المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   أصل هذا الكتاب رسالة ماجستير تخصص فقه - تغير الأجل وأثره في الديون

[مرضي العنزي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

أصل هذا الكتاب رسالة ماجستير تخصص فقه مقارن تقدم بها الباحث إلى قسم الفقه في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم، وأُجيزت بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في 25/ 2/ 1432 هـ.

ص: 4

‌مقدمة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الإنسان في هذه الحياة يحتاج إلى غيره، كما يحتاج غيرُه إليه، وهذا أمر طبيعي في جميع الحاجيات، وخاصة حاجته إلى غيره في التعاملات المالية، وقد يترتب على تعامله مع غيره أن يكون إما دائناً وإما مديناً، والدَيّن إما حال وإما مؤجل، وقد تعرض بعض الأسباب على الدين المؤجل فتغيّر أجله إما تقديمًا وإما تأخيرًا، وقد يُحدث هذا التغيّر أثرًا في الدين؛ لذا أحببت البحث في "تغيّر الأجل وأثره في الديون" لما له من أهمية للمؤسسات المالية، والبنوك، والأفراد، والله ولي التوفيق.

‌أهمية الموضوع:

تبدو أهمية البحث في موضوع "تغيّر الأجل وأثره في الديون" عندما ننظر إلى حاجة المؤسسات المالية، والبنوك، والأفراد إلى معرفة الأحكام التي تترتب على تغيّر الأجل في الديون، والتي يؤدي الإخلال بمعرفتها إلى الوقوع بمحرمات من أخطرها ربا الجاهلية.

ص: 5

‌أسباب اختيار الموضوع:

من أهم الأسباب الداعية لاختيار هذه الدراسة:

1 -

الحاجة الماسة للمؤسسات المالية، والبنوك، والأفراد إلى معرفة الأحكام المتعلقة بمسائل البحث.

2 -

خطورة الإخلال في هذه المسائل؛ لما يترتب عليه من الوقوع في الربا المحرم.

3 -

ظهور مسائل جديدة مرتبطة بتغير الأجل في الديون توجب بحثها بحثاً دقيقاً؛ لأهميتها القصوى.

4 -

رغبتي الشديدة في معرفة أحكام هذه المسائل، والإسهام حسب القدرة والجهد في تزويد المكتبة الفقهية برسالة علمية متواضعة في هذا الموضوع.

5 -

عدم وجود رسالة أكاديمية تشتمل على جميع هذه المسائل حسب اطلاعي.

‌الدراسات السابقة:

لم أجد -حسب اطلاعي- من أفرد مسائل "تغيّر الأجل وأثره في الديون" برسالة أكاديمية مستقلة، وقد بذلت جهداً غير قليل لمعرفة ذلك، حيث تضمن جهد بحثي عن هذا الموضوع عدة جهات علمية متخصصة، منها: مركز الملك فيصل، ومكتبة الملك فهد الوطنية، والمعهد العالي للقضاء فلم أظفر بشيء من ذلك، غير أن هناك بحثاً قد مسّ الموضوع في بعض جوانبه وهو بحث بعنوان "الزمن في الديون" للباحث الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، والبحث يتكون من اثنتين وخمسين صفحة، ويشتمل على خمسة مباحث وخاتمة، وهي:

المبحث الأول: الزيادة المرتبطة بالزمن في الدين والفرق بينها وبين الزيادة في البيع المؤجل.

ص: 6

المبحث الثاني: التعويض عن ضرر المماطلة.

المبحث الثالث: المصالحة عن الدين المؤجل ببعضه حالاً.

المبحث الرابع: اشتراط حلول بقية الأقساط عند التأخر في أدائها.

المبحث الخامس: أثر وفاة المدين على حلول الدين.

والبحث عبارة عن بحث ترقية لم يتوسع فيه الباحث، وقد ذكر أنه لم يستقص جميع جوانب البحث ولكنْ أبرزَ أهم جوانبه، لعله يكون نواة لبحوث ورسائل علمية، حيث قال:"فموضوع هذا البحث كبير ومهم جداً، ولا أزعم أنني قد استقصيتُ جميع جوانبه لكن حسبي أني أبرزت أهم جوانبه، ولعل ما كتبت يكون نواة لبحوث ورسائل علمية خاصة أن بعض مباحثه تصلح لأن تكون وحدها عنواناً لرسالة علمية"

(1)

.

وقد كان؛ فهذا البحث هو النواة لهذه الرسالة فقد أخذت جميع مباحث هذا البحث وأضفت عليها العديد من المسائل التي لم يتطرق لها الباحث مع التوسع في ذكر الأقوال والأدلة والمناقشة، والله الموفق.

‌منهج البحث:

سرت في هذا البحث وفق منهج علمي دقيق، يتمثل في الآتي:

1 -

قسّمت موضوعات البحث إلى فصول، تكوّن كل فصل من عدة مباحث، واشتمل كل مبحث على عدة مطالب، ويشتمل المطلب أحياناً على عدة مسائل.

2 -

رجعت في جمع المادة العلمية إلى أمهات المراجع في التفسير،

(1)

الزمن في الديون، للخثلان ص 3، على الرابط. www.saadalkthlan.net

ص: 7

والحديث، والأصول، والقواعد الفقهية، والفقه، واللغة، وإلى الأبحاث والمقالات في المجلات المتخصصة، وقرارات المجامع الفقهية، وغيرها من المراجع مما هو موجود في قائمة مراجع الرسالة.

3 -

اقتصرت في البحث على المذاهب الفقهية الأربعة المعتبرة، مع المذهب الظاهري إلا إذا لم أجد لهم قولاً في المسألة.

4 -

إذا كانت المسألة من المسائل المجمع عليها أذكر حكمها بدليلها، ثم أردف بذكر بعض قرارات المجامع والهيئات الفقهية إن وجِد مع توثيق ذلك من مظانه المعتبرة.

5 -

إذا كانت المسألة من مسائل الخلاف أذكر الأقوال الواردة في المسألة مع قائليها، وبعد كل قول أذكر من قال به، ثم أوثّق الأقوال من كتب المذهب نفسه، مع ذكر قرارات المجامع والهيئات الفقهية في الحاشية عند كتب القول الذي أيده القرار.

6 -

بعد ذلك أنتقل إلى إيراد الأدلة النقلية والعقلية لكل قول، ووجه الدلالة من كل دليل، مبتدئاً بأدلة القول الأول، ثم الثاني، وهكذا، كما أذكر ما يرد عليها من مناقشات، وما يجاب على المناقشة، فإن كانت المناقشة، أو الإجابة مني قلت: يناقش، و يجاب، وإن كانت من غيري قلت: نوقش، وأجيب.

7 -

بعد عرض الأدلة والمناقشة والإجابات عليها، أبين القول الراجح حسب ما ظهر لي، مع ذكر سبب الترجيح.

8 -

أقوم بعزو الآيات في الهامش إلى مواضعها من القرآن الكريم بذكر اسم السورة، ورقم الآية.

9 -

أقوم بتخريج الأحاديث والآثار التي أوردها، فإن كانت في الصحيحين

ص: 8

أو أحدهما أكتفي بذكر المصدر الذي ورد فيه الحديث، مع ذكر اسم الكتاب، والباب، ثم رقم الحديث.

10 -

إذا لم تكن الأحاديث أو الآثار التي أوردها في الصحيحين فإني أخرجها من مصادرها الأصلية، مع ذكر اسم الكتاب، والباب، ثم رقم الحديث إن وجد، ثم أكتب النتيجة التي توصلت لها في درجة هذا الحديث أو الأثر دون توسع مؤيدًا هذه النتيجة بكلام أئمة الحديث.

11 -

أحرص على توثيق المعاني من معاجم اللغة المعتمدة، وتكون الإحالة عليها بالجزء، والصفحة، والفصل، والباب، والمادة.

12 -

أبيّن في الحاشية معاني الألفاظ الغريبة الواردة في متن الرسالة، ومراجع هذه المعاني التي اعتمدت عليها.

13 -

حرصت قدر الإمكان على العناية بقواعد اللغة العربية، والإملاء، وعلامات الترقيم، ومنها علامات التنصيص للآيات الكريمة، وللأحاديث الشريفة، وللآثار، ولأقوال العلماء، وتمييز العلامات أو الأقواس، فيكون لكل منها علامته الخاصة.

14 -

وزيادة في التوثيق قمت بالتنصيص بين قوسين مضاعفين " " لكل نص أنقله من مرجعه، وأجعل رقماً على آخر النص، وأهمش عليه بذكر اسم الكتاب، ورقم الجزء، والصفحة، وإذا تصرفت في النقل، أو ذكرته بالمعنى فإني لا أضع قوسين، وأجعل رقماً على آخر الكلام، وأهمش عليه بقولي: انظر، ثم اذكر اسم الكتاب، والجزء، والصفحة.

15 -

ترجمت للأعلام بالقدر الذي يُعرِّف بهم ماعدا الصحابة، والأئمة الأربعة؛ لغناهم عن التعريف، وما عدا المعاصرين؛ جريًا على العادة.

ص: 9

16 -

ختمت الرسالة بخاتمة لخصت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها.

17 -

ذيّلت الرسالة بالفهارس الفنية المتعارف عليها.

‌خطة البحث:

تتكون خطة البحث من: مقدمة، وتمهيد، وتسعة فصول، وخاتمة، وفهارس، وهي كالتالي:

المقدمة: وفيها بيان أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة، ومنهج البحث، وخطة البحث.

التمهيد: وفيه تعريف بمصطلحات البحث، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: تعريف الأجل.

المطلب الثاني: تعريف الدين.

الفصل الأول: في تغير الأجل بسبب الفلس، وفيه مبحثان، هما:

المبحث الأول: حلول الأجل بسبب الحجر للإفلاس.

المبحث الثاني: تأخير الأجل على المدين المفلس مقابل زيادة الدين.

الفصل الثاني: في تغير الأجل بسبب المماطلة، وفيه مبحثان، هما:

المبحث الأول: حكم المماطلة.

المبحث الثاني: في عقوبة المماطل المالية.

الفصل الثالث: في تغير الأجل بسبب رغبة المدين في تمديد الأجل (جدولة الدين).

ص: 10

الفصل الرابع: في تغير الأجل بسبب الإخلال في تسليم المستصنع في محله، وفيه مبحثان، هما:

المبحث الأول: حكم الاستصناع.

المبحث الثاني: حكم الشرط الجزائي لتغير الأجل بسبب التأخير في تسليم المستصنع.

الفصل الخامس: في تغير الأجل بسبب انقطاع المسلم فيه، وفيه ثلاثة مباحث، هي:

المبحث الأول: حكم السلم.

المبحث الثاني: حكم السلم المقسط.

المبحث الثالث: حكم تمديد الأجل بسبب انقطاع المسلم فيه.

الفصل السادس: في تغير الأجل بالمصالحة على الوضع مقابل التعجيل (ضع وتعجل) وفيه أربعة مباحث، هي:

المبحث الأول: حكم إسقاط بعض الدين الحال دون شرط.

المبحث الثاني: حكم إسقاط بعض الدين الحال بالشرط.

المبحث الثالث: حكم إسقاط بعض الدين المؤجل وتعجيله، دون شرط.

المبحث الرابع: حكم إسقاط بعض الدين المؤجل بشرط تعجيل الأجل.

الفصل السابع: في تغير الأجل بإسقاط الأقساط الأخيرة، وفيه ثلاثة مباحث، هي:

المبحث الأول: حكم بيع الأقساط.

ص: 11

المبحث الثاني: حكم إسقاط الأقساط الأخيرة مقابل انتظام المدين بالتسديد دون شرط.

المبحث الثالث: حكم إسقاط الأقساط الأخيرة بشرط انتظام المدين بالتسديد.

الفصل الثامن: في تغير الأجل باشتراط حلول بقية الأقساط عند التأخر في أداء بعضها، وفيه مبحثان، هما:

المبحث الأول: حكم اشتراط حلول بقية الأقساط إذا كان المتأخر معسراً عاجزاً.

المبحث الثاني: حكم اشتراط حلول بقية الأقساط إذا كان المتأخر موسراً ملياً.

الفصل التاسع: في تغير الأجل بسبب الوفاة قبل حلول الدين، وفيه مبحثان، هما:

المبحث الأول: تغير الأجل بسبب وفاة الدائن وأثرها في حلول الدين.

المبحث الثاني: تغير الأجل بسبب وفاة المدين وأثرها في حلول الدين.

الخاتمة: وفيها أهم النتائج. ثم الفهارس المتعارف عليها.

وبعد، فإني أحمد الله على آلائه، ونعمائه، وفضائله، التي تترى، والتي لا يحصيها العد، ومنها أن يسر لي سبيل العلم الشرعي، أسأل الله أن يهديني فيه سواء السبيل، وأن يبارك لي فيه.

ثم أشكر والديَّ على ما قدماه لي من دعم مادي ومعنوي خلال دراستي كلها، أسأل الله أن يرضى عنهما ويرضيهما.

ص: 12

كما أشكر زوجي أم أنس على وقوفها جانبي فترة كتابة هذه الرسالة وتشجيعها المستمر، أعانها الله على مرضاته.

ثم أتقدم بالشكر الجزيل لفضيلة الدكتور/ عبد الله بن حمد السكاكر، فقد تعرفت عليه في سني الدراسة الجامعية، فكان ذا خلق عال، وتواضع جم، وكان نعم الموجه، والمربي، وقد كنت أتصل به كثيرًا أثناء إعداد هذه الرسالة وأستشيره فيما يواجهني من صعوبات، فأجد رحابة الصدر، وحسن الاستقبال، وبذل ما عنده من وقت وعلم

(1)

، فأفدت من توجيهاته القيمة، وملاحظاته السديدة، فالله أسأل أن ينفع به المسلمين، وأن يبارك في عمره، ووقته، وولده، وماله، إن ربي سميع الدعاء.

كما أشكر كل من قدم لي معروفاً من توجيه، أو نصح، أو رأي، أو دعوة في ظهر الغيب، أو غير ذلك، فجزاهم الله خيراً.

وفي الختام فقد بذلت جهدي، وهو جهد المقل، "ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه"

(2)

.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه:

د. مرضي بن مشوح العنزي

إيميل/ Murdi [email protected]

جوال/ 00966503380332

(1)

لم يكن الدكتور السكاكر مشرفاً على رسالتي إلّا أن جميع اتصالاتي ومشاوراتي كانت له، وكان مسانداً لي من بداية كتابة خطة الرسالة إلى الانتهاء من المناقشة، رضي الله عنه.

(2)

القواعد في الفقه، لابن رجب، ص 31.

ص: 13

‌التمهيد

وفيه مطلبان، هما:

المطلب الأول: تعريف الأجل.

المطلب الثاني: تعريف الدين.

ص: 15

‌المطلب الأول: تعريف الأجل

تعريف الأجل في اللغة: الأجل في اللغة مدة الشيء، وغايته، ووقته الذي يحل فيه

(1)

، قال ابن منظور

(2)

: "الأجل غاية الوقت في الموت وحلول الدين ونحوه والأجل مدة الشيء"

(3)

.

وتعريف الأجل في الاصطلاح لا يخرج عن التعريف اللغوي؛ لذا لم يصطلح الفقهاء المتقدمون على تعريف له اكتفاءً بمعناه اللغوي، وقد عرفه أحد الباحثين بأنه "مدة مستقبلية محققة الوقوع، يضاف تنفيذ أمر ما إلى انقضائها، أو يتوقف التنفيذ بمداها"

(4)

، وعند التأمل في هذا التعريف نجد أنه لا يخرج عن التعريف اللغوي.

(1)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 1/ 64، كتاب الهمزة، باب الهمزة والجيم وما يثلثهما، مادة أجل، لسان العرب، لابن منظور 1/ 79، باب الهمزة، مادة أجل، القاموس المحيط، للفيروز أبادي 2/ 1271، باب اللام، فصل الهمزة، مادة أجل.

(2)

هو محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الأفريقى، أحد أئمة اللغة، ولد بمصر سنة 630، وخدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة. ثم ولي القضاء في طرابلس. وعاد إلى مصر، ترك بخطه نحو خمسمائة مجلد، من أشهر مؤلفاته لسان العرب توفى بمصر سنة 711 هـ. انظر: شذرات الذهب، للعكري 6/ 26، فوات الوفيات، للكتبي 4/ 39، الأعلام، للزركلي 7/ 108.

(3)

لسان العرب، لابن منظور 1/ 79.

(4)

نظرية الأجل في الالتزام، لعبد الناصر العطار، ص 47، 67.

ص: 17

‌المطلب الثاني: تعريف الدَين

الدَين في اللغة: يطلق على الذل والانقياد

(1)

، قال ابن فارس

(2)

: "الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذل

ومن هذا الباب الدين يقال: داينت فلاناً إذا عاملته ديناً إما أخذاً أو إعطاء"

(3)

، ويطلق الدين في اللغة: على كل ما ليس حاضراً

(4)

، قال ابن منظور:"والدين: واحد الديون معروف. وكل شيء غير حاضر دين والجمع أدين مثل أعين و ديون"

(5)

.

(1)

انظر: تاج العروس، للزبيدي 35/ 54، باب النون، فصل الدال، مادة د ي ن، لسان العرب، لابن منظور 4/ 459، باب الدال، مادة دين، معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 319، كتاب الدال، باب الدال والياء وما يثلثهما، مادة دين.

(2)

هو أحمد بن فارس بن زكريا القزويني أبو الحسين، العلامة اللغوي، من أئمة اللغة والأدب، ولد سنة 329 هـ، أصله من قزوين وأقام بهمذان وانتقل إلى الري، أخذ عن والده فقه الشافعي، له تصانيف من أشهرها: معجم مقاييس اللغة، توفي بالري سنة 395 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 17/ 103، الأعلام، للزركلي 1/ 193، شذرات الذهب، للعكري 3/ 132

(3)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 319 - 320، كتاب الدال، باب الدال والياء وما يثلثهما، مادة دين.

(4)

انظر: تاج العروس، للزبيدي 35/ 50، باب النون، فصل الدال، مادة د ي ن، لسان العرب، لابن منظور 4/ 459، باب الدال، مادة دين، القاموس المحيط، للفيروز أبادي 2/ 1396، باب النون، فصل الدال، مادة دين، المخصص، لابن سيدة، 3/ 441.

(5)

لسان العرب، لابن منظور 4/ 459، باب الدال، مادة دين

ص: 18

والدَين في الاصطلاح: يطلق على معنى عام، ومعنى خاص؛ فالمعنى العام: هو كل حق واجب الأداء متعلق بالذمة، سواء كان لله، أو للآدميين، وسواء كانت حقوقاً مالية أو غير مالية

(1)

.

والمعنى الخاص: وهو المال الثابت في الذمة

(2)

.

(1)

انظر: حاشية ابن عابدين 6/ 760، المنتقى، للباجي 2/ 270، نهاية المحتاج، للرملي 1/ 243، الإنصاف، للمرداوي 3/ 36، المحلى، لابن حزم 5/ 43، شرح التلويح، للتفتازاني 2/ 139.

(2)

انظر: المنتقى، للباجي 2/ 11، مغني المحتاج، للشربيني 6/ 220، المغني، لابن قدامة 4/ 205، معجم المصطلحات المالية والاقتصادية، لنزيه حماد، ص 208

ص: 19

‌الفصل الأول

في تغير الأجل بسبب الفلس

وفيه مبحثان، هما:

المبحث الأول: حلول الأجل بسبب الحجر للإفلاس.

المبحث الثاني: تأخير الأجل على المدين المفلس مقابل زيادة الدين.

ص: 21

‌المبحث الأول: حلول الأجل بسبب الحجر للإفلاس

الفَلَس في اللغة يطلق على الخلو من الشيء والتجرد منه، والمفلس هو الرجل الذي لم يبقَ له مال

(1)

، قال ابن منظور:"أفلس الرجل إذا لم يبقَ له مال يراد به أنه صار إلى حال يقال فيها ليس معه فِلْس"

(2)

.

والمفلس في الاصطلاح لا يخرج عن التعريف الذي ذكره ابن منظور، وقد عرفه ابن قدامة

(3)

بأنه: "الذي لا مال له ولا ما يدفع به حاجته"

(4)

.

وقد اختلف الفقهاء في حكم حلول الأجل بسبب الحجر للإفلاس على قولين:

القول الأول: أن الأجل لا يحل بسبب الحجر للإفلاس.

(1)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 4/ 451 كتاب الفاء، فصل الفاء واللام وما يثلثهما، مادة فلس، لسان العرب، لابن منظور 10/ 318، باب الفاء، مادة فلس، القاموس المحيط، للفيروزأبادي 1/ 772 باب السين، الفاء، مادة فلس.

(2)

لسان العرب، لابن منظور 10/ 318.

(3)

هو موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، من أئمة الحنابلة، ولد عام 541 هـ، حفظ القرآن وهوصغير، وانتهت إليه معرفة فروع المذهب وأصوله، ومن مصنفاته:"المغني"، و"روضة الناظر"، توفي عام 620 هـ. انظر: ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب 3/ 281، سير أعلام النبلاء، للذهبي 22/ 166.

(4)

المغني، لابن قدامة 4/ 265

ص: 23

وهو مذهب الحنفية

(1)

، والشافعية

(2)

، والحنابلة

(3)

، وقول عند المالكية

(4)

.

القول الثاني: أن الأجل يحل بسبب الحجر للإفلاس.

وهو مذهب المالكية

(5)

، وقول عند الشافعية

(6)

، ورواية عند الحنابلة

(7)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: أن الحجر على المدين المفلس لا يوجب الذي له من دين على غيره، فكذلك لا يوجب حلول ما عليه

(8)

.

الدليل الثاني: أن الحجر على المفلس إنما كان بالديون الحالة دون الديون المؤجلة؛ لأنه لو كانت ديونه مؤجلة لم يجز الحجر عليه بها، والمفلس إنما يجب صرف ماله فيمن كان الحجر عليه من أجله

(9)

.

(1)

انظر: حاشية ابن عابدين 6/ 147، مختصر الطحاوي ص 96، الأشباه والنظائر، لابن نجيم ص 392.

(2)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 217، الحاوي، للماوردي 6/ 323، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 183.

(3)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 281، الإنصاف، للمرداوي 5/ 302، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 168

(4)

انظر: حاشية العدوي 5/ 266، مواهب الجليل، للحطاب 5/ 39.

(5)

انظر: المدونة، للإمام مالك 4/ 83، التاج والإكليل، للمواق 6/ 600، مواهب الجليل، للحطاب 5/ 5

(6)

انظر: مغني المحتاج، للشربيني 3/ 97، الحاوي، للماوردي 6/ 323.

(7)

انظر: المبدع، لابن مفلح 4/ 206، الإنصاف، للمرداوي 5/ 302.

(8)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 281

(9)

انظر: الحاوي، للماوردي 6/ 323.

ص: 24

الدليل الثالث: أن الأجل حق للمفلس، يمكنه من تحصيل الدين بالاكتساب أو غيره فلا يسقط بإفلاسه كسائر حقوقه

(1)

.

الدليل الرابع: أنه دين مؤجل على حي، فلا يحل قبل أجله، كغير المفلس

(2)

.

الدليل الخامس: أن العلماء أجمعوا على أن ما كان من دين للمفلس إلى أجل، فإنه لأجله، قال ابن المنذر

(3)

: "وأجمعوا أن ما كان من دين للمفلس إلى أجل، أن ذلك إلى أجله، لا يحل بإفلاسه"

(4)

.

يناقش: بعدم ثبوت هذا الإجماع؛ لوجود الخلاف فيه.

دليل القول الثاني: القياس على الميت، بجامع خراب الذمة في كليهما، فكما أن ذمة الميت خربت بموته؛ كذلك ذمة المفلس خربت بإفلاسه؛ لأنه يمنع من التصرف في ماله، فإذا خربت ذمته وجب حلول ديونه المؤجلة

(5)

.

نوقش: بأنه لا يسلَّم سقوط الأجل بالموت، ولو سلّمنا بحلول الأجل بالموت، فإن قياس المفلس على الميت قياس مع الفارق، فذمة المفلس باقية لم تخرب وهي صالحة للتكسب، والتملك، بخلاف الميت

(6)

.

(1)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 281، المبدع، لابن مفلح 4/ 206، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 168.

(2)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 281

(3)

هو محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، ولد سنة 242 هـ، من كبار الفقهاء المجتهدين، وهو في عداد فقهاء الشافعية، إلا أنه لم يكن مقلدا لأحد، قال النووي عنه:" وله اختيار فلا يتقيد في الاختيار بمذهب بعينه، بل يدور مع ظهور الدليل"، من تصانيفه:" الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف"، و"الإشراف على مذاهب أهل العلم"، و" الإجماع". انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 102، سير أعلام النبلاء، للذهبي 14/ 490 - 491.

(4)

الإجماع، لابن المنذر ص 143.

(5)

انظر: مواهب الجليل، للحطاب 5/ 5، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 266.

(6)

انظر: الحاوي، للماوردي 6/ 323، المغني، لابن قدامة 4/ 281، المبدع، لابن مفلح 4/ 206

ص: 25

الترجيح: يظهر لي والله أعلم أن الراجح هو القول الأول، القائل بأن الأجل لا يسقط بسبب الحجر للإفلاس؛ وذلك لقوة أدلته، مقابل ضعف دليل القول الثاني، ولأن الفلس سبب لتأجيل الديون الحالة، فكيف تحل به الديون المؤجلة؟!

ص: 26

‌المبحث الثاني: تأخير الأجل على المدين المفلس مقابل زيادة الدين

(1)

.

اجمع العلماء على أنه لا يجوز تأخير الأجل على المدين المفلس مقابل زيادة الدين، وأن هذا هو الربا الذي كان يتعامل به أهل الجاهلية

(2)

، واستدلوا على ذلك بالأدلة التالية:

الدليل الأول: الآيات الكثيرة الدالة على تحريم الربا ومنها:

قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 275 يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}

(3)

وقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 278 فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}

(4)

(1)

صورة المسألة: أن يأتي المدين المفلس إلى الدائن وقت حلول الأجل فيقول: أجلني أزيدك، أو يأتي الدائن إلى المدين المفلس عند حلول الأجل فيقول: إما أن تقضي، وإما أن تربي.

(2)

انظر: الإجماع، لابن المنذر، ص 136، أحكام القرآن، للجصاص 2/ 186، المبسوط، للسرخسي 12/ 109، بداية المجتهد، لابن رشد 2/ 128، الكافي، لابن عبد البر 2/ 633، الأم، للشافعي 3/ 15، المجموع، للنووي 9/ 487، المغني، لابن قدامة 4/ 25، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 28/ 74، المحلى، لابن حزم 7/ 402.

(3)

سورة البقرة، الآيتان 275 - 276

(4)

سورة البقرة، الآيتان 278 - 279

ص: 27

وقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(1)

.

وجه الدلالة من الآيات: أن الآيات نصت على تحريم الربا، وأن الله توعد من فعله بعد علمه بالتحريم بعذاب النار، وأن آكل الربا مخالف لأمر الله، محارب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وزيادة الدين على المدين المفلس مقابل التأخير في الأجل هو الربا كما كان يقول أهل الجاهلية للمدين إذا حل أجل الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن قضاه وإلا زاده في المدة وزاده الآخر في القدر

(2)

.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}

(3)

وجه الدلالة من الآية: أن الله بيّن أن الدائن لا يستحق على مدينه إلا رأس ماله، وأن أخذ الزيادة في الدين على المدين المفلس مقابل تأخير الأجل ظلمٌ للمدين، وكما أن المدين يجب عليه أن يؤدي ما أخذ كاملًا، وأن نقْصَه من رأس المال يُعد ظلمًا، فكذلك أخذ الزيادة عليه يُعد ظلمًا له

(4)

.

الدليل الثالث: قول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

(5)

وجه الدلالة من الآية: أن الله سبحانه وتعالى أمر إذا حل أجل الدين ولم يكن عند المدين المعسر ما يؤدي أنه يُنظر إلى الميسرة

(6)

، وأمرُ الله يجب امتثاله، فالمدين المفلس يجب إنظاره، ولا يجوز الزيادة عليه بمعاملة ولا غيرها

(7)

.

(1)

سورة آل عمران، الآية 130

(2)

انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير 2/ 117، الكافي، لابن عبد البر 2/ 633.

(3)

سورة البقرة، الآية 279.

(4)

انظر: جامع البيان في تأويل القرآن، للطبري 6/ 28.

(5)

سورة البقرة، آية 280.

(6)

انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 3/ 356.

(7)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 28/ 74.

ص: 28

الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ»

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن الحديث دلَّ على تحريم الربا ووجوب الابتعاد عنه؛ لأنه من الموبقات التي عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلزام المدين المفلس بدفع زيادة مقابل التأخير في الأجل أخذ للربا المحرم.

الدليل الخامس: عن جابر رضي الله عنه قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنَ آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وهذا يدل على تحريم أكل الربا والمعاونة عليه؛ لأن اللعن لا يكون إلا على شيء محرم، ومن ألزم المدين المفلس بدفع زيادة مقابل التأخير في السداد يكون داخلاً في اللعن الوارد على لسان الرسول الله صلى الله عليه وسلم.

الدليل السادس: عن جابر رضي الله عنه في قصة حجة الوداع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ»

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في وضع النبي صلى الله عليه وسلم لربا الجاهلية دلالة على تحريمه ومنعه، ولو لم يكن حرامًا لما وضعه ولما حرَم عمَّه منه، وأخذ زيادة

(1)

رواه البخاري، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى:{إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} ، برقم 2766، واللفظ له، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، برقم 89.

(2)

رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب لعن آكل الربا وموكله برقم 1598.

(3)

رواه مسلم، كتاب الحج، باب حج النبي _ صلى الله عليه وسلم _، برقم 1218.

ص: 29

على المدين المفلس مقابل تأخير الأجل محرم؛ لأنه من ربا الجاهلية الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم.

الدليل السابع: أن العلماء أجمعوا على تحريم الربا، ومن الربا أخذ الزيادة على المدين المفلس مقابل تأخير الأجل، قال ابن المنذر:"وأجمعوا على أن المسلف إذا شرط عُشر السلف هدية، أو زيادة فأسلف على ذلك، أن أخذه الزيادة ربا"

(1)

، وقال ابن تيمية

(2)

: "أصل الربا في الجاهلية: أن الرجل يكون له على الرجل المال المؤجل فإذا حل الأجل قال له: أتقضي؟ أم تربي؟ فإن وفاه وإلا زاد هذا في الأجل وزاد هذا في المال فيتضاعف المال، والأصل واحد، وهذا الربا حرام بإجماع المسلمين. "

(3)

.

ومما تقدم يتبين أن أخذ الزيادة على المدين المفلس مقابل تأخير الأجل محرم بالكتاب، والسنة، والإجماع.

وقد صدر بذلك عدد من القرارات من المجامع، والهيئات العلمية، منها:

1 -

أنه جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي رقم (53/ 2/ 6)، بشأن بيع التقسيط:"إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط؛ لأن ذلك ربا محرم"

(4)

.

(1)

الإجماع، لابن المنذر، ص 136.

(2)

هو تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، ولد سنة 661 هـ، تفقه على المذهب الحنبلي، ثم أصبح من العلماء المجتهدين، له الكثير من التصانيف مجموعة في فتاويه، جمعها عبد الرحمن ابن قاسم، وغيرها، وتوفي بسجن القلعة بدمشق سنة 728 هـ. انظر: البداية والنهاية، لابن كثير 14/ 132، ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب 4/ 386، الأعلام، للزركلي 1/ 144.

(3)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 418.

(4)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد السادس 1/ 447، القرار رقم 53/ 2/ 6.

ص: 30

2 -

وجاء في قراره أيضاً رقم (3/ 12) بشأن الشرط الجزائي: "رابعاً: يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً، فإن هذا من الربا الصريح"

(1)

.

3 -

وجاء في معيار المدين المماطل المقر من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ما يلي: "لا يجوز اشتراط التعويض المالي نقدًا، أو عينًا، وهو ما يسمى بالشرط الجزائي على المدين إذا تأخر عن سداد الدين، سواء نُصَ على مقدار التعويض أم لم يُنص، وسواء كان التعويض عن الكسب الفائت (الفرصة الضائعة) أم عن تغير قيمة العملة"

(2)

.

4 -

وجاء في قرار المجمع الفقهي، التابع لرابطة العالم الإسلامي:"إن الدائن إذا شرط على المدين، أو فرض عليه، أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة، أو نسبة معينة إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط، أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، بل ولا يحل، سواء كان الشارط هو المصرف، أو غيره؛ لأن هذا بعينه، هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه"

(3)

.

(1)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الثاني عشر 2/ 306، القرار رقم 3/ 12.

(2)

المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ص 34.

(3)

مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، السنة الثامنة، العدد العاشر، ص 314.

ص: 31

‌الفصل الثاني

في تغير الأجل بسبب المماطلة

وفيه مبحثان، هما:

المبحث الأول: حكم المماطلة.

المبحث الثاني: في عقوبة المماطل المالية.

ص: 33

‌المبحث الأول: حكم المماطلة

تعريف المماطلة لغة: تطلق المماطلة في اللغة على مدّ الشيء وإطالته

(1)

، قال ابن فارس:"الميم والطاء واللام أصل صحيح يدل على مد للشيء وإطالته، ومطلت الحديدة أمطلها مطلًا مددتها"

(2)

، وقال ابن منظور:"والمطلُ في الحق والدين مأخوذ منه وهو تطويل العدة التي يضربها الغريم للطالب"

(3)

.

والمماطلة اصطلاحاً: هي تأخير ما استحق أداؤه بغيرِ عذرٍ من قادرٍ على الأداء

(4)

، ومن هذه التعريف يتبين أن العاجز عن الأداء لا يُعد مماطلًا؛ لأنه معذور، قال ابن حجر

(5)

: "يحرُم على الغني القادر أن يمطل بالدين بعد

(1)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 5/ 331، كتاب الميم، فصل الميم والطاء وما يثلثهما، مادة مطل، لسان العرب، لابن منظور 13/ 134 باب الميم، مادة مطل، القاموس المحيط، للفيروز أبادي 2/ 1396، باب اللام، فصل الميم، مادة مطل، تاج اللغة، للجوهري 1/ 168، باب اللام، فصل الميم، مادة مطل.

(2)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 5/ 331، كتاب الميم، فصل الميم والطاء وما يثلثهما، مادة مطل.

(3)

لسان العرب، لابن منظور 13/ 134 باب الميم، مادة مطل.

(4)

انظر: حاشية الدسوقي 4/ 181، فتح الباري، لابن حجر 4/ 586، سبل السلام، للصنعاني 5/ 158.

(5)

هو أحمد بن علي بن محمد العسقلاني الشافعي ويُعرف بابن حجر، ولد في 773 هـ في مصر، وحفظ القرآن وهو ابن تسع، شرح صحيح البخاري وسماه فتح الباري، لم يؤلف أحد مثله حتى أنه يقال" لا هجرة بعد الفتح" وله كثير من المصنفات توفي رحمه الله سنة 852 هـ. انظر: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للسخاوي 2/ 36، البدر الطالع، للشوكاني 1/ 87.

ص: 35

استحقاقه بخلاف العاجز"

(1)

، والمطلُ ليس خاصًا بالدَين، بل كل من تأخر عن أداء ما لزمه من حق بغير عذر، قال ابن الملقن

(2)

: "يدخل في مطل الغني كل من عليه حق وهو قادر على القيام به، كالزوجين فيما يتعلق بكل منهما من الحق الذي عليه، وكذا الأصول، والفروع، والسادة، والمماليك، والحاكم، والناظر، وغير ذلك"

(3)

.

وقد أجمع العلماء على أن المماطلة حرام

(4)

، واستدلوا على ذلك بالأدلة التالية:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}

(5)

وجه الدلالة من الآية: أن الله سبحانه وتعالى أمر بأداء الأمانات إلى أهلها، والديون من الأمانات التي أمر الله بأدائها، والمماطلة في أدائها مخالفة لأمر الله تعالى.

الدليل الثاني: عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»

(6)

.

(1)

فتح الباري، لابن حجر 4/ 587.

(2)

هو عمر بن علي بن أحمد الأَنْصَارِي الشافعيّ، المعروف بابن الملقن، من أكابر العلماء بالحديث والفقه وتاريخ الرجال، ولد سنة 723 هـ، وله كثير من المصنفات، منها "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال"، و"التذكرة في علوم الحديث"، و"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"، توفي رحمه الله سنة 804 هـ. انظر: طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة 4/ 43، الأعلام، للزركلي 7/ 57.

(3)

الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن 7/ 374.

(4)

انظر: مراتب الإجماع، لابن حزم، ص 98، أحكام القرآن، للجصاص 2/ 195، بدائع الصنائع، للكاساني 7/ 173، حاشية الدسوقي 4/ 181، التمهيد، لابن عبد البر 18/ 286، الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر 1/ 414 - 415، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 186، المغني، لابن قدامة 4/ 292، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 418، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 28/ 229. المحلى، لابن حزم 6/ 467.

(5)

سورة النساء، الآية 58.

(6)

رواه البخاري، كتاب الحوالات، باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة، برقم 2287، ومسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغنى وصحة الحوالة واستحباب قبولها إذا أحيل على مَلِيٍّ، برقم 1564، واللفظ له.

ص: 36

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نصَّ على أن المماطلة ظلم، والظلم محرم؛ قال صلى الله عليه وسلم فِيمَا يرويه عَنِ اللهِ تبارك وتعالى أَنَّهُ قَالَ:«يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا»

(1)

، وقد أتى الوعيد الشديد للظالمين

(2)

؛ قال الله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}

(3)

.

الدليل الثالث: عن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن الحديث دلَّ على حِلّ عِرض المماطل الغني القادر على الوفاء، وعقوبته، وهما محرمان لا يحلان إلا بارتكاب محرم أكبر منهما، وهو هنا المطل

(5)

.

الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ»

(6)

.

(1)

رواه مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، برقم 2577.

(2)

انظر: التمهيد، لابن عبد البر 18/ 286، الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 6/ 2، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 35/ 402.

(3)

سورة طه، جزء من الآية 111.

(4)

رواه البخاري معلقًا بصيغة التمريض في كتاب "في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس"، باب: لصاحب الحق مقال، وأبو داود، كتاب الأقضية، باب في الحبس في الدين وغيره، برقم 3628، والنسائي، كتاب البيوع، باب مطل الغني، برقم 6288، وابن ماجة، كتاب الصدقات، باب الحبس في الدين والملازمة، برقم 2427، وأحمد، حديث الشريد بن سويد الثقفي، برقم 17945. والحديث ضعيف؛ فهو من طريق محمد بن عبد الله بن ميمون بن مسيكة، عن عمرو بن الشريد عن أبيه الشريد بن سويد الثقفي، ومحمد بن عبد الله بن ميمون بن مسيكه مجهول الحال. قال بن المديني: "مجهول لم يروِ عنه غير وبرة". انظر: الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم 8/ 80، تهذيب التهذيب، لابن حجر 9/ 281.

(5)

انظر: التمهيد، لابن عبد البر 18/ 286، المغني، لابن قدامة 4/ 292.

(6)

رواه البخاري، كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها، برقم 2387.

ص: 37

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد من أخذ أموال الناس يريد المماطلة بها، وعدم أدائها، بأن يتلفه الله عز وجل

(1)

، وهذا دليل على ارتكابه لفعل محرم.

الدليل الخامس: أن العلماء أجمعوا على أن المماطلة من المحرمات، قال ابن حزم

(2)

: "وأجمعوا على أن كل من لزمه حق في ماله، أو في ذمته لأحد، ففرض عليه أداء الحق لمن هو له عليه إذا أمكنه ذلك"

(3)

، وقال:"فإن كان الطالب محقاً، فحرام على المطلوب بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام أن يمنعه حقه، أو يمطله، وهو قادر على إنصافه "

(4)

.

والمماطلة من كبائر الذنوب، والأدلة على ذلك:

الدليل الأول: عن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أحلَّ غيبة المدين المماطل،

(1)

قال ابن حجر في الفتح 5/ 68 - 69: "ظاهرُه أن الإتلاف يقع له في الدنيا، وذلك في معاشه أو في نفسه وهو علم من أعلام النبوة لما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئًا من الأمرين وقيل المراد بالإتلاف: عذاب الآخرة".

(2)

هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، ولد سنة 384 هـ، وكانت له الوزارة وتدبير المملكة، فانصرف عنها إلى التأليف والعلم، كان حافظًا يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة على طريقة أهل الظاهر، بعيدًا عن المصانعة حتى شُبه لسانه بسيف الحجاج، من مصنفاته:"الإحكام في أصول الأحكام"، و"المحلى في شرح المجلى بالحجج والآثار"، طاردَه الملوك حتى توفي مبعدًا عن بلده سنة 456 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 18/ 184، البداية والنهاية، لابن كثير 15/ 795.

(3)

مراتب الإجماع، لابن حزم ص 98.

(4)

المحلى، لابن حزم 6/ 467.

(5)

سبق تخريجه

ص: 38

وعقوبته، وغيبة المسلم، وعقوبتة لا تستحلان إلا لفعل كبيرة، وهي هنا المطل في الدَين.

الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ»

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد من لم يؤدِ أموال الناس بأن يتلفه الله، وهذا الوعيد لا يكون إلا لفعل كبيرة من الكبائر.

الدليل الثالث: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ، إِلَّا الدَّيْنَ»

(2)

.

الدليل الرابع: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟»، قَالُوا: لَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟»، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ»، قَالَ: أَبُو قَتَادَةَ عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ"

(3)

.

وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع الصلاة على ميت مسلم إلا لارتكابه ذنبًا كبيرًا، وفي عدم مغفرة الدين للشهيد دلالة على عظم هذا الذنب، ولا يُحمل الحديثان على عموم الدين؛ لأن الدَين جائز، وقد يتأخر المدين في الأداء لكونه معسرًا، وهو معذور، فلا يدع النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من فعل أمرًا جائزًا، أو تأخر في الأداء لعذر، ومن فعل ذلك لم يرتكب ذنبًا كي لا يغفر له وإن مات شهيدًا؛ فدل على أن المراد بالحديثين المدين الغني المماطل؛ لأنه

(1)

سبق تخريجه

(2)

رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين، برقم 1886

(3)

رواه البخاري، كتاب الحوالات، باب من تكفل عن ميت دينًا، فليس له أن يرجع، برقم 2295.

ص: 39

ظالم ولولا أن المماطلة من الكبائر لما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاةَ عليه، ولما غُفِر للشهيد كل شيء إلا المماطلة بالدين.

الدليل الخامس: قياس المماطلة على الغصب؛ بجامع أن كلًا منهما أخذ للحق من صاحبه، ومنعه إياه، والغصب كبيرة من الكبائر

(1)

.

فهذه الأدلة وغيرها تدل على أن المماطل مرتكب لكبيرة المطل، ومرتكب الكبيرة فاسق، فينتج عنه أن المماطل فاسق

(2)

، وقد اتفق الفقهاء على إسقاط عدالة الفاسق ورد شهادته

(3)

، فيكون المماطل مسقط العدالة مردود الشهادة

(4)

، حتى يوفي ما عليه من حق

(5)

.

وقد اتفق الفقهاء على أن المدين المماطل مستحق للعقوبة التعزيرية؛ كي يؤدي ما عليه، وكي يرتدع غيره عن المطل؛ وذكروا بعض العقوبات التي يمكن

(1)

انظر: الكبائر، للذهبي، ص 109، الزواجر عن اقتراف الكبائر، للهيتمي 1/ 414 - 415.

(2)

انظر: التمهيد، لابن عبد البر 18/ 286، فتح الباري، لابن حجر 4/ 587، الكبائر، للذهبي، ص 109، الزواجر عن اقتراف الكبائر، للهيتمي 1/ 414 - 415

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي 30/ 153، مواهب الجليل، للحطاب 3/ 409، أسنى المطالب، للأنصاري 4/ 339، الإنصاف، للمرداوي 11/ 289، المحلى، لابن حزم 8/ 475. ومن الأدلة على رد شهادة الفاسق: قول الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} سورة الطلاق، الآية 2، وقوله تعالى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء} سورة البقرة، الآية 282

(4)

انظر كلام الفقهاء في رد شهادة الفاسق بفعل الكبيرة: تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 226، المبسوط، للسرخسي 16/ 130، بدائع الصنائع، للكاساني 6/ 268، منح الجليل، لعليش 8/ 392، تبصرة الحكام، لابن فرحون 1/ 259، الفروق، للقرافي 4/ 67، أسنى المطالب، للأنصاري 4/ 339، الزواجر عن اقتراف الكبائر، للهيتمي 2/ 356 - 357، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد 2/ 276، المغني، لابن قدامة 10/ 170، الفروع، لابن مفلح 6/ 562، الإنصاف، للمرداوي 12/ 46، المحلى، لابن حزم 8/ 472.

(5)

انظر: حاشية الصاوي 4/ 256، حاشية الدسوقي 4/ 181، المنتقى، للباجي 5/ 66، مواهب الجليل، للحطاب 6/ 175، حاشية الجمل، للعجيلي 3/ 370، تحفة الحبيب، للبيجيرمي 3/ 144، فتح الباري، لابن حجر 4/ 587، شرح صحيح مسلم، للنووي 10/ 471، نيل الأوطار، للشوكاني 10/ 302.

ص: 40

أن تكون رادعة للماطل ولغيره، منها عقوبات نفسية، وعقوبات بدنية، وعقوبات مالية، والذي يعنينا في هذا البحث بشكل مباشر هي العقوبات المالية، إلا أني سأذكر دون توسع بعض العقوبات النفسية والبدنية قبل التطرق للعقوبات المالية، ومن هذه العقوبات النفسية والبدنية التي يعاقب بها المدين المماطل:

أولًا: التشهير به

(1)

: وقد اتفق الفقهاء على جواز التشهير بالمدين المماطل وذِكْره أمام الناس بأنه ظالم، وأنه مماطل، وأنه سيء القضاء

(2)

؛ لقول الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}

(3)

، فلصاحب الحق المظلوم أن يجهر بذكر المماطل الظالم بأنه سيء القضاء

(4)

. فالمطل يبيح للناس عِرض المماطل وغيبته، وأن يُقال فيه: فلان ظالم، مُعتدٍ، يمطل الناس ويحبس حقوقهم

(5)

، وعلى الجهات المسؤولة أن تنشر في وسائل الإعلام أسماء المماطلين من مؤسسات وشركات وأفراد؛ كي يحذر الناسُ التعامل معهم.

ثانيًا: ملازمته

(6)

: وقد اتفق الفقهاء على جواز ملازمة الدائن، أو وكيله

(1)

التشهير لغة: مأخوذ من الشهْر وهو الظهور والوضوح. والتشهير اصطلاحًا: الإعلان عن جريمة إنسان والمناداة عليه على رؤوس الأشهاد. انظر: انظر: لسان العرب، لابن منظور 7/ 227، باب الشين، مادة شهر، تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري 2/ 705، باب الراء، فصل الشين، مادة شهر، التشريع الجنائي، لعبد القادر عودة 1/ 608.

(2)

انظر: فتح القدير، لابن الهمام 7/ 278، مواهب الجليل، للحطاب 3/ 418، نهاية المحتاج، للرملي 4/ 333، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 419، المحلى، لابن حزم 6/ 481.

(3)

سورة النساء، الآية 148.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 28/ 229

(5)

انظر: المسالك، لابن العربي 6/ 159، الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 6/ 2.

(6)

الملازمة لغة: هي المصاحبة وعدم المفارقة. والملازمة اصطلاحًا: هي مصاحبة المدين لاستيفاء ما يحصل في يده من مال فاضل عن ضرورته. انظر: لسان العرب، لابن منظور 12/ 272، باب اللام، مادة لزم، القاموس المحيط، للفيروز أبادي 2/ 1524، باب الميم، فصل اللام، مادة لزم، أحكام القرآن، للجصاص 2/ 299، العناية شرح الهداية، للبابرتي 9/ 277.

ص: 41

للمدين المماطل

(1)

؛ لقوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}

(2)

، وقد فُسر معنى {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} أي: ملازمًا ومصاحبًا له

(3)

، وقد جاء عن كعب بن مالك رضي الله عنه:"أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ دَيْنٌ، فَلَقِيَهُ، فَلَزِمَهُ فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا كَعْبُ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: النِّصْفَ، فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَ نِصْفًا"

(4)

، فقد لزم كعب بن مالك رضي الله عنه غريمه، وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم ينكر عليه، فدل ذلك على جواز ملازمة الدائن لمدينه المماطل

(5)

، ولا يعني ذلك أن تكون الملازمة بشكل دائم بل إنه يلازمه إذا رآه ذاهبًا للمسجد أو للسوق، ويطلب منه أن يوفيه حقه، وهذه الملازمة ستسبب للمماطل ضيقًا؛ إما لأنها ستعيقه عن بعض التعاملات المالية وإظهار ما معه من مال، أو لأن الناس عندما يرون تكرار هذه الملازمة سيسألون عن سببها؛ وإذا عرفوا السبب ستتغير نظرتهم له، وسيتجنبون بعض التعاملات المالية معه خاصة ما يترتب عليه دين، وهو لا يريد ذلك.

ثالثًا: حبسه

(6)

: وقد اتفق الفقهاء على جواز عقوبة المدين المماطل

(1)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 1/ 101، منح الجليل، لعليش 6/ 54، مغني المحتاج، للشربيني 1/ 475، المغني، لابن قدامة 4/ 292، المحلى، لابن حزم 6/ 481.

(2)

سورة آل عمران، الآية 75.

(3)

انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 4/ 117، تفسير القرآن العظيم، لابن كثير 2/ 60، أحكام القرآن، للجصاص 2/ 299.

(4)

رواه البخاري، كتاب الخصومات، باب الملازمة، برقم 2424، واللفظ له، ومسلم، كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين، برقم 1558.

(5)

انظر: شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 160، عمدة القاري، للعيني 4/ 228.

(6)

الحبس لغة: المنع والإمساك. والحبس اصطلاحًا: "تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه". انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 128، كتاب الحاء، باب الحاء والباء وما يثلثهما، مادة حبس، القاموس المحيط، للفيروز أبادي 1/ 738، باب السين، فصل الحاء، مادة حبس، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 35/ 398.

ص: 42

بالحبس

(1)

، قال ابن المنذر:"أكثر من نحفظ عنه قوله من علماء الأمصار، وقضاتهم يرون الحبس في الدين"

(2)

؛ لأن عقوبة المماطل تعزيرية وهي مطلقة ترجع لنظر القاضي، فإن رأى المصلحة في حبسه فله ذلك. ولا يوجد دليل خاص في حبس المدين المماطل وقد استدل بعض الفقهاء على جواز حبس المدين المماطل بما جاء عن هرماس بن حبيب، عن أبيه، عن جده، قال:"أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِغَرِيمٍ لِي، فَقَالَ لِي: «الْزَمْهُ»، ثُمَّ مَرَّ بِي آخِرَ النَّهَارِ، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ؟» "

(3)

؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الغريم أسيراً، والأسير يجوز حبسه، وكذلك أمر صلى الله عليه وسلم الدائنَ بملازمة الغريم، والملازمة فيها تعويق له ومنعه من التصرف بنفسه، والحبس كالملازمة، فهو منع الشخص من التصرف بنفسه

(4)

. وهذا الحديث ضعيف، لا يصح الاحتجاج به، وقياس الحبس على الملازمة قياس مع الفارق، فالملازمة لا تعيق الشخص عن جميع التصرفات بعكس الحبس الذي يعيقه عن التصرف بنفسه وجلب الرزق لأهله، وينبغي أن يكون الحبس آخر العقوبات؛ لتعدي ضرره إلى أهل المحبوس ولأنه يكلف الدولة الكثير، والمراد بالعقوبات إصلاح المجتمع، فإن كان الحبس سببًا في

(1)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 7/ 173، المدونة، للإمام مالك 4/ 59، الحاوي، للماوردي 6/ 333، الفروع، لابن مفلح 4/ 288، المحلى، لابن حزم 6/ 481.

(2)

الإشراف، لابن المنذر 6/ 252.

(3)

رواه أبو داود، كتاب القضاء، باب في الدين هل يحبس به، برقم 3631، والبيهقي، كتاب البيوع، باب في الحبس والملازمة، وابن ماجه، كتاب الصدقات، باب الحبس في الدين والملازمة، برقم 2428، واللفظ له. والحديث ضعيف؛ لجهالة الهرماس، وأبيه، وجده. انظر: التاريخ الكبير، للبخاري 2/ 328، الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم 3/ 112، ميزان الاعتدال، للذهبي 4/ 295، تهذيب الكمال، للمزي 30/ 163، تهذيب التهذيب، لابن حجر، 2/ 193، 11/ 27، تقريب التهذيب، لابن حجر ص 222، 1019.

(4)

انظر: أحكام القرآن، للجصاص 2/ 196، الفروق، للقرافي 4/ 135، الطرق الحكمية، لابن القيم 1/ 269.

ص: 43

ضياع الأسرة وتشتتها، فليكن آخر العقوبات، ويجب التثبت قبل الحبس هل يوجد مال عند المدين المماطل أو لا؟، فإن كان عنده مال ظاهر اُستوفي منه

(1)

، قال القرافي

(2)

: "ولا يجوز الحبس في الحق إذا تمكن الحاكم من استيفائه فإن امتنع من دفع الدين، ونحن نعرف ماله أخذنا منه مقدار الدين، ولا يجوز لنا حبسه، وكذلك إذا ظفرنا بماله أو داره أو شيء يباع له في الدين كان رهنًا أم لا فعلنا ذلك، ولا نحبسه لأن في حبسه استمرار ظلمه، ودوام المنكر في الظلم، وضرره هو مع إمكان أن لا يبقى شيء من ذلك كله، وكذلك إذا رأى الحاكم على الخصم في الحبس من الثياب والقماش ما يمكن استيفاؤه عنه أخذه من عليه قهرًا، وباعه فيما عليه، ولا يحبسه تعجيلًا لدفع الظلم، وإيصال الحق لمستحقه بحسب الإمكان. "

(3)

، وإن لم يكن له مال ظاهر فإن كان صاحب مهنة أو عمل فليؤخذ من المال الذي يكتسبه منها، وإن لم يكن فليُجبره الحاكم على العمل والتكسب ويأخذ من كسبه ويوفي به الغرماء، وإلا فليحبسه مدة يرى أنها كفيلة بأن تجعله يُخرج ما عند من مال دون أن تطول هذه المدة. مع بيان أن الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق، قال ابن تيمية:"الحبس الشرعي"ليس هو السجن في مكان ضيق وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه"

(4)

، وقال:"ولا يجب حبسه بمكان معين فيجوز حبسه في دار نفسه، بحيث لا يمكن من الخروج"

(5)

.

(1)

انظر: حاشية ابن عابدين 6/ 150، الفروق، للقرافي 4/ 80، الإشراف، لابن المنذر 6/ 252، المحلى، لابن حزم 6/ 475.

(2)

هو أحمد بن إدريس القرافي المالكي، كان إماماً في الفقه والأصول، من مصنفاته:"الفروق"، و"الذخيرة" في الفقه وهما من أجل كتب المالكية، توفي سنة 684 هـ. انظر: الديباج المذهب، لابن فرحون، ص 62، معجم المؤلفين، لعمر بن عبد الغني 1/ 158.

(3)

الفروق، للقرافي 4/ 80.

(4)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 35/ 398.

(5)

الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 5/ 398، المستدرك على مجموع الفتاوى، لابن تيمية 4/ 26.

ص: 44

رابعًا: منْعُه من السفر: وقد اتفق الفقهاء على جواز عقوبة المدين المماطل بمنعه من السفر، حتى يستوفي صاحب الدين حقه كاملاً

(1)

؛ لأن الدائن يتضرر بسفر المدين المماطل وذلك لتأخر استيفاء حقه، والضرر يزال فيمنع من السفر

(2)

.

خامسًا: ضرْبُه: وقد رأى جمهور الفقهاء أنه يجوز ضرب المدين المماطل

(3)

، وخالف الحنفية فقالوا بعدم الجواز

(4)

، قال الجصاص

(5)

: "متى امتنع من أداء جميع رأس المال إليه كان ظالماً له مستحقًا للعقوبة واتفق الجميع على أنه لا يستحق العقوبة بالضرب فوجب أن يكون حبساً لاتفاق الجميع على أن ما عداه من العقوبات ساقط عنه في أحكام الدنيا"

(6)

، وقال ابن تيمية:"يعاقب الغني المماطل بالحبس فإن أصر عوقب بالضرب حتى يؤدي الواجب وقد نصَّ على ذلك الفقهاء: من أصحاب مالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم ولا أعلم فيه خلافاً"

(7)

، وعقوبة المماطل من العقوبات التعزيرية التي يرجع تقديرها إلى الحاكم، فيجوز للحاكم أن يعاقبه بالعقوبة التي تردعه عن المماطلة، وقد يكون الضرب هو العقوبة الرادعة له، فيضربه؛ حفظًا لحقوق

(1)

انظر: حاشية ابن عابدين 5/ 294، التاج والإكليل، للمواق 6/ 594، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 186، المغني، لابن قدامة 4/ 293، المحلى، لابن حزم 6/ 481.

(2)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 294.

(3)

انظر: منح الجليل، لعليش 6/ 52، مغني المحتاج، للشربيني 3/ 116، الإقناع، للحجاوي 2/ 209،

(4)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 3/ 173، الدر المختار، للحصكفي 5/ 378 - 379.

(5)

هو أحمد بن علي أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص ولد سنة 305 هـ، انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته، من أشهر تصانيفه:" أحكام القرآن "، توفي سنة 370 هـ. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، للقرشي 1/ 84. سير أعلام النبلاء، للذهبي 16/ 340.

(6)

أحكام القرآن، للجصاص 2/ 196.

(7)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 28/ 279.

ص: 45

الناس من الضياع

(1)

، وليكن العقاب بالضرب من آخر العقوبات فإذا لم يجد القاضي له مالًا ظاهرًا عاقبه بالتشهير، والملازمة، والمنع من السفر، فإن لم يؤد ضربه، فإن لم يؤد حبسه؛ حفظاً للحقوق، ولأن الإيلام الأدبي المعنوي الذي يحصل للدائن قد يكون أشد من الإيلام البدني الذي يحصل للمدين المماطل.

هذه هي أبرز العقوبات النفسية والبدنية التي يعاقب بها المدين المماطل، والتي ذكرها الفقهاء في كتبهم وليس العقاب مقيدًا بهذه العقوبات بل "لو كان قادرًا على أداء الدين وامتنع ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل والنكاح فله ذلك؛ إذ التعزير لا يختص بنوع معين، وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه وقدره إذا لم يتعد حدود الله"

(2)

.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى 35/ 402، الاختيارات الفقهية، لابن تيمية، ص 201، الطرق الحكمية، لابن القيم 1/ 279.

(2)

الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 5/ 398.

ص: 46

‌المبحث الثاني

في عقوبة المماطل المالية

وفيه أربعة مطالب، هي:

‌المطلب الأول: حكم عقوبة المدين المماطل بالحجر على أمواله.

المطلب الثاني: حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية لمصلحة الدائن.

المطلب الثالث: حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية، للجهات الخيرية.

المطلب الرابع: حكم إلزام المدين المماطل بدفع تكاليف الشكاية، ونفقات التحصيل.

المطلب الأول: حكم عقوبة المدين المماطل بالحجر على أمواله

الحجر لغة: المنع والتضييق والإحاطة على الشيء

(1)

.

والحجر اصطلاحًا: المنع من التصرف في المال

(2)

.

(1)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 3/ 55، باب الحاء، مادة حجر، معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 138، كتاب الحاء، باب الحاء والجيم وما يثلثهما، مادة حجر، القاموس المحيط، للفيروز أبادي 1/ 528، باب الراء، فصل الجيم، مادة حجر.

(2)

انظر: الفروع، لابن مفلح 4/ 311، الأحكام السلطانية، للماوردي ص 90.

ص: 47

وقد اختلف الفقهاء في حكم عقوبة المدين المماطل بالحجر على أمواله على قولين:

القول الأول: أنه يحجر على المدين المماطل.

وهو مذهب الحنفية

(1)

، والشافعية

(2)

، وقول بعض الحنابلة

(3)

.

القول الثاني: أنه لا يحجر على المدين المماطل.

وهو مذهب المالكية

(4)

، والحنابلة

(5)

، وقول عند ال

شافعية

(6)

، وقول أبي حنيفة

(7)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»

(8)

.

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي 24/ 163، بدائع الصنائع، للكاساني 7/ 169، حاشية ابن عابدين 6/ 148.

(2)

انظر: أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 187، الحاوي، للماوردي 6/ 265، روضة الطالبين، للنووي 4/ 137

(3)

انظر: الكافي، لابن قدامة 3/ 228، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 240، قال ابن قدامة:"ولا يجوز الحجر عليه مع إمكان الوفاء؛ لعدم الحاجة إليه، وإن تعذر الوفاء وخيف من تصرفه في ماله حجر عليه، إذا طلبه الغرماء لئلا يدخل الضرر عليهم". الكافي 3/ 228، وقال البهوتي:"وإن كان المشتري موسراً مماطلاً بالثمن، فليس له أي البائع الفسخ؛ لأن ضرره يزول بحجر الحاكم عليه ووفائه من ماله" كشاف القناع 3/ 240.

(4)

انظر: حاشية الدسوقي 3/ 262، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 262، الفواكه الدواني، للنفراوي 2/ 239، منح الجليل، لعليش 6/ 6، مواهب الجليل، للحطاب 5/ 35.

(5)

انظر: الشرح الكبير، لابن قدامة 4/ 458، المبدع، لابن مفلح 4/ 189، الانصاف، للمرداوي 5/ 275، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 157.

(6)

انظر: فتح العزيز، للرافعي 10/ 228، روضة الطالبين، للنووي 4/ 137

(7)

انظر: العناية، للبابرتي 9/ 271، المبسوط، للسرخسي 24/ 163، تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 190

(8)

سبق تخريجه

ص: 48

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث دلالة على أن المدين المماطل تحلُّ عقوبته، والحجر على أموال المدين المماطل نوع من أنواع العقوبة التي يجوز إيقاعها عليه

(1)

.

نوقش: بأنه ليس هناك حاجة إلى الحجر على ماله، بل على الحاكم أن يجبر المماطل بالوفاء، فإن أبى حبسه حتى يوفي صاحب الحق، ولا حاجة للحجر

(2)

.

أجيب: بأن المماطل قد يتلف ماله بتصرفه تصرفًا يزيله عن ملكه، فيبقى بعد ذلك معسرًا، فيتضرر بذلك الدائن، وفي الحجر عليه دفع للضرر الواقع على الدائن

(3)

.

الدليل الثاني: قياس جواز الحجر على المدين المماطل على جواز الحجر على المدين المفلس بجامع عدم الأداء في كل منهما

(4)

.

يناقش: بأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن المفلس لا مال عنده يمكن الاستيفاء منه بعكس المدين المماطل الذي يوجد عنده المال ويمكن الاستيفاء منه.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن في الحجر على المدين المماطل إهدارًا لأهليته، وإلحاقًا له بالبهائم، وفي ذلك ضرر عظيم عليه، فلا يجوز الحجر عليه لدفع ضرر خاص

(5)

.

(1)

انظر: سبل السلام، للصنعاني 3/ 141، كشف اللثام، للسفاريني 5/ 17.

(2)

انظر: المبدع، لابن مفلح 4/ 189، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 157.

(3)

انظر: الكافي، لابن قدامة 3/ 228، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 187.

(4)

انظر: نتائج الأفكار، لقاضي زاده 9/ 283.

(5)

انظر: العناية، للبابرتي 9/ 271، المبسوط، للسرخسي 24/ 163، تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 190

ص: 49

نوقش: بأن الحجر على المدين لا يهدر أهليته؛ لأن جميع تصرفاته غير المالية، وتصرفاته المالية في الذمة صحيحة، ومنعه من التصرف في ماله لتعلق حق الغرماء به

(1)

.

الدليل الثاني: أن في الحجر على المدين المماطل ضرراً عليه، فلا يجوز الحجر عليه

(2)

.

نوقش: بأن الضرر واقع على الدائن بسبب مماطلة المدين، والمدين المماطل ظالم بمماطلته فلا اعتبار لضرره، وضرر الدائن من مماطلة المدين أعظم وأشد من ضرر المدين بسبب الحجر على أمواله، فيحجر عليه لدفع الضرر الأشد، كما أنه يمكن للمماطل من دفع الضرر عن نفسه بتسديد دينه

(3)

.

الدليل الثالث: أنه لا يحتاج إلى الحجر، فللدائن المطالبة بحقه، وإن أبى المماطل، فيعاقب بالحبس والملازمة وغيرها، فلا حاجة للحجر

(4)

.

نوقش: بعدم التسليم بأنه لا يحتاج للحجر على أموال المدين المماطل؛ فقد يتلف المماطل ماله أو يحتال بنقله إلى آخر، حتى لو كان معاقبًا بالحبس والملازمة، ففي الحجر على ماله رفع للضرر عن الدائن، وأحفظ لحقه

(5)

.

الترجيح: بعد عرض القولين الواردين في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي- والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول القائل بجواز الحجر على المدين المماطل؛ لأن عقوبة المماطل من

(1)

انظر: استيفاء الديون، للمزيد ص 139.

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي 24/ 163.

(3)

انظر: استيفاء الديون، للمزيد ص 140، المماطلة في الديون، للدخيل، ص 166.

(4)

انظر: المبدع، لابن مفلح 4/ 189، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 157.

(5)

انظر: الكافي، لابن قدامة 3/ 228.

ص: 50

العقوبات التعزيرية التي ترجع لاجتهاد القاضي فمتى رأى القاضي أن المصلحة في عقوبة معينة فله المعاقبة بها ما لم يرد دليل في النهي عنها، وقد تبيّن في المناقشة ضعف أدلة القول الثاني في النهي عن الحجر على أموال المدين المماطل، إلا أن الأولى إن كان مال المدين المماطل ظاهرًا يمكن الاستيفاء منه فإنه لا حاجة للحجر على أمواله وللقاضي أن يأخذ من مال المدين المماطل ما يوفي به الدائن؛ لما يترتب على الحجر على أموال المدين المماطل في هذا الحال من الضرر على الدائن بتأخير الوفاء وعلى المدين بمنعه من التصرف في ماله، وإن كان مال المدين المماطل غير ظاهر لا يتمكن القاضي من الاستيفاء منه فإن له الحجر علي إن رأى المصلحة في ذلك.

ص: 51

‌المطلب الثاني

حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية لمصلحة الدائن

وفيه ثلاث مسائل، هي:

‌المسألة الأولى: حكم الاتفاق بين المتعاقدين على دفع غرامة مالية عند التأخر في أداء الدين.

‌المسألة الثانية: حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية للدائن مقابل الضرر الأدبي الذي يلحقه.

‌المسألة الثالثة: حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية للدائن مقابل الضرر الناتج عن فوات الربح، أو وقوع ضرر حقيقي.

المسألة الأولى: حكم الاتفاق بين المتعاقدين على دفع غرامة مالية عند التأخر في أداء الدين.

أجمع العلماء على أن اتفاق المتعاقدين على دفع غرامة مالية عند التأخر في أداء الدين محرم، وهو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمة

(1)

، قال ابن المنذر:"وأجمعوا على أن المسلف إذا شرط عُشر السلف هدية، أو زيادة فأسلف على ذلك، أن أخذه الزيادة ربا"

(2)

. حتى أن الفقهاء القائلين بجواز فرض غرامة مالية على المدين المماطل إذا تضرر الدائن يحرمون الاتفاق عليها بين المتعاقدين عند العقد؛ قال الزرقا: "إن الاتفاق على مقدار ضرر الدائن عن تأخير الوفاء له محذور كبير؛ وهو أنه قد يصبح ذريعة لربا مستور

(1)

انظر: الإجماع، لابن المنذر ص 136، مراتب الإجماع، لابن حزم ص 165، الكافي، لابن عبد البر 2/ 633 مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 418.

(2)

الإجماع، لابن المنذر ص 136

ص: 52

بتواطؤ من الدائن والمدين، بأن يتفقا في القرض على فوائد زمنية ربوية، ثم يعقد القرض في ميعاده، لكن يستحق عليه الدائن تعويض تأخير متفق عليه مسبقًا يعادل سعر الفائدة، فلذلك لا يجوز في نظري"

(1)

، وقال الصديق الضرير:"لا يجوز أن يتفق البنك مع العميل المدين على أن يدفع له مبلغاً محدداً، أو نسبة من الدين الذي عليه في حالة تأخره عن الوفاء في المدة المحددة، سواء أسمي المبلغ غرامة، أو تعويضاً، أو شرطاً جزائياً؛ لأن هذا هو ربا الجاهلية المجمع على تحريمه"

(2)

، وقال المنيع:"إن التعويض عن ضرر التأخير في الأداء إن كان نتيجة شرط فهو ربا"

(3)

، وقال أيضًا:"والذي يظهر لي أن الشرط الجزائي بالنسبة لسداد الديون هو أخذ بالمنهج الجاهلي: أتربي أم تقضي؟، بل قد يكون أشد من ذلك؛ لأن المنهج الجاهلي يبدأ عند حلول أجل السداد، وهذا يقر عند التعاقد، فهو إقرار بالربا الجاهلي عند التعاقد"

(4)

.

(1)

مقال هل يقبل شرعا الحكم على المدين بالتعويض، للزرقا، منشور في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، المجلد الثالث، العدد الثاني، رجب 1417 هـ، ص 95.

(2)

الاتفاق على إلزام المدين الموسر بتعويض ضرر المماطل، للصديق محمد الأمين الضرير، منشور في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، مركز النشر العلمي في جامعة الملك عبد العزيز المجلد الثالث، العدد الأول 1405 هـ ص 112.

(3)

بحث في أن مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته، ضمن فتاوى وبحوث، لعبد الله بن منيع 3/ 237.

(4)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثاني عشر، 2/ 292. وقد نَسب الدكتور مزيد المزيد في كتابه استيفاء الديون، ص 188 إلى الشيخ عبد الله المنيع القول بجواز الاشتراط بين المتعاقدين على دفع غرامة مالية عند التأخر في أداء الدين، وأحال على مقال الشيخ الذي عنوانه: مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته، وهو منشور في فتاويه 3/ 191، وقد قرأت المقال كاملًا وجميعَ فتاوي الشيخ بمجلداتها الأربع، ولم أجد له هذا القول الذي نسبه له الدكتور المزيد، والنقولات السابقة التي نقلتها في المتن من كلام الشيخ المنيع تدل على أنه لا يرى هذا القول، والله أعلم.

ص: 53

‌المسألة الثانية: حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية للدائن مقابل الضرر الأدبي الذي يلحقه

(1)

.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: "لم نجد أحدًا من الفقهاء عبر بهذا - الضرر الأدبي أو المعنوي- وإنما هو تعبير حادث، ولم نجد في الكتب الفقهية أن أحداً من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية "

(2)

، ومع التسليم بأن هذا التعبير حادث فإنه لا يسلم بأن الفقهاء لم يتكلموا عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية، بل تكلم الفقهاء عن التعويض المالي عن القذف وهو ضرر معنوي، واختلفوا فيه فمنهم من أجازه وأكثرهم على المنع

(3)

، وقد جاء عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة

(4)

في الشجة إذا عادت فالتحمت ولم يبق لها أثر بأن عليه أرش الألم، وهو حكومة عدل

(5)

، والألم ضرر معنوي، فالفقهاء تكلموا عن الأضرار المعنوية وإن لم يصطلحوا عليها بهذا الاسم، والعبرة بحقائق الأمور لا بمسمياتها.

(1)

صورة الضرر الأدبي: قد يكون الدائن من أشراف الناس الذين يغض من قدرهم، وينقص من مكانتهم التردد على المحاكم، ومراكز الشرط، أو كثرة الاتصالات على المدين، والذهاب إليه، وملاحقته، وانتظاره، وما ينتج عن ذلك من هم وحزن، وخوف من ضياع الحق، مما قد يعود بالغم والضرر الصحي على بدنه، وغيرها من الأضرار الأدبية والمعنوية. انظر: المماطلة في الديون، للدخيل ص 412

(2)

الموسوعة الفقهية الكويتية 13/ 40.

(3)

الذخيرة، للقرافي 7/ 325، تكملة المجموع، للسبكي 11/ 363.

(4)

هو أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري القاضي الحنفي، ولد سنة 113 هـ ولازم أبا حنيفة سبع عشرة سنة، وأول من دعي بقاضي القضاة، له مصنفات من أشهرها: كتاب الخراج، توفي سنة 182 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 8/ 535، الجواهر المضية، للقرشي 3/ 611، الأعلام، للزركلي 8/ 193

(5)

العناية، للبابرتي 10/ 296، تبيين الحقائق، للزيلعي 6/ 138، حاشية ابن عابدين 6/ 586.

ص: 54

وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية مقابل الضرر الأدبي الذي يلحق الدائن على قولين:

القول الأول: عدم جواز تغريم المدين المماطل بغرامة مالية مقابل الضرر الأدبي.

وهو قول جمهور الفقهاء المعاصرين

(1)

، بل نُقل الاتفاق على هذا القول

(2)

.

القول الثاني: جواز تغريم المدين المماطل بغرامة مالية مقابل الضرر الأدبي.

وهو قول لبعض الفقهاء المعاصرين

(3)

.

(1)

انظر: الضمان في الفقه الإسلامي، للخفيف ص 45، الفعل الضار والضمان فيه، للزرقا ص 126، الضرر في الفقه الإسلامي، لأحمد موافي 2/ 1023، النظرية العامة للموجبات والعقود، لمحمصاني 1/ 172، الشرط الجزائي، للضرير، منشور في مجلة المجمع العدد الثاني عشر 2/ 64 - 76، التعويض عن الضرر من المدين المماطل، لمحمد الزحيلي مقدم لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية 1421 هـ، ص 77، التعويض عن الضرر في الفقه الإسلامي، لمحمد بوساق ص 34. وقد صدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 109/ (3/ 12) بشأن موضوع الشرط الجزائي بالمنع من التعويض عن الضرر الأدبي: "خامساً: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي

ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي" مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر 1421 هـ 2/ 306.

(2)

قال الشيخ علي الخفيف: "ليس فيهما -أي الضرر الأدبي والمعنوي- تعويض مالي على ما تقضي به قواعد الفقه الإسلامي، وذلك محل اتفاق بين المذاهب" الضمان في الفقه الإسلامي ص 45.

(3)

وممن قال به: الشيخ محمود شلتوت كما في كتابه المسؤلية المدنية والجنائية، ص 35، والدكتور محمد فوزي فيض الله كما في كتابه نظرية الضمان في الفقه الإسلامي ص 92. والدكتور وهبه الزحيلي كما في كتابة نظرية الضمان ص 54. والدكتور محمد سراج كما في كتابه ضمان العدوان في الفقه الإسلامي، ص 341، والدكتور فتحي الدريني كما في كتابه نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي ص 290

ص: 55

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: أن التعويض بالمال يقوم على الجبر بالتعويض، وذلك لا يتحقق إلا بإحلال مال محل مال مكافئ له ليقوم مقامه ويسد مسده، لرد الحال إلى ما كانت عليه؛ إزالة للضرر، وجبرًا للنقص، وليس ذلك بمتحقق في الضرر الأدبي المعنوي؛ لأنه لا يمكن قياسه ومعرفة ما يكافئه من المال

(1)

.

يناقش: بأن عدم التمكن من المكافأة في التعويض الأدبي لا يمنع التعويض مطلقًا بل يرجع فيه إلى التقدير؛ لأن التعويض بالمال إن لم يتمكن فيه من المماثلة والمكافأة فإنه يُرجع فيه إلى التقدير والمقاربة.

الدليل الثاني: أن التعويض المالي في الضرر الأدبي المعنوي يجحف في حق الفقير، ولا يردع الغني، أما العقوبة البدنية: فهي زاجرة للمعتدي فقيرًا كان أو غنيًا، ولذا شرع لهذا الضرر ما يناسبه من الحد، والتعزير الزاجر، والتأديب الرادع، وهو كاف في شفاء غيظ المتضرر، وإزالة ضرره

(2)

.

يناقش: بعدم التسليم بأن التعويض المالي لا يردع الغني فقد يكون أشد على الغني من العقوبات الأخرى، وقد يكون التعزير بالمال أشد في زجر المعتدين وردعهم، وقد تكون هناك من العقوبات التعزيرية غير المالية ما لا تردع الفقير ولا الغني، فالتقدير في التعزير يرجع للقاضي فإن رأى أن التعويض أو التعزير بالمال هي التي تردع المماطل فله ذلك.

الدليل الثالث: أن في القذف، والغصب، والسرقة، والنهب، أضرارًا أدبية، ولم يأت في الشريعة تعويض مالي عنها، ولا يجوز التعويض المالي عنها،

(1)

انظر: الضمان في الفقه الإسلامي، للخفيف ص 45.

(2)

انظر: التعويض عن الضرر، لمحمد بوساق ص 35.

ص: 56

وإنما الحد أو التعزير

(1)

، والضرر الأدبي الذي يناله الدائن لن يصل إلى الضرر الأدبي في القذف والغصب، فمن باب أولى أنه لا يجوز التعويض المالي عنه.

يناقش: بأن العقوبات تنقسم إلى: حدود وتعزيرات؛ أما الحدود فما وصل للسلطان عوقب بما قدرته الشريعة ولا يزاد عليه، ولا يقاس على ما قدرته الشريعة في الحدود، أما إن لم تصل للسلطان وكان الحد حقًا للآدمي كالقذف، فلا يسلم أنه لا يجوز التعويض المالي عنها؛ فلصاحب الحق التنازل عن حقه مقابل مال يأخذه، أما التعزيرات التي لم تقدر فيها الشريعة عقوبة فمردها للقاضي يعاقب بما هو أصلح للمجتمع، وقد يكون الأصلح هو التعويض المالي، أو التعزير بالمال، ولا دليل صحيح يمنع من ذلك.

الدليل الرابع: أن التعويض عن الضرر الأدبي المعنوي يُعد من باب الأخذ على العرض مالا، وهذا لا يجوز، كما لو صالح المقذوف من قذفه على مال فإنه لا يجوز

(2)

، جاء في الإنصاف: "وإن صالح سارقاً

أو مقذوفاً عن حده: لم يصح الصلح بلا نزاع"

(3)

، فالأعراض لها مكانتها الخطيرة عند المسلمين، وجعلها محل تعويض مالي أمر تأباه الفطر السليمة

(4)

.

يناقش: بأنه لا دليل صحيح يمنع من جواز أخذ المال على العرض؛ فالنفس مكانتها أشد خطرًا من العرض ومع ذلك يجوز الصلح عليها بالدية

(1)

انظر: الضمان في الفقه الإسلامي، للخفيف ص 45.

(2)

انظر: غمز عيون البصائر، للحموي 3/ 81، البحر الرائق، لابن نجيم 5/ 39، مواهب الجليل، للحطاب 6/ 305، شرح مختصر خليل، للخرشي 8/ 90، الأم، للشافعي 3/ 239، تحفة المحتاج، للهيتمي 9/ 120، المبدع، لابن مفلح 13/ 164، الإنصاف، للمرداوي 5/ 248.

(3)

الإنصاف، للمرداوي 5/ 248.

(4)

انظر: التعويض عن الضرر، لبوساق ص 34

ص: 57

وبما يزيد عليها؛ جاء في الإنصاف: "ويصح الصلح عن القصاص بديات، وبكل ما يثبت مهرا"

(1)

، وأما ما جاء في الإنصاف من أنه "لا نزاع" في عدم جواز الصلح على القذف؛ فإنه يعني أنه لا نزاع في المذهب الحنبلي؛ لأن الإنصاف كتاب في بيان الراجح من الخلاف في المذهب الحنبلي، أما غير المذهب الحنبلي فلا يسلم عدم وجود النزاع فيه مطلقًا، بل أجازه بعض الفقهاء المتقدمين

(2)

؛ لأنه حق للآدمي، فله الحق بالعفو مطلقًا أو مقابل المال. قال ابن عثيمين:"على القول بأنه حق للمقذوف وأن للمقذوف إسقاطه، قالوا: إنه لا يصح بعوض؛ لأن هذا الحق ليس ماليّاً، ولا يقصد به المال فلا يصح بعوض، وهذا هو القول الأول، والقول الثاني: أنه يصح بالعوض؛ لأن الذي سوف تسود صحيفته به هو المقذوف، فبدلاً من هذا، يقول: أعطني مائة ألف ريال، وأنا إن شاء الله سأدافع عن نفسي فيما يتعلق بالقذف، وهذا القول له وجهة نظر؛ لأنه حق لآدمي في الواقع، ولهذا لا يقام حد القذف إلا بمطالبة من المقذوف"

(3)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: قياس المضار المعنوية على المنافع المعنوية فكما أن المنافع المعنوية متقومة، فتقاس المضار المعنوية عليها بجامع أن كلاً منهما عرض لا بقاء له

(4)

.

نوقش: بأن قياس المضار المعنوية على المنافع المعنوية قياس مع الفارق،

(1)

الإنصاف، للمرداوي 5/ 246.

(2)

انظر: الذخيرة، للقرافي 7/ 325، تكملة المجموع، للسبكي 11/ 363.

(3)

الشرح الممتع، لابن عثيمين 9/ 246.

(4)

انظر: نظرية التعسف في استعمال الحق، للدريني ص 290.

ص: 58

فالمنافع متقومة؛ لأنها أموال

(1)

، فلا يقاس عليها الضرر المعنوي المجرد عن الضرر الالي

(2)

.

ويناقش أيضًا: بأن المنافع المعنوية متعلقة بأمور مادية ظاهرة ينتفع بها الإنسان كأجرة البيت أو السيارة ويمكن قياسها، أما المضار المعنوية فهي متعلقة بما يشعر به الإنسان داخليًا من ضرر وهذا لا يمكن قياسه.

الدليل الثاني: أن الواجب في الضرر المعنوي الأدبي هو التعزير، ومن أنواعه: التعزير بالمال، وهو مقرر شرعًا

(3)

، والتعويض بالمال عن الضرر الأدبي لا يخرج عن التعزير بالمال المقرر شرعاً

(4)

.

نوقش من وجهين: الوجه الأول: بعدم التسليم بجواز التعزير بالمال وهو ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة

(5)

، بل نقل الإجماع عليه

(6)

، لأن من أصول

(1)

وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة. انظر: حاشية الدسوقي 3/ 442، روضة الطالبين للنووي 5/ 12، المغني، لابن قدامه 7/ 162.

(2)

انظر: الشرط الجزائي، لليمني ص 188

(3)

وقد قال به أبو يوسف من الحنفية، وابن فرحون من المالكية، وابن تيمية، وابن القيم من الحنابلة. انظر: فتح القدير، لابن الهمام 5/ 345، تبيين الحقائق، للبابرتي 3/ 208، تبصرة الحكام، لابن فرحون 2/ 293، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 28/ 112، إعلام الموقعين، لابن القيم ص 282.

(4)

انظر: نظرية الضمان، لوهبة الزحيلي ص 25.

(5)

انظر: حاشية ابن عابدين 4/ 61، الشرح الصغير، للدردير 4/ 504، تكملة المجموع، للمطيعي 20/ 125، المغني، لابن قدامة 9/ 178. قال ابن قدامة:"التعزير يكون بالضرب والحبس والتوبيخ. ولا يجوز قطع شيء منه ولا جرحه، ولا أخذ ماله؛ لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عن أحد يقتدى به؛ ولأن الواجب أدب، والتأديب لا يكون بالإتلاف" المغني 9/ 178.

(6)

جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير: "وأما التعزير بأخذ المال فلا يجوز إجماعًا، وما روي عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة من جواز التعزير للسلطان بأخذ المال فمعناه كما قال البرادعي من أئمة الحنفية أن يمسك المال عنده مدة لينزجر ثم يعيده إليه لا أنه يأخذ لنفسه أو لبيت المال كما يتوهمه الظلمة، إذ لا يجوز أخذ مال مسلم بغير سبب شرعي" 4/ 504 - 505

ص: 59

الشريعة عصمة الأموال، ولا يترك هذا الأصل إلا بدليل يوازيه، والشريعة أباحت التعزير بالجلد والحبس، وغيرها مما سبق ذكره من العقوبات التعزيرية للماطل ولم تبح ماله، وإباحة ماله يفتح المجال للظلمة بأكل أموال الناس.

يجاب: بأنه وردت العديد من الأدلة التي تبيح التعزير بأخذ المال

(1)

، وإذا أجازت الشريعة جَلدَه وبشرته وحبسه، فاستباحة ماله من باب أولى، وهي أهون من جَلْدِه وحبسه، والظلمة لا يجوز لهم الولاية من الأصل، وكما أن جواز التعزير بالمال يفتح الباب لهم بأكل أموال الناس، فكذلك جواز التعزير بالجلد والحبس يفتح الباب لهم بتعذيب الناس وحبس حرياتهم، ومع ذلك لم تمنعوه! فالكلام عن حكم هذه المسألة من حيث أصلها عند وجود الوالي العادل أما إن كان الوالي ظالمًا فللمسألة حكم آخر بناء على ما طرأ عليها.

الوجه الثاني: على فرض التسليم بجواز التعزير بالمال فإن العقوبة في الشريعة من باب الزواجر، بينما التعويض عن التأخير- على القول بجوازه- إنما هو من باب الجوابر، جبراً لصاحب الحق عما فاته من انتفاع، أو لحقه من ضرر بسبب المماطلة، والتعزير بالمال مورده لبيت المال، ومصرفه مصالح المسلمين، بخلاف التعويض فهو للمتضرر مقابل ما لحقه من ضرر مادي يمكن أن يقابل بمثله أو قيمته

(2)

.

(1)

انظر: حكم التعزير بأخذ المال في الإسلام، لماجد أبو رخية، ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 338 - 340.

(2)

انظر: التعويض عن الضرر، لبوساق ص 38، بيع التقسيط وأحكامه، للتركي ص 321، استيفاء الديون، للمزيد ص 176.

ص: 60

يجاب: بأنه وإن كانت العقوبة من باب الزواجر فلا دليل يمنع أن تكون الزواجر جابرة لما لحق المعتدى عليه من الضرر، بل الأولى في العقوبة أن تجمع بين الزجر والجبر لما أمكن جبره، وإن كان موردها بيت المال فإنه لا يوجد دليل يمنع القاضي من دفع هذا المال إلى الشخص المتضرر معنويًا، إن رأى أن هذا هو الأصلح.

الدليل الثالث: أنه جاء عن أبي يوسف في الشجة إذا عادت فالتحمت ولم يبق لها أثر بأن "عليه أرش الألم، وهو حكومة عدل"

(1)

. وجاء عن محمد بن الحسن

(2)

في الجراحات التي تندمل دون أن يبقى لها أثر بأنه: "يجب فيها حكومة بقدر ما لحق المجروح من الألم"

(3)

، فأبو يوسف، ومحمد بن الحسن قررا التعويض المالي مقابل الألم، والألم ضرر أدبي، وعليه فيقاس على الألم غيره من الأضرار الأدبية المحضة، فيجوز التعويض المالي عن الضرر الأدبي

(4)

.

نوقش: بأن قول أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، لا يصلح دليلاً على مشروعة التعويض عن الضرر الأدبي بالمال؛ لأنه ليس حجة في نفسه، ولأنه اجتهاد مقابل بمثله، وأقوالهم هنا ليس في الضرر الأدبي المحض، بل هو ضرر نتج عنه ضرر مادي، فيسوغ التعويض عنه باعتباره يؤدي إلى خسارة مالية؛ لأنه

(1)

العناية، للبابرتي 10/ 296، تبيين الحقائق، للزيلعي 6/ 138

(2)

هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، إمام من أئمة الحنفية، ولد سنة 132 هـ، تفقه على أبي حنيفة، ثم على أبي يوسف، وهو الذي نشر فقه أبي حنيفه، له مصنفات كثيرة، منها: المبسوط، والجامع الكبير، والجامع الصغير وغيرها، توفي سنة 189 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 9/ 134، الجواهر المضية، للقرشي 3/ 122، شذرات الذهب، للعكري 1/ 321

(3)

المبسوط، للسرخسي 26/ 81

(4)

انظر: نظرية الضمان، لوهبة الزحيلي ص 25.

ص: 61

قد يعطله عن الكسب والعمل، ويتحمل فيه أجرة الطبيب والدواء ولا نزاع في جواز التعويض المالي عنها

(1)

.

يجاب: بالتسليم بأن قولهما ليس دليلًا وأنه يحتاج لدليل يستند عليه، ولكن لا يسلم بأن قولهما ليس في الضرر الأدبي بل هما تكلما عن الأرش مقابل الألم الذي لحق المجروح مطلقًا، ولم يقيداه بأنه إذا ترتب عليه خسارة مادية فإن له الأرش، فترتب الخسارة المادية على هذا الاعتداء كأجرة طبيب أو دواء مسألة أخرى غير مسألة الحكومة على الألم، والدليل على ذلك التفريقُ بين القولين عند عرْضِ المسألة في كتب المذهب الحنفي فقد جاء في المبسوط:"وقد روي عن محمد في الجراحات التي تندمل على وجه لا يبقى لها أثر تجب حكومة بقدر ما لحقه من الألم، وعن أبي يوسف رحمه الله يرجع على الجاني بقدر ما احتاج إليه من ثمن الدواء وأجرة الأطباء حتى اندملت"

(2)

، وجاء في الهداية:"وقال أبو يوسف: يجب عليه أرش الألم وهو حكومة عدل، لأن الشين إن زال فالألم الحاصل ما زال فيجب تقويمه. وقال محمد: عليه أجرة الطبيب، لأنه إنما لزمه الطبيب وثمن الدواء بفعله فصار كأنه أخذ ذلك من ماله"

(3)

ولو كان المراد بالأرش وهو الحكومة على الألم هو ما يدفع مقابل أجرة الطبيب والدواء لما فرق علماء المذهب الحنفي بين القولين، ولكانا قولًا واحدًا في المذهب، وقد حاول بعض علماء المذهب الحنفي أن يجعلهما قولًا واحدًا إلا أنه لم يسلم أكثر فقهاء المذهب بذلك

(4)

؛ لأن تعليل أبي يوسف

(1)

انظر: الفعل الضار، للزرقا ص 123

(2)

المبسوط، للسرخسي 26/ 81.

(3)

الهداية، للمرغيناني 4/ 470، العناية، للبابرتي 10/ 296.

(4)

تبيين الحقائق، للزيلعي 6/ 138، تحفة الفقهاء، للسمرقندي 3/ 113، بداية المبتدي، للمرغيناني ص 246.

ص: 62

واضح في أن المراد عنده أن التعويض مقابل الألم فقط، وقد رد ابن عابدين

(1)

على من جعل رأي أبي يوسف موافقًا لرأي محمد بن الحسن بأن المراد بحكومة الألم هي أجرة الطبيب والدواء بأن هذا يتأتى على أحدى الروايتين عن أبي يوسف وأن الرأي المشهور عنه هو أن العقوبة هي لمجرد الألم فقط زجرًا للسفيه وجبرًا للضرر

(2)

.

الدليل الرابع: أن القول بعدم التعويض عن الضرر الأدبي يفتح الباب على مصراعيه للمعتدين على أعراض الناس، وفي التعويض صيانة لأعراض الناس، والشريعة قد حرمت الإضرار والإيذاء بشتى صوره

(3)

.

نوقش: بأن عدم التعويض عن الضرر لا يفتح الباب على مصراعيه أمام المعتدين على الأعراض؛ لأن الشريعة وضعت العقوبة الرادعة المناسبة للأضرار الأدبية، والمعنوية، والكفيلة بردع المعتدين على أعراض الناس، وهي الحد، أو التعزير

(4)

.

الترجيح: بعد عرض القولين الواردين في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي أن القولين متكافئآن، والذي يظهر لي-والله أعلم- أن التعويض عن الضرر الأدبي من حيث الأصل جائز متى

(1)

هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين، ولد سنة 1198 هـ. كان فقيه الديار الشامية، وكان شافعي المذهب ثم تحول إلى مذهب الحنفية على يد شيخه شاكر العقاد، فصار إمام الحنفية في عصره، من تصانيفه:"رد المحتار على الدر المختار " المشهور بحاشية ابن عابدين ولكنه توفي قبل أن يكمله، فأكمله ابنه محمد علاء الدين، توفي سنة 1252 هـ. انظر: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، للبيطار، ص 1238، معجم المؤلفين، لابن عبد الغني 9/ 77.

(2)

حاشية ابن عابدين 6/ 586.

(3)

انظر: التعسف في استعمال الحق، للدريني ص 290

(4)

انظر: الفعل الضار، للزرقا ص 125

ص: 63

ما تحقق وجوده ولا دليل صحيح يمنع منه، ويُمكن أن يستدل على جوازه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ»

(1)

، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدينار والدرهم مقابل المظلمة من عرض أو غيره، وفيه إشارة إلى أنه يجوز التحلل من مظلمة العرض بدفع المال، والمظلمة في العرض ضرر أدبي معنوي، كما لو اعتدى إنسان على آخر بالقذف، أو تشويه سمعته، فإنه يجوز له أن يدفع مالًا للمعتدى عليه مقابل التنازل عن حقه قبل أن تصل للقاضي، ويجوز للمعتدى عليه أن يأخذ هذا المال مقابل الضرر الأدبي الذي حصل له؛ لأنه صاحب الحق فله أن يعفو دون مقابل وله أن يعفو بمقابل المال، وله أن يرفعه للقاضي، فإذا وصل للقاضي فهو مخير بين تعويض المتضرر عن هذا الضرر الأدبي، أوتعزيره بما يراه الأصلح حسب اختلاف القضايا والناس فله أن يعزر المعتدي بالمال وأن يضع هذا المال في مصالح المسلمين، وله أن يعطي هذا المال للمتضرر أدبيًا متى ما رأى أنه الأصلح، والفرق بين تعويضه أدبيًا وبين أن يعزر المعتدي بالمال ويعطيه للمتضرر أن التعويض أدبيًا لابد من تقديرٍ لهذا الضرر وأن يكون المال مقاربًا له، أما التعزير بالمال فلا يشترط له تقدير للضرر الأدبي، فقد يكون أكثر أو أقل، وأن المال المأخوذ على وجه التعويض من حق المتضرر ولا يجوز صرفه في وجه آخر، أما المال المأخوذ تعزيرًا فليس من حق المتضرر فالأصل فيه أنه في مصالح المسلمين ولا يجوز للقاضي أن يعطيه للمتضرر إلا إن رأى أن هذا هو الأصلح حسب القضية التي بين يديه. هذا بالنسبة لحكم التعويض عن الضرر

(1)

رواه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له، هل يبين مظلمته، برقم (2449).

ص: 64

الأدبي من حيث الأصل، أما بالنسبة للتعويض عن الضرر الأدبي الذي يلحق الدائن فإنه يشترط أن يكون بحكم القاضي ولا يجوز أن يتولاه الدائن؛ لأنه يفتح الباب أمام المرابين أن يزيدوا في الدين ويحتجوا بأن هذه الزيادة مقابل الضرر الأدبي، والشريعة جاءت بسد أبواب الربا.

‌المسألة الثالثة: حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية للدائن مقابل الضرر الناتج عن فوات الربح، أو وقوع ضرر حقيقي

(1)

.

أول من أثار هذه المسألة للنقاش فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء رحمه الله فقد قال: "لم يعالج فقهاء المذاهب فيما أعلم قبلًا هذه المسألة - أعني تعويض الدائن عن تأخير الوفا. المستحق في المداينات - ولم يبحثوها، مرد ذلك في تقديري إلى ثلاثة أمور: الأول: لم يكن لهذا الأمر من الأهمية والتأثير في حركة التعامل والتجارة كما أصبح له في العصر الحاضر. الثاني: أن وصول الدائن إلى حقه عن طريق القضاء عند تأخير المدين ومماطلته كان ميسوراً وسريعاً على خلاف ما هو عليه اليوم في عصرنا الحاضر. الثالث: أن هذه المسألة فيها من الحساسية الشرعية ما يمكن أن يكون من جملة العوامل في عدم بحثها، وهي خوف الوقوع في الربا"

(2)

.

(1)

صورة المسألة: إذا تأخر المدين عن سداد دينه في وقته المحدد، وفي أثناء مدة المماطلة حقق الدائن ربحاً، ولو تسلم ماله في موعده لحقق ربحاً مساوياً لما حققه من أمواله التي استثمرها، أو وقع عليه ضرر مالي كغرامات مالية سببها شروط جزائية مقابل إخلاله بتنفيذ إلتزامات عقدها الدائن مع أفراد أو مؤسسات ونحوها، فيلزم المماطل بدفع هذه الأرباح المساوية لما ربح الدائن في فترة المماطلة، أو دفع الضرر المالي الذي وقع عليه. انظر: تعليق الضرير على بحث: التعويض عن ضرر المماطلة بين الفقه والإقتصاد، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، المجلد الخامس عام ص 72.

(2)

وقد نشر بحثه لأول مرة في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، مركز النشر العلمي في جامعة الملك عبد العزيز، العدد الثاني، 1405 هـ ص 89.

ص: 65

ولا يسلم أن الفقهاء لم يبحثوها، بل بحثوها ولم يفردوها؛ لأنها داخلة عندهم في عموم الربا؛ لذا لم يعسر على جمهور الفقهاء المعاصرين أن يجدوا العديد من الأدلة التي تدخل هذه المسألة في الربا المنهي عنه.

وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية مقابل الضرر الناتج عن فوات الربح، أو وقوع ضرر حقيقي، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: عدم جواز تعويض الدائن عما فاته من ربح، أو ما وقع عليه من خسائر. وهو قول جمهور الفقهاء المعاصرين

(1)

.

(1)

انظر: المعاملات المالية المعاصرة، لوهبة الزحيلي ص 179 - 180، دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 285، بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 40، صيانة المديونيات ومعالجتها من التعثر في الفقه الإسلامي، لعثمان شبير ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 2/ 873، فتاوى المعاملات المالية، لعجيل النشمي ص 247، الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة، للسعيدي 2/ 1189، الضمان في الفقه الإسلامي، للخفيف ص 55، الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة، للسالوس 2/ 564، تعليق حسن الأمين على بحث الزرقا في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، المجلد الثالث، العدد الثاني 1417 هـ ص 41، توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال، لابن بيه ص 131، الجامع لأصول الربا، لرفيق المصري، ص 430، بحوث في الاقتصاد الإسلامي، لرفيق المصري ص 172. وقد صدر به عدد من قرارات المجامع، والهيئات العلمية، فقد جاء في قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشر عام 1409 هـ ما نصه: "إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغًا من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو قرض باطل، ولا يجب الوفاء به بل ولا يحل، سواء كان الشارط هو المصرف أو غيره؛ لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه"، وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السادسة المتعلق ببيع التقسيط ما يلي: "ثالثا: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط سابق أو بدون شرط؛ لأن ذلك رباً محرم. رابعا: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء"، وجاء في معيار المدين المماطل المعتمد من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ما يلي: "(ب) لا يجوز اشتراط التعويض المالي

سواء كان التعويض عن الكسب الفائت (الفرصة الضائعة)، أم عن تغير قيمة العملة. (ج) لا تجوز المطالبة القضائية للمدين المماطل بالتعويض المالي نقداً أو عيناً عن تأخير الدين". انظر: قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي، الأمانة العامة، من دورته الأولى عام 1398 هـ، حتى دورته الثامنة عام 1405 ص 268، مجلة المجمع الفقهي العدد السادس 1/ 447 - 448، المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص 34، المعايير الشرعية لصيغ التمويل المصرفي اللاربوي، لمحمد القري وآخرين، 1421 هـ ص 60، الشامل، لإرشيد، ص 382، قرارات الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار 3/ 128، فتاوى الهيئة الشرعية للبركة، ص 304، فتوى رقم 13/ 14.

ص: 66

القول الثاني: جواز تعويض الدائن عما فاته من ربح، أو ما وقع عليه من خسائر.

وهو قول لبعض الفقهاء المعاصرين

(1)

.

القول الثالث: عدم جواز تعويض الدائن عما فاته من ربح، وجواز تعويض الدائن عما وقع عليه من خسائر. وهو قول لبعض الفقهاء المعاصرين

(2)

.

(1)

منهم: الدكتور مصطفى الزرقا كما في بحثه: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض الدائن، منشور في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، العدد الثاني 1417 هـ 3/ 9، والعدد الثاني 2/ 97، والشيخ عبد الله بن منيع كما في بحثه مطل الغني ظلم وأنه يحل عرضه وعقوبته، ضمن فتاوى وبحوث للشيخ 3/ 191، والدكتور الصديق محمد الأمين الضرير كما في تعليقه على بحث أنس الزرقا وعلي القري في مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، المجلد الخامس 1413 هـ ص 70، والدكتور عبد الحميد السائح كما في أعمال الندوة الفقهية الرابعة لبيت التمويل الكويتي، المنعقدة في الكويت 6 - 8 جمادى الآخرة 1416 هـ، تنظيم بيت التمويل الكويتي، الكويت، ص 274، والدكتور عبد الحميد البعلي كما في كتابه أساسيات العمل المصرفي الإسلامي الواقع والآفاق ص 57.

(2)

منهم: الدكتور زكي الدين شعبان كما في تعليقه على بحث الدكتور الزرقا في مجلة جامعة الملك عبد العزيز، عام 1409 هـ 1/ 199، والدكتور محمد زكي عبد البر كما في تعليقه على رأي الضرير في مجلة جامعة الملك عبد العزيز 3/ 61 عام 1411 هـ، والدكتور سليمان التركي كما في كتابه بيع التقسيط وأحكامه ص 322.

ص: 67

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}

(1)

وجه الدلالة من الآية: أن الآية دلَّت على تحريم الربا وإبطاله، وهو زيادة في الدين مقابل الأجل

(2)

، وتغريم المدين مدة المماطلة إنما هو عوض عن تأخر أداء الدين، فهو زيادة في دين ثابت مقابل الأجل، وهو عين الربا الذي نزلت الآيات بإبطاله، واختلاف الألفاظ لا يغير الحقائق، والعبرة بالحقائق

(3)

.

نوقش: بعدم التسليم بأن تغريم المدين المماطل من جنس الربا؛ وذلك من وجهين:

الوجه الأول: أن الزيادة الربوية نتيجة تراض بين الدائن والمدين على تأجيل السداد مقابل زيادة في الأجل، وهي في غير مقابلة عوض، أما تغريم المدين المماطل فهي مقابل تفويت أرباح أو حصول خسائر على الدائن بلا رضاً منه

(4)

.

أجيب: بعدم التسليم بأن الزيادة الربوية في غير مقابلة العوض، بل هي مقابل تفويت انتفاع الدائن بماله فترة وجود المال عند المدين

(5)

، بل إن المرابين لم يطالبوا بالزيادة على أموالهم إلا لفوات الانتفاع بها وقت التأخر في سدادها

(6)

.

(1)

سورة البقرة، آية 275

(2)

انظر: جامع البيان في تأويل آي القرآن، للطبري 6/ 7، المحرر الوجيز، لابن عطية 2/ 95.

(3)

انظر: توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال، لابن بيه ص 133 - 134، الأوراق التجارية، للبوطيبي، ص 281.

(4)

انظر: بحث في مطل الغني وأنه ظلم يحل عرضه وعقوبته، ضمن فتاوى وبحوث، للمنيع 3/ 249.

(5)

انظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 41

(6)

انظر: بيع التقسيط، لرفيق المصري، ص 140، تعليق زكي الدين شعبان، مجلة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، 1409 هـ 1/ 200.

ص: 68

الوجه الثاني: أن الزيادة الربوية مشروطة سلفاً برضا الطرفين، ومحددة لأجل تأخير مستقبلي، أما التعويض فهو لأجل رفع الظلم الواقع على الدائن، ولأجل تأخير ماضٍ وقع بغير رضا من الدائن

(1)

.

يجاب عليه من وجهين: الوجه الأول: بعدم التسليم بأن الزيادة الربوية لا بد أن تكون مشروطة سلفًا فإن الربا المعروف في الجاهلية والذي نزل القرآن بتحريمه لم يكن مشروطًا سلفًا، بل كان بعد تأخر المدين بالسداد فيطلب منه الدائن إما أن يربي فيزيد في الأجل أو أن يوفي، وكون الزيادة معروفة سلفًا أو غير معروفة فإن هذا لا يغير الحكم بأنها ربا.

الوجه الثاني: على فرض التسليم بهذا التفريق فإن هذا التفريق نظري لا يصح أن يكون مناطاً للحكم، وعلى القول بجواز تغريم المدين المماطل يصبح الأمر معلوماً سلفاً بالعرف، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً

(2)

، إضافة إلى أنه من الناحية العملية فإن معظم عمليات المصارف الإسلامية تدور حول المرابحة المؤجلة، وتحقق الربح ونسبته في هذه العمليات معروفة لدى المصرف والعميل، فأصبحت نسبة التعويض معروفة مسبقاً لدى الفريقين عملاً

(3)

، واعتبار المماطل ظالماً أمرٌ لا خلاف فيه، وهذا الظلم الواقع على الدائن، ليس موجباً لتعويضه مالياً

(4)

.

(1)

انظر: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن، للزرقا ص 19، بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 39، فتاوى وبحوث، للمنيع 3/ 250.

(2)

انظر: المنثور في القواعد، للزركشي 2/ 362، شرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 237، موسوعة القواعد الفقهية، للبورنو 6/ 337.

(3)

انظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 43، الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة، للسالوس 2/ 567، بيع التقسيط وأحكامه، لسليمان التركي ص 337.

(4)

انظر: دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 290، بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 42.

ص: 69

الدليل الثاني: قول الله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}

(1)

وجه الدلالة من الآية: أن الآية دلَّت على أن للدائن رأس ماله فقط، ولم تفرق بين مدين معسر ومدين مماطل، فالزيادة على رأس المال رباً، وإن كان المماطل ظالماً بمطله، فإنه لا يجوز رد الظلم بظلم آخر

(2)

.

نوقش: بأن الآية دليل للقائلين بجواز تعويض الدائن عما فاته من ربح، أو ما وقع عليه من خسائر؛ وذلك أن الزيادة الربوية الجاهلية لا تفرق بين مدين موسر ومدين معسر، أما التغريم فلا يطالب به إلا المدين الموسر المماطل، أما المدين المعسر فلا يطالب بذلك

(3)

.

أجيب: بأن نصوص تحريم أخذ الربا عامة لم تفرق بين المعسر والموسر، فكلاهما لا يجوز أخذ الربا منه

(4)

، وأن التغريم إن كان لأجل جبر ضرر الدائن، فلا فرق بين أن يكون المدين موسراً أو معسراً؛ لأن المتضرر يستحق الجبر ولو كان المُضر معسراً، كما يستحق الأرش على الجاني ولو كان معسراً

(5)

.

الدليل الثالث: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»

(6)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن المطل كان موجوداً في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ونص النبي صلى الله عليه وسلم أن المطل يحل عرض المماطل وعقوبته، ولم يقل: يحل ماله،

(1)

سورة البقرة، الآيتين 279 - 280

(2)

انظر: دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 292

(3)

انظر: بحث في مطل الغني ظلم وأنه يحل عرضه وعقوبته، ضمن فتاوى وبحوث، للمنيع 3/ 251، بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 39.

(4)

انظر: توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال، لابن بيه ص 133.

(5)

انظر: تعليق محمد زكي عبد البر على رأي الضرير، مجلة الملك عبد العزيز 3/ 62 عام 1411 هـ، ص 62

(6)

سبق تخريجه

ص: 70

ولو كان جائزاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لمسيس الحاجة إليه، والسكوت في وقت الحاجة بيان

(1)

.

نوقش: بأن لفظ العقوبة يشمل العقوبة المالية، وهناك نصوص أخرى كثيرة، صريحة، وواضحة في اعتبار العقوبة المالية ضرباً من التعزير، وتعويض الدائن عن ضرر المماطلة من أنوع التعزير بالعقوبة المالية

(2)

.

أجيب: بأنه لا يجوز التعزير بأخذ المال؛ لعصمة أموال المسلمين، وعلى فرض جوازه فإن ولاية التعزير للقاضي، والتعويض هنا يقع بالشرط أو بالعرف، ويباشره الدائن، فخرج عن كونه تعزيراً بالمال، ولو فوض تنفيذ العقوبات إلى آحاد الناس، لأفضى ذلك إلى فوضى لا يقرها الشرع

(3)

.

يُرد: بالتسليم بأن مرجع العقوبة للقاضي، والتعزير عام ومنه التعزير بالمال، والأدلة على جوازه كثيرة

(4)

، ولا دليل يمنع القاضي من أن يعطي هذا المال للدائن زجرًا للماطل، إن رأى أن هذا هو الأصلح.

الدليل الرابع: أن مسألة المماطلة ليست مسألة نازلة تحتاج إلى اجتهاد جديد، بل هي من المسائل القديمة التي يكثر وقوعها، ولم ينقل عن أحد من

(1)

انظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 40، دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 291.

(2)

انظر: بحث في مطل الغني ظلم وأنه يحل عرضه وعقوبته، ضمن فتاوى وبحوث، للمنيع 3/ 251.

(3)

انظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 42، الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة، للسالوس 2/ 567، استيفاء الديون، للمزيد ص 183.

(4)

انظر: حكم التعزير بأخذ المال في الإسلام، لماجد أبو رخية، ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 338 - 340.

ص: 71

الفقهاء قبل هذا العصر أنه أفتى بجواز تغريم المماطل غرامة مالية لمصلحة الدائن؛ مما يدل على أنها عندهم من الربا المحرم

(1)

.

نوقش: بأن الفقهاء لم ينصوا على تغريم المماطل ضمن العقوبات؛ لأنهم لم يحتاجوا إليه في عصورهم لسهولة وصول الدائن لحقه، أما في عصرنا صعب الوصول للحق لطول الإجراءات وتأخرها، وعدم نص الفقهاء عليها لا يعني أنهم يمنعونها

(2)

.

يجاب: بعدم التسليم بأن الدائن كان يصل لحقه في عصر الفقهاء بسهولة، فلو كان يصل له بسهولة لما احتاج الفقهاء للنص على عقوبة المماطل بالحبس والملازمة والضرب وغيرها، وعدم نص الفقهاء عليها بذاتها؛ لأنها زيادة في الدين مقابل التأخير وهي داخلة في عموم النهي عن الربا.

الدليل الخامس: إن تغريم المماطل بغرامة مالية إن لم يكن ربا في ذاته، فهو ذريعة موصلة إليه، ومن القواعد الفقهية قاعدة:"سد الذرائع"

(3)

، والقول به

(1)

انظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 40، تعليق حسن الأمين على بحث الزرقاص 43، تعليق ابن بيه على بحث الزرقا، مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، المجلد الثالث، العدد الثاني، رجب 1417 هـ ص 48، بحث: المدين المماطل يعاقب بالحبس لا بتغريم المال، لفهمي أبو سنة، منشور في مجلة الأزهر، السنة الثالثة والستون، رجب 1411 هـ 7/ 754.

(2)

انظر: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن، للزرقا ص 12، بحث في مطل الغني ظلم وأنه يحل عرضه وعقوبته، ضمن فتاوى وبحوث، للمنيع 3/ 251

(3)

انظر: البحر المحيط، للزركشي 6/ 82، الموافقات، للشاطبي 1/ 178، إرشاد الفحول، للشوكاني 2/ 703.

ص: 72

يفتح باب الربا، كما حصل للنصارى

(1)

فقد استحلوا الربا المحرم في شريعتهم بسبب دعوى التعويض عن الضرر

(2)

.

يناقش: بأنه إن كان مرجع التغريم للقاضي فإن الذريعة للربا بعيدة؛ لأن القاضي سيحكم وفق دراسات وتقدير للضرر الحاصل، ولن يحكم لمجرد التأخير فقط.

الدليل السادس: أن جواز تغريم المدين المماطل بغرامة مالية عند من يقول به مقيد بشروط نظرية يصعب تحقيقها في الواقع العملي، فمنها:

أولاً: شرط عدم كون المدين معسراً، ويصعب على الدائن خاصة المصارف التحقق من كل قضية بعينها ولذا نجد أنه يحتال على إسقاط هذا الشرط - وهو عدم كونه معسراً بأن يكتب في العقد شرطاً آخر: وهو أن المدين يُعد موسراً، ويعامل بناء على ذلك ما لم يحكم عليه بحالة الإفلاس قانوناً

(3)

.

ثانياً: القول بتعويض الدائن مقابل فوات فرصة الربح، يفترض أن هذا المال لو دفع لصاحبه لأمكن أن يستثمره فيربح به، وهذا إن جاز من الناحية النظرية، فهو بعيد من الناحية العملية؛ لأن الدائن لا يقطع بتنمية ماله واستثماره،

(1)

قال أحد النصارى وهو توما الإكويني: "إذا لحق المقرض ضرر ناجم عن تأخير المقترض عن الوفاء في الميعاد المحدد للسداد، يصبح للمقرض الحق في مطالبة المقترض بالتعويض شريطة إثبات الضرر الذي انتاب المقرض" انظر: بيع التقسيط تحليل فقهي اقتصادي، لرفيق المصري ص 139.

(2)

انظر: عقد القرض، للجزائري، ص 205، بيع التقسيط، لرفيق المصري ص 139، توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال، لابن بية ص 138. مجلة جامعة الملك عبد العزيز، المجلد الخامس، ص 70.

(3)

انظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 42.

ص: 73

ثم لو استثمره فإنه لا يقطع بحصول الأرباح، بل قد يقع في خسائر فادحة، وهذا ظاهر في المصارف والبنوك، إذ لا تستفيد من كل ما لديها من أموال، بل إن نسبة السيولة غالبًا ما تكون أكثر من النسبة المحددة التي يجب الاحتفاظ بها من قبل البنوك المركزية

(1)

، وقد قال الشيخ الزرقا في أحد فتاويه:"أما الحكم بالتعويض عن ضرر التأخر بما فات على صاحب الحق من ربح، وما لحقه من خسارة بالشكل المعروف في القانون تماماً، حتى إذا كان التأخر في تسليم مبلغ نقدي مستحق فإنه يحكم بالفوائد القانونية الخ .... فهذا لا يقبل في فقه الشريعة بحذافيره وتفاصيله القانونية، ولا سيما أن الربح الفائت هو أمر احتمالي لا يمكن التيقن به فهو غيب بيد الأقدار، إذ قد ينقلب الربح المأمول إلى خسارة، ولو لم يقع من الملتزم امتناع أو تأخر. "

(2)

.

وعدم إمكان تطبيق الشروط التي نص عليها الفقهاء المجيزون حمل الدكتور الضرير أن يوقف العمل بفتواه، فقد قال:"البنك الذي أصدرت له الفتوى لم يستطع تنفيذها التنفيذ الصحيح الذي قصدته؛ لأنه أراد أن يعتمد على الربح التقريبي، وليس الفعلي في تقدير الضرر، فوجهت بوقف العمل بالفتوى، خوفاً من أن يؤدي تنفيذها إلى ما يشبه الفائدة الربا"

(3)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: الأدلة الدالة على الوفاء بالعقود، وأداء الأمانات، والعدل، منها:

قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}

(4)

،

(1)

انظر: الخدمات الاستثمارية، للشبيلي 1/ 650 - 651، المماطلة في الديون، للدخيل ص 372.

(2)

فتاوى مصطفى الزرقا ص 440.

(3)

مجلة جامعة الملك عبد العزيز، المجلد الخامس، ص 70.

(4)

سورة المائدة، الآية 1.

ص: 74

وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}

(1)

،

وقول الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا}

(2)

،

وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}

(3)

.

وجه الدلالة من الآيات: أن الله تعالى أمر بالوفاء بالعقود، وأداء الأمانة، والعدل، وأمر الله واجب الامتثال، ومن تجنب العدل كان ظالماً، والظالم إذا أدى ظلمه إلى إلحاق الضرر بغيره فهو مسؤول عن ذلك، ولا شك أن المدين المماطل ظالم، وقد حرم الدائن من الانتفاع بماله، مما يوجب مسؤوليته عن ذلك، فتغريمه غرامة مالية مقابل الضرر الذي لحق الدائن من العدل الذي أمر الله به

(4)

.

نوقش: بالتسليم بأن المدين المماطل ظالم، ومستحق للعقوبة، ومنشأ ظلمه إلحاقه الضرر بالدائن نتيجة تأخير الوفاء عن وقته بلا عذر، ولكن الأدلة دلت على الوفاء بالعقود، وأداء الأمانات، وأمرت بالعدل، ولا يوجد فيها دلالة على تغريم المدين المماطل غرامة مالية، وليس كل ضرر يلحقه الإنسان بغيره ظلماً يُعد موجباً للتعويض المالي

(5)

الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»

(6)

.

(1)

سورة النساء، الآية 58.

(2)

سورة الإسراء، الآية 34.

(3)

سورة النحل، الآية 90.

(4)

انظر: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن، للزرقا 13 - 14.

(5)

انظر: الربا، للسعيدي 2/ 1193، دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 290

(6)

رواه ابن ماجة، كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره برقم 2340، واللفظ له، والحديث ضعيف؛ فقد جاء عند ابن ماجه وأحمد من طريق جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس، وجابر الجعفي ترك الأئمة حديثة، واتهمه بعضهم بالكذب، وجاء الحديث عند ابن ماجة وأحمد أيضًا من طريق إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت، وإسحاق لم يدرك عبادة بن الصامت. وقال ابن عبد البر عن هذا الحديث:"إن هذا الحديث لا يستند من وجه صحيح" وقال ابن رجب: "وقال خالد بن سعد الأندلسي الحافظ: لم يصح حديث: «لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَار» مسندا". انظر: تهذيب الكمال، للمزي 2/ 493، 4/ 465، ميزان الاعتدال، للذهبي 1/ 204، 380، تهذيب التهذيب، لابن حجر 1/ 256، التمهيد، لابن عبد البر 20/ 158، جامع العلوم والحكم، لابن رجب 2/ 208.

ص: 75

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نصَّ في هذا الحديث على تحريم الضرر وأمر بإزالته، ولا يزول الضرر الواقع على الدائن إلا بتعويضه مالياً عن فوات منافع ماله مدة المماطلة، ومعاقبة المدين المماطل بغير الغرامة المالية لا يفيد الدائن شيئاً، فلا يزول ضرره إلا بالتعويض المالي

(1)

.

نوقش من وجهين: الوجه الأول: بأن هذا الحديث ضعيف، ولا يصح الاحتجاج به، وعلى فرض صحته

(2)

فإنه لا توجد دلالة في الحديث على أن زوال الضرر لا يكون إلا بالغرامة المالية، ولو دل الحديث عليها لوجب الحكم بها، و لوجب على كل قاض ومفت أن يقضي ويفتي بها، ولكن لم يوجد في التاريخ من حكم أو أفتى بذلك مع كثرة قضايا المماطلة، وإزالة الضرر الواقع على المدين يكون برد حقه إليه، وليس بأخذ الزيادة، لأنها مقابلة للظلم بالظلم، ومقتضى القاعدة الشرعية:"أن الضرر لا يزال بمثله ولا بما هو أشد منه"

(3)

، كما أن تضرر الدائن بتفويت الانتفاع بماله متوقع أو متوهم، فلا يزال بضرر متحقق يلحق بالمماطل

(4)

.

(1)

انظر: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن، للزرقا ص 15.

(2)

انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب 2/ 210 - 211، المستدرك، للحاكم 2/ 58، إراوء الغليل، للألباني 3/ 408.

(3)

انظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 106، موسوعة القواعد الفقهية، للبورنو 6/ 257، الوجيز في شرح القواعد الفقهية، لزيدان، ص 90، القواعد الفقهية الخمس الكبرى، لعلوان، ص 374.

(4)

انظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 40، دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 291 - 292، الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 1/ 632.

ص: 76

يجاب: بالتسليم بأن التعويض لا يكون عن تفويت انتفاع متوقع أو متوهم إذ لا عبرة بالتوهم، إنما يكون التعويض عن الخسائر التي كان سببها المباشر مماطلة المدين، وعدم وجود من حكم بذلك في التاريخ أو أفتى به-إن ثبت أنه لم يوجد من حكم بذلك أو أفتى به- ليس دليلًا على المنع.

الوجه الثاني: القول بإن "معاقبة المدين المماطل بغير التعويض المالي لا يفيد الدائن المتضرر شيئاً"، لا يعني جواز الحكم على المماطل بالغرامة؛ لأن هذه عقوبة، والعقوبات الشرعية ليس من شأنها الجبر، ووظيفتها تنحصر في الزجر، فإن السارق إذا قطعت يده لا تزيل عقوبتة الضرر عن المتضرر، ولكنها تزجر الناس عن الظلم، وتمنعهم من اقتراف الذنوب الموجبة لها درءا للمفسدة المتوقعة

(1)

.

يجاب: بأن المماطل ارتكب معصية المطل التي يستحق عليها العقوبة، وكان متسببًا في وقوع خسائر على الدائن، فعليه أن يعوض الدائن عن هذه الخسائر ثم يعاقب على معصية المماطل، كما أن على السارق أن يعيد المال الذي سرقه لصاحبه ثم يعاقب بقطع يده، فالعقوبة على المطل والتعويض عن الخسائر، مع أنه لا يوجد ما يمنع في العقوبات التعزيرية التي ترتب عليه ضرر على أحد من المسلمين أن يجمع القاضي في العقوبة بين الجبر والزجر فهو أشد زجرًا وأوفى للحقوق.

الدليل الثالث: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن الحديث دلَّ على أن المماطل يستحق العقوبة، ومن أنواع العقوبة التعزير بالمال، وهي مشروعة كما قرر ذلك

(1)

انظر: دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 292

(2)

سبق تخريجه

ص: 77

المحققون من أهل العلم

(1)

، ومن أنواع التعزير بالمال: تعزير بتمليك الغير، وتغريم المماطل من هذا النوع

(2)

.

نوقش: بعدم التسليم بجواز التعزير بالمال

(3)

، وعلى القول بجواز التعزير بأخذ المال فإن ولاية التعزير للحاكم وليست للدائن، وللحاكم صرفها في مصالح المسلمين العامة، وقيام الدائن بعقوبة المدين المماطل يؤدي إلى الفوضى والنزاع، والعقوبات الشرعية في الأصل زاجرة رادعة، وليس من شأنها أن تجبر الضرر، والعقوبات الزاجرة شرعت لاستئصال المفسدة من حياة الناس، أما تغريم المماطل فقد يحمل على التواطؤ على أكل الربا والتحايل عليه، فيزيد المفسدة ولا يعالجها

(4)

.

يجاب: بالتسليم بأن مرجعها إلى القاضي، والعقوبات التعزيرية عامة ومنها التعزير بأخذ المال، وقد دلت الأدلة الكثيرة على جوازه

(5)

، ولا دليل يمنع القاضي من أن يجمع في العقوبة التعزيرية بين التعويض والزجر، متى ما رأى القاضي المصلحة في ذلك.

(1)

وقد قال به أبو يوسف من الحنفية، وابن فرحون من المالكية، وابن تيمية، وابن القيم من الحنابلة. انظر: فتح القدير، لابن الهمام 5/ 345، تبيين الحقائق، للبابرتي 3/ 208، تبصرة الحكام، لابن فرحون 2/ 293، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 28/ 112، إعلام الموقعين، لابن القيم ص 282.

(2)

انظر: بحث في مطل الغني ظلم وإنه يحل عرضه وعقوبته، ضمن فتاوى وبحوث، للمنيع 3/ 200 - 206.

(3)

وهو ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة بل نقل الإجماع على عدم جوازه. انظر: حاشية ابن عابدين 4/ 61، الشرح الصغير 4/ 504، تكملة المجموع للمطيعي 20/ 125، المغني 9/ 178.

(4)

انظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 42، دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 292، 295

(5)

انظر: حكم التعزير بأخذ المال في الإسلام، لماجد أبو رخية، ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 338 - 340.

ص: 78

الدليل الرابع: أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم، واشتراط تغريم المدين المماطل شرط صحيح؛ لأنه يتفق مع قواعد الشريعة، ولم يرد نهي عنه بخصوصه

(1)

.

نوقش: بأن هذا الشرط معارض لنصوص الشريعة التي حرمت الربا، والشرط المعارض لنصوص الشريعة يكون باطلاً

(2)

.

الدليل الخامس: أن من المصلحة تغريم المدين المماطل؛ لأن هذا يحمله على الوفاء بالدين، وألا يتأخر في التسديد

(3)

.

نوقش: بأن هذه المصلحة ملغاة؛ لأنها مخالفة لنصوص الشريعة المانعة من أخذ الزيادة في الدين لا في ابتداء الدين، ولا في انتهاءه، ومن شروط المصلحة ألا تخالف نصاً شرعياً

(4)

.

الدليل السادس: أن من أسس الشريعة ومقاصدها العامة عدم المساواة بين العادل والظالم، ولا شك أن مماطلة المدين ظلم بشهادة النصوص الشرعية، وفيه ضرر لصاحب الحق بحرمانه من منافع ماله مدة التأخير التي قد تطول كثيراً، فإذا لم يغرم المدين المماطل، كانت النتيجة أن هذا الظالم العاصي يتساوى مع العادل المطيع، وهذا يشجع كل مدين على المماطلة وتأخير الحقوق، وهذا خلاف مقاصد الشريعة وسياستها الحكيمة قطعاً

(5)

.

(1)

انظر: مطل الغني ظلم وإنه يحل عرضه وعقوبته، ضمن فتاوى وبحوث، للمنيع 3/ 217.

(2)

انظر: بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 2/ 871

(3)

انظر: بحث مطل الغني ظلم وإنه يحل عرضه وعقوبته، ضمن فتاوى وبحوث، للمنيع 3/ 261

(4)

انظر: المسودة، لآل تيمية 2/ 830، مذكرة في أصول الفقه، للشنقيطي، ص 315، المهذب، لعبد الكريم النملة 3/ 1008

(5)

انظر: جواز إلزام المدين المماطل بالتعويض، للزرقا ص 16.

ص: 79

نوقش: بعدم التسليم بأن عدم تغريم المدين المماطل يستلزم منه مساواته بغيره، بل اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم ظالماً، وأحل عقوبته بما يزجره من التشهير به، ومنعه من السفر، وضربه، وحبسه، وغيرها من العقوبات التعزيرية، وبهذا لا تكون مساواة بين المماطل والعادل المؤدي لحق غيره

(1)

.

الدليل السابع: أن المطل في أداء الحق يشبه الغصب؛ وذلك أن التعدي على الديون يكون بحجبها عن صاحبها؛ لأن مقرها الذمم وليست أعياناً قائمة يتأتى فيها الغصب المادي، والمماطلة حجب للمال عن صاحبه فهي كالغصب للأعيان، فيلزمه بضمان منافع الدين كما يضمن الغاصب منافع العين المغصوبة مدة الغصب

(2)

.

نوقش من وجهين:

الوجه الأول: أن القائلين بضمان منافع العين المغصوبة على الغاصب يشترطون أن تكون المنفعة مما يصح أخذ العوض عنها، وذلك بأن يكون المغصوب من الأعيان التي يصح أن يرد عليها عقد الإجارة

(3)

. وهذا الشرط

(1)

انظر: دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 292 - 293.

(2)

انظر: جواز إلزام المدين المماطل بالتعويض للزرقا ص 17، والقائلون بضمان منافع المغصوب، هم الشافعية، والحنابلة. انظر: الحاوي، للماوردي 7/ 161، تحفة المحتاج، للهيتمي 6/ 29، المغني، لابن قدامة 5/ 169، كشاف القناع، للبهوتي 4/ 111

(3)

قال الشربيني: "وتضمن بأجرة المثل منفعة الدار والعبد ونحوهما من كل ما له منفعة يستأجر عليها كالكتاب والدابة والمسك بالتفويت،

أما ما لا يؤجر

فلا تضمن منفعته" مغني المحتاج 3/ 353 وقال ابن قدامة: "متى كان للمغصوب أجر، فعلى الغاصب أجر مثله مدة مقامه في يده سواء استوفى المنافع أو تركها تذهب، هذا هو المعروف في المذهب، نص عليه أحمد

وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يضمن المنافع

والخلاف في ما له منافع تستباح بعقد الإجارة، كالعقار، والثياب، والدواب، ونحوها، فأما الغنم والشجر والطير ونحوها فلا شيء فيها؛ لأنه لا منافع لها يستحق عوض" المغني، لابن قدامة 5/ 169.

ص: 80

غير متحقق في الأموال التي ماطل بها المدين إذا كانت من النقود وهو الغالب في هذا الزمن، لكون النقود أموالا لا تصح إجارتها بالإجماع

(1)

.

الوجه الثاني: أن قياس تضمين المماطل منافع الدين الذي ماطل به، على تضمين الغاصب لمنافع العين المغصوبة قياس مع الفارق؛ وذلك أن قابلية النقود للربح بالاستثمار غير متحققة بصورة قطعية، فقد يتاجر بها فتربح أو تخسر، وهو أيضاً غير متقوم فقد يربح كثيراً وقد يربح قليلاً، وهذا بخلاف الأعيان المادية إذ يصح أخذ العوض عن منافعها بورود عقد الإجارة عليها، كما أن منافعها متقومة محققة لها أجرة المثل

(2)

.

الدليل الثامن: قياس جواز تغريم المدين المماطل بغرامة مالية على جواز بيع العربون

(3)

بجامع تفويت الفرصة في كل منهما؛ وذلك أن التعويض عن منفعة العدول عن إتمام العقد مظنونة غير محققة، ومع هذا فقد اعتبر الضمان لتلك المنفعة المظنونة أمراً مشروعاً، فيقاس عليه جواز تغريم المدين المماطل مقابل ما فوته على الدائن من منافع ماله

(4)

.

(1)

انظر: دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 287 - 289. وانظر كلام الفقهاء في منع إجارة النقود: بدائع الصنائع، للكاساني 4/ 175، المبسوط، للسرخسي 14/ 49، منح الجليل، لعليش 7/ 493، المنتقى، للباجي 5/ 114، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 406، مغني المحتاج، للشربيني 3/ 445، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 561، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 249

(2)

انظر: تعليق زكي الدين شعبان على مقال الزرقا، مجلة جامعة الملك عبد العزيز - الاقتصاد الإسلامي- 1400 هـ 1/ 200، دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 288.

(3)

القائلون بجواز أخذ العربون هم الحنابلة، وهو من مفردات المذهب. انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 160، الإنصاف، للمرداوي 4/ 358، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 33

(4)

انظر: بحث في مطل الغني ظلم وإنه يحل عرضه وعقوبته، ضمن فتاوى وبحوث، للمنيع 3/ 214 - 219.

ص: 81

نوقش: بعدم التسليم بجواز بيع العربون

(1)

؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل

(2)

، وعلى فرض جوازه فإن قياس تغريم المدين المماطل على بيع العربون قياس مع الفارق؛ وذلك من أوجه:

الوجه الأول: أن الدين ليس كالبيع في كثير من الأحكام الشرعية، فما جاز في البيع قد لا يجوز في الدين؛ لأن الشارع احتاط في الديون كيلا يترتب عليها رباً محرم، وتغريم المدين المماطل زيادة على أصل الدين حرام؛ لكونها نوعاً من الربا

(3)

.

الوجه الثاني: أن تغريم المدين المماطل عن الضرر الناتج عن تأخره في سداد الدين مجهول، والجهالة فيه من جهة الوجود، ومن جهة التحصيل، ومن جهة المقدار، ومن جهة الزمن، أما مبلغ العربون فهو معلوم أثناء العقد

(4)

.

الوجه الثالث: أن تغريم المدين المماطل يقدر عند وقوع الضرر، فلا يستحق التعويض إلا إذا وقع الضرر، أما العربون فهو مقابل لحق العدول عن العقد فالإلتزام بدفع العربون قائم حتى لو لم يترتب على العدول عن العقد أي ضرر

(5)

.

(1)

وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة. انظر: النتف في الفتاوى، للسغدي 1/ 472، الشرح الصغير، للدردير 3/ 100، روضة الطالبين، للنووي 3/ 399، الإنصاف، للمرداوي 4/ 358.

(2)

انظر: الشرح الصغير، للدردير 3/ 100.

(3)

انظر: مشكلة الديون المتأخرة، للقره داغي، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عشرة 4/ 500، المماطلة في الديون، للدخيل ص 386

(4)

انظر: مشكلة الديون المتأخرة، للقره داغي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عشرة 4/ 500

(5)

انظر: الشرط الجزائي، للشهري، ص 79

ص: 82

الدليل التاسع: قياس تغريم المدين المماطل بالغرامة المالية على جواز إلزام العاقد بالتعويض المالي بالشرط الجزائي في غير الديون

(1)

، بجامع أن كليهما ضمان لمنفعة مظنونة غير محققة الوقوع

(2)

.

نوقش من وجهين:

الوجه الأول: أن التسليم بالشرط الجزائي جملة لا يلزم منه تصحيح كل شرط جزائي، بل القول بصحته في آحاد المسائل رهين التسليم باعتبار المنفعة التي يراد الاعتياض عنها، ومنفعة الدين مدة تأخيره غير معتبرة شرعاً في باب المعاوضات؛ لذا فإن العلماء الذين أجازوا الشرط الجزائي استثنوا من ذلك الشرط الجزائي في الديون

(3)

؛ لأنه من قبيل ربا الجاهلية المحرم

(4)

.

الوجه الثاني: أن قياس جواز تغريم المدين المماطل على جواز الشرط الجزائي في غير الديون قياس مع الفارق؛ وذلك أن التعويض في الشرط الجزائي يصح تحديده باتفاق المتعاقدين عند بداية العقد، بينما التعويض عن

(1)

ذهب إلى جوازه جمهور المعاصرين وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء في المملكة، وقرار مجمع الفقه الإسلامي، وقرار دار الإفتاء المصرية، وفتوى الهيئة الشرعية في بيت التمويل الكويتي، وقرار هيئة المحاسبة والمراجعات للمؤسسات المالية الإسلامية. انظر: مجلة البحوث الإسلامية، العدد الثاني 1395 هـ، ص 141، وأبحاث هيئة كبار العلماء 1/ 214، ومجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الثانية عشرة 2/ 306، الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية، بيت التمويل الكويتي 1/ 33، المعايير الشرعية، هيئة المحاسبة والمراجعات للمؤسسات المالية الإسلامية ص 35، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 2/ 859، الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 369.

(2)

انظر: بحث في أن مطل الغني ظلم وإنه يحل عرضه وعقوبته، ضمن فتاوى وبحوث، للمنيع 3/ 218.

(3)

انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الثانية عشرة 2/ 306.

(4)

انظر: الربا، للسعيدي 2/ 1215

ص: 83

ضرر التأخر في سداد الديون لا يصح تحديده ابتداءً بالاتفاق

(1)

، ولا يلزم أن يكون الشرط الجزائي بمقدار الضرر الحقيقي، بل لهم أن يتفقوا على أي مبلغ ما لم يكن كثيراً عرفاً يظهر أن القصد منه التهديد المالي

(2)

.

أدلة القول الثالث:

أدلة أصحاب القول الثالث لا تخرج عن أدلة القول الثاني، إلا أنهم اشترطوا أن يكون التعويض عن ضرر الخسائر الواقعة فعلًا بسبب مماطلة المدين، وليس عن ضرر محتمل أو ربح متوقع أو محقق الوقوع، ويرد عليه من المناقشة والتوجيه ما ورد على أدلة أصحاب القول الثاني. واستدلوا بالقياس على تغريم المماطل تكاليف الشكاية، ونفقات التحصيل، إذا غرمه على الوجه المعتاد

(3)

؛ بجامع أن كلًا منهما ضرر واقع حقيقة، وليس متوقعاً، أو مفترضاً ولو بغلبة ظن

(4)

.

نوقش: بأنه قياس مع الفارق؛ وذلك لأن تغريم نفقات التحصيل، وتكاليف الشكاية ليس تعويضا عن الضرر المالي لحبس ما في الذمة، وإنما لأن المماطل

(1)

انظر: الخدمات الاستثمارية، للشبيلي 1/ 643.

(2)

انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء 1/ 214، الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 259.

(3)

انظر: مواهب الجليل، للحطاب 6/ 113، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 277، منح الجليل، لعليش 6/ 51، الإنصاف، للمرداوي 5/ 204 - 205، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 157، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 419 قال ابن تيمية:"وإذا كان الذي عليه الحق قادرا على الوفاء ومطل صاحب الحق حقه حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك، فهو على الظالم المبطل، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد " مجموع الفتاوى 30/ 24 - 25، وقال ابن فرحون:" وإذا تبين أن المطلوب ألد بالمدعي، ودعاه الطالب إلى الارتفاع إلى القاضي فأبى، فيكون على المطلوب أجرة الرسول إليه، ولا يكون على الطالب من ذلك شيء" تبصرة الحكام 1/ 371

(4)

انظر: تعليق الدكتور زكي الدين شعبان على بحث الدكتور الزرقا في مجلة جامعة الملك عبد العزيز، عام 1409 هـ 1/ 199، تعليق الدكتور محمد زكي عبد البر على رأي الضرير في مجلة جامعة الملك عبد العزيز 3/ 61 عام 1411 هـ، بيع التقسيط، للتركي ص 322.

ص: 84

تسبب للدائن في نفقات مالية إضافية بسبب مطله، فوجب عليه تحملها لكونه المتسبب له في ذلك، وهذا التعويض ليس عن منافع المال المحبوس الذي هو محل النزاع، ولذلك لو تأخر المماطل في دفع نفقات التحصيل، وتكاليف الشكاية لا يقال له: ادفع تعويضًا ماليًا لتأخرك

(1)

.

يجاب: بأن هذا الفارق غير مؤثر؛ لأن حبس ما في الذمة إذا كان هو المتسبب المباشر في الخسائر التي حصلت فإن على المتسبب أن يغرمها، كما أن المماطل إذا تسبب في تكاليف الشكاية فإن عليه دفعها للدائن، فالغرامة بسبب إلحاقه الخسارة بغيره سواء كانت عن حبس ما في الذمة أو كانت تكاليف الشكاية، ولا يسلم أنه إن تأخر المماطل في دفع نفقات التحصيل، وتكاليف الشكاية أنه لا يدفع تعويضًا لتأخره، بل لو تأخر فيها وترتب على تأخره نفقات أخرى فإنه يطالب بالنفقات الأولى والأخرى.

الترجيح: بعد عرض الأقوال الواردة في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، يظهر لي والله أعلم أن القول الراجح هو القول الأول، القائل بعدم جواز تعويض الدائن عما فاته من ربح، أو وقع عليه من خسائر؛ لأن القول بجوازه يفتح أبواب الربا، وفيه أكل لأموال الناس بالباطل، إلا إن كانت هناك خسارة على الدائن وكانت المماطلة هي السبب المباشر في هذه الخسارة، كمن تعهد على نفسه بشرط جزائي بعلم المماطل وليس عنده إلا هذا المال الذي أعطاه للمماطل وتسبب المطل في وقوع الشرط الجزائي عليه؛ وذلك لأن المماطل هو المتسبب بهذه الخسارة، ويشترط أن يكون الحُكم بها عند القاضي كي يتم التثبت من كون هذا المطل هو السبب المباشر لهذه الخسارة، وكي يقدر الخسارة الفعلية، ولا يجوز أن يتولاها الدائن كي لا يفتح الباب للمرابين.

(1)

انظر: المعاملات المالية، للدبيان 5/ 512.

ص: 85

‌المطلب الثالث: حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية، للجهات الخيرية

(1)

.

اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية، للجهات الخيرية، على قولين:

القول الأول: عدم جواز عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية، للجهات الخيرية.

وهو قول لبعض الفقهاء المعاصرين

(2)

.

القول الثاني: جواز عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية، للجهات الخيرية.

وهو قول لبعض الفقهاء المعاصرين

(3)

.

(1)

صورة المسألة: أن يبرم عقد المرابحة، أو القرض، أو غيرهما من عقود المداينات، مع اشتراط أنه إن تأخر في الوفاء بغير عذر، يلتزم بالتبرع بنسبة معينة، أو مبلغ معلوم إلى بعض الجهات الخيرية.

(2)

منهم: الشيخ عبد الله بن منيع كما في بحثه قي أعمال الندوة الفقهية الرابعة لبيت التمويل الكويتي ص 244، والدكتور أحمد فهمي بو سنة كما في مقاله "المدين المماطل يعاقب بالحبس لا بتغريم المال" في مجلة الأزهر، الجزء السابع، السنة الثالثة والستون ص 754. والدكتور رفيق المصري كما في تعليقه على بحث الزرقا في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية،، المجلد الثالث، العدد الثاني، رجب 1417 هـ. ص 74

(3)

منهم: الدكتور محمد تقي العثماني كما في كتابه بحوث في قضايا فقهية معاصرة ص 44، 45، 46، والدكتور وهبة الزحيلي كما في كتابه المعاملات المالية المعاصرة ص 34، والدكتور عثمان شبير كما في بحثه:"صيانة المديونيات" ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 2/ 877، والدكتور محمد أنس الزرقا والدكتور محمد القري في بحثهما التعويض عن ضرر مماطلة الدين، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، مركز النشر العلمي بالجامعة، المجلد الثالث سنة 1411 هـ. ص 37. وصدرت به بعض الفتاوى والقرارات، منها ما يلي: جاء في معيار المدين المماطل المعتمد من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ما نصه: "يجوز أن ينص في عقود المداينة، مثل المرابحة، على التزام المدين عند المماطلة بالتصدق بمبلغ أو نسبة، بشرط أن يصرف ذلك في وجوه البر بالتنسيق مع هيئة الرقابة الشرعية للمؤسسة " المعايير الشرعية ص 35. وجاء في فتاوى ندوة البركة الثانية عشرة ما نصه: "يجوز اشتراط غرامة مقطوعة، وبنسبة محددة على المبلغ والفترة، في حال تأخر حامل البطاقة عن السداد دون عذر مشروع، وذلك على أساس صرف هذه الغرامة في وجوه البر، ولا يتملكها مستحق المبلغ" فتاوى الهيئة الشرعية للبركة ص 304.

وهو ما انتهى إليه مؤتمر المستجدات الفقهية الأول بشأن الشرط الجزائي المنعقد في عمان عام 1414 هـ، حيث جاء في قراره:" ج- يجوز أن يشترط على المدين دفع مبلغ من المال ليصرف في وجوه البر، إذا تأخر عن سداد الدين بدون عذر مقبول" الشامل، لإرشيد ص 382

ص: 86

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: الآيات التي تدل على تحريم الربا منها: قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 275 يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}

(1)

، وقول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 278 فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}

(2)

.

وجه الدلالة من الآيات: أن الآيات دلَّت على تحريم تغريم المدين المماطل بدفع غرامة مالية للجهات الخيرية من وجهين:

الوجه الأول: أن الله أمر المؤمنين بترك الربا، وآذن من لم يفعل بالحرب، وبيّن أن التوبة منه بأخذ رأس المال فقط؛ مما يدل على أن من أخذ زيادة على رأس المال لا يعد تائباً من أكل الربا، وسواء كانت هذه الزيادة للدائن أو للجهات الخيرية.

(1)

سورة البقرة، الآيتان 275 - 276

(2)

سورة البقرة، الآيتان 278 - 279

ص: 87

الوجه الثاني: أن في الآية إشارة إلى أن الحكمة من تحريم الربا، هو ظلم المدين بأخذ الزيادة على رأس المال، والظلم موجود سواء أخذت الزيادة للدائن أو للجهات الخيرية، فيمنع

(1)

.

الدليل الثاني: عن جابر رضي الله عنه قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»

(2)

وجه الدلالة من الحديث: أن الربا محرم على الجميع الدائن وهو الآكل، الطالب الزيادة، والمدين وهو الموكل، المعطي للزيادة، وقد سوى بينهما في الحكم، فكما لا يجوز للدائن أن يطلب الزيادة، لا يجوز للمدين أن يعطي الزيادة على الدين إذا كان ذلك مشروطاً في العقد، سواء كانت الزيادة للدائن أو للجهات الخيرية

(3)

.

الدليل الثالث: أن عقوبة المدين المماطل: تشمل ما يزجره عن فعله، كالحبس، والمنع من السفر، والضرب، والحجر على أمواله، ونحو ذلك حتى يؤدي الحق الذي عليه، ولم يُنقل عن أحد من العلماء قبل هذا العصر أنه قضى أو أفتى بجواز اشتراط غرامة مالية على المدين المماطل تدفع لغير الدائن، كجهات البر ونحوها، مع قربها من الذهن لو كانت جائزة

(4)

.

نوقش: بأن عدم النقل عنهم ليس دليلًا على المنع، مع أنه لا يُسلم بأنه لم يرد عن أحد من العلماء القول به، بل قال به بعض المالكية

(5)

،

(1)

انظر: المماطلة في الديون، للدخيل ص 511.

(2)

سبق تخريجه

(3)

انظر: بحث في أن مطل الغني ظلم، للمنيع، ضمن أعمال الندوة الفقهية الرابعة لبيت التمويل الكويتي ص 244.

(4)

انظر: دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 293، بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للعثماني ص 40

(5)

انظر: تحرير الكلام في مسائل الالتزام: للحطاب، ص 171، 172، 176.

ص: 88

قال الحطاب

(1)

: " إذا التزم أنه إن لم يوفه حقه في وقت كذا، فعليه كذا وكذا لفلان، أو صدقة للمساكين، فهذا محل الخلاف المعقود له هذا الباب، فالمشهور أنه لا يقضى به كما تقدم، وقال ابن دينار

(2)

: يقضى به"

(3)

.

أجيب: بأن ما نقل عن بعض المالكية من خلاف في القضاء بالوعد، فهو خاص بالوعد المعروف، بالالتزام قال الحطاب: "وأما الالتزام في عرف الفقهاء، فهو إلزام الشخص نفسه شيئاً من المعروف مطلقاً، أو معلقاً على شيء،

وقد يطلق في العرف على ما هو أخص من ذلك: وهو التزام المعروف بلفظ الالتزام، وهو الغالب في عرف الناس اليوم"

(4)

، واشتراط تغريم المدين المماطل هنا إلزام من الدائن، وليس تبرعاً من المدين نفسه بالالتزام، فلا يصح تخريجه على التزام التبرع، ويدل لذلك: أن المدين لا يتولى صرفها بنفسه، بل يدفعها للدائن، والدائن يتولى صرفها للجهات الخيرية، فتبين كونها معاوضة عن المطل، وليست تبرعاً محضاً

(5)

.

(1)

هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب، إمام المالكية في عصره، أصله من المغرب، ولد بمكة سنة 902 هـ، وله مصنفات عديدة، منها: مواهب الجليل، وتحرير الكلام في مسائل الالتزام، توفي في طرابلس سنة 954 هـ. انظر: شجرة النور الزكية، لابن مخلوف ص 270، الأعلام، للزركلي 7/ 58.

(2)

هو الإمام عيسى بن دينار القرطبي، فقيه الأندلس ومفتيها، ارتحل ولزم ابن القاسم مدة، وكان صالحًا ورعًا، وكانت الفتيا تدور عليه بالأندلس، لا يتقدمه أحد، توفي سنة 212 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 10/ 439، وفيات الأعيان، لابن خلكان 5/ 118، الأعلام، للزركلي 5/ 102.

(3)

تحرير الكلام في مسائل الالتزام، للحطاب ص 176، وانظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص 45 - 46، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 2/ 879.

(4)

تحرير الكلام في مسائل الالتزام، للحطاب ص 68.

(5)

انظر: المماطلة في الديون، للدخيل ص 514 - 515، الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 217.

ص: 89

يُرد: بأنه إذا جاز إلزام المدين نفسه بذلك فإنه يجوز أن يكون مشروطًا في العقد، ولو كان هذا الالتزام يعد عندهم من الربا لما جاز للمدين أن يلزم نفسه بذلك؛ لأن أي زيادة مشروطة على الدين هي ربا سواء كانت برضا المدين أو بغير رضاه، وليس بالضرورة أن يستلمه منه الدائن بل يسلَّمه المدين للجهات الخيرية ويأخذ منهم كتابًا بأنه أدى ما التزم به.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن العقوبة في الحديث مطلقة، فيعاقب المدين المماطل بما يردعه عن مطله، إذا لم يكن هناك محذور شرعي من هذه العقوبة، ومعاقبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية تدفع للجهات الخيرية، ليس فيها محذور شرعي بل فيها إحسان للفقراء والمساكين.

الدليل الثاني: أن الأصل في الشروط والعقود الإباحة إلا ما دل الدليل على منعه، واشتراط تغريم المماطل للجهات الخيرية، شرط صحيح يجب على المدين الوفاء به؛ لأن تلك الزيادة لا يأخذها الدائن، وتحفز المدين على الوفاء في الوقت المحدد، وتكون سبباً لاطمئنان الدائن على حقه، وفيها نفع للفقراء

(2)

.

نوقش الدليلان: بعدم التسليم بأن الشرط بأخذ غرامة مالية من المدين المماطل للجهات الخيرية ليس فيه محذور شرعي، وأنه لا دليل على منعه، بل إن هذه الزيادة ربا؛ لإن الدائن يأخذ زيادة على رأس ماله، وأخذ الزيادة على

(1)

سبق تخريجه

(2)

انظر: بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 2/ 879.

ص: 90

رأس المال حرام، وظلم سواء أخذها الدائن لنفسه أو صرفها للجهات الخيرية

(1)

.

يجاب: بأن هذه المال الذي يدفعه المماطل ليس زيادة للدائن على رأس ماله، ولا يستلمها الدائن منه، بل هي للجهات الخيرية وهي التي تستلمها منه، ولا ظلم فيه على المماطل بل هو الذي ظلم نفسه وغيره بالتأخر في الوفاء، ولا دليل يمنع من جواز هذا الشرط خصوصًا أن المماطل رضي بذلك، وهو قادر على ألا يدفع هذا المال متى ما التزم بالوفاء في الوقت المحدد.

الترجيح: بعد عرض القولين الواردين في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، يظهر لي والله أعلم أن القول الراجح هو القول الثاني، القائل بجواز عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية، للجهات الخيرية بشرط أن المدين هو الذي يتولى تسليم هذه الغرامة للجهة الخيرية ولا يكون التسليم من طريق الدائن؛ وذلك لأن الأصل في الشروط الصحة إلا ما دل الدليل على منعه، ولا دليل يدل على منع هذا الشرط، ولأن المدين رضي بهذا الشرط وهو قادر على أن يحفظ ماله بأن يوفي الدائن حقه في وقته.

(1)

انظر: بحث في أن مطل الغني ظلم، للمنيع، ص 244، المماطلة في الديون، للدخيل ص 511.

ص: 91

‌المطلب الرابع: حكم إلزام المدين المماطل بدفع تكاليف الشكاية، ونفقات التحصيل

(1)

.

اختلف الفقهاء في حكم إلزام المدين المماطل بدفع تكاليف الشكاية، ونفقات التحصيل على قولين:

القول الأول: أن المدين المماطل يُلزم بدفع تكاليف الشكاية، ونفقات التحصيل.

وهو مذهب الحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والشافعية

(4)

والحنابلة

(5)

.

(1)

صورة المسألة: أن يماطل المدين، ويغرم الدائن لاستخلاص حقه نفقات ومصروفات من أجرة تنقل، أو محامي، أو محضر، ونحو ذلك، فيلزم المدين المماطل بدفع هذه النفقات.

(2)

انظر: الجوهرة النيرة 1/ 261. وكلامهم عن أجرة العون -وهو رسول القاضي إلى الخصم-، وهي من تكاليف الشكاية، وفي المذهب الحنفي قولان؛ قول أنها على بيت المال، وقول أنها على الذي عليه الحق. جاء في الجواهر النيرة 1/ 261: "اختلف المشايخ في أجرة العون الذي يبعثه القاضي مع المدعي إلى خصمه قال بعضهم يجب في بيت المال وقال بعضهم على المتمرد وكذا السارق إذا قطعت يده فأجرة القاطع وثمن الدهن الذي يحسم به العروق على السارق؛ لأنه تقدم منه سبب وجوبها وهو السرقة. " فهم لا يكلفون الطالب أجرة العون فإما أن تكون من بيت المال أو على المتمرد الذي عليه الحق، ويجعلون أجرة القاطع على السارق؛ لأنه المتسبب، والمماطل هو المتمرد والمتسبب بالتكاليف التي لحقت الدائن في شكايته.

(3)

انظر: مواهب الجليل، للحطاب 6/ 113، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 277، منح الجليل، لعليش 6/ 51. قال ابن فرحون:"وإذا تبين أن المطلوب ألد بالمدعي، ودعاه الطالب إلى الارتفاع إلى القاضي فأبى، فيكون على المطلوب أجرة الرسول إليه، ولا يكون على الطالب من ذلك شيء" تبصرة الحكام 1/ 371.

(4)

انظر: أسنى المطالب، للأنصاري 4/ 326، تحفة المحتاج، للهيتمي 10/ 189 - 190، نهاية المحتاج، للرملي 8/ 281، مغني المحتاج 6/ 284. وكلامهم كان عن أجرة العون والملازمة إن لم يكن لهم رزق من بيت المال، وهي تكاليف شكاية، وعندهم إذا طلبه القاضي ولم يأت دون عذر فإنهم يجعلونها على المدين لتعديه، والمماطل مثله فهو متعد بتأخره في الوفاء. وجاء في تحفة المحتاج 10/ 190: "فجعل أجرة الملازم بإذن الحاكم على المدين قال: لتقصيره بتأخير الوفاء مع القدرة، ولا يلزم الدائن ملازمته بنفسه". وأما قبل ثبوت الحق فإن الشافعية يجعلون أجرة العون والملازمة على الطالب إن لم يمتنع المطلوب من الحضور، وهذه لا تعكر على مسألتنا؛ لأن الحق فيها لم يتبين لمن؟ وكلامنا فيما إذا تبين أنه مماطل فإنه معتد فعليه التكاليف التي يغرمها الدائن لتحصيل حقه، وأيضًا عليه أجرة السجن والسجان إن لم يكن لهم رزق من بيت المال؛ لتعديه كما جاء في مغني المحتاج 6/ 284: "لو امتنع مديون من أداء ما عليه تخير القاضي بين بيع ماله بغير إذنه وبين سجنه

ونفقة المسجون في ماله، وكذا أجرة السجن والسجان".

(5)

انظر: الإنصاف، للمرداوي 5/ 204 - 205، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 157، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 419. قال ابن تيمية:"وإذا كان الذي عليه الحق قادرًا على الوفاء ومطَلَ صاحب الحق حقه حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك، فهو على الظالم المبطل، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد" مجموع الفتاوى 30/ 24 - 25. وقدصدر ما يوافق هذا القول في معيار المدين المماطل المعتمد من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية، ونصه: "يتحمل المدين المماطل مصروفات الدعوى وغيرها من المصروفات التي غرمها الدائن من أجل تحصيل أصل دينه" المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص 34.

ص: 92

القول الثاني: أن المدين المماطل لا يلزم بدفع تكاليف الشكاية، ونفقات التحصيل.

وهو قول لبعض المالكية

(1)

وبعض الشافعية

(2)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث نصًا على أن مطل الغني ظلم، فإذا ترتب على رفع هذا الظلم بذل مال من صاحب الحق، فهو على المماطل الظالم؛ لأنه المتسبب في ذلك

(4)

.

الدليل الثاني: أن هذ الحكم يحمل المماطل على المبادرة بالسداد؛ لأن كثيراً من المماطلين أو وكلائهم يقصدون التأخر والتطويل بقدر الإمكان،

(1)

انظر: تبصرة الحكام، لابن فرحون 1/ 371، التاج والإكليل، للمواق 8/ 153، مواهب الجليل، للحطاب 6/ 113.

(2)

انظر: تحفة المحتاج، للهيتمي 10/ 189 - 190، نهاية المحتاج، للرملي 8/ 281.

(3)

سبق تخريجه

(4)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 30، 24 - 25، الإتقان والإحكام، لمياره 1/ 26، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 419، مطالب أولي النهى، للرحيباني 3/ 369.

ص: 93

لتيئيس صاحب الحق من حقه، وتزهيده فيه، أو المضارة له، لما يتكبد من المتاعب والمشاق، وبذل الأموال؛ لأجل الوصول إلى حقه، من المرافعات والمطالبات، والأجور والنفقات، فيحجم عن المطالبة، ويدع الحق بيد المماطل، ومن ثم كان من الواجب معاملة هذا الظالم المماطل بنقيض قصده، فيلزم بإيفاء ما عليه من حق، وما أنفق صاحب الحق من مال لأجل مطالبته

(1)

.

الدليل الثالث: أن دفع الدائن المال لأجل تحصيل حقه ظلم وضرر تجب إزالته، ولا يمكن إزالة هذا الضرر إلا بتغريم المدين المماطل ما خسره الدائن من نفقات لاستخلاص حقه منه

(2)

.

الدليل الرابع: أن نفقات الشكاية تكلف صاحب الحق أكثر من ماله الذي يطالب به، وعدم إلزام المدين المماطل بدفع التكاليف قد يسبب ترك المطالبة بالحق؛ لكثرة التكاليف، وفي ذلك تضييع للحقوق

(3)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن الأصل أنه يجب على الدائن أن يخلص حقه ويتوصل له وعليه التكاليف التي يدفعها للوصول لحقه

(4)

.

يناقش: بأنه في جعل تكاليف الشكاية ونفقات التحصيل على الدائن سبب في تركه هذا الواجب، وأن الذي يُطالب بحقه يجب أن يعان وأن تُيسر له السبل للوصول لحقه، وفي جعل تكاليف الشكاية عليه سبب في تعسير

(1)

انظر: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل شيخ 13/ 54 - 55.

(2)

انظر: التعويض عن أضرار التقاضي، لعبد الكريم اللاحم ص 33.

(3)

المرجع السابق ص 34.

(4)

انظر: فتوى مصاريف المحاكمة وتكلفة المحاماة من يتحملها، بموقع إسلام ويب، مركز الفتوى، برقم 74340.

ص: 94

الوصول للحق وتطويل إجراءاته؛ لأن الذي ارتكب جرم المطل لن يتورع عن تأخير الوفاء عندما يعلم أنه لن يغرم غير الدين الذي عليه، وقد يزيد في المماطلة لتزيد التكاليف على الدائن.

الدليل الثاني: أن الأصل حرمة مال المسلم، والمطل ذنب لا يبيح ماله، فالتكاليف على طالب الحق ولا يحق له أن يأخذ شيئًا من المدين غير ماله

(1)

.

نوقش: بأن هذا ليس من باب استباحة المال، بل المماطل معتد وهو الذي تسبب في إدخال غريمه في غرم، وعرض بإتلاف ماله بعدم انقياده إلى الحكم فتوجه عليه غرم ذلك

(2)

.

الترجيح: بعد عرض القولين الواردين في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، يظهر لي والله أعلم أن الراجح هو القول الأول، القائل بجواز إلزام المدين المماطل بدفع تكاليف الشكاية، ونفقات التحصيل؛ وذلك لقوة ما استدلوا به، ولضعف أدلة القول الثاني بما ورد عليه من مناقشة، وأن هذا القول مقتضى العدل؛ لأن المماطل هو الذي تسبب بتغريم الدائن هذه النفقات، ويشترط لهذا القول ألا يغرم المدين المماطل إلا ما يغرمه صاحب الدعوى من نفقات الشكاية على الوجه المعتاد والمعروف

(3)

، ويكون الحكم فيها للقاضي؛ سدًا للتحايل على الربا.

(1)

انظر: تبصرة الحكام، لابن فرحون 1/ 371

(2)

المرجع السابق

(3)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 30/ 24 - 25

ص: 95

‌الفصل الثالث: في تغير الأجل بسبب رغبة المدين في تمديد الأجل (جدولة الدين)

ص: 97

المراد بجدولة الديون: هي أن يكون على شخص دين مؤجل، مقسط بمبالغ محددة، وعلى أوقات زمنية معينة، وقد يرغب الشخص المدين في تمديد وقت السداد، مع تخفيض مقدار الدفعات المسددة، وفقًا لإمكانياته المالية، فيوافق الدائن على ذلك، ويعد جدولًا جديدًا لسداد المديونية مقابل الزيادة على مقدار الدين، وهذه الطريقة هي المطبقة غالبًا في البنوك الربوية، وقد تجدول الديون دون زيادة في مقدارها كما يقع بين الأفراد بعضهم مع بعض، أو بينهم وبين المؤسسات المالية التي تتعامل بأحكام الشريعة فهذه مباحة بلا خلاف، وليس الكلام عنها هنا.

وقد أجمع العلماء على أن جدولة الديون محرمة

(1)

، واستدلوا على ذلك بالأدلة التالية:

الدليل الأول: الآيات الكثيرة الدالة على تحريم الربا ومنها:

قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ

(1)

انظر: الاجماع، لابن المنذر ص 136، تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 85، مشكل الآثار، للطحاوي 4/ 248، المبسوط، للسرخسي 12/ 109، بداية المجتهد، لابن رشد 2/ 128، الكافي، لابن عبد البر 2/ 633، المنتقى، للباجي 5/ 66، الأم، للشافعي 3/ 15، المجموع، للنووي 9/ 487، نهاية المحتاج، للرملي 3/ 423، المغني، لابن قدامة 4/ 25، الإنصاف، للمرداوي 5/ 52، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 28/ 74، المحلى، لابن حزم 7/ 402.

ص: 99

أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 275 يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}

(1)

وقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 278 فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}

(2)

وقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(3)

.

وجه الدلالة من الآيات: أن في الآيات نصًا على تحريم الربا، وأن الله توعد من فعله بعد علمه بالتحريم بعذاب النار، وأن آكل الربا مخالف لأمر الله، محارب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجدولة الديون هي الربا الذي كان يتعامل به أهل الجاهلية إذا حل أجل الدين يقول الدائن للمدين: إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن قضاه وإلا زاده في المدة وزاده الآخر في القدر

(4)

، والعبرة بالحقائق وإن اختلفت المسميات

(5)

.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}

(6)

وجه الدلالة من الآية: أن الله بيَّن أن الدائن لا يستحق على مدينه إلا رأس ماله، وأن جدولة الديون فيها أخذ أكثر من رأس المال، وفي ذلك ظلم للمدين، وكما أن المدين يجب عليه أن يؤدي ما أخذ كاملاً، وأن نقصه من رأس المال يُعد ظلماً، فكذلك أخذ الزيادة عليه يُعد ظلما له

(7)

.

الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ

(1)

سورة البقرة، الآيتان 275 - 276

(2)

سورة البقرة، الآيتان 278 - 279

(3)

سورة آل عمران، الآية 130

(4)

انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير 2/ 117، الكافي، لابن عبد البر 2/ 633.

(5)

انظر: البيع المؤجل، لعبد الستار أبو غدة، ص 73.

(6)

سورة البقرة، جزء من آية 279.

(7)

انظر: جامع البيان في تأويل آي القرآن، للطبري 6/ 28.

ص: 100

النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ»

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث دلالة على تحريم الربا ووجوب الابتعاد عنه؛ لأنه من الموبقات التي عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدولة الديون من الربا الذي نهى الحديث عنه؛ لإنها زيادة في الدين مقابل التأخير في الأجل.

الدليل الخامس: عن جابر رضي الله عنه قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»

(2)

وجه الدلالة من الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وهذا يدل على تحريم أكل الربا والمعاونة عليه؛ لأن اللعن لا يكون إلا على شيء محرم، وجدولة الديون دفع زيادة مقابل التأخير في السداد وهذه حقيقة الربا فتكون داخلة في اللعن الوارد على لسان الرسول الله صلى الله عليه وسلم.

الدليل السادس: عن جابر رضي الله عنه في قصة حجة الوداع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ»

(3)

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع ربا الجاهلية، وهذا يدل على تحريمه ومنعه؛ لأنه لو كان مباحًا لما حَرَمَ الرسول صلى الله عليه وسلم عمه من حقه المباح، وجدولة الديون محرمة وموضوعة؛ لأنها كربا الجاهلية الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

سبق تخريجه

(2)

سبق تخريجه

(3)

سبق تخريجه

ص: 101

الدليل السابع: أن العلماء أجمعوا على تحريم الربا، قال ابن قدامة:"وأجمعت الأمة على أن الربا محرم"

(1)

، وقال النووي

(2)

: "أجمع المسلمون على تحريم الربا، وأنه من الكبائر"

(3)

، والربا زيادة في الأجل مقابل الزيادة في مقدار الدين، قال ابن المنذر:"وأجمعوا على أن المسلف إذا شرط عُشر السلف هدية، أو زيادة فأسلف على ذلك، أن أخذه الزيادة ربا"

(4)

، وهذا ما يحصل في جدولة الديون، أنهم يزيدون في الأجل مقابل الزيادة في مقدار الدين، فتكون جدولة الديون محرمة بالإجماع، ولا فرق في ذلك بين أن يزاد في الدين مباشرة، أو يغطى بعقود صورية ظاهرها الصحة وباطنها التحايل على الربا، مثل فسخ البيع السابق صوريًا وعقده مرة أخرى؛ ليتضمن اتفاقًا جديدًا في مقدار الدفعات أو آجالها مع تضمنها زيادة مقابل الأجل، أو الأخذ من الدائن - مع عقد المداينة- وكالة من المدين بشراء سلعة عنه بالتقسيط، ثم يتولى بيعها عنه، ويقبض ثمنها حالا، فيستوفى دينه من ثمنها، والمدين يقسطه مؤجلا بزيادة ونحوه من الحيل المحرمة على الربا

(5)

.

ومما تقدم يتبين أن جدولة الديون محرمة بالكتاب، والسنة، والإجماع.

(1)

المغني، لابن قدامة 4/ 25.

(2)

هو محيي الدين أبو زكريا يحي بن شرف بن مري النووي الدمشقي، ولد في نوى في سنة 631 هـ، شافعي المذهب، وله عدة تصانيف منها:"رياض الصالحين"، و"الأذكار"، و"روضة الطالبين وعمدة المفتين"، و"المنهاج في شرح صحيح مسلم"، و" المجموع شرح المهذب " وغيرها، توفي سنة 676 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي 8/ 395، طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة 2/ 153.

(3)

المجموع، للنووي 9/ 487.

(4)

الإجماع، لابن المنذرص 136.

(5)

انظر: المماطلة في الديون، للدخيل ص 521

ص: 102

وقد صدر بذلك عدد من القرارات من المجامع، والهيئات العلمية

(1)

، منها:

1 -

أنه جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشر والخاصة ببيع الدين ما يلي:

"ثانيا: من صور بيع الدين غير الجائزة: بيع الدين للمدين بثمن مؤجل أكثر من مقدار الدين؛ لأنه صورة من صور الربا، وهو ممنوع شرعاً، وهو ما يطلق عليه (جدولة الديون) "

(2)

.

2 -

وجاء في معيار المرابحة للآمر بالشراء المعتمد من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ما نصه: "لا يجوز تأجيل موعد أداء الدين مقابل زيادة في مقداره (جدولة الدين) سواء كان المدين موسراً أم معسراً"

(3)

.

3 -

وجاء في فتاوى ندوة البركة الثامنة ما نصه: "لا يجوز جدولة ديون المرابحة أو غيرها بزيادة مقدار الدين وزيادة الأجل"

(4)

.

(1)

قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ص 331 - 332. قرارات الهيئة الشرعية بشركة الراجحي 3/ 377 المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص 126 فتاوى ندوة البركة ص 137

(2)

قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ص 331 - 332.

(3)

المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص 126.

(4)

فتاوى ندوة البركة ص 137.

ص: 103

‌الفصل الرابع

في تغير الأجل بسبب الإخلال في تسليم المستصنع في محله

وفيه مبحثان، هما:

المبحث الأول: حكم الاستصناع.

المبحث الثاني: حكم الشرط الجزائي لتغير الأجل بسبب التأخير في تسليم المستصنع.

ص: 105

‌المبحث الأول: حكم الاستصناع.

الاستصناع لغة: الألف والسين للطلب، والصنع: الفعل، فالاستصناع لغة: طلب الفعل

(1)

، قال ابن منظور في لسان العرب:"يقال: اصطنع فلان خاتماً إذا سأل رجلاً أن يصنع له خاتماً"

(2)

.

والاستصناع اصطلاحاً: "عقد على مبيع في الذمة شُرِطَ فيه العمل"

(3)

.

والاستصناع عقد مستقل يعقد فيه على العين والعمل جميعًا، فالعمل ومادة الشيء المصنوع كلها من عند الصانع، ولا يشترط فيه تعجيل الثمن، فيكون حسب اتفاق المتعاقدين. فهو يشبه السلم؛ من حيث أنه موصوف في الذمة، ويختلف عنه من حيث أنه يشترط فيه العمل، ولا يشترط في المصنوع أن يوجد في الأسواق. ويشبه الإجارة؛ من حيث عمل الصانع في المعقود عليه، ويختلف عنها من حيث كون المواد من الصانع

(4)

.

(1)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 7/ 419، باب الصاد، مادة صنع، القاموس المحيط، للفيروز أبادي 1/ 991، باب العين، فصل الصاد، مادة صنع، تاج اللغة، للجوهري 3/ 1245، باب العين، فصل الصاد، مادة صنع.

(2)

لسان العرب، لابن منظور 7/ 419، باب الصاد، مادة صنع.

(3)

بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 2. وانظر: المبسوط، للسرخسي 15/ 84، مجمع الأنهر، لزاده 2/ 106 حاشية ابن عابدين 5/ 423، الفتاوى الهندية 4/ 517، معجم المصطلحات المالية والاقتصادية، لنزيه حماد ص 55.

(4)

انظر: بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، للقرة داغي ص 116، عقد الاستصناع، لمحمد الأشقر ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 230، الاحتراف في المعاملات المالية، لياسر النشمي، ص 494 - 495، المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص 183.

ص: 107

وقد اختلف الفقهاء في حكم الاستصناع، على قولين:

القول الأول: جواز عقد الاستصناع.

وهو مذهب الحنفية

(1)

.

القول الثاني: عدم جواز عقد الاستصناع.

وهو مذهب المالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

، والظاهرية

(5)

، وقول عند الحنفية

(6)

.

(1)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 59، المبسوط، للسرخسي 15/ 84، بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 2، درر الحكام، لمنلا خسرو 2/ 198. وقد صدر بجواز الاستصناع قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة، حيث جاء فيه: "1 - إن عقد الاستصناع وهو عقد وارد على العمل والعين في الذمة ملزم للطرفين، إذا توافرت فيه الأركان والشروط. 2 - يشترط في عقد الاستصناع ما يلي: أ - بيان جنس المستصنع، ونوعه، وقدره، وأوصافه المطلوبة. ب - أن يحدد فيه الأجل. 3 - يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة" مجلة مجمع الفقه الإسلامي، قرار المجمع بشأن الاستصناع، العدد السابع 2/ 777 - 778.

(2)

انظر: المدونة، للإمام مالك 3/ 87، حاشية الدسوقي 3/ 195، التاج والإكليل، للمواق 6/ 499.

(3)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 95، تحفة المحتاج، للهيتمي 5/ 4، مغني المحتاج، للشربيني 3/ 4.

(4)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 197، الإنصاف، للمرداوي 4/ 300، الفروع، لابن مفلح 4/ 183.

(5)

انظر: المحلى، لابن حزم 8/ 46

(6)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 2، حاشية ابن عابدين 5/ 224.

ص: 108

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: الأحاديث التي وردت في صنع النبي صلى الله عليه وسلم للخاتم، وصنع الصحابة للخواتم، منها: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ، فَاصْطَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَقِيَ المِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: «إِنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ، وَإِنِّي لَا أَلْبَسُهُ» فَنَبَذَهُ، فَنَبَذَ النَّاسُ"

(1)

.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ وَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمَهُ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ»

(2)

.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا، قَالَ: «إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا، وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا، فَلَا يَنْقُشَنَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ» "

(3)

.

وجه الدلالة من الأحاديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم استصنع الخاتم، والصحابة استصنعوا الخواتم مما يدل على جواز الاستصناع، وأما إلقاؤه للخاتم فلأنه كان من الذهب وقد حرم على الرجال التزين بالذهب

(4)

.

(1)

رواه البخاري، كتاب اللباس، باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه، برقم 5876، واللفظ له، ومسلم، كتاب اللباس، باب طرح خاتم الذهب، برقم 2091.

(2)

رواه البخاري، كتاب اللباس، باب خاتم الفضة، برقم 5868، واللفظ له، ومسلم، كتاب اللباس، باب في طرح الخواتم، برقم 2093.

(3)

رواه البخاري، كتاب اللباس، باب الخاتم في الخنصر، برقم 5874، واللفظ له، ومسلم، كتاب اللباس، باب لبس النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق نقشه محمد رسول الله، ولبس الخلفاء له من بعده، برقم 2092.

(4)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 123، فتح القدير، لابن الهمام 7/ 115، الفقه الإسلامي، للزحيلي 5/ 3646.

ص: 109

نوقش: بأنه من المحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته قد دفعوا الثمن في مجلس العقد، فيكون سلماً، أو دفعوا المادة الخام للخاتم، فيكون العقد إجارة لا استصناعاً وهو جائز عند الجميع

(1)

.

أجيب: بأنه يبعد أن يدفع النبي صلى الله عليه وسلم الثمن أو يأتي بالمواد الخام من عنده ولا يُنقل ذلك حيث نقل ما هو أقل أهمية من هذا

(2)

.

الدليل الثاني: عن سهل رضي الله عنه، قَالَ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى فُلَانَةَ - امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ - «مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ، أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا، أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ» فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الغَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا"

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من المرأة أن تأمر غلامها بصنع المنبر، مما يدل على مشروعية الاستصناع ..

نوقش: بأن المرأة ابتدأت بالسؤال متبرعة بدليل ما جاء عن جابر رضي الله عنه: " أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتِ» فَعَمِلَتِ المِنْبَرَ"

(4)

. فلما قبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أمكن أن يبطئ

(1)

انظر: المعاملات المالية، للشبيلي، 1/ 147، موقع الشبيلي www.shubily.com، عقد الاستصناع، لسعود الثبيتي، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع 2/ 659.

(2)

انظر: عقد الاستصناع، لسعود الثبيتي، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع 2/ 659، الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 424.

(3)

رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر، برقم 917، واللفظ له، ومسلم، كتاب المساجد، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، برقم 544.

(4)

تمام الحديث: " فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا، حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَخَذَهَا، فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ، حَتَّى اسْتَقَرَّتْ، قَالَ: «بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ» " رواه البخاري، كتاب البيوع، باب النجار، برقم 2095.

ص: 110

الغلام بعمله فأرسل يستنجزها إتمامه لعلمه بطيب نفسها بما بذلته، ويمكن إرساله إليها ليعرفها بصفة ما يصنعه الغلام من الأعواد وأن يكون ذلك منبراً، وعلى ذلك فليس الحديث في الاستصناع

(1)

.

الدليل الثالث: الإجماع العملي، فلا يكاد يخلو عصر إلى يومنا هذا، إلا وأهل العلم وغيرهم يتعاقدون بالاستصناع على عمل شيء مما يحتاجونه من أثاث وغيره دون نكير من أحد، وهو من أقوى الأدلة على جوازه

(2)

.

الدليل الرابع: أن عقد الاستصناع فيه معنى عقدين جائزين، فيه معنى عقد السلم؛ لأنه عقد على مبيع في الذمة، وفيه معنى عقد الإجارة؛ لأنه يشترط من الصانع العمل في المستصنع، وما اشتمل على معنى عقدين جائزين كان جائزاً

(3)

.

الدليل الخامس: أن الحاجة تدعو إلى وجود الاستصناع، فليس كل ما يباع جاهزاً مناسباً، بل ليس كل ما يحتاجه المرء يجده جاهزاً، خاصة وأن الباعة لا يصنعون ما يقل شراؤه؛ لما في ذلك من الخسارة بكساد البضاعة وعدم وجود مشتر لها، فيحتاج الناس إلى من يصنع ما يحتاجونه حال طلبهم وبالصفة التي يريدونها وهذا هو عقد الاستصناع، ولو لم يجز الاستصناع لوقع الناس في الحرج

(4)

.

نوقش: بأن الحاجة تزول بما أباحه الله من العقود، كالسلم

(5)

.

(1)

انظر: فتح الباري، لابن حجر 1/ 703.

(2)

انظر: بدائع الصنا ئع، للكاساني 5/ 2، المبسوط، للسرخسي 15/ 84، تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 123.

(3)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 3.

(4)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 3، تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 52، البحر الرائق، لابن نجيم 6/ 186، فتح القدير، لابن الهمام 6/ 428.

(5)

انظر: المعاملات المالية، للشبيلي 1/ 147، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع 2/ 661.

ص: 111

أجيب: بأن السلم لا يكفي للوفاء بحاجة المجتمع لكونه يشترط لصحته تعجيل الثمن وفيه من المخاطر الشيء الكثير الذي قد يجعل المستصنع في جهد ومشقة بحيث يخشى على ماله المدفوع من الإنكار، ويخشى الغش في المصنوع، وقد تعددت سبل الاحتيال والتزوير والغش في المصنوع مما يجعل المال في خطر، والحاجة إلى الاستصناع قائمة؛ لأنه يحمي المستصنع من كل هذه الأخطار

(1)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول:: عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال:"يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» "

(2)

(1)

انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع 2/ 661.

(2)

رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، برقم 3503، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، برقم 1232، والنسائي، كتاب البيوع، بيع ما ليس عند البائع، برقم 4613، والطبراني في المعجم الكبير 3/ 207. والحديث ضعيف، فقد روي من عدة أوجه عن حكيم بن حزام، وكلها معلولة، وأصحها من رواية يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام، ويوسف بن ماهك لم يسمع من حكيم بن حزام، كما نص على ذلك غير واحد من الأئمة، وقد جاء النهي عن بيع ماليس عند البائع من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وعمرو بن شعيب فيه خلاف بين المحدثين؛ فقد ضعفه يحيى القطان، وابن معين في رواية، وأحمد، وأبو داود، وذكره البخاري في الضعفاء الصغير وذكر أن مما يعاب عليه أنه كان لا يسمع بشيء إلا حدث به، وقال عنه ابن معين: " ليس بذاك"، وقال أحمد: " له أشياء مناكير، وإنما يكتب حديثه يعتبر به، فأما أن يكون حجة فلا". ولعل تضعيف هؤلاء الأئمة له منصب على روايته عن أبيه عن جده؛ فأكثر مروايته هي عن أبيه عن جده، وسلسة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حصل خلاف بين الأئمة فيها، والراجح أنها ضعيفة؛ وممن نص على ضعفها ابن معين، وابن المديني، وابن حبان، وابن عدي. انظر: التاريخ الكبير، لابن أبي خيثمة 1/ 157 - 158، جامع التحصيل، للعلائي، ص 305، بيان الوهم والإيهام، لابن القطان 2/ 318، 2/ 320، الضعفاء الصغير، للبخاري، ص 84، سنن الترمذي 3/ 527، تهذيب الكمال، للمزي 22/ 64، ميزان الاعتدال، للذهبي 2/ 461، 3/ 263، تهذيب التهذيب، لابن حجر 5/ 322، 8/ 48.

ص: 112

وجه الاستدلال من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند البائع، وعقد الاستصناع ليس عند البائع وقت العقد، فلا يصح بيعه لهذا الحديث

(1)

.

نوقش: بأن النهي عن بيع ما ليس عند البائع، إذا كان المبيع عينًا معينة يبيعها وهي ليست ملكه بل ملك غيره ثم يسعى في تحصيلها، أو بيع ما لا يقدر على تسليمه فيكون من بيع الغرر، أما الاستصناع فليس كذلك إذ هو بيع آجل موصوف في الذمة ويغلب على الظن إمكان إيجاده وقت طلبه

(2)

.

الدليل الثاني: أجمع أهل العلم على تحريم بيع الدين بالدين

(3)

، وعقد الاستصناع فيه تأجيل البدلين فهو دين بدين، فلا يجوز

(4)

.

نوقش من وجهين:

الوجه الأول: عدم التسليم بهذا الإجماع؛ لأنه مبني على حديث ضعيف

(5)

، ولوجود الخلاف فيه قال الدكتور الصديق الضرير: "وأرى جواز بيع الدين

(1)

انظر: الإنصاف، للمرداوي 4/ 300، الفروع، لابن مفلح 4/ 23، حاشية الروض المربع، لابن قاسم 5/ 20.

(2)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 20/ 529، إعلام الموقعين، لابن القيم ص 270، عقد الاستصناع، لبدران، ص 47.

(3)

انظر: الإجماع، لابن المنذر ص 136.

(4)

انظر: المدونة، للإمام مالك 3/ 69، التاج والإكليل، للمواق 6/ 476.

(5)

وهو ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم:«نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» رواه الدارقطني في سننه، كتاب البيوع، برقم 3060، والحاكم في المستدرك 2/ 65، برقم 2342. والحديث منكر؛ فيه موسى بن عبيده أنكر الأئمة حديثه. وقال الشافعي عن هذا الحديث:"أهل الحديث يوهنون هذا الحديث"، وقال أحمد بن حنبل:"وليس في هذا حديث صحيح". انظر: العلل، للدارقطني 13/ 193، تهذيب الكمال، للمزي 29/ 109، التلخيص الحبير، لابن حجر 3/ 71، الجامع لعلوم الإمام أحمد 15/ 13 - 14.

ص: 113

مطلقًا، أعني سواء بيع للمدين أو لغيره بنقد أو بدين ما دام خاليًا من الربا؛ لأنه لم يرد نص يُعتمد عليه في منع أي صوره من هذه الصور

وأما دعوى الإجماع على منع بيع الدين بالدين فغير مسلمة، فقد جوزه المالكية في بعض صوره"

(1)

، وهناك مسائل متعددة استثناها بعض العلماء من تحريم الدين بالدين

(2)

؛ مما يدل على عدم ثبوت هذا الإجماع.

الوجه الثاني: على فرض التسليم بهذا الإجماع فلعل الصورة المجمع على منعها هي ما كان فيه الدين من الأموال الربوية

(3)

، أو هي ما لم يكن للناس به حاجة، كما لو أسلم شيئاً في شيء في الذمة وكلاهما مؤخر، فهذا لا يجوز لأن الذمتين تنشغلان بغير فائدة، فإنه لم يتعجل أحدهما ما يأخذه فينتفع بتعجيله وينتفع صاحب المؤخر بربحه، بل كلاهما اشتغلت ذمته بغير فائدة، وهذا بخلاف الاستصناع فإن الحاجة ماسة لتأخير العوضين، لا سيما في هذا العصر

(4)

، ومتى ما كان هناك فائدة ومصلحة فإن الصحيح هو جواز تأجيل البدلين

(5)

.

الترجيح: بعد عرض القولين الواردين في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، يتبين لي والله أعلم أن القول الراجح هو القول الأول، القائل بجواز عقد الاستصناع؛ وذلك لقوة أدلته، والإجابة على المناقشة الواردة عليها، وضعف أدلة القول الثاني، بما ورد عليه من

(1)

الغرر، للصديق الضرير ص 334 - 335.

(2)

انظر: الغرر، للصديق الضرير ص 331، الربا، للسلطان، ص 81 - 95.

(3)

انظر: الغرر، للصديق الضرير ص 335.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 471، إعلام الموقعين، لابن القيم ص 351، دراسات في أصول المداينات، لنزيه حماد ص 245، 271.

(5)

انظر: تأجيل البدلين في عقود المعاوضات، لياسر النشمي، ص 308.

ص: 114

مناقشة، ولأن منع الاستصناع يوقع الناس في حرج شديد، خاصة أن الناس في هذا العصر ليسوا كالسابق يستصنعون سيفاً أو آنيةً أو خفاً، بل توسعت دائرة الاستصناع بحيث شملت كل الصناعات الثقيلة، والخفيفة، والمتوسطة، البرية، والبحرية، والجوية، كالسيارات والمعدات، والسفن والطائرات ونحوها، فالناس محتاجون للاستصناع، "والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر"

(1)

، "وقد أباح الشارع أنواعًا من الغرر للحاجة"

(2)

، "كما أباح بيع الثمار قبل بدو صلاحها مبقاة إلى الجذاذ وإن كان بعض المبيع لم يخلق وكما أباح أن يشترط المشتري ثمرة النخل المؤبر وذلك اشتراء قبل بدو صلاحها؛ لكنه تابع للشجرة وأباح بيع العرايا بخرصها. فأقام التقدير بالخرص مقام التقدير بالكيل عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا الذي هو أعظم من بيع الغرر"

(3)

، ومفسدة الغرر التي في عقد الاستصناع أقل من مفسدة منعه، "والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم"

(4)

، قال ابن تيمية:"وسر الشريعة أن الفعل إذا اشتمل على مفسدة منع إلا إذا عارضها مصلحة راجحة كما في إباحة الميتة للمضطر وبيع الغرر ونهى الله عنه لأنه نوع ميسر من كونه أكل مال بالباطل فإذا عارضه ضرر أعظم من أباحة دفعا لأعظم الفسادين باحتمال أدناهما"

(5)

، وقال:"ومفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة منه، فإن تحريمه أشد ضررًا من ضرر كونه غررًا"

(6)

.

(1)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 227.

(2)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 32/ 236.

(3)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 227.

(4)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 49.

(5)

مختصر الفتاوى المصرية، لابن تيميةص 338.

(6)

القواعد النورانية، لابن تيمية، ص 172.

ص: 115

‌المبحث الثاني: حكم الشرط الجزائي لتغير الأجل بسبب التأخير في تسليم المستصنع

(1)

.

اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم الشرط الجزائي مقابل تأخير تسليم المستصنع، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: جواز الشرط الجزائي مقابل تأخير تسليم المستصنع.

وهو قول جمهور الفقهاء المعاصرين

(2)

.

(1)

صورة الشرط الجزائي في الاستصناع: أن يشترط المستصنع على الصانع أنه إذا تأخر عن تسليم المعقود عليه في الوقت المحدد، أو لم يقم بتنفيذ التزامه، فإن عليه أن يدفع كذا وكذا عن عدم التنفيذ، أو عن كل يوم يتأخر فيه عن التنفيذ.

(2)

انظر: مجلة البحوث الإسلامية، العدد الثاني 1395 هص 141، أبحاث هيئة كبار العلماء 1/ 214، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الثانية عشرة 2/ 306، الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية، بيت التمويل الكويتي 1/ 33، المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعات للمؤسسات المالية الإسلامية ص 35. بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 2/ 859، الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 369. وصدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة، فقد جاء فيه ما يلي:"يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً؛ فإن هذا من الربا الصريح، وبناء على هذا فيجوز هذا الشرط مثلاً في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورد، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه، ولا يجوز مثلاً في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء كان بسبب الإعسار، أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه"، وقرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، فقد جاء فيه ما يلي:"لذلك كله فإن المجلس يقرر بالإجماع: أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود، شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعاً، فيكون العذر مسقطاً لوجوبه حتى يزول، وإذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً بحيث يراد به التهديد المالي، ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية، فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة أو لحق من مضرة، ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر عملاً بقوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}، وقوله سبحانه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، وبقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، وبالله التوفيق "، وقرار هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في معيار المدين المماطل، فقد جاء فيه ما يلي:"يجوز النص على الشرط الجزائي في عقود المقاولات، وعقود الاستصناع، وعقود التوريد"

ص: 116

القول الثاني: عدم جواز الشرط الجزائي مقابل تأخير تسليم المستصنع مطلقاً.

وهو قول لبعض الفقهاء المعاصرين

(1)

.

القول الثالث: جواز الشرط الجزائي مقابل تأخير تسليم المستصنع إذا كان لعدم التنفيذ، وعدم جوازه إذا كان لأجل التأخير في التنفيذ. وهو قول لبعض الفقهاء المعاصرين

(2)

.

(1)

منهم: الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود كما في مجموعة رسائل الشيخ عبد الله آل محمود 1/ 321، والشيخ سيد عبد الله علي حسين كما في كتابه المقارنات التشريعية 2/ 854، والدكتور عبد الله السنهوري كما في كتابه مصادر الحق 6/ 168، والشيخ علي الخفيف كما في كتابه الضمان ص 17، والأستاذ محمد حافظ صبري كما في كتابه المقارنات والمقابلات بين أحكام المرافعات والمعاملات والحدود، ص 22، والدكتور فتحي الدريني كما في كتابه النظريات الفقهية، ص 196.

(2)

منهم: الدكتور رفيق المصري كما في كتابه مناقصات العقود الإدارية، ص 65، وحسن الجوهري كما في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع 2/ 310.

ص: 117

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: أن الشرط الجزائي مقابل التأخير في تسليم المستصنع شرط جائز بناء على أن الأصل في الشروط المقترنة بالعقد الصحة إلا ما دل الدليل على تحريمه، ولم يأت دليل يدل على تحريمه فيبقى على الأصل

(1)

.

نوقش: بأنه لا يصح الاحتجاج بهذا الأصل في الشرط الجزائي؛ لأن الأدلة متوافرة ومتظافرة على تحريمه كما سيأتي في أدلة القول الثاني.

يجاب: بأن أدلة تحريم الشرط الجزائي ضعيفة لا تصمد أمام المناقشة.

الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»

(2)

وجه الدلالة من الحديث: أن الحديث دلَّ على رفع الضرر، وعدم تنفيذ المستصنع أو التأخر فيه يؤدي إلى ضرر، وهذا الضرر لا يزول إلا بالتعويض عنه

(3)

.

نوقش: بأن هذا الحديث ضعيف، وعلى فرض صحته

(4)

فإنه لا خلاف أن عدم التنفيذ أو التأخر فيه قد يترتب عليه ضرر بالعاقد الآخر، وأن ذلك من الضرر الذي يجب إزالته، وأن الملتزم ظالم بذلك إذا كان من غير عذر شرعي، لكن لا دليل على أن رفع الضرر لا يكون إلا بالتعويض المالي عنه، إذ إن رفع

(1)

انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية 1/ 213، والشرط الجزائي، لأسامة الحموي، ص 176، ونظرية الشروط المقترنة بالعقد، لزكي الدين شعبان، ص 164.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

انظر: الشرط الجزائي، للحموي ص 165 - 174.

(4)

انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب 2/ 210 - 211، المستدرك، للحاكم 2/ 58، إراوء الغليل، للألباني 3/ 408.

ص: 118

الضرر يكون بالإجبار على التنفيذ، وتعزير المعتدي، ولو سلمنا بالتعويض عن الضرر فإنه لا يكون إلا بعد وقوعه ومعرفة قدره؛ لأن تقدير التعويض عن الضرر قبل وقوعه قد يؤدي إلى زيادة التعويض عن الضرر، وفي ذلك أكل لأموال الناس بالباطل

(1)

.

أجيب: بأن الأدلة قائمة على التعويض عن ضرر عدم التنفيذ أو التأخر فيه، وتقدير التعويض عن الضرر الحاصل بالإخلال بالالتزام قبل وقوعه تجب مراعاة العدل فيه، وتراضي الطرفين عليه، وتحديده بمبلغ معلوم، فإذا وقع الضرر بسبب الإخلال بالعقد من الملتزم وجب الوفاء بالشرط تعويضاً عن الضرر، وليس في ذلك أكل للمال بالباطل، وإذا تبين مخالفة الشرط للعدل، وجب الرجوع فيه للعدل، والإنصاف على حسب الضرر الحاصل

(2)

.

الدليل الثالث: أن الشرط الجزائي مقابل التأخير في تسليم المستصنع من الشروط التي تُعد من مصلحة العقد؛ إذ هو حافز على الوفاء ومنع التلاعب بالعقود

(3)

.

نوقش: بأن وجود بعض المصالح في هذا الشرط الجزائي لا يدل على إباحته، كما قال الله تعالى عن الخمر والميسر {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}

(4)

، وهذا الشرط الجزائي وإن كان فيه مصلحة، فهي مصلحة ملغاة؛ لقيام الأدلة على إلغائها

(5)

.

(1)

انظر: الشرط الجزائي، لمحمد بن عبد العزيز اليمني، ص 232.

(2)

انظر: الشروط التعويضية في المعاملات المالية، لعياد العنزي 1/ 373.

(3)

انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء 1/ 204، مجلة البحوث الاسلامية العدد الثاني ص 141، نظرية الشروط المقترنة بالعقد، لشعبان ص 164.

(4)

سورة البقرة، الآية 219.

(5)

انظر: الشرط الجزائي، لليمني ص 232 - 233.

ص: 119

يجاب: بأن الشرط الجزائي مقابل التأخير في تسليم المستصنع يترتب عليه من المصالح ما لا يتحقق بدونه، ودعوى أن المصالح في هذا الشرط الجزائي ملغاة غير مسلم، والأدلة التي استدل بها المانعون من الشرط الجزائي لا يُسلم بها.

الدليل الرابع: أنه قد جرى عرف الناس بالشرط الجزائي في عقودهم لاسيما عقود المقاولات، والتوريد، والاستصناع، والعرف إذا لم يصادم نصاً شرعياً يقره الشرع، وعرف التعامل بالشرط الجزائي عرف صحيح شرعاً؛ لأنه لا يعارض دليلاً شرعياً، ولا يبطل واجباً، ولا يحل حراماً، فهو جائز وصحيح

(1)

.

نوقش: بأنه لا اعتبار بعرف الناس بالشرط الجزائي؛ لأنه عرف مخالف للأدلة، والعرف المخالف للأدلة لا يعتد به

(2)

.

يجاب: بأنه لا يسلَّم أن عرف الناس على هذا الشرط مخالف للأدلة، بل الأدلة تدل على جواز هذا الشرط، وما أورده المانعون من أدلة ظنوا أنها تمنع هذا الشرط لا يسلم بها.

الدليل الخامس: أن الحاجة إلى الشرط الجزائي مقابل التأخير في تسليم المستصنع حاجة ماسة على مستوى الأفراد والمؤسسات، ومن القواعد الفقهية المعتبرة:"الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة"

(3)

، فهذه القاعدة تدل على مراعاة الحاجة، وأنها تنزل منزلة الضرورة، فيباح ما كان فيه حاجة

(1)

انظر: الشرط الجزائي، للحموي ص 177، الشرط الجزائي، للشهري ص 163.

(2)

انظر: موسوعة القواعد الفقهية، للبورنو 6/ 338، أمالي الدلالات، لا بن بيه، ص 580.

(3)

الأشباه والنظائر، للسيوطي ص 109، الأشباه والنظائر، لابن نجيم ص 114، المنثور، للزركشي 2/ 24.

ص: 120

عامة، ولو اشتمل على بعض المحاذير

(1)

. قال ابن تيمية: "والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر؛ بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك كما أباح بيع الثمار قبل بدو صلاحها مبقاة إلى الجذاذ وإن كان بعض المبيع لم يخلق وكما أباح أن يشترط المشتري ثمرة النخل المؤبر وذلك اشتراء قبل بدو صلاحها؛ لكنه تابع للشجرة وأباح بيع العرايا بخرصها. فأقام التقدير بالخرص مقام التقدير بالكيل عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا الذي هو أعظم من بيع الغرر"

(2)

نوقش: بأنه لا وجود لحاجة إلى هذا الشرط الجزائي، ففي التعويض القضائي عن الضرر بعد وقوعه غنية عن تقديره بالشرط الجزائي مسبقاً قبل وقوع الضرر

(3)

.

أجيب: بأن الحاجة إلى هذا الشرط الجزائي ماسة لسد أبواب الفوضى والتلاعب في حقوق عباد الله، وهو سبب من أسباب الوفاء بالعقد وليس في التعويض القضائي بعد وقوع الضرر غنية عنه؛ لأن التعويض القضائي خاصة في هذا العصر يكلف الكثير من الجهد، والوقت، والمال، بل إن بعض القضاة لا يرون التعويض أصلاً عن الضرر الحاصل بالإخلال في العقود والالتزامات، فيقع صاحب الحق في ضرر أشد ومن ثم فالحاجة إلى الشرط الجزائي ماسة

(4)

.

الدليل السادس: أن العمل بمبدأ السياسة الشرعية يؤدي إلى القول بشرعية الشرط الجزائي مقابل التأخير في تسليم المستصنع؛ لأنه وإن لم يرد في مشروعيته نصوص صريحة خاصة، فإنه لا يصادم دليلاً معيناً، ويحقق مصلحة

(1)

انظر: الأشباه والنظائر، لابن نجيم ص 114.

(2)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 227.

(3)

انظر: الشرط الجزائي، لليمني ص 235.

(4)

انظر: الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 380.

ص: 121

ملائمة، ولا يصادم قواعد الشريعة، ولذلك فإن القاضي يستطيع الحكم بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالملتزم له من جراء عدم تنفيذ العقد، أو التأخير في تنفيذه، أو الحكم بالتعويض المقدر في الشرط الجزائي الذي اتفق عليه المتعاقدان ما دام في حدود المعقول، وذلك بمقتضى السلطة التقديرية الممنوحة له فيما لا نص فيه عملًا بمبدأ السياسة الشرعية من إقامة العدل، وإحقاق الحق، ودفع الضرر

(1)

.

نوقش: بأن العمل بالسياسة الشرعية هو فيما لم يرد بحكمه دليل، أو الأمور التي من شأنها التغير والتبدل

(2)

، وهذا الشرط الجزائي قد دلت الأدلة على تحريمه فلا مدخل فيه للسياسة الشرعية

(3)

.

يجاب: بأنه لا يسلم بأن الأدلة تدل على تحريمه، بل إن الأدلة دلت على جوازه كما تقدم.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن الشرط الجزائي مقابل التأخير في حكم المستصنع يؤدي إلى محاذير شرعية كثيرة منها: الجهالة، والغرر، والقمار، وأكل أموال الناس بالباطل؛ لأن هذا الشرط الجزائي قد يكون أكثر من الضرر الواقع، والتنازع والاختلاف مادام أنه يجوز تعديله في حال المغالاة فيه

(4)

.

نوقش: بأن هذا الشرط الجزائي لا يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل؛ لأنه تعويض عن ضرر، لا يستحق إلا بعد وقوعه، وما قد يوجد فيه من غرر

(1)

انظر: الشرط الجزائي وسلطة القاضي في تعديله، للحموي ص 178 - 179.

(2)

انظر: السياسة الشرعية، لابن تيمية، ص 8.

(3)

انظر: الشرط الجزائي، لليمني ص 234.

(4)

انظر: مجلة البحوث الإسلامية، العدد الثاني ص 142، الشرط الجزائي، لليمني ص 237.

ص: 122

أو جهالة مغتفر للحاجة

(1)

، بل إنها مفسدة عارضتها مصلحة راجحة وهي سد أبواب الفوضى والتلاعب بحقوق عباد الله، وعند المعارضة تقدم المصلحة الراجحة. قال ابن تيمية:"والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضها حاجة راجحة أبيح المحرم"

(2)

، وهذا الشرط الجزائي لا يؤدي إلى التنازع والاختلاف، بل يؤدي إلى تقليل النزاع والاختلاف حول الضرر ومقدار التعويض عنه إذعاناً للشرط الذي اتفق عليه المتعاقدان، وتراضيا عليه، والرجوع إلى القضاء بعد تقدير التعويض بالشرط الجزائي ليس في كل الأحوال، بل فيما إذا تبيّن أن الشرط الجزائي مبالغ في تقديره مبالغة فاحشة، فيرجع فيه إلى القاضي ليعدله ليتوافق مع العدل

(3)

.

الدليل الثاني: أن عرف الناس جرى على أن الشرط الجزائي مقابل التأخير في تسليم المستصنع يستحق بمجرد الإخلال دون ضرر، وأكده الحكم بجواز الشرط الجزائي، وأنه لا يعدل إلا في حالة المغالاة فيه، وفي هذا أكل للمال بالباطل

(4)

.

يناقش: بأن التأخير في تسليم المستصنع لا يخلو من ضرر إما بفوات منفعة أو حصول مضرة، وعلى فرض عدم وجود ضرر فإنه لا دليل يمنع ما تعارف عليه الناس، وليس فيه أكل للمال بالباطل إذا تم الشرط برضا الملتزم ولم يكن له عذر في التأخير.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 227 - 228.

(2)

القواعد النورانية، لابن تيمية ص 191.

(3)

انظر: الشرط الجزائي، للحموي ص 382، الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 385.

(4)

انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء 1/ 214، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الثانية عشرة 1421 هـ 2/ 306.

ص: 123

الدليل الثالث: أن تقدير التعويض عن الضرر موكول إلى القضاء في جميع الأحوال، فتقديره مسبقا بالشرط الجزائي لا يجوز

(1)

.

نوقش: بأن التعويض عن الضرر موكول إلى القضاء عند التنازع، أما عند الاتفاق فلا يلزم تركه للقضاء

(2)

..

الدليل الرابع: أن الشرط الجزائي في صورته القانونية يعوض عن الأضرار الأدبية والمعنوية، وتفويت الفرصة، والكسب المظنون، ومجرد الإخلال بالالتزام، وهي لا يجوز التعويض المالي عنها، وبالتالي لا يجوز الشرط الجزائي؛ لأن ما يستحق لأجله باطل فهو باطل

(3)

.

نوقش: بأنه من قال بجواز الشرط الجزائي فإنه لا يجيزه بجميع صوره في القانون، فالشرط الجزائي لا يجوز في الديون، ولا عن الأضرار الأدبية والمعنوية، وإنما يجوز في غير الديون عن الأضرار المادية، وما فات من كسب مؤكد، أو ما لحق من خسارة، وبالتالي فما يستحق التعويض عنه ليس باطلاً

(4)

.

الدليل الخامس: أن الشرط الجزائي مقابل التأخير في تسليم المستصنع من المعاملات المستحدثة المنقولة عن القانون الوضعي البشري القاصر الذي نظرت إلى مصلحة المشترط فقط، دون الطرف الثاني، والشريعة كفلت تعويض المتضرر بعد وقوع الضرر تحريا للعدل، والحق، والإنصاف، والمساواة بين التعويض والضرر، ومراعاة كلا الطرفين

(5)

.

(1)

انظر: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن، للزرقا ص 20.

(2)

انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء 1/ 214، و مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الثانية عشرة 1421 هـ 2/ 306.

(3)

انظر: الشرط الجزائي، لليمني ص 239.

(4)

انظر: الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 387.

(5)

انظر: الشرط الجزائي، لليمني ص 226.

ص: 124

نوقش: بأن كون هذه المسألة مستحدثة أو منقولة عن القانون الوضعي لا يمنع من القول بجوازها؛ لأن الأصل في المعاملات الحل والجواز ما لم يقم الدليل البيّن على تحريمها، وفي هذا من التيسير، ورفع الضيق والحرج عن العباد كما تقتضيه نصوص الشريعة وقواعدها، وكون الأصل في التعويض عن الضرر تقديره بعد وقوع الضرر، لا يمنع من تقديره قبل وقوع الضرر باتفاق الطرفين لا سيما إذا دعت الحاجة لذلك، وتوخيا العدل في التقدير، وليس في ذلك إضرار بالملتزم وإن كان فيه مصلحة للمشترط

(1)

.

الدليل السادس: أن الشرط الجزائي مقابل التأخير في تسليم المستصنع ذريعة مفضية إلى أكل أموال الناس بالباطل، وإلى الغرر، والقمار، ومن الأصول المعتبرة شرعاً أصل:"سد الذرائع "

(2)

فسداً لهذه الذريعة يمنع الشرط الجزائي

(3)

.

نوقش: بعدم التسليم بأن هذا الشرط الجزائي ذريعة مفضية لأكل أموال الناس بالباطل، بل هو تعويض عن ضرر، وما قد يكون فيه من غرر مغتفر لدعاء الحاجة إليه، وعلى التسليم بأنه قد يكون ذريعة إلى ذلك فإن ما حرم سداً للذريعة فإنه يباح عند الحاجة والمصلحة الراجحة

(4)

، كما حرم ربا الفضل سداً لذريعة ربا النسيئة وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة من العرايا، وغيرها كثير، فمتى ما فاتت بأصل سد الذرائع مصلحة راجحة لم يلتفت إليه

(5)

.

(1)

انظر: الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 391

(2)

انظر: البحر المحيط، للزركشي 6/ 82، الموافقات، للشاطبي 1/ 178، إرشاد الفحول، للشوكاني 2/ 703.

(3)

انظر: الشرط الجزائي، لليمني ص 226.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 21/ 251، 22/ 298، 23/ 186، إعلام الموقعين، لابن القيم ص 634.

(5)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ص 634، زاد المعاد، لابن القيم 5/ 148.

ص: 125

دليل القول الثالث:

أنه يجوز الشرط الجزائي مقابل التأخير في تسليم المستصنع في حال عدم التنفيذ قياساً على مسألة العربون، ووجه ذلك: أن كلاً منهما شرط يوجب على من أخل بالعقد دفع مبلغ مالي يجري تقديره سلفًا قبل حصول الضرر، ولا يجوز في حال التأخير في التنفيذ؛ لأن المبيع المستحق التسليم في أجل محدد ضرباً من الالتزام (الدين) فالشرط الجزائي عن التأخير في التنفيذ في حكم ربا النسيئة: تقضي أم تربي؟

(1)

.

نوقش: بأن هناك فرقاً بين العربون وبين الشرط الجزائي، فالعربون يدفع المبلغ مقدماً، ولا يشترط حصول الضرر، بعكس الشرط الجزائي فلا يصح القياس عليه، وعلى التسليم بأن الشرط الجزائي يشبه العربون في حال عدم التنفيذ، فإنه يلزم على ذلك جوازه عن التأخير في التنفيذ أيضاً؛ لأن كلاً منهما إما أن يكونا عقوبة، أو تعويضاً عن الضرر المتوقع يقدر سلفاً قبل وقوعه، ويستوي في ذلك كون الشرط الجزائي عن عدم التنفيذ أو عن التأخير في التنفيذ، ما دام في غير الديون

(2)

، وكون المبيع المستحق التسليم في أجل محدد ضربًا من الالتزام لا خلاف فيه، وأما كون هذا الالتزام مساوياً للدين فغير مسلم؛ لأن الالتزام أعم من الدين، فكل دين التزام وليس كل التزام ديناً، والالتزام هنا ليس ديناً بل هو التزام بأداء عمل لا يستحقون مقابله إلا بعد أدائه، وهو يختلف اختلافاً كثيراً عن التزام المقترض والمشتري بثمن مؤجل والمسلم إليه فالتزام هؤلاء الثلاثة دين حقيقي ثبت في ذمتهم وأخذوا مقابلة

(3)

.

(1)

انظر: مناقصات العقود الإدارية، لرفيق المصري ص 65.

(2)

انظر: الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 384

(3)

انظر: الشرط الجزائي، للضرير، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الثانية عشرة 1421 هـ 2/ 73 - 74.

ص: 126

الترجيح: بعد عرض الأقوال الواردة في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، يظهر لي والله أعلم أن القول الراجح هو القول الأول، القائل بجواز الشرط الجزائي مقابل تأخير تسليم المستصنع؛ وذلك لأن الأصل في الشروط الحل ما لم يقم دليل على منعها، ولم يقم دليل يمنع من ذلك ويشترط للقول بالجواز ألا يكون هناك عذر في التأخير، وألا يكون المال كثيرًا عرفًا، فإن كان هناك عذر فلا يجوز؛ لأنه أكل للمال بالباطل، وإن كان المال كثيرًا عرفًا فيجب الرجوع للعدل فيه، وإن اختلفا رجعا لأهل الخبرة، أو للقاضي كي يفصل بينهما

(1)

.

(1)

انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء 1/ 214

ص: 127

‌الفصل الخامس

في تغير الأجل بسبب انقطاع المسلم فيه

وفيه ثلاثة مباحث، هي:

المبحث الأول: حكم السلم.

المبحث الثاني: حكم السلم المقسط.

المبحث الثالث: حكم تمديد الأجل بسبب انقطاع المسلم فيه.

ص: 129

‌المبحث الأول:

حكم السَّلم

السَّلم في اللغة التسليم والتقديم، سمي بذلك؛ لأن فيه تقديمًا لرأس مال السلم وتسليما له في مجلس العقد

(1)

، والسلم والسلف بمعنى واحد، ولكن السلم لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق

(2)

.

والسَّلم في الاصطلاح: "عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد"

(3)

، وسمي هذا العقد بالسلم والسلف"لكونه معجلاً على وقته فإن أوان البيع ما بعد وجود المعقود عليه في ملك العاقد وإنما يقبل السلم في العادة فيما ليس بموجود في ملكه فلكون العقد معجلاً على وقته سمي سلمًا وسلفًا"

(4)

.

وقد أجمع العلماء على جواز السَّلم

(5)

، واستدلوا على ذلك بالأدلة التالية:

(1)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 6/ 343، معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 3/ 90، القاموس المحيط، للفيروزأبادي 2/ 1477، مجمل اللغة، لابن فارس 2/ 469.

(2)

انظر: تكملة المجموع، للمطيعي 12/ 174، عون المعبود، للصديقي أبادي 9/ 183.

(3)

الإقناع، للحجاوي 2/ 133.

(4)

المبسوط، للسرخسي 12/ 24

(5)

انظر: الإجماع، لابن المنذر ص 134، المبسوط، للسرخسي 12/ 124، تحفة الفقهاء، للسمرقندي 2/ 8، فتح القدير، لابن الهمام 7/ 70، المنتقى، للباجي 4/ 292، الذخيرة، للقرافي 5/ 248، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 514، الأم، للشافعي 3/ 94، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 122، مغني المحتاج، للشربيني 2/ 8، المغني، لابن قدامه 4/ 185، الإنصاف، للمرداوي 5/ 84، المحرر، لابن تيمية 1/ 483، المحلى، لابن حزم 8/ 39.

ص: 131

الدليل الأول: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}

(1)

.

وجه الدلالة من الآية: أن هذه الآية أباحت الدين، والسلم نوع من أنواع الديون، قال ابن عباس-رضي الله عنهما قال:"أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ، إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، إِنَّ اللَّهَ أَحَلَّهُ وَأَذِنَ فِيهِ" ثم قرأ هذه الآية

(2)

.

الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يسلفون في التمر السنتين والثلاث، فقال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون السلم إلى أجل معلوم، ووزن معلوم، وكيل معلوم، دليلًا على مشروعيته.

الدليل الثالث: عبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن أبي أوفى، رضي الله عنهما، قالا:«كُنَّا نُصِيبُ المَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ، فَنُسْلِفُهُمْ فِي الحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ، إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى»

(4)

.

(1)

سورة البقرة، جزء من آية 282.

(2)

رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب البيوع والأقضية، السلف في الطعام والتمر برقم 22758، واللفظ له، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب البيوع، باب لاسلف إلا إلى أجل مسمى، برقم 14064، والحاكم في المستدرك على الصحيحين 2/ 286، كتاب التفسير، من سورة البقرة، برقم 3130. والأثر من رواية قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأبو حسان الأعرج فيه خلاف بين المحدثين فمنهم من ضعفه كالبخاري ومنهم من وثقه كابن معين، والأكثر على أن حديثه من قبيل الحسن، وقد تفرد في رواية هذا الأثر عن ابن عباس مع كثرة أصحاب ابن عباس وشهرتهم إلا أن ليس في متنه نكارة وتشهد له أدلة السلم الأخرى. انظر: الضعفاء، لأبي زرعة 3/ 959، الطبقات الكبرى، لابن سعد 7/ 166، الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم 8/ 201، تهذيب الكمال، للمزي 33/ 242، ميزان الاعتدال، للذهبي 4/ 108.

(3)

رواه البخاري، كتاب السلم، باب السلم في وزن معلوم، برقم 2240، واللفظ له، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب السلم، برقم 1604.

(4)

رواه البخاري، كتاب السلم، باب السلم إلى أجل معلوم، برقم 2254.

ص: 132

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث دلالة على مشروعية السلم؛ حيث تعامل به الصحابة رضي الله عنهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينهَ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، بل أمر أن يكون معلوم الوزن، والكيل، والأجل.

الدليل الرابع: إجماع العلماء على جواز السلم. قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن السلم الجائز أن يسلم الرجل صاحبه في طعام معلوم، موصوف

"

(1)

، وقال ابن قدامة "وأما الإجماع، فقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز"

(2)

، وقال النووي:" أجمع المسلمون على جواز السلم "

(3)

.

(1)

الإجماع، لابن المنذر ص 134.

(2)

المغني، لابن قدامه 4/ 185،

(3)

شرح صحيح مسلم، للنووي 11/ 42

ص: 133

‌المبحث الثاني:

حكم السَّلم المقسَّط.

المقصود بالسلم المقسط: هو أن يسلم في شيء واحد، على أن يقبضه في أوقات متفرقة أجزاء معلومة

(1)

.

وقد اختلف الفقهاء في حكم السلم المقسط على ثلاثة أقوال:

القول الأول: جواز السلم المقسط مطلقاً دون بيان أجل كل قسط وثمنه.

وهو مذهب الحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، ورواية عند الحنابلة

(5)

.

القول الثاني: عدم جواز السلم المقسط مطلقاً. وهو قول عند الشافعية

(6)

.

القول الثالث: جواز السلم المقسط إذا بُيّن أجل كل قسط وثمنه، وإذا لم يبين لم يجز.

(1)

انظر: حاشية الدسوقي 3/ 216، المغني، لابن قدامه 4/ 202، مطالب أولي النهى، للرحيباني 3/ 222، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 203.

(2)

انظر: مختصر الطحاوي ص 88، حاشية ابن عابدين 5/ 214.

(3)

انظر: حاشية الدسوقي 3/ 216، التاج والإكليل، للمواق 6/ 530.

(4)

انظر: الحاوي، للماوردي 5/ 399، روضة الطالبين، للنووي 4/ 11، تكملة المجموع، للمطيعي 12/ 230 - 231.

(5)

انظر: المغني، لابن قدامه 4/ 203، مطالب أولي النهى، للرحيباني 3/ 222.

(6)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 101، الحاوي، للماوردي 5/ 399، روضة الطالبين، للنووي 4/ 11.

ص: 134

وهو مذهب الحنابلة

(1)

، وقول للشافعي

(2)

.

دليل القول الأول: القياس على الثمن المقسَّط في البيع المطلق، فكل بيع جاز في جنس واحد وأجل واحد جاز في جنسين وفي أجلين

(3)

.

دليل القول الثاني: أن ثمن المسلم فيه المؤخر أقل من ثمن المسلم فيه المقدم، فتقع الصفقة لا يعرف ثمن كل واحد من القسطين، فيكون ثمن كل قسط مجهولاً، فلا يجوز

(4)

.

نوقش: بأن بيع الأعيان يجوز إلى أجلين وفي جنسين مع الجهل بما يقابل كل واحد منهما، والسلم كبيع الأعيان

(5)

.

ويناقش أيضًا: بأن هذه الجهالة تزول إذا بُيّن أجل كل قسط وثمنه.

دليل القول الثالث: استدلوا على جوازه بما استدل به اصحاب القول الأول، وهو أن كل بيع جاز إلى أجل جاز إلى أجلين وآجال، واشترطوا إن يبين قسط كل أجل وثمنه؛ لأنه لو تعذر قبض الباقي فإن الأجل الأبعد يستحق أقل من الأجل الأقرب، فاعتبر معرفة قسطه وثمنه، وإذ لم يبين لم يصح

(6)

.

نوقش: بأنه إذا قبض البعض وتعذر قبض الباقي، ففسخ العقد، رجع بقسطه من الثمن، ولا يجعل للباقي فضلاً عن المقبوض؛ لأنه مبيع واحد

(1)

انظر: كشاف القناع، للبهوتي 3/ 300، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 92 - 93.

(2)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 101 قال الشافعي:" فإن أسلف مائة دينار في مائتي صاع حنطة منهما مائة بستين دينارا إلى كذا وأربعون في مائة صاع تحل في شهر كذا جاز" الأم 3/ 101

(3)

انظر: تكملة المجموع، للمطيعي 12/ 231، المغني، لابن قدامة 4/ 203

(4)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 101، الحاوي، للماوردي 5/ 399

(5)

انظر: المهذب، للشيرازي، مطبوع مع المجموع 12/ 230

(6)

انظر: كشاف القناع، للبهوتي 3/ 300، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 93

ص: 135

متماثل الأجزاء، فيقسط الثمن على أجزائه بالسوية، كما لو اتفق أجله

(1)

.

يجاب: بأنه ليس من العدل أن يقسط الثمن على أجزائه بالسوية؛ فإن الأجل الأبعد لا يساوي الأجل الأقرب في السَّلم، وفي عدم بيان قسط كل أجل وثمنه فتح لباب الاختلاف بين الناس، وإشغال للمحاكم بهذه الخلافات، والشريعة جاءت بغلق الأبواب التي تسبب العداوة والبغضاء بين الناس.

الترجيح: بعد عرض الأقوال الواردة في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، يتبين لي والله أعلم أن القول الراجح هو القول الثالث، القائل بجواز السلم المقسط إذا بُيّن أجل كل قسط وثمنه؛ وذلك لأن السلم بيع، وكل بيع جاز إلى أجل جاز إلى أجلين وإلى آجال، وفي بيان قسط كل أجل وثمنه غلق لباب الاختلاف بين الناس، والشريعة قيَّدت السلم الجائز ببيان أجله ووزنه أو كيله؛ لغلق باب الاختلاف بين الناس، ولما يترتب عليه من عداوة وبغضاء بينهم.

(1)

انظر: تكملة المجموع، للمطيعي 12/ 231، المغني، لابن قدامة 4/ 203

ص: 136

‌المبحث الثالث:

حكم تمديد الأجل بسبب انقطاع المسلم فيه.

اختلف الفقهاء في حكم تمديد الأجل بسب انقطاع المُسْلَم فيه، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه يخير المُسْلِم بين الفسخ، وبين تمديد الأجل إلى وجوده.

وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

، والظاهرية

(5)

.

القول الثاني: أن العقد ينفسخ، ويسترد المُسْلِمُ رأسَ المال.

وهو قول عند الحنفية

(6)

، والمالكية

(7)

، والشافعية

(8)

، والحنابلة

(9)

.

(1)

انظر: الهداية، للمرغيناني 7/ 82، فتح القدير، لابن الهمام 7/ 82، الجوهرة النيرة، للعبادي 1/ 218

(2)

انظر: المدونة، للإمام مالك 3/ 62، المنتقى، للباجي 5/ 73، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 221

(3)

انظر: تكملة المجموع، للمطيعي 12/ 248، نهاية المطلب، للجويني 6/ 10، نهاية المحتاج، للرملي 5/ 194.

(4)

انظر: المغني، لابن قدامه 4/ 196، الإنصاف، للمرداوي 5/ 103، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 303 - 304

(5)

انظر: المحلى، لابن حزم 8/ 54.

(6)

انظر: فتح القدير، لابن الهمام 7/ 82، تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 113

(7)

انظر: بداية المجتهد، لابن رشد 2/ 205، المنتقى، للباجي 5/ 73

(8)

انظر: نهاية المطلب، للجويني 6/ 10، روضة الطالبين، للنووي 4/ 11

(9)

انظر: الإنصاف، للمرداوي 5/ 104، الشرح الكبير، لابن قدامة 4/ 333.

ص: 137

القول الثالث: أن العقد لا ينفسخ، ويمدد المُسْلِمُ الأجلَ إلى وجوده.

وهو قول عند المالكية

(1)

.

دليل القول الأول: أن هذا العقد صحيح، وقد وقع على موصوف في الذمة، فهو باق على أصله، وليس من شرط جوازه أن يكون في نفس الأجل الذي حدد، وإنما هو شيء شرطه المسلم فهو بالخيار

(2)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن المعقود عليه قد هلك بتعذر تسليمه، فاقتضى انفساخ العقد، كما لو شرى بفلوس ثم كسدت قبل القبض، يبطل العقد، فكذا هنا

(3)

.

نوقش: بأن المسلم فيه متعلق بالذمة، لا في شيء معين كما في الفلوس الكاسدة قبل القبض، وما في الذمة باق على أصله

(4)

.

الدليل الثاني: أن في تأجيل المسلم فيه بيعًا للدين بالدين، وبيع الدين بالدين محرم

(5)

.

يناقش: بعدم التسليم بأن فيه بيع دين بدين، بل إن فيه تأجل الدين إلى وقت وجوده.

(1)

انظر: بداية المجتهد، لابن رشد 2/ 205، المنتقى، للباجي 5/ 73

(2)

انظر: فتح القدير، لابن الهمام 7/ 82، منح الجليل، لعليش 5/ 380، نهاية المطلب، للجويني 6/ 10، الشرح الكبير، لابن قدامة 4/ 333.

(3)

انظر: فتح القدير، لابن الهمام 7/ 82، تكملة المجموع، للمطيعي 12/ 248، المغني، لابن قدامه 4/ 197

(4)

انظر: بداية المجتهد، لابن رشد 2/ 205، نهاية المطلب، للجويني 6/ 10، المغني، لابن قدامه 4/ 197

(5)

انظر: بداية المجتهد، لابن رشد 2/ 205.

ص: 138

دليل القول الثالث: أنه عقد ثبت بينهما فلا يجوز فسخه، ولم يوجد ما يوجب فسخ العقد، فعلى المسلم تمديد الأجل إلى حين وجوده

(1)

.

يناقش: بأن هذا العقد تم بشرط التسليم في أجل مسمى، فإذا لم يتم هذا الشرط وهو التسليم في الأجل فإن لصاحب الحق الفسخ، وإلزامه بتمديد الأجل إلى حين وجود المسلم فيه ضرر عليه، فيخير بين الفسخ، وتمديد الأجل، رفعًا للضرر عنه.

الترجيح: بعد عرض الأقوال الواردة في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، يتبين لي والله أعلم أن القول الراجح هو القول الأول، القائل بتخيير المسلم بين الفسخ، والرجوع بالثمن، وبين تمديد الأجل إلى وجوده؛ وذلك لقوة ما استدلوا به، ولضعف الأقوال الأخرى بما ورد على أدلتها من مناقشة، ولأن هذا العقد تم بشرط التسليم في أجل مسمى فإن جاء الأجل ولم يستلم ما تم العقد عليه فإنه بالخيار، بين تمديد الأجل، وفسخ العقد، والأولى للمُسلم مراعاة حال المسلم إليه فإن كان في التأجيل توسيع له دون ضرر على المسلم فليمدد الأجل إلى حين وجود المسلم فيه.

(1)

انظر: المنتقى، للباجي 5/ 73

ص: 139

‌الفصل السادس

في تغير الأجل بالمصالحة على الوضع مقابل التعجيل

(ضع وتعجل)

وفيه أربعة مباحث، هي:

المبحث الأول: حكم إسقاط بعض الدين الحال دون شرط.

المبحث الثاني: حكم إسقاط بعض الدين الحال بالشرط.

المبحث الثالث: حكم إسقاط بعض الدين المؤجل وتعجيله، دون شرط.

المبحث الرابع: حكم إسقاط بعض الدين المؤجل بشرط تعجيل الأجل.

ص: 141

‌المبحث الأول:

حكم إسقاط بعض الدين الحال دون شرط

(1)

.

اتفق الفقهاء من الحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، والحنابلة

(5)

، والظاهرية

(6)

على جواز إسقاط بعض الدين الحال إذا لم يكن عن شرط، وكان على سبيل التبرع والإحسان، واستدلوا على ذلك بالأدلة التالية:

الدليل الأول: عن كعب بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ:«يَا كَعْبُ» ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ،

(1)

صورة المسألة: أن يسقط الدائن عن المدين بعض دينه الحال من عند نفسه، أو تنزلا لرغبة المدين في ذلك، أو أن يؤدي المدين بعض ما عليه فيبرئه الدائن من الباقي، كل ذلك من غير شرط بينهما.

(2)

انظر: تحفة الفقهاء، للسمرقندي 3/ 259، البحر الرائق، لابن نجيم 7/ 259، درر الحكام، لعلي حيدر 3/ 88

(3)

انظر: المدونة، للإمام مالك 3/ 395، التاج والإكليل، للمواق 6/ 183، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 53.

(4)

انظر: الحاوي، للماوردي 5/ 174 أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 215، فتاوى السبكي 1/ 340

(5)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 317، الإنصاف، للمرداوي 5/ 235، المحرر، لعبد السلام ابن تيمية 1/ 501.

(6)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 470.

ص: 143

«فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ» ، قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«قُمْ فَاقْضِهِ» "

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن كعب بن مالك أسقط بعض دينه الحال مقابل أخذ الباقي منه دون شرط، استجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك دلالة على جواز إسقاط بعض الدين الحال مقابل أخذ باقيه دون شرط، بل إنه من فعل الخير الذي حث عليه الشرع

(2)

، قال ابن حزم:"أن يعطيه بعض ما له عليه ويبرئه الذي له الحق من باقيه باختياره، ولو شاء أن يأخذ ما أبرأه منه لفعل: فهذا حسن جائز بلا خلاف، وهو فعل خير"

(3)

.

الدليل الثاني: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاشْتَدَّ الغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا تَمْرَ حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي، فَأَبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَائِطِي، وَقَالَ: «سَنَغْدُو عَلَيْكَ»، فَغَدَا عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ، فَطَافَ فِي النَّخْلِ وَدَعَا فِي ثَمَرِهَا بِالْبَرَكَةِ، فَجَدَدْتُهَا، فَقَضَيْتُهُمْ، وَبَقِيَ لَنَا مِنْ تَمْرِهَا"

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث: أنه في طلب النبي صلى الله عليه وسلم من الغرماء أن يقبلوا تمر حائط جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ويحللوا والده من الباقي دلالة على جواز إسقاط بعض الدين الحال مقابل أخذ باقيه دون شرط، وأنه من الأمور المشروعة بدلالة شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيها.

(1)

رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب التقاضي والملازمة في المسجد، برقم 457، ومسلم، كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين، برقم 1558، واللفظ له.

(2)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 42، المحلى، لابن حزم 6/ 470.

(3)

المحلى، لابن حزم 6/ 470.

(4)

رواه البخاري، كتاب الاستقراض، باب إذا قضى دون حقه أو حلله، برقم 2395.

ص: 144

‌المبحث الثاني:

حكم إسقاط بعض الدين الحال بالشرط

(1)

.

اختلف الفقهاء في حكم إسقاط بعض الدين الحال بالشرط على قولين:

القول الأول: أن ذلك جائز

وهو مذهب الحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، ورواية عند الحنابلة

(5)

.

القول الثاني: أن ذلك لا يجوز.

وهو مذهب الحنابلة

(6)

، والظاهرية

(7)

، وقول عند الشافعية

(8)

.

(1)

صورة المسألة: أن يقول الدائن للمدين عند حلول أجل الدين إن أعطيتني كذا وكذا فأنت بريء من الباقي.

(2)

انظر: الدر المختار، للحصكفي 5/ 639 - 640، تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 41، العناية، للبابرتي 8/ 428، غمز عيون البصائر، للحموي 3/ 97

(3)

انظر: المدونة، للإمام مالك 3/ 397، الكافي، لابن عبد البر 2/ 880، تحرير الكلام في مسائل الإلتزام، للحطاب ص 230

(4)

انظر: أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 215، تحفة المحتاج، للهيتمي 5/ 192، روضة الطالبين، للنووي 4/ 195

(5)

انظر: المحرر، لمجد الدين ابن تيمية 1/ 501، والفروع، لابن مفلح 4/ 194، الإنصاف، للمرداوي 5/ 236

(6)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 312، الفروع، لابن مفلح 4/ 194، الشرح الكبير، لابن قدامة 5/ 2، الإنصاف، للمرداوي 5/ 236، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 391.

(7)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 471.

(8)

انظر: الحاوي، للماوردي 6/ 367، حاشية عميرة 2/ 385

ص: 145

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على منعه، وإسقاط بعض الدين الحال بالشرط صحيح، ولم يبين الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لنا تحريمه، فدل على جوازه وأنه يجب الوفاء به

(1)

.

الدليل الثاني: أن إسقاط بعض الدين الحال لا يفتقر إلى قبول المبرأ، ولا رضاه، فصح تعليقه بالشرط، كالعتق والطلاق

(2)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن كل شرط، أو عقد، أو عهد، لم يرد في الشرع ما يدل على جوازه وإباحته، فهو مردود؛ لأنه ليس في كتاب الله، وليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

.

نوقش: بأن الشرط المردود هو المخالف لحكم الله تعالى، بأن يكون المشروط مما حرمه الله تعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما إذا كان المشروط مما لم يحرمه الله، ولم يحرمه رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يكون مخالفاً لكتاب الله وشرطه، ولا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم

(4)

.

الدليل الثاني: أن المدين إذا كان مقراً بما عليه من دين فإنه يجب عليه دفعه كاملاً، فإذا دفع أقل مما عليه كان في ذلك هضم لصاحب الحق، وفي ذلك أكل للمال بالباطل

(5)

.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 132

(2)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ص 745 - 746، إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 16.

(3)

انظر: انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 471، الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم 5/ 14، 15.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 163

(5)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 312، الإنصاف، للمرداوي 5/ 235، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 391.

ص: 146

نوقش: بأن هضم صاحب الحق يكون لو امتنع المدين من أداء دينه الحال حتى يضع عنه، أما إذا كان المدين مقراً بما عليه، ووضع عنه صاحب الحق بعض الدين الحال مقابل شرط فليس في ذلك هضم لصاحب الحق

(1)

.

الدليل الثالث: أن إسقاط بعض الدين الحال إبراء، والإبراء فيه معنى التمليك، والأصل في التمليك أنه لا يقبل التعليق بالشرط، كالهبة

(2)

.

نوقش: بعدم التسليم بأن الإبراء فيه معنى التمليك، بل هو إسقاط محض، ولهذا لا يفتقر إلى قبول المبرأ، ولا رضاه، ولا يرتد بالرد فهو بالعتق والطلاق أشبه منه بالتمليك، وعلى فرض التسليم بأن الإبراء تمليك كالهبة، فإنه لا يسلم بأن الهبة لا تقبل التعليق على شرط، فلا نص، ولا إجماع يدل على بطلان تعليق الهبة بالشرط

(3)

.

الترجيح: بعد عرض القولين الواردين في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، يتبين لي والله أعلم أن القول الراجح هو القول الأول، القائل بجواز إسقاط بعض الدين الحال بالشرط؛ وذلك لأن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ماقام دليل على منعه، ولم يقم دليل على منع إسقاط بعض الدين الحال مقابل الشرط، إلا إن امتنع المدين من أداء دينه الحال حتى يضع عنه الدائن بعضه فإنه لا يجوز؛ لأن فيه هضمًا لصاحب الحق، وأكلًا للمال بالباطل.

(1)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ص 746

(2)

انظر: كشاف القناع، للبهوتي 3/ 391.

(3)

انظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 16 - 17.

ص: 147

‌المبحث الثالث:

حكم إسقاط بعض الدين المؤجل وتعجيله، دون شرط

(1)

.

اختلف الفقهاء في حكم إسقاط بعض الدين المؤجل وتعجيله إذا كان الإسقاط والتعجيل بغير شرط ولا مواطأة من الدائن والمدين على قولين:

القول الأول: أنه جائز.

وهو مذهب الحنفية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

، والظاهرية

(5)

.

القول الثاني: أنه لا يجوز.

وهو مذهب المالكية

(6)

(1)

صورة المسألة: أن يسقط الدائن بعض الدين المؤجل الذي على المدين، ويعجل المدين الوفاء قبل أجله، أو يعجل المدين الوفاء قبل أجله فيسقط الدائن الباقي، كل ذلك بغير شرط بينهما ولا مواطأة.

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي 13/ 126، تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 42، بدائع الصنائع، للكاساني 6/ 45، أحكام القرآن، للجصاص 2/ 187

(3)

انظر: الحاوي، للماوردي 18/ 233، السنن الكبرى، للبيهقي 6/ 27، فتاوى السبكي 1/ 340

(4)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 316، الشرح الكبير، لابن قدامه 5/ 4، إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 12

(5)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 357.

(6)

انظر: التاج والإكليل، للمواق 6/ 183، الفواكه لدواني، للنفراوي 2/ 91، حاشية العدوي 2/ 165.

ص: 148

دليل القول الأول: أن الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما دل الدليل على منعه ولا دليل يمنع من ذلك، بل إن كل واحد منهما محسن، ومتبرع ببذل حقه من غير عوض

(1)

.

دليل القول الثاني: بأن ذلك بمنزلة الذي يؤخر دينه بعد محله عن غريمه ويزيده الغريم في حقه، فهذا الربا بعينه

(2)

، وإن لم يكن ربا فهو ذريعة للربا، وفي المنع منه سدًا لذريعة الربا. قال السبكي

(3)

: "قال مالك رحمه الله هو باطل مطلقاً-يعني ضع وتعجل- سواء جرى بشرط أم بغير شرط للتهمة وذلك قاعدة مذهبه"

(4)

، وقال ابن القيم

(5)

: "وأما مالك فإنه لا يجوزه مع الشرط ولا بدونه سداً للذريعة"

(6)

.

يناقش: بالفرق بين مسألة ضع وتعجل وبين الربا، فالربا زيادة في الأجل الحال مع زيادة في الثمن، وهذه عكس الربا فهي إسقاط من الثمن مقابل التعجيل بالأجل، ومن شروط سد الذريعة أن تفضي الذريعة إلى المقصود

(1)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 316، المحلى، لابن حزم 6/ 357.

(2)

انظر: الموطأ، للإمام مالك 4/ 971.

(3)

هو تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي السبكي، فقيه شافعي، ولد سنة 683 هـ، تولى قضاء الشام، ومن مؤلفاته:"الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم"، و"السيف المسلول على من سب الرسول"، و"الابتهاج شرح المنهاج"، توفي سنة 756 هـ. انظر: طبقات الشافعية، للسبكي 10/ 139، طبقات المفسرين، للأدنوي، ص 285.

(4)

فتاوى السبكي 1/ 340

(5)

هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، شمس الدين أبو عبد الله بن قيم الجوزية، الإمام المفسر الفقيه، ولد سنة 691 هـ، من أكبر تلاميذ ابن تيمية، له مصنفات كثيرة مباركة، منها: زاد المعاد في هدي خير العباد ومدارج السالكين، توفي سنة 751 هـ انظر: ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب 2/ 449، الأعلام، للزركلي 6/ 56.

(6)

إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 12

ص: 149

غالبًا، وإذا لم يكن هناك شرط ولا مواطأة بين الدائن والمدين فإن ذريعة الربا بعيدة، وغير محققة في الغالب.

الترجيح: بعد عرض القولين، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول القائل بجواز إسقاط بعض الدين المؤجل وتعجيله إذا كان الإسقاط والتعجيل بغير شرط ولا مواطأة من الدائن والمدين؛ وذلك لأن الأصل في العقود الصحة إلا ما قام الدليل بمنعه، ولم يقم دليل يمنع من إسقاط بعض الدين المؤجل وتعجيله إذا كان الإسقاط والتعجيل بغير شرط ولا مواطأة من الدائن والمدين.

ص: 150

‌المبحث الرابع: حكم إسقاط بعض الدين المؤجل بشرط تعجيل الأجل (ضع وتعجل)

المقصود بمسألة ضع وتعجل هي: أن يصطلح الدائن والمدين على إسقاط بعض الدين بشرط التعجيل بسداد الباقي، "قال سفيان بن عيينة

(1)

: تفسير عجل لي وأضع عنك، إذا كان لي عليك ألف درهم إلى أجل فقلت أعطني من حقي الذي عندك تسع مائة ولك مائة"

(2)

.

وقد اختلف الفقهاء في حكم إسقاط بعض الدين المؤجل بشرط تعجيل الأجل (ضع وتعجل)، على أربعة أقوال:

القول الأول: جواز إسقاط بعض الدين المؤجل بشرط تعجيل الأجل.

وهو رواية عند الحنابلة

(3)

، واختيار ابن تيمية

(4)

، وابن القيم

(5)

.

(1)

هو أبو محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي الكوفي، ولد سنة 107 هـ، أحد أئمة المسلمين، قال الشافعي:"ما رأيت أحدا من الناس فيه من آلة العلم ما في سفيان بن عيينة، وما رأيت أحدا أكف عن الفتيا منه"، توفي سنة 198 هـ. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 11/ 177، سير أعلام النبلاء للذهبي 8/ 458.

(2)

الاستذكار، لابن عبد البر 6/ 489.

(3)

انظر: الفروع، لابن مفلح 4/ 264، المبدع، لابن مفلح 4/ 163، الإنصاف، للمرداوي 5/ 236.

(4)

انظر: الاختيارات الفقهية، لابن تيمية، ص 198، الإنصاف، للمرداوي 5/ 236، إعلام الموقعين، لابن القيم ص 746.

(5)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ص 746، إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 11 - 13. وقد صدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي إلا أنهم قيدوا الجواز بألا يكون الحط بناء على اتفاق مسبق بين الدائن والمدين، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 7/ 2/ 66 بشأن البيع بالتقسيط: "4 - الحطيطة من الدين المؤجل، لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين، (ضع وتعجل) جائزة شرعًا، لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق. وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية. فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز، لأنها تأخذ عندئذٍ حكم حسم الأوراق التجارية".

ص: 151

القول الثاني: عدم جواز اسقاط بعض الدين المؤجل بشرط تعجيل الأجل.

وهو مذهب المالكية

(1)

، والشافعية

(2)

، والظاهرية

(3)

.

القول الثالث: جواز إسقاط بعض الدين المؤجل بشرط تعجيل الأجل في دين الكتابة فقط. وهو مذهب الحنفية

(4)

، والحنابلة

(5)

.

القول الرابع: جواز إسقاط بعض الدين المؤجل بشرط تعجيل الأجل في البيع بثمن مؤجل زائد عن الثمن الحال إذا كان الساقط جزءًا من ربحه مقابل الأجل بقسطه.

وهو قول لبعض الحنفية

(6)

، وبعض الحنابلة

(7)

.

(1)

انظر: الموطأ، للإمام مالك 4/ 970971، المدونة، للإمام مالك 3/ 111، التلقين، للبغدادي 2/ 153.

(2)

انظر: مغني المحتاج، للشربيني 2/ 165، نهاية المحتاج، للرملي 4/ 386، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 216، فتاوى السبكي 1/ 340.

(3)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 356.

(4)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 163، البحر الرائق، لابن نجيم 8/ 60، حاشية ابن عابدين 5/ 641، درر الحكام، لمنلا خسرو 2/ 400.

(5)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 52 - 53، الفروع، لابن مفلح 4/ 264، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 140، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 392.

(6)

انظر: الدر المختار، للحصكفي ص 760، حاشية ابن عابدين 6/ 757.

(7)

انظر: الإنصاف، للمرداوي 5/ 308.

ص: 152

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ لَنَا دُيُونًا عَلَى النَّاسِ، قَالَ: «ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا» "

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث دلالة على جواز إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل أخذ باقيه، حيث أرشد النبي صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير إلى ذلك.

نوقش: بأن هذا الحديث ضعيف، لا ينهض للاحتجاج به، وعلى فرض صحته

(2)

فإن ذلك كان قبل نزول تحريم الربا، فإجلاء بني النضير كان على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وتحريم الربا كان في غزوة خيبر

(3)

.

الدليل الثاني: أن الأصل في العقود والشروط الصحة والإباحة، حتى يقوم الدليل على التحريم، ولا دليل يدل على عدم جواز إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل تعجيله لا من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس صحيح

(4)

.

(1)

رواه الدارقطني، كتاب البيوع، برقم 190، واللفظ له، والحاكم، كتاب البيوع، برقم 2325، والبيهقي، كتاب البيوع، باب من عجل له أدنى من حقه قبل محله، برقم 11467. والحديث ضعيف؛ فمداره على مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف؛ قال عنه البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال علي ابن المديني: ليس بشيء، وممن ضعفه أيضًا النسائي، وأبو داود، والدارقطني، والذهبي، والبيهقي. انظر: الضعفاء، للعقيلي 4/ 150، الضعفاء والمتروكون، للنسائي 1/ 228، سنن الدارقطني 3/ 46، تهذيب الكمال، للمزي 27/ 514، ميزان الاعتدال، للذهبي 4/ 102 - 103، التلخيص، للذهبي مطبوع مع المستدرك 2/ 52، مجمع الزوائد، للهيثمي 4/ 234.

(2)

انظر: المستدرك، للحاكم 2/ 52، إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 13.

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي 13/ 126، الاستذكار، لابن عبد البر 6/ 491.

(4)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ص 746 - 747.

ص: 153

يناقش: بالتسليم إن كان الإسقاط دون اتفاق مسبق، إما إن كان إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل تعجيله تم باتفاق مسبق بين المتعاقدين فإن في ذلك فتحًا لأبواب الربا، والشريعة جاءت بإغلاق أبواب الربا، والبعد عنه.

الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما "سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ عَلَى الرَّجُلِ إِلَى أَجَلٍ، فَيَقُولُ: عَجِّلْ لِي وَأَضَعُ عَنْكَ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ"

(1)

وجه الدلالة من الأثر: أن ابن عباس رضي الله عنهما أفتى بجواز إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل التعجيل، وأن ذلك ليس من الربا.

يناقش: بأنه في حجية قول الصحابي خلاف والراجح أنه لا حجة فيه

(2)

، وعلى فرض حجيته فقد خالفه من الصحابة ابن عمر

(3)

،

(1)

رواه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب البيوع، باب الرجل يضع من حقه ويتعجل، برقم 14360 - 14361. والأثر صحيح؛ فقد رواه عبد الرزاق عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس.

(2)

قال ابن بدران في مسألة حجية قول الصحابي: "والذي يظهر أنه الحق: أن مثل هذا ليس بحجة، فإن الله لم يبعث إلى هذه الأمة إلا نبيها صلى الله عليه وسلم، وليس لنا إلا رسول واحد، وكتاب واحد، وجميع الأمة مأمورة باتباع كتابه وسنة نبيه، ولا فرق بين الصحابة ومن بعدهم في ذلك، فمن قال: إنها تقوم الحجة في دين الله بغير كتاب الله وسنة نبيه وما يرجع إليهما فقد قال بما لا يثبت، وأثبت في هذه الشريعة الإسلامية ما لم يأمر الله به، وهذا أمر عظيم، وتقوّل بالغ؛ فإن الحكم لفرد أو أفراد من عباد الله بأن قوله أو أقوالهم حجة على المسلمين يجب عليهم العمل بها مما لا يدان الله عز وجل به، ولا يحل لمسلم الركون إليه، فإن هذا المقام لم يكن إلا لرسل الله لا لغيرهم، ولو بلغ في العلم والدين وعظم المنزلة أي مبلغ، ولا شك أن مقام الصحبة مقام عظيم، ولكن ذلك في الفضيلة، وارتفاع الدرجة، وعظمة الشأن، وهذا مسلم لا شك فيه، ولا تلازم بين هذا وبين جعل كل واحد منهم بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجية قوله، وإلزام الناس باتباعه، فإن ذلك مما لم يأذن الله به، ولا ثبت عنه فيه حرف واحد" المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 290. وانظر: المستصفى، للغزالي 1/ 400.

(3)

رواه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب البيوع، باب الرجل يضع من حقه ويتعجل، برقم 14354، 14359، والأثر صحيح فقد رواه عبد الرزاق عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال عبد الرحمن بن مطعم قال: سألت ابن عمر عن رجل لي عليه حق إلى أجل، فقلت: عجل لي وأضع لك، فنهاني عنه، وقال:«نهانا أمير المؤمنين أن نبيع العين بالدين» . وقدصححه ابن القيم في إغاثة اللهفان 2/ 12.

ص: 154

وزيد بن ثابت

(1)

رضي الله عنهم فروي عنهما المنع من ذلك، ورأي الصحابي لا يكون حجة إذا خالفه غيره من الصحابة

(2)

.

الدليل الرابع: أن الشارع يتشوف إلى براءة الذمم من الديون، وفي إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل تعجيله تحقيق لذلك من غير ضرر ولا مخالفة

(3)

.

الدليل الخامس: أن إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل تعجيله عكس الربا، فإن الربا يتضمن الزيادة في الدين في مقابلة تأجيله (زدني وأنظرك) وهذا يتضمن براءة ذمة المدين من بعض العوض في مقابلة سقوط الأجل

(4)

.

الدليل السادس: أن الدائن، والمدين يملكان فسخ العقد الذي تم بثمن مؤجل، وجعل العوض حالاً أنقص مما كان، وهذا هو حقيقة الوضع والتعجيل، فإذا منعا منه تحيلا عليه بذلك، والعبرة في العقود بمقاصدها لا بصورها، فإذا كان في الوضع والتعجيل مفسدة، فالاحتيال عليه لا يزيل مفسدته، وإن لم يكن فيه مفسدة لم يحتج إلى الاحتيال

(5)

.

(1)

رواه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب البيوع، باب الرجل يضع من حقه ويتعجل، برقم 14355. والأثر صحيح؛ فقد رواه عبد الرزاق عن الثوري عن ابن ذكوان عن بسر بن سعيد، عن أبي صالح، مولى السفاح قال: بعت بزا إلى أجل، فعرض علي أصحابي أن يعجلوا لي، وأضع عنهم، فسألت زيد بن ثابت عن ذلك فقال: «لا تأكله، ولا تؤكله» "قال يحيى بن سعيد: رأيت في كتاب عندي عتيق لسفيان الثوري: حدثني عبد الله بن ذكوان: أبو الزناد، قال: حدثني بسر بن سعيد، قال: حدثني أبوصالح مولى السفاح حديث زيد" التاريخ الكبير، لابن أبي خيثمة 2/ 170.

(2)

انظر: روضة الناظر، لا بن قدامة 2/ 525، شرح مختصر الروضة، للطوفي 3/ 185.

(3)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ص 746، إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 13.

(4)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ص 746 - 747، إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 13.

(5)

انظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 14.

ص: 155

يناقش: بأن تحايل الناس ليس مبررًا لتغيير الأحكام، بل تبقى المسألة على حكمها ويمنع التحايل عليها.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أنه قال: "أَسْلَفْتُ رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ، ثُمَّ خَرَجَ سَهْمِي فِي بَعَثٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: عَجِّلْ لِي تِسْعِينَ دِينَارًا وَأَحُطُّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «أَكَلْتَ رِبًا يَا مِقْدَادُ، وَأَطْعَمْتَهُ» "

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث دلالة على تحريم إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل تعجيله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه ربا، والربا محرم.

يناقش: بأن هذا الحديث ضعيف، لا ينهض للاحتجاج به.

الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الشِّغَارِ

وعَن بيع عاجل بآجل .... وَالْعَاجِلُ بِالآجِلِ: أَنْ يَكُونَ لَكَ عَلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَيَقُولُ رَجُلٌ: أُعَجِّلُ لك خمسمِئَة وَدَعِ الْبَقِيَّةَ"

(2)

.

(1)

رواه البيهقي، السنن الكبرى 6/ 28، كتاب البيوع، باب لا خير في أن يعجله بشرط أن يضع عنه. والحديث ضعيف، ففي إسناده يحيى بن يعلى الأسلمي الكوفي، وهو ضعيف قال عنه البخاري:"مضطرب الحديث"، وقال عنه ابن معين:"ليس بشيء". انظر: تهذيب الكمال، للمزي 32/ 50، ميزان الاعتدال، للذهبي 4/ 415، الجرح والتعديل، لأبي حاتم 9/ 169، السنن الكبرى، للبيهقي 6/ 28، إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 12، تقريب التهذيب، لابن حجر ص 1070.

(2)

رواه البزار في مسنده 12/ 297، برقم 6132. والحديث منكر؛ فهو من رواية موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار، وموسى ضعيف عند أئمة أهل الشأن وأحاديثه عن عبد الله منكرة، قال عنه يحيى بن معين: "روى عن عبد الله بن دينار أحاديث مناكير"، وقال أحمد بن حنبل: "لا يكتب حديث موسى بن عبيدة، ولم أخرج عنه شيئا، وحديثه منكر"، وقال: "لا تحل عندي الرواية عن موسى بن عبيدة" انظر: تهذيب الكمال، للمزي 29/ 104.

ص: 156

وجه الدلالة من الحديث: أن الحديث دلَّ على النهي عن بيع آجل بعاجل وهو إسقاط بعض الدين مقابل تعجيل باقيه.

يناقش: بأن هذا الحديث ضعيف، لا ينهض للاحتجاج به.

الدليل الثالث: أنه جاء عن ابن عمر

(1)

، وزيد بن ثابت

(2)

النهي عن إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل تعجيله، فدل ذلك على تحريمه

(3)

.

يناقش: بأنه لا حجة في قول الصحابي، وعلى التسليم بحجيته فإنه معارض بما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما

(4)

من القول بجواز إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل تعجيله، وأنه ليس من الربا، ورأي الصحابي لا يكون حجة إذا خالف غيره من الصحابة

(5)

.

الدليل الرابع: أن إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل تعجيله، يؤدي إلى قرض جر نفعاً، وبيانه: أن من عجل شيئاً قبل وجوبه، وهو المدين هنا، يعد مقرضاً لما عجله، فقد أقرض الآن ثمانية، ليقتضي من نفسه عشرة عند حلول الأجل، فلا يجوز

(6)

.

نوقش: بعدم التسليم بأن إسقاط بعض الدين مقابل تعجيله يعد قرضاً، فالقرض عقد إرفاق بالمقترض، وهنا المرتفق هو المقرض فقد تعجل ما عليه مقابل سقوط بعض الدين عن ذمته، فالإرفاق في جانبه أظهر منه في جانب

(1)

سبق تخريجه

(2)

سبق تخريجه

(3)

انظر: المدونة، للإمام مالك 3/ 172، المنتقى، للباجي 5/ 65.

(4)

سبق تخريجه

(5)

انظر: المستصفى، للغزالي 1/ 400، الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي 4/ 155.

(6)

انظر: حاشية الصاوي 3/ 410، الفواكه الدواني، للنفراوي 2/ 91، كفاية الطالب، لعلي المالكي 2/ 213.

ص: 157

الدائن المتعجل بعض حقه، وأيضا فإن مقصود الدائن هنا استيفاء ماله

(1)

.

الدليل الخامس: قياس إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل تعجيله على الزيادة في الدين الحال مقابل تأجيله بجامع الاعتياض عن الأجل في كليهما، فزد وتأجل لما زاد له في الأجل وأخره، زاد له مقابله في الدين، وفي إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل تعجيله لما وضع له من الأجل المستحق بالعقد، وضع له في مقابله من الدين، فتبين أن إسقاط بعض الدين مقابل تعجيله ربا، ولا يجوز

(2)

.

نوقش من وجهين:

الوجه الأول: بأن الاعتياض عن الأجل لا يصح إذا كان مؤديا إلى الربا، وأما إن لم يكن كذلك فليس هناك ما يدل على التحريم، والأصل في المعاملات الحل، وقد قام الدليل على جواز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، وما ذلك إلا لأجل تأجيله

(3)

الوجه الثاني: بأن قياس إسقاط بعض الدين مقابل تعجيله على الزيادة على الدين الحال مقابل زيادة الأجل، وأن هذا ربا قياس مع الفارق، وذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن الربا هو الزيادة، وهي منتفية في الوضع مع التعجيل؛ لأنه نقص لا زيادة، فانتفى معنى الربا لغة، وشرعاً

(4)

.

(1)

انظر: تفسير آيات أشكلت، لابن تيمية 2/ 664.

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي 13/ 126، البيان والتحصيل، لابن رشد 9/ 133، الحاوي، للماوردي 18/ 233، المغني، لابن قدامة 4/ 53

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي 13/ 8، حاشية الدسوقي 3/ 58، مغني المحتاج، للشربيني 2/ 479، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 499

(4)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ص 746، الشرح الممتع، للعثيمين 9/ 233

ص: 158

الوجه الثاني: أن إسقاط بعض الدين المؤجل مقابل تعجيله عكس الربا، فإن الربا يتضمن الزيادة في الدين، والزيادة في الأجل، وضع وتعجل تتضمن النقص من الدين، والنقص من الأجل، والربا إضرار محض بالمدين، ونفعه مختص برب الدين، وضع وتعجل تتضمن براءة ذمة المدين، وانتفاع الدائن بما يتعجله، فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر بالآخر

(1)

.

الوجه الثالث: أن العوض عن الأجل في ضع وتعجل ساقط من ذمة المدين، والعوض عن الأجل في زد وتأجل واجب في ذمة المدين

(2)

.

أدلة القول الثالث:

الدليل الأول: أن المكاتب لا يجري بينه، وبين سيده ربا فجاز إسقاط بعض دينه مقابل التعجيل في باقي دينه

(3)

.

نوقش: بعدم التسليم بأن المكاتب لا يجري بينه وبين سيده ربا، فالمكاتب مع سيده أجنبي في باب المعاملات، وإسقاط بعض دين المكاتب مقابل تعجيله جائز لانتفاء حقيقة الربا في هذه المعاملة، وسائر الديون كدين المكاتب

(4)

.

الدليل الثاني: أن معنى الإرفاق فيما بين المكاتب وسيده، أظهر من معنى المعاوضة، فلا يكون هذا مقابلة الأجل ببعض المال، ولكنه إرفاق من السيد بإسقاط بعض دين مكاتبه

(5)

.

(1)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ص 746، إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 13.

(2)

تفسير آيات أشكلت، لابن تيمية 2/ 637.

(3)

المبسوط، للسرخسي 13/ 126، المغني، لابن قدامة 4/ 53، مطالب أولي النهى، للرحيباني 3/ 336.

(4)

إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 13 - 14.

(5)

تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 43.

ص: 159

نوقش: بأن معنى الإرفاق متحقق في دين الكتابة، وغيره من الديون، فهو إرفاق من الدائن بإسقاط بعض حقه، وإرفاق من المدين بتعجيل أجل الوفاء ليبرئ ذمته

(1)

.

دليل القول الرابع: بأنه إن كان الساقط من الدين جزء من ربحه مقابل الأجل بقسطه فلا وجود لشبهة الربا؛ ووجه أن الربح في مقابلة الأجل، لأن الأجل وإن لم يكن مالا، ولا يقابله شيء من الثمن لكن اعتبروه مالًا في المرابحة إذا ذكر الأجل بمقابلة زيادة الثمن، فلو أخذ كل الثمن قبل الحلول كان أخذه بلا عوض

(2)

.

الترجيح: بعد عرض الأقوال الواردة في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، يتبين لي والله أعلم أن القول الراجح هو القول الأول، القائل بجواز إسقاط بعض الدين المؤجل بشرط تعجيل الأجل؛ وذلك لأن الأصل في العقود والشروط الحل والإباحة، فلا نخرج عن هذا اليقين إلا بيقين، ولم يوجد في أدلة المانعين ما يقوى على المنع، إلا إذا كان هناك اتفاق مسبق وزِيدَ في الثمن والأجل على الثمن والأجل المعتاد للسلعة فإنه محرم؛ لأنه تحايل على الربا، فقد يكون للسلعة ثمن مؤجل فيتفق المتعاقدان على الزيادة على هذا الأجل، مقابل الزيادة في الثمن، وأنه متى تم الوفاء في الأجل الأول المعتاد فإنه تسقط الزيادة كاملة، وإذا تأخر تبقى عليه من الزيادة بقدر ما بقى عليه من الأجل، وهذا تحايل على الربا، أما إن لم تكن هناك زيادة على الثمن المؤجل المعتاد واتفق المتعاقدان على إنه إن عجل المدين الوفاء وضع عنه الدائن ما يقابل الأجل من الربح فإن هذا جائز، وفيه مصلحة للطرفين.

(1)

إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 13 - 14.

(2)

انظر: حاشية ابن عابدين 6/ 757.

ص: 160

‌الفصل السابع

في تغير الأجل بإسقاط الأقساط الأخيرة

وفيه ثلاثة مباحث، هي:

المبحث الأول: حكم بيع الأقساط.

المبحث الثاني: حكم إسقاط الأقساط الأخيرة مقابل انتظام المدين بالتسديد دون شرط.

المبحث الثالث: حكم إسقاط الأقساط الأخيرة بشرط انتظام المدين بالتسديد.

ص: 161

‌المبحث الأول

حكم بيع الأقساط

وفيه مطلبان، هما:

‌المطلب الأول: حكم مساواة الثمن المؤجل للثمن الحال في بيع الأقساط.

المطلب الثاني: حكم زيادة الثمن المؤجل عن الثمن الحال في بيع الأقساط.

المطلب الأول:

حكم مساواة الثمن المؤجل للثمن الحال في بيع الأقساط.

الأقساط لغة: جمع قسط والقسط: الحصة والنصيب، يقال: أخذ كل واحد من الشركاء قسطه أي حصته ونصيبه

(1)

.

والأقساط اصطلاحًا: "عقد على مبيع حال، بثمن مؤجل، يؤدى مفرقًا على أجزاء معلومة، في أوقات معلومة"

(2)

.

ومصطلح بيع الأقساط حادث؛ فالفقهاء المتقدمون تكلموا عن بيع الأقساط عند كلامهم عن البيع المؤجل الثمن، ولكنهم لم يسموه ببيع الأقساط

(3)

.

(1)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 11/ 159، معحم مقاييس اللغة، لابن فارس 5/ 85، تاج اللغة، للجوهري 3/ 1152، تاج العروس، للزبيدي 20/ 25، القاموس المحيط، للفيروز أبادي 1/ 920.

(2)

بيع التقسيط وأحكامه، لسليمان التركي ص 34

(3)

انظر: فتح القدير، لابن الهمام 6/ 508، التاج والإكليل، للمواق 6/ 187، الحاوي، للماوردي 7/ 255، المغني، لابن قدامة 5/ 257.

ص: 163

وقد أجمع العلماء على جواز مساواة الثمن المؤجل للثمن الحال في بيع الأقساط

(1)

، واستدلوا على ذلك بالأدلة التالية:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}

(2)

.

وجه الدلالة من الآية: أن الآية دلَّت على جواز التأجيل في الوفاء بالدين إلى أجل مسمى، والدين "كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً، والآخر في الذمة نسيئة"

(3)

، والبيع إلى أجل إما أن يكون بنفس الثمن الحال فهذا هو المراد، وإما أن يكون بثمن أكثر، فجوازه بالثمن الحال من باب أولى

(4)

.

الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ"

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في شراء النبي صلى الله عليه وسلم الطعام من اليهودي إلى أجل دلالة على جواز مساواة الثمن المؤجل للثمن الحال في البيع إلى أجل؛ وذلك أن هذا الشراء إما أن يكون بنفس الثمن الحال فهذا هو المراد، وإما أن يكون بثمن أكثر، فجوازه بالثمن الحال من باب أولى

(6)

.

الدليل الثالث: أن العلماء أجمعوا على جواز مساواة الثمن المؤجل للثمن الحال في البيع إلى أجل، قال ابن المنذر:"وأجمعوا على أن من باع معلومًا من السلع بمعلوم من الثمن إلى أجل معلوم من شهور العرب أنه جائز"

(7)

، وقال

(1)

انظر: مراتب الإجماع، لابن حزم ص 152، الإجماع، لابن المنذر ص 134

(2)

سورة البقرة، جزء من آية 282.

(3)

أحكام القرآن، لابن العربي 1/ 247.

(4)

انظر: بيع التقسيط وأحكامه، لسليمان التركي ص 209.

(5)

رواه البخاري، كتاب الرهن، باب من رهن درعه، برقم 2509، واللفظ له، ومسلم، كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر، برقم 1603

(6)

انظر: بيع التقسيط وأحكامه، لسليمان التركي ص 209.

(7)

الإجماع، لابن المنذر ص 134.

ص: 164

ابن حزم: "واتفقوا أن الابتياع بدنانير أو دراهم حال أو في الذمة غير مقبوضة أو بهما إلى أجل محدود بالايام أو بالأهلة أو الساعات أو الأعوام القمرية جائز"

(1)

وإذا جاز تأجيل الثمن إلى أجل واحد، فكذلك يجوز تأجيله إلى آجال متعددة

(2)

.

‌المطلب الثاني:

حكم زيادة الثمن المؤجل عن الثمن الحال في بيع الأقساط.

اتفق الفقهاء من الحنفية

(3)

، والمالكية

(4)

، والشافعية

(5)

، والحنابلة

(6)

، ونُقل الإجماع

(7)

على جواز زيادة الثمن المؤجل عن الثمن الحال في بيع الأقساط، واستدلوا على ذلك بالأدلة التالية:

(1)

مراتب الإجماع، لابن حزم ص 85.

(2)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 30/ 32.

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي 13/ 8، المحيط البرهاني، لابن مازه 7/ 45، بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 224

(4)

انظر: حاشية الدسوقي 3/ 58، التاج والإكليل، للمواق 6/ 228، البيان والتحصيل، لابن رشد 8/ 174

(5)

انظر: تكملة المجموع، للمطيعي 12/ 65، مغني المحتاج، للشربيني 2/ 479، حاشية البجيرمي 3/ 182

(6)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 202، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 110، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 338، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 499

(7)

انظر: معالم السنن، للخطابي 3/ 106، مجموع الفتاوى 29/ 499. وقد نسب الشوكاني رحمه الله القول بتحريم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء إلى زين العابدين بن علي بن الحسين، والناصر، والمنصور بالله، والهادوية، والإمام يحيى، وقال به من المعاصرين الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، والشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق. انظر: نيل الأوطار، للشوكاني/ 45، سلسلة الأحاديث الصحيحة، للألباني 5/ 426، والقول الفصل في بيع الأجل، لعبد الرحمن بن عبد الخالق ص 43. ولشذوذ هذا القول من الناحية العلمية والعملية لم أقم بعرضه ومناقشته.

ص: 165

الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}

(1)

وجه الدلالة من الآية: أن الآية دلَّت على جواز جميع أنواع البيوع، إلا ما قام الدليل على تحريمه، وبيع السلعة إلى أجل بثمن أكثر من ثمنها الحال نوع من أنواع البيوع، ولا يوجد أي دليل يحرمه

(2)

.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

(3)

وجه الدلالة من الآية: أن بيع السلعة إلى أجل بثمن أكثر من ثمنها الحال من التجارة التي حصلت عن تراضي بين الطرفين، ولا يوجد دليل يحرمها

(4)

.

الدليل الثالث: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "جَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَيْشًا عَلَى إِبِلٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، حَتَّى نَفِدَتْ، وَبَقِيَ نَاسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اشْتَرِ لَنَا إِبِلًا بقَلَائِصَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِذَا جَاءَتْ، حَتَّى نُؤَدِّيَهَا إِلَيْهِمْ»، فَاشْتَرَيْتُ الْبَعِيرَ بِالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثِ قَلَائِصَ، حَتَّى فَرَغْتُ، فَأَدَّى ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ"

(5)

(1)

سورة البقرة، آية 275

(2)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 499، تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص 117، أحكام من القرآن الكريم، للعثيمين، ص 343، فتاوى ابن باز 19/ 105

(3)

سورة النساء، جزء من الآية 29.

(4)

انظر: الإمام زيد، لمحمد أبو زهرة، ص 294، حكم بيع التقسيط، لمحمد عقلة الإيراهيم، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الكويت، العدد السابع، شعبان 1407 هـ ص 176.

(5)

رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في الرخصة في الحيوان بالحيوان نسيئة، برقم 3359، وأحمد، مسند الإمام أحمد 11/ 164، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، برقم 6593، واللفظ له، والدارقطني، كتاب البيوع، برقم 262، والحاكم، المستدرك على الصحيحين 2/ 57، كتاب البيوع، برقم 2340. والحديث ضعيف؛ فقد جاء من طريقين: الطريق لأول: عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمر بن حريش عن عمرو بن العاص؛ وعمرو بن حريش وأبو سفيان ومسلم بن جبير مجهولون، وفيه محمد بن إسحاق وقد عنعن وفيه خلاف والراجح أنه ضعيف موصوف بالتدليس. الطريق الثاني: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد سبق الكلام عن هذه السلسلة وبيان ضعفها. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 24/ 423، ميزان الاعتدال، للذهبي 3/ 252، 4/ 102، تقريب التهذيب، لابن حجر ص 733، 937.

ص: 166

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث دلالة على جواز أن يكون الثمن المؤجل في بيع الأقساط أكثر من الثمن الحال من وجهين:

الوجه الأول: أن ثمن البعير بعير مثله، فلما أجل صار البعير بالبعيرين والثلاثة، وذلك من أجل التأجيل، فدل على جواز الزيادة في الثمن من أجل التأجيل

(1)

.

الوجه الثاني: أنه إذا جاز بيع غير الربوي بجنسه إلى أجل بزيادة، كما في بيع البعير إلى أجل بالبعيرين والثلاثة، فمن باب أولى أن يجوز إذا كان بغير جنسه كما هو الغالب في بيع التقسيط

(2)

.

الدليل الرابع: أن البيع إلى أجل بزيادة الثمن من جنس بيع السلم، فالبائع يبيع بثمن حاضر أقل من الثمن الذي يباع به في وقت السلم فيكون المسلم فيه مؤجلاً والثمن معجلاً، عكس مسألة البيع إلى أجل بزيادة الثمن، والزيادة في السلم مثل الزيادة في البيع إلى أجل، فسببها في السلم تأخير تسليم المبيع، وفي البيع إلى أجل تأخير تسليم الثمن

(3)

.

الدليل الخامس: أن حاجة الناس داعية إلى هذا النوع من البيوع، كحاجتهم للسلم أو أشد، فإنه ليس كل من احتاج إلى شراء سلعة ملك ثمنها حالاً، فيحتاج إلى من يبيعه إلى أجل، والبائع لا يرضى أن يبيع إلى أجل بمثل الثمن

(1)

انظر: بيع التقسيط، للإبراهيم ص 176، بيع التقسيط وأحكامه، للتركي ص 215.

(2)

انظر: بيع التقسيط وأحكامه، للتركي ص 215.

(3)

انظر: بيع التقسيط، للإبراهيم ص 178.

ص: 167

الحال، وفي القول بجواز زيادة الثمن المؤجل تتحقق مصلحة البائع والمشتري، فالمشتري تسد حاجته، والبائع يندفع عنه الضرر

(1)

.

الدليل السادس: أن في بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، يشترط التماثل والتقابض

(2)

، ويحرم ربا الفضل والنساء، أما في بيع الذهب بالفضة، فيشترط التقابض فقط ويجوز التفاضل، وأما في بيع الذهب بالبر، أو الفضة بالملح، فلا يشترط تماثل ولا تقابض، فيجوز الفضل لاختلاف الصنفين، والفضل لاختلاف الزمنين، أي لأجل النساء، ولو لم يجز الفضل للنساء لحرم النساء

(3)

.

الدليل السابع: أن العلماء أجمعوا على جواز زيادة الثمن المؤجل عن الثمن الحال في البيع، قال الخطابي

(4)

بعد أن ذكر من قال أنه لا بأس أن يقول الرجل: هذا الثوب نقدا بعشرة، وإلى شهر بخمسة عشر، فيأخذ بأحدهما قبل المفارقة،:"إذا باته على أحد الأمرين في مجلس العقد فهو صحيح لا خلف فيه، وذكر ما سواه لغو لا اعتبار به"

(5)

، وسئل ابن تيمية رحمه الله عن رجل محتاج،

(1)

انظر: زاد المعاد، لابن القيم 5/ 813، فتاوى ابن باز 19/ 104، مجلة البحوث الإسلامية 7/ 52، بيع التقسيط، للتركي ص 222.

(2)

كما جاء في حديث عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا، برقم 1587.

(3)

انظر: بيع التقسيط، لرفيق المصري ص 49

(4)

هو حمد بن محمد بن إبراهيم البستي، أبو سليمان الخطابي، ولد سنة 319 هـ، فقيه محدث، إمام من أئمة المسلمين، من أشهر تآليفه:"معالم السنن" في شرح سنن أبي داود، توفي سنة 388 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 17/ 23، طبقات الشافعية، للسبكي 3/ 282.

(5)

معالم السنن، للخطابي 3/ 106.

ص: 168

أتى إلى تاجر عنده قماش، فقال: أعطني هذه القطعة، فقال التاجر: مشتراها بثلاثين، وما أبيعها إلا بخمسين إلى أجل، فهل يجوز ذلك، أم لا؟ فأجاب: المشتري على ثلاثة أنواع: أحدها: أن يكون مقصوده السلعة ينتفع بها للأكل، والشرب، واللبس، والركوب، وغير ذلك، والثاني: أن يكون مقصوده التجارة فيها، فهذان نوعان جائزان بالكتاب، والسنة، والإجماع"

(1)

.

وقد صدر بذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة، رقم (53/ 2/ 6)، حيث جاء فيه:

"تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً، وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد، أو التأجيل"

(2)

.

(1)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 499

(2)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، شعبان 1410 هـ 1/ 447.

ص: 169

‌المبحث الثاني:

حكم إسقاط الأقساط الأخيرة مقابل انتظام المدين بالتسديد دون شرط.

اتفق الفقهاء من الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

، والظاهرية

(5)

، على جواز إسقاط الأقساط الأخيرة دون شرط ولا مواطأة من الدائن والمدين؛ لأن الدائن محسن بذلك، ومتبرع ببذل حقه من غير عوض

(6)

.

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي 13/ 126، تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 42، بدائع الصنائع، للكاساني 6/ 45، أحكام القرآن للجصاص 2/ 187

(2)

انظر: المدونة، للإمام مالك 3/ 379، الفواكه لدواني، للنفراوي 2/ 90، حاشية العدوي 2/ 165

(3)

انظر: الحاوي، للماوردي 18/ 233، السنن الكبرى، للبيهقي 6/ 27، فتاوى السبكي 1/ 340

(4)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 316، الشرح الكبير، لابن قدامة 5/ 4، إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 12

(5)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 357.

(6)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 316، المحلى، لابن حزم 6/ 357.

ص: 170

‌المبحث الثالث:

حكم إسقاط الأقساط الأخيرة بشرط انتظام المدين بالتسديد

(1)

.

هذه المسألة شبيهة بمسألة ضع وتعجل فهي تتفق معها في وضع جزء من الدين، وتفترق عنها في أن المدين لم يعجل شيئاً، وإنما قام بالالتزام الواجب عليه بحكم العقد، وهذه المسألة مبنية على مسألتين؛ الأولى: مسألة ضع وتعجل وقد سبق الكلام عليها، والثانية مسألة تعليق البراءة بالشرط؛ لأن الدائن يبرئ ويسقط عن المدين آخر الأقساط بشرط انتظامه بالسداد، وقد اختلف الفقهاء في حكم تعليق البراءة بالشرط على قولين:

القول الأول: جواز تعليق البراءة بالشرط.

وهو مذهب المالكية

(2)

، وقول عند الشافعية

(3)

، ورواية عند الحنابلة

(4)

.

(1)

صورة المسألة: أن يبيع رجل لآخر سلعة إلى أجل بأقساط معلومة في أوقات معلومة، ويشترط الدائن على نفسه للمدين أنه إذا انتظم بتسديد الأقساط في وقتها أن يسقط عنه آخر قسط أو قسطين. أو أن يقرض رجل آخر قرضا إلى أجل بأقساط معلومة في أوقات معلومة، ويشترط الدائن على نفسه للمدين أنه إذا انتظم بتسديد الأقساط في وقتها أن يسقط عنه آخر قسط أو قسطين، هذا عند من يرى جواز تأجل القرض بالتأجيل، وجواز وفائه بالأقل. انظر: الكافي، لابن عبد البر 2/ 727 - 728، المنتقى، للباجي 5/ 96 - 97، منح الجليل، لعليش 5/ 43.

(2)

انظر: المدونة، للإمام مالك 3/ 397، الكافي، لابن عبد البر 2/ 880، تحرير الكلام في مسائل الإلتزام، للحطاب ص 230.

(3)

انظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي ص 212، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 215، تحفة المحتاج، للهيتمي 5/ 192، روضة الطالبين، للنووي 4/ 195.

(4)

انظر: المحرر، لمجد الدين ابن تيمية 1/ 501، الفروع، لابن مفلح 4/ 194، الإنصاف، للمرداوي 5/ 236.

ص: 171

القول الثاني: عدم جواز تعليق البراءة بالشرط.

وهو مذهب الحنفية

(1)

، والشافعية

(2)

، والحنابلة

(3)

، والظاهرية

(4)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: أن الأصل في الشروط والعقود الصحة واللزوم، مالم يقم دليل على منعها، ولا يوجد دليل يمنع من تعليق البراءة بالشرط

(5)

.

الدليل الثاني: أن الإبراء إسقاط محض، والإسقاط لا يفتقر إلى قبول المبرأ، ولا رضاه، فصح تعليقه بالشرط، كالعتق والطلاق

(6)

.

دليل القول الثاني: أن في الإبراء معنى التمليك، والأصل أن التمليك لا يقبل التعليق بالشرط، كالهبة

(7)

.

نوقش: بعدم التسليم بأن الإبراء فيه معنى التمليك، بل هو إسقاط محض، ولهذا لا يفتقر إلى قبول المبرأ، ولا رضاه، ولا يرتد بالرد فهو بالعتق والطلاق أشبه منه بالتمليك، وعلى فرض التسليم بأن الإبراء تمليك كالهبة، فإنه لا يسلم بأن الهبة لا تقبل التعليق على شرط، فلا نص، ولا إجماع يدل على بطلان تعليق الهبة بالشرط

(8)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 6/ 45، العناية، للبابرتي 7/ 197.

(2)

انظر: الحاوي، للماوردي 6/ 367، حاشية عميرة 2/ 385، الأشباه والنظائر، للسيوطي ص 212، الغاية والتقريب في الفقه الشافعي، لأبي شجاع ص 163.

(3)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 312، الفروع، لابن مفلح 4/ 194، الشرح الكبير، لابن قدامة 5/ 2، الإنصاف، للمرداوي 5/ 236، الآداب الشرعية، لابن مفلح 1/ 121.

(4)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 471.

(5)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 132.

(6)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ص 745 - 746، إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 16.

(7)

انظر: كشاف القناع، للبهوتي 3/ 391.

(8)

انظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 16 - 17.

ص: 172

الترجيح: بعد عرض القولين الواردين في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي والله أعلم أن القول الراجح هو القول الأول، القائل بجواز تعليق البراءة بالشرط؛ وذلك لأن الأصل في الشروط الصحة واللزوم ما لم يقم دليل يمنع، ولا دليل يمنع من تعليق البراءة بالشرط.

وبناء على ذلك يترجح جواز اشترط إسقاط الأقساط الأخيرة إذا انتظم المدين بالسداد؛ لأنه تبرع من الدائن للمدين، وتحفيز له على القيام بالتزامه بما تعهد به من تسديد الأقساط في مواعيدها المحددة، ولاشك أن في هذا الشرط مصلحة للدائن بالحصول على حقه من غير تأخير، ولا لجوء إلى المحاكم لإلزام المدين بالسداد، ومصلحة للمدين حيث إن هذا الشرط يحفزه على الوفاء، وإبراء ذمته من الدين، مع ما يحصل عليه من الحط من ذلك الدين اللازم له، لو لم ينتظم بالسداد

(1)

، إلا إن كان هناك اتفاق مسبق وزِيدَ على الثمن والأجل المعتاد فإنه لا يجوز؛ لأن هذا الشرط يتخذ حيلة إلى الربا، فيقول البائع للمشتري: إن سددت الثمن في أجله الحقيقي، حططت عنك آخر قسط، أو قسطين مثلاً، وإلا لزمتك جميع الأقساط، فتؤول المسألة إلى أنه إن لم يؤد في الأجل الحقيقي أخر له في الأجل وزاده في الثمن، وهذه حقيقة الربا المجمع على تحريمه

(2)

(1)

انظر: الشروط التعويضية، لعياد العنزي 2/ 658

(2)

انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع 2/ 191 - 192، الشروط التعويضية، للعنزي 2/ 659.

ص: 173

‌الفصل الثامن

في تغير الأجل باشتراط حلول بقية الأقساط عند التأخر في أداء بعضها

وفيه مبحثان، هما:

المبحث الأول: حكم اشتراط حلول بقية الأقساط إذا كان المتأخر معسراً عاجزاً.

المبحث الثاني: حكم اشتراط حلول بقية الأقساط إذا كان المتأخر موسراً ملياً.

ص: 175

‌المبحث الأول:

حكم اشتراط حلول بقية الأقساط إذا كان المتأخر معسراً عاجزاً.

أجمع العلماء على وجوب إنظار المدين المعسر إذا تأخر عن أداء دينه الحال، وعدم جواز مطالبته بالدين

(1)

، واستدلوا على ذلك بالأدلة التالية:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}

(2)

.

وجه الدلالة من الآية: أن الآية دلَّت على وجوب إنظار المدين المعسر، {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} خبر بمعنى الطلب، أي: فأخروه إلى ميسرته، والأصل في الأمر الوجوب، وإذا كان الإنظار واجبًا، فمطالبته حينئذ محرمة

(3)

.

الدليل الثاني: قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}

(4)

.

وجه الدلالة من الآية: أن الآية دلَّت على أن المعسر العاجز عن الأداء

(1)

انظر: فتح القدير، لابن الهمام 9/ 276، الفتاوى الهندية، للجنة علماء برئاسة نظام الدين البلخي 5/ 63، غمز عيون البصائر، للحموي 1/ 448، شرح مختصر خليل، للخرشي 6/ 30، الفروق، للقرافي 2/ 10، منح الجليل، لعليش 6/ 54، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 186، مغني المحتاج، للشربيني 3/ 15، طرح التثريب، للعراقي 2/ 163، الزواجر، للهيتمي 1/ 375، المغني، لابن قدامة 4/ 290، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 158، مطالب أولي النهى، للرحيباني 3/ 371، المحلى، لابن حزم 8/ 247.

(2)

سورة البقرة، جزء من الآية 280.

(3)

انظر: شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 171 - 172.

(4)

سورة الطلاق، جزء من الآية 7.

ص: 177

لا يكلف بما لا يقدر عليه، وإذا لم يكن مكلفًا بالأداء حال عسرته، فيجب إنظاره حتى يقدر على الأداء

(1)

.

الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل المطل ظلمًا إلا بالغنى، فإذا كان معسراً، فهو ليس ممن عليه سبيل إلا أن يوسر

(3)

.

الدليل الرابع: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: "أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ»، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِهِ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» "

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» دلالة على تحريم مطالبة المعسر العاجز عن الوفاء بما بقى من دينه بعد أخذ ماله الموجود، ووجوب إنظاره حتى يقدر على الوفاء

(5)

.

الدليل الخامس: إجماع العلماء على وجوب إنظار المدين المعسر، العاجز عن الوفاء إلى وقت يتيسر له الأداء فيه. قال ابن رشد الحفيد

(6)

: "وأما المفلس

(1)

المحلى، لابن حزم 9/ 261، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 28/ 74

(2)

سبق تخريجه

(3)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 206، المنثور في القواعد، للزركشي 1/ 103، شرح ميارة 2/ 233.

(4)

رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين، برقم 1556.

(5)

انظر: حاشية السندي على النسائي 7/ 265، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 158، مطالب أولي النهى، للرحيباني 3/ 372.

(6)

هو محمد بن أحمد بن رشد، أبو الوليد المالكي، ولد سنة 520 هـ، عني بالفلسفة وبمنطق أرسطو، كان متواضعا، منخفض الجناح، قيل عنه: إنه ما ترك الاشتغال مذ عقل سوى ليلتين: ليلة موت أبيه، وليلة عرسه. أبرز مصنفاته:"بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، توفي سنة 595 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 21/ 307، الأعلام، للزركلي 5/ 318.

ص: 178

الذي لا مال له أصلاً، فإن فقهاء الأمصار مجمعون على أن العدم له تأثير في إسقاط الدين إلى وقت ميسرته"

(1)

، وقال القرافي:"أجمعت الأمة على أن صاحب الدين على المعسر مخير بين النظرة والإبراء وأن الإبراء أفضل في حقه وأحدهما واجب حتما وهو ترك المطالبة والإبراء ليس بواجب"

(2)

، وقال ابن تيمية:"المعسر يجب إنظاره، ولا يجوز الزيادة عليه بمعاملة ولا غيرها بإجماع المسلمين"

(3)

.

فضلًا عن الأدلة الكثيرة التي تحث صاحب الدين على التجاوز عن المعسر، منها: عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، قَالُوا: تَذَكَّرْ، قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ، وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ: قَالَ اللهُ عز وجل: تَجَوَّزُوا عَنْهُ»

(4)

، وعن عبد الله بن أبي قتادة رضي الله عنه:" أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ» "

(5)

.

فإذا وجب إنظار المدين بسبب إعساره في دينه الحال، فمن باب أولى أن يبقى دينه المؤجل إلى أجله، وألا يسقط هذا الأجل بسبب الإعسار؛ لأنه إذا كان سبب التأخير هو العجز عن أداء القسط الحال فكيف يمكن إلزامه بأداء بقية الأقساط

(6)

؟!

(1)

انظر: بداية المجتهد، لابن رشد 2/ 293

(2)

انظر: الفروق، للقرافي 2/ 10

(3)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 28/ 74

(4)

رواه البخاري، كتاب الاستقراض، باب حسن التقاضي، برقم 2391، ومسلم، كتاب المساقاة، باب فضل إنظار المعسر، برقم 1560، واللفظ له.

(5)

رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب فضل إنظار المعسر، برقم 1563.

(6)

انظر: بيع التقسيط وأحكامه، للتركي ص 342

ص: 179

‌المبحث الثاني:

حكم اشتراط حلول بقية الأقساط إذا كان المتأخر موسراً ملياً.

اختلف الفقهاء في حكم اشتراط حلول بقية الأقساط إذا كان المتأخر موسراً ملياً، على قولين:

القول الأول: جواز هذا الشرط.

وهو قول لبعض الحنفية

(1)

، وبعض الحنابلة

(2)

، واختيار بعض الفقهاء المعاصرين

(3)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 6/ 45، درر الحكام، لعلي حيدر 1/ 85. جاء في بدائع الصنائع:" لو جعل المال نجوماً بكفيل، أو بغير كفيل، وشرط أنه إن لم يوفه كل نجم عند محله، فالمال حال عليه، فهو جائز على ما شرط؛ لأنه جعل الإخلال بنجم شرطاً لحلول كل المال عليه، وأنه صحيح " 6/ 45، وجاء في درر الحكام، لعلي حيدر:" إذا اشترط الدائن في الدين المقسط، بأنه إذا لم يدفع المدين الأقساط في أوقاتها المضروبة يصبح الدين معجلا، فيجب مراعاة الشرط، فإذا لم يف المدين بالشرط، ولم يدفع القسط الأول مثلا عند حلول أجله، يصبح الدين جميعه معجلاً" 1/ 85.

(2)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ص 795، قال ابن القيم:" إن خاف صاحب الحق أن لا يفي له من عليه - الدين- بأدائه عند كل نجم كما أجله، فالحيلة: أن يشترط عليه أنه إذا حل نجم ولم يرد قسطه فجميع المال عليه حال، فإن نجمه على هذا الشرط جاز، وتمكن من مطالبته به حالًا ومنجمًا عند من يرى لزوم تأجيل الحال ومن لا يراه، أما من لا يراه فظاهر، وأما من يراه، فإنه يجوز تأجيله لهذا الشرط " إعلام الموقعين ص 795.

(3)

منهم: الدكتور محمد تقي العثماني، كما في كتابه بحوث في قضايا فقهية معاصرة ص 36، والدكتور رفيق المصري، كما في كتابه بيع التقسيط ص 106، والدكتور محمد عثمان شبير، كما في بحثه صيانة المديونيات، ومعالجتها من التعثر في الفقه الإسلامي لشبير، ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 2/ 876، والدكتور عبد الستار أبوغدة، كما في كتابه البيع المؤجل ص 81، والدكتور سليمان التركي، كما في كتابه بيع التقسيط وأحكامه ص 342. وقد صدر بجواز شرط حلول بقية الأقساط إذا كان المتأخر موسراً ملياً قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة السادسة بشأن بيع التقسيط، ونصه: "يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها، ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد"، وفي قرار آخر: "يجوز اتفاق المتداينين على حلول الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه، ما لم يكن معسراً "، وصدر بجوازه أيضاً قرار المجلس الشرعي لهيئة معايير المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، فقد جاء في معيار المدين المماطل ما نصه: "يجوز اشتراط حلول الأقساط جميعها إذا تأخر المدين المماطل عن سداد قسط منها، والأولى أن لا يطبق هذا الشرط إلا بعد إشعار المدين، ومضى مدة مناسبة" مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس 1/ 448، العدد السابع 2/ 218، المعايير الشرعية ص 34.

ص: 180

القول الثاني: عدم جواز هذا الشرط.

وهو قول لبعض الفقهاء المعاصرين

(1)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: أن الأصل في العقود والشروط الإباحة والجواز ما لم يدل الدليل على المنع، فإذا تم التراضي بين المتعاقدين على اشتراط حلول بقية الأقساط بالتأخر عن سداد بعضها، فهو داخل فيما أمر الله بالوفاء به، ولا دليل على منعه، ولا يترتب عليه تحليل حرام، أو تحريم حلال

(2)

.

(1)

منهم: الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد العزيز آل شيخ، والشيخ بكر أبو زيد، والشيخ عبد الله الغديان، والشيخ صالح الفوزان، كما في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/ 182. وانظر: البيع المؤجل، لعبد الستار أبوغدة ص 81، الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 196.

(2)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 132.

ص: 181

الدليل الثاني: أن التأجيل حق للمدين، وله أن يتنازل عنه متى شاء؛ لأنه موضوع لمصلحته، وله أن يعلق تنازله عن التأجيل بعجزه عن الوفاء أو تأخيره الأقساط

(1)

.

الدليل الثالث: أن الدائن رضي بتأجيل الوفاء بالدين بشرط الالتزام بسداد أقساط الدين، وعدم المماطلة في دفعها، فإذا ماطل المدين بطل شرط التأجيل، وحل باقي الأقساط

(2)

.

الدليل الرابع: أن في هذا الشرط مصلحة للمتعاقدين، فالدائن يطمئن على ماله، والمدين لا يتأخر بوفاء ما عليه لئلا تحل بقية الأقساط، ولا مانع منه فيصح، ويلزم الوفاء به

(3)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن اشتراط حلول الأقساط عند التأخر في أداء بعضها، شرط ينافي مقتضى العقد، وهو بقاء الدين المؤجل إلى أجله، فيكون باطلاً

(4)

.

نوقش: بأن المحذور أن ينافي الشرط مقصود العقد لا مقتضى العقد، فلو كان للعقد مقصود يراد في جميع صوره، وشُرط في العقد ما ينافي ذلك المقصود، فقد جمع فيه بين المتناقضين بين إثبات المقصود وبين نفيه، فلا يحصل به شيء، وذلك مثل أن يشترط الطلاق في النكاح، أو الفسخ في

(1)

انظر: البيع المؤجل، لعبد الستار أبوغدة ص 82، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 2/ 876.

(2)

انظر: المماطلة في الديون، للدخيل ص 306.

(3)

انظر: الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 196، البيع المؤجل، لعبد الستار أبوغدة ص 82، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 2/ 876.

(4)

انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/ 182.

ص: 182

العقد

(1)

، واشتراط حلول الأقساط عند التأخر في أداء بعضها، لا ينافي المقصود من العقد، فيصح

(2)

.

الدليل الثاني: أن زيادة الثمن مقابل لزيادة الأجل في الغالب، فإذا اتفق المتعاقدان على حلول الأقساط عند عدم أداء بعضها كان الدائن آخذاً للزيادة دون مقابل، والزيادة دون مقابل ربا

(3)

.

نوقش: بأن هذه المنفعة لا تجوز المعاوضة عنها؛ لأن الثمن استقر في ذمة المدين منذ انعقاد العقد، وله أن يؤديه متى شاء

(4)

.

الدليل الثالث: أن زيادة الثمن مقابل لزيادة الأجل، واشتراط حلول الأقساط عند التأخر في أداء بعضها من غير مراعاة إسقاط ما يقابل الأجل من الزيادة في الثمن من أكل المال بالباطل

(5)

.

نوقش: بأن ذلك ليس من أكل المال بالباطل؛ لأن المشتري قد رضي بهذا الشرط على نفسه فجاز؛ كالعربون، ولأنه لو وضعت هذه الزيادة لكان ذلك سبباً لمماطلة كثير من القادرين حتى يحصلوا على ذلك الوضع من الزيادة، فيفقد العقد بعض مقصوده، ولا تحصل الفائدة من الشرط

(6)

.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 137 - 138، القواعد النورانية، لابن تيمية ص 265.

(2)

انظر: الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 198.

(3)

انظر: البيع المؤجل، لعبد الستار أبوغدة ص 81، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 2/ 875.

(4)

انظر: البيع المؤجل، لعبد الستار أبوغدة ص 82، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 2/ 876.

(5)

انظر: الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 198، الزمن في الديون، للخثلان ص 30.

(6)

انظر: الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 198 - 199.

ص: 183

الترجيح: بعد عرض القولين الواردين في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، يتبين لي والله أعلم أن القول الراجح هو القول الأول، القائل بجواز اشتراط حلول بقية الأقساط إذا كان المتأخر موسراً ملياً بشرط ألا يكون له عذر في التأخير؛ لأن الأصل في الشروط الصحة، واللزوم ما لم يقم دليل يمنع من ذلك، ولما لم يقم دليل على منع هذا الشرط نبقى على الأصل.

ومع ترجيح جواز هذا الشرط فلا ينبغي العمل به حتى تتجاوز مدة التأخير ما اعتاد التساهل فيه كل من الدائن والمدين

(1)

.

(1)

انظر: نظرية الأجل في الالتزام، لعبد الناصر توفيق العطار ص 362، البيع المؤجل، لعبد الستار أبو غدة ص 82.

ص: 184

‌الفصل التاسع

في تغير الأجل بسبب الوفاة قبل حلول الدين

وفيه مبحثان، هما:

المبحث الأول: تغير الأجل بسبب وفاة الدائن وأثرها في حلول الدين.

المبحث الثاني: تغير الأجل بسبب وفاة المدين وأثرها في حلول الدين.

ص: 185

‌المبحث الأول:

تغير الأجل بسبب وفاة الدائن وأثرها في حلول الدين

(1)

أجمع العلماء على أن الدين المؤجل لا يحل بموت الدائن، بل يبقى إلى أجله

(2)

، واستدلوا على ذلك بالأدلة التالية:

الدليل الأول: أن الأجل حق المدين حيث شرع ترفيهًا عنه، وتوسعة له يتمكن فيه من تحصيل الدين، فلا اعتبار بحياة الدائن ولا بموته في حلول الأجل

(3)

.

الدليل الثاني: أن المدين التزم بالدين مؤجلاً، ولا يملك الدائن مطالبته

(1)

صورة المسألة: أن يتوفى رجل وله ديون على الناس إلى أجل، فإذا توفي هل يسقط أجل هذه الديون، وتصبح مستحقه لورثته؟

(2)

انظر: الإجماع، لابن المنذر ص 141، بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 213، الجوهرة النيرة، للعبادي 1/ 212، حاشية ابن عابدين 4/ 532، التاج والإكليل، للمواق 6/ 600، الفواكه الدواني، للنفراوي 2/ 241، حاشية العدوي 2/ 366، الأم، للشافعي 3/ 216، المنثور في القواعد، للزركشي 2/ 199، تكملة المجموع، للمطيعي 12/ 465، المغني، لابن قدامة 4/ 281، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 438. وخالف ابن حزم هذا الإجماع فقال رحمه الله:" وكل من مات وله ديون على الناس مؤجلة، أو للناس عليه ديون مؤجلة فكل ذلك سواء، وقد بطلت الآجال كلها، وصار كل ما عليه من دين حالا، وكل ما له من دين حالا سواء في ذلك كله القرض، والبيع، وغير ذلك" المحلى 6/ 358، ولشذوذ هذا القول من الناحية العلمية والعملية، لم أشأ أن أنصبه مقابل إجماع العلماء على عدم حلول ديون الميت التي له على الناس.

(3)

انظر: البحر الزخار، لأحمد المرتضى 4/ 396 بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 213.

ص: 187

بالدين قبل حلول الأجل في حال حياته، ومن باب أولى لا يملك الورثة هذا الحق؛ إذ أنهم يرثون ما كان يملكه مورثهم

(1)

.

الدليل الثالث: أن الدين محله ذمة المدين، وما دام المدين حياً فذمته صالحة لأن تشغل بالدين وحدها، وذمة المدين لا تتأثر بموت الدائن

(2)

.

الدليل الرابع: إجماع العلماء على أن الدين المؤجل لا يحل بموت الدائن، بل يبقى إلى أجله، قال ابن المنذر:" وأجمعوا على أن ديون الميت التي على الناس إلى أجل، لا تحل بموته، وهي إلى أجلها"

(3)

.

(1)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 282.

(2)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 213، حاشية العدوي 2/ 366، أحكام التركات، لمحمد أبو زهرة، ص 34.

(3)

الإجماع، لابن المنذر ص 141.

ص: 188

‌المبحث الثاني:

تغير الأجل بسبب وفاة المدين وأثرها في حلول الدين

(1)

.

اختلف الفقهاء في حكم حلول أجل الدين بسبب وفاة المدين، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الدين المؤجل لا يحل بموت المدين بشرط توثيقه برهن أو كفيل مليء، فإن تعذر التوثيق حل الدين.

وهو مذهب الحنابلة

(2)

، وقول عند المالكية

(3)

،

القول الثاني: أن الدين المؤجل يحل بوفاة المدين.

وهو مذهب الحنفية

(4)

، والمالكية

(5)

، والشافعية

(6)

، والظاهرية

(7)

، ورواية عند الحنابلة

(8)

.

(1)

صورة المسألة: أن يتوفى رجل وعليه ديون للناس إلى أجل، فإذا توفي يسقط أجل هذه الديون، ويأخذصاحب الدين حقه من التركة.

(2)

انظر: القواعد، لابن رجب ص 660، الإنصاف، للمرداوي 5/ 307، زاد المستقنع، للحجاوي، ص 120 هداية الراغب، لعثمان النجدي 3/ 15.

(3)

انظر: منح الجليل، لعليش 6/ 23 - 24.

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي 18/ 187، بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 213، الاختيار، للموصلي 4/ 43.

(5)

انظر: الذخيرة، للقرافي 5/ 266، التاج والإكليل، للمواق 6/ 600، كفاية الطالب، لأبي حسن المالكي 2/ 475، بداية المجتهد، لابن رشد 2/ 286

(6)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 216، الحاوي، للماوردي 6/ 322، تكملة المجموع، للمطيعي 12/ 465، الوسيط، للغزالي 4/ 21.

(7)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 358.

(8)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 281، القواعد، لابن رجب ص 660، الإنصاف، للمرداوي 5/ 307.

ص: 189

القول الثالث: عدم حلول الدين المؤجل بموت المدين مطلقاً، بل ينتقل إلى ذمة الورثة بموت مورثهم من غير توثيق والتزام من الورثة.

وهو قول عند المالكية

(1)

، ورواية عند الحنابلة

(2)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ»

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن حقوق الميت وأمواله تنتقل لورثته من بعده، والأجل حق الميت فيورث عنه كسائر حقوقه، وينتقل الدين إلى الورثة بالصفة التي كان عليها، وقد كان مؤجلاً فيبقى إلى أجله

(4)

.

(1)

انظر: شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 265، منح الجليل، لعليش 6/ 23، حاشية الدسوقي 3/ 266.

(2)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 281، الإنصاف، للمرداوي 5/ 307، المبدع، لابن مفلح 4/ 207، الفروع، لابن مفلح 4/ 307.

(3)

روى البخاري هذا الحديث بلفظ «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» ، في كتاب الفرائض، باب ميراث الأسير، برقم 6763. أما لفظة:"حقا" فهي لفظة غير ثابتة ولم ترد في شيء من كتب السنة، وقد جاء الحديث بهذه الزيادة في كثير من كتب الفقه، منها: العناية، للبابرتي 6/ 318، المبسوط، للسرخسي 26/ 157، بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 268، فتح العزيز، للرافعي 10/ 358، الشرح الكبير، لابن قدامة 4/ 503، شرح الزركشي 4/ 77، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 3/ 169، حاشية الروض المربع، لابن قاسم 5/ 178. قال ابن حجر عن الحديث بهذا اللفظ:"ولم أره كذلك" التلخيص الحبير 3/ 137، وقال عنه الشيخ عبد الله بن جبرين: "يَذكر الفقهاء هذا اللفظ لهذا الحديث للاستدلال بقوله: حقًا على بقاء الأجل بعد الموت

ولكني لم أقف على هذه اللفظة في شيء من طرق الحديث المسندة "تعليق الشيخ على شرح الزركشي 4/ 77.

(4)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 281، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 438، مطالب أولي النهى، للرحيباني 3/ 395.

ص: 190

نوقش: بأن زيادة لفظة (حقاً) ليست ثابتة

(1)

، والذي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ»

(2)

.

الوجه الثاني: بأنه يصح الاعتياض عن الأجل بالمال كما في زيادة الثمن مقابل تأجيل أدائه، فيورث الأجل عن الميت كما يورث المال

(3)

.

الدليل الثاني: أن الموت ما جعل مبطلاً للحقوق، وإنما هو ميقات للخلافة، وعلامة على الوراثة، فيبقى الدين المؤجل إلى أجله إذا وثق برهن أو كفيل مليء

(4)

.

الدليل الثالث: أن الأجل حق للميت، فقام ورثته مقامه كسائر حقوقه إذا وثقه برهن أو كفيل مليء، فإن لم يوثق بذلك حل؛ لأن الورثة قد لا يكونون أملياء ولم يرض بهم الغريم فيؤدي إلى فوات الحق

(5)

.

الدليل الرابع: أن الأجل يقابله في غالب الأحوال قسط من المال، فلا يجوز أن يقبض البائع الثمن ولا يقبض المشتري أو ورثته العوض عن هذا الثمن وهو الأجل

(6)

.

يناقش: بأنه يسقط من المال بقدر ما بقي من الأجل.

(1)

انظر: فتح القدير، لابن الهمام 6/ 319، شرح الزركشي 4/ 77. وانظر: تخريج الحديث.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

انظر: بيع التقسيط وأحكامه، للتركي ص 371.

(4)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 282.

(5)

انظر: كشاف القناع، للبهوتي 3/ 374، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 3/ 169، الحاوي، للماوردي 6/ 322.

(6)

انظر: فقه الإمام محمد بن سيرين في المعاملات، لأحمد بن موى السهلي 2/ 590.

ص: 191

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}

(1)

وجه الدلالة من الآية: أن الله تعالى لم يبح التوارث إلا بعد قضاء الدين، فلا يجوز للورثة قسمة التركة حتى تقضى جميع الديون التي على الميت، سواء الديون العاجلة والآجلة

(2)

، وفي تأخير قسمة التركة إلى حلول أجل الدين ضرر على الورثة، فيجب حلول أجل الدين لرفع الضرر عنهم.

نوقش: بأنه لا يلزم من كون قسمة التركة لا تكون إلا بعد قضاء الدين حلول الدين المؤجل؛ إذ أن للورثة تأخير القسمة إلى ما بعد حلول أجل الدين لو أرادوا ذلك، أما إن أرادوا القسمة قبل حلول الدين المؤجل فلابد من توثيق الدين برهن أو كفيل مليء ولا يحل ذلك الدين مع وجود الرهن والكفيل المليء

(3)

.

الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ إِلَى أَجْلٍ وَلَهُ دَيْنٌ إِلَى أَجْلٍ فَالَّذِي عَلَيْهِ حَالٌّ وَالَّذِي لَهُ إِلَى أَجَلِهِ»

(4)

(1)

سورة النساء، جزء من الآية 12.

(2)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 358، بداية المجتهد، لابن رشد 2/ 286

(3)

انظر: الزمن في الديون، للخثلان ص 32

(4)

رواه الدارقطني، كتاب الأقضية والأحكام وغير ذلك، باب الشفعة، برقم 98. والحديث ضعيف؛ ففيه جابر بن يزيد الجعفي متروك الحديث، وكذبه غير واحد من الأئمة، وفي السند عيسى بن مُحَمَّد، وَعمر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن، وَأَبُو مُحَمَّد بن الْحُسَيْن، كلهم مَجْهُولو الحال، وممن ضعَّف هذا الحديث عبد الحق الأشبيلي، وابن القطان والبيهقي. انظر: بيان الوهم والإيهام، لابن القطان 3/ 173 - 174، السنن الكبرى، للبيهقي 6/ 49، تهذيب الكمال، للمزي 4/ 465، ميزان الاعتدال، للذهبي 1/ 379.

ص: 192

وجه الدلالة من الحديث: أن في هذا الحديث نصًا على أنه إذا مات الرجل وعليه دين، أن الدين يحل بموته

(1)

.

يناقش: بأن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح هذا الحديث لكان نصاً في المسألة.

الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ»

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في إبقاء الدين إلى أجله إضرارًا بالميت؛ لأن نفس المؤمن معلقة بدينة

(3)

.

نوقش: بأن هذا الحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، وعلى فرض صحته

(4)

فإن الإضرار يمكن إزالته دون حلول أجل الدين، وذلك بتوثيق الدين برهن أو كفيل مليء، ويدل لهذا حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقَالَ:«هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟» ، قَالُوا: لَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ

(1)

انظر: المهذب، للشيرازي، مطبوع مع المجموع 12/ 464.

(2)

رواه الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه، برقم 1079، واللفظ له، وابن ماجة، سنن ابن ماجه 2/ 806، كتاب الصدقات، باب التشديد في الدين، برقم 2413، وأحمد، مسند الإمام أحمد 15/ 425، مسند أبي هريرة، برقم 9679، وابن حبان، كتاب الجنائز، ذكر العلة التي من أجلها كان لا يصلي النبي صلى الله عليه وسلم على من عليه دين إذا مات، برقم 3061، والحاكم المستدرك على الصحيحين 2/ 26، كتاب البيوع، برقم 2219. والحديث ضعيف؛ فالصواب أن مداره على عمر بن أبي سلمة، والراجح أنه ضعيف، وممن ضعَّفه شعبة وابن مهدي وابن معين وأبو حاتم وابن خزيمة والنسائي. انظر: العلل، للدارقطني 9/ 304، سنن الترمذي 3/ 381، الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم 6/ 117، تهذيب الكمال، للمزي 21/ 377، الضعفاء والمتروكون، لابن الجوزي 2/ 210.

(3)

انظر: المهذب، للشيرازي 12/ 464، المعني، لابن قدامة 4/ 282.

(4)

انظر: المستدرك، للحاكم 2/ 32، صحيح الجامع، للألباني 2/ 1147.

ص: 193

أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ:«هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟» ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:«صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» ، قَالَ: أَبُو قَتَادَةَ عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ"

(1)

، فقد ارتفع الضرر عن الميت بعد توثيق دينه بكفالة أبي قتادة رضي الله عنه ولم يتعين لإبراء ذمة الميت حلول الأجل

(2)

.

يجاب: بأن في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه دلالة على حلول الدين المؤجل؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن الدين الذي على الميت هل هو حال أو مؤجل؟ مما يدل على العموم، وكفالة أبي قتادة رضي الله عنه ليس فيها دلالة أنه أبقى الدين إلى أجله بل يدل على أنه سيوفي صاحب الحق حقه بعد الصلاة على الميت تعجيلًا لإبراء ذمته.

الدليل الرابع: إن الدين المؤجل كان متعلقاً بذمة المدين في حياته، أما بعد وفاته فلا يخلو هذا الدين: إما أن يبقى في ذمة الميت أو ينتقل إلى ذمم الورثة، أو يتعلق بعين المال المتروك، أما بقاؤه في ذمة الميت فلا يجوز لأن ذمته قد خربت بالموت وتعذرت مطالبته به، وأما انتقاله إلى ذمم الورثة فلا يجوز؛ لأنهم لم يلتزموا بالدين، ولم يرض الدائن بذممهم، فلم يبق إلا أن يتعلق الدين بالمال المتروك فيلزم الوفاء به حالاً

(3)

.

نوقش: بأن الدين ينتقل إلى ذمم الورثة إذا رضوا، والتزموا بأداء الدين وقت حلوله، وأما عدم رضا الغريم بذممهم فيغنيه عن ذلك توثيق الدين برهن أو كفيل مليء

(4)

.

(1)

رواه البخاري، كتاب الكفالة، باب من تكفل عن ميت دينًا فليس له أن يرجع، برقم 2295.

(2)

انظر: نظرية الأجل، للعطار ص 319، بيع التقسيط وأحكامه، للتركي ص 369.

(3)

انظر: الجوهرة النيرة، للعبادي 1/ 248، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 266، حاشية الجمل 3/ 311 المغني، لابن قدامة 4/ 282.

(4)

انظر: بيع التقسيط وأحكامه، للتركي ص 370

ص: 194

الدليل الخامس: أن التأجيل شرع رفقًا بالمدين، وتوسعة عليه، ليكتسب في مدة الأجل، ويؤدي الثمن من نماء المال، وبموته ينتفي هذا المعنى، ويتعين المال الذي تركه لقضاء دينه

(1)

.

نوقش: بأن التأجيل حق للميت ثبت له في حياته فيثبت لورثته من بعده كبقية الحقوق، التي ورثها لهم، وكما أن الموت لا يوجب حلول ماله فكذلك لا يوجب حلول ما عليه

(2)

.

دليل القول الثالث:

استدلوا بنفس أدلة القول الأول إلا أنهم لم يشترطوا توثيق الدين؛ لأن الحقوق تنتقل للورثة على الصفة التي كانت لمورثهم، وكما أن الدين الذي للميت على الآخرين لا يحل بموته، وينتقل إلى الورثة على صفته فكذلك الدين الذي عليه للآخرين

(3)

.

نوقش: بأنه لا ينبغي إلزام الورثة بدين لم يلتزموه ولم يتعاطوا سببه، ولو لزمهم ذلك لموت مورثهم، للزمهم وإن لم يخلف وفاء، وبقاء الدين إلى أجله دون توثيق ضرر على صاحب الحق بفوات حقه

(4)

.

الترجيح: بعد عرض الأقوال الواردة في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، يظهر لي والله أعلم أن القول الراجح

(1)

انظر: حاشية ابن عابدين 4/ 532، المهذب، للشيرازي 12/ 464

(2)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 281، الروض المربع، للبهوتي، ص 252. المختارات الجلية، للسعدي، ص 101.

(3)

انظر: المبدع، لابن مفلح 4/ 207

(4)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 282، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 438، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 169

ص: 195

هو أن يخيّر الدائن في ذلك؛ لأنه صاحب الحق، فإن اختار حلول الدين فإنه يجب عليه أن يسقط في ديون المعاوضات من الربح ما يقابل الأجل المتبقي؛ لأن هذا مقتضى العدل

(1)

، وله أن يبقي الدين إلى أجله إن رضي الورثة بذلك، أو بعد توثيقه برهن أو كفيل مليء.

(1)

جاء في الدر المختار، للحصكفي:"أنه لو حل-أي الدين- لموته أو أداه قبل حلوله ليس له من المرابحة إلا بقدر ما مضى من الأيام" 5/ 160، وجاء في حاشية ابن عابدين:"إذا قضى المديون الدين قبل حلول الأجل أو مات لا يؤخذ من المرابحة إلا بقدر ما مضى" 5/ 160، وجاء في الإنصاف، للمرداوي:" متى قلنا بحلول الدين المؤجل، فإنه يأخذه كله. على الصحيح من المذهب. وهو ظاهر كلام الأصحاب. وقدمه في الفائق، وقال: والمختار سقوط جزء من ربحه مقابل الأجل بقسطه. وهو مأخوذ من الوضع والتأجيل. انتهى. قلت-أي المرداوي-: وهو حسن" 5/ 308، وقال السعدي: "يحل الدين بموت المدين إلا إذا وثق الورثة

وإذا لم يحصل توثيق حل الدين، ولا فرق على المذهب بين الدين المؤجل الذي جعل أجله مقابل مصلحة، أو مؤجل قرض ونحوه. ولكن الذي نحن نفتي به: إذا كان الدين له مصلحة، مثل أن يبيع عليه ما يساوي مائة ريال بمائة وعشرين إلى أجل، ثم مضى نصف الأجل مثلاً، وقلنا يحل لعدم التوثيق، فإنه لا يحق لغريمه إلا مائة وعشرة بحسب ما مضى من الوقت، وهو قول لبعض العلماء، وهو العدل الذي لا يليق القول إلا به" الفتاوى السعدية ص 382 - 383.

ص: 196

‌الخاتمة

وبعد، فالحمد لله الذي طوى عني بُعد هذا البحث، ويسره لي، وفي ختامه أود تدوين أهم النتائج التي توصلت لها، وهي:

• أن الأجل لا يحل بسبب الحجر للإفلاس.

• أن العلماء أجمعوا على أن زيادة الدين على المدين المفلس مقابل التأخير في الأجل محرم.

• أن العلماء أجمعوا على تحريم المماطلة.

• أن العلماء أجمعوا على أن المماطل مستحق للعقوبة التعزيرية، ومن العقوبات التي ذكرها الفقهاء: التشهير به، وملازمته، ومنعه من السفر، وحبسه، وضربه، والحجر على أمواله.

• أن اتفاق المتعاقدين على دفع غرامة مالية عند التأخر في أداء الدين محرم.

• أنه لا يوجد دليل يمنع من التعويض عن الضرر الأدبي -المعنوي- من حيث الأصل.

ص: 197

• أن الدائن لا يجوز له أن يأخذ تعويضًا مقابل الضرر الأدبي الناشئ عن المماطلة إلا بحكم القاضي سدًا لباب الربا.

• أنه لا يجوز تعويض الدائن عما فاته من ربح، أو وقع عليه من خسائر؛ لأن القول بجوازه يفتح أبواب الربا، وفيه أكل لأموال الناس بالباطل، إلا إن كانت هناك خسارة على الدائن وكانت المماطلة هي السبب المباشر في هذه الخسارة، ويشترط أن يكون الحكم بها عند القاضي كي يتم التثبت من كون هذا المطل هو السبب المباشر لهذه الخسارة، وكي يقدر الخسارة الفعلية، ولا يجوز أن يتولاها الدائن كي لا يفتح الباب للمرابين.

• أنه يجوز عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية، للجهات الخيرية بشرط أن الذي يسلمها للجهة الخيرية هو المدين وليس الدائن.

• أنه يجوز إلزام المدين المماطل بتكاليف الشكاية، ونفقات التحصيل.

• أن العلماء أجمعوا على تحريم جدولة الديون التي تشمل الزيادة على الدين.

• أنه يجوز عقد الاستصناع ووضع الشرط الجزائي مقابل تأخير تسليم المستصنع.

• أنه يجوز السلم المقسط وفي حالة انقطاع المسلم فيه يخير المسلم بين الفسخ، والرجوع بالثمن، وبين تمديد الأجل إلى وجوده.

• أنه يجوز إسقاط بعض الدين الحال مطلقًا، وكذا المؤجل إلا إذا كان هناك اتفاق مسبق وزِيدَ في الثمن والأجل على الثمن والأجل المعتاد للسلعة فإنه محرم؛ لأنه تحايل على الربا.

ص: 198

• أنه يجوز مساواة الثمن المؤجل للثمن الحال في بيع الأقساط، والزيادة عليه.

• أنه يجوز إسقاط الأقساط الأخيرة إلا إذا كان هناك اتفاق مسبق وزِيدَ في الثمن والأجل على الثمن والأجل المعتاد للسلعة فإنه محرم؛ لأنه تحايل على الربا.

• أنه لا يجوز اشتراط حلول بقية الأقساط إذا كان المتأخر معسراً عاجزاً، ويجوز اشتراط حلول بقية الأقساط إذا كان المتأخر موسراً ملياً.

• أن الدين المؤجل لا يحل بموت الدائن، بل يبقى إلى أجله، أما إذا مات المدين فالدائن مخير بين حلوله وإسقاط الربح الذي يقابل الأجل المتبقي في ديون المعاوضات أو يبقيه لأجله إن رضي الورثة أوبتوثيقه برهن أو كفيل مليء.

هذه هي أهم النتائج، وأسأل الله أن يكتب لهذا الكتاب البركة والقبول.

وصلى الله وسلم على بينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 199

الفهارس

أولاً: فهرس المصادر والمراجع.

ثانياً: فهرس الموضوعات.

ص: 201

فهرس‌

‌ المصادر والمراجع

1 -

أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، دار أولي النهى، الرياض، الطبعة الثانية 1412 هـ.

2 -

الاتفاق على إلزام المدين الموسر بتعويض ضرر المماطل، للصديق محمد الأمين الضرير، بحث منشور في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، مركز النشر العلمي في جامعة الملك عبد العزيز المجلد الثالث، العدد الأول 1405 هـ

3 -

الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام (شرح ميارة)، لمحمد بن أحمد ميارة الفاسي، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

4 -

الإجماع، لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق: صغير أحمد حنيف، مكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الثانية 1424 هـ.

5 -

الاحتراف في المعاملات المالية، لياسر بن عجيل النشمي، دار الاستثمار، الكويت، الطبعة الأولى 1428 هـ.

6 -

إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لمحمد بن علي بن دقيق العيد، مكتبة الثقافة الإسلامية، الطبعة الأولى 1371 هـ.

7 -

أحكام التركات والمواريث، لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر.

8 -

الأحكام السلطانية والولايات الدينية، لعلي بن محمد حبيب الماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، طبعة عام 1982 م.

9 -

أحكام القرآن، لأبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي، تحقيق: علي بن محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1392 هـ.

ص: 202

10 -

أحكام القرآن، لأحمد بن علي المكني بأبي بكر الرازي الجصاص الحنفي، تحقيق: محمد الصادق قمحاوى دار احياء التراث العربى، بيروت، لبنان، طبعة عام 1405 هـ.

11 -

أحكام عقود التأمين ومكانتها في الشريعة الإسلامية، لعبد الله بن زيد آل محمود، مطبوع مع مجموعة رسائل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى 1427 هـ.

12 -

الإحكام في أصول الأحكام، لأبي الحسن علي بن محمد الآمدي، تحقيق: سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1404 هـ

13 -

الإحكام في أصول الأحكام، لأبي محمد علي بن حزم، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى 1404 هـ

14 -

أحكام من القرآن الكريم، لمحمد بن صالح العثيمين، مدار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية، طبعة عام 1425 هـ

15 -

الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، لأبي الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي، تعليق الشيخ: محمد بن صالح العثيمين، تحقيق: أحمد بن محمد الخليل، دار العاصمة، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1428 هـ.

16 -

الإختيار لتعليل المختار، عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، تحقيق: عبد اللطيف محمد عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1426 هـ.

17 -

الآداب الشرعية، لأبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، عمر القيام، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الرابعة 1426 هـ

18 -

إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، الطبعة الأولى 1418 هـ.

19 -

إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لمحمد ناصر الدين الألباني، بإشراف: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1405 هـ.

ص: 203

20 -

أساسيات العمل المصرفي الإسلامي الواقع والآفاق، لعبد الحميد البعلي مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى 1410 هـ

21 -

الاستذكار، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1421 هـ

22 -

استيفاء الديون، لمزيد بن ابراهيم المزيد، دار ابن الجوزي، الدمام، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1431 هـ.

23 -

أسنى المطالب، لزكريا بن محمد بن زكريا، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مصر.

24 -

الأشباه والنظائر، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1426 هـ.

25 -

الأشباه والنظائر، لزين العابدين بن ابرهيم بن نجيم، تحقيق: عبد الكريم الفضلي، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، طبعة عام 1424 هـ.

26 -

الإشراف على مذاهب أهل العلم، لمحمد بن إبراهيم المنذري النيسابوري، تحقيق: محمد نجيب سراج الدين، دار الثقافة، قطر، الطبعة الأولى 1406 هـ.

27 -

إعلام الموقعين عن رب العالمين، لمحمد بن أبي بكر بن القيم، تحقيق: رائد صبري بن أبي علفة، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى 1427 هـ.

28 -

الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لأبي حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي، المعروف بابن الملقن، تحقيق: عبد العزيز بن أحمد المشيقح، دار العاصمة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1421 هـ.

29 -

الأعلام، لخير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الخامسة عشر 2002 م.

30 -

إغاثة اللهفان، لمحمد بن أبي بكر بن القيم، مراجعة: محمد الفاضلي، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1421 هـ.

ص: 204

31 -

الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة، لعلي السالوس دار الثقافة، الدوحة، 1418 هـ.

32 -

الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، لشرف الدين موسى بن أحمد بن موسى أبو النجا الحجاوي، تحقيق: عبد اللطيف محمد موسى السبكي، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

33 -

الأم، لمحمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: محمد بن زهري النجار، دار المعرفة، بيروت 1990 م.

34 -

أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات، للشيخ عبد الله بن بيه، دار المنهاج، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1427 هـ.

35 -

الإمام زيد حياته وعصره وآراؤه وفقهه، لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر.

36 -

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، لعلاء الدين بن سليمان المرداوي، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، طبعة عام 1400 هـ.

37 -

أنوار البروق في أنواع الفروق، لأحمد بن إدريس القرافي، عالم الكتب، بيروت، لبنان.

38 -

الأوراق التجارية المعاصرة طبيعتها القانونية وتكييفها الفقهي، للدكتور محمد بن بلعيدا منو البوطيبي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1427 هـ.

39 -

بحث في أن مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته، منشور في فتاوى وبحوث، لعبد الله بن سليمان المنيع، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ.

40 -

البحر الزخار، لأحمد بن يحيى المرتضى، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مصر.

41 -

البحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، تحرير: عبد الستار أبو غدة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، الطبعة الثانية 1413 هـ.

ص: 205

42 -

بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، لعلي محيي الدين علي القرة داغي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1430 هـ.

43 -

بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر، ماجد محمد أبورخية، محمد عثمان شبير، عمر الأشقر، دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى 1418 هـ.

44 -

بحوث في الاقتصاد الإسلامي، لرفيق بن يونس المصري، دار المكتبي، دمشق، الطبعة الأولى 1421 هـ.

45 -

بحوث في قضايا فقهية معاصرة، لمحمد تقي العثماني دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1419 هـ.

46 -

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لأبي بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1402 هـ.

47 -

بداية المجتهد و نهاية المقتصد، لمحمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الرابعة 1395 هـ.

48 -

البداية والنهاية، لأبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، دار أم القرى، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى 1408 هـ.

49 -

بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام، لعلي بن محمد بن عبد الملك بن القطان، تحقيق: الحسين آيت سعيد، دار طيبة، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1418 هـ

50 -

البيان والتحصيل، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيرت، لبنان، الطبعة الثانية 1408 هـ

51 -

بيع التقسيط تحليل فقهي واقتصادي، لرفيق بن يونس المصري، دار القلم، دمشق، دار الشامية، بيروت الطبعة الثانية 1418 هـ.

52 -

بيع التقسيط وأحكامه، لسليمان بن تركي التركي، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1424 هـ.

ص: 206

53 -

البيع المؤجل، لعبد الستار أبو غدة، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، الطبعة الثانية 1424 هـ.

54 -

تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد مرتضى الزبيدي، تحقيق: عبد الحليم الطحاوي، راجعه: عبد الستار أحمد فراج، وزارة الإعلام بالكويت، طبعة عام 1400 هـ

55 -

تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الرابعة 1990 م.

56 -

التاج والإكليل شرح مختصر خليل، لمحمد بن يوسف المواق، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

57 -

التاريخ الكبير، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان.

58 -

تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، لإبراهيم بن علي بن فرحون اليعمري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

59 -

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، لعثمان بن علي الزيلعي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية.

60 -

تحرير الكلام في مسائل الالتزام، لأبي عبد الله محمد بن محمد الحطاب، تحقيق: عبد السلام محمد الشريف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1404 هـ.

61 -

تحفة الحبيب على شرح الخطيب، لسليمان بن محمد بن عمر البيجيرمي، دار الفكر، بيروت، لبنان.

62 -

تحفة الفقهاء، لعلاء الدين السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، طبعة عام 1405 هـ.

63 -

التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي، لعبد القادر عودة، مكتبة دار التراث، القاهرة، مصر، طبعة عام 1424 هـ.

ص: 207

64 -

تعليق الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير على بحث أنس الزرقا وعلي القري، منشور في مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، المجلد الخامس 1413 هـ

65 -

تعليق الدكتور حسن الأمين على بحث الزرقا، منشور في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، المجلد الثالث، العدد الثاني 1417 هـ

66 -

تعليق الدكتور زكي الدين شعبان على بحث الدكتور الزرقا، منشور في مجلة جامعة الملك عبد العزيز، عام 1409 هـ.

67 -

التعويض عن أضرر التقاضي في الفقه والنظام، لعبد الكريم بن محمد اللاحم، دار أشبيليا للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1424 هـ.

68 -

التعويض عن الضرر في الفقه الإسلامي، لمحمد بوساق دار أشبيليا، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1419 هـ.

69 -

التعويض عن الضرر من المدين المماطل، لمحمد الزحيلي، بحث مقدم لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، عام 1421 هـ.

70 -

تفسير القرآن العظيم، لإسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية 1420 هـ.

71 -

تفسير آيات أشكلت، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: عبد العزيز الخليفة، دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية 1425 هـ.

72 -

تقريب التهذيب، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: أبو الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني، دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية 1423 هـ.

73 -

التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1419 هـ.

ص: 208

74 -

التلخيص، لمحمد بن أحمد الذهبي، (مطبوع مع المستدرك على الصحيحين)، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

75 -

التلقين، لأبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي، تحقيق: محمد الحسني التطواني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1425 هـ.

76 -

التمهيد، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، تحقيق: مصطفى ابن أحمد العلوي، ومحمد عبد الكبير البكري، مؤسسة قرطبة، ودار ابن تيمية، طبعة عام 1387 هـ.

77 -

تهذيب التهذيب، لأحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، دائرة المعارف النظامية في الهند، الطبعة الأولى، طبعة عام 1325 هـ.

78 -

تهذيب الكمال، ليوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي، تحقيق: بشار عواد، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1400 هـ

79 -

توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال، لعبد الله بن بية المكتبة المكية، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1418 هـ

80 -

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي، عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1423 هـ

81 -

جامع البيان في تأويل القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، طبعة عام 1420 هـ.

82 -

جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، لأبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن رجب، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، إبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة 1423 هـ.

83 -

الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب، القاهرة، مصر، الطبعة الثانية 1384 هـ.

ص: 209

84 -

الجامع لأصول الربا، لرفيق بن يونس المصري دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية 1422 هـ

85 -

الجرح والتعديل، لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، مطبعة دار المعارف العثمانية، حيدرأباد، الهند، طبعة عام 1271 هـ.

86 -

الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، لأبي محمد عبد القادر بن محمد بن نصر الله، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، مطبعة عيسى الحلبي 1398 هـ.

87 -

الجوهرة النيرة، لأبي بكر بن علي بن محمد العبادي، المطبعة الخيرية، القاهرة، مصر، طبعة 1322 هـ.

88 -

حاشية ابن عابدين، لمحمد أمين بن عمر، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الثانية 1386 هـ.

89 -

حاشية البجيرمي على الخطيب، سليمان بن محمد البجيرمي، دار الفكر، بيروت، لبنان.

90 -

حاشية الجمل، لسليمان بن منصور العجيلي، دار الفكر، دار إحياء التراث، بيروت

91 -

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، لمحمد بن أحمد بن عرفه، تحقيق: محمد عليش، دار إحياء الكتاب العربي، ودار الفكر، بيروت، لبنان.

92 -

حاشية الروض المربع، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة التاسعة 1424 هـ

93 -

حاشية السندي على النسائي، لنور الدين بن عبد الهادي أبو الحسن السندي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، سوريا، الطبعة الثانية 1406 هـ.

94 -

حاشية الصاوي على الشرح الصغير، لمحمد بن أحمد الخلوتي الصاوي، دار المعارف، مصر.

ص: 210

95 -

حاشية العدوي على الخرشي بهامش الخرشي، لعلي بن أحمد الصعيدي العدوي، دار صادر، بيروت، لبنان.

96 -

حاشية عميرة على منهاج الطالبين، لشهاب الدين أحمد الرلسي الملقب بعميرة، دار الفكر، بيروت، لبنان، طبعة عام 1419 هـ.

97 -

الحاوي في فقه الشافعي، لأبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب الماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1414 هـ.

98 -

حكم بيع التقسيط، لمحمد عقلة الإيراهيم، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة عن جامعة الكويت، العدد السابع، شعبان 1407 هـ.

99 -

حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض الدائن، بحث منشور في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، العدد الثاني 1417 هـ.

100 -

الخدمات الاستثمارية في المصارف وأحكامها في الفقه الإسلامي، ليوسف بن عبد الله الشبيلي، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1425 هـ.

101 -

الدر المختار شرح تنوير الأبصار، لمحمد علاء الدين الحصكفي، دار الفكر، بيروت، لبنان، طبعة 1386 هـ

102 -

دراسات في أصول المداينات في الفقه الإسلامي، لنزيه حماد دار الفاروق، الطائف، الطبعة الأولى 1411 هـ.

103 -

درر الحكام شرح غرر الأحكام، لمحمد بن فراموز منلا خسرو، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، لبنان.

104 -

درر الحكام في شرح مجلة الأحكام، لعلي حيدر، ترجمة: فمي الحسيني، دار الجيل، بيروت، طبعة عام 1991 م.

105 -

الذخيرة، لأحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1994 م

ص: 211

106 -

الذيل على طبقات الحنابلة، لزين الدين أبي الفرج بن شهاب الدين أحمد بن رجب، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

107 -

الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة، لعبد الله بن محمد السعيدي دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ

108 -

الروض المربع، لمنصور بن يونس البهوتي، تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر، بيروت، لبنان.

109 -

روضة الطالبين وعمدة المفتين، لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1405 هـ.

110 -

روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد، لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: عبد الكريم بن علي النملة، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة السابعة 1424 هـ

111 -

زاد المستقنع، لموسى بن أحمد الحجاوي، تحقيق: عبد الرحمن بن علي العسكر، مدار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1425 هـ

112 -

زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، عبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة السادسة والعشرون 1412 هـ

113 -

الزمن في الديون، لسعد بن تركي الحثلان، موقع الشيخ، www.saadalkthlan.net

114 -

الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر المكي الهيتمي، تحقيق: محمد محمود، وسيد إبراهيم، وجمال ثابت، دار الحديث، القاهرة، مصر، طبعة عام 1423 هـ.

115 -

سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، لمحمد بن إسماعيل الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، الدمام، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثالثة 423 هـ.

116 -

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، طبعة عام 1415 هـ.

ص: 212

117 -

سنن ابن ماجه، لمحمد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.

118 -

سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

119 -

سنن الترمذي، لمحمد بن عيسى الترمذي، تحقيق: أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

120 -

سنن الدارقطني، لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق: السيد عبد الله هاشمي يماني، دار المعرفة، بيروت، لبنان، طبعة عام 1386 هـ.

121 -

السنن الصغرى، لأحمد بن حسين بن علي البيهقي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي، باكستان، الطبعة الأولى 1410 هـ.

122 -

السنن الكبرى، لأحمد بن حسين بن علي البيهقي، مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد، الهند، الطبعة الأولى 1344 هـ

123 -

سنن النسائي الكبرى، لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: عبد الغفار بن سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ.

124 -

السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تعليق: الشيخ محمد بن صالح العثيمين، طبع بإشراف مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية، مدار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية، لطبعة الأولى 1427 هـ

125 -

سير أعلام النبلاء، لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي سنة 748 هـ، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثامنة سنة 1412 هـ.

126 -

السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: محمد صبحي بن حسن حلاق، دار ابن كثير، دمشق، سوريا، الطبعة الثالثة 1429 هـ.

ص: 213

127 -

الشامل في معاملات وعمليات المصارف الإسلامية، لمحمود عبد الكريم أحمد إرشيد، دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى 1421 هـ.

128 -

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد بن مخلوف، دار الفكر، بيروت، لبنان.

129 -

شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لابن العماد أبي الفرج عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، محمود الأرنؤوط، دار ابن كثير، دمشق، طبعة عام 1406 هـ.

130 -

شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح، لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، تحقيق: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1416 هـ.

131 -

شرح الزركشي على مختصر الخرقي، لشمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق وتخريج: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، العبيكان للنشر والطباعة، الطبعة الأولى 1410 هـ

132 -

شرح السنة، للحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ومحمد زهير شاويش، المكتب الإسلامي، دمشق، سوريا، الطبعة الثانية 1403 هـ.

133 -

شرح القواعد الفقهية، لأحمد بن محمد الزرقا، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية 1428 هـ.

134 -

الشرح الكبير على متن المقنع، لأبي الفرج عبد الرحمن بن قدامة المقدسي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، طبعة عام 1392 هـ.

135 -

الشرح الممتع على زاد المستقنع، لمحمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى 1425 هـ

136 -

شرح صحيح مسلم، لمحيي الدين النووي، تحقيق: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة عشر 1428 هـ.

ص: 214

137 -

شرح مختصر الروضة، لسليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الرابعة 1424 هـ

138 -

شرح مشكل الآثار، لأحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1415 هـ.

139 -

شرح منتهى الإرادات، لمنصور بن يونس البهوتي، عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1416 هـ.

140 -

الشرط الجزائي وأثره في العقود المعاصرة، لمحمد بن عبد العزيز اليمني، دار كنوز أشبيليا، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1427 هـ.

141 -

الشرط الجزائي وتطبيقاته في المحكمة الكبرى وديوان المظالم بمدينة الرياض، بحث مقدم لنيل درجة الماجستير في الفقه المقارن من المعهد العالي للقضاء، لعبد الله بن محمد الشهري، عام 1417/ 1418 هـ.

142 -

الشرط الجزائي وسلطة القاضي في تعديله، لأسامة الحموي، مطبعة الزرعي، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى.

143 -

الشرط الجزائي، للصديق محمد الأمين الضرير، بحث منشور في مجلة المجمع العدد الثاني عشر، عام 1421 هـ.

144 -

صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، لمحمد بن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

145 -

صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية 1419 هـ.

146 -

صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

147 -

الضرر في الفقه الإسلامي، لأحمد موافي، دار ابن عفان للنشر والتوزيع، الخبر، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1418 هـ.

ص: 215

148 -

الضعفاء والمتروكون، لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: بوران الضناوي، يوسف الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1405 هـ.

149 -

الضعفاء، لمحمد بن عمرو بن موسى العقيلي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 144 هـ.

150 -

ضمان العدوان في الفقه الإسلامي، لمحمد سراج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1414 هـ.

151 -

الضمان في الفقه الإسلامي، لعلي الخفيف، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، طبعة 2000 م.

152 -

طرح التثريب في شرح التقريب، لعبد الرحيم بن الحسين العراقي، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر.

153 -

الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن القيم الجوزية، تحقيق: نايف بن أحمد الحمد، إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1428 هـ.

154 -

عقد الاستصناع أو عقد المقاولة في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة، لكاسب عبد الكريم بدران، الطبعة الثانية 1404 هـ.

155 -

عقد الاستصناع، لسعود بن مسعد الثبيتي، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع.

156 -

عقد القرض ومشكلة الفائدة دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون ومدى تطبيقها في البنوك الربوية والبدائل الشرعية، لمحمد رشيد علي الجزائري، مؤسسة الريان، بيروت، الطبعة الأولى 1428 هـ.

157 -

عمدة القاري، لبدر الدين محمود بن أحمد العيني، دار إحياء التراث، بيروت، لبنان.

158 -

العناية شرح الهداية، لمحمد بن محمود البابرتي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1977 م.

ص: 216

159 -

عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1388 هـ.

160 -

الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، لزكريا بن محمد الأنصاري، المطبعة الميمنية.

161 -

غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، لأحمد بن محمد الحموي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1405 هـ.

162 -

فتاوى السبكي، لأبي الحسن، تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي، تحقيق: حسام الدين القدسي، دار الجيل، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1412 هـ

163 -

الفتاوى السعدية، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية 1402 هـ.

164 -

الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية، بيت التمويل الكويتي.

165 -

الفتاوى الفقهية الكبرى، لأحمد بن محمد بن حجر الهيتمي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، طبعة عام 1403 هـ.

166 -

الفتاوى الكبرى، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1408 هـ.

167 -

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد العزيز الدويش، تحت إشراف: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، الطبعة الخامسة 1427 هـ.

168 -

فتاوى مصطفى الزرقا، اعتنى بها: مجد أحمد مكي، دار القلم، دمشق، سوريا، الطبعة الثانية 1422 هـ.

169 -

فتاوى المعاملات المالية، لعجيل بن جاسم النشمي عناية: ياسر النشمي، دار الاستثمار.

ص: 217

170 -

الفتاوى الهندية، للجنة علماء برئاسة نظام الدين البلخي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1400 هـ

171 -

فتاوى الهيئة الشرعية، جمع: عبد الستار أبو غدة، وعزالدين محمد خوجة، مجموعة دلة البركة، الأمانة العامة للهيئة الشرعية الموحدة، الطبعة الثانية 1423 هـ.

172 -

فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل شيخ، جمع: محمد بن عبد الرحمن قاسم، مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1399 هـ.

173 -

فتح الباري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار السلام، الرياض، ودار الفيحاء، دمشق، الطبعة الثالثة 1421 هـ.

174 -

فتح العزيز شرح الوجيز، للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي، دار الفكر، بيروت، لبنان.

175 -

فتح القدير، لمحمد بن عبد الواحد بن الهمام، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الأولى 1389 هـ.

176 -

الفروع، لأبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، إشراف وضبط: عبد اللطيف محمد السبكي، عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1397 هـ.

177 -

الفعل الضار والضمان فيه، لمصطفى الزرقا دار القلم، دمشق، سوريا، دارة العلوم، بيروت، الطبعة الأولى 1409.

178 -

الفقه الإسلامي وأدلته، لوهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثامنة 1425 هـ.

179 -

فقه الإمام محمد بن سيرين في المعاملات، لأحمد بن موسى السهلي، مكتبة دار البيان الحديثة، الطائف، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1421 هـ.

180 -

فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر الكتبي، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى.

181 -

الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني، لأحمد بن غنيم النفراوي، دار الفكر، بيروت، لبنان، طبعة عام 1405 هـ.

ص: 218

182 -

القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1417 هـ

183 -

قرارات الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار، شركة الراجحي المصرفية، الطبعة الأولى 141 هـ

184 -

قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي، الأمانة العامة، من دورته الأولى عام 1398 هـ، حتى دورته الثامنة عام 1405

185 -

القواعد الفقهية الخمس الكبرى والقواعد المندرجة تحتها جمع ودراسة من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، لإسماعيل بن حسن ب محمد علوان، دار ابن الجوزي، الدمام، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1420 هـ

186 -

القواعد الكبرى، لعزالدين عبد العزيز بن عبد السلام، تحقيق: نزيه حماد، وعثمان جمعة، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية 1428 هـ.

187 -

القواعد النورانية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: أحمد محمد الخليل، دار ابن الجوزي، الدمام، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1422 هـ

188 -

القواعد في الفقه، لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق: إياد بن عبد اللطيف القيسي، بيت الأفكار الدولية، عمان، الأردن.

189 -

القول الفصل في بيع الأجل، لعبد الرحمن عبد الخالق، مكتبة ابن تيمية، الكويت، الطبعة الأولى 1406 هـ.

190 -

الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، تحقيق: محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية 1400 هـ.

191 -

الكافي، للإمام الموفق أبي محمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات في دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1417 هـ.

ص: 219

192 -

كشاف القناع عن متن الإقناع، لمنصور بن يونس البهوتي، تحقيق: هلال مصيلحي، ومصطفى هلال، دار الكتب العلمية، ودار الفكر، بيروت، لبنان، طبعة عام 1402 هـ.

193 -

كشف اللثام شرح عمدة الأحكام، لشمس الدين محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، تحقيق: نور الدين طالب، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الطبعة الأولى 1428 هـ.

194 -

كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني، لعلي بن الحسن المالكي، تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر، بيروت، لبنان، طبعة 1412 هـ

195 -

لسان العرب، لمحمد بن مكرم بن منظور، اعتنى بتصحيحها: أمين محمد عبد الوهاب، ومحمد الصادق العبيدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1417 هـ.

196 -

المبدع شرح المقنع، لإبراهيم بن محمد بن عبد الله ابن مفلح، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، طبعة عام 1423 هـ.

197 -

المبدع، لابراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح، دار عالم الكتب، الرياض، طبعة عام 1423 هـ.

198 -

المبسوط، لمحمد بن أحمد السرخسي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

199 -

متن الغاية والتقريب في الفقه الشافعي، للقاضي أبي شجاع أحمد بن الحسين الأصفهاني، تحقيق: ماجد الحموي، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، الطبعة الرابعة 1424 هـ

200 -

مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، مركز النشر العلمي في جامعة الملك عبد العزيز، العدد الثاني، 1405 هـ.

201 -

مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، طبع بمطابع رابطة العالم الإسلامي، السنة الثامنة، العدد العاشر 1417 هـ.

ص: 220

202 -

مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد السادس، عام 1410 هـ، والعدد الثاني عشر، عام 1421 هـ.

203 -

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لعلي بن أبي بكر الهيثمي، دار الفكر، بيروت، لبنان، طبعة عام 1412 هـ.

204 -

مجمل اللغة، لأحمد بن فارس، تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1406 هـ.

205 -

مجموع الفتاوى، لتقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، وساعده ابنه محمد، طبع في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، طبعة عام 1425 هـ.

206 -

المجموع شرح المهذب، لمحيي الدين بن شرف النووي، حققه، وعلق عليه، وأكمله: محمد بخيت المطيعي، مطابع المختار الإسلامي، دار السلام، القاهرة، مكتبة الإرشاد، جدة 1980 م.

207 -

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لعبد العزيز بن عبد الله بن باز، جمع: محمد بن سعد الشويعر، طبع بإشراف رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1421 هـ

208 -

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي، تحقيق: الرحالة الفاروق، عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، السيد عبد العال السيد إبراهيم، محمد الشافعي الصادق العناني، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، الطبعة الثانية 1428 هـ

209 -

المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد، لعبد السلام بن عبد الله بن تيمية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1428 هـ

210 -

المحلى، لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، تحقيق: عبد الغفار بن سليمان البنداري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، طبعة عام 1408 هـ.

ص: 221

211 -

المحيط البرهاني، لمحمود بن أحمد برهان الدين مازه، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

212 -

المحيط في اللغة، للصاحب إسماعيل بن عباد، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، دار الم الكتب، بيروت، لبنان، طبعة عام 1414 هـ.

213 -

المختارات الجلية من المسائل الفقهية، لعبد الرحمن بن ناص السعدي، دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1415 هـ

214 -

مختصر الطحاوي، لأحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، تحقيق: أبو الوفاء الأفغاني، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، طبعة عام 1370 هـ.

215 -

مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد، لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: صبري بن عبد الخالق، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1412 هـ.

216 -

المخصص، لأبي الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي المعروف بابن سيدة، تحقيق: خليل إبراهيم جفال، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى 1417 هـ.

217 -

المدونة، للإمام مالك بن أنس الأصبحي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1415 هـ.

218 -

المدين المماطل يعاقب بالحبس لا بتغريم المال، بحث لفهمي أبو سنة، منشور في مجلة الأزهر، مجلة شهرية جامعة تصدر عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، السنة الثالثة والستون، رجب 1411 هـ.

219 -

مذكرة في أصول الفقه، لمحمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الخامسة 1422 هـ.

220 -

المسؤلية المدنية والجنائية، للشيخ محمود شلتوت مكتب شيخ الجامع الأزهر للشؤون العامة، القاهرة، مصر.

221 -

المسالك في شرح موطأ مالك، للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي، تعليق: محمد بن الحسين السليماني، وعائشة بنت الحسين السليماني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1428 هـ.

ص: 222

222 -

المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله الحاكم، دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1427 هـ.

223 -

المستصفى، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: محمد بن سليمان الأشقر، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1417 هـ

224 -

مسند الإمام أحمد بن حنبل، المشرف على تحقيق هذا المسند: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1429 هـ.

225 -

مسند البزار، لأحمد بن عمرو البزار، تحقيق: محفوظ الرحمن زين لله، عادل سعد، صبري الشافعي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1988 م.

226 -

المسودة في أصول الفقه، لآل تيمية أبو البركات عبد السلام بن تيمية وأولاده، تحقيق: أحمد إبراهيم الذروي، دار الفضيلة، الرياض، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ

227 -

مشكل الآثار، لأحمد بن محمد الطحاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، طبعة عام 1995 م.

228 -

مشكلة الديون المتأخرة في البنوك الإسلامية، دراسة فقهية لغرامات التأخير والبدائل، للدكتور علي محيي الدين القره داغي، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عشر

229 -

المصنف في الأحاديث والأخبار، لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1409 هـ.

230 -

المصنف، لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1403 هـ.

231 -

مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، لمصطفى بن سعد بن عبده الرحيباني، المكتب الإسلامي، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى 1380 هـ

ص: 223

232 -

معالم السنن شرح سنن أبي داود، لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1426 هـ.

233 -

المعاملات المالية المعاصرة، لوهبة الزحيلي دار الفكر، دمشق، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الأولى 1423 هـ.

234 -

المعاملات المالية، للشبيلي، موقع الشبيلي www.shubily.com

235 -

المعايير الشرعية لصيغ التمويل المصرفي اللاربوي، لمحمد العلي القري، سيف الدين إبراهيم تاج الدين، موسى آدم عيسى، التجاني عبد القادر أحمد 1421 هـ.

236 -

المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، إصدارات عام 1424 هـ.

237 -

معجم المصطلحات المالية والاقتصادية، لنزيه حماد، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1429 هـ.

238 -

معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمدبن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، لبنان.

239 -

مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، لمحمد بن أحمد الشربيني الخطيب، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ.

240 -

المغني، لعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ.

241 -

المقارنات التشريعية، لسيد عبد الله علي حسين دراسة وتحقيق: مركز الدراسات الفقهية والاقتصادية، محمد أحمد سراج، علي جمعة محمد، أحمد جابر بدران، دار السلام، الطبعة الأولى 1421 هـ

242 -

المقارنات والمقابلات بين أحكام المرافعات والمعاملات والحدود، لمحمد حافظ صبري المطبعة الهندية، مصر، الطبعة الأولى 1320 هـ

ص: 224

243 -

المماطلة في الديون، لسلمان بن صالح بن محمد الدخيل، رسالة دكتوراه، كلية الشريعة بالرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1424 هـ.

244 -

مناقصات العقود الإدارية، لرفيق يونس المصري، دار المكتبي، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى 1420 هـ.

245 -

المنتقى شرح الموطأ، للقاضي سليمان بن خلف بن سعد الباجي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1403 هـ.

246 -

المنثور في القواعد، لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، تحقيق: تيسير فائق أحمد محمود، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، لطبعة الثانية 1405 هـ.

247 -

منح الجليل شرح مختصر خليل، لمحمد بن أحمد عليش، دار الفكر، بيروت، لبنان، طبعة عام 1409 هـ.

248 -

المهذب في علم أصول الفقه المقارن، لعبد الكريم بن علي النملة، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ.

249 -

المهذب في فقه الإمام الشافعي، لإبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، مطبوع مع شرحه المجموع، مكتبة الإرشاد، جدة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية

250 -

الموافقات، لأبي إسحاق إبرهيم بن موسى بن محمد الشاطبي، تحقيق: مشهور بن حسن آل سليمان، دار ابن عفان، القاهرة، الطبعة الثانية 1427 هـ

251 -

مواهب الجليل شرح مختصر خليل، لمحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب، دار الفكر، القاهرة، مصر، الطبعة الثالثة 1412 هـ.

252 -

الموسوعة الفقهية الكويتية، إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، الطبعة الرابعة 1414 هـ.

253 -

موسوعة القواعد الفقهية، لمحمد صدقي البورنو، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1424 هـ

ص: 225

254 -

الموطأ، للإمام مالك بن أنس الأصبحي، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية، أبو ظبي، الإمارات، الطبعة الأولى 1425 هـ.

255 -

ميزان الاعتدال في نقد الرجال، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة بيروت، لبنان.

256 -

نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار، لأحمد بن قودر المعروف بقاضي زاده، وهو تكملة لفتح القدير لابن الهمام، علق عليه: عبد الرزاق غالب المهدي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

257 -

نصب الراية لأحاديث الهداية، لأبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1407 هـ.

258 -

النظريات الفقهية، لفتحي الدريني جامعة دمشق، سوريا، الطبعة الثانية 1416 هـ

259 -

نظرية الأجل في الالتزام في الشريعة الإسلامية والقوانين العربية، لعبد الناصر توفيق العطار، مطبعة السعادة، مصر، طبعة عام 1978 م

260 -

نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي، لفتحي الدريني مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الرابعة 1408 هـ.

261 -

نظرية الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة والقانون، لزكي الدين شعبان، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى 1968 م.

262 -

نظرية الضمان في الفقه الإسلامي، لمحمد فوزي فيض الله مكتبة دار التراث، الكويت، الطبعة الأولى 1403 هـ.

263 -

نظرية الضمان، لوهبه الزحيلي دار الفكر، دمشق، سوريا، الطبعة الثانية 1418 هـ.

264 -

النظرية العامة للموجبات والعقود، لصبحي محمصاني دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1972 م.

265 -

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لمحمد بن شهاب الدين الرملي، دار الكتب العلمية، طبعة عام 1414 هـ.

ص: 226

266 -

نهاية المطلب في دراية المذهب، لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني، تحقيق: عبد العظيم محمود الديب، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، الطبعة الثانية 1430 هـ

267 -

النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، طبعة عام 1399 هـ.

268 -

نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: محمد حسن صبحي حلاق، دار ابن الجوزي، الدمام، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1427 هـ.

269 -

هداية الراغب شرح عمدة الطالب، لعثمان بن أحمد بن سعيد النجدي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1428 هـ

270 -

الهداية شرح بداية المبتدي، لبرهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني، مكتبة ومطبعطة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الأولى 1389 هـ

271 -

هل يقبل شرعا الحكم على المدين بالتعويض، مقال لمصطفى بن أحمد الزرقا، منشور في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، المجلد الثالث، العدد الثاني، رجب 1417 هـ.

272 -

الوجيز في شرح القواعد الفقهية في الشريعة الإسلامية، لعبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1422 هـ

273 -

الوسيط في المذهب، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم، محمد محمد تامر، دار السلام، القاهرة، مصر، طبعة عام 1417 هـ

274 -

وفيات الأعيان، لأحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان، تحقيق: يوسف علي طويل، مريم قاسم طويل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1419 هـ.

ص: 227