المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إسرائيل والتلمود دراسة تحليلية بقلم: إبراهيم خليل أحمد   الناشر: مكتبة الوعي العربي لصاحبها: رؤوف - إسرائيل والتلمود - دراسة تحليلية

[إبراهيم خليل أحمد]

فهرس الكتاب

إسرائيل والتلمود

دراسة تحليلية

بقلم: إبراهيم خليل أحمد

الناشر: مكتبة الوعي العربي

لصاحبها: رؤوف نعمان

تيلفون: 919965

1967 م

ص: 1

‌تقديم

أخي المواطن

اليوم ونحن نقف وجهاً لوجه أمام الصهونية والإستعمار الجديد لنزيل عن أرضنا آثار عدوانهما الغاشم مستخدمين في هذا السبيل كل طاقاتنا وجهودنا، فقد رأيت أن أتقدم إلى قراء العربية جميعاً هذا الكتاب، الذي جعلت موضوعه «إسرائيل والتلمود» .

وقد اخترت هذا الموضوع لأسباب كثيرة أعتقد أنها ستتضح أمامك وأنت تقرأ الكتاب، وتتابع ما يكشفه لك من مخازي الصهيونيين ومساوئهم.

وليست هناك حجة في الرد على الصهاينة أقوى من التوراة كتابهم المقدس. برغم أنهم تناولوها بالتحريف والتبديل، واستبدلوا بها التلمود كتابا مقدساً يتبعون تعاليمه، ويسيرون على هديه.

ولقد عاش اليهود خلال الأزمنة المتطاولة حربا على الإنسانية والخير وكل ماهو أصيل وسامٍ في النفس البشرية، ومن أجل ذلك لعنتهم الكتب السماوية ولفظتهم الأمم التي عاشوا بين ظهرانيها، ولم يستطيعوا أن ينالوا محبة شعب أو ثقة أمة من الأمم

لعنهم القرآن الكريم وصور أخلاقهم بقوله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا

ص: 3

يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}

(1)

.

ووبخهم المسيح عليه السلام بقوله: "لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم. . يا مراءون حسنا تنبأ عنكم إشعياء قائلا: يقترب إليَّ هذا الشعب بفمه ويكرمنى بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً، وباطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس"

(2)

.

وإذا كانت الصهيونية تزعم بأن أرض فلسطين قد أقطعهم الله إياها فإن التوراة تكذب هذا الزعم وتدحضه، وعلينا أن نتدارس مزاعم الصهيونية في أنهم شعب الله المختار.

وفي أن الله قد ورثهم أرض فلسطين. . وفي الحقائق التي وردت في التوراة كتابهم المقدس عن العهد الذي

قطعه الله على نفسه لإبراهيم .. وعن الميراث وشرطية الميراث. ثم عن خيانة العهد والجزاء الأوفى.

وأخيراً عمن يكون له الميراث بعد أن رفض الله شعبه.

يستند اليهود في مزاعمهم التي يزعمون إلى ما ورد في التوراة: "أقيم عهدي بيني وبينكم، وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبديا لأكون إلها لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض

(1)

سورة المائدة: 78 - 81

(2)

سفر متى 15: 3،7 - 9.

ص: 4

غربتك كل أرض كنعان ملكا أبديا وأكون إلههم"

(1)

"قطع الرب مع ابرام ميثاقا قائلا: لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات"

(2)

.

لقد أخذ لله هذا العهد على نفسه في وقت كان فيه إبراهيم عقيما وزوجته ساراى عاقراً، ولم يعطه فيها ميراثا ولاوطأة قدم، ولكن وعد أن يعطها ملكا له ولنسله من بعده، ولم يكن له بعد ولد"

(3)

.

وأرادت زوجته أن ترث الأرض: "فقالك ساراى لابرام: هوذا الرب قد أمسكنى عن الولادة. ادخل على جاريتي لعلي أرزق مها بنين.

فسمع ابرام لقول ساراى، فأخذت ساراى إمرأة ابرام هاجر المصرية جاريتها وأعطتها لأبرام رجلها زوجة له، فدخل على هاجر فحبلت. . .

وولدت هاجر لأبرام ابنا. ودعا ابرام اسم ابنه الذي ولدته هاجر إسماعيل"

(4)

.

ومن هذا يتضح أن الميراث لنسل إبراهيم وأن سارة قد حققت إرادة العلي القدير في الوارث بموافقتها على تزويجها هاجر لإبراهيم رجلها، ومع هذا فقد جعل الله للميراث شرطاً وهو الكمال أمام الله:"وظهر الرب لإبرام وقال له: أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملا "

(5)

. "وقال الله لإبراهيم: وأما أنت فتحفظ عهدي. أنت ونسلك من بعدك في أجيالم"

(6)

.

(1)

سفر التكوين 17: 7 - 8.

(2)

سفر التكوين 15: 18.

(3)

سفر أعمال الرسل 7: 5.

(4)

سفر التكوين 16: 2 - 4، 15.

(5)

سفر التكوين 17: 1.

(6)

سفر التكوين 17: 9.

ص: 5

ولكن بني إسرائيل مع ما حققه الله تعالى من معجرات على يدى موسى كليمه ويوشع بن نون خليفة موسى تعدوا وصايا الله وخالفوا أنبياءه، فحلت عليهم اللعنة وضربت عليهم الذلة والمسكنة. نسوا الله فأنساهم أنفسهم، لم يصغوا لوصية ولم يسمعوا لتحذير. ومن قبل حذرهم موسى قائلا:"وإن نسيت الرب إلهك وذهبت وراء آلهة أخرى وعبدتها وسجدت لها أشهد عليكم اليوم أنكم تبيدون لا محالة. كالشعوب الذين يبيدهم الرب من أمامكم كذلك تبيدون لأجل أنكم لم تسمعوا لقول الرب إلهكم"

(1)

.

وتلاحقهم غضبة الله أينما كانوا: "والباقون منكم ألقي الجبانة في قلوبهم في أراضي أعدائهم فيهزمهم صوت ورقة مندفعه فيهربون كالهرب من السيف ويسقطون وليس طارد. ويعثر بعضهم ببعض كما من أمام السيف وليس طارد. ولا يكون لكم قيام أمام أعدائكم"

(2)

.

وأخيراً لمن الميراث؟

تنبأ المسيح عليه السلام بنبي يأتي من بعده به تختم النبوة ويسند إليه الميرات، فقال:"أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية، من قِبَل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا، لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره"

(3)

.

وهذه النبوءة تأكيد لما حلم به من قبل نبوخذ نصر ملك بابل من أن حجراً ضرب التمثال فسحقه وصار الحجر جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها، وقد عبَّر دانيال النبي هذا الحلم بقوله: "وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لايترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل

(1)

سفر التثنية 8: 19 - 20.

(2)

سفر اللاويون 36 - 38:16.

(3)

سفر متى 21: 42 - 43.

ص: 6

هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد عرّف الملك ماسيأتى بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين"

(1)

.

ويحدد المسيح عليه السلام شخص النبي الموعود بالنبوة والكتاب والملك، فيقول:"وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية"

(2)

.

ومن هنا فطن بنو إسرائيل إلى أن الله في غضبته عليهم قد أنتزع منهم الملك وخلعه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. وبهذا رفضهم جل شأنه وتجلى على نسل إسماعيل الذى تنكرت له سارة قائلة لإبراهيم: "اطرد هذه الجارية وابنها لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق"

(3)

. لقد أدركوا أن النبوة قد خرجت عنهم نهائياً وخلعت على من تنبأ به موسى وأكده عيسى من بعده: "أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به. ويكون أن الإنسان الذي لايسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمى أنا أطالبه"

(4)

ولهذا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون أنه الحق، حقداً وعناداً ولجوا في باطلهم وعداوتهم للإسلام حتى دمغهم الله تعالى بقوله:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}

(5)

.

وبعد أيها القارئ، فإني أقدم إليك كتابي هذا لأكشف لك عن حقيقة الصهيونية من أين استمدت تعاليمها وتقاليدها، وأسس مزاعمها التي تزعمها في الأرض المقدسة. . ولتعم من ثنايا هذا الكتاب من هم بنو

(1)

سفر دانيال: 2: 44 - 45.

(2)

سفر يوحنا 16: 12 - 13.

(3)

سفر التكوين 10:21.

(4)

سفر التثنية 18:18 - 19.

(5)

سورة المائدة: آية 82.

ص: 7

إسرائيل في حقيقتهم، وما مدى استمسا كهم بكتابهم المقدس وسوء تأويلهم أياه وتحريفهم الكلم عن مواضعه، واتخاذهم كتابا آخر مقدساً هو التلمود. وضعه أحبارهم وعلماؤهم بعد قرون من وفاة موسى عليه السلام، وأنحرفوا به عن كل فضيلة وكل دعوة حق دعا إليها دين من الأديان .. وقدموا هذا الكتاب على التوراة كتابهم الأول. وسترى في النماذج التي نقدمها إليك من التلمود روح العنصرية والحقد والضغينة على البشرية التي يدفعهم إليها كتابهم هذا، والذي أخلصوا لتعاليمه الشريرة الإخلاص كله .. فعاشوا حياتهم مبغضين مكروهين من أمم الأرض جميعاً.

والكتاب من جانب آخر يكشف عن الخطة التي تبعها الصهاينة من أجل السطرة على مقدرات العالم، وعن دور في تحطيم القيم الإنسانية والأخلاقية وزرع الفتن والثورات أينما حلو ..

وإذا كنا نجتاز اليوم ظروفاً غير عادية، فإن السبيل الأول للنصر أن نعرف عدونا حق المعرفة، لنستطيع أن ندفع شره وأن نلحق به الهزيمة الساحقة في كل ميدان. و هذا الكتاب يسهم في تعريف أبناء الأمة العربية بعدوهم، وهو خطوة على الطريق من أجل تحقيق وعد الله جل شأنه:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}

(1)

.

القاهرة في 2 أ كتوبر 1967

إبراهيم خليل أحمد

سابقا

القس إبراهيم خليل فيلبس

راعي الكنيسة الإنجيلية

وأستاذ العقائد واللاهوت بكلية اللاهوت بأسيوط

(1)

سورة الروم: آية 47.

ص: 8

‌الفترة من 135 إلى سنة 565

عاش في الشرق الأوسط شعب عجيب احتفظ بطابعه وبثقافته الخاصة بالرغم مما مر به من الشدائد. يستوحي كيانه ووجوده من دينه الخاص، ويعيش بهدي شريعته ومبادئه الأخلاقة، وظهر فيه شعراء وعلماء وأدباء وفلاسفة. والعجيب في هذا الشعب أنه تمكن من الإخصاب الفكري بين عالمين متناقضين: عالم استعماري وعالم نام.

لم تكن فتنة بار كوبيه Par Cocbeha سنة 132 - 135 م آخر مابذله اليهود ليستعيدوا حريتهم التي قضى عليها بمباى، وتيطس سنة 70 م، وهادريان سنة 135 م، فقد أعادوا الكرة لاستعادة حريتهم واستقلالهم في عهد أنطونيوس بيوس Antonius Pius سنة 161 م فأخفقوا في محاولتهم، وحرم عليهم أن يدخلوا المدينة المقدسة إلا في يوم تلك الذكرى المؤلمة: ذكرى تدميرها. فقد كان يسمح لهم نظير جعل معين، أن يأتوا ويندبوا ويبكوا أمام جدران الهيكل المهدم.

وكان سكان فلسطين التي خرب من مدنها في فتنة باركوبيه Par Cocbeha 985 مدينة وقرية وقتل من أهلها ? 000 و 580 رجل وامرأة حتى كادت البلاد تمحى من الوجود، ونقص السكان إلى النصف، وانحط الباقون إلى درجة من الفاقة كادت أن تقضي على الحياة الثقافية.

وفي هذا الخراب الذي حل ببني إسرائيل وتدمير أورشليم تحقيق لنبوءة سيدنا عيسى عليه السلام القائلة: "ياأورشليم ياأورشليم ياقاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا "

(1)

.

(1)

إنجيل متى 23: 37 - 38.

ص: 11

وتحقيقا لنبوءة إرميا القائلة: "ويعبر أمم كثيرة في هذه المدينة ويقولون الواحد لصاحبه: لماذا فعل الرب مثل هذا لهذه المدينة العظيمة؟

فيقولون: من أجل أنهم تركوا عهد الرب إلههم وسجدوا لآلهة أخرى وعبدوها"

(1)

.

ويحلل إرميا شخصيتهم بقوله: "ها إنكم متكلون على كلام الكذب الذي لاينفع. أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذبا وتنجرون للبعل وتسيرون وراء آله أخرى لم تعرفوها ثم تأتون وتقفون أمامي في هذا البيت الذي دعي باسمى عليه وتقولون قد أُنقِذنا. حتى تعملوا كل هذه الرجاسات هل صار هذا البيت الذي دُعِى بأسمي عليه مغارة لصوص في أعينكم"

(2)

.

ويؤكد المسيح عليه السلام شخصية بني إسرائيل المنحرفة بإقراره: "ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. وقال لهم: مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص"

(3)

.

ولم يكد يمضي على فتنة باركوبيه جيل واحد حتى تمكن اليهود من إنشاء المجلس اليهودي القومي في مدينة طبرية وقوامه واحد وسبعون من العلماء. والأحبار المشرعين. إلا أن نهضة اليهود هذه انتكست يوم أن اعتنق الإمبراطور قنسطنطين المسيحية دينا وجعلها الدين الرسمي ومن ثم اضطهد اليهودية واليهود وفرض علهم قيوداً ومطالب جديدة وأغلق عليهم

(1)

سفر أرميا 22: 8 - 9.

(2)

سفر أرميا 7: 8 - 11.

(3)

إنجيل متى 21: 12 - 13.

ص: 12

في مجتمعهم بما يعرف "بالجيتو"، وفي سنة 337 م أصدر قانوناً بمعاقبة اليهودي الذي يجرؤ على الزواج من مسيحية، بالإعدام

(1)

، كما نفى أحبارهم في أنحاء الإمبراطورية

(2)

.

وفرض جالوس Gallus أخو قسطنطين على اليهود من الضرائب الفادحة ما اضطر الكثيرين منهم إلى أن يبيعوا أبنائهم وبناتهم ليوفوا بمطالبه.

وثار اليهود مرة أخرى في سنة 352 م. وأخمدت ثورتهم ودكت صفورة sepphoris

(3)

دكا، وخربت أجزاء من طبرية وغيرها من المدن، وقتل آلاف من اليهود، واستبعد آلاف آخرون نفيا وتشريدا، وبلغت حال اليهودي الفلسطيني سنة 359 م درجة من الإنحطاط أرغمت الحاخام هلل الثاني أن يزل عما كان ليهود فلسطين من الحق في أن يحددوا لجميع اليهود فى أنحاء الأرض تواريخ أعيادهم: وأصدر لهم تقويما يحددون هم؟ بقتضاه تواريخ هذه الأعياد مستقلين عن يهود فلسطين، ولايزال هذا التقويم الذي أصدره الحاخام هلل الثاني معمولا به إلى اليوم لدى اليهود في جميع أنحاء العالم.

‌اليهود يعيدون بناء أورشليم:

قال الله تعالى في سورة الإسراء: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا

(4)

فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا

(1)

Baron، S. Social and Religions History of the jews.

Vol. I، p. 266 - Graetz، H. History of the jews. Vol. II، P. 566 .

(2)

Abott G.F. Esrael in Egypt. P. 43 .

(3)

صفورة قرية على بحيرة طبرية في فلسطين.

(4)

سورة الإسراء (5).

ص: 13

مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}

(1)

.

ولما ارتقى جوليان julian عرش الإمبراطورية أنقذ اليهود إلى أجل قصير من هذا التعذيب فقد خفض هذا الإمبراطور الضرائب المفروضة عليهم، وألغى القوانين التي تجعلهم أقل منزلة من غيرهم، واعترف بأن " يهوه " إله العبرانيين إله عظيم. وصرح لهم بإعادة بناء هيكل أورشلم من مال الدولة

(2)

، لممارسة عبادتهم و تقديم الذبائح والقرابين زلفى إلى "يهوه" وأعاد فتح أورشلم لليهود، فهرعوا إليها! من جميع أنحاء فلسطين ومن كل ولاية في الإمبراطورية.

وسخر الرجال والنساء والأطفال جهودهم لإقامة البناء. وتبرعوا بحليهم وما ادخروه من أموالهم لتأثيث الهيكل الجديد

(3)

، وفي وسعنا أن نتصور سرور القوم الذين ظلوا مائتي عام يدعون ربهم أن يمن عليهم بهذا اليوم من سنة 361 م.

‌الفترة من 135 إلى 361

.

ويصف سبينوزا اليهودي - وهو من أكبر فلاسفة التأريخ - الروح القومية اليهودية بقوله: "لم يكن حب اليهود لوطنهم حبا بسيطاً بل كان أشبه بالورع.

فهذا الورع - مع ما رافقه من الإحتقار للشعوب الأخرى كان ينمو يوماً فيوماً مع ممارسة اليهود لديانتهم حتى أصبح متأصلاً في نفوسهم".

والواقع أن الطاقة الروحية والقومية اليهودية غمرت حياة ذلك الشعب

(1)

سورة الإسراء: 4، 7.

(2)

Julian; Works. Vol. III، P. 51.

(3)

Ab 0 tt. G.F. Esrael in Igypt. P. 45.

ص: 14

فتشبعت بها روح أبنائه. فكانوا يعدون أنفسهم ممتازين على سائر الناس ولم يرضوا قط أن يمتزجوا بغيرهم من الأمم. في مازالوا يلحون في طلب الإنفراد في مجتمع "الجيتو" حتى منحتهم الطبيعة ما أرادوا وفصلتهم عن جسم البشرية. ومهما يكن من أمر فأين المفر من إرادة الله التي دمغتهم بالذلة:

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}

(1)

وسرعان ماتبددت نشوتهم، فبينما كانوا يحفرون الأرض لوضع الأساس إذ خرج من باطنها لهيب أحرق عددا من العمال والمهندسين القائمين بالعمل

(2)

، غير أن اليهود عادوا إلى العمل من جديد. فعادت هذه الظاهرة مرة أخرى - ولعل سبب هذه الظاهرة هو انفجار بعض الغازات الطبيعية وكان لالتهابها ما أوقف العمل وبالتالي ثبطت همة القائمين بالمشروع.

وفرح المسيحيون بهذه الظاهرة، إذ بدا لهم أن الله غير راضٍ عن إعادة بناء الهيكل، وعجب اليهود من هذا وحزنوا له. ثم مات الإمبراطور جوليان فجأة، فحبست عنهم أموال الدولة، وسنت من جديد القوانين المقيدة لهم، وجعلت أشد صرامة مماكانت عليه من قبل، وحُرِم على اليهود مرة أخرى دخول أورشليم فعادوا إلى منفاهم وفقرهم ثم إلى صلواتهم.

وكتب جيروم بعد قليل من ذلك الوقت يقول: "إن أهل فلسطين اليهود، لا يزيدون على عُشر ما كانوا عليه من قبل" تصديقاً لما جاء بسفر أشعياء:

(1)

سورة آل عمران: آية 112.

(2)

Ammianus MarceIIinis; Works. VOI. XXIII، 1.

ص: 15

"فقلت: إلى متى أيها السيد؟ فقال: إلى أن تصير المدن خربة بلا ساكن والبيوت بلا إنسان وتخرب الأرض وتقفر. ويُبعد الرب الإنسان ويكثر الخراب في وسط الأرض. وإن بقي فيها عشر بعد فيعود ويصير للخراب"

(1)

.

وفي عام 425 م ألغى الإمبراطور ثيوديسيوس الثاني الحاخامية الفلسطينية، وحلت الكنائس المسيحية اليونانية محل المعابد والمدارس اليهودية، وتخلت فلسطين بعد فترة قصيرة في عام 614 م عن زعامة العالم اليهودي.

ونتيجة لما أصاب اليهود من اضطهاد عنيف من مسيحي الإمبرطورية الرومانية يمموا وجوههم نحو الشرق إلى أرض النهرين وإلى بلاد الفرس حيث وجدوا تعضيداً من العنصر اليهودي البابلي الذي لم ينعدم من تلك البلاد منذ الأسر البابلي الذي حدث في عام 597 ق. م. وكانت وظائف الدولة محرمة على اليهود في بلاد الفرس أيضا. ولكن هذه الوظائف كانت محرمة كذلك على جميع الفرس ماعدا طبقة الأشراف ولذلك لم يكن هذا الحرمان ثقيلاً عليهم

(2)

.

‌اليهود ينتشرون في الأرض:

قال هرتزل مؤسس الصهيونية: "من السخافة أن ننكر وجود مشكلة يهودية، فإنها موجودة حيثما توجد جماعة من اليهود. وإذا لم

توجد لايلبث أن يحملها إليها المهاجرون. إننا نهاجر إلى الجهات التي لانضطهد فيها، ولكن ظهورنا فيها يحمل على اضطهادنا".

(1)

Jerome،Commentary on Isarael، VI، 11 - 13. Baron Vol. I، 261.

(2)

Baron I، 255.

ص: 16

والواقع أنها غضبة الله حلت بهذا الشعب: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}

(1)

.

وظل اليهود في أثناء ذلك ينتشرون في جميع البلاد الواقعة حول البحر المتوسط. فمنهم من ذهب لينضم إلى الجاليات اليهودية في بلاد الشام والبحر المتوسط، ومنهم من ذهب إلى القسطنطينية رغم عداء أباطرة الروم وبطارقتهم، ومنهم من اتجهوا من فلسطين جنوباً إلى جزيرة العرب وعاشوا في سلام وحرية دينية مع بني جنسهم الساميين، واحتلوا فى تلك البلاد أقاليم برمتها مثل خيبر. وكان عددم فى يثرب "المدينة المنورة" يكاد يكون مساوياً لعدد العرب أنفسهم، واستمالوا إلى دينهم عدداً من الأهلين وهيئوا عقول العرب لما جاء به الإسلام من عقائد يتفق بعضها مع العقائد اليهودية ومن هؤلاء "ورقة بن نوفل" عم السيدة خديحة رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم "بحيرى الراهب". ومنهم من عبروا البحر الأحمر إلى بلاد الحبشة حيث تضاعف عددهم بسرعة حتى قيل: أنهم

بلغوا في عام 315 م نصف سكان تلك البلاد

(2)

.

وكان اليهود يمتلكون نصف سفن الإسكندرية، وكان ثرائهم في تلك المدينة السريعة التأثر والاهتياج سببا من أسباب أزدياد حدة العداء الديني لهم.

وكان في أسبانيا جاليات يهودية قبل يوليوس قيصر، ونمت تلك الجاليات دون أن يتعرض لها بأذى تحت حكم الأباطرة الوثنيين، وأثروا فى عهد القوط الغربين الآريين، ولكنهم سرعان ماتعرضوا للإضطهاد الموئس

(1)

سورة البقرة: 61.

(2)

Friedlander، L. Roman Life and mamers under the

Early Empire. 111، 173.

ص: 17

وبعد أن اعتنق الملك ريكارد (556 - 601) عقائد مؤتمر نيقية. وأحرق مسيحيو أورليان كنيسا يهوديا حوالي عام 560، طلب اليهود من جنثرام Gunthram ملك الفرنجة أن يعيد بناءه من أموال الدولة أسوة بما فعله ثيودريك في مثل هذه الحالة من قبل. ولما رفض جنثرام هذا الطلب صاح الأسقف جريجوري التوري Gregory of Tours :" ما أعظمك أيها المليك وما أعجب حكمتك"

(1)

.

ولكن اليهود بالرغم ما يقع عليهم من اضطهاد سرعان ما ينمون وينتعشون في البلاد التي كانوا. يهاجرون اليها وسرعان ما كانوا، ينشئون مدارسهم بمختلف مستوياتها يضمها في العادة الكنيس نفسه. وكان العلماء لا يقيمون في بلد يخلو من المدارس الإبتدائية والثانوية.

وكانت لغة العبادة والتعليم هي اللغة العبرانية، أما لغة التخاطب اليومي العادي فكانت الآرامية في بلاد الشرق، واليونانية في مصر وفي بلاد أوربا الشرقية، أما في غير تلك البلاد فكان اليهود يتخاطبون بلغة من يعيشون بينهم من الأهلين.

وكان الدين هو الموضوع الذي يدور حوله التعليم اليهودي، أما الثقافة غير الدينية فكادت في ذلك الوقت أن تهمل إهمالا تاما، ذلك أن اليهود المشتتين لم يكونوا يستطيعون أن يحفظوا كيانهم جسميا وروحيا إلا عن طريق شريعتهم. وكان الدين عندم هو دراسة الشريعة والعمل بها، وكان دين آبائهم يزداد قيمة لديهم. كلما ازداد الإضطهاد الديني عليهم، وكان التلمود والتوراة الدعامتين والملجأين اللذين لاغنى عنهما لشعب حائر تائه مشرد بين شعوب الأرض، شعب تقوم حياته على الرجاء، ويقوم رجاؤه على، الإيمان بالله.

(1)

Gregory of Tours، History of the Franks. Vol. VIII. 1، 191.

ص: 18

‌منشأ التلمود:

كان الكتبة ورجال الدين المقيمون فى المعابد والمدارس الفلسطينية والبابلية هم الذين ألفوا أسفار الشريعة الضخمة المعروفة بالتلمود الفلسطيني والتلمود البابلي.

وكانوا يقولون إن موسى لم يترك فقط لشعبه شريعة مكتوبة تحتويها الأسفار الخمسة المسماة بالتوراة، بل ترك أيضا شريعة شفوية تلقاها التلاميذ عن المعلمين جيلا بعد جيل وأضافوا إليها زيادات وتنقيحات.

وكان أهم ما ثار حوله الجدل بين الفريسين والصدوقيين والفلسطينيين هو: هل هذه الشريعة الشفوية هي الأخرى من عند الله؟ فإن كان الأمر كذلك فهي واجبة الطاعة.

ولما أن زالت طبقة الصدوقيين بعد تشتت اليهود عام 70 م خلا الموقف للفريسيين الذين سيطروا على الكيان الروحى لشعب إسرائيل وورث رجال الدين تقاليد الفريسيين ورواياتهم ? وقيل إيمانا وطاعة جميع اليهود المتمسكين بدينهم الشريعة الشفوية وآمنوا بها وكأنها أوامر من عند الله وأضافوها إلى أسفار موسى الخمسة، فتكونت من هذه وتلك التوراة والتلمود، أو الشريعة الموسوية التي استمسك بها اليهود وعاشوا بمقتضاها.

وفي هذا يقول المسيح عليه السلام: "يقترب إليَّ هذا الشعب بفمه

ص: 19

ويكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً، وباطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس"

(1)

.

وكانت الشريعة الموسوية وهي التوراة والتلمود بالنسبة لإسرائيل حقيقة لا مجازا هي كيانهم، وقوام حياتهم.

إن القصة التي تروى تلك العملية الطويلة التي استغرقت ألف عام، تجمعت في خلالها الشريعة الشفوية، واتخذت فيها صورتها النهائية المعروفة "بالمشنا"، والقرون الثمانية التي تجمعت فيها ثمار الجدل والأحكام.

والإيضاح فكانت هي الجمارتين أو شروح المشنا، وبانضمام المشنا إلى أقصر الجمارتين يتألف منهما التلمود الفلسطيني، وإلى أطولهما يتألف منهما التلمود البابلي - إن القصة التي تروي هذه الأحداث الثلاثة لمن أ كثر القصص تعقيداً وأعظمها إثارة للدهشة في تاريخ العقل البشرى.

وكما كانت التوراة أدب العبرانيين الأقدمين ودينهم، كان التلمود حياة يهود العصور الوسطى ودينهم ودماءهم.

وذلك أن أحكام الشريعة الواردة في الأسفار الخمسة أحكام مسطورة، ولهذا فإنها لم تكن تستطيع الوفاء بجميع حاجات أورشليم بعد أن فقدت حريتها، ولا اليهودية بعد أن فقدت أورشليم حريتها، ولا الشعب اليهودي في خارج فلسطين. لم تستطع الوفاء بحاجات هذه أو معالجة الظروف المحيطة بها ومن ثم كانت مهمة علماء السنهدرين قبل التشتت، والأحبار بعد التشتت هي تفسير الشريعة الموسوية تفسيراً يهتدي به الجيل الجديد والبيئة الجديدة ويفيدان منه.

وتوارث المعلمون جيلا بعد جيل تفاسير هؤلاء العلماء ومناقشاتهم، وآراء الأقلية والأغلية في موضوعتها

(1)

إنجيل متى 15: 8 - 9.

ص: 20

على أن هذه الروايات الشفوية لم تدون، ولعل سبب عدم تدوينها أن هؤلاء العلماء أرادوا أن يجعلوها مرنة قابلة للتعديل، أو لعلهم أرادوا بذلك أن يرغموا الاجيال التالية على استظهارها.

فكان في وسع الأحبار الذين أخذوا على أنفسهم تفسير الشريعة إذا اضطرتهم الظروف، أن يستعينوا بمن قدروا على استظهارها. وكان الأحبار في الستة القرون الأولى بعد ميلاد المسيح يسمون "التنايم" Tannaim أي، معلمي "الشريعة" وإذ كانوا هم وحدم المتضلعين فيها فقد كانوا هم المعلمين والقضاة بين يهود فلسطين بعد تدمير الهيكل.

‌تحليل شخصية الأحبار:

كان أحبار فلسطين، وأحبار بابل طبقة أرستقراطية فذة لامثيل لها في التأريخ. ذلك أن هؤلاء الأحبار لم يكونوا طبقة وراثية أو مغلقة مقصورة على طائفة خاصة من الناس كما كانت من قبل. فإن وظيفة الأحبار والكهنة حسب شريعة موسى قصرت على سبط لاوى فحسب، بل أصبحت هذه الوظيفة بعد ميلاد المسيح وتدمير أورشلم حقا مباحا لكل يهودي، ووجد فقراء اليهود طريقهم إلى الكهنوت، وسرعان ما ارتقوا فى مناصبه.

وقد كان معظمهم يكسبون قوتهم بالعمل في الصناعات المختلفة حتى بعد أن أصبحوا من ذوي الشهرة العالمية. وظلوا إلى مايقرب من أخريات تلك الفترة التي نتحدث عنها لا يعطون أجوراً على قيامهم بالتدريس أو بأعمال القضاء.

وكان الأثرياء من اليهود يجعلونهم في بعض الأحيان شركاء غير عاملي في مشروعاتهم المالية أو التجارية. أو يؤونهم في بيوتهم أو يزوجونهم من بناتهم، ليوفروا عليهم عناء الكد لكسب قوتهم.

ص: 21

ومن هؤلاء الأحبار من أفسدهم ما كان لهم من المنزلة الرفيعة بين أبناء جلدتهم ودينهم. ومنهم من كانوا كسائر الخلق يغضبون، ويغارون ويحقدون، ويسرفون في النقد ويتكبرون، ومنهم من كان لابد لهم أن يذكروا أنفسهم المرة بعد المرة أن العالم بحق رجل متواضع، لأن الحكيم يرى الجزء في ضوء الكل، إن لم يكن لغير ذلك من الأسباب.

وكان الناس يحبونهم لفضائلهم ولعيوبهم، ويعجبون بهم لعلمهم وتقواهم ويروون ألف قصة وقصة تنبئ عن حكمتهم ومعجزاتهم. ومازال اليهود إلى أيامنا هذه يجلون طلاب العلم والعلماء كما لا يجلهم شعب آخر في العالم كله.

‌كتابة التلمود:

ولما كثرت قرارات الأحبار وتضاعفت أصبحت مهمة استظهارها شاقة غير معقولة. ولذلك حاول هلل، وعقيبا Akiba ومائير Mair مراراً عدة أن يصنفوها: ويستعينوا على استظهارها ببعض الأساليب والرموز، ولكن هذه التصانيف والرموز والحيل لم يحظ شيء منها بالقبول من جمهرة اليهود.

وكانت نتيجة هذا أن أصبح الاضطراب في نقل الشريعة كلها عن ظهر قلب مروعا. وكان مما زاد الطين بلة أن تشتت اليهود قد عمل على تفرق هذه القلة من حفظة الشريعة في أقطار نائية.

وحوالي عام 189 م تابع الحبر يهوذا هنسيا jehuda Hanasi في قرية صبورة بفلسطين عمل عقيبا Akiba ومائير Meir وعدله، وأعاد ترتيب الشريعة الشفوية بأكملها ثم دونها وزاد عليها إضافات من عنده. فكانت هي مشنا

(1)

الحبر يهوذا.

(1)

المشنا: المتن، الجمارة: الشروح.

المشنا + الجمارة + التلمود: شريعة اليهود الشفوية.

التوراة: شريعة اليهود المكتوبة.

ص: 22

وترى أقلية من العلماء أن يهوذا لم يدون مشناه. بل إنها أخذت تنتقل شفويا من جيل إلى جيل حتى القرن الثامن الميلادى. ومن شاء معرفة رأي الاغلبية فليرجع إلى كتاب ج. ف. مور المسمى "اليهودية في القرون الأولى من التأريخ المسيحي" G. F. moore; Judaism in the First Centuries of the Christian Era. طبعة جامعة كمبردج بولاية مسشوستس عام 1932 الجلد الأول ص 151.

كذلك كتاب و. ا. أوسترلي المسمى "نظرة قصيرة في الآداب الدينية اليهودية في العصور الوسطى" W.O. Oesterley : G. H. Box Short Survey of the Literature of Rabbinicals and medieval

Judaism. London. 1920، P. 83.

وانتشرت هذه بين اليهود انتشاراً أصبحت معه بعد زمن ما، هي المشنا المعتمدة لشريعة اليهود الشفوية. والمشنا "أي التعاليم الشفوية" كما نعرفها اليوم هي الصورة النهائية لطبقات مختلفة كثيرة، وقد أدخلت عليها حواش متعددة من أيام يهوذا إلى الآن.

ولكنها مع هذا خلاصة مدمجة محكمة، وضعت لكي تحفظ عن ظهر القلب بكثرة التكرار. ولهذا فإن من يقبل على قراءتها يرى أن عبارتها المحكمة الجامعة الغامضة تعذب قارئها بما تبعثه في نفسه من الآمال الكاذبة الخادعة. اللهم إلا إذا كان القارئ ملما بحياة اليهود وتأريخهم.

وقد قبلها يهود بابل وأوربا كما قبلها يهود فلسطين ولكن كل مدرسة فسرت أمثالها وحكمها تفسيراً يخالف مافسرته الأخرى. وقد اشتركت ستة

ص: 23

أجيال

(1)

(10 - 220) من الأحبار المعروفين بالتنائم Tannaim

(2)

في صياغة المشنا كما اشتركت ستة أجيال (220 - 430) من الأحبار المعروفين بالأمورائم Amoraim

(3)

في طائفتين ضخمتين من شروح المشنا وهما الجمارة الفلسطينية والجمارة البابلية وبذلك أخذ المعلمون الجدد في تلقين التوراة وهم يدعون السبورائم

(4)

.

ومن هذه الطبقات الثلاث طبقة التنائم، والأمورائم، والسبورائم يتكون المجتمع الرباني اليهودي. وتداول التنائم الجدد والسبورائم الجدد مشنا يهوذا فتناقشوا في المتن وحللوه وفسروه، وعدلوه،. ووضحوه لكي، يطبقوه على المشاكل الجديدة، وعلى ظروف الزمان والمكان.

ولما قارب القرن الرابع الميلادى الإنتهاء نسقت مدارس قلسطين شروحها وصاغتها في الصورة المعروفة بالجمارة الفلسطينية.

وفي سنة 397 م شرع رب آسي Rab Ashi رئيس جامعة سورا Sura College في تقنين الجمارة البابلية وظل يواصل العمل في ذلك التقنين جيلا من الزمان. وفي سنة 497 م أستأتف ربينا بار شمويل وهو أيضاً من جامعة سورا مابدأه رب آسي وانتهى من عمله سنة 499 وإذا ذكرنا أن الجمارة البابلية أطول من المشنا إحدى عشرة مرة، بدأنا نعرف لم استغرق جمعها ماثة عام كاملة.

وظل الأحبار السبورائم "المناطقة " مائة وخمسين سنة (500 - 650) يراجعون هذه الشروح الضخمة ويصقلون التلمود البابلي الصقل الأخير.

(1)

الجيل: 35 سنة.

(2)

التنائم Tannaim: معلمو الشريعة.

(3)

الأمورائم Amoraim: الشراح.

(4)

السبورائم: المناطقة.

ص: 24

‌التلمود - المشنا - الجمارة - الهلكا - الهجدة

ولفظ التلمود يعني التعليم أو الشريعة الشفوية، ولم يكن الأمورائم "الشراح"، يطلقون هذا اللفظ إلا على المشنا. أما الآن فأصبح التلمود يعني المشنا والجمارة معا، والمشنا أي المتن في التلمود البابلي هي بعينها مشنا التلمود الفلسطيني ولا يختلف التلمودان إلا في الجمارة أو الشروح، فهي في التلمود البابلي أربعة أمثالها في التلمود الفلسطيني

(1)

.

ولغة الجمارة البابلية ولغة الجمارة الفلسطينية هي اللغة الآرامية. أما لغة المشنا بالإيجاز. فهي تعبر عن القانون الواحد بقليل من السطور، أما الجمارتان البابلية والفلسطينية فتبسطان عن قصد وتعمد. وتذكران بإسهاب مختلف آراء كبار الأحبار عن نصوص المشنا وتضيفان الظروف التي قد تتطلب تعديل القانون، وتضيفان كثيراً من الإيضاحات. ومعظم

(1)

أشتمل التلمود البابلي على 2947 ورقة من القطع الكبير، وتنقسم المشنا إلى ستة سدريمات Sedarim " ست فصائل" وينقسم كل سدريم إلى عدد من المسكتات Masechtoth " المقالات" يبلغ مجموعها ثلاثا وستين مسكتة إلى عدد من البرقيمات Perakim " الفصول" وكل برقيم إلى مشنيوتات Mishnayoth " تعاليم" وتشتمل الطبعات الحديثة من التلمود عادة على شروح راشي rashi (1040 - 1105) وهذه تظهر على الهامش الداخلي لصفحات المتن وتوسافوتات Tosaphoths " إضافات" وهي مناقشات في التلمود للأحبار الفرنسين والألمان من رجال القرنين الثانى عشر والثالث عشر وهذه تظهر على الهامش الخارجي لصفحات المتن.

وتضيف عدة طبعات إلى هذه وتلك توسفتات tosefta " تكملات" وهي بقايا من الشريعة الشفوية التي تخلوا منها مشنا يهوذا هنسيا jehuda Hanasi وأيضا إضافات من المدرش Medrash " التفسير" وهي خطب ألقاها التنائم tannaim أو الأمورائم Amoraim ولكنها جمعت ودونت خلال الفترة المحصورة بين القرنين الرابع والثاني عشر تشرح في أسلوب شعبي سهل كتبا مختلفة من الكتب العبرية المقدسة.

Reference to the Mishna Will be by tractate. chapter. and

Section، to the Babylonian Gemara by tractate and folio sheet.

ص: 25

المشنا نصوص قانونية وقرارات "هلكا" Halacha أما الجمارتان فبعضهما "هلكا" إعادة نص فانون أو بحثه بعضهما هجدة Haggadi " قصص" وأكثر ماتسجله الهجدة هو القصص والأمثلة الإيضاحية، وأجزاء من السير والتاريخ، والطب والفلك، والتنجيم، والسحر، والتصوف والحث على الفضيلة والعمل بالشريعة وكثيراً ماتروح الهجدة عن نفس طلاب العلم بعد جدل معقد متعب.

‌الشريعة:

يقول رجال الدين اليهودي إن واجب الإنسان أن يدرس الشريعة مسطورة وشفوية، من حكمهم المأثورة في هذا المعنى قولهم إن دراسة

التوراة أجل قدراً من بناء الهيكل، وإن من واجب الإنسان وهو منهمك في دراسة الشريعة أن يقول لنفسه كل يوم: "كأنا في هذا اليوم قد

تلقيناها من طور سيناء"، وليست الدراسات الأخرى بعد ذلك واجبة.

فالفلسفة اليونانية والعلوم الدنيوية لاتصح دراستها إلا في تلك الساعات التى ليست ليلا ولا نهارا، ويعتقد اليهود أن كل كلمة من كتابهم التوراة من كلمات الله بالمعنى الحرفي لهذه العبارة.

وحتى سفر نشيد الإنشاد نفسه إن هو إلا ترنيمة موحى بها من عند اللّه لتصور بصورة مجازية اقتران يهوه بإسرائيل عروسه المختارة. ومن سفر نشيد الإنشاد نقتطف:"ليقبلني بقبلات فمه لأن حبك أطيب من الخمر

في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي طلبته فما وجدته. . . قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه؟ قد غسلت رجلي فكيف أوسخهما؟ حبيبي مد يده من الكوة فأنت عليه أحشائي .. "

(1)

.

(1)

سفر نشيد الإنشاد 2:1 و 1:3 و 3:5 - 4.

ص: 26

"ليتك كأخ لي الراضع ثدي أمي فاجدك في الخارج وأقبلك ولا يخزونني. وأقودك وأدخل بك بيت أمي وهي تعلمني فأسقيك من الخمر الممزوجة من سلاف رماني. شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني"

(1)

.

"اجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ساعدك، لأن المحبة قوية كالموت. الغيرة قاسية كالهاوية، لهيبها لهيب نار لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ. المحبة والسيول لا تغمرها. إن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقاراً"

(2)

.

وإن الشريعة قد وجدت لاستتباب النظام ووحدة الكون وفي انعدامها حتما انتشار الفوضى الأخلاقية. ومن هنا فإن الشريعة قد وجدت لامحالة قبل أن يخلق العالم "في صدر الله وعقله

(3)

"، وكان إنزالها على موسى مجرد حادث من حوادث الزمان. والتلمود أو بعبارة أدق جزؤه الذي يبحث في الشريعة الشفوية المتضمنة "الهلكا والهجدة" هو أيضاً كلمات الله الأزلية وهو صياغة للقوانين التي أوحاها الله إلى موسى شفويا ثم علمها موسى لخلفائه، ولهذا فإن مافيها من أوامر ونواهٍ واجبة الطاعة تستوي

في هذا مع كل ماجاء في التوراة

(4)

.

(1)

نشيد الإنشاد 8: 1 - 3.

(2)

نشيد الإنشاد 8: 6 - 7.

(3)

قارن بذلك مايعتقده الصينيون الأقدمون من أن حركة العالم وبقاءه إنما يعتمدان على القانون الأخلاقي - وتشبيه هرقليطس صور الكوكب السيارة بالذنوب، وأفكار أفلاطون النموذجية الأصلية المقدسة صدى لما جاء بسفر الأمثال:"الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم. منذ الأزل مسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض".

أمثال: 8: 22 - 23. والإسلام يعتقد صدقا ويقينا بأزلية القرآن الكريم.

(4)

لم يقر أي مجمع يهودي رسمي هذا الرأي التلمودي الخاص بالتلمود، هذا بالإضافة إلى أن البهودية الحديثة بعد إصلاحها ترفضه.

ص: 27

ومن أحبار اليهود من يجعلون المشنا مرجعا أقوى حجة من الكتاب المقدس، لأنها صورة من الشريعة معدلة جاءت متأخرة عنها، وكانت بعض قرارات الأحبار تتعارض تعارضا صريحا مع قوانين أسفار موسى الخمسة، أو تفسيرها تفسيراً يبيح مخالفتها. وكان يهود ألمانيا وفرنسا في العصور الوسطى يدرسون التلمود أكثر ما يدرسون التوراة نفسها.

ومن المبادئ البديهية في التلمود، كما أن من المبادئ البديهية في التوراة، وجود إله عاقل قادر على كل شيء. وقد وجد بين اليهود من حين إلى حين عدد من المتشككين أمثال "اليشع بن أيوبا" العالم الذي اتخذه الكوهن مائير صديقا له، ولكن يبدوا أن أولئك المتشككين كانوا أفيلة صغيرة لا تكاد تجهر بآرائها.

والله كما يصفه التلمود إله متصف صراحة بصفات البشر، فهو يحب ويبغض ويغضب ويضحك ويبكي ويشعر بوخز الضمير، ويلبس التمائم، ويجلس على عرش يحيط به طائفة من الملائكة المختلفي الدرجات يقومون على خدمته. ويدرس التوراة ثلاث مرات في كل يوم.

واليهود لا يفتئون يجهرون بوحدانية الله في حماسة قوية. وينددون بشرك الوثنية، وبما يبدو في المسيحية من تثليث.

وهم يجهرون بهذه الوحدانية في أشهر صلواتهم، وأ كثرها انتشاراً بينهم الا وهي صلاة "شمع يسرائيل" وفحواها:"اسمع يا إسرائيل الله إلهنا الله واحد": وليس ثمة مكان بجواره في هيكله أو في عبادته لمسيح أو نبي أو قديس.

النهي عن ذكر لفظ الجلالة (الله):

وقد نهى أحبار اليهود الئاس عن ذكر اسم "الله" إلا في أحوال نادرة. ويقصدون بذلك أن يحولوا بينهم وبين تدنيسه أو اتخاذه وسيلة

ص: 28

للسحر. ولكي يتجنبوا النطق بهذا الاسم الرباعى "يهوه " كانوا يذكرون بدلا منه لفظ "أدوناي" أي الرب، بل ويشيرون بأن يستعمل بدلا منه عبارات مثل "الواحد المقدس" أو "الواحد الرحمن" أو "السماوات" أو "أبانا الذي في السماوات".

وفي اعتقادهم أن الله قادر على صنع المعجزات، وأنه يصنعها فعلا، وخاصة على أيدي كبار الأحبار. ولكن يجب ألا يظن أن هذه المعجرات خرق لقوانين الطبيعة إذ ليس ثمة قوانين إلا إرادة الله.

ولقد رأوا معجزات على يد موسى: "ومد موسى يده على البحر فأجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة كل الليل وجعل البحر يابسة وانشق الماء. فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم"

(1)

.

وفي عهد يشوع خليفة موسى عليه السلام طلب أن تقف الشمس: "حينئذ كلم يشوع الرب. . وقال أمام عيون إسرائيل: يا شمس دومي على جبعون ويا قمر على وادي أيلون. فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه .. فوققت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل"

(2)

.

وفي عهد موسى نطقت أتان: "فلما أبصرت الأتان ملاك الرب ربضت تحت بلعام فحمى غضب بلعام وضرب الأتان بالقضيب. ففتح الرب فم الأتان فقالت لبلعام: "ماذا صنعت بك حتى ضربتني الآن ثلاث دفعات؟ ..

ثم كشف الرب عن عيني بلعام فأبصر ملاك الرب واقفا في الطريق وسيفه مسلول في يده فخر ساجدا على وجهه"

(3)

.

(1)

سفر الخروج 21:14 - 22. موقع المعجزة مدينة السويس الحالية.

(2)

سفر يوشع 10: 12 - 14.

(3)

سفر العدد 22: 27 - 32.

ص: 29

وفي عهد إيليا أقام ميتا من الموت: "وبعد هذه الأمور مرض ابن المرأة صاحبة البيت واشتد مرضه جدا حتى لم تبق فيه نسمة فقالت لإيليا: "مالى ولك يا رجل الله. هل جئت إلي لتذكير إثمي وإماتة ابني" فقال لها: أعطيني ابنك. وأخذه من حضنها وصعد به إلى العلية التي كان مقيما بها وأضجعة على سريره وصرخ إلى الرب وقال: أيها الرب إلهي أأيضاً إلى الأرملة التي أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك ابنها؟ فتمدد على الولد ثلاث مرات وصرخ إلى الرب وقال: يارب إلهي لترجع نفس هذا الولد إلى جوفه.

فسمع الرب لصوت إيليا، فرجعت نفس الولد إلى جوفه فعاش، فاخذ إيليا الولد ونزل به من العلية إلى البيت ودفعه لأمه، وقال إيليا: انظري ابنك حي، فقالت المرأة لإيليا: هذا الوقت علمت أنك رجل الله وأن كلام الرب في فمك حق"

(1)

.

‌الحياة والشريعة:

ليس التلمود من التحف الفنية، ذلك بأن جمع أفكار ألف عام كاملة ووضعها في مجموعة مترابطة متناسقة عمل لا يقوى عليه حتى مائة حبر من الأحبار الصابرين، وما من شك في أن كثيراً من المقالات قد وضعت في غير موضعها من التلمود، وأن عدداً من الفصول قد وضع في غير المقالات التي يحب أن يوضع فيها وأن موضوعات تبدأ ثم تترك، ثم تبدأ من جديد على غير قاعدة موضوعة.

وليس كتابة التلمود ثمرة تفكير بل هي التفكير نفسه: فكل الآراء المختلفة قد دونت فيه، وكثيراً ما تترك النقط المتعارضة دون أن تحل أو تفسر، وكأننا قد اجتزنا خمسة عشر قرنا من الزمان كيما ننصت إلى نقاش

(1)

سفر الملوك الأول 17: 17 - 24.

ص: 30

أشد المدارس إخلاصا للتلمود، ونستمع إلى آراء وكتابات وتفسيرات الأحبار عقيبا "ومائير"، ويهوذا هنسيا، ورب، في أثناء جدلهم العنيف.

إذا ذكرنا هذا استطعنا أن نجد هذه الأقوال من جدل وسفسطة وأقاصيص غير مصدقة وتنجيم وأحاديث عن الجن وعن الشياطين، وخرافات ومعجزات وأسرار الأعداد، وأحلام وحي، ونقاش لا آخر له، تنسج نسيجا مهلهلا من الخيالات والأوهام والغرور الذي يعزيهم، ويأسو جراحهم ويخفف من لوعتهم على آمالهم الضائعة. ولا أدل على ذلك من أسفار الأبو كريفا التي تضمنها الكتاب المقدس منها قصة يهوديت وتأريخ المكابيين والأسفار المزيدة من سفر دانيال وهي قصة البعل والتنين.

وإذا ما اشمأزت نفوسنا من قسوة هذه القوانين ومن حساسية هذه النظم وتدخلها فيما لايصح أن تتدخل فيه، وما يجازى به من يخرقها أو يتهاون بها من شدة وبطش، فإن من واجبنا ألا نحمل هذه المسألة محمل الجد. ذلك أن اليهود لم يدعوا قط لأن يطيعوا هذه الوصايا كلها بل أن يسيروا في سلوكهم الشخصي بمقتضاها. على أن أحبارهم كانوا يغضون أبصارهم عما يجدونه في كل صفحتين من كتاباتهم من ثغرات بين نصائحهم التي تدعو إلى الكمال.

وبين مافي الطبيعة البشرية من ضعف خفي. وفي ذلك يقول أحد الأحبار الحذرين: "لو أن إسرائيل قد حرصت الحرص الواجب على تعشير شبت واحد لجاء ابن داود من فوره" ولم يكن التلمود كتاب قوانين يطلب إلى اليهود إطاعتها جملة وتفصيلا. بل كان سجلا لآراء الأحبار. جمعه جامعوه ليهتدى به الناس إلى الحياة الصهيونية، غير أن قلة من الجماهير غير المثقفة انتقت مختارات من الأوامر جاءت بها الشريعة كنبراس لسبيلهم.

ص: 31

وقيل إن موسى قد جاء متخفياً إلى الحجرة التي يلقي فيها عقيبا دروسه، حيث جلس في الصف الأخير ودهش من كثرة القوانين التي استنبطها المعلم الكبير من الشريعة الموسوية، والتي لم يحلم بها كاتبها قط. ولقد ظل التلمود أربعة عشر قرنا من الزمان أساس التربية اليهودية، وجوهرها، وكان الشاب العبراني ينكب على دراسته سبع ساعات يوميا لمدة سبع سنوات يتلوه وبثبته في ذاكرته بلسانه وعينه، وكان هو الذي يكون عقولهم ويشكل أخلاقهم بما تفرضه دراساته من نظام دقيق، وبما يستقر في عقولهم من معرفة، شأنه في هذا شأن كتابات كنفوشيوس التي كان يستظهرها الصينيون كما يستظهر اليهود التلمود ? ولم تكن طريقة دراسته مقصورة على تلاوته وتكراره، بل كانت تشمل فوق ذلك مناقشة بين المدرس والتلميذ، وبين التلميذ والتلميذ، وتطبيق القوانين القديمة على ما يستجد من الظروف، وقد أفادت هذه الطريقة حدة في الذهن وتقوية للذاكرة، وتثبيتا للعلومات ميزت اليهودي من غيره في كثير من الميادين التي تتطلب الوضوح، وتركيز الذهن، والمثابرة والدقة، وإن كانت في الوقت نفسه قد عملت على تضييق أفق العقل اليهودي والحد من حريته.

ولقد روض التلمود طبيعة اليهودي الثائرة المهتاجة وكبح جماح نزعته الفردية، وبث فيه روح العفة والوفاء لأسرته وعشيرته. ولربما كان «نير الشريعة» عبئا ثقيلا على ذوي العقول السامية الكبيرة، ولكنه كان السبب في نجاة اليهود بوجه عام.

ولقد كان التلمود على حد قول هيني Heine وطنا متنقلا لليهود يحملونه معهم أينما ساروا. فحيثما وجد اليهود، حتى وهم جالية واجفة في أرض الغربة، كان في وسعهم أن يضعوا أنفسهم مرة أخرى في عالمهم "الجيتو" وأن يعيشوا مع أنبيائهم وأحبارهم، وذلك بأن يرووا عقولهم وقلوبهم من فيض هذه الشريعة، فلا غرابة والحالة هذه إذا عشقوا التلمود وجعلوه

ص: 32

فى أيامنا هذه أثمن ما تمتلكه معابدهم وبيوتهم، واتخذوه ملجا وسلوى وملاذاً للروح اليهودية.

‌المرأة في التلمود:

إن قوانين التلمود بوجه عام من وضع الأحبار، وبمعنى آخر من وضع الرجال، وهي لذلك تحابي الذكور محاباة بلغ من قوتها أن بعثت في نفوس أحبار اليهود الفزع من قوة المرأة. وهم يلومونها كما يلومها الآباء المسيحيون لأنها أطفات «روح العالم بسبب تشوف حواء المنبعث من ذكائها» . وكانوا يرون أن المرأة خفيفة العقل وإن كانوا يقرون بأنها وهبت حكمة غريزية لا وجود لها في الرجل، وهم يأسفون أشد الأسف لما جبلت عليه المرأة من"ثرثرة" ويقولون في أساطيرهم:"لقد نزلت على العالم عشرة مكايل من الكلام أخذت المرأة منها تسعة" وأخذ الرجل واحداً".

ونددوا بانهما كها في السحر والشعوذة، وما إليها من الفنون الروحية الخفية، وفي افتتانها بالأصباغ والكحل، ولم يكونوا يرون بأساً في أن ينفق الرجل بسخاء على ملابس زوجته، ولكنهم يطلبون منها أن تتجمل لزوجها لا لغيره من الرجال.

وفي القضاء على حد قول أحد الأحبار تعدل شهادة مائة امرأة شهادة رجل واحد. وكانت حقوق النساء الملكية محددة في التلمود بالقدر الذي كانت محددة به في إنجلترا في القرن الثامن عشر، فمكاسيهن وما يئول إليهن من ملك إنها هو حق لأزواجهن ومكان المرأة هو البيت. ويقول أحد الأحبار المتفائلين: إن المرأة في عصر المسيح الثاني ستلد طفلاً في كل يوم" وإن الرجل الذي له زوجة خبيثة لن يرى وجه جهنم.

ص: 33

يبدو أنه بعد أن قربت عقيدة إسرائيل من التوحيد انتكست مرة أخرى انتكاساً كبيراً في العهد الذي ألف الأحبار فيه التلمود وهو "القرون الستة الأولى بعد الميلاد" فأسفار التلمود تظهر إله إسرائيل متصفاً بكثير من صفات الحوادث وصفات النقص.

ويبدو ذلك على الأخص فيما يرويه التلمود عن نشاط الله وأعماله في الليل والنهار، وعن حالته بعد هدم الهيكل وتشريد بني إسرائيل. فتقرر بعض أسفاره أن الله يقضي الساعات الثلاث الأولى من النهار في مذاكرة الشريعة، والساعات الثلاث الثانية في تدبير شئون الحكم بين الناس، والساعات الثلاث الثالثة في تدبير العيش للخلق. وأما الساعات الثلاث الأخيرة من النهار فيقضيها في اللعب مع الحوت ملك الأسماك. وهو حيوان كبير جداً يتسع حلقه لسمكة طولها ثلاثمائة فرسخ بدون أن تضايقه، وقد رأى الله أن يحرمه من أنثاه حتى لا يتناسلا فيملآن الدنيا وحوشا تهلك من فيها وتأتي على الحرث والنسل، ولهذا حبس الذكر بقوته الإلهية، وقتل الأنثى وملحها وحفظها لطعام المؤمنين في الفردوس. وأما ساعات الليل فيقضيها الإله في مذاكرة التلمود مع الملائكة ومع ملك الشياطين الذي يصعد إلى السماء كل ليلة ثم يهبط منها إلى الأرض بعد انتهاء هذه الندوة العلمية.

وقد تغير هذا النظام بعد أن قدر الله على هدم الهيكل وتشريد بني إسرائيل، فقد اعترف الإله بخطئه في هذا الصدد وندم على مافعله، وخصص ثلاثة أرباع الليل للبكاء والندم.

ص: 37

وكان إذا بكى سقطت من عينيه دمعتان في البحر فيسمع دويهما في الآفاق، وتضطرب المياه وترتجف الأرض فتنجم عن ذلك الزلازل. ويزعم التلمود أن الله يردد في أثناء بكائه ونحيبه عبارات تدل على ندمه على ما فعل فيقول:"تباً لي أمرت بخراب بيتى وإحراق الهيكل وتشريد أولادي" ويقول حينما يسمع الناس يمجدونه: "طوبى لمن يمجده الناس وهو مستحق لذلك. وويل للأب الذي يمجده أبناؤه مع عدم استحقاقه لذلك لأنه قضى عليهم بالتشريد والشقاء". ويقرر التلمود كذلك أن الإله قد تستولي عليه نزوة غضب فيقسم ليأتين أعمالاً شريرة أو غير عادلة ثم يئوب إلى رشده فيتحلل من يمينه كما حدث يوم أن غضب على بني إسرائيل في الصحراء، وأقسم أن يبيدهم، ثم رجع عن عزمه وتحلل من يمينه بعد أن انقشعت نزوة غضبه.

وكان في الغد أن موسى قال للشعب: أنتم قد أخطأتم خطية عظيمة، فأصعد الآن إلى الرب لعلي أ كفر خطيتكم. فرجع موسى إلى الرب، وقال: آه قد أخطأ هذا الشعب خطية عظيمة وصنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب. والآن إن غفرت خطيتهم، وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت.

فقال الرب لموسى: من أخطأ إلي أمحوه من كتابي. والآن اذهب اهدِ الشعب إلى حيث كلمتك. هوذا ملاكي يسير أمامك، ولكن في يوم افتقادي أفتقد فيهم خطيتهم. فضرب الرب الشعب لأنهم صنعوا العجل الذي صنعه هارون"

(1)

.

وجاء في التوراة أن موسى أغلق على شعب إسرائيل بوصيته: "احفظ ما أنا موصيك اليوم. ها أنا طارد من قدامك الأموريين والكنعانيين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين. احترز من أن تقطع عهداً

(1)

سفر الخروج 32: 30 - 35.

ص: 38

مع سكان الأرض التي أنت آت إليها لئلا يصيروا فخاً في وسطك. بل تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم، فإنك لا تسجد لإله آخر لأن الرب اسمه غيور، إله غيور هو، احترز من أن تقطع عهداً مع سكان الأرض، فيزنون وراء آلهتهم، فتدعى وتأكل من ذبيحتهم وتأخذ من بناتهم لبنيك فتزني بناتهم وراء آلهتهن ويجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهن"

(1)

.

وجاء أيضأ من وصاياه: "حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. و أما النساء و الأطفال والبهائم وكل مافي المدينة كل غنيمتها فتغتنمها

لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك"

(2)

.

‌نشأة اللغة العبرية:

إذا كان كل شعب يجل لغته، ويعظمها، ويرفعها فوق كل لغة، ويعتز بها ويسمو بمكانتها فوق كل لهجة، فإن مكان اللغة العبرية من الشعب الإسرائيلي مكان الأم من أبنائها.

قالوا: ولكنها لم تذكر (بالنص) في الكتب المقدسة، وهو ما يدل على أن هذه التسمية كانت من عمل غير العبريين، قالوا: وإنما ذ كر في سفر، إشعياء: "في ذلك اليوم يكون في أرض مصر خمس مدن تتكلم

(1)

سفر الخروج 34: 11 - 16.

(2)

سفر التثنية 20: 10 - 14.

ص: 39

بلغة كنعان"

(1)

. مسماة باسم كنعان حفيد نوح عليهما السلام. ثم أطلقوا عليها اسم اليهودية: "ثم وقف ربشاقى ونادى بصوت عظيم باليهودي وقال: اسمعوا كلام الملك العظيم ملك أشور"

(2)

فقال الياقيم بن حلقيا وشبنة ويواخ لربشاقى: كلم عبيدك بالآرامي لأننا نفهمه ولا تكلمنا باليهودي في مسامع الشعب"

(3)

.

على أننا وجدنا في سفر نحميا هذا الأسم (يهودي) ولكنه لم يرد له كر إلا بعد هجرة العشرة الأسباط - هنالك كان هذا النعت يطلق على اللغة والأمة أيضاً: "في تلك الأيام أيضا رأيت اليهود الذين سا كنوا نساء أشدوديات وعمونيات وموآبيات ونصف كلام بنيهم باللسان الأشدودي ولم يكونوا يحسنون التكلم باللسان اليهودي بل بلسان شعب وشعب"

(4)

.

والفرق كبير بين لفظتى: عبرى - وإسرائيلي، للأن لفظ عبرى إنما كان ينعت به الشعب قبل ظهور الأسباط وفي الأيام الخالية، أما بعد ذلك فقد اعزوا بهذه التسمية، وأصبحوا يفخرون بالإسرائيلية.

على أننا لا نجد من بين المؤرخين اليونانيين والرومان - مثل بوزينيوس وطصطيوس وحتى المؤرخ اليهودي الشهير، يوسيفوس - من ذكر اليهود أوسماهم بالإسرائيليين، وإنما كلهم يجمعون على تسميتهم (بالعبريين).

"وقال الرب لأبرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك

فأخذ أبرام ساراى امرأته ولوطاً ابن أخيه وكل

(1)

سفر أشعياء 19: 18.

(2)

سفر أشعياء 36: 13.

(3)

سفر الملوك الثاني 18: 26.

(4)

سفر نحميا 13: 23 - 24.

ص: 40

مقتنياتهما التي اقتنيا، والنفوس التي امتلكا في حاران. وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان فأتوا إلى أرض كنعان"

(1)

.

قالو!: والتأريخ يجهل نشأة اللغة العبرية من عهدها الأول، إنما غاية ما يعرفه أنها وليدة أرض كنعان، وأنها كانت تجري على ألسنة قبائل الكنعانيين والفينيقيين - سكان فلسطين قبل أن يسكن أبناء إبراهيم تلك البلاد.

ولقد زارت مصر مع أبناء يعقوب حفيد إبراهيم وعادت معهم إلى موطنها الأول - أرض كنعان.

وكنعان اسم يقع ويشمل - كل عشائر الكنعانيين، سكان فلسطين وماتاخمها من بلاد سوريا ذلك الجزء الذى يقع على سكانه نعت الفينقيين، وقد وجد عملة من أثآرهم تشهد بذلك، وتعزز هذا الرأي.

‌ترجمة التوراة:

ترجمت التوراة بلغة "رها" وصارت الترجمة معروفة مقروءة عند النصارى الآراميين مألوفة في كنائسهم.

أما اسم آرام وآراميين، فقد تبدل ونسخ معناه، وصار المسيحيون واليهود يطلقون هذا الاسم على الوثنيين من بني آرام أو الآراميين. من أجل ذلك صار هذا الاسم بغيضا مكروهاً عند أصحاب الدين المسيحي وغيروا اسمهم من آراميين إلى سريان وصارت لغتهم سريانة، آخذين هذا الاسم من اللغة اليونانية، واستملح يهود ونصارى فلسطين هذا اللفظ "سريانية" وكان اليونان والعجم يسمون بني آرام الساكنين في أرض بابل بالسريان. وليس من الوجاهة في شئ أن تسمى لغة "رها" بالسريانية.

(1)

سفر التكوين 12: 1 - 5.

ص: 41

‌السامريون واليهود:

قالت المرأة السامرية للمسيح عليه السلام: "آباونا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون: "إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه"

(1)

. يزعم السامريون أنهم على حق وأنهم أصحاب الدين الخالص، آيتهم يى ذلك أنهم لم يهجروا بلادهم إلى بابل كما هاجر الذين يحاجونهم في ذلك، ولكنهم لبثوا في أرضهم مقيمين قانتين حفظة كراما للدين.

ويقول اليهود: بل ليس السامريون على شيء، وإنهم (اليهود) يعلمون ويوقنون أن أباهم حافظ للدين فلا يمسه سوء لأنه الحق المبين.

وأن الله قد كان مدركهم وهاديهم في مهجرهم ثم أنهم عادوا من بعد ذلك إلى أورشليم "بيت المقدس" بيت الله وهم على دينهم الحنيف. قالوا: أما آباؤكم أيها السامريون فقد تزوجوا من نساء وثنيات، فاختلط الدم بالدم، واستبحتم ماحرمنا على أنفسنا. ثم لم تقف بكم الحال عند هذا الحد بل جعلتم بناتكم حلاً للوثنيين تصاهرونهم وتخالطونهم.

ولقد جمع السامريون من التوراة أسفار موسى الخمسة وكانت لهم هذه الأسفار بالعبرية بالخط العبري القديم ثم ترجموها إلى اللغة الآرامية، بلهجة سامرية، بعد أن شاعت اللغة الآرامية وذاعت في بلاد فلسطين.

(1)

إنجيل يوحنا 4: 20.

ص: 42

‌الشريعة في أسفار اليهود

وقيامها على التفرقة العنصرية وعدم وحدتها

تضمنت أسفار العهد القديم والتلمود تنظيما كاملا لشئون الدين والدنيا معا، فلم تغادر أي ناحية من نواحي العبادات وشئون المعاملات والسياسة والإقتصاد والأسرة والقضاء والتربية والأخلاق والحرب والعلاقات الدولية وواجبات الفرد نحو نفسه وأسرته ووطنه. وما إلى ذلك، لم تغادر أية ناحية من هذه النواحي وغيرها إلا وضعت حدودا وقواعد وبينت ماينبغي أن تكون عليه، وما يجب اتخاذه في حالة الخروج عليها، حتى شئون الأ كل والشرب، والعلاقات الخاصة بين الرجل وزوجته والحيض والنفاس والزراعة والحصاد واستخدام الأنعام في الحرث. غير أنه يلاحظ في هذه الشريعة كثير من مظاهر الإنحراف والتضارب واختلاط المسائل نذكر منها:

قيام الديانة اليهودية على التفرقة العنصرية:

وذلك أنها تجعل اليهود الشعب المختار الذي اصطفاه الله وفضله على العالمين: "والآن هكذا يقول الرب خالقك يايعقوب وجابلك يا إسرائيل.

لاتخف لأني فديتك. دعوتك باسمك. أنت لي. إذا اجتزت في المياه فأنا معك وفي الأنهار فلا تغمرك. إذا مشيت في النار فلا تلذع واللهيب لا يحرقك، لأني أنا الرب إلهك قدوس إسرائيل مخلصك. جعلت مصر فديتك كوش وسبا عوضك. إذا صرت عزيزا في عيني مكرما وأنا قد أحببتك أعطي أنسا عوضك وشعوباً عوض نفسك"

(1)

. ومن هذا السند ندرك ادعائهم أنهم شعب الله المختار وأصبحوا ينظرون إلى ما عداهم من

(1)

سفر إشعياء 43: 1 - 4.

ص: 43

الشعوب نظرتهم إلى شعوب وضيعة في سلم الإنسانية، حتى دارون صاحب النظرية القائلة بأن الإنسان من سلالة القرد وتدرج في تطور، حتى وصل إلى حالته الراهنة. كانت العقيدة اليهودية والعنصرية الإسرائيلية تسيطر على ذهنه. وعلى العموم فإن هذه الشريعة تضع قوانينها ونظمها على أساس التفرقة العنصرية:"فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها. لأن هذه الجارية لايرث مع أبني إسحق"

(1)

. فتفرق بين هؤلاء وأولئك أمام القانون وفي كثير من شئون الإجتماع فمن ذلك مثلاً أن الإسرائليين محرم عليهم أن يقتل بعضهم بعضا وأن يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، على حين أنه مباح للإسرائيليين، بل واجب عليهم غزو الشعوب الآخرى وخاصة شعب كنعان، وواجب عليهم بعد انتصارهم على بلد ما أن يضربوا رقاب جميع رجاله البالغين بحد السيف. فلا يبقوا على أحد منهم ويسترقوا جميع نسائه وأطفاله، ويستولوا على جميع ما فيه من مال وعقار ومتاع أو ينهبوه حسب تعبير أسفارهم:"وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل مافي المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك"

(2)

.

ومن ذلك أن الإسرائيلي إذا باع نفسه بيعاً اختيارياً لأخيه الإسرائيلي في حالة عوزه وحاجته إلى المال، فإن رقه يكون موقوتا بأجل يرجع بعده إلى حريته، على حين أن الرق المضروب على غير الإسرائيلي يظل أبد الآبدين:"وتقدسون السنة الخمسين وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها تكون لكم يوبيلا وترجعون كل إلى ملكه وتعودون كل إلى عشيرته"

(3)

. "وإذا افتقر أخوك عندك وبيع لك فلا تستعبده استعباد

(1)

سفر التكوين 21: 10.

(2)

سفر التثنية 20: 13 - 14.

(3)

سفر اللاويين 25: 10.

ص: 44

عبد. كاجير كنزيل يكون عندك. إلى سنة اليوبيل يخدم عندك. ثم يخرج من عندك هو وبنوه معه ويعود إلى عشيرته وإلى ملك آبائه يرجع.

لأنهم عبيدي الذين أخرجتهم من أرض مصر لا يباعون بيع العبيد.

لا تتسلط عليه بعنف بل اخش إلهك. وأما عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم. منهم تقتنون عبيدا وإماء وأيضاً من أبناء المستوطنين النازلين عندكم منهم تقتنون ومن عشائرهم الذين عندكم الذين يلدونهم في أرضكم فيكونون ملكا لكم. وتستملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك. تستعبدونهم إلى الدهر، وأما إخوتكم بنو إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف"

(1)

. إذا بيع لك أخوك العبراني أو أختك العبرانية وخدمتك ست سنين ففي السنة السابعة تطلقه حرا من عندك، وحين تطلقه حرا من عندك لا تطلقه فارغاً

(2)

، إذا اشتريت عبدا عبرانيا فست سنين يخدم وفي السابعة يخرج حرا مجاناً"

(3)

.

ومن ذلك أنه ما كان يجوز للإسرائيلي أن يتعامل بالربا مع أخيه الإسرائيلي ولا أن يأخذ منه رهنا بدينه، وإذا أخذ منه في الصباح رهنا من المتاع الذي لا يستغني عنه في حياته اليومية كالرحا وما إليها وجب أن يرده إليه في المساء" أما غير الإسرائيل فمباح للإسرائيلي أن يمتصه و يتعامل معه بأشنع أنواع الربا الفاحش:"الأجنبي تطالب وأما ما كان لك عند أخيك فتبرئه يدك منه"

(4)

. لاتقرض أخاك بربا ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شيء ما مما يقرض بربا. للأجنبي تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا لكي يباركك الرب إلهك في كل ما تمتد إليه يدك في الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها"

(5)

.

(1)

سفر اللاويين 25: 31 - 46.

(2)

سفر التثنية 15: 12 - 13.

(3)

سفر الخروج 21: 2.

(4)

سفر التثنية 15: 3.

(5)

سفر التثنية 23: 19 - 20.

ص: 45

‌القصص في أسفار اليهود:

عرضت أسفار اليهود لتأريخ العالم من يوم نشأته إلى قبيل بعثة المسيح فتكلمت بإجمال على خالق السماوات والأرض وخلق آدم وحواء وتأريخهما في الجنة وبعد هبوطهما منها وما حدث لنسلهما بعد ذلك. وقصة نوح والطوفان: وقصة أولاده الثلاثة سام وحام ويافث، وعرضت بشيء من التفصيل لتأريخ نسل سام، وهم الذين ينتمي إليهم بنو إسرائيل، وخاصة تأريخ إبراهيم وإسحق ويعقوب أو إسرائيل. ثم تناولت بتفصيل كبير تأريخ بني إسرائيل في مختلف مراحل حياتهم في مصر وسيناء و بعد استقرارهم في الأرض المقدسة، وتأريخ من تولى شئونهم الدينية والسياسية من قضاة وملوك ولاويين وأحبار وربانيين. ومن بعث فيهم من رسل وأنبياء، وعلاقاتهم بالشعوب الأخرى. وماجرى بينهم وبين هذه الشعوب من اشتباكات وحروب أو موادة ووفاق- وهلم جرا - وقد استغرق هذا القصص أكبر قسم من أسفار العهد القديم وقسما غير يسير من أسفار التلمود.

هذا وقد انتاب القصص في أسفار اليهود تحريف كبير عن الوضع الصحيح، ويبدو تحريفها هذا في مواطن كثيرة يرجع أهمها إلى مايلي:

1 -

أن الذات العلية تبدو في أسفار توراتهم المزعومة، وبخاصة في القديم منها كسفر التكوين، وفي بعض أسفار التلمود، صورة مجسمة متصفة بكثير من صفات الحوادث، بل بكثير من صفات النقص وغير مختلفة اختلافا كبيرا عن الخلق في طبيعتها ومسلكها. على النحو الذي نتبينه في قصة آدم وحواء الواردة في سفر التكوين الإصحاح الثالث:"الرب إله غيور ومنتقم. الرب منتقم وذو سخط. الرب منتقم من مبغضيه وحافظ غضبه على أعدائه"

(1)

.

(1)

سفر ناحوم 1: 2.

ص: 46

2 -

أن بعض من بعث فيهم من أنبياء أو رسل تذكرهم أسفار اليهود على أنهم مجرد آباء قدامى patriarches كإبراهيم وإسحق أو على أنهم مجرد ملوك كداود وسلمان.

3 -

أن أسفارهم تنسب لبعض الأنبياء، أو لبعض من تسميهم آباء لبني إسرائيل أو ملوكا لدولهم، أعمالاً قبيحة تتنافى مع وضعهم الديني والإجتماعي، بل تتعارض مع الخلق الكريم في ذاته، ولا يتصور صدورها إلا عن سفلة الناس.

منها ماتقرره أسفارهم من أن شعب كنعان قد كتب عليه في الأزل أن يكون رقيقاً لبنى إسرائيل وأنه لاينبغي أن يكون لأفراد هذا الشعب وظيفة في الحياه غير هذه الوظيفة، فإن تمردوا عليها أو طمحوا إلى الحرية وجب على بني إسرائيل أن يردوهم إليها بحد السيف، وتقرر أسفارهم أن هذا الوضع قد فرض عليهم لدعوة دعاها نوح على كنعان ونسله، وذلك أن نوحا - حسب ما يزعمه سفر التكوين - قد شرب مرة نبيذ العنب الذي غرس كرمه بيده بعد الطوفان بدون أن يعلم خاصته المسكرة، ففقد وعيه وانكشفت سوأته، فرآه ابنه حام على هذه الصورة فسخر منه، وحمل الخبر إلى أخويه سام ويافث. ولكن هذين كانا أكثر أدبا منه، فحملا رداء وسارا به القهقري نحو أبيهما حتى لايقع نظرهما على عورته، وسترا به ما انكشف من جسمه، فلما أفاق نوح وبلغه ما كان من موقف أولاده حياله، لعن كنعان بن حام ودعا على نسله أن يكونوا عبيداً لعبيد أولاد سام ويافث: "فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير، فقال: ملعون كنعان.

عبد العبيد يكون لإخوته. وقال: مبارك الرب إله سام. وليكن كنعان عبداً لهم، ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبداً لهم"

(1)

.

(1)

سفر التكون 9: 24 - 27.

ص: 47

ومن ذلك ماتقصه: توراتهم المزعومة عن إبراهيم حينما هاجر هو وزوجه سارة إلى مصر على إثر ما أصاب بلاده من جدب ومجاعة، إذ تذكر أن إبراهيم قال لزوجته وهما في طريقهما إلى مصر إنها امرأة جميلة وإن المصريين لا بد أن يفتتنوا بها وإذا علموا أنها متزوجة فسيقتلون زوجها لتخلص لهم بعد ذلك. واتفق معها على أن يتظاهرا بأنها أخته حتى تسلم له حياته. بل يناله حينئذ من المصريين خير كثير:"وحدث جوع في الأرض، فانحدر ابرام إلى مصر ليتغرب هناك لأن الجوع في الأرض كان شديدا. وحدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لساراى امرأته: إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر، فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون: هذه أمرأته. فيقتلونني ويستبقونك. قولي أنك أختي ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك"

(1)

.

وقد كرر إبراهيم فعلته هذه حسب ما يزعمه سفر التكوين حينما هاجر إلى منطقة جيرار: "وانتقل إبراهيم من هناك إلى أرض الجنوب وسكن بين قادش وشور وتغرب في جرار، وقال إبراهيم عن سارة امرأته: هي أختى. فارسل أَبِيمَالِك ملك جرار وأخذ سارة. فجاء الله إلى أَبِيمَالِك في حلم اليل وقال له: ها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها فإنها متزوجة ببعل"

(2)

.

وكاد أَبِيمَالِك حاكم جيرار كما كاد سابقه فرعون مصر يرتكب الإثم مع سارة لولا أن أظهره الله في المنام على حقيقتها وأنها امرأة إبراهيم لا أخته وعاتبه على كذبه، ونفحه كذلك بهيمة من النعاج والثيران. فكأنما إبراهيم يتاجر بامرأته هذه متنقلا بها من بلد إلى بلد: "فأخذ أَبِيمَالِك غنما

(1)

سفر التكوين 12: 10 - 13.

(2)

سفر التكوين 20: 1 - 3.

ص: 48

وبقراً وعبيداً وإماء وأعطاها لإبراهيم. ورد إليه سارة أمرأته"

(1)

. وحدث له ببيت فرعون كذلك: "فأُخذت المرأة إلى بيت فرعون، فصنع إلى ابرام خيراً بسببها. وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال"

(2)

.

ولا عجب أن سلك نفس السلوك إسحق: "وكان في الأرض جوع غير الجوع الأول الذي كان في أيام إبراهيم. فذهب إسحق إلى أبيمالك ملك الفلسطينيين

وسأله أهل المكان عن امرأته فقال: هي أختي لأنه خاف أن يقول امرأتي لعل أهل المكان يقتلونني من أجل رفقة لأنها كانت حسنة المنظر"

(3)

.

ومن ذلك ماتزعمه توراتهم عن لوط وابنتيه، إذ تذكر أنه لم ينج من أهل قريتي سدوم وعمورة اللتين دمرهما الله بنار وكبريت - لما كان يرتكبه أهلهما من الشذوة الجنسي وإتيانهم - الذكور - إلا لوط وأبنتاه، وقد أقام ثلاثتهم عقب ذلك في غار في جبل مرتفع. وحينئذ قالت كبراهما لصغراهما: "إن أبانا قد أصبح شيخا كبيراً. وليس في هذا المكان القفر رجال يتصلون بنا على النحو الذي يفعله ذكور الناس مع إناثهم، وإذا بقي الأمر على هذه الحال فسينقرض نسل أبينا بعد وفاته ووفاتنا. وخير وسيلة لاتقاء هذه العاقبة هي أن نسقي أبانا خمراً حتى يفقد وعيه ويتصل بنا فنأتي منه بذرية تخلد نسله، وأنفذتا ما اتفقتا عليه، وقضت معه الكبرى الليلة الأولى والصغرى الليلة التالية، وواقع لوط كلتيهما. وهو

(1)

سفر التكوين 20: 14.

(2)

سفر التكرين 12: 15 - 16.

(3)

سفر التكوين 26: 7 - 11.

ص: 49

في نشوة سكره فحملتا منه، وجاءت الكبرى بغلام أسمته موآب، وجاءت الصغرى بغلام أسمته عمون، ومن هذين الغلامين تفرع شعبان كبيران هما شعب الموآبيين وشعب العمونيين:"وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه، لأنه خاف أن يسكن في صوغر فسكن في المغارة هو وابنتاه. وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه فنحي من أبينا نسلا. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها. وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعتك البارحة مع أبي، نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي اضطجعى معه. فنحي من أبينا نسلا. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضا، وقامت الصغرى واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها. فحبلت ابنتا لوط من أبيهما، فولدت البكر ابنا ودعت اسمه موآب وهو أبو الموآبيين إلى اليوم. والصغيرة أيضاً ولدت ابنا ودعت اسمه بن عمي، وهو أبو بني عمون إلى اليوم"

(1)

.

هذان الشعبان الموآبي والعموني قد دخلا في جماعة الرب حسب. تسلسل الأنسال للمسيح: "وأخذ بوعز راعوث الموآبية امرأة"

(2)

. ودخل عليها فأعطاها الرب حبلا فولدت ابنا ودعته عوبيد هو أبو يسّى أبي داود. وهذا مناقض لما جاء بالشريعة: "لا يدخل ابن الزنى في جماعة الرب

"

(3)

.

وإذا تأملنا بكل تدقيق في سلسلة أنساب سيدنا عيسى عليه السلام حسب ما جاء بإنجيل متى: "كتاب ميلاد يسوع المسيح بن داود بن

(1)

سفر التكوين 19: 30 - 38.

(2)

سفر راعوث 13:4.

(3)

سفر التثنية 23: 2.

ص: 50

إبراهيم. إبراهيم ولد إسحق، وإسحق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا وإخوته. ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار"

(1)

. نلاحظ أن ثامار هذه قد زنا بها يهوذا بن يعقوب بن إبراهم: "فأخبرت ثامار وقيل لها: هوذا حموك صاعد إلى تمنة لِيَجُزَّ غَنَمَهُ فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت وجلست في مدخل عينايم التي على طريق تمنة. لأنها رأت أن شيلة قد كبر وهي لم تعط له زوجة، فنظرها يهوذا وحسبها زانية لأنها كانت قد غطت وجهها. فمال إليها على الطريق وقال: "هاتي أدخل عليك"

(2)

.

وحان موعد ولادتها، لحمل قد حملته من يهوذا فاستشاط يهوذا غضبا وأمر بحرقها وهو لا يعلم أنه قد زنى بها:"ولما كان نحو ثلاثة أشهر أخبر يهوذا وقيل له قد زنت ثامار كنتك وها هي حبلى أيضاً من الزنا. فقال يهوذا أخرجوها فتحرق. أما هي فلما أخرجت أرسلت إلى حميها قائلة: "من الرجل الذي هذه له أنا حبلى؟ وقالت: حقق لمن الخاتم والعصابة والعصا هذه. فتحققها يهوذا وقال: هي أَبَرّ مني لأني لم أعطها لشيلة ابني"

(3)

.

وفي إنجيل متى جاء أيضاً في سلسلة أنساب المسيح عليه السلام: " ويسى ولد داود الملك. وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا"

(4)

فمن هي أوريا؟

لقد جاء في سفر صموئيل الثاني قصة غريبة عن سيدنا داود إذ يذكر أنه كان يمشي في مساء يوم على سطح قصره الملكى فوقع بصره في المنزل المجاور له على امرأة مفرطة في الجمال وهي تستحم متجردة من جميع ثيابها، قشغف بها حبا، وسأل عنها، فأخبر أنها زوجة أوريا الحثي أحد جنوده المحاربين المشتركين في حملة حربية بقيادة يؤاب، فبعث داود في طلبها فجيء

(1)

سفر متى 1: 1 - 3.

(2)

سفر التكون 13:38 - 16.

(3)

سفر التكوين 38: 24 - 26.

(4)

سفر متى 1: 6.

ص: 51

بها إليه. وبعد أن قضى منها وطره عادت إلى منزلها وقد حملت منه فعملت على أن يقف داود على خبر حملها منه: "وكان في وقت المساء أن داود قام.

ومشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم، وكانت المرأة جميلة المنظر جداً. . فأرسل داود رسلا وأخذها فدخلت إليه واضطجع معها وهي مطهرة من طمثها. ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت إني حبلى"

(1)

.

فاستدعى داود زوجها من الجيش وأخذ يسأله عن حالة الحملة وقائدها وأعمالها ونفحه ببعض الهدايا وطلب إليه أن يذهب إلى منزله ليستريح هذه الليلة. وكان داود يرمى من وراء ذلك أن يقرب الرجل زوجته، فينسب حملها إليه. ولا تعلق بداود أية شبة.

ولكن الرجل أبت عليه شهامته ووطنيته أن ينعم بالراحة واللذة في بيته بينما جيش بلاده مشتبك في معركة مع الأعداء، فلم يذهب إلى بيته وإنما قضى ليلته نائماً مع خدم القصر الملكى. ولما علم داود بذلك استدعاه مرة ثانية وسأله عن سبب إحجامه عن الذهاب لبيته، فأجابه بأن نفسه لم تطاوعه بأن ينام في بيته وجيشه يحارب في خارج بلاده، فطلب إليه أن يبقى يوماً آخر. ودعاه إلى الطعام والشراب، وحرص على أن يسكره حتى يفقد وعيه ويذهب إلى زوجته. ولكن أوريا لم يفقد رشده، فقضى ليلته كالسابقة نائماً مع خدم داود في القصر الملكى، ولما ضاق داود به ذرعا، ولم تفلح معه حيلته أمر برجوعه إلى الجبهة، وأرسل إلى يؤاب قائد جشه أن يضع أوريا في أخطر منطقة في ميدان القتال وأن يتخلى عنه حتى يقتل، فصدع يؤاب بالأمر، وقتل أوريا في الميدان: "فارسل داؤد إلى يؤاب يقول أرسل إليّ أوريا الحثي .. وقال داود

(1)

سفر صموئيل الثاني 11: 2 - 5.

ص: 52

لأوريا: انزل إلى بيتك واغسل رجليك، فخرج أوريا من بيت الملك وخرجت. وراءه حصة من عند الملك، ونام أوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده ولم ينزل إلى بيته. . . وفي الصباح كتب داود مكتوبا إلى يؤاب وأرسله بيد أوريا، وكتب في المكتوب يقول، اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت"

(1)

.

وحينئذ أتيح لداود أن يضم بتشبع زوجة أوريا الحثي إلى نسائه بعد أن أنقضى حدادها على زوجها ووضعت حملها وهي في عصمة داود وخفى بذلك على جميع الناس ما ارتكبه داود من جرائم خسيسة إذ زنى بامرأة متزوجة وعمل على قتل زوجها الشجاع وهو يذود عن حياض بلاده: "فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات أوريا رجلها ندبت بعلها. ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له امرأة وولدت له ابناً. وأما الأمر الذي فعله داود فقبيح في عيني الرب"

(2)

.

والقصة كما وردت في التوراة: وعلى هذا الوضع محض افتراء ولا يتصور صدور وقائعها من رجل عادي ذى خلق فضلاً عن نبي كريم بالإضافة إلى تناقض وقائعها مع روح الشريعة المقدسة القائلة: "لا يدخل ابن زنى في جماعة الرب. حتى الجيل العاشر لا يدخل منه أحد في جماعة الرب. لا يدخل عموني ولا موآبي جماعة الرب. حتى الجيل العاشر لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد"

(3)

.

ولقد شهد الإنجيل بسمو أخلاق داود بالقول، وقال الله قد وجدت داود بن يسَّى رجلا حسب قلبي الذي سيصنع كل مشيئتي"

(4)

.

(1)

سفر صموئيل الثاني 11: 6 - 15.

(2)

سفر صموئيل الثاني 11: 26 - 27.

(3)

سفر التثنية 23: 2 - 3.

(4)

سفر أعمال الرسل 13: 22.

ص: 53

‌تقرير الإنجيل عن بني إسرائيل:

ويقرر سفر الأعمال هذه الوقائع بالقول: "هذا موسى الذي أنكروه قائلين: من أقامك رئيسا وقاضيا. هذا أرسله الله رئيساً وفاديا بيد الملاك الذي ظهر له في العليقة. هذا أخرجهم صانعا عجائب وآيات في أرض مصر وفي البحر الأحمر وفي البرية أربعين سنة.

هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل: نبياً

(1)

مثلي سيقم لكم الرب إلهكم من أخوتكم له تسمعون. هذا هو الذي كان في الكنيسة في البرية مع الملاك الذي كان يكلمه في جبل سيناء ومع آبائنا. الذي قبل أقوالاً حية ليعطينا إياها. الذي لم يشأ آباؤنا أن يكونوا طائعين له بل دفعوه ورجعوا بقلوبهم إلى مصر، قائلين لهارون: اعمل لنا آلهة تتقدم أمامنا، لأن هذا موسى الذي أخرجنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه. فعملوا عجلا في تلك الأيام وأصعدوا ذبيحة للصنم وفرحوا بأعمال أيديهم فرجع الله وأسلمهم ليعبدوا جند السماء كما هو مكتوب في كتاب الأنبياء هل قربتم لي ذبائح وقرابين أربعين سنة في البرية يابيت إسرائيل، بل حملتم خيمة مولوك، ونجم إلهكم رمفان التماثيل التي صنعتموها لتسجدوا لها. فأنقلكم إلى ما وراء بابل"

(2)

.

وعن بني إسرائيل يقرر المسيح بقوله: "لا تظنوا أني أشكوكم إلى الأب. يوجد الذي يشكوكم، وهو موسى الذي عليه رجاؤكم. لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلامي"

(3)

.

(1)

راجع كتابي محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والأنجيل والقرآن.

(2)

سفر أعمال الرسل 7: 35 - 43.

(3)

إنجيل يوحنا 5: 45 - 47.

ص: 54

بل لقد أورد سفر الخروج، وهو أحد أسفار توراتهم المزعرمة قصة عبادة بني إسرائيل للعجل الذهبي في صورة غريبة تدل على أنهم محرري هذه الأسفار لا يرعون لأنبيائهم حرمة، ولا يرجون لهم وقارا ولا يتورعون عن أن ينسبوا إليهم أية نقيصة، حتى خيانة الرسالة نفسها التي بعثوا من أجلها، ودفع قومهم إلى الشرك بالله. فقد نسب هذا السفر إلى هارون نفسه عليه السلام أنه قد يسر لبني إسرائيل سبيل الشرك، ودفعهم إلى الوثنية، وعبادة الحيوان والأصنام، فصنع لهم بيديه في سيناء عجلا من ذهب ليعبدوه من دون الله: "ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه.

فقال لهم هارون: انزعو أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها. فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون. فأخذ ذلك من أيدهم وصوره بالأزميل وصنعه عجلا مسبوكا. فقالوا: هذه آلهتك ياإسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر. فلما نظر هارون بنى مذبحا أمامه. ونادى هارون وقال: غداً عيد الرب. فبكروا في الغد وأصعدوا محرقات وقدموا ذبائح سلامة. وجلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب"

(1)

.

بل ذهبوا في نجاسة أفكارهم إلى أنهم نسبوا إلى سليمان الشرك بالله استجابة وإرضاء لنزوات نسائه: "وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون: موآبيات وعمونيات، وآدوميات وصيدونيات وحثيات من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل: لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون إليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتم. فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة، وكانت له سبعائة من النساء السيدات وثلثمائة من السراري

(1)

سفر الخروج 32: 1 - 6.

ص: 55

(700+300=1000) فأمالت نساؤه قلبه. وكان في زمان شيخوخة سلمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى لم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. فذهب سليمان وراء عشتورث آلهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين، وعمل سليمان الشر في عيني الرب ولم يتبع الرب تماما كداود أبيه. حينئذ بنى سليمان مرتفعة لكموش رجس الموآبيين على الجبل الذي تجاه أورشليم. ولمولك رجس بني عمون، وهكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن ويذبحن لآلهتهن"

(1)

.

‌نماذج من التلمود:

لم يكتف اليهود بما جاء في توراتهم من اتهامات لأنبياء الله ومن تعالم خبيثة تبيح الغدر والمكر وسفك الدماء. فأخذ الربيون والحاخامات

يفسرون التوراة حسب أهوائهم وبالشكل الذي يرضى غرائزهم الشريرة، ونزوعهم إلى عمل المنكرات واستعلاءهم على بقية أجناس البشر. وأول من جمع تلك التفسيرات في كتاب أسماه "المشنا" هو الحاخام يوخاس حوالى سنة 150 م. ومشنا معناها الشريعة الشفوية المكررة، وقد زيد في القرون التالية على كتاب المشنا الأصلي شروحات أخرى صار تأليفها في فلسطين وبابل، ثم علق علماء اليهود على "المشنا" حواشي كثيرة وشروحات مسهبة دعوها باسم "جامارة" فالمشنا المشروحة على هذه الصورة مع الجامارة كونت التلمود ومعناها كتاب تعليم ديانة اليهود وآدابهم وهذه الشروحات مأخوذة عن مصدرين أحدهما المسمى بتلمود أورشليم وقد كأن موجودا في فلسطين سنة 230 م. وثانيهما تلمود بابل وكان موجوداً فيها سنة 500 م

(2)

".

(1)

سفر الملوك الأول 11: 1 - 8.

(2)

نقل من كتاب الكتز المرصود في قواعد التلمود للدكتور روهلنج _ ترجمه إلى العربية

الدكتور يوسف نصرالله. إصدار مطبعة المعارف سنة 1899.

ص: 56

ويوجد في نسخ كثيرة من التلمود الذي طبع في القرن التاسع عشر مواضع تركت خالية من الكتابة بعد أن حذف منها ألفاظ السب والطعن في المسيح والعذراء، بيد أن جميع طبعات التلمود لم تخل من سب المسيحيين الذين أطلق عليهم "جنتيل " Gentile أو الأمميين أو الوثنيين، وصدرت من التلمود طبعات كثيرة أهما طبعة أمستردام سنة 1644، وطبعة فارسوفيا سنة 1863 وبراج سنة 1839 م.

ويقدس اليهود التلمود ويعتبرونه أهم من التوراة، ويرون أن من يحتقر أقوال الحاخامات يستحق الموت، وأنه لا خلاص لمن ترك تعاليم التلمود واشتغل بالتوراة فقط، لأن أقوال علماء التلمود أفضل ما جاء في شريعة موسى.

وقال أحدهم: "اعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء". كما قال أحد علمائهم: "إن مخافة الحاخامات هي مخافة الله" وقال ثالث: "إن من يقرأ التوراة بدون المشنا والجامارة فليس له إله". وجاء في التلمود صفحة 74: "إن تعاليم الحاخامات لا يمكن نقضها ولا تغييرها ولو بأمر الله". "وقد وقع الإختلاف بين الله وبين علماء اليهود في أمر من الأمور وبعد أن طال الجدال تقرر إحالة الخلاف إلى أحد الحاخامات الذي حكم بخطأ الإله مما اضطر معه سبحانه وتعالى إلى الإعتراف بخطئه .. !

ولعل قصة محاجة إبراهيم لله بشأن تدمير سدوم وعمورة هي الإلهام الذي استمد منه الحاخامات أغترارهم بأنفسهم وتعاليهم على الله: "فتقدم إبراهيم وقال: أفتهلك البار مع الأثيم "

(1)

فقال: لا يسخط المولى فأنكلم هذه المرة فقط عسى أن يوجد هناك عشرة، فقال: لا أهلك من أجل العشرة

(2)

، بل لعل قصة إسرائيل أ كدت الإنتصار الإنساني على الله:

(1)

سفر التكون 18: 23.

(2)

سفر التكوين 18: 32.

ص: 57

"فبقي يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر، ولما رأى أنه لايقدر عليه ضرب حق فخذه، فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه، وقال: أطلقني لأنه قد طلع الفجر، فقال: لا أطلقك إن لم تباركني.

فقال له: ما اسمك؟ فقال: يعقوب، فقال: لا يدعى أسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت"

(1)

.

فما هي تعاليم أولئك الحاخامات والربيين التي يدين بها اليهود ويقدسونها؟

تعاليم التلمود

(2)

:

1 -

النهار اثنتا عشرة ساعة: في الثلاث الأولى يجلس الله ويطالع الشريعة، وفي الثلاث الثانية يحكم، وفي الثلاث الثالثة يطعم العالم، وفي الثلاث الأخيرة يجلس ويلعب مع الحوت ملك الأسماك.

2 -

اعترف الله بأخطائه في تصريحه بتخريب الهيكل فصار يبكي ويزأر قائلا: "تبا لي لأني صرحت بخراب بيتى وإحراق الهيكل ونهب أولادي". ويندم الله على تركه اليهود في حالة التعاسة حتى أنه يلطم ويبكي كل يوم فتسقط من عينيه دمعتان في البحر فيسمع دويهما من بدء العالم إلى أقصاه وتضطرب المياه وترتجف الأرض في أغلب الأحيان فتحصل الزلازل.

أ - ليس الله معصوماً عن الطيش والغضب والكذب.

ب - بعض الشياطين من نسل آدم، وكان آدم يأتي شيطانة مهمة اسمها "ليليت"، مدة 130 سنة فولد منها شياطين، وكانت حواء لا تلد في هذه المدة إلا شياطين بسبب نكاحها من ذكور الشياطين، ويستطيع الإنسان في بعض الأحوال أن يقتل الشياطين إذا أجاد صنع فطير عيد الفصح.

(1)

سفر التكوين 32: 24 - 28.

(2)

الكنز المرصود في قواعد التلمود للدكتور روهلنج.

ص: 58

ج - تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله كما أن الأبن جزء من والده، وأرواح اليهود عزيزة عند الله بالنسبة لباقي الأرواح لأن الأرواح غير اليهودية هي أرواح شيطانية وشبيهة بأرواح الحيوانات.

- إن نطفة غير اليهودي هي كنطفة باقي الحيوانات.

"وأ كثرت زناها بذكرها أيام صباها التي فيها زنت بأرض مصر وعشقت معشوقهم الذين لحمهم كلحم الحمير ومنيهم كمني الخيل، وافتقدت رذيلة صباك بزغزغة المصريين ترائبك لأجل ثدي صباك"

(1)

.

ومن هذا السند: تتضح مزاعمهم بأن نطفة غير اليهودي هي كنطفة باقي الحيوانات في ترتيبها السفلي.

د - النعيم مأوى أرواح اليهود ولا يدخل الجنة إلا اليهود، أما الجحيم فمأوى الكفار من المسيحيين والمسلمين ولا نصيب لهم فيه سوى البكاء لما فيه من الظلام والعفونة والطين.

- لا يأتي المسيح إلا بعد انقضاء حكم الأشرار الخارجين على دين بني إسرائيل. وحينما يأتي المسيح تطرح الأرض فطيراً وملابس من الصوف وقمحاً حبه بقدر كلاوي الثيران الكبيرة. وفي ذلك الزمن ترجع السلطة لليهود وكل الأمم تخدم ذلك المسيح وتخضع له. وفي ذلك الوقت يكون لكل يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه.

هـ - يجب على كل يهودي أن يبذل جهده لمنع استملاك باقي الأمم في الأرض لتبقى السلطة لليهود وحدهم. وإذا تسلط غير اليهود على أوطان اليهود حق لهؤلاء أن يندبوا ويقولوا: ياللعار وياللخراب!! وقبل أن تحكم

(1)

سفر حزقيال 23: 19 - 21.

ص: 59

اليهود نهائياً على باقي الأمم يلزم أن تقوم الحرب على قدم وساق ويهلك ثلثا العالم. وهم في انتظار المسيح الثاني يعلمون أنه سيجيء وتسبقه علامات منها ما ذكره القديس بطرس في رسالته: "فيما أن هذه كلها تنحل أي أناس يجب أن تكونوا في سيرة مقدسة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب ولكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة وأرضا جديدة يسكن فيها البر"

(1)

.

ويبقى اليهود مدة سبع سنوات يحرقون الأسلحة التي غنموها بعد النصر. وحينئذ تنبت أسنان أعداء بني إسرائيل بمقدار اثنين وعشرين ذراعا خارجا عن أفواههم.

وتعيش اليهود في حرب عوان مع باقي الشعوب منتظرين ذلك اليوم، وسأتي المسيح الحقيقي ويحصل النصر المنتظر وتكون الأمة اليهودية إذ ذاك في غاية الإثراء لأنها تكون قد حصلت على جميع أموال العالم.

وتحفظ هذه الكنوز في سرايات واسعة لا يمكن حمل مفاتيحها على الأقل من ثلاثمائة حمار.

و - قتل المسيحي من الأمور الواجب تنفيذها، وإن العهد مع المسيحي لا يكون عهد صحيحاً يلتزم اليهودي به. وإن الواجب الديني أن يلعن اليهودي ثلاث مرات رؤساء المذهب النصراني وجميع الملوك الذين يتظاهرون بالعداوة ضد بني إسرائيل. وإن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين الزفت والقطران

(1)

رسالة بطرس الثانية 3: 11 - 13.

ص: 60

والنار وإن أمه مريم أتت به من العسكري باندارا بمباشرة الزنا، وإن الكنائس النصرانية بمقام قاذورات وإن الواعظين فيها أشبه بالكلاب النابحة.

ز - الإسرائيلي معتبر عند الله أ كثر من الملائكة. فإذا ضرب أممي إسرائيلياً فكأنه ضرب العزة الإلهية ويستحق الموت. ولو لم يخلق اليهود لانعدمت البركة من الأرض ولا خلقت الأمطار والشمس. والفرق بين درجة الإنسان والحيوان كالفرق بين اليهودي وباقي الشعوب. والنطفة المخلوق منها باقي الشعوب هي نطفة حصان.

- الأجانب كالكلاب والأعياد المقدسة لم تخلق للأجانب ولا للكلاب. والكلب أفضل من الأجنبي لأنه مصرح لليهودي في الأعياد أن يطعم الكلب وليس له أن يطعم الأجنبي أو أن يعطيه لحما بل يعطيه الكلب لأنه أفضل منه.

- لا قرابة بين الأمم الخارجة عن دين اليهود لأنهم أشبه بالحمير. ويعتبر اليهود بيوت باقي الأمم زرائب للحيوانات.

- الخارجون عن دين اليهود خنازير نجسة. وخلق الله الأجنبي على هيئه إنسان ليكون لائقا لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا من أجلهم.

- يسوع المسيح أرتد عن دين اليهود وعبد اللأوثان. وكل مسيحي لم يتهود فهو وثني عدو لله ولليهود.

- ليس من العدل أن يشفق الإنسان على أعدائه ويرحمهم. يحق لليهودي أن يغش الكفار. ومحظور عليه أن يُحَيي الكافر بالسلام مالم يخش ضرره أو عداوته، والنفاق جائز في هذه الحالة ولا بأس من أدعاء محبة الكافر إذا خاف اليهودي من أذاه.

ص: 61

مصرح لليهودي أن يوجه السلام إلى الكافر على شرط أن يستهزئ به سراً.

ح - بما أن اليهود يساوون أنفسهم مع العزة الإلهية فالدنيا ومافيها ملك لهم، ويحق لهم التسلط على كل شيء فيها. والسرقة غير جائزة من اليهودي ومسموح بها إذا كانت من مال غير اليهودي. والسرقة من غير اليهودي لا تعتبر سرقة بل استرداداً لمال اليهودي الذي يبيحه الدين اليهودي ويحلل سرقته، وأموال غير اليهود مباحة عند اليهود كالأموال المتروكة أو كرمال البحر التي يمتلكها من يضع يده عليها أولا. ومثل بني إسرائيل كسيدة في منزلها يحضر لها زوجها النقود فتأخذها بدون أن تشترك معه

في الشغل والتعب.

والسرقة وإن كانت محرمة حسب الوصية الثامنة "لاتسرق"

(1)

إلا أنهم استلهموا ابتزاز مال الأجنبي من قصة يعقوب مع خاله لابان: "فأخذ يعقوب لنفسه قُضْبَاناً خُضْراً مِنْ لُبْنَى وَلَوْزٍ وَدُلْبٍ وَقَشَّرَ فيها خطوطا بيضا كاشطا عن البياض الذي على القضبان. وأوقف القضبان التي قشرها في الأجران في مساقي الماء حيث كانت الغنم تجيء لتشرب تجاه الغنم لتتوحم عند مجيئها لتشرب. "فتوحمت الغنم عند القضبان وولدت الغنم مخططات ورقطا وبلقا وأفرز يعقوب الخرفان وجعل وجوه الغنم إلى المخطط وكل أسود بين غنم لابان. وجعل له قطعاناً وحده ولم يجعلها مع غنم لابان. "وحدث كلما توحمت الغنم القوية أن يعقوب وضع القضبان أمام عيون الغنم في الأجران لتتوحم بين القضبان. وحين استضعفت الغنم لم

(1)

سفر الخروج 20: 15.

ص: 62

يضعها، فصارت الضعيفة للابان والقوية ليعقوب فاتسع الرجل كثيراً جداً وكان له غنم كثير وجوار وعبيد وجمال وحمير"

(1)

.

ويؤكد لابان حقه المسلوب لصهره يعقوب: "فأجاب لابان وقال ليعقوب: البنات بناتي والبنون بني والغنم غنمي وكل ما أنت ترى فهو لي

ماذا فعلت وقد خدعت قلبي وسقت بناتي كسبايا السيف"

(2)

.

ويقرر إسحق عليه السلام ما انطوى عليه يعقوب من طبيعة المكر والدهاء بقوله: "قد جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك: فقال: ألا إن اسمه دعي يعقوب، فقد تعقبني الآن مرتين: أخذ بكوريتي وهوذا الآن قد أخذ بركتي"

(3)

.

هذه مزاعم التوراة حول نبي من أنبياء الله، بل أكثر من هذا حول علم انطوى تحت لوائه كل يهودي يتفاخر بأنه إسرائيلي نسبة إلى هذا الرجل الذي نسبوا إليه المكر والخداع.

ويستطرد التلمود:

ط - إذا جاء الأجنبي والإسرائيلي أمامك بدعوى فإذا أمكنك أن تجعل الإسرائيلي رابحا فافعل، واستعمل الغش والخداع في حق الأجنبي حتى تجعل الحق لليهودي.

- مصرح لك أن تغش مأمور الجمرك غير اليهودي وأن تحلف له أيمانا كاذبة وتعلم من الحاخام صموئيل الذي اشترى من أجنبي آنية من الذهب ظنها الأجنبي نحاسا ودفع الحاخام ثمنها أربعة دراهم فقط ثم سرق منها درهما.

(1)

سفر التكوين 30: 37 - 43.

(2)

سفر التكوين 31: 43، 26.

(3)

سفر التكوين 27: 35 - 36.

ص: 63

- مسموح بغش الأجنبي وسرقة ماله بواسطة الربا الفاحش.

- يأمر الله بأخذ الربا من غير اليهودي وألا تقرضه إلا تحت هذا الشرط، أي بالربا، وبدون ذلك نكون قد ساعدناه على أنه من الواجب علينا ضرره.

- حياة غير اليهودي ملك لليهودي فكيف بأمواله. إذا احتاج غير اليهودي بعض النقود فعلى اليهودي أن يستعمل معه الربا المرة بعد الأخرى حتى يعجز عن سداد ما عليه إلا يتنازله عن جميع أمواله.

ولعل ما جاء بسفر الخروج وما تزعمه التوراة من أنها تأمر بني إسرائيل بسلب المصريين إلهاما لهم للإضرار بالغير في معاشهم: "وأعطى نعمة لهذا الشعب في عيون المصريين فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين، بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة

بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابا وتضعونها على بنيكم وبناتكم، فتسلبون المصريين"

(1)

.

ويستطرد التلمود:

ى - اقتل الصالح من غير اليهود، ومحرم على اليهودي أن ينجي أحداً من الأجانب من هلاك أو يخرجه من حفرة يقع فيها، بل عليه أن يسدها بحجر.

- من العدل أن يقتل اليهودي بيده كل كافر لأن من يسفك دم الكافر يقرب قربانا إلى الله.

(1)

سفر الخروج 3: 21 - 22.

ص: 64

وجاء في سفر الخروج حادث قتل موسى للمصري واتخذ منه الأحبار إلهاما لتصوراتهم وما تزعمه التوراة على هذا النحو: "وحدث في تلك الأيام لما كبر موسى أنه خرج إلى إخوته لينظر في أثقالهم. فرأى رجلا مصريا يضرب رجلا عبرانيا من إخوته. فالتفت إلى هنا وهناك ورأى أن ليس أحد فقتل المصرى وطمره في الرمل"

(1)

.

وما تزعمه التوراة في الإنتقام من شكيم بن حمور الحوي رئيس الأرض: "وخرجت دينة ابنة ليئة التي ولدتها ليعقوب لتنظر بنات الأرض فرآها شكيم بن حمور الحوي رئيس الأرض وأخذها واضطجع معها وأذلها. وتعلقت نفسه بدينة ابنة يعقوب وأحب الفتاة ولاطف الفتاة. فكلم شكيم حمور أباه قائلا: "خذ لي هذه الصبية زوجة. وسمع يعقوب أنه نجس دينة أبنته. وأما بنوه فكانوا مع مواشيه في الحقل فسكت يعقوب حتى جاءوا فخرج حمور أبو شكيم إلى يعقوب ليتكلم معه.

وأتى بنو يعقوب من الحقل حين سمعوا، وغضب الرجال واغتاظوا جدا لأنه صنع قباحة في إسرائيل بمضاجعة ابنة يعقوب

فحدث أن ابني يعقوب شمعون ولاوى أخوي دينة أخذا كل واحد سيفه وأتى على المدينة بأمن وقتلا كل ذكر. وقتلا حمور وشكيم ابنه بحد السيف. وأخذا دينة من بيت شكيم وخرجا ثم أتى بنو يعقوب على القتلى ونهبوا المدينة، لأنهم نجسوا أختهم، غنمهم وبقرهم وحميرهم وكل ما في المدينة ومافي الحقل أخذوه وسلبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونساءهم وكل ما في البيوت"

(2)

.

(1)

سفر الخروج 1: 11 - 12.

(2)

سفر التكوين 34: 1 - 7. و 25 - 29.

ص: 65

ويستطرد التلمود:

- الشفقة ممنوعة بالنسبة للوثني. فإذا رأيته واقعاً في نهر أو مهدداً بخطر فيحرم عليك أن تنقذه لأن السبعة الشعوب الذين كانوا في أرض كنعان المراد قتلهم من اليهود لم يقتلوا عن آخرهم بل هرب بعضهم واختلط بباقي الأمم. ولذلك يجب قتل الأجنبي لأنه من المحتمل أن يكون من نسل هؤلاء السبعة الشعوب. وعلى اليهودي أن يقتل من يتمكن من قتله فإذا لم يفعل ذلك يخالف الشرع.

وماهي تلك الشريعة التي يستندون إليها؟ إنهم يزعمون بأن الله لابد أن يبيد شعب كنعان بقبائله وشعب حام عن بكرة أبيه، إذ سبق فوعد إبراهيم بميراثه لأرضم:"في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقا قائلا: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات، القينيين والقنزيين والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانين والجرجاشيين واليبوسيين"

(1)

.

ويوصي موسى بأن يخاطب شعب إسرائيل: "كلم بني إسرائيل وقل لهم إنهم عابرون الأردن إلى أرض كنعان، فتطردون كل سكان الأرض من أمامكم وتملكون الأرض وتسكنون فيها لأني قد أعطيتكم الأرض لكي تملكوها"

(2)

.

ويؤكد يشوع لبني إسرائيل أن الحرب للرب: "ثم قال لهم يشوع: بهذا تعلمون أن الله الحي في وسطكم وطردا يطرد من أمامكم الكنعانيين والحثيين والحويين والفرزيين والجرجاشيين والأموريين واليبوسيين. هوذا تابوت عهد سيد كل الأرض عابر أمامكم في الأردن"

(3)

.

(1)

سفر التكوين 15: 18 - 21.

(2)

سفر العدد 33: 50 - 53.

(3)

سفر يوشع 3: 9 - 11.

ص: 66

ويستطرد التلمود:

قتل النصارى من الأفعال التي يكافئ الله عليها، وإذا لم يتمكن اليهودي من قتلهم فواجب عليه أن يتسبب في هلا كهم في أي وقت وعلى أي وجه.

- الذي يرتد عن الدين اليهودي يعامل كالأجنبي ويقتل إلا إذا فعل ذلك لأجل أن يغش غير اليهود ويوهمهم أنه أصبح على دينهم.

واتخذ بنو إسرائيل من إقامتهم في شطيم وسيلة لإشاعة الإنحلال: "وأقام إسرائيل في شطيم وابتدأ الشعب يزنون مع بنات موآب فدعون الشعب إلى ذبائح آلهتهن فأ كل الشعب وسجدوا لآلهتهن وتعلق إسرائيل ببعل فغور"

(1)

.

فسكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم "

(2)

.

وجعل بنو إسرائيل من هذا الاختلاط أساساً لشريعة انحلال أخلاقي.

حيث قال التلمود:

ك - اليهودي لا يخطئ إذا اعتدى على عرض الأجنبية لأن كل عقد نكاح عند الأجانب فاسد لأن المرأة غير اليهودية تعتبر بهيمة والعقد لا يوجد بين البهائم.

- لليهود الحق في اغتصاب النساء غير المؤمنات أي غير اليهوديات.

(1)

سفر العدد 25: 1 - 3.

(2)

سفر القضاة 3: 5 - 6.

ص: 67

- إن الزنا بغير اليهود ذكوراً كانوا أو إناثا لا عقاب عليه لأن الأجانب من نسل الحيوانات. ونسوا أن الله في حكمته قد أسكنهم بين الأمم: "فهؤلاء هم الأمم الذين تركهم الرب ليمتحن بهم إسرائيل كل الذين لم يعرفوا جميع حروب كنعان، إنما لمعرفة أجيال بني إسرائيل لتعليمهم الحرب الذين لم يعرفوها قبل فقط، أقطاب الفلسطينيين الخمسة وجميع الكنعانيين والصيدويين والحويين سكان جبل لبنان من جبل بعل حرمون إلى مدخل حماة، كاتوا لامتحان إسرائيل بهم لكي يعلم هل يسمعون وصايا الرب التي أوصى بها آباءهم عن يد موسى"

(1)

.

ويسترسل التلمود فيقول:

- من رأى أنه يجامع والدته فسيؤتى الحكمة، ومن رأى أنه يجامع أخته فمن نصيبه نور العقل. ويستمدون سنداً لهذا: "وحدث إذ كان إسرائيل ساكنا في تلك الأرض أن رأو بين ذهب واضطجع مع بلهة سرية أبيه وسمع إسرائيل

(2)

"

"ثم قال امنون لثامار: "إيتي بالطعام إلى المخدع فأ كل من يدك. فأخذت ثامار الكعك الذي عملته وأتت به امنون أخاها إلى المخدع وقدمت له ليأكل، فأمسكها وقال لها: تعالى اضطجعي معى يا أختى، فقالت له: لا يا أخى لاتذلني لأنه لايفعل هكذا في إسرائيل. لاتعمل هذه القباحة، أما أنا فأين أذهب بعاري؟ وأما أنت فتكون كواحد من السفهاء في إسرائيل. والآن كلم الملك لأنه لا يمنعني منك، فلم يشأ أن يسمع لصوتها بل تمكن منها وقهرها واضطجع معها"

(3)

.

(1)

سفر القضاة 3: 1 - 4.

(2)

سفر التكوين 35: 21.

(3)

سفر صموئيل الثاني 13: 10 - 14.

ص: 68

ويستطرد التلمود فيقول:

- مصرح لليهودي أن يسلم نفسه للشهوات إذا لم يمكنه مقاومتها.

- ليس للمرأة اليهودية أن تبدى أية شكوى إذا زنى زوجها بأجنبية في المسكن المقيم فيه مع زوجته.

- اللواط بالزوجة جائر لليهودي لأن الزوجة بالنسبة للإستمتاع بها كقطعة لحمة اشتراها من الجزار ويمكنه أكلها مسلوقة أو مشوية حسب رغبته.

وهم يستبيحون إتيان الذكور استناداً إلى ماجاء في سفر القضاة: "فقال الرجل الشيخ: السلام لك، إنما كل احتياجك عليّ ولكن لا تبت في الساحة وجاء به إلى بيته وعلف حميرهم فغسلوا أرجلهم وأكلوا وشربوا.

وفيما هم يطيبون قلوبهم إذا برجال المدينة رجال بني بَلِيَّعَالَ أحاطوا بالبيت قارعين الباب وكلموا الرجل صاحب البيت الشيخ قائلين: أخرج الرجل الذي دخل بيتك فنعرفه. فخرج إليهم الرجل صاحب البيت وقال لهم: لا يا إخواني لا تفعلوا شرا. بعد ما دخل هذا الرجل بيتي لا تفعلوا هذه القباحة، هوذا ابنتي العذراء وسريته دعوني أخرجهما فأذلوهما وافعلوا بهما مايحسن في أعينكم وأما هذا الرجل فلا تعملوا به هذا الأمر القبيح. فلم يرد الرجال أن يسمعوا له"

(1)

.

ويستطرد التلمود فيقول:

ل - يجوز لليهودي أن يحلف يمينا كاذبة وخاصة في معاملته مع باقي الشعوب.

(1)

سفر القضاة 19: 20 - 25.

ص: 69

وهذا القول مناقض للوصية الثالثة: "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا لأن الرب لايبرئ من نطق باسمه باطلا"

(1)

، ومناقض لأحكام الشريعة التى أوصى بها موسى:"وإذا نزل عندك غريب في أرضكم فلا تظلموه" كالوطني منكم يكون لكم الغريب النازل عندكم وتحبه كنفسك لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر، أنا الرب إلهكم، لا ترتكبوا جوراً في القضاء لا في القياس ولا في الوزن ولا في الكيل. ميزان حق ووزنات حق وايفة حق وهين حق تكون لكم، أنا الرب إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر فتحفظون كل فرائضي وكل أحكامي وتعملونها أنا الرب"

(2)

.

وينذر الله العصاة على لسان موسى: "لكن إن لم تسمعوا لي ولم تعملوا كل هذه الوصايا، إن رفضتم فرائضي وكرهت أنفسكم أحكامي فما عملتم كل وصاياي بل نكثتم ميثاقي فإني أعمل هذه بكم: أسلط عليكم رعبا وسلا وحمى تضني العينين وتتلف النفس، وتزرعون باطلا زرعكم فيأكله أعداوكم. وأجعل وجهي ضدكم فتنهزمون أمام أعدائكم ويتسلط عليكم مبغضوكم وتهربون وليس من يطردكم "

(3)

.

ويستطرد التلمود فيقول:

- واليمين جعلت لحسم النزاع بين الناس، أما لغير اليهود من الحيوانات فلا اعتبار لها. ويجوز لليهودي أن يشهد زورا وأن يقسم بحسب ما تقتضيه مصلحته عند اللزوم ويؤوّل ذلك في سره.

(1)

سفر الخروج 7:20.

(2)

سفر اللاويون 33:19 - 37.

(3)

سفر اللاويون 14:26 - 17.

ص: 70

وهذا يتناقض تناقضا بينا مع الوصية التاسعة: لا تشهد على قريبك شهادة زور"

(1)

. وأيضاً مع الوصية العاشرة: "لا تشته بيت قريبك.

لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك"

(2)

.

سأل ناموسي المسيح عليه السلام قائلا: "ومن هو قريبي؟ فاجابه بمثل قائلا: "إنسان كان نازلا من أورشلم إلى أريحا فوقع بين لصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت، فعرض أن كاهنا نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابله، وكذلك لاوى أيضاً إذ صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله. ولكن سامرياً مسافراً جاء إليه ولما رآه تحنن فتقدم وضمد جراحاته وصب عليها زيتا وخمراً وأركبه على دابته وأتى به إلى فندق واعتنى به

. . فأي هؤلاء الثلاثة صار قريبا للذي وقع بين اللصوص؟ فقال الذي صنع معه الرحمة"

(3)

. ولم يشأ أن يقول الإنسان السامري لما بين السامريين واليهود من عداوة أصيلة في الدم.

ويسترسل التلمود فيقول:

م - على اليهودي أن يؤدي عشرين يمينا كاذبة ولا يعرض أحد إخوانه اليهود لضرر ما.

- يجب على كل يهودي أن يلعن النصارى كل يوم ثلاث مرات ويطلب من الله أن يبيدهم ويفني ملوكهم وحكامهم.

- على اليهود أن يعاملوا المسحيين كحيوانات دنيئة غير عاقلة.

(1)

سفر الخروج 20: 16.

(2)

سفر الخروج 17:20.

(3)

إنجيل لوقا 10: 29 - 37.

ص: 71

كنائس المسيحيين كبيوت الضالين ومعابد الأصنام فيجب على اليهود تخريبها.

ن - نحن شعب الله في الأرض وقد أوجب علينا أن يفرقنا لمنفعتنا ذلك أنه لأجل رحمته ورضاه عنا سخر لنا الحيوان الإنساني وهم كل الأمم والأجناس سخرهم لنا، لأنه يعلم أننا نحتاج إلى نوعين من الحيوان: نوع أخرس كالدواب والأنعام والطير، ونوع ناطق كالمسيحيين والمسلمين والبوذيين وسائر الأمم من أهل الشرق والغرب، فسخرهم لنا ليكونوا في خدمتنا، وفرقنا في الأرض لنمتطي ظهورهم ونمسك بعنانهم ونستخرج فنونهم لمنفعتنا. لذلك يجب أن نزوج بناتنا الجميلات للملوك والوزراء والعظاء وأن ندخل أبناءنا في الديانات المختلفة. وأن تكون لنا الكلمة العليا في الدول وأعمالها، فنفتنهم ونوقع بينهم وندخل عليهم الخوف ليحارب بعضهم بعضاً. وفي ذلك كله نجني الفائدة الكبري.

وبهذا فإنهم أصحاب مدارس الجاسوسية في الأرض ومدارس الفكر السفسطائي، والتوراة والإنجيل يشهدان بذلك، ففي عهد أحشويرش الملك الذي ملك من الهند إلى كوش والذي أراد له زوجة ليتوجها ملكة على الإمبراطورية الفارسية استغل اليهود الذين سباهم الملك نبوخذ نصر ملك بابل رغبة الملك أحشويرش فتقدموا إليه بأجمل بناتهم:"ولم تكن استير أخبرت عن جنسها وشعبها كما أوصاها مردخاي .. وكانت استير تعمل حسب قول مردخاي، كما كانت في تربيتها عنده"

(1)

. وكان لجمالها ما جعل الملك يعشقها ويفتتن بها: "فاحب الملك استير أ كثر من جميع النساء، ووجدت نعمة وإحسانا قدامه أكثر من جميع العذارى فوضع تاج الملك على رأسها

(1)

سفر استير 2: 10.

ص: 72

وملكها مكان وشتى"

(1)

.

ولم تنسى استير شعبها ومكانتها بين شعبها واستطاعت أن تستغل جمالها وافتتان الملك بها حتى استصدرت منه أمراً بإعدام أعداء اليهود إذ قالت للملك في ساعة نشوته بها: "إننا قد بعنا أنا وشعبي للهلاك والقتل والإبادة ولو بعنا عبيداً وإماء لكنت سكت مع أن العدو لا يعوض عن خسارة الملك"

(2)

. ووضعت عدو شعبها في كفة وشعبها ونفسها في كفة، وإنها بجمالها ورقتها قد سيطرت على عقل وقلب الملك فرأى لإرضائها أن يحمى شعبها ويذود عنهم حماية لها لا استمتاعاً بها.

وقال الملك أحشويرش لأستير الملكة ومردخاي اليهودي: "هو ذا قد أعطيت بيت هامان لاستير أما هو فقد صلبوه على الخشبة من أجل أنه مد يده إلى اليهود، فاكتبا أنتما إلى اليهود مايحسن في أعينكما باسم الملك واختماه بخاتم الملك لأن الكتابة التي تكتب باسم الملك وتختم بخاتمه لا ترد"

(3)

. وتمكن اليهود من أعدائهم، تمكن الدخلاء من الوطنيين الشرعيين:"فضرب اليهود جميع أعدائهم ضربة سيف وقتل وهلاك وعملوا بمبغضيهم ما أرادوا"

(4)

.

والباحث المدقق في إنجيل برنابا يفطن مباشرة إلى أن بولس في اعتناقه للمسيحية إنما كان يحقق هدفا من أهداف التلمود، بل إن انقسام الكنيسة في مجمع نيقية الأول سنة 325 إلى معسكرين

(5)

متظادين: معسكر يتزعمه آريوس، وهو منطقي في آرائه ومعتقداته، وآخر يتزعمه

(1)

سفر استير 2: 17.

(2)

سفر استير 7: 4.

(3)

سفر استير 7: 7 - 8.

(4)

سفر استير 9: 5.

(5)

أوربا العصور الوسطى، للدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور.

ص: 73

اثناسيوس وهو الذي نادى بألوهية المسيح. . هذا الإنقسام نفسه يعتبر أحد الأهداف التي هدف إليها اليهود وعملوا لها

والدراسة الواعية للعهد الجديد تجعلنا نستشف تلك الأراء والإتجاهات التي نادى بها بولس وتحملنا على محاولة تفهم شخصيته من خلال تعاليمه.

وقد كان بولس يدعى شاول قبل اعتناقه المسيحية، وقد لقي المسيحيون على يديه كثيراً من الإضطهاد والتعذيب:"وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة ماعدا الرسل. وحمل رجال أتقياء استفانوس وعملوا عليه مناحة عظيمة، وأما شاول فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالا ونساء ويسلمهم إلى السجن"

(1)

.

بل أ كثر من هذا "كان شاول راضياً بقتل استفانوس"

(2)

. أما شاول فكان لم يزل ينفث تهدداً وقتلا على تلاميذ الرب. فتقدم إلى رئيس الكهنة. وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات حتى إذا وجد أناسا من الطريق رجالاً أو نساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم"

(3)

. ويئس الكهنة وعميلهم شاول من إبادة المسيحيين لأنه " كانت يد الرب معهم فآمن عدد كثير ورجعوا إلى الرب"

(4)

. فلم يجد شاول سبيلا للوصول إلى أغراضه متعاونا مع الكهنة إلا أن ينضم إلى جماعة التلاميذ وخشيه التلاميذ: "ولما جاء شاول إلى أورشليم حاول أن يلتصق بالتلاميذ. وكان الجميع يخافونه غير مصدقين أنه تلميذ"

(5)

. إذ عقدت الدهشة ألسنتهم حتى قالوا: "أليس هذا هو الذي أهلك في أورشليم الذين يدعون باسم المسيح

(1)

سفر أعمال الرسل 8: 1 - 3.

(2)

سفر أعمال الرسل 8: 1.

(3)

سفر أعمال الرسل 9: 1 - 2.

(4)

سفر أعمال الرسل 11: 21.

(5)

سفر أعمال الرسل 9: 26.

ص: 74

وقد جاء إلى هنا لهذا ليسوقهم موثقين إلى رؤساء الكهنة"

(1)

؟! وقد سانده برنابا أحد الرسل فأخذه وأحضره إلى الرسل "وحدثهم كيف أبصر الرب في. الطريق وأنه كلمه وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع فكان معهم يدخل ويخرج ويجاهر باسم الرب يسوع"

(2)

. إلا أن شاول لم يحسن إلى ولي نعمته فحدثت بينهما منازعة: "ثم بعد أيام قال بولس لبرنابا لنرجع ونفتقد إخوتنا في كل مدينة نادينا فيها بكلمة الرب كيف هم.

فأشار برنابا أن يأخذا معهما أيضاً يوحنا الذي يدعى مرقس. وأما بولس فكان يستحسن أن الذي فارقهما من بمفيلية ولم يذهب معهما للعمل لا يأخذانه معهما فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر وبرنابا أخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرس"

(3)

. وكان لبولس سيطرة تامة على الموقف حتى أنه أغلق على برنابا نهائيا، وقبره وقبر تعاليمه وكتاباته وساد بتعاليمه وكتاباته التي تكون في حجمها ثلثي العهد الجديد.

وكان بولس يقدر على أن يتلون بأى لون ليحظى بالورقة الرابحة فلما مدوه للسياط أدعى أنه روماني: "فلما مدوه للسياط قال بولس لقائد المائة الواقف: أيجوز لكم أن تجلدوا إنسانا رومانيا غير مقضي عليه. فإذ سمع قائد المائة ذهب إلى الأمير وأخبره قائلا: انظر ماذا أنت مزمع أن تفعل، لأن هذا الرجل روماني. فجاء الأمير وقال له: قل لي: أنت روماني؟ فقال نعم. فأجاب الأمير: أما أنا فبمبلغ كبير اقتنيت هذه الرعوية. فقال بولس: أما أنا فقد ولدت فيها. وللوقت تنحى عنه الذين كانوا مزمعين أن يفحصوه واختشى الأمير لما علم أنه روماني ولأنه قد قيده"

(4)

.

(1)

سفر أعمال الرسل 9: 21.

(2)

سفر أعمال الرسل 9: 27 - 28.

(3)

سفر أعمال الرسل 15: 36 - 39.

(4)

سفر أعمال الرسل 22: 25 - 29.

ص: 75

ويصل به الدهاء أنه يتعدى أحكام الناموس القائلة: "لا تسب الله ولا تلعن رئيساً في شعبك"

(1)

. إذ حينما أمر حنانيا رئيس الكهنة الواقفين عنده أن يضربوه على فمه قال له بولس: "وسيضربك الله أيها الحائط المبيض.

فأنت جالس تحكم على حسب الناموس وأنت تأمر بضربي مخالفاً للناموس فقال الواقفون: "أتشتم رئيس كهنة الله؟ فقال بولس: لم أكن أعرف أيها الإخوة أنه رئيس كهنة لأنه مكتوب رئيس شعبك لا تقل فيه سوءا"

(2)

.

و إذا تركنا الحادثة على علاتها وظننا بهيئة المحاكمة أنها تجملت بسياسة ضبط النفس نلاحظ أن بولس سرعان ما استأثر بالموقف لصالحه لما علم أن قسما منهم صدوقيون والآخر فريسيون: "صرخ في المجمع أيها الرجال الإخوة أنا فريسي ابن فريسي. على رجاء قيامة الأموات أنا أحاكم.

ولما قال هذا حدثت منازعة بين الفريسيين والصدوقين وانشقت الجماعة لأن الصدوقيين يقولون إنه ليس قيامة ولا ملاك ولا روح. وأما الفريسيون فيقولون بكل ذلك. فحدث صياح عظيم ونهض كتبة قسم الفريسيين وطفقوا يخاصمون قائلين: لسنا نجد شيئاً رديئا في ها الإنسان وإن كان روح أو ملاك قد كلمه فلا تحاربن الله"

(3)

.

ومن مبادئه أنه جعل نفسه في خدمة الجميع: "فصرت لليهودي كيهودي لأريح اليهودي، وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأريح الذين تحت الناموس، وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس، مع أني لست بلا ناموس لله بل تحت ناموس للمسيح، لأريح الذين بلا ناموس"

(4)

.

(1)

سفر الخروج 38:32.

(2)

سفر أعمال الرسل 23: 3 - 5.

(3)

سفر أعمال الرسل 23: 6 - 9.

(4)

الرسالة الأولى إلى كورش 9: 20 - 21.

ص: 76

ووضع الشريعة المسيحية لتحكم العلاقات الزوجية فقال: "المرأة مرتبطة بالناموس مادام رجلها حيا. ولكن إن مات رجلها فهي حرة لكي تتزوج بمن تريد فى الرب فقط ولكنها أكثر غبطة إن لبثت هكذا بحسب رأي. وأظن أني أنا أيضاً عندي روح الله"

(1)

. كما صرح بلقاء النقيضين في ارتباط شرعي إذ احتج بقوله: "ألعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجة كباقي الرسل وإخوة الرب وصفا"

(2)

. مع أنه يحث على الرهبنة واعتبر الزوجة هماً يثقل كاهل الرجل فيقول: "فأريد أن تكونوا بلا هم.

غير المتزوج يهتم فيما للرب كيف يرضى الرب. وأما المتزوج فيهتم فيما للعالم كيف يرضى امراته"

(3)

.

وهذا اللون من الخداع والنفاق لا يمكن كشفه إلا بعد أجيال حين تذهب الفورة وتستقر اللأمور في أوضاعها، وهو ما لمسناه من خديعة عظماء العرب بإسلام المستشرق الإنكليزي لورنس.

وفي مذكرة رسمية من وثائق وزارة الخارجية البريطانية اقترح لورنس أن يصبح الشريف حسين ملكا على الحجاز ويخلفه ابنه علي، وأن يكون فيصل ملكا على سورية وزيد ملكا في شمال العراق وعبد الله ملكا في جنوب العراق، ونص الإقتراح:"لا أمل في قيام وحدة عربية لا في الحاضر ولا في المستقبل، وإن التعامل مع العرب يجب أن يكون بواسطة الهاشميين وبواسطة أبناء الحسين بنوع خاص".

أما رأيه في الصهيونية: فيبدو في تصريح صحفي له في نوفمبر 1919: "إني أؤيد الصهيونية وأعتبر دخول اليهود إلى الشرق الأوسط خميرة ضرورية جدا للدولة، ولابد أنهم سوف يحولون فلسطين إلى دولة منظمة

(1)

الرسالة الأولى إلى كورنثوس 7: 39 - 40.

(2)

1 كو 9: 5.

(3)

1 كو 7: 32 - 33.

ص: 77

جداً كأنها دولة أوربية باستخدام مهارتهم ورأس مالهم. لابد أن يؤدي نجاح مشروعهم إلى رفع مستوى السكان العرب إلى المستوى المادي الذي يتمتع اليهود به. لابد أن تكون نتائج هذا العمل على درجة بالغة من الأهمية لمستقبل العمل العربي" أما حقيقة إسلام لورنس فتظهر بأجلى مظاهرها في رأيه عن الدكتور وايزمان في رسالته إلى مطرأن القدس الإنجليكاني في سنة 1922، إذ يقول عنه: "إنه رجل عظيم، لا تستحق أنت، ولا أستحق أنا، أن نمسح حذاءه".

إن المسيحية والإسلام قد يأتي عليهما زمان تخدعان فيه، ولكن حين تفتضح الخديعة، وتتكشف الحقيقة، يصبح من الواجب العمل على تنقية ما أفسده المفسدون ووضع الأمور في نصابها الصحيح.

ص: 78

‌الفصل الأول

الطقوس اليهودية

ما إن استقر اليهود في دول أوربا وازداد عددهم ونمت قوتهم بعد طردهم من فلسطين في أول عهد المسيحية تحقيقا لنبوءة المسيح عليه السلام القائلة: "ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش حينذ اعلموا أنه قد أقرب خرابها. حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال. والذين في وسطها فليفروا خارجا. والذين في الكور فلا يدخلوها. لأن هذه أيام انتقام ليتم كل ما هو مكتوب. وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام لأنه يكون ضيق عظيم على الأرض وسخط على هذا الشعب ويقعون بفم السيف وُيسبَون إلى جميع الأمم وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم"

(1)

. وفي عهد الإمبراطور تيطس العاهل الروماني تم تشتيت بني إسرائيل في أرجاء الإمبراطورية وتدمير الهيكل. وما إن انتشروا أذلاء في الأرض حتى أخذوا يطبقون مازعموه من تعاليم التوراة والتلمود.

وكانت حصيلة السلوك اليهودي المعبر عن الحقد والكراهية والإستعلاء والجشع والإجرام، أن أخذت شعوب أوربا تدافع عن نفسها أمام البلاء الذي كان يحصل عليها مع كل موجة من موجات الهجرة اليهودية.

ولا عجب فبالرغم من أن جميع شعوب الأرض أعطت اليهود فرصة للعيش كسائر الناس في البلاد التي يلجأون إليها، إلا أن اليهود لم يحسنوا الأمر، مما اضطر تلك الشعوب أن تفتك بهؤلاء اليهود بعد أن تبين لها الخطر الذي يرافق شعب اليهود ويهدد سكان البلاد الأصليين بالدمار الأخلاقي والاقتصادي والإجتماعي والسياسي.

وكانت الفترة من القرن الحادي عشر إلى التاسع عشر هي فترة الإنتفاضة

(1)

سفر لوقا 21: 20 - 24.

ص: 81

الكبرى في تاريخ البشرية، تنبهت بها شعوب العالم الغربي إلى خطر اليهود، وفيها أدركت شعوب أوربا أن اليهود يزورون سيرة المسيح وديانته ويحاربونها ويهدفون إلى القضاء عليها، وفيها أدركت تلك الشعوب أن الشعب اليهودي لا يمكن أن يعيش مع أي شعب آخر في الوجود إلا على أساس استعباد ذلك الشعب وتسخير عقول أبنائه وأرواحهم ودمائهم وأمواهم في خدمة اليهود، وأدركت كذاك أن ألاعيب اليهود وخططهم الدنيئة تسيطر بيسر على أرواح القادة والزعماء وأقلامهم وآرائهم وتسيرها حسب أغراض اليهود.

وأدركت أن اليهود يسعون إلى القضاء على " الله " واستبدال: "يهوه " إله اليهود ورب الجنود به. فإن موسى إذا أراد أن يقنع بني إسرائيل بأنه رسول الله ناجى ربه قائلا: "ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم: إله ابائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي: ما اسمه؟ فماذا أقول لهم؟ فقال الله لموسى أَهْيَه الذي أَهْيَه، وقال: هكذا تقول لبني إسرائيل: أَهْيَه أرسلني إليكم وقال الله أيضاً ياموسى هكذا تقول لبني إسرائيل: يهوه إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم، هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دور فدور"

(1)

. فإذا تتبعنا هذا الاسم " يهوه " نجد أن إبراهيم حين أطاع الله وامتثل للأمر بتقديم ابنه وحيده ذبيحة على جبل المريا افتدى الله الأبن بكبش فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه مسكا في الغابة بقرنيه.

فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن ابنه فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع يهوه يِرْأَه. حتى إنه يقال اليوم في جبل الرب يرى"

(2)

. فأطلق إبراهيم على هذا المكان "يهوه يراه" التي أصبحت رمزاً لله.

(1)

سفر التكوين 22: 13 - 14.

(2)

سفر الخروج 3: 13 - 15.

ص: 82

ولقد اتخذ اليهود من شريعة ذبائح الكفارة والإثم والفداء سبيلا لجرائمهم باستباحة الذبائح البشرية التي يتقرب بها اليهود إلى إلههم "يهوه"

ولعلهم يبررون موقفهم هذا بما فعله يفتاح الجلعادي أحد قضاة بني إسرائيل الذي نذر نذراً للرب قائلا: "إن رفعت بني عمون لِيَدِي فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون يكون للرب وأصعده محرقة. . ثم أتى يفتاح إلى المصفاة إلى بيته، وإذا بابنته خارجة للقائه وهي وحيدة .. ففعل بها نذره الذي نذر وهي لم تعرف رجلا"

(1)

.

وقد سرت هذه العادة المجرمة المتوحشة إلى اليهود زاعمين أن التوراة والتلمود قد أوضحا طقوساً تستند على شريعة موسى وأنبياء التوراة ويطلقون عليها اسم اكسوتاريك Eksoterik وطقوساً تعتمد على السحر والشعوذة وتسمى إسوتاريك Esoteric أي الطقوس المستترة. وهم يعترفون بهذه الأخيرة ويمارسونها أ كثر من الأولى وهذه تدعو إلى المزيد من سفك الدماء. وكان السحرة من اليهود في قديم الزمن يستخدمونها بسفك دم الإنسان من أجل إتمام طقوسهم وشعوذتهم ونددت التوراة بذلك إذ قال إشعياء: "أما أنتم فتقدموا إلى هنا يابني الساحرة نسل الفاسق والزانية. بمن تسخرون؟ وعلى من تفغرون الفم وتدلعون اللسان؟

أما أنتم أولاد المعصية نسل الكذب المتوقدون إلى الأصنام تحت كل شجرة خضراء القاتلون الأولاد في الأودية وتحت شقوق المعاقل"

(2)

.

ويجمل بي في هذه المناسبة أن أورد نصوصا طقوس الذبائح والقرابين من التوراة، فقد جاء في سفر التكون للإفصاح عن فداء

(1)

سفر القضاة 11: 30، 31، 34، 39.

(2)

سفر إشعياء 57: 3 - 5.

ص: 83

الإنسان: "وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم فقال له: باإبراهيم "فقال: هأنذا ? فقال: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك"

(1)

. "وشاءت عناية الله أن تفتدي الذبيح "فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراه ممسكا في الغابة بقرنيه. فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن ابنه. فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع يهوه يراه حتى أنه يقال اليوم في جبل الرب يُرَى"

(2)

ومن هذا الفداء رسم موسى عليه السلام شريعة الفصح. وكلمة "الفصح" عبرية ومعناها الاجتياز أو العبور ومعناها بالسريائية "السرور"

وهي تشير إلى عبور الملاك المهلك عن بيوت الإسرائيليين دون أن يقتل أبكارهم ليلة خروجهم من مصر.

وتذكاراً لهذه الحادثة فرض على كل رئيس عائلة منهم أن يختار حملا ذكرا حوليا، في اليوم العاشر من شهر نيسان " إبريل " ويذبحه في اليوم الرأبع عشر منه. وبعد أن يرش دمه على جدران المذبح يغرس فيه سفودين " أي سيخين " من الحديد ويجوزه الأول طولا والثاني عرضا.

ويشوى على تلك الحال على النار. ثم يأكلونه بسرعة وأحقاؤهم ممنطقة وأحذيتهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم إشارة إلى سرعة خروجهم منه، وإذا بقي منه شئ أحرق بالنار مع عظامه التي نهوا عن كسرها: فدعا موسى جميع شيوخ إسرائيل وقال لهم أسحبوا وخذوا لكم غنما بحسب عشائركم واذبحوا الفصح وخذوا باقة زوفا واغمسوها في الدم الذي في الطست ومسُّوا العتبة العليا والقائمتين بالدم الذي في الطست.

(1)

سفر التكوين 22: 1 - 2.

(2)

سفر التكوين 22: 13 - 14.

ص: 84

وأنتم لا يخرج أحد منكم من باب بيته حتى الصباح. فإن الرب يجتاز ليضرب المصريين فحين يرى الدم على العتبة العليا والقائمتين يعبر الرب عن الباب ولا يدع المهلك يدخل بيوتكم ليضرب، فتحفظون هذا الأمر فريضة لك ولأولادك إلى الأبد"

(1)

.

"وقال الرب لموسى وهرون: هذه فريضة الفصح. كل ابن غريب لا يأكل منه. ولكن كل عبد رجل مبتاع بفضة تختنه ثم يأكل منه.

النزيل والأجير لا يأكلان منه. في بيت واحد يؤكل لا تخرج من اللحم من البيت إلى خارج. وعظما لا تكسروا "

(2)

.

وكانت مدة عيد الفصح سبعة أيام أولها وأقدسها الخامس عشر من نيسان " إبريل " وكان عليهم في اليوم السادس عشر أن يقدموا باكورة حصادهم حزمة من القمح أو الشعير مع حمل صحيح حولي لتقديس الحصاد.

أما في بقية أيام العيد فكان عليهم أن يقدموا ذبائح شتى للتكفير عن خطاياهم. وقد ورد بيان تفصيلي عن الذبائح والتقدمات استوعب اصحاحين من سفر العدد وهما الأصحاح الثامن والعشرون والتاسع والعشرون.

وقد اعتبرت الكنيسة أن خروف الفصح اليهودي رمز للمسيح الفصح الذي قال عنه بولس: "لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذبح لأجلنا "

(3)

.

وجاء في التوراة ذبائح للتعبير عن الشكر:

وبدأت أول ذبيحة في الأرض يوم أن "قدم هابيل من أبكار غنمه

(1)

سفر الخروج 12: 21 - 24.

(2)

سفر الخروج 12: 43 - 46.

(3)

1 كو 5: 7.

ص: 85

ومن سمانها، فنظر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر فاغتاظ قايين جداً وسقط وجهه "

(1)

.

ثم أتبعها نوح بذبائح بعد أن استقر الفلك على الأرض وخرج كل من وما بالفلك إلى الأرض: "فبنى نوح مذبحا للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا"

(2)

.

ثم شرع الله لبني إسرائيل طقوس الذبائح والقرابين: "ودعا الرب موسى وكلمه من خيمة الإجتماع قائلا "كلم بني إسرائيل وقل لهم: إذا قرب إنسان منكم قربانا للرب من البهائم فمن البقر والغنم تقربون قرابينكم.

إن كان قربانه محرقة من البقر فذكرا صحيحا يقربه إلى باب خيمة الإجتماع يقدمه للرضا عنه أمام الرب. ويضع يده على رأس المحرقة فيُرضى عليه للتكفير عنه، ويذبح العجل أمام الرب ويقرب بنو هارون الكهنة الدم ويرشون الدم مستديراً على المذبح الذي لدى باب خيمة الإجتماع.

ويسلخ المحرقة ويقطعها إلى قطعها. ويجعل بنو هارون الكاهن نارا على المذبح ويرتبون حطبا على النار. ويرتب بنو هارون الكهنة القطع مع الرأس والشحم فوق الحطب الذي على النار التي على المذبح. وأما أحشاؤه وأكارعه فيغسلها بماء ويوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة وقود رائحة سرور للرب"

(3)

.

وتأخذ شريعة الذبائح عن الشكر الإصحاحين الأول والثالث من سفر اللاويين، ثم شريعة التقدمات الإصحاح الثاني من سفر اللاويين

(1)

سفر التكوين 4: 2 - 5.

(2)

سفر التكوين 8: 20 - 21.

(3)

سفر اللاويين 1: 1 - 9.

ص: 86

ثم طقوس شريعة ذبيحة الخطأ والسهو الإصحاح الرابع والخامس من سفر اللاوين، ثم طقوس شريعة ذبيحة الأثم والسلامة الإصحاح السابع من سفر اللاوبين. ويوصى موسى بقوله:"والنار على المذبح تتَّقد عليه. لا تطفأ ويشعل عليها الكاهن حطبا كل صباح ويرتب عليها المحرقة ويوقد عليها شحم ذبائح السلامة. نار دائمة تتقد على المذبح لا تطفأ"

(1)

.

ومثل هذه النار المتقدة دائماً تذكرنا بما صحب مولد المصطفى صلى لله عليه وسلم من آيات أهتزت لها جوانب الوجود، فارتج لولادته إيوان كسرى وتداعى البنيان، وجفت بحيرة ساوة، وغاض منها الماء، وأخمدت لفارس من نوره النار.

فكان هذا من إرهاصات النبوة التي تعد الأذهان لقبول مابعدها من أمر عظيم وشأن خطير. لقد خمدت من نور محمد صلى الله عليه وسلم نار فارس فلا أقل من أن تخمد نار إسرائيل!! لقد صورت التوراة في شريعة الطقوس والذبائح والقرابين الإله بأنه اختص بهم دون سواهم وأنه ترتاح وتنتعش نفسه من رائحة الدخان المتصاعد من المحرقات وأنه يغضب كل الغضب إذا لم تقدم إليه في الصورة التي يرضاها، أو إذا قدمت إليه في صورة غير الصورة المقررة في شريعتهم وأنه قد يصب غضبه حينئذ على المقصرين فيرسل علهيم نارا تحرقهم:

"وأخذ ابنا هارون: ناداب وابيهو كل منهما مجمرته وجعلا فيها نارا غربية ووضعا عليها بخورا وقربا أمام الرب نارا غريبة لم يأمرهما بها فخرجت نار من عند الرب وأ كلتهما فماتا أمام الرب "

(2)

.

ويرد القرآن الكريم على مزاعمهم هذه بقوله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ

(1)

سفر اللاويون 6: 12 - 13.

(2)

سفر اللاويون 10: 1 - 2.

ص: 87

لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}

(1)

وإذ يقول عز وجل في هدى الحج من الأنعام: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}

(2)

.

كانت الحروب قائمة ضد إسرائيل، وانتظر شاول الملك أن يقدم صموئيل النبي المحرقة وذبائح السلام، ولما تباطأ صموئيل النبي "قال شاول: قدموا إليَّ المحرقة وذبائح السلامة، فأصعد المحرقة"

(3)

.، فقال صموئيل لشاول:"قد انحمقت لم تحفظ وصية الرب إلهك التي أمرك بها لأنه الآن كان الرب قد ثبت مملكتك على إسرائيل إلى الأبد، وأما الآن فمملكتك لا تقوم. قد انتخب الرب لنفسه رجلاً حسب قلبه وأمره الرب أن يترأس على شعبه. لأنك لم تحفظ ما أمرك به الرب"

(4)

.

وقال صموئيل: هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب. هوذا الإستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش. لأن التمرد كخطية العرافة. والعناد كالوثن والترافيم. لأنك رفضت كلام الرب رفضك من الملك "

(5)

.

أما بشأن ذبيحة الخطية فقد أوصى بها موسى كما جاء في سفر العدد: "وكلم الرب موسى وهارون قائلا: هذه فريضة الشريعة التي أمر بها الرب قائلا: "كلم بني إسرائيل أن يأخذوا إليك بقرة حمراء صحيحة لاعيب فيها ولم يعل عليها نير. فتعطونها لألعازار الكاهن فتخرج إلى خارج المحلة وتذبح قدامه ويأخذ ألعازار الكاهن من دمها بأصبعه وينضح من دمها إلى جهة وجه خيمة الإجتماع سبع مرات. وتحرق البقرة أمام عينيه يحرق جلدها ولحمها ودمها مع فرثها ويأخذ الكاهن خشب أرز وزوفا وقرمزا ويطرحهن في وسط حريق البقرة ثم يغسل الكاهن ثيابه ويرحض جسده

(1)

سورة الحج: 37.

(2)

سورة الحج: 28.

(3)

1 صم 13: 9.

(4)

1 صم 13: 13 - 14.

(5)

1 صم 15: 22 - 23.

ص: 88

بماء. وبعد ذلك يدخل المحلة ويكون الكاهن نجسا إلى المساء. والذي أحرقها يغسل ثيابه بماء ويرحض جسده بماء ويكون نجسا إلى المساء. ويجمع رجل طاهر رماد البقرة ويضعه خارج المحلة في مكان طاهر فتكون لجماعة بني إسرائيل في حفظ ماء نجاسة. إنها ذبيحة خطية. والذي جمع رماد البقرة يغسل ثيابه ويكون نجسا إلى المساء. فتكون لبني إسرائيل وللغريب النازل في وسطهم فريضة دهرية "

(1)

.

أما بشأن ذبيحة الكفارة فقد أوصى بها موسى عليه السلام كما جاء في سفر العدد: "وكلم الرب موسى قائلا: قل لبني إسرائيل: إذا عمل رجل أو امراءة شيئا من جميع خطايا الإنسان وخان خيانة بالرب، فقد أذنبت تلك النفس فلتقر بخطيتها التي عملت وترد ما أذنبت به بعينه وتزد عليه خمسه وتدفعه للذي أذنبت إليه. وإن كان ليس للرجل ولى ليرد إليه المذنب به فالذنب به المردود يكون للرب لأجل الكاهن فضلا عن كبش الكفارة الذي يكفر به عنه. وكل رفيعة مع كل أقداس بني إسرأئيل التي يقدمونها للكاهن تكون له. والإنسان أقداسه تكون له. إذا أعطى إنسان شيئاً للكاهن فله يكون "

(2)

.

ويوضح العهد الجديد أن هذه الذبائح لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية إذ يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "وكل كاهن يقوم كل يوم يخدم ويقدم مراراً كثيرة تلك الذبائح عينها التي لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية.

أما هذا (المسيح) فبعد ما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله "

(3)

.

ويقول أيضاً: " وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة

(1)

سفر العدد 19: 1 - 10.

(2)

سفر العدد 5: 5 - 10.

(3)

سفر العبرانيون 10: 11 - 12.

ص: 89

فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد، أي الذي ليس من هذه الخليقة وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبدياً، لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد فكم بالحرى يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي "

(1)

.

ويقول كذلك كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طلب موضع لثان. لأنه يقول لهم لائما: "هوذا أيام تأتى يقول الرب: "حين أكمل مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديداً. لا كالعهد الذي عملته مع آبائهم يوم أمسكت بيدهم لأخرجهم من أرض مصر لأنهم لم يثبتوا في عهدي وأنا أهملتهم يقول الرب. لأن هذا هو العهد الذي أعهده مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب أجعل نواميسى في أذهانهم وأ كتبها على قلوبهم وأنا أ كون لهم إلها وهم يكونوا لي شعبا "

(2)

.

ويرى علماء اللاهوت بأن نبوءة إشعياء القائلة: "قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك لأن هاهي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يرى فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك "

(3)

. تنطبق على المسيح ورسالته على الأرض هي رسالة السلام ومعرفة الله أنه "روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا "

(4)

ومعرفته الذاتية أنه إنسان: "أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله "

(5)

.

(1)

سفر العبرانيون 9: 11 - 14.

(2)

سفر العبرانيون 8: 7 - 10.

(3)

سفر إشعياء 60: 1 - 3.

(4)

سفر يوحنا 4: 24.

(5)

سفر يوحنا 8: 40.

ص: 90

لقد كانت فرائض الذبائح والقرابين سببا من أسباب إيجاد فرقة المنبوذين فإن موسى عليه السلام أمر بعزل المنجسين حتى يتطهروا كما جاء في سفر العدد: "وكلم الرب موسى قائلا: "أوصي بني إسرائيل أن ينفوا من المحلة كل أبرص وكل ذى سيل وكل متنجس لميت. الذكر والأنثى تنفون إلى خارج المحلة تنفونهم لكيلا ينجسوا محلاتهم حيث أنا ساكن في وسطهم. ففعل هكذا بنو إسرائيل ونفوهم إلى خارج المحلة كما الرب موسى هكذا فعل بنو إسرائيل "

(1)

.

ولكي يرتقي المنبوذ أو المعزول إلى درجة الإمتزاج ببني جلدته وقومه ينبغى له من الطهارة ومن طقوس الذبائح بأنواعها ذبيحة الشكر وذبيحة الفداء وذبيحة الأثم وذبيحة الكفارة طقوسا للتطهير فيوصى موسى بني إسرائيل بقوله: " فيأخذون للنجس من غبار حريق ذبيحة الخطية ويجعل عليه ماء حياً في إناء، ويأخذ رجل طاهر زوفا ويغمسها في الماء وينضحه على الخيمة وعلى جميع الأمتعة وعلى الأنفس الذي كانوا هناك وعلى الذي مس العظم أو القتيل أو الميت أو القبر ينضح الطاهر على النجس في اليوم الثالث واليوم السابع ويطهره في اليوم السابع فيغسل ثيابه ويرحض بماء فيكون طاهراً في المساء. وأما الإنسان الذي يتنجس ولايتطهير فتباد تلك النفس من بين الجماعة لأنه نجس مقدس الرب. ماء النجاسة لم يرش عليه. إنه نجس فتكون لكم فريضة دهرية والذي رش ماء النجاسة يغسل ثيابه والذي

مس ماء النجاسة يكون نجسا إلى المساء 0 وكل مامسه النجس يتنجس والنفس التي تمس تكون نجسة إلى المساء "

(2)

.

هذه الطقوس لم تقرب بني إسرائيل إلى الله بل باعدت بينهم وبين الله

(1)

سفر العدد 5: 1 - 4.

(2)

سفر العدد 19: 17 - 22.

ص: 91

فيقول إشعياء: " اسمعى أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض لأن الرب يتكلم. ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا علي. الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم. ويل للأمم الخاطئة الشعب الثقيل الإثم نسل فاعلي الشر أولاد مفسدين. تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل ارتدوا إلى وراء "

(1)

.

ثم يندد بأعماهم ويكشفها لهم وللأجيال بقوله: "لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة. البخور هو مكرهة لي. رأس الشهر والسبت ونداء المحفل.

لست أطيق الإثم والإعتكاف. رؤس شهورك وأعيادكم بغضتها نفسي.

صارت على ثقلا مللت حملها. فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم وإن كثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دما.

" اغتسلوا تنقوا اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني كفوا عن فعل الشر تعلموا فعل الخير. اطلبوا الحق. أنصفوا المظلوم أقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة

إن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض وإن أبيتم وتمردتم توكلون بالسيف لنأ فم الرب تكلم "

(2)

.

ويقرر بولس في رسالته إلى رومية جزاء التمرد والعصيان فيقول: "لأن غضب الله معلن من السماء على فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالأثم .. الذين استبدلوا حق الله بالكذب .. لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان "

(3)

. وتحول إسرائيل عن التوراة إلى التلمود الذي يتفق ونزعاتهم ومثلهم في ذلك مثل شاول لما تخلى عنه الله: " ولما رأى شاول

(1)

سفر إشعياء 1: 2 - 4.

(2)

سفر إشعياء 1: 13 - 20.

(3)

سفر رومية 1: 18، 25 - 26.

ص: 92

جيش الفلسطينيين خاف واضطرب قلبه جدا، فسأل شاول من الرب فلم يجبه الرب لا بالأحلام ولا بالأوريم ولا بالأنبياء. فقال شاول لعبيده: فتشوا لي على امرأة صاحبة جان فأذهب إليها "

(1)

.

واحتال على امرأة صاحبة جان حتى أخرجت له روح صموئيل: "فقال صموئيل لشاول: لماذا أقلقتنى بإصعادك إياي؟ فقال شاول: قد ضاق بي الأمر جداً. الفلسطينيون يحاربونني والرب فارقني ولم يعد يجيبني لا بالأنبياء ولا بالأوريم ولا بالأحلام فدعوتك لكي تعلمني ماذا أصنع. فقال صموئيل: ولماذا تسألني والرب قد فارقك وصار عدوك.

وقد فعل الرب لنفسه كما تكلم عن يدي وقد شق الرب المملكة من يدك وأعطاها لقريبك داود. لأنك لم تسمع لصوت الرب ويدفع الرب إسرائيل أيضاً معك ليد الفلسطينيين "

(2)

.

وقد أعترف المؤرخ اليهودي برنارد لازار Bernard lazare في كتابه L'Anti - samitisme " اللاسامية" بأن عادة ذبح الأطفال ترجع إلى استخدام دم الأطفال من قبل السحرة اليهود في الماضى.

ويقول الجنرال جواد رفعت أنيل خان، في كتابه "البرميل الإبري"

(3)

(إيفلي فيجي): "إن حوادث الدم البشرى مفاهيم انتشرت بين عامة الشعب وهي ليست خرافة. والحقيقة أن جيل الشباب من اليهود يهتم كثيرا بعلوم السحرة والشعوذة. والتلمود يبحث عن السحر والشياطين بغموض كبير، ولهذا فإن الطبيعي أن تستعمل الدماء خلال طقوسهم الدينية: ومن المحتمل أن يكون سحرة اليهود قد ذبحوا أطفالاً من غير

(1)

1 صم 28: 3 - 7.

(2)

1 صم 28: 15 - 19.

(3)

طبعة استانبول سنة 1958 والعبارات من ترجمة المجاهد فاروق حمود.

ص: 93

اليهود ليستفيدوا من دمائهم. وهكذا فإن هذه الحوادث تعتمد عل هذا الاساس".

ويقول ج. كيتو kitto في كتابه "مجموعة الكتاب المقدس" الذي نشر في عام 1895: " إن محاريبهم ملطخة بالدماء التي سفكت من هد إبراهيم حتى سقوط مملكة إسرائيل ويهوذا ".

ويقول المسيح عليه السلام: " ويل لك لأنكم تبنون قبور الأنبياء وآباؤكم قتلوم. إذا تشهدون وترضون في أعمال أبائكم. لأنهم قتلوهم أنتم تبنون قبورهم. لذلك أيضاً قالت حكمة الله إني أرسل اليهم أنبياء ورسلا فيقتلون منهم ويطردون، لكي يطلب من هذا الجيل دم جميع لأنبياء المهرق منذ إنشاء العالم من دم هابيل إلى دم زكريا الذي أُهْلِكَ بين المذبح والبيت. نعم أقول لكم أنه يطلب من هذا الجيل "

(1)

.

ويشكو إيليا قائلا: " قد غرت غيرة للرب إله الجنود لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك و نقضوا مذابحك وقتلوا أنبيائك بالسيف فبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي ليأخذوها "

(2)

.

وتقرر التوراة مدى انحراف بني إسرائيل عن أحد ملوك يهوذا: " كان منسى ابن اثنتى عشرة سنة حين ملك، وملك خمسا وخمسين سنة في ورشليم وأسم أمه حفصيبة، وعمل الشر في عيني الرب حسب رجاسات الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل، وعاد فبنى المرتفعات التي أبادها حزقيا أبوه وأقام مذابح للبعل وعمل سارية كما عمل آخاب ملك إسرائيل وسجد لكل جند السماء وعبدها، وبنى مذابح في بيت الرب

(1)

سفر لوقا 11: 47 - 51.

(2)

سفر الملوك الأول 19: 10.

ص: 94

الذي قال الرب عنه: في أورشليم أضع إسمي، وبنى مذابح لكل جند السماء في داري بيت الرب وعبر أبنه في النار وعاف وتفاءل واستخدم جانا وتوابع وأ كثر عمل الشر في عيني الرب لإغاظته، ووضع تمثال السارية التي عمل في البيت الذي قال الرب عنه لداود وسلمان ابنه: في هذا البيت وفي أورشليم التي اخترت من جميع أسباط إسرائيل أضع اسمى إلى الأبد "

(1)

ويقول ج. أ. دورزي Dorsey في كتابه Civilization إن معابدهم في القدس مخيفة بشكل يفوق معابد الهنود والسحرة، وهي المراكز التي تقع داخلها جرائم القرابين البشرية.

وجاء في صفحة 653 من الجزء الثامن من دائرة المعارف اليهودية jewish Encyclopedia طبعة 1904: إذا كان هناك من أساس أقر من قبل الحكماء فهو حقيقة القرابين البشرية التي تقدم للإله يهوه ملك الأمة والتي بوشر في تقديمها أواخر عيد الملكية اليهودية ".

وقد نقل الدكتور الألماني أريك بسكوف Dr. Erica Bisckoff المتخصص بدراسة تعاليم اليهود وتمحيصها عن كتاب يهودي اسمه " Tbikume Zoher" أن من حكمة الدين وتوصياته قتل الأجانب الذين لا فرق بينهم وبين الحيوانات وهذا القتل يجب أن يتم بطريقة شرعية، والذين لا يؤمنون بتعاليم الدين اليهودي وشريعة اليهود يجب تقديمهم قرابين إلى إلهنا الأعظم "

(2)

.

(1)

2 مل 21: 1 - 7.

(2)

Jewish Ritual Murder Arnold Leese. London 1938.

ص: 95

واعترف السير رتشارد بورتون sir Richard Burton الذي درس التلمود وعلاقته بغير اليهود، في كتابه "اليهود، النور، الإسلام" الذي نشر سنة 1898 بقوله في صفحة 73: "إن أهم نقطة في المعتقدات اليهودية الحديثة هي أن الأجانب أي لذين لا ينتمون إلى الدين اليهودي ليسوا سوى حيوانات متوحشة حقوقها لا تزيد عن حقوق الحيوانات الهائمة في الحقول" وعلى الصفحة 80 من الكتاب نفسه يقول: "يقول التلمود عندنا مناسبتان دمويتان ترضيان إلهنا يهوه إحداهما عيد الفطائر الممزوجة بالدماء البشرية والأخرى مراسيم ختان أطفالنا". ولليهود عيدان مقدسان لا تتم الفرحة فيهما إلا بتناول الفطير الممزوج بالدماء البشرية:

الأول عيد الفوريم وهو في مارس من كل سنة والثاني عيد الفصح وهو في إبريل من كل سنة ويواجه عيد الفصح عند المسيحيين Easter أما عيد الفوريم فيرمز إلى قصة اليهودية الجميلة استير المذكورة في التوراة وكيف أنها أقنعت ملك الفرس بالسماح لليهود بقتل وزيره هامان وذبح عشرات الألوف من بني قومه بما فيهم الأطفال والشيوخ والنساء بحجة أن هامان كان ينوي ذبح اليهود وتُحيا في هذا العيد ذكرى أستير وجرائمهم الوحشية ضد الفرس.

وتقول التوراة: "لأننا قد بعنا أنا وشعبي للهلاك والقتل والإبادة ولو بعنا عبيدا وإماء لكنت سكت مع أن العدو لا يعوض عن خسارة لملك"

(1)

. و يمنحهما الملك أحشويرش أمراً بإبادة هامان وأسرته وحاشيته: "فضرب اليهود جميع أعدائهم ضربه سيف وقتل وهلاك وعملو بمبغضيهم ما أرادوا "

(2)

. ثم استنوا لأنفسهم عيد الفوريم: "وكتب مردخاي هذه

(1)

سفر استير 7: 4.

(2)

سفر استير 9: 5.

ص: 96

الأمور وأرسل رسائل إلى جميع اليهود الذين كل بلدان الملك أحشويرش القريبين والبيعدين ليوجب عليهم أن يعيدوا في اليوم الرابع عشر من شهر آذار "مارس" واليوم الخامس عشر منه في كل سنة حسب الأيام التي استراح فيها اليهود من أعدائهم والشهر الذي تحول عندهم من حزن إلى فرح ومن نوح إلى يوم طيب ليجعلوها أيام شرب وفرح وإرسال أنصبة من كل واحد إلى صاحبه وعطايا للفقراء "

(1)

.

ولأن هامان بن همداثا الأجاجى عدو اليهود جميعا، تفكر على اليهود ليبيدهم وألقى فورا أى قرعة لإفنائهم وإبادتهم وعند دخولها إلى أيام الملك أمر بكتابة أن يرد تدبيره الرديء الذي دبره ضد اليهود على رأسه وأن يصلبوه هو وبنيه على الخشبة، لذلك دعوا تلك الأيام فوريم على اسم الفور لذلك من أجل جميع كلمات هذه الرسالة وما رأوه من ذلك وما أصابهم أوجب اليهود وقبلوا على أنفسهم وعلى نسلهم وعلى جميع الذين يلتصقون بهم حتى لا يزول أن يعيدوا هذين اليومين حسب كتابتهما وحسب أوقاتهما كل سنة، وأن يذكر هذان اليومان ويحفظا في دور فدور، وعشيرة فعشيرة وبلاد فبلاد، مدينة فمدينة، ويوما الفور هذان لايزولان من وسط اليهود وذكرهما لا يفنى من نسلهم "

(2)

.

إن شعب اليهود أين كانوا سبب قلاقل في البلاد التي أكرمتهم، ففي بابل تسببوا في إبادة شخصيات على مستوى "هامان" ثانى رجل في لمملكة، وفى مصر ماذا فعلوا؟ إن موسى تزعم التوراة ينبئهم بأن الله "أعطى نعمه لهذا الشعب في عيون المصرين، فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريي "

(3)

.

(1)

سفر أستير 9: 20 - 22.

(2)

سفر أستير 9: 24 - 28.

(3)

سفر الخروج 3: 21 - 22.

ص: 97

وحينما أفاقت شعوب أفريقيا وآسيا وأوربا من غفوتها هبت ترد العدوان وتدفع الخطر قبل أن يستفحل الداء العضال ويستشري السرطان ليهودى فيفتك بأجسام ملايين البشر ويحولهم إلى عبيد لخدمة الشعب المختار. و نال اليهود بعد تلك الصحوة جزاءهم الأوفى.

ففي مصر: تمكن منفتاح سابتح سنة 1218 ق. م من طردهم نهائيا من أراضي لدلتا.

وفي فارس:

صرح كورش ملك فارس بعودتهم إلى بلادهم "فى السنة الأولى لكورش ملك فارس عند تمام كلام الدين بفم إرميا نبه الرب روح كورش ملك فارس فأطلق نداء في كل مملكته وبالكتابة أيضاً قائلا: "هكذا قال كورش ملك فارس. جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء وهو أوصاني أن أبني له بيتا في أورشليم التي في يهوذا. من منكم من كل شعبه ليكن إلهه معه ويصعد إلى أورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب إله إسرائيل. هو الإله الذي في أورشليم "

(1)

. وكان ذلك سنة 516 ق. م.

وفي بريطانيا:

أصدر الملك إدوارد الأول سنة 1290 م مرسوماً يقضي بطرد اليهود من بريطانيا في غضون ثلاثة أشهر، إلا أنهم شرعوا يتسللون إلى البلاد تحت حماية كرومويل معلنين يهوديتهم سنة 1656 ثمناً للرشوة التي قدموها إلى لك الطاغية الإنجليزى وأسسوا أول جمعية ليهود الإشكناز

(1)

سفر عزرا 1: 1 - 3. أخبار الأيام التاني 36: 22 - 23.

ص: 98

سنة 1692

(1)

. وهكذا كان التغلغل اليهودي التدريجي في الحياة البريطانية في فترة الغفلة التي أعقبت حكم كرومويل وغلبت فيها سياسة التغاضي عن خطط اليهود الشريرة.

وفي فرنسا:

ألقى لويس التاسع ثلث ماكان لهم من ديون على الحكومة والكنائس وأفراد الشعب، ثم أصدر أمراً ملكيا بحرق جميع كتبهم وخاصة التلمود.

وطردوا من جديد في عهد فيليب الجميل وأصابهم من القتل والنهب شيء كثير ثم عادوا إلى البلاد. وفي سنه 1341 م هاج الشعب في أواسط فرنسا وذبحوا من اليهود أعدادا كبيرة وطردوهم. ولم تأتي سنة 1394 م وفي فرنسا يهودي واحد The Jewish problem - London Golding Hazell - London 1939.

وفي الثورة الفرنسية سنة 1790 م استغلو ميرابو فدافع عن حقهم في المساواة بسائر السكان، ثم حاول نابليون بونابرت استغلالهم لمساعدته على تحقيق أطماعه التوسعية في الشرق العربي. ثم مالبث النفوذ اليهودي أن تغلغل في فرنسا بعد براءة الضابط اليهودي (دريفوس) من تهمة الخيانة العظمى لنقله الأسرار العسكرية إلى ألمانيا سنة 1894 م بعد أن كان قد حكم عليه بالإعدام في المحاكة الأولى. ومنذ أواخر القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا غدت فرنسا عميلة مسخرة لتحقق أهداف الصهيونية واليهودية العالمية.

(1)

اليهود الإشكيناز هم الذين نزحوا إلى شمال شرق آسيا بعد خراب القدس سنة 70 م واستقروا في روسيا وشرقها وجنوبها وامتزجوا بالغول، ثم نزحوا إلى الغرب واستقروا في بولندا وألمانيا وبريطانيا.

ويهود السفارديم هم الذين استقروا حول حوض البحر المتوسط.

ص: 99

في ألمانيا:

عاش اليهود حياتهم الإنطوائية مستعلين على الألمان لا يختلطون بهم باعتبارم gintiles " كفارا ملحدين" - والشعب الألماني يمتاز بالتدين الأصيل ومسيحيته العميقة المتحررة - فنظر إليهم هتلر متوجسا منهم خيفة وعمل على إبادلهم في فترة حكمه من سنة 1933 إلى سنة 1945 ولم يفعل بهم أكثر ما فعله فرعون مصر يوم أجلام عن البلاد. .

ولا أكثر مما فعله نبوخذ نصر يوم دمر هيكلهم وبطش بهم وسباهم إلى بابل سنة 586 ق. م. ولا أكثر من الإمبراطور تيطس يوم أن دمر الهيكل وأحرق أورشليم وسباهم إلى أراضي الإمبراطورية الرومانية، كوسيلة وحيدة للحد من تآمرهم وأحقادهم على المسيحية في أول عهدها!!

في أسبانيا:

وصلت موجة البطش باليهود أوجها في عهد الملك فرديناند وزوجته إيزابلا فأصدر الملك مرسوما في 31 مارس سنة 1492 نص على ما يأتي: "يعيش في مملكتنا عدد غير قليل من اليهود. ولقد أنشأنا محاكم التفتيش منذ اثنتى عشرة سنة، وهي تعمل دائماً على توقيع العقوبة على المذنبين.

وبناء على التقارير التي رفعتها لنا محاكم التفتيش ثبث بأن الصدام الذى يقع بين المسيحيين واليهود يؤدى إلى ضرر عظيم، ويؤدي بالتالي إلى القضاء على المذهب الكاثوليكي. ولذا قررنا نفي اليهود ذكورا واناثا خارج حدود مملكتنا وإلى الأبد. وعلى اليهود جميعا الذين يعيشون في بلادنا - ومن غير تمييز في الجنس أو الاعمار - أن يغادورا البلاد في غضون فترة أقصاها نهاية يوليو من نفس العام وعليهم أن لا يحاولوا العودة تحت أي ظرف أو أي سبب"

(1)

.

(1)

The Expalsion of the jews from Spain Marw Constable London 1935.

ص: 100

في بقية دول أوربا:

وكذلك وقع لليهود اضطهادات في كل من روسيا وبولندا وإيطاليا وبلغاريا وسويسرا وهنغاريا والمذابح التي وقعت لهم في روسيا على مر الأزمنة وفي مختلف العصور يعجز القلم عن وصفها.

وفي إيطاليا:

حاربهم البابوات وأصدروا المراسيم العديدة لتكفيرهم وتسفيه ديانتهم المرتكزة على التلمود. وفي سنة 1242 أعلن البابا جريجوري التاسع اتهامات صريحة ضد التلمود الذي يطعن في المسيح والمسيحية وشكل البابا لجنة لفحص الإتهامات فأقرت اللجنة التهمة وأمرت بحرق التلمود.

وضاق الشعب بأخلاق اليهود ووقاحتهم وجشعهم فثأر عليهم مرات عديدة وفي أماكن مختلفة من البلاد وخاصة في نابولي التي فتك بهم شعبها وطرد البقية الباقية منهم سنة 1540 م

(1)

.

لقد ذبح اليهود وأحرقوا ونكل بهم وشردوا قبل مئات السنين من ظهور النازية وحكم هتلر. والجرائم التي نسبت لليهود في كل زمان ومكان واحدة لم تتغير: الجشع والسرقة وامتصاص دم الشعب البريء وتدمير الأوطان سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا وعسكريا، والتآمر مع الأعداء ومحاربة القيم الأخلاقية، والتشكك في كل دين يتعارض مع ديانتهم الهمجية المبنية على التلمود ومقررات حكماء صهيون، واستنزاف دم الأطفال من غير اليهود لإستخدام دمائهم في فطير عيد الفصح، وتسميم الأبار وتزييف العملة وتشكيل الجمعيات السرية التابعة للماسونية العالمية ونشر الفوضى والإنحلال والإباحية.

(1)

History of the jawish، Gratz، Philadelphia U.S.A. 1941.

ص: 101

‌الفصل الثاني

الحكومة اليهودية العالمية

دفعت التعاليم اليهودية الواردة في التوراة "العهد القديم" وفي التلمود اليهود إلى السعي الدائم من أجل السيطرة على العالم وتسخيره لخدمة الشعب المختار!.

ومن أجل تحقيق أهدافهم الشريرة أنشأوا الجمعيات والمنظمات التي تولت أمر التخطيط ورسم الطريق أمام اليهود للوصول إلى أهدافهم اللامعقولة.

ويكون اليهود في العالم حكومة مستورة يديرها 300 عضو ممن أطلقوا على أنفسهم لقب حكماء صهيون. ينتخبون دائما شخصاً يعتبرونه ملكا وارثا لملك داود وسليمان ولا يعلنون عن اسمه، وكلما توفي ملك عينوا بدله من بين أحبار اليهود.

ولايخفي اليهود خططهم هذه واعترف بها كثير من كتابهم ورجال الدين والمال فيهم. وقد ذكر المليونير اليهودي ولتر راثنو walter Rathenau في جريدة ألمانية the Wiener press بتاريخ 25/ 1909/12 "هناك 300 رجل كل منهم يعرف جميع زملائه الآخرين، يتحمكون في مصير أوربا. إنهم ينتخبون خلفائهم من الأشخاص المحيطين بهم وهؤلاء اليهود يملكون الوسائل التي تمكنهم من القضاء على أية حكومة لايرضون عنها"

(1)

.

(1)

The Key to the Mystery - Christian Nationalist - Missouri 1937

ص: 103

ولقد شبه اليهود أنفسهم حكومتهم المستورة بالأفعى السامة التي بدأ زحف رأسها المميت من فلسطين بعد خراب الهيكل سنة 70 م لتخريب العالم، وذنبها بقي في فلسطين ولا يعود الرأس للإلتقاء بالذنب إلا بعد تدمير العالم والتربع على أنقاضه تحت حكم ملك يهودي يحكم العالم من القدس.

ولما كانت الحكومة اليهودية المستورة غير قادرة على التحكم في مصائر الشعوب والحكومات مادام هناك دين أو أخلاق فقد كان من أول أعمال تلك الحكومة المجرمة القضاء على الدين والأخلاق عند شعوب العالم.

وقد عمد اليهود إلى تنفيذ خطط عديدة للوصول إلى أهدافهم، ولم تبق جمييع خططهم سرية، إذ عثر السير جون ردكليف

(1)

على نص خطبة ألقاها الحاخام Reichorn في اجتماع سري عقده اليهود على قبر قديسهم سيمون بن يهودا في مدينة براغ سنة 1869. ونشرت الوثيقة في مجلة Cantemporain بتاريخ 1/ 1880/7.

ولما كانت الوثيقة على جانب كبير من الأهمية وخاصة أنها تكشف خطط اليهود قبل مجيء هرتزل أبي الصهيونية الحديثة فقد وجدت من الفائدة نشر بعض نصوص تلك الوثيقة المشتملة على خطبة الحاخام اليهودي Reichorn ومما ورد فيها مايلي

(1)

:

1 -

"لقد وكل آباؤنا للنخبة من قادة يهودا، أمر الإجتماع مرة على الأقل في كل قرن، حول قبر أستاذنا الأعظم الرابي المقدس سيمون ابن يهودا الذي تعطى تعاليمه للصفوة من كل جيل، سيطرة على جميع العالم وسلطة على نسل يهودا".

(1)

The Keyto the Mystery - Christian Nationalist - Missouri 1938

ص: 104

2 -

"وها قد مضى ثمانية عشر قرنا على حرب يهودا من أجل تلك السيطرة التي وعد بها إبراهام، والتي اغتصبها الصليب، ورغم أن شعب يهودا قد ديس بالأقدام، وأهين من قبل أعدائه وكان على الدوام مهدداً بالموت والإضطهاد و الإغتصاب وجميع أنواع الشدائد، فانه لم يستسلم. وإذا كنا قد انتشرنا في جيع أنحاء العالم فلأن العالم كله ملك لنا ".

3 -

" منذ قرون عديدة حارب حكمائنا الصليب بشجاعة وعزيمة لا تغلبان. إن شعبنا يخطو شيئاً فشيئاً نحو القمة وفي كل يوم تزداد قوتنا.

نحن نملك آلهة هذا العصر، تلك الآلهة التي نصبها لنا هارون في الصحراء. إنه العجل الذهبي الذي عبدناه، والذي يعتبر اليوم إله العالم أجمع ".

4 -

"ومنذ اللحظة التي نصبح فيها المالكين الوحيدين للذهب في العالم، فإن القوة الحقيقية تصبح ملك أيدينا، وعندئذ نحقق الوعود التي

قدمت لإبراهام".

5 -

" الذهب أعظم قوة في عالم الذهب، إنه قوة وفي الوقت نفسه هبة، إنه يؤمن جميع أنواع السعادة. تلك التي يخشاها المرء ويشتيها.

هنالك يكمن السر، وعمق المعرفة بالروح التي تحكم العالم، هنالك تملك المستقبل".

6 -

"كانت القرون الثمانية عشر الماضية لأعدائنا، ولكن القرن الحالي والقرون المقبلة ستكون لنا ويجب أن تكون لنا نحن شعب يهودا ومن المحقق أنها ستكون لنا، إن عصور الإضطهاد والعذاب. والأزمنة السود المؤلمة، التي تحملها شعب يهودا بصبر وشجاعة، قد مرت بسلام وشكراً لتطور المدنية بين المسيحيين وتقدمها، وهذا التقدم هو الدرع الذي نختبئ من ورائه لنعمل بثبات وسرعة خاطفة من أجل إزالة الفجوة التي مازالت تفصلنا عن غاياتنا النهائية".

ص: 105

7 -

"دعونا نجيل النظر في الحالة المادية لأوربا، وندقق في الموارد التي جمعها اليهود منذ بداية هذا القرن، مجرد ما جمعناه من رؤس أموال كبيرة هي ملك أيدينا في هذه اللحظة. وهكذا في باريس، لندن، فيينا برلين، أمستردام، هامبورغ، روما، نابولي ..... الخ وفي آل روتشيلد نجد أن اليهود في كل مكان هم سادة الأوضاع المالية لأنهم يملكون عدة آلاف الملايين".

ويبدو أن الحاخام Reichorn قد تعمق في دراسته لأبعاد المسيحية فجاهدها جهاداً عنيفاً و ناضلها بمرارة ووحشية، فهو يعتبر المسيحية قد ظهرت لتغتصب منهم المجد، حتى أن طلبة بطرس من المسيح كانت تتسم بسمات الآمال الدنيوية العريضة إذ سأل المسيح قائلا:"ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا؟ "

(1)

. بينما تآمر الكهنة عليه يدل على مدى وقوفهم على ضياع أمجادهم ما دام المسيح حيا: "فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعا وقالوا: ماذا نصنع فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة.

إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا"

(2)

. وينتهي أمر المؤامرة بقرار قتله: "فقال لهم واحد منهم وهو قيافا كان رئيسا للكهنة في تلك السنة: أنتم لست تعرفون شيئا، ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا نهلك الأمة كلها"

(3)

.

والحاخام Reichorn يعلم أن المسيحية تسمو بمسيحييها عن التكالب على الدنيا وتدفعهم إلى التسامي للروحيات. يقول المسيح: لا يقدر أحد أن يخدم سيدين لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر لا تقدرون أن تخدموا الله والمال"

(4)

.

(1)

سفر متى 19: 27.

(2)

سفر يوحنا 11: 47 - 48.

(3)

سفر يوحنا 11: 49 - 50.

(4)

سفر متى 6: 24.

ص: 106

ولهذا جعل بولس رسول المسيحية مناط الأعمال الدينية العليا لأناس زهدوا الدنيا فيقول لهم: "فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعل أمرأة واحده، صاحياً عاقلا محتشما مضيفاً للغرباء، صالحا للتعليم غير مدمن الخمر ولا ضراب ولا طامع بالربح القبيح بل حليما غير مخاصم ولا محب للمال"

(1)

.

بل إن الحاخام Reicborn يستند إلى عهد الله مع إبراهيم عهداً قد حدده الله بشرط: "وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهدا أبديا لا أكون إلها لك ولنسلك من بعدك. وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكا أبديا، وأكون إلههم.

"وقال الله لإبراهيم وأما أنت فتحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك أن يختن منكم كل ذكر فتختنون في لحم غرلتكم فيكون علامة عهد بيني وبينكم"

(2)

.

وقطع الله ميثاقا مع إبراهيم: "في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا قائلا: "لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات"

(3)

.

ويقرر المسيح أن الختان لم يكن فريضة شرعها الله لبني إسرائيل بل وصية الآباء: "أعطاكم موسى الختان ليس أنه من موسى بل من الآباء ففي السبت تختنون الإنسان"

(4)

.

(1)

1 تي 3: 2 - 3. تي 1: 7 - 8.

(2)

سفر التكوين 17: 7 - 11.

(3)

سفر التكوين 15: 18.

(4)

سفر يوحنا 7: 22.

ص: 107

ويقرر بولس رسول المسيحية أن الختان لا ينفع صاحبه إذا كان متعديا لشريعة موسى: "فإن الختان ينفع إن عملت بالناموس. ولكن إن كنت متعديا الناموس فقد صار ختانك غرلة"

(1)

.

ولقد كان لأعمال إسرائيل التي تتنافى مع القيم الأخلاقية " أن اسم الله يجدف عليه بسبيكم بين الأمم"

(2)

. حتى إن المسيح وإن وتنازل عن حقه فإن موسى لن يتنازل قط. "لا تظنوا أني أشكوكم إلى الآب. يوجد الذي يشكوكم وهو موسى الذي عليه رجاؤكم لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني. فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلامي"

(3)

.

ومن هنا يتبين أن الحاخام Reichorn ينظر إلى العهد من زاوية واحدة من ناحية ميراث الأرض: "أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات"

(4)

. غير أن المسيح أعلنهم بالمصير المحتوم الأبدي بقوله: "أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤن هو قد صار رأس الزاوية. من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا، لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره"

(5)

.

ومع هذا المصير المحتوم يتصدى الحاخام Reichorn لإرادة الله ويستمر في خطبته المتضمنة ما خلاصته: "يعيش الملوك والأباطرة والأمراء اليوم مثقلين بالديون وعلينا أن نستعل هذه الناحية ونزيد من قروضنا لهم مقابل رهن أملاكهم وسكك

(1)

سفر رومية 2: 25.

(2)

سفر رومية 2: 24.

(3)

سفر يوحنا 5: 45 - 47.

(4)

سفر التكوين 15: 18.

(5)

سفر متى 21: 42 - 43. راجع ما جاء بكتابي "محمد في التوراة والإنجيل".

ص: 108

الحديد والمصانع والمناجم في بلادهم وبذلك تتم لنا السيطرة على عروشهم وإماراتهم".

"شعبنا طموح فخور ومحب للرفاهية والسعادة وحيثما كان النور لابد من وجود ظل وليس عبثا أن إلهنا قد أعطى شعبة المختار قوة الأفعى وحيويتها وحيلة الثعلب ومكره، وبعد نظر الصقر، وقوة ذاكرة الكلب. والتضامن الفطري لدى كلاب البحر".

قيل بأن عدداً من إخواننا اليهود تنصروا. وماذا يضيرنا؟ إن هؤلاء اليهود الذين يتعمدون بأجسامهم ستظل أرواحهم يهودية، وسوف يكونون لنا مشعلا نستير به في اكتشاف خفايا النصرانية ومساعدين لنا على رسم الخطط التي تدمر المسيحية. إن الكنيسة عدونا الخطير فلنستفد من إخواننا الذين تنصروا في الظاهر. لبث الفساد في الكنيسة وإشاعة أسباب الخلاف والفرقة والصراع بين المسيحيين ونشر الأنباء المشوهة التي تسيء إلى رجال الدين فيقل إحترامهم ويزدريهم الشعب في كل مكان". التجارة والمضاربة مصدرا ربح عظيم فلا يصح خروجهما من أيدينا.

علينا أن نستولي على احتكارات الخمور والحبوب والدقيق وتجارة المواد الغذائية لنتحكم في بطون الـ Gentiles الكفار".

"علينا أن نتسلل إلى جميع جوانب الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية، لا بد أن نتسلم مناصب رئيسية في القضاء والوزارات الرئيسية، المالية، الخارجية، الحربية، والجامعات وأقسام الفلسفة منها والقانون والموسيقى والطب والإقتصاد السياسي والآداب والعلوم، وأهمها جميعا الطب، لأن الطبيب يطلع على أسرار العائلات، ويتغلغل في صميم حياة أعدائنا المسيحيين ويقبض على كل شيء لديهم: الصحة والحياة.

ص: 109

علينا أن نشجع الزواج من المسيحيات. ولن نخسر شيئا من جراء ذلك الإختلاط بل لابد أن نكون الرابحين، وقد توصلنا مصاهرة الأسر المسيحية الكبيرة إلى السلطة المدنية ومفاتيح النفوذ في جميع الدوائر فلنشجع الزواج العرفي يعقد أمام السلطة المدنية ولنحارب الزواج الديني يعقد في الكنيسة"

(1)

.

"إذا كان الذهب هو القوة الأولى فإن الصحافة هي القوة الثانية ولكن الثانية لا تعمل من غير الأولى، فعلينا بواسطة الذهب أن نستولي على الصحافة، وأن نبذل المال لمن نجد نفوسهم مفتوحة لتقبل الرشوة.

وحينما نسيطر على الصحافة نسعى جاهدين إلى تحطيم الحياة العائلية والأخلاق والدين والفضائل ".

شعبنا محافظ مؤمن متدين، ولكن علينا أن نشجع الإنحلال في المجتمعات غير اليهودية فيعم الفساد والكفر ونضعف الروابط المتينة التي تعتبر أهم مقومات الشعوب، فيسهل علينا السيطرة عليها وتوجيهها كيفما نريد".

"علموا أبناء يهودا هذه التعاليم والمبادئ. التي ستجعل من شعبنا شجرة عظيمة مثمرة تحمل أغصانها ثمار السعادة والرخاء والقوة والثراء".

وكل مطلع على التأريخ اليهودي ومراحله يدرك كم من هذه النقاط والمبادئ. قد تحقق، وإلى أي مدى نجحت الحكومة المستورة في تحقيق أهدافها بالنسبة لبلاد كثيرة أهمها بريطانيا وأمريكا وفرنسا وروسيا.

ويجدر بي أن أقدم عرضاً موجزا عن الصهيونية ودعائمها وعن الجمعيات اليهودية العالمية التي ستخدموها في دعم حكومتهم المستورة وبسط سيطرتها على الشعوب.

(1)

حينما قامت الثورة الروسية كانت الزيجات باليهوديات ظاهرة تؤكد معتقداتهم فستالين ومولوتوف كانا متزوجين بيهوديتين وهما من الأعضاء البارزين في المكتب السياسي وفي مجلس إدارة الحرب والثورة.

ص: 110

1 -

‌ الحركة الصهيونية:

بعد أن قوض الآشوريون بنيان مملكة إسرائيل الشمالية عام 721 ق. م ودمر الرومان الولاية اليهودية سنة 70 م بقيت فكرة إسرائيل حية في كلمات هذا المزمور:

على أنهار بابل هناك جلسنا

بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون

على الصفصاف في وسطها علقنا أعوادنا

لأنه هناك سألنا الذين سَبَوْنا

كلام ترنيمه ومعذبونا سألونا فرحا

قالين: رنموا لنا من ترنيمات صهيون

كيف ترنم ترنيمة الرب في أرض غريبة

إن نسيتك يا أورشليم تُنسَ يميني

(1)

من هذه الكلمات نبتت بذرة فكرة الصهيونية الوطنية، على الرغم من الدعوة السمحة التي تشبعت بها نفوس أتباع "يهوه" - الله - كما كان يدعوه اليهود.

وعندما أخذ نبوخذ نصر اليهود سبايا إلى بابل سنة 586 ق. م

خاطبهم نبيهم "إرميا" بقوله: "ابنوا بيوتا واسكنوا واغرسوا جنات، خذوا نساء وَولِدُوا بنين وبنات وخذوا لبنيكم نساء وأعطوا بناتكم لرجال فيلدن بنين

(1)

مزمزر 137: 1 - 5.

ص: 111

وبنات واكثروا هناك ولا تقلوا، واطلبوا سلام المدينة التي سبيتكم إليها وصلوا لأجلها إلى الرب لأنه بسلامها يكون لكم سلام"

(1)

.

هذه هي الفلسفة السمحة التي بنيت عليها أسس المعتقدات اليهودية ولم يوجد الأنبياء العبرانيون: عاموس وإرميا وميخا وإشعياء وإيليا أهتمامهم أبداً لاستعادة السلطة الزمنية، وإنما حصروا هذا الإهتمام في دفع الظلم عن بني قومهم وحثهم على عبادة الله إله الرحمة، والتمسك بأهداب الحق والفضيلة. وقد كتب النبي إشعياء، عام 536 ق. م.

مؤيداً أقوال النبي إرميا ومتنبئاً بظهور المسيح المنتنظر. وعبارته المشهورة: "في العام المقبل سنكون في أورشليم" لم يقصد بها قوماً معينين بل عنى بها إحياء مملكة الله التي ستكون نوأة لمجتمع فاضل يسكنه رجال أفاضل ومثاليون. وقد وصف هذا النبي في التوراة رسالة اليهودية بقوله: "إن جبل بيت الرب يكون ثابتا .. وتجري إليه كل الأمم. وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فعلينا من طرقه ونسلك في سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب"

(2)

.

وتأريخ الشعب الذي جاء بعد بني يهوذا والذي عرف فيما بعد باليهود ليس سوى استمرار للصراع بين العقيدة البحتة وبين الفكرة الرامية إلى إنشاء دولة وشعب مختار.

وعندما هزم كورش الفارسي بنو شيدس آخر ملوك بابل، سمح لسبايا اليهود عام 538 ق. م. بالعودة إلى ديارهم وإعادة بناء معابدهم في أورشليم

(1)

سفر إرميا 29: 5 - 7.

(2)

سفر إشعياء 2: 2 - 3.

ص: 112

وممارسة طقوسهم الدينية. والذين عادوا إلى أورشلم من الأسر هم الذين حملوا معهم فكرة الوطن القومي اليهودي وشعب الله المختار. وقد ظلت هذه الفكرة تراود أذهان قادتهم الذين تولوا حكمهم في ظل الإمبراطورية الفارسية وماعقبها من حكم

اليونان والسوريين والرومانيين.

ومن ذلك .. أن الكاهن عزرا. ومن بعده نحميا، حظرا على اليهود الزواج من غير بني قومهم .. وغدا المعبد عندهم مركزاً للنشاط الديني

والقومي معاً: فقام عزرا الكاهن وقال لهم: "إنكم قد خنتم واتخذتم نساء غريبة لتزيدوا على إثم إسرائيل"

(1)

. "فاعترفوا الآن للرب إله آبائكم واعملوا مرضاته وانفصلوا عن شعوب الأرض وعن النساء الغريبة"

(2)

"والآن فلا تعطوا بناتكم لبنيهم ولا تأخذوا بناتهم لبنيكم ولا تطلبوا سلامتهم وخيرهم إلى الأبد لكي تتشددوا وتأكلوا خير الأرض وتورثوا بنيكم إياها إلى الأبد"

(3)

.

وفي مطلع عام 132 م قام باركوبيه يسانده الحاخام "عقيبا" بحركة ثورية ضد الإمبراطور الروماني هادريان هدفها جمع شمل اليهود

تحت راية وطن قومي، ولكن القائد الروماني تينوس روفوس، تمكن من إخماد الثورة ودخل أورشليم بعد تدميرها، وأقام معبداً للإله جوبيتر

مكان المعبد اليهودي القديم.

(1)

سفر عزرا 10: 10.

(2)

سفر عزرا 10: 11.

(3)

عزرا 9: 12.

ص: 113

وإبان الحكم الروماني لفلسطين، كان عدد المتهودين في أنحاء العالم أضعاف العدد الموجود في الأرض المقدسة حتى أن كثيرين من أشراف روما أعجبوا بعض تعاليم اليهودية وخاصة مبدأ التوحيد.

ولكن حركة التبشير اليهودية شلت مع ظهور المسيحية، فقد تولت الديانة الجديدة الدعوة لمبدأ التوحيد في العالم الوثني

(1)

ومن بعدها تولاها الإسلام.

وكان بدء الإصطدام بين المسيحية واليهودية ضربه قاصمة لحركة الإصلاح التي نادى بها رسل اليهودية. . . فشلتها تماما. كما دفنت رسالة اليهودية، كديانة توحيد، في الطقوس والتعاليم الجامدة فقط.

وكان من جراء ذلك أن قام قادة اليهودية ينادون بالعزلة التامة ليتحرروا من رواسب التأثير اليوناني وبالتالي من مزاحمة المسيحية، التي بسطت آنذاك نفوذها في كل مكان، بما حصلت عليه من امتيازات وحرية واسعة لنشر ديانتها الجديدة.

وفي أوربا الغربية كان اليهود يقطنون غالبا في أحياء خاصة من المدن ليحموا أنفسهم وأموالهم من عالم لا يكن لهم أي صداقة. ففي أسبانيا مثلا كان اليهود يسكنون في أحياء خاصة. تحيط بها جدران مرتفعة تسمى "الغيتو".

ومن روسيا .. أندلعت الشرارة الأولى للصهيونية كحركة سياسة تهدف لاستعادة مجد صهيون في أرض الميعاد. . وراحت بذرة هذه الفكرة تترعرع في نفوس غلاة اليهود من ذوي المطامع السياسية

(1)

"قائلين إن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا .. قائلين: أيها الرجال لماذا تفعلون هذا؟ نحن أيضا بشر تحت آلام مثلكم نبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلى الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها". أعمال الرسل 14: 11، 15.

ص: 114

وفي عام 1884 عقد أول مؤتمر صهيوني في مدينة بال وكان الداعي إليه هو تيودور هرتزل، حامل لقب الصهيوني الأول وهرتزل هذا كان صحافيا نساويا وكان قد حضر محاكمة الضابط اليهودي "دريفوس" في باريس وتألم كثيرا للحملة المغرضة التي شنتها الصحف الفرنسية على دريفوس أثناء محاكمته .. لأنه يهودي .. وكان أن وضع كتابه الأول عن الصهيونية "دولة يهوذا" شرح فيها هدفها الأساسي، كما وقف في مؤتمر بال يدعو صراحة إلى إنشاء وطن قومي في فلسطين.

وساعد هرتزل في حركته الصهيونية كتاب كبار من اليهود مثل ماكس لوردو وإسرائيل زانجويل وغيرهما من كتاب اليهود في مختلف أنحاء العالم وشرع هرتزل يستغل سماحة الإسلام التي كان اليهود يعيشون في ظلها بسلام وأمان وفكر في استدرار عطف أكبر شخصية إسلامة في ذلك الوقت الخليفة عبد الحميد.

وحينما قابله في مايو 1901 وأغسطس 1902 حاول إقناعه باستدرار العطف تارة وبعرض المال والإغراءات الكثيرة التي تدعم حكم السلطان بيد أن جميع محاولات هرتزل في الحصول على وعد سلطاني باستيطان فلسطين قد أخفقت، ووقف السلطان بعناد وثبات ضد أطماع الصهيونية التي كانت تسعى إلى تهويد فلسطين.

وعاد هرتزل يمارس ضغطه على الحكومة البربطانية التي لا تنسى أعمال دزرائيلي رئيس الوزارة البربطانية في عهد الملكة فيكتوريا والذي تظاهر باعتناق المسيحية من تدعيم الكيان البريطاني في المستعمرات البريطانية في الشرق الأوسط بأموال رجال المال مثل مونتفيوري وروتشيلد بل استطاع أن يشتري حصة مصر في أسهم قناة السويس واقترضت الدولة البربطانية قيمة حصة مصر من أسهم قناة السويس مقابل عمولة قيمتها مائة

ص: 115

ألف جنيه أسترليني من المليونير روتشيلد، لن تنسى بريطانيا لليهود تمكين بريطانيا من مصر منافسة لفرنسا فاستغل هرتزل وفاء بريطانيا لخدمات اليهود الذين جندوا أنفسهم لخدمة أهداف الصهيونية وتحقيق أطماعهم.

فنشأت فكرة منح اليهود حق إقامة دولة لهم في شبه جزيرة سيناء غير أن ندرة الماء فيها حالت دون المضي في المشروع. ثم عرض الإنجليز على هرتزل مشروع إقامة دولة لليهود في أوغندة فقبل الفكرة ولكن المؤتمر الصهيوني السادس الذي أنعقد في سنة 1903 رفض المشروع وأصر على فلسطين وطنا قوميا لليهود. ومات هرتزل سنة 1904 وفي نفسه غصة لعدم قبول مشروع إنشاء وطن لليهود في أوغندة.

ومن أقوال كبار كتاب الصهيونية بشأن مطامعهم الصهيونية:

1 -

"يجب التمسك بفكرة فلسطين الكبرى على أن تكون البداية متركزرة على الأطراف، هذه هي الصهيونية الواقعية الممكنة".

دافيد ترتيش 1899.

2 -

"إن قبرص ليست سوى خطوة إلى فلسطين". هرتزل

3 -

"إن قبرص هي جزء من فلسطين الكبرى". دافيد ترتيش

4 -

"إن أرض سيناء والعريش هي أرض لليهود العائدين إلى وطنهم". هرتزل

5 -

"إن أوغندة هي معسكر ليلي لليهود ومحطة في منتصف الطريق إلى فلسطين". ماكس نوردو

6 -

"إن فلسطين التي نريد هي فلسطين داود وسليمان" هرتزل

7 -

"ما من صهيوني يقبل أن يتنازل عن أصغر رقعة من أرض

إسرائيل". بن غوريون

ص: 116

هذه هي أقوالهم بل إنها أهدافهم التي ينشدونها ويعملون لها. أما أخطر ما تمخضت عنه حركة هرتزل الصهيونية فهي المؤتمرات السنوية التي أخذت تنعقد كل عام في بلد من بلاد العام، وتضم كبار حكمائهم. وقد بدأ هرتزل هذه المؤتمرات سنة 1897 م يوم عقد في بال في سويسرة أول مؤتمر لحكماء صهيون.

وقد اتخذ ذلك المؤتمر قرارات علنية وسرية، أما العلنية فخلاصتها تأسيس دولة لليهود في فلسطين ويمهد لذلك بتقوية الحركة الزاعية وشراء الأراضى لليهود في فلسطين، وتنمية موارد اليهود المالية، وإنعاش الثقافة العبرية والمشاعر الوطنية بين جميع اليهود.

وقد استعان هرتزل وحكماء صهيون الذين تجمعوا في بال على تحقيق أهدافهم بحث أغنياء اليهود في العالم على البذل والتضحية من أجل تحقيق أهداف الصهيونية. وتقدمت الأسر اليهودية الغنية وعلى رأسها آل روتشيلد ويهود أمريكا بالمال اللازم لدعم خطط أكبر حركة يهودية تهدف إلى جمع وتأسيس دولة لهم وهي الحركة الصهيونية.

الصهيونية دين اليهود الجديد:

إن الحركة الصهيونة تقوم على أساسين راسخين هما التوراة والتلمود من الناحية النظرية و تقوم على أساس ثالث هو مقررات حكماء صهيون من الناحية العملية التنفيذية. والتوراة هي غير الرسالة السماوية التي نزلت على موسى عليه السلام، بل هي التي تتوافق مع التلمود الذي وضعه أحبار اليهود حسب أهوائهم وكتبوها بعد مضي أكثر من عشرة قرون على رسالة موسى.

ومن إلقاء نظرة فاحصة مخلصة على تعاليم هذه الديانة ندرك أن الخلق اليهودي الإجرامي ليس طارئا أو ناجما عن الإضطهاد الذي تعرضوا له عبر القرون الطويلة ولكنه وليد الديانة اليهودية المحرفة نفسها التي ندد بها المسيح بقوله: "أبطلتم وصية الله بسب تقليدكم، يامراءون حسنا

ص: 117

تنبأ عنكم إشعياء قائلا: "يقترب إليَّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيدا، وباطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس"

(1)

.

أما أسباب اضطهاد الشعوب لهم فيقررها موسى على لسان العزة الإلهية بقوله: "وإن كنتم لا تسمعون لي بل سلكتم معي بالخلاف .. فإني أصير مدنكم خربة ومقادسكم موحشة ولا أشتم رائحة سروركم .. وأذريكم .. بين الأمم وأجرد وراءكم السيف فتصير أرضكم موحشة ومدنكم تصير خربة .. والباقون منكم ألقي الجبانة في قلوبهم في أراضي أعدائهم فيهزمهم صوت ورقة مندفعة فيهربون كالهرب من السيف ويسقطون وليس طارد.

يعثر بعضهم ببعض كما من أمام السيف وليس طارد ولا يكون لكم قيام أمام أعدائكم. فتهلكون بين الشعوب وتأكلكم أرض أعدائكم"

(2)

.

هذه هي الحقيقة التي أعلنها هرتزل بقوله: "من السخافة أن ننكر وجود "مشكلة" يهودية، فإنها موجودة حيثما توجد جماعة من اليهود.

وإذا لم توجد لا يلبث أن يحملها إليها المهاجرون. إننا نهاجر إلى الجهات التي لا نضطهد فيها ولكن ظهورنا فيها يحمل على اضطهادنا".

وفي هذا المعنى يقول المصطنى صلى الله عليه وسلم "تقاتلكم اليهود فيظهركم الله عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله".

وقوله: "ستظل العداوة قائمة بين المسلمين واليهود حتى ينطق الحجر ويقول: ورائي يهودي فاقتله" صدق رسول الله.

إن تعاليم هذه الديانة المحرفة دليل الخلق اليهودي الإجرامي وهي مبنية على التوراة والتلمود الذي يفسر تعاليم اليهودية وفلسفة رجال الدين القدامى "الربانيين" وبروتوكولات حكماء صهيون التي ترسم خطط

(1)

سفر متى 15: 6 - 9.

(2)

سفر اللاويون 26: 27 - 39.

ص: 118

تدمير العالم من أجل أن يحكموا على أنقاضه، وهي الديانة التي غرست فى نفوس اليهود بذور الإجرام والحقد والفساد والرذيلة والوحشية والإنحلال والعنصرية والغرور والوقاحة.

والديانة اليهودية هي التي أحلت لهم سفك الدماء وأكلها وشجعتهم على البطش بالأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال، وأباحت اغتصاب مال غير اليهود وأعراضهم. وهي التي تتولى عملية تدمير الأخلاق في العالم ونشر الرذيلة والفجور والإباحية والتجسس والإرهاب والحروب والفتن وهي التي تعتبر الكذب والغدر والإفتراء من الفضائل.

والصهيونية عريقة في القدم فهي تمتد من عهد عزرا الكاهن الذي عاد إلى أورشليم في عهد كورش ملك فارس لبناء هيكل سليمان، والهيكل في نظر اليهود رمز لوجود الله:"إذا خرج شعبك لمحاربة عدوه في الطريق الذي ترسلهم فيه وصلوا إلى الرب نحو المدينة التي اخترتها والبيت الذي بنيته لاسمك فاسمع من السماء صلاتهم وتضرعهم واقض قضاءهم"

(1)

.

وقلب الهيكل قدس الأقداس وقلب قدس الأقداس تابوت العهد الذي قال عنه يشوع بن نون: "هو ذا تابوت عهد سيد كل الأرض عابر أمامكم في الأردن "

(2)

. ولتابوت العهد عقيدة راسخة في نفوس اليهود حتى أنه لما "أخذ الفلسطينيون تابوت الله وأدخلوه إلى بيت داجون وأقاموه بقرب داجون"

(3)

قالت امرأة فينحاس بن عالى الكاهن: "زال المجد من إسرائيل لأن تابوت الله قد أخذ"

(4)

.

أسباب مكانة تابوت الله بالنسبة لإسرائيل:

تزعم التوراة أن الله استدعى موسى إليه: "وقال الرب لموسى: أصعد إلى الجبل وكن هناك. فأعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي

(1)

1 مل 8: 44 - 45.

(2)

سفر يوشع 3: 11.

(3)

1 صم 5: 2.

(4)

1 صم 4: 22.

ص: 119

كتبتها لتعليمهم"

(1)

. وقد أطاع موسى أمر الله وبعد أن أنجزت المهمة الربانية: "أنصرف موسى ونزل من الجبل ولوحا الشهادة في يده لوحان مكتوبان على جانبيها من هنا ومن هنا كانا مكتوبين. واللوحان هما صنعة الله والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين"

(2)

. وهنا نظرة التقديس لتابوت العهد، بل تؤكد التوراة أن الله "أعطى موسى عند فراغه من الكلام معه في جبل سيناء لوحي الشهادة. . لوحي حجر مكتوبين بأصبع الله"

(3)

. "وقال الرب لموسى: أ كتب لنفسك هذه الكلمات لأنني بحسب هذه الكلمات قطعت عهداً معك ومع إسرائيل وكان هناك عند الرب أربعين نهاراً وأربعين ليلة لم يأكل خبزا ولم يشرب ماء. فكتب على اللوحين كلمات العهد الكلمات العشر"

(4)

. ويلاحظ استمساك الصهيونيين بالعهد الذي قطعه الله مع موسى ومع إسرائيل من هذا السند سالف الذكر، حيث أن العهد الذي أعطاه الله لإبراهيم عهد شامل يشمل ذريته سواء كانوا من نسل إسماعيل أو من نسل إسحق:"في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا قائلا: "لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات"

(5)

. ويصبح موسى بالنسبة إليهم رائداً للصهيونية: "فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها، أمر موسى

اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلا: "خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهداً عليكم"

(6)

.

(1)

سفر الخروج 24: 12.

(2)

سفر الخروج 32: 15 - 16.

(3)

سفر الخروج 31: 18.

(4)

سفر الخروج 34: 27 - 28.

(5)

سفر التكوين 15: 81.

(6)

سفر التثنية 31: 24 - 26.

ص: 120

ما الذي يحتويه تابوت العهد؟ تقرر التوراة أمراً للعزة الإلهية لموسى عليه السلام بالقول: "وتضع في التابوت الشهادة التي أعطيك"

(1)

. ففعل موسى بحسب كل ما أمره الرب. "وأخذ الشهادة وجعلها في التابوت"

(2)

. حتى أن سليمان الملك لما أراد أن يضع تابوت الله في مكانه من الهيكل في قدس الأقداس يقرر أنه قد "أدخل الكهنة تابوت عهد الرب إلى مكانه في محراب البيت في قدس الأقداس إلى تحت جناحي الكروبين. . ولم يكن في التابوت إلا لوحا الحجر اللذان وضعهما موسى هناك فس حوريب حين عاهد الرب بني إسرائيل عند خروجهم من أرض مصر"

(3)

.

المبادئ التي عاش عليها الصهيونيون:

أوصى لله موسى بأن يحذر شعب إسرائيل بقوله: "والنفس التي تلتفت إلى الجان وإلى التوابع لتزني وراءهم اجعل وجهي ضد تلك النفس وأقطعها من شعبها، فتتقدسون وتكونون قديسين لأني أنا الرب إلهكم وتحفظون فرائضي وتعملونها. أنا الرب مقدسكم"

(4)

.

ويأمرهم: "لا تصنعوا لكم أوثانا ولا تقيموا لكم تمثالا منحوتا أو نصبا. ولا تجعلوا في أرضكم حجرا مصورا لتسجدوا له، لأني أنا الرب إلهكم.

سبوتي تحفظون ومقدسي تهابون أنا الرب"

(5)

. فإذا ما قام بنو إسرائيل بإنجاز هذه الأوامر وطاعة الله فإن الله كما تزعم التوراة يحارب عنهم "لأنه إذا حفظتم جميع هذه الوصايا التي أنا أوصيكم بها لتعملوها. لتحبوا الرب

(1)

سفر الخروج 25: 16.

(2)

سفر الخروج 40: 20.

(3)

1 مل 8: 6 - 9.

(4)

سفر اللاويون 20: 6 - 7.

(5)

سفر اللاويون 26: 1 - 2.

ص: 121

إلهكم وتسلكوا في جميع طرقه وتلتصقوا به يطرد الرب جميع هؤلاء الشعوب من أمامكم فترثون شعوبا أكبر وأعظم منكم. كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم. من البرية ولبنان. من النهر نهر الفرات إلى البحر الغربي يكون تخمكم. لا يقف إنسان في وجهكم. الرب يجعل خشيتكم ورعبكم على كل الأرض التي تدوسونها كما كلمكم"

(1)

. ومن هذه المزاعم يقود يشوع بن نون خليفة موسى بني إسرائيل ويقول لهم على لسان الله: "فالآن قم أعبر هذا الأردن أنت وكل هذا الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لهم أي لبني إسرائيل. كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى. من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات جميع أرض الحثيين وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم.

لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك"

(2)

. واستمسك اليهود بهذه المزاعم ونسوا قول موسى: "إذا ولدتم أولادا وأولاد أولاد وأطلتم الزمان في الأرض وفسدتم وصنعتم تمثالا منحوتا صورة شيء ما وفعلتم الشر في عيني الرب إلهكم لإغاظته، أشهد عليكم اليوم السماء والأرض أنكم تبيدون سريعا عن الأرض التي أنتم عابرون الأردن إليها لتمتلكوها لا تطيلون الأيام عليها بل تهلكون لامحالة ويبيدكم الرب في الشعوب فتبقون عدداً قليلا بين المهم التي يسوقكم الرب إليها"

(3)

.

هذه هي الصهيونية التي رسمتها المزاعم الواردة في التوراة والتلمود. ويؤرخ للصهيونية اليهودي إيلي ليفي أبو عسل فيقول: "نحن إذا أمعنا

النظر جيداً نرى أن تأريخ الصهيونية تناول أربعة أزمنة مختلفة:

(1)

سفر التثنية 11: 22 - 25.

(2)

سفر يوشع 1: 2 - 5.

(3)

سفر التثنية 4: 25 - 27.

ص: 122

الأول: زمن موسى عليه السلام، زمن التوراة.

والثاني: زمن عزرا الكاهن زمن إعادة بناء الهيكل.

والثالث: زمن المكابيين حتى عصر هرترل زمن التلمود.

والرابع: الزمن المعاصر لهرتزل والذي يبتدئ. من سنة 1904 إلى

آخر سنة 1918 والذي أعطوا فيه تصريح بلفور"

(1)

.

ويستطرد الكاتب فيقول: "إن موسى كما تقدم الإلماع عنه كان أول من شيد صرح الصهيونية ووطد دعائمها ونشر مبادئها السياسية، وقد أثبت لنا الواقع أن الصهيونية ليست في عهدنا هذا سوى حلقة من سلسلة متصلة حلقاتها بعضها ببعض اتصالا مستمسكا وثيقا أجزاؤها تماسكا محكما شديدا"

(2)

.

أما أخطر ما تمخضت عنه حركة هرتزل الصهيونية فهو المقررات السرية لمؤتمر بال تلك التي سميت بمقررات حكماء صهيون.

‌مقررات حكماء صهيون:

protocols of Elders of ziom ولم تبق مقررات حكماء صهيون سراً لأن نسخة منها تسربت إلى مراسل جريدة المورننج بوست اللندنية في روسيا في أوائل القرن العشرين وقام بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية جورج سكوت في كتابه "الحكومة السرية في بريطانيا".

وقامت قيامة اليهود وحاربوا الجريدة وجمعوا نسخ الكتاب وأحرقوها. بيد أن الخطة كانت قد انكشفت والمقررات المجرمة قد عرفت

(1)

يقضة العالم اليهودي - إيلي ليفي أبو عسل مطبعة النظام بمصر سنة 1934 - ص 16.

(2)

يقضة العالم اليهودي - إيلي ليفي أبو عسل مطبعة النظام بمصر سنة 1934 - ص 18.

ص: 123

للعالم بأسره واعترف بها بعض اليهود الذين طردوا من صفوف بني قومهم مثل المحامي هنري كلين الذي نشر في جريدته "صوت المرأة" في شيكاغو سنة 1945 كلمة قال فيها: "إن البروتوكولات - وهي الخطة التي وضعت للسيطرة على العالم - أمر حقيقي وإن زعماء الصهيونية يكونون مجلس سانهدرين الأعلى الذي يرمي إلى السيطرة على حكومات العالم، وقد طردني اليهود من صفوفهم لأني أنكرت علهيم خططهم الشريرة"

(1)

.

وأشار القاضي أرمسترونج من مدينة تكساس في كتابه "الخونة" طبعة 1948 إلى مؤتمر الصهيونيين الذي عقد في بال سنة 1897 فقال: "إن فكرة قيام عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة، ويتبعها إمبراطورية صهيونية عالمية قد طرحت بهذا الترتيب الزمني على بساط البحث في المؤتمر الصهيوني الذي انعقد في مدينة بال عام 1897 م.

لقد أعلن الصهيونيون المجتمعون في هذا المؤتمر أن هدفهم يرمي إلى إخضاع الشعوب المسيحية في العالم، وتأسيس إمبراطورية صهيونية يرأسها ملك، يكون إمبراطور على العالم كله، وتكشف الخطة عن فكرتهم في الغزو والفتح، وقد كانوا يتبجحون في هذا قائلين إنهم قادرون على فرض سيطرلهم على الصحافة وعلى الذهب في العالم"

(2)

.

وفي البلاد العربية، كانت أول ترجمة لمقررات حكماء صهيون تلك التي قام بها الأستاذ محمد خليفة التونسي ونشرتها دار الكتاب العربي سنة 1951 م، وترجمة أخرى قام بها الأستاذ سيد أحمد حامد الفقي سنة 1951 م وطبعت في مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة.

(1)

الحكومة السرية في بريطانيا لجورج سكوت - دار الكتاب العربي 1957.

(2)

الحكومة السرية في بريطانيا لجورج سكوت ص 17.

ص: 124

روح المقررات

(1)

:

1 -

"إن جواز المرور لدينا هو القوة والكذب والإدعاء. إن حقنا في قوتنا. لا عيب ولا عار في أن تكون جاسوسا أو دساسا بل هذه فضيلة".

2 -

"الحرية لدينا هي حق الإقدام على ما تسمح به القوانين وسنسيطر على جميع الحريات ما دامت تلك القوانين ستمحوا ما نطلب إلغاءه، أو تقيم وتخلق من الحريات ما يكون حسب هوانا ووفق مشيئتنا".

3 -

"لقد عبثت أيدينا في التشريعات وفي سن القوانين وتنفيذها، وتدخلنا في شئون الإنتخابات، وفي الصحافة وأداة النشر، وفي توجيهها والسيطرة عليها".

4 -

"يجب أن يكون واضحا تماما لنا نحن اليهود مدى ذلك الإنحلال والتفكك الخطير الذي تنشره الشيوعية في أذهان الجنتايلز entiles أي الشعوب الكافرة غير اليهودية". وبهذا المبداً الخطير فإنهم سيطروا على جميع الأحزاب والحكومات الشيوعية والإشتراكية والديمقراطية بواسطة أسر: بليشيا وصموئيل وساسون في بريطانيا، ومورجانتو، وبركنز، وفرانكفورتر، وباروخ في أمريكا، وبلوم، وماندل، وزيس ودنينز، وزيروميسكي في فرنسا وابشتاين، وهيمان في بلجيكا، وزامورا وأزاناس وروزنبرج في أسبانيا وكاجانوفيتش، وليتفينوف وكاراجانز وتروتسكي في روسيا"

(2)

.

5 -

"لقد صرخت الشعوب في ضجيج مزعج منادية بضرورة إنهاء مشكلة الإشتراكية عن طريق اتفاق دولي، وقد أسلمهم الإنقسام في

(1)

Protocols of the Learned Elders of Zion، Britons pub Society. 1922

(2)

The Key to the mystery - Christian Nationalist Missori 1938.

ص: 125

أحزاب سياسية إلى الوقوع في قبضتنا. لأنه إذا أريد المضي فى تنافس أو نضال فلا بد من الإستعانة بالمال، والمال كله في أيدنا نحن فقط، وفي هذه الحالة تصبح قوى الشعب العمياء عونا لنا حيث نغدو نحن، لا غيرنا في موقف يجعلنا نفرض عليهم قائداً لهم يوجههم في الطريق المؤدي إلى هدفنا".

ولم ينقض القرن التاسع عشر ويدخل العالم في بداية القرن العشرين حتى كان اليهود يسيطرون على مصادر الذهب في جميع أنحاء العالم ومعظم البنوك في بلدان أوروبا وأمريكا، وخاصة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، بواسطة آل روتشيلد الذين انتشروا في تلك البلدان وبواسطة أصحاب الملايين أمثال: ماندلسون، باروخ، فرانكفورتر، لازارد، شيف، مورجانتو، جافت، سليجمان، شتراوس، روكفلر. ويسيطرون على إصدار النقد في كل الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة بواسطة البنوك المركزية التي يملكون معظم أسهمها.

6 -

"إن الحاجة اليومية إلى الخبز تضطر الجنتايلز Gentiles إلى السكوت والرضوخ والرضا وإلى أن يكونوا خدما لنا، أذلاء خاضعين في استسلام".

7 -

"إن خطباءنا سيباشرون مهمة تفسير المشكلات الكبرى وتأويلها حسب هوانا، تلك المشكلات التي قلبت الإنسانية رأسا على عقب، تأويلا نخضع معه الإنسانية لحكمنا الصالح المتسامح".

8 -

"الصحافة كلها وجميع وسائل الإعلام. واقعة تحت سيطرتنا والأدب والصحافة قوتان في طليعة القوى التوجيهية الهامة، وبذلك يجب أن تصبح حكومتنا مالكة للجزء الأعظم من الصحف".

ص: 126

جاء في نشرة شهرية أصدرتها جمعية نشر المسيحية بين اليهود بتأريخ إبريل 1846 أي قبل أكثر من 120 سنة ما يلي: "إن الصحافة اليومية السياسية في أوربا واقعة إلى حد كبير تحت سيطرة اليهود. وإذا حاول أديب ما أن يجازف ويسعى للوقوف في طريق اليهود للإستيلاء على القوى السياسية فإنه سرعان ما يتعرض لهجوم إثر هجوم من قبل الصحف الرئيسية في أوربا"

(1)

.

ومن تقرير هذه النشرة يتبين أنهم سيطروا على الصحافة وجميع وسائل الإعلام من إذاعة ودور سينما ودور نشر وتليفزيون ومكتبات عامة وكذلك دور الطباعة ومصادر الإعلان.

9 -

"لقد حفرنا هوة سحيقة بين السلطات الحاكمة البصيرة وبين قوى الشعب العمياء، ففقد الإثنان بذلك معنى وجودهما وصارا كالأعمى وعصاه لا يساوي كل منهما شيئا على انفراد".

10 -

"واليوم نستطيع أن نذكركم أننا قد أصبحنا قيد خطوات من هدفنا. ولم يبق أمامنا إلا شوط قصير نقطعه. وحينئذ نصبح بعد هذا الطريق الطويل الذي عبرناه، على استعداد لانطباق طرف الحية الرمرية التي شبهنا بها شعبنا. وعند إغلاق هذه الحلقة تكون كل أوربا قد وقعت في قبضة قوية لفكي كماشة حديدية قاسية".

11 -

"إن المستبدين والدكتاتوريين يهمسون في آذان الشعوب على لسان أعوانهم ودعائمهم أنهم ينزلون الضرر بدولاب الحكم لهدف هام، هو ضمان سعادة شعوبهم، ومن أجل تحقيق الحياة الرغدة لهم، ومن أجل الأخوة العالمية بين البشر جميعاً، وأنهم إنما يعملون من أجل العدالة والمساواة

(1)

jewish press - Control - the Britons patriotic Society 1937

ص: 127

بينهم في الحقوق والواجبات، ولكنهم بالطبع لا يذكرون لهذه الشعوب أن هذه الوحدة العالمية التي يقصدون إليها يجب أن تتم عن طريقنا نحن وتحت سيادتنا المطلقة وسلطاتنا الكلية. وبفضل هذا الحال فإن الشعوب الجنتايلز Gentiles تقوم بنفسها بتحطيم كل نوع من أنواع الثبات والإستقرار في الوقت الذي تثير فيه الغموض وتنشر الإرتباك في كل خطوة تخطوها".

وبفضل هذا المبدأ مولوا معظم الحروب الأهلية والثورات التي حدثت في روسيا وأسبانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا. ومولوا الحربين العالميتين الأولى والثانية، وخرجوا من جميع تلك الكوارث والنكبات اللكونية رابحين.

12 -

"وإذا رفعت أي دولة احتجاجاً ضدنا، فإنه يكون احتجاجاً صوريا، تقدمة إلينا هذه الدولة بإرشادنا وبتدبيرنا لأن حركتهم التي تقوم ضد السامية لاغنى لنا عنها في مداورة إخوتنا الصغار".

ما إن قرر المؤتمر السوري المنعقد في دمشق يوم 7 مارس سنة 1920 استقلال سورية بحدودها الطبيعية "أي فلسطين وسوريا ولبنان" حتى دُعي مجلس الحلفاء الأعلى للإجتماع في سان ريمو بإيطاليا وقرر في "نيسان" أبريل سنة 1920 وضع البلاد العربية تحت الإنتدابين الفرنسي والإنجليزي: فتوضع سوريا ولبنان تحت الإنتداب الفرنسي كما توضع فلسطين والعراق وشرق نهر الأردن تحت الإنتداب الإنجليزى مع الإلتزام بتنفيذ وعد بلفور. ولتنفيذ وعد بلفور عينت بريطانيا أول مفوض سام لها في فلسطين من اليهود الصهيونيين المتعصبين وهو "هربرت صموئيل" الذي عمل على تحقيق أحلام الصهيونية بخلق دولة إسرائيل في أرض فلسطين.

13 -

"لا تتفق القوة مع الحق حتى ولا مع حق السماء".

ص: 128

14 -

"إن حرية الصحافة، وحرية الإجتماع، وحرية العقيدة، وقاعدة الحكم، وغيرها يجب أن تختفي إلى إلابد، وتمحى من ذاكرة الإنسان".

15 -

إن قوتنا إنما هي في سوء التغذية المزمن لأجسام الجنتايلز Gentiles وفي ضعفهم البدني الدائم".

16 -

"إن دولاب الأعمال المختلفة في كافة الحكومات يسير بقوة الآلة التي نديرها بأنفسنا وهذه الآلة هي الذهب".

17 -

"إننا نملك بين أيدينا أعظم قوة في هذا العصر، وهي الذهب".

وكان من سيطرتهم على الذهب أنهم اشتروا أسهم شركتين لأخطر طريقين بحريين في العالم وهما قناة السويس وقناة بنما وفي صفقة واحدة دفع روتشيلد ورفيقه سليجان 150 مليون دولار ثمنا لأسهم في شركة بنما سنة 1879

(1)

.

18 -

"يجب أن تكون الصحافة تافهة كاذبة بعيدة عن الحق. إنها تعمل لتحريض وإثارة المشاعر التي نحن في حاجة إليها من أجل أهدافنا.

لا يمكن أن يصل إعلان إلى الجمهور دون أن يمر على رقابتنا".

وبتأريخ يوليو 1879 م قالت صحيفة The Graphic اللندنية مامعناه: "إن صحافة القارة واقعة إلى حد كبير تحت سيطرة اليهود". وفي سنة 1855 م اشترى اليهوديان موزس ليفي، وليفي لاوش جريدة الديلي تلغراف اللندنية وسارت الجريدة على خطة التايمز في خدمة اليهودية العالمية، ولم تخرج عن الخطة قيد شعرة، وعن طريق الصحافة اليهودية البريطانية والدعاية التي تروجها وصل عدد كبير من اليهود إلى مجلس العموم البريطاني وإلى مجلس اللوردات والمجالس البلدية والجمعيات الخيرية.

(1)

دائرة المعارف اليهودية طبعة 1940.

ص: 129

ومنذ بدأ التغلغل اليهودي في الحياة الفرنسية، اتجه اليهود إلى العصب الخطير في الدولة، اتجهوا إلى الصحافة كما فعلوا في بريطانيا. وبمساعدة المليونير روتشيلد أسهموا في جميع الصحف الفرنسية وفرضوا عليها رؤساء التحرير ولمحررين المسئولين عن الشئون السياسية والإقتصادية.

واستطاعت الصحافة الفرنسية اليهودية أن تجعل من البطل الفرنسي بيتان خائنا وأن تجعل من بلوم ومنديس فرانس وسوستيل وغيرم: رؤساء وزارات ووزراء، يوجهون سياسة فرنسا.

19 -

"لقد ذكر الأنبياء أن الله اختارنا بنفسه لنحكم العالم كله، ولهذا أمدنا بنوع من النبوغ يتفق مع مهمتنا هذه وينسجم معها".

20 -

"أمامنا الآن بضع سنوات قليلة لتحل اللحظة التي يتم فيها تحطيم الديانة المسيحية تحطيما كاملا".

21 -

"علينا أن ننتزع فكرة الله ذاتها من عقول المسيحيين".

22 -

"يجب ألا نتردد لحظة في أعمال الرشوة والخديعة والخيانة إذا كانت تخدم أغراضنا".

23 -

"إن الغاية تبرر الوسيلة وعلينا ونحن نضع خططنا ألا نلتفت إلى ماهو خير وأخلاقي بقدر ما نلتفت إلى ما هو ضروري ومفيد".

ولا أدل على ذلك من التآمر الأمبريالي الصهيوني على فلسطين أثناء نظر القضية أمام هيئة الأمم المتحدة في الفترة من 1947 - 1948 إذ أبرق سول بلوم عضو الكونجرس إلى ترومان يقول: "إن على الولايات المتحدة أن تعترف بالدولة اليهودية الجديدة، وبذلك تساعد على منع نفوذ السوفيات من التغلغل إلى فلسطين والشرق الأوسط".

وأعلن الدكتور حايم وأيزمان الصهيوى الخطير قبل أيام معدودة من جلاء قوات الإنتداب عن فلسطين مانصه: "لقد تمكنت من توطيد

ص: 130

علاقاتنا بأصدقائنا في واشنطن وتأكدت أنه سيتم الإعتراف بالدولة اليهودية في اللحظة التي يعلن فيها عن إنشائها".

وفي 13 أيار مايو سنة 1948 كتب وايزمان رسالة خاصة إلى ترومان يطلب فيها "أن تعترف الولايات المتحدة حالا بالحكومة المؤقتة للدولة اليهودية الجديدة".

24 -

"نحن نحكم الطوائف باستغلال مشاعر الحسد والبغضاء التي يؤججها الضيق والفقر، وهذه المشاعر هي وسائلنا التي نكتسح بها كل الذين يصدوننا عن سبيلنا".

25 -

"عندما نصل إلى مملكتنا يصبح من غير المرغوب فيه لدينا وجود عقيدة غير عقيدتنا، وعلى ذلك يتعين علينا أن نكتسح جميع العقائد والديانات الأخرى. وإذا كان هذا يؤدي إلى وجود ملحدين ينكرون وجود الله فإن هذا مما لا يتعارض مع وجهة نظرنا، ويعتبر في ذاته مرحلة تطور وانتقال، وقد كانت نقمة اليهود على روسيا القيصرية عظيمة لأنها كانت في نظر اليهود الركن المكين للمسيحية، ولأن روسيا لم تهضم تغلغل اليهودية العالمية في الكيان الروسي، ولم تسمح بسيطرة اليهود والصهيونية على مقدرات الشعب الروسي، كما لم تحل دون عمليات القمع الإنتقامية التي كانت توجه لليهود كلما تسببوا في تدمير اقتصاد بلد من بلدان روسيا.

وقررت الحكومة اليهودية المستورة أن تدمر المسيحية في روسيا وأن تنتقم من الشعب الروسي الذي كان يحتقر اليهود ويضطهدهم. فكانت الثورة البلشفية سنة 1917 وكان من ورائها قولا وعملا وتمويلا وتخطيطا عتاة اليهود من أمثال تروتسكي trotsky ، سفرديلوف sverdlov ، كامينيف kamenev ، سوكولنكوف sokolnikoff ، أورتسكي uritsky

ص: 131

لتفينوف Litvinoff ، وزينوفيف zinoviev ، رادك Radek ، وكاجانوفتش kaganovitch ، وستالين كان متزوجا من يهودية.

والممولون الرئسيون للثورة البلشفية كانوا من اليهود أمثال: ماكس واربرج Warburg وشقيقه بول paul ، وهما من الشركة اليهودية الأمريكية في نيويورك Kuln Loeb & Co ، وكراسن krassin وفيرزتنبرج. Furstenberg

26 -

" لقد خدعنا الجيل الناشئ من الجنتايلز Gentiles وجعلناه فاسدا متعفنا بما علمناه من مبادئ ونظريات معروف لدينا زيفها التام".

ما إن جاء القرن العشرين حتى سيطر اليهود في أغلب دول أوربا وأمريكا على صناعة الأفلام وتوجيها للغاية المنشودة وهي تحطيم الأخلاق والأديان والفضائل عند الشعوب، وكذلك سيطروا على تجارة الأفيون والحشيش والكوكايين بواسطة آل ساسون. واستمرت حرب ضد المسيحية والمسيحيين على مر الزمن باللجوء إلى الحرب الأدبية مستخدمين نفوذم المالي في العالم لنشر الكتب التي تصدرها دار "سيمون وشوستر"منها كتاب بعنوان "التجربة الأخيرة للمسيح" يهاجم المسيحية ويتطاول على السيد المسيح والسيدة العذراء، وقد اقتبست مجلة لبنانية

(1)

بعض مافي الكتب اليهودية القذرة عن السيد المسيح، ففي صفحة 86 من كتاب "التجربة الأخيرة للمسيح":"كانت المجدلية مستلقية على ظهرها في الفراش عارية تماما مبللة بالعرق، وشعرها الأسود الفاحم منشور على وسادتها ويداها متشابكتان تحت رأسها. . لقد كانت تضاجع الرجال منذ الفجر فكانت منهوكة القوى وكان شعرها وكل جزء من جسدها تفوح منه رائحة جميع الأمم". وفي الصفحة.450: "أمسك بها يسوع وطبع على فمها قبلة ملتهبة. . وامتقع لونهما واصطكت ركبهما. فتساقطا تحت شجرة ليمون

(1)

مجلة الصياد عدد 19/ 1963/12 بيروت.

ص: 132

مزهرة، و بدآ يتدحرجان على الأرض. طلعت الشمس ووقفت فوقهما. وهب نسيم عليل أسقط أزهار الليمون على جسديهما العاررين. وضمت المجدلية يسوع إليها وألصقت جسده بجسدها الملتهب".

27 -

"إن الجنتايلز Gentiles كقطيع من الغنم ونحن ذئاب".

28 -

"اليوم تسود حرية العقيدة في كل مكان، ولن يطول الوقت إلا سنوات قليلة حتى تنهار المسيحية بددا انهيارا تاما، وسيبقى ماهو أيسر علينا للتصرف مع الديانات الأخرى. سنقصر رجال الدين وتعاليمهم على جانب صغير جداً من الحياة وسيكون تأثيرهم وبيلا سيئا على الناس حتى إن تعاليمهم سيكون لها أثر مناقض للأثر الذي جرت العادة أن يكون عليه".

29 -

"إن المحفل الماسوني المنتشر في كل أنحاء العالم في غفلة كقناع لأغراضنا، والمسيحيون في خستهم الفاحشة يساعدوننا على استقلالنا.

يجب علينا أن نحط كل عقائد. الإيمان وتكون النتيجة المؤقتة لهذا هي إثمار ملحدين"

(1)

.

‌الجمعيات اليهودية العالمية:

(أ) الماسونية Freemasonry

(ب) جمعية بناى برث "أبناء العهد" B'nai B'rith

1 -

الماسونية

(2)

Freemasonry

جمعية سرية يهودية يرجع تأريخها القديم إلى أيام اليهود الأولى، ويقول البعض إن موسى نبي اليهود الأول كان أستاذا أعظم، قاد اليهود

(1)

راجع: "الخطر الصهيوني" للأستاذ محمد خليفة التونسي والحكومة السرية في بريطانيا ترجمة دار النصر، و "إسرائيل بنت بريطانيا البكر" للأستاذ محمد على الزغبي، و "الصهيونة العالمية" للأستاذ عباس العقاد، و "الصهيونية سافرة" تقديم السيد سيد أحمد حامد الفقي.

(2)

Encyclopaedia Britaniea نقلا عن كتاب خطر الصهيونية العالمية على الإسلام والمسيحية، عبد الله التل، بتصريح خاص.

ص: 133

ليمثلوا في تيههم المحفل الماسوني، وإن سليمان كان أستاذا أعظم لمحفل القدس".

ولقد مرت الماسونية بمراحل عديدة تهمنا منها مرحلة القرن الثامن عشر الذي شهد مع القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين تطور النفوذ اليهودي وتغلغل سلطان اليهود عن طريق الماسونية في جميع الحكومات الأوروبية والأمريكية.

والماسونية تجد مكانا خصبا لدى الطائفة الإنجيلية، ويقول ألفريد ليلينتال في كتابه "ثمن إسرائيل":"ولقد لعب العامل الديني دورا هاما في إقرار التقسيم وخاصة لدى الطائفة الإنجيلية المستمدة تعاليمها عن التوراة، وكان هذا العامل من جملة العوامل التي حملت إيرل بلفور والجنرال سمطس على تأييد إقامة وطن قومي يهودي في الأراضى المقدسة".

ولقد كان للعبارة "العلاقة التأريخية للشعب اليهودي بفلسطين". الواردة في صك الإنتداب البريطاني على فلسطين أثرها الكبير في معركة التقسيم، وجنوح هيئة الأمم المتحدة عن ميثاقها وعن العدالة وعن الحقوق الدولية منساقة إلى العاطفة الدينية، وفي الخطاب الذي ألقاه الحاخام "سيلفر" أمام اللجنة الخاصة شدد على هذه العبارة "العلاقة التأريخية للشعب اليهودي بفلسطين" وأستند إليها في مطالبته بإنشاء الوطن القومي وفي سنة 1717 م أعاد اليهود النظر في تعاليم الماسونية ورموزها وغيروا فيها لتناسب الجو البروتستانتي في بريطانيا والولايات المتحدة وأسسوا في ذلك العام محفل بريطانيا الأعظم، وأطلقوا على أنفسهم أسم البنائين الأحرار بعد أن كانوا فيما سبق يحملون اسم " القوة المستورة".

وجعلوا من أهداف الماسونية الخادعة: (الحرية - الإخاء - المساواة) وهي أهداف زائفة لأن الماسونية لا هدف لها إلا خدمة اليهودية العالمية

وتأمين سيطرتها على العالم.

ص: 134

ثم مالبث المحفل الماسوني الأعظم في بريطانيا أن كشف عن بعض نواياه حين جعل من أهداف الماسونية

(1)

:

1 -

المحافظة على الليهودية.

2 -

محاربة الأديان بصورة عامة خخ والكثلكة بصورة خاصة.

3 -

بث روح الإلحاد والإباحية بين الشعوب. ومن بريطانيا - وفي الفترة من سنة 1732 إلى سنة 1773 في مدى أربعين سنة - انبثق بإشراف محفل بريطانيا الأعظم محافل ماسونية عظمى في عواصم أوربا. وتأسس محفل ماسوني سنة 1733 في بوسطن ومن

قبلها في نيويورك ولم يأتي عام 1917 حتى كان عدد المحافل العظمى الولايات المتحدة الأمريكية قد تجاوز الخمسين محفلاً ينضوي تحت لوائها آلاف المحافل العادية وينخرط في عضويتها أكثر من مليون أمريكي

(2)

.

ومن بريطانيا كذلك بإشراف محفلها الأعظم تأسست محافل الماسون في البلاد الواقعة تحت نفوذها في أمريكا "كندا ونيوزيلند" وفي إفريقيا "مصر" وفي آسيا "الهند" والشرق الأوسط سنة 1752. ثم قارة أستراليا. وأصبح محفل بريطانيا الأعظم بالنسبة للمحافل المنبثقة منه كأرض فلسطين في قدسيتها بالنسبة لليهود ومقامهم هيكل سليمان، وللمسيحيين ومقامهم كنيسة القيامة، وللمسلمين ومقامهم المسجد الأقصى ثاني الحرمين.

وللماسونية مراحل ثلاث: ابتدائية رمزية، ومتوسطة ملوكية، وكونية تضم حكماء إسرائيل الذين يتصرفون بالمحافل الصغرى لمصلحة اليهود. ولها قَسَمْ تبدأ صيغته للمبتدئ:

(1)

الماسونية منشئة ملك إسرائيل - محمد علي الزغبي - مكتبة العرفان بيروت 1956.

(2)

دائرة المعارف البريطانية Encyclopaedia Britaniea

ص: 135

"أقسم بمهندس الكون الأعظم إنني لا أفشي أسرار الماسونية، ولا علاماتها، ولا أقوالها، ولا تعاليمها، ولا عاداتها، وأن أصونها مكتومة على صدري إلى الأبد". وبعد أن يتدرج الماسوني في الرتب الماسونية وينال ثقة رؤسائه تبدأ عملية تدمير شخصيته وفصله عن مجتمعه وأسرته، وتحطيم الروابط المقدسة التي تربطه بوالديه وبأسرته وعشيرته وحكومته ووطنه، فيكون القسم على الشكل التالي:"أقسم على أن أقطع كل الروابط التي تربطني بكل إنسان كالأب والام والإخوة والأخوات، والزوج والأقارب والأصدقاء والملك والرؤساء وكل من حلفت له بالأمانة والطاعة وعاهدته على الشكر والخدمة"

(1)

.

إن عملية تدمير الشخصية هي التي كان يعنيها المسيح في شرط الموافقة على المريد إذ قال: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض، ما جئت لألقي سلاما بل سيفا. فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والأبنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته من أحب أبا أوأما أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب ابنا أو إبنة أ كثر مني فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعنى فلا يستحقنى، من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلي يجدها"

(2)

. وما وصلنا من

معلومات إنما هي أراء الغرب فيها، فقد قال اليهودي piccolo Tiger رئيس جمعية Haute vente Romaine السرية بتأريخ 18/ 1822/1:

"ترغب جمعية هوت فنت بأي وسيلة أن يلتحق أكبر عدد ممكن من الأمراء بالماسونية وإن الأمراء من ذوي الدم الملكي يطرون طموحهم

(1)

Encyclopaedia Britaniea

(2)

إنجيل متى 10: 34 - 39.

ص: 136

للشهرة .. أعدوهم للماسونية الأوروبية عندها تقوم "الهوت فنت" Haute Vcnte بعمل المستطاع مفيدة في هذا المجال. سيعمل الأمراء مؤقتا على اجتذاب المعتوهين والمتآمرين والغشاشين والعاطلين عن العمل. وهؤلاء الأمراء المساكين يخدمون قضيتنا من حيث يظنون

أنهم يخدمون أنفسهم. إنها لخدعة كبرى، ولسوف نجد دائماً الكثيرين ممن يرغبون في زج أنفسهم بمؤامرات يظن كل أمير أنه الرابح من ورائها".

ومن أغرب ماسطره التأريخ، أن الماسونية اليهودية التي روجت للمبادئ الشيوعية، ثم قامت بالإنقلاب الشيوعي في شرق أوربا، هي رأسمالية محضة في غرب أوربا ويحمل لواءها اللورد روتشيلد اليهودي وأمثاله.

إن يهود روسيا يعترفون صراحة بأنهم أشعلوا الثورة الروسية ويفاخرون بما صنعوا. وجاء في مقال لإسرائيلي يدعى م. كوهين:

"يمكن القول بلا مبالغة إن الثورة الروسية الكبرى كانت من عمل اليهود، وإن هؤلاء اليهود لم يقوموا بهذا العمل فحسب، وإنما تولوا رعاية المذهب السوفيتي. ويمكننا أن نطمئن نحن اليهود مادامت إدارة الجيش الأحمر العليا في إيدى ليون تروتسكي"

(1)

.

ومن هذا يضح أن الماسونية اليهودية كانت ذات وجهين، فهي لروسيا شيوعية مخربة. . وهي للغرب ولأمريكا رأسمالية صهيونية. ولم يكن ذلك إلا تنفيذا لقرارات حكماء صهيون، وهي تنص على أن يكون

(1)

انظر المقال في كتاب الخطر الصهيوني بالفرنسية بقلم الأب جوان.

ص: 137

للماسونية في كل بلد نظام خاص، وأساليب خاصة. كي تصل إلى تقويض العالم وإقامة دولة اليهود العالمية.

وفي سنة 1928 قالت المجلة اليهودية Le Symbolisme عدد يوليو: "وإن أعظم واجب للماسوني الأوربي هو تمجيد الجنس الذي حافظ على المستوى الكهنوتي للحكمة".

وقالت دائرة معارف الماسونية الصادرة في فيلادلفيا سنة 1906: "يجب أن يكون كل محفل رمزا لهيكل اليهود وهو بالفعل كذلك وأن يكون كل أستاذ على كرسيه ممثلا لملك اليهود، وكل ماسوني تجسيدا للعامل اليهودي".

وذ كرت دائرة المعارف اليهودية طبعة 1903 الجرء الخامس صفحة 503 أن اللغة الفنية والرموز والطقوس التي تمارسها الماسونية الأوربية ملأى بالمثل والإصطلاحات اليهودية، ففي محفل سكوتلندا نجد التواريخ الموضوعة على المراسلات والوثائق الرسمية، كلها بحسب تقويم العصر والأشهر اليهودية وتستعمل كذلك الأبجدية العبرية". وتنص تعاليم الماسونية السرية على تقديس الجنس والحرية التامة لنشر الإباحية

(1)

.

"إن أمنيتنا هي تنظيم جماعة من الناس يكونون أحرارا جنسيا، نريد أن نخلق الناس الذين لايخجلون من أعضائهم التناسلية" وفي هذه الأيام التي تسود فيها المدنية المسيحية نجد صعوبات جمة، ولكن البدية قد رسمت فعلا، ومهما تكن صغيرة إلا أنها ناجحة، وعلى نطاق واسع، لابد من النصر المحقق إذا استطعنا أن نغذي الشباب منذ سنوات أعمارهم الأولى، بأسس هذه الآداب الجديدة، على الشباب أن يدركوا منذ ولادلهم أن أعضاء التناسل مقدسة"

(2)

.

(1)

Freemasonry Arnold leese London 1935

(2)

لقد نجحوا في ذلك وأسسوا نوادي العراة في دول أوربية كثيرة، وينشرون اليوم

فكرة في جميع شواطئ أوربا وأمريكا.

ص: 138

وهكذا نجد من أعترافات اليهود أنفسهم أن الماسونية وجدت لخدمة أهداف اليهود الشريرة، وتسهيل عملية استيلائهم على عقول القادة والرؤساء وتحطيم نفوسهم وتحويلهم إلى عبيد يؤمنون بالماسونية ويكفرون بالله والوطن، ويتنكرون لأمتهم ويضعون أنفسهم تحت تصرف الماسونية تستخدمهم معاول هدم في كيان الشعوب والأوطان الحكومات غير اليهودية.

ب - جمعية بناي برث

(1)

"أبناء العهد" B'nai B'rith : أسسها في 13/ 1843/1 يهودي ألماني من هامبورغ هاجر إلى أمريكا، وهي فرع من الماسونية العالمية، وتختلف عنها في أنها لا تضم إلى محافلها غير اليهود، واتخذ رئيسها هنري جونز مدينة نيويورك مقر للجمعية. ومن نيويورك انتشرت أذرع الأخطبوط اليهودي على شكل محافل ماسونية خاصة لاتضم أحداً من الجنتايلز Gentiles الكفار وهم غير اليهود.

وتظاهر المسئولون عن هذه الجمعية بالبراءة وحب الخير والعمل الإنساني، وادعوا أن أهداف الجمعية تتلخص في مساعدة الضعفاء ومنع الإهانة بسبب الجنس اليهودي والعطف على المضطهدين من جنسهم اليهود.

ولكن الأهداف الحقيقية لهذه الجمعية الخطيرة كانت تدور حول دعم الماسونية العالمية ومساندتها في جميع الخطط الجهنمية التي ترمي إلى سيطرة اليهود على العالم بعد تدمير الأخلاق والحكومات الوطنية والدين. لقد تأسست فروع لهذه الجمعية في جميع أنحاء الكرة الأرضية في أمريكا وأروبا وبخاصة فرنسا وبربطانيا وألمانيا، وفي آسيا وأستراليا وأفريقيا.

ولم تسلم مصر منها فقد تأسس فيها محفلان سمي أحدهما محفل ماغين دافيد

(1)

دائرة المعارف البريطانية طبعة سنة 1911 م B'nai B'rith.

ص: 139

رقم 436 طبع قانونه باللغة العربية والثاني محفل ميمونت رقم 365 طبع قانونه باللغة الألمانية، وكان أخطر محافل هذه الجمعية تلك التي أنشئت في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ذلك لأنها تغلغلت في صميم الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية لهذين البلدين.

وتولت محافل بناي برث التصدي لكل من يتعرض لليهود أو يحاول الكشف عن خططهم وأخلاقهم القذرة. وغدت هذه الجمعية سيفا مصلتا على رقاب الشعب في بريطانيا وأمريكا وبقية أنحاء أوربا. واستخدمت هذه الجمعية مختلف الوسائل لإسكات الألسن وتحطيم الأقلام لمنعها من التعرض لليهود الذين يعيثون في بلاد العالم فسادا وتآمراً وتخريبا.

ولم تبق خططها وأهدافها سرية وإنما نشرت على العالم الغربي، ولكن هيهات للعالم الغربي أن يأخذ حذره ويدفع عن نفسه شر هذه الجمعية، فقد تغافل عن نشاطها مما جعلها تسهم في جميع الثورات والحروب التي وقعت في القرنين التاسع عشر والعشرين، فقد ثبت أن هذه الجمعية كانت مع الماسونية العالمية وراء الثورة الفرنسية، ففي الإجتماع الذي عقد في 23/ 1789/8 لوضع لدستور الجديد كان هناك 300 عضو ماسوني وفي اجتماع اليهود الذي عقد في مدينة بال بسويسرة سنة 1897 م صرح رئيس الوفد الأمريكي لجمعية بناي برث في المؤتمر بقوله

(1)

: "علينا أن ننشر روح الثورة بين العمال. وهم الذين سنقذف بهم إلى خطوط دفاع العدو واثقين من أن رغباتهم لا نهاية لها، ونحن بحاجة ماسة لعدم رضاهم من أجل تخريب المدنية المسيحية والإسراع في نشر الفوضى.

ولسوف يأتي الوقت الذي يسارع فيه المسيحيون أنفسهم طالبين من اليهود أن يتسلموا السلطة".

(1)

Freemasonry - Arnold leese. London

ص: 140

وكان لهذه الجمعية أصبع في إشعال الحرب الكونية الأولى متعاونة مع الماسونية والصهيونية ورجال المال من آل روتشيلد. وحينما جاء هتلر للحكم فى سنة 1933 م أسهمت هذه الجمعية في شن الحرب على هتلر وحكمه ومهدت بذلك للحرب الكونية التي خسر العالم كله الشيء الكثير من جرائها وربحها اليهود في النهاية.

أما بالسبة لوطننا المقدس فلسطين فقد كانت جمعية بناي برث تبذر بذور الشر فيها منذ سنة 1865 م، وفي سنة 1888 م أنشأت في فلسطين أول محفل ماسوني للجمعية ثم أسهمت في تأسيس المستعمرات الصغيرة في فلسطين خالقة بذلك نواة الوطن القومي اليهودي، وكان من أبرز الشخصيات اليهودية المنتمية لهذه الجمعية في فلسطين، ناحوم سكولوف، دزنكوف، حاييم نخمان، دافيد يلين، مائير برلين، حاييم وايزمان، جاد فرامكين.

ولم تزل جمعية بناي برث قوة يهودية عاتية تسيطر على مقدرات غربية عديدة وخاصة في أمريكا وبربطانيا، ولم تزل سلاحا ماضيا في يد اليهودية العالمية تستخدمه للسيطرة على العالم. ويكفي أن تعلم أن رئيس هذه الجمعية فليب كلولزنيك Philip Klulznick قد عين في عهد الرئيس أيزنهاور رئيساً للوفد الأمريكي لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة

(1)

.، وأن رؤساء الولايات المتحدة لا يدعون مناسبة يهودية تمر دون أن يشيدوا بالأعمال العظيمة التي تحققها جمعية بناي برث.

ولا ننسى الحديث الذي أدلى به فوستر دالاس في الحفل الذي أقامه محفل الجمعية الأعظم بتاريخ 8 مايو 1956 م والذي جاء فيه:

(1)

عدد 15 سبتمبر 1956 من نشر Gothic Ripples - Arnold leese London .

ص: 141

"إن مدنية الغرب قامت في أساسها على العقيدة اليهودية في الطبيعة الروحية للإنسانية، ولذلك يجب أن تدرك الدول الغربية أنه يتحتم عليها أن تعمل بعزم أكيد من أجل الدفاع عن هذه المدنية التي معقلها إسرائيل"

(1)

. إن دالاس وأمثاله من البروتستانت المخدوعين يؤمنون بخرافات التوراة - العهد القديم - ويجعلونها أساسا لسياسة بلادهم نحو فلسطين رغم أن هذه السياسة تجر على بلادهم الخراب وتعرضها لأخطار جسيمة.

ولقد قام بنجامين فرانكلين. ينبه شعب الولايات المتحدة ويحذرهم من خطر اليهود، وكان ذلك قبل مأساة فورستال وزير الدفاع الأمريكي بمائة وستين عاما، فأعلن في المؤتمر الذي انعقد لإعلان الدستور سنة 1789 مايلي

(2)

: "هنا لك خطر عظيم يهدد الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك الخطر هو "اليهودي".

"أيها السادة حيثما استقر اليهود نجدهم يوهنون من عزيمة الشعب ويزعزعون الخلق التجاري الشريف. إنهم لايندمجون بالشعب. لقد كونوا حكومة داخل المحكومة. وحينما يجدون معارضة من أحد فإنهم يعملون على خنق الأمة ماليا كما حدث للبرتغال وأسبانيا. ومنذ أكثر من 1700 سنة وهم يندبون مصيرهم المحزون، لا لشيء إلا ادعاؤهم أنهم طردوا من الوطن الأم.

ولكن تأكدوا أيها السادة، أنه إذا أعاد اليوم إليهم عالمنا المتمدين فلسطين فإنهم سيجدون المبررات الكثيرة لعدم العودة إليها. لماذا؟

(1)

أمريكا مستعمرة صهيونية للأستاذ صلاح دسوقي - القاهرة 1957 م.

(2)

The nameless war . Capt. Ramsay، London 1952 .

ص: 142

لأنهم من الطفيليات التي لا تعيش على نفسها. إنهم لا يستطيعون العيش فيما بينهم، لا بد أن يعيشوا بين المسيحيين وبين الآخرين الذين هم ليسو من جنسهم.

"إذا لم يستثنى اليهود من الهجرة بموجب الدستور، ففي أقل من 100 سنة سوف يتدفقون على هذه البلاد بأعداد ضخمة تجعلهم يحكموننا ويدمروننا ويغيرون شكل الحكومة التي ضحينا وبذلنا لإقامتها دماءنا وحياتنا وأموالنا وحريتنا الفردية.

إذا لم يستثنى اليهود من الهجرة، فإنه أن يمضى أكثر من 200 سنة ليصبح أبناؤنا عمالا في الحقول لتأمين الغذاء لليهود الذين يجلسون في بيوتهم المالية مرفهين يفركون أيديهم بغيطة.

"إني أحذركم أيها السادة! إذا لم تستثنوا اليهود من الهجرة إلى الأبد. فسوف يلعنكم أبناؤكم وأحفادكم في قبوركم. إن عقليتهم تختلف عنا حتى لو عاشوا بيننا عشرة أجيال، والنمر لا يستطيع تغيير لونه. اليهود خطر على هذه البلاد، وإذا سمح لهم بالدخول فسوف يخربون دستورنا ومنشآتنا. يجب استثناؤهم من الهجرة بموجب الدستور".

فقد قدر بنجامين فرانكلين هذه المدة تنتهي بمائتي سنة 1989 م، بينها استطاع اليهود أن يهودوا الولايات المتحدة قبل خمسين سنة من هذا التأريخ، لتصبح سياستها وأسلحتها وعلمها وفنها وأموالها وخيراتها مجندة لخدمة اليهودية العالمية وأدواتها التنفيذية: الماسونية - الصهيونية.

ولا أدل على ذلك من أنه في صباح 14 أيار"مايو" 1948 تمكن كلارك كليفورد مستشار الرئيس الأمريكي الخاص - والذي كان على اتصال مستمر بزعماء الحزب الديمقراطي وقادة الصهيونية - من إقناع رئيسه ترومان بوجوب القيام بعمل فوري لإنقاذ الحزب الديمقراطي من هزيمة

ص: 143

محققة في الإنتخابات المقبلة، لاسيما أن قادة الحملات الإنتخابية في الحزب أبلغوه أن "مشروع الوصاية" الذي عرضته حكومة واشنطن سوف يؤدي بترومان وحزبه إلى فشل ذريع، وأن هناك ثورة داخلية في الحزب ضده.

وإزاء هذه التطورات السريعة. رأى كليفورد أن من الضروري كسب الأصوات اليهودية مهما كلف الأمر.

وهكذا اختلى ترومان طيلة يوم 14 أيار "مايو" بمستشاريه المقربين وبحث معهم المواقف بصورة جدية جديدة، كما اجتمع إلى فرانك غولدمان رئيس مؤسسة "بناي برث" الصهيونية التي ينتمي إليها صديق ترومان الحميم وشريكه اليهودي القديم "أدي جا كيسون" كما أن عضو الكونجرس "سول بلوم" أبرق إلى تررمان يقول:"إن على الولايات المتحدة أن تعترف بالدولة اليهودية الجديدة، وبذلك تساعد على منع نفوذ السوفيات من التغلغل إلى فلسطين والشرق الأوسط".

وطيلة ذلك اليوم ظل البيت الأبيض معتصما بالصمت المطبق وحوالي الساعة الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر ذلك اليوم استدعى البيت الأبيض إلياهو إبشتاين (وكان في ذلك الوقت يمثل الوكالة اليهودية بوشنطن، وهو الذي سمى فيما بعد الياهو أيلات وأصبح السفير الأول لإسرائيل في الولايات المتحدة) وأبلغه أن حكومة الولايات المتحدة قررت أن تعترف اعترافا واقعيا بدولة إسرائل فور إعلانها، بشرط أن توجه الدولة الجديدة كتاباً تطلب فيه الإعتراف، وفي الساعة السادسة تماما حسب توقيت واشنطن (الساعة 12 حسب توقيت القاهرة) أعلن نبأ نهاية الإنتداب على فلسطين. وفي الساعة السادسة والدقيقة الواحدة أعلن قيام دولة إسرائيل الجديدة، وفي الساعة السادسة وإحدى عشرة

ص: 144

دقيقة تم اعتراف الولايات المتحدة بالدولة الجديدة فقد دعا تشارلز روس، الملحق الصحفي في البيت الأبيض، رجال الصحافة إلى مكتبة وتلا عليهم قراراً مؤلفا من سطرين، يتضمن أعتراف الرئيس ترومان بدولة إسرائيل اعترافا واقعيا، وقد شفع القرار بتمنيات الرئيس الأمريكي للدولة الجديدة، لإقرار السلام في تلك الربوع.

ومن العجب العجاب أنه بينما كانت الإدارة الأمريكية في واشنطن تعترف بسيادة إسرائيل واستقلالها، كان المندوب الأمريكي في هيئة الأمم مايزال يدافع عن مشروع الوصاية على فلسطين!!

3 -

‌ عصبة الأمم:

League of Nations

وليدة اليهودية العالمية وأدواتها التنفيذية التي من أهمها الماسونية والصهيونية، لتكون العصبة من وسائلها في تحقيق السيطرة على العالم على أن تكون فلسطين القاعدة الأولى لتلك السيطرة العالمية، ولقد كشف الميثاق عن هذه القوى فأعلنها سافرة: "إن قوى الإستعار العالمي وأحتكاراته تسعى إلى هدف ثابت هو وضع الأرض العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج تحت سيطرتها العسكرية حتى تتمكن من مواصلة استغلالها ونهب ثرواتها.

ولقد وصل التآمر الإستعماري إلى حد انتزاع قطعة من الأرض العربية في فلسطين قلب الوطن العربي واغتصابها دون سند من حق أو قانون لصالح إقامة فاشتية عسكرية لا تعيش إلا بالتهديد العسكري الذي يستمد أخطاره الحقيقية من كون إسرائيل أداة الإستعمار".

ص: 145

وقد أورد اليهودي ليتمان روزنتال في كتابه When prophets speak أن اليهودي ماكس نوردو قال في المؤتمر الصهيوني السادس المنعقد سنة 1903 ما يلي

(1)

: "وسوف يدعى قريبا إلى مؤتمر عالمي. . ودعوني أقول لكم هذه الكلمات كما لو كنت أريكم دعائم السلم الذي يقودنا إلى العلا: هرتزل المؤتمر الصهيوني، مقترحات بربطانيا حول أو غندا، الحرب العالمية المقبلة، مؤتمر الصلح، حيث تخلق - بمساعد بريطانيا - فلسطين الحرة".

وجاء في محاضر مؤتمر المحافل الماسونية العالمية المنعقد في 28، 29، 30 يونيو 1917، أي قبل أن يفكر أحد من غير اليهود بتأسيس عصبة الأمم مايلي:

"إنه من المهم جداً أن نبني مدينة المستقبل السعيدة. ومن أجل تلك المهمة الماسونية الصادقة دعيتم اليوم. لقد حولنا هذه الحرب إلى نزاع رهيب بين الديمقراطيات المنظمة والقوى العسكرية الجبارة، لقد تحطمت هذا الإعصار القوى القديمة - القياصرة - ولسوف تجرف الرياح رياح الحرية - المزيفة - بقية الحكومات، فلا مندوحة إذن من خلق سلطة عالمية عالية، إن الماسونية صانعة السلام تطرح على بساط البحث موضوع هذه الهيئة الجديدة عصبة الأمم"

(2)

.

وبعد قيام عصبة الأمم قال الزعيم الصهيوني ناحوم سوكولوف في المؤتمر اليهودي الذي عقد في كارلسباد بتأريخ 27 من أغسطس 1922 ونشرته جريدة نيويورك تايمز في اليوم التالى:

(1)

The key to the mystery، Christian Nationalist Missori 1938.

(2)

The key to the mystery، Christian Nationalist Missori 1938.

ص: 146

"إن عصبة الأمم فكرة يهودية، لقد خلقناها بعد كفاح دام 25 سنة. ستكون القدس يوما ما عاصمة للسلم العالمي. وإن ما حققناه نحن اليهود بعد كفاح 25 سنة يرجع الفضل فيه إلى زعيمنا الخالد تيودور هرتزل".

وكان أول عمل قام به عصبة الأمم هو قيام السير إيريك درموند Eric Drumond بتوجيه رسالة رسمية إلى الصهيوني الأ كبر حاييم وأيزمان يؤكد فيها بأن حماية حقوق اليهود ستكون من أهم واجبات عصبة الأمم، واستطاعت الحكومة اليهودية العالمية تسخير عصبة الأمم لفرض الإنتداب البريطاني على فلسطين من أجل تحقيق هدف أساسي واحد هو تنفيذ وعد بلفور وتهويد فلسطين.

وكان الدكتور حاييم وايزمان - وهو روسي المولد والجنسية يهودي الديانة، تجنس بالجنسية البريطانية - قد اتصل بالزعيم الصهيوني روتشيلد كما اتصل بكبار رجال بريطانيا، وتمكن بمساعدتهم أن يجذب إليه لويد جورج، وونستون تشرشل، وبلفور وغيرم من المسيحيين الإنجليز، كما كان معه في تخطيطه للتآمر على فلسطين كثيرون من العظماء والوزراء البريطانيين مولدا وجنسية واليهود ديانة، منهم اللورد ريدنج، وهور بليشا والسر هربرت صموئيل، وكان في وزارة لويد جورج وزيران يهوديان هما السير الفريد موند والأونورابل إدوين مونتاجو، كما كان في المجلس الإستشاري الخاص ستة أعضاء من اليهود.

وسعى هذا النفر القوي في التمهيد لاستيلاء اليهود على فلسطين، وكان لليهود فى تلك الأوقات أعضاء في الوزارة وفي مجلس العموم وفي مجلس اللوردات وكثير من رجال المال والصحافة منهم، كما كان لهم نفوذ كبير في الولايات المتحدة الأمريكية وفيها عدد منهم يقدر بالملايين، وقد تركز

ص: 147

نفوذهم هناك في المؤسسات المالية والتجارية وسيطروا على الصحف، وكانت قوتهم تظهر بوضوح في انتخابات رئاسة جمهورية أمريكا، وكذلك في انتخاب حاكم ولاية نيويورك، وكان نفوذهم ملحوظا في المحكمة العليا الأمريكية.

فلما سيطر وايزمان وروتشيلد على عقول بعض الوزراء والعظماء في إنجلترا كان لا بد من وضع صيغة يعلنها "بلفور" ولايثير ظاهرها مخاوف العرب. . وهنا يعترف وايزمان في مذكراته بأن المفاوضات بينه وبين الإنجليز قد استمرت زمنا طويلا، إلى أن تم الإتفاق بوحي من اليهود أنفسهم على وضع الصيغة النهائية التي أعطاها بلفور إلى اللورد روتشيلد في 2 نوفمبر سنة 1917.

وينص وعد بلفور كما نشر في تقرير اللجنة الملكية لفلسطين على الأتي:

"يسرني جدا أن أبلغكم عن حكومة جلالته التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود الصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته. "إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل جهدها للتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يغير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذس يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.

ويوضح المستر لويد لويد جورج Lloyd George الظروف والملابسات التي خرج فيها التصريح إلى الوجود، فيقول في سياق شهادته التي أدلى بها أمام اللجنة الملكية لفلسطين - وكان لويد جورج رئيسا للوزارة البريطانية:"كان إعلان تصريح بلفور أمراً اقتضته موجبات الدعاية". ويمكننا أن نجزم أن الإنجليز كانوا يتفاوضون مع الشريف حسين في

ص: 148

الوقت الذي كانوا يتفاوضون فيه مع الصهيونيين، وانتهى الأمر بوضع حلفين متناقضين: أحدهما لأصحاب الحق سكان البلاد وهم العرب وثانيهما للغدر بالعرب وإقطاع اليهود أرض فلسطين.

وتعمدوا أن يكون نص وعد بلفور مبهما مائعا لا يدل على شيء واضح مع الإتفاق سرا على أن تكون فلسطين تحت حماية إنجلترا، ومع الوعد الخطير بمنع إقامة حياة نيابية، وبضمان هجرة اليهود إلى فلسطين، حتى يصبحوا كثرة يمكن معها إقامة دولة يهودية.

وبهذا سقطت مبادئ ولسن، كما سقط مبدأ عصبة الأمم الذي أعلن للناس "حق تقرير المصير" وأن "خير الشعوب وتقدمها أمانة مقدسة في عنق المدنية" ثم وضعت فلسطين تحت الإنتداب البريطاني.

ويؤيد لويد جورج في وجهة نظره البرفسور أرنولد توينبي المؤرخ البريطاني المشهور وأستاذ الدراسات الدولية في جامعة لندن، ومدير المعهد الملكي البريطاني للأبحاث الدولية، فقد علل صدور وعد بلفور في الجزء الثامن من كتابه "دراسة في التأريخ" A Study of History بقوله: "عامل سياسي آخر أظهرته الحرب العالمية الأولى في الميدان، هو التنافس بين المتحاربين على كسب ود اليهودية العالمية، فإن كسب التأيد اليهودي - بل وأكثر من ذلك تجنب العداوة اليهودية كان أمراً على جانب عظيم من الأهمية للفريقين. ومع أن تحرر اليهود النفسي في منفاهم في الغرب لم يكن قد تم بعد، فإن تحررهم الإقتصادي والسياسي في ذلك الوقت كان قد قطع شوطا بعيدا في تقدير أصوات اليهود ومنحها وزنًا هاما، بل وربما حاسما في ميزان القوة الدولي المضطرب. لقد أصبح اليهود الآن قوة يحسب حسابها في الحياة السياسية القومية لدى دول وسط أوربا وغربها على السواء. وفي

ص: 149

الولايات المتحدة كانت لهم قوتهم لا تزال على مدى أوسع كثيرا وقد بلغ نفوذ يهود أمريكا قدرا عظيما في أعين المحاربين في أوربا الذين بدأوا يتحققون أن الكلمة الأخيرة في النزاع ستنطق بها أمريكا، وأن هذه الكلمة الأمريكية الأخيرة قد تتأثر بصورة ملحوظة بآراء المواطنين من يهود أمريكا".

ويصف توينبي السباق بين الطرفين المتحاربين، وينتهي إلى القول بأن التصريح كان الورقة الرابحة في أيدي البريطانيين وحلفائهم.

4 -

الأمم المتحدة

United Nations

‌الأمم المتحدة

وليدة اليهودية العالمية وأدواتها التنفيذية من ماسونية وصهيونية وجمعيات يهودية أخرى. خلق اليهود عصبة الأمم بعد الحرب الكونية الأولى التي دبروها وخططوا لها، لتقرر بدء عملية تهويد فلسطين ولتشرف على تنفيذ تلك العملية الإجرامية، ودبر اليهود وخططوا للحرب الكونية الثانية، وبعد انتهائها خلقوا الأمم المتحدة لتقوم بالمرحلة الثانية في جريمة فلسطين وهي إصدار قرار تقسيمها وإنشاء دولة لليهود في فلسطين. فالجمعيتان من صنع اليهودية العالمية وهما وسيلة من وسائلها للسيطرة على العالم.

نجاح المؤامرة اليهودية:

فى فبراير 1947 تظاهرت الحكومة البريطانية بالعجز التام عن إيجاد حل لمشكة فلسطين وقررت إحالة القضية للأمم المتحدة، وهي أمنية طالما تمناها اليهود الذين يسيطرون على الأمم المتحدة سيطرتهم على سابقتها عصبة الأمم.

ص: 150

ومن الإحصائية التي أعقبت تأسيس هيئة الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية سنة 1945

(1)

يظهر أنها تضم 60% من موظفيها من اليهود مع أن نسبة عدد اليهود إلى سكان العالم لا تزيد على نصف في المائة 0.5%.

ونشطت اليهودية العالمية وحكومتها المستورة في تدبير اجتماع عاجل خاص للأمم المتحدة للنظر في قضية فلسطين، فعقدت دورة استثنائية في إبريل 1947 اتخذ فيها قرار بإيفاد لجنة تحقيق دولية إلى فلسطين. وتألفت لجنة التحقيق الدولية من مندوبين عن: أستراليا، تشيكوسلوفاكيا، يوغوسلافيا، الهند، غواتيمالا، هولندا، إيران، البيرو، أورغواي.

السويد، كندا، وكانت ميول أغلب أعضائها يهودية صهيونية. وقد اجتمعوا سراً بالمنظمات اليهودية الإرهابية وتبادلوا مع رؤسائها الآراء والعواطف. وحضرت اللجنة المذكورة إلى فلسطين ودرست المشكلة كما فعلت سابقاتها من لجان التحقيق العديدة، وعادت إلى سويسرة حيث وضعت قرارها بالأكثرية: قرر ثمانية أعضاء تقسيم فلسطين. وقرر مندوبو الهند وإيران ويوغوسلافيا تشكيل دولة فيدرالية في فلسطين. ورفعت اللجنة قرارها إلى الأمم المتحدة مطالبة بتقسيم فلسطين. ونظرت الأمم المتحدة في دورتها العادية سبتمبر سنة 1947 في تقرير لجنة التحقيق، ووقعت مناورات ومؤامرات خطط لها ونفذها رجال الحكم في الولايات المتحدة وعلى رأسهم ترومان فنشرات جريدة New York Times في عددها الصادر بتأريخ 27 نوفمبر سنة 1947 مايلي:"أجلت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلستها التي تصوت بها على تقسيم فلسطين أمس، بعد أن وجد مؤيدو الصهيونية أنهم لا يضمنون ثلثي الأصوات اللازمة لنجاح المشروع" وهكذا كانت الأمم المتحدة منذ إنشائها حتى يومنا هذا أداة في خدمة اليهودية العالمية.

(1)

World Dictatorship، Hillary Cotter، Suffolk، 1951.

ص: 151

‌الفصل الثالث

انتفاضة الأمم واللاسامية

تشهد التوراة على بني إسرائيل بأن الله شاء فأسكنهم بين قوم جبابرة عتاه لامتحانهم: هل يسمعون وصايا الرب أو يتنكرون لها؟

"فهؤلاء هم الأمم الذين تركهم الرب ليمتحن بهم إسرائيل كل الذين كل الذين لم يعرفوا جميع حروب كنعان. إنما لمعرفة أجيال بني إسرائيل لتعليمهم الحرب. الذين الذين لم يعرفوها قبل فقط. أقطاب الفلسطينيين الخمسة وجميع الكنعانيين والصيدونيين والحويين سكان جبل لبنان من جبل بعل حرمون إلى مدخل حماة، كانوا لامتحان إسرائيل بهم لكي يعلم هل يسمعون وصايا الرب التي أوصى بها آبائهم عن يد موسى"

(1)

.

إلا أن طبيعة بني إسرائيل المتمردة وقلوبهم الغلف جعلتهم ينحرفون: "فسكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسين، واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم، فعمل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب ونسوا الرب إلههم وعبدوا البعليم والسواري. فحمى غضب الرب على إسرائيل، فباعهم بيد كوشان رشعتايم ملك آرام النهرين. فعبد بنو إسرائيل كوشان رشعتايم ثمان سنين"

(2)

.

وتمر الأيام، "وعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم والعشتاروث وآلهة آرام وآلهة صيدون وآلهة مواب وآلهة بني عمون وآلهة الفلسطينيين وتركوا الرب ولم يعبدوه. فحمى غضب الرب على إسرائيل وباعهم بيد الفلسطينيين وبيد بني عمون"

(3)

.

(1)

سفر القضاة 3: 1 - 4.

(2)

سفر القضاة 3: 5 - 8.

(3)

سفر القضاة 10: 6 - 7.

ص: 153

ويبدو أن أسفار التوراة تدلل على أن بني إسرائيل كانوا يعتقدون بتعدد الآلهة، فكانوا يرون أن ثمة إلها خاصا بهم يختلف عن آلهة الشعوب الأخرى:"وقال لابان ليعقوب: هوذا هذه الرجمة وهوذا العمود الذي وضعت بيني وبينك. شاهدة هذه الرجمة وشاهد العمود أني لا أتجاوز هذه الرجمة إليك وأنت لا تتجاوز هذه الرجمة وهذا العمود إليَّ للشر. إله إبراهيم وآلهة ناحور آلهة أبيهما يقضون بيننا"

(1)

. أما إله إسرائيل فهو ذاك الذي أطلق على نفسه لقب "يهوه": وقال الله أيضاً لموسى: "هكذا تقول لبني إسرائيل: يهوه إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دور فدور"

(2)

.

حتى سليمان عليه السلام شارك بني إسرائيل في تعدد الآلهة حسب ما زعمته التوراة: "وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه.

فذهب سليمان وراء عشتورث إلهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين وعمل سليمان الشر في عيني الرب ولم يتبع الرب تماما كداود أبيه. حينئذ بنى سليمان مرتفعة لكموش وحى الموآبين على الجبل الذي تجاه أورشليم ولمولك وحى بني عمون وهكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن ويذبحن لآلهتهن، فغضب الرب على سليمان. . . وأقام الرب خصما لسليمان هدد الأدومي. كان من نسل الملك أدوم

(3)

.

(1)

سفر التكوين 31: 51 - 53.

(2)

سفر الخروج 3: 15.

(3)

سفر الملوك الأول 11: 4 - 9،14. وأدوم هو من نسل عيسو شقيق يعقوب:

"فقال عيسو ليعقوب أطعمني من هذا الأحمر لأني قد أعييت، لذلك دعي اسمه أدوم".

سفر التكوين 25: 30.

ص: 154

وقد تعاقب الأنبياء وأرعدت أصواتهم تنذر بالهلاك. وانقسمت المملكة إلى مملكتين توأمين هما مملكة يهوذا وقاعدتها أورشلم ومملكة إسرائيل وقاعدتها السامرة. وتناقص حجم المملكتين التوأمتين كلما أمعنتا في الخطيئة. وفي سنة 722 ق. م غزا ملك أشور "سوريا" السامرة: "وكان أن بني إسرائيل أخطأوا إلى الرب إلههم .. وتركوا جميع وصايا الرب إلههم وعملوا لأنفسهم مسبوكات عِجلَين وعملوا سواري وسجدوا لجميع جئد السماء وعبدوا البعل. وعبروا بنيهم وبناتهم فى النار. . فغضب الرب جداً على إسرائيل ونحاهم من أمامه ولم يبق إلا سبط يهوذا وحده .. فَسُىبِيَّ إسرائيل من أرضه إلى أشور إلى هذا اليوم. وأتى ملك أشور بقوم من بابل. . وأسكنهم في مدن السامرة عوضا عن بني إسرائيل فامتلكوا السامرة وسكنوا في مدنها".

(1)

.

وفي سنة 586 ق. م. غزا نبوخذ نصر ملك بابل مملكة يهوذا ودمر هيكلها: "إن جميع رؤساء الكهنة والشعب أكثروا الخيانة حسب كل رجاسات الأمم ونجسوا بيت الرب الذي قدسه في أورشلم. . فأرسل الرب إله آبائهم رسلا، فكانوا يهزأون برسل الله ورذلوا كلامه وتهاونوا بأنبيائه حتى ثار غضب الرب على شعبه فأصعد عليهم ملك الكلدانيين فقتل مختاريهم بالسيف في بيت مقدسهم. وأحرقوا بيت الله وهدموا سور أورشليم وأحرقوا جميع قصورها بالنار وأهلكوا جميع آنيتها الثمينة وسُبِيَّ الذين بقوا من السيف إلى بابل فكانوا له ولبنيه عبيداً "

(2)

.

إلا أن حكمة الله التي تقتضي مولد المسيح ليكون خاتمة أنبياء إسرائيل اقتضت إعطاء فرصة لإسرائيل للعودة: "وأما بيت يهوذا فأرحمهم وأخلصهم بالرب إلهم، ولا أخلصهم بقوس وبسيف وبحرب

(1)

2 مل 17: 7 - 24.

(2)

سفر أخبار الأيام الثاني 36: 14 - 20.

ص: 155

وبخيل وبفرسان"

(1)

فيجعل قلب كورش ملك فارس رحيما بإسرائيل ويأذن لهم بالعودة لبناء بيت الرب: " في السنة الأولى لكورش ملك فارس أطلق نداء في كل مملكته بأن الله أوصاني أن أبني له بيتا في أورشليم التي في يهوذا من منكم من جميع شعبه الرب إلهه معه وليصعد "

(2)

.

وتعرض الشرق الأوسط للغزو المقدوني فاستولى على فلسطين سنة 330 ق. م. ودارت الأرض دورتها وفي سنة 63 ق. م أستولى الجنرال الروماني بومبي على القدس. وقدر لهؤلاء الرومانيين أن يكونوا سادة البلاد في إبان الخطوة العظيمة التالية لتطور فلسطين التطور الروحي بعد عودة اليهود من السبي.

ففي بادئ الأمر حكموا اليهود عن طريق تابعهم الملك هيرودس الذي أعاد بناء الهيكل على جبل المريا حيث الصخرة العظمى وكان هيكلا أكبر حجما وأغنى أثاثا ورياشا من الهياكل التي سبقته حتى من هيكل سليمان.

وأخذ اليهود المنتشرون في جميع أصقاع الأرض يحجون إلى الهيكل حاملين معهم الهبات السخية، وسنحت لليهود الفرصة مرة أخرى لإقامة عبادة دائمة نقية صافية للإله الأعلى.

ولكن المصالح المادية طغت وأخذ اليهود يستغلون عبادة الله تجاريا فجباة عشور الهيكل دفعوا أنصارهم المتنافسين إلى أن يقاتلوا بعضهم بعضا في الشوارع كما يفعل اللصوص وقطاع الطرق، والصرافون الذين كانوا يجلسون إلى موائدهم في الهيكل نفسه كانوا يتخذون صفة السماسرة للكهنة الكبار ويبتزون الأموال دونما رحمة أوشفقة على الحجاج البائسين.

(1)

سفر هوشع 1: 7.

(2)

2 خب 36: 22 - 23 ..

ص: 156

وإذ تتدهور القيم الأخلاقية ولا يرتجى من بيت الله خير يتحول الزمن في دورته وتستعد الدنيا لرائد يقود الإنسانية للحياة الفضلى، وكأن العناية تعد العدة لمجيء المسيح عليه السلام، وذهب المسيح مع رعيل الحجاج إلى الهيكل المبني على الصخرة

(1)

، ولما وصل أخذته الغيرة على بيت الله إذ ارتاع لهول مارأى من شرور وآثام كما ارتعد من قبله سائر الأنبياء.

واستطاع أن يقوم بعمل مباشر: "وجاءوا إلى أورشليم. ولما دخل يسوع الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. ولم يدع أحداً يجتاز الهيكل بمتاع.

وكان يعلم قائلاً لهم: " أليس مكتوبا بيتي بيت صلاة يدعى لجميع الأمم وأنتم جعلتموه مغارة لصوص"

(2)

.

ولم يكن غريبا أن يحكم كهنة اليهود الثائرون على يسوع بالإعدام: "وسمع الكتبة ورؤساء الكهنة فطلبوا كيف يهلكونه لأنهم خافوه إذ بهت الجمع كله من تعليمه "

(3)

.

إلا أن يسوع المسيح تنبأ بالمصير الذي ينتظرهم، لا بمصير ملك اليهود السياسي لأن هذا كان قد ضاع فعلا منذ سنة 586 ق. م، بل بزوال مركزهم الديني بهدم الهيكل:"وفيما هو خارج من الهيكل قال له واحد من تلاميذه:: يا معلم انظر ما هذه الحجارة وهذه الأبنية؟ فأجاب يسوع وقال له: أتنظر هذه الأبنية العظيمة؟ لا يترك حجر على حجر لا ينقض "

(4)

. ويقول: "يا أورشليم يا أورشلم ياقاتلة الأنبياء وراجمة

(1)

وهو غير الهيكل الذي أعاد بناءه عزرا الكاهن بعد عودته من فارس، فالهيكل الذي أعاد بناءه عزرا الكاهن وزير بابل قد دمر في أثناء ثورة توداس وجوداس سنة 70 م في عهد الإمبراطور الروماني تيطس

(2)

إنجيل مرقس 11: 15 - 17.

(3)

إنجيل مرقس 11: 18.

(4)

إنجيل مرقس 13: 1، 2.

ص: 157

المرسلين إليها، مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا، هوذا بيتكم يترك لكم خرابا"

(1)

. وكانت كلماته الأخيرة هذه خاتمة لسلسة من الويلات أنصبت على الكتبه والفريسيين منها ما قاله: "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون لأنكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم أثقل الناموس: الحق والرحمة والإيمان. كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك "

(2)

.

ولم تتحقق نبوءة خراب الهيكل بعد ذلك بخمسين عاما فحسب ولكن القدس كلها دمرها الإمبراطور هادريان سنة 135 م، إخماداً لثورة باركوبيه، وطرد منها اليهود جميعا، وبنيت مكانها مدينة رومانية جديده وحرام على جميع اليهود يدخلو إليها، وقد دامت الإمبراطورية الرومانية أكثر من ستمائة عام.

الظاهر والباطن:

كان الوضع الذي نتج في فلسطين مثقلا بالمتناقضات الجغرافية والتأريخية والسيكولوجية. فرقعة الأرض الواقعة غرب نهر الأردن "لبنان" هي أرض "إبراهيم" الجبلية وهي الرقعة التأريخية التي ثبت إسرائيل أقدامه فيها ثم توارثها السامريون فيما بعد.

أما الرقعة الرئيسية التي تقوم عليها دولة إسرائيل الصهيونية الحالية في أرض الفلسطينيين والكنعانيين، ولم يسبق أن أستعمر هذه الأرض أي من شعب إسرائيل أو يهوذا على الإطلاق، كما أنها لم تتحد لا مع إبراهيم ولا مع مملكة يهوذا طوال الثلاثة عشر قرنا التي ظل الفلسطينيون

(1)

إنجيل متى 23: 37 - 38.

(2)

سفر متى 23: 23.

ص: 158

والإسرائيلون، يعيشون فيها جنبا إلى جنب، إلا في فترات قصيرة متقطعة كانت ضمن الفترات التي ساد فيها حكم الفلسطينيين على إسرائيل أو حكم اليهود على أرض فلسطين.

وفي سنة 1949 م كما في سنة 135 م وسنة 70 م وسنة 586 ق. م. وسنة 721 ق. م. وسنة 732 ق. م. كان المجتمع الفلسطيني المنتزعة جذوره من أرضه الوطنية بفعل عاصفة عسكرية أو سياسية يواجه تحديا يبعثره في الخارج بين الأمم الأخرى لكي يظهر فيما إذا كان ذلك المجتمع قادرا على المحافظة على شخصيته في حالة التشريد كما فعلت مملكة يهوذا أو أنه سيضمحل ويذوب كما فعلت مملكة إسرائيل، إلا أن مشردي القرن العشرين الفلسطينين هؤلاء كانوا غير يهود، بينما كان الغزاة الذين اقتلعوهم من أرضهم هذه المرة من اليهود، وكانت هذه المتناقضات الجغرافية والتأريخية نتيجة لتناقض سيكولوجي عجز اليهود عن الصمود له.

فحين يهجر اليهودي الليبرالي حياة التشرد بشكل إفرادي ثم يضع نفسه بين صفوف البرجوازية الغربية الحديثة فإنه يصهر نفسه من قائمة اجتماعية مسيحية قد عفى عليها الزمن.

أما حين يهجر المشتتون اليهود ذلك بشكل جماعي، ومن أجل أن يبنوا أمة جديدة تتجمع على أرض واحدة مقلدة في ذلك آثار الرواد البروتستانت المسيحيين الذين خلقوا الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندة - فإن الصهيونيين يصهرون أنفسهم وينقلبون إلى طبقة مسيحية لا مثيل لها في حياة اليهود بعد النفي. كان الهدف الجريء الذي يسعى إليه الصهيونيون هو أن يقلبوا، ومن عندياتهم الخاصة، جميع الخصائص اليهودية المتميزة، وذات الأصول العميقة في الحياة التقليدية ليهود التشريد، ومن أجل ذلك شرعوا يعيدون أنفسهم إلى عمال يدويين بدلا من طبقة مثقفين وأخذوا يسكنون الأرياف والقرى بدلا من كونهم

ص: 159

سكان مدن و وصاروا جنودا مقاتلين وإرهابيين بدلا من شهداء، وساميين ذوي روح عدوانية بدلا من "لا - آريين" مستضعفين مسالمين وكان هذا التقيم "النيتشوي"

(1)

. لجميع القيم اليهودية التقليدية، بغية الهدم بدلا من كونه بغية البناء، وفي سبيل الشر بدلا من توجيهه إلى صالح الخير، هو الذي تم توجيهه نحو ذلك الخيال الذي كان يلوح لليهود في الأفق، فيملأ قلوبهم الضيقة بالأمل في أن يجعلوا أنفسهم أبناء "أرض إسرائيل"

(2)

.

في عهد متأخر. ولقد فشلت جميع العوامل لإذابة الشعب اليهودي ضمن أبناء الوطن الذين يعيشون فيه، ويرجع ذلك إلى الحاجز السيكولوجي بين المسيحيين الغربيين وبين اليهود، بعد أن كان الحاجز القانونى بينهما قد أزيل رسميا.

كان لا يزال هنالك "غيتو" في عالم الغرب الليبرالي في القرن التاسع عشر، فظل المسيحى الغربي يحتجز اليهودي فيه كما ظل اليهودي من جانبه أيضاً يحشر نفسه وينعزل عن مواطنه المسيحي. وكان اليهودي الذي تم تحريره بصورة اسمية يجد نفسه مُقْصَى بالفعل - بحكم الواقع لا بحكم القانون - عن الفرص الإجتماعية الكثيرة، ومجردا من الحقوق التي يتمتع بها رفيقه المسيحي الذي يعترف به رسميا كعضو مساوٍ له في مجتمع متحد. وكان المسيحي يجد نفسه قبالة ماسونية حرة - وهي أيضاً واقعية أكثر منها مقصودة - بين اليهود الذين ظلوا يتوقون إلى المطالبة بالمنافع والخيرات دون الرغبة في الإنسجام، كما كانوا يدعون إلى المساواة الفعلية بين جميع أعضاء الطائفتين كنتيجة للإعتراف الرسمي بالمساواة فيما بينهما.

وفي الحقيقة لقد ظل كل من الطرفين يتصرف حسب مستوى ازدواجى في سلوله: مستوى أرفع للتعامل مع أعضاء مجتمعه الذين من عرقه.

(1)

نسبة إلى الفيلسوف الألماني "نيتشه".

(2)

هذا هو التعبير الوارد في المخطوطات اليهودية بشكل متواتر.

ص: 160

ومستوى أدنى للتعامل مع المواطنين الآخرين الذين يفترض ألا يجري وضعهم في مركز اجتماعي منفصل.

وكان هذا شاهداً على أن تحرير الشعب اليهودي في القرن التاسع عشر بعد الميلاد كان إجراء جذريا كافيا لأن يعري طبيعة اليهود الغربيين لأول مرة في التأريخ، كما أنه خير محك صالح لأن يكشف علاقاتهم بجيرانهم المسيحيين ويعرضها لتأثير الأفكار الغربية السائرة والمثل الموجودة.

وفي هذه الأثناء ولدت الصهيونية. فكانت بشهادة تيودور هرتزل نفسه شاهداً على القلق في نفوس يهود الغرب في القرن التاسع عشر خشية أن تصهرهم بوتقة، "الإمتصاص الفردي" وقد استيقظ اليهود بفعل اشتداد موجة القومية الغربية الحديثة التي أخذت تسير سيراً ملحاً في أعقاب الليبرالية السابقة، وبفعل قضية دريفوس (1884 - 1906) التي خضعت لموجتها فرنسا اللييرالية ساعة

إذلالها وتردي معنوياتها بعد هزيمتها المنكرة عام عام 1870 فكانت أعمق أثراً وأشد خطرا. وكان منظر المظاهرات المعادية لليهود في باريس في نفس الوقت الذي كانت فيه المعركة متأججة حول قضية دريفوس هو الذي حول الصحافي اليهودي النمسوي "هرتزل" من داعية قوي من دعاة إندماج اليهود مع مواطنيهم إلى كونه رسولا مبشراً للصهيونية، وأصبحت آمال تلك الطبقة الجديدة ومطامحها مشتقة من العهد القديم ومن سفر الخروج

(1)

.

بنو إسرائيل وجيرانهم:

يؤمن الإسرائليون بما توحية إليهم توراتهم من السلوك الوحشي بين الأمم وممارستهم للحروب فيعلن يشوع خليفة موسى أن لله يأمر

(1)

أي خروج اليهود من مصر إلى فلسطين وكذلك خروجهم من مرحلة ما بعد الليبرالية وعودتهم إلى ما قبلها.

ص: 161

إسرائيل بما نصه: "حرَّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، وطفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف. . وأحرقوا المدينة

(1)

بالنار مع كل ما بها. إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة بيت الرب"

(2)

.

وبهذه الروح الهمجية دخل اليهود أرض فلسطين بقيادة يشوع بن نون بعد وفاة نبيهم موسى، واضعين نصب أعينهم إبادة السكان الأصليين بلا شفقة ولا رحمة، ودون أي تمييز بين المحاربين وغير المحاربين من النساء والأطفال والشيوخ.

وبهذه الروح الهمجية عاش بنو إسرائيل منذ العصور الأولى الموغلة في القدم مع جيرانهم تراودهم أحلام "الجنس المختار" ومن هذه الأحلام يتلذذون بإذلال الناس واستعبادهم ويزعمون أن التوراة توصيهم بهذا: "حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح. فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف"

(3)

.

وتأريخ اليهود القديم الدامي في فلسطين العربية تأريخ أسود مفعم بالقتل والذبح والنهب والسلب والثورات والبطش والإرهاب والغدر.

ويشهد التأريخ والدول التي استولت على فلسطين بوحشية هؤلاء القوم: الأشوريون والبابليون والفراعنة من قبلهم والفارسيون والرومانيون.

والمسلمون.

(1)

مدينة أريحا.

(2)

سفر يشوع 6 " 21 - 24.

(3)

سفر التثنية 20: 10 - 13.

ص: 162

ويبدو أن الله سبحانه وتعالى الذي منحهم الفرصة وأنقذم من طغيان فرعون، قد عاد وصب عليهم غضبة وسخطه، بعد أن كفروا وخالفوا شريعة موسى وأبوا أن يحيوا كبقية شعوب الأرض بأمان ووئام وتعاون لخير البشرية، فعادت أحقادهم وأخلاقهم الذميمة وطغيانهم بالويل والخراب والدمار، وسلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب ويبادلهم طغيانا بطغيان، وذبحا بذبح وإفناء بإفناء، وداستهم الأمم والشعوب تحت أقدامها طوال فترات التأريخ، ومع كل ذلك لم يغيروا ما بأنفسهم من كيد وحقد وتعصب وغرور وهمجية.

بنو إسرائيل والإسلام:

عاش اليهود في شبه الجزيرة العربية بعد أن وصلوا إليها نتيجة تشردهم وخاصة بعد خراب الهيكل على يد الإمبراطور الروماني تيطس سنة 70 م.

وحين بعث الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم محمد عليه الصلاة والسلام وحمله رسالة الإسلام تحقيقا لنبوءة موسى عليه السلام: "أقم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به "

(1)

وإتماما لنبوءة المسيح عنه: "وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية"

(2)

.

لما جاء سيد الرسل وخاتم النبيين ناصبه اليهود العداء وحاربوا دعوته.

ونشب الصراع بين اليهود والمسلمين منذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واتخذها مركزا لنشر الدعوة إلى توحيد الله وعبادته.

(1)

سفر التثنية 18: 18.

(2)

سفر يوحنا 16: 13.

ص: 163

ورأى اليهود أن الدين الجديد قد أصبح منافسا يوشك أن يقضي على نفوذهم وينتزع منهم الزعامة الدينية التي كانوا يدعونها، وأدركوا ما سبق أن تنبأ به المسيح من قوله:"أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية. من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا. لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره "

(1)

"فكرهوا محمد صلى الله عليه وسلم، ونظروا إليه وإلى دينه الجديد وإلى أتباعه نظرة الحسد والحقد والضغينة والبغضاء وظهرت عداوتهم لدين الإسلام واضحة جلية حينما رأوا الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فأخذوا يكيدون للإسلام والمسلمين بالدس والإرجاف ثم بالمراء والجدال فيما يعلمون وفيما لا يعلمون وإذا سئلوا عن شيء في كتبهم حرفوا الكلم عن مواضعه ولبسوا الحق بالباطل ليكسبوا عطف المشركين بالغض من شأن الإسلام ونبي الإسلام، لا لسبب سوى كراهيتهم للرسول عليه الصلاة والسلام لما اختصه الله به من الرسالة "

(2)

.

وفد نعى الله عليهم ذلك بقوله: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}

(3)

.

ولقد ناصر اليهود كفار قريش المشركين عبدة الأصنام وأيدوهم في عبادة الأوثان، وأكدوا لهم أنها أفضل من الدين الإسلامي الذي يقول:" لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله " ويقوم على التوحيد وعبادة رب العالمين.

ولم يتوان اليهود عن السعي في دين الله معاجزين لكي يفتنوا الناس

(1)

سفر متى 21: 42، 43.

(2)

اليهود وفلسطين للأستاذ الشيخ صبري عابدين - القاهرة 1357 هـ 1936 م.

(3)

سورة البقرة: 90.

ص: 164

عن دينهم، ويوهنوا من عقائدهم بالشبه الزائفة والأباطيل المختلقة، وفي ذلك تقول الله تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}

(1)

.

ولما رأى اليهود جماعة المسلمين تتكاثر والإسلام ينتشر، ويفتح الله قلوب الناس لقبوله، أيقنوا أن لاسبيل للمحافظة على كبريائهم وزعمهم أنهم شعب الله المختار وضمان مصالحهم وسيطرتهم على مقدرات البلاد المادية والمعنوية، إلا بالقضاء على محمد صلى الله عليه و سلم وأتباعه واجتثاث آثار دينه من أصولها، فأخذوا يكيدون للإسلام والمسلمين بكافة الطرق ومختلف الوسائل، وينتهزون الفرص لمحاولة قتل الرسول الكريم كما حدث له مع يهود خيبر يوم أن أعدوا له وليمة تكريم "شاة مسمومة".

ولقد هادنهم عليه الصلاة والسلام في بادئ الأمر ووادعهم وأبرم معهم العهود، فما لبثوا أن خانوها ونكثوها، كما حدث مع يهود بني قريظة الذين تعاونوا مع كفار وألَّبوا عليه وعلى صحابته من المسلمين سائر العرب من كفار قريش وشمال الحجاز، ومالئوا الأعداء وحزبوا الأحزاب ضد المسلمين لاستئصال شأفتهم وإبادتهم، وكما حدث مع يهود بني النضير وتآمرهم على المصطنى صلى الله عليه وسلم، ولكن الله تعالى أحبط سعيهم ونصر رسوله الكريم وأيد دينه الجديد، وأنزل على قلب المصطفى أيات كثيرة مشيره إلى كفر اليهود وحقادهم وجرائمهم منها قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}

(2)

.

(1)

سورة البقرة: 109.

(2)

سورة آل عمران: 21، 22.

ص: 165

ولما كان الله يعلم مقدار ما يبطنه اليهود للإسلام والمسلمين من العداوة والخصام بين في كتابه العزيز بعبارة صريحة أن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود، لنعاملهم معاملة الأعداء الألداء، فقال:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}

(1)

.

ويقول الشيخ صبرى عابدين في كتابه، اليهود وفلسطين: "حينما استقر الرسول العظيم في المدينة وحد كلمة العرب، وأخى بين المهاجرين والأنصار، وأصلح ذات بين الأوس والخزرج سكان يثرب، واجتث من قلوبهم آثار العداوة والبغضاء فأصبحوا بنعمة الله إخوانا، ونسوا ما كان بينهم من فتن وحروب دامت عشرات السنين. ولم يرق لليهود أن يروا الأوس والخزرج مؤتلفين لأن في اتفاقهم قوة لرسول الله وللمسلمين، فأخذوا ييثون أسباب الفتن ويثرون الأحقاد والضغائن ليشتتوا شملهم ويفرقوا جمعهم من جديد.

واستطاعوا عن طريق شيخ من شيوخهم هو شاس بن قيس أن يثيروا بين مسلمي الأوس والخزرج الفتنة ويذكروهم بعداوة الجاهلية، فحملوا السلاح، ولولا خروج النبي إليهم وردهم عن غيهم وتبصيرهم بخطة اليهود، لوقعت الحرب من جديد بين قوم هداهم الله إلى الإسلام وأبعد عنهم دعوى الجاهلية. ونزل في الأوس والخزرج الذي كادوا يصدقون ما أدخله عليهم شاس اليهودي:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}

(2)

.

(1)

سورة المائدة: 82.

(2)

سورة آل عمران: 100، 101.

ص: 166

الحرب بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود:

ولم يكتف اليهود بالمقاومة السلبية للدين الإسلامي ولم يكفهم الدس والنفاق والفتن يثيرونها بين المسلمين، بل أخذوا يقفون إلى جانب كفار قريش معلنين عداءهم الصريح للإسلام ولنبي الإسلام.

وكان أول إحتكاك إيجابي بين المسلمين واليهود وقع مع بني قينقاع في المدينة نفسها، فقد حدث أن جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق بني قينقاع وخاطبهم قائلا:"يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا. فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم، قالوا: يا محمد إنك ترى أنا قومك لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا واللّه لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس"

(1)

.

فأمهلهم الرسول الكريم إلى أن نقضوا العهد وتعرضوا لسيدة مسلمة كانت تمر بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ منهم فعمد إلى ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على، الصائغ فقتله، وتجمع اليهود على المسلم فقتلوه.

وكانت الشرارة التي حملت الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم على على محاصرتهم خمس عشرة ليلة. وحينما استسلموا شفع فيهم عبد الله بن أبي ابن سلول، وا كتفى الرسول بإجلائهم عن المدينة.

وطلب المسلمون من اليهود الجلاء إلا من كان عنده عهد من رسول لله صلى الله عليه وسلم، وهكذا تم تطهير الجزيرة العربية من اليهود الذين كانوا شوكة في حلق الإسلام أول عهده.

(1)

السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 50.

ص: 167

اليهود والقرآن الكريم:

1 -

سجل عليهم القرآن الكريم كفرم بالأنبياء والرسل وقتلهم الأنبياء بغير حق: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}

(1)

.

{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ}

(2)

.

2 -

سبحان الله العالم بحقيقة هذا الفريق من خلقه، في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، لقد كتب الله على اليهود الذلة والمسكنة إلى يوم الدين. لقد أخزاهم الله تعالى بشر أعمالهم، ومهما حاولوا أن يتظاهروا بالقوة والمنعة فإن كلمة الله هي العليا، والقرآن الكريم يسجل إرادة الله وحكم السماء:{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}

(3)

.

إسرائيل والدول الأوربية: لم تكد الحرب العالمية الأولى تضع أوزارها حتى أحس المتأملون في أحوال الأمم هبوب ريح معاداة ومناوأة لليهود في معظم الأقطار، وقد

(1)

سورة البقرة: 87.

(2)

سورة المائدة: 70.

(3)

سورة آل عمران: 112.

ص: 168

أخذت هذه الريح تشتد رويدا رويدا حتى عمت القارة الأوروبية بأكلها، بل تعدتها إلى أمريكا. وكان المظنون أنها أبعد من سواها عن التعصبات الجنسية والدينية.

ولقد كثرت وقتئذ الحوادث الدالة على اتجاه هذا التيار العاطفي ولاسيما في أقطار أوربا الشرقية حيث يكثر العنصر اليودي، فمن هذا القبيل ما ذكرته الصحف وقتئذ عن مقتل رئيس جمورية بولونيا، ومنه هياج الطلبة في رومانيا ومطالبتهم بتحديد عدد اليهود الذين يؤذن لهم بتلقي العلوم في الجامعات الرومانية. وقد حصل مثل ذلك في الجامعات الأمريكية الكبرى. فإنها شرعت تقيم العقبات في سبيل طالبي دخولها من اليهود، بل إن قانون تحديد المهاجرة المسنون منذ بضع سنوات إنما كان غرضه الأول إقامة سد دون سيل المهاجرين من شرق أوربا، حتى في إنجلترا التي كانت تعد أصدق صديقة لليهود بتنا نرى دلائل عديدة على هذا العداء. وقد حمل جانب من الصحف الإنكليزية أخيراً حملات عنيفة على سيطرة اليهود في فلسطين وأحلامهم في خلق دولة باغتصاب أرض فلسطين بغير حق تأريخي

أو سند قانوني.

وليست هذه أول مرة يتحرج فيها مركز اليهود، فقد عرفوا صنوف الإضطهاد والمناوأة منذ أقدم الأزمنة. ولكن في التأريخ فترات ظهرت فيها هذه المناوأة على أشدها.

ولعل هذا الإضطهاد الذي عاناه بنو إسرائيل على مر التأريخ هو الذي دفع هرتزل أن يقرر حقيقة حتمية مصيرية لشعب اليهود بقوله: "من السخافة أن ننكر وجود "مشكلة يهودية" فإنها موجودة حيثما توجد جماعة من اليهود، وإذا لم توجد في جهة لايلبث أن يحملها إليها المهاجرون. إننا نهاجر إلى جهات التي لا نضطهد فيها ولكن ظهورنا فيها يحمل على اضطهادنا ".

ص: 169

ويقول برنار لازار وهو من أوثق الباحثين في علم الإجتماع: "يتراءى لي أن شعوراً عاما كالمناوأة لليهود ظهر في كل مكان وكل زمان قبل المسيح وبعده، في الإسكندرية ورومية وأنطاكية وبلاد العرب وفارس وفي أوربا القرون الوسطى وأوربا الحديثة، أي بالإختصار في كل قطر قطنه اليهود، يتراءى لي أن شعوراً هذا انتشاره لا يمكن أن يكون طارئا عرضيا أو نزوعا وقتيا بل يجب أن يرجع إلى أسباب جدية وأصول بعيدة ".

ولقد صدق هذا الكاتب فيما ذكر. فإن لروح المناوأة التي وصفناها فيما تقدم سببا يعود إلى مزاج اليهود الروحي وعقيدتهم الدينية ومذهبهم الإجتماعي، وهو أنهم لم يكونوا قابلين للإندماج في الشعوب التي حلوا بينها، فإن شخصيتهم الجنسية ما برحت تزداد بروزا مع الأيام حتى أصبح من أهم مميزات الشعب اليهودي تماسكه وتجانسه واعتداده بذاته وازدراؤه بسواه.

ولابد لنا قبل خوض هذا البحث الدقيق أن نؤكد أن نظرتنا إلى مشكلة إسرائيل مجردة عن كل هوى، فإن كراهية اليهود في كثير من الأقطار حقيقة واقعية لا سبيل إلى إنكارها. وكل ما كان من قبيل الحقائق الراهنة جدير بعناية الباحث، لاسيما إذا كان ذا أثر في الحياة الإجتماعية، شأن العاطفة التي كان من نتائجها نشر الدعوة الصهيونية وإنشاء الوطن اليهودي في فلسطين.

أما الأسباب الظاهرة فهي:

يتهم اليهود في كل زمان ومكان بتهمتين متناقضتين لكنهما متلازمتان تلازم الليل والنهار، والظل والحقيقة وهما:

ص: 170

التهمة الأولى: أنهم زعماء الحركات الثورية والإنتفاضية، وإليهم ينسب قسط كبير من الفوضى المنتشرة في كل جهة. فمنهم رؤساء الأحزاب الإشتراكية المتطرفة ومنهم أركان النظام البلشفيكي وناشرو دعوته في العالم. وقد أتى وقت كانت فيه روسيا وما جاورها أشد أعداء اليهود وقد أذاقتهم الذل والمصادرة والطرد، لما اقترفوه من قسوة في معاملاتهم مع سكان أوربا الشرقية، وهي معاملات مالية واقتصادية. . ولما خلقوه من أسباب الفوضى والإضطرابات في تلك البلاد .. وكان لا بد لليهود من الإنتقام لما أصابهم من محن اضطرت الكثيرين إلى الهجرة من شرق أوربا، واتخذوا لذلك سبلا شتى: منها قيام كارل ماركس اليهودي الألماني بنشر نظرياته المعروفة في حرب الطبقات وفي وضع مبادئ الشيوعية، وقد اعتنقها كثير من الروس اليهود وغير اليهود، ومن هؤلاء لينين زعيم روسيا الأكبر وكان متزوجا بيهودية .. وتروتسكي الزعيم الجهنمي للشيوعية وهو يهودي لحما ودما - وكثير غيرهما - قاموا بالثورة الروسية الكبرى سنة 1917 وباغتيال القيصر والأمراء سنة 1918، كما فتكوا برجال الدين وألغوا الدين المسيحي نفسه.

وكما أن "لينين" زعيم الشيوعية في روسيا كان زوجا ليهودية، فإن تروتسكى وراديك وزينوفيف وثلاثة أرباع قوميسارى الروس كانوا يهودا

(1)

.

(1)

أ - كتاب قرارات حكماء صهيون بالفرنسية طبعة برنار جرسيه.

ب - كتاب الخطر اليهودي بالعربية للسيد خليفة التونسي.

ج - كتاب المؤامرة اليهودية على الشعوب العربية ترجمة الخوري أنطون.

د - كتاب الصهيونة والماسونية للسيد عبد الرحمن سامي عصمت.

ص: 171

وفى أيام الثورة الأولى استولى اليهود على السلطة وانتقموا من الشعب الروسي وقتلوا ملايين الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال. وكانت

نسبة اليهود في المكتب السياسي عند قيام الثورة كالأتي:

لينين

(؟)

Lenin

ستالين

(متزوج من يهودية)

أورتسكي

(يهودي)

Uritski

كامينيف

(يهودي)

سوكولنكوف

(يهودي)

Skolnikov

زينوفيف

(يهودي)

يبنوف

(روسي)

وفي مجلس إدارة الحرب والثورة كانت نسبة اليهود كما يلي

(1)

:

تروتسكي

(يهودي)

Trotsky

جوف

(يهودي)

Joffe

لينين

(؟)

Lenin

بوكيج

(قفقاسي)

Bokig

بودوسكي

(روسي)

Podwoiski

مولوتوف

(متزوج من يهودية)

Molotov

نيوسكي

(روسي)

Newski

انتشلخت

(يهودي)

Unschlicht

سفرديلوف

(يهودي)

Sverdlov

أورتسكي

(يهودي)

Uritski

أنتونوف

(روسي)

Antonov

(1)

العدد 77 بتأريخ 28/ 1951/6 من نشرة Gothic Ripples - Arnold leese

ص: 172

ميكونسنين

(روسي)

Mechonoscnin

جوسيف

(يهودي)

Gussev

أرميجيف

(روسي)

Ermejev

جير جنسكي

(بولندي)

Djerjinski

ديبنكو

(أوكراني)

Dybenko

راسكو لنكوف

(روسي)

Raskolnikov

التهمة الثانية: أنهم ملوك الصيرفة والمال يسيطرون على أسعار الأشياء وعلى تقلب العملة والأوراق المالية ويجنون الأرباح الطائلة والثروات العظيمة في حين يعم الضيق والفقر سواد الناس. اليهود البارعون في جمع المال واكتنازه واستثماره صاروا في الولايات المتحدة منذ أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من هذا القرن ملوك المال، أستولوا بخططهم اليهودية الماكرة على مصادر الذهب والمعادن والبترول، استولوا على الشركات التجارية والصناعية والزراعية واستولوا على البنوك والبورصة المالية، استولوا على أسواق التموين ومخازن الحبوب وخاصة القمح، استولوا على مدينة السينما "هوليود" وأداروا صناعة السينما حسب الخطة المرسومة في بروتوكولات حكماء صهيون، استولوا على المسارح والملاهى، استولوا على الصحافة ودور النشر والإذاعة والتليفزيون، وأخطر من هذا كله استولوا على رؤساء الجمورية الأمريكية والبيت الأبيض ودوائر الحكومة وهيئة الأمم المتحدة بنيويورك.

"ويبدو أن هناك ملاءمة وثيقة الصلة بين إثارة القلاقل والحروب وانتفاع أرباب الصيرفة والمضاربة. وتتوثق الملاءمة بين السببين لما اشتهر به اليهود من سبقهم لإذاعة الأنباء والأخبار وهذا ما يتيسر لهم لعنايتهم

ص: 173

بالإستعلام وجمع الأخبار ولما بينهم من الصلات الوثيقة والروابط المتينة على ما يفصلهم من المسافات

(1)

.

والأمر الذي تجدر ملاحظته هنا هو أن الطائفتين تعملان في خارج الحيز الوطني، فإن مراميهما دولية لا قومية، فمن جهة، يجاهر أرباب الإشتراكية والشيوعية بأن غرضهم إزالة الفوارق بين الأمم، واتحاد العمال من كل الدول لمناهضة أصحاب الثروة والسلطة. فهم بذلك يعملون على إضعاف الرابطة الوطنية والجامعة القومية. ومن الجهة الأخرى. يقوم أرباب الصيرفة والمال بأعمالهم في جهات مختلفة ومصالحهم مشتتة في بلدان متعددة وهم قلما "يشتركون في حياة الأمة الإحساسية إذ تهمهم حياتها الإقتصادية فقط. وقد قيل إن اليهودي، حتى في حالة انضمامه إلى وطن من الأوطان يختلف نظره إلى ذلك الوطن عن نظر بنيه الأصليين، فإن وطنه اقتصادي ووطنيته كذلك اقتصادية، بخلاف وطن هؤلاء ووطنيتهم المستقرة في أعماق نفوسهم.

من ذلك كانت أغراض الطائفتين مضادة لتيار "القوميات" الذي اشتد بعد الحرب، ولذلك كانت الحركات القومية تعمل على تنقية الأمم من العناصر الغريبة التي لم تندمج فيها.

وهذا شأن اليهود في كثير من الجهات فإنهم يعدون من عوامل الإنحلال القومي، ومن ثم ما يوجه إليهم من العداوة والمناوأة. وإن ما امتاز به اليهود من هذين الأمرين: الثورة والإثراء كان بفعل

(1)

كان لليهود منذ قديم الزمن عناية عظيمة بالإستعلام وقد أنشأوا مصالح خصيصاً لهذا الغرض. وقد قيل إن سر الإثراء المالى السبق إلى المعلومات الصحيحة. ومن يراجع تأريخ الثروات التي جمعتها بعض الأسر اليهودية المشهورة - كاسرة روتشيلد مثلا - يرى أن منشأها كان الحصول على معلومات سياسية أو حربية ذات شأن والإستفادة منها قبل انتشارها بين الجمهور.

ص: 174

الأحوال الخاصة التي اكتنفت تأريخهم، فإن مانالهم من الضغط والإضطهاد فيها مضى جعل في قرارة نفوسهم نزوعاً إلى قلب النظام الحاضر وانتقاضا على السلطات التي ناوأتهم. أما الماليون منهم فقد كسبوا ماكسبوا بمهارتهم وحذقهم في أساليب التجارة، وصدق نظرهم في الشئون الإقتصادية وحيازتهم المعلومات الصحيحة والأخبار الصادقة، فلا لوم عليهم ولا تثريب.

أما السبب الحقيقي فهو:

يعزى تقدم اليهود في الزمن الحديث إلى انتشار مبادئ الثورة الفرنسية في القارة الأوربية. فقد استفادوا من المساواة الإجتماعية وأصبح لهم نفوذ وسيطرة، ولا سيما إذا اعتبرنا قلة عددهم بالنسبة إلى سائر الشعوب.

فهذا التفوق بعد المذلة والمسكنة فيما مضى من الأزمان، هو من أسباب تسيدهم كأرباب المال والتجارة، وإن المساواة الإجتماعية تهدم أنواع السيادة القائمة على اعتبارات سياسية أو جنسية أو نسبية أوغير ذلك ولا تبقى إلا سيادة الثروة، أي حكم الذهب وتحكمه. وهذا بلا ريب من أسباب تلك الكراهية التي نشاهد أثرها في كل مكان.

بالإضافة إلى هذا أنهم عاشوا في عزلة في مجتمع عرف بالغيتو، وقد نجم عن هذه العزلة أنهم اكتسبوا صفات جسمانية ومعنوية خاصة بهم، وأنهم امتازوا بحدة الذهن وحسن التدبير وبعد النظر والإحتياط للطوارئ، وأنهم نزعوا إلى الديمقراطية وحب المساواة. ثم إن اليهودي عموما كان محروما من دخول الجيش والبحرية والنقابات الصناعية والتجارية، فأصبح بطبعية الحال وسيطا - أي تاجرا - وتمرن على طرق المعاملة وترقب السوق والإستفادة من الفرص، ولا سيما أن الكنيسة كانت تحرم الربا، فاتخذ الإتجار "بالمال" عملا له وبرع فيه أيما براعة.

ص: 175

فلما جاء القرن الماضي وأعلن فيه تحرير اليهود في معظم الدول الأوربية وألغيت القيود التي كانوا بها مقيدين لم يلبثوا أن اغتنموا هذه لفرصة السانحة واستخدموا الصفات التي اكتسبوها على مر السنين وبذا بلغوا المقام الرفيع الذى بتبوءونه في تلك البلاد.

فنرى من ذلك أن كراهية اليهود لا ترجع إلى التعصب الديني، وإن يكن له فيها نصيب. ولا هي ترجع إلى التعصب الجنسي

(1)

، وقد يكون له نصيب أيضاً، بل ترجع إلى الأحوال الإجتماعية التي نجمت عن تحرر اليهود في القرن التاسع عشر.

وإذا قابلنا الشعب اليهودي بسائر الشعوب القديمة وجدناه في مؤخرتها علماً وفناً وحضارة. فآثاره ضئيلة بجانب آثارها. على أنه كان يحمل في صدره عاطفة دينية عظيمة الشأن وهي الإيمان بإله واحد هو إله الإسرائيليين الشعب المختار دون الشعوب. فهذا الإيمان الشديد هو الذي أبقى الشعب اليهودي حيا مميزا واضح الصفات والأخلاق رغم صروف الزمان وتقلبات الأيام عن ثم نفهم كنه العصبية اليهودية، فإنها دينية في المقام الأول.

قال سبينوزا اليهودي وهو من أكبر فلاسفة التأريخ: "لم يكن حب اليهود لوطنهم حبا بسيطا بل كان أشبه شيء بالورع. فهذا الورع - مع ما رافقه من الإحتقار للشعوب الأخرى - كان ينمو يوما فيوما مع ممارسة اليهود لديانتهم حتى أصبح متأصلا في نفوسهم ".

اضطهاد اليهود كان العامل الأساسي لميلاد الصهيونية: إن الفكرة الصهيونية وليدة الكراهية التي مابرحت تظهرها الشعوب الأوربية. و لبيان الإتصال بين النزعتين نستشهد بالتأريخ: ففي سنة 1882

(1)

تسمى نزعة المناوأة لليهود عند الغربين Antisemitism أي معاداة الساميين، في حين أنها موجهة لليهود دون غيرهم من الشعوب السامية.

ص: 176

خطت الفكرة الصهيونية الخطوة الأولى في حيز التنفيذ، وفي سنة 1897 م عقد أول مؤتمر صهيوني وضعت فيه خطط هذا المشروع.

فالسنة الأولى كانت ابتداء الإضطهاد العظيم الذي أصاب اليهود في روسيا، وفي السنة الثانية ابتدأت قضية دريفوس الشهيرة التي تجلى فيها العداء لليهود بأشد صوره. فالحركة الصهيونية إذن هي من قبيل رد الفعل، وغايتها حل المشكلة اليهودية بإيجاد وطن لهم، وليس من شأننا في هذا المقام سرد تأريخ هذه الحركة منذ نشأتها وبيان ما تقلبت فيه من الأدوار، وإنما نكتفي بقولنا إن الدعوة الصهيونية ترجع إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهي كما يزعمون تستند إلى أيات من التوراة فيها إشارة إلى عودة اليهود، إلى وطنهم ودولتهم وهيكلهم "هيكل سليمان" الذي ما برحوا يندبونه منذ تفرقهم.

وقد قوى هذه الدعوة انتشارا النزعات "القومية" في أوربا، وبشر الصهيونيون بإنشاء دولة يهودية يستقر فيها الشعب اليهودي التائه. على أن الروح الدينية ما برحت هي الباعث الأول والدافع الأكبر.

فالصهونية بهذه الإعتبارات وكما وصفها أحد الكتاب، "مذهب ديني في لباس وطني".

التآمر الإمبريالى الصهيوني على الشرق الأوسط: وقد ظل الصهيونيون يعملون بطرق غير رسمية إلى أن كانت الحرب، فاتفقت مصلحة الإنجليز ومصلحة الصهيونيين ونجم عن هذا الإتفاق وعد بلفور المشهور الذي قال عنه السيد الرئيس جمال عبد الناصر من رسالته إلى جون كنيدي رئيس جمهورية الولايات المتحدة الراحل: "لقد أعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحق ثم استطاع الإثنان - من لا يملك

ص: 177

ومن لا يستحق

بالقوة والخديعة أن يسلبا صاحب الحق الشرعي حقه فيما يملكه وفيما يستحقه ". تلك هي الصورة الحقيقية لوعد بلفور الذي قطعته بريطانيا على نفسها وأعطت فيه من أرض لا تملكها عهدا بإقامة وطن يهودي، أما مصلحة الإنجليز فرغبتهم في تأمين قناة السويس بإنشاء دولة خاضعة لإرادتهم. وأما مصلحة الصهيونين فالإتكاء على أمة قوية كإنجلترا لتنفيذ أغراضهم، فلما تحول ميزان القوة إلى أمريكا لم يتوانوا عن السيطرة عليها بما برعوا فيه من وسائل التأثير الدعائي والمالي، حتى أنهم استطاعوا أن يستميلوا كبار الساسة بل سواد الجمهور الغربي الأمريكي، إلى القضية الصهيونية. وهي في اعتقادنا وفي اعتقاد الأحرار من الأوروبيين والأمريكيين قضية لا تحتمل الإمتحان المنزه عن الأغراض، فإن بطلانها واضح ظاهر ياكاد يثب إلى ذهن المتأمل فيها .. إنها باطلة من الوجهة الجنسية ومن الوجهة السياسية ومن الوجهة التأريخية ومن الوجهة الإقتصادية وقد وصفها أحد كبار اليهود وهو المستر مورغنتو الذي كان سفيرا لأمريكا في الآستانة بقوله إنها "أعظم تضليل ظهر في التأريخ اليهودي".

ويقرر السيد الرئيس جمال عبد الناصر وجهة النظر العربية في حديث إلى تلفزيون كولومبيا بقوله: "إننا نعتقد أن حقوق عرب فلسطين لا بد أن تستعاد لأكثر من مليون عربي طردوا من بلادهم وينبغي أن يعودوا ثانية إلى أراضهم .. هذه وجهة نظرنا القائمة على الحق والعدل:

حل المشكلة اليهودية: يقول "أرنولد توينبي" في كتابه "فلسطين جريمة .. دفاع" عن ضرورة التزام الصهيونية بالتقليد اليهودي في الأخذ بالهدوء السياسي: "لقد كان هنالك أمل شبه مؤكد في ضرورة العودة لإحياء شتات بهوذا وإسرائيل الممزقة إلى وطنهم السابق في فلسطين كقاعدة أساسية

في اليهودية الأرثوذكسية. وكانت تلك القاعدة هي التي ألهمت المشتتين

ص: 178

اليهود، وجعلتهم يحتفظون بشخصيتهم المتميزة الخاصة في المجتمع، طوال فترة تنوف على 1762 سنة، هذا إذا حسبنا من إخضاع ثورة "باركوبيه" سنة 135 م حتى ابتداء الحركة الصهيونية سنة 1897 وكان ستون جيلا من اليهود المشردين قد ظهروا وانقرضوا خلال هذه الفترة الطويلة من عصور التأريخ، وظلوا جميعاً يصرون على ترك مقاليد الأمور "ليهوه القدير" نفسه ليقوم بهذا العمل، وظلوا يرون أن ذلك من عمله هو وبمبادرة منه لا من عمل شعبه المختار ولا بمبادرة أبنائه.

"كان هذا ما تأخذ به جميع المدارس اليهودية الأرثوذكسية حيث كانت تعتبر أن مهمة إعادة اليهود إلى فلسطين تقع على عاتق الله، وكان هذا الرأى هو السائد عند جميع اليهود فيما بعد عهد الإمبراطور "هادريان":

الارثوذكس منهم والمتعصبين الدينيين، واللامبالين في الدين، وقد عاش لهذا الرأى "حزب أغودات إسرائيل، وأتباعه في اعتقادهم بأن أية محاولة للقيام بمجهود إنساني بغية محاولة العودة لن تكون أكثر من تجن واغتصاب يتجاوز حدود الدين ولا يقبل به الرب".

والواقع أنه كان في الإمكان امتصاص يهود فلسطين في أوطانهم التي هاجروا منها لو تنازلت الإمبريالية عن مطامعها الإستعمارية. ولو تساهل اليهود في عصبتهم بإقلاعهم عن إعتزالهم، وتكيفهم باطنا وظاهرا بمقتضى المصلحة الوطنية. وما شأنهم في ذلك إلا شأن سائر الأقليات الجنسية والدينية التي يجب أن تشترك في تكوين قوميات لا تعرف دينا ولا جنسا غير حب الوطن.

ومع هذا فهيهات أن يخضع الغرب لهذا الرأى وهم ينساقون لإرادة إلهية حتمية ومن يضلله الله فليس له من هاد. وهكذا تخاصم المسيحيون

ص: 179

وتحاربوا واقتتلوا، وبفضل الدهاء اليهودي تحالفت الشيوعية الشرقية مع الرأسمالية الغربية، وقامت الحرب الثانية وعرض هتلر على الغرب أن يتضامن معه لدفع الخطر الشيوعي فرفض الغرب عرضه. وكانت النتيجة المحتومة استمرار الحرب الثانية ضد المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان)

الذي قام لمحاربة الشيوعية ثم انهزم المحور، واليوم يندم حلفاء الغرب على ما أظهروا من ود وتحالف مع الشيوعية، وهم يحصدون الآن ما زرعوه.

وما دام هذا البله في الساسة المسيحيين مستمرا فسيظل العالم المسيحي مرعى خصيبا، تعمل فيه الصهيونية، وتنفذ مآربها التي ستنتهي لا محالة بانحلال العالم وسيادة اليهود.

ومن غريب المشاهدات التي تحير العقول أن الصهيونية، التي كانت السبب في ثورة روسيا على القياصرة، وانتصار الشيوعية التي ألغت المسيحية في تلك البلاد ونشرت الإلحاد في ربوعها. . هذه الصهيونية هي الآن صديقة الغرب. وفيه من أصحاب الملايين والعلماء الصهيونيين، والفنانين والخبراء العدد الوفير. . وفيه من الوزراء والنواب وذوي النفوذ مالا يحصره عدد. . وفيه الكثير من السكرتيرين في هيئة الأمم المتحدة ولجانها المتعددة، كما كانوا في عصبة الأمم القديمة. كل هذا يوجب الدهشة والحيرة ويشعر بالخطر الجاثم على الغرب.

وأشد من هذا كله وأنكى كثرة الأساتذة اليهود في الجامعات والمدارس في الغرب، واشتراك العلماء اليهود في صناعة القنابل الذرية والهيدروجينية وأسرارها.

وهم الآن على علم بدقائق هذه الصناعة ومراكزها التي كان يجب إخفاؤها على غير المسيحيين، فأسرار هذه الصناعة التي يتوقف عليها مصير

ص: 180

الإنسانية أصبحت في أيديهم وفي أمانتهم. وليقل لنا رجال الغرب المسيحيون: كم من الصهيونيين أفشوا السر؟. . وكم من اليهود ثبتت عليهم تهمة التجسس لمصلحة الأعداء.؟

إن الصحف ووكالات الأنباء تطالعنا من وقت لآخر بأسماء الجواسيس الذين خانوا الغرب والشرق وكشفوا عن أسرار القنابل الذرية والهيدروجينية وأسرار الخطط والإستحكامات العسكرية، فهل بحث المتخاصمون، بين هؤلاء الجواسيس عن عدد اليهود الذين لا يبغون سوى تحطيم العالم كما أسافنا، وليست الوطنية عندهم سوى دينهم وعنصرهم؟!

هل يعتقد رجال السياسة أن اليهودي الأمريكي مواطن أمريكي حقا؟ أو أنه يهودي قبل كل شيء ديناً وعنصراً، ومثل هذا يقال عن اليهودي في بريطانيا وفرنسا وغيرهما. وقد قال رئيس الوكالة اليهودية بيرل لوكر الأمريكي الجنسية

(1)

:

"إن راية إسرائيل هي رايتنا. ومن واجبنا أن نتألم من أجل هذه الراية. . وعلينا أن ننظر إلى هذه الراية الصهيونية التي بدأت تخفق فوق دولة إسرائيل وكأنها تخفق فوق رأس كل منا .. وإن كل آمالنا أن نراها تخفق فوق رأس جميع الشعب اليهودي وذلك بعد أن ننتهي من جمع المشتتين من اليهود ضمن هذه الدولة.

وفي اجتماع وزاري عقد في 15/ 1948/7 قال بن غوريون رئيس حكومة إسرائيل ما يأتى: "إن أجيالنا السالفة لم تتحمل الإضطهاد والآلام لكي ترى ثمرة جهادنا التي تنحصر في جمع 800،000 يهودي فقط ضمن إسرائيل .. إن واجبنا يحتم علينا أن ننقذ جميع اليهود الموجودين في البلدان العربية والأوروبية ".

(1)

ثمن إسرائيل - الفريد ليلينتال.

ص: 181

‌أشهر المراجع

1 -

القرآن الكريم.

2 -

الكتاب المقدس طبعة بيروت 1936.

3 -

السيرة النبوية لابن هشام.

4 -

فلسطين جريمة ودفاع - أرنولد توينبي.

5 -

خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية - عبد الله التل.

6 -

الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام - الدكتور على

عبد الواحد وافي.

7 -

يقظة العالم اليهودي - إيلي ليفي أبوعسل - مصر 1924.

8 -

الماسونية منشئة ملك إسرائيل - محمد علي الزغبي - بيروت 1956.

9 -

The Story of Civilization; Will Durant.

10 -

The Key to the mystery Christian Nationalist - Missori 1938 .

11 -

Freemasonry Arnold leese London 1935 .

12 -

Encyclopaedia Britanica 1911 .

ص: 182

محتويات الكتاب

تقديم ........ 3

الباب الأول - منشأ التلمود ........ 9

الفترة من سنة 135 إلى سنة 565 .... 11

اليهود يعيدون بناء أورشليم ............ 13

الفترة من 135 إلى 361 .............. 14

اليهود ينتشرون في الأرض .............. 16

منشأ التلمود .......................... 19

تحليل شخصية الأحبار ................ 21

كتابة التلمود ......................... 22

التلمود - المشنا - الجمارا - الهلكا - الهجدة ..... 25

الشريعة ................................... 26

الحياة والشريعة ........................... 30

المرأة في التلمود .......................... 33

الباب الثاني - نماذج من التلمود .......... 35

نشأة اللغة العبرية ......................... 39

ترجمة التوراة ............................. 41

السامريون واليهود ....................... 42

الشريعة في أسفار اليهود وقيامها على التفرقة العنصرية وعدم وحدتها

43

القصص في أسفار اليهود ............................ 46

تقرير الإنجيل عن بني إسرائيل ........................ 54

نماذج من التلمود .................................... 56

ص: 183

الباب الثالث - البروتوكول الصهيوني .......... 79

الفصل الأول - الطقوس اليهودية .............. 81

الفصل الثاني - الحكومة اليهودية العالمية ........ 103

1 -

الحركة الصهيونية .......................... 111

مقررات حكماء صهيون ........................ 123

2 -

الجمعيات اليهودية العالمية ................ 133

3 -

عصبة الأمم .............................. 145

4 -

الأمم المتحدة ............................ 150

الفصل الثالث - انتفاضة الأمم واللاسامية ...... 153

أشهر المراجع ................................... 182

طبع بمطابع

دار العهد الجديد للطباعة

كامل مصباح وشركاه - تليفون 902193

ص: 184

الناشر

مكتبة الوعي العربي

لصاحبها: رءَوف نعمان

تليفون 919965

ص: 185