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430 هـ)، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م.
• معرفة النسخ والصحف الحديثية، المؤلف: بكر بن عبد الله أبو زيد، الناشر: دار الراية، الطبعة الأولى، 1412 هـ 1992 م.
• معرفة علوم الحديث، تأليف: الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري، دراسة وتحقيق: زهير شفيق الكبي، الناشر: دار إحياء العلوم.
• المُعْلم بفوائد مسلم، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التَّمِيمي المازري المالكي (المتوفى: 536 هـ)، المحقق: فضيلة الشيخ محمد الشاذلي النيفر، الناشر: الدار التونسية للنشر، المؤسّسة الوطنية للكتاب بالجزائر، المؤسّسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدّراسات، بيت الحكمة، الطبعة الثانية، 1988 م، والجزء الثالث صدر بتاريخ 1991 م.
• معنى لا إله إلا الله، المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي (المتوفى: 794 هـ)، المحقق: علي محيي الدين علي القرة راغي، الناشر: دار الاعتصام القاهرة، الطبعة الثالثة، 1405 هـ 1985 م.
• المغرب في ترتيب المعرب، المؤلف: أبو الفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي بن المطرز، تحقيق: محمود فاخوري وعبد الحميد مختار، الناشر: مكتبة أسامة بن زيد حلب، الطبعة الأولى، 1399 هـ 1979 م.
• المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620 هـ)، الناشر: دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ.
• المفاتيح في شرح المصابيح، المؤلف: الحسين بن محمود بن الحسن، مظهر الدين الزَّيْدَانيُّ الكوفي الضَّريرُ الشِّيرازيُّ الحَنَفيُّ المشهورُ بالمُظْهِري (المتوفى: 727 هـ)، تحقيق ودراسة: لجنة مختصة من المحققين بإشراف: نور الدين طالب، الناشر: دار النوادر، وهو من إصدارات إدارة الثقافة الإسلامية وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة الأولى، 1433 هـ 2012 م.
• مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، المؤلف: شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن طولون الصالحي، وضع حواشيه: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ 1998 م.
• مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ)، الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الطبعة: الثالثة، 1409 هـ 1989 م.
• مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، المؤلف: أحمد بن مصطفى، الشهير ب طاشْكُبْري زَادَهْ، الناشر: دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة الأولى، 1405 هـ 1985 م.
• مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، المؤلف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، 1419 هـ 1998 م.
• المفردات في غريب القرآن، المؤلف: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت: 502 هـ)، المحقق: صفوان عدنان الداودي، الناشر: دار القلم، الدار الشامية دمشق بيروت، الطبعة الأولى: 1412 هـ.
• مكانة السُّنَّة في الإسلام، تأليف: صالح بن فوزان الفوزان، دار النشر: وقف السلام الخيري، الرياض، الطبعة الثالثة، 1429 هـ 2008 م.
• مكة المكرمة تاريخ ومعالم، المؤلف: محمود بن محمد حمو، متابعة: أحمد بن محمد شعبان، التصميم: خالد عبد الفتاح، نوشاد علي كلتل، الصور: أرشيف مشروع تعظيم البلد الحرام، حضارة مكة، الطبعة الثامنة، 1435 هـ 2014 م.
• ملامح علم الآثار وفن المتاحف، المؤلف: ممدوح درويش مصطفى، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1429 هـ 2009 م.
• ملحة الإعراب، المؤلف: القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري (المتوفى: 516 هـ)، المحقق: لا يوجد، الناشر: دار السلام القاهرة مصر، الطبعة الأولى، 1426 هـ 2005 م.
• الملخص في شرح كتاب التوحيد، المؤلف: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، دار النشر: دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى 1422 هـ 2001 م.
• الملل والنحل، المؤلف: محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، الناشر: دار المعرفة بيروت، 1404 هـ.
• المنار المنيف في الصحيح والضعيف، المؤلف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، أعده وأخرجه: منصور بن عبد العزيز السماري، الناشر: دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1416 هـ 1996 م.
• مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسُّنَّة وآثار السلف وسرد ما ألحق الناس بها من البدع، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتبة الإسلامية عمان الأردن، الطبعة الثالثة، 1397 هـ.
• مناهج المستشرقين ومواقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم عرض ونقد في ضوء العقيدة الإسلامية (رسالة دكتوراه)، المؤلف: رياض بن حمد بن عبد الله العمري، مركز التأصيل للدراسات والبحوث، جدة، الطبعة الأولى، 1436 هـ 2015 م.
• المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748 هـ)، المحقق: محب الدين الخطيب.
• المنجد في اللغة والأعلام، المؤلف: لويس معلوف، دار المشرق في بيروت، الطبعة السادسة والثلاثون، تاريخ النشر: 1997 م، دار النشر: المكتبة الشرقية، بيروت.
• منح الجليل شرح مختصر خليل، المؤلف: محمد بن أحمد بن محمد عليش، أبو عبد الله المالكي (المتوفى: 1299 هـ)، الناشر: دار الفكر بيروت، الطبعة: بدون طبعة، تاريخ النشر: 1409 هـ 1989 م.
• منحة الباري بشرح صحيح البخاري المسمى «تحفة الباري» ، المؤلف: زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، زين الدين أبو يحيى السنيكي المصري الشافعي (المتوفى: 926 هـ)، اعتنى بتحقيقه والتعليق عليه: سليمان بن دريع العازمي، الناشر: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1426 هـ 2005 م.
• المنصف للسارق والمسروق منه، المؤلف: الحسن بن علي الضبي التنيسي أبو محمد، المعروف بابن وكيع (المتوفى: 393 هـ)، حققه وقدم له: عمر خليفة بن ادريس، الناشر: جامعة قات يونس، بنغازي، الطبعة: الأولى، 1994 م.
• منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس، المؤلف: عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب آل الشيخ (المتوفى: 1293 هـ)، الناشر: دار الهداية للطبع والنشر والترجمة.
• منهاج السُّنَّة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728 هـ)، المحقق: محمد رشاد سالم، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى، 1406 هـ 1986 م.
• المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة الثانية، 1392 هـ.
• منهج ابن حجر في العقيدة من خلال كتاب فتح الباري، المؤلف محمد إسحاق كندو، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض.
• منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السُّنَّة والجماعة، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الخامسة، 1427 هـ 2006 م.
• منهج الإمام الشافعي في إثبات العقيدة، المؤلف: محمد بن عبد الوهاب العقيل، دار الاستقامة، مصر، الطبعة الأولى، 1433 هـ 2012 م.
• منهج التشريع الإسلامي وحكمته، المؤلف: محمد الأمين بن محمد المختار الجنكي الشنقيطي، المحاضرة الثالثة ضمن كتاب المحاضرات، إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد، تمويل: مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي، دار عالم الفوائد، مكة، الطبعة الرابعة، 1437 هـ.
• منهج التلقي والاستدلال بين أهل السُّنَّة والمبتدعة، المؤلف: أحمد الصويان، دار السليم، الطبعة الثانية، 1999 م.
• المهذب في فقه الإمام الشافعي، المؤلف: إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي أبو إسحاق، الناشر: دار الفكر، بيروت.
• المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، المؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
• الموافقات، المؤلف: إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (المتوفى: 790 هـ)، المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر: دار ابن عفان، الطبعة الأولى، 1417 هـ 1997 م.
• مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني المالكي (المتوفى: 954 هـ)، الناشر: دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1412 هـ 1992 م.
• المورد في عمل المولد، المؤلف: أبي حفص تاج الدين الفاكهاني، المدرج ضمن كتاب رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي، لمجموعة من العلماء، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م، طبعت بإذن من الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء.
• موسوعة الحديث الشريف الكتب الستة: صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبو داود، جامع الترمذي، سنن النسائي، سنن ابن ماجه، إشراف: صالح آل الشيخ، دار السلام، الرياض، الطبعة الأولى، 1420 هـ.
• الموسوعة العربية العالمية، المؤلف: مجموعة من العلماء والباحثين، الناشر: مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الرياض، الطبعة الثانية، 1419 هـ 1999 م.
• موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، تصنيف وإعداد: مجموعة من الأكاديميين والباحثين المختصين في جامعات العالم، مراجعة وتقديم: عدد من كبار العلماء، والمختصين في العالم الإسلامي، المشرف العام: سعود بن سلمان بن محمد آل سعود، دار التوحيد للنشر، الرياض، الطبعة الأولى، 1439 هـ 2018 م.
• موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني، موسوعة تحتوي على أكثر من (50) عملاً ودراسة، حول العلامة الألباني وتراثه الخالد، جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة، صنعه: شادي بن محمد بن سالم آل نعمان، مركز النعمان، مكتبة دار ابن عباس، صنعاء، الطبعة الأولى، 1431 هـ 2010 م.
• الموسوعة الفقهية الكويتية، إصدار: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت، الطبعة الخامسة، 1424 هـ 2004 م.
• موسوعة المستشرقين، المؤلف: عبد الرحمن بدوي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، لبنان، الطبعة الخامسة، 2015 م.
• موسوعة تاريخ مصر عبر العصور، تاريخ مصر القديمة، المؤلفين: عبد العزيز صالح، جمال مختار، محمد إبراهيم بكر، إبراهيم نصحي، فاروق القاضي، أعدها للنشر رئيس التحرير: عبد العظيم رمضان، رئيس مجلس الإدارة: سمير سرحان، الإخراج الفني: مراد نسيم، الهيئة المصرية العامة، فرع الصحافة، لجنة التاريخ والآثار، 1997 م.
• موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، المؤلف: محمد بن علي ابن القاضي محمد حامد بن محمّد صابر الفاروقي الحنفي التهانوي (المتوفى: بعد 1158 هـ)، تقديم وإشراف ومراجعة: د. رفيق العجم، تحقيق: د. علي دحروج، نقل النص الفارسي إلى العربية: د. عبد الله الخالدي، الترجمة الأجنبية: د. جورج زيناني، الناشر: مكتبة لبنان ناشرون بيروت، الطبعة الأولى: 1996 م.
• موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية (أكثر من 9000 موقف لأكثر من 1000 عالم على مدى 15 قرنًا)، المؤلف: أبو سهل محمد بن عبد الرحمن المغراوي، الناشر: المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، القاهرة مصر، النبلاء للكتاب، مراكش المغرب، الطبعة الأولى.
• الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد البدر:http://al-abbaad.com/articles/85-1433-10-21
• أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ، المؤلف: أحمد بن يوسف القرماني، دراسة وتحقيق: فهمي سعد، أحمد حطيط، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1412 هـ 1992 م.
• موقف ابن القيم من التصوف (رسالة دكتوراه)، المؤلف: عبد الرؤوف بن محمد عثمان خيري، إشراف: محمود أحمد، خفاجي، 1417 هـ 1996 م.
• موقف ابن تيمية من المعتزلة في مسائل العقيدة، قدرية عبد الحميد شهاب الدين، إشراف: د. عبد العزيز بن عبد الله عبيد، رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه لعام 1404 - 1405 هـ، بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
• موقف الإمام ابن الجوزي من الصوفية من خلال تلبيس إبليس، المؤلف: علي بن صالح المقوشي، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير، إشراف الدكتور: عبد الله بن عمر الدميجي، جامعة أم القرى، كلية الدعوة وأصول الدين، قسم العقيدة، 1414 هـ.
• موقف المستشرقين من السُّنَّة، المؤلفة: أمامة بنت محمد سالم الحبّال، قدّم لها: بديع سيد اللحام، دار الفيحاء، دمشق بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ 2000 م.
• موقف المستشرقين من الصحابة رضي الله عنهم (رسالة دكتوراه)، المؤلف: سعد بن عبد الله بن سعد الماجد، دار الهدي النبوي، مصر، دار الفضيلة، الرياض، الطبعة الأولى، 1431 هـ 2010 م.
• موقف المعتزلة من السُّنَّة النبوية ومواطن انحرافهم عنها، المؤلف: أبو لبابة حسين، دار اللواء للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1407 هـ 1987 م.
• ميزان الاعتدال في نقد الرجال، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748 هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1382 هـ 1963 م.
• النبوات، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (ت: 728 هـ)، المحقق: عبد العزيز بن صالح الضويان، الناشر: أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1420 هـ 2000 م.
• ندوة الآثار في المملكة العربية السعودية حمايتها والمحافظة عليها، الرياض 15 - 18/ رجب/ 1420 هـ 24 - 27/ اكتوبر/ 1999 م، تحت إشراف: وزارة المعارف، وكالة الآثار والمتاحف، مطابع الهلال.
• نشأة بدع الصوفية، المؤلف: فهد بن سليمان الفهيد، الناشر: غراس، الكويت، الطبعة الأولى.
• نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع، المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420 هـ)، الناشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، إدارة الطبع والترجمة، الطبعة السادسة، 1411 هـ.
• النكت على مقدمة ابن الصلاح، المؤلف: بدر الدين أبي عبد الله محمد بن جمال الدين عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي، الناشر: أضواء السلف الرياض، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م، تحقيق: د. زين العابدين بن محمد بلا فريج.
• نهاية المطلب في دراية المذهب، المؤلف: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين (المتوفى: 478 هـ)، حققه وصنع فهارسه: أ. د/ عبد العظيم محمود الدّيب، الناشر: دار المنهاج، الطبعة الأولى، 1428 هـ 2007 م.
• النهاية في غريب الحديث والأثر، المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (المتوفى: 606 هـ)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي محمود محمد الطناحي، الناشر: المكتبة العلمية بيروت، 1399 هـ 1979 م.
• نور السُّنَّة وظلمات البدعة في ضوء الكتاب والسُّنَّة، المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، الناشر: مطبعة سفير، الرياض، توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض.
• نيل الأوطار، المؤلف: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250 هـ)، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، الناشر: دار الحديث، مصر، الطبعة الأولى، 1413 هـ 1993 م.
• الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه، المؤلف: أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (المتوفى: 437 هـ)، المحقق: مجموعة رسائل جامعية بكلية الدراسات العليا والبحث العلمي جامعة الشارقة، بإشراف: أ. د. الشاهد البوشيخي، الناشر: مجموعة بحوث الكتاب والسُّنَّة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الشارقة، الطبعة الأولى، 1429 هـ 2008 م.
• هذه مفاهيمنا، كتبه: صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، رد على كتاب مفاهيم يجب أن تصحح، لمحمد بن علوي المالكي، مطابع القصيم بالرياض، 1406 هـ.
• هذه هي الصوفية، المؤلف: عبد الرحمن الوكيل، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الرابعة، سنة النشر: 1984 م.
• هؤلاء المشايخ أعجبتهم الأشكال وغفلوا عن الغايات والمآلات، مقال مدرج ضمن كتاب البيان لأخطأ بعض الكتّاب، للشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، الجزء الخامس، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثالثة، 1427 هـ.
• واقعنا المعاصر، المؤلف: محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1418 هـ 1997 م.
• الوثنية الحديثة وموقف الإسلام منها، المؤلف: يوسف بن محمد بن صالح الأحمد، رسالة مقدمة لجامعة أم القرى؛ لنيل درجة الماجستير، في الشريعة الإسلامية، تخصص العقيدة، عام 1406 هـ 1407 هـ.
• الوساطة بين المتنبي وخصومه، المؤلف: أبو الحسن علي بن عبد العزير القاضي الجرجاني (المتوفى: 392 هـ)، تحقيق وشرح: محمد أبو الفضل إبراهيم، علي محمد البجاوي، الناشر: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه.
• الوسيط في المذهب، المؤلف: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505 هـ)، المحقق: أحمد محمود إبراهيم، محمد محمد تامر، الناشر: دار السلام القاهرة، الطبعة الأولى، 1417 هـ.
• الوسيط في تفسير القرآن المجيد، المؤلف: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (المتوفى: 468 هـ)، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس، قدمه وقرظه: الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1415 هـ 1994 م.
• الوفا بأحوال المصطفى، المؤلف: أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، علق عليه: محمد زهري النجار، المؤسسة السعيدية، الرياض، مطبعة الكيلاني، القاهرة.
• وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، المؤلف: علي بن عبد الله بن أحمد الحسني الشافعي، نور الدين أبو الحسن السمهودي (المتوفى: 911 هـ)، اعتنى به ووضع حواشيه: خالد عبد الغني محفوظ، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1419 هـ.
• وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، المؤلف: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر بيروت، طبعة الجزء الثاني عام 1900 م.
• اليوم الآخر في الأديان السماوية والديانات القديمة، المؤلف: يسر محمد سعيد مبيض، دار الثقافة، قطر، مكتب الغزالي، إدلب، الطبعة الأولى، 1412 هـ 1992 م.