الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لله نحمدهُ ونستَعين به ونستَغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفُسِنا وسيئاتِ أعمَالِنَا. من يَهِدِ الله فلا مُضلَّ لَهُ، ومن يُضلِل فلا هَادىَ له، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا الله، وأشهَدُ أن محمَّدًا عبده ورسولُهُ.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
أمَّا بعدُ
فإنهُ لم يَدُرْ بِخَلَدي، ولم يُحَوِّم طائرُ فكرى يومًا على فكرة هذا الكتابَ، ولكن كما قيل: إذا أرادَ اللهُ عز وجل شيئًا هيَّأَ أسبَابَهُ.
فقد كنتُ في جلسةٍ مع فَضيلة الشَّيخ مُحَمَّد صفوَت نور الدِّين رحمه الله، وكان الرَّئيسَ العامَّ لجماعة أنصار السُّنَّة بمصرَ، وكان ذلك عقب درسٍ عِلميٍّ ألقَاهُ في مسجدي الكائنِ بمدينةِ كفر الشَّيخ وتكَلَّمنا في أمورٍ شتَّى، فكان ممَّا قلتهُ لهُ: "إنَّني لا أستطيعُ أن أفهَمُ حتَّى الآن أن تكون جماعة دَعَويَّةٌ سَلَفيَّةٌ كهذه التي ترأَسُهَا، وليسَ لها مجلَّةٌ علميَّةٌ تُطبَع مرَّتَينِ في العام على الأقَلِّ، تُعلِّمونَ النَّاسَ من خلالها عقيدَةَ السَّلَف الصَّالح، ويَكتُبُ فيها أهلُ العلم عن مسائل النَّوازلِ التي تقَع بالمسلِمِين، ممَّا لم
يَكُن مثلُهُ في الأزمان السَّالِفَة. فأينَ الأرشيفُ العِلمِيُّ للجماعة؟! "، فقال: "عندنا مَجَلَّةُ التَّوحيد"، فقُلتُ لهُ: "هذه مجلَّةٌ سيَّارةٌ لعَامَّةِ النَّاس، وأنا أتكَلَّمُ عن مَجَلَّة يغلُبُ عليها طَابعُ البَحث العِلمِي"، فقال: "لمَ لا تَأتينَا في المَركز العامِّ لِنَطرَحَ هذه القَضِيَّة للمُناقَشَة؟ "، واتَّفَقنَا، وذَهَبتُ إليهم، والتَقَينا بالشَّيخ صفوَت الشَّوادفي رحمه الله وطالَ الكلامُ، فقال لي الشَّيخُ الشَّوادفي: "أنتَ تُريد أن تحلِّق في الفَضاءِ البَعيد، ونَحنُ نَطلُبُ منكَ شيئًا يسيرا لا يُكَلِّفُ كثيرًا، ويكونُ نُواةً لهذه الأُمنيَّة التي ترجُوها"، قُلتُ لَهُ: "وما هي؟ "، فقال: "أن تُشارِكَنا في رَفعِ سَقف مجلَّة التَّوحيد التي أرأَسُ تَحريرَها، بأن تُجيبَ عن أسئِلَةِ القُرَّاءِ الذينَ يُتَابعُونَ المَجَلَّة بِشَغَفٍ بالغ، وينتَظرونَ كَلِمَتَك في الحُكمِ على الأحاديثِ التي يسمعونَها من خُطباءِ المساجدِ أو يقرؤونَهَا في الكُتُب"، ثُمَّ أخرَجَ لي كيسًا كَبيرًا، وقال: "هذه رسائلُ تحتوى على مئات الأحاديث التي تنتظر الجوابَ عنها".
ولَم يُعطِني فُرصَةً لأُبدِي رَأيي في الموضُوع، ولكنَّهُ طلَب منِّى ألَّا أُطِيلَ الكلامَ حولَ أسانيد الأحاديث، فضلًا عن الخَوضِ في المُناقَشات العِلمِيَّة، التي لا يفهمها مُعظَمُ القُرَّاء، واضعًا في اعتباري الإجابةَ عن أكبر قدرٍ من الأسئلَة، بأن أذكُرَ الحديثَ المسؤُولَ عنه، ثُمَّ أجيبَ عنهُ في سَطرَين أو ثلاثةٍ، حتَّى نُجيبَ عن أكبرِ قَدرٍ من الأسئلةِ.
ولم أُوَافِقهُ على هذا، وقُلتُ لهُ: "هناكَ جانبٌ تعليمِيٌّ في الإجابة عن هذه الأحاديث، لا يقِلّ أهميَّةً عن الجوابِ نَفسِه، ذلك أنَّنا نُريدُ أن
يَعرفَ النَّاسُ: كيفَ نَحكُمُ على الحديث، وأنَّ المسألةَ ليسَت بالتَّشَهِّي واتِّبَاعِ الهَوَى، بل وِفْقَ ضَوابطَ عِلميَّةٍ دقيقَةٍ، وهذا لا يكُونُ إلَّا إذا أبرَزنَا هذا المعنَى من خلال تخريجِ الأحاديث، أمَّا أن أكتَفِي بأن أُجيبَ عن الحديث بأنَّهُ صحيحٌ أو ضَعِيفٌ أو منكرٌ إلى آخرِ هذه الألقابِ، فلا أَرَى فيه فائدةً".
فقال لي: "افعل ما تراهُ مُناسِبًا، واضعًا في اعتبارِك أنَّهُ يَصِلُنِي عشراتُ الخِطاباتِ، التي تحتَوِى هي بدَورِهَا على أسئلَةٍ كثيرةٍ".
وبَدأتُ في الجوابِ عن هذه الأسئلَة، واضطُرِرتُ أمامَ كَثرَتِهَا أن أختَصرَ الجَوابَ عنها اختصارًا مُجحِفًا في الغالب، لكنَّني خَالَفتُ شرطي في أحيان قليلَةٍ، وظَلَلتُ عدَّةَ سنَواتٍ أكتُبُ هذا الباب، ثُمَّ اقتَرَحَ عليَّ بعضُ إخواني أن أجمعَ هذه الأجوبَةَ في كتابٍ، فلَم أتحَمَّس لذلك؛ لأنَّهَا مختَصَرَةٌ، فاقتَرَحَ أن أُعيدَ النَّظرَ فيها مَرَّةً أخرى، وأزيدَ فيهَا ما كنتُ أرجوهُ لها، فوَعَدتُهُ خيرًا.
ومرَّت سنواتٌ، ولم أتمَكَّن من النّظرِ فيها، حتَّى أوائل هذا العام (1431 هـ)، بدأتُ في جمعِ الأحاديثِ من المَجَلَّةِ، ثُمَّ زدتُ عليها ما قَدرتُ عليه آنذاكَ، إذ دَاهَمَنِي مَرَضٌ - والحمدُ لله - اضطُرِرتُ معه إلى السَّفر إلى ألمانيا لمدَّة ثلاثةِ أشهُرٍ من يومِ 28/ 4/ 2010 م، واصطَحَبتُ معي هذا الكتاب للنَّظرِ فيه، فوَجَدتُهُ يحتاج إلى تأليفٍ من جديدٍ، وهذا ممَّا قد يُوقِفُ الشروعَ كلِّيًّا، فالممتَعَنتُ بالله تعالى في كِتَابَةِ ما أقدِرُ عليه.
ورأيتُ كتابًا صَدَرَ حديثًا وهو كتاب "المُداوِي لعِلَل الجامع الصَّغير
وشَرحَي المُناوِي" لأبي الفَيض أحمد بن مُحمَّد بن الصِّديق الغُمارِيِّ، ونظرتُ في عمَلِه، فإذا بي أَقِفُ على طَوَامَّ ممَّا خَالَفَ فيه أهلَ العِلمِ، مع تجريحٍ وسبٍّ للمُناوِيِّ، وتحقير لأئمَّة السَّلَفِ، فَرَددتُ عليه في بعضِ الأحاديثِ التي سَمَحَ وقتي أن أُعَلِّقَ عليهِ فيهَا، ورأيتُ أن تَعَقُّبَهُ في كلِّ ما أخطأَ فيه يحتاجُ إلى تصنيفٍ مُستَقِل، فقلتُ: "ما لا يُدرَكُ كلُّه، لا يُترَك جُلُّه"، فناقشتُهُ في بعض ما ذهبَ إليه، وترَكتُ كثيرًا ممَّا قال لأنَّ تَتَبُّعَهُ يحتاجُ إلى فراغٍ لا أجِدُهُ عندي.
وسأُحَاولُ - إن شاء اللهُ - أن أزيدَ الكتابَ فوائدَ كُلَّما عنَّ لي ذلك، فلَم يَعُد عندَي من الجَلَدِ القَديمِ ما أستَطيعُ به أن أقُومَ بواجبِي كُلِّه. والحمدُ لله على كلِّ حالٍ.
وكان بوُدِّي أن أكتُبَ مُقَدِّمَةً ضَافِيَةً أَذكُرُ فيها فوائدَ وأُصولَ، غيرَ أنَّهُ حالَ دونَ ذلك ما ذكَرتُهُ آنفًا عن مَرَضِي.
فأَسألُ الله تعالى أن يجعَلَهُ كفَّارةً وأجرًا، ورفعًا للدَّرجات إنَّهُ وَلِيُّ ذلكَ والقادرُ عليه.
وآخرُ دعوَانَا أن الحمدُ لله ربِّ العَالمَين.
وكتبَهُ
أبو إسحاقَ الحُوَينِيُّ
حامدًا الله تعالى، ومصلِّيًا على نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه
13 من المحرَّم 1432 هـ