المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(151) ‌ ‌ حديث: (من أذن فهو يقيم) . (ضعيف) … رواه الترمذي (199)، وأبو - إسعاف الأخيار بما اشتهر ولم يصح من الأحاديث والآثار والقصص والأشعار - جـ ٢

[محمد بن عبد الله باموسى]

فهرس الكتاب

(151)

‌ حديث: (من أذن فهو يقيم)

.

(ضعيف)

رواه الترمذي (199)، وأبو داود (514)، وابن ماجه (714)، وأحمد في "المسند"(17545 - 17546)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 560)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 475 - 476) رقم (1833)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(1/ 245)، والطحاوي في "شرح معاني الأثار"(1/ 142) عن زياد ابن الحارث الصدائي رضي الله عنه.

وفي سنده: عبد الرحمن بن زياد الإفريقي ضعيف.

وقد ضعَّف هذ الحديث جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

أبو حاتم في "العلل"(326) قال لابنه: هذا حديث منكر.

(2)

البغوي كما في "المجموع" للإمام النووي (3/ 128 - 129).

(3)

أشار إلى ضعفه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 586 - 587).

(4)

العلامة الألباني في "الضعيفة"(1/ 108) رقم (35)

(1)

.

(5)

الأرنؤوط في "تحقيق المسند"(17537 - 17538).

(1)

وانظر كذلك "ضعيف الجامع"(1377) و"ضعيف سنن أبي داود"(102) و"ضعيف سنن الترمذي"(32) و"ضعيف سنن ابن ماجه"(152) و"المشكاة"(1/ 204) رقم (648) و"الإرواء"(1/ 255) رقم (237).

ص: 5

(6)

مشهور في "أخطاء المصلين"(ص: 203).

التعليق:

قال العلامة الألباني

(1)

رحمه الله: ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه سبب لإثارة النزاع بين المصلين كما وقع ذلك غير مرة، وذلك حين يتأخر المؤذن عن دخول المسجد لعذر، ويريد بعض الحاضرين أن يقيم الصلاة فما يكون من أحدهم إلا أن يعترض عليه محتجاً بهذا الحديث، ولم يدرِ المسكين أنه ضعيف، لا يجوز نسبته إليه صلى الله عليه وسلم فضلاً عن أن يمنع به الناس من المبادرة إلى طاعة الله تعالى، ألا وهي إقامة الصلاة. اهـ.

قلت: ومن آثار هذا الحديث السيئة أيضاً ما حصل في بلادنا اليمنية في بعض القرى، أن رجلاً أذن للصلاة ثم ذهب إلى البيت ليتوضأ وتأخر فحان وقت الصلاة، فأقام رجلٌ آخر وصلى بالناس، فجاء المؤذن وهم في الصلاة فاغتاض من ذلك، فلما قضوا الصلاة صاح المؤذن بالذي أقام فحصل بينهما شجار أدى إلى أن أطلق المؤذن الرصاص على الذي أقام فقتله، فقامت قبيلة المقتول تريد الأخذ بالثأر من القاتل فحصل بينهم قتال عظيم كان ضحيته عشرين قتيلاً وتسعة وأربعين مصاباً

(2)

.

(1)

"الضعيفة"(1/ 110).

(2)

"القصص الميه ما بين مضحكة ومبكيه"(ص: 103).

ص: 6

تنبيه: ولا يعني كون الحديث لا يصح أن يتجرأ شخص على إقامة الصلاة إذا تأخر المؤذن بغير إذن الإمام، بل لا ينبغي للمؤذن أن يقيم الصلاة بغير إذن الإمام، وغير المؤذن أولى بالمنع من ذلك، فعلى المصلين مراعاة ذلك وعليهم أن يعرفوا هذا الحق للإمام، فلا يتدخل أحد في أمر إقامة الصلاة حتى يأذن بها الإمام، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

ص: 7

(152)

‌ حديث: (من أراد أن يلعن نفسه فليكذب)

.

(ليس له أصل بهذا اللفظ)

اشتهر هذا الكلام على ألسِنة كثير من الناس على أنه حديث نبوي شريف أو آية قرآنية، والصحيح أنه من كلام الناس.

وقد سئل عنه شيخنا العلامة ابن عثيمين في "لقاء الباب المفتوح" اللقاء (112) فقال: لا يصح.

وجاء بلفظ: (لعن الله الكذاب ولو كان مازحاً) وهو ليس بحديث، كما ذكر ذلك غير واحد ممن ألف في الأحاديث المشتهرة، منهم:

(1)

السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 394) رقم (863).

(2)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 130).

(3)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 187) رقم (2050).

(4)

العامري في "الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث"(373).

(5)

القاري في "المصنوع"(ص: 145) رقم (239).

(6)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 227) رقم (1144).

(7)

الصالحي في "الشذرة"(2/ 62) رقم (373).

(8)

الصعدي في "النوافح العطرة"(ص: 272) رقم (1510).

ص: 8

التعليق:

قلت: الكذب محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وقد ورد لعن الكاذب في القرآن الكريم، ووردت أحاديث كثيرة في تحريم الكذب، وفي الأدلة الصحيحة الصريحة ما يكفي للدلالة على تحريم الكذب وأنه من كبائر الذنوب، قال تعالى {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} {آل عمران: 61}.

وقال صلى الله عليه وسلم: (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له)

(1)

. وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)

(2)

.

وعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: (دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد بيننا، فقالت: تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أردتِ أن تعطيه؟ قالت: تمراً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنك لو لم تعطه شيئاً كُتبت عليك كذبة)

(3)

.

(1)

رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه وحسنه العلامة الألباني في "صحيح الجامع"(7136).

(2)

رواه أبو داود وغيره عن أبي أمامة رضي الله عنه وحسنه العلامة الألباني في "صحيح الجامع"(1464).

(3)

رواه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة وحسنه الألباني في "الصحيحة"(748) و"صحيح الجامع"(1319).

ص: 9

فينبغي للمؤمن أن يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، ولا يتحرى الكذب حتى لا يكتب عند الله كذاباً، ويعلم أن الصدق منجاة، وأنه من صفات المؤمنين الأخيار، وأن الكذب هلاك ودمار وصفة من صفات المنافقين الأشرار.

ص: 10

(153)

‌ حديث: (من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة رخصها الله له لم يقضِ عنه صيام الدهر كله وإن صامه)

.

(ضعيف)

أخرجه أبو داود (2393) مع العون، والترمذي (726)، وابن ماجه (1672)، وابن خزيمة (3/ 238) رقم (1987)، والبيهقي في "الكبرى" (4/ 228) و"الشعب" (3/ 318) رقم (3653) و (3654) وأحمد (9014) وعبد الرزاق (4/ 198) وأبو داود الطيالسي (ص: 331) رقم (2540) عن أبي هريرة رضي الله عنه وغيره.

وإسناده ضعيف: لجهالة أبي المطوس وأبيه.

واسم أبي المطوس يزيد بن المطوس، وقيل: عبد الله بن المطوس.

وقد ضعَّف هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

البخاري، أشار إلى تضعيفه بقوله: ويُذكر.

(2)

ابن خزيمة.

(3)

المنذري.

(4)

البغوي.

ص: 11

(5)

القرطبي.

(6)

الذهبي.

(7)

الدميري. كما نقل عنهم المناوي في "فيض القدير"(6/ 101).

(8)

ابن حزم في "المحلى"(6/ 183).

(9)

الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(4/ 190 - 191) وذكر له ثلاث علل: الاضطراب، والجهالة، والانقطاع للشك هل سمع يزيد بن المطوس من أبي هريرة رضي الله عنه أم لا؟

(10)

ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(2/ 148).

(11)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 111).

(12)

العلامة الألباني في "الضعيفة"(2/ 283) رقم (181)

(1)

.

قلت: وقد جاء الحديث من طرق أخرى كلها ضعيفة لا تصح.

التعليق:

قلت: نعم الحديث لايصح، لكن لا يعني هذا أن من أفطر عامداً من غير عذر في رمضان أنه لا تلحقه عقوبة من الله سبحانه وتعالى، فقد جاء

(1)

وانظر كذلك "ضعيف الجامع"(5462) و"ضعيف سنن الترمذي"(115) و"ضعيف سنن أبي داود"(517) و"ضعيف سنن ابن ماجه" رقم (368) و"تمام المنة"(ص: 396) و"المشكاة"(1/ 626) رقم (2013) و"الترغيب والترهيب"(605).

ص: 12

الوعيد الشديد الأكيد الرهيب في حق من أفطر قبل غروب الشمس، فكيف بمن لم يصم أصلاً من غير عذر، اللهم سلم سلم، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(بينا أنا قائم أتاني رجلان، فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة قلت: ماهذه الأصوات؟ قالوا هذا عواء أهل النار، ثم انطُلِقَ بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يفطرون قبل تحلة صومهم)

(1)

.

قال الألباني رحمه الله: أي قبل غروب الشمس وليس قبل الأذان كما يظن بعض الجهلة. اهـ.

وقد اختلف العلماء في مسألة من أفطر عامداً من غير عذر في رمضان: فمن أهل العلم من قال بوجوب القضاء عليه مع التوبة، والكفارة، وهي الإطعام عن كل يوم مسكيناً، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة

(2)

وهو الحق إن شاء الله.

(1)

رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وصححه الألباني في "الترغيب والترهيب"(1005).

(2)

"فتاوى اللجنة"(10/ 141 - 142).

ص: 13

(154)

‌ حديث: (من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له)

.

(ضعيف)

رواه الطبراني في "الأوسط"(7516) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(1)

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 63): فيه جماعة لم أعرفهم.

(2)

أشار المنذري في "الترغيب"(2470) لضعفه.

(3)

قال العراقي: فيه ضعف. "الإحياء وبذيله المغني"(2/ 128).

(4)

قال العلامة الألباني في "الضعيفة"(2626): ضعيف

(1)

.

قلت: وجاء الحديث بلفظ: (ما أكل العبد طعاماً أحب إلى الله من كد يده، ومن بات كالاً من عمل يده بات مغفوراً له) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" عن المقدام بن معد كرب رضي الله عنه.

قال الألباني في "الضعيفة"(1794): منكر

(2)

.

التعليق:

قلت: نعم هدا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ديننا الإسلامي الحنيف يدعو للعمل ويحارب البطالة.

(1)

وانظر كذلك "ضعيف الجامع"(5485) و"الترغيب والترهيب"(1044).

(2)

وانظر كذلك "ضعيف الجامع"(5013) و"تخريج مشكلة الفقر"(ص: 26) رقم (30).

ص: 14

وهناك طائفة من الأحاديث الصحيحة تغني عن هذا الحديث الضعيف منها:

قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده) رواه البخاري وأحمد عن المقدام رضي الله عنه.

قال المناوي

(1)

: ووجه الخيرية ما فيه من إيصال النفع إلى الكاسب وغيره، والسلامة عن البطالة المؤدية إلى الفضول وكسر النفس به، والتعفف عن ذل السؤال، وفيه تحريض على الكسب الحلال، وهو متضمن لفوائد كثيرة منها:

إيصال النفع لآخذ الأجرة إن كان العمل لغيره، وإيصال النفع إلى الناس بتهيئة أسبابهم، من نحو زرع وغرس وخياطة وغير ذلك.

ومنها: أن يشتغل الكاسب به فيسلم عن البطالة واللهو.

ومنها: كسر النفس به فيقل طغيانها ومرحها.

ومنها: التعفف عن ذل السؤال والاحتياج الى الغير، وشرط المكتسب أن لا يعتقد الرزق من الكسب، بل من الرزاق ذي القوة، ثم أكد ذلك وحرص عليه وزاد تقريراً بقوله:(وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده) في الدروع من الحديد ويبيعه لقوته، وخص داود لكونه اقتصر في أكله على عمل يده لم يكن لحاجة لأنه كان خليفة في الأرض بل أراد الأفضل،

(1)

"فيض القدير"(5/ 543).

ص: 15

وفيه أن الكسب لا ينافي التوكل وأن ذكر الشيء بدليله أوقع في النفس وجواز الإجارة، إذْ عَمَل اليد أعم من كونه لغيره أو نفسه. اهـ

وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره يكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه) متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم، قالوا: وأنت يارسول الله قال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئاً مريئاً)

(1)

.

(1)

صححه الألباني في "تخريج مشكلة الفقر"(ص: 33) رقم (50).

ص: 16

(155)

‌ حديث: (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم)

.

(لا أصل له)

اشتهر هذا الكلام على ألسِنة كثير من الناس، على أنه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه لا أصل له، كما قال ذلك أئمة العصر:

(1)

قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في "الفتاوى والرسائل"(13/ 96): لا أعرفه، والذي يظهر والله أعلم أن هذا ليس من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يأتي بمثل هذه الصيغة.

(2)

قال العلامة الألباني رحمه الله في "الصحيحة"(1/ 366) تحت حديث رقم (157): وهذا الحديث في معنى الحديث المتداول على الألسنة (من تعلم لسان قوم أمن مكرهم) ولكن لا أعلم له أصلاً بهذا اللفظ، ولا ذكره أحد ممن ألَّف في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، فكأنه إنما اشتهر في الأزمنة المتأخرة.

(3)

قال شيخنا عبد المحسن العباد -حفظه الله- في "شرح سنن أبي داود": ما نعلم أنه ثبت بهذا حديث.

(4)

قال شيخنا الوادعي رحمه الله في "المقترح"(ص: 11، 121): (من تعلم لغة قومٍ أمن مكرهم) هذا الحديث بحث عنه الباحثون فلم يجدوا له أصلاً.

ص: 17

(5)

قالت اللجنة الدائمة (4/ 434 - 436) فتوى رقم (585): حديث (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم) لم نجده فيما اطلعنا عليه من كتب أهل الحديث، ولعله قول بعض السلف.

(6)

قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في اللقاء الشهري (3): (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم) فهذا الحديث موضوع مكذوب، ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال في لقاءات الباب المفتوح لقاء (194): لا يصح لا سنداً ولا معنىً.

التعليق:

قلت: ويُغني عن هذا الحديث ما جاء عن خارجة بن زيد قال: قال زيد بن ثابت: (أمرني رسول الله فتعلمت له كتاب يهود، وقال: إني والله ما آمن يهود على كتابي، فتعلمته فلم يمر بي إلا نصف شهر حتى حذقته فكنت أكتب له إذا كتب وأقرأ له إذا كُتِبَ إليه)

(1)

.

وجاء بلفظ: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لزيد بن ثابت - أتحسن السريانية؟ فقلت: لا. قال: فتعلمها فإنه يأتينا كتب، فتعلمتها في سبعة عشر يوماً)

(2)

.

(1)

أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم وصححه العلامة الألباني في "الصحيحة" رقم (187).

(2)

صححه شيخنا الوادعي في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين"(1/ 156) رقم (160).

ص: 18

مسألة: هل هذا الحديث معناه صحيح، (أن من تعلم لغة قومٍ أمن مكرهم)؟

الجواب: اختلف أهل العلم المعاصرين في صحة معنى هذا الحديث على قولين:

القول الأول: قالوا بصحة معنى هذا الحديث:

قال شيخنا الوادعي رحمه الله في "المقترح": وإن كان معناه صحيحاً لكن لا يجوز لنا أن نضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ماثبت عنه صلى الله عليه وسلم.

وقالت اللجنة الدائمة: ومعناه صحيح، فإن من تعلم لغة قومٍ فجالسهم علم ما يتحدثون فيه فأمن مكرهم به.

القول الثاني: قالوا بعدم صحة معنى هذا الحديث:

قال شيخنا عبد المحسن العباد -حفظه الله- في شرح سنن أبي داود:

مجرد تعلم لغة القوم لا يؤمن من مكرهم، بل يمكن أن يمكروا به وهو يعرف لغتهم ويجيدها.

وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في "اللقاء الشهري":

حتى بالمعنى لا يصح، هل أنت إذا تعلمت لغة قوم أمنت مكرهم؟ لا. ولهذا نحن الآن عرب هل نأمن مكر العرب بنا؟ لا نأمن، مع إننا من أهل لغتهم.

ص: 19

وقال في "الباب المفتوح":

حتى المعنى، ألسنا نعرف اللغة العربية؟ بلى نعرفها، هل نحن نأمن العرب؟ الجواب: لا. ألا يمكن يكون معك صاحب يظهر لك الصداقة ويخونك؟ الحديث هذا لا يصح لا معنىً ولا سنداً.

فائدة: في تعلم اللغة الإنجليزية.

قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: تعلم اللغة الأجنبية (رطانة الأعاجم) فيها الكراهية، إلا إذا دعت الحاجة كمزيد لإبلاغ الدين.

س: مراد البخاري بترجمة: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} ؟

ج: مراده الجواز، والمراد جنس الرطانة لا كل صورة، ومراده الرد على من قال بكراهة التكلم بالكلمة والكلمتين من كلام الفرس.

س: (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم)؟

ج: إن أمن مكرهم ما أمن شرهم، فإذا خالطهم هذا يرى منه كذا وكذا، بل ربما جر ذلك إلى الردة كما وقع لأقوام.

عبد المحسن بن باز صاحب أمثال يقول: إن رجلاً رأى غراباً وحمامة يمشيان جميعاً فتعجب أين الغراب من الحمامة؟ قال فتفكرت فإذا قد جمعت بينهما العرجة، فكذلك الذين يجمعهم كذا. كما يقال: المشابهة علة الضم. هذا وجد في البهائم فكيف بالأوادم. ولذلك تجد كل إنسان يصبو إلى من بينه وبينه رابطة، فتجد أهل الدخان بضعهم مع بعض،

ص: 20

فكذلك الزي، واللغة، وكذا، وكذا، لو كان اثنان أحدهما يعرف اللسان العجمي والآخر لا يعرفه فإذا لقيا أعجمياً فأحدهما سيضاحكه ويكالمه، وإن كان يبغض الكفرة بخلاف من لا يعرف اللسان العجمي، والشريعة المطهرة هي في البعد عن الكفرة والكافرين، كأصلها في الحنيفية. اهـ.

قالت اللجنة الدائمة: وأما ما يقتضيه (الحديث) من الترغيب في تعلم اللغات الأجنبية فإنه مشروع عند الحاجة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم لسان اليهود ليكون واسطة مأمونة موثوقة بين اليهود في نقل كلامه إليهم وكلامهم إليه. اهـ.

سئل شيخنا ابن عثيمين

(1)

: عن حكم تعلم اللغة الإنجليزية؟

قال رحمه الله: تعلمها وسيلة، فإذا كنت محتاجاً إليها كوسيلة في الدعوة إلى الله، فقد يكون تعلمها واجباً، وإن لم تكن محتاجاً إليها فلا تشغل وقتك بها، واشتغل بما هو أهم وأنفع، والناس يختلفون في حاجتهم إلى تعلم اللغة الإنجليزية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود، فتعلم اللغة الإنجليزية وسيلة من الوسائل إن احتجت إليها تعلمتها وإن لم تحتج إليها فلا تضيع وقتك فيها. اهـ.

(1)

كتاب "العلم"(ص: 124) و (ص: 140).

ص: 21

وأذكر هنا قصة لطيفة بهذه المناسبة حصلت لشيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين ذكرها في كتاب "العلم".

قال رحمه الله: وأذكر لكم قصة حدثت في مسجد المطار بجدة مع رجال التوعية الإسلامية، نتحدث بعد صلاة الفجر عن مذهب التيجاني، وأنه مذهب باطل وكفر بالإسلام، وجعلت أتكلم بما أعلم عنه، فجاءني رجل فقال: أريد أن تأذن لي أن أترجم بلغة الهوسا، فقلت: لا مانع فترجم، فدخل رجل مسرع فقال: هذا الرجل يترجم عنك يمدح التيجانية فدهشت، وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فلو كنت أعلم مثل هذه اللغة ما كنت أحتاج إلى مثل هؤلاء الذين يخدعون فالحاصل أن معرفة لغة من تخاطب لا شك أنها مهمة في إيصال المعلومات قال الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} {إبراهيم: 4}.

وقال رحمه الله

(1)

: أما تعلم اللغة غير العربية فهذا ليس حراماً، بل قد يكون واجباً إذا توقفت دعوة غير العربي على تعلم لغته، بمعنى أننا لا يمكن أن ندعوه للإسلام إلا إذا عرفنا لغته لنخاطبه بها صار تعلم لغته فرض كفاية؛ لأنه لا بد أن نبلغ هؤلاء الأعاجم -وأعني بالأعاجم ما ليسوا بعرب- دين الله وبأي وسيلة؟ بلغتهم كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} {إبراهيم: 4} فأحياناً يكون تعلم

(1)

اللقاء الشهري الجزء الثالث.

ص: 22

اللغة الأجنبية واجباً إذا توقفت دعوة أهل هذه اللغة على تعلم لغتهم. لكن الذي أنكره وأرى أننا على خطر منه أن نعلم أبناءنا الصغار ذوي الخمس سنين وأربع سنين وما أشبه ذلك اللغة الإنجليزية حتى تكون لسانهم الطيع في المستقبل، هذا هو الذي أنكره، وإلا إذا دعت الحاجة إلى تعلم اللغة الإنجليزية لدعوة الناس إلى الإسلام صارت فرض كفاية، وإن دعت الحاجة لأمور دنيوية مباحة صار تعلمها مباحاً.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود، ولغة اليهود عبرية، وكانت تأتي رسائل من اليهود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم يبعث إليهم بالرسائل، فاحتاج إلى تعلم لغتهم حتى يقرأ ما يرد منهم ويكتب لهم ما يصدر إليهم.

قال شيخ الإسلام: إن زيد بن ثابت تعلمها في ستة عشر يوماً، يقول شيخ الإسلام: تعلمها في هذه المدة الوجيزة؛ لأن اللغة العبرية قريبة من اللغة العربية، وهذا صحيح، ثم إن العرب فيما سبق كانوا أحسن منا وأصح أفهاماً وأقوى حفظاً، يأتي الشاعر يلقي قصيدة تبلغ مائة بيت ثم ينصرف ويحفظها الناس، نحن الآن لو ألقي بيت واحد على طلبة جاءوا للتعلم مرة واحدة، كم يحفظه منهم؟ يمكن واحد أو لا أحد.

على كل حال أقول: إن الذي أنكره وأرى أننا على خطر منه هو أن نعلِّم أبناءنا الصغار اللغة الإنجليزية، لأنها ستكون لساناً لهم، ويخشى

ص: 23

عليهم أيضاً من تعلم اللغة الإنجليزية هل يقف هذا التعلم على مجرد النطق؟ لا. أبداً، سوف يأخذ الكتب المؤلفة باللغة الإنجليزية ويقرأ الأدب الإنجليزي أو أدب غيرهم ممن وافقهم في اللغة ويحصل شر كثير، فليس مجرد أن اللسان يتغير، لا. الإنسان يريد أن يطالع الكتب التي من هذه اللغة حتى يتمرن على القراءة في هذه اللغة، وحتى يتمرس اللسان على النطق بها، وما ندري ما وراء هذه الكتب، ويذكرون عن الكتب التي تكتب من أجل تعليم اللغة الإنجليزية أشياء سيئة. اهـ.

ص: 24

(156)

‌ حديث: (من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد)

.

(ضعيف)

رواه ابن عدي في "الكامل"(3/ 174) رقم (460) وابن بشران في "الأمالي" رقم (501، 700) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وفي سنده: الحسن بن قتيبة الخزاعي.

قال الدارقطني: متروك.

وقال أبو حاتم: ضعيف.

وقال الأزدي: واهي الحديث.

وقال العقيلي: كثير الوهم.

"الميزان"(1/ 518 - 519).

والحديث ضعَّفه العلامة الألباني رحمه الله في "الضعيفة"(1/ 497) رقم (327) و"المشكاة"(176) و"الترغيب والترهيب"(30).

وقد جاء الحديث بلفظ: (من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر شهيد) أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(8/ 200). وهو ضعيف أيضاً: فيه محمد بن صالح العذري وهو مجهول. "الضعيفة"(327).

ص: 25

التعليق:

قلت: هذا الحديث ضعيف كما تبين لك، ويغني عنه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيها أجر خمسين شهيداً منكم)

(1)

.

وعن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} {المائدة: 105} قال: أما والله لقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك -يعني بنفسك- ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيها مثل قبض الجمر، للعامل منهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله)

(2)

.

وقد يقول قائل: كيف يكون أجر اللاحق أضعاف أجر السابق؟

قلت: دونك هذه الفائدة التي نقلها المقري

(3)

في ترجمة أبي بكر بن العربي-رحمه الله قال: تذاكرت بالمسجد الأقصى مع شيخنا أبي بكر الفهري الطرطوشي في حديث أبي ثعلبة المرفوع: (إن من ورائكم أيام

(1)

رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه وصححه الألباني في "الصحيحة"(494) و"صحيح الجامع"(2234).

(2)

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وأبي نعيم والبغوي في "شرح السنة" والطحاوي في "مشكل الآثار" وغيرهم وهو صحيح بشواهده.

(3)

"نفح الطيب"(2/ 37 - 39).

ص: 26

الصبر للعامل فيها أجر خمسين منكم) فقالوا: بل منهم فقال: (بل منكم لأنكم تجدون على الخير أعواناً وهم لايجدون).

وتفاوضنا: كيف يكون أجر من يأتي من الأمة أضعاف أجر الصحابة مع أنهم قد أسسوا الإسلام، وعضدوا الدين، وأقاموا المنار، وافتتحوا الأمصار، وحموا البيضة، ومهدوا الملة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح:(لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) فتراجعنا القول، وتحصل ما أوضحناه في شرح الصحيح وخلاصته: أن الصحابة كانت لهم أعمال لا يلحقهم فيها أحد ولا يدانيهم فيها بشر، وأعمال سواها من فروع الدين يساويهم فيها من أخلص إخلاصهم، وخلصها من شوائب البدع والرياء بعدهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم هو ابتداء الإسلام، وهو أيضاً انتهاؤه، وقد كان قليلاً في ابتداء الإسلام، صعب المرام، لغلبة الكفار على الحق، وفي آخر الزمان أيضاً يعود كذلك لوعد الصادق صلى الله عليه وسلم بفساد الزمان، وظهور الفتن، وغلبة الباطل، واستيلاء التبديل والتغيير على الحق من الخلق، وركوب من يأتي سنن من مضى من أهل الكتاب كما قال صلى الله عليه وسلم:(لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه)

(1)

.

(1)

رواه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(5067).

ص: 27

وقال صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ) رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، فلا بد والله تعالى أعلم بحكم هذا الوعد الصادق، أن يرجع الإسلام إلى واحد كما بدأ من واحد، ويضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى إذا قام به قائم مع احتوائه بالمخاوف، وباع نفسه من الله تعالى في الدعاء إليه، كان له من الأجر أضعاف ما كان متمكناً منه، معاناً عليه بكثرة الدعاة إلى الله تعالى، وذلك قوله:(لأنكم تجدون على الخير أعواناً وهم لا يجدون).

حتى ينقطع ذلك انقطاعاً باتاً لضعف اليقين وقلة الدين كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله) أخرجه مسلم عن أنس رضي الله عنه، يروى برفع الهاء ونصبها، فالرفع على معنى لا يبقى يُذكر الله عز وجل، والنصب على معنى لا يبقى آمر بالمعروف ولا ناهٍ عن منكر يقول: أخاف الله، وحينئذٍ يتمنى العاقل الموت كما قال صلى الله عليه وسلم:(لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: ياليتني كنت مكانه) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه. اهـ.

(1)

.

قلت: ونحن في زمان قد غيرت الأمة وبدلت في كل جانب من جوانب الدين، إلا من رحم ربك جل وعلا، بدلت في جانب العقيدة، وفي جانب العبادة وفي جانب التشريع، وحكمت في الأعراض والأموال والفروج القوانين الوضعية، والمناهج الأرضية، التي هي من صنع المهازيل من البشر، من الملحدين،

(1)

"القابضون على الجمر"(ص: 32 - 34) سليم الهلالي.

ص: 28

والشيوعيين، والديمقراطيين، والعلمانيين، والساقطين، بل والتافهين، ممن قال عنهم المصطفى في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد وغيره:(يأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) ووالله لقد تكلم التافهون لا في أمر العوام بل في أمر دين الله جل وعلا وشريعة النبي عليه الصلاة والسلام.

ولله در ابن القيم

(1)

رحمه الله حين قال: لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا الى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه هذه الأمور وغلبت عليهم، حتى ربي فيها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم يروها منكراً. فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مكان السنن، والنفس مقام العقل، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل. فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور، وأهلها هم المشار إليهم، وكانت قبل ذلك لأضدادها، وكان أهلها هم المشار إليهم، فإذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت، وراياته قد نصبت، وجيوشها قد ركبت، فبطن الأرض والله خير

(1)

"الفوائد"(ص: 88).

ص: 29

من ظهرها، وقُلل الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس. اقشعرّت الأرض وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات، وقلّت الخيرات، وهزلت الوحوش، وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، بكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح. وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد أدلهم ظلامه. فاعزلوا عن الطريق هذا السيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح. وكأنكم بالباب وقد أغلق، وبالرهن وقد غلق وبالجناح وقد علق {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)} {الشعراء: 227}.

ص: 30

(157)

‌ حديث: (من تهاون بالصلاة عاقبه الله بخمسة عشرعقوبة

).

(موضوع)

وتمام الحديث: (من تهاون بالصلاة عاقبه الله بخمسة عشر عقوبة، منها: ست في الدنيا، وثلاث عند الموت، وثلاث عند القبر، وثلاث عند خروجه من القبر، أما الستة التي تصيبه في الدنيا فهي:

(1)

ينزع الله البركة من عمره.

(2)

يمسح الله سيما الصالحين من وجهه.

(3)

كل عمل لا يؤجر عليه من الله.

(4)

لا يرفع له دعاء إلى السماء.

(5)

تمقته الخلائق في الدنيا.

(6)

ليس له حظ في دعاء الصالحين.

أما الثلاث التي تصيبه عند الموت:

(1)

أنه يموت ذليلاً.

(2)

أنه يموت خائفاً.

(3)

أنه يموت عطشاناً ولوسقي مياه بحار الدنيا ما روي من عطشه.

ص: 31

أما الثلاث التي تصيبه في قبره:

(1)

يضيق عليه قبره حتى تختلف ضلوعه.

(2)

يوقد الله عليه ناراً في جمرها.

(3)

يسلط الله عليه ثعباناً يسمى الشجاع الأقرع، يضربه على ترك صلاة الصبح من الصبح إلى الظهر، وعلى تضيع صلاة الظهر إلى العصر، وهكذا كلما ضربه يغوص في الأرض سبعين ذراعاً.

أما التي تصيبه يوم القيامة:

(1)

يسلط الله عليه من يسحبه إلى جهنم على جمر بوجهه.

(2)

ينظر الله إليه بعين الغضب وقت الحساب فيقع لحم وجهه.

(3)

يحاسبه الله تعالى حساباً شديداً ما عليه من مؤيد ويأخذ به إلى النار وبئس القرار.

قلت: وقد حكم أهل العلم على هذا الحديث بالبطلان:

(1)

الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(5/ 294) رقم (7853) قال: هو من تركيب محمد بن على بن العباس البغدادي العطار، زعم أن أبا بكر بن زياد النيسابوري أخذه عن الربيع عن الشافعي عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة

ص: 32

-رضي الله عنه رفعه: (من تهاون بصلاته

) وهو ظاهر البطلان من أحاديث الطريقة.

(2)

الذهبي في "الميزان"(3/ 653) رقم (7969).

(3)

السيوطي.

(4)

العراقي، في تصانيفهما في الموضوعات. "الخطب المنبرية" للسدحان (3/ 127).

(5)

ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(2/ 113 - 114) رقم (94).

(6)

العلامة ابن باز في "التحفة الكريمة في بيان بعض الأحاديث الضعيفة والسقيمة"(14) قال: عقوبة تارك الصلاة

من الأحاديث الباطلة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما بين ذلك الحفاظ من العلماء رحمهم الله كالحافظ الذهبي والحافظ ابن حجر وغيرهما. ثم قال رحمه الله: فكيف يرضى مؤمن لنفسه بترويج حديث موضوع، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبين) خرجه مسلم في صحيحه. وقال في "الفتاوى"(1/ 97) و (4/ 147): هذا الحديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم لا أساس له من الصّحة، كما بيّن ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله في "الميزان" والحافظ ابن حجر في "لسان الميزان". ويقوم كثير من النّاس في كثير من البلدان بطبع هذا الحديث وتوزيعه على

ص: 33

النّاس، بغية بيان جرم تارك الصّلاة! وقال: ينبغي لمن وجد هذه الورقة التي عليها الحديث المشار إليه أن يحرقها، وينّبه مَنْ وجده يوزعها دفاعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحماية لسنته صلى الله عليه وسلم من كذب الكذَّابين. وفيما ورد في القرآن العظيم والسنّة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيم شأن الصّلاة، والتحذير عن التّهاون بها ووعيد مَنْ فعل ذلك ما يشفي ويكفي. ويغني عن كذب الكذّابين.

(7)

اللجنة الدائمة (4/ 468 - 470) رقم الفتوى (8689) حكمت على هذا الحديث بالبطلان.

(8)

العلامة ابن عثيمين في "مجموع فتاواه"(12/ 75 - 76) قال: هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل لأحد نشره إلا مقروناً ببيان أنه موضوع حتى يكون الناس على بصيرة منه.

(9)

مشهور في "أخطاء المصلين"(ص: 447) قال: حديث باطل.

التعليق:

قلت: وقد جاء في الكتاب والسنة في شأن عقوبة تارك الصلاة ما يكفي ويشفي عن هذا الحديث الباطل.

ص: 34

قال الله تعالى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} {مريم: 59} .

وقال تعالى عن أهل النار {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)} {المدَّثر: 42 - 43} .

فذكر سبحانه من جرائمهم التي دخلوا بها النار ترك الصلاة، وقال تعالى في التحذير من ترك الصلاة {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} {الماعون: 4 - 5}.

وأما الأحاديث فقوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)

(1)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم. إلى غير ذلك مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهناك أحكام تترتب على تارك الصلاة ذكرها شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله

(2)

: وإليك هذه الأحكام المخيفة والمرعبة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد:

(1)

أخرجه الأربعة وأحمد عن بريدة رضي الله عنه وصححه العلامة الألباني في "صحيح الجامع"(5143).

(2)

في رسالته "من أحكام الصلاة"(ص: 52 - 57).

ص: 35

(1)

أنه يكون من المرتدين عن الإسلام، فيدعى إلى الإسلام فإن عاد وإلا وجب قتله لقوله صلى الله عليه وسلم:(من بدل دينه فاقتلوه).

(2)

أنه لا يصح أن يزوج بمسلمة لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} {الممتحنة: 10} .

(3)

أنه إذا ترك الصلاة بعد أن تزوج وهو يصلي فإن النكاح ينفسخ، وتكون المرأة حراماً عليه، ويكون منها بمنزلة الأجنبي مالم يعد إلى الإسلام ويصلي، وهذا يعبر عنه الفقهاء في باب نكاح الكفار بما إذا ارتد الزوجان أو أحدهما، فإنه إذا ارتد أحد الزوجين انفسخ نكاحه، ولا يحتاج إلى طلاق ولا يعاد العقد إذا تاب وصلى بخلاف الذي عقد له وهو لا يصلي، فإن العقد من أصله غير صحيح، وإذا صلى يعاد العقد.

(4)

أنه إذا مات لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه ويحرم أن يدعو له أحد بأن يرحمه الله، ويخرج به إلى مكان من الأرض، ويحفر له حفرة ويرمى فيها لئلا يتأذى الناس برائحته أو أهله بمشاهدته، لأنه لاحرمة له قال {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ

ص: 36

فَاسِقُونَ (84)} {التوبة: 84} . والعلة بترك الصلاة عليه هي الكفر ولا ندعو له بالرحمة لأنه من باب الاعتداء في الدعاء وقد قال تعالى {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} {الأعراف: 55} وكان الدعاء له بالرحمة من باب الاعتداء في الدعاء لأنه ليس أهلاً للرحمة، فأنت قد سألت الله تعالى مالا يكون وقد قال تعالى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} {التوبة: 113}.

(5)

أن ذبيحته لا تحل، أي لو ذبح الذي لا يصلي حرام علينا أن نأكل ذبيحته ولو ذبح يهودي أو نصراني حل لنا أن نأكل ذبيحته وذلك لأنه لا تباح الذبيحة إلا إذا كان الذابح أهلاً للذكاة، والأهل للذكاة ثلاثة: المسلم، واليهودي والنصراني، فهؤلاء الثلاثة تحل ذبيحتهم ومن عداهم من المشركين والملحدين والمرتدين لا تحل ذبيحتهم.

(6)

أنه لو مات أحد من أقاربه فلا يرثه -أي الذي لا يصلي- فلومات رجل عن ابن له لا يصلي، وعن ابن عم له بعيد لكنه يصلي وترك هذا الميت مثلاً ألف مليون وكان الذي بعده من

ص: 37

أقاربه ابناً لا يصلي، وابن عم مسلم يصلي فالذي يرث هو ابن العم أما الابن فهو لايرث، وكذلك لو كان الابن الذي مات مات عن أب لا يصلي، وعن عم يصلي، فالذي يرثه هو عمه وليس أبوه ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) بل هناك دليل من القرآن يشير إلى هذا قال نوح عليه السلام داعياً ربه {رَبِّ إِنَّ

ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)} {هود: 45} قال الله له {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} {هود: 46} .

(7)

أنه لا يكون ولياً على أحد من بناته، فلا يملك أن يزوج ابنته فلو أن رجلاً له بنات وهو لا يصلي، فخطبهن أحد من الناس، فإنه لا يعقد النكاح لهن، لأنه لا ولاية لكافر على مسلم، وإنما يزوجهن أقرب الأولياء بعده، وعلى سبيل المثال لو أن امرأة لها أب لا يصلي، وعم يصلي، وخطبت هذه المرأة، فإن عمها هو الذي يزوجها، لأنه لا ولاية لهذا الذي لا يصلي عليها.

(8)

أنه لا حضانة له على أحد من أولاده، فلو كان هذا الرجل لا يصلي وله أولاد، وانفسخ نكاحه من زوجته فالذي يحضن هؤلاء الأولاد هي الأم وليس الأب، لأنه لا حضانة لكافر على مسلم. وهناك أحكام أخرى لكنها أقل شأناً مما ذكرنا،

ص: 38

مثل وجوب هجره، وألا يسلم عليه لأنه كافر، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هجر كعب بن مالك وصاحبيه لتخلفهم عن غزوة تبوك وهذا العمل لا يؤدي إلى الكفر فكيف بمن كان كافراً؟

ثانياً: الأحكام الأخروية:

أما أحكامه الأخروية: فإنه يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وأُبي ابن خلف، كما جاء بذلك الحديث

(1)

عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا حشر مع هؤلاء الذين هم رؤوس الكفرة فإن مقره نار جهنم خالداً مخلداً فيها والعياذ بالله، فيا إخواني الأمر شديد وعظيم وشأن الصلاة كبير جداً. اهـ.

(1)

رواه أحمد والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وحسنه الألباني في "الثمر المستطاب"(1/ 53) وشعيب الأرنوؤط في تحقيق "مسند أحمد) (6576).

ص: 39

(158)

‌ حديث: (من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي)

.

(موضوع)

أخرجه الطبراني في "الكبير"(13497) و"الأوسط"(3400)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 272)، والدارقطني في "سننه"(2/ 278)، والبيهقي في "الكبرى"(5/ 403) رقم (10274) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً به.

والحديث فيه علتان:

(1)

ضعف ليث بن أبي سليم فإنه قد اختلط جداً ولم يتميز حديثة فترك. "التقريب"(5721).

(2)

حفص بن سليمان وهو القارئ، ويُقال له: الغاضري.

قال ابن معين: كان كذَّاباً، كما قال ابن عدي في "الكامل"(3/ 268 - 275).

وقال ابن خراش: كذَّاب يضع الحديث. "تهذيب التهذيب"(1478).

وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب"(1414): متروك الحديث.

وقد تفرد بهذا الحديث كما قال الطبراني وابن عدي والبيهقي.

قلت: وقد حكم على هذا الحديث بالوضع جمع من العلماء، منهم:

ص: 40

(1)

شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(27/ 217 - 218) و"الأحاديث الضعيفة والباطلة" رقم (95).

(2)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 268) رقم (1386).

(3)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 110).

(4)

الألباني في "الضعيفة"(47) و"الإرواء"(1128) و"ضعيف الجامع"(5553).

(5)

اللجنة الدائمة (4/ 454 - 455).

وقد جاءت أحاديث أخرى بهذا المعنى لا يصح منها شيء، من ذلك:

(1)

(من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني).

(2)

(من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً شهيداً يوم القيامة).

(3)

(من زار قبري فقد وجبت له شفاعتي).

(4)

(من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة).

انظر "الموضوعات" لابن الجوزي (2/ 597) رقم (1168) و"فتاوى اللجنة الدائمة"(4/ 454 - 455).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله في "قاعدة جليلة"(ص: 133) رقم (406): وأحاديث زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلها ضعيفة لا يعتمد على شيء منها في الدين.

ص: 41

وقال شيخنا الوادعي رحمه الله في "إجابة السائل"(ص: 146): الأحاديث في شأن الزيارة لا يثبت منها حديث واحد.

التعليق:

قلت: قال شيخ الإسلام

(1)

رحمه الله بعد ذكر هذا الحديث: فإن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين، فإن من زاره صلى الله عليه وسلم في حياته وكان مؤمناً به كان من أصحابه لا سيما إن كان من المهاجرين إليه المجاهدين معه، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً مابلغ مد أحدهم ولا نصيفه) أخرجاه في الصحيحين، والواحد من بعد الصحابة لا يكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها كالحج والجهاد والصلوات الخمس والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين -يعني زيارة قبره صلى الله عليه وسلم بل ولا شرع السفر إليه بل هو منهي عنه، وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه فهو مستحب. اهـ.

وقال العلامة الألباني رحمه الله: يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ومن نحى نحوه من السلفيين يمنع من زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كذب وافتراء، وليست أول فرية على ابن تيمية رحمه الله، وكل من له اطلاع على كتب شيخ الإسلام يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم واستحبابها إذا لم يقترن بها شيء من المخالفات والبدع، مثل شد الرحال والسفر إليها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)،

(1)

"التوسل والوسيلة"(ص: 134 - 135).

ص: 42

والمستثنى منه في هذا الحديث ليس هو المساجد فقط كما يظن كثيرون بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه سواء كان مسجداً أو غير ذلك، بدليل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال في حديث له:(فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد) أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح.

فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه، ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لزيارة قبر ما، فَهُمْ سَلَف ابن تيمية في هذه المسألة، فمن طعن فيه فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم ورحم من قال:

وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف

(1)

تنبيه: الأماكن التي يشرع أن تزار في المدينة النبوية التي دل عليها الدليل خمسة لا سادس لها.

أولاً: المسجد النبوي:

قال صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) متفق عليه.

(1)

"الضعيفة"(1/ 123 - 124).

ص: 43

ثانياً: قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبرا صاحبيه أبي بكر و عمر:

يشرع لمن زار المسجد النبوي أن يذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه أبي بكر و عمر ويسلم عليهم فيقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر.

ثم ينصرف ولا يقف، كما كان يفعله ابن عمر رضي الله عنهما.

ثالثاً: مقبرة البقيع:

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا زار البقيع يقول: (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) رواه مسلم.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية) أخرجه مسلم.

رابعاً: مسجد قباء:

لما في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور مسجد قباء راكباً وماشياً ويصلي فيه ركعتين).

وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة.

ص: 44

خامساً: شهداء أحد:

لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورهم ويدعو لهم، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع إلى المنبر فقال:(إني بين أيديكم فرط، وإني عليكم لشهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها) رواه البخاري.

قلت: هذه هي المواضع التي تزار في المدينة المنورة، أما المساجد السبعة ومسجد القبلتين، وغيرها من المواضع التي يذكر بعض المؤلفين في المناسك زيارتها فلا أصل لذلك ولا دليل عليه، والمشروع للمؤمن دائماً هو الاتباع دون الابتداع.

ص: 45

(159)

‌ حديث: (من حفر حفرة لأخيه وقع فيها)

.

(لا أصل له)

هذا الكلام اشتهر على ألسِنة كثير من الناس، وبعضهم يظنه حديثاً نبوياً وليس كذلك، فلا أصل له في كتب السنة، وإنما هو مثل وحكمة كما قال ذلك الحافظ ابن حجر وتلميذه الحافظ السخاوي.

وقد جاء بألفاظ أخرى كلها لا أصل لها:

(1)

(من حفر لأخيه قليباً أوقعه الله فيه قريباً).

(2)

(من حفر جباً أوقعه الله فيه منكباً).

(3)

(من حفر لأخيه حفيراً أوقعه الله فيه قريباً).

(4)

(من حفر بئراً لأخيه أوقعه الله فيه).

وانظر:

(1)

"المقاصد الحسنة"(ص: 480) رقم (1114).

(2)

"التمييز"(ص: 166).

(3)

"كشف الخفاء"(2/ 321) رقم (2464).

(4)

"تذكرة الموضوعات"(ص: 204).

(5)

"المصنوع"(ص: 182) رقم (331).

(6)

"الجد الحثيث"(ص: 228) رقم (507).

ص: 46

(7)

" أسنى المطالب"(ص: 268) رقم (1388).

(8)

"الشذرة"(2/ 166) رقم (951).

(9)

"النوافح العطرة"(ص: 375) رقم (2130).

(10)

"تحذير المسلمين"(ص: 169) رقم (626).

التعليق

قال بعض السلف: ثلاث من كُنْ فيه كُنْ عليه:

البغي: قال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} {يونس: 23} .

النكث: قال تعالى {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} {الفتح: 10} .

المكر: قال تعالى {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} {فاطر: 43} .

وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المكر والخديعة والخيانة في النار)

(1)

.

قلت: وكم أوقعت هذه الأمور الفواقر أصحابها في المهالك والمخاطر، وضاقت عليه من موارد الهلكات فسيحات المصادر، وطوقته طوق خزي، فهو على فكها غير قادر، وأوقعته في خسف وورطة حتف، فما له من قوة ولا ناصر.

(1)

رواه أبو نعيم وابن عدي والعقيلي عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبو داود في "المراسيل"عن الحسن مرسلاً، وصححه العلامة الألباني رحمه الله بشواهده كما في"الصحيحة"(1057) و"صحيح الجامع"(6726)

ص: 47

وقد أحسن من قال:

قضى الله أن البغي يَصرع أهله

وأن على الباغي تدور الدوائر

ومن يحتفر بئراً ليوقع غيره

سيوقع في البئر الذي هو حافر

وقال آخر:

ولا تَحفِرنْ بئراً تريد بها أخا فإنك فيها أنت من دونه تقع

كذاك الذي يبغي على الناس ظالما تُصيبه على رغمٍ عواقبُ ما صنع

(1)

(1)

"كشف الخفاء"(2/ 322).

ص: 48

(160)

‌ حديث: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً في أمر دينها بعثه الله فقيهاً وكنت له يوم القيامة شافعاً وشهيداً)

.

(موضوع)

أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(2/ 270) رقم (1726) عن أبي الدرداء رضي الله عنه.

وفي سنده: عبدالملك بن هارون بن عنترة.

قال ابن معين: كذَّاب.

وقال أحمد: ضعيف.

وقال أبو حاتم: متروك الحديث، ذاهب الحديث.

وقال صالح بن محمد: عامة حديثه كذب.

وقال السعدي: دجَّال كذَّاب.

وقال الحاكم في المدخل: روى عن أبيه أحاديث موضوعة.

"ميزان الاعتدال"(2/ 666) رقم (5259).

ص: 49

وقد نصَّ جمع من أهل العلم على عدم ثبوت هذا الحديث، منهم:

(1)

ابن عساكر، قال: وقد روي هذا الحديث عن جمع من الصحابة بأسانيد فيها كلها مقال ليس منها للتصحيح مجال

(1)

.

(2)

ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(161) و (184) وبين ضعف جميع طرقه.

(3)

الدارقطني قال: طرقه كلها ضعيفه. "كشف الخفاء"(2465).

(4)

ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله". كما نقل عنه الفتني.

(5)

العراقي في "تخريج الإحياء".

(6)

البيهقي. "شعب الإيمان"(2/ 270 - 271).

(7)

ابن عدي في "الكامل"(1/ 537) و (3/ 436 - 437).

(8)

المزي في "تهذيب الكمال"، قال: حديث باطل.

(9)

الذهبي في "ميزان الاعتدال"، قال: باطل.

(10)

الحافظ ابن حجر في "الأربعين العوالي"(45)، قال: جميع طرق هذا الحديث ضعيفة وبعضها أشد من بعض وأنه لا ينجبر بها بل هو ضعيف باتفاق الحفاظ. كما نقله النووي في مقدمة "الأربعين". وقال في "التلخيص الحبير"(3/ 93) رقم (1375): حديث (من حفظ على أمتي أربعين

): أفرد ابن المنذر

(1)

"المعين على تفهم الأربعين" لابن الملقن. نقلاً من "الوافي شرح الأربعين"(ص: 6).

ص: 50

الكلام عليه في جزء مفرد، وقد لخصت القول فيه ثم جمعت طرقه في جزء ليس فيها طريق تسلم من علة قادحة.

(11)

المناوي في "فيض القدير"(1/ 56) نقل الاتفاق على ضعف حديث: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً).

(12)

السيوطي في "الدرر المنتثرة"(388).

(13)

السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 480) رقم (1115).

(14)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 166).

(15)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 322) رقم (2465).

(16)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 27).

(17)

الصعدي في "النوافح العطرة"(ص: 375) رقم (2131).

(18)

الصالحي في "الشذرة"(2/ 166) رقم (952).

(19)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 268) رقم (1389).

(20)

السمهودي في "الغماز على اللماز"(ص: 203) رقم (258).

(21)

الصنعاني في "توضيح الأفكار"(ص: 188).

(22)

صديق حسن خان في "أبجد العلوم" قال: هذا الحديث من جميع طرقه ضعيف عند محققي أهل الحديث لا يعتمد عليه ولا يصير إليه إلا من لم يرسخ في علم الحديث قدمه.

ص: 51

(23)

الألباني في "الضعيفة"(10/ 97) رقم (4589)

(1)

قال: والحق أن الحديث عندي موضوع وإن اشتهرعند العلماء وعملوا من أجله كتب الأربعين، ولو كان صحيحاً لما قيض الله لروايته والتفرد به تلك الكثرة من الكذَّابين والوضاعين.

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم أن هذا الحديث قد اتفق الحفاظ على عدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في السنة المطهرة طائفة من الآثار الصحيحة التي تبين فضل تعلم العلم النافع من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها .. ).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).

مسألة: لماذا ألَّف العلماء كتب الأربعينيات، كالنووي وغيره؟

الجواب: قال النووي رحمه الله: قد صنَّف العلماء رضي الله عنهم في هذا الباب ما لا يحصى من المصنفات فأول من علمته صنّف فيه هو عبد الله بن المبارك، ثم محمد بن أسلم الطوسي العالم الرباني، ثم الحسن

(1)

وانظر كذلك "ضعيف الجامع"(5560، 5561) و "تمام المنة"(31) و "المشكاة"(1/ 86) و "دفاع عن الحديث النبوي"(121).

ص: 52

ابن سفيان النسائي وأبو بكر الآجرّي وأبو محمد بن إبراهيم الأصفهاني، والدارقطني، والحاكم، وأبو نعيم، وأبو عبد الرحمن السُّلمي، وأبو سعيد الماليني، وأبو عثمان الصابوني، وعبد الله بن محمد الأنصاري، وأبو بكر البيهقي، وخلائق لا يحصون من المتقدمين والمتأخرين، وقد استخرت الله تعالى في جمع أربعين حديثاً اقتداءً بهؤلاء الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام.

وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.

ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث (من حفظ على أمتي

) بل على قوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة: (ليُبلغ الشاهد منكم الغائب).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (نضّر الله أمرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها).

ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخُطب، وكلها مقاصد صالحة رضي الله عن قاصديها. اهـ.

ص: 53

(161)

‌ حديث: (من عاشر قوماً أربعين يوماً صار منهم)

.

(ليس بحديث)

لقد اشتهرت هذا المقوله شهرة عظيمة في أوساط الناس، ويظن البعض أن هذا حديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كذالك وإنما هي حكمة ومقولة اشتهرت بين الناس قديماً وحديثاً. "البداية والنهاية"(12/ 172) و"المنتظم"(9/ 126).

وقد سئل شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى نور على الدرب" ما مدى صواب هذه العبارة: (من عاشر قوما أربعين يوماً صار منهم)؟

فقال رحمه الله: ليست صحيحة هذه العبارة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من أحب قوماً فهو منهم)، فمن أحب قوماً فهو منهم، ولو عاشرهم يوماً واحداً، ومن ليس بينه وبينهم صله في المحبة، فهو لو بقي عندهم أربعين شهراً، فهذه العبارة ليست صحيحة.

التعليق:

قلت: ويُغني عن هذا الكلام قوله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)

(1)

. وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما أن تشتريه أو تجد منه ريحاً، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحاً خبيثة) رواه البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه.

(1)

رواه أحمد والترمذي وأبو داود وحسنه العلامة الألباني في "المشكاة" رقم (5019).

ص: 54

والإنسان بطبعه يتأثر بالمجالسة والمخالطة، وكما قيل: الصاحب ساحب.

قال الشاعر:

عن المرء لا تسل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن يقتدي

إذا كنت في قومٍ فصاحب خيارهم

ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله: أن الإنسان يتأثر بمصاحبة البهائم ويكتسب من طباعها واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (

الفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

قال رحمه الله

(1)

: ومن الناس من طبعه طبع خنزير، يمر بالطيبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قمه، وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ فلا يحفظها ولا ينقلها ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها فجعلها فاكهته ونقله.

ومنهم: من هو على طبع الطاووس، ليس له إلا التطوس والتزين بالريش وليس وراء ذلك من شيء.

ومنهم: من هو على طبيعة الجمل، أحقد الحيوان، وأغلظه كبداً.

ومنهم: من هو على طبيعة الدب، أبكم خبيث، وعلى طبيعة القرد.

(1)

"مدارج السالكين"(1/ 404، 406).

ص: 55

وأحمد طبائع الحيوانات: طبائع الخيل، التي هي أشرف الحيوانات نفوساً، وأكرمها طبعاً، وكذلك الغنم، وكل من ألف ضرباً من ضروب هذه الحيوانات اكتسب من طبعه وخلقه، فإن تغدى بلحمه كان الشبه أقوى، فإن الغاذي شبيه بالمغتذي، ولهذا حرم أكل لحوم السباع، وجوارح الطير، لما تورث آكلها من شبه نفوسها بها.

ومنهم: من نفسه كلبية، لوصادف جيفة تُشبع ألف كلب لوقع عليها وحماها من سائر الكلاب، ونبح كل كلب يدنو منها، فلا تقربها الكلاب إلا على كره منه وغلبة، ولا يسمح لكلب بشيء منها، وهمه شبع بطنه من أي طعام اتفق: ميتة أو مذكى، خبيث أو طيب، ولا يستحي من قبيح، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، إن أطعمته بصبص بذنبه ودار حولك، وإن منعته هرَّك ونبحك.

ومنهم: من نفسه حمارية، لم تُخلق إلا للكد والعلف، كلما زيد في علفه زيد في كده، أبكم الحيوانات وأقلها بصيرة، ولهذا مثل الله سبحانه وتعالى به من حمله كتابه فلم يحمله معرفة ولا فقهاً ولا عملاً.

ومنهم: من نفسه فأرية، فاسق بطبعه، مفسد لما جاوره، تسبيحه بلسان الحال: سبحان من خلقه للفساد.

ومنهم: من نفسه سبعية، غضبية همته العدوان على الناس وقهرهم بما وصلت إليه قدرته، طبيعته تتقاضى ذلك كتقاضي طبيعة السبع لما يصدر منه. اهـ.

ص: 56

(162)

‌ حديث: (من عشق فكتم وعف فمات فهو شهيد)

.

(موضوع)

رواه ابن حبان في "المجروحين"، والخطيب في "تاريخ بغداد"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"، وغيرهم عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم.

وقد روي هذا الحديث من طرق عن سويد بن سعيد الحدثاني: ثنا علي ابن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً.

وهذا السند فيه علتان:

(1)

أبو يحيى القتات، اسمه زاذان، وقيل: غير ذلك، ضعَّفه غير واحد.

"تهذيب التهذيب"(12/ 248).

(2)

سويد بن سعيد.

قال أبو زرعة: قلنا لابن معين: إن سويداً يحدث بحديث (من قال برأيه فاقتلوه) فقال يحيى: ينبغي أنه يُبدأ بسويد فيقتل. وقال أيضاً: هو ساقط كذَّاب، لو أن لي فرساً ورمحاً لغزوت سويداً، لأنه تجرأ في رواية الأحاديث الضعيفة.

وقال الإمام أحمد في سويد بن سعيد: متروك الحديث.

ص: 57

وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال البخاري: كان قد عمي فتلقن ماليس من حديثه.

"ميزان الاعتدال"(2/ 248 - 250)، و"تهذيب التهذيب"(4/ 247) رقم (2785) و"الكامل"(4/ 496) رقم (848).

وقد نصَّ جمع من أهل العلم على بطلان هذا الحديث، منهم:

(1)

أبو بكر بن عدي.

(2)

البيهقي.

(3)

الحاكم.

(4)

ابن طاهر.

(5)

يحيى بن معين.

(6)

ابن حبان. كما نقل عنهم الحافظ في "التلخيص الحبير"(2/ 142)

(7)

ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 771).

(8)

ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(14/ 208) و (10/ 133).

(9)

ابن القيم في "المنار المنيف"(ص: 140) رقم (321).

(10)

العراقي. "الإحياء وبذيله المغني عن حمل الأسفار"(3/ 181).

(11)

ابن حجر في "التلخيص الحبير"(2/ 142) و"التهذيب"(4/ 247).

(12)

ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(2/ 364).

(13)

السيوطي في "الدرر المنتثرة"(ص: 173) رقم (395).

ص: 58

(14)

السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 491) رقم (1153).

(15)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 170).

(16)

المناوي في "فيض القدير"(6/ 176).

(17)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 345) رقم (2538).

(18)

الصالحي في "الشذرة"(2/ 181) رقم (984).

(19)

الصعدي في "النوافح العطرة"(ص: 393) رقم (2235).

(20)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 277) رقم (1437).

(21)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 199).

(22)

السمهودي في "الغماز على اللماز"(ص: 216) رقم (288).

(23)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 232) رقم (114).

(24)

الألباني في "الضعيفة"(409) و"ضعيف الجامع"(5697)، (5698).

(25)

شيخنا الوادعي في "المقترح"(ص: 9) و"غارة الأشرطة"(1/ 71).

(26)

اللجنة الدائمة (4/ 456 - 458) فتوى رقم (837).

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم أن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح معناه كذلك، وقد أنكره العلامة ابن القيم رحمه الله من حيث معناه فقال

(1)

: ولا يُغتر بالحديث الموضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يصح عن

(1)

"زاد المعاد"(4/ 275 - 277).

ص: 59

رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يكون من كلامه، فإن الشهادة درجة عالية عند الله مقرونة بدرجة الصدِّيقيَّة، ولها أعمال وأحوال هي شروط في حصولها، وهي نوعان: خاصة وعامة، فالخاصة الشهادة في سبيل الله، والعامة خمس مذكورة في الحديث الصحيح ليس العشق واحداً منها، وكيف يكون العشق الذي هو شرك المحبة، وفراغ عن الله وتمليك القلب والروح والحب لغيره تنالُ به درجة الشهادة، هذا من المحال، فإن إفساد عشق الصور للقلب فوق كل إفساد بل هو خمر الروح الذي يسكرها ويصدها عن ذكر الله وحبه والتلذذ بمناجاته والأنس به، ويوجب عبودية القلب لغيره، فإن قلب العاشق متعبد لمعشوقه بل العشق لب العبودية، فإنها كمال الذل والحب والخضوع والتعظيم، فكيف يكون تعبد القلب لغير الله مما تنال به درجة أفاضل الموحدين، وساداتهم وخواص الأولياء، فلو كان إسناد هذا الحديث كالشمس كان غلطاً ووهما، ولا يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ العشق من حديث صحيح البتة، ثم إن العشق منه حلال ومنه حرام، فكيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يحكم على كل عاشق يكتم ويعف بأنه شهيد، أفَتَرى من يعشق امرأة غيره، أو يعشق المردان والبغايا ينال بعشقه درجة الشهداء، وهل هذا إلا خلاف المعلوم من دينه صلى الله عليه وسلم بالضرورة، كيف والعشق مرض من الأمراض التي جعل الله سبحانه لها من الأدوية شرعاً وقدراً، والتداوي منه إما واجب إن كان عشقاً حراماً، وإما مستحب، وأنت إذا تاملت الأمراض والآفات التي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابها بالشهادة

ص: 60

وجدتها من الأمراض التي لا علاج لها، كالمطعون والمبطون والمجنون والحرق والغرق، ومنها المرأة يقتلها ولدها في بطنها، فإن هذه بلايا من الله لا صنع للعبد فيها، ولا علاج لها وليست أسبابها محرمة، ولا يترتب عليها من فساد القلب وتعبده لغير الله ما يترتب على العشق، فإن لم يكفِ هذا في إبطال نسبة هذا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلد أئمة الحديث العالمين به وبعلله، فإنه لا يحفظ عن إمام واحد منهم قط أنه شهد له بصحة بل ولا بحسن، كيف وقد أنكروا على سويد هذا الحديث ورموه لأجله بالعظائم واستحل بعضهم غزوه لأجله.

وقال العلامة الألباني

(1)

معلقاً على كلام ابن القيم: وخلاصة الكلام أن الحديث ضعيف الإسناد موضوع المتن كما جزم بذلك ابن القيم.

(1)

"الضعيفة"(1/ 593 - 594).

ص: 61

(163)

‌ حديث: (من علمني حرفاً كنت له عبداً)

.

(ليس بحديث)

اشتهر هذا الكلام على ألسِنة كثير من الناس، على أنه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك، ولكنه مثلٌ من الأمثلة.

وقد جاء حديث بمعناه بلفظ: (من علم عبداً آية من كتاب الله فهو مولاه، لا ينبغي له أن يخذله، ولا يستأثر عليه، فإن هو فعل قصم عروة من عرى الإسلام).

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 128): رواه الطبراني في "الكبير"(8/ 112) رقم (7528).

وفي سنده: عبيد بن رزين اللاذقي ولم أرَ من ذكره. اهـ.

وأخرجه البيهقي في "الشعب"(2/ 406) رقم (2213) و (2214) وابن عدي في "الكامل"(1/ 478).

وقد حكم جمع من أهل العلم على الحديث بالوضع، منهم:

(1)

شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(18/ 345).

(2)

ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(1/ 284).

(3)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 347) رقم (2543).

ص: 62

(4)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 18).

(5)

القاري في "المصنوع"(ص: 190) رقم (351).

(6)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 256).

(7)

السمهودي في "الغماز على اللماز"(ص: 221) رقم (301).

(8)

بكر أبو زيد في "معجم المناهي اللفظية"(ص: 530).

وقد ذكر هذ الحديث السخاوي في "المقاصد الحسنة"(1155)، وابن الديبع في "التمييز" (ص: 171)، والبيروتي في "أسنى المطالب"(1439)، والصعدي في "النوافح العطرة"(2240)، والصالحي في "الشذرة"(987).

التعليق:

قلت: هذا الحديث الذي لا يصح مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا حمل على ظاهره فهو باطل، عاطل، ساقط، لمخالفته إجماع المسلمين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية

(1)

رحمه الله: ليس هذا في شيء من الكتب الستة ولا في غيرها، بل مخالف لإجماع المسلمين، فإن من علَّمَ غيره لا يصير به مالكاً له إن شاء باعه وإن شاء أعتقه، ومن اعتقد هذا فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، والحر المسلم لا يُستَرقّ، وسيد معلم الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم الكتاب والحكمة وهو أولى بهم من أنفسهم، ومع هذا فهم أحرار لم يسترقهم ولم يستعبدهم بل حكمه في أمته الأحرار خلاف حكمه فيما

(1)

"مجموع الفتاوى"(18/ 345).

ص: 63

ملكت يمينه، ولو كان المؤمنات ملكاً له لجاز أن يطأ كل مؤمنة بلا عقد نكاح، ولكان لمن علم امرأة من القرآن أن يطأها بلا نكاح، وهذا لا يقوله مسلم. اهـ.

قلت: وإذا أريد به المعنى الآخر وهو الاعتراف بالفضل والجميل للمعلم فهذا معنى طيب، قال صلى الله عليه وسلم:(ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه)

(1)

.

وقد قيل: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، أي أصبح أسيراً لإحسانك وجميلك بعد الله.

قال في "الفقيه والمتفقه": إذا تعلم الإنسان من العالم واستفاد منه الفوائد فهو عبد قال الله تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} {الكهف: 60} وهو يوشع بن نون ولم يكن مملوكاً له وإنما كان تلميذاً له متبعاً له، فجعله الله فتاه لذلك، وكلمة فتاه لا تطلق إلا على العبد لكن المراد به هنا عبد الإحسان والفضل، قال شعبة بن الحجاج: كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبداً ما حيي

(2)

.

وقال ابن جماعة رحمه الله

(3)

: على طالب العلم أن ينقاد لشيخه في أموره ولا يخرج عن رأيه وتدبيره، بل يكون معه كالمريض مع الطبيب

(1)

صححه الترمذي وحسنه المنذري والهيثمي والألباني في "صحيح الجامع"(5443).

(2)

"كشف الخفاء"(2/ 347).

(3)

"تذكرة السامع والمتكلم في أداب العالم والمتعلم"(ص: 87 - 89).

ص: 64

الماهر، فيشاوره فيما يقصده، ويتحرى رضاه فيما يتعمده، ويبالغ في حرمته، ويتقرب إلى الله تعالى بخدمته، ويعلم أن ذُلّه لشيخه عِزٌ، وخضوعه له فخر، وتواضعه له رفعة، وعلى طالب العلم أن ينظر شيخه بعين الإجلال فإن ذلك أقرب إلى نفعه به

وعليه أن يعرف للشيخ حقه، ولا ينسى فضله وأن يعظم حرمته ويرد غِيبَته، ويغضب، فإن عجز عن ذلك قام وفارق ذلك المجلس، وينبغي أن يدعو للشيخ مدة حياته، ويرعى ذريته وأقاربه وأوُدَّاءه -أهل وده- بعد وفاته، ويتعمد زيارة قبره والاستغفار له، والصدقة عنه، ويسلك في السمت والهدي مسلكه، ويراعي في العلم والدين عادته.

قلت: كل ذلك في حدود الشرع من غير إفراط ولا تفريط.

وقد أحسن من قال:

أقدم أستاذي على نفس والدي

وإن نالني من والدي الفضل والشرف

فذاك مربي الروح والروح جوهر

وهذا مربي الجسم والجسم كالصدف

وقال آخر:

رأيت أحق الحق حق المعلمِ

وأوجبه حفظاً على كل مسلم

له الحق أن يُهدى إليه كرامة

لتعليم حرف واحدٍ ألف درهم

ص: 65

(164)

‌ حديث: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بُعداً)

.

(ضعيف)

رواه الطبراني في "الكبير"(11025)، والقضاعي في "مسند الشهاب" فتح الوهاب" (1/ 394) رقم (342)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (16350) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وفي سنده: ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. "تهذيب التهذيب"(5911).

وقد نصَّ جماعة من العلماء على ضعف هذا الحديث، منهم:

(1)

العراقي، قال: إسناده لين. "الإحياء وبذيله المغني"(1/ 205).

(2)

الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 258).

(3)

ابن كثير في "تفسيره" تحت قوله تعالى {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}

{العنكبوت: 45} .

(4)

شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه. قال: هذا الحديث ليس بثابت. كما نقل عنه العلامة الألباني.

(5)

نقل الذهبي في "الميزان"(3/ 293) عن ابن الجنيد أنه قال في هذا الحديث: كذب وزور.

ص: 66

(6)

العلامة الألباني

(1)

في "الضعيفة"(2) و (985)، قال: باطل وهو مع اشتهاره على الألسن لا يصح من قبل إسناده ولا من جهة متنه.

(7)

اللجنة الدائمة فتوى رقم (1843) قالت: هذا الحديث روى من طرق عدة بألفاظ مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت من طريق صحيح. وروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن وجماعة، والموقوف هو الصحيح.

(8)

مشهور في "أخطاء المصلين"(ص: 446).

(9)

بكر أبو زيد في "تصحيح الدعاء"(ص: 29) قال: وقفه على ابن مسعود رضي الله عنه أصح.

والحديث ذكره السيوطي في"الدرر المنتثرة"(ص: 179) رقم (413) والعجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 364) رقم (2602) والصالحي في "الشذرة"(ص: 192) رقم (1007).

التعليق:

قال العلامة الألباني

(2)

رحمه الله: وأما متن الحديث فإنه لا يصح، لأن ظاهره يشمل من صلى صلاة بشروطها وأركانها، بحيث أن الشرع يحكم

(1)

وانظر كذلك "ضعيف الجامع"(5834).

(2)

"الضعيفة"(1/ 57 - 59).

ص: 67

عليها بالصحة، وإن كان هذا المصلي لا يزال يرتكب بعض المعاصي، فكيف يكون بسببها لا يزداد بهذه الصلاة إلا بعداً؟ هذا مما لا يعقل ولا تشهد له الشريعة، ولهذا تأوله شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:(لم يزدد إلا بعداً) إذا كان ما ترك من الواجب منها أعظم مما فعله أبعده ترك الواجب الأكثر من الله أكثر مما قربه فعل الواجب الأقل. وهذا بعيد عندي لأن ترك الواجب الأعظم منها معناه ترك بعض ما لا تصح الصلاة إلا به كالشروط والأركان وحينئذ فليس له صلاة شرعاً، ولا يبدو أن هذه الصلاة هي المراد في الحديث المرفوع والموقوف، بل المراد الصلاة الصحيحة التي لم تثمر ثمرتها التي ذكرها الله في كتابه في قوله {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} {العنكبوت: 45}.

وأكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: (إن فلاناً يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق) فقال: سينهاه ما تقول، أو قال:(ستمنعه صلاته)

(1)

.

فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذا الرجل سينتهي عن السرقة بسبب صلاته -إذا كانت على الوجه الأكمل طبعاً كالخشوع فيها والتدبر في قراءتها- ولم يقل: (أنه لايزداد بها إلا بعداً) مع أنه لما ينته عن السرقة، فثبت بما تقدم ضعف الحديث سنداً ومتناً والله أعلم.

(1)

رواه أحمد والبزار والطحاوي في "مشكل الأثار" والبغوي في حديث على بن الجعد (9/ 97/ 1) وأبو بكر الكلاباذي في "مفتاح معاني الآثار"(31/ 1/ 69/ 1) بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 68

ثم رأيت الشيخ أحمد بن محمد عز الدين بن عبد السلام نقل أثر ابن عباس هذا في كتابه "النصيحة فيما أبدته القريحة" عن تفسير الجاربردي وقال: ومثل هذا ينبغي أن يحمل على التهديد لما تقرر أن ذلك ليس من الأركان والشرائط، ثم أستدل على ذلك بالحديث المتقدم:(ستمنعه صلاته)، واستصوب الشيخ أحمد كلام الجاربردي هذا، وقال: لا يصح حمله على ظاهره، لأن ظاهره معارض لما ثبت في الأحاديث الصحيحة المتقدمة من أن الصلاة مكفرة للذنوب، فكيف تكون مكفرة ويزداد بها بعداً هذا مما لا يعقل

قلت: وحمل الحديث على المبالغة والتهديد ممكن على اعتبار أنه موقوف على ابن عباس أو غيره، وأما على اعتباره من كلامه صلى الله عليه وسلم فهو بعيد عندي والله أعلم، قال: ويشهد لذلك ما ثبت في البخاري أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} {هود: 114} .

ثم رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قال في بعض فتاويه: هذا الحديث ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ذكر الله في كتابه، وبكل حال فالصلاة لا تزيد صاحبها بعداً، بل الذي يصلي خير من الذي لا يصلي، وأقرب إلى الله منه وإن كان فاسقاً.

ص: 69

قلت: فكأنه يشير إلى تضعيف الحديث من حيث معناه أيضاً وهو الحق، وقد نقل الذهبي في "الميزان" عن ابن الجنيد أنه قال في هذا الحديث: كذب وزور. اهـ.

وقالت اللجنة الدائمة

(1)

: ذكر بعض العلماء أن معنى هذا الحديث فاسد لمنافاته النصوص الصحيحة الدالة على أن الصلوات تمحو الذنوب وتذهب السيئات، وعلى هذا يتبين أن حلق المصلي لحيته لا يمنع من صحة صلاته ولا من قبولها بل له من ثواب صلاته بقدر ما أتى به منها على وجهه الشرعي، وعليه إثم حلق لحيته، ويكون مؤمنًا بما فيه من إيمان وعمل صالح وفاسقًا بما فيه من المعاصي، ويعلم من ذلك أن الصلاة إنما تنهى عن الفحشاء والمنكر إذا أقيمت كما شرع الله في الكتاب والسنة.

(1)

فتوى رقم (1843).

ص: 70

(165)

‌ حديث: (من لم يخف الله خف منه)

.

(ليس بحديث)

اشتهر هذا الكلام على ألسِنة كثير من الناس، وينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح أنه ليس بحديث، كما ذكر ذلك من ألَّف في الأحاديث المشتهرة، منهم:

(1)

السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 500) رقم (1176).

(2)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 174).

(3)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 363) رقم (2600).

(4)

العامري في "الجد الحثيث"(ص: 236) رقم (538).

(5)

القاري في "المصنوع"(ص: 193) رقم (363).

(6)

الصعدي في "النوافح العطرة"(ص: 405) رقم (2296).

(7)

الصالحي في "الشذرة"(2/ 192) رقم (1008).

(8)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 287) رقم (1489).

(9)

السمهودي في "الغماز"(ص: 213) رقم (278).

(10)

الأزهري في "تحذير المسلمين"(ص: 170) رقم (638).

قلت: جاء في الباب حديث لا يصح أيضاً بلفظ: (من خاف الله خوف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خوفه الله من كل شيء).

ص: 71

وقد ضعَّف هذا الحديث:

(1)

العراقي. "الإحياء وبذيله المغني"(2/ 221).

(2)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 20).

(3)

الألباني في "الضعيفة"(485).

التعليق:

قلت: ذكر السخاوي والعجلوني وغيرهما أن معنى هذا الحديث صحيح، فإن عدم الخوف من الله، يوقع صاحبه في كل محظور ومكروه، فتخاف منه على نفسك، وعلى عرضك، ومالك، تخاف من مكره، وكيده، وغشه، وكذبه، وخيانته، لأنه لا يخشى الله فيك، ولا في غيرك.

ومن باب: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) قيل: إن الله أوحى إلى داود عليه السلام: (يا داود تخاف أحداً غيري؟ قال: نعم يا رب، أخاف من لا يخافك).

ص: 72

(166)

‌ حديث: (من لم يهتم بأمرالمسلمين فليس منهم)

.

(ضعيف)

أخرجه الطبراني في"الأوسط"(8/ 230) رقم (7469)، و"الصغير"(2/ 50)، وعنه أبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 252) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما مرفوعاً.

وعلة الحديث: عبد الله بن أبي جعفر الرازي وأبيه فإنهما ضعيفان والأب أشد ضعفاً من الابن.

وقد ضعَّف هذا الحديث:

(1)

الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 87).

(2)

السيوطي في "اللآلئ المصنوعة"(2/ 267).

(3)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 69).

(4)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 81) رقم (60).

(5)

المعلمي في تحقيق "الفوائد المجموعة"(ص: 81).

(6)

الألباني في "الضعيفة"(312) و"ضعيف الجامع"(5429).

(7)

شيخنا الوادعي في "تعليقه على المستدرك"(4/ 459).

والحديث ذكره: السخاوي في "المقاصد الحسنة" رقم (1182)، وابن الديبع في "التمييز" (ص: 174)، والعجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 368)

ص: 73

رقم (2617)، والصالحي في"الشذرة"(2/ 195) رقم (1014)، والبيروتي في "أسنى المطالب" (ص: 288) رقم (1499).

والحديث جاء من عدة طرق لا يصح منها شيء، من ذلك:(من أصبح وهمه غير الله فليس من الله، ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم) رواه الحاكم في "المستدرك"(4/ 459) رقم (7970) عن ابن مسعود رضي الله عنه والبيهقي في "الشعب"(7/ 361) رقم (10586) عن أنس رضي الله عنه.

قلت: وهذا اللفظ ضعيف أيضاً، ضعَّفه:

(1)

البيهقي في "الشعب"(7/ 361).

(2)

ابن الجوزي. كما نقل عنه المناوي.

(3)

الذهبي في "تلخيص المستدرك"(4/ 459).

(4)

المناوي في "فيض القدير"(6/ 87) رقم (8453).

(5)

الألباني في "الضعيفة"(309) و (310) و (311) و (312).

التعليق:

تبين لك أخي الكريم المنصف أن هذا الحديث قد جاء من طرق لايصح منها شيء كما رأيت حُكم الأئمة من علماء هذا الشأن عليها، وعلى هذا فلا يصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن معناه صحيح، والشريعة تدعو للاهتمام بأمرالمسلمين وقد قال الله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ

ص: 74

إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} {الحجرات: 10} وقال تعالى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} {الفتح: 29} .

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) متفق عليه عن أبي موسى رضي الله عنه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم عن النعمان بن بشير.

وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه .. ) متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وقال صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله) رواه الطبراني وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره وصححه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد -يعني مسجد المدينة- شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كضم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضاً

ص: 75

يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل)

(1)

.

قال العلامة ابن القيم

(2)

رحمه الله: المواساة للمؤمنين أنواع:

(1)

مواساة بالمال.

(2)

ومواساة بالجاه.

(3)

ومواساة بالبدن والخدمة.

(4)

ومواساة بالنصيحة والإرشاد.

(5)

ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم.

(6)

ومواساة بالتوجع لهم، وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قوي قويت، وكان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس مواساة لأصحابه بذلك كله، فلأتباعه من المواساة بحسب اتباعهم له.

(1)

روه الطبراني في "الكبير" وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما وحسنه الألباني في "الصحيحة"(906) و"صحيح الجامع"(176).

(2)

"فوائد الفوائد"(ص: 394).

ص: 76

(167)

‌ حديث: (من مات فقد قامت قيامته)

.

(ضعيف)

قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء": رواه ابن أبي الدنيا في كتابه "الموت" من حديث أنس رضي الله عنه بسند ضعيف.

ومن حديثه رواه العسكري والديلمي كما في "المقاصد الحسنة"(1183) بلفظ: (إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته).

وضعَّف هذا الحديث:

(1)

العراقي في "تخريج الإحياء"(3680).

(2)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 215).

(3)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 242) رقم (189).

(4)

العلامة الألباني في "الضعيفة"(3/ 309) رقم (1166).

(5)

شيخنا عبد المحسن العباد في " شرح سنن أبي داود".

والحديث ذكره العجلوني في"كشف الخفاء"(2618)، والزبيدي في "إتحاف السادة المتقين"(9/ 11)، والصعدي في "النوافح العطرة" (ص: 407) رقم (2311)، والصالحي في "الشذرة"(2/ 195) رقم (1015)، والبيروتي في "أسنى المطالب" (ص: 289) رقم (1501).

التعليق:

ص: 77

قلت: الحديث ضعيف كما تبين لك، لكن سمى بعض العلماء الموت

القيامة الصغرى، فكل من مات فقد قامت قيامته، وحان حينه، ففي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة قالت:(كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة، فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: إن يعش هذا، لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم).

قال ابن كثير رحمه الله

(1)

: والمراد انخرام قرنهم، ودخولهم في عالم الآخرة، فإن من مات فقد دخل في حكم الآخرة، وبعض الناس يقول: من مات فقد قامت قيامته، وهذا الكلام بهذا المعنى صحيح، وقد يقول هذا بعض الملاحدة، ويشيرون به إلى شيء آخر من الباطل، فأمّا الساعة العظمى، وهي وقت اجتماع الأولين والآخرين في صعيد واحد، فهذا ما استأثر الله بعلم وقته. اهـ.

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: يقولون: القيامة وإنما قيامة الرجل موته، وكذلك قال علقمة وسعيد بن جبير عن ميت أما هذا فقد قامت قيامته، أي صار الى الجنة أو النار

(2)

.

(1)

"النهاية في الفتن والملاحم"(1/ 13).

(2)

"كشف الخفاء" تحت حديث (2618)، والنبوات لشيخ الإسلام ابن تيمية.

ص: 78

قال ابن القيم-رحمه الله في كلامه عن سورة (ق): ثم أخبر سبحانه عن القيامة الصغرى وهي سكرة الموت بقوله {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)} {ق: 19} .

وأنها تجيء بالحق وهو لقاؤه سبحانه والقدوم عليه وعرض الروح عليه، والثواب والعقاب الذي عجل لها قبل القيامة الكبرى

(1)

.

وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين

(2)

رحمه الله: القيامة (صغرى) كالموت فكل من مات فقد قامت قيامته.

و (كبرى) وهي قيام الناس بعد البعث للحساب والجزاء، وسميت بذلك لقيام الناس فيها وقيام العدل وقيام الأشهاد.

(1)

"فوائد الفوائد"(ص: 135).

(2)

"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين"(8/ 490).

ص: 79

(168)

‌ حديث: (من مسح على رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة تمر عليها يده حسنات)

.

(ضعيف)

رواه أحمد في "المسند"(22215) و (22347)، والطبراني في "الأوسط"(4/ 121) رقم (3190) عن أبي أمامة رضي الله عنه.

وفي سنده: علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف. "التقريب"(4850).

وقد ضعَّف هذا الحديث:

(1)

العراقي. "الإحياء وبذيله المغني "(2/ 292) و"إتحاف السادة "(6/ 291).

(2)

الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 160).

(3)

الحافظ ابن حجر في "الفتح"(11/ 155).

(4)

العيني في "عمدة القاري"(22/ 475).

(5)

الألباني في "الترغيب والترهيب"(2/ 962) رقم (1513).

(6)

الأرنؤوط في تحقيق "المسند"(22153) و (22284).

التعليق:

قلت: هذا الحديث ضعيف كما تبين لك من كلام الأئمة الحفاظ، وهناك أحاديث صحيحة في كفالة اليتيم، ورحمته والعطف عليه منها:

ص: 80

حديث: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة

) رواه البخاري عن سهل رضي الله عنه.

وعن أبي الدراداء رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه قال: (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك، وتدرك حاجتك)

(1)

.

وجاء عند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال: (امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين)

(2)

.

(1)

رواه الطبراني وحسنه الألباني في "الترغيب والترهيب"(2544).

(2)

حسنه العلامة الألباني في "الترغيب والترهيب"(2545).

ص: 81

(169)

‌ حديث: (من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه)

.

(ضعيف)

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(5/ 239 - 240).

وفيه ابن لهيعة: وهو ضعيف.

ورواه أبو يعلى (4/ 441) رقم (4897) عن عائشة رضي الله عنها.

وفي سنده: عمرو بن الحصين وهو متروك.

قال الخطيب وغيره: عمرو بن الحصين هذا كذَّاب.

"تهذيب التهذيب"(8/ 5202) و 9/ 234)

ورواه ابن حبان في "المجروحين"(1/ 283) ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات".

وفيه: خالد بن القاسم وهو كذَّاب، قاله ابن راهويه والسعدي.

وقال البخاري والنسائي: متروك.

"الموضوعات" لابن الجوزي (3/ 252) رقم (1480).

ورواه الطحاوي في "مشكل الآثار"(3/ 99) رقم (1073).

ص: 82

وفيه انقطاع.

وقد ضعَّف هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

الذهبي في "تلخيص الموضوعات"(ص: 272) رقم (725).

(2)

الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 21).

(3)

الهيثمي في "المجمع"(5/ 116).

(4)

السيوطي في "اللآلئ المصنوعة"(2/ 236) و"الجامع الصغير".

(5)

المناوي في "فيض القدير"(6/ 299).

(6)

ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(2/ 290).

(7)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 167).

(8)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 197).

(9)

المعلمي في تعليقه على "الفوائد المجموعة"(ص: 197).

(10)

الألباني في "الضعيفة"(39) و"ضعيف الجامع"(5861).

(11)

الأرنؤوط في تحقيق "مشكل الأثار"(3/ 99 - 100).

التعليق:

قال ابن القيم رحمه الله: قيل أن نوم النهار ثلاثة: خُلقٌ وخُرقٌ وحُمقٌ.

فالخلق: نومة الهاجرة، وهي خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والخرق: نومة الضحى، تشغل عن أمر الدنيا والآخرة.

والحمق: نومة العصر.

ص: 83

قال بعض السلف: من نام بعد العصر فاختُلس عقله فلا يلومن إلا نفسه.

قال الشاعر:

ألا إن نومات الضحى تورث الفتى

خبالاً ونومات العصير جُنونُ

ونوم الصبحة يمنع الرزق، لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها وهو وقت قسمة الأرزاق، فنومه حرمان إلا لعارض أو ضرورة، وهو مضر جداً بالبدن لإرخائه البدن، وإفساده للفضلات التي ينبغي تحليلها بالرياضة، فيحدث تكسراً وعياً وضعفاً

(1)

. اهـ.

قلت: ومن أهل العلم من يرى غير هذا، فقد قيل لليث بن سعد: يا أبا الحارث تنام بعد العصر وقد حدثنا ابن لهيعة عن عقيل عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه؟)

فقال: أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل.

قال العلامة الألباني

(2)

رحمه الله: ولقد أعجبني جواب الليث هذا فإنه يدل على فقه وعلم، ولا عجب فهو من أئمة المسلمين والفقهاء المعروفين، وإني لأعلم أن كثيراً من مشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر ولو كانوا بحاجة إليه، فإذا قيل له الحديث فيه ضعيف أجابك على الفور يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، فتأمل الفرق بين فقه السلف وعلم الخلف.

(1)

"زاد المعاد"(4/ 242).

(2)

"الضعيفة"(1/ 113).

ص: 84

(170)

‌ حديث: (من ولد له مولود، فأذَّن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى، لم تضره أم الصبيان)

.

(ضعيف)

أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(6/ 180) رقم (6747)، وابن السني في"عمل اليوم والليلة" (ص: 220) رقم (623)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(6/ 390) رقم (8619)، وابن عدي في "الكامل"(9/ 24) عن الحسين ابن علي رضي الله عنهما.

والحديث في سنده:

(1)

جُبارة بن المغلس، وهو ضعيف. "التقريب"(898).

(2)

يحيى بن العلاء الرازي، رمي بالوضع. "التقريب"(7668).

(3)

مروان بن سالم الغفاري، متروك. "التقريب"(6614).

وقد ضعَّف هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

البيهقي في "الشعب"(6/ 390).

(2)

ابن عدي في "الكامل"(9/ 24).

(3)

الحافظ العراقي. "الإحياء وبذيله المغني"(2/ 77).

(4)

الهيثمي في "مجمع الزوئد"(4/ 59).

(5)

أشار إلى تضعيفه شيخ الإسلام في "الكلم الطيب"(ص: 61).

ص: 85

(6)

ابن القيم في "تحفة المودود"(ص: 22).

(7)

الحافظ في "التلخيص الحبير"(4/ 149).

(8)

المناوي في "فيض القدير"(6/ 309).

(9)

العظيم آبادي في "عون المعبود"(14/ 7 - 8).

(10)

العلامة الألباني في "الإرواء"(1174)، و"الضعيفة" (321) و (6121) قال: موضوع

(1)

.

(11)

شيخنا الوادعي.

التعليق:

قلت: إن كان الأذان والإقامة في أذن المولود ضعيفاً، فهناك سنن ثبتت في السُّنَّة في حق المولود ينبغي الاهتمام بها منها:

• تحنيك المولود يوم ولادته.

• العقيقة عنه يوم سابعه.

• حلق رأس المولود والتصدق بزنة شعره.

• ختان المولود.

• تسمية المولود التسمية الحسنة.

(1)

أما حديث أبي رافع رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذَّن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة بالصلاة) رواه أحمد وغيره. هذا الحديث ذكره العلامة الألباني في "الإرواء"(1173) وقال: حسن إن شاء الله. ثم تراجع عن تحسينه إلى القول بتضعيفه. انظر "الضعيفة"(13/ 272) القسم الأول.

ص: 86

(171)

‌ حديث: (من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله)

.

(موضوع)

رواه الطبراني في "الأوسط"(8/ 78) رقم (7155) عن أنس رضي الله عنه.

وفي سنده: عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري أبو محمد المدني، وهو متروك.

قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(5/ 123) رقم (3308): متروك نسبه ابن حبان إلى الوضع.

وقال الحاكم: يروي عن جماعة من الضعفاء أحاديث موضوعة.

قال الهيثمي في "المجمع"(8/ 27): فيه جماعة لم أعرفهم.

وقال الألباني في "الضعيفة"(8/ 294) رقم (3832): موضوع.

التعليق:

قلت: والحديث معناه صحيح، فالحياء خلق كريم وخير للفرد والمجتمع لما يحمل عليه من فعل الحسن وترك القبيح، والمراد من الحياء الذي مدحه الشرع الحياء الشرعي، وأما الحياء الذي ينشؤ عنه الإخلال بالحقوق والخوف من مواجهة من يرتكب المنكرات فليس حياءً شرعياً بل عجز

ص: 87

ومهانة وخور، وإن سُمي حياء لمشابهته للحياء الشرعي في الصورة الخارجية، ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم حث على الحياء ورغب فيه حيث قال:(الحياء لا يأتي إلا بخير) متفق عليه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما.

وفي رواية لمسلم: (الحياء خيرٌ كله - أو قال - الحياء كله خير).

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) رواه البخاري عن أبي مسعود رضي الله عنه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك)

(1)

.

قال ابن حبان

(2)

: الواجب على العاقل أن يعودّ نفسه لزوم الحياء من الناس، وإن من أعظم بركته تعويدَ النفس ركوبَ الخصالِ المحمودة ومجانبتَها الخلالَ المذمومة، كما أنَّ من أعظم بركة الحياء من الله الفوز من النار بلزوم الحياء عند مجانبة ما نهى الله عنه؛ لأن ابن آدم مطبوع على الكرم واللؤم معاً في المعاملة بينه وبين الله والعشرةَ بينه وبين المخلوقين، وإذا قوى حياؤه قوى كرمه، وضعف لؤمه، وإذا ضعف حياؤه قوى لؤمه وضعف كرمه، ولقد أنشدني عليّ بن محمد البسامي:

(1)

رواه الطبراني والبيهقي وأحمد في "الزهد" والخرائطي في "مكارم الأخلاق" عن سعيد بن يزيد بن الأزور وصححه العلامة الألباني في "الصحيحة"(741) و"صحيح الجامع"(2541).

(2)

"روضة العقلاء ونزهة الفضلاء".

ص: 88

إذا رُزق الفتى وَجْهاً وَقَاحاً

تقلّب في الأمور كما يشاءُ

ولم يك للدواء ولا لشيء

يعالجه به فيه غَنَاء

فما لك في متابعة الذي لا

حياء لوجهه إلا العناء

قال أبو حاتم: إن المرء إذا أشتد حياؤه صان عِرضه، ودفن مساويَه، ونشر محاسنه، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره، ومن ذهب سروره هان على الناس ومُقِتَ، ومن مُقِت أوذي، ومن أوذي حزن، ومن حزن فقد عقله، ومن أصيب في عقله كان أكثرُ قوله عليه لا له، ولا دواء لمن لا حياء له، ولا حياء لمن لا وفاء له، ولا وفاء لمن لا إخاء له، ومن قل حياؤه صنع ما شاء وقال ما أحب. اهـ.

وقال العلامة ابن القيم

(1)

رحمه الله: وخلق الحياء من أفضل الأخلاق، وأجلها وأعظمها قدراً وأكثرها نفعاً، بل هو خاصة الإنسانية، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق لم يُقر الضيف، ولم يُوف بالوعد، ولم تُؤد أمانة، ولم يقض لأحد حاجة، ولا تَحرَّى الرجل الجميل فآثره، والقبيح فتجنبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع من فاحشة، وكثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤد شيئاً من الأمور المفترضة عليه، ولم يرعَ لمخلوق حقاً، ولم يصل له رحماً، ولا بر له والداً، فإن الباعث على هذه

(1)

"مفتاح دار السعادة"(2/ 237 - 238).

ص: 89

الأفعال إما ديني وهو رجاء عاقبتها الحميدة، وإما دنيوي علوي وهو حياء فاعلها من الخلق، فقد تبين أنه لولا الحياء إما من الخالق، أو من الخلائق لم يفعلها صاحبها.

ثم قال رحمه الله: إن للإنسان آمرين وزاجرين، آمر وزاجر من جهة الحياء، فإذا أطاعه امتنع من فعل كل ما يشتهي، وله آمر وزاجر من جهة الهوى والطبيعة، فمن لم يطع آمر الحياء وزاجره أطاع آمر الهوى والشهوة ولا بد. اهـ. بتصرف.

ص: 90

(172)

‌ حديث: (الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه)

.

(ضعيف)

أخرجه ابن ماجه (527) والدارقطني (1/ 29) والبيهقي (1/ 259 - 260) عن أبي أمامة الباهلي وثوبان رضي الله عنهما.

وفي سنده: رشدين بن سعد وهو ضعيف.

وقد اتفق المحدثون على ضعف هذا الحديث، منهم:

(1)

الشافعي في "الأم"(1/ 51).

(2)

الدارقطني في "السنن"(1/ 29).

(3)

الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 94 - 95) رقم (398 - 399).

(4)

البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 131).

(5)

الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 214).

(6)

ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 14 - 16) رقم (3).

(7)

الصنعاني في "سبل السلام"(1/ 43 - 44).

(8)

الحافظ أبو محمد الجزائري في "تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني"(ص: 34).

ص: 91

(9)

العلامة الألباني في "الضعيفة"(2644)

(1)

.

التعليق:

قلت: نعم هذا الحديث ضعيف كما هو موضح، وقد اتفق الأئمة على تضعيفه والمراد بالتضعيف رواية الاستثناء، لا أصل الحديث فإن الشطر الأول من الحديث صحيح (الماء طهور لا ينجسه شيء) ولكن الزيادة هي الضعيفة (إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه)، وقد أجمع العلماء على القول بحكمها.

قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعماً أو لوناً أو ريحاً فهو نجس.

فالإجماع هو الدليل على نجاسة ما تغير أحد أوصافه الثلاثة، لا هذه الزيادة الضعيفة في الحديث.

قال في البدر المنير: فتلخص أن الاستثناء المذكور ضعيف فتعين الاحتجاج بالإجماع كما قال الشافعي والبيهقي وغيرهما

(2)

.

(1)

وانظر كذلك "ضعيف الجامع"(5899) و"ضعيف سنن ابن ماجه"(105).

(2)

"سبل السلام"(1/ 44) و"نصب الراية"(1/ 94 - 95) و "التلخيص الحبير"(1/ 14 - 15).

ص: 92

(173)

‌ حديث: (المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى)

.

(موضوع)

رواه الطبراني في "الكبير"(4/ 25) عن حبيب بن خراش العصري.

وفي سنده: عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة وهو متروك.

قال الذهبي: كذَّاب.

وقال أبو حاتم: كان يكذب فضرب على حديثه.

وقال الدارقطني: متروك يضع الحديث. "ميزان الإعتدال" رقم (4928).

وقد حكم ببطلان هذا الحديث:

(1)

الحافظ في "الإصابة"(2/ 16) رقم (1582).

(2)

الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 84).

(3)

الألباني في "الضعيفة"(4677).

التعليق:

قلت: هذا الحديث ضعيف لكن معناه صحيح يقول الله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} {الحجرات: 13} .

ص: 93

ويقول صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يخذله ولا يكذبه كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه

)

(1)

.

وقال صلى الله عليه وسلم: (انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى)

(2)

.

وقال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت

)

(3)

.

(1)

رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(6706) و"الإرواء"(2450).

(2)

رواه أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(1505).

(3)

رواه أحمد وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(2963) وشيخنا الوادعي في "الجامع الصحيح"(1/ 23) رقم (14) والأرنؤوط في تحقيق "مسند أحمد"(23536).

ص: 94

(174)

‌ حديث: (المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء)

.

(لا أصل له)

لقد اشتهرت هذه المقولة على ألسِنة كثير من الناس على أنها حديث نبوي شريف، وليست كذلك بل هي من كلام بعض الأطباء كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله وغيره من أهل العلم.

وقد جاء بألفاظ أخرى مرفوعة لا يصح منها شيء، كما ذكر ذلك أهل الاختصاص بهذا الفن:

(1)

ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 91) رقم (1300).

(2)

ابن القيم في "زاد المعاد"(4/ 104 - 105).

(3)

الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 86).

(4)

العقيلي. كما نقل عنه الحافظ في "لسان الميزان".

(5)

الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(1/ 139) رقم (88).

(6)

الحافظ العراقي. "الإحياء وبذيله المغني"(3/ 117).

(7)

السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 455) رقم (1035).

(8)

السيوطي في "الدرر المنتثرة"(ص: 168) رقم (372).

(9)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 156).

ص: 95

(10)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 279) رقم (2320).

(11)

العامري في "الجد الحثيث"(ص: 213) رقم (462).

(12)

القاري في "المصنوع"(ص: 172) رقم (306).

(13)

الصعدي في "النوافح العطرة"(ص: 337) رقم (1902).

(14)

الصالحي في "الشذرة"(2/ 136) رقم (887).

(15)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 303) رقم (1588).

(16)

السمهودي في "الغماز على اللماز"(ص: 205) رقم (260).

(17)

الأزهري في "تحذير المسلمين"(ص: 167) رقم (617).

(18)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 238) رقم (162).

(19)

الألباني في "الضعيفة"(4/ 187) رقم (1692).

(20)

شيخنا ابن عثيمين في "شرح نزهة النظر"(ص: 51).

التعليق:

قلت: لكن أجمع أهل الطب على صحة معنى هذا الحديث، وإن كان لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن القيم

(1)

رحمه الله: المعدة عضو عصبي مجوف كالقَرْعَة في شكلها، مركب من ثلاث طبقات، مؤلفة من شظايا دقيقة عصبية تسمى الليف، ويحيط بها لحم وليف، إحدى الطبقات بالطول والأخرى بالعرض

(1)

"زاد المعاد"(4/ 118 - 119).

ص: 96

والثالثة بالورب، وفم المعدة أكثر عصباً وقعرها أكثر لحماً، وفي باطنها خمل، وهي محصورة في وسط البطن وأميل إلى الجانب الأيمن قليلاً، خلقت على هذه الصفة لحكمة لطيفة من الخالق الحكيم سبحانه، وهي بيت الداء، وكانت محلاً للهضم الأول، وفيها ينضج الغذاء وينحدر منها بعد ذلك إلى الكبد والأمعاء، ويتخلف منه فيها فضلات قد عجزت القوة الهاضمة عن تمام هضمها، إما لكثرة الغذاء أو لرداءته أو لسوء ترتيب في استعماله أو لمجموع ذلك، وهذه الأشياء بعضها مما لا يتخلص الإنسان منه غالباً، فتكون المعدة بيت الداء، لذلك وكأنه يشير بذلك إلى الحث على تقليل الغذاء ومنع النفس من اتباع الشهوات، والتحرز عن الفضلات، وأما العادة فلأنها كالطبيعة للإنسان، ولذلك يقال العادة طبع ثان، وهي قوة عظيمة في البدن، حتى إن أمراً واحداً إذا قيس إلى أبدان مختلفة العادات كان مختلف النسبة إليها، وإن كانت تلك الأبدان متفقة في الوجوه الأخرى، مثال ذلك أبدان ثلاثة حارة المزاج في سن الشباب، أحدها عُوِّد تناول الأشياء الحارة، والثاني عوِّد تناول الأشياء الباردة، والثالث عوِّد تناول الأشياء المتوسطة، فإن الأول متى تناول عسلاً لم يضر به، والثاني متى تناوله أضر به، والثالث يضر به قليلاً، فالعادة ركن عظيم في حفظ الصحة ومعالجة الأمراض، ولذلك جاء العلاج النبوي بإجراء كل بدن على عادته في استعمال الأغذية والأدوية وغير ذلك.

ص: 97

(175)

‌ حديث: (المؤمن إذا قال صَدَق وإذا قيل له صَدَّق)

.

(ليس بحديث)

لقد اشتهر هذا الكلام في أوساط الناس شهرة عظيمة حتى ظنه البعض أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك كما ذكر ذلك علماء هذا الشأن الذين صنَّفوا في الأحاديث المشتهرة على ألسِنة الناس، منهم:

(1)

الحافظ السخاوي في "المقاصد الحسنة"(1219).

(2)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 180).

(3)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 385) رقم (2674).

(4)

القاري في "المصنوع"(260).

(5)

العامري في "الجد الحثيث"(ص: 240) رقم (555).

(6)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 296) رقم (1545).

(7)

الصالحي في "الشذرة"(2/ 209) رقم (1046).

(8)

الصعدي في "النوافح العطرة"(ص: 416) رقم (2362).

(9)

السمهودي في "الغماز على اللماز"(269).

(10)

الأزهري في "تحذير المسلمين"(ص: 171) رقم (642).

ص: 98

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم أن هذا الحديث ليس بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يغني عنه.

لكن الشطر الأول من الحديث معناه صحيح، (أن المؤمن إذا قال صدق)، وأما الشطر الثاني من الحديث فمعناه غير صحيح، وهو (أن المؤمن إذا قيل له صدّق) فهذا ليس على إطلاقه ولا يقول به عاقل.

قال الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} {الحجرات: 6} ما قال: صدقوا.

قال العلامة السعدي

(1)

رحمه الله: فالمُخبر إما أن يكون:

(1)

صادقاً فيقبل خبره.

(2)

أو كاذباً فيرد خبره.

(3)

أو فاسقاً فيتوقف فيه. اهـ.

لكن قد يقول قائل: فهذا عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يسرق فقال: له أسرقت؟ قال: كلا والذي لا إله إلا هو.

فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني. رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(1)

"تيسير الكريم الرحمن"(5/ 69).

ص: 99

فقد صدَّق الرجل وهو كذَّاب؟

فالجواب: ما نقله الحافظ ابن حجر

(1)

عن ابن القيم أنه قال: والحق أن الله كان في قلبه أجلَّ من أن يحلف به أحدهما كاذباً، فدار الأمر بين تهمة الحالف وتهمة بصره، فرد التهمة إلى بصره، كما ظن آدم صِدْق إبليس لما حلف له أنه ناصح.

وقال القرطبي رحمه الله: ظاهر قول عيسى له سرقت أنه خبر عما فعل من السرقة، وكأنه حقق السرقة عليه لكونه رآه أخذ مالاً لغيره، ويحتمل أنه استفهام حذفت همزته وحذفها قليل، وقول الرجل: كلا أي لا، نفي ثم أكده باليمين، وقول عيسى: آمنت بالله وكذبت نفسي، أي صدَّقتُ من حلف وكذَّبتُ ما ظهر من ظاهر السرقة، فيحتمل أن يكون أخذ ماله فيه من حق، أو يكون لصاحبه إذن، أو أخذه لتغلبه

(2)

.

(1)

"الفتح"(6/ 565).

(2)

"فيض القدير"(4/ 8).

ص: 100

(176)

‌ حديث: (المؤمن في المسجد كالسمك في الماء والمنافق في المسجد كالطير في القفص)

.

(ليس بحديث)

قال العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 388) رقم (2689): لم أعرفه حديثاً وإن اشتهر بذلك، ويشبه أن يكون من كلام مالك بن دينار، فقد نقل المناوي: عنه أنه قال: المنافقون في المسجد كالعصافير في القفص.

التعليق:

قلت: تبين لك أن هذا الكلام ليس بحديث وإنما هو من كلام الناس، ولا شك أن المسجد بيت كل مؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم:(المسجد بيت كل مؤمن)

(1)

.

والمسجد بقعة مباركة في أرض الله وهو حصن الدين القويم، ومعلم من معالمه العظمية، ومنار يفيض بالطمأنينة والإيمان قال سبحانه {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)} {النور: 36}.

والمسجد يتجمع فيه المسلمون لينهلوا من كل فضيلة قال صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا

(1)

رواه أبو نعيم في "الحلية" عن سلمان رضي الله عنه وحسنه العلامة الألباني في "صحيح الجامع"(6702).

ص: 101

نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (أحب البقاع إلى الله مساجدها) رواه مسلم.

وهو أحد الأسباب التي تحمي العبد المؤمن من أهوال يوم القيامة، فما ظنك بمكان يهيئ الملجأ الآمن يوم يشتد الكرب وتضطرب النفوس، ويبحث الخلق عن مأوى يحميهم ويستظلون بظله، فيكون الذي تعلق قلبه بالمسجد في أمان واطمئنان، قال صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله

) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ففي المسجد الراحة، والاطمئنان، والسعادة، والأنس، والفرح، والسرور، والانشراح بتلاوة القرآن، وتعلم العلم، والتسبيح والتهليل، والصلاة، والمحاضرات، والدروس، والخطب والجلوس مع الصالحين، من علماء وطلبة علم وعُبَّاد، والبعد عن صخب الحياة، وضجيج أهل الدنيا، فوالله إن المسجد بيت كل مؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم.

وأما المنافق: فلا يستريح ولا ينشرح صدره إلا مع أمثاله وأضرابه وأشكاله، فإذا دخل المسجد ضاق صدره واكتئب فؤاده قال تعالى {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} {الأنعام: 125}.

ص: 102

(177)

‌ حديث: (المؤمن كَيِّسٌ فطن حذر)

.

(موضوع)

رواه القضاعي في "مسند الشهاب"(128) عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً.

وفي سنده:

(1)

سليمان بن عمرو أبو داود النخعي. قال ابن عدي في "الكامل"(4/ 228): أجمعوا على أنه كان وضاعاً.

(2)

أبان بن أبي عياش متروك متهم. "ميزان الإعتدال"(1/ 10).

وقد نصَّ على بطلان هذا الحديث:

(1)

ابن حجر في "الفتح" تحت حديث (5668): (لا يلدغ المؤمن

).

(2)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 387) رقم (2683).

(3)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 296) رقم (1550).

(4)

السيوطي في "الجامع الصغير".

(5)

المناوي في "فيض القدير"(6/ 334).

(6)

الألباني في "الضعيفة"(760) و"ضعيف الجامع"(5904).

والحديث ذكره: ابن الديبع في "التمييز"(ص: 180) والصعدي في "النوافح العطرة"(2366) والصالحي في "الشذرة"(1050).

ص: 103

التعليق:

قلت: نعم المؤمن كيس فطن، هذا صحيح وإن لم يصح الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

قال المناوي رحمه الله

(1)

تعليقاً على حديث (لا يلدغُ المؤمن

): برفع الغين (نفي) معناه المؤمن المتيقظ الحازم لا يؤتى من قبل الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى.

وبكسرها (نهي) أي ليكن فطناً كيساً لئلا يقع في مكروه بعد وقوعه فيه مرة قبلها.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لست خباً ولا الخب يخدعني) أي: لست ماكراً ومخادعاً، ولا الماكر والمخادع يخدعني. اهـ.

لكن قد يقول قائل: جاء في الحديث الصحيح أن من صفات (المؤمن أنه غركريم، والفاجر خبٌ لئيم) كما قال صلى الله عليه وسلم

(2)

.

(1)

"فيض القدير"(6/ 588).

تنبيه: استشهد المناوي وغيره من العلماء بقصة أبي عزة الجمحي الشاعر عند شرح حديث (لا يلدغ المؤمن من جحر

) وأنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنه للمرة الثانية، فلم يعف عنه صلى الله عليه وسلم بل أمر بقتله والقصة مشهورة في كتب السير. وقد ضعَّف هذه القصة الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(5/ 270) رقم (2241) والعلامة الألباني في "إرواء الغليل"(5/ 41) رقم (1215).

(2)

رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه وحسنه العلامة الألباني في"صحيح الجامع"(6653).

ص: 104

الجواب: يتبين لك من شرح الحديث.

الغر: أي ليس بذي (نُكر) و (مكر).

والغرارة: قلة الفطنة للشر وترك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلاً وغباءً.

ليس الغبي بسيدٍ في قومه

لكن سيد قومه المتغابي

أما الفاجر: فمن عادته الخبث والدهاء، والتوغل في معرفة الشر، وليس ذا منه عقلاً

(1)

.

(1)

"النهاية في غريب الحديث"(ص: 666) و"فيض القدير"(6/ 330) بتصرف.

ص: 105

(178)

‌ حديث: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع)

.

(لا أصل له)

لقد اشتهرهذا الحديث بين الناس شهرة عظيمة فبحثت عنه في كتب العلماء فوجدت أنه لا أصل له كما قال ذلك.

(1)

العلامة الألباني في "الصحيحة" تحت حديث رقم (3942).

(2)

العلامة ابن باز في "مجموع الفتاوى"(4/ 122 - 123): قال رحمه الله: هذا يروى عن بعض الوفود وفي سنده ضعف، يروى أنهم قالوا: (نحن قوم لا نأكل

) يعنون أنهم مقتصدون ويراجع في زاد المعاد والبداية والنهاية لابن كثير. اهـ.

(3)

اللجنة الدائمة فتوى رقم (18072) قالت: هذا اللفظ المذكور ليس حديثاً فيما نعلم.

التعليق:

قال العلامة ابن باز

(1)

رحمه الله: هذ المعنى صحيح، وهذا ينفع الإنسان إذا كان يأكل على جوع أو حاجة، وإذا أكل لا يسرف في الأكل ويشبع الشبع الزائد، أما الشبع الذي لا يضر فلا بأس به، فالناس

(1)

"مجموع الفتاوى"(4/ 122 - 123)

ص: 106

كانوا يأكلون ويشبعون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيره، ولكن يخشى من الشبع الظاهر الزائد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان يدعى إلى ولائم ويضيف الناس ويأمرهم بالأكل فيأكلون ويشبعون ثم يأكل بعد ذلك صلى الله عليه وسلم ومن بقي من الصحابة، وفي عهده ثبت أن جابر دعا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب يوم غزوة الخندق إلى طعام على ذبيحة صغيرة (سخلة) وعلى شيء من شعير، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع الخبز واللحم وجعل يدعو عشرة عشرة فيأكلون ويشبعون، ثم يخرجون ويأتي عشرة آخرون وهكذا فبارك الله في الشعير وفي السخلة، وأكل منها جمع غفير وبقي منها بقية عظيمة حتى صرفوها للجيران، والنبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم أيضاً سقى أهل الصفة لبناً قال أبو هريرة: فسقيتهم حتى رووا، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: اشرب يا أبا هريرة قال شربت، ثم قال: اشرب، فشربت، ثم قال: والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً، ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ما بقي وشرب صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على جواز الشبع، وجواز الري لكن من غير مضرة.

ص: 107

(179)

‌ حديث: (نصرني الشباب وخذلني الشيوخ)

.

(لا أصل له)

لقد اشتهر هذا الكلام على ألسِنة المثقفين والعوام، وليس له أصل في كتب أهل العلم الكرام، وأكد هذا شيخنا الهمام العلامة الوادعي رحمه الله حيث قال: لا أصل له.

وقد ذُكر في بعض كتب الرافضة فلعله من وضعهم ليطعنوا في شيوخ الصحابة الكرام، وفي مقدمتهم الطعن في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد كذب وفجر والتقم الحجر من طعن في أبي بكر وعمر فرضي الله عنهما وعن بقية الصحابة الكرام.

التعليق:

قلت: إذا كان مراد واضع هذا الحديث الطعن في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيرد عليه بما يلي:

أولاً: إن أبا بكر رضي الله عنه في بداية الدعوة كان شاباً، فقد ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بعامين وأسلم وعمره (38) سنة، وأسلم عمر رضي الله عنه وعمره (33) سنة

(1)

.

(1)

كان إسلام عمر رضي الله عنه في السنة السادسة من البعثة، وكان عمره حين بعث صلى الله عليه وسلم (27) سنة. "الوافي بالوفيات" للصفدي و"فتح الباري" تحت حديث (3576) و "الطبقات" لابن سعد.

ص: 108

ثانياً: إن كان مراد الواضع بالشباب الذين نصروه صلى الله عليه وسلم هم شباب الصحابة، وبالشيوخ الذين خذلوه صلى الله عليه وسلم هم شيوخ المشركين كأبي جهل وأبي لهب وأمية بن خلف وغيرهم فهذا حق، والواقع أكبر شاهد.

ثالثاً: إن كان مراد الواضع أن شيوخ الصحابة الكرام كأبي بكر وعمر خذلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا كذب وبهتان، فهم حماة الإسلام الذين ضحُّوا من أجله بكل غالٍ ونفيس، في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد موته، نصروه وآزوره في شبابهم وفي كبرهم، وكانوا وزراءه وخلفاءه فوالله وبالله وتالله ما خذلوه يوماً من الدهر، وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال:(البركة مع أكابركم)

(1)

.

(1)

رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2884)

ص: 109

(180)

‌ حديث: (نِعمَ المُذَكِّر السُّبحَة)

.

(موضوع)

أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" عن علي رضي الله عنه.

قال العلامة الألباني في"الضعيفة"(83): موضوع وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض، جُل رواته مجهولون بل بعضهم متهم.

وقد جاء في هذا الباب حديث آخر بلفظ: (كان صلى الله عليه وسلم يسبح بالحصى) وهو حديث: موضوع أيضاً. "الضعيفة"(1002).

التعليق:

قلت: بين العلماء بدعية السبحة من وجوه:

الوجه الأول: السبحة بدعة لأنها لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخذت عن أهل الكتاب. قال محمد رشيد رضا: كنا نرى السبح في أيدي القسيسين من النصارى والرهبان والراهبات، ونسمع أنها مأخوذة عن البراهمة، ولما زرت الهند هذه السنة (1912 م) رأيت فيها بعض الصوفية من البراهمة والمسلمين ورأيتهم يحملون السبح ويعلقونها في رقابهم، والظاهر أن المسلمين أخذوها أولاً عن النصارى لا عن البراهمة، لأنهم ما عرفوا البراهمة فيما يظهر إلا عندما فتحوا الهند، وأما النصارى فكانوا في مهد الإسلام عند ظهوره -في جزيرة العرب- وفي البلاد المجاورة لها كالشام ومصر، فلا بد أن

ص: 110

يكون قد أخذوا السبحة عنهم فيما أخذوه من اللباس والعادات، والأمر في السبحة ينبغي أن يكون أشد من أخذ غيرها عنهم لأنها تدخل في العبادة وتعد شعارًا

(1)

.

فإن قال قائل: قد جاء في بعض الأحاديث التسبيح بالحصى وإنه صلى الله عليه وسلم أقره، فلا فرق حينئذٍ بينه وبين التسبيح بالسبحةكما قال الشوكاني. قلت: هذا قد يسلم لو أن الأحاديث في ذلك صحيحة، وليس كذلك بل هي ضعيفة كما تبين لك.

الوجه الثاني: روى ابن وضاح القرطبي

(2)

قال: مر ابن مسعود رضي الله عنه بامرأة ومعها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه، ثم مر برجل يسبح بحصى فضربه برجله ثم قال: لقد سبقتم ركبتم بدعة ظلماً أولقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علمًا.

الوجه الثالث: السبحة مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن عمرو:

(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه)

(3)

.

الوجه الرابع: السبحة مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (عليكن بالتسبيح والتهليل ولا تغفلن فتنسين التوحيد (وفي رواية: الرحمة) واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات ومستنطقات) رواه أبو داود وغيره وهو حديث حسن.

(1)

"إحكام المباني في نقض وصول التهاني" للشيخ على الحلبي.

(2)

"البدع والنهي عنها"(ص: 12).

(3)

رواه الترمذي وأبو داود، وإسناده صحيح.

ص: 111

الوجه الخامس: قد يقول قائل: إن العدد بالأصابع كما ورد في السنة، لا يمكن أن يضبط به العدد إذا كان كثيراً؟

فالجواب: إنما جاء هذا الإشكال من بدعة أخرى وهي ذكر الله في عدد محصورلم يأت به الشارع الحكيم، فتطلبت هذه البدعة بدعة أخرى وهي السبحة، فإن أكثر ما جاء في العدد في السنة الصحيحة هو فيما أذكر الآن (مائة)، وهذا يمكن ضبطه بالأصابع بسهولةٍ لمن كان ذلك عادته، ولولم تكن في السبحة إلا سيئة واحدة وهي أنها قضت على سنة العدّ بالأصابع، أو كادت مع اتفاقهم على أنها الأفضل لكفى، وكل خير في الاتباع وكل شرٍ في الابتداع

(1)

.

(1)

وانظر "الضعيفة"(83) و"نظم الفرائد"(2/ 422 - 430) و"إحكام المباني في نقض وصول التهاني". وللعلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رسالة عظيمة ماتعة في السبحة بحثها من جميع جوانبها وأبطلها عقلاً وشرعاً انظرها إن شئت، وذكرها كذلك في كتابه "تصحيح الدعاء".

ص: 112

(181)

‌ حديث: (نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح وعمله مضاعف ودعاؤه مستجاب وذنبه معفور)

.

(ضعيف)

رواه البيهقي في "الشعب"(3/ 415 - 416) رقم (3937) و (3938) و (3939) عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما.

وفي سنده: سليمان بن عمرو، وهو أبو داود النخعي، كذَّاب.

وتابعه: معروف بن حسان وهو ضعيف.

وقد ضعَّف هذا الحديث:

(1)

البيهقي في"الشعب"(3/ 416).

(2)

العراقي. "الإحياء وبذيله المغني"(1/ 315، 465).

(3)

السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 180) و"الجامع الصغير".

(4)

المناوى في "فيض القدير"(6/ 378).

(5)

الأزهري في "تحذير المسلمين"(ص: 182).

(6)

الألباني في "الضعيفة"(4696) و"ضعيف الجامع"(5972).

التعليق:

قلت: هذا الحديث لا يصح سنداً ومتناً.

ص: 113

وقد سُئل شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله

(1)

: عن النوم طوال النهار ما حكمه؟ وما حكم صيام من ينام إذا كان يستيقظ لأداء الفرض ثم ينام فما حكمه؟

فأجاب: هذا السؤال يتضمن حالين:

الأولى: رجل ينام طوال النهار ولا يستيقظ، ولا شك أن هذا جان على نفسه، وعاصٍ لله عز وجل بتركه الصلاة في أوقاتها، وإذا كان من أهل الجماعة فقد أضاف إلى ذلك ترك الجماعة أيضاً وهو حرام عليه ومنقص لصومه، ومثله مثل من يبنى قصراً ويهدم مصراً، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يقوم ويؤدي الصلاة في أوقاتها حسبما أمر به.

أما الحال الثانية: وهي حال من يقوم ويصلي المفروضة في وقتها ومع الجماعة فهذا ليس بآثم لكنه فوَّت على نفسه خيراً كثيراً، لأنه ينبغي للصائم أن يشتغل بالصلاة، والذكر، والدعاء، وقراءة القران الكريم، حتى يجمع في صيامه عبادات شتى، والإنسان إذا عوَّد نفسه ومرنها على أعمال العبادات في حال الصيام سهل عليه ذلك، وإذا عوَّد نفسه الكسل والخمول والراحة صار لا يألف إلا ذلك، وصعبت عليه العبادات والأعمال في حال الصيام، فنصيحتي لهذا ألا يستوعب وقت صيامه في نومه فليحرص على العبادة، وقد يسر الله والحمد لله في وقتنا هذا للصائم ما يزيل عنه مشقة الصيام من المكيفات وغيرها مما يهون عليه الصيام.

(1)

"فتاوى أحكام الصيام"(ص: 170 - 171).

ص: 114

(182)

‌ حديث: (نية المؤمن خير من عمله)

.

(ضعيف)

رواه الطبراني في "الكبير"(5942) عن سهل بن سعد رضي الله عنهما، وعنه أبو نعيم في "الحلية"(2/ 370) رقم (2605).

وفي سنده:

(1)

حاتم بن عباد بن دينار. قال الهيثمي في "المجمع"(1/ 109، 161): لم أعرفه.

(2)

يحيى بن قيس الكندي. أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وقال الحافظ في "التقريب": مستور.

ورواه القضاعي في "مسند الشهاب"(148) عن النواس بن سمعان رضي الله عنه.

وفي سنده:

(1)

عثمان بن عبد الله الشامي، اتهم.

(2)

بقية بن الوليد، مدلس وقد عنعن.

ورواه الخطيب في "التاريخ" من طريق آخر.

وفي سنده: سليمان بن عمرو أبو داود النخعي، وهو كذَّاب.

ورواه البيهقي في "الشعب"(5/ 343) عن أنس رضي الله عنه، وضعفه.

ص: 115

وقد ضعَّف هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

البيهقي في "الشعب"(5/ 343).

(2)

الحافظ العراقي. "الإحياء وبذيله المغني "(5/ 9).

(3)

السيوطي في "الدرر المنتثرة"(ص: 183) رقم (426).

(4)

السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 526) رقم (1260).

(5)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 185).

(6)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 430 - 431) رقم (2836).

(7)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 188).

(8)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 308) رقم (1617 - 1618).

(9)

الألباني في "الضعيفة"(2216) و"ضعيف الجامع"(5977).

التعليق:

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله

(1)

: معناه أن النية قد يدرك بها ما لا يدركه بالعمل، مثل أن يكون رجل عاجز عن فعل الطاعة، ويتمنى أنه يدرك هذه الطاعة فينويها، هذه قد تكون خيراً من العمل، ولهذا جاء في الحديث:(من لم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) رواه مسلم وغيره.

(1)

"المناهي اللفظية"(ص: 195).

ص: 116

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سأل الله الشهادة بصدق فإنه ينال منزلة الشهداء وإن مات على فراشه) رواه مسلم.

ويستثنى منه إذا كان الإنسان قادراً على العمل، ولكن لم يعمل فلا نقول هذا رجل نيته أفضل من عمله، لأنا لو قلنا هذا بقى الإنسان مستطيعاً للطاعة لا يفعل الطاعة ويقول: النية خير من العمل. اهـ.

وقال المناوي

(1)

: (نية المؤمن خير -وفي رواية- أبلغ من عمله) لما تقرر، ولأن المؤمن في عمل ونيته عند فراغه لعمل ثان، ولأن النية بانفرادها توصل إلى ما لا يوصله العمل بانفراده، ولأنها هي التي تقلب العمل الصالح فاسداً، والفاسد صالحاً مثاباً عليه، ويثاب عليها أضعاف ما يثاب على العمل، ويعاقب عليها ما يعاقب عليه فكانت أبلغ وأنفع.

وقيل: إذا فسدت النية وقعت البلية، ومن الناس من تكون نيته وهمته أجلَّ من الدنيا وما عليها، وآخر نيته وهمته من أخس نية وهمة، فالنية تبلغ بصاحبها في الخير والشر ما لا يبلغه عمله، فأين نية من طلب العلم وعلمه ليصلي الله عليه وملائكة، وتستغفر له دواب البر، وحيتان البحر، إلى نية من طلبه لمأكل أو وظيفة كتدريس، وسبحان الله كم بين من يريد بعلمه وجه الله، والنظر إليه وسماع كلامه وتسليمه عليه في جنة عدن، وبين من يطلب حظاً خسيساً كتدريس أو غيره من العرض الفاني.

(1)

"فيض القدير"(6/ 380).

ص: 117

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم: (نية المرء أبلغ من عمله)

فأجاب: هذا الكلام قاله غير واحد، وبعضهم يذكره مرفوعاً وبيانه من وجوه:

أحدها: أن النية المجردة من العمل يثاب عليها، والعمل المجرد عن النية لا يثاب عليه، فإنه قد ثبت بالكتاب والسنة واتفاق الأئمة أن من عمل الأعمال الصالحة بغير إخلاص لله لم يقبل منه ذلك، وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة).

الثاني: أن من نوى الخير وعمل منه مقدوره، وعجز عن إكماله كان له أجر عامل كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، قالوا: وهم بالمدينة! قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر).

وقد صحح الترمذي حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه ذكر أربعة رجال: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل فيه بطاعة الله، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فقال: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان. قال: فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه

ص: 118

الله مالاً ولم يؤته علماً، فهو يعمل فيه بمعصية الله، ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً فقال: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان، قال: فهما في الوزر سواء).

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً).

وفي الصحيحين عنه أنه قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم) وشواهد هذا كثيرة.

الثالث: أن القلب ملك البدن والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبتث جنوده والنية عمل الملك بخلاف الأعمال الظاهرة فإنها عمل الجنود.

الرابع: إن توبة العاجز عن المعصية تصح عند أهل السنة كتوبة المجبوب عن الزنا، وكتوبة المقطوع اللسان عن القذف وغيره، وأصل التوبة عزم القلب وهذا حاصل مع العجز.

الخامس: أن النية لا يدخلها فساد بخلاف الأعمال الظاهرة، فإن النية أصلها حب الله ورسوله وإرادة وجهه، وهذا هو بنفسه محبوب لله

ص: 119

ولرسوله، مرضي لله ولرسوله، والأعمال الظاهرة تدخلها آفات كثيرة، ومالم تسلم منها لم تكن مقبولة؛ ولهذا كانت أعمال القلب المجردة أفضل من أعمال البدن المجردة.

كما قال بعض السلف: قوة المؤمن في قلبه وضعفه في جسمه، وقوة المنافق في جسمه وضعفه في قلبه، وتفصيل هذا يطول والله أعلم

(1)

.

(1)

"مجموع الفتاوى"(22/ 243 - 245).

ص: 120

(183)

‌ حديث: (الناس كأسنان المشط وإنما يتفاضلون بالعافية

).

(موضوع)

رواه ابن عدي في "الكامل"(4/ 225) رقم (733) عن أنس رضي الله عنه.

ومن طريق ابن عدي رواه القضاعي في"مسند الشهاب"(195)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 273 - 274) رقم (1508).

قال ابن عدي: هذا حديث وضعه سليمان بن عمرو على إسحاق.

قال أحمد: وأجمعوا على أنه كان يضع الحديث.

قلت: والحديث جاء من عدة طرق لا يصح منها شيء.

وقد حكم على هذا الحديث بالبطلان جمع من العلماء، منهم:

(1)

ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 273 - 274) رقم (1508).

(2)

الحافظ في "لسان الميزان"(2/ 51) رقم الترجمة (1690).

(3)

السخاوي كما نقل عنه الشوكاني في "الفوائد"(ص 208).

(4)

السيوطي في "اللآلئ المصنوعة"(2/ 246).

(5)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 433) رقم (4847).

(6)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 208).

ص: 121

(7)

المعلمي في تعليقه على "الفوائد المجموعة"(ص: 208).

(8)

الألباني في "الضعيفة"(2/ 60) رقم (596).

التعليق:

قال العلامة ابن عثيمين

(1)

رحمه الله: يجب أن ننبه على أن من الناس من يستعمل بدل العدل: المساواة وهذا خطأ، ولا يقال: مساواة، لأن المساواة قد تقضي التسوية بين شيئين، الحكمة تقتضي التفريق بينهما، ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون أيُّ فرق بين الذكر والأنثى؟ سووا بين الذكر والأنثى، حتى إن الشيوعية قالت: أي فرق بين الحاكم والمحكوم؟ ولا يمكن أن يكون لأحد سلطة على أحد حتى بين الوالد والولد، ليس للوالد سلطة على الولد

وهلم جرا.

لكن إذا قلنا بالعدل: وهو إعطاء كل ذي حق ما يستحقه زال هذا المحذور وصارت العبارة سليمة، ولهذا لم يأت في القرآن أبداً: إن الله يأمر بالتسوية ولكن جاء {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} {النحل: 90} {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} {النساء: 58} وأخطأ على الإسلام من قال: إن الإسلام دين المساواة بل دين الإسلام دين العدل، وهو الجمع بين المتساويين والتفريق بين المتفرقين إلا أن يريد بالمساواة العدل فيكون أصاب في المعنى وأخطأ في اللفظ، ولهذا كان أكثر ما جاء في القرآن

(1)

"شرح العقيدة الواسطية"(1/ 229 - 230).

ص: 122

نفي المساواة قال تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} {الزُّمر: 9} . وقوله {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} {الرعد: 16} . وقوله {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} {الحديد: 10} وقوله {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} {النساء: 95} ، ولم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً إنما يأمر بالعدل وكلمة (العدل) أيضاً تجدونها مقبولة لدى النفوس. اهـ.

وقال الشيخ محمد بن عبد الله الإمام

(1)

-حفظه الله-: وخلاصة أقوال أهل العلم: أن المساوة دعوة إلحادية إباحية، تقضي على الفضائل والمكارم والأخلاق الحميدة، وتحوِّل من قبلهَا إلى حيوانات بهيمية، ومن خلال اطلاعي على أبعاد المساواة فهي أوسع الدعوات كفراً، فالكفر فيها أنواع كثيرة، وهي أكثر الدعوات على الإطلاق استيعاباً للرذائل، وهي أول دعوة إجرامية غزت العالم النسوي في بلاد المسلمين، فلا نجد مجتمعاً -ولو صغيراً- إلا وقد وصلت إليه هذه الدعوة، فهي خزي وعار وشنار على أصحابها في الدنيا والآخرة إلا من تاب إلى الله فمن اعتقد صحة دعوة المساواة فهو مرتد عن دين الإسلام.

(1)

"الإيضاحات الموثقة في بيان بوائق دعوة المساواة المطلقة"(188).

ص: 123

(184)

‌ حديث: (النبي صلى الله عليه وسلم وصَّى على سابع جار)

.

(ليس بحديث)

لقد اشتهرت هذه المقولة بين كثير من الناس على أنها حديث نبوي شريف، والصحيح أنه لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يدور على ألسنة العامة بهذا اللفظ. "مجلة الأصالة" العدد الرابع (ص: 41) (15/ شوال/ 1413 هـ).

قلت: وقد جاءت عدة أحاديث تحدد الجار بأربعين على الجهات الأربع وكلها لا تصح أيضاً. "الضعيفة"(274، 275، 276، 277).

التعليق:

قلت: تبين لك أخي المسلم أن هذه المقولة المشتهرة بين الناس لا تصح مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصى بالجار، والجار محكوم بالعرف فكل ما تعارف عليه الناس أنه جار فهو جار.

والوصية بالجار ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، لكن تحديد السابع منها لا أصل له مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

فائدة: ذكر البخاري في "الأدب المفرد"

(1)

عن الحسن البصري أنه سئل عن الجار فقال: (أربعين داراً أمامه وأربعين داراً خلفه وأربعين عن يمينه وأربعين عن يساره).

(1)

(ص: 66) وحسنه العلامة الألباني في "صحيح الأدب المفرد"(ص: 66).

ص: 124

(185)

‌ حديث: (النظافة من الإيمان)

.

(ليس بحديث)

لقد شاع هذا الكلام وذاع واستفاض بل وتواتر، وتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل، وعرفه الكبار والصغار، وتصدر به كلمات ومقالات، ويلقى في المحافل والتجمعات والمدارس ويعلق في المستشفيات والطرقات على أنه حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك.

وقد نصَّ على عدم ثبوته:

(1)

العراقي. "الإحياء وبذيله المغني"(1/ 170).

(2)

اللجنة الدائمة (4/ 466) فتوى رقم (5329) قالت: ليس بحديث وإنما كلام جرى على ألسنة الناس.

(3)

شيخنا ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" قال: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مشهوراً عند الناس.

قلت: وقد جاءت طائفة من الأحاديث في هذا الموضوع لا يصح منها شيء:

(1)

(تنظفوا فإن الإسلام نظيف) رواه ابن حبان وضعَّفه الألباني في "غاية المرام تخريج أحاديث الحلال والحرام"(ص: 55).

ص: 125

(2)

(النظافة تدعو إلى الإيمان) عزاه الهيثمي في "المجمع"(1/ 236) إلى الطبراني في "الأوسط". وفيه إبراهيم بن حيان. قال ابن عدي في "الكامل"(1/ 410): أحاديثه موضوعة. وقال العلامة الألباني في "غاية المرام"(71): ضعيف جداً.

(3)

(بني الدين على النظافة) قال العراقي: لم أجده هكذا. "الإحياء وبذيله المغني"(1/ 170). وضعَّفه: السيوطي في "الدررالمنتثرة"(157)، والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص: 18)، والعجلوني في "كشف الخفاء"(922)، والفتني في "تذكرة الموضوعات" (ص: 31)، وابن الديبع في "التمييز" (ص: 55) والسمهودي في "الغماز على اللماز"(67)، والسخاوي في المقاصد الحسنة (302)، والألباني في ضعيف الجامع (2485).

(4)

(إن الله نظيف يحب النظافة) ذكره السخاوي في "المقاصد"(ص: 176) تحت حديث رقم (302) وقال: راويه ضعيف.

(5)

(تنظفوا بكل ما استطعتم، فإن الله تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنة إلا كل نظيف) ضعَّفه الألباني في "ضعيف الجامع"(2485).

ص: 126

التعليق:

قلت: لكن من المؤكد أن معنى هذه الكلمة صحيح (النظافة من الإيمان)، وهو مقتبس من نصوص صحيحة أخرى، ففي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الطهور شطر الإيمان).

و (الطُهور) بضم الطاء هو الطهارة، والطهارة في الإسلام تشمل الطهارة المعنوية من رجس الكفر والمعصية والرذيلة كما تشمل الطهارة الحسية. وهي تعني النظافة، وهي شرط لصحة الصلاة، سواء كانت الطهارة من الحدث بالوضوء والغسل أم من الخبث بالتنظيف المناسب، وهي طهارة الثوب والبدن والمكان.

ولهذا كان باب الطهارة أول ما يدرس في الفقه الإسلامي، لأنه مدخل ضروري للصلاة، ومفتاح الجنة الصلاة ومفتاح الصلاة الطهور.

وفي الحديث الصحيح: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) رواه مسلم وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وقد أثنى القرآن على أهل قبا لحرصهم على التطهر وحبهم لله قال تعالى

{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} {التوبة: 108} .

وقال تعالى في سياق التطهر بعد الحيض {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} {البقرة: 222} .

ص: 127

ومن درس السنة النبوية وجد فيها حشداً من الأحاديث الصحاح والحسان تحث على النظافة في كل المستويات، نظافة الإنسان، ونظافة البيت، ونظافة الطريق، وفي نظافة الإنسان أمرت السنة بغسل يوم الجمعة حتى عبر عنه في بعض الأحاديث بلفظ الواجب:(غسل الجمعة واجب على كل محتلم) متفق عليه عن أبي سعيد رضي الله عنه.

وفي حديث آخر (حق الله على كل مسلم في كل سبعة أيام يوم يغسل فيه رأسه وجسمه) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ويتأكد ذلك إذا وجدت أسبابه من العرق والوسخ ونحوه، حتى لا يكون مصدر إيذاء لمن يخالطه، وأكدت السنة وشددت على أجزاء معينة من الجسم تحتاج إلى عناية خاصة مثل الفم والأسنان، ومن ثم كان الأمر بالسواك وتأكيد استحبابه قال صلى الله عليه وسلم:(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

أي أمر إيجاب وإلزام.

وقال صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)

(1)

.

ومن ذلك نظافة الشعر وفيه جاء الحديث: (من كان له شعر فليكرمه)

(2)

.

(1)

رواه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم والبيهقي وابن ماجه، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"

(2)

رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني في "صحيح الجامع".

ص: 128

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائراً في منزلنا فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره فقال: أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟ ورأى رجلاً وعليه ثياب وسخة فقال: أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه)

(1)

.

وتكميلاً لذلك جاءت الأحاديث بما عرف باسم سنن الفطرة التي تدل على مدى حرص الإنسان على النظافة، والتجمل والمحافظة على نعمة الصحة والزينة، وتشمل: تقليم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، ونحو ذلك وهي في الصحيحين.

ومما عنيت السنة به، نظافة البيت، فلا بد من تنظيفه من كل الأقذار والأخباث التي يسوء منظرها ويضر مخبرها، وفي الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال:(نظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود)

(2)

.

ومثل ذلك نظافة الطريق، ومن الأحاديث الشهيرة التي يكاد يحفظها جميع المسلمين (إماطة الأذى عن الطريق صدقة) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ومما حذرت منه السنة أشد التحذير (التخلي في الطريق ومواضع الظل) وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه مما يجلب اللعنة على صاحبه، سواءً لعنة الله أم

(1)

رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم.

(2)

حسنه الألباني في "غاية المرام"(ص: 89).

ص: 129

لعنة الناس فقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا اللاعنين الذي يتخلى في طريق الناس وفي ظلهم) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وفي حديث آخر: (اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل)

(1)

.

وبهذا سبقت السنه بالحث على حماية البيئة من التلوث، ومثل ذلك البول في الماء الراكد أو الجاري، قال صلى الله عليه وسلم:(لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

كما حثت السنة على العناية بالطعام والشراب، وحمايتها من أسباب التلوث، وفي هذا ما جاء في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (

وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليه شيئاً، وأطفئوا مصابيحكم).

وأخيراً: أليس في هذه النصوص غنية عن هذا الحديث الذي لا يصح وهو حديث: (النظافة من الإيمان)؟!.

(1)

رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن معاذ رضي الله عنه وحسنه الألباني في "صحيح الجامع".

ص: 130

(186)

‌ حديث: (النظر في المصحف عبادة)

.

(موضوع)

قال الألباني رحمه الله في "الضعيفة"(356) و (4702) أخرجه ابن أبي الفراتي عن جابر رضي الله عنه.

وفي سنده: محمد بن زكريا بن دينار الغلابي وهو معروف بالوضع.

قلت: وقد جاءت جملة من الأحاديث في هذا الموضوع لا تصح أيضاً، منها:

(1)

(النظر إلى الكعبة عبادة) رواه أبو الشيخ عن عائشة رضي الله عنها: وهو حديث ضعيف. [انظر: "كشف الخفاء" (2858)، و"أسنى المطالب" (1639)، و"إتحاف السادة المتقين" (4/ 283)، و"الضعيفة" (4701) و"ضعيف الجامع" (5990)]

(2)

(النظر إلى علي بن أبي طالب عبادة) أورده ابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 124).

(3)

(نظرة في وجه عالم أحب إلى الله من عبادة ستين سنة صياماً وقياماً) قال السخاوي في "المقاصد"(ص: 522) رقم (1251): ليس له سند يصح. وانظر "تحذير المسلمين"(711).

(4)

(النظر إلى الوجه الجميل عبادة) قال ابن القيم: سُئل عنه شيخنا ابن تيمية فقال: كذب باطل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. "المنار المنيف"(ص: 62) رقم (99) و"المصنوع"(ص: 202) رقم (383).

ص: 131

التعليق:

تبين لك أخي الكريم ضعف الأحاديث التي فيها أن النظر عبادة وأنه لم يثبت منها شيء، سواءٌ حديث النظر إلى المصحف، أو الكعبة أو العالم أو غير ذلك، فلا نتعبد الله إلا بما شرع لنا، والعبادة توقيفية قال الناظم:

والأصل في الأشياء حلٌّ وامنع عبادة إلا بإذن الشارع

لكن إذا كان النظر في المصحف نظر قراءة فهذه عبادة لاشك فيها.

قال شيخنا ابن عثيمين

(1)

رحمه الله: ومن العجيب أن الذين قالوا ينظر إلى الكعبة، علل بعضهم ذلك بأن النظر إلى الكعبة عبادة، وهذا التعليل يحتاج إلى دليل، فمن أين لنا أن النظر إلى الكعبة عبادة؟ لأن إثبات أي عبادة لا أصل لها من الشرع فهو بدعة.

(1)

"الممتع"(3/ 41).

ص: 132

(187)

‌ حديث: (النظرة سهم من سهام إبليس من تركها من أجل مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قبله)

.

(ضعيف)

رواه الطبراني في الكبير (10/ 173) رقم (10362) عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه.

وفي سنده: عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي.

قال النووي: اتفقوا على تضعيفه.

ورواه القضاعي في "مسند الشهاب"(292) والحاكم في "المستدرك"(4/ 456) رقم (7956) عن حذيفة رضي الله عنه.

وفي سنده:

(1)

عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف.

(2)

إسحاق بن عبد الواحد القرشى الموصلي. قال أبو على الحافظ: متروك الحديث. "ميزان الاعتدال"(1/ 195).

وقد نصَّ على تضعيف هذا الحديث:

(1)

الهيثمي في "المجمع"(8/ 63).

(2)

المنذري في "الترغيب والترهيب"(2/ 762).

ص: 133

(3)

الألباني في "الضعيفة"(1065) و"الترغيب والترهيب"(1194).

(4)

شيخنا الوادعي في "تعليقه على المستدرك"(4/ 456) رقم (7956).

قلت: وقد جاءت جملة من الأحاديث تدعو إلى النظر إلى الوجه الحسن وإلى كل شيء حسن، كلها لا تصح، منها:

(1)

(النظر إلى الوجه الحسن يجلو البصر، وإلى الوجه القبيح يورث القلح). والقلح: صفرة تعلو الأسنان؛ رواه أبو نعيم في "الحلية" بسند ضعيف.

(2)

(النظر إلى الوجه الحسن والخضرة والماء يحيي القلب ويجلي عن البصر الغشاوة) لا يصح. "الشذرة"(2/ 222).

(3)

(النظر إلى المرأة الحسناء والخضرة يزيدان في البصر). قال الذهبي في "الميزان"(3/ 627): خبر باطل. وقال الألباني في "الضعيفة"(133) و"ضعيف الجامع"(5991): موضوع.

(4)

(اطلبوا الخير عند حسان الوجوه) موضوع. "الضعيفة"(2855) و (2797) و"ضعيف الجامع"(903، 904).

قال ابن القيم رحمه الله في "المنار المنيف"(ص: 63، 125): وكل حديث فيه ذكر الحسان، والثناء عليهم أو الأمر بالنظر إليهم، أو التماس الحوائج منهم، أو أن النار لا تمسهم فكذب مختلق وإفك مفترى.

وقال العقيلي: ليس في هذا الباب شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 134

قلت: للفائدة جاء في مسند البزار عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أبردتم إليَّ بريداً فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم)

(1)

.

التعليق:

قلت: في الكتاب والسنة ما يغني عن هذا الحديث الضعيف، فقد أمر الله بغض البصر فقال {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} {النور: 30}.

وقال سبحانه {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} {النور: 31} .

وقال صلى الله عليه وسلم: (

وغضوا أبصاركم

)

(2)

.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (الإثم حواز القلوب، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع)

(3)

.

وقال ابن تيمية رحمه الله

(4)

: إن غض البصر عن الصورة التي ينهى عن النظر إليها كالمرأة والأمرد الحسن يورث ذلك ثلاث فوائد جليلة القدر:

الأولى: حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب مما تركه لله، فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

(1)

صححه العلامة الألباني رحمه الله في "الصحيحة" رقم (1186) وصحيح الجامع رقم (259.

(2)

أخرجه أحمد وغيره من حديث عبادة بن الصامت وهو حسن بشواهده "الترغيب والترهيب"(2/ 762) رقم (1901).

(3)

"الصحيحة"(2613) و"الترغيب والترهيب"(2/ 763) رقم (1907).

(4)

"مجموع الفتاوى"(15/ 420 - 426).

ص: 135

الثانية: نور القلب والفراسة، قال تعالى عن قوم لوط {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)} {الحجر: 72}. فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمى البصيرة وسكر القلب بل جنونه.

الثالثة: قوة القلب وثباته وشجاعته، فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة.

وقال ابن القيم رحمه الله

(1)

: والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظره تولد خَطْرة ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرداة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.

قال الشاعر:

كل الحوادث مبداها من النظر

كم نظرة بلغت من قلب صاحبها

والعبد ما دام ذا طرف يقلبه

يسر مقلته ما ضر مهجته

ومعظم النار من مستصغر الشرر

كمبلغ السهم بين القوس والوتر

في أعين الغير موقوف على الخطر

لا مرحباً بسرور عاد بالضرر

(1)

"الداء والدواء"(234 - 236).

ص: 136

ومن آفات النظر: أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات، فيرى العبد ما ليس قادراً عليه ولا صابراً عنه، وهذا من أعظم العذاب، أن ترى مالا صبر لك عنه ولا عن بعضه ولا قدرة لك عليه.

قال الشاعر:

وكنت متى أرسلت طرفك رائداً

رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ

لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

عليه ولا عن بعضه أنت صابر

وهذا البيت يحتاج إلى شرح، ومراده: أنك ترى ما لا تصبر عن شيء منه ولا تقدر على شيء منه، فإن قوله:(لا كله أنت قادر عليه) نفي لقدرته على الكل، التي لا تنبغي إلا بنفي القدرة على كل واحد، وكم ممن أرسل لحظاته فما أقلعت إلا وهو يتشحط بينهن قتيلاً كما قيل:

يا ناظراً ما أقعلت لحظاته

حتى تشحط بينهن قتيلاً

ولي من الأبيات:

ملَّ السلامة فاغتدت لحظاته

ما زال يتبع إثره لحظاته

وقفاً على طلل يُظَنُّ جميلا

حتى تشحط بينهن قتيلا

ومن العجب: أن لحظة الناظر سهم لا يصل إلى المنظور إليه حتى يتبوأ مكاناً من قلب الناظر.

ص: 137

ولي من قصيدة:

يا رامياً بسهام اللحظ مجتهداً

أنت القتيل بما ترمي فلا تصب

وباعث الطرف يرتاد الشفاء له

احبس رسولك لا يأتيك بالعطب

وأعجب من ذلك: أن النظرة تجرح القلب جرحاً، فيتبعها جرحاً على جرح، ثم لا يمنعه ألم الجراحة من استدعاء تكرارها، ولي أيضاً في هذا المعنى:

مازلت تتبع نظرة في نظرة

في إثر كل مليحة ومليح

وتظن ذلك دواء جرحك وهو

في التحقيق تجريح على تجريح

فذبحت نفسك باللحاظ وبالبكا

فالقلب منك ذبيح أي ذبيح

وقد قيل: حبس اللحظات أيسر من دوام الحسرات. اهـ.

ص: 138

(188)

‌ حديث: -زيادة لفظة- (ومسلمة) في حديث: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)

.

(لا أصل لها)

لقد اشتهرت هذه الزيادة (ومسلمة) على ألسِنة كثير من العلماء وطلاب العلم والعامة، يزيدونها في آخر الحديث الصحيح (طلب العلم فريضة على كل مسلم).

وهذه الزيادة لا أصل كما نصّ على ذلك جمع من أهل العلم:

(1)

قال الحافظ السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 328): قد ألحق بعض المصنفين بآخر هذا الحديث: (ومسلمة)، وليس لها ذكر في شيء من طرقه وإن كان معناها صحيحاً.

(2)

قال العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 57): وقد ألحق بعض المحققين: (ومسلمة) بعد قوله: (ومسلم) وليس لها ذكر في شيء من طرقه وإن كانت صحيحة المعنى.

(3)

قال الصالحي في "الشذرة"(1/ 379): وقد ألحق بعض المصنفين بآخر الحديث: (ومسلمة)، وليس لها ذكر في شيء من طرقه وإن كانت صحيحة المعني.

(4)

نقل الزبيدي في "شرح الإحياء"(1/ 98) كلام السخاوي وأقره.

ص: 139

(5)

قال العلامة الألباني في "المشكاة"(1/ 76): وأما زيادة: (ومسلمة) التي اشتهرت على الألسن فلا أصل لها البته. وكذا قال في تخريج "مشكلة الفقر"(ص: 62)، وفي تعليقه على "حقوق النساء في الإسلام" (ص: 18).

(6)

الحلبي في تعليقه على "جزء فيه طرق حديث (طلب العلم فريضة على كل مسلم)(ص: 7) تخريج الحافظ السيوطي.

قلت: وأما حديث: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) بدون زيادة (مسلمة) فقد رواه ابن عدي في "الكامل"، والبيهقي في "الشعب" عن أنس رضي الله عنه، والطبراني في "الصغير"، والخطيب عن الحسين بن علي رضي الله عنهما والطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس رضي الله عنهما، والطبراني في "الكبير" عن ابن مسعود، والخطيب عن علي رضي الله عنه، والطبراني "الأوسط" والبيهقي في "الشعب" عن أبي سعيد رضي الله عنه.

وحكم بثبوته جمع من العلماء من السلف والخلف، وممن حكم بثبوته من علمائنا المتأخرين.

العلامة الألباني في "صحيح الجامع"(3913). شيخنا الوادعي في "المقترح"(ص: 7)

(1)

-رحم الله الجميع-.

(1)

وللفائدة في تخريج هذا الحديث والحكم عليه انظر "جزء فيه طرق حديث طلب العلم فريضة على كل مسلم" للسيوطي تعليق علي الحلبي.

ص: 140

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم أن زيادة لفظة: (ومسلمة) في الحديث ليس لها أصل، وأن الحديث الذي صح هو:(طلب العلم فريضة على كل مسلم) بدون زيادة: (ومسلمة) وهذا الحديث يشمل المسلمات باتفاق علماء الإسلام وإن لم يرد فيه لفظ (ومسلمة) وأما متنه فصحيح بالإجماع

(1)

.

قال البيهقي في "المدخل"

(2)

وهو يبين معنى حديث (طلب العلم فريضة على كل مسلم): أراد، -والله أعلم- العلم الذي لا يسع البالغ العاقل جهله، أو علم ما يطرأ له خاصة، أو أراد أنه فريضة على كل مسلم حتى يقوم به من فيه الكفاية.

ثم أخرج عن ابن المبارك أنه سئل عن تفسيره فقال: ليس هذا الذي تظنون إنما طلب العلم فريضة، أن يقع الرجل في شيء من أمر دينه فيسأل عنه حتى يعلمه.

وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين-رحمه الله: (حكم طلب العلم): طلب العلم الشرعي فرض كفاية إذا قام به ما يكفي صار في حق الآخرين سنة، وقد يكون طلب العلم واجباً على الإنسان عيناً أي فرض عين، وضابطه

(1)

"جزء طلب العلم فريضة على كل مسلم"(ص: 7 - 8) للسيوطي.

(2)

كما نقل عنه السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 328).

ص: 141

أن يتوقف عليه معرفة عباده يريد فعلها، أو معاملة يريد القيام بها، فإنه يجب عليه في الحال أن يعرف كيف يتعبد الله بهذه العبادة وكيف يقوم بهذه المعاملة، وما عدا ذلك من العلم ففرض كفاية، وينبغي لطالب العلم أن يشعر نفسه أنه قائم بفرض كفاية حال طلبه ليحصل له ثواب فاعل الفرض مع التحصيل العلمي، ولا شك أن طلب العلم من أفضل الأعمال، بل هو من الجهاد في سبيل الله، ولاسيما في وقتنا هذا حين بدأت البدع تظهر في المجتمع الإسلامي وتنتشر وتكثر، وبدأ الجهل الكثير ممن يتطلع إلى الإفتاء بغير علم وبدأ الجدل من كثير من الناس، فهذه ثلاثة أمور كلها تحتم على الشباب أن يحرص على طلب العلم

(1)

. اهـ.

وقالت اللجنة الدائمة

(2)

: العلم الشرعي على قسمين: منه ما هو فرض على كل مسلم ومسلمة: وهو معرفة ما يصحح به الإنسان عقيدته وعبادته، وما لا يسعه جهله، كمعرفة التوحيد وضده الشرك، ومعرفة أصول الإيمان وأركان الإسلام، ومعرفة أحكام الصلاة وكيفية الوضوء والطهارة من الجنابة ونحو ذلك، وعلى هذا المعنى فسر الحديث المشهور (طلب العلم فريضة على كل مسلم).

والقسم الآخر: فرض كفاية، وهو معرفة سائر أبواب العلم والدين، وتفصيلات المسائل وأدلتها، فإذا قام به البعض سقط الإثم عن باقي الأمة.

(1)

كتاب "العلم"(ص: 21).

(2)

فتوى رقم (18849).

ص: 142

(189)

‌ حديث: -زيادة لفظة- (ونستهديه) في خطبة الحاجة

.

(لا أصل لها)

جاءت هذه الزيادة عند الإمام الشافعي في "الأم"(1/ 346) كتاب الصلاة (باب الخطبة) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فقال: (إن الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونستنصره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا).

وفي سنده:

• إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي: متروك، كما قال الحافظ ابن حجر في "التقريب". بل كذَّبه كبار الأئمة، مثل يحيى القطان، وابن معين، وابن المديني.

• إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الأموي مولاهم، متروك أيضاً كما قاله الحافظ في "التقريب".

وقد حكم جمع من أهل العلم بعدم ثبوت هذه الزيادة، منهم:

(1)

العلامة الألباني رحمه الله في "الضعيفة"(6525) قال: منكر جداً بزيادة الاستهداء والاستنصار. وقال في "النصيحة"(88): ولا يفوتني التنبيه على أن لفظ (نستهديه) زيادة لا أصل لها في

ص: 143

شيء من طرق الحديث، وهذه الزيادة (نستهديه) أسمعها كثيراً من بعض الخطباء المرموقين في بعض البلاد العربية، ولذلك لزم التنبيه عليها لأن الأذكار والأوراد توقيفية كما هو معلوم من السنة عند أهل السنة. وقال في "الصحيحة" أيضاً (5/ 1) حاشية: سمعت غير واحد من الخطباء يزيد هنا (ونستهديه) ونحن في الوقت الذي نشكرهم فيه على إحيائهم هذه الخطبة في خطبهم ودورسهم نرى لزاماً علينا أن نذكر بأن هذه الزيادة لا أصل لها في شيء من طرق هذه الخطبة (خطبة الحاجة)

(1)

.

(2)

قال شيخنا الوادعي رحمه الله: هذه الزيادة لاتصح.

(3)

قالت اللجنة الدائمة (24/ 210 - 211) فتوى رقم (18576): هذه اللفظة (ونستهديه) لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تثبت في أحاديث خطبة الحاجة الذي ذكرها أئمة الحديث.

(4)

سئل شيخنا ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى"(16/ 57) عن زيادة (ونستهديه) فقال: لم ترد في خطبة الحاجة.

التعليق:

قلت: وهاك نص خطبة الحاجه الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا،

(1)

وانظر كذلك "الرد المفحم"(ص: 5) و"الترغيب والترهيب"(1/ 54).

ص: 144

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)}

{آل عمران: 102} .

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ

عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} {النساء: 1}

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} {الأحزاب: 70 - 71} .

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) رواه مسلم والنسائي وغيرهما.

من فوائد هذه الخطبة العظيمة:

• هذه الخطبة وردت من حديث جابر رضي الله عنه قال فيه: (إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إذا خطب)، كما رواها مسلم والنسائي وغيرهما، وذلك يشمل الخطب كلها، وبصورة خاصة خطبة الجمعة، فقد جاء التنصيص عليها عند مسلم في رواية له، فعلى الخطباء أن يحيوا هذه السنة. ذكره الألباني رحمه الله.

ص: 145

• يستفاد من الخطبة عدم الاستعاذة عند قراءة الأيات أثنا الخطبة، أوالكلام أو المحاضرات، أو غيرها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعذ عند قراءتها، والاستعاذة شرعت عند قراءة القرآن فقط.

• قول الله تعالى {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} فيه دليل على جواز السؤال بالله تعالى، وأما حديث (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) فضعيف، وعلى فرض صحته فهو محمول على الأمور الحقيرة. ذكره الألباني في "الضعيفة"(1/ 39).

• يجوز الاقتصار على جزء من أول الخطبة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في إسلام الصحابي (ضماد)، هذه هي خطبة الحاجة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن يقولوها بين يدي كلامهم في أول أمور دينهم سواء كانت خطبة نكاح، أو جمعة، أو محاضرة.

قلت: وللعلامة الألباني رسالة مطبوعة بعنوان: "خطبة الحاجة".

أهمية خطبة الحاجة وتأثيرها على النفوس:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ضماداً قدم مكة، وكان من أزد شنوءة وكان يرقي من هذه الريح، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون إن محمد اً مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي، قال: فلقيه فقال: يا محمد إني أرقي من هذه الريح وإن الله يشفي

ص: 146

على يدي من شاء فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد قال: فقال: أعد عليَّ كلماتك هؤلاء، فأعاد عليه صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات. قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر. قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام. قال فبايعه فقال: صلى الله عليه وسلم وعلى قومك؟ قال: وعلى قومي. قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقومه فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئًا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة. فقال: ردوها فإن هؤلاء قوم ضماد) رواه مسلم.

ص: 147

(190)

‌ حديث: (والذي زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب)

.

(موضوع)

رواه الديلمي في "مسند الفردوس" من طريق الحاكم عن عائشة رضي الله عنها بلفظ: (سبحان من زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب).

وفي سنده: الحسين بن داود بن معاذ البلخي، وضَّاع.

وقد جاء الحديث من طرق أخرى كلها لا تصح.

وقد نصَّ على بطلان هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

ابن عساكر. كما في "الميزان"(5/ 380).

(2)

ابن حجر في "لسان الميزان"(5/ 380) رقم (8098).

(3)

ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(1/ 247).

(4)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 160).

(5)

العلامة الألباني في "الضعيفة"(6025).

(6)

شيخنا الوادعي في "غارة الأشرطة"(1/ 136) قال: هذا الحديث بحثنا عنه عند أن كنا في أرض الحرمين ولم نقف له

ص: 148

على عين ولا أثر. وقد ذكره بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} {الإسراء: 70} لكن أحداً منهم لم يسنده

(1)

.

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم عدم صحة هذا الحديث، لكن معناه صحيح، وقد مضى التعليق على حكم حلق اللحية أو تقصيرها تحت حديث:(كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها) بكلام نفيس، فانظره غير مأمور ولا مجبور.

وأما الذوائب: فهي جمع ذؤابة وهي الشعر المضفور من شعر الرأس كما في "النهاية في غريب الأثر"، ومنه حديث أم سلمة:(إني امرأة أشد ضفر رأسي) أي تعمل شعرها ضفائر، وهي الذوائب المضفورة.

ولا شك أن زينة المرأة وتمام جمالها في طول شعرها، فلا يجوز حلقه والعبث به لغير مصوغ شرعي.

قال الشنقيطي رحمه الله

(2)

: وحلق المرأة رأسها ليس من عمل نساء الصحابة، فمن بعدهم، فهو أمر معروف، لا يكاد يخالف فيه إلا مكابر، فالقائل: بجواز الحلق للمرأة قائل بما ليس من عمل المسلمين المعروف،

(1)

وانظر "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 10/ 264)، و "تفسير البغوي"(5/ 108)، و "فتح القدير"(3/ 244)، و"فيض القدير"(6/ 19) و"كشف الخفاء"(1/ 538) رقم (1447).

(2)

"أضواء البيان"(5/ 590 - 602) بتصرف.

ص: 149

وفي الحديث الصحيح: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فالحديث يشمل عمومه الحلق بالنسبة للمحرمة بلا شك، وإذا لم يبح لها حلقه في حال النسك، فغيره من الأحوال أولى.

وأما كون حلق المرأة رأسها تشبهاً بالرجال فهو واضح، ولا شك أن الحالقة رأسها متشبهة بالرجال، لأن الحلق من صفاتهم الخاصة بهم دون الإناث عادة.

وأما كون حلق رأس المرأة مُثلة فواضح، لأن شعر رأسها من أحسن أنواع جمالها وحلقه تقبيح لها وتشويه لخلقتها، كما يدركه الحس السليم، وعامة الذين يذكرون محاسن النساء في أشعارهم، وكلامهم مطبقون على أن شَعر المرأة الأسود من أحسن زينتها لا نزاع في ذلك بينهم في جميع طبقاتهم، وهو في أشعارهم مستفيض استفاضة يعلمها كل من له أدنى إلمام

ثم قال رحمه الله: وبه تعلم أن العرف الذي صار جارياً في كثير من البلاد بقطع المرأة شعر رأسها إلى قرب أصوله سنة إفرنجية، مخالفة لما كان عليه نساء المسلمين ونساء العرب قبل الإسلام، فهو من جملة الانحرافات التي عمت البلوى بها في الدين والخلق، والسمت وغير ذلك.

وأما ما ثبت في صحيح مسلم: (أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كنَّ يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة

(1)

).

(1)

قال ابن منظور في "لسان العرب": الوفرة: الشعر المجتمع على الرأس، وقيل: ما سال على الأذنين من الشعر وقيل: الوفرة الشعرة إلى شحمة الأذن.

ص: 150

الجواب: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصَّرن رؤوسهن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، لأنهنَّ كنَّ يتجملنَّ له في حياته، ومن أجمل زينتهنَّ شعرهنَّ، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فلهنَّ حكم خاص بهنَّ لا تشاركهنَّ فيه امرأة واحدة من نساء جميع أهل الأرض، وهو انقطاع أملهنَّ انقطاعاً كليًا من التزويج، ويأسهن منه اليأس الذي لا يمكن أن يخالطه طمع، فهن كالمعتدات المحبوسات بسببه صلى الله عليه وسلم إلى الموت. قال تعالى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} {الأحزاب: 53} واليأس من الرجال بالكلية، قد يكون سبباً للترخيص في الإخلال بأشياء من الزينة، لا تحل لغير ذلك السبب.

ويعتضد عدم حلق النساء رؤوسهن بخمسة أمور غير ما ذكرنا:

الأول: الإجماع على عدم حلقهن في الحج، ولو كان الحلق يجوز لهن لشرع في الحج. قال النووي في "شرح المهذب"، قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه لا حلق على النساء في الحج، وإنما عليهن التقصير، ويكره لهن الحلق لأنه بدعة في حقهن، وفيه مثلة.

الثاني: أحاديث جاءت بنهي النساء عن الحلق.

الثالث: أنه ليس من عملنا، ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد.

الرابع: أنه تشبه بالرجال، وهو حرام.

الخامس: أنه مُثلة والمثلة لا تجوز. (والمثلة: هي التشويه، يُقال: مَثَّل بالقتيل أي: شوه به).

ص: 151

(191)

‌ حديث: (ويل وادٍ في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره)

.

(ضعيف)

رواه أحمد (11712)، والترمذي (3389)، وابن حبان (7467)، والبغوي في "شرح السنة"(7/ 561)، و"التفسير"(1/ 115)، والحاكم (2/ 596) رقم (3930) عن أبي سعيد رضي الله عنه.

وفي سنده: درَّاج بن سمعان، وهو ذو مناكير، وفي روايته عن أبي الهيثم ضعف. "تهذيب التهذيب"(3/ 186).

وقد ضعَّف هذا الحديث جمع من العلماء، منهم:

(1)

ابن كثير في "تفسيره"(1/ 166) قال بعد إيراد الحديث: وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوع منكر.

(2)

شيخنا الوادعي في "تعليقه على المستدرك"(2/ 596) رقم (3930)، وفي تحقيق "تفسير ابن كثير" (1/ 220) قال: ضعيف، من أجل درَّاج أبي السمح فهو ذو مناكير وفي روايته عن أبي الهيثم ضعف.

(3)

العلامة الألباني في "ضعيف سنن الترمذي"(617)

(1)

.

(1)

وانظر "ضعيف الجامع"(6148) و"الترغيب والترهيب"(2136) و"التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان"(7424).

ص: 152

(4)

شعيب الأرنؤوط في تحقيق "مسند أحمد"(11712)، وتحقيق "صحيح ابن حبان"(16/ 508).

التعليق:

قلت: تبين لك ضعف هذا الحديث، وعليه فلا يصح أن نقول: ويل واد في جهنم، لأن هذا من علم الغيب يحتاج إلى دليل.

وأما كلمة (ويل) فقد اختلف العلماء في معناها.

قال ابن الملقن

(1)

: (ويلٌ) حكى فيها القاضي عياض ستة أقوال:

أحدها: أنها لمن وقع في الهلاك.

ثانيها: لمن استحقه.

ثالثها: أنها الهلاك نفسه.

رابعها: مشقة العذاب.

خامسها: الحزن.

سادسها: وادٍ في جهنم لو أرسلت فيه الجبال لماعت منه من حره.

قال البغوي: وتكون تفجعاً وتكون تعجباً، منه قوله صلى الله عليه وسلم:(ويله مسعر حرب). اهـ.

(1)

"الإعلام"(1/ 235).

ص: 153

والخلاصة:

أن كلمة (ويل) تأتي للتهديد، والتخويف على القول الصحيح، ومنه قوله تعالى {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)} {الطُّور: 11}.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (ويلٌ للأعقاب من النار).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (ويلٌ للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ويل له) وغيرها من الأدلة.

ص: 154

(192)

‌ حديث: (الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، وإملاء الخير خير من السكوت، والسكوت خير من إملاء الشر)

.

(ضعيف)

رواه الحاكم في "المستدرك"(3/ 420) رقم (5533)، والبيهقي في "الشعب"(4/ 256 - 257) رقم (4992 - 4993) عن أبي ذر رضي الله عنه.

والحديث فيه ثلاث علل:

(1)

شريك وهو ابن عبد الله القاضي: سيئ الحفظ. قال الحافظ: صدوق يخطئ تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة.

(2)

معفس بن عمران بن حطان: مجهول الحال.

(3)

أبو السنية: مجهول.

"الضعيفة"(4/ 333 - 334).

وقد ضعَّف هذا الحديث:

(1)

الذهبي رحمه الله في "تلخيص المستدرك" قال: لا يصح ولا صححه الحاكم.

"المستدرك"(3/ 420).

(2)

الألباني رحمه الله في "الضعيفة"(1853) و (2422) و"ضعيف الجامع"(6151).

ص: 155

(3)

شيخنا الوادعي رحمه الله في "تعليقه على المستدرك"(3/ 420) رقم (5533).

والحديث ذكره: التبريزي في "المشكاة"(4864) والسيوطي في "الدرر المنتثرة"(433)، والسخاوي في "المقاصد"(1261)، وابن الديبع في "التمييز" (ص: 186)، والعجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 445)، والصالحي في "الشذرة"(1093)، والصعدي في "النوافح العطرة "(2490).

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم ضعف هذا الحديث لكن معناه صحيح، (فالوحدة خير من جليس السوء)، لما في الوحدة من السلامة، وهي رأس المال، وقد قيل: لا يعدل بالسلامة شئ، وجليس السوء يبدي سوءه، والنفس أمارة بالسوء، فإن ملت إليه شاركك، وإن كففت عنه نفسك شغلك.

وترجم البخاري بقوله: (العزلة راحة من خلاط السوء)، وذكر حديث أبي سعيد رضي الله عنه رفعه:(ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره).

قال الشاعر:

أنست بوحدتي ولزمت بيتي

فدام الأنس لي ونمى السرور

وأدبني الزمان فلا أبالي

هجرت فلا أزار ولا أزور

ولست بسائل ما دمت يوماً

أسار الجيش أم قدم الأمير

ص: 156

(والجليس الصالح خير من الوحدة) فقد ثبت في "صحيح البخاري" وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده).

فإن مجالسة الصالحين غنيمة وربح، وفيه حث على إيثار الوحدة إذا تعذرت صحبة الصالحين.

(وإملاء الخير) على الملك الذي يكتب الحسنات من أفعالك وأقوالك (خير من السكوت) وفي أثر أنت في سلامة ما سكت، فإذا نطقت فإما لك أو عليك، بل قد يجب الإملاء ويحرم السكوت، وأمثلته لا تخفى.

(والسكوت خير من إملاء الشر) وفائدة الحديث أنه متى لم يتهيأ لك الخير فأمسك عن الشر تظفر بالسلامة.

مسألة: هل العزلة خير أم مخالطة الناس؟

ذكر الخطابي رحمه الله في كتاب "العزلة": أن العزلة والاختلاط يختلفان باختلاف متعلقاتهما، فتحمل الأدلة في الحض على الاجتماع على ما يتعلق بطاعة الأئمة وأمور الدين وعكسها في عكسه، وأما الاجتماع والافتراق بالأبدان فمن عرف الاكتفاء بنفسه في حق معاشه ومحافظة دينه فالأولى له الانكفاف عن مخالطة الناس، بشرط أن يحافظ على الجماعة، والسلام والرد، وحقوق المسلمين من العيادة، وشهود الجنازة، ونحو ذلك، والمطلوب إنما هو ترك فضول الصحبة لما في ذلك من شغل البال وتضييع الوقت عن المهمات،

ص: 157

ويجعل الاجتماع بمنزلة الاحتياج إلى الغداء والعشاء، فيقتصر منه على مالا بد منه، فهو أريح للبدن والقلب والله أعلم.

وقال القشيري في "الرسالة": طريق من آثر العزلة أن يعتقد سلامة الناس من شره لا العكس.

فإن الأول: ينتجه استصغار نفسه وهي صفة التواضع.

والثاني: شهوده مزية له على غيره وهذه صفة المتكبر.

وقال الحافظ

(1)

رحمه الله: وقد اختلف السلف في أصل العزلة.

فقال الجمهور: الاختلاط أولى، لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام، وتكثير سواد المسلمين، وإيصال أنواع الخير إليهم، من إعانة وإغاثة وعيادة وغير ذلك.

وقال قوم: العزلة أولى لتحقق السلامة بشرط معرفة ما يتعين.

وقال النووي رحمه الله: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية فإن أشكل الأمر فالعزلة أولى.

وقال غيره: يختلف باختلاف الأحوال، فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات، فمن يتحتم عليه المخالطة؟ من كانت له قدرة على إزالة المنكر فيجب عليه إما عيناً وإما كفاية، بحسب الحال والإمكان. وممن يترجح؟ من يغلب على ظنه أنه يسلم في نفسه إذا قام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وممن يستوي؟ من

(1)

"الفتح"(13/ 46) و (11/ 338 - 340).

ص: 158

يأمن على نفسه ولكنه يتحقق أنه لا يطاع، وهذا حيث لا يكون هناك فتنة عامة، فإن وقعت الفنتة ترجحت العزلة لما ينشأ فيها غالباً من الوقوع في المحذور، وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلها كما قال تعالى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)} {الأنفال: 25}

قلت: وقد ورد في الباب حديث: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)

(1)

.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية

(2)

رحمه الله: هل الأفضل للسالك العزلة أم الخلطة؟

فأجاب: هذه المسألة وإن كان الناس يتنازعون فيها إما نزاعاً كلياً وإما نزاعاً حالياً، فحقيقة الأمر أن الخلطة تارة تكون واجبة أومستحبة، والشخص الواحد قد يكون مأموراً بالمخالطة تارة، وبالانفراد تارة، وجماع ذلك أن المخالطة إن كان فيها تعاون على البر والتقوى فهي مأمور بها، وإن كان فيها تعاون على الإثم والعدوان فهي منهي عنها، فالاختلاط بالمسلمين في جنس العبادات كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين وصلاة الكسوف والاستسقاء ونحو ذلك هو مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم.

(1)

رواه أحمد والبخاري في "الأدب المفرد" والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر صححه الألباني في "الصحيحة"(639) و "صحيح الجامع"(6651).

(2)

"مجموع الفتاوى"(10/ 425).

ص: 159

وكذلك الاختلاط بهم في الحج وفي غزو الكفار والخوراج المارقين، وإن كان أئمة ذلك فجاراً، وإن كان في تلك الجماعات فجار، وكذلك الاجتماع الذي يزداد العبد به إيماناً، إما لانتفاعه به، وإما لنفعه له ونحو ذلك.

ولا بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه، في دعائه وذكره وصلاته وتفكره ومحاسبة نفسه وإصلاح قلبه، وما يختص به من الأمور التي لا يشركه فيها غيره، فهذا يحتاج فيها إلى انفراده بنفسه، إما في بيته كما قال طاووس: نعم صومعة الرجل بيته، يكف فيها بصره ولسانه، وإما في غير بيته.

فاختيار المخالطة مطلقاً خطأ، واختيار الانفراد مطلقاً خطأ، وأما مقدار ما يحتاج إليه الإنسان من هذا وهذا، وما هو الأصلح له في كل حال فهذا يحتاج إلى نظر خاص كما تقدم. اهـ.

فائدة:

قال الشيخ بكر أبو زيد

(1)

رحمه الله: ومن لطيف ما يقيد قول بعضهم: والعزلة من غير (عين) العلم (زلة)، ومن غير (زاي) الزهد (علة).

(1)

"حلية طالب العلم" مطبوع ضمن "المجموعة العلمية"(ص: 172).

ص: 160

(193)

‌ حديث: (الولد سر أبيه)

.

(لا أصل له)

هذ الحديث على شهرته في أوساط الناس إلا أنه لا أصل له كما قال ذلك:

(1)

السخاوي في "المقاصد"(ص: 530) رقم (1268).

(2)

السيوطي في "الدرر المنتثرة"(ص: 186) رقم (434).

(3)

الزركشي في "التذكرة"(211).

(4)

الصاغاني في "الموضوعات"(9).

(5)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 187).

(6)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 451) رقم (2911).

(7)

الفتني في تذكرة "الموضوعات"(ص: 130).

(8)

العامري في "الجد الحثيث"(ص: 253) رقم (596).

(9)

القاري في "الأسرار المرفوعة"(362).

(10)

القاوقجي في "اللؤلؤ المرصوع"(216).

(11)

الصالحي في "الشذرة"(2/ 236) رقم (1099).

(12)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 314) رقم (1658).

(13)

الصعدي في "النوافح العطرة"(ص: 442) رقم (2503).

ص: 161

(14)

الأزهري في "تحذير المسلمين"(ص: 184) رقم (736).

(15)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 128).

(16)

الألباني في "الضعيفة"(1/ 125) رقم (48).

التعليق:

قال السخاوي

(1)

رحمه الله: إن الولد يتعلم من أبيه ويسرق من طباعه، بل قد يصحب المرء رجلاً فيسرق من طباعه في الخير والشر.

وقال العلامة الألباني

(2)

رحمه الله: ومعناه ليس مطرداً، ففي الأنبياء من كان أبوه مشركاً عاصياً، مثل آزر والد إبراهيم عليه السلام، وفيهم من كان ابنه مشركاً، مثل ابن نوح عليه السلام.

(1)

"المقاصد"(ص: 530).

(2)

"الضعيفة"(1/ 125).

ص: 162

(194)

‌ حديث: (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)

.

(ضعيف)

رواه أبو داود (232) عن عائشة رضي الله عنها.

وفي سنده: جسرة بنت دجاجة.

قال البخاري في "التاريخ": عندها عجائب.

وقد أشار الحافظ في "التقريب"(8649): إلى تليين جسرة هذه.

قلت: وقد ضعَّف هذا الحديث جماعة من أهل الحديث من المتقدمين والمتأخرين، منهم:

(1)

الإمام أحمد، كما نقل عنه البغوي في "شرح السنة"(1/ 363).

(2)

البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 620 - 622) رقم (4323).

(3)

ابن حزم في "المحلى"(2/ 184 - 186) قال عنه: باطل.

(4)

عبد الحق الإشبيلي، كما نقل عنه الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 194).

(5)

الخطابي، قال: وقد ضعَّف هذا الحديث جماعة.

"نصب الراية"(1/ 194) و"تفسير ابن كثير"(1/ 667).

(6)

ابن كثير في "تفسيره"(1/ 667).

ص: 163

(7)

العلامة الألباني

(1)

في "ضعيف سنن أبي داود"(الأصل) رقم (32) و"الإرواء"(124) و (193). قال: وللحديث شاهدان لا ينهضان لتقويته ودعمه لأن في أحدهما متروكاً والآخر كذَّاباً.

(8)

شيخنا الوادعي في تعليقه على "تفسير ابن كثير"(2/ 372).

(9)

العدوي في "جامع أحكام النساء"(1/ 196 - 198).

التعليق:

قلت: لقد اختلف العلماء سلفاً وخلفاً في مسألة دخول الحائض المسجد، وسوف نورد بعض أدلة المبيحين لها بدخول المسجد ثم نعقب بذكر القائلين بعدم جواز ذلك من باب الفائدة:

أولاً: من قال بجواز دخول الحائض المسجد:

قال الشوكاني

(2)

رحمه الله: وقد ذهب إلى جواز دخول الحائض المسجد إذا أمنت من توسيخ المسجد: زيد بن ثابت رضي الله عنه، وحكاه الخطابي عن مالك والشافعي وأحمد وأهل الظاهر وابن المنذر والمزني رحم الله الجميع

(3)

.

(1)

وانظر كذلك "ضعيف سنن أبي داود"(40) و"الثمر المستطاب"(2/ 745 - 755) و"تمام المنة"(118 - 119) و"ضعيف الجامع"(6117).

(2)

"نيل الأوطار"(1/ 286).

(3)

انظر "شرح السنة" للبغوي (1/ 364) و"المحلى"(2/ 184) و"نيل الأوطار"(1/ 286) و"فتح الباري"(3/ 590) و"جامع أحكام النساء للعدوي (1/ 191 - 198).

ص: 164

وقال به من المتأخرين: الألباني

(1)

، وشيخنا الوادعي

(2)

-رحمهما الله-.

أدلة القائلين بإباحة دخول الحائض المسجد:

(1)

البراءة الأصلية: ومعناها هنا أنه لم يرد نهي ينهانا عن دخول المسجد، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(أيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل).

(2)

مبيت المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عنه أنه صلى الله عليه وسلم أمرها وقت حيضتها أن تعتزل المسجد. رواه البخاري.

(3)

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) قالوا: إنما منعت من الطواف لأن الطواف بالبيت صلاة، فمنعت من الطواف فقط ولم يمنعها صلى الله عليه وسلم من دخول المسجد، ولما جاز للحجيج أن يدخلوا المسجد جاز لها أن تدخل المسجد.

(4)

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا ينجس) متفق عليه.

(5)

مبيت أهل الصفة في المسجد ومنهم من يحتلم وهو نائم.

(6)

مبيت المعتكفين والمعتكفات في المسجد، ومن المعتكفين من يحتلم فيجنب، ومن المعتكفات من تحيض.

(1)

"الثمر المستطاب"(2/ 755) و"الفتاوى المدنية والإماراتية"(ص: 232).

(2)

"إجابة السائل"(ص: 130).

ص: 165

(7)

قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (ناوليني الخمرة من المسجد قالت: إني حائض فقال: (إن حيضتك ليست في يدك).

ثانياً: من قال بعدم جواز دخول الحائض المسجد:

وهم الجمهور وبقولهم أفتت اللجنة الدائمة

(1)

، وابن عثيمين

(2)

-رحم الله الجميع-.

واستدلوا: بقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} {النساء: 43} .

فقالوا المراد بالصلاة هنا مواضع الصلاة، وقد منع منها الجنب إلا في حالة كونه عابر سبيل، وقاسوا الحائض على الجنب وهو بعيد والله أعلم، لأن الجنب بيده أن يتطهر، ففي الآية حث له على الإسرع في التطهر، أما الحائض فلا تملك أمرها.

واستدلوا كذلك: بقوله صلى الله عليه وسلم لما أمر النساء بالخروج إلى المصلى فقال: (ويعتزل الحيض المصلى).

فأجاب أصحاب القول الأول بقولهم:

أن المراد بالمصلى هنا الصلاة نفسها، وإلا لماذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى المصلى.

(1)

(5/ 398) رقم الفتوى (6948)

(2)

"دروس وفتاوى في الحرم المكي"(ص: 935).

ص: 166

وقالوا أمر بإخراجهم من الصفوف حتى لا يقطعن الصفوف.

واستدلوا كذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدني رأسه لعائشة رضي الله عنها وهو في المسجد وهي خارجه حتى ترجله وهي حائض.

والجواب: قد يكون في المسجد رجال لم يحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلع الرجال على حرمه.

واستدلوا كذلك: بالأوامر الواردة في تنظيف المسجد من القاذورات.

ورد العلماء على هذا بقولهم: هذا ليس نصاً في المنع إنما هو في تنظيفها من القاذورات فإذا أمنت الحائض من توسيخ المسجد فلا بأس بجلوسها فيه.

واستدلوا كذلك: بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا أحل المسجد لحائضٍ ولا جنب) ولكنه ضعيف كما تبين لك.

ص: 167

(195)

‌ حديث: (لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك) - وفي رواية (بأخيك)

-.

(ضعيف)

رواه الترمذي (2621)، والبيهقي في "الشعب"(5/ 315) رقم (6777)، والطبراني في "الكبير"(22/ 53) رقم (127) و"الأوسط"(4/ 445) رقم (3751)، والقضاعي في "مسند الشهاب" مع "فتح الوهاب" رقم (584)، والمزي في "تهذيب الكمال"(3/ 340) رقم (560)، وابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 528) رقم (1755) عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه.

قال ابن الجوزي في "الموضوعات": هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسناده: عمر بن إسماعيل: لا يعد.

قال يحيى: ليس بشيء، كذَّاب، رجل سوء خبيث.

وقال الدارقطني: متروك.

وقد رواه أبو حاتم بن حبان من حديث القاسم بن أمية الحذاء عن حفص بن غياث، وقال: لا يجوز الاحتجاج بالقاسم.

قال: وهذا لا أصل له من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 168

قال المناوي في "فيض القدير"(6/ 533) بعد إيراده لكلام ابن الجوزي

وهذا مما انتقده القزويني على المصابيح وزعم وضعه كابن الجوزي ونازعهما العلائي. -أي في حكمهما على الحديث بالوضع-

وقد حكم بعدم ثبوت هذا الحديث جمع من العلماء، منهم:

(1)

أبو حاتم في "المجروحين"(2/ 213).

(2)

ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 528) رقم (1755).

(3)

الذهبي في "تلخيص الموضوعات"(ص: 339) رقم (921).

(4)

الصاغاني. كما نقل عنه الفتني.

(5)

ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(2/ 369).

(6)

السيوطي في "اللآلئ "(2/ 356)، و"الجامع الصغير".

(7)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 217).

(8)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 240) رقم (179).

(9)

المعلمي في تعليقه على "الفوائد"(ص: 240).

(10)

الألباني في "الضعيفة"(5426)

(1)

.

والحديث ذكره: النووي في "الأذكار"(ص: 433) والسخاوي في "المقاصد"(ص: 541)، وابن الديبع في "التمييز" (ص: 191)، والعجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 479).

(1)

وانظر كذلك "ضعيف الجامع"(6245) و"الترغيب والترهيب"(2/ 937) رقم (1470) و"ضعيف سنن الترمذي"(450) و"المشكاة"(3/ 1363) رقم (4856).

ص: 169

قلت: وقد جاء حديث آخر بمعناه وهو: (من عيَّر أخاه بذنب، لم يمت حتى يعمله) رواه الترمذي (2505) والبيهقي في "الشعب"(5/ 315) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه. وهو موضوع

(1)

.

التعليق:

قال الشيخ البسام رحمه الله

(2)

: الإسلام جاء بالتحذير من عيب الإنسان أخاه المبتلى بذنب من الذنوب، أو عيب من العيوب، فإنه لم يعب أحداً بعينه إلا لما يجد في نفسه من العجب بسلامته من ذلك العيب، والعجب ناشيء من نفسه لأنه يرى أن عصمته من العيب جاءته من قوته وإرادته، لا من الله تعالى الذي صرف عنه السوء.

وهذا دليل على تحريم الشماتة بالناس ووجوب الغفلة عن عيوبهم اشتغالاً بعيب نفسه، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.

وقد جاءت النصوص التي تنهى عن هذا الخلق الرذيل قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} {النور: 19} .

فإن إظهار الشماتة ليس من خلق المسلم الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فإن خلق المسلمين أن يتألم بعضهم لبعض، ويفرح بعضهم لفرح الآخر. اهـ.

(1)

"ضعيف سنن الترمذي"(449) و "الضعيفة"(178) و "ضعيف الجامع"(5710).

(2)

"توضيح الأحكام"(7/ 470471).

ص: 170

وقال المناوي

(1)

رحمه الله: (لا تظهر الشماتة لأخيك) وهي الفرح ببلية من تعاديه أو يعاديك (فيرحمه الله) رغماً لأنفك.

وفي رواية: (فيعافيه الله ويبتليك) حيث زكيت نفسك، ورفعت منزلتك، وشمخت بأنفك، وشمتّ به، وقد أخذ قوم من هذا الخبر أن في الشماتة بالعدو غاية الضرر فالحذر الحذر، نعم أفتى ابن عبد السلام: بأنه لا ملام في الفرح بموت العدو من حيث انقطاع شره عنه وكفاية ضرره. اهـ.

وقال شيخنا العلامة عبد العزيز آل الشيخ -حفظه الله- في "منشور له": إن المؤمن يستر العيوب، ويقيل العثرات، ويسمح الزلات، ويحاول إيجاد الأعذار ما وجد لذلك سبيلاً، فهو لا يفرحه أخطاء الأمة ولا يسره ذلك، إنما يسره صلاح الأمة أفراداً وجماعة، ويفرحه أن يراهم على الطريق المستقيم، وإن رأى خطأً فالإصلاح له طرقه ووسائله، وأما الشماتة بالآخرين ومحاولة التحدث ليشفي ما في قلبه من غلٍّ على الأمة فتلك طريقة من لا يريد الخير ولا يقصد الخير ولا يحبه، ولذا جاء في الحديث:(من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة).

إن المؤمن يعلم أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، فيا من تشمت بالأمة ويا من تفرح بأخطاء الأمة، ألا تخشى الله أن يقلب قلبك ويزيغه بعد إذ هداه، فتقع في الباطل الذي كنت تحذره.

(1)

"فيض القدير"(6/ 533).

ص: 171

إن الشامتين بالأمة والفرحين بأخطائها والمتربصين الدوائر هم قوم خلت قلوبهم من الإيمان الصادق، وتقمصوا ما ليس لهم وادعو ما لا يبلغونه، فليحذر المؤمن أن يكون خادعاً لنفسه ظاناً بها الخير وهو على خلاف ذلك ويعلم الله منه خلاف {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)} {البقرة: 206}. تسمع قولاً طيباً جيداً، ولكن الله يعلم من قلوب أولئك أن المقصد غير صحيح والهدف غير صحيح، لأنك ترى شماتة ونشراً لأي عيب وطعناً في فلان وفلان، ورمي فلان بهذا وبهذا ووصف هذا بالنفاق، وهذا بالإلحاد، وهذا بهذا الوصف وغيره، أوصاف يصفون بها بعض الناس من غير رويّة ومن غير بصيرة، ولكن الهوى يُعمي ويُصم، فيقولون بألسنتهم ما لا يعلمون ولا يوقنون، ولكن الهوى يحملهم أن يقولوا ويفتروا الكذب {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)} {النحل: 105}.

فليحذر المسلم من أن يزل لسانه بما لا تحمد عقباه، إذا أراد الإصلاح والنصح، وإذا أراد التوجيه، وإذا أراد محبة الأمة، فللنصح والتوجيه طرُقه السليمة المعروفة، وأما من يريدون الشماتة بالآخرين، والتحدث عن عيوب الآخرين، ويتناسون أنفسهم، ولو عادوا إليها لوجدوا النقص في

ص: 172

أنفسهم حقيقة، إن المسلم وهو يغار على دين الله يمسك لسانه أن يقول باطلاً، أو يتفوه بخطأ، أو يرمي إنساناً مسلماً بما هو بريء منه؛ لكي يكون على بصيرة من دينه. اهـ.

ص: 173

(196)

‌ حديث: (لا تمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا)

.

(منكر)

قال ابن أبي حاتم في "العلل"(2/ 321): سألت أبي عن حديث عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: (لا تمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا). قال أبي: هذا الحديث منكر.

قلت: وعلَّة هذا الحديث: محمد بن سليمان الصنعاني.

قال الذهبي في "الميزان"(3/ 571) رقم (7625): مجهول، والحديث الذي رواه منكر، يعني هذا الحديث: (لا تمارضوا فتمرضوا

).

ونقل كلام ابن أبي حاتم في الحكم على الحديث:

(1)

السخاوي في "المقاصد الحسنة" رقم (1287).

(2)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 189).

(3)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 206).

(4)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 468) رقم (2990).

(5)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 316) رقم (1670).

(6)

الصعدي في "النوافح العطرة"(ص: 445) رقم (2524).

(7)

السمهودي في "الغماز على اللماز"(326).

ص: 174

(8)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 237).

(9)

العلامة الألباني في "الضعيفة"(1/ 425) رقم (259).

أما زيادة: (فتموتوا فتدخلوا النار) فلا أصل لها كما قال ذلك:

(1)

السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 528) رقم (1287).

(2)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 189).

(3)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 468) رقم (2990).

(4)

العامري في "الجد الحثيث"(ص: 254 - 255) رقم (600).

(5)

الفتني الهندي في "تذكرة الموضوعات"(ص: 206).

التعليق:

قلت: الحديث لا يصح كما ظهر لك من كلام أهل العلم. والتمارض وادعاء المرض كذب لا يجوز قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)

(1)

.

وقال تعالى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} {الضُّحى: 11} .

والذي يتمارض قد يصاب بهذا المرض، وتنعكس عليه هذه الحالة، فيصاب بما ادعاه، فالله أعطاك بصراً فلا تتظاهر بالعمى، وأعطاك سمعاً

(1)

رواه الترمذي والحاكم عن عبد الله بن عمرو وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(1887).

ص: 175

فلا تتظاهر بالصمم، وأعطاك لساناً فلا تتظاهر أنك أبكم لا تستطيع الكلام، وأعطاك عقلاً فلا تتظاهر بالجنون، وأعطاك صحة فلا تتظاهر بالمرض، فقد يعاقبك الله بحرمانك من هذه النعم.

ص: 176

(197)

‌ حديث: (لا تنسنا يا أُخيَّ من صالح دعائك)

.

(ضعيف)

أخرجه أحمد في "المسند"(195) و (5229)، وأبو داود (1498) والترمذي (3633) مع "التحفة"، وابن ماجه (2947)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص: 137) رقم (385)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 251)، و"الشعب"(6/ 502) رقم (9059)، وابن سعد في"الطبقات"(3/ 207)، والطيالسي في "مسنده" (ص: 4)، وابن عدي في "الكامل" (6/ 391) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي وقال: (أشركنا يا أخي في دعائك ولا تنسنا) فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا.

وفي سنده: عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو ضعيف.

ضعَّفه: أحمد وابن معين ويعقوب بن شيبة.

وقال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث.

وقال النسائي: لا نعلم مالكاً روى عن إنسان مشهور بالضعف إلا عاصم بن عبيد الله. "تهذيب التهذيب"(5/ 44) رقم (3170).

ص: 177

وقد ضعَّف هذا الحديث:

(1)

أحمد شاكر في تحقيقه "مسند أحمد"(195) و (5229).

(2)

الألباني في "ضعيف سنن أبي داود"(322)

(1)

.

(3)

الأرنؤوط في تحقيقه "مسند" أحمد (195) و (5229).

(4)

شيخنا ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين"(2/ 177).

(5)

بكر أبو زيد في "معجم المناهي اللفظية"(ص: 86 - 87).

(6)

سليم الهلالي في "بهجة الناظرين"(1/ 439 - 440).

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم أن هذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. لكن هنا مسألة هل يجوز للمسلم أن يطلب من أخيه المسلم الدعاء له؟

الجواب: طلب الدعاء من المسلم من الأمور التي نصَّ على مشروعيتها جماعة من المحققين

(2)

.

وجاء في ذلك نصوص وآثار، والكلام عن هذه المسألة يطول. وقد لخص الجواب عن هذه المسألة العلامة بكر أبو زيد

(3)

رحمه الله حيث قال: الأصل جواز طلب المسلم الدعاء له من مسلم آخر؛ لأنه أمر في

(1)

وانظر كذلك "ضعيف سنن ابن ماجه"(575) و"ضعيف سنن الترمذي"(715) و"ضعيف الجامع"(6278) و"المشكاة"(2248).

(2)

وادعى النووي الإجماع على مشروعيته. الأذكار (ص: 436). تحقيق سليم الهلالي.

(3)

معجم المناهي اللفظية (ص: 86 - 87).

ص: 178

مقدور المخلوق، كما بَّينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع من "الفتاوى". ويدل لهذا الأصل، حديث إجابة المؤذن، وفيه:(ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله) رواه مسلم.

وحديث عمر رضي الله عنه في خبر أويس المرادي القرني وفيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه:(فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) رواه مسلم.

وطلب الدعاء من الغير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيه تفصيل: في أن على طالب الدعاء له من غيره أن يكون مقصده نفعه، ونفع الداعي؛ بتكثير أجره على الدعاء له، وأن لا يطلب الدعاء له مقابل معروف بذله له، وأن يكون الطلب من أهل الخير والصلاح.

وقد توسع الناس في طلب الدُّعاء من الغير، وبخاصة عند الوداع:(ادعُ لنا)، (دعواتك)، حتى ولو كان المخاطب به فاسقاً ماجناً. وقد جاء عن بعض السلف كراهته.

قال ابن رجب رحمه الله: وكان كثير من السلف يكره أن يُطلب منه الدعاء، ويقول لمن يسأله الدعاء: أي شيء أنا؟ وممن روي عنه ذلك عمر بن الخطاب وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما وكذلك مالك بن دينار. وكان النخعي يكره أن يُسأل الدعاء. وكتب رجل إلى أحمد يسأله الدعاء، فقال أحمد: إذا دعونا نحن لهذا، فمن يدعو لنا؟ اهـ.

ص: 179

وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في جوابه عن سؤال قدم له حول طلب المسلم من أخيه المسلم الدعاء له

فقال

(1)

:

طلب الدعاء من الرجل الذي ترجى إجابته، إما لصلاحه، وإما لكونه يذهب إلى أماكن ترجى فيها إجابة الدعاء كالسفر والحج والعمرة وما أشبه ذلك، هو في الأصل لا بأس به لكن إذا كان يخشى منه محذور كما لو خشي من اتكال الطالب على دعاء المطلوب، وأن يكون دائماً متكلاً على غيره فيما يدعو به ربه أو يخشى منه أن يعجب المطلوب بنفسه، ويظن أنه وصل إلى حد يطلب منه الدعاء فيلحقه الغرور، فهذا يمنع لاشتماله على محذور وأما إذا لم يشتمل على محذور فالأصل فيه الجواز لكن مع ذلك نقول لا ينبغي، لأنه ليس من عادة الصحابة رضي الله عنهم أن يتواصى بعضهم بالدعاء.

وأما سؤال بعض الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء فمن المعلوم أنه لا أحد يصل إلى مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد طلب منه عكاشة بن محصن أن يدعو له فجعله من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، فقال:(أنت منهم) أخرجه البخاري ومسلم.

ودخل رجل يسأله أن يسأل الله الغيث لهم فسأله. رواه البخاري ومسلم.

(1)

"لقاء الباب المفتوح"(212)، و"شرح رياض الصالحين"(2/ 117 - 118).

ص: 180

وخلاصة الجواب: أن نقول: أنه لا بأس بطلب الدعاء ممن ترجى إجابته، بشرط ألا يتضمن ذلك محذوراً، ومع هذا فإن تركه أفضل وأولى. اهـ.

قلت: وقد حشد شيخنا الوادعي رحمه الله مجموعة كبيرة من الأدلة على جواز طلب الدعاء من الغير

(1)

.

(1)

"الصحيح المسند من دلائل النبوة" في الدعوات المستجابة.

ص: 181

(198)

‌ حديث: (لا حياء في الدين)

.

(ليس بحديث)

قال العلامة الألباني رحمه الله إجابة على سؤال قدم له: مامدى صحة القول: (لا حياء في الدين؟).

فأجاب بقوله: نجد دليل مثل هذا القول في -إنْ فُهِمَ صواباً- كلمة مأثورة في صحيح مسلم، وهو قول عائشة رضي الله عنها (رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن حياؤهن أن يتفقهن في الدين) ولكن هذا القول يحتاج إلى التقييد، لأن الأقوال المأثورة يفسر بعضها بعضاً فنقول:

إذا قيلت هذه الكلمة بمناسبة بحث علمي سؤال، أو في سياق التفقه في الدين، أو وضعت في مكان مناسب فهي صحيحة، أما أن يقال:(لا حياء في الدين) من غير تقييد فلا، لأن (الحياء من الإيمان) كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.

"مجلة الأصالة" العدد (1 - 6) العدد السادس 15/ صفر/ 1414 (ص: 69).

التعليق:

قلت: بقي هل يجوز للشخص أن يقول قبل سؤاله: (لا حياء في الدين) وهل يصح الاعتراض على من يقول ذلك؟

أجاب بعض أهل العلم عن هذا السؤال فقالوا: هذا الإنكار ليس في محله، وهذه التقدمة تشعر بأن السؤال مما يستحيى منه فهو كالاعتذار بهذا

ص: 182

السؤال، وقد قدمت أم سليم بسؤالها عن حكم احتلام المرأة بقولها:(إن الله لا يستحيي من الحق) فلو استعير عن قول القائل: (لا حياء في الدين) بما قدمت به أم سليم لكان أولى، ولعل الحامل لهذا الذي ينكر مثل هذا القول وهو قول القائل:(لا حياء في الدين) لفظ مجمل يحتمل حقاً وباطلاً، ولكن المعلوم من قصد القائل أنه لا يشرع الحياء في معرفة الدين، ولا ينبغي أن يكون مانعاً من السؤال عما يحتاج إليه الإنسان في دينه إذ لا حرج عليه في ذلك، وأما الاحتمال الآخر فهو بعيد، وهو اتهامه أنه يقصد أن الحياء ليس من الدين، فهذا ليس بصحيح بل الحياء شعبة من شعب الإيمان، لكن الذي يقدم لسؤاله بقوله:(لاحياء في الدين) لا يريد نفي كون الحياء ليس من الدين بل يريد أن الحياء لا يمنع من السؤال عما يستحيا من ذكره، إذا كان يتعلق بالدين، فإن المسلم مأمور بمعرفة دينه والسؤال عنه فيسأل عما يحتاج إليه إما بنفسه أو بغيره، كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال: (كنت رجلاً مذاءً فاستحييت

)، وقول عائشة رضي الله عنها (نعم نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين).

وقال مجاهد رحمه الله: لا ينال العلم مستحي ولا متكبر.

وقال شيخنا ابن عثيمين

(1)

رحمه الله: أما قوله (أي السائل)(لا حياء في الدين) فالأحسن أن يقول: إن الله لا يستحيي من الحق، كما

(1)

اللقاء الشهري الجزء (37).

ص: 183

قالت أم سليم رضي الله عنها: (يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟).

أما (لا حياء في الدين) فهذه توهم معنىً فاسداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحياء من الإيمان) فالحياء في الدين من الإيمان، لكن غرض القائل:(لا حياء في الدين) يقصد أنه لا حياء في مسألة الدين، أي: في أن تسأل عن أمر يستحيا منه، فيقال: إذا كان هذا هو المقصود فخير منه أن يقول: إن الله لا يستحيي من الحق.

ص: 184

(199)

‌ حديث: (لا سلام على طعام)

.

(ليس بحديث)

وجاء بلفظ: (لا سلام على أكل).

قلت: لقد أصبح هذا الكلام (لا سلام على طعام) متفق عليه بين العوام على أنه من كلام خير الأنام عليه الصلاة والسلام، وهو كلام ليس له خطام ولا زمام ولا مستند إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام. كما ذكر ذلك بعض من ألَّف في الأحاديث المشتهرة، منهم:

(1)

السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 544) رقم (1306).

(2)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 193).

(3)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 488) رقم (3068).

(4)

العامري في "الجد الحثيث"(ص: 258) رقم (615).

(5)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 322) رقم (1704).

(6)

الصعدي في "النوافح العطرة"(ص: 462) رقم (2622).

(7)

الصالحي في "الشذرة"(2/ 251)(1127).

(8)

القاري في "الأسرار المرفوعة"(367).

(9)

القاوقجي في "اللؤلؤ المرصوع"(221).

(10)

الأزهري في "تحذير المسلمين"(ص: 185) رقم (742).

ص: 185

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم أن هذا الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام الناس، وكلام الناس لا يؤخذ منه الأحكام وإنما تؤخذ الأحكام في الحلال والحرام من الكتاب والسنة، ولكن هناك كلام لبعض أهل العلم في مسألة السلام على الطعام أحب أن أطلعك عليه:

قال السخاوي

(1)

رحمه الله: معناه صحيح إذا كانت اللقمة في فم الآكل كما قيده به النووي في الأذكار، وسبقه إليه الإمام الجويني إمام الحرمين، فإن سلم عليه والحال هذه لا يستحق جواباً، أما إذا كان على الأكل وليست اللقمة في الفم فلا بأس بالسلام ويجب الرد.

وقال النووي

(2)

رحمه الله: وأما الأحوال التي يكره فيها السلام، فمن ذلك إذا كان المُسلَّم عليه مشتغلاً بالبول أو الجماع أو نحوهما فيكره أن يُسلّم عليه، وإن سلم لا يستحق جواباً، ومن ذلك من كان نائماً أو ناعساً، ومن ذلك من كان مصلياً، أو مؤذناً في حال أذانه، أو إقامته الصلاة، أو كان في حمام أو نحو ذلك من الأمور التي لم يؤثر السلام عليه فيها، ومن ذلك إذا كان يأكل واللقمة في فمه فإن سلم عليه في هذه الأحوال لم يستحق جواباً، أما إذا كان على الأكل وليست اللقمة في فمه فلا بأس بالسلام ويجب الجواب أي: الرد.

(1)

"المقاصد"(ص: 544).

(2)

"الأذكار"(ص: 316 - 317).

ص: 186

قلت: ليس في المسألة نص يمنع من السلام على من كان يأكل الطعام، فالسلام مشروع وعدم الرد ممنوع من غير عذر.

هذا وقد استفحل الأمر حتى أصبح بعض الناس يتعمد الحديث على الطعام بزعم أن السكوت وعدم الحديث على الطعام من فعل اليهود.

وسمعت العلامة الألباني رحمه الله في أحد أشرطته يقول: إن تعمد الكلام على الطعام بدعة، وتعمد السكوت على الطعام بدعة، والصحيح أن يقال: إذا وجد داعي للكلام تكلم وإن لم يكن هناك داع للكلام فلا يتكلم، وقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين بحديث الشفاعة الطويل وهو على الطعام.

ص: 187

(200)

‌ حديث: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)

.

(ضعيف)

أخرجه الدارقطني في "السنن"(1/ 420)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 362) رقم (901)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 157 - 158) رقم (5246)، عن جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما.

وفي سنده: سليمان بن داود اليمامي ضعيف جداً.

قال ابن معين: ليس بشيء.

وقال البخاري: منكر، ومن قلت فيه منكر الحديث: فلا تحل رواية حديثه. "ميزان الاعتدال"(2/ 202) رقم (3449).

ورواه الدارقطني بلفظ: (لا صلاة لمن سمع النداء ثم لم يأتِ إلا من علة) من طريق محمد بن سكين الشقري: وهو ضعيف.

"لسان الميزان"(5/ 186)

وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" وساق له هذا الحديث ثم قال: سمعت أبي يقول هو مجهول والحديث منكر.

وقال الذهبي في "الميزان"(3/ 567) رقم (7609): لا يعرف وخبره منكر، ثم ساق له هذا الحديث ثم قال: قال الدارقطني: هو ضعيف.

ص: 188

وقد ضعَّف هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

البيهقي في "المعرفة" كما نقل عنه السيوطي في "اللآلئ"(2/ 15).

(2)

ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 410 - 411) رقم (693، 694، 695).

(3)

ابن حزم كما نقل عنه السخاوي في "المقاصد"(ص: 546).

(4)

الحافظ في "الفتح"(1/ 524)، و"التلخيص الحبير"(2/ 31).

(5)

الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 412 - 413) رقم (8106).

(6)

السيوطي في "اللآلئ المصنوعة"(2/ 15) و"الجامع الصغير".

(7)

السخاوي في "المقاصد"(ص: 546) رقم (1309).

(8)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 193 - 194).

(9)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 491) رقم (3073).

(10)

السمهودي في "الغماز على اللماز"(ص: 234) رقم (328).

(11)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 322 - 323) رقم (1709).

(12)

الصالحي في "الشذرة"(2/ 253) رقم (1130).

(13)

الصعدي في "النوافح العطرة"(ص: 462) رقم (2625).

(14)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 26).

(15)

المعلمي في "تحقيق الفوائد المجموعة"(ص: 26).

(16)

الألباني في "الضعيفة"(1/ 323 - 336) رقم (183)

(1)

.

(17)

العلامة ابن باز في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة"(ج: 12).

(1)

وانظر كذلك "ضعيف الجامع"(6297) و"الإرواء"(2/ 251 - 255) رقم (491).

ص: 189

(18)

شيخنا العلامة الوادعي.

(19)

شيخنا العلامة ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى"(15/ 32).

(20)

مشهور في "أخطاء المصلين"(ص: 446 - 447).

التعليق:

قلت: الحديث لا يصح كما ظهر لك من كلام أهل العلم.

قال العلامة ابن باز

(1)

رحمه الله: لكن يُغني عنه ما رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر)

(2)

.

وما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً أعمى سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب).

وهذا في الفرائض كما هو معلوم، أما في النافلة فلا تختص بالمسجد بل هي في البيت أفضل، إلا ما دلَّ على استثنائه.

وقال

(3)

رحمه الله: وعلى فرض صحته فمعناه محمول على أنه لا صلاة كاملة لجار المسجد إلا في المسجد، لأن الأحاديث الصحيحة قد دلت على

(1)

في تعليقه على "فتح الباري"(1/ 524).

(2)

صححه العلامة الألباني رحمه الله في "صحيح الجامع"(6300).

(3)

"فتاوى ومقالات متنوعة"(ج: 12).

ص: 190

صحة صلاة المنفرد لكن مع الإثم إن لم يكن له عذر شرعي، لأن الصلاة في المسجد مع جماعة المسلمين واجبة

(1)

لأحاديث أخرى غير الحديث المسئول عنه، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)

(2)

، ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي استأذنه أن يصلي في بيته واعتذر بأنه ليس له قائد يقوده إلى المسجد (هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب) أخرجه مسلم.

(1)

قلت: اختلف العلماء في حكم صلاة الجماعة:

1 -

فذهبت طائفة من الحنفية والمالكية والشافعية: إلى أنها سنة مؤكدة.

2 -

وذهبت طائفة أخرى من هؤلاء إلى أنها فرض كفاية، إذا قام بها من يكفى، سقطت عن الباقين.

3 -

وذهب الإمام أحمد وأتباعه، وأهل الحديث، إلى أنها فرض عين.

4 -

وبالغت الظاهرية، فذهبوا إلى أنها شرط لصحة الصلاة. واختار هذا القول أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي، وشيخ الإسلام "ابن تيمية". "تيسير العلام"(1/ 131 - 132).

(2)

سبق تخريجه.

ص: 191

(201)

‌ حديث: (لا عزاء فوق ثلاث)

.

(لا أصل له)

قال العلامة الألباني رحمه الله في "أحكام الجنائز"(ص: 209) تحت حديث رقم (110) وأما حديث: (لا عزاء فوق ثلاث) الذي يتداوله العوام فلا يُعرف له أصل.

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم أن هذا الحديث الذي يحدد مدة العزاء لا أصل له، والأصل في العبادات التوقف حتى يأتي النص، إذاً فتحديد ثلاثة أيام للعزاء ليس من السنة، ويبقى أن العزاء سنة مطلقة لا تقيد إلا بنص.

قال العلامة الألباني-رحمه الله: ولا تحد التعزية بثلاثة أيام لا يتجاوزها، بل متى رأى الفائدة بالتعزية أتى بها فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه عزى بعد الثلاث

) في حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه حين استشهد جعفر في مؤتة

، وقد ذهب إلى ماذكرنا من أن التعزية لا تحد بحد، جماعة من أصحاب الإمام أحمد، وهو وجه في مذهب الشافعي قالوا: لأن الغرض الدعاء والحمل على الصبر والنهي عن الجزع، وذلك يحصل مع طول الزمان، حكاه إمام الحرمين وبه قطع أبو العباس القاص من

ص: 192

أئمتهم وإن أنكره عليه بعضهم فإنما ذلك من طريق المعروف من المذهب لا الدليل

(1)

.

وقال العلامة ابن باز

(2)

رحمه الله: في مسألة تحديد العزاء، ليس لها وقت مخصوص ولا أيام مخصوصة، بل هي مشروعة من حين موت الميت قبل الصلاة وبعدها وقبل الدفن وبعده، والمبادرة بها أفضل وتجوز بعد ثلاث من موت الميت لعدم الدليل على التحديد.

(1)

"أحكام الجنائز"(ص: 209 - 210) و"المجموع"(5/ 306).

(2)

"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة"(ج 13).

ص: 193

(202)

‌ حديث: (لا يدخل الجنة ولد زنا ولا ولده ولا ولد ولده)

.

(موضوع)

رواه ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 328) رقم (1564) من طريق الحافظ الدارقطني، ومن طريق الحافظ أبي نعيم في "الحلية" عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وفي سنده:

(1)

بركة الحلبي كذَّاب.

(2)

أبو إسرائيل واهٍ.

"تلخيص الموضوعات"(ص: 291).

وقد حكم ببطلان هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 328) رقم (1564).

(2)

الذهبي في "تلخيص الموضوعات"(ص: 291) رقم (787).

(3)

ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(2/ 228).

(4)

اللجنة الدائمة (20/ 395 - 396) فتوى رقم (2387).

ص: 194

قلت: وقد جاءت عدة أحاديث في هذا الباب لا يصح منها شيء كما قال ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 329).

(لا يدخل الجنة ولد زنية) موضوع. "الموضوعات" لابن الجوزي (3/ 326).

(لا يدخل ولد الزنا ولا شيء من نسله إلى سبعة آباء الجنة) باطل. "الموضوعات" لابن الجوزي (3/ 329) و"الضعيفة"(1287).

(فرخ الزنا لا يدخل الجنة) ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 328) رقم (1565).

(أولاد الزنا يحشرون يوم القيامة في صورة القردة والخنازير) موضوع. "الموضوعات" لابن الجوزي (3/ 326).

التعليق:

قال ابن الجوزي-رحمه الله: وقد ورد في ذلك أحاديث ليس فيها شيء يصح وهي معارضة بقوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} {فاطر: 18} .

قال ابن القيم

(1)

رحمه الله معقباً على كلام ابن الجوزي: ليست معارضة لها إن صحت، فإنه لم يحرم الجنة بفعل والديه بل لأن النطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب، ولا يدخل الجنة إلا نفس طيبة، فإن كانت في هذا الجنس طيبة دخلت الجنة، وكان الحديث من العام المخصوص.

(1)

"المنار المنيف"(ص: 133).

ص: 195

وقد ورد في ذمه (أنه شر الثلاثة)

(1)

وهو حديث حسن. ومعناه صحيح بهذا الإعتبار، فإن شر الأبوين عارض وهذا نطفة خبيثة فشره في أصله، وشر الأبوين من فعلهما.

وقال العلامة الألباني

(2)

رحمه الله: وقوله: (لا يدخل الجنة ولد زنية) ليس على ظاهره بل المراد به من تحقق بالزنا حتى صار غالباً عليه، فاستحق بذلك أن يكون منسوباً إليه، فيقال: هو ابن له كما ينسب المحققون بالدنيا إليها، فيقال لهم: بنو الدنيا بعملهم وتحققهم بها، وكما قيل للمسافر: ابن السبيل، فمثل ذلك: ولد زنية وابن زنية قيل لمن تحقق بالزنا، حتى صار تحققه منسوباً إليه، وصار الزنا غالباً عليه، فهو المراد بقوله:(لا يدخل الجنة) ولم يرد به المولود من الزنا، ولم يكن هو من ذوي الزنا

اهـ.

وقد سئلت اللجنة الدائمة (20/ 395 - 396): هل يدخل ولد الزنا الجنة إن أطاع الله أو لا؟ وهل عليه إثم أو لا؟

فأجابت: ولد الزنا لا يلحقه إثم من جراء زنا والدته ومن زنا بها، وما ارتكباه من جريمة الزنا؛ لأن ذلك ليس من كسبه، بل إثمهما على

(1)

رواه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني رحمه الله في "الصحيحة"(671) وصحيح الجامع" (7120).

(2)

"الصحيحة"(2/ 283).

ص: 196

أنفسهما؛ لقوله تعالى {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} {البقرة: 286} وقوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} {فاطر: 18} وشأنه في مصيره شأن غيره، فإن أطاع الله وعمل الصالحات ومات على الإسلام فله الجنة، وإن عصى الله ومات على الكفر فهو من أهل النار، وإن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ومات مسلماً فأمره إلى الله، إن شاء غفر له وإن شاء عاقبه، ومآله إلى الجنة بفضل من الله ورحمة، وأما الحديث الوارد في أنه (لا يدخل الجنة ولد زنا) فموضوع. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ص: 197

(203)

‌ حديث: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)

.

(ضعيف)

رواه أبو داود (1671)، وابن عدي في"الكامل"(4/ 241) رقم (735) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

وفي سنده: سليمان بن قَرْم بن معاذ، وقد تفرد به، وهو ضعيف لسوء حفظه فلا يُحتج به، كما قال ابن عدي والذهبي.

وقال ابن معين: ليس بشيء.

وقال عبد الحق وابن القطان: ضعيف.

وقال الحافظ: سيء الحفظ.

"التقريب"(2615) و"تهذيب التهذيب"(4/ 193) و"الكامل" لابن عدي (4/ 241) و"الميزان" للذهبي (2/ 219 - 220) رقم (3599).

وقد ضعَّف هذا الحديث:

(1)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 329) رقم (1744).

(2)

العلامة الألباني في "الضعيفة"(1/ 39)"حاشية"

(1)

.

(1)

و انظر كذلك "ضعيف سنن أبي داود"(368) و"ضعيف الجامع"(6351) و"الترغيب والترهيب"(1/ 372) رقم (506) و"المشكاة"(1/ 605) رقم (1944).

ص: 198

(3)

العلامة بكر أبو زيد في "معجم المناهي اللفظية"(ص: 183).

(4)

سليم الهلالي في "بهجة الناظرين"(3/ 208).

والحديث ذكره:

"السخاوي في المقاصد"(ص: 549)، وابن الديبع في "التمييز" (ص: 196)، والعجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 502)، والصعدي في "النوافح العطرة"(2656).

التعليق:

قال العلامة الألباني

(1)

رحمه الله: لوصح الحديث لم يدل على ما ذهب إليه من رأى عدم الجواز، لأن المتبادر منه النهي عن السؤال به تعالى شيئاً من حطام الدنيا، أما أن يسأل به الهداية إلى الحق الذي يوصل إلى الجنة فلا يبدو لي أن الحديث يتناوله بالنهي، ويؤيدني في هذا ما قاله الحافظ العراقي: وذكر الجنة إنما هو للتنبيه به على الأمور العظام لا للتخصيص، فلا يسأل الله بوجهه في الأمور الدنيئة، بخلاف الأمور العظام تحصيلاً أو دفعاً كما يشير إليه استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم قاله المناوي وأقره.

وقد بوَّب النووي للحديث بالكراهة لا بعدم الجواز فقال: باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله غير الجنة، والكراهة عند الشافعية للتنزيه. اهـ بتصرف يسير.

(1)

في تعليقه على "المشكاة"(1/ 605).

ص: 199

وقال العلامة ابن عثيمين

(1)

رحمه الله: اخلتف في المراد بذلك على قولين:

القول الأول: أن المراد لا تسألوا بوجه الله، فإذا أردت أن تسأل أحداً من المخلوقين فلا تسأله بوجه الله لأنه لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، والخلق لا يقدرون على إعطاء الجنة، فإذاً لا يسأل بوجه الله مطلقاً، ويظهر أن المؤلف يرى هذا الرأي في شرح الحديث ولذلك أعقبه بقوله: باب لا يرد من سأل بالله.

القول الثاني: أنك إذا سألت الله الجنة وما يستلزم دخولها فلا حرج أن تسأل بوجه الله، وإن سألت شيئاً من أمور الدنيا فلا تسأله بوجه الله، لأن وجه الله أعظم من أن يسأل به شيء من أمور الدنيا، فأمور الآخرة تسأل بوجه الله، كقولك مثلاً: أسألك بوجهك أن تنجني من النار، والنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بوجه الله لما نزل قوله تعالى {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} {الأنعام: 65} قال: أعوذ بوجهك {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال: أعوذ بوجهك {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال: هذا أهون أو أيسر.

ولو قيل: إنه يحتمل المعنيين لكان له وجه. اهـ.

(1)

"القول المفيد"(2/ 356 - 357).

ص: 200

وقال العلامة بكر أبو زيد

(1)

رحمه الله: لكن يشهد لعموم النهي حديث أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله هجراً) رواه الطبراني. قال العراقي: إسناده حسن

(2)

.

ثم قال-رحمه الله: وحاصل السؤال بوجه الله يتلخص في أربعة أوجه:

• سؤال الله بوجهه أمراً دينياً أو أخروياً وهذا صحيح.

• سؤال الله بوجهه أمراً دنيوياً وهذا غير جائز.

• سؤال غير الله بوجه الله أمراً دنيوياً وهذا غير جائز.

• سؤال غير الله بوجه الله أمر دينياً. والموضوع يحتاج إلى زيادة تحرير. اهـ.

(1)

"معجم المناهي اللفظية"(ص: 183).

(2)

حسنه العلامة الألباني في "صحيح الجامع"(5890).

ص: 201

(204)

‌ حديث: (لا يشغل قارئكم مصليكم)

.

(لا يصح بهذا اللفظ)

لقد اشتهر هذا الكلام على ألسِنة كثير من الناس، وعُلِّق على جدران المساجد على أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك.

وقد جاء بألفاظ أخرى مثل:

حديث: (لا يشوش قارئكم على مصليكم). قال العجلوني في "كشف الخفاء"(3149): قال النجم: لا يعرف بهذا اللفظ. وهكذا قال العامري في "الجد الحثيث"(622).

ومثل حديث: (ما أنصف القارئ المصلي) لا يُعرف كما قال ذلك:

(1)

الحافظ ابن حجر. كما نقل عنه السخاوي.

(2)

السخاوي في "المقاصد"(ص: 425) رقم (937).

(3)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 142).

(4)

العامري في "الجد الحثيث"(ص: 260) رقم (622).

(5)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2181).

(6)

البيروتي في "أسنى المطالب"(1240).

(7)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 81).

ص: 202

(8)

السيوطي في "تنوير الحوالك" قال: وكثيراً ما يسأل في هذا المعنى عما اشتهر على الألسنة (ما أنصف القارئ المصلي) ولا أصل له.

(9)

العلامة الألباني في إصلاح المساجد (ص: 264) حاشية، قال: لا أصل له بهذا اللفظ.

التعليق:

قلت: ويُغني عن هذه الأحاديث التي لا تصح حديث: (لا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة)

(1)

، فرفع الصوت بالقرآن إذا شوش على المصلين فإنه لا يجوز، وفي فتاوى الإمام تاج الدين الفزاري الدمشقي الشافعي:

مسألة: جماعة يقرأون القرآن بأصوات مرتفعة بحيث يشوشون على الناس هل يجوز لهم ذلك أم لا؟

أجاب تاج الدين: الأولى أن لا يفعل ذلك والأولى المنع منه.

وأجاب الشخ زين الدين الزواوي المالكي: لا يحل ذلك وعلى ولي الأمر المنع من ذلك، وعن مالك يخرج من المسجد من يفعل ذلك.

وأجاب الشيخ شمس الدين القاضي الحنبلي قريباً من ذلك.

وأجاب القاضي الحنفي كذلك.

(1)

رواه مالك في "الموطأ" وأبو داود، وصححه الحافظ ابن حجر والعلامة الألباني كما في "صحيح أبي داود" (1302) و"صحيح الجامع" (2639) و"إصلاح المساجد" (ص: 74).

ص: 203

وفي فتاوى الإمام ابن تيمية عليه الرحمة والرضوان: مسألة: في مسجد يقرأ فيه القرآن والتلقين بكرة وعشية، ثم على باب المسجد شهود يكثرون الكلام، ويقع التشويش على القراء فهل يجوز ذلك أم لا؟

الجواب: ليس لأحد أن يؤذي أهل المسجد أهل الصلاة، أو القراءة، أو الذكر، أوالدعاء ونحو ذلك مما بنيت المساجد له، فليس لأحد أن يفعل في المسجد ولا على بابه قريباً منه ما يشوش على هؤلاء، بل قد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال:(أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة) فإذا كان قد نهى المصلي أن يجهر على المصلي فكيف بغيره، ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد، أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع من ذلك والله أعلم

(1)

.

(1)

"إصلاح المساجد من البدع والعوائد"(ص: 123 - 124).

ص: 204

(205)

‌ حديث: (لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن)

.

(ضعيف)

رواه الترمذي (131)، وابن ماجه (595)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 89)، والدارقطني في "سننه"(1/ 117)، وابن عدي في "الكامل"(1/ 483)، والعقيلي في "الضعفاء"(1/ 90)، وابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وفي سنده: إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي.

يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير، وهذا الحديث منها. "تهذيب التهذيب"(1/ 290 - 293).

وقد نصَّ على ضعف هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

الإمام أحمد. قال: باطل. "تهذيب التهذيب"(1/ 293).

(2)

الإمام البخاري كما نقل عنه الترمذي والبيهقي.

(3)

الإمام الترمذي في "جامعه"(131).

(4)

الإمام البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 89) و"معرفة السنن والآثار"(217).

ص: 205

(5)

ابن عدي في "الكامل"(1/ 483).

(6)

شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(21/ 460) قال: هذا الحديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة.

(7)

الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 138) رقم (183).

(8)

الإمام النووي في "المجموع"(2/ 177).

(9)

العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار"(1/ 284) رقم (299).

(10)

العلامة الألباني في "المشكاة"(461)

(1)

.

(11)

العلامة ابن باز في "مجموع فتاوى ومقالات"(4/ 384).

التعليق:

مسألة: مس القرآن وقراءته للجنب والحائض من المسائل التي اشتهر فيها الخلاف قديماً وحديثاً.

وقد لخص هذه المسألة

(2)

شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله حيث قال: لا يجوز مس القرآن على غير وضوء عند جمهور أهل العلم، وهو الذي عليه الأئمة الأربعة، وهو الذي كان يفتي به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،

(1)

وانظر كذلك "ضعيف سنن الترمذي"(18) و"ضعيف سنن ابن ماجه"(117) و"الإرواء"(1/ 206 - 208) رقم (192) و"ضعيف الجامع"(6364).

(2)

"مجموع فتاوى ومقالات"(4/ 384).

ص: 206

وقد ورد في ذلك حديث صحيح لا بأس به من حديث عمرو ابن حزم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم كتب به إلى أهل اليمن: (أن لا يمس القرآن إلا طاهر)

(1)

وهو حديث جيد له طرق يشد بعضها بعضاً، وبذلك يُعلم أنه لا يجوز مس القرآن إلا على طهارة من الحَدَثَين الأكبر والأصغر، وهكذا نقله من مكان إلى مكان إذا كان الناقل على غير طهارة، لكن إذا كان مسه أو نقله بواسطة كأن يأخذه في لفافة أو في جربة أو بعلاقته فلا بأس، أما أن يمسه مباشرة وهو على غير طهارة فلا يجوز على الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم لما تقدم.

وأما القراءة فلا بأس أن يقرأ وهو محدث عن ظهر قلب، أو يقرأ ويمسك له القرآن من يرد عليه ويفتح عليه فلا بأس بذلك.

لكن الجنب صاحب الحدث الأكبر لا يقرأ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج من الغائط وقرأ شيئاً من القرأن وقال: (هذا لمن ليس بجنب أما الجنب فلا ولا آية) والمقصود أن ذا الجنابة لا يقرأ لا من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل.

وأما المحدث حدثاً أصغر وليس بجنب فله أن يقرأ عن ظهر قلب ولا يمس المصحف

(2)

.

(1)

رواه الطبراني في "الكبير" عن ابن عمر رضي الله عنهما وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(7780).

(2)

قلت: قال النووي في "المجموع"(2/ 188): أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث الحدث الأصغر، والأفضل أن يتوضأ.

ص: 207

وهنا مسألة تتعلق بهذا الأمر وهي مسألة الحائض والنفساء، هل تقرآن القرآن أم لا تقرآن؟

في ذلك خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: لا تقرآن وألحقهما بالجنب.

والقول الثاني: أنهما تقرآن عن ظهر قلب دون مس المصحف لأن مدة الحيض والنفاس تطول وليستا كالجنب، لأن الجنب يستطيع أن يغتسل في الحال ويقرأ، أما الحائض والنفساء فلا تستطيعان ذلك إلا بعد طهرهما فلا يصح قياسهما على الجنب لما تقدم.

فالصواب: أنه لا مانع من قراءتهما عن ظهر قلب، هذا هو الأرجح لأنه ليس في الأدلة ما يمنع ذلك، بل فيها ما يدل على ذلك، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي لله عنها لما حاضت:

(افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) والحاج يقرأ القرآن، ولم يستثنه النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على جواز القراءة لها، وهكذا قال لأسماء بنت عميس لما ولدت محمد بن أبي بكر في الميقات في حجة الوادع، فهذا يدل على أن الحائض والنفساء لهما قراءة القرآن لكن من غير مس المصحف.

قلت: والخلاصة أن مسألة قراءة القرآن للحائض والنفساء فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:

(1)

يجوز لهما قراءة القرآن مطلقاً بلا حاجة.

(2)

يجوز لهما قراءة القرآن للحاجة.

ص: 208

(3)

يحرم عليهما قراءته مطلقاً ولو كان لحاجة

(1)

.

والراجح والعلم عند الله: أنه يجوز لهما قراءة القرآن بدون مس المصحف على الصحيح، وهو قول الإمام مالك، ونقل ابن حجر

(2)

الجواز عن الطبري وابن المنذر وداود، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم

(3)

، ومن علمائنا المعاصرين العلامة ابن باز

(4)

وشيخنا ابن عثيمين

(5)

، وقال العلامة الألباني وشيخنا الوادعي: بجواز قراءة القرآن ومسه للحائض

(6)

.

فائدة:

شدد العلماء في حكم الجنب أكثر من الحائض والنفساء، وذلك لأن أمر الجنب بيده، يستطيع أن يغتسل فيرفع الجنابة عن نفسه، بعكس الحائض والنفساء فإن أمرهما ليس بأيديهما.

وجوز ابن المسيب وعكرمة للجنب قراءة القرآن، ويروى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.

فائدة: أما المستحاضة فتمس القرآن وتقرأه بالإجماع كما نقله ابن جرير الطبري رحمه الله.

(1)

"مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(21/ 459 - 461) و"فتاوى أركان الإسلام"(ص: 255).

(2)

"فتح الباري"(1/ 408).

(3)

"مجموع الفتاوى"(26/ 189). وانظر رسالة "لا يمسه إلا المطهرون"(19).

(4)

"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة"(4/ 383 - 384).

(5)

"فتاوى أركان الإسلام"(ص: 255).

(6)

"الفتاوى المدنية" رقم (59) و"الصحيحة"(406). وفتاوى المرأة المسلمة" (ص: 91) للوادعي.

ص: 209

(206)

‌ حديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)

.

(ضعيف)

أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة"(ص: 12) رقم (15)، والبغوي في "شرح السنة"(1/ 185) رقم (104) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

وفي سنده: نعيم بن حماد الخزاعي ضعيف.

وقد ضعَّف هذا الحديث جمع من العلماء، منهم:

(1)

الحافظ ابن رجب الحنبلي-رحمه الله في "جامع العلوم والحكم"(ص: 386 - 387) حيث قال: تصحيح هذا الحديث بعيد جداً من وجوه، منها: أنه ينفرد به نعيم بن حماد المروزي، ونعيم هذا وإن كان وثقه جماعة من الأئمة وخرَّج له البخاري فإن أئمة الحديث كانوا يحسنون به الظن لصلابته في السنة وتشدده في الرد على أهل الأهواء، وكانوا ينسبونه إلى أنه يتهم ويشبه عليه في بعض الأحاديث، فلما كثر عثورهم على مناكيره حكموا عليه بالضعف، فروى صالح بن محمد عن ابن معين أنه سأل عنه فقال: ليس بشيء إنما هو صاحب سنة. قال صالح: وكان يحدث من حفظه، وعنده مناكير كثيرة لا يتبع عليها. وقال أبو داود:

ص: 210

عند نعيم نحو من عشرين حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس لها أصل. وقال النسائي: ضعيف، وقال مرة: ليس بثقة، وقال مرة: قد كثر تفرده عن الأئمة المعروفين في أحاديث كثيرة فصار في حدِّ من لا يحتج به. وقال أبو زرعة الدمشقي: يصل أحاديث يوقفها الناس، يعني يرفع الموقوفات. وقال أبو عروبة الخوافي: هو مظلم الأمر. وقال أبو سعيد بن يونس: روى أحاديث مناكير عن الثقات، ونسبه بعضهم إلى أنه يضع الحديث، وأين كان أصحاب عبد الوهاب الثقفي وأصحاب ابن سيرين عن هذا الحديث، حتى ينفرد به نعيم بن حماد. ومنها: أنه قد اختلف على نعيم في إسناده. ومنها: أن في إسناده عقبة بن أوس السدوسي البصري، ويقال: فيه يعقوب بن أوس أيضاً، وقد خرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه حديثاً عن عبد الله بن عمرو، ويقال: عبد الله بن عمر وقد اضطرب في إسناده، وقد وثقه العجلي وابن سعد وابن حبان. وقال ابن خزيمة: روى عنه ابن سيرين مع جلالته. وقال ابن عبد البر: هو مجهول. وقال الغلابي في تاريخه: يزعمون أنه لم يسمع من عبد الله بن عمرو وإنما يقول: قال عبد الله بن عمر فعلى هذا تكون رواياته عن عبد الله ابن عمرو منقطعة والله أعلم.

(2)

شيخنا الوادعي-رحمه الله في "المقترح"(ص: 10) وفي تعليقه على "تفسير ابن كثير"(2/ 419) قال: وما أكثر ما قد حدثنا بهذا

ص: 211

الحديث، يقول الحافظ ابن رجب هو من طريق نعيم بن حماد وهو ضعيف هذه العلة الأولى. الثانية: أنه اختلف على نعيم بن حماد في شيخه. الثالثة: أنه لا يدرى أسمع التابعي وهو عقبة بن أوس السدوسي من الصحابي أم لم يسمع.

(3)

العلامة الألباني-رحمه الله في "المشكاة"(1/ 59) و"شرح السنة"(ص: 12) رقم (15).

(4)

شيخنا العلامة ابن عثيمين-رحمه الله في "شرح الأربعين النووية"(ص: 394 - 395) و"مجموع الفتاوى"(16/ 57).

(5)

سليم الهلالي في "إيقاظ الهمم"(552).

التعليق:

قال شيخنا ابن عثيمين

(1)

رحمه الله: وهذا الحديث في الحقيقة من حيث المعنى صحيح؛ لأن هوى الإنسان إذا لم يكن تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإيمانه ناقص بلا شك.

وإليك أخي الكريم هذا الكلام المتين من "روضة المحبين" لابن القيم إمام الواعظين، حيث قال-رحمه الله: والهوى ميل الطبع إلى ما يلائمه، وهذا الميل خلق في الإنسان لضرورة بقائه، فإنه لولا ميله إلى المطعم والمشرب والمنكح ما أكل ولا شرب ولا نكح، فالهوى مستحث لها لما يريده، كما أن

(1)

"اللقاء الشهري"(ج 22).

ص: 212

الغضب دافع عنه ما يؤذيه، فلا ينبغي ذم الهوى مطلقاً ولا مدحه مطلقاً، كما أن الغضب لا يذم مطلقاً ولا يحمد مطلقاً، وإنما يذم المفرط من النوعين، وهو ما زاد على جلب المنافع ودفع المضار، ولما كان الغالب من مطيع هواه وشهوته وغضبه أنه لا يقف فيه على حد المنتفع به أطلق ذم الهوى والشهوة والغضب لعموم غلبة الضرر، لأنه يندر من يقصد العدل في ذلك ويقف عنده، كما أنه يندر في الأمزجة المزاج المعتدل من كل وجه، بل لا بد من غلبة أحد الأخلاط والكيفيات عليه، فحرص الناصح على تعديل قوى الشهوة والغضب من كل وجه، وهذا أمر يتعذر وجوده إلا في حق أفراد من العالم، فلذلك لم يذكر الله تعالى الهوى في كتابه إلا ذمه، وكذلك في السنة لم يجئ إلا مذموماً، إلا ما جاء منه مقيداً كقوله:(لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به). وقد قيل: الهوى كمين لا يُؤمن. قال الشعبي: وسمي هوى لأنه يهوي بصاحبه، ومطلقه يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في العاقبة، ويحث على نيل الشهوات عاجلاً، وإن كانت سبباً لأعظم الآلام عاجلاً وآجلاً، فللدنيا عاقبة قبل عاقبة الآخرة، والهوى يعمي صاحبه من ملاحظتها، والمروءة والدين والعقل ينهى عن لذة تعقب ألماً، وشهوة تورث ندماً، فكل منهما يقول للنفس إذا أرادت ذلك لا تفعلي، والطاعة لمن غلب، ألا ترى أن الطفل يؤثر ما يهوى وإن أدى به إلى التلف لضعف ناهي العقل عنده، ومن لا دين له يؤثر ما يهواه وإن أدى إلى هلاكه في الآخرة لضعف ناهي الدين، ومن لا مروءة له يؤثر ما يهواه، وإن ثلم

ص: 213

مروءته أو عدمها لضعف ناهي المروءة، فأين هذا من قول الشافعي رحمه الله تعالى: لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي لما شربته، ولما امتحن المكلف بالهوى من بين سائر البهائم، وكان كل وقت تحدث عليه حوادث جعل فيه حاكمان، حاكم العقل وحاكم الدين، وأمر أن يرفع حوادث الهوى دائماً إلى هذين الحاكمين، وأن ينقاد لحكمهما، وينبغي أن يتمرن على دفع الهوى المأمون العواقب ليتمرن بذلك على ترك ما تؤذي عواقبه، وليعلم اللبيب أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذون بها، وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بد لهم منه، ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذ به عشر معشار التذاذ من يفعله نادراً في الأحيان، غير أن العادة مقتضية ذلك، فيلقي نفسه في المهالك لنيل ما تطالبه به العادة، ولو زال عنه رين الهوى لعلم أنه قد شقي من حيث قدَّر السعادة، واغتم من حيث ظن الفرح، وألم من حيث أراد اللذة، فهو كالطائر المخدوع بحبة القمح لا هو نال الحبة ولا هو تخلص مما وقع فيه.

ثم ذكر رحمه الله خمسين وجهاً، لمن أراد التخلص من الهوى

(1)

.

(1)

انظرها إن شئت في "روضة المحبين"(ص: 467 - 482).

ص: 214

(207)

‌ حديث: (يا أبا أمامة مالى أراك جالساً في المسجد في غير وقت صلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله)

.

(ضعيف)

أخرجه أبو داود (1555) عن أبي سعيد رضي الله عنه.

قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة.

فقال: يا أبا أمامة مالي أراك في المسجد في غير وقت صلاة؟

قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله.

قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى دينك؟ قال قلت: بلى يا رسول الله.

قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)

(1)

.

قال: قلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني.

(1)

قال العلامة الألباني في ضعيف سنن أبي داود (ص: 152) رقم (333): هذا الحديث تقدم في صحيح أبي داود باختصار السند: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ منها أو يأمر بالاستعاذة منها سوى الحكاية والصباح والمساء.

ص: 215

وفي سنده: غسَّان بن عوف المازني البصري.

ضعَّفه: الساجي والأزدي.

وقال العقيلي: لا يتابع على كثير من حديثه.

وقال الحافظ: لين الحديث.

"تهذيب التهذيب"(8/ 214) و"التقريب"(5393).

وقد ضعَّف هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

أبو داود في رواية الآجري عنه حيث قال: سألت أبا داود عن غسَّان بن عوف الذي يحدث بحديث الدعاء فقال شيخ بصري وهذا حديث غريب. "تهذيب التهذيب"(8/ 214).

(2)

المنذري، قال: في إسناده غسَّان بن عوف وهو بصري ضعيف كما نقل عنه صاحب "عون المعبود"(4/ 289).

(3)

الحافظ ابن حجر، قال: حديث غريب أخرجه أبو داود في "السنن" وسكت عنه

(1)

.

(4)

العلامة الألباني في "ضعيف سنن أبي داود"(333)

(2)

.

(1)

"نتائج الأفكار"(2/ 377 - 379) و"موسوعة الحافظ ابن حجر الحديثية"(6/ 61) وشرح "الأذكار" لابن علان (3/ 123).

(2)

وانظر كذلك "الترغيب والترهيب"(1141) و"غاية المرام"(ص: 164 - 165) رقم (347).

ص: 216

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم أن هذا الحديث بهذه القصة لا يصح، لكن هناك جملة من الأدعية النبوية الصحيحة يقولها من لزمته الهموم والغموم والديون فيذهب الله عنه همه وغمَّه ودينه بإذن الله، منها:

(1)

ما أخرجه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال: كنت أسمعه صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال).

(2)

وكان صلى الله عليه وسلم يقول في صلاته كثيراً: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم - الدين-) رواه البخاري.

(3)

وعن علي رضي الله عنه أن مكاتباً جاءه فقال: قد عجزت عن مكاتبتي فأعني قال علي رضي الله عنه: (ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل "صبير" ديناً أداه الله عنك، قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمن سواك)

(1)

.

(4)

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال عبد قط إذا أصابه هم أو حزن: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت

(1)

رواه الترمذي والحاكم، وحسنه الألباني في "الترغيب والترهيب"(2/ 733) رقم (2660).

وفي رواية: (جبل صبر) قال ابن الأثير: هو جبل في اليمن. قلت: (ولعله الجبل الذي في مدينة تعز).

ص: 217

به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحاً)

(1)

.

(5)

وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات، ورب الأرض ورب العرش الكريم) متفق عليه.

(1)

رواه أحمد وصححه الألباني في " الكلم الطيب"(105).

ص: 218

(208)

‌ حديث: (يا ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب، وفي أكثر منه فلا تطمع، فإذا رضيت بما قسمت لك أرحت نفسك وكنت عندي محموداً، وإن لم ترض بما قسمت لك فوعزتي وجلالي لأسلطنَّ عليك الدنيا، تركض فيها كما يركض الوحش في البرية، ولا تنال منها إلا ما قسمت لك وكنت عندي مذموماً

).

(موضوع)

هذا الحديث من الأحاديث المشتهرة على ألسِنة كثير من الخطباء، والوعاظ، والمثقفين، والعامة وغيرهم، وقد عُلِّق على حيطان المساجد، والمحلات التجارية، وجدران المنازل، على أنه حديث قدسي.

والحديث رغم شهرته الكبيرة ليس له أصل في كتب السنة النبوية المشهورة، ولا في ما بين أيدينا من أجزاء الحديث المنثورة، وإنما هو من الأخبار الإسرائيلية، التي تروى عن كعب الأحبار

(1)

.

قال المعلمي رحمه الله: ليس كل ما نُسب إلى كعب الأحبار بثابت عنه، فإن الكذَّابين من بعده قد نسبوا إليه أشياء كثيرة لم يقلها.

(1)

ذكره صاحب كتاب "المستطرف في كل فن مستظرف" وصاحب كتاب "الفتوحات المكية".

ص: 219

قلت: وقد ورد هذا الحديث بعدة روايات كلها لا تصح.

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى"(8/ 52): وفي حديث إسرائيلي (يا ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب

).

(2)

قال العلامة ابن القيم-رحمه الله في "طريق الهجرتين"(ص: 45): وفي أثر إلهي، فذكره.

(3)

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في "تفسيره"(4/ 304): وقد ورد في بعض الكتب الإلهية فذكره.

(4)

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هذا الحديث غير صحيح.

"فتاوى الشيخ الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة النشرة الخامسة"(3/ 63).

التعليق:

قلت: ويُغني عنه ما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له)

(1)

.

(1)

رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه وصححه العلامة الألباني رحمه الله في "صحيح الجامع"(6510) و "الصحيحة"(949) و (950).

ص: 220

(209)

‌ حديث: (يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة)

.

(ضعيف)

قال ابن هشام في "السيرة"(2/ 620) قال ابن إسحاق: فحُدِثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا: أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟

قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة.

فقال يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نُغَوِّر ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فغُوِّرت، وبنى على القَليب الذي نزل عليه فملئ ماءً، ثم قذفوا فيه الآنية.

وعلة الحديث: (1) الإرسال. (2) الجهالة.

وقد ضعف هذا الحديث:

ص: 221

(1)

الذهبي، قال: حديث منكر. "دفاع عن الحديث النبوي"(ص: 35).

(2)

العلامة الألباني في "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة"(ص: 35)، قال: هو عند ابن هشام في "السيرة" قال ابن إسحاق: فحُدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر

إلخ. وهذا إسناد: مرسل مجهول فهو ضعيف، وقد وصله بعضهم وفيه من لا يُعرف، وآخر كذَّاب

(1)

.

(3)

شيخنا العلامة ابن عثيمين: في "مجالس شهر رمضان" غزوة بدر

(2)

قال: وإشارة الحباب ضعيفة جداً سنداً ومتناً.

(4)

العمري في "السيرة النبوية"(2/ 360) قال: مرسل.

التعليق:

قلت: رغم ضعف هذه الرواية فإن مبدأ الشورى ثابت بنصوص القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فكثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه فيما لا وحي فيه من الكتاب والسنة تعويداً لهم على التفكير في المشاكل العامة، وحرصاً على تربيتهم على الشعور بالمسؤلية، ورغبة في تطبيق الأمر الإلهي بالشورى، وتعويد الأمة على ممارستها.

(1)

وانظر كذلك "فقه السيرة النبوية"(ص: 240) تحقيق الألباني.

(2)

"مجالس شهر رمضان" الطبعة: الأولى الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية تاريخ النشر: 1419 هـ عدد الصفحات: 176 عدد الأجزاء: 1.

ص: 222

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية"(8/ 274): مازال المتعلِّمون ينبهون معلِّمهم على أشياء ويستفيدها المعلّم منهم، مع أن عامة ما عند المتعلّم من الأصول تلقاها من معلّمه وكذلك في الصُنَّاع وغيرهم.

وموسى عليه السلام قد استفاد من الخضر ثلاث مسائل وهو أفضل منه، واستمع نبي الله سليمان للهدهد {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)} {النمل: 22}، وليس الهدهد قريباً من سليمان، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يشاور أصحابه، وكان أحياناً يرجع إليهم في الرأي. والصور في ذلك كثيرة.

ص: 223

(210)

‌ حديث: (يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة

).

(ضعيف جداً)

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(7/ 255 - 256) رقم (6491) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

في سنده: الحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي، ومنهم من يسميه الحسن.

قال الذهبي في "الميزان"(1/ 502) رقم (1880): ليس بثقة.

وقال ابن عدي: يسرق الحديث ولا يشبه حديثه أهل الصدق.

وقال الأزدي: لو قلت كذَّاباً لجاز.

قال ابن الجوزي: بعض الرواة يسميه الحسين، ثم قال الذهبي: وهو مقرئ وله مناكير.

وقد ضعَّف هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

المنذري في "الترغيب والترهيب"(2/ 547).

(2)

الهيثمي في "المجمع"(10/ 291).

(3)

ابن رجب في "جامع العلوم والحكم"(ص: 99).

(4)

الألباني في "الضعيفة"(1812) و"الترغيب والترهيب"(1071).

ص: 224

(5)

شيخنا الوادعي في تعليقه على "تفسير" ابن كثير (1/ 372).

(6)

اللجنة الدائمة (29/ 259) فتوى رقم (21278).

التعليق:

قلت: تبين لك أن هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن معناه صحيح كما قال أهل العلم، ويُغني عنه حديث:(أيها الناس إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51)} {المؤمنون: 51} .

وقال {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} {البقرة: 172} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وموانع إجابة الدعاء كثيرة منها:

• أكل الحرام: كما تقدم في الحديث.

• الاستعجال وعدم الصبر: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي) متفق عليه.

ص: 225

• الدعاء بالإثم أو قطيعة الرحم: قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال يستجاب للعبد مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل

) متفق عليه

• الغفلة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل)

(1)

.

• الاعتداء في الدعاء: قال تعالى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ

لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} {الأعراف: 55} .

• ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجيب لكم)

(2)

.

فإذا وفقك الله وجنبك هذه الموانع، وعملت بأسباب إجابة الدعاء، مع حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب وصادف وقتاً من أوقات الإجابة الستة وهى:

(1)

الثلث الأخير من الليل.

(2)

عند الأذان.

(1)

أخرجه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(245).

(2)

رواه الترمذي وأحمد والبغوي عن حذيفة رضي الله عنه وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(7070).

ص: 226

(3)

بين الأذان والإقامة.

(4)

أدبار الصلوات المكتوبات.

(5)

عند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم.

(6)

وآخر ساعة بعد العصر من يوم الجمعة. وصادف خشوعاً في القلب بين يدي الرب وذلة له وتضرعاً ورقة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بالحمد لله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله وألح عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبداً، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم

(1)

.

(1)

"الداء والدواء"(ص: 14 - 15).

ص: 227

(211)

‌ حديث: (يا عبدي اسعَ وأنا أعينك واجلس وأنا أهينك)

.

(ليس بحديث)

لقد اشتهرت هذه المقولة على ألسِنة كثير من العوام، خاصة في مجتمعنا اليمني، وينسبونه حديثاً قدسياً قاله ربنا سبحانه وتعالى، وهذا ليس بصحيح، وليس له أصل في كتب الحديث، أو في الكتب التي جمعت الأحاديث القدسية.

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم أن هذا الكلام ليس من كلام الله، ولا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينبغي للمسلم أن يتحرى الصحيح من الحديث، ويتقي الله ربه فالكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم كبيرة من كبائر الذنوب، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

نعم الإسلام أمر بالأخذ بالأسباب في جميع الأمور، ومنها الأخذ بأسباب الرزق، قال تعالى {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)} {مريم: 25}، وقال تعالى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)} {الملك: 15}.

ص: 228

وقال تعالى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} {المزمل: 20} .

وقال تعالى {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} {الجمعة: 10}

وهذه الآيات وغيرها تدعو الإنسان للسعي في الأرض لتحصيل الرزق والمعاش.

وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل جلس في بيته أو مسجده وقال: لا أعمل شيئاً حتى يأتني رزقي.

فقال أحمد: هذا رجل جهل العلم، أما سمع قوله صلى الله عليه وسلم:(إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي)

(1)

.

وقال حين ذكر الطير: (تغدو خماصاً وتروح بطاناً)، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخلهم والقدوة بهم.

وللفائدة أُجمل لك هنا بعض أسباب الرزق:

(1)

الاستقامة على الدين: قال تعالى {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)} {الجنّ: 16} .

(2)

الإيمان والتقوى: قال تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} {الأعراف: 96} .

(1)

رواه أحمد والطبراني وأبو يعلى عن ابن عمر رضي الله عنهما وصححه العلامة الألباني رحمه الله في"الإرواء"(1269) و"صحيح الجامع"(2831).

ص: 229

(3)

التوكل على الله: قال صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير

)

(1)

.

(4)

الشكر: قال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} {إبراهيم: 7} .

(5)

العمل بطاعته وذكره سبحانه: قال تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} {طه: 124} .

(6)

أدآء الزكاة: قال صلى الله عليه وسلم: (

ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا)

(2)

.

(7)

الصدقات والنفقات: قال تعالى {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)} {سبأ: 39} . وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً)

(3)

.

(1)

رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم عن عمر رضي الله عنه وصححه العلامة الألباني في "الصحيحة"(310) و"صحيح الجامع"(9254).

(2)

رواه الحاكم والبزار وابن ماجه عن عمر رضي الله عنه وصححه الألباني في "الصحيحة"(106) و"صحيح الجامع"(7978).

(3)

رواه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأحمد وابن حبان والحاكم عن أبي الدرداء رضي الله عنه وصححه العلامة الألباني في ال"الصحيحة"(930) و"صحيح الجامع"(5797).

ص: 230

(8)

الدعاء: قال تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} {غافر: 60} .

(9)

العمل بالكتاب والسنة: قال تعالى عن أهل الكتاب {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} {المائدة: 66} .

(10)

الاستغفار: قال تعالى {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ

جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} {نوح: 10 - 12} .

(11)

صلة الرحم: قال صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه) متفق عليه عن أنس رضي الله عنه.

ص: 231

(212)

‌ حديث: (يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته)

.

(ضعيف)

أخرجه ابن إسحاق في"المغازي"(1/ 170): أن قريشاً لما قالوا لأبي طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلةً فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا له، ثم انصرفوا عنه. فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفساً بإسلام رسول الله ولا خذلانه. فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا كذا وكذا الذي قالوا له، فأبق علىّ وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر مالا أطيق. قال فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بدو، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ياعم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته).

ص: 232

قال: ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب. فقال: أقبل يا ابن أخي، فأقبل عليه صلى الله عليه وسلم فقال: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فو الله لا أسلمك لشيء أبداً.

وانظر سيرة ابن هشام (1/ 266)، و"البداية والنهاية"(2/ 46).

قال العلامة الألباني-رحمه الله: هذا حديث ضعيف أخرجه ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس وإسناده معضل، ويعقوب هذا لم يدرك أحداً من الصحابة فهو من أتباع التابعين.

وقال في الصحيحة: ليس له إسناد ثابت.

"فقه السيرة"(ص: 114) و"الضعيفة"(2/ 310)، و"الصحيحة"(1/ 195).

التعليق:

قلت: ويغني عنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا لي منها شعلة) يعني الشمس.

وتمامه: قال عقيل ابن أبي طالب -وهو شاهد عيان مشارك في الحديث-: (جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا، فقال: يا عقيل، انطلق فائتني بمحمد. فانطلقت إليه فاستخرجته من كبسي -بيت صغير- فجاء به في الظهيرة في شدة الحر، فجعل يطلب الفيء يمشي فيه من شدة الحر الرحض. فلما

ص: 233

أتاهم قال أبو طالب: إن بني عمك هؤلاء قد زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم فانته عن أذاهم. فحلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء فقال: أترون هذه الشمس. قالوا: نعم. قال: (فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة)

(1)

.

(1)

قال الهيثمي في "المجمع"(6/ 15): رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" وأبو يعلى باختصار من أوله ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. وحسنه العلامة الألباني في "الصحيحة"(1/ 194 - 195) رقم (92) و"فقه السيرة"(ص: 114) و"الضعيفة"(310). وصححه العمري في "السيرة النبوية الصحيحة"(1/ 160).

ص: 234

(213)

‌ حديث: (يا ويل من ضحك اليتيم كيف من بكاه)

.

(ليس بحديث)

لقد اشتهر هذا الكلام على ألسِنة العوام على أنه من كلام خير الأنام عليه الصلاة والسلام، وهذا ليس بصحيح بل هو كلام جرى على ألسِنة العوام وليس له خطام ولا زمام.

التعليق:

قلت: تبين لك أخي المسلم أن هذا الكلام المشهور بين الناس، أن إضحاك اليتيم لا يجوز وإبكاءه لا يجوز، إذاً ماذا يفعل معه؟

ألا يحتاج اليتيم إلى تأديب وتربية وتوجيه؟ بلى يحتاج إلى ذلك فقد بوَّب البخاري في كتابه "الأدب المفرد" باب: (أدب اليتيم).

عن شميسة العتكية قالت: ذُكر أدب اليتيم عند عائشة رضي الله عنها فقالت: (إني لأضرب اليتيم حتى ينبسط)

(1)

. والانبساط: المراد به الانبطاح، والامتداد على الأرض من الغضب وعدم الرضا بما يعامل به، وعلى هذا لا بأس أن يُضرب اليتيم إذا كان يرى فيه مصلحته، ويعرف من نفسه صدق المحبة والشفقة عليه، أما الظلم فلا يجوز لا لليتيم ولا لولدك ولا لغيرهما

(2)

.

قالت اللجنة الدائمة (14/ 250) فتوى رقم (18327):

يجوز ضرب اليتيم لتأديبه بغير إلحاق ضرر به أو أذى أو إذلال.

(1)

وصححه العلامة الألباني رحمه الله في "صحيح الأدب المفرد"(ص: 76).

(2)

"رش البرد شرح الأدب المفرد"(ص: 83).

ص: 235

(214)

‌ حديث: (يخلق من الشبه أربعين)

.

(ليس بحديث)

هذا الكلام شائع على ألسِنة الناس على أنه حديث نبوي، والصحيح أنه ليس بحديث لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف، ولم أجده في كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام؛ لا في الأمهات الست، ولا في المسانيد ولا المعاجم والأجزاء، بل لم أجده حتى في الكتب التي اعتنت بجمع الأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس "كاللآلئ المصنوعة"، و"المقاصد"، و"الدرر المنتثرة"، و"التمييز"و"كشف الخفاء"، وغيرها من الكتب التي تكلمت في هذا الموضوع، بل حتى لم أعثر عليه في المؤلفات التي جمع أصحابها ومصنفوها الأحاديث الموضوعة، ليحذِّروا الناس منها ومن الاعتقاد بها، وبأنها من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ليست كذلك، "كالموضوعات" لابن الجوزي، و "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" لا بن عراق، و"تذكرة الموضوعات" لابن طاهر الهندي، و"الفوائد المجموعة" للشوكاني وغيرهم ممن ألَّف في الموضوعات مرتباً على الأبواب، أو حروف المعجم كالسمهودي والقاري والأزهري وغيرهم، ولم أعثر عليه في كتب علمائنا المعاصرين، ككتب العلامة المحدث الألباني، أوكتب شيخنا العلامة المحدث الوادعي هذا والله وحده أعلم.

ص: 236

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم أن هذه المقولة: (يخلق من الشبه أربعين) ليست حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من كلام الناس، ثم إن في هذا الكلام رجماً بالغيب، لأن قولك عندما ترى شخصاً يشبه شخصا آخر:(يخلق من الشبه أربعين) ففي هذا جزم وإخبار بأن الله خلق على صورة هذا الإنسان أربعين إنساناً آخر يشبهه، وهذا فيه قول على الله بغير علم وفيه مجازفة، نعم يوجد الشَّبه بين الناس لكن هذا التحديد ليس له أصل في الشرع، والله أعلم.

ص: 237

(215)

‌ حديث: (يُدعى الناس يوم القيامة بأسماء أمهاتهم ستراً من الله عز وجل عليهم)

.

(موضوع)

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(1/ 558) عن أنس رضي الله عنه، والطبراني في "الكبير"(11242) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وفي سنده:

(1)

إسحاق بن ابراهيم الطبري.

(2)

إسحاق بن بشر.

فالأول: منكر الحديث، والثاني: في عداد من يضع الحديث.

"الكامل"(1/ 548، 558)، و"الميزان"(1/ 177، 184).

وقد نصَّ على بطلان هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

ابن عدي في "الكامل"(1/ 558) قال: وهذا الحديث منكر المتن بهذا الإسناد.

(2)

ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 570) رقم (1798) قال: هذا حديث لا يصح اُتهِمَ به إسحاق بن إبراهيم الطبري.

ص: 238

(3)

الذهبي في "تلخيص الموضوعات"(ص: 350) رقم (952)، وميزان الإعتدال (1/ 177) قال: منكر.

(4)

ابن القيم في "المنار المنيف"(ص: 139) قال: باطل.

(5)

الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(1/ 143) قال: منكر.

(6)

السخاوي في "المقاصد"(ص: 152) رقم (244).

(7)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 46).

(8)

ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(2/ 381) رقم (16).

(9)

العجلوني في "كشف الخفاء"(1/ 288) رقم (754).

(10)

العامري في "الجد الحثيث"(ص: 59) رقم (56).

(11)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 82) رقم (332).

(12)

الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص: 224).

(13)

الصالحي في "الشذرة"(1/ 164) رقم (220).

(14)

السمهودي في "الغماز على اللماز"(ص: 67) رقم (53).

(15)

الصعدي في "النوافح العطرة"(ص: 73) رقم (362).

(16)

الألباني في "الضعيفة"(1/ 621) رقم (433).

التعليق:

قلت: تبين لك أخي الكريم أن هذا الحديث المتداول على ألسِنة كثير من الناس لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ثبت ما يخالفه من كتاب

ص: 239

الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} {الأحزاب: 5} والخلق يُدعون يوم القيامة بآبائهم، هذا هو الصواب الذي دلت عليه السنة الصحيحة، ونصَّ عليه الأئمة كالبخاري وغيره، فقال البخاري-رحمه الله:(باب ما يُدعى الناس يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم) ثم ساق حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء، فيقال هذه غدرة فلان بن فلان)، وكذلك حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: (إن العبد إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة

فتقول الملائكة روح من هذه الطيبة؟ فيقولون: روح فلان بن فلان بأحب أسمائه التي كان يدعى بها)

(1)

.

(1)

رواه أحمد وابن خزيمة والبيهقي والضياء وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح "سنن "أبي داود (4753) و"أحكام الجنائز"(ص: 198). ولمزيد "الفائدة انظر تحفة المودود"(ص: 85 - 92).

ص: 240

(216)

‌ حديث: (يوم صومكم يوم نحركم)

.

(لا أصل له)

لقد اشتهر هذا الكلام على ألسِنة الناس، وينسبونه حديثاً نبوياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس له أصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باتفاق علماء الحديث وأذكر لك منهم ما يلي:

(1)

الإمام أحمد قال: لا أصل له. كما نقل عنه العجلوني في "كشف الخفاء".

(2)

الزركشي. كما نقل عنه العجلوني في "كشف الخفاء".

(3)

شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى"(25/ 180) قال: لا يُعرف في شيء من كتب الإسلام، ولا رواه عالم قط.

(4)

ابن القيم في "المنارالمنيف"(279) و"البدائع"(2/ 204).

(5)

النووي في "المجموع"(6/ 283) قال: ضعيف بل منكر باتفاق الحفاظ.

(6)

العراقي في "التقييد والإيضاح"(ص: 247 - 248).

(7)

القاري في "المصنوع"(ص: 219) رقم (417).

(8)

السخاوي قي "المقاصد"(ص: 559) رقم (1355).

(9)

السيوطي في "الدرر المنتثرة"(194) رقم (463) و"تدريب الراوي"(2/ 176) قال: كذب لا أصل له.

ص: 241

(10)

العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 540) رقم (3263) قال: لا أصل له كما قاله الإمام أحمد وغيره كالزركشي والسيوطي.

(11)

ابن الديبع في "التمييز"(ص: 202).

(12)

العامري في "الجد الحثيث"(ص: 265) رقم (645).

(13)

البيروتي في "أسنى المطالب"(ص: 335) رقم (1777).

(14)

الصالحي في "الشذرة"(2/ 271) رقم (1169).

(15)

الصعدي في "النوافح العطرة"(ص: 480) رقم (2714).

(16)

السمهودي في"الغماز على اللماز"(ص: 243) رقم (351).

(17)

الأزهري في "تحذير المسلمين"(ص: 188) رقم (760).

(18)

العلامة الألباني في تعليقه على الباعث الحثيث (2/ 459) قال: هذا الحديث لا أصل له باتفاق علماء الحديث، وقد صرح بذلك الإمام أحمد والزركشي والسيوطي والسخاوي وممن جزم بأن الحديث لا أصل له الحافظ العراقي في شرح علوم الحديث. "مجلة المسلمون"(6/ 490 - 491).

(19)

العلامة ابن باز في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة"(26/ 396) قال: لا أعلم له أصلاً شرعياً، ولا أعلم أنه ورد في ذلك حديث يعتمد عليه.

(20)

العلامة ابن عثيمين في "شرح المنظومة البيقونية"(ص: 70) قال: مشهور عند العامة، على أنه حديث صحيح، وهو لا أصل له.

ص: 242

التعليق:

قلت: تبين لك أن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه كذلك غير صحيح، ومعنى يوم صومكم يوم نحركم أي: اليوم الذي نصوم فيه شهر رمضان يكون اليوم نفسه يوم عيد الآضحى، فإذا صمنا يوم الخميس مثلاً يكون عيد الأضحي يوم الخميس، وهذا الكلام ليس على إطلاقه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية

(1)

: وغالب هؤلاء يوجبون أن يكون رمضان تاماً، ويمنعون أن يكون تسعة وعشرين. اهـ.

وقال النووي في "المجموع"(6/ 283): حكي الماوردي عن بعض الشيعة أنهم أسقطوا حكم الأهلة واعتمدوا العدد للحديث السابق في الصحيحين: (شهرا عيد لا ينقصان)، وبالحديث المروي:(صومكم يوم نحركم).

ودليلنا عليهم الأحاديث المذكورة هنا مع الأحاديث السابقة:

(صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) والأحاديث المشهورة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشهر تسع وعشرون) أي قد يكون تسعاً وعشرين وفى روايات: (الشهر هكذا وهكذا وهكذ وأشار بأصابعه العشر وحبس الإبهام في الثالثة) رواه البخاري ومسلم.

(1)

"مجموع الفتاوى"(25/ 180).

ص: 243

وعن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نجسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين) رواه البخاري بلفظه ومسلم بمعناه.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لما صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين) رواه أبو داود والترمذي.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما صمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم تسعاً وعشرين أكثر مما صمت معه ثلاثين) رواه الدارقطني وقال إسناده حسن صحيح. وعن أبى هريرة مثله رواه ابن ماجه.

والجواب: عن (شهرا عيدٍ لا ينقصان) أي لا ينقص أجرهما، أو لا ينقصان في سنة واحدة معاً غالبا، وقد سبق هذان التأويلان فيه مع غيرهما.

والجواب: عن حديث (صومكم يوم نحركم) أنه ضعيف بل منكر باتفاق الحفاظ، وإنما الحديث الصحيح في هذا حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، ورواه أبو داود بإسناد حسن، ولفظه (الفطر يوم تفطرون).

وعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفطر يوم يفطر الناس، والأضحي يوم يضحى الناس) رواه الترمذي، وقال: هو حديث حسن صحيح والله تعالى أعلم.

ص: 244

‌القسم الثاني (الآثار)

ص: 246

(1)

‌ أثر أبي بكر رضي الله عنه: (أي سماءٍ تظلني وأي أرضٍ تقلني إذا قلت في كتاب الله مالا أعلم)

.

(ضعيف)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الكافي الشاف"(4/ 691): أخرجه أبو عبيد في "فضائله"، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة

(1)

.

قلت: وأخرجه البغوي في "التفسير"(8/ 339)، وعزاه محققه إلى الطبري، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله".

وهذا الأثر ضعيف، علته: الإنقطاع بين إبراهيم التيمي وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فإن إبراهيم التيمي لم يسمع من أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

قال الدارقطني: لم يسمع من حفصة، ولا من عائشة، ولا أدرك زمانهما. "تهذيب التهذيب"(1/ 160).

قلت: إذا كان لم يدرك زمان عائشة وحفصة رضي الله عنهما، فهو لم يدرك زمان الصديق رضي الله عنه قطعاً.

وقد ضعَّف هذا الأثر:

(1)

"موسوعة الحافظ ابن حجر الحديثية"(1/ 103).

ص: 248

(1)

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مقدمة التفسير"

(1)

(ص: 143) قال: إسناده منقطع.

(2)

الحافظ ابن كثير رحمه الله في "تفسيره"(4/ 608) تحت قول الله تعالى {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} {عبس: 31} قال أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنا محمد بن يزيد حدثنا العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي. قال: سُئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن قول الله تعالى {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} فقال: (أي سماءٍ تظلني وأي أرضٍ تقلني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم). قال: وهذا منقطع بين إبراهيم التيمي والصِّدِّيق رضي الله عنه. اهـ.

(3)

الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الكافي الشاف" قال: هذا منقطع.

(4)

شيخنا الوادعي رحمه الله في تعليقه على "تفسير ابن كثير"(1/ 16) قال: منقطع.

التعليق:

قلت: قد صح عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: (أي سماءٍ تظلني وأي أرضٍ تقلني إذا قلت ما لا أعلم) بدون ذكر (في كتاب الله).

فقد أخرج البزار بسندٍ صحيح عن عائشة رضي الله عنها، أنه لما نزل عذرها في (قصة الإفك) قبَّل أبو بكر رضي الله عنه رأسها.

(1)

بشرح ابن عثيمين.

ص: 249

فقالت: ألا عذرتني؟

فقال: (أي سماءٍ تظلني، وأي أرضٍ تقلني، إذا قلت ما لا أعلم).

ذكرتُ هذا حتى لا يختلط عليك الأمر، فإن الأثر الضعيف جاء عند ما سئل الصديق رضي الله عنه عن تفسير قوله تعالى {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} .

والأثر الصحيح جاء بعد حادثة الإفك، وبراءة عائشة رضي الله عنها والله أعلم

(1)

.

(1)

"فتح الباري"(8/ 334) و"روح المعاني"(17، 18/ 432) و"الصحيحة" تحت حديث (2507).

ص: 250

(2)

‌ أثر أبي بكر رضي الله عنه: (وددت أني شعرة في جنب عبدٍ مؤمن)

.

(لا يصح)

أخرجه أحمد في "الزهد"(ص: 135) عن أبي عمران الجوني، قال: قال: أبو بكر الصديق رضي الله عنه فذكره.

قلت: وأبو عمران الجوني، هو عبد الملك بن حبيب الأزدي، لم يدرك أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فقد توفي سنة (128) وقيل:(129 هـ) فالأثر منقطع. "تهذيب التهذيب"(6/ 341 - 342) رقم (4325).

وقد ضعَّف هذا الأثر:

اللجنة الدائمة (4/ 392) فتوى رقم (7066) قالوا: فيه انقطاع بين أبي عمران الجوني وأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

ص: 251

(3)

‌ أثر أبي بكر رضي الله عنه: (والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد)

.

(لا يصح)

رواه أحمد في "الزهد"(ص: 139) بسنده عن الحسن عن أبي بكر رضي الله عنه فذكره.

قلت: هذا الأثر منقطع، فإن الحسن، وهو الحسن بن أبي الحسن البصري لم يسمع من أبي بكر رضي الله عنه، حيث أنه ولد لسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه. "تهذيب التهذيب"(2/ 243) رقم (1297).

وقد ضعَّف هذا الأثر:

اللجنة الدائمة (4/ 392) فتوى رقم (7066) قالوا: هذا الأثر غير صحيح لأن الحسن لم يدرك أبا بكر الصديق رضي الله عنه.

ص: 252

(4)

‌ أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا

).

(ضعيف)

رواه ابن أبي الدنيا في "محاسبة النفس"(ص: 29 - 30)، وأحمد في "الزهد" (ص: 120)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 88) رقم (135).

وعلقه ابن الجوزي في "سيرة ومناقب عمر" رضي الله عنه: (ص: 134 - 135) من طريق جعفر بن بُرقان عن ثابت بن الحجاج عن عمر رضي الله عنه به.

قلت: هذا الأثر منقطع، ثابت بن الحجاج لم يسمع من عمر رضي الله عنه، فقد ذكر له الحافظ في "تهذيب التهذيب"(2/ 5) رقم (866) رواية عن بعض الصحابة ليس منهم عمر رضي الله عنه.

بل إن البخاري وابن أبي حاتم لم يذكرا له رواية إلا عن بعض التابعين، ولذلك أورده ابن حبان في أتباع التابعين من كتابه "الثقات" (6/ 127). وقال: روى عن جماعة من التابعين.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(8/ 149) من طريق جعفر بن برقان عن رجلٍ لم يكن يسمه عن عمر رضي الله عنه. وكما هو ظاهر السند فإن فيه رجلاً مبهاً لا يُعرف.

ص: 253

وأخرجه ابن المبارك في "الزهد"(306) عن مالك بن مغول بلاغاً عن عمر رضي الله عنه.

وقد ذكر هذا الأثر الإمام الترمذي في "جامعه" بصيغة التمريض فقال: ويُروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

"ضعيف سنن الترمذي"(ص: 279) تحت حديث رقم (436).

وقد ضعَّف هذا الأثر:

(1)

الألباني رحمه الله في "الضعيفة"(3/ 346) رقم (1201).

(2)

أبو إسحاق الحويني في "تخريجه لتفسير ابن كثير"(1/ 478).

التعليق:

قلت: لا شك أن معنى الأثر صحيح، فإنك ترى أن مطلب المتعاملين في التجارات المشتركين في البضائع عند المحاسبة سلامة الربح.

وكما أن التاجر يستعين بشريكه فيعطيه المال حتى يتَّجر به ثم يحاسبه، فكذلك العقل هو التاجر في طريق الآخرة، وإنما مطلبه وربحه تزكية النفس لأن بذلك فلاحها، قال الله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} {الشمس: 9 - 10}. ففلاحها بالأعمال الصالحة، والعقل يستعين بالنفس في هذه التجارة، إذ يستعملها ويسخرها فيما

ص: 254

يزكيها، كما يستعين التاجر بشريكه وغلامه الذي يتَّجر في ماله، وكما أن الشريك يصير خصماً منازعاً يجاذبه في الربح فيحتاج إلى أن يشارطه أولاً، ويراقبه ثانياً، ويحاسبه ثالثاً، ويعاقبه، أو يعاتبه رابعاً، والعقل يحتاج إلى مشارطة النفس أولاً فيوظف عليها الوظائف، ويشرط عليها الشروط ويرشدها إلى طريق الفلاح، ويجزم عليها الأمر بسلوك تلك الطرق، ثم لا يغفل عن مراقبتها لحظة، فإنه لو أهملها لم يرَ منها إلا الخيانة وتضييع رأس المال، كالعبد الخائن إذا خلا له الجو وانفرد بالمال.

ثم بعد الفراغ ينبغي أن يحاسبها، ويطالبها بالوفاء بما شرط عليها، فإن هذه تجارة ربحها الفردوس الأعلى، وبلوغ سدرة المنتهى مع الأنبياء والشهداء، فتدقيق الحساب في هذا مع النفس أهم كثيراً من تدقيقه في أرباح الدنيا مع أنها محتقرة بالإضافة إلى نِعَم العقبى، ثم كيفما كانت فمصيرها إلى التصرم والانقضاء، ولا خير في خيرٍ لا يدوم، بل شر لا يدوم خير من خير لا يدوم، لأن الشر الذي لا يدوم إذا انقطع بقي الفرح بانقطاعه دائماً وقد انقضى الشر، والخير الذي لا يدوم يبقى الأسف على انقطاعه دائماً، وقد انقضى الخير ولذلك قيل:

أشد الغم عندي في سرور

تَيَقَّنَ عنه صاحبه انتقالا

فحتمٌ على ذي حزم آمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه، والتضييق عليها في حركاتها، وسكناتها، وخطراتها، وخطواتها، فإن

ص: 255

كل نَفَسٍ من أنفاس العمر جوهرة نفيسة، لا عوض لها يمكن أن يُشْتَرَى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد، فانقباض هذه الأنفاس -ضائعة أو مصروفة إلى ما يجلب الهلاك- خسران عظيم هائل، لا تسمح به نفس عاقل، فإذا أصبح العبد وفرغ من فريضة الصبح ينبغي أن يفرغ قلبه ساعة لمشارطة النفس، كما أن التاجر عند تسليم البضاعة إلى الشريك العامل يفرغ المجلس لمشارطته. فيقول للنفس: مالي بضاعة إلا العمر، ومهما فني فقد فني رأس المال، ووقع اليأس من التجارة وطلب الربح، وهذا اليوم الجديد قد أمهلني الله فيه، وأنسأ في أجلي وأنعم علي به، ولو توفاني لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يوماً واحداً حتى أعمل فيه صالحاً، فاحسبي أنكِ قد تُوُفِّيتِ، ثم قد رُدِدتِ فإياكِ ثم إياك أن تضيعي هذا اليوم، فإن كل نفس من الأنفاس جوهرة لها قيمة

(1)

تنبيه: هناك بعض المخالفات في محاسبة النفس منها وضع جدول على صيغة أسئلة مقسمة على عدد أيام الشهر، مثل: هل صليت الفجر في الجماعة؟ وهل صليت الضحى؟ وهل قرأت القرآن؟ وهل قمت الليل؟ ويجيب بنعم أو لا، وهكذا.

وقد سئل شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: يتبع بعض الناس طريقة لمحاسبة أنفسهم في أداء الصلوات المفروضة والسنن الرواتب، وهي أن

(1)

"إغاثة اللهفان" لابن القيم (1/ 97 - 98 - 99) و"نظرة النعيم"(8/ 3318).

ص: 256

يضع جدولاً، هذا الجدول عبارة عن محاسبة لأدآئه الصلوات خلال أسبوع واحد، بحيث يضع أمام كل وقت صلاة مربعين، أحدهما للفرض والآخر للسُّنة الراتبة، فإذا صلى الفرض مع الجماعة وضع لصلاته تلك درجة، وإذا صلى الراتبة وضع لها درجة أيضاً، وإذا لم يصل لم يضع درجة وهكذا، ثم في آخر الأسبوع يخرج مجموع الدرجات، وتشتمل الورقة على أربعة جداول لشهر واحد. ويقول هؤلاء: إن مثل هذه الوسيلة تعين على المحافظة على أداء الفرائض والسنن.

فما رأي فضيلتكم في هذه الطريقة؟ هل هي مشروعة أم لا؟ وما رأيكم في نشرها أثابكم الله؟

فأجاب: هذه الطريقة غير مشروعة، فهي بدعة، وربما تسلب القلب معنى التعبد لله تعالى، وتكون العبادات كأنها أعمال روتينية كما يقولون وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين، فقال:(ما هذا)؟

قالوا: حبل لزينب تصلي فإذا كسلت، أو فترت أمسكت به فقال:(حلوه، ليصلِ أحدكم نشاطه فإذا كسل، أو فتر فليقعد).

ثم إن الإنسان قد يعرض له أعمال مفضولة في الأصل، ثم تكون فاضلة في حقه لسبب، فلو اشتغل بإكرام ضيف نزل به عن راتبة صلاة الظهر لكان اشتغاله بذلك أفضل من صلاة الراتبة.

ص: 257

وإني أنصح شبابنا من استعمال هذه الأساليب في التنشيط على العبادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من مثل ذلك، حيث حث على اتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين، وحذَّر من البدع، وبيَّن أن كل بدعة ضلالة، يعني وإن استحسنها مبتدعوها، ولم يكن من هديه، ولا هدي خلفائه وأصحابه رضي الله عنهم مثل هذا

(1)

. اهـ.

(1)

"مجموع فتاوى ابن عثيمين"(16/ 111).

ص: 258

(5)

‌ أثر عمر رضي الله عنه: (لو قيل كل الناس يدخلون الجنة إلا رجلاً لظننت أنه أنا)

.

(لا يصح)

لقد اشتهر هذا الأثر على ألسِنة كثير من الوعاظ في باب الترهيب والتخويف من عذاب الله، وقد بحثت عن هذا الأثر فلم أجده.

ثم رأيت اللجنة الدائمة (4/ 393) فتوى رقم (7066) سئلت عنه فقالت: لم يثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال ذلك فيما نعلم، بل هذا لا يتفق مع قوة إيمان عمر رضي الله عنه، وحسن ظنه بربه ورجائه فيه.

ص: 259

(6)

‌ أثر عمر رضي الله عنه: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)

.

(ضعيف)

أخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر وأخبارها"(ص: 290) قال: حُدِّثنا عن أبي عبدة عن ثابت البناني وحُميد عن أنس رضي الله عنه فذكره.

قلت: هذا الأثر ضعيف، في سنده:

(1)

أبو عبدة، يوسف بن عبدة بن ثابت العتكي البصري، ضعيف. قال الإمام أحمد: له أحاديث مناكير عن حميد وثابت. "تهذيب التهذيب"(11/ 364).

(2)

الانقطاع: فالواسطة بين ابن عبد الحكم وأبي عبدة مجهولة غير معروفة.

وذكر الأثر السيوطي في "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة"(2/ 3).

والأثر له قصة ذكرتها في قسم القصص وعلقت عليها.

ص: 260

(7)

‌ أثر على بن أبي طالب رضي الله عنه في تعريف التقوى هي: (الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل)

.

(ضعيف)

لقد اشتهر هذا الأثر على ألسِنة كثير من طلبة العلم والدعاة وغيرهم في تعريف التقوى.

وقد بحثت عن هذا الأثر كثيراً فلم أعثر عليه، وقد سمعت شيخنا الوادعي رحمه الله أكثر من مرة يقول: لا يثبت.

زِد على هذا أن اسم (الجليل) لم يثبت أنه اسم لله تعالى، فكيف ينسب علي رضي الله عنه هذا الاسم لله عز وجل وهو ليس باسم لله تعالى، وهذا مما يدل على عدم صحة نسبة هذا الأثر له رضي الله عنه والله أعلم.

وقد ورد اسم (الجليل) في حديث ذِكر الأسماء الحسنى الطويل، وأن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، وذكر منها (الجليل).

والحديث أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي في "الأسماء والصفات" عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 261

وضعَّفه العلامة الألباني رحمه الله في "ضعيف الجامع"(1945) وغيره من أهل العلم

(1)

.

والقاعدة في الأسماء والصفات: (أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية لا مجال للعقل فيها).

فلا نثبت لله تعالى من الأسماء والصفات إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته

(2)

.

(1)

"الأحاديث الضعاف والموضوعات في الأسماء والصفات"(ص: 64 - 65).

(2)

"القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى"(ص: 16، 38).

ص: 262

(8)

‌ أثر ابن عباس رضي الله عنهما: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر)

.

(لا أصل له بهذا اللفظ)

أورد هذا الأثر شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(20/ 215) و (26/ 50، 281)، وابن القيم في "إعلام الموقعين"(2/ 168) و"زاد المعاد"(2/ 195)، و"الصواعق المرسلة"(3/ 1063)، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتاب "التوحيد" (باب: من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله) بهذا اللفظ.

وقد بحثتُ عن هذا الأثر فلم أجده بهذا اللفظ في كتب السنة، فلا يصح الأثر بهذا اللفظ.

وقد نبَّه على هذا كذلك صالح العصيمي في كتابه "الدر النضيد في تخريج كتاب التوحيد"(ص: 129).

وقد سمعت شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله يقول: هذا الأثر لا يصح.

قلت: واللفظ الذي صحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما هو ما أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"(3121)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(2/ 239 - 240)، والخطيب البغدادي في "الفقيه

ص: 263

والمتفقه"

(1)

أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أراهم سيهلكون، أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون: قال أبو بكر وعمر) صححه العلامة أحمد شاكر في تحقيق "المسند"(3121).

وجاء بلفظ: (والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله، أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثونا عن أبي بكر وعمر). صححه محققا "زاد المعاد"(2/ 206) شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط.

التعليق:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية

(2)

رحمه الله: وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس في المتعة فقال له: قال أبو بكر وعمر فقال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر

(3)

؟

وكذلك ابن عمر رضي الله عنهما لما سألوه عنها فأمر بها فعارضوا بقول عمر رضي الله عنه، فبين لهم أن عمر رضي الله عنه لم يرد ما يقولونه، فألحوا عليه فقال لهم: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع أم أمر عمر رضي الله عنه؟ مع علم الناس أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أعلم ممن هو فوق ابن عمر وابن عباس.

(1)

"صحيح الفقيه والمتفقه"(ص: 144) رقم (225).

(2)

"مجموع الفتاوى"(20/ 215 - 216).

(3)

وقد سبق التنبيه على أن الأثر بهذا اللفظ لا يصح.

ص: 264

ولو فتح هذا الباب لوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله، ويبقى كل إمام في أتباعه بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، وهذا تبديل للدين يشبه ما عاب الله به النصارى في قوله {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} {التوبة: 31}.

والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله وحده.

وقال العلامة ابن باز رحمه الله في رسالة له بعنوان: "وجوب العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها": ولما احتج الناس على ابن عباس رضي الله عنهما في متعة الحج بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في تحبيذ إفراد الحج، قال ابن عباس:(يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر).

فإذا كان من خالف السنة لقول أبي بكر وعمر تُخشى عليه العقوبة فكيف بحال من خالفهما لقول من دونهما، أو لمجرد رأيه واجتهاده.

ولما نازع بعض الناس عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في بعض السنة، قال له عبد الله: هل نحن مأمورون باتباع عمر أو اتباع السنة؟

ولما قال رجل لعمران بن حصين رضي الله عنه: حدثنا عن كتاب الله، وهو يحدثهم عن السنة، غضب رضي الله عنه، وقال: إن السنة هي تفسير كتاب الله،

ص: 265

ولولا السنة لم نعرف أن الظهر أربع، والمغرب ثلاث، والفجر ركعتان، ولم نعرف تفصيل أحكام الزكاة، إلى غير ذلك مما جاءت به السنة من تفصيل الأحكام، والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في تعظيم السنة، ووجوب العمل بها، والتحذير من مخالفتها كثيرة جداً.

من ذلك أيضاً أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما حدث بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله). قال بعض أبنائه: (والله لنمنعهن فغضب عليه عبد الله وسبه سباً شديداً، وقال: أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول والله لنمنعهن).

ولما رأى عبد الله المزني رضي الله عنه وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أقاربه يخذف نهاه عن ذلك، وقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال:(إنه لا يصيد صيداً، ولا ينكأ عدواً، ولكنه يكسر السن، ويفقأ العين) ثم رآه بعد ذلك يخذف. فقال: (والله لا كلمتك أبداً، أُخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الخذف ثم تعود).

وأخرج البيهقي عن أيوب السختياني التابعي الجليل أنه قال: إذا حدثت الرجل بالسنة، فقال: دعنا من هذا، وأنبئنا عن القرآن، فاعلم أنه ضال.

وقال الأوزاعي رحمه الله: السنة قاضية على الكتاب، أي تُقيِّد ما أطلقه، أو بأحكام لم تذكر في الكتاب، كما قال سبحانه {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} {النحل: 44}.

ص: 266

وسبق قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه).

وأخرج البيهقي عن عامر الشعبي رحمه الله أنه قال لبعض الناس: (إنما هلكتم في حين تركتم الآثار). يعني بذلك الأحاديث الصحيحة.

وأخرج البيهقي عن الأوزاعي رحمه الله أنه قال لبعض أصحابه: (إذا بلغك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث، فإياك أن تقول بغيره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مبلغاً عن الله تعالى).

وأخرج البيهقي عن الإمام الجليل سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله أنه قال: (إنما العلم كله العلم بالآثار).

وقال مالك رحمه الله: (مامنا إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر) وأشار إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو حنيفة رحمه الله: (إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين).

وقال الشافعي رحمه الله: (متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً صحيحاً فلم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب).

وقال أيضاً: (إذا قلت قولاً وجاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه فاضربوا بقولي الحائط)

(1)

.

(1)

قال الشافعي: أجمع الناس على أن من استبانت له السنة فليس له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان. "كشف غياهب الظلام عن أوهام جلاء الأفهام" لسليمان بن سحمان.

ص: 267

وقال الإمام أحمد رحمه الله لبعض أصحابه: (لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي، وخذ من حيث أخذنا).

وقال أيضاً: (عجبت لقومٍ عرفوا الإسناد وصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهبون إلى رأي سفيان، والله سبحانه يقول {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} {النور: 63} . ثم قال: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا ردّ بعض قوله صلى الله عليه وسلم أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك).

وأخرج البيهقي عن مجاهد بن جبر التابعي الجليل أنه قال في قوله سبحانه {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} {النساء: 59} .

قال: الرد إلى الله الرد إلى كتابه، والرد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرد إلى السنة.

وأخرج البيهقي عن الزهري أنه قال: (كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة.

وقال موفق الدين ابن قدامة في كتابه "روضة الناظر في بيان أصول الأحكام" ما نصه: والأصل الثاني من الأدلة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة لدلالة المعجزة على صدقه، ولأمر الله بطاعته، وتحذيره من مخالفة أمره. انتهى المقصود.

ص: 268

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} {النور: 63} أي: عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته، وسنته وشريعته، فتُوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبِل، وما خالفه فهو مردود على قائله كائناً من كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: فليخش وليحذر من خالف شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً أن تصيبهم فتنة، أي: في قلوبهم من كفر، أو نفاق، أو بدعة، أو يصيبهم عذاب أليم، أي: في الدنيا بقتل، أو حبس، أو نحو ذلك، كما روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حولها، جعل الفراش وهذه الدواب اللآئي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، قال: فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار فتغلبوني وتقتحمون فيها) أخرجاه من حديث عبد الرزاق.

وقال السيوطي رحمه الله في رسالته المسماة "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" ما نصه: اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون

ص: 269

حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشروطه المعروفة في الأصول حجة، كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى، أو مع من شاء الله من الفرق الكافرة. انتهى المقصود.

والآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم في تعظيم السنة ووجوب العمل بها، والتحذير من مخالفتها كثير جداً، وأرجو أن يكون ما ذكرنا من الآيات، والأحاديث، والآثار، كفاية ومقنع لطالب الحق، ونسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه، والسلامة من أسباب غضبه، وأن يهدينا صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

فائدة: قال العلامة محمد بن سعيد بن صقر المدني الحنفي في منظومته "رسالة المهدي"

(1)

:

وقولُ أعلامِ الهدى لا يُعملُ

بقولِنا بِدُونِ نصٍّ يُقبلُ

فيه دليلُ الأخذِ بالحديثِ

وذاكَ في القديمِ والحديثِ

قالَ أبو حنيفة الإمامُ

لا ينبغي لمن له إسلامُ

أخذٌ بأقوالي حتى تُعرضَا

على الكتابِ والحديثِ المرتضى

ومالكٌ إمامُ دارِ الهجرةِ

قال وقد أشار نحو الحجرةِ

كلُ كلامٍ منهُ ذُو قَبُولِ

ومنهُ مردُودٌ سِوَى الرسولِ

(1)

"غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود"(1/ 280).

ص: 270

والشافعيُّ قال إن رأيتم

قولي مخالفاً لما رويتم

من الحديثِ فاضربوا الجدارَ

بقولي المخالفَ الأخبَارَا

وأحمدُ قال لهم لا تكتبوا

ما قلتُهُ بل أصلُ ذاك فاطلُبُوا

فاسمع مقالاتِ الهداة الأربعة

واعمل بها فإنَّ فيها منفَعَة

لِقمعِهَا لكلِّ ذِي تَعَصُّبِ

والمُنصفونَ يكتفونَ بالنبيِّ

ص: 271

(9)

‌ أثر ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:

{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} قال: تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة

.

(موضوع)

أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(3950، 3951) والخطيب البغدادي في "تاريخه"(7/ 379)، واللآلكائي في "شرح الإعتقاد"(1/ 79).

وفي سنده:

(1)

علي بن قدامة الجزري الوكيل.

أشار ابن معين إلى لين فيه بقوله: لم يكن البائس ممن يكذب.

وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي. "الميزان"(3/ 151).

(2)

ميسرة بن عبد ربه الفارسي ثم البصري التراس، كذَّاب وأحاديثه بواطيل غير محفوظة.

" الضعفاء " للعقيلي (4/ 263 - 264) و"لسان الميزان"(6/ 178).

(3)

مجاشع بن عمرو، وهو منكر الحديث.

"الضعفاء " للعقيلي (4/ 263 - 264) و" الميزان "رقم (8958).

قلت: قال شيخنا الوادعي رحمه الله: هذا الأثر لايصح.

ص: 272

وقد جاء هذا الأثر مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يصح أيضاً.

(1)

قال القرطبي رحمه الله في "جامع أحكام القرآن"(4/ 158 - 159): قول ابن عباس رضي الله عنهما هذا رواه مالك بن سليمان الهروي أخو غسان عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} قال: يعني تبيض وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدعة. ذكره أبو بكر أحمد بن على الخطيب، وقال فيه: منكر من حديث مالك. اهـ.

(2)

قال الشوكاني رحمه الله في "الفوائد المجموعة"(ص: 284): إن المراد بقوله {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} هم أهل السنة، والمراد بقوله:{وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} هم أهل البدعة. قال في الذيل: هو موضوع. اهـ.

(3)

قال السيوطي في "الدر المنثور"(2/ 63)، و"الإتقان في علوم القرآن" (4/ 217): وأخرج الديلمي في "مسند الفردوس" بسند ضعيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} قال: تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة.

ص: 273

التعليق:

قال في "التسهيل"

(1)

: أما الذين تبيض وجوههم يوم القيامة، فأهل التوحيد والإيمان، فالله عز وجل يسألهم يوم القيامة هل تريدون شيئاً فيقولون: (ألم تبيض وجوهنا

) الحديث.

ومنهم: أقوام يزداد بياض وجوههم، وهم أول زمرة تدخل الجنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة).

ومنهم: حفظة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغون له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(نضر الله امرءًا سمع مقالتي ثم وعاها، ثم أداها كما سمعها).

أما الذين تسوّد وجوههم يوم القيامة ففيهم جملة أقوالٍ للعلماء:

فمنهم من قال: إنهم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة.

ومنهم من قال: إنهم المرتدون من هذه الأمة، وشاهدهم على ذلك قوله تعالى {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} {آل عمران: 106}.

ومن أهل العلم من قال: إنهم المنافقون فهم قد شهدوا أن لا إله إلا الله ثم ارتدوا.

(1)

"التسهيل لتأويل التنزيل"(تفسير سورة آل عمران)(ص: 248 - 250)، و"النكت والعيون" تفسير الماوردي (1/ 415).

ص: 274

ومنهم من قال: هم عموم الكفار لقوله تبارك وتعالى {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)} {يونس: 27} والخلود لا يكون إلا مع الكفر.

ولقوله تعالى {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)} {عبس: 40 - 42} .

أما كيف يلتئم هذا مع قوله تعالى {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ؟

فإن المراد بالإيمان هنا، الإيمان المأخوذ عليهم وهم في صلب أبيهم آدم، والمذكور في قول الله تعالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} {الأعراف: 172}.

أو الإيمان الذي أقروا به لما سئلوا من خلق السماوات والأرض؟

فقالوا: الله، كما قال سبحانه {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} {الزُّمر: 38}. وكما قال سبحانه {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)} {المؤمنون: 88 - 89} .

ص: 275

واختار ابن جرير الطبري رحمه الله أنه عنى بذلك جميع الكفار، وعلل ابن جرير ذلك بقوله: وذلك أن الله جل ثناؤه جعل جميع أهل الآخرة فريقين، أحدهما سوداً وجوهه، والآخر بيضاً وجوهه، فمعلوم إذ لم يكن هناك إلا هذان الفريقان أن جميع الكفار داخلون في فريق من سُود وجهه، وأن جميع المؤمنين داخلون في فريق من بُيض وجهه، فلا وجه إذاً لقول قائل، يعنى بقوله:{أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} بعض الكفار دون بعض، وقد عم الله جل ثناؤه الخبر عنهم جميعاً، وإذا دخل جميعهم في ذلك، ثم لم يكن لجميعهم حالة آمنوا فيها، ثم ارتدوا كافرين بعد إلا حالة واحدة كان معلوماً أنها المرادة بذلك.

ص: 276

(10)

‌ أثر الحسن البصري رحمه الله: (ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل)

.

(ضعيف)

أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب "الإيمان"(ص: 31 - 32) رقم (93) من طريق جعفر بن سليمان، نا زكريا قال: سمعت الحسن يقول: (إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدقه العمل).

وأخرجه الخطيب البغدادي في كتابه "إقتضاء العلم العمل"(ص: 177) رقم (56).

قال العلامة الألباني رحمه الله في تحقيقه لكتاب "الإيمان" لابن أبي شيبة (ص: 31 - 32) رقم (93): هو موقوف على الحسن البصري، ولا يصح عنه، فإن زكريا هو ابن حكيم الحبطي هالك، كما قال الذهبي.

وقال رحمه الله في "الضعيفة"(3/ 218) وقد رواه بعض الضعفاء عن الحسن البصري موقوفاً عليه، أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب "الإيمان" رقم (93) وسنده ضعيف من أجل زكريا -المتقدم-.

قلت: وقد جاء عن الحسن عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الإيمان بالتمني، ولا بالتحلى، ولكن هو ما وقر فى القلب، وصدقه العمل). أخرجه ابن النجار وكذا البخاري فى "تاريخه".

ص: 277

وفي سنده: عبد السلام بن صالح العابد.

قال النسائى: متروك.

وقال ابن عدى: مجمع على ضعفه. "فيض القدير"(5/ 453).

وقد حكم على هذا الحديث بالنكارة العلائي.

وحكم عليه العلامة الألباني في "الضعيفة"(1098): بالوضع.

وانظر كذلك "ضعيف الجامع"(4880)، "فيض القدير"(7570)، "نشر الصحيفة (33).

التعليق:

قلت: هذا الأثر لم يثبت موقوفاً ولا مرفوعاً، لكن معناه صحيح، فقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية النساء {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} {النساء: 123}.

والمعنى في هذه الآية: أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدقته الأعمال

(1)

، وليس كل من ادعى شيئاً حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال إنه على الحق سمع قوله بمجرد ذلك حتى

(1)

قلت: وقد حكى اتفاق السلف على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، غير واحد من أهل العلم، كالشافعي، وأحمد، والبخاري، وابن عبد البر، والبغوي. "تيسير الاعتقاد شرح لمعة الاعتقاد"(1/ 49) لسليمان بن محمد اللهيميد.

ص: 278

يكون له برهان من الله، لهذا قال تعالى {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} أي: ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني، بل العبرة بطاعة الله سبحانه وتعالى، واتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام. اهـ.

فهذا هو الأصل، لكن الله سبحانه وتعالى تفضَل على هذه الأمة المحمدية، فأثاب من هو عاجز عن العمل، إذا علم صدق نيته، وحرصه ثواب العاملين. إلاّ أن الشيطان قد يدخل على كثير من الناس من هذه الثغرة، فيسوِّل لهم أن مجرد تمني الخير يوجب هذه الفضيلة، فلا ينفكون من قيود التمني ليلاً ولا نهارًا، ويظنون أنهم بذلك حازوا فضلاً كبيراً.

والحق: أن المتأمل للنصوص الواردة في التمني المحمود يرى قِلَته -بل ندرته- عند المؤمنين الصادقين، فهذ الرسول صلى الله عليه وسلم نقل إلينا في أحاديث يسيرة، أنه تمنى: بينما أعماله لا تحصى كثرة.

وهكذا المتمنون من الصحابة والتابعين. فدلَ على أن الإكثار من تمني الخير ليس دأب الصالحين، بل هو سمة البطالين، ولقد قدمنا من شروط التمني الممدوح: العزم، والعجز عن العمل، فلعل في هذين الشرطين ما يقطع به المبتلون نفثات الشيطان في هذا الباب، وما أحسن ما قال أبو تمام:

ص: 279

من كان مرعى عزمه وهمومه .. روض الأماني لم يزل مهزولا

وقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب "المتمنين" أن سعيد بن المسيب قال: ما تمنيت قط. فقيل له في ذلك، فقال: إذا عرض لي شيء سألته ربي.

هذا وإن كثيراً من الناس لا يقتصرون على تمني أعمال البر، بل يغورون في تمني المباحات كالمساكن، والمراكب، والمزارع

ولا ريب أن هذا شرّ وبلاء على قلب المسلم، وحاضره ومستقبله ديناً ودنياً

(1)

.

(1)

كتاب "التمني"(ص: 40 - 44). للشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله.

ص: 280

‌القسم الثالث (القصص)

ص: 282

(1)

‌ قصة: (ابن الأكرمين، وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن العاص رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً

؟).

(لا تصح)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم، قال: عذتَ معاذاً، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر رضي الله عنه إلى عمرو رضي الله عنه يأمره بالقدوم عليه، ويقدم بابنه معه فقدم، فقال عمر رضي الله عنه: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط، ويقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: اضرب ابن الأكرمين، قال أنس رضي الله عنه: فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع على صلعة عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني، وقد اشتفيت منه.

فقال عمر رضي الله عنه لعمرو بن العاص رضي الله عنه: مذ كم استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني.

هذه القصة أخرجها ابن عبد الحكم في "فتوح مصر وأخبارها"(ص: 29).

ص: 284

وأوردها السيوطي في "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة"(2/ 3) عن ابن عبد الحكم عن أنس رضي الله عنه فذكر القصة.

وأوردها محمد بن يوسف الكاندهلوي في "حياة الصحابة"(2/ 88) باب (عدل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) قال: وأخرج ابن عبد الحكم عن أنس أن رجلاً من أهل مصر، فذكر القصة. ثم قال: كذا في "منتخب كنز العمال"(4/ 42).

قلت: هذه القصة سندها ضعيف، ومتنها منكر.

أما علة الإسناد:

(1)

الانقطاع: فالواسطة بين ابن عبد الحكم وأبي عبدة مجهولة غير معروفة. فقول ابن عبد الحكم حُدِّثنا عن أبي عبدة -مبني للمجهول-، وبهذا لم يُعرف مَنِ الشيخ الذي أخذ عنه ابن عبد الحكم وتلقى عنه هذه القصة.

(2)

أبو عبدة، وهو يوسف بن عبدة بن ثابت العتكي البصري، ضعيف. قال الإمام أحمد: له أحاديث مناكير عن حُميد وثابت. "تهذيب التهذيب"(11/ 364).

وأما نكارة متن هذه القصة:

ص: 285

هو الطعن في أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، بالظلم حيث آخذ عمرو بن العاص رضي الله عنه بذنب ولده،

فلا تدل القصة على عدل عمر كما يظن البعض، والله تعالى يقول {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} {الأنعام: 164}.

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في "تفسيره": أي لا يحمل أحد، ولا يجني جانٍ إلا على نفسه.

وقال القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن": أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى، أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، بل كل نفس مأخوذة بجرمها، ومعاقبة بإثمها.

وفي "صحيح البخاري"(6882) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرءٍ بغير حق ليهريق دمه)

(1)

.

(1)

ولمزيد الفائدة انظر "سلسلة تحذير الداعية من القصص الواهية" القصة الثالثة.

ص: 286

(2)

‌ قصة: (أبي حنيفة أنه مكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء)

.

(لا أصل لها)

القصة ذكرها الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(13/ 355).

(1)

قال الفيروز أبادي في "الرد على المعترض"(44/ 1): هذا من جملة الأكاذيب الواضحة التي لا تليق نسبتها إلى الإمام، فما في هذه فضيلة تذكر، وكان الأولى بمثل هذا الإمام أن يأتي بالأفضل، ولا شك أن تجديد الطهارة لكل صلاة أفضل وأتم وأكمل، هذا إن صح أنه سهر طوال الليل أربعين سنة متوالية، وهذا أمر بالمحال أشبه، وهو من خرافات بعض المتعصبين الجهال، قالوه في أبي حنيفة وغيره، وكل ذلك مكذوب.

(2)

قال العلامة الألباني في "صفة الصلاة"(ص: 120 - 121) حاشية:

يكره إحياء الليل كله دائماً أو غالباً لأنه خلاف سنته صلى الله عليه وسلم، ولو كان إحياء كل الليل أفضل لما فاته صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تغتر بما رُوي عن أبي حنيفة، أنه مكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء، فإنه مما لا أصل له عنه.

ص: 287

(3)

‌ قصة: (أبي ذر رضي الله عنه أنه قال لبلال: يا ابن السوداء، ثم اعتذر له ووضع خده في الأرض، وطلب من بلال أن يطأ خده بقدمه)

.

(لا تصح)

(1)

قال الحافظ-رحمه الله في "الفتح"(1/ 108): وقيل إن الرجل المذكور، هو بلال المؤذن مولى أبي بكر رضي الله عنه، روى ذلك الوليد ابن مسلم منقطعاً.

(2)

قال العلامة الألباني رحمه الله في "غاية المرام"(ص: 152) رقم (307): بعد ذكر الحديث الصحيح وهو كما ترى ليس فيه ذكر لبلال رضي الله عنه.

قلت: تبين لك أخي الكريم عدم ثبوت هذه المقولة: (يا ابن السوداء) لبلال رضي الله عنه، مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قالها أبو ذر رضي الله عنه لأحد الموالي.

فقد ثبت في البخاري ومسلم عن المعرور بن سويد، قال: رأيت أبا ذر رضي الله عنه وعليه حلة، وعلى غلامه مثلها فسألته عن ذلك، فذكر أنه سابَّ رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيَّره بأمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنك امرؤٌ فيك جاهلية، هم إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم).

ص: 288

(4)

‌ قصة: (أبي معلق رضي الله عنه التاجر الذي نزل المَلَك لإنقاذه من اللص الذي أراد قتله)

.

(موضوعة)

قال ابن أبي الدنيا رحمه الله في "مجابي الدعوة"(ص: 63) حدثني عيسى بن عبد الله التميمي، أخبرني فهير بن زياد الأسدي، عن موسى ابن وردان عن الكلبي -وليس بصاحب التفسير- عن الحسن عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى أبا معلق، وكان تاجراً يتجر في مال له ولغيره، يضرب به في الآفاق، وكان ناسكاً ورعاً، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، وقال له: ضع ما معك فإني قاتلك! قال: أما إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات، قال: صل مابدا لك، فتوضأ، ثم صلى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما يريد، أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، ثلاث مرات، قال: دعا بها ثلاث مرات، فإذا هو بفارس!! قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله! ثم أقبل إليه فقال: قم! قال: من أنت بأبي أنت وأمي؟ فقد أغاثني الله بك اليوم، قال: أنا مَلَك من أهل السماء الرابعة، دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك

ص: 289

الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوتَ بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله تعالى أن يوليني قتله.

قال أنس رضي الله عنه: فاعلم أنه من توضأ، وصلى أربع ركعات، ودعا بهذا الدعاء استجيب له، مكروباً كان أو غير مكروب.

والقصة رواها اللآلكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"(9/ 166)، وذكرها الحافظ في "الإصابة"(7/ 313)، وابن الأثير في "أسد الغابة"(6/ 289).

(1)

قال العلامة الألباني رحمه الله في "الضعيفة"(5737): موضوع لوائح الوضع والصنع عليه ظاهرة

ثم قال: وهذا إسناد مظلم، لم أعرف أحداً ممن دون الحسن، غير موسى بن وردان وهو مختلف فيه.

(2)

قال العلامة ابن باز-رحمه الله في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة"(26/ 296) عندما سئل عن هذه القصة: ما وقفت على هذا الكلام الذي فيه أربع ركعات، وأما خبر اللص فخبر فيه ضعف.

(3)

ضعَّف القصة الشيخ عبد الرقيب في"كرامات الأولياء"(ص: 243).

(4)

ضعَّفها الدكتور أحمد بن سعد الغامدي في تحقيق "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"(9/ 166).

ص: 290

(5)

‌ قصة: (إحراق طارق بن زياد للسفن التي عبر بها مع جيشه إلى الأندلس)

.

(لا أصل لها)

تُنسب هذه القصة إلى فاتح الأندلس طارق بن زياد، وهي بشأن إحراق السفن التي عَبَر بها مع جنده من الشاطئ الإفريقي إلى شواطئ شبه جزيرة إيبريا.

وخلاصة هذه القصة:

أن طارق بن زياد أحرق السفن التي أقلتَّه عبر المضيق، كي يقطع على الجيش كل أمل في العودة إلى إفريقية، وليدفعهم إلى الاستبسال في القتال، وأخبرهم أن البحر خلفهم والعدو أمامهم.

وقد ذهب بعض المؤرخين المحققين إلى إبطال الرواية التي يذكر فيها حرق السفن، ويستدلون لذلك بأدلة منها:

(1)

أن خبر الإحراق لم يذكره أحد من جنده أو معاصريه، وإنما قيلت بعده بقرون.

(2)

لم يقل طارق: إني أحرقت السفن أو أمرت بذلك، وإنما فهم بعض المتأخرين ذلك من خطبته التي ورد فيها: أيها الناس أين

ص: 291

المفر البحر من ورائكم، والعدو أمامكم؟! فهموا من هذا الكلام أن البحر وراءهم، وليس فيه وسيلة نقل تنقلهم إلى العدوة المغربية، وهو فهمٌ فيه شيء من السقم.

(3)

السفن ليست ملكاً لطارق حتى يتصرف بها كيف يشاء.

(4)

لم يحاسب طارقاً أحد من قادته سواء كان القائد العام موسى ابن نصير، أم الخليفة الوليد بن عبد الملك.

(5)

ألا يمكن لطارق أن يأمر بالسفن فتعود إلى العدوة المغربية ليصل إلى النتيجة نفسها، وذلك أفضل من أن يحرقها ويخسرها المسلمون.

(6)

ألا يتوقع طارق طلب مدد، وهذا ما حدث، فعلى أي شيء انتقل هذا المدد، لقد انتقل على السفن نفسها.

(7)

من أين جاء موسى بن نصير بالسفن التي انتقل عليها إلى الأندلس مع بقية الجيش عندما خاف على المسلمين الذين توغلوا بعيداً داخل الأندلس؟ لقد انتقل على السفن نفسها.

(8)

لا يمكن لقائد بعيد النظر مثل طارق أن لا ينظر إلى المستقبل، فيترك جيشه الصغير في بلاد الأندلس الواسعة، والتي من ورائها أوربا تدعمها، وبين مخالب دولة القوط الحاقدة المتربصة بالمسلمين التي تنتظر الفرصة لتعمل مخالبها فيهم.

ص: 292

(9)

لم تكن عملية إحراق السفن بالطريقة التي تلقي الحماسة في نفوس المسلمين، فقد عرف من جهادهم التذكير بإحدى الحسنيين.

(10)

إحراق السفن لا يفيد عندما يحدث الهلع في النفوس.

وقضية إحراق السفن فرية وضعها بعضهم لإبراز فكرة التضحية والإقدام عند طارق، وروَّجها أو أسهم في وضعها الذين لهم أهداف بعيدة في تشجيع المسلمين على مخالفة الإسلام، والقيام بمثل هذه الأعمال الانتحارية

(1)

.

(1)

"التاريخ الأندلسي"(ص: 62) للدكتور عبد الرحمن الحجي، و"المنطلق الأساسي في التاريخ الإسلامي" (ص: 16، 20) محمود شاكر. "قصص لا تثبت" (3/ 95 - 105) و"تحت المجهر" (ص: 73 - 75).

ص: 293

(6)

‌ قصة: (إرم ذات العماد وأنها مدينة مبنية بالذهب، تنتقل من مكان إلى مكان

!!).

(باطلة)

قلت: هذه قصة باطلة لوائح الوضع والصنع عليها ظاهرة كما نصَّ على ذلك جمع من أهل العلم:

(1)

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى- في "تفسيره"(4/ 655): وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية، من ذكر مدينة يقال لها:(إرم ذات العماد، مبنية بلبن الذهب والفضة، قصورها ودورها وبساتينها، وأن حصباءها لآلئ وجواهر، وترابها بنادق المسك، وأنهارها سارحة، وثمارها ساقطة، ودورها لا أنيس بها، وسورها وأبوابها تصفر ليس بها داع ولا مجيب، وأنها تتنقل فتارة تكون بأرض الشام، وتارة باليمن، وتارة بالعراق، وتارة بغير ذلك من البلاد). فإن هذا كله من خرافات الإسرائيليين، من وضع بعض زنادقتهم، ليختبروا بذلك عقول الجهلة من الناس أن تصدقهم في جميع ذلك. وذكر الثعلبي وغيره: أن رجلاً من الأعراب، وهو عبد الله ابن قلابة في زمان معاوية رضي الله عنه ذهب في طلب أباعر له شردت، فبينما هو يتيه في ابتغائها، إذ اطلع على مدينة عظيمة لها سور وأبواب،

ص: 294

فدخلها فوجد فيها قريباً مما ذكرناه من صفات المدينة الذهبية التي تقدم ذكرها، وأنه رجع فأخبر الناس فذهبوا معه إلى المكان الذي قال فلم يروا شيئاً. وقد ذكر ابن أبي حاتم: قصة إرم ذات العماد هاهنا مطولة جداً. فهذه الحكاية ليس يصح إسنادها، ولو صح إلى ذلك الأعرابي فقد يكون اختلق ذلك، أو أنه أصابه نوع من الهوس والخبال، فاعتقد أن ذلك له حقيقة في الخارج وليس كذلك، وهذا مما يقطع بعدم صحته. وقال في "البداية والنهاية" (1/ 113): ومن زعم أن إرم مدينة تدور في الأرض، فتارة في الشام، وتارة في اليمن، وتارة في الحجاز، وتارة في غيرها فقد أبعد النجعة، وقال ما لا دليل عليه ولا برهان يعول عليه ولا مستند يركن إليه.

(2)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري"(8/ 572): بعد ذكر القصة فيها ألفاظ منكرة، وراويها عبد الله بن قلابة لا يعرف وفي إسناده عبد الله بن لهيعة.

(3)

قال ابن خلدون رحمه الله في "المقدمة"(1/ 26): وهذه المدينة لم يسمع لها خبر من يومئذ في شيء من بقاع الأرض، ولم ينقل عن هذه المدينة خبر، ولا ذكرها أحد من الإخباريين، ولا من الأمم، ولو قالوا أنها درست فيما درس من الآثار لكان أشبه، إلا أن ظاهركلامهم أنها موجودة، وقد ينتهي الهذيان ببعضهم إلى

ص: 295

أنها غائبة، وإنما يعثر عليها أهل الرياضة والسحر، مزاعم كلها أشبه بالخرافات.

(4)

قال الشوكاني رحمه الله في "فتح القدير"(5/ 435): وقد ذكر جماعة من المفسرين أن إرم ذات العماد اسم مدينة مبنية بالذهب والفضة، قصورها ودورها وبساتينها، وأن حصباءها جواهر، وتربتها مسك، وليس بها أنيس، ولا فيها ساكن من بني آدم، وأنها لا تزال تتنقل من موضع إلى موضع، فتارة تكون باليمن، وتارة بالشام، وتارة تكون بالعراق، وتارة تكون بسائر البلاد، وهذا كذب بحت لا ينفق على من له أدنى تمييز. وزاد الثعلبي في تفسيره: أن عبد الله بن قلابة في زمان معاوية دخل هذه المدينة، وهذا كذب على كذب، وافتراء على افتراء، وقد أصيب الإسلام وأهله بداهية دهياء، وفاقرة عظمى، ورزية كبرى، من أمثال هؤلاء الكذَّابين الدجَّالين، الذين يتجرؤن على الكذب تارة على بني إسرائيل، وتارة على الأنبياء، وتارة على الصالحين، وتارة على رب العالمين، وتضاعف هذا الشر وزاد كثرة بتصدر جماعة من الذين لا علم لهم بصحيح الرواية من ضعيفها من موضوعها، للتصنيف والتفسير للكتاب العزيز، فأدخلوا هذه الخرافات المختلفة، والأقاصيص المنحولة، والأساطير المفتعلة، في تفسير كتاب الله سبحانه، فحرَّفوا وغيَّروا وبدَّلوا.

ص: 296

(7)

‌ قصة: (استشهاد أبناء الخنساء الأربعة في معركة القادسية)

.

(لا تصح)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الإصابة"(8/ 111): وذكر الزبير بن بكار، عن محمد بن الحسن المخزومي، وهو المعروف بابن زبالة -أحد المتروكين-، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبي وجزة، عن أبيه قال: حضرت الخنساء بنت عمرو السلمية حرب القادسية، ومعها بنوها أربعة رجال، فذكر موعظتها لهم، وتحريضهم على القتال وعدم الفرار، وفيها: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وإنكم لبنو أب واحد، وأم واحدة، ما هجنت أباءكم ولا فضحت أخوالكم، فلما أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قتلوا. اهـ.

قلت: هذه القصة لا تصح في سندها: محمد بن الحسن المخزومي، المعروف بابن زبالة وهو متروك، كما أشار الحافظ.

ويستدل بعض المتأخرين على عدم صحة قصة استشهاد أولاد الخنساء

(1)

الأربعة في معركة القادسية بما يلي:

(1)

الخنساء هي: تماضر بنت عمرو الشريد السلمية الشاعرة المشهورة. قال في "الاستيعاب"(4/ 1827): قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشدها شعرها. وقال: أجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها.

ص: 297

(1)

أن كل من كتب عن الخنساء، وقتل أولادها الأربعة يستند إلى وصيتها لهم، بينما تلك الوصية لمرأة نخعية، وليست للخنساء السلمية. ومما يؤكد هذا ما ذكره إمام المفسرين ابن جرير الطبري عندما قال في "تاريخه": كانت امرأة من النخع لها بنون أربعة شهدوا القادسية،

لى أن قالت في وصيتها: والله إنكم لبنو رجل واحد. اهـ. والشاهد قولها: إنكم لبنو رجل واحد، والمعروف أن للخنساء ثلاثة أبناء ذكور وبنتاً واحدة من زوجها مرداس، وابناً واحداً من زوجها رواحة، واسم هذا الابن عبد الله، وكنيته أبو شجرة، وهو مشهور عند أهل التاريخ، وقد ذكروا أن عمر رضي الله عنه نَهَرَه لشعر قاله فهرب منه، ولم يقربه حتى مات عمر رضي الله عنه سنة (23 هـ)، بينما القادسية كانت في سنة (14 هـ).

(2)

ومن الأدلة أيضاً: قولها في الوصية: ثم جئتم بأمكم عجوزاً كبيرة، ولم تكن الخنساء في وقت القادسية عجوز كبيرة، ويضاف أيضاً أن ابنها مرداساً شاعر مشهور قبل إسلامه وبعده، وله مواقف معروفة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو شارك في القادسية، أو استشهد لذكره المؤرخون لشهرته، فكيف يتناسون شاعراً مثله وقد ذكروا من هو أقل شعراً منه

(1)

.

(1)

"تحت المجهر"(ص: 67 - 68).

ص: 298

(8)

‌ قصة: (إسلام نعيم بن مسعود يوم الخندق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه أن يكتم إسلامه، ورده على المشركين ليوقع بينهم، وقال له: إنما أنت رجل واحد فخذِّل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة .. إلخ)

.

(لا تصح)

وفيها أن نعيم بن مسعود ذهب حتى أتى بني قريظة، وكان لهم نديماً في الجاهلية، فقال: يا بني قريظة، قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت، لست عندنا بمتهم، فقال لهم: إن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فليسوا كأنتم، لإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا رهناً من أشرافهم، يكونون بأيديكم، ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوه، فقالوا له: لقد أشرت بالرأي، ثم خرج حتى أتى قريشاً، فقال لأبي سفيان ومن معه، قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً، وإنه قد بلغني أمر رأيت عليّ حقاً أن أبلغكموه، نصحاً لكم فاكتموا

ص: 299

عني، فقالوا: نفعل، قال: تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين، قريش وغطفان، رجالاً من أشرافهم ونعطيكهم، فتضرب أعناقهم؟ فأرسل إليهم أن نعم، فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم، فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً.

ثم خرج حتى أتى غطفان، فقال: يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إليَّ، ولا أراكم تتهموني، قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتهم، قال: فاكتموا عني، قالوا: نفعل، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش، وحذرهم ما حذرهم.

فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس، كان من صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، أن أرسل أبو سفيان، ورؤوس من غطفان إلى بني قريظة، عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمداً ونفرغ مما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت، وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثاً فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذي نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رُهناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم، وتتركونا والرجل في بلدنا، ولا طاقة لنا بذلك منه، فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: والله إن الذي

ص: 300

حدثكم نعيم ابن مسعود لحق، فأرسلوا إلى بني قريظة، إنا والله لا ندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا، فقالت بنو قريظة، حين انتهت إليهم الرسل بهذا إن الذي ذكر لكم نعيم لحق، ما يريد القوم أن يقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم.

روى هذه القصة ابن إسحاق في "السير" وعنه ابن هشام (3/ 240 - 242) بدون إسناد، والواقدي في "المغازي"(2/ 481 - 485)، وابن كثير في "البداية والنهاية"(4/ 113).

(1)

قال العلامة الألباني في تعليقه على "فقه السيرة"(ص: 232): ذكر هذه القصة ابن إسحاق بدون إسناد وعنه ابن هشام، لكن قوله صلى الله عليه وسلم:(الحرب خدعة) صحيح متواتر عنه صلى الله عليه وسلم، رواه الشيخان من حديث جابر وأبي هريرة، وغيرهما رضي الله عنهم. وقال في "الضعيفة" (3777): ضعيف جداً

(1)

.

(2)

قال الدكتور أكرم ضياء العمري في "السيرة النبوية الصحيحة"(2/ 430): وهذه الروايات لا تثبت من الناحية الحديثية، ولكنها اشتهرت في كتب السير.

(1)

تنبيه: حسَّن هذه القصة الشيخ عبد الله الدويش في كتابه "تنبيه القاري على تقوية ما ضعفه الألباني". ورد عليه الألباني تحسينه للقصة وبين ضعفها، وضعَّف ما استدل به كما في الضعيفة (3777).

ص: 301

(9)

‌ قصة: (ثعلبة بن حاطب الصحابي الجليل رضي الله عنه المفترى عليه في تركه للصلاة ومنعه للزكاة)

.

(ضعيفة جداً)

وهي أن ثعلبة رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادعو الله أن يرزقني مالاً، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، أما ترضى أن تكون مثل نبي الله، فوالذي نفسي بيده لو شئتُ أن تسيل معي الجبال فضة وذهباً لسالت، فقال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالاً لأُوتين كل ذي حق حقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم ارزق ثعلبة مالاً)، فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود، فضاقت عليه المدينة، فتنحى عنها فنزل وادياً من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة، ويترك ما سواهما، ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلاة إلى الجمعة، وهي تنمو كما ينمو الدود، حتى ترك الجمعة، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل ثعلبة؟ فقالوا: اتخذ غنماً فضاقت عليه المدينة

، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة،

وقال لهما: مرا بثعلبة، وبفلان، رجل من بني سليم، فخذا صدقاتهما، فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة، وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هي إلا جزية، ما أدري ما هذا انطلقا

حتى أرى رأيي، فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآهما قال: ياويح ثعلبة، قبل أن يتكلما، فأنزل الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ

ص: 302

آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} {التوبة: 75 - 77} ، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه صدقته، فقال: (إن الله منعني أن أقبل صدقتك،

وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئاً

)، وفيه أتى أبا بكر رضي الله عنه في خلافته فلم يقبلها منه، وهكذا عمر رضي الله عنه في خلافته، وعثمان رضي الله عنه في خلافته.

قلت: هذه القصة ضعيفة جداً، سنداً ومتناً:

أما علة الإسناد:

(1)

علي بن يزيد الألهاني، اتفق أهل العلم على ضعفه.

"تهذيب التهذيب"(7/ 334 - 335).

(2)

معان بن رفاعة السلامي، لين الحديث.

"تقريب التهذيب"(6795).

ثانياً: نكارة المتن وتتلخص في أمرين:

(1)

مخالفتها للقرآن الكريم ولسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث جاء القرآن وجاءت السنة بقبول توبة التائب، مهما كان عمله ما لم يغرغر، أو تطلع الشمس من مغربها، وتفيد هذه القصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الثلاثة رضي الله عنهم لم يقبلوا توبة ثعلبة بن حاطب.

ص: 303

(2)

مخالفتها للأحاديث الثابتة الواردة في مانع الزكاة، حيث جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن مانع الزكاة تؤخذ منه الزكاة، ويؤخذ منه شطر ماله.

وقد ضعَّف هذه القصة جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

قال ابن حزم في "المحلى"(12/ 137): هذا باطل بلا شك

إلخ.

(2)

قال البيهقي: في إسناد هذا الحديث نظر، وهو مشهور بين أهل التفسير؛ نقله عنه المناوي في "فيض القدير"(4/ 688).

(3)

قال الإمام ابن عبد البر: لا تصح.

(4)

قال القرطبي في "التفسير"(4/ 133 - 134): لا تصح.

(5)

قال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة"(1/ 66) رقم (623): إنه حديث منكر بمرة.

(6)

ضعَّفها العراقي في "تخريج الإحياء"(3/ 135).

(7)

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 32) رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو متروك.

(8)

قال الحافظ في "الإصابة"(1/ 516) بعد ذكر خبر القصة: ولا أظنه يصح. وقال في "الفتح"(3/ 313): لكنه حديث ضعيف لا يحتج به.

(9)

قال السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 260 - 261): سندها ضعيف.

ص: 304

(10)

وضعَّفها المناوي في "فيض القدير"(4/ 688).

(11)

قال أحمد شاكر معلقاً على هذا الخبر في "تفسير الطبري"(14/ 373): وهو ضعيف كل الضعف، وليس له شاهد من غيره، وفي بعض رواته ضعف شديد.

(12)

ضعَّفها الألباني في "ضعيف الجامع"(4112).

(13)

وشيخنا الوادعي في "المقترح"(ص: 10) و"أسباب النزول"(ص: 11 - 12).

(14)

وشيخنا ابن عثيمين في "شرح أصول في التفسير"(ص: 38).

(15)

ويوسف العتيق في "قصص لا تثبت"(1/ 43 - 49).

(16)

ومشهور في "أخطاء المصلين"(ص: 287 - 288).

(17)

وعداب الحمش في كتابه "ثعلبة بن حاطب الصحابي المفترى عليه".

(18)

وسليم الهلالي في رسالته "الشهاب الثاقب في الذب عن ثعلبة بن حاطب".

والخلاصة: أن هذه القصة ضعَّفها جمهور المحدثين والمحققين من العلماء

بخلاف جمهور المفسرين، فقد ذكروها في تفسير سورة التوبة عند قول الله تعالى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} .

ص: 305

(10)

‌ قصة: (الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة، يوم اليرموك، وإيثار كل واحد منهم صاحبه بالماء الذي دعا به ليشربه، وموتهم دون أن يشرب واحد منهم من الماء)

.

(لا تصح)

هذه القصة رواها الحاكم في "المستدرك"(3/ 293) رقم (5124) قال: أخبرني أبو الحسن العمري، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن المثنى، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثني أبو يونس القشيري، حدثني حبيب بن أبي ثابت: (أن الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وعياش بن أبي ربيعة، ارتئوا يوم اليرموك، فدعا الحارث بماء ليشربه، فنظر إليه عكرمة، فقال الحارث: ادفعوه إلى عكرمة، فنظر إليه عياش بن أبي ربيعة، فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش، فما وصل إلى عياش، ولا إلى أحد منهم حتى ماتوا وما ذاقوه.

وفي سندها: انقطاع، فإن حبيباً بن أبي ثابت لم يدرك اليرموك، وهو ثقة كثير التدليس والإرسال، كما قال الحافظ.

"تهذيب التهذيب"(2/ 164 - 165) و"تقريب التهذيب"(1087).

ص: 306

قلت: والقصة جاءت من طرق أخرى لا يصح منها شيء.

وقد ضعَّف هذه القصة:

(1)

الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 213) قال: رواه الطبراني، وحبيب لم يدرك اليرموك، وفي الإسناد من لا أعرفه.

(2)

ابن قتيبة في "عيون الأخبار"(1/ 462 - 463) قال: وهذا الحديث عندي موضوع، لأن أهل السيرة يذكرون أن عكرمة قتل يوم أجنادين، وعياش بمكة، والحارث مات في الشام في طاعون عمواس.

(3)

المزي في "تهذيب الكمال"(5/ 301 - 302).

(4)

شيخنا الوادعي في تعليقة على "المستدرك"(3/ 293) رقم (5124) قال: منقطع لأن حبيباً لم يدركهم.

(5)

اللجنة الدائمة كما في "مجلة البحوث العلمية" العدد (22)(ص: 30 - 39) تكلمت على هذه القصة وعلى طرقها، وخلاصة بحث اللجنة: أن القصة لم تثبت.

ص: 307

(11)

‌ قصة: (خولة بنت الأزور)

.

(لا أصل لها)

لقد اشتهرت قصة خولة بنت الأزور في إنقاذ أخيها ضرار من الأسر عندما ركبت جوادها، ووضعت لثاماً لتخفي وجهها

إلخ.

وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن خولة بنت الأزور، وقضية إنقاذ أخيها من الأسر كله من الأخبار الواهية، التي لا تستند على برهان قوي، ومن الأدلة التي ساقها في تأييد قوله ما يلي:

(1)

كتب السير لا تشير من قريب ولا من بعيد إلى ترجمة خولة.

(2)

كتب التراجم التي تترجم لضرار لا تشير إلى خولة، لا في أخبار أخيها، ولا في تراجم النساء الصحابيات، فمثلاً الحافظ ابن حجر في "الإصابة" لم يذكرها إطلاقاً ضمن من أحصى من النسوة، حتى أولئك اللاتي لم ينلن لقب صحابيات.

(3)

محمد بن سعد صاحب "الطبقات" ذكر خمسة عشر خولة، ليس فيهن خولة بنت الأزور.

(4)

أما المصادر الأدبية فلم يذكرها أي كتاب من أمهات الكتب الأدبية، فصاحب"الأغاني" ذكر ست خولات ليست بنت الأزور بينهن، وكذلك صاحب كتاب "الشعر والشعراء"، وكذلك الشأن

ص: 308

في الكتب التي اهتمت قديماً بأخبار النساء بصفة خاصة مثل كتاب "بلاغات النساء" لابن طيفور المتوفي سنة (280 هـ).

(5)

كذلك كتب اللغة فصاحب"القاموس المحيط" أحصى الخولات من الصحابيات واستدرك عليه صاحب"تاج العروس" فلم يذكرها أحد الاثنين.

(6)

وهكذا أغفلت ذكرها كتب التاريخ والأدب واللغة جميعاً.

ثم ذكر الباحث أنه وجد لها ترجمة في كتاب "الأعلام" للزركلي، فقد ذكر صاحب "الأعلام" خولة بنت الأزور الأسدي، وذكر أنها تُشبَّه بخالد بن الوليد في حملاتها، وهي أخت ضرار، ولها أخبار كثيرة في فتوح الشام، وفي شعرها جزالة، توفيت في أواخر عهد عثمان رضي الله عنه، ولها ترجمة في كتاب "أعلام النساء" للأستاذ عمر كحالة، وكلها تعتمد على كتاب "الدر المنثور" لزينب بنت فواز العامرية، وكتاب "فتوح الشام" للواقدي، وكتاب "شرح ديوان الخنساء".

وقد رجع الباحث إلى كتاب "الدر المنثور في ذكريات ربات الخدور" فوجد أن مؤلفة الكتاب عاشت ما بين (1276 هـ) إلى (1332 هـ) ولذا فلا يحتج بقولها لأنها معاصرة، وقد أخطأت صاحبة الكتاب فنسبت خولة إلى كنده مع أنها من أسد.

وأما كتاب "شرح ديوان الخنساء" فليس يُعرف اسم مؤلفه أو جامع مادته، وهو يعتمد على ما ساقه الواقدي في كتاب "فتوح الشام" وعلى هذا

ص: 309

فيكون المرجع الوحيد هو كتاب "فتوح الشام" للواقدي، والواقدي هو محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء. ثم عرَّج الباحث بالكلام على كتاب "فتوح الشام"، وذكر أن الكتاب فيه شك بالنسبة لنسبته للواقدي، وذكر أن من الأدلة على ذلك أن أسلوب الكتاب يخالف أسلوب الواقدي المعروف، فهذا الكتاب أشبه بكتاب لسرد الأساطير والحكايات، وفيه تناقض وتباين في المعلوم، ثم توصل إلى أن الكتاب إن كان للواقدي فقد حصل فيه زيادات وتشويه

(1)

.

وقال مشهور بن حسن

(2)

: ومن المناسب هنا ذكر فائدة نفيسة، وهي أن خولة بنت الأزور، وقصصها البطولية مع أخيها ضرار لا وجود لها في الواقع، بل إن خولة لا ذكر لها البتة في كتب التراجم والسير، بل ولا في كتب اللغة والأدب، فهي على الراجح شخصية وهمية، وكل من يثبت عنها شيئاً، فإنما اعتماده على الواقدي وعلى "شرح ديوان الخنساء" وقد علمت -أخي القارئ- حال هذين الكتابين، فإنهما مما لا يعتمد على ما فيهما.

(1)

"تحت المجهر"(ص: 68 - 70).

(2)

"كتب حذر منها العلماء"(2/ 291).

ص: 310

(12)

‌ قصة: (داود عليه السلام، وأنه أعجب بامرأة قائد الجند، فقتل زوجها ليتزوجها)

.

(باطلة)

وخلاصة القصة: (أن داود عليه السلام حين نظر إلى المرأة، فَهَمَّ بها، فقطع على بني إسرائيل بعثاً، وأوصى صاحب البعث، فقال: إذا حضر العدو فاضرب فلاناً، وسماه. قال: فضربه بين يدي التابوت، قال: وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان يستنصر به، فمن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل، أو ينهزم عنه الجيش الذي يقاتله، فقتل زوج المرأة، ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة).

قلت: وقد حكم جمع من أهل العلم على هذه القصة بالبطلان:

(1)

قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره"(4/ 41): رواه ابن أبي حاتم ولا يصح سنده، لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه، ويزيد الرقاشي وإن كان من الصالحين لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة.

(2)

قال ابن العربي في "أحكام القرآن"(4/ 41): وأما قولهم إنها لما أعجبته أمر بتقديم زوجها للقتل في سبيل الله، فهذا باطل قطعاً، فإن داود صلى الله عليه وسلم لم يكن ليريق دمه في غرض نفسه.

ص: 311

(3)

قال السيوطي في "الإكليل": القصة التي يحكونها في شأن المرأة، وأنها أعجبت داود عليه السلام، وأنه أرسل زوجها في البعث حتى قتل، في سندها ابن لهيعة ويزيد الرقاشي وكلاهما ضعيف.

(4)

أشار ابن حزم في "الفصل" إلى عدم صحتها.

(5)

وأشار البقاعي في "تفسيره" أنها من كذب اليهود.

(6)

قال الشنقيطي في "أضواء البيان"(7/ 24) تحت قول الله تعالى {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} {ص: 24} . واعلم أن ما يذكره كثير من المفسرين في هذه الآية مما لا يليق بمنصب داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كله راجع إلى الإسرائيليات، فلا ثقة به، ولا معول عليه، ولا ما جاء منه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لا يصح منه شيء.

(7)

قال الألباني في "الضعيفة"(1/ 325) رقم (313، 314): وقصة افتتان داود عليه السلام بنظره إلى امرأة الجندي أوريا، مشهورة مبثوثة في كتب قصص الأنبياء وبعض كتب التفسير، ولا يشك مسلم عاقل في بطلانها، لما فيها من نسبة ما لا يليق بمقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مثل محاولة تعريض زوجها للقتل ليتزوجها من بعده، وقد رويت هذه القصة مختصرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجب ذكرها والتحذير منها وهي: (أن داود عليه السلام حين نظر إلى المرأة فَهَمَّ بها فقطع على بني إسرائيل بعثاً

إلخ): باطل رواه الحكيم

ص: 312

الترمذي في "نوادر الأصول" عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعاً كما في "تفسير القرطبي"(15/ 167)، والظاهر أنه من الإسرائيليات التي نقلها أهل الكتاب الذين لا يعتقدون العصمة في الأنبياء، أخطأ يزيد الرقاشي فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

(8)

سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (4/ 298 - 299) عن هذه القصة. فقالت: ما يذكره كثير من المفسرين عن قصة داود عليه السلام في عشق امرأة قائد الجند، غير صحيحة وأنها من الإسرائيليات.

(9)

أشار الحلبي في تحقيق "الداء والدواء"(ص: 72): إلى أن هذه القصة من الإسرائيليات.

ص: 313

(13)

‌ قصة: (رحيل بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الشام، ورجوعه إلى المدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رؤيته رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وأذانه بها، وارتجاج المدينة، بالبكاء لتذكرهم الأذان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم

-.

(موضوعة)

ونصها أن بلالاً رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني يابلال؟ فانتبه حزيناً، وجلاً، خائفاً، فركب راحلته وقصد المدينة، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه، وأقبل الحسن والحسين، فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر، ففعل فعلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال:(الله أكبر) عجت المدينة، فلما قال:(أشهد أن لا إله إلا الله) زاد عجيجها، فلما أن قال:(أشهد أن محمداً رسول الله)، خرج العواتق من خدورهنَّ، فقالوا: أبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فما رؤي يوم أكثر باكياً ولا باكية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم.

قلت: هذه قصة موضوعة تفرد بها محمد بن الفيض الغساني، عن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال عن أبيه عن جده، وإبراهيم بن محمد

ص: 314

هذا شيخ لم يعرف، بل هو مجهول غير معروف بالنقل، ولا مشهور بالرواية، ولم يرو عنه غير محمد بن الفيض، روى عنه هذا الأثر المنكر.

وقد نصَّ على بطلان هذه القصة جمع من أهل العلم:

(1)

قال الإمام الذهبي في "السير"(1/ 357 - 358): إسنادها لين وهو منكر.

(2)

قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(1/ 207): هي قصة بينة الوضع.

(3)

حكم القاري في "المصنوع" بوضعها.

(4)

قال الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 26) رقم (26) كتاب الصلاة: لا أصل لها.

(5)

قال العلامة الألباني في "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة"(ص: 104 - 105): فهذه الرواية باطلة موضوعة، ولوائح الوضع عليها ظاهرة من وجوه عديدة أذكر أهمها: أولاً: قوله: (فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده) فإنه يصورلنا أن قبره كان ظاهراً كسائر القبور التى في المقابر يمكن لكل أحد أن يأتيه، وهذا باطل بداهة عند كل من يعرف تاريخ دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة رضى الله عنها، وبيتها الذى لايجوز لأحد أن يدخله إلابإذن منها، كذلك كان الأمر في عهد عمر رضي الله عنه، فقد

ص: 315

ثبت أنه لما طعن رضي الله عنه أمر ابنه عبد الله أن يذهب إلى عائشة ويقول لها: إن عمر يقول لك: (إن كان لا يضرك، ولا يضيق عليك، فإني أحب أن أدفن مع صاحبي، فقالت: إن ذلك لا يضرني، ولا يضيق عليَّ، قال: فادفنوني معهما) أخرجه الحاكم (3/ 93). ثم أخرج (4/ 7) بإسناده الصحيح عنها قالت: (كنت أدخل البيت الذي دفن معهما عمر، والله ما دخلته إلا وأنا مشدود عليَّ ثيابي حياء من عمر) ولقد استمر القبر الشريف في بيت عائشة إلى ما بعد وفاتها، بل إلى آخر الصحابة رضي الله عنهم، ثم أدخلوا البيت ووضعوه إلى المسجد لتوسعته، فصار بذلك في المسجد على النحو المشاهد اليوم، فيظن من لا علم عنده بحقيقة الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات دفنه الصحابة في المسجد وحاشاهم من ذلك، وإنما دفنوه في البيت ثم حدث بعد ذلك ما ذكرنا، خلافاً لما يظنه كثير من الجهال، ومنهم واضع هذه القصة، الذي أعطى صورة للقبر مخالفة للواقع يومئذٍ وللصحابة رضي الله عنهم، كما شرحه شيخ الإسلام وغيره من المحققين، وذكرت طرفاً منه في كتابي "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" فليراجعه من شاء. ثانياً: قوله: (ويمرغ وجهه عليه) قلت: وهذا دليل آخر على وضع هذه القصة وجهل واضعها، فإنه يصور لنا أن بلالاً رضي الله عنه من أولئك الجهلة الذي لا يقفون عند

ص: 316

حدود الشرع إذا رأوا القبور فيفعلون عندها ما لا يجوز من الشركيات والوثنيات، كتلمس القبر، والتمسح به، وتقبيله وغير ذلك مما هو مذكور في محله، وإن كان يجيز ذلك بعض المتفقهه، الذين لا علم عندهم بالكتاب والسنة ينير بصائرهم وقلوبهم، ممن يسايرون العامة على أهوائهم فيبررون لهم كثيراً من ضلالاتهم.

ص: 317

(14)

‌ قصة: (رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى نهر النيل)

.

(لا تصح)

روى هذه القصة اللالكائي في "شرح الإعتقاد"(9/ 126):

من طريق عبد الله بن صالح حدثني ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال: لما افتتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص رضي الله عنه حين دخل بؤنة -من أشهر العجم- فقالوا: يا أيها الأمير لنيلنا هذا سُنَّة لا يجري إلا بها، قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كانت اثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشهر، عمدنا إلى جارية بكر من أبويها، فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم عمرو رضي الله عنه: إن هذا مما لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما قبله،

والنيل لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى هموا بالجلاء، فكتب عمرو رضي الله عنه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك، فكتب إليه إنك قد أصبت بالذي فعلت، وإني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي، فألقها في النيل فلما قدم كتابه أخذ عمرو رضي الله عنه البطاقة، فإذا فيها من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد: فإن كنت إنما تجري من قبلك ومن أمرك فلا تجري، فلا حاجة لنا فيك، وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار، وهو الذي يجريك، فنسأل الله تعالى أن يجريك، قال: فألقى البطاقة في النيل، فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة، وقطع الله السنةَ على أهل مصر إلى اليوم.

ص: 318

والقصة ذكرها ابن كثير في "التفسير"(3/ 613)، و"البداية والنهاية"(7/ 102)، والقرطبي في "التفسير"(13/ 104)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(44/ 337)، وأبو الشيخ في "العظمة"(4/ 1425)، والسيوطي في "تاريخ الخلفاء"(1/ 115).

قلت: والقصة ضعيفة في سندها:

(1)

عبد الله بن صالح كاتب الليث، صدوق يخطئ.

(2)

ابن لهيعة وهو ضعيف.

(3)

لم يذكر قيس بن الحجاج اسم الذي حدثه، وقيس لم يدرك عمر رضي الله عنه فقد توفي سنة (129). "تهذيب الكمال"(24/ 19 - 21).

وقد ضعَّف هذه القصة:

(1)

شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله في "غارة الأشرطة"(2/ 221) قال: وقد ذكره ابن عبد الحكم في "تاريخ مصر" وهو من طريق ابن لهيعة وهو ضعيف.

(2)

الغامدي في تحقيق "شرح أصول إعتقاد أهل السنة"(9/ 126).

(3)

الشيخ عبد الرقيب الإبي في "كرامات الأولياء"(ص: 71).

(4)

العزازي في تخريج "تفسير ابن كثير"(ص: 435).

ص: 319

(15)

‌ قصة: (رؤيا الفتاة المريضة لزينب رضي الله عنها

.

(باطلة)

لقد شاع وذاع بين كثير من الناس، وتناقلوه خطاً ولفظاً، ذلك الخبر الممجوج المكذوب، خلاصته: أن فتاة تبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة، أصابها مرض شديد أعجز الأطباء، وفي ليلة زاد عليها ألم المرض، فبكت حتى غلبها النوم، فرأت في منامها زينب رضي الله عنها، فوضعت في فمها قطرات، وبعد استيقاظها من النوم وجدت أنها قد شفيت، فذكرت أن زينب أوصتها أن تكتب الرؤيا (13) مرة، وتقوم بتوزيعها على المسلمين، وجاء في ذلك الخبر أن تلك الورقة وقعت في يد فقير فكتبها ووزعها، وبعد مُضِيّ (13) يوماً أصبح غنياً، ووصلت الورقة إلى عامل فأهملها وبعد مضي (13) يوماً فَقَدَ عمله، ووصلت إلى تاجر فأهملها، وبعد مضي (13) يوماً فَقَدَ ثروته

إلخ هذه فحوى ماجاء في تلك النشرة الساذجة الباطلة.

والعجب تسابق بعض الجهلاء إلى تصديق وتطبيق ما جاء فيها، وهذا مما يعرضهم للإثم، لأنهم أقدموا على أمر لا علم لهم به، وكان الواجب عليهم السؤال (فإنما شفاء العيّ السؤال) فالحذر الحذر من تلك النشرات التي تنتشر بين الحين والحين دون التثبت من صدقها، فإن التعجل في مثل هذه الأمور يزيد الجهل شدة وانتشاراً

(1)

.

(1)

"تحت المجهر"(ص: 118).

ص: 320

قلت: وقد سئلت اللجنة الدائمة (1/ 275) المجموعة الثانية فتوى رقم (21007) عن هذه القصة، فأجابت بالتالي:

هذه الورقة التي يقوم بنشرها بعض الناس بين حين وآخر، نشرة باطلة لا أساس لها من الصحة، وهي من مفتريات الكذابين والدجالين الذين يريدون صرف المسلمين عن الاعتماد على ربهم سبحانه في جلب النفع ودفع الضر إلى غيره من المخلوقين، وتعلقهم بالأوهام والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والواجب على المسلم أن لا يغتر بهذه النشرة المكذوبة، وأمثالها من النشرات، والمتعين على كل أحد التحذير منها، واتلافها متى وجدها، ومن كتبها أو قام بتوزيعها، أو أعان على ذلك فهو آثم، معرض نفسه لعقوبة الله العاجلة والآجلة، لما تسببه هذه النشرة من فتح باب الشرك والبدع في دين الله تعالى.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 321

(16)

‌ قصة: (سبب الوضوء من أكل لحوم الإبل)

.

(ضعيفة)

أخرجه أبو عبيد في "الطهور"(400)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(177/ 36/ 2)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 140) رقم (531) ثلاثتهم عن الأوزاعي، عن واصل بن أبي جميل، عن مجاهد قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فوجد ريحاً فقال: ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ، فلم يقم أحد حتى قال ذلك ثلاث مرات، ثم قال: إن الله لا يستحي من الحق، فقال العباس بن عبد المطلب: أنقوم كلنا يا رسول الله فنتوضأ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا كلكم فتوضؤا). هذا لفظ أبي عبيد.

قلت: هذه القصة ضعيفة من حيث الإسناد، وفيها نكارة من حيث المتن.

أولاً: من حيث الإسناد:

(1)

واصل بن أبي جميل، ضعيف. قال البخاري في "التاريخ" (8/ 2596): روى عنه الأوزاعي وأحاديثه مرسلة. وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(11/ 91): فى معجم ابن الأعرابي عن أحمد ابن حنبل: واصل مجهول ما روى عنه غير الأوزاعى. وقال ابن معين: لا شيء. "الميزان"(4/ 328).

(2)

يحيى بن عبد الله البابلتي، ضعيف. "التقريب"(7635).

(3)

الإرسال: أرسلها مجاهد بن جبر.

ص: 322

وقد ضعف هذه القصة:

العلامة الألباني رحمه الله في "الضعيفة"(1132) قال: وهذا سند ضعيف مسلسل بالعلل: الإرسال من مجاهد وهو ابن جبر، وضعف واصل بن أبي جميل والبابلتي.

ثانياً: من حيث المتن: فقد بين العلامة الألباني رحمه الله النكارة التي في متنها، فقال: ويشبه هذا الحديث ما يتداوله كثير من العامه وبعض أشباههم من الخاصة، زعموا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ذات يوم، فخرج من أحدهم ريح فاستحيا أن يقوم من بين الناس، وكان قد أكل لحم جزور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستراً عليه:(من أكل لحم جزور فليتوضأ) فقام جماعة كانوا أكلوا من لحمه، فتوضأوا.

وهذه القصة مع أنه لا أصل لها في شئ من كتب السنة، ولا فى غيرها من كتب الفقه والتفسير فيما علمت، فإن أثرها سيئ جداً فى الذين يروونها، فإنها تصرفهم عن العمل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، لكل من أكل من لحم الإبل أن يتوضأ، كما ثبت في صحيح مسلم وغيره

فهم يدفعون هذا الأمر الصحيح الصريح بأنه إنما كان ستراً على ذلك الرجل لا تشريعاً، وليت شعري كيف يعقل هؤلاء مثل هذه القصة ويؤمنون بها، مع بعدها عن العقل السليم والشرع القويم؟ فإنهم لو تفكروا فيها قليلاً لتبين لهم ما قلناه بوضوح، فإنه مما لا يليق به صلى الله عليه وسلم أن

ص: 323

يأمر بأمر لعلة زمنية ثم لا يبين للناس تلك العلة، حتى يصير الأمر شريعة أبدية، كما وقع في هذا الأمر، فقد عمل به جماهير من أئمة الحديث والفقه، ولو أنه صلى الله عليه وسلم كان أمر به لتلك العلة المزعومة لبينها أتم البيان، حتى لا يضل هؤلاء الجماهير باتباعهم للأمر المطلق؟ ولكن قبح الله الوضاعين في كل عصر وكل مصر، فإنهم من أعظم الأسباب التي أبعدت كثيراً من المسلمين عن العمل بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن جماهير العاملين بهذا الأمر الكريم، ووفق الآخرين للاقتداء بهم في ذلك، وفي اتباع كل سنة صحيحة والله ولي التوفيق.

والقصة ذكرها مشهور بن حسن في "قصص لا تثبت"(2/ 59 - 93) وبيَّن بطلانها.

ص: 324

(17)

‌ قصة: (شج أهل الطائف رأس النبي صلى الله عليه وسلم ورميهم إياه بالحجارة ودعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس

) وقصته مع عدَّاس النصراني، وانكباب عدَّاس عليه صلى الله عليه وسلم يُقبل رأسه ويديه وقدمه)

.

(لا تصح)

قال العلامة الألباني رحمه الله في تعليقه على "فقه السيرة" للبوطي (ص: 132) حاشية: أخرج هذه القصة ابن إسحاق (1/ 260 - 262) بسند صحيح لكنه مرسل، محمد بن كعب القرضي أرسله، والحديث:(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي) ولقاؤه بعداس ساقها بدون إسناد.

وكذلك رواه ابن جرير (1/ 80 - 81) من طريق ابن إسحاق.

وروى هذه القصة الطبراني في "الكبير" من حديث عبد الله بن جعفر مختصراً وفيه الدعاء المذكور بنحوه.

وقال الهيثمي: وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات فالحديث ضعيف

(1)

.

وقال العمري في "السيرة النبوية الصحيحة"(1/ 185): لم ترد رواية صحيحة فيها -أي في رحلة الطائف-.

(1)

"الضعيفة"(2933)، و"دفاع عن الحديث النبوي" (ص: 27 - 28).

ص: 325

تنبيه: سائر تفاصيل رحلة الطائف، أوردها كتَّاب المغازي كابن هشام وغيره بإسناد صحيح لكنه مرسل

(1)

من طريق محمد بن كعب القرظي وهو المصدر الرئيسي عندهم لمعلومات رحلة الطائف.

ولم ترد رواية صحيحة في رحلة الطائف، سوى أن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم:(هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك وكان أشد مالقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فقال: (إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. قال: فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال: لا. بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً) رواه البخاري ومسلم.

وهذه الرواية تكفي لإثبات الحادث من حيث وقوع الرحلة، ورد أهل الطائف عليه بشدة، وما عرض عليه من عقوبتهم، ورحمته بهم، ورغبته باستبقائهم، وأخيراً ذكرى الرحلة الأليمة في نفسه رغم مرور السنوات.

(1)

والمرسل ضعيف عند جمهور المحدثين.

ص: 326

(18)

‌ قصة: (صفة قتل الحجاج لسعيد بن جبير رحمه الله

.

(لا تصح)

لقد قتل الحجاج بن يوسف الثقفي كثيراً من العلماء والصلحاء والأخيار، فكان ممن قتل سعيد بن جبير رحمه الله.

لكن وردت آثار كثيرة في صفة مقتله أكثرها لا تصح.

وملخصها أن الحجاج لما أراد قتل سعيد بن جبير دعا بالعود، فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى.

فقال الحجاج: ما يبكيك، أهو اللهو؟

قال: بل الحزن؛ أما النفخ فذكرني يوم النفخ في الصور، وأما العود فشجرة قطعت من غير حق، وأما الأوتار فأمعاء شاة يبعث الله بها معك يوم القيامة. فقال الحجاج: ويلك يا سعيد.

قال: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.

قال: اختر أي قتلة تريد أن أقتلك.

قال: اختر لنفسك يا حجاج، والله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك مثلها في الآخرة.

قال الحجاج: أفتريد أن أعفو عنك؟

قال: إن كان العفو فمن الله وأما أنت فلا إرادة لك ولا عذر.

ص: 327

قال: اذهبوا به فاقتلوه، فلما خرج من الباب ضحك فأُخبر الحجاج بذلك، فأمر برده.

فقال: ما أضحكك؟

قال: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك فأمر بالنطع فبسطت.

فقال: اقتلوه.

فقال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض.

قال: شدوا به لغير القبلة.

قال: فأينما تولوا فثم وجه الله.

قال: كبوه لوجهه.

قال: منها خلقناكم وفيها نعيدكم، ثم دعا على الحجاج.

وقيل: إن الحجاج عاش بعدها خمسة عشر ليلة ثم وقعت في بطنه الآكلة فمات.

(1)

قال الذهبي في "النبلاء"(4/ 332 - 333): هذه حكاية منكرة غير صحيحة.

(2)

قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية"(9/ 102 - 104) بعد ذكر القصة: وقد رويت آثار غريبة في صفة مقتله، -أي سعيد بن جبير- أكثرها لا يصح.

ص: 328

(19)

‌ قصة: (ضرب عمر رضي الله عنه لأخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد رضي الله عنهم لما أسلما)

.

(منكرة)

قال السيوطي رحمه الله في "تاريخ الخلفاء"(ص: 100 - 101): وأخرج ابن سعد، وأبو يعلى، والحاكم، والبيهقي في "الدلائل" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرج عمر متقلداً سيفه، فلقيه رجل من بني زهرة فقال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمداً، قال: وكيف تأمن من بني هاشم، وبني زهرة، وقد قتلت محمداً؟ فقال: ما أراك إلا قد صبأت، قال: أفلا أدلك على العجب؟ إن ختنك سعيداً وأختك قد صبآ وتركا دينك، فمشى عمر، فأتاهما وعندهما خبَّاب، فلما سمع بحس عمر توارى في البيت، فدخل، فقال: ما هذه الهينمة؟ وكانوا يقرؤون طه، قالا: ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا، قال: فلعلكما صبأتما، فقال له ختنه سعيد بن زيد: يا عمر، إن كان الحق في غير دينك، فوثب عليه عمر فوطئه وطئاً شديداً، فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمى وجهها، فقالت وهى غضبى: وإن كان الحق في غير دينك (إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) فقال عمر: أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرأه، وكان عمر يقرأ الكتاب، فقالت أخته: إنك نجس، وإنه لا يمسه إلا المطهرون قم فاغتسل

إلخ القصة.

ص: 329

قلت: ومدارها على القاسم بن عثمان البصري.

قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها.

وقد ضعَّف هذه القصة جمع من العلماء، منهم:

(1)

الذهبي في "ميزان الاعتدال"(3/ 375) قال: منكرة جداً.

(2)

الحافظ في "التلخيص الحبير"(1/ 132) وفي "الإصابة"(8/ 271).

(3)

ابن عبد البر في "الإستيعاب"(4/ 1892).

(4)

العلامة الألباني في الضعيفة (6531): أشار إلى ضعفها، ولم يذكرها في كتابه "صحيح السيرة النبوية" في قصة إسلام عمر رضي الله عنه.

(5)

شيخنا الوادعي في تعليقه على "المستدرك"(4/ 150).

(6)

أكرم ضياء العمري في "السيرة النبوية الصحيحة"(1/ 180).

(7)

إبراهيم العلي في كتابه "صحيح السيرة النبوية"(ص: 110).

تنبيه: جوَّد بعض أهل العلم قصة إسلام عمر، ولكن برواية أخرى مختلفة تماماً عن السابقة ونصها:

قال ابن إسحاق: وحدثني نافع مولى عبدالله بن عمر، عن ابن عمر قال: لما أسلم أبي عمر قال: أى قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل ابن معمر الجمحي. قال: فغدا عليه. قال عبد الله بن عمر: فغدوت أتبع أثره، وأنظر ما يفعل، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت، حتى جاءه، فقال له: أعلمت يا

ص: 330

جميل أني قد أسلمت ودخلت في دين محمد؟ فو الله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر، واتبعت أبي، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش -وهم في أنديتهم حول الكعبة- ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ. قال: ويقول عمر من خلفه: كذب، ولكنى قد أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه، حتى قامت الشمس على رؤوسهم. قال: وطلع فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاث مئة رجل، لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا، قال: فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش، عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر، قفال: فمه؟ رجل اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون؟ أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا! خلوا عن الرجل. قال: فو الله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه. قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبت، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت، وهم يقاتلونك؟ فقال: أي بني، العاص بن وائل السهمى.

أخرجها ابن حبان في "موارد الظمآن"(2/ 218)، وابن هشام في "السيرة"(1/ 233)، والحاكم في "المستدرك"(3/ 85) مختصرة.

قال الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية "(2/ 39): وهذا إسناد جيد قوي، وهو يدل على تأخر إسلام عمر؛ لأن ابن عمر عرض يوم أحد وهو

ص: 331

ابن أربع عشرة سنة، وكانت أُحد في سنة ثلاث من الهجرة، وقد كان مميزاً يوم أسلم أبوه، فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين، وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين والله أعلم. ا. هـ.

وحسَّن إسنادها العلامة الألباني في"صحيح موارد الظمآن"(2181) و"صحيح السيرة النبوية"(ص: 191).

والعدوي في "الصحيح المسند من فضائل الصحابة"(ص: 82 - 83).

ص: 332

(20)

‌ قصة: (علقمة وعقوقه لأمه وتعسر نطقه بالشهادتين عند الاحتضار)

.

(لا تصح)

حُكي أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم شاب يسمى علقمة، وكان كثير الاجتهاد في طاعة الله، في الصلاة والصوم والصدقة، فمرض واشتد مرضه، فأرسلت امرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن زوجي علقمة في النزع، فأردت أعلمك يا رسول الله بحاله، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عماراً وصهيباً وبلالاً، وقال: امضوا إليه ولقنوه الشهادة، فمضوا إليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزع الأخير، فجعلوا يلقنونه (لا إله إلا الله) ولسانه لا ينطق بها، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أبويه أحد حي؟ قيل يا رسول الله: أم كبيرة السن، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للرسول قل لها: إن قدرت على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فقري في المنزل حتى يأتيك، قال: فجاء إليها الرسول بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: نفسي لنفسه فداء أنا أحق بإتيانه، فتوكأت وقامت على عصا، وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت فرد عليها السلام، وقال: يا أم علقمة اصدقيني وإن كذبتيني جاء الوحي من الله تعالى، كيف كان حال ولدك علقمة؟ قالت يا رسول الله: كثير الصلاة، كثير الصيام، كثير الصدقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما حالك؟ قالت: يا رسول الله أنا عليه ساخطة، قال: ولِمَ؟ قالت: يا

ص: 333

رسول الله كان يؤثر عليَّ زوجته ويعصيني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة.

ثم قال لبلال: انطلق واجمع لي حطباً كثيراً، قالت: يا رسول الله وما تصنع؟ قال: أحرقه بالنار بين يديك، قالت: يا رسول الله ولدي، لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي، قال: يا أم علقمة عذاب الله أشد وأبقى، فإن سرك أن يغفر الله له فارضي عنه، فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته، ولا بصيامه، ولا بصدقته، ما دمت عليه ساخطة، قالت: يا رسول الله إني أشهد الله تعالى، وملائكتة، ومن حضرني من المسلمين، أني قد رضيت عن ولدي علقمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق يا بلال إليه وانظر هل يستطيع أن يقول: لا إله إلا الله أم لا؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياءً مني، فانطلق بلال فسمع علقمة من داخل الدار يقول: لا إله إلا الله فدخل بلال فقال: يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة، وإن رضاها أطلق لسانه عن الشهادة. ثم مات علقمة من يومه فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بغسله وكفنه، ثم صلى عليه، وحضر دفنه، ثم قام على شفير قبره، وقال: يا معشر المهاجرين والأنصار، من فضَّل زوجته على أمه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً، ولا عدلاً، إلا أن يتوب

ص: 334

إلى الله عز وجل، ويحسن إليها، ويطلب رضاها، فرضى الله من رضاها وسخط الله من سخطها.

أخرج القصة عبد الله ابن الإمام أحمد في "المسند"(19410 - 19411)، وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 148) للطبراني، والمنذري في "الترغيب والترهيب"(3/ 331)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(6/ 198) و"دلائل النبوة"، والعقيلي في "الضعفاء"(3/ 1147)، وابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 83).

قلت: هذه القصة لا تصح.

مدارها على: فائد بن عبد الرحمن الكوفي أبو الورقاء العطار كما صرح بذلك البيهقي في "الشعب"(6/ 198) فقال: تفرد به فائد أبو الورقاء وفائد هذا متروك.

قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: متروك الحديث.

وقال الدوري عن ابن معين: ليس بثقة وليس بشيء.

وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: لا يشتغل به.

قال وسمعت أبي يقول: فائد ذاهب الحديث لا يكتب حديثه.

وقال النسائي: ليس بثقة. وقال في موضع آخر: متروك الحديث.

"تهذيب الكمال"(23/ 137 - 140) و"تهذيب التهذيب"(8/ 223).

ص: 335

قلت: وقد ضعَّف هذه القصة جمع من العلماء، منهم:

(1)

الإمام أحمد فيما نقله عنه ابنه عبد الله "المسند"(19410) و (19411).

(2)

العقيلي في "الضعفاء"(3/ 1147).

(3)

البيهقي في "شعب الإيمان"(6/ 198).

(4)

ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 83).

(5)

المنذري في "الترغيب والترهيب"(3/ 331).

(6)

الذهبي في "ترتيب الموضوعات"(874).

(7)

الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 148).

(8)

ابن عرَّاق في "تنزيه الشريعة"(2/ 296 - 297).

(9)

السيوطي في "اللآلئ المصنوعة"(2/ 151 - 152).

(10)

الشوكاني في "الفوائد المجموعة"(ص: 251).

(11)

المعلمي في تعليقه على "الفوائد المجموعة".

(12)

الألباني في "الضعيفة"(3183).

(13)

شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لمسند أحمد (32/ 153 - 155).

(14)

مشهور في "قصص لا تثبت"(3/ 19 - 39).

ص: 336

(21)

‌ قصة: (علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع اليهودي والقاضي شريح في شأن الدرع)

.

(ضعيفة جداً)

قال أبو نعيم في "الحلية"(4/ 151 - 153) رقم (5085): عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه قال: وجد علي بن أبي طالب درعاً له عند يهودي التقطها فعرفها. فقال: درعي سقطت عن جمل لي.

فقال اليهودي: درعي وفي يدي. ثم قال له اليهودي: بيني وبينك قاضي المسلمين، فأتوا شريحاً، فلما رأى علياً قد أقبل انحرف عن موضعه وجلس علي فيه، ثم قال علي: لو كان خصمي من المسلمين لساويته في المجلس، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تساووهم في المجلس وألجئوهم إلى أضيق الطرق، فإن سبوكم فاضربوهم، فإن ضربوكم فاقتلوهم، ثم قال شريح: ما تشاء يا أمير المؤمنين؟

قال: درعي سقطت عن جمل لي أورق والتقطها هذا اليهودي.

فقال شريح: ما تقول يا يهودي؟

قال: درعي وفي يدي.

فقال شريح: صدقت، والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك، ولكن لا بد من شاهدين، فدعا قنبراً مولاه والحسن بن علي وشهدا أنها لدرعه.

ص: 337

فقال شريح: أما شهادة مولاك فقد أجزناها، وأما شهادة ابنك لك فلا نجيزها. فقال علي: ثكلتك أمك، أما سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة).

قال: اللهم نعم.

قال: أفلا تجيز شهادة سيد شباب أهل الجنة؟ والله لأوجهنك إلى بانيفا تقضي بين أهلها أربعين يوماً.

ثم قال لليهودي: خذ الدرع.

فقال اليهودي: يا أمير المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جمل لك التقطتها، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

فوهبها له علي وأجازه تسعمائة، وقتل معه يوم صفين.

والسياق لمحمد بن عون، وقال عبد الله بن سليمان: فقال علي: الدرع لك، وهذا الفرس لك، وفرض له تسعمائة، ثم لم يزل معه حتى قتل يوم صفين.

قلت: هذه القصة ضعيفة جداً في سندها:

حكيم بن خذام

(1)

أبو سمير.

قال البخاري: منكر الحديث.

وقال أبو أحمد الحاكم: منكر.

(1)

وقد تصحَّف اسمه في حلية الأولياء وغيرها إلى (حزام) كما نبَّه على هذا شيخنا الوادعي رحمه الله.

ص: 338

وقال أبو عبد الله الجوزقاني: منكر الحديث.

"ميزان الإعتدال (2218) و"لسان الميزان" (2/ 388) و"الأباطيل والمناكير" (296 - 297) رقم (582).

والقصة رواها البيهقي كذلك في "السنن الكبرى"(10/ 230 - 231)، وهي ضعيفة أيضاً.

وقد نصَّ على ضعَّف هذه القصة جمع من العلماء، منهم:

(1)

الإمام البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 230 - 231).

(2)

الجوزقاني في "الأباطيل"(ص: 296 - 297) رقم (582).

(3)

ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 871) رقم (1460).

(4)

السيوطي في "جامع الأحاديث"(34965).

(5)

الحافظ بن حجر في "التلخيص الحبير"(4/ 469) رقم (2104).

(6)

الشوكاني في "السيل الجرار"(1/ 821).

(7)

شيخنا مقبل الوادعي في "رياض الجنة"(ص: 139 - 140) قال: هذه القصة قرأتها في "سبل السلام للصنعاني"، عازياً لها إلى "الحلية" وأعجبت بها، وكنت آنذاك لا أميز بين الصحيح والموضوع، وقد ارتسمت في ذهني لما اشتملت عليه من العدل والإنصاف من أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وقاضيه شريح بن الحارث الكندي رحمه الله، وبعد زمن طويل طالعت كتاب "الأباطيل" للجوزقاني، فإذا هو

ص: 339

يذكر القصة في الأباطيل، ولما رأيت الناس معجبين بهذه القصة كما أعجبت بها، فذاك يلقيها في محاضرته، وآخر ينشرها في مجلته وآخر يذكرها في كتابه، والقصة لا تصح، رأيت أن أذكر ما قال أهل العلم في هذه القصة: فالجوزقاني ذكرها في "الأباطيل"(ص: 296 - 297) وقال: هذا حديث باطل، تفرد به أبو سمير، وهو منكر الحديث، إلى آخر ما ذكره. وذكرها ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 388)، وذكر نحو ما ذكره الجوزقاني. وذكرها الإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال". فعلم بهذا أنها ضعيفة جداً من طريق أبي سمير حكيم بن خذام.

(8)

يوسف العتيق في "قصص لاتثبت"(4/ 39 - 49).

قلت: فعلم بهذا أن القصة لا تثبت، وعدالة الإسلام معلومة من غير هذه القصة الباطلة والحمد لله.

ص: 340

(22)

‌ قصة: (عمر رضي الله عنه، والمرأة التي راجعته في مسألة المغالاة في المهور، فقال: كل أحد أفقه منك ياعمر)

.

(لا تصح)

أخرجها سعيد بن منصور في "سننه"(1/ 166 - 167):

عن الشعبي قال: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين كتاب الله عز وجل أحق أن يتبع أم قولك؟ قال: بل كتاب الله عز وجل فما ذاك؟ قالت: نهيت الناس آنفاً أن يغالوا في صُدُق النساء، والله عز وجل يقول في كتابه:

{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ} {النساء: 20} .

فقال عمر رضي الله عنه: كل أحد أفقه من عمر مرتين أو ثلاث، ثم رجع إلى المنبر، فقال للناس: إني نهيتكم أن تغالوا في صدق النساء، ألا فليفعل الرجل في ماله ما بدا له.

قلت: والقصة لا تثبت سنداً ولا متناً:

أولاً: من ناحية الإسناد:

(1)

الانقطاع بين عمر رضي الله عنه والشعبي، حيث ولد لستٍ خلون من خلافته.

ص: 341

(2)

مجالد بن سعيد، ضعَّفه البخاري والنسائي والدارقطني وابن عدي وابن معين والحافظ. "تهذيب التهذيب"(10/ 35 - 37).

ثانياً: نكارة المتن:

أولاً: فقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه لم يرجع عن قوله، فقد أخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي العجفاء السلمي قال: خطبنا عمر رضي الله عنه فقال: ألا لا تغالوا بصُدْق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أُصْدِقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشر أوقية

(1)

.

ثانياً: مخالفة القصة لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على عدم المغالاة في المهور، وأمره بتيسير الصداق.

ثالثاً: مخالفة القصة لمعنى الآية التي استشهدت بها المرأة.

قال القرطبي رحمه الله: لا تعطي الآية جواز المغالاة، لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم:(من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة) ومعلوم أنه لا يكون مسجد كمفحص قطاة. اهـ.

(1)

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في "الإرواء"(6/ 347) رقم (1927).

ص: 342

وقال بعضهم: لا دلالة فيها على المغالاة لأن قوله تعالى {وَآتَيْتُمْ} لا يدل على جواز إيتاء القنطار، ولا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر، كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع كقوله صلى الله عليه وسلم: (من قُتل له قتيل فأهله بين خيرتين

)

(1)

.

وقد ضعَّف هذه القصة جمع من العلماء، منهم:

(1)

البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 233).

(2)

الحافظ ابن حجر في "الفتح"(9/ 209).

(3)

العلامة الألباني في"الإرواء"(6/ 348).

(4)

الصياصنة في "مجلة البحوث الإسلامية" العدد (24)(ص: 270 - 272).

(5)

يوسف العتيق في "قصص لا تثبت"(1/ 27 - 31).

قلت: وللحديث طرق أخرى كلها لا تصح كما ذكر ذلك العلامة الألباني رحمه الله.

فائدة: حول المغالاة المهور.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية

(2)

رحمه الله: والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار، أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي

(1)

"مجلة البحوث الإسلامية" العدد (24)(ص: 270 - 272).

(2)

"مجموع الفتاوى"(32/ 194).

ص: 343

-صلى الله عليه وسلم ولا بناته، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة

(1)

، فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من فعل ذلك فقد استن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصداق، قال أبو هريرة رضي الله عنه:(كان صداقنا إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر أواق، وطبق بيديه ذلك أربعمائة درهم) رواه أحمد في "مسنده"، وهذا لفظ أبي داود في "سننه".

فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللواتي هنَّ خير خلق الله في كل فضيلة، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة فهو أحمق جاهل، وكذلك صداق أمهات المؤمنين، هذا مع القدرة واليسار، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة. والأولى تعجيل الصداق كله للمرأة قبل الدخول إذا أمكن، فإن قدم البعض وأخر البعض فهو جائز، وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصداق، والذي نقل عن بعض السلف من تكثير صداق النساء، فإنما كان ذلك لأن المال اتسع عليهم، وكانوا يعجلون الصداق كله قبل الدخول، لم يكونوا يؤخرون منه شيئاً، من كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امراته صداقاً كثيراً فلا بأس بذلك، كما قال تعالى {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ} {النساء: 20}.

(1)

قال سماحة العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى علماء البلد الحرام"(ص: 602): كانت مهور نسائه صلى الله عليه وسلم خمسمائة درهم تعادل اليوم مئة وثلاثين ريالاً تقريباً، ومهور بناته صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم تعادل مئة ريال تقريباً، وقد قال الله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} {الأحزاب: 21}.

ص: 344

(23)

‌ قصة: (الغرانيق)

.

(باطلة)

وهي أنه صلى الله عليه وسلم لما شق عليه إعراض قومه عنه، تمنى في نفسه أن لا ينزل عليه شيء ينفرهم عنه لحرصه على إيمانهم، فكان ذات يوم جالساً في نادٍ من أنديتهم وقد نزل عليه سورة {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} {النَّجم: 1}.

فأخذ يقرأها عليهم حتى بلغ قوله {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} {النَّجم: 19 - 20} وكان ذلك التمني في نفسه فجرى على لسانه مما ألقاه الشيطان عليه (تلك الغرانيق العُلا، وإن شفاعتهن لترتجى) فلما سمعت قريش ذلك فرحوا، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته حتى ختم السورة، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي من المسلمين والمشركين، فتفرقت قريش مسرورين بذلك، وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، فأتاه جبريل فقال: ما صنعت؟ تلوت على الناس مالم آتك به عن الله، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاف خوفاً شديداً، فأنزل الله هذه الآية.

قلت: حكم ببطلان هذه القصة جمع من العلماء، منهم:

(1)

ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله عز وجل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} {الحج: 52} قال: قد ذكر كثير من المفسرين ههنا قصة الغرانيق،

ص: 345

وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح. اهـ.

(2)

الألوسي رحمه الله في "روح المعاني"(17 - 18/ 230) قال: وقد أنكر كثير من المحققين هذه القصة، فقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل.

(3)

القاضي عياض في "الشفاء" قال: يكفيك في توهين الحديث أنه لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند صحيح سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم.

(4)

وفي البحر لأبي حيان أن هذه القصة سئل عنها الإمام محمد ابن إسحاق جامع "السيرة النبوية" فقال: هذا من وضع الزنادقة وصنف في ذلك "كتاباً".

(5)

العلامة القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن"(12/ 75) قال: الأحاديث المروية في نزول هذه الآية، ليس منها شيء يصح.

(6)

الشوكاني-رحمه الله في "فتح القدير"(3/ 462) قال: ولم يصح شيء من هذا، ولا ثبت بوجه من الوجوه، ومع عدم صحته بل بطلانه، فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه، قال الله:

ص: 346

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)} {الحاقَّة: 44 - 46} . وقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} {النَّجم: 3} . وقوله: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} {الإسراء: 74} فنفى المقاربة للركون فضلاً عن الركون، قال البزار: هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل.

(7)

البيهقي رحمه الله كما نقل عنه الألوسي رحمه الله أنه قال: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم.

(8)

ابن خزيمة رحمه الله كما نقل عنه الشوكاني رحمه الله أنه قال: إن هذه القصة من وضع الزنادقة.

(9)

العلامة الشنقيطي رحمه الله في "الأضواء"(5/ 730) قال: اعلم أن مسألة الغرانيق مع استحالتها شرعاً، ودلالة القرآن على بطلانها، لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج، وصرح بعدم ثبوتها خلق كثير من علماء الحديث كما هو الصواب.

(10)

العلامة الألباني رحمه الله جمع طرق هذه القصة وتكلم عليها بالتفصيل في رسالة مستقلة بعنوان: "نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق".

ص: 347

(11)

اللجنة الدائمة (4/ 312 - 315) رقم (1546) قالت: قصة الغرانيق رويت من طرق مرسلة، ولم ترد مسندة من طرق صحيحة، كما قال ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره، فإنه لما ساق هذه القصة بطرقها قال بعدها: وكلها مرسلات ومنقطعات. وقال ابن خزيمة: إن هذه القصة من وضع الزنادقة. واستنكرها أيضاً أبو بكر بن العربي والقاضي عياض وآخرون سنداً ومتناً. ثم قالت اللجنة:

ومما تقدم يتبين أن روايات قصة الغرانيق ليست صحيحة، وأنه ليس للشيطان سلطان أن يلقي على لسان النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من الباطل فيتلوه أو يتكلم به، وربما ألقى الشيطان قولاً أثناء تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم به الشيطان ويسمعه الحاضرون، أو يوسوس الشيطان وساوس يلقيها في نفوس الكفار، ومرضى القلوب من المنافقين، فيحسبها أولئك من الوحي وليست منه فيبطل الله ذلك القول الشيطاني، ويزيل الشبه ويحكم آياته، ويتبين أيضاً أن ما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله هو قول جمهور العلماء، من أن الشيطان ألقى قولاً أو وسوسة أثناء التلاوة، ولكنها ليست على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في نفسه ولا في نفس من صدق إيمانه به، إنما ذلكم إلقاء الشيطان أثناء التلاوة في أسماع الكفار، أو حديث نفس وقع في أسماعهم وقلوبهم فحسبوه قرآناً متلواً، وتأبى حكمة الله

ص: 348

إلا أن يزيل الباطل ويحكم الله آياته؛ إحقاقاً للحق، ورحمة بالعباد والله عليم حكيم، وقد أجمع علماء الإسلام كلهم على عصمة الرسل جميعاً في كل ما يبلغونه عن الله عز وجل. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

تنبيه: قال العلامة الألوسي رحمه الله: ذكر غير واحد أنه يلزم القول بأن الناطق بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بسبب إلقاء الشيطان الملبس بالملك أمور:

• منها: تسلط الشيطان عليه صلى الله عليه وسلم، وهو معصوم بالإجماع من الشيطان لا سيما في مثل هذا من أمور الوحي والتبليغ و الاعتقاد. وقد قال سبحانه وتعالى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} {الحجر: 42} وقال تعالى {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} {النحل: 99} إلى غير ذلك.

• ومنها: زيادته صلى الله عليه وسلم في القرآن ما ليس منه، وذلك مما يستحيل عليه صلى الله عليه وسلم لمكان العصمة.

• ومنها: اعتقاد النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس بقرآن أنه قرآن، مع كونه بعيد الالتئام متناقضاً، ممتزج المدح بالذم، وهو خطأ شنيع، لا ينبغي أن يتساهل في نسبته إليه صلى الله عليه وسلم.

ص: 349

• ومنها: أنه إما أن يكون عليه الصلاة والسلام عند نطقه بذلك معتقداً ما اعتقده المشركون، من مدح آلهتهم بتلك الكلمات، وهو كفر محال في حقه صلى الله عليه وسلم، وإما أن يكون معتقداً معنى آخر مخالفاً لما اعتقدوه، ومبايناً لظاهر العبارة، ولم يبينه لهم مع فرحهم وادعائهم أنه مدح آلهتهم، فيكون مقراً لهم على الباطل، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يُقِر على ذلك.

• ومنها: كونه صلى الله عليه وسلم اشتبه عليه ما يلقيه الشيطان بما يلقيه عليه الملك، وهو يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم على غير بصيرة فيما يوحى إليه، ويقتضي أيضاً جواز تصور الشيطان بصورة الملك ملبساً على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح ذلك كما قال في "الشفاء": لا في أول الرسالة ولا بعدها والاعتماد في ذلك دليل المعجزة. وقال ابن العربي: تصور الشيطان في صورة الملك ملبساً على النبي صلى الله عليه وسلم كتصوره في صورة النبي ملبساً على الخلق، وتسليط الله تعالى له على ذلك كتسليطه في هذا، فكيف يسوغ في لب سليم استجازة ذلك.

• ومنها: التقول على الله تعالى إما عمداً أو خطأً أو سهواً، وكل ذلك محال في حقه صلى الله عليه وسلم، وقد اجتمعت الأمة على ما قال القاضي عياض على عصمته صلى الله عليه وسلم، فيما كان طريقه البلاغ من الأقوال عن الاخبار بخلاف الواقع لا قصداً ولا سهواً.

ص: 350

• ومنها: الإخلال بالوثوق بالقرآن فلا يؤمن فيه التبديل والتغيير، ولا يندفع كما قال البيضاوي بقوله {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} {الحج: 52}، لأنه أيضاً يحتمل إلى غير ذلك. انتهى كلام الألوسي رحمه الله من تفسيره.

ص: 351

(24)

‌ قصة: (قتل أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه لوالده في غزوة بدر)

.

(لا تصح)

أخرجها الحاكم في "المستدرك"(3/ 321)، والبيهقي في "الكبرى"(18291)، والطبراني في "الكبير"(364)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 145) كلهم عن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينصب الأل (الحربة) لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر الجراح قصده أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} {المجادلة: 22}.

قلت: هذه القصة معضلة، لأن عبد الله بن شوذب من تابعي التابعين.

"تهذيب التهذيب"(5/ 228).

وقد ضعَّف هذه القصة جمع من أهل العلم، منهم:

(1)

البيهقي في السنن الكبرى (17613) قال: منقطع.

(2)

ابن الملقن في "البدر المنير"(9/ 79) قال: وهذا مرسل على قول الأكثر، وعلى قول من زعم أن المرسل لا يكون إلا من التابعين يكون معضلاً؛ لأن عبد الله هذا إنما يروي عن التابعين.

ص: 352

(3)

الحافظ ابن حجر-رحمه الله في"التلخيص الحبير"(4/ 102) قال: روي أن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه حين سمعه يسب النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه. أخرجه أبو داود في "المراسيل" والبيهقي من رواية مالك بن عمير. ثم قال الحافظ بعد سياق القصة: هذا مبهم. وقال: وروى الحاكم والبيهقي منقطعاً عن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت الألهة لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله. قال الحافظ: وهذا معضل.

(4)

الواقدي أنكرها، وقال: مات والد أبي عبيدة قبل الإسلام، كما نقل عنه الحافظ.

(5)

النووي في "المجموع"(19/ 298) قال: معضل.

(6)

شيخنا الوادعي في تعليقه على "المستدرك"(3/ 321) رقم (5218) قال: هو معضل، لأن عبد الله بن شوذب من تابعي التابعين كما في "تهذيب التهذيب".

(7)

العزازي في "تخريح أحاديث تفسير ابن كثير" رقم (5195) سورة المجادلة عند قوله {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} {المجادلة: 22} نزلت هذه الآية في أبي عبيدة، قال: مرسل لم يذكر لها إسناداً متصلاً.

ص: 353

(25)

‌ قصة: (المرأة المتكلمة بالقرآن)

.

(لا تصح)

رواها مسندة ابن حبان في "روضة العقلاء"(49).

ومتن هذه القصة:

قال عبد الله بن المبارك: خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام، فبينما أنا في بعض الطريق، إذ أنا بسواد فتميزت ذاك فإذا هي عجوز عليها درع من صوف وخمار من صوف فقلت: السلام عليك ورحمة الله وبركاته.

فقالت: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} {يس: 58} .

فقلت لها: يرحمك الله ما تصنعين في هذا المكان؟

قالت: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ} {الأعراف: 186} .

فقلت لها: أين تريدين؟

قالت: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} {الإسراء: 1} .

فقلت لها: أنتِ منذ كم في هذا الموضع؟

ص: 354

قالت: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)} {مريم: 10} .

فقلت: ما أرى معكِ طعاماً تأكلين!

قالت: {هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)} {الشعراء: 79} .

فقلت: فبأي شيء تتوضئين؟

قالت: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} {المائدة: 6} .

فقلت لها: إن معي طعاماً، فهل لكِ في الأكل؟

قالت: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} {البقرة: 187} .

قلت: ليس هذا شهر رمضان!

فقالت: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)} {البقرة: 158} .

فقلت: قد أبيح لنا الإفطار في السفر.

فقالت: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} {البقرة: 184} .

فقلت: لِمَ لا تكلمينني مثلما أكلمك؟

قالت: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} {ق: 18} .

فقلت: فمن أي الناس أنتِ؟

ص: 355

قالت: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ

عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} {الإسراء: 36} .

فقلت: قد أخطأتُ فاجعليني في حل.

قالت: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)} {يوسف: 92} .

فقلت: فهل لكِ أن أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلة؟

فقالت: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} {البقرة: 197} .

فأنخت ناقتي.

فقالت: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} {النور: 30} .

فغضضت بصري عنها.

وقلت لها: اركبي.

فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها.

فقالت: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} {الشُّورى: 30} .

فقلت لها: اصبري حتى أعقلها.

ص: 356

فقالت: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} {الأنبياء: 79} .

فعقلت الناقة.

وقلت لها: اركبي.

فلما ركبت قالت {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)} {الزُّخرف: 13 - 14} .

فأخذت بزمام الناقة وجعلت أسرع وأصيح.

فقالت: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} {لقمان: 19} .

فجعلت أمشي رويداً رويداً وأترنم بالشعر.

فقالت: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} {المزمل: 20} .

فقلت لها: لقد أوتيت خيراً كثيراً.

فقالت: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)} {البقرة: 269} .

فلما مشيت بها قليلاً.

قلت: ألكِ زوج؟

ص: 357

قالت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} {المائدة: 101} .

فسكتُّ ولم أكلمها حتى أدركت القافلة.

فقلت لها: هذه القافلة فمن لكِ فيها؟

فقالت: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} {الكهف: 46} .

فعلمت أن لها أولاداً.

فقلت: وما شأنهم في الحج؟

قالت: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)} {النحل: 16} .

فعلمت أنهم أدلاء الركب، فقصدت بها القباب والعمارات.

فقلت: هذه القباب فمن لك فيها؟

قالت: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} {النساء: 125} .

{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)} {النساء: 164} {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} {مريم: 12} .

فناديت: يا إبراهيم يا موسى يا يحيى.

فإذا بشبَّان كأنهم الأقمار قد أقبلوا، فلما استقر بهم الجلوس.

ص: 358

قالت: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} {الكهف: 19} .

فمضى أحدهم فاشترى فقدمه بين يديّ.

فقالت: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} {الحاقَّة: 24} .

فقلت: الآن طعامكم علي حرام حتى تخبروني بأمرها.

فقالوا: هذه أمنا منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن فسبحان القادر على ما يشاء.

فقلت: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} {الحديد: 21}

(1)

.

وقد نصَّ على عدم ثبوت هذه القصة:

(1)

شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله.

(2)

مشهور بن حسن، قال: إسنادها واهٍ جداً، فيه رجل اسمه محمد بن زكريا الغلابي، وهذا الرجل قال عنه الدارقطني: متهم بالوضع. وقال ابن حبان عنه: يروي عن المجاهيل، وهذه القصة

(1)

وانظر القصة في "جواهر الأدب"(ص: 224 - 226)، "المستطرف"(1/ 87 - 88)، "تحت المجهر" (ص: 122 - 123).

ص: 359

رواها عن بعض المجاهيل. فالقصة ركبها الغلابي هذا فكذب فيها على الأصمعي الذي يرويها عن ابن المبارك.

(3)

الشيخ عبد العزيز السدحان في كتابه القيم "تحت المجهر"(ص: 122) حيث قال: ولا شك أن تلك القصة باطلة من وجوه كثيرة منها: أولاً: جميع من ترجم لابن المبارك لم يذكروا قصته مع هذه المرأة -المتكلمة بالقرآن-. ثانياً: وضوح التكلف في تركيب السؤال والجواب. ثالثاً: عدم إنكار ابن المبارك رحمه الله فعلها ذاك خاصة أن كثيراً من العلماء نهى عن التخاطب بالقرآن.

فائدة: حكم التكلم بالقرآن.

سئل سماحة العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله في "مجموع فتاوى ومقالات"(24/ 383): عن حكم التكلم بالقرآن بين الناس، فمثلاً إذا سلم بعض الناس يقول:{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} {يس: 58} . كما فعلت المرأة في القصة التي حكاها عبد الله بن المبارك؟

قال رحمه الله: المعروف عند أهل العلم أنه لا ينبغي اتخاذ القرآن بدلاً من الكلام، بل الكلام له شأن والقرآن له شأن، وأقل أحواله الكراهة، وعليه أن يسلم السلام العادي، هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل وأصحابه رضي الله عنهم يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 360

وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله في "شرح مقدمة التفسير"(ص: 144): ومنه نعرف خطأ ما نُقل مدحاً لمرأةٍ يسمونها المتكلمة بالقرآن في "جواهر الأدب"؛ امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن، وقيل: إنها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيغضب عليها الرحمن، وأظن فعلها هذا زلة، لأنها بهذا تنزل القرآن على غير ما أراد الله.

وقال رحمه الله في "الشرح الممتع على زاد المستقنع"(6/ 531): وقد قال أهل العلم: يحرم جعل القرآن بدلاً من الكلام، وأنا رأيت في زمن الطلب قصة في"جواهر الأدب" عن امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن، وتعجب الناس الذين يخاطبونها، فقال لهم من حولها: لها أربعون سنة لم تتكلم إلا بالقرآن، مخافة أن تزل فيغضب عليها الرحمن.

نقول: هي زلَّت الآن، فالقرآن لا يُجعل بدلاً من الكلام

إلخ.

ص: 361

(26)

‌ قصة: (هاروت وماروت مع الزهرة)

.

(لا أصل لها)

وملخص هذه القصة: أن آدم عليه الصلاة والسلام لما أهبط إلى الأرض قالت الملائكة أي رب {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} {البقرة: 30} . قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم.

قال الله للملائكة: هلُمّوا ملكين من الملائكة، ننظر كيف يعملون؟

قالوا ربنا: هاروت وماروت.

قال: اهبطا إلى الأرض.

فتمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر، فجاآها يسألانها نفسها،

فقالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك.

قالا: والله لا نشرك بالله أبداً.

فذهبت عنهما، ثم رجعت إليهما ومعها صبي تحمله، فسألاها نفسها.

فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي.

فقالا: والله لا نقتله أبداً.

ص: 362

فذهبت ثم رجعت بقدح من الخمر تحمله فسألاها نفسها.

فقالت: لا والله حتى تشربا الخمر.

فشربا فسكرا، فوقعا عليها، وقتلا الصبي، فلما أفاقا.

قالت المرأة: والله ما تركتما من شيء أبيتماه عليَّ إلا فعلتماه حين سكرتما. فخيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا.

أخرج هذه القصة الإمام أحمد وابن حبان وابن السني عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.

وفي سندها: موسى بن جبير الأنصاري المدني الحذَّاء.

قال فيه ابن القطان: لا يعرف حاله.

وقال ابن حبان: إنه يخطئ ويخالف. "تهذيب التهذيب"(10/ 302 - 303).

وقد ضعَّف هذه القصة جمع من العلماء، منهم:

(1)

أبو حاتم رحمه الله في "العلل"(2/ 69) قال: منكر.

(2)

ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية"(1/ 33) قال: وأما ما يذكره كثير من المفسرين في قصة هاروت وماروت في أن الزهرة كانت امرأة فراوداها على نفسها فأبت، فهذا أظنه من وضع

ص: 363

الإسرائيليين، وإن كان قد أخرجه كعب الأحبار، وتلقاه عنه طائفة من السلف فذكروه على سبيل الحكاية والتحديث عن بني إسرائيل. وقال رحمه الله في "تفسيره" (1/ 141):

وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم، الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال.

(3)

القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن"(1/ 2/ 51) قال: هذا كله ضعيف، وبعيد عن ابن عمر وغيره، ولا يصح منه شيء؛ فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة الذين هم أمناء الله على وحيه، وسفراؤه إلى رسله {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} {التَّحريم: 6} {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)} {الأنبياء: 26 - 27} {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} {الأنبياء: 20} . وأما العقل فلا ينكر وقوع المعصية من الملائكة، ويوجد منهم خلاف ما كلفوه، ويخلق فيهم الشهوات؛ إذ في قدرة الله تعالى كل موهوم؛ ومن هذا خوف الأنبياء والأولياء والفضلاء والعلماء، لكن وقوع

ص: 364

هذا الجائز لا يدرك إلا بالسمع ولم يصح. ومما يدل على عدم صحته: أن الله تعالى خلق النجوم وهذه الكواكب حين خلق السماء ففي الخبر: (أن السماء لما خلقت، خلق فيها سبعة دوّارة: زحل، والمشتري، وبهرام، وعطارد، والزهرة، والشمس، والقمر، وهذ معنى قول الله تعالى {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} {الأنبياء: 33} فثبت بهذا أن الزهرة وسهيلاً قد كانا قبل خلق آدم؛ ثم إن قول الملائكة {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا} {الفرقان: 18} عورة: لا تقدر على فتنتنا؛ وهذا كفر نعوذ بالله منه ومن نسبته إلى الملائكة الكرام صلوات الله عليهم أجمعين؛ وقد نزهناهم وهم المنزهون عن كل ما ذكره ونقله المفسرون، سبحان ربك رب العزة عما يصفون.

(4)

العجلوني-رحمه الله في "كشف الخفاء"(2/ 439) قال: وقد أنكر هذه القصة الرازي والقرطبي.

(5)

قال المفسرون كالفخر الرازي والبيضاوي وأبي السعود والخازن: إنها لم تثبت بنقل معتبر، فلا تعويل على ما نُقل فيها لأن مداره رواية اليهود مع ما فيه من المخالفة لأدلة العقل والنقل.

"أسنى المطالب"(ص: 312).

(6)

الألوسي رحمه الله في "روح المعاني"(1/ 341).

(7)

الشوكاني رحمه الله في "فتح القدير"(1/ 123).

ص: 365

(8)

قال أبو شهبة رحمه الله في "الوسيط في علوم ومصطلح الحديث"(ص: 277 - 278): والمحققون من العلماء على أنها لا أصل لها، وإنما هي من الإسرائيليات المكذوبة، ألصقت بالإسلام زوراً قصد الإساءة إليه.

(9)

العلامة الألباني رحمه الله-في "الضعيفة"(912) و (913).

(10)

شيخنا الوادعي رحمه الله في تعليقه على "المستدرك"(2/ 319) رقم (3110) قال: قصة باطلة.

ص: 366

(27)

‌ قصة: (هجرة عمر رضي الله عنه علناً)

.

(لا تصح)

وفيها أنه ما هاجر أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا متخفياً غير عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فقد روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه لما همَّ بالهجرة، تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهماً؛ وفيه أنه قال:(من أراد أن يثكل أمه، أو يوتم ولده، أو ترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي) قال علي رضي الله عنه: فما تبعه إلا قوم من المستضعفين علمهم ما أرشدهم ثم مضى لوجهه.

ذكر هذه القصة ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(44/ 51 - 52) وابن الأثير في "أسد الغابة"(4/ 144).

قلت: وفي إسنادها:

(1)

الزبير بن محمد بن خالد العثماني.

(2)

عبد الله بن القاسم الأيلي.

(3)

وأبيه القاسم. لم أجد لهم تراجم.

قال العلامة المحدث الألباني رحمه الله في "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة"(ص: 52 - 53): مداره على الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبد الله بن القاسم الأملى -كذا الأصل، ولعله الأيلى- عن أبيه

ص: 367

بإسناده إلى علي، وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين، فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً.

وقال الدكتور أكرم ضياء العمري في "السيرة النبوية الصحيحة"(1/ 206): وأما ما روي من إعلان عمر رضي الله عنه لهجرته وتهديده من يلحق به بثكل أمه

فلم يصح.

قلت: وهذه القصة على شهرتها، لم يذكرها ابن إسحاق، ولا ابن هشام، ولا ابن كثير في "السيرة"، ولا الذهبي في "السيرة"، ولا ابن حجر في "الإصابة" في ذكرهم لهجرة عمر رضي الله عنه.

تنبيه: الذي صح في هجرة عمر رضي الله عنه كما حدَّث بها بنفسه:

ما رواه ابن إسحاق: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة، أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل السهمي، التناضب من أضاة بني غفار فوق سرف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمضِ صاحباه.

قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وفطن لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة وفتن فافتتن.

ثم إن أبا جهل والحارث بن هشام -وأسلم بعد ذلك- خرجا حتى قدما المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فقالا: لعياش بن أبي ربيعة، وكان ابن عمهما

ص: 368

وأخاهما لامهما: إن أمك قد نذرت ألا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك، فرق لها.

فقلت له: يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فو الله لو قد آذى أمك القمل لا متشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت.

فقال: أبر قسم أمي، ولي هنالك مال فاخذه.

فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريشاً مالاً فلك نصف مالي، ولا تذهب معهما، فأبى علي إلا أن يخرج معهما.

فلما أبى إلا ذلك قلت: أما إذا قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها، فخرج عليهما معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: والله يا أخي لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال: بلى.

قال: فأناخ وأناخ ليتحول عليها، فلما استووا بالارض عدوا عليه فأوثقاه رباطاً، وفتناه فافتتن، ودخلا به مكة نهاراً موثقاً، ثم قالا: يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا.

قال عمر: فكنا نقول: ما الله تعالى بقابل ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم.

قال: وكانوا يقولون ذلك لا نفسهم.

ص: 369

فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لا نفسهم {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}

{الزمر: 53 - 55} .

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصي.

قال: فقال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى، أصعد بها فيه وأصوب ولا أفهمها حتى قلت: اللهم فهمنيها، قال: فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا.

قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

تنبيه: دلالة القصة واضحة في أن هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت سرية، فليس فيها أي إشارة إلى إعلان الهجرة، بل إن تواعدهم في

(1)

"سيرة ابن هشام"(2/ 118). بإسناد حسن لذاته، حيث صرح ابن إسحاق بالتحديث، ومن طريق ابن إسحاق أخرجها الحاكم في "المستدرك" وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي، وابن كثير في "السيرة النبوية"(2/ 219 - 220). وقال الهيثمي في"مجمع الزوائد "(6/ 61) رواه البزار ورجال ثقات، وصححها الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (6/ 423) رقم (8986). وانظركذلك "صحيح السيرة النبوية" (ص: 164 - 165) لإبراهيم العلي، و"السيرة النبوية الصحيحة" للعمري (1/ 206).

ص: 370

التناضب من أضاة بني غفار -وهي على عشرة أميال من مكة- ليؤكد إسرارهم بهجرتهم.

وفوق هذا فقد جاء الأمر صريحاً في رواية ذكرها ابن سعد في "طبقاته"(3/ 205) حول هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سراً، حيث ساق نحواً من رواية ابن إسحاق -السابقة- وزاد فيها قول عمر: (وكنا نخرج سراً

).

ونحن لا ننكر شجاعة عمر وهيبته رضي الله عنه، وقد أعلن إسلامه يوم أخفاه الناس، وأعز الله المسلمين بإسلامه، ولكن العبرة بما صح وثبت.

ص: 371

(28)

‌ قصة: (وامعتصماه)

.

(لا تصح)

وخلاصة هذه القصة: أن صاحب عمورية من ملوك الروم، كانت عنده شريفة مأسورة في خلافة المعتصم فعذبها، فصاحت:(وامعتصماه).

فقال لها: لا يأتي المعتصم لخلاصك إلا على أبلق.

فبلغ ذلك المعتصم فنادى في عسكره بركوب الخيل البلق، وخرج وفي مقدمة عسكره أربعة آلاف أبلق، وأتى عمورية فحاصرها وخلص الشريفة.

وقال: اشهدي لي عند جدكِ المصطفى صلى الله عليه وسلم، أني جئت لخلاصك وفي مقدمة عسكري أربعة آلاف أبلق.

وقد ذكر هذه القصة ابن العماد في "شذرات الذهب"(2/ 62)، وابن خلدون في "تاريخه"، وابن الجوزي في "المنتظم"، والقلقشندي في "صبح الأعشى"(3/ 267)، وغيرهم.

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ -حفظه الله- في "شرح الأصول الثلاثة"(ص: 32): القصة هذه لا يثبتها المؤرخون، هذه ليست ثابتة تاريخياً، وأخبار التاريخ كما هو معلوم لا يمكن أخذ التثبت منها. اهـ.

ص: 372

وقال الشيخ سعد الحصين -حفظه الله- عن هذه القصة كما في "مجلة الأصالة" العدد (24) 15/ شوال/ 1420 هـ (ص: 50 - 52):

التاريخ المدون وحده لا يصلح مرجعاً في أمور الشريعة، لأن التاريخ مبني على ظن كاتبه وعاطفته، والشريعة مبنية على يقين الوحي في الكتاب والسنة وفقه الأئمة الأولين في نصوصه، ولكن النفس البشرية إلا ما رحم ربي تميل إلى الباطل، ويثقل عليها الحق وقد استجاب أكثر خطباء ووعاظ القصص والفكر والحركية في العقود الثلاثة الأخيرة، لدواعي الهوى والعاطفة من النفس، ودوافع النفث والتسويل من الشيطان، فحولوا أكثر دروس العلم الشرعي وحلق الذكر وخطب الجمعة إلى أساطير من كتب التاريخ يحسبها الظمآن ماءً، حتى إذا جاءها وجدها ألواناً من السراب، تبعده عن الماء، وتصده عن الصراط المستقيم إليه، ومن هذه الأساطير أسطورة ألهبت حماس الشباب، وحناجرهم، وعواطفهم، وأضاعت شرع الله لخطبة الجمعة التي فرضها الله مرة في الأسبوع لتعليم المسلمين أحكام الإسلام، وتذكيرهم بأيام الله وآلائه، وإعدادهم للقائه وحسابه وجزائه، ومجمل الأسطورة أن علجاً من الروم أهان امرأة مسلمة، فصاحت وامعتصماه، فحركت صرختها غيرة المعتصم وغضبه، فأوطأجيش المسلمين أرض الروم أخذاً بثأر المرأة التي استنجدت به، وهدف الأسطورة تقديم مثل صالح قدوة لقادة المسلمين،

ص: 373

لتعود للإسلام عزته -قد تكون واحدة من الروايات- التي يتفنن وعاظ وخطباء الفكر والقصص، في نحتها والتغني بها صحيحة، ولكن ذلك لا يجعل المعتصم نفسه تجاوز الله عنا وعنه قدوة صالحة للراعي المسلم، ولا للرعية المسلمة للأسباب التالية:

• لم يُذكر المعتصم تجاوز الله عنا وعنه بالعلم الشرعي، بل قالت عنه كتب الأعلام: أنه كره العلم في صغره ومات شبه أمي.

• غزو المعتصم بلاد الروم وفتح عمورية كما يذكر التاريخ ليس من القتال في سبيل الله، إذا صدق كُتَّاب التاريخ في الرواية، فجيش المسلمين وأنفسهم وأموالهم لا تعرَّض للأخطار والأهوال غضباً، ولا من أجل الحمية، ولا لإظهار الشجاعة، وإنما يكون القتال لغرض واحد أن تكون كلمة الله هي العليا، قال الله تعالى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)} {الأنفال: 39}. وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، وفي رواية: ويقاتل غضباً فمن في سبيل الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) متفق عليه.

• لو كان مجرد الغزو والفتح مثالاً يحتذا لكان يزيد -تجاوز الله عنا وعنه- ابن معاوية رضي الله عنه أولى منه باتخاذه قدوة، فهو من كبار

ص: 374

الطبقة الأولى من التابعين، وثاني ولاة المسلمين بعد عصر الخلفاء الراشدين عهد إليه بالولاية والده معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، أحد كبار الصحابة، ورواة الحديث، استكتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمله في القيادة والولاية أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، وفتح الله في عهد يزيد على المسلمين المغرب الأقصى، وبخارى وخوارزم، وهو أول من غزا القسطنطينية، وكان أمير جيش المسلمين في هذا الغزو، وكان من بينهم بعض الصحابة، مثل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وعنهم أجمعين، ولكن العلماء المحققين يقفون من أمثال يزيد والمعصتم موقفاً وسطاً، فهم لا يحبونهم ولا يسبونهم تجاوز الله عمَّن مات لا يشرك بالله شيئاً.

• المعتصم تجاوز الله عنا وعنه أحدث من الفتنة في الدين شراً مما نُسب إلى يزيد من القتل في المدينة النبوية، قال الله تعالى {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} {البقرة: 191}. وكذلك ما افتراه عليه بعض فرق الضلال من الأمر بقتل الحسين رضي الله عنه. وقد امتحن المعتصم علماء الإسلام وبخاصة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، بفتنة خلق القرآن التي بدأت في عهد أخيه المأمون، واستمرت في عهده وعهد ابنه الواثق، حتى جاء ابنه المتوكل فأزالها، وانتصر للسنة ولإمام السنة وأخرجه من سجن الثلاثة -تجاوز الله عنا وعنهم-

ص: 375

ورفعه إلى المقام الذي يليق به، في صدر مجلس الملك والحكمة، جزاهما الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

• إذا سلمنا بما أورده المؤرخون عن هذا كله، فكيف يُقرُ من وهبه الله نعمة الإسلام والعقل أن انتصار وليّ أمر المسلمين لرواية ظنية عن امرأة مجهولة الحال أرجح في ميزان العدل والإيمان من انتصار للسنة ومنهاج السنة وأئمة السنة؟!

لقد أوصل الفكر والحركية -بقلة نصيبهما من العلم والتثبت- أكثر شباب الصحوة في العقود الأخيرة إلى مثل ما أوصل الجهل والتقليد من قبلهم من الضُّلَّال عن منهاج النبوة في الدين والدعوة؛ فتغلب الهدف الأدنى على الهدف الأعلى، والمهم -بل غير المهم- على الأهم في علمهم وعملهم، في خطبهم ودعوتهم وكفاحهم. وإن نظرة صادقة، واستقراءاً محققاً للقضايا التي تحرَّك لها دعاةُ الفكر والحركية وأتباعهم، وبذلوا فيها أموال المسلمين وجهودهم وحماسهم، بل ودماءهم في العقدين الأخيرين، لتبيّن أن المحرك الأول والأخير: كسب الأرض باسم الدين! لا الدين نفسه الذي لا يكاد أكثر المسلمين يعرف وجه الحق فيه! ولم تكن هذه الأرض بأوثانها أو بدعها أو إلحادها تحرك ساكناً من القلوب والأبدان والألسن والهمم والأقلام، مِنْ قَبْل أن يثور الخلاف على التراب والولاية عليه. رد الله المسلمين جميعاً إلى دينهم رداً جميلاً. اهـ.

ص: 376

(29)

‌ قصة: (وصف حسَّان بن ثابت رضي الله عنه شاعر النبي صلى الله عليه وسلم بالجبن)

.

(لا تصح)

وخلاصة القصة: أنه اشتهر عند كثير من المؤرخين والكتاب أن حسَّان بن ثابت رضي الله عنه كان جباناً.

واستدلوا أن حسَّان بن ثابت رضي الله عنه كان في حصنٍ مع النساء والصبيان فجاء رجل من اليهود فجعل يطوف بالحصن، فطلبت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها من حسَّان أن ينزل فيقتله، فاعتذر حسّان وقال: ما أنا بصاحب هذا، فقامت صفية وشدت وسطها وأخذت عموداً، ثم نزلت إليه فضربته حتى قتلته.

هذا ملخص القصة التي اعتمدها كثيرون في رمي حسَّان بن ثابت بالجبن.

قلت: وقد ضعَّف جمع من أهل العلم هذه القصة، منهم:

(1)

السهيلي رحمه الله، قال: مجمل هذا الحديث عند الناس على أن حسان كان جباناً شديد الجبن، وقد دفع هذا بعض العلماء وأنكره وذلك لأنه حديث منقطع الإسناد.

ص: 377

(2)

ابن عبد البر رحمه الله في "الاستيعاب"(1/ 348) قال: وقال أكثر أهل الأخبار والسير: إن حساناً كان من أجبن الناس، وذكروا من جُبنه أشياء مستشنعة أوردوها عن الزبير أنه حكاها عنه، كرهت ذكرها لنكارتها. ومن ذكرها قال: إن حساناً لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من مشاهده لجبنه، وأنكر بعض أهل العلم بالخبر ذلك وقالوا: لو كان حقاً لهجي به. اهـ.

(3)

سماحة الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله قال ما معناه: إن ما يُقال في حسَّان ووصفه بالجبن كذب لا يصح، ولا يجوز أن يقال عنه فهو أحد الصحابة المشهورين، وأشعاره تدل على شجاعته، أما قصته مع صفية فلا أعلم لها أصلاً

(1)

.

(4)

شيخنا الوادعي-رحمه الله في تعليقه على "المستدرك"(4/ 139) رقم (6945 - 6946).

(5)

أحمد بن مسفر الزهراني في "نقض إفتراءات المؤرخين والنقاد حول شخصية حسَّان بن ثابت".

(6)

سليمان بن صالح الخراش في كتابه "حسَّان بن ثابت لم يكن جباناً".

(1)

تحت المجهر" (ص: 140 - 141).

ص: 378

قلت: وقد ورد وصف حسَّان بن ثابت رضي الله عنه بالجبن في أكثر من رواية كلها لا تصح؛ منها:

(1)

عن أم عروة بنت جعفر بن الزبير بن العوام عن أبيها عن جدها قال: لما خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه يوم أحد، خلفهنَّ في فارع وفيهنَّ صفية بنت عبد المطلب وخلف فيهنَّ حسان بن ثابت

إلخ. ذكر هذا الخبر الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(2/ 521) وابن عساكر في "تاريخه". وهذه الرواية مسلسلة بالضعفاء والمجاهيل، فأم عروة بنت جعفر لا تعرف فهي مجهولة، ووالد أم عروة لا يعرف، وجد أم عروة لا يعرف، فهذه الرواية ضعيفة جداً.

(2)

عن يونس بن بكير عن هشام عن أبيه عن صفية

إلخ. ذكرها الذهبي رحمه الله في "السير"(2/ 522) وهي ضعيفة، هشام وأبوه مجهولان

(1)

.

(1)

"اتهامات كاذبة"(1/ 37) للحازمي.

ص: 379

(30)

‌ قصة: (الوصية المنسوبة للشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية)

.

(باطلة)

وملخص هذه الوصية: أن رجلاً اسمه أحمد، زعموا أنه كان خادماً للحجرة التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سهر ليلة من الليالي -ليلة الجمعة- يتلو القرآن، وبعد ذلك أخذته سنة من النوم، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فناداه باسمه وقال:

يا شيخ أحمد، فقال: لبيك يا رسول الله

فذكر أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له أن أمته وقعت في كثير من المعاصي وسرد بعضها.

وفي ختام الوصية ذكر أن من يكتبها ويرسلها من بلد إلى بلد فإن له قصراً في الجنة

(1)

ذكر هذه الوصية المكذوبة محمد رشيد رضا في "مجلة المنار" في مواضع متفرقة

فقال في أثناء جواب له عن سؤال عن هذه الوصية:

هذه الوصية ملفقة، سبقها أمثال لها كثيرة، وكلها معزوة إلى اسم الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف، أو خادم الحجرة النبوية الطاهرة.

ص: 380

وقال أيضاً: والظاهر أن الذين يلفقون هذه الوصايا من الجهال، يظنون أنه ربما يكون لنشرها تأثير عظيم في المسلمين، وأنهم يقصدون النفع، ويستحلون في التوسل إليه تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، كما كان يفعل بعض الوضاعين بأحاديث الترغيب والترهيب، مع علم أولئك بقوله صلى الله عليه وسلم:(من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) فإنه روي متواتراً في الكتب الستة وغيرها من المسانيد والمعاجم عن عشرات من الصحابة، ثم ينسخها بعض العوام حيث لا مطابع، ويطبعونها في مثل هذه البلاد لتصديقهم بما في آخرها من الوعد والوعيد، ومن العجب أن الذين يجددون تلفيق الوصية لا يتركون اسم الشيخ أحمد، كأنه خالد في الحرم النبوي الشريف، وكأنه أعطي خدمة الحجرة الطاهرة خالدة تالدة لا تؤثر فيها أحداث الزمان ولا مرور السنين ولا تغير الحكومات، ويلوح في ذاكرتي أن بعض زوار المدينة سأل عن الشيخ أحمد هذا منذ سنين كثيرة فلم يجد في الحرم النبوي من يعرفه.

ومن دلائل كذب هذه الوصية أسلوبها العامي، على أن الوصية الجديدة دون ما سبقها في اللحن واصطلاحات العامية.

ومنها وهو أقواها: زعم مختلقها أن النبي صلى الله عليه وسلم صار محجوباً عن ربه وعن الملائكة، بسبب ذنوب الناس وهذه أعظم العقوبات التي توعد الله تعالى بها الفجار الكفار بقوله {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} {المطَّففين: 15}

ص: 381

فجميع ما نعاه على المسلمين من المعاصي هو دون الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، بأصل الوصية والكذب على الله بزعمه أنه عاقب أفضل رسله بذنب غيره، كما يعاقب الكفار في الآخرة، وهو مغفور له بنص القرآن

إلخ كلامه. "مجلة المنار"(25/ 418 - 419).

وقال في موضع آخر: والوصية مكذوبة قطعاً، لا يختلف في ذلك أحد شم رائحة العلم والدين، وإنما يصدقها البلداء من الأميين، ولا شك أن الواضع لها من العوام الذين لم يتعلموا اللغة العربية، ولذلك وضعها بعبارة عامية سخيفة لا حاجة إلى بيان أغلاطها بالتفصيل، فهذا الأحمق المفتري ينسب هذا الكلام السخيف إلى أفصح الفصحاء وأبلغ البلاغاء صلى الله عليه وسلم. إلى أن قال: ولا شك أن واضع هذه الوصية متعمد لكذبها ولا ندري أهناك رجل يسمى الشيخ أحمد أم لا؟ "مجلة المنار"(7/ 615).

(2)

ولسماحة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله رسالة مستقلة بعنوان: "تنبيه هام على كذب الوصية المنسوبة للشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف" في إبطال هذه الوصية وبيان نكارتها من أربعة أمور، وإليك نص هذه الرسالة:

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين حفظهم الله بالإسلام، وأعاذنا وإياهم من شر مفتريات الجهلة الطغام، آمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

ص: 382

أما بعد:

فقد اطلعت على كلمة منسوبة إلى الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف بعنوان: (هذه وصية من المدينة المنورة عن الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف).

قال فيها: كنت ساهراً ليلة الجمعة أتلو القرآن الكريم، وبعد تلاوة قراءة أسماء الله الحسنى، فلما فرغت من ذلك تهيأت للنوم فرأيت صاحب الطلعة البهية رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أتى بالآيات القرآنية والأحكام الشريفة رحمة بالعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

فقال: يا شيخ أحمد. قلت: لبيك يا رسول الله يا أكرم خلق الله، فقال لي: أنا خجلان من أفعال الناس القبيحة، ولم أقدر أن أقابل ربي، ولا الملائكة، لأن من الجمعة إلى الجمعة مات مائة وستون ألفاً على غير دين الإسلام، ثم ذكر بعض ما وقع فيه الناس من المعاصي.

ثم قال: فهذه الوصية رحمة بهم من العزيز الجبار، ثم ذكر بعض أشراط الساعة.

إلى أن قال: فأخبرهم يا شيخ أحمد بهذه الوصية، لأنها منقولة بقلم القدر من اللوح المحفوظ، ومن يكتبها ويرسلها من بلد إلى بلد، ومن محل إلى محل، بني له قصر في الجنة، ومن لم يكتبها، أو يرسلها، حرمت

ص: 383

عليه شفاعتي يوم القيامة، ومن كتبها وكان فقيراً أغناه الله، أو كان مديوناً قضى الله دينه، أو عليه ذنب غفر الله له ولوالديه، ببركة هذه الوصية، ومن لم يكتبها من عباد الله أسود وجهه بالدنيا والآخرة.

وقال: والله العظيم ثلاثاً هذه حقيقة، وإن كنت كاذباً أخرج من الدنيا على غير الإسلام، ومن يصدق بها ينجو من عذاب النار، ومن كذَّب بها كفر.

هذه خلاصة ما في الوصية المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولقد سمعنا هذه الوصية المكذوبة مرات كثيرة، منذ سنوات متعددة، تنشر بين الناس فيما بين وقت وآخر، وتروج بين الكثير من العامة، وفي ألفاظها اختلاف.

وكاذبها يقول: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فحمَّله هذه الوصية، وفي هذه النشرة الأخيرة التي ذكرناها لك أيها القارئ.

زعم المفتري فيها: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين تهيأ للنوم لا في النوم.

فالمعنى أنه رآه يقظة.

زعم هذا المفتري في هذه الوصية: أشياء كثيرة هي من أوضح الكذب، وأبين الباطل، سأنبهك عليها قريباً في هذه الكلمة إن شاء الله، ولقد نبهت عليها في السنوات الماضية، وبينت للناس أنها من أوضح

ص: 384

الكذب، وأبين الباطل، فلما اطلعت على هذه النشرة الأخيرة ترددت في الكتابة عنها، لظهور بطلانها وعظم جراءة مفتريها على الكذب، وما كنت أظن أن بطلانها يروج على من له أدنى بصيرة، أو فطرة سليمة، ولكن أخبرني كثير من الإخوان أنه قد راجت على كثير من الناس، وتداولوها بينهم وصدقها بعضهم، فمن أجل ذلك رأيت أنه يتعين على أمثالي الكتابة عنها، لبيان بطلانها، وأنها مفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لا يغتر بها أحد، ومن تأملها من ذوي العلم والإيمان، أو ذوي الفطرة السليمة، والعقل الصحيح، عرف أنها كذب وافتراء، من وجوه كثيرة، ولقد سألت بعض أقارب الشيخ أحمد المنسوبة إليه الفرية، عن هذه الوصية فأجابني بأنها مكذوبة على الشيخ أحمد، وأنه لم يقلها أصلاً، والشيخ أحمد المذكور قد مات من مدة، ولو فرضنا أن الشيخ أحمد المذكور، أو من هو أكبر منه، زعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم أو اليقظة، وأوصاه بهذه الوصية، لعلمنا يقيناً أنه كاذب، أو أن الذي قال له ذلك شيطان، ليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم لوجوه كثيرة:

الوجه الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُرى في اليقظة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ومن

زعم من جهلة الصوفية أنه يُرى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة، أو أنه يحضر المولد أو ما أشبه ذلك فقد غلط أقبح الغلط، ولبس عليه غاية التلبيس، ووقع في خطأ عظيم، وخالف الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، لأن الموتى

ص: 385

إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة لا في الدنيا، ومن قال خلاف ذلك فهو كاذب كذباً بيناً، أو غالط ملبس عليه، لم يعرف الحق الذي عرفه السلف الصالح، ودرج عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان.

الوجه الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول خلاف الحق لا في حياته ولا في وفاته، وهذه الوصية تخالف شريعته مخالفة ظاهرة من وجوه كثيرة، كما يأتي. وهو صلى الله عليه وسلم قد يُرى في النوم، ومن رآه في المنام على صورته الشريفة فقد رآه، لأن الشيطان لا يتمثل في صورته، كما جاء بذلك الحديث الصحيح الشريف، ولكن الشأن كل الشأن في إيمان الرائي، وصدقه، وعدالته، وضبطه، وديانته، وأمانته، وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم في صورته، أو في غيرها، ولو جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث قاله في حياته من غير طريق الثقات العدول الضابطين لم يعتمد عليه، ولم يحتج به، أو جاء من طريق الثقات الضابطين ولكنه يخالف رواية من هو أحفظ منهم وأوثق، مخالفة لا يمكن معها الجمع بين الروايتين لكان أحدهما منسوخاً لا يعمل به، والثاني ناسخاً يعمل به حيث أمكن ذلك بشروطه، وإذا لم يمكن ذلك ولم يمكن الجمع وجب أن تطرح رواية من هو أقل حفظاً، وأدنى عدالة، والحكم عليها بأنها شاذها لا يعمل بها، فكيف بوصية لا يُعرف صاحبها الذي نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تُعرف عدالته وأمانته، فهي والحالة هذه حقيقة بأن تُطرح ولا يُلتفت إليها، وإن لم

ص: 386

يكن فيها شيء يخالف الشرع، فكيف إذا كانت الوصية مشتملة على أمور كثيرة تدل على بطلانها، وأنها مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتضمنة لتشريع دين لم يأذن به الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار).

وقد قال مفتري هذه الوصية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، وكذب عليه كذباً صريحاً خطيراً، فما أحراه بهذا الوعيد العظيم، وما أحقه به إن لم يبادر بالتوبة، وينشر للناس أنه قد كذب هذه الوصية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن من نشر باطلاً بين الناس ونسبه إلى الدين لم تصح توبته منه إلا بإعلانها وإظهارها حتى يعلم الناس رجوعه عن كذبه وتكذيبه لنفسه لقول الله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} {البقرة: 159 - 160} فأوضح الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن من كتم شيئاً من الحق لم تصح توبته من ذلك إلا بعد الإصلاح والتبيين، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة ببعث رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أوحى الله إليه من الشرع الكامل،

ص: 387

ولم يقبضه إليه إلابعد الإكمال والتبيين، كما قال عز وجل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} {المائدة: 3}. ومفتري هذه الوصية قد جاء في القرن الرابع عشر يريد أن يلبس على الناس ديناً جديداً، يترتب عليه دخول الجنة لمن أخذ بتشريعه، وحرمان الجنة، ودخول النار لمن لم يأخذ بتشريعه، ويريد أن يجعل هذه الوصية التي افتراها أعظم من القرآن وأفضل، حيث افترى فيها أن من كتبها وأرسلها إلي بلد، أو من محل إلى محل بني له قصر في الجنة، ومن لم يكتبها ويرسلها حرمت عليه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهذا من أقبح الكذب، ومن أوضح الدلائل على كذب هذه الوصية، وقلة حياء مفتريها، وعظم جرأته على الكذب، لأن من كتب القرآن الكريم وأرسله من بلد إلى بلد أو من محل إلى محل لم يحصل له هذا الفضل إذا لم يعمل بالقرآن الكريم، فكيف يحصل لكاتب هذه الفرية وناقلها من بلد إلى بلد، ومن لم يكتب القرآن ولم يرسله من بلد إلى بلد لم يحرم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مؤمناً به تابعاً لشريعته، وهذه الفرية الواحدة في هذه الوصية تكفي وحدها للدلالة على بطلانها، وكذب ناشرها، ووقاحته، وغباوته وبعده عن معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى.

وفي هذه الوصية سوى ما ذكر أمور أخرى كلها تدل على بطلانها وكذبها، ولو أقسم مفتريها ألف قسم أو أكثر على صحتها، ولو

ص: 388

دعا على نفسه بأعظم العذاب، وأشد النكال على أنه صادق لم يكن صادقاً، ولم تكن صحيحة، بل هي والله ثم والله من أعظم الكذب، وأقبح الباطل، ونحن نشهد الله سبحانه ومن حضرنا من الملائكة، ومن اطلع على هذه الكتابة من المسلمين شهادة نلقى بها ربنا عز وجل، أن هذه الوصية كذب وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخزى الله من كذبها، وعامله بما يستحق.

ويدل على كذبها وبطلانها سوى ما تقدم أمور كثيرة:

الأول منها: قوله فيها: (لأن من الجمعة إلى الجمعة مات مائة وستون ألفاً على غير دين الإسلام) لأن هذا من علم الغيب، والرسول صلى الله عليه وسلم قد انقطع عنه الوحي بعد وفاته، وهو في حياته لا يعلم الغيب، فكيف بعد وفاته لقول الله سبحانه وتعالى {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} {الأنعام: 50}. وقوله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} {النمل: 65} .

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يُذاد رجال عن حوضي يوم القيامة، فأقول: يا رب أصحابي أصحابي. فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ

شَيْءٍ شَهِيدٌ} {المائدة: 117} .

ص: 389

الثاني: من الأمور الدالة على بطلان هذه الوصية، وأنها كذب قوله فيها:(من كتبها وكان فقيراً أغناه الله، أو مديوناً قضى الله دينه، أو عليه ذنب غفر الله له ولوالديه ببركة هذه الوصية) إلى أخره.

وهذا من أعظم الكذب، وأوضح الدلائل على كذب مفتريها، وقلة حيائه من الله ومن عباده، لأن هذه الأمور الثلاثة لا تحصل بمجرد كتب القرآن الكريم، فكيف تحصل لمن كتب هذه الوصية الباطلة، وإنما يريد هذا الخبيث التلبيس على الناس، وتعليقهم بهذه الوصية حتى يكتبوها ويتعلقوا بهذا الفضل المزعوم ويدعوا الأسباب التي شرعها الله لعباده، وجعلها موصلة إلى الغنى وقضاء الدين ومغفرة الذنوب، فنعوذ بالله من أسباب الخذلان وطاعة الهوى والشيطان.

الأمر الثالث: من الأمور الدالة على بطلان هذه الوصية قوله فيها:

(ومن لم يكتبها من عباد الله اسود وجهه في الدنيا والآخرة).

وهذا أيضاً من أقبح الكذب، ومن أبين الأدلة على بطلان هذه الوصية وكذب مفتريها، كيف يجوز عقل عاقل أن من لم يكتب هذه الوصية التي جاء بها رجل مجهول في القرن الرابع عشر، يفتريها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزعم أن من لم يكتبها يسود وجهه في الدنيا والآخرة، ومن كتبها كان غنياً بعد الفقر، وسليماً من الدين بعد تراكمه عليه،

ص: 390

ومغفوراً له ما جناه من الذنوب، سبحانك هذا بهتان عظيم. وأن الأدلة والواقع يشهدان بكذب هذا المفتري وعظم جرأته على الله وقلة حيائه من الله ومن الناس، فهؤلاء أمم كثيرة لم يكتوبوها فلم تسود وجوههم، وههنا جم غفير لا يحصيهم إلا الله قد كتبوها مرات كثيرة فلم يُقْضَ دينهم ولم يزل فقرهم، فنعوذ بالله من زيغ القلوب ورين الذنوب، وهذه صفات وجزاءات لم يأت بها الشرع الشريف لمن كتب أفضل كتاب وأعظمه وهو القرآن الكريم، فكيف تحصل من كتب وصية مكذوبة، مشتملة على أنواع من الباطل، وجمل كثيرة من أنواع الكفر، سبحان الله ما أحلمه على من اجترأ عليه بالكذب.

والأمر الرابع: من الأمور الدالة على أن هذه الوصية من أبطل الباطل وأوضح الكذب قوله فيها: (ومن يصدق بها ينجو من عذاب النار، ومن كذب بها كفر).

وهذا أيضاً من أعظم الجرأة على الكذب ومن أقبح الباطل، يدعو هذا المفتري جميع الناس إلى أن يصدقوه بفريته، ويزعم أنهم بذلك ينجون من عذاب النار، وأن من كذَّب بها كفر، لقد أعظم والله هذا الكذَّاب على الله الفرية، وقال -والله غير الحق- أن من صدَّق بها هو الذي يستحق أن يكون كافراً لا من كذب بها، لأنها فرية وباطل وكذب لا أساس له من الصحة، ونحن نشهد الله على أنها كذب، وأن مفتريها كذَّاب يريد أن يشرع ما لم

ص: 391

يأذن به الله، ويدخل في دينهم ما ليس منه، والله قد أكمل الدين وأتمه لهذه الأمة من قبل هذه الفرية بأربعة عشر قرناً، فانتبهوا أيها القراء والإخوان، وإياكم والتصديق بمثل هذه المفتريات، وأن يكون لها رواج فيما بينكم، فإن الحق عليه نور لا يلتبس على طالبه، فاطلبوا الحق بدليله، واسألوا أهل العلم عما أشكل عليكم، ولا تغتروا بحلف الكذَّابين، فقد حلف إبليس اللعين لأبويكم على أنه لهما من الناصحين، وهو أعظم الخائنين، وأكذب الكذَّابين كما حكى الله عنه ذلك في سورة الأعراف حيث قال سبحانه {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)} {الأعراف: 21}. فاحذروه واحذروا أتباعه من المفترين فكم له ولهم من الأيمان الكاذبة، والعهود الغادرة، والأقوال المزخرفة للإغواء والتضليل، عصمني الله وإياكم وسائر المسلمين من شر الشياطين، وفتن المضلين، وزيغ الزائغين، وتلبيس أعداء الله المبطلين الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويلبسوا على الناس دينهم، والله متم نوره وناصر دينه ولو كره أعداء الله من الشياطين وأتباعهم من الكفار والملحدين.

وأما ما ذكره هذا المفتري، من ظهور المنكرات فهو أمر واقع، والقرآن الكريم والسنة المطهرة قد حذرا منها غاية التحذير، وفيهما الهداية والكفاية.

ونسأل الله أن يُصلح أحوال المسلمين، وأن يمن عليهم باتباع الحق، والاستقامة عليه والتوبة إلى الله من سائر الذنوب، فإنه التواب الرحيم والقادر على كل شيء.

ص: 392

وأما ما ذكر من شروط الساعة، فقد أوضحت الأحاديث النبوية ما يكون من أشراط الساعة، وأشار القرآن الكريم إلى بعض ذلك، فمن أراد أن يعلم ذلك وجده في محله من كتب السنة، ومؤلفات أهل العلم والإيمان، وليس بالناس حاجة إلى بيان مثل هذا المفتري وتلبيسه ومزجه الحق بالباطل، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

(3)

أصدرت اللجنة الدائمة (3/ 106) رقم (999) فتوى تبين بطلان هذه الوصية والتحذير منها.

(4)

سئل عن هذه الوصية شيخنا العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في إجابة السائل (ص: 544 - 545) فقال: هذه الوصية باطلة، وقد كتب فيها الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله- رسالة فوزعت مجاناً فننصح إخواننا بقراءتها

إلخ.

(5)

وللشيخ عبد الله بن خياط رحمه الله خطبة في هذه الوصية بعنوان: (تنوير الأذهان لمناسبة الوصية المفتراه على خير الأنام).

"الخطب في المسجد الحرام" المجموعة الثانية (ص: 126).

ص: 393

(31)

‌ قصة: (الوضاع الذي كذب على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة ببغداد)

.

(لا تصح)

وهي أن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين صليا في مسجد الرصافة ببغداد، فقام قاص فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله خلق الله له من كل كلمة منها طيراً، منقاره من ذهب، وريشه من مرجان، وأخذ في قصة نحو عشرين ورقة، فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إليه، وهما يقولان: ما سمعنا بهذا إلا الساعة، فسكتا حتى فرغ من قصصه، وأخذ قطاعهم (دراهمهم) ثم قعد ينتظر بقيتها، فأشار إليه يحيى فجاء متوهماً لنوال يجيزه، فقال: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أحمد وابن معين، فقال: أنا يحيى وهذا أحمد ما سمعنا بهذا قط، فإن كان ولا بد من الكذب فعلى غيرنا، فقال: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم، قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، وما علمت إلا الساعة، كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما، كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قال: فوضع أحمد كمه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما.

ص: 394

ذكر هذه القصة غير واحد من المحدثين، وهي مشتهرة بين طلبة العلم في زماننا، وقل من يفوت ذكرها من يدرس علم مصطلح الحديث أو يكتب فيه، ولا سيما عند التعرض للوضع، وطار ذكرها بتسطير أحمد شاكر لها في كتاب "الباعث الحثيث" (ص: 85).

وذكرها غير واحد ممن ترجم لأبي زكريا يحيى بن معين، ومن هؤلاء المزي في كتابه "تهذيب الكمال"(3/ 558 - 559).

وهذه القصة ضعيفة في إسنادها: إبراهيم بن عبد الواحد البكري مجهول. "الميزان"(1/ 47).

وقد نصَّ على بطلان هذه القصة جمع من العلماء، منهم:

(1)

الذهبي في "الميزان"(1/ 47) قال: إبراهيم بن عبد الواحد البكري لا أدرى من هو ذا، أتى بحكاية أخاف ألا تكون من وضعه. وقال في "السير" (11/ 86): هذه الحكاية اشتهرت على ألسِنة الجماعة، و هي باطلة، أظن البلدي وضعها ويُعرف بالمعصوب.

(2)

ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 32 - 34) رقم (23).

(3)

ابن حبان في "المجروحين"(1/ 85).

(4)

السيوطي في "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة"(2/ 291).

ص: 395

(5)

ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(1/ 14، 22).

(6)

ابن القيم في "المنار المنيف"(ص: 50).

(7)

الصنعاني في "توضيح الأفكار"(2/ 56).

(8)

شيخنا الوادعي في "التعليقات الحسان على لسان الميزان" شريط رقم (1).

(9)

العلامة بكر أبو زيد في "التأصيل"(1/ 75).

(10)

مشهور في "قصص لا تثبت"(2/ 94 - 99).

(11)

السدحان في "تحت المجهر"(ص: 73).

(12)

الحلبي في تعليقه على "الباعث الحثيث" تعليق الألباني (1/ 259).

ص: 396

‌القسم الرابع (الأشعار)

ص: 398

(1)

‌ الأبيات المنسوبة إلى كعب بن زهير بن أبي سُلمى:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم إثرها لم يفد مكبول

(لا تصح)

وهذه الأبيات لها قصة:

قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد"(3/ 520 - 525): قال ابن إسحاق: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف، كتب بُجير بن زهير إلى أخيه كعب يُخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالاً بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش ابن الزِّبَعرَى، وهبيرة بن أبي لهب قد هربوا في كل وجه، فإن كنت لك في نفسك حاجة، فَطِر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً مسلماً، وإن أنت لم تفعل، فانجُ إلى نجائك وكان كعب قد قال:

ألا أبلغا عني بُجيراً رسالة

هل لك فيما قلت ويحك هل لكا

إلى قوله:

سقاك بها المأمون كأساً رويِّة

فأنهلك المأمون منها وعلّكا

قال: وبعث بها إلى بجير، فلما أتت بجيراً، كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنشده إياها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(سقاك المأمون، صدق وإنه لكذوب، أنا المأمون)، ولما سمع:

ص: 400

على خلق لم تلف أماً ولا أباً عليه ......................

فقال: أجل، قال: لم يلف عليه أباه ولا أمه.

ثم قال بُجير لكعب:

من مبلغ كعباً هل لك في التي

تلوم عليها باطلاً وهي أحزم

إلى قوله:

فدِين زهيرٍ وهو لا شيء دِينه

ودِين أبي سُلمى عليَّ محرم

فلما بلغ كعباً الكتاب، ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه، فقال: هو مقتول، فلما لم يجد من شيء بُداً، قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه، ثم خرج حتى قدم المدينة، فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة، كما ذُكِر لي، فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أشار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا رسول الله، فقم إليه فاستأمنه، فذُكِر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جلس إليه، فوضع يده في يده، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه، فقال: يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء يستأمنك تائباً مسلماً، فهل أنت قابل منه إن جئتك به؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قال: أنا يا رسول الله كعب بن زهير.

ص: 401

قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أنه وثب عليه رجل من الأنصار، فقال يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه عنك، فقد جاء تائباً نازعاً عما كان عليه، قال: فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار بما صنع به صاحبهم، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير، فقال قصيدته اللامية التي يصف فيها محبوبته وناقته. التي أولها:

بانتْ سعادُ فَقَلْبِي اليومَ مَتْبُولُ

مُتيَّمٌ إثْرَها لم يُجْزَ مَكْبُولُ

وما سعادُ غَداةَ البَيْنِ إذْ رَحَلُوا

إلاَّ أَغَنُّ غَضَيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ

تَجْلُو عوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابتسَمتْ

كأنَّه مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مُعْلُولُ

شُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحْنِيَةٍ

صافٍ بأَبْطَحَ أضْحَى وهو مَشْمولُ

تَنفي الرِّياحُ القَذَى عنه وأَفْرَطَهُ

مِن صَوْبٍ سارِيةٍ بِيضٌ يَعَالِيلُ

فيا لها خُلَّةً لو أَنَّها صَدَقَتْ

ما وَعَدَتْ أو لو انَّ النُّصحَ مَقْبُولُ

لكنَّها خُلَّةٌ قد سِيطَ مِن دَمِها

فَجْعٌ ووَلْعٌ وإخْلَافٌ وتَبْدِيلُ

فما تدومُ على حالٍ تكونُ بها

كما تلَّونُ في أَثْوَابِهَا الغُولُ

وما تَمَسَّكُ بالوَصْلِ الذي زَعَمَتْ

إِلاَّ كما تُمْسِكُ الماءَ الغَرَابِيلُ

فلا يَغُرَّنْكَ ما مَنَّتْ وما وَعَدَتْ

إِنَّ الأَمَانِيَّ والأحلامَ تَضْلِيلُ

كانت عواقبُ عُرْقُوبٍ لها مَثَلاً

وما مَوَاعيدُها إلاَّ الأباطِيلُ

أرجو وآملُ أنَ يَعْجَلْنَ في أَبَدٍ

وما لَهُنَّ طَوالَ الدَّهْرِ تَعْجِيلُ

أَمْسَتْ سُعَادُ بأرضٍ لا يُبَلِّغُها

إِلاَّ العِتَاقُ النَّجِيباتُ المَرَاسِيلُ

ص: 402

وَلَنْ يُبَلِّغَها إِلاَّ عُذَافِرَةٌ

فيها على الأَيْنِ إِرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ

مِن كلِّ نَضَّاخَةٍ الذِّفْرَى إذا عَرِقتْ

عُرْضَتُها طَامِسُ الأعلامِ مَجْهُولُ

يَرْمِي الغُيُوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرِدٍ لَهِقٍ

إذا تَوَقَّدَتِ الحُزَّانُ والمِيلُ

ضَخْمٌ مُقَلَّدُها فَعْمٌ مُقَيَّدُها

في خَلْقِها عن بَنَاتِ الفَحْلِ تَفْضِيلُ

حَرْفٌ أَخُوها أَبُوها مِن مُهَجَّنَةٍ

وعَمُّها خَالُها قَوْدَاءُ شِمْلِيلُ

يَمْشِي القُرَادُ عليها ثم يُزْلِقُهُ

مِنها لَبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ

عَيْرانةٌ قُذِفَتْ في اللَّحْم عن عُرُضٍ

مِرْفَقُها عن بَنَاتِ الزَّوْرِ مَفْتولُ

كأنَّ ما فات عَيْنَيْها ومَذْبَحَها

مِن خَطْمِها ومِن اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ

تُمِرُّ مِثْلَ عَسِيبِ النَّخْلِ ذا خُصَلٍ

في غارِزٍ لم تَخَوَّنْهُ الأَحَاليلُ

قَنْوَاءُ في حُرَّتَيْها لِلْبَصِيرِ بِهَا

عِتْقٌ مُبِينٌ وفي الخَدَّيْنِ تَسْهيلُ

تَخْدِي على يَسَرَاتٍ وهي لاحِقَةٌ

ذَوَابِلٌ وَقْعُهُنَّ الأرضَ تَحْلِيلُ

سُمْرُ العَجَاياتِ يَتْرُكْنَ الحَصَى زِيَمًا

لم يَقِهِنَّ رُؤُوسَ الأَكْمِ تَنْعِيلُ

وما يَظَلُّ به الحِرْباءُ مُصْطَخِمًا

كأنَّ ضَاحِيَهُ بالنَّارِ مَمْلُولُ

كأَنَّ أَوْبَ ذَرَاعَيْها وقد عَرِقتْ

وقدْ تَلَفَّعَ بالقَوْرِ العَسَاقِيلُ

وقالَ للقومِ حَادِيهمْ وقد جَعَلَتْ

وُرْقُ الجَنَادِبِ يَرْكُضْنِ الحصى: قِيْلُوا

أوب يدي فاقد شمطاء معولة

قامت فجاوبها نكد مثاكيل

نَوَّاحَةٌ رَخْوَةُ الضَّبْعَيْنِ ليس لَهَا

لَمَّا نَعَى بِكْرَها النَّاعونَ مَعْقُولُ

تَفْرِي اللَّبانَ بِكَفَّيْهَا وَمِدْرَعُهَا

مُشَقَّقٌ عَنْ تَرَاقِيها رَعَابِيلُ

يَسْعَى الوُشاةُ بِجَنْبيْها وقولُهُمُ

إِنَّك يا بنَ أبي سُلْمَى لَمَقْتُولُ

وقال كلُّ خَلِيلٍ كنتُ آمُلُهُ

لا أُلْفِيَنَّكَ إِنِّي عنك مَشْغُولُ

ص: 403

فقلتُ خَلُّوا طَرِيقي لا أَبَا لكمُ

فكلُّ ما قَدَّرَ الرحمنُ مَفْعولُ

كلُّ ابنِ أَنْثَى وإِنْ طالتْ سَلامَتُهُ

يومًا على آلةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ

أُنْبِئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعَدنِي

والعَفْوُ عندَ رسولِ اللهِ مَأْمُولُ

مهلاً هداكَ الذي أعطاكَ نَافِلَةَ الـ

ـقُرْآنِ فيها مَوَاعِيظٌ وتفصِيلُ

لا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الوُشَاةِ ولَمْ

أُذْنبْ ولو كَثُرتْ عَنِّي الأَقَاوِيلُ

لقد أَقُومُ مَقَامًا لو يقومُ بهِ

أرى وأسمعُ ما لو يَسْمَعُ الفِيلُ

لظَلَّ يُرْعَدُ إِلاَّ أَنْ يكونَ لَهُ

مِن الرَّسولِ بإذنِ اللهِ تَنْوِيلُ

حتّى وَضَعْتُ يَمِيني لا أُنَازِعُهُ

في كَفِّ ذي نَقَمَاتٍ قِيْلُهُ القِيلُ

لذَاكَ أَهْيَبُ عندي إذْ أُكلِّمُه

وقيل إِنَّكَ مَسْبُورٌ ومَسْؤُولُ

مِن ضَيْغَمٍ مِن ضِرَاءِ الأُسْدِ مُخْدَرُهُ

ببَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دونَه غِيلُ

يغدو فَيُلْحِمُ ضِرْغَامَيْنِ عَيْشُهُما

لَحْمٌ مِن القومِ مَعْفُورٌ خَرَاذِيلُ

إذا يُسَاوِرُ قِرْنًا لا يَحِلُّ لَهُ

أَنْ يَتْرُكَ القِرْنَ إلاَّ وهو مَفْلُولُ

منهُ تَظَلُّ حَمِيرُ الوَحْشِ ضَامِرَةً

ولا تُمَشِّي بِوادِيهِ الأَرَاجِيلُ

ولا يزالُ بواديهِ أَخُو ثِقَةٍ

مُطَرَّحُ البَزِّ والدِّرْسانِ مَأْكُولُ

إِنَّ الرَّسولَ لَسَيْفٌ يُسْتَضَاءُ بهِ

مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللهِ مَسْلُولُ

في عُصْبةٍ مِن قُرَيشٍ قال قَائِلُهمْ

ببَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا

زالُوُا فما زال أَنْكَاسٌ ولا كُشُفٌ

عند اللِّقَاءِ ولا مِيْلٌ مَعَازِيلُ

شُمُّ العَرَانِينِ أبطالٌ لَبُوسُهمُ

مِن نَسْجِ دَاودَ في الهَيْجَا سَرَابِيلُ

بِيضٌ سَوَابِغُ قدْ شُكَّتْ لَهَا حَلَقٌ

كأنَّها حَلَقُ القَفْعاءِ مَجْدُولُ

يَمْشُونَ مَشْيَ الجِمالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهمْ

ضَرْبٌ إذا عَرَّدَ السُّودُ التَنَابيل

ص: 404

لا يفرَحون إذا نالتْ رِماحُهمُ

قومًا ولَيْسُوا مَجازِيعًا إذا نِيلُوا

لا يَقَعُ الطَّعْنُ إلاَّ في نُحُورِهمُ

ما إِنْ لهمْ عنِ حياضِ الموتِ تَهْليلُ

أخرج هذه القصيدة الحاكم في "المستدرك"(4/ 4)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 412) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(5/ 168) وذكرها الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(5/ 443) والحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية"(4/ 371).

وهي مسلسلة بالمجاهيل، ولها طرق أخرى كلها لا تصح.

وقد ضعَّف هذه القصيدة جمع من العلماء، منهم:

(1)

ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية"(4/ 371): حيث قال: قال: ابن هشام هكذا أورد محمد بن إسحاق هذه القصيدة ولم يذكر لها إسناداً. وقال أيضاً في "البداية والنهاية"(4/ 373): وهذا من الأمورالمشهورة جداً، لكن لم أرَ ذلك في شيء من الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه فالله أعلم.

(2)

العراقي رحمه الله قال: وهذه القصيدة قد رَويناها من طرق لا يصح منها شيء وذكرها ابن إسحاق بسند منقطع

إلخ.

"تحفة الأحوذي"(2/ 276).

ص: 405

(3)

الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار"(2/ 186) نقل: كلام الحافظ العراقي على القصيدة ولم يتعقبه بشيء.

(4)

الألباني رحمه الله قال: لا تصح ليس لها سند صحيح أنا قد تكلمت في بعض المطبوعات عليها. (ذكر هذا في بعض أشرطته المسجلة).

(5)

شيخنا الوادعي رحمه الله في تعليقه على "المستدرك"(4/ 4) قال: القصيدة مرسلة ولا تثبت بهذا الإسناد، وفيها الحجاج ابن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب ابن زهير بن أبي سلمى المزني عن أبيه عن جده، والحجاج وأبوه وجده لم أجد تراجمهم. اهـ.

ص: 406

(2)

‌ الأبيات المنسوبة: إلى المرأة التي خرج زوجها للجهاد:

تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا خليل ألاعبه

(ضعيفة)

وهذه الأبيات لها قصة:

وهو أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج من الليل يعس كعادته فسمع امرأة تقول:

تطاول هذا الليل واسود جانبه

وأرقني أن لا خليل ألاعبه

فوالله لولا الله أني أراقبه

لحرك من هذا السرير جوانبه

وجاءت الأبيات بألفاظ أخرى منها:

تطاول هذا الليل وازور جانبه وأرقني أن لا خليل ألاعبه

ألاعبه طوراً وطوراً كأنما بدا قمراً في ظلمة الليل حاجبه

يسربه من كان يلهو بقربه لطيف الحشا لا يحتويه أقاربه

فوالله لولا الله الذي لا شيء غيره لنُقض من هذا السرير جوانبه

ولكنني أخشى رقيباً موكلاً بأنفاسنا لا يفتر الدهركاتبه

مخافة ربي والحياء يصدني وإكرام بعلي أن تنال مراكبه

ص: 407

فسأل عمر رضي الله عنه ابنته حفصة رضي الله عنها: كم تصبر المرأة على زوجها؟ فقالت: ستة أشهر.

فقال عمر رضي الله عنه: لا أحبس أحداً من الجيوش أكثر من ذلك.

ذكر هذه الأبيات: البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 50 - 51) باب الإمام لا يجمر بالغزَّى، والحافظ ابن كثير في "تفسيره" (1/ 541) تحت قول الله تعالى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} {البقرة: 226}، وابن الجوزي في "سيرة ومناقب عمر بن الخطاب" رضي الله عنه (ص: 69)، والسيوطي في "تاريخ الخلفاء" (ص: 126).

وهذه الأبيات في سندها إنقطاع: لأنها من طريق عمرو بن دينار المكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وعمرو بن دينار المكي لم يسمع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهي منقطعة. "تهذيب التهذيب"(8/ 25)، و"تحفة التحصيل" للعراقي (ص: 173).

وقد رُويت هذه الأبيات من طرق أخرى كلها لا تصح.

وقد ضعف هذه الأبيات:

(1)

الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(3/ 219 - 220).

(2)

العلائي في "جامع التحصيل"(ص: 210).

ص: 408

التعليق:

قلت: وقد تكلم العلامة ابن القيم

(1)

رحمه الله: عن مسألة معاشرة الرجل لزوجته فقال-رحمه الله: وقد اختلف الفقهاء هل يجب على الزوج مجامعة امرأته؟

فقالت طائفة: لا يجب عليه ذلك فإنه حق له، فإن شاء استوفاه، وإن شاء تركه، بمنزلة من استأجر داراً إن شاء سكنها، وإن شاء تركها. وهذا من أضعف الأقوال، والقرآن والسنة والعرف والقياس يرده.

أما القرآن فإن الله سبحانه وتعالى قال {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} {البقرة: 228} ، فأخبر أن للمرأة من الحق مثل الذي عليها، فإذا كان الجماع حقّاً للزوج عليها، فهو حق لها على الزوج بنص القرآن.

وأيضاً فإنه سبحانه وتعالى أمر الأزواج أن يعاشروا الزوجات بالمعروف.

ومن ضد المعروف أن يكون عنده شابَّة شهوتها تعدل شهوة الرجل أو تزيد عليها بأضعافٍ مضاعفة ولا يذيقها لذة الوطء مرةً واحدةً.

ومن زعم أن هذا من المعروف كفاه طبعه رداً عليه.

والله سبحانه وتعالى إنما أباح للأزواج إمساك نسائهم على هذا الوجه لا على غيره فقال تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} {البقرة: 229} .

(1)

"الضوء المنير على التفسير"(1/ 389 - 392).

ص: 409

وقالت طائفة: يجب عليه وطؤها في العمر مرة واحدةً ليستقر لها بذلك الصداق، وهذا من جنس الأول، وهذا باطل من وجه آخر، فإن المقصود إنما هو المعاشرة بالمعروف، والصداق دخل في العقد تعظيماً لحرمته وفرقاً بينه وبين السفاح، فوجوب المقصود بالنكاح أقوى من وجوب الصداق.

وقالت طائفة: يجب عليه أن يطأها في كل أربعة أشهر مرة، واحتجوا على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى أباح للمولي تربص أربعة أشهر، وخيَّر المرأة بعد ذلك إن شاءت أن تقيم عنده، وإن شاءت أن تفارقه فلو كان لها حق في الوطء أكثر من ذلك لم يجعل للزوج تركه في تلك المدة وهذا القول وإن كان أقرب من القولين اللذين قبله، فليس أيضاً بصحيح، فإنه غير المعروف الذي لها وعليها.

وأما جعل مدة الإيلاء أربعة أشهرٍ فنظراً منه سبحانه للأزواج، فإن الرجل قد يحتاج إلى ترك وطء امرأته مدة لعارض من سفر، أو تأديب، أو راحة نفس، أو اشتغال بمهم، فجعل الله سبحانه وتعالى له أجلاً أربعة أشهر، ولا يلزم من ذلك أن يكون الوطء مؤقَّتاً في كل أربعة أشهر مرة.

وقالت طائفة أخرى: بل يجب عليه أن يطأها بالمعروف كما ينفق عليها ويكسوها ويعاشرها بالمعروف، بل هذا عمدة المعاشرة ومقصودها،

ص: 410

وقد أمر الله سبحانه وتعالى أن يعاشرها بالمعروف، فالوطء داخل في هذه المعاشرة ولا بد.

قالوا: وعليه أن يشبعها وطئاً إذا أمكنه ذلك كما عليه أن يشبعها قوتاً، وكان شيخنا -رحمه الله تعالى- يرجح هذا القول ويختاره.

وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على استعمال هذا الدواء ورغب فيه وعلق عليه الأجر وجعله صدقة لفاعله فقال: (وفي بضع أحدكم صدقة) ومن تراجم النسائي على هذا: (الترغيب في المباضعة) ثم ذكر هذا الحديث ففي هذا كمال اللذة، وكمال الإحسان إلى الحبيبة وحصول الأجر، وثواب الصدقة، وفرح النفس وذهاب أفكارها الرديئة عنها وخفة الروح، وذهاب كثافتها وغلظها وخفة الجسم، واعتدال المزاج وجلب الصحة ودفع المواد الرديئة

اهـ.

ص: 411

(3)

‌ الأبيات المنسوبة للأصمعي رحمه الله

-.

صَوْتُ صَفِيرِ البُلْبُل

هَيَّجَ قَلْبِيَ الثَمِلِ

(لا تصح)

قلت: لقد شاعت وذاعت وانتشرت في عصرنا هذا، هذه القصيدة، المتهافتة المعاني والمباني، وأصبح الشباب يتندَّرون بها في المجالس والمناسبات والأفراح، ويتفكهون بها في المحافل والرحلات ويعطون الجوائز والعطايا لمن حفظها، وأصبح من يحفظ هذه القصيدة نجماً لامعاً، وبدراً ساطعاً، يُشار إليه بالبنان ربما أكثر ممن يحفظ القرآن والمتون العلمية نظماً ونثراً.

وهذه القصيدة منسوبة للإمام الجليل الأصمعي عبد الملك بن قريب رحمه الله، وقد صنعت لهذه القصيدة قصة أكثر تهافتاً من القصيدة.

وخلاصة هذه القصة: أن أبا جعفر المنصور كان يحفظ الشعر من مرة واحدة، وله مملوك يحفظه من مرتين وجارية تحفظه من ثلاث مرات، فكان إذا جاء شاعر بقصيدة يمدح أبا جعفر بها حفظها أبو جعفر من أول مرة ولو كانت ألف بيت!! ثم يقول له: إن القصيدة ليست لك وهاك اسمعها مني، فأنا أحفظها من قبل ثم ينشدها كاملة، ثم يردف قائلاً: وهذا المملوك يحفظها أيضاً، وقد سمعها المملوك مرتين، مرة من الشاعر ومرة من الخليفة فينشدها، ثم يقول الخليفة: وهذه الجارية تحفظها كذلك، وقد سمعتها الجارية ثلاث مرات، فتنشدها فيخرج الشاعر مُكَذَّباً مُتَهَماً.

ص: 412

قال الراوي: وكان الأصمعي من جلسائه وندمائه، فعرف حيلة الخليفة فعمد إلى نظم أبيات صعبة، ثم دخل على الخليفة وقد غيَّر هيئته في صفة أعرابي غريب ملثم، لم يبن منه سوى عينيه فأنشده القصيدة المذكورة.

قال الراوي: فلم يحفظ القصيدة الخليفة ولا المملوك ولا الجارية.

فقال الخليفة للأصمعي: يا أخا العرب هات ما كتبته فيه نعطيك وزنه ذهباً، فأخرج قطعة رخام وقال: إني لم أجد ورقاً أكتبها فيه فكتبتها على هذا العمود من الرخام، فلم يسع الخليفة إلا أن أعطاه وزنه ذهباً فنفد ما في خزانته.

الأبيات:

صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ

هَيَّجَ قَلبِي التَمِلِ

الماءُ وَالزَهرُ مَعاً

مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ

وَأَنتَ يا سَيِّدَ لِي

وَسَيِّدِي وَمَولى لِي

فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي

غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي

قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ

مِن لَثمِ وَردِ الخَجَلِ

فَقالَ لَا لَا لَا لَا لَا

وَقَد غَدا مُهَرولِ

وَالخُوذُ مالَت طَرَباً

مِن فِعلِ هَذا الرَجُلِ

ص: 413

فَوَلوَلَت وَوَلوَلَت

وَلي وَلي يا وَيلَ لِي

فَقُلتُ لا تُوَلوِلي

وَبَيّني اللُؤلُؤَ لَي

قالَت لَهُ حينَ كَذا

اِنهَض وَجد بِالنقَلِ

وَفِتيةٍ سَقَونَنِي

قَهوَةً كَالعَسَلَ لِي

شَمَمتُها بِأَنَفي

أَزكى مِنَ القَرَنفُلِ

فِي وَسطِ بُستانٍ حُلِي

بِالزَهرِ وَالسُرورُ لِي

وَالعُودُ دَندَن دَنا لِي

وَالطَبلُ طَبطَب طَبَ لِي

طَب طَبِطَب طَب طَبَطَب

طَب طَبَطَب طَبطَبَ لِي

وَالسَقفُ سَق سَق سَق لِي

وَالرَقصُ قَد طابَ لِي

شَوى شَوى وَشاهشُ

عَلى حِمارِ أَهزَلِ

يَمشِي عَلى ثَلاثَةٍ

كَمَشيَةِ العَرَنجلِ

وَالناسِ تَرجم جَمَلِي

فِي السُواق بِالقُلقُلَلِ

وَالكُلُّ كَعكَع كَعِكَع

خَلفي وَمِن حُوَيلَلي

لَكِن مَشَيتُ هارِباً

مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي

إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ

مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ

ص: 414

يَأْمُرُلِي بِخَلْعَةٍ

حَمراء كَالدَم دَمَلي

أَجُرُّ فيها ماشِياً

مُبَغدِداً لِلذِيِّلِ

أَنا الأَدِيبُ الأَلمَعِي

مِن حَيِّ أَرضِ المُوصِلِ

نَظِمتُ قِطعاً زُخرِفَت

يَعجزُ عَنها الأَدبُ لِي

أَقولُ فَي مَطلَعِها

صَوتُ صَفيرِ البُلبُلِ

وهذه القصة مع الأبيات ذكرها صاحب كتاب "إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس"(1/ 85) لمحمد دياب الإتليدي (ت: 1100) وهو مجهول لم يزد من ترجموا له على ذكر وفاته وأنه من القصاص.

"الأعلام للزركلي"(6/ 122).

وذكرها صاحب كتاب "مجاني الأدب من حدائق العرب" للويس شيخو اليسوعي (ت: 1346) وهو رجل متهم، ويكفي أنه بنى أكثر كتبه على أساس فاسد. "الأعلام للزركلي"(5/ 246)، "تاريخ الأدب العربي"(1/ 23).

التعليق على الأبيات والقصة:

أقول هذه القصة السقيمة والنظم الركيك كذب لا يصح لأمور:

(1)

أن القصة المذكورة لم ترد في مصدر موثوق.

(2)

أن صلة الأصمعي كانت بهارون الرشيد لا بأبي جعفر المنصور الذي توفي قبل أن ينبغ الأصمعي ويشتهر.

ص: 415

(3)

قال الأخفش: كان الأصمعي أعلم الناس بالشعر وكان يميز الغث من السمين وكان راوية العرب، كان يحفظ أكثر من عشرة آلاف أرجوزة غير الشعر لكنه لم يكن شاعراً أبداً. فإذا عرفنا هذه المنزلة التي وصل إليها الأصمعي من الفصاحة والبيان ثم رأينا ما احتوته هذه القصيدة من الركاكة والتي هي أشبه ما تكون برقى السحرة والتمثيليات الطفولية. ولهذا انتقدها كثير من الشعراء والأدباء وبهذا يتضح لنا وجه الافتراء على الأصمعي إذ لا تصدر هذه من عاقل فضلاً عن عالم حجة جليل.

(4)

وعلى فرض أن الأصمعي قالها هل يعقل أن يكافئه المنصور على مثل هذه الطنطة والدندنة بمثل هذه المكافأة العظيمة، والمنصور في المنزلة التي يعرفها الجميع فصاحة وقدرة على تمييز السقيم من الصحيح، ثم إن المنصور كان يُلقب:(بالدوانقي) لشدة حرصه على أموال الدولة، فهل يا ترى ينفق أموال المسلمين هكذا بهذه الصورة الساذجة

(5)

إن الناظر في هذه القصيدة يرى فيها مخالفات شرعية يُنزّه عنها الأصمعي -عبد الملك بن قريب- العالم الجليل الحجة مثل: ذكر الطبل والطرب والخمر والرقص

إلخ.

ص: 416

(6)

كذلك ما نُسب فيها من كذب وتزوير وخداع الأصمعي للمنصور، وخداع المنصور للشعراء، والكذب عليهم كل هذا وغيره يزيد القصة والأبيات تهافتاً ووهناً على وهن.

(7)

سئل شيخنا العلامة المحدث مقبل الوادعي رحمه الله عن هذه القصيدة فقال: لا تصح.

ص: 417

(4)

‌ الأبيات التي نسبت لأطفال ونساء الأنصار في استقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قدومه المدينة:

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داع

(لا تصح)

الأبيات رواها البيهقي في "دلائل النبوة"(2/ 506 - 507)، وأبو سعيد في "شرف المصطفى"، والخِلَعي في"فوائده" كما نقل ذلك الحافظ في "فتح الباري"(7/ 261 - 262)، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (6/ 489)، وأبو بكر المقرئ في "الشمائل" كما في "المواهب اللدنية"(1/ 312)، والخلال في "الرياض النضرة"(1/ 144)، وذكرها رزين في "وفاء الوفا"(1/ 262)، و"سبل الهدى والرشاد"(3/ 386)، والسبكي في "الحلبيات" كما نقل ذلك الحافظ في "فتح الباري"(8/ 129)، وابن كثير في "البداية والنهاية"(5/ 23)، كلهم من طريق ابن عائشة به نحوه.

قلت: إسناده معضل كما ذكر ذلك الحافظ العراقي، سقط منه عدد من الرواة؛ فابن عائشة هذا اسمه: عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر التيمي، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين.

ص: 418

روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي، وهو من ذرية عائشة بنت طلحة، ولذلك قيل له:(ابن عائشة). وهو ثقة، من كبار الطبقة العاشرة، وأهل هذه الطبقة وصفهم الحافظ ابن حجر بأنهم كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ممن لم يلق التابعين؛ كأحمد بن حنبل. فبين ابن عائشة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مفاوز.

"تهذيب التهذيب"(7/ 40 - 41).

وقد ضعَّف هذه الأبيات جمع من العلماء، منهم:

(1)

شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الفتاوى"(2/ 196) حيث قال: وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة خرجن بنات بني النجار بالدفوف وهن يقلن: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع

إلى آخر الشعر فقال لهن صلى الله عليه وسلم: هذا الحديث. فمما لا يعرف عنه صلى الله عليه وسلم.

(2)

الإمام ابن القيم في "الزاد"(4/ 551) عند ذكر هذه الأبيات رداً على من يثبتها في الهجرة، قال: وهو وهمٌ ظاهر لأن ثنيات الوداع إنما هي ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولايمر بها إلا إذا توجه إلى الشام.

(3)

الحافظ العراقي في"تخريج الإحياء"(2/ 231) حيث قال: أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة"، معضلاً وليس فيه ذكر للدف والألحان.

ص: 419

(4)

الحافظ ابن حجر في "الفتح"(7/ 307) قال: وأخرج أبو سعيد في "شرف المصطفى"، ورويناه في "فوائد" الخلعي من طريق عبيد الله بن عائشة منقطعاً لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الولائد يقلن: طلع البدر علينا ........ الأبيات. وهذا سند معضل، ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك. وقال في "الفتح" (7/ 735) وقد روينا بسند منقطع في "الحلبيات" قول النسوة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة: طلع البدر علينا

فقيل: كان ذلك عند قدومه من الهجرة، وقيل: من غزوة تبوك.

(5)

الفتني الهندي في "تذكرة الموضوعات"(ص: 196) قال: رواه البيهقي معضلاً دون ذكر الدف والألحان.

(6)

الألباني في "الضعيفة"(598) و"الصحيحة"(5/ 331) و "آلات اللهو والطرب"(123) قال: طلع البدر علينا ........

ضعيف: رواه أبو الحسن الخلعي في "الفوائد"(59/ 2) وكذا البيهقي في "دلائل النبوة "(2/ 233) عن الفضل بن الحباب قال: سمعت عبد الله بن محمد بن عائشة يقول: فذكره، وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات لكنه معضل سقط من إسناده ثلاثة رواة أو أكثر، فإن ابن عائشة هذا من شيوخ أحمد وقد أرسله، وبذلك أعلّه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (2/ 244). وقال رحمه الله: أورد الغزالي هذه القصة بزيادة بالدف

ص: 420

والألحان، ولا أصل لها كما أشار لذلك الحافظ العراقي بقوله وليس فيه ذكر للدف والألحان، وقد اغتر بهذه الزيادة بعضهم فأورد القصة مستدلاً بها على جواز الأناشيد النبوية المعروفة اليوم، فيقال له: أثبت العرش ثم انقش، على أنه لو صحت القصة لما كان فيها حجة على ما ذهبوا إليه. وقال أيضاً في "الضعيفة" (1/ 497): تحت حديث (هزوا غرابيلكم بارك الله فيكم) لا أصل له. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى"(2/ 196): وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة خرجن بنات بني النجار بالدفوف وهن يقلن: طلع البدر علينا .......

إلى آخر الشعر فقال لهن صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، فمما لا يعرف عنه صلى الله عليه وسلم.

(7)

إسماعيل الأنصاري كما في "مجلة البحوث الإسلامية" العدد الثالث (ص: 297 - 312) لعام (1397 هـ).

(8)

شيخنا مقبل الوادعي.

(9)

أكرم ضياء العمري في "السيرة النبوية الصحيحة"(1/ 219) حيث قال: أما تلك الرويات التي تفيد استقباله صلى الله عليه وسلم بنشيد: (طلع البدر علينا) فلم ترد بها رواية صحيحة.

ص: 421

قلت: للفائدة، أخرج الطبراني في "المعجم الصغير" والبيهقي في "دلائل النبوة" عن أنس رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحي بني النجار وإذا

جوار يضربن بالدف يُقلن:

نحن جوار من بني النجار

يا حبذا محمد من جار

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الله يعلم أن قلبي يحبكنَّ)

(1)

.

قال العلامة الألباني

(2)

رحمه الله: ولكن ليس فيه أن ذلك كان عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة، بل في رواية أن ذلك كان في عرس وهو الراجح كما تقدم في تخريج حديث أنس رضي الله عنه رقم (3154) من "الصحيحة"، والله سبحانه وتعالى أعلم.

تنبيه: بالنسبة لما يسمى اليوم بالأناشيد الإسلامية المصحوبة بالألحان والمشابهة للأغاني فقد أفتى كبار علماء العصر بتحريمها، من هؤلاء العلماء:

(1)

العلامة الألباني في "تحريم آلات اللهو والطرب"(ص: 181).

(2)

شيخنا العلامة ابن العثيمين في "الصحوة الإسلامية"(ص: 123).

(3)

العلامة صالح بن فوزان الفوزان كما في "مجلة الدعوة" العدد (1632) 7/ 12/ 1418 هـ.

(1)

صححه العلامة الألباني في "الصحيحة"(3154)، وذكره الحافظ في "الفتح"(7/ 307) وعزاه للحاكم وسكت عنه.

(2)

في "الضعيفة" تحت حديث (6508).

ص: 422

(4)

العلامة بكر أبو زيد في "تصحيح الدعاء"(ص: 96).

(5)

شيخنا العلامة عبد المحسن العباد. "شرح سنن أبي داود"

(6)

شيخنا العلامة أحمد النجمي في "المورد العذب الزلال"(ص: 196).

(7)

العلامة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ كما في "القول المفيد في حكم الأناشيد"(ص: 44)

(1)

.

(1)

ولمزيد الفائدة: انظر كتاب "القول المفيد في حكم الأناشيد" لعصام المري.

ص: 423

(5)

‌ البيت المنسوب للأخطل النصراني:

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف أو دم مهراقِ

(باطل)

هذا البيت يستدل به الذين يؤولون الاستواء، بمعنى: الاستيلاء، فيقولون {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} {طه: 5} استوى: بمعنى استولى وهذا قول باطل.

وهذا البيت من الشعر باطل من جهتين، من جهة ثبوته أولاً، ومن جهة اللغة العربية ثانياً كما نصَّ على ذلك جمع من أهل العلم:

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى"(5/ 146 - 147): لم يثبت لفظ استوى في اللغة بمعنى استولى، إذ الذين قالوا ذلك عمدتهم البيت المشهور:

ثم استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراقِ

ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا: إنه بيت مصنوع لا يُعرف في اللغة، وقد عُلم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحة فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده، وقد طعن فيه أئمة اللغة.

ص: 424

وذكر عن الخليل كما ذكره أبو المظفر في كتابه "الإفصاح" قال: سئل الخليل هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى؟

فقال: هذا ما لا تعرفه العرب، ولا هو جائز في لغتها، وهو إمام في اللغة على ما عرف حاله؛ فحينئذ حمله على ما لا يعرف حمل باطل.

وأنه روي عن جماعة من أهل اللغة أنهم قالوا: لا يجوز استوى بمعنى استولى إلا في حق من كان عاجزاً ثم ظهر، والله سبحانه لا يعجزه شيء. والعرش لا يغالبه في حال، فامتنع أن يكون بمعنى استولى، فإذا تبين هذا، فقول الشاعر:

ثم استوى بشر على العراقِ

........................

لفظ مجازي لا يجوز حمل الكلام عليه إلا مع قرينة تدل على إرادته، واللفظ المشترك بطريق الأولى، ومعلوم أنه ليس في الخطاب قرينة أنه أراد بالآية الاستيلاء.

وأيضاً فأهل اللغة قالوا: لا يكون استوى بمعنى استولى إلا فيما كان منازعاً مغالباً، فإذا غلب أحدهما صاحبه قيل استولى، والله لم ينازعه أحد في العرش، فلو ثبت استعماله في هذا المعنى الأخص مع النزاع في إرادة المعنى الأعم لم يجب حمله عليه بمجرد قول بعض أهل اللغة مع تنازعهم فيه، وهؤلاء ادعوا أنه بمعنى استولى في اللغة مطلقاً، والاستواء

ص: 425

في القرآن في غير موضع، مثل قوله {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} {المؤمنون: 28} {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} {هود: 44} ، {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} {الزُّخرف: 13}.

وفي حديث عدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بدابته فلما وضع رجله في الغرز قال: (بسم الله) فلما استوى على ظهرها قال: (الحمد لله) وأنه لو ثبت أنه من اللغة العربية لم يجب أن يكون من لغة العرب العرباء، ولو كان لفظ بعض العرب العرباء لم يجب أن يكون من لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله؛ ولو كان من لغته لكان بالمعنى المعروف في الكتاب والسنة وهو الذي يراد به ولا يجوز أن يراد معنى آخر. اهـ.

(2)

قال ابن القيم رحمه الله في "الصواعق المرسلة"(2/ 674 - 675):

قد استوى بشر على العراق

.........................

فهذا شعر مولد حدث بعد كتاب الله، ولم يكن معروفاً قبل نزول القرآن، ولا في عصر من أنزل عليه القرآن فحملوا لفظ القرآن على الشعر المولد الحادث بعد نزوله، ولم يكن من لغة من نزل القرآن عليه. اهـ.

(3)

قال العلامة حافظ حكمي رحمه الله في "معارج القبول"(1/ 291 - 292): وكما تأولوا الاستواء بالاستيلاء واستشهدوا ببيت مجهول مروي على خلاف وجهه، وهو ما ينسب إلى الأخطل النصراني.

ص: 426

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراقِ

فعدلوا عن أكثر من ألف دليل من التنزيل إلى بيت ينسب إلى بعض العلوج ليس على دين الإسلام ولا على لغة العرب، فطفق أهل الأهواء يفسرون به كلام الله عز وجل ويحملونه عليه، مع إنكار عامة أهل اللغة لذلك وأن الاستواء لا يكون بمعنى الاستيلاء من الوجوه البتة.

وقد سئل ابن الأعرابي وهو إمام أهل اللغة في زمانه فقال: العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب قيل استولى، والله سبحانه وتعالى لا مغالب له. اهـ.

(4)

قال العلامة الألباني رحمه الله في "الضعيفة"(11/ 506 - 507) تحت حديث رقم (5320):

وهم يستشهدون بذاك الشعر:

قد استوى بشر على العراق

بغير سيف ولا دم مهراق!

تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً!

فلما أورد هذا عليهم؛ انفكوا عنه؛ فقال بعض متأخريهم كما نقله هذا الأزهري: ولكن لا يخفى عليك الفرق بين استيلاء المخلوق واستيلاء الخالق!.

وقال الكوثري في تعليقه على "الأسماء": ومن حمله على معنى الاستيلاء؛ حمله عليه بتجريده من معنى المغالبة!

ص: 427

فأقول: إذا جردتم (الاستيلاء) من معنى المغالبة؛ فقد أبطلتم تأويلكم من أصله؛ لأن الاستيلاء يلازمه المغالبة عادة كما تدل عليه البيت المشار إليه، فإذا كان لا بد من التجريد تمسكاً بالتنزيه؛ فهلا قلتم كما قال السلف:(استوى: استعلى)؛ ثم جردتم الاستعلاء من كل ما لا يليق بالله تعالى؛ كالمكان، والاستقرار، ونحو ذلك، لا سيما وذلك غير لازم من الاستعلاء حتى في المخلوق؛ السماء فوق الأرض ومستعلية عليها، ومع ذلك فهي غير مستقرة عليها، ولا هي بحاجة إليها، فالله تعالى أولى بأن لا يلزم من استعلائه على المخلوقات كلها استقراره عليها، أو حاجته إليها سبحانه، وهو الغني عن العالمين.

ومن مثل هذا؛ يتبين للقارئ اللبيب أن مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم، وليس العكس؛ خلافاً لما اشتهر عند المتأخرين من علماء الكلام.

(4)

قال العلامة ابن باز رحمه الله في تعليقه على "التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة"(ص: 43): إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه، وإقرار العقول بذلك أمر فطري فطر الله العباد عليه، وأما الاستواء فأثبته السمع من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس في العقول ما يخالف ذلك.

وحقيقته لغة: الارتفاع مع العلو وأما عن الكيفية فذلك مما اختص الله بعلمه، وأما تفسير الاستواء بالاستيلاء فهو باطل من وجوه كثيرة، منها:

ص: 428

أنه يتضمن أن الله جل وعلا كان مغلوباً على عرشه ثم غلب وهذا باطل، لأنه تعالى لم يزل قاهراً لجميع خلقه مستوياً على العرش فما دونه، وأما بيت الأخطل الذي يستدلون به على أن معنى (استوى): استولى، فلا حجة فيه والبيت هو:

قد استوى بشرٌ على العراق

من غير سيف ودم مهراق

لأن استعمال (استوى) بمعنى: استولى، غير معروف في لغة العرب، ولأن ذلك لو وجد في اللغة لم يجز استعماله في حق الله، وأما المخلوق فيكون غالباً ومغلوباً، كبِشْر هذا فإنه كان مغلوباً على أمر العراق ثم غلب. اهـ.

(5)

قال شيخنا الوادعي رحمه الله في "المصارعة"(ص: 12):

تؤمن بأن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله لأن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} {طه: 5} وإياك إياك أن تستدل بقول الأخطل النصراني:

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

فبشر كان في معركة وكانت العراق ليست تحت يده فاستولى عليها مع أنه مشكوك في هذا البيت من حيث هو، لكن رب العزة ما سبقه أحد {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} {الحديد: 3}.

ص: 429

(6)

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في "شرح العقيدة الواسطية"(1/ 378)، و"شرح العقيدة السفارينية" (ص: 232 - 234): {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} {الأعراف: 54} فسره أهل التعطيل بأن المراد به الاستيلاء؛ وقالوا: معنى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} يعني ثم استولى عليه؛ واستدلوا بقول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

بشر بن مروان استوى يعني استولى على العراق، قالوا: وهذا بيت عربي ولا يمكن أن يكون المراد به استوى على العراق أي علا على العراق، لا سيما أنه في ذلك الوقت لا طائرات يمكن أن يعلو على العراق فيها

ثم قال رحمه الله وأما استدلالهم بالبيت فنقول لهم:

• اثبتوا لنا سند هذا البيت وثقة رجاله؟ ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا.

• من هذا القائل؟ أفلا يمكن أن يكون قاله بعد تغير اللسان، لأن كل قول يستدل به على اللغة العربية بعد تغير اللغة العربية ليس بدليل، لأن العربية بدأت تتغير حيث اتسعت الفتوح ودخل العجم مع العرب فاختلف اللسان، هذا فيه احتمال أنه بعد تغير اللسان.

• تفسيركم استوى بشر على العراق تفسير تعضده القرينة، لأنه من المتعذر أن بشراً يصعد فوق العراق فيستوي عليه كما يستوى على السرير أو على ظهر الدابة، فلهذا نلجأ إلى تفسيره باستولى.

ص: 430

(6)

‌ الأبيات المنسوبة: لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه

-.

محمد النبي أخي وصهري

وحمزة سيد الشهداء عمي

(منقطعة)

وهذه الأبيات لها قصة:

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (8/ 9 - 10): قال أبو بكر بن دريد، قال: وأخبرنا عن دماد عن أبي عبيدة، قال: كتب معاوية إلى علي: يا أبا الحسن إن لي فضائل كثيرة، وكان أبي سيداً في الجاهلية، وصرتُ ملكاً في الإسلام، وأنا صهر النبي صلى الله عليه وسلم، وخال المؤمنين، وكاتب الوحي، فقال علي: أبالفضائل يفخر عليَّ ابن آكلة الأكباد؟ ثم قال: اكتب يا غلام:

محمد النبي أخي وصهري

وحمزة سيد الشهداء عمي

وجعفر الذي يمسي ويضحي

يطير مع الملائكة ابن أمي

وبنت محمد سكني وعرسي

منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا محمد ولداي منها

فأيكم له سهم كسهمي

سبقتكم إلى الإسلام طراً

صغيراً ما بلغت أوان حلمي

(1)

(1)

ذكر هذه الأبيات ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(23/ 54) و (42/ 521)، والهيتمي في "الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة" (ص: 204)، والهندي في "كنز العمال"(13/ 96)، والزبيدي في "تاج العروس"(1/ 6680).

ص: 431

قال: فقال معاوية: اخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلون إلى ابن أبي طالب.

ثم قال ابن كثير: وهذا منقطع بين أبي عبيدة وزمان علي ومعاوية.

وقال شيخنا الدكتور وصي الله عباس -حفظه الله- في كتابه "المسجد الحرام تاريخه وأحكامه"(ص: 9): قال ابن كثير وهذا منقطع بين أبي عبيدة وزمان علي ومعاوية.

وفيه أيضاً: ابن دريد، ليس ممن يفرح بروايته، ومَن دماد ذاك لا يدرى من هو؟

قلت: ذكر ابن كثير أبياتاً أخرى في فضائل علي رضي الله عنه، قال: وقال الزبير بن بكار وغيره: حدثني بكر بن حارثة عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله قال: سمعت علياً ينشد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع:

أنا أخو المصطفى لا شك في نسبي

معه ربيت وسبطاه هما ولدي

جدي وجد رسول الله منفرد

وفاطم زوجتي لا قول ذي فندِ

صدقته وجميع الناس في بُهُمٍ

من الضلالة والإشراك والنكد

فالحمد لله شكراً لا شريك له

البر بالعبد والباقي بلا أمد

قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (صدقت يا علي).

قال الحافظ ابن كثير: وهذا بهذا الإسناد منكر والشعر فيه ركاكة، وبكر هذا لا يقبل منه تفرده بهذا السند والمتن والله أعلم.

ص: 432

(7)

‌ الأبيات المنسوبة: للمرأة المتغزلة في نصر بن حجاج:

هل من سبيل إلى خمر فأشربها

أم من سبيل إلى نصر بن حجاج

إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل

سهل المحيا كريم غير ملجاج

(لا تصح)

وهذه الأبيات لها قصة:

عن عبد الله بن بريدة الأسلمي، قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يعس ذات ليلة، فإذا امرأة تقول:

هل من سبيل إلى خمر فأشربها

أم من سبيل إلى نصر بن حجاج

فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو من بني سليم، فأرسل إليه فإذا هو من أحسن الناس شَعراً وأصبحهم وجهاً، فأمر عمر رضي الله عنه أن يجم شَعره، ففعل، فخرجت جبهته فازداد حسناً، فأمره عمر أن يعتم ففعل، فازداد حسناً، فقال عمر رضي الله عنه: لا والذي نفسي بيده لا يجامعني بأرض أنا فيها، فأمر له بما يصلحه وسيَّره إلى البصرة.

أخرجها ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 216)، وابن الجوزي في "سيرة ومناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ص: 71) من طريق عبد الله ابن بريدة الأسلمي.

ص: 433

وفي سندها انقطاع، لأن عبد الله بن بريدة الأسلمي، لم يسمع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال ابن أبي حاتم في "المراسيل": قال أبو زرعة: عبد الله بن بريدة الأسلمي لم يسمع من عمر. "تهذيب التهذيب"(5/ 141).

قلت: والأبيات ذكرها الخرائطي في "اعتلال القلوب"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" من طرق أخرى كلها لا تصح.

وقد أشار إلى ضعف هذه الأبيات مع قصتها عبد العزيز بن محمد ابن عبد المحسن في تحقيق كتاب "محظ الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب"(1/ 393).

ص: 434

(8)

‌ الأبيات المنسوبة لعبد الله بن المبارك التي أرسلها من أرض الجهاد للفضيل بن عياض في مكة:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا

لعلمت أنك بالعبادة تلعب

(لا تصح)

وهذه الأبيات لها قصة وهي:

أن الفضيل بن عياض رحمه الله مكث للعبادة في الحرمين، وابن المبارك رحمه الله خرج إلى الجهاد وأرسل هذه الأبيات للفضيل يعاتبه فيها، فلما وصلت إليه قرأها فذرفت عيناه، وقال: صدق أبو عبد الرحمن.

ومتن الأبيات التي أرسل بها ابن المبارك للفضيل:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا

لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه

فنحورنا بدمائنا تتخضب

أو كان يتعب خيله في باطل

فخيولنا يوم الصبيحة تتعب

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا

وهج السنابك والغبار الطيب

ولقد أتانا من مقال نبينا

قول صحيح صادق لا يكذب

لا يستوي غبار خيل الله في

اْنف امرئ ودخان نار تلهب

هذا كتاب الله ينطق بيننا

ليس الشهيد بميت لا يكذب

(1)

(1)

والأبيات ذكرها: الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(32/ 449) ترجمة عبد الله بن المبارك. وابن كثير في "تفسيره"(2/ 236)، وعبد الرحمن بن حسن في "فتح المجيد" آخر باب (من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا).

ص: 435

ذكر هذه الأبيات الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(8/ 412) من طريق عبد الله بن محمد قاضي نصيبين عن محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، قال: أملى عليَّ عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرطوس، وودعته للخروج وأنشدها معي إلى الفضيل بن عياض في سنة سبعين ومائة، وفي رواية سنة سبع وسبعين ومائة.

قلت: هذه القصيدة ضعيفة سنداً، ومنكرة متناً:

في سندها:

(1)

أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن يحيى القاضي بنصيبين مجهول. "تاريخ دمشق"(32/ 449).

(2)

محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة الحلبي، ويقال: أحمد بن إبراهيم بن أبي سكينة. قال أبو حاتم: أحاديثه باطلة تدل على كذبه. "ميزان الإعتدال"(1/ 81) و"لسان الميزان"(5/ 31).

هذا من حيث السند.

أما نكارة المتن: ففي قوله: (لعلمتَ أنك بالعبادة تلعب).

فيه تحقير للعبادة، وتسميتها لعباً، وحاشا السلف الصالح رحمهم الله من ذلك، وحاشا ابن المبارك وهو العالم الجليل أن يجعل الصلاة والصوم وقراءة القرآن والذكر في بيت الله الحرام لعباً، وحاشاه أن يفتخر بعبادته على غيره فيقول: من كان يخضب خده بدموعه

فنحورنا بدمائنا تتخضب

ص: 436

وقد ضعَّف هذه القصيدة شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله في تعليقه على "تفسير ابن كثير"(2/ 236) حيث قال: والأبيات من طريق محمد ابن إبراهيم بن أبي سكينة وما وجدت ترجمته وينظر بقية السند. اهـ.

قلت: هكذا أورد هذه الحكاية برمتها الحافظ أبو الفداء، ولم يعلق عليها بشيء! فأوهم صنيعه هذا جماهير من الوعاظ والخطباء، ممن يعتمدون على "تفسيره" ويحتجون بأقواله، أوهمهم صدق هذه الحكاية! فتناقلوها في مجالس الترغيب والترهيب وعلى منابر الوعظ والتذكير، وفي أهازيجهم وأناشيدهم يهيجون بها عواطف الناس، ترغيباً في الجهاد والمرابطة ولعلّ أكثرهم لم ينظر ولو مرة واحدة، في مصدر الحكاية ومخرجها، اعتماداً على نقل الحافظ إياها، وسكوته عنها، ولم تتمعر وجوههم غيرة على مقامات الرفعة ومراتب الإحسان، وأفضلها ملازمة الحرمين الشريفين مكة وطيبة، زادهما الله تشريفاً وتكريماً ومهابة وعزاً.

ص: 437

(9)

‌ الأبيات المنسوبة: للأعرابي التي قالها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يطلب منه العطاء لبناته وأمهنَّ:

يا عُمَرَ الخَيرِ جُزِيتَ الجَنَّه

جَهِّز بُنَيَّاتي واكسُهُنَّه

أقسم بالله لَتَفعَلَنَّه

(لا تصح)

وهذه الأبيات لها قصة:

وهي أن أعرابياً وقف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال الرجز:

يا عُمَرَ الخَيرِ جُزِيتَ الجَنَّه

جَهِّز بُنَيَّاتي واكسُهُنَّه

أقسم بالله لَتَفعَلَنَّه

قال عمر رضي الله عنه: فإن لم أفعل يكون ماذا يا أعرابي؟

قال: أقسم بالله لأمضِيَنَّه.

قال: فإن مضيتَ يكون ماذا يا أعرابي؟

قال: والله عن حالي لَتُسأَلَنَّه

ثُمَّ تكونُ المَسأَلات عَنَّه

والواقِفُ المسؤولُ بَينَهُنَّه

إمَّا إلى نارٍ وإمَّا جنَّه

فبكى عمر رضي الله عنه حتى اخضلت لحيته بدموعه، ثم قال: يا غلام أعطِه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره، والله ما أملك قميصاً غيره.

ص: 438

أخرج هذه الأبيات مع القصة الخطيب في "تاريخ بغداد"(4/ 312)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(44/ 349)، وابن الأثير في "أسد الغابة"(4/ 155) ترجمة عمر رضي الله عنه.

وذكرها القرطبي في "التفسير"(3/ 291)، والمتقي في "كنز العمال"(12/ 806).

قلت: هذه الأبيات لا تصح في سندها:

(1)

محمد بن يونس الكديمي ضعيف. ومنهم من كذَّبه.

"تقريب التهذيب"(6459).

(2)

قسامة بن زهير المازني البصري، ليس له رواية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهي منقطعة. "تهذيب التهذيب"(8/ 327)

بهذا القدر أكتفي، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

ص: 439

‌فهرس المصادر والمراجع

• آداب الزفاف، محمد ناصر الدين الألباني، ط، الأولى 1409 هـ، المكتبة الإسلامية.

• إتحاف الخيرة المهرة، أحمد بن أبي بكر إسماعيل البوصيري، تحقيق دار المشكاة، ط: الأولى 1420 هـ، دار الوطن.

• إتحاف السادة المتقين، للمرتضى الزبيدي، دار الفكر بيروت.

• إتهامات كاذبة، إبراهيم الحازمي، ط، الأولى 1412 هـ، دار الشريف.

• إجابة السائل، مقبل بن هادي الوادعي، ط: الأولى 1416 هـ دار الحرمين القاهرة.

• الأجوبة النافعة، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1410 هـ المكتبة الإسلامية.

• أحاديث معلة ظاهرها الصحة، مقبل بن هادي الوادعي، ط: الثانية 1421 هـ، دار الآثار صنعاء.

• أحكام الجنائز، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1412 هـ، مكتبة المعارف الرياض.

• أحكام العيدين، علي بن حسن الحلبي.

• أحكام القرآن، محمد بن عبدالله بن العربي، تحقيق: عبدالرزاق المهدي، ط: الأولى 1421 هـ، دار الكتاب العربي.

• أحكام من القرآن الكريم، محمد بن صالح العثيمين، جمع: عبد الكريم بن صالح المقرن، ط: الثانية 1415 هـ، دار طويق السعودية.

• إحكام المباني في نقض وصول التهاني، علي بن حسن بن عبدالحميد.

• أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية، عبدالله بن عمر السحيباني، ط: الأولى 1426 هـ دار ابن الجوزي المملكة العربية السعودية.

• إحياء علوم الدين، للغزالي، وبذيله المغني عن حمل الأسفار، تحقيق: محمد تامر، ط: الأولى 1424 هـ، مؤسسة المختار.

• الأحاد والمثاني.

• الأحاديث الضعيفة والباطلة، ابن تيمية.

ص: 511

• الأحاديث الضعاف والموضوعات في الأسماء والصفات، زكريا بن غلام قادر الباكستاني، ط: الأولى 1422 هـ دار ابن حزم بيروت، ودار الخراز السعودية.

• الإحكام في أصول الأحكام، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، ط: دار الكتب العلمية.

• أخطاء المصلين، مشهور بن حسن سلمان، ط: الثالثة 1415 هـ، دار ابن القيم.

• أدلة تحريم حلق اللحية، محمد بن أحمد بن إسماعيل، ط: الثالثة 1404 هـ دار الأرقم.

• الآداب الشرعية والمنح المرعية، محمد بن مفلح المقدسي، ط: مؤسسة قرطبة.

• الأدب المفرد، للبخاري، تحقيق: سمير أمين الزهيري، ط: الأولى 1419 هـ، مكتبة المعارف.

• إرواء الغليل، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الثانية 1405 هـ، المكتب الإسلامي بيروت.

• أسباب نزول القرآن، علي بن أحمد الواحدي، تحقيق: كمال بسيوني زغلول، ط: الأولى 1411 هـ، دار الكتب العلمية بيروت.

• أسباب هلاك الأمم، سعيد محمد بابا سيلا، ط: الأولى 1420 هـ، دار ابن الجوزي.

• أسد الغابة، عز الدين ابن الأثير، تحقيق وتعليق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبدالمقصود، ط: دار الكتب العلمية بيروت.

• أسنى المطالب، محمد بن درويش الحوت، ترتيب: عبدالرحمن بن محمد الحوت، ط: الأولى 1418 هـ، دار الكتب العلمية بيروت.

• الاستيعاب في بيان الأسباب، سليم بن عيد الهلالي ومحمد ابن موسى آل نصر، ط: الأولى 1425 هـ دار ابن الجوزي السعودية.

• الأسرار المرفوعة، علي القاري الهروي.

• الأسماء والصفات، للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: عبد الله الحاشدي، ط: الأولى 1413 هـ مكتبة السوادي جدة.

• أشراط الساعة، يوسف الوابل.

• إشراقة أولى النهى في حكم الأخذ من اللحى، حسن بن قاسم الحسني، ط: الأولى 1426 هـ دار الإمام أحمد القاهرة.

ص: 512

• أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1427 هـ مكتبة المعارف الرياض.

• إصلاح المساجد من البدع والعوائد، محمد جمال الدين القاسمي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، ط: الخامسة 1403 هـ، المكتب الاسلامي بيروت.

• الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي محمد معوض، ط: الأولى 1415 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• أضواء البيان، محمد الأمين الشنقيطي، ط: عالم الكتب بيروت.

• إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس.

• إعلام الموقعين، ابن قيم الجوزية، رتَّبه وضبطه، محمد عبدالسلام إبراهيم، ط: 1417 هـ، دار الكتب العلمية بيروت.

• الإعتصام لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد للشاطبي، تحقيق: سليم الهلالي، ط: الأولى 1412 هـ دار ابن عفان الخبر السعودية.

• الأعلام لخير الدين الزركلي، ط: السادسة عشر 2005 م، دار العلم للملايين بيروت.

• العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير، محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، تحقيق خالد السبت، ط: الثانية 1416 هـ دار عالم الفوائد.

• إغاثة اللهفان، ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، ط: 1408 هـ، دار الكتب العلمية.

• إقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية، تحقيق: ناصر بن عبدالكريم العقل، ط: السادسة 1419 هـ، دار العاصمة السعودية.

• اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، ط: العمومية بدمشق.

• الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع، ابن جحر.

• الأمثال، أبو الشيخ.

ص: 513

• الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين علي بن سليمان المرداوي، اعتنى به: مكتب تحقيق دار إحياء التراث، ط الأولى 1419 هـ إحياء التراث العربي بيروت.

• إيقاظ الهمم المنتقى من جامع العلوم والحكم، سليم بن عيد الهلالي، ط: الثالثة 1417 هـ، دار الجوزي السعودية.

• اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة، للزركشي.

• الأم، للشافعي، تحقيق: محمود مطرجي، ط: الأولى 1413 هـ، دار الكتب العلمية بيروت.

• الأباطيل والمناكير، للجوزقاني، تحقيق: محمد حسن إسماعيل، ط: الأولى 1422 هـ، دار الكتب العلمية بيروت.

• الإيمان، ابن أبي شيبة، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، ط: العمومية بدمشق.

• بلوغ المرام، أحمد بن علي بن حجر، ط: الثانية 1417 هـ، مكتبة دار الفيحاء و مكتبة دارالسلام.

• بهجة الناظرين شرح رياض الصالحين، سليم الهلالي، ط: الثالثة 1418 هـ، دار ابن الجوزي السعودية.

• الباعث الحثيث، أحمد محمد شاكر، ط: الأولى 1403 هـ، دار الكتب العلمية.

• الباعث على إنكار البدع والحوادث، لأبي شامة.

• البداية والنهاية، ابن كثير، دقق أصوله وحققه: أحمد أبو ملحم، وعلى نجيب، وفؤاد السيد، ومهدي ناصر الدين، وعلى عبد الساتر، ط: الأولى 1408 هـ، دار الريان.

• البدع والنهي عنها، محمد بن وضاح القرطبي، تحقيق: محمد أحمد دهمان، ط: رئاسة ادارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية.

• تاج العروس، للزبيدي.

• تاريخ ابن خلدون، عبدالرحمن بن خلدون ط: الأولى 1413 هـ، دار الكتب العلمية بيروت.

• تاريخ دمشق، ابن عساكر.

ص: 514

• تاريخ الطبري.

• تاريخ الأدب العربي.

• تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي.

• تاريخ الخلفاء، جلال الدين السيوطي، اعتنى به وعلق عليه: محمود رياض الحلبي، ط: الرابعة 1420 هـ دار المعرفة.

• تبيض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة.

• تحت المجهر، عبدالعزيز لسدحان. ط: الأولى 1420 هـ مطابع الفسطاط.

• تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين، محمد بشير ظافر الأزهري، تحقيق: فواز زمرلي، ط: دار الكتاب العلمية.

• تحريم آلَات اللهو والطرب، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1416 هـ مكتبة الدليل.

• تحفة الأحوذي، محمد عبدالرحمن المباركفوري، أشرف على مراجعة أصوله: عبد الوهاب عبداللطيف، ط: دار الفكر، المكتبة التجارية.

• تحفة المجيب، مقبل هادي الوادعي، ط: الأولى 1421 هـ دار الأثار.

• تحفة المودود، ابن قيم الجوزية، تحقيق: بشير محمد عيون، ط: الرابعة 1414 هـ مكتبة دار البيان ومكتبة المؤيد.

• تخريج أحاديث مشكلة الفقر، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1405 هـ المكتب الإسلامي.

• تخريج الأذكار، ابن حجر.

• تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم، ابن جماعة.

• تذكرة الموضوعات، محمد طاهر الفتني الهندي، ط: الثالثة 1415 هـ دار إحياء التراث العربي.

• تسهيل الإلمام، صالح الفوزان، اعتنى بإخراجه عبدالسلام بن عبدالله السليمان، ط: الأولى 1427 هـ.

ص: 515

• تصحيح الدعاء، بكر بن عبد الله أبو زيد، ط: الأولى 1419 هـ، دار العاصمة الرياض.

• تضييع العمر والأيام في اصطناع المعروف مع اللئام.

• تعظيم قدر الصلاة، محمد بن نصر المروزي، تحقيق: عبدالرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، ط: الأولى 1406 هـ، مكتبة الدار بالمدينة المنورة.

• تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، ط: الثالثة 1420 هـ، دار الكتب العلمية بيروت.

• تفسير سورة آل عمران، مصطفى العدوي، ط: الأولى 1415 هـ، دار السنة.

• تفسير البغوي "معالم التنزيل" الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: محمد عبد الله النمر، وعثمان جمعة، وسليمان مسلم، ط: الثالثة، 1416 هـ، دار طيبة.

• تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن كثير، تقديم، عبد القادر الأرنؤوط، ط: الأولى 1414 هـ، مكتبة دار الفيحاء و مكتبة دار السلام.

• تفسير سورة النور، مصطفى العدوي، ط: الأولى 1411 هـ، مكتبة مكة.

• تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر، تحقيق: أبي الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني، ط: الأولى 1416 هـ، دار العاصمة.

• تلخيص المستدرك، للذهبي، ط: دار الكتاب العربي.

• تلخيص الموضوعات، للذهبي، دراسة وتحقيق: ياسر بن ابراهيم بن محمد، ط: الأولى 1419 هـ مكتبة الرشد، وشركة الرياض.

• تمام المنة، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الثالثة 1409 هـ، دار الراية.

• تمييز الطيب من الخبيث، عبد الرحمن بن علي الديبع، ط: 1405 هـ، دار الكتاب العربي.

• تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، لابن عراق الكناني، تحقيق: عبدالوهاب عبد اللطيف، الأولى 1399 هـ، دار الكتب العلمية.

• توضيح الأحكام، عبد الله بن عبد الرحمن البسام، ط: الأولى 1423 هـ، مكتبة الأسدي مكة.

• تهذيب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر، تحقيق، مصطفي عبد القادر عطا، ط: الأولى 1415 هـ، دار الكتب العلمية بيروت.

ص: 516

• تهذيب الكمال، جمال الدين يوسف المزي، تحقيق: بشار عواد، ط، الرابعة 1415 هـ، مؤسسة الرسالة بيروت.

• تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، خرج حديثه وعلق عليه: عرفات العشا، ط: 1412 هـ دار الفكر بيروت.

• تيسير الكريم الرحمن، عبد الرحمن السعدي، تقديم: محمد زهري النجار، ط: 1414 هـ، دار الذخائر.

• التحفة الكريمة، عبد العزيز بن عبد الله بن باز، تحقيق: عبد العزيز مختار، ط: الأولى 1428 هـ مركز البحوث والدراسات الإسلامية.

• التاريخ الكبير، للبخاري، ط: دار الكتب العلمية بيروت.

• التأصيل، بكر بن عبد الله أبو زيد، ط: الأولى 1413 هـ دار العاصمة.

• التذكرة في أحوال الموتى وأمور الأخرة، للقرطبي، تحقيق: محمد محمد عامر، ط: الأولى 1420 هـ، دار الدعوة الإسلامية.

• الترغيب والترهيب، للمنذري، تحقيق: الألباني، اعتنى به: مشهور حسن، ط: الأولى 1424 هـ، مكتبة المعارف.

• التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، محمد ناصر الدين الألباني، ط" الأولى 1424 هـ، دار باوزير.

• التعليقات الرضية، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1420 هـ، دار ابن عفان.

• التلخيص الحبير، أحمد بن علي بن حجر، اعتنى به: عبد الوهاب هاشم، ط: دار المعرفة.

• التمني، عبد السلام بن برجس، ط: الأولى 1413 هـ دار أهل الحديث الرياض، ودار العاصمة الرياض.

• التمهيد، ابن عبد البر، تحقيق: أسامة إبراهيم، ط: الأولى 1420، الفاروق الحديثة.

• التنبيهات اللطيفة، عبدالرحمن السعدي، تعليق: عبدالعزيز بن باز، ضبط وتخريج: علي بن حسن الحلبي، ط: الأولى 1409 هـ دار ابن القيم المملكة العريبة السعودية.

ص: 517

• التوسل أنواعه وأحكامه، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الخامسة 1406 هـ، المكتب الإسلامي.

• الثقات، محمد بن حبان البستي، تحت مراقبة: محمد عبدالمعيد، ط: الأولى 1393 هـ دائرة المعارف العثمانية.

• الثمر المستطاب، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1422 هـ مؤسسة غراس.

• جامع أحكام النساء، مصطفى العدوي، ط: الأولى 1413 هـ دارالسنة.

• جامع العلوم والحكم، ابن رجب، ط: الثانية 1410 هـ مؤسسة الكتب الثقافية.

• جزء "طلب العلم فريضة"، للسيوطي، تعليق: على حسن عبد الحميد، ط: الأولى 1408 هـ دارعمان الأردن.

• الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي، تخريج وتعليق: عرفات العشا، ط: 1414 هـ دار الفكر بيروت.

• الجامع لأخلاق الراوي وآداب السمع.

• الجامع في أحكام اللحية، علي بن محمد بن حسن الرازحي، ط: الأولى 1425 هـ دارالآثار صنعاء.

• الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين، مقبل بن هادي الوادعي، ط: الثانية 1427 هـ دار الآثار.

• الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث، أحمد بن عبدالكريم الغزي، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، الأولى 1418 هـ دار ابن حزم.

• حسن السلوك الحافظ دولة الملوك، محمد بن محمد بن عبدالكريم الموصلي، دراسة وتحقيق: فؤاد عبدالمنعم أحمد، ط: الأولى 1416 هـ دار الوطن.

• حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، للسيوطي، وضع حواشيه: خليل المنصور، ط: الأولى 1418 هـ دار الكتب العلمية.

• حلية الأولياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله، دراسة وتحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، الثالثة 1427 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

ص: 518

• حياة الصحابة.

الحاوي الكبير، علي بن محمد الماوردي، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل عبدالمقصود، ط: 1419 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• الحكم المضبوط في تحريم فعل قوم لوط، شمس الدين محمد بن عمر الغمري، تحقيق: عبيد الله المصري، ط: الأولى 1409 هـ دار الصحابة للتراث بطنطا.

• الحياة في ظل العقيدة الإسلامية، للشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي.

• الخشوع وأثره في بناء الأمة، سليم الهلالي، ط: الثانية 1412 هـ دار ابن الجوزي السعودية.

• الخطب المنبرية صالح الفوزان، ط: العاشرة 1422 هـ مؤسسة الرسالة بيروت - لبنان.

• الخطب في المسجد الحرام المجموعة (2) عبد الله خياط، ط: الرابعة 1406 هـ مكتبة جدة.

• دروس وفتاوى الحرم المكي، محمد بن صالح العثيمين، راجعها: محمد سامح، ومحمد علي، ط: دار ابن الجوزي مصر.

• دفاع عن الحديث والسيرة، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1416 هـ العلمية.

• دلائل النبوة للبيهقي.

• دليل الفالحين شرح رياض الصالحين، محمد بن علان، ط: دار الفكر، الدراية.

• الداء والدواء، ابن القيم، تحقيق: على بن حسن الحلبي، ط: الثانية 1417 هـ دار ابن الجوزي السعودية.

• الدر المنثور، جلال الدين السيوطي، ط: المعارف بيروت.

• الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد، صالح بن عبد الله العصيمي، ط: الأولى 1413 هـ دار ابن خزيمة.

• الدرر المنتثرة، جلال الدين السيوطي، تحقيق: محمد لطفي الصباغ، ط: الأولى 1415 هـ الوراق الرياض.

• ذم الهوى.

الأذان، أسامة بن عبد اللطيف القوصي، ط: الأولى 1408 هـ دار الحرمي.

ص: 519

• الأذكار، للإمام النووي وبذيله تحفة الأبرار بنكت الأذكار للحافظ ابن حجر جمعها: السيوطي، حققه: بشير محمد عيون، ط: الثانية 1414 هـ مكتبة دار المؤيد دمشق - بيروت.

• رش البرد شرح الأدب المفرد، محمد لقمان السلفي، ط: الأولى 1426 هـ، دار الداعي للنشر والتوزيع الرياض.

• روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني، للإمام شهاب الدين محمود الألوسي، تحقيق: محمد الآمد وعمر السلامي، ط: الأولى 1420 هـ دار إحياء التراث العربي لبنان.

• روضة العقلاء.

• روضة المحبين ونزهة المشتاقين، للإمام ابن قيم الجوزية، حققه: السيد الجميلي، ط: الرابعة 1419 هـ، دار الكتاب العربي بيروت.

• رياض الصالحين، للإمام النووي، تحقيق عبد العزيز رباح، وأحمد يوسف الدقاق، ط: الثالثة عشر 1412 هـ دار المأمون للتراث دمشق، بيروت.

• الرد على البكري، ابن تيمية.

• الرد على المعترض، الفيروز أبادي.

• الروح، للإمام ابن قيم الجوزية، ط: الثانية 1403 هـ دار القلم بيروت.

• الروض النضير.

• زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط، ط: السابعة والعشرون 1414 هـ مؤسسة الرسالة بيروت.

• الزنا، أحكامه، أحمد بن حسن الريمي، ط: الأولى 1423 هـ مكتبة الفرقان عجمان.

• الزهد، ابن المبارك، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية.

• الزهد، أحمد بن حنبل، ط: الثانية 1414 هـ، دار الكتب العلمية بيروت.

• الزهد، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، حققه: عامر أحمد حيدر، ط: الأولى 1408 هـ دار الجنان ومؤسسة الكتب الثقافية بيروت.

ص: 520

• الزهور الندية في خصائص وأخلاق خير البرية، أحمد بن محمد طاحون، ط: الأولى 1415 هـ.

• سبل السلام شرح بلوغ المرام، محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تعليق: فواز زمرلي وإبراهيم الجمل، ط: الرابعة 1407 هـ دار الريان للتراث الاسكندرية.

• سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، محمد ناصر الدين الألباني، ط: 1415 هـ مكتبة المعارف الرياض.

• سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1425 هـ مكتبة المعارف الرياض.

• سلسلة تحذير الداعية من القصص الواهية رقم (3)، علي بن إبراهيم حشيش.

• سنن ابن ماجه محمد بن يزيد القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط: دار إحياء التراث.

• سنن البزار، البزار.

• سنن الترمذي " الجامع الصحيح " للإمام محمد بن عيسى بن سورة، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ط: دار الكتب العلمية بيروت.

• سنن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، راجعه: محمد محي الدين عبد الحميد، ط: دار إحياء السنة النبوية.

• سنن سعيد بن منصور، تحقيق: سعد بن عبد الله آل حميد، ط: الأولى 1414 هـ دار الصميعي الرياض.

• سنن الدارقطني علي بن عمر "وبذيله التعليق المغني على سنن الدار قطني " لأبي الطيب محمد آبادي، ط: الثالثة 1413 هـ عالم الكتب بيروت.

• سنن الدارمي عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق: الدكتور محمود أحمد عبد المحسن، ط: الأولى 1421 هـ دار المعرفة بيروت.

• سنن النسائي المجتبى للإمام أبي عبد الرحمن شعيب النسائي، ط: الأولى 1383 هـ.

ص: 521

• سير أعلام النبلاء، للإمام للذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ط: العاشرة 1414 هـ مؤسسة الرسالة بيروت.

• سيرة ومناقب عمر ابن الخطاب، لابن الجوزي، ط: الأولى 142 هـ، دار الفجر القاهرة.

• السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات، محمد عبد السلام خضر للقشيري، ط: 1408 هـ دار الجيل بيروت.

• السنن الكبرى للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ط: الأولى 1414 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• السنن الكبرى للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، وبذيله الجوهر النقي للعلامة علاء الدين المارديني، ط: 1413 هـ دار المعرفة بيروت.

• السيرة النبوية، للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، ط: 1413 هـ، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت.

• السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار للإمام محمد بن علي الشوكاني، تحقيق: محمد صبحي حلاق، ط: الأولى 1421 هـ دار ابن كثير دمشق، بيروت.

• السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق: مصطفى السقا، وإبراهيم الابياري وعبد الحفيظ شلبي.

• السيرة النبوية الصحيحة، أكرم ضياء العمري، ط: السادسة 1426 هـ مكتبة العبيكان الرياض.

• شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، هبة الله بن الحسن اللالكائي، تحقيق: أحمد ابن سعد الغامدي ط، السادسة 1420 هـ، دار طيبة.

• شرح رياض الصالحين للنووي، شرحه: فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، ط: الثانية 2001 م دار البصيرة الاسكندرية.

• شرح صحيح مسلم، للإمام النووي، مراجعة خليل الميس، ط: الأولى دار القلم بيروت.

• شرح سنن النسائي المسمى ذخيرة العقبى في شرح المجتبى، للعلامة محمد بن علي بن آدم الأتيوبي، ط: الأولى 1425 هـ دار آل بروم السعودية.

ص: 522

• شرح الأربعين النووية للنووي، شرحه العلامة محمد بن صالح العثيمين، ط: الأولى 1424 هـ دار الثريا للنشر والتوزيع الرياض.

• شرح الأصول الثلاثة، صالح بن عبد العزيز آل الشيخ " ملزمة ".

• شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز، خرج أحاديثها: محمد ناصر الدين الألباني، ط: الرابعة 1391 هـ المكتب الإسلامي.

• شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز، تحقيق: عبد الله التركي وشعيب الأرنؤوط، ط: السادسة 1414 هـ مؤسسة الرسالة بيروت.

• شرح معاني الآثار، للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، تحقيق: محمد زهري النجار، ط: الثانية 1407 هـ دار الكتب العلمية بيروت لبنان.

• شرح مقدمة التفسير لابن تيمية، شرحه: العلامة محمد بن صالح العثيمين، ط: الأولى 1415 هـ دار الوطن الرياض.

• شرح مقدمة المجموع للنووي، شرحه: محمد بن صالح العثيمين، تعليق: صبحي محمد صبحي وأيمن الدمشق، ط: دار ابن الجوزي.

• شرح نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، شرحه: العلامة محمد بن صالح العثيمين، وبهامشه تعليقات الإمامين الألباني وابن باز، ط: الأولى 1426 هـ، دار الآثار القاهرة.

• شعب الإيمان للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: محمد السعيد زغلول، ط: الأولى 1410 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• الشذرة في الأحاديث المشتهرة، محمد بن طولون الصالحي، تحقيق: كمال بسيوني زغلول، ط: الأولى 1413 هـ دار الكتب العلمية.

• الشرح الممتع على زاد المستقنع، محمد بن صالح العثيمين، ط: الأولى 1422 هـ دار ابن الجوزي السعودية.

• الشفاء، للقاضي عياض.

• الشفاعة، العلامة مقبل بن هادي الوادعي، ط: الثانية 1403 هـ مكتبة دار الأرقم الكويت.

ص: 523

• صبح الأعشى في صناعة الإنشا، أحمد بن علي القلقشندي، ط: 1415 هـ الهيئة المصرية العامة للكتاب.

• صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ط: الثانية 1414 هـ مؤسسة الرسالة بيروت.

• صحيح ابن خزيمة، محمد بن إسحاق ابن خزيمة، تحقيق: محمد الأعظمي، ط: الثانية 1412 هـ المكتب الإسلامي بيروت.

• صحيح جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، اختصره: أبو الأشبال الزهيري، ط: الأولى 1416 هـ مكتبة ابن تيمية القاهرة.

• صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الثالثة 1408 هـ المكتب الإسلامي بيروت.

• صحيح الأدب المفرد، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1414 هـ دار الصديق الجبيل السعودية.

• صحيح الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، اختصره عادل العزازي، ط: الأولى 1418 هـ دار الوطن الرياض.

• صحيح الكلم الطيب، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الثامنة 1407 هـ.

• صحيح السيرة النبوية، إبراهيم العلي، ط: السادسة 1425 هـ دار النفائس الأردن.

• صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1411 هـ مكتبة المعارف الرياض.

• صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، سليم الهلالي، وعلي بن حسن، ط: السادسة 1417 هـ المكتبة الإسلامية عمان الأردن.

• الصحيح المسند من أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة، لمصطفى العدوي، ط: الأولى 1412 هـ دار الهجرة الرياض.

• الصحيح المسند من أسباب النزول، مقبل الوادعي، ط: الأولى 1413 هـ، دار ابن حزم.

• الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي.

ص: 524

• الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن قيم الجوزية، تحقيق: علي بن محمد الدخيل الله، ط: الثالثة 1418 هـ دار العاصمة الريا.

• ضعيف الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الثالثة 1410 هـ المكتب الإسلامي بيروت.

• ضعيف سنن ابن ماجه، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1417 هـ مكتبة المعارف الرياض.

• ضعيف سنن أبي داود، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1412 هـ المكتب الإسلامي بيروت.

• ضعيف سنن الترمذي، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1411 هـ المكتب الإسلامي بيروت.

• الضعفاء والمتروكين.

• الضوء المنير على التفسير لابن القيم، جمعه: علي الحمد المحمد الصالحي، ط: مؤسسة النور للطباعة، عنيزة.

• طبقات الشافعية، عبد الرحمن الأسنوي، ط: الأولى 1407 هـ، دار الكتب العلمية بيروت.

• الطهور، لأبي عبيد.

• الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد الهاشمي البصري المعروف بابن سعد، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ط: الأولى 1410 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• ظفر الأماني في تخريج مختصر الجرجاني، محمد عبد الحق اللكنوي، تحقيق: تقي الدين الندوي، ط: الأولى 1415 هـ دار القلم دبي.

• علل ابن أبي حاتم.

• عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للإمام بدر الدين محمود بن أحمد العيني، ط: الأولى 1421 هـ دار الكتب العلمية.

• عون المعبود شرح سنن أبي داود، للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، ط: الثانية 1415 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

ص: 525

• عمل اليوم والليلة، أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري المعروف بابن السني، تحقيق: أبي محمد سالم السلفي، ط: الأولى 1408 هـ مؤسسة الكتب الثقافية بيروت.

• عيون الأخبار، ابن قتيبة.

• العظمة، للإمام عبد الله بن محمد بن جعفر المعروف بأبي الشيخ، تحقيق: محمد فارس، ط: الأولى 1414 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، لابي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، ط: الأولى 1403 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة، للعلامة مقبل بن هادي الوادعي، ط: الأولى 1419 هـ دار الحرمين مصر.

• غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود، أبو إسحاق الحويني، ط: الأولى 1408 هـ دار الكتاب العربي بيروت.

• الغماز على اللماز في الموضوعات المشهورات، لنور الدين السمهودي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ط: الأولى 1406 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• فتاوى أحكام الصيام، للعلامة ابن عثيمين، جمع: فهد بن ناصر السليمان، ط: الأولى 1423 هـ دار الثريا الرياض.

• فتاوى أركان الإسلام، للعلامة ابن عثيمين، ط: الأولى 1421 هـ دار الثريا الرياض.

• فتاوى السيوطي.

• فتاوى العز بن عبد السلام.

• فتاوى العقيدة، للعلامة ابن عثيمين، ط: الأولى 1412 هـ مكتبة السنة بالقاهرة.

• فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع: أحمد بن عبد الله الدويش، ط: الخامسة 1424 هـ دار المؤيد الرياض.

• فتاوى المرأة المسلمة، للعلامة مقبل بن هادي الوادعي، جمعها: أبو عبد الله المصنعي، ط: الأولى 1412 هـ مكتبة صنعاء الأثرية.

ص: 526

• فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر، ط: الأولى 1407 هـ دار الريان للتراث القاهرة.

• فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للإمام محمد بن علي الشوكاني، ط: 1409 هـ دار الفكر بيروت.

• فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب، أحمد بن محمد بن الصديق الحسني الغماري، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، ط: الأولى 1408 هـ عالم الكتب بيروت.

• فضائل الرمي، إسحاق القراب، تحقيق: مشهور بن حسن سلمان.

• فضائل القرآن.

• فقه الأدعية والأذكار، عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، ط: الأولى 1419 هـ دار ابن عفان السعودية.

• فقه السيرة، محمد بن سعيد البوطي، تجقيق: محمد ناصر الدين الألباني.

• فوائد الفوائد لابن قيم الجوزية، ترتيب علي بن حسن الحلبي، ط: الثانية 1418 هـ دار ابن الجوزي السعودية.

• فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير، محمد عبد الرؤوف المناوي، ط: الأولى 1415 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• الفتح الرباني في فتاوى الإمام الشوكاني، محمد بن علي الشوكاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، ط: الأولى 1423 هـ مكتبة الجيل الجديد صنعاء.

• الفتوحات الربانية، ابن علان.

• الفروسية الشرعية في الإسلام، ابن القيم الجوزية، تحقيق: طالب عواد، ط: 1426 هـ دار الكتاب العربي بيروت.

• الفصل، ابن حزم.

• الفوائد، لأبي الحسن الخلعي.

• الفوائد، للأبنوسي.

ص: 527

• الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، للإمام الشوكاني، تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، ط: الأولى 1423 هـ دار الآثار مصر.

• الفتاوى المدنية والإماراتية، العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني، جمعها: وشرحها عمرو عبد المنعم سليم، ط: الأولى 1427 هـ دار الضياء مصر.

• الفتاوى الكبرى، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا، ط: دار الكتب العلمية بيروت.

• قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، ط: الأولى 1412 هـ مكتبة لينة دمنهور.

• قصص لا تثبت، لمشهور بن حسن، والعتيق، والخراشي، ط: دار الصميعي الرياض.

• القصص المية ما بين مضحكة ومبكية، أحمد بن شملان، ط: الثانية 1428 هـ، مكتبة الإمام الألباني.

• القابضون على الجمر، سليم بن عيد الهلالي، ط: الثانية 1412 هـ دار ابن الجوزي المملكة العربية السعودية.

• القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، ط الأولى 1412 هـ دار إحياء التراث العربي بيروت.

• القول المبين في ضعف حديث التلقين، على بن حسن الحلبي.

• القول المفيد على كتاب التوحيد، للعلامة محمد بن صالح العثيمين، ط: الثالثة 1419 هـ دار ابن الجوزي السعودية.

• كتاب العلم للعلامة ابن عثيمين، ط: الثانية 1417 هـ دار الثريا الرياض.

• كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الحريري، ط: 1406 هـ دار الفكر بيروت.

• كتب حذر منها العلماء، تصنيف: أبي عبيد مشهور بن حسن آل سلمان، ط: الأولى 1415 هـ دار الصميعي الرياض.

• كرامات الأولياء، عبد الرقيب بن علي بن حسن الإبي، ط: الأولى 1423 هـ دار الآثار صنعاء.

ص: 528

• كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين المتقي بن حسام الدين الهندي، تحقيق: محمود عمر الدمياطي، ط: الثانية 1424 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، المحدث إسماعيل العجلوني، ط: السادسة 1416 هـ، مؤسسة الرسالة بيروت.

• كشف المتواري، علي بن حسن الحلبي.

• الكامل في ضعفاء الرجال للحافظ عبد الله بن عدي الجرجاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، ط: الأولى 1418 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• الكبائر للإمام الذهبي، تحقيق: مشهور سلمان، ط: الأولى 1418 هـ مكتبة المنار الأردن.

• لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي بن محمد معوض، ط: الأولى 1416 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• لقاء الباب المفتوح مع فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ط: دار البصيرة مصر.

• اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، جلال الدين السيوطي، تعليق: صلاح عويضة، ط: الأولى 1419 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• اللمع في الرد على محسني البدع، عبد القيوم بن محمد بن ناصر السحيباني، ط: الأولى 1416 هـ مكتبة الخضيري المدينة.

• اللؤلؤ المرصوع فيما لا أصل له أو بأصله موضوع، محمد أبي المحاسن القاوقجي.

• مجابي الدعوة، ابن أبي الدنيا.

• مجمع الأمثال، أحمد بن محمد النيسابوري الميداني، ط: دار مكتبة الحياة بيروت.

• مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، ط: 1407 هـ دار الريان مصر.

• مجموع فتاوى ورسائل فضيلة العلامة محمد بن صالح العثيمين، جمع: فهد بن ناصر السليمان، ط: الثانية 1414 هـ دار الثريا السعودية.

• مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز، جمع: محمد بن سعد الشويعر، ط: 1413 هـ دار المعارف الرياض.

ص: 529

• مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي.

• مجموع فتاوى الوادعي، مقبل بن هادي الوادعي، جمعها: صادق البيضاني.

• مختصر منهاج القاصدين، للإمام ابن قدامة المقدسي، تعليق: علي بن حسن الحلبي، ط: الثانية 1415 هـ دار عمان الأردن.

• مدارج السالكين، ابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد المعتصم بالله، ط: الثانية 1414 هـ دار الكتاب العربي بيروت.

• مراتب الإجماع.

• مسند أبي يعلى، أحمد بن علي الموصلي، تحقيق: إرشاد الحق الأثري، ط: الأولى 1408 هـ مؤسسة علوم القرآن بيروت.

• مسند الإمام أحمد بن حنبل، ط: المكتبة التجارية مكه، و، ط: مؤسسة الرسالة، تحقيق: شعيب الأرنؤوط.

• مسند أبي داود الطيالسي، سليمان بن داود الطيالسي، ط: دار المعرفة بيروت.

• مشكاة المصابيح، محمد بن عبدالله التبريزي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، ط: الثالثة 1405 هـ المكتب الإسلامي بيروت.

• مصنف ابن أبي شيبة، عبدالله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق: سعيد محمد اللحام، ط: الأولى 1409 هـ دار الفكر بيروت.

• مصنف، عبدالرزاق الصنعاني، ط: الأولى 1407 هـ المكتب الإسلامي بيروت.

• معارج القبول، حافظ بن أحمد حكمي، تحقيق: صلاح عويضة و أحمد بن يوسف القادري، ط: الأولى 1411 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• معرفة الصحابة، أبو نعيم الأصبهاني، تحقيق: محمد راضي بن حاج عثمان، ط: الأولى 1408 هـ مكتبة الدار المدينة المنورة و مكتبة الحرمين الرياض.

• معجم ابن الأعرابي.

• معجم البدع، رائد بن صبري بن أبي علفة، ط: الأولى 1417 هـ دار العاصمة الرياض.

ص: 530

• معجم المناهي اللفظية، بكر بن عبدالله أبو زيد، ط: الثالثة 1417 هـ دار العاصمة الرياض.

• معجم الطبراني الأوسط، ط: تحقيق: محمود الطحان، الأولى 1405 هـ مكتبة المعارف الرياض.

• معجم الطبراني الصغير، ط: 1403 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• معجم الطبراني الكبير، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، ط: الثانية 1422 هـ دار إحياء التراث العربي.

• مفتاح دار السعادة، ابن القيم الجوزية، تحقيق: علي بن حسن الحلبي، ط: الأولى 1416 هـ دار ابن عفان المملكة العربية السعودية.

• منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط: الأولى 1406 هـ.

• موسوعة الحافظ ابن حجر الحديثية، جمع وإعداد: إياد بن عبدا للطيف، ومصطفى بن قحطان و بشير جواد و عماد بن محمد، ط: الأولى 1422 هـ.

• موسوعة الكتب التسعة، عبدالغفار سليمان البنداري و سيد كسروي حسن، ط: الأولى 1413 هـ دار الكتب العلمية بيروت.

• ميزان الاعتدال في نقد الرجال، أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، ط: دار المعرفة بيروت.

• من أحكام الصلاة، محمد بن صالح بن عثيمين.

• المتفق والمفترق.

• المختارة، للضياء المقدسي.

• المجروحين، ابن حبان.

• المجموع، للنووي، تحقيق: محمد نجيب المطيعي، ط: 1415 هـ دار إحياء التراث العربي.

• المجموع الثمين من فتاوى محمد بن صالح العثمين، جمع: فهد بن ناصر السليمان، ط: الثانية 1411 هـ مكتبة الثقافة عدن.

• المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وبذيله تتبع أوهام الحاكم التي سكت عليها الذهبي، لأبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي، ط: دار الحرمين.

• المصارعة، مقبل بن هادي الوادعي، ط: الثالثة 1425 هـ مكتبة صنعاء الأثرية.

ص: 531

• المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، علي القاري، تحقيق: عبدالفتاح أبو عدة، ط: 1414 هـ دار البشائر الإسلامية.

• المطالب العالية، أحمد بن حجر، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، ط: 1414 هـ دار المعرفة بيروت.

• المغني، ابن قدامة، تحقيق: عبدالله بن عبدالمحسن التركي و عبدالفتاح محمد الحلو، ط: الثانية 1412 هـ هجر القاهرة.

• المغني في الضعفاء، للذهبي.

• المقاصد الحسنة، للسخاوي، تحقيق: محمد عثمان الخشت، ط: الثالثة 1417 هـ دار الكتاب العربي بيروت.

• المقترح في أجوبة بعض أسئلة المصطلح، مقبل الوادعي، ط: أم القرى القاهرة.

• الموطأ، مالك بن أنس، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي، ط: 1424 هـ مكتبة الفرقان دبي.

• المنار المنيف في الصحيح والضعيف، ابن القيم، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، ط: الثانية 1403 هـ مكتب المطبوعات الإسلامية حلب.

• المنار، للمقبلي.

• المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان، جمع: عادل بن علي الفريدان، ط: الثانية 1417 هـ مكتبة الغرباء المدينة النبوية.

• المناهي اللفظية، محمد بن صالح العثيمين، جمعه وخرج أحاديثة وضبطه: أشرف بن يوسف بن حسن، ط: 1424 هـ دار ابن الجوزي مصر.

• المواهب في الرد على من قال بإسلام أبي طالب، قاسم التعزي.

• الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، ابن الجوزي، تحقيق: نور الدين بن شكري، ط: الأولى 1418 هـ أضواء السلف الرياض.

• نشر الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة.

• نصب الراية لأحاديث الهداية، جمال الدين عبدالله بن يوسف الزيلعي، تصحيح: محمد عوامة، ط: الأولى 1418 هـ موسسة الريان بيروت.

ص: 532

• نظرة النعيم، إعداد مجموعة من المتخصصين بإشراف: صالح بن عبدالله بن حميد و عبدالرحمن بن محمد ملوح، ط: الأولى 1418 هـ دار الوسيلة المملكة العربية السعودية.

• نظم الفرائد مما في سلسلتي الألباني من الفوائد، عبداللطيف بن محمد بن أبي ربيع، ط: الأولى 1420 هـ مكتبة المعارف الرياض.

• نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، أحمد بن المقري التلمساني، حققه: إحسان عباس، ط: الأولى دار صادر بيروت.

• نيل الأوطار، محمد بن علي الشوكاني، خرج أحاديثه: عصام الدين الصبابطى، ط: الأولى 1413 هـ دار الحديث القاهرة.

• النصيحة بالتحذير من تخريب" ابن عبدالمنان " لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، ط: الأولى 1420 هـ دار ابن عفان القاهرة.

• النوافح العطرة في الأحاديث المشتهرة، محمد بن أحمد الصعدي اليمني، تحقيق: محمد عبدالقادر أحمد عطا، ط: الثالثة 1414 هـ مؤسسة الكتب الثقافية بيروت.

• هداية المستنير بتخريج أحاديث تفسير ابن كثير، عادل بن يوسف العزازي، ط: الأولى 1424 هـ المكتبة الإسلامية القاهرة.

• وجوب العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

• ولا تقربوا الفواحش، جمال عبدالرحمن إسماعيل، ط: الثانية 1424 هـ وزارة الشؤون الإسلامية المملكة العربية السعودية.

ص: 533