المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

129 - سُئلتُ عن حديثٍ: وَرَد كتاب "إبراهيمُ الدُّسُوقيُّ، وأولياءُ - إسعاف اللبيث بفتاوى الحديث - جـ ٢

[أبو إسحق الحويني]

فهرس الكتاب

129 -

سُئلتُ عن حديثٍ: وَرَد كتاب "إبراهيمُ الدُّسُوقيُّ، وأولياءُ الله". وهو عن ابن مسعُودٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ أَربَعُونَ رَجُلًا مِن أُمَّتِي، قُلُوبُهُم عَلَى قَلبِ إِبرَاهِيمَ الخَلِيلِ عليه السلام، يُدفَعُ بِهِم عَن أَهلِ الأَرضِ البَلَاءُ، يُقَالُ لَهُم: "الأَبدَالُ"، إِنَّهُم لَم يُدرِكُوهَا بصَلَاةٍ، وَلَا صِيَامٍ، وَلَا بِصَدَقَةٍ"، قَالُوا:"يَا رَسُولَ الله! بِمَ أَدرَكُوهَا؟ "، قَالَ:"بِالسَّخَاءِ، وَالنُّصحِ لِلمُسلِمِينَ".

• قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ.

أخرجَهُ الطَّبَرانيُّ في "المُعجَم الكبير"(ج 10/ رقم 10390)، وعنه أبُو نُعيمٍ في "الحِلية" (4/ 172 - 173) قال: حدَّثَنا أحمدُ بن داوُد المكِّيُّ، ثنا ثابتُ بن عيَّاشٍ الأحدَبُ، ثنا أبُو رجاءٍ الكَلبيُّ، ثنا الأعمشُ، عن زيد بن وَهبٍ، عن ابن مَسعُودٍ مرفُوعًا فذَكَرَه.

قال أبُو نُعيمٍ: "غَريبٌ مِن حديثِ الأعمش، عن زيدٍ. ما كتبناه إلَّا مِن حديث أبي رجاءٍ".

قال الهَيَثَمِيُّ في "مَجمَع الزَّوائد"(10/ 63): "رواه الطَّبَرانِيُّ مِن رواية ثابت بن عيَّاشٍ الأحدبِ، عن أبي رجاءٍ الكلبيِّ، وكِلاهُما لَم أعرِفهُ. وبقيَّةُ رجالِه رجالُ الصَّحيح" ا. هـ.

ص: 3

• قلتُ: وشيخُ الطَّبَرانيِّ أحمدُ بنُ داوُد بن يزيدَ بن مَاهَانَ، ذَكَرَ الحاكمُ في "سُؤالاتِه للدَّارَقُطنيِّ" (ص 92) أن الدَّارَقطنيَّ قالَ:"لا بأس به"، وَنَقَلَ الخطيبُ في "تاريخه"(4/ 140 - 141)، عن العَتِيقِيِّ، عن الدَّارقُطنيِّ أنَّهُ قال:"ليس بقويٍّ، يُعتَبرُ به"، ولا تَنَافِي بينَ العِبارَتَين، والجَمعُ بَينَهُمَا: أنَّهُ لا بأس به في المُتابَعات والشَّواهِد.

ولا يَصِحُّ في ذِكرِ الأبدال حديثٌ مرفُوعٌ. وما ذَكَرَه السِّيوطيُّ، والهَيثَمِيُّ وغيرُهُما، مِن حُسن بعضِ الأحاديثِ الوَارِدة، فتسامحٌ مِنهُما في النَّقد، ومَن عَلِمَ قَدرَهُما في النَّقد لَم يُنكِر هذا التَّسامُحَ. واللهُ أعلَمُ.

• قلتُ: قلتُ: ثُمَّ استدركتُ أن شيخَ الطَّبَرَانِيِّ ليس هو ابنَ يزيدَ بن مَاهَانَ، بل هو أحمدُ بنُ داوُد بن مُوسَى أبو عبد الله المَكِّيُّ، وهو مِمَّن أَكثَرَ عنهم الطَّبَرَانِيُّ. وله مَشيَخَةٌ حافلةٌ ..

يروي عن: إبراهيمَ بن بشَّارٍ الرَّمَادِيِّ، وإبراهيمَ ينِ الحجَّاجِ السَّامِيِّ، وإيراهيمَ بن زكريَّا، وإبراهيمَ بن سُوَيدٍ، وإبراهيمَ بن عُمَر العَلَّافِ الرَّازِيِّ، وإبراهيمَ بن مُحمَّد بن عَرعَرَة، وإبراهيمَ بن المُنذِرِ، وأحمدَ بن حاتمٍ، وأحمدَ بن عُبيد الله، وأحمدَ بن عُمَر الرَّازِيِّ، وإسحاقَ بنِ عُمَر بن سليطٍ، وإسماعيلَ بن مُحَمَّدٍ الصَّائغِ، وإسماعيل بن عبدِ الله بن زُرَارة، وإسماعيلَ بن مَروَان الوَاسِطِيِّ. وثابتِ بن عيَّاشٍ الأَحدَبِ، وثَوبانَ بن سعيدٍ. وحَبِيبٍ كاتبِ مالكٍ، وحَرمَلةَ بن يحيى، وحفصِ بن عُمَر الحَوضِيِّ، وحفصِ بن عُمَر المَازِنِيِّ، وحمزةَ بن عُبيد الله الثَّقَفِيِّ. وداوُدَ بن شَبِيبٍ. والرَّبيعِ بن يحيى الأُشنَانِيِّ، ورَوحِ بن عبدِ المؤمن. وزُهيرِ

ص: 4

ابن عَبَّادٍ الرُّؤَاسِيِّ. وسعيدِ بن سُليمان النَّشِيطِيِّ، وسلمةَ بن صُبَيحٍ، وسُليمانَ بن داوُد الشَّاذَكُونِيِّ، وسهلِ بن بكَّارٍ. وشاذِّ بن الفضلِ. وعبَّادِ بن عيسى، والعبَّاسِ بن الفَضلِ الأَسفَاطِيِّ، وعبدِ الرَّحمن بن بَكر بن الرَّبيع، وعبدِ الرَّحمن بن صالحٍ الأَزدِيِّ، وعبدِ الرَّحمن بن المُبارَك العَيشِيِّ، وعبدِ السَّلامِ بن مطَهِّرٍ أَبِي ظَفَرٍ، وعبدِ العزيز بن الخطَّاب الكُوفيِّ، وعبدِ العَزِيز بن يحيى المَدَنِيِّ، وعبدِ الله بن أبي بكرٍ العَتكِيِّ، وعبدِ الله بن مُحمَّد بن أسماءَ، وعبدِ الله بن مُحمَّدٍ أبي مَعمَرٍ، وعبدِ الوهَّاب بن نَجدَة الحَوْطِيِّ، وعُبيدِ الله بن مُحمَّد بن أبي عائشة، وعُبيد الله بن مُعاذٍ، وعُثمانَ بن عبدِ الله بن عُثمان الشَّامِيِّ، وعُثمانَ بن عُمَر الضَّبِّيِّ، وعليِّ بن بَحرٍ، وعليِّ بن قُتيبَة الرِّفَاعِيِّ، وعمَّارِ بن مَطرٍ، وعِمرانَ بن مَيسَرة، وعَمرِو بن الحُصين العُقَيليِّ، وعَمرِو بن مالكٍ الرَّاسِبِيِّ، وعَمرِو بن مَرزُوقٍ، وعَوْنِ بن الحكَم بن سيَّارٍ البَاهِليِّ، وعيَّاشِ بن الوليد الرَّقَّامِ. والقاسمِ بن سَلَّامِ بن مِسكينٍ، وقُرَّةَ بن حبيبٍ، وقيس بن جَعفَرٍ الدَّارِمِيِّ. وكاملِ بن طَلحَة الجَحدَرِيِّ. ومُحمَّدِ بن إسماعيلَ الوساوسيِّ، ومُحمَّدِ بن إسماعيلَ بن عَونٍ، ومُحمَّدِ بن أبي بَكرٍ المُقَدَّميِّ، ومُحمَّدِ بن جامعٍ العَطَّارِ، ومُحمَّدِ بن الصَّلت أبي يَعلَى التَّوَّزِيِّ، ومُحمَّدِ بن الطُّفَيل النَّخْعِيِّ، ومُحمَّدِ بن عُثمان بن خالدٍ أبي غَزْوَانَ العُثمَانِيِّ، ومُحمَّدِ بن عُقبَة السُّدُوسيِّ، ومُحمَّدِ بن أبي عُمَر العَدَنِيِّ، ومُحمَّدِ بن عونٍ الزَّيَّادِيِّ، ومُحمَّدِ بن كثيرٍ، ومُحمَّدِ بن مُوسَى بن نُفيعٍ، ومُحمَّدِ بن هشامٍ السُّدُوسِيِّ، ومُسلمِ بن إبراهيمَ، ومُعاذِ بن أَسدٍ، ومُعاويةَ بن عطاءٍ

ص: 5

الخُزاعِيِّ، ومُوسى بن إسماعيلَ التَّبُوذَكِيِّ، ومُوسى بن أيُّوب النَّصِيبِيِّ. والنُّعمانَ بن شبلٍ البَاهِليِّ. وهُدبَةَ بن خالدٍ، وهُريم بن عُثمانَ أبي المُهلَّبِ. ووهبِ بن مُحَمَّدٍ البُنانِيِّ البَصريِّ. ويحيَى بن عُمَر اللَّيثِيِّ، ويحيَى بن كثيرٍ، ويزيدَ بن مَوهِبٍ الرَّمِليِّ، ويعقُوبَ بن حُميدِ بن كاسبٍ

(1)

.

قال الهَيثَمِيُّ في "المجمع"(8/ 155) عن شيخ الطَّبرانيِّ هذا: "لم أعرِفهُ" كذا قال! وقد وَثَّقه ابنُ يُونُس. ولا أعلمُ أحدًا جَرَحَهُ.

أمَّا آفة هذا الإسناد فأبُو رجاءٍ الكلبيُّ، ولم يعرفه الهيثميُّ لأنَّه ورد بكنيته، وأظنُّ أنَّه لم يجتهد في البحث عنه. واسمه: روح بن المسيَّب، وهو معروفٌ، ولكن بالضَّعف. فترجمه ابنُ أبي حاتمٍ (2/ 1/ 496)، ونقل عن ابن مَعِينٍ قال:"صُويلحٌ"، وعن أبيه قال:"صالحٌ، وليس بالقويِّ". وترجمه ابنُ عدِيٍّ (3/ 1003) وقال: "روى عن ثابتٍ

(1)

نقلتُ هذه المَشيَخَة مُرتَّبَةً على حُروف المُعجَم من كتابي "مُداراة الشَّانِي بذِكرِ شُيوخ الطَّبراني"، وهو في خمسة مُجلَّدات، كنتُ انتهيتُ منه منذ سبع سنواتٍ، منذُ سنة 1424 هـ. وقد اتَّبعتُ فيه طريقة المِزِّيِّ في "التَّهذيب". فأذكُرُ شيخ الطَّبَرَانِيِّ، ثمَّ أذكُر شُيوخه مُرتَّبين على حُروف المُعجَم، وبجَنبِ كُلِّ شيخ من هؤلاء أَذكُر موضع رواياتِه من جميع كُتب الطَّبَراني، بحيثُ يستطيعُ النَّاظر في كتابي أن يَعرِف عدد رواياتِه، وأقلَّ عمَّن، وأَكثَر عمَّن. والذي أغراني أن أفعل ذلك أن لفيفًا من شُيوخ الطَّبَرَانِيِّ لا نعلم عنهم شيئا، ولم نقف على أحوالهم في كتب الرِّجال، فأمثال هؤُلاء - وحتَّى أَحكُم عليهم - فإنِّي أسْبُرُ رواياتِهم في كُتب الطَّبَرَانِيِّ، وغيرِه؛ ليتسنَّى لي أن أعرف هل تُوبع، أم خُولِف، أم تفرَّد، وبناء على ذلك أُعطيه الحكم. وقد تعبتُ عليه كثيرًا، وبقي لي نحوٌ من ثلاثين شيخًا، ممَّن لم أَجد للعُلماء فيهم كلامًا، فهؤُلاء من جُملة الذين عنَيتُهم بقضيَّة السَّبر هذه. والحمدُ لله تعالى. وكذلك صنعتُ مُعجَمًا آخر لشُيوخ أبي عَوانة، سمَّيتُه:"الصِّيانة لشُيوخ أبي عَوانَة"، على نفس طريقتي في "مُداراة الشَّاني". والحمد لله.

ص: 6

ويزيدَ الرَّقَاشيِّ أحاديثَ غيرَ محفوظةٍ". وترجمه ابنُ حِبَّان في "المَجرُوحين" (1/ 299) وقال: "كان ممَّن يَروِي عن الثِّقات الموضُوعاتِ، ويقلِبُ الأَسانِيد ويَرفَعُ الموقوفات، لا تحِلُّ الرِّواية عنه، ولا كتابة حديثه إلَّا للاعتبار"، وأَوْرَدَ له - وكذلك ابنُ عَديٍّ - حديثًا مُنكَرًا جدًّا، وهو حديثُ أَنَسٍ مرفُوعًا: "مِهنَةُ إحداكُنَّ في بَيتِها تُدرِكُ به عَمَلَ المُجاهِدِين في سَبِيلِ الله".

وذَكَرَ الطَّبرانيُّ في "الأوسط"(2807) أن رَوْحًا هذا تفرَّد به عن ثابتٍ البُنانِيِّ.

ثُمَّ رأيتُ الهَيثَمِيَّ ذَكَرَ رَوْحَ بنَ المُسيَّب هذا في "المَجمَع"(4/ 304) وقال: "وثَّقهُ ابنُ مَعينٍ، والبزَّارُ. وضعَّفه ابنُ حِبَّان، وابنُ عَدِيٍّ".

ونقلُهُ التَّوثيقَ عَنهُما غيرُ صحيح؛ لأنَّ ابنَ معينٍ قال: "صُوَيلِحٌ"، ولم يَقُل:"ثقةٌ". أمَّا البَزَّارُ فإنَّه لم يُوَثِّقه، ولكنْ وَرَدَ توثيقُهُ في إسناد الحديثِ الماضي عِندَهُ - وهو برقم (1475 - كشف) - قال:"حدَّثنا حُمَيدُ بنُ مَسْعَدَةَ، ثنا أبُو رجاءٍ الكَلبِيُّ رَوْحُ بنُ المُسيَّب - ثقةٌ -"، فالذي وثَّقه هو شَيخُ البَزَّار، وليس مشهُورًا بنقد الرُّواةِ، فرأيُهُ غيرُ مُعتبَرٍ.

فمِثلُ أبي رجاءٍ هذا، وقد عَرَفتَ حالَهُ، إذا تفرَّدَ عن الأَعمَشِ، مع شُهرَتِه وكَثرَةِ تلامِيذ الثِّقاتِ، بمِثلِ هذا الخَبرِ، فلا يكُونُ إلَّا باطلًا.

ثُمَّ ثابتُ بنُ عيَّاشٍ: قال الهَيثَمِيُّ: "لم أعرفه".

• قلتُ: ولم أَجِد له ترجمةً. فالإسنادُ ضعيفٌ جِدًّا.

وسائرُ الأحاديث التي وَرَدَت في "الأبدال" لا تَقِلُّ بُطلانًا عن هذا.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 7

130 -

سُئلت عن حديث: "مَن غَشَّنَا فَلَيسَ مِنَّا، وَالمَكرُ وَالخَدِيعَةُ فِي النَّارِ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ ابنُ حِبَّانَ (1107)، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 10/ رقم 10234)، وفي "الصَّغير" - (738)، وأبُو نُعيمٍ في "الحِلية"(4/ 188) مِن طريق أبي خَلِيفَة الفضلِ بن الحُبابِ، ثنا عُثمانُ بنُ الهيثم المؤذِّنُ، ثنا أبِي، عن عاصمِ بن بهدَلَة، عن زِرِّ بن حُبيشٍ، عن ابن مَسعُودٍ مرفُوعًا فذَكَرَه.

قال أبُو نُعيمٍ: "غريبٌ مِن حديث عاصمٍ. تفرَّدَ به عُثمانُ. ولم نكتُبهُ إلَّا مِن حديث الفَضلِ بن الحُباب".

وقال الطَّبَرانيُّ: "لَم يَروِهِ عن عاصمٍ إلَّا الهَيثَمُ بن الجَهمِ، ولا عَنهُ. إلَّا ابنُه عُثمانُ".

وقال المُنذِريُّ في "التَّرغيب"(2/ 572): "إِسنادُه جيِّدٌ".

وَهُو حرِيٌّ بذلك، لَولَا أن عُثمانَ بنَ الهيثم كان يُلَقَّنُ في آخر عُمره، كما قال أبو حاتمٍ الرَّازيُّ؛ لذلك وصَفَهُ الدَّارَقُطنيُّ بكثرة الخطإِ، وقد تفرَّدَ به، كما قال الطَّبَرانيُّ، وأبُو نُعيمٍ.

وأمَّا أبُوه هيثمُ بنُ الجَهمِ فصدُوقٌ مُتماسِكٌ، قال ابن أبي حاتمٍ في "الجرح والتَّعديل" (4/ 2/ 83): "سألتُ أبي عنه، فقالَ: لَم أَرَ فِي

ص: 8

حديثِهِ مكرُوهًا"، وذَكَرَهُ ابنُ حِبَّانَ في "الثِّقات" (9/ 235).

وطَرَفُ الحديثِ الأوَّلُ ثابتٌ مِن حديث أبي هُريرة.

أخرَجَهُ مُسلِمٌ، وغيرُه.

وللشَّطر الثَّاني شواهدُ، ذكرَهَا شيخُنا أبُو عبد الرَّحمنِ الألبانيُّ - حفظه الله - في "الصَّحيحة"(1057)، وانفصل على تصحيحه.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 9

131 -

سُئلتُ عن حديث: سَمَّى فِيهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الفأرَ فاسِقًا، وأَمَرَ بِقَتلِهِ.

• قلتُ: قلتُ: هذا الحديثُ صحيحٌ.

فأخرج البُخاريُّ (6/ 351) مِن طريق يُونُسَ بن يزيدَ، عن ابن شِهابٍ، عن عُروة يُحدِّث، عن عائِشة رضي الله عنها، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال للوزَغِ:"الفُوَيسِق" ولم أَسمَعهُ أَمَرَ بِقَتلِهِ. وزَعَمَ سعدُ بن أبي وقَّاصٍ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بقتلِهِ.

وأخرَجَهُ مُسلِمٌ (2239/ 145)، من هذا الوجه، دُون قولِه:"وَزَعَمَ .. . الخ".

قال الحافظُ في "الفتح"(6/ 354): "قوله: "وَزَعَمَ سعدُ بن أبي وقَّاصٍ

"، قائل ذلك يُحتَمَل أن يَكُون عُروةَ، فيكونُ مُتَّصلًا؛ فإِنَّه سمِع من سعدٍ. ويُحتَمَل أن تكون عائِشةَ، فيكونُ من رواية القرين عن قَرِينه. ويُحتَمَلَ أن يكونَ مِن قولِ الزُّهريِّ، فيكُونُ مُنقَطِعًا. وهذا الاحتمالُ الأخيرُ أرجَحُ؛ فإنَّ الدَّارَقُطنيَّ أخرَجَهُ في "الغرائب" من طريق ابن وهبٍ، عن مالكٍ، ويُونُسَ معًا، عن ابن شهابٍ، عن عُروة، عن عائِشة، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لِلوَزَغِ: "فُوَيسِقٌ". وعن ابن شِهابٍ، عن سعد بن أبي وقَّاصٍ، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بقتلِ الوَزَغِ" انتهَى.

• قلتُ: والاحتمالُ الثَّاني أن عائشةَ هي القائِلةُ وَرَدَ ما يُؤيِّدُه.

ص: 10

فأخرج الإسماعيليُّ في "مُعجَمه"(155 - بتحقيقي) مِن طريق عُمَر بن حبيبٍ، قال: حدَّثَنا شُعبةُ، عن هشامِ بن عُروة، عن أبيه، عن عائِشةَ، قالت: لَم أسمَع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يأمُرُ بقتل الفأرةِ، وسمعتُه يُسمِّيها الفُويسِقَةَ، ولَكِن حَدَّثَني سعدُ بنُ مالكٍ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بقتل الفُويسِقَةَ.

ولَكِن سَنَدُه ضعيفٌ أو واهٍ؛ وعُمَر بن حبيبٍ ضعَّفَه ابنُ مَعِينٍ، وقال:"يَكذِب"، وكان أحمدُ يستَخِفُّ به جدًّا، وضعَّفَهُ النَّسَائيُّ. وغالبُ كلام النُّقَّاد على أنّهُ كان كَثيرَ الوَهَمِ والخَطإِ.

والرَّاوي عنه أَبو قِلابَة الرَّقَاشِيُّ عبدُ الملِك بنُ مُحَمَّدٍ، قال الدَّارَقُطنيُّ:"صَدُوقٌ، كثيرُ الخطإِ"، وهذا أجمعُ قولٍ فيه.

وقد وَرَدَ صريحًا ما يَدُلُّ على قتلِه ..

فأخرج ابنُ ماجَهْ (3231) واللَّفظ لَهُ، وأحمدُ (6/ 83، 109)، وابنُ حِبَّانَ (1082)، وابنُ أبي شَيبةَ (5/ 402) من طريق جرير بن حازمٍ، عن نافعٍ، عن سائِبَةَ مولاةٍ للفَاكِهِ بن المُغيرة، أنَّهَا دَخَلت على عائِشة، فرَأَت في بيتِهَا رُمحًا موضُوعًا، فقَالَت:"يا أُمَّ المؤمنين! ما تصنعين بهذا؟ "، قَالَت:"نَقتُلُ بها هذهِ الأوزَاغَ؛ فإِنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم أخبَرَنَا أن إبراهيم لمَّا أُلقِي في النَّار لَم تَكُن في الأَرضِ دابَّةٌ إلَّا أَطفأَت النَّار، غيرُ الوَزَغِ، فإِنَّها كانَت تَنفُخُ عليه، فأَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقتِلِه".

وتابعه أيُّوبُ السَّختيانيُّ، عن نافعٍ مثلَه.

أخرجَهُ أحمدُ (6/ 217).

ص: 11

قال البُوصيرِيُّ في "الزَّوائد"(66/ 3): "هذا إسنادٌ صحيحٌ" كذا قال! وسائبةُ مولاةُ الفاكِهِ مجهولةٌ، قال الذَّهَبيُّ:"تفرَّد عنها نافعٌ".

ومَعَ ذَلِكَ، فَقَد اختُلِف على نافعٍ في إسنادِهِ ..

فرَوَاهُ عبدُ الله بنُ عبد الرَّحمن بن أبي أُميَّة، عن نافع، أن عائِشة أخبَرَتهُ، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"اقتُلُوا الوَزَغَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَنفُخ عَلَى إِبرَاهِيمَ عليه السلام النَّارَ". قال: وكانت عائِشةُ تقتُلُهنَّ.

أخرجَهُ أحمدُ (6/ 205) قال: حدَّثَنا مُحمَّد بن بَكرٍ ..

والفَاكِهِيُّ في "أخبار مَكَّةَ"(2289) عن عبدِ المَجِيد بن أبي رَوَّادٍ ..

والأَزرَقِيُّ في "أخبار مَكَّةَ"(2/ 150) عن مُسلِمِ بن خالِدٍ الزِّنجِيِّ .. قالُوا: أنا ابنُ جُريجٍ، قال: أخبَرَنِي عبدُ الله بنُ عبد الرَّحمن به.

وهذا الوجهُ أصحُّ من الأول.

وله طريقٌ آخرُ عن عائشةَ ..

أخرَجَه النَّسائيُّ (5/ 189) من طريق هشامٍ الدَّستُوائيِّ، عن قتادة، عن سعيد بن المُسيَّب، أن امرأة دَخَلَت على عائِشة وبِيَدِهَا عكَّازٌ، فقالت:"ما هذا؟ "، فقالت:"لِهَذِهِ الوَزَغِ؛ لأنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم حدَّثَنَا أَنَّه لم يكُن شيءٌ إلَّا يُطفئُ على إِبراهيم عليه السلام، إلَّا هذه الدَّابةُ، فأَمَرَنَا بقتلِهَا. ونَهَى عن قتل الجِنَانِ، إلَّا ذا الطُّفيَتَينِ والأَبتَرِ؛ فإنَّهُما يطمِسان البصر، ويُسقِطان ما في بُطون النِّساء".

وقد خُولِف قتادةُ في إسناده ..

خالَفَهُ عبدُ الحميد بنُ جُبير، فرواهُ عن سعيد بن المُسيَّب، عن أُمِّ شريكٍ

ص: 12

- رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بقتل الوَزَغِ - وفي رِوايَةٍ: الوُزغَان، وفي رِوايةٍ: الوَزغات، وفي رواية: الأَوزَاغ -.

فَجَعَلَ الحديثَ مِن مُسنَد أُمِّ شريكٍ.

أخرَجَهُ البُخاريُّ في "بَدء الخلق"(6/ 351) قال: حدَّثَنا صدقةُ بن الفَضل ..

ومُسلِم (2237/ 142) قال: حدَّثنا عمرٌو النَّاقدُ، وإسحاقُ بنُ إبراهيم، وابنُ أبي عُمَر ..

وأبو عَوانة - كما في "إتحاف المَهَرة"(18/ 270) - عن إبراهيمَ بن بشَّارٍ الرَّمادِيِّ ..

والنَّسَائيُّ (5/ 209)، ومن طريقه ابنُ عبدِ البَرِّ في "التَّمهيد" (15/ 186) قال: أخبَرَنا مُحمَّدُ بنُ عبد الله بن يزيدَ ..

ومُسلِمٌ أيضًا، وابنُ ماجَهْ (3228)، وابنُ أبي عاصمٍ في "الآحاد والمَثانِي" (3325) قالا: حدَّثَنا أبو بكرٍ بنُ أبي شَيبَة، وهو في "المُصنَّف"(5/ 401).

وأحمدُ (6/ 421، 462)، ومن طريقه أبو نُعيمٍ في "معرفة الصَّحابة"(7966) ..

وعبدُ الرَّزَّاق في "المُصنَّف"(ج 4/ رقم 8395)، ومن طريقه الطَّبَرَانِيُّ في "الكبير"(ج 25/ رقم 250).

وإسحاقُ بن راهوَيهِ في "المُسنَد"(2210/ 9).

والحُميدِيُّ في "مُسنَده"(350)، ومن طريقه ابنُ عبد البَرِّ في "التَّمهيد"

ص: 13

(15/ 186) ..

والمَحَامِليُّ في "الأمالي"(101) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ أبي عونٍ ..

وأبو الفَضل الزُّهرِيُّ في "حديثه"(ج 7/ ق 115/ 2) قال: حدَّثَنا الحَسَنُ بنُ عرفة، قالوا: ثنا سُفيانُ بنُ عُيَينة، عن عبدِ الحميد بن جُبيرٍ بِهذا الإسناد.

وتابعه ابنُ جُريجٍ، فرواه عن عبدِ الحميد بن جُبيرٍ بسنده سواء.

أخرَجَهُ مُسلِمٌ (2237/ 43)، وأبو عَوانة في "المُستخرَج" - كما في "إتحاف المَهَرة"(18/ 270) -، وابنُ حِبَّان (5634) عن ابن وهبٍ .. ومُسلِمٌ، وأبو عَوَانة، وأحمدُ (6/ 421)، وأبو نُعيمٍ في "معرفة الصَّحَابة"(7964) عن رَوح بن عُبادةَ ..

ومُسلِمٌ، وأحمدُ (6/ 421) عن مُحمَّد بن بكرٍ البُرْسَانِيِّ ..

وأحمدُ (6/ 421)، والإِسمَاعِيليُّ في "المُستخرَج" - كما - في "الفتح"(6/ 394) -، وأبو نُعيمٍ في "معرفة الصَّحَابة"(7965) عن يحيى القَطَّان ..

والفَاكِهِيُّ في "أخبار مَكَّة"(2289) عن عبدِ المجيد بن أبي رَوَّادٍ ..

والأَزرَقِيُّ في "أخبار مَكَّة"(2/ 150) عن مُسلِم بن خالدٍ الزِّنجِيِّ ..

وابنُ سعدٍ في "الطَّبَقات"(8/ 157) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ عمر الوَاقِدِيُّ ..

وأبو عَوَانة عن حجَّاج بن مُحَمَّدٍ الأعورِ، قالوا: ثنا ابنُ جُريجٍ، عن عبدِ الحميد بن جُبيرٍ بهذا.

ص: 14

وصرَّح ابنُ جُريج بالتَّحديث عند مُسلِمٍ، وأحمدَ، والفاكهيِّ، والأَزرَقِيِّ، والإسماعيليِّ.

وتابعهم أبو عاصمٍ النَّبيلُ، فرواه عن ابن جُريجٍ بهذا الإسناد.

أخرَجَه الدَّارِمِيُّ (2/ 16) ..

وأبو عَوَانة - كما في "إتحاف المَهَرة"(18/ 270) - قال: حدَّثَنا عمَّار بنُ رجاءٍ، وأبو يُوسُف الفارسِيُّ، وأبو داوُد الحرَّانِيُّ ..

وابنُ شاهينَ في "النَّاسخ والمنسُوخ"(645) عن إسحاقَ بن يسارٍ ..

وأبو نُعيم في "معرفة الصَّحابة"(7964) عن مُحمَّد بن أحمد بن أبي العوَّام، قالُوا: ثنا أبو عاصمٍ النَّبيلُ بهذا.

ورواه أبو مُسلمٍ الكَشِّيُّ، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عبدِ الحميد بن جعفرٍ، عن أبي إدريسَ، عن سعيد بن المُسيَّب، عن أُمِّ شريكٍ بهذا.

أخرَجَه الطَّبَرَانِيُّ (ج 25/ رقم 251).

ولم أَجِد روايةً لأبي إدريسَ، عن سعيد بن المُسيَّب.

وأبو مُسلِمٍ، شيخُ الطَّبَرَانِيِّ، من الأثبات.

فلعلَّ لأبي عاصمٍ فيه إسنادان. والله أعلم.

وتابَعَهُم عُبيدُ الله بنُ مُوسَى، فرواه عن ابن جُريجٍ بهذا الإسناد، وزاد:"كَان يَنفُخ على إبراهيمَ عليه السلام".

أخرَجَهُ البُخارِيُّ في "الأنبياء"(6/ 389) قال: حدَّثَنا عُبيد الله بنُ مُوسَى - أو ابن سلامٍ - عنه، ومن طريقه البَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(12/ 196 - 197) ..

ص: 15

وعَبدُ بنُ حُميدٍ في "المُنتخَب"(1559) ..

وأبو عَوَانة - كما في "إتحاف المَهَرة"(18/ 270) - قال: حدَّثَنا عليُّ بن حَربٍ، ويُوسُفُ بنُ مُسلمٍ، وعمَّارُ بنُ رجاءٍ ..

والبَيهَقِيُّ (5/ 211) عن أبي حاتمٍ الرَّازِيِّ، قالُوا: ثنا عُبيدُ الله بنُ مُوسَى بهذا.

قال أبو عَوانة: "زاد عُبيدُ الله بنُ مُوسَى وحدُه: "وكانت تَنفُخ على إبراهيمَ"، ولم يَزِدها غيرُه، ولا هي عند مُسلمٍ".

• قلتُ: قلتُ: وعُبيدُ الله ثقةٌ، لكنَّه كان مُحتَرِقًا في التَّشيُّع. ومِن ساقِط قولِه - كما حكاه عنه ابن مَعِين -:"ما كان أحدٌ يشُكُّ في أن عليًّا أفضلُ من أبي بكرٍ وعُمرَ"، فاللَّهُمَّ! غُفرًا! ولذلك تركَهُ أحمدُ، وغيرُه. أمَّا هو فلا يُدفَع عن الصَّدق. والله أعلَمُ.

ولا تَعَارُض بين الرِّوايتين؛ وسعيدُ بن المسيَّب كان واسعَ الرِّواية، ولا مانِع أن يكونَ الحديثُ عنده عن عائشة وأُمِّ شَريكٍ معًا، لولا ما قيل في رِواية قتادةَ عن سعيدِ بن المسيَّب، فقد ذَكَرَ إسماعيلُ القاضِي أن ابن المدينيِّ كان يُضعِّف أحاديثَ قتادةَ عن سعيدِ بن المُسيَّب تضعيفًا شديدًا، وقال:"أَحسَبُ أن أكثَرها بين قتادة وسعيدٍ فيها رجالٌ" انتهى؛ وذلك لأنَّ قتادة مُدلِّسٌ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 16

132 -

سُئلتُ عن حديث: "كُن فِي الدُّنيَا كَأَنَّكَ عرِيبٌ أَو عَابِرُ سَبِيلٍ، وَعُدَّ نَفسَكَ مِن أَهلِ القُبُورِ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ، ما عدا قولِهِ:"وَعُدَّ نَفسَكَ مِن أَهلِ القُبُورِ" كما يَأتِي تفصيلُهُ، إن شاء الله تعالى.

أخرَجَهُ البُخاريُّ (11/ 233)، وابنُ حِبَّانَ في "صحيحه"(2/ 57/ 687)، وفي "رَوضة العُقلاء"(148)، والعُقيليُّ في "الضُّعفاء"(ق 151/ 1)، والحكيمُ التِّرمذيُّ في "نوادر الأصول"(ج 2/ ق 145/ 1)، وابنُ الأعرابيِّ في "مُعجَمه"(ج 5/ ق 96/ 2)، وابنُ أبي عاصمٍ في "الزُّهد"(185)، والدَّارَقُطنيُّ في "الأفراد"(ق 88/ 1)، والطَّبَرانِيُّ في "الكبير"(ج 12/ رقم 13475)، والآجُرِّيُّ في "الغُرَباء"(ق 3/ 1)، وأبُو نُعيمٍ في "الحِلية"(3/ 301)، والخَطَّابيُّ في "العُزلة"(ص 39/ 301)، والبَيهقِيُّ في "الأربَعُون الصُّغرَى"(32 - بتحقيقي)، والقُضاعيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(644) مِن طريق الأعمَش، قال: حدَّثَني مُجاهِدٌ، عن ابن عُمَر رضي الله عنهما، قال: أخَذَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم بِمِنكَبِي، فَقَالَ:"كُن فِي الدُّنيا كَأنَّك غريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ".

وكان ابنُ عُمَر يقولُ: "إِذَا أمسيتَ فلا تَنتَظِر الصَّباحَ، وإذا أَصبَحتَ فلا تَنتَظِر المسَاءَ، وخُذ مِن صِحَّتِك لمَرَضِك، ومِن حياتِكَ لموتِك".

ص: 17

وهذا لفظُ البُخاريِّ.

قال ابنُ حِبَّانَ في "رَوضةُ العُقلاء"(149): "قد مَكثتُ بُرهةً من الدَّهر، مُتوهِّمًا أن الأعمشَ سَمِعَ هذا الخبرَ مِن ليثِ بن أبي سُليمٍ، فدَلَّسَهُ، حتَّى رأيتُ عليَّ بنَ المَدينِيِّ، حدَّث بهذا الخبرِ، عن الطُّفَاوِيِّ، عن الأعمشِ، قال: حدَّثَنِي مجاهِدٌ، فعلِمتُ حِينئذٍ أن الخبرَ صحيحٌ، لا شكَّ فِيهِ، ولا امتِرَاء في صِحَّتِه" ا. هـ.

وهُو يُشيرُ إِلَى روايةِ البُخاريِّ.

وقال الحافظُ في "الفتح"(11/ 233 - 234): "أَنكَرَ العُقيليُّ هذه اللَّفظة، وهي: "حدَّثَنِي مُجاهِدٌ"، وقالَ: إِنَّما رواه الأعمشُ بصيغةِ: "عن مُجاهد"، كذلكَ رواه أصحابُ الأعمش عَنهُ، وكذا أصحابُ الطُّفَاوِيِّ عنه، وتَفَرَّدَ ابنُ المَدينيِّ بالتَّصريحِ، قال: ولَم يَسمَعهُ الأعمشُ عن مُجاهِدٍ، وإنَّما سَمِعَهُ من ليثِ بن أبي سُليمٍ عنه، فدَلَّسَهُ" ا. هـ.

• قُلتُ: ليس في نُسخَتي مِن "الضُّعَفاء" كلامُ العُقيليِّ، ولا في المطبُوعَة منه، وإِنَّما فيها أنَّ العُقيليَّ رَوَى هذا الحديثَ:"عن مُحمَّد بن عبد الله الحضرَمِيِّ المَعرُوفِ بـ "مُطَيَّنٍ"، قال: حدَّثَنا عمرُو بنُ مُحمَّد بن بُكيرٍ النَّاقِدُ، حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ عبد الرَّحمن الطُّفَاوِيُّ به، بالعنعنة بين الأعمش ومُجاهدٍ. - ثُمَّ قال: - وقال الحضرَمِيُّ: قال لنا عمرُو بنُ مُحَمَّدٍ - وذَكَرَ عليَّ بن المَدِينِيِّ، فقال -: زَعَمَ المَخذُولُ [!!] في هذا الحديث أنَّهُ قال: حدَّثَنا مُجاهِدٌ. وإِنَّما أخذَهُ الأعمش من ليث بن أبي سُليمٍ" ا. هـ.

وسَوَاءٌ كان المُنكِرُ هو العُقيليَّ، أو عَمرًا النَّاقد، فإِنَّهُ تَعقُّبٌ فيه نَظَرٌ؛

ص: 18

وعليُّ بن المدينيِّ أَحَدُ جبال الحفظ، الذين يُبدَأُ بذكرهم ويُعادُ في الضَّبط والإتقان، وقد حَفِظَ ما لم يَحفَظوه، فلا يَتَوَجَّه الإنكارُ إليه.

وقد قال الذَّهَبيُّ في "الميزان"، يُدافِع عن ابن المدينيِّ قال:"بل الثِّقةُ الحافظُ إذا انفرد بأحاديثَ كان أرفعَ له، وأَكمَلَ لرُتبَتِه، وأدَلَّ على اعتنائِهِ بعلم الأَثَر، وضبطِهِ دُون أقرانه لأشياءَ ما عَرَفُوها" ا. هـ.

وثَمَّ شيءٌ آخرُ ..

وهو رِوايَةُ البُخاريِّ لهذا الحديث من طريق ابن المدينيِّ، وكان البُخاريُّ حُجَّة في هذا الباب.

واللهُ المُوَفِّقُ.

ولِلحدِيثِ طُرُقٌ أُخرَى، ذكرتُها في "الثَّانِي من أَمَالي الوزير أبي القاسم بن الجرَّاح" (رقم: 94).

ص: 19

133 -

سُئلتُ عن حديث: "ذَاكِرُ الله فِي رَمَضَانَ مَغفُورٌ لَهُ، وَسَائِلُ اللهِ فِيهِ لَا يَخِيبُ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ باطِلٌ.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(7341)، وابنُ عدي في "الكامل"(4/ 1601)، والبَيهقِيُّ في "الشُّعَب"(ج 7/ رقم 3355)، والأصبهانيُّ في "التَّرغيب"(1751) مِن طرقٍ عن أحمدَ بن منصورٍ المَروَزِيِّ المُلقَّبِ بـ "زاجٍ"، ثنا عبدُ الرَّحمن بنُ قيسٍ، ثنا هِلالُ بنُ عبد الرَّحمن، عن عليّ بن زيدٍ، عن سعيد بن المُسيَّب، عن عُمَرَ بن الخطَّاب مرفُوعًا فذَكَرَه.

قال الطَّبرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن سعيدِ بن المُسيَّب إلَّا عليُّ بنُ زيدٍ، ولا عن علي إلَّا هلالُ بنُ عبد الرَّحمن. تفرَّد به عبد الرَّحمن بن قيسٍ" ا. هـ.

• قلتُ: قلتُ: وعبدُ الرَّحمن كَذَّبه ابنُ مَهديٍّ، وأبُو زُرعة، وقال البُخاريُّ:"ذَهَبَ حديثُه"، وقال أحمدُ:"لم يَكُن بشيءٍ"، وقال ابنُ حِبَّانَ:"كان مِمَّن يَقلِبُ الأسانيدَ، وينفرد عن الثِّقات بما لا يُشبه حديثٌ الأثبات. ترَكَه أحمدُ بنُ حَنبلٍ" ا. هـ.

وهلالُ بنُ عبد الرَّحمن، قال العُقيليُّ في "الضُّعفاء" (2/ 342):"مُنكَر الحديث".

ص: 20

وعليُّ بنُ زيدٍ هو ابنُ جُدْعَانَ، ضعَّفُوهُ من قِبَل حِفظِه.

وضَعَّف الهيثمِيُّ الحديثَ في "مجَمَع الزَّوائد"(3/ 143)، وأعَلَّه بهلالِ بن عبد الرَّحمن. وعبدُ الرَّحمن بنُ قيسٍ شرٌّ منه.

والحديثُ أيضًا ضعَّفَهُ المُنذريُّ في "التَّرغيب"(2/ 103 - 104)، إِذ صدَّرَه بقوله:"رُوِيَ"، كما نَصَّ عليه في مُقدِّمة الكتاب، وكان اللَّائِقُ بِهِ رحمه الله أن يحذِفَهُ مِن كتابه؛ لشدَّةِ ضعفِه، فلو اكتفَى بالصَّحيح والحسَنِ وما يُقارِبُهما ممَّا ضعفُه مُحتَمَلٌ، لَهَانَ الأمرُ، ولكنَّهُ أدخَل الموضوعاتِ والبواطيلَ والمناكيرَ في كِتابه، والضَّعيفَ أيضًا، وصدَّر الكُلَّ بقولِه:"رُوِيَ"، فَضَاعَ علَى النَّاس مَعرِفَةُ شديدِ الضَّعف مِمَّا ضعفُه مُحتمَلٌ. فاللهُ المُستَعان.

ص: 21

134 -

سُئلتُ عن حديث: "يَدخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتِي الجَنَّةَ قَبلَ أَغنِيَائِهِم بِأَربَعِينَ خَرِيفًا"، قالُوا:"صِفهُم لَنَا يَا رَسُولَ الله"، قال:"هُمُ الشَّعَثَةُ رُؤُوسُهُم، الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُم، الَّذِينَ لَا يُؤَذَنُ لهُم عَلَى السُّدَّاتِ، وَلَا يَنكِحُونَ المُتَنَعِّماتِ، تُوكَلُ بِهِم مَشَارِقُ الأَرضِ وَمَغَارِبُهَا، يُعطُونَ كُلَّ الَّذِي عَلَيهِم، وَلَا يُعطَوْنَ كلَّ الَّذِي لَهُم".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ الطَّبرانيُّ في "الكبير"(ج 12/ رقم 13223)، وفي "الأوسط" (ج 1/ ق 199/ 1) قال: حدَّثَنَا الحُسينُ بنُ إسحاقَ التُّستَرِيُّ ..

والإسماعيليُّ في "مُعجَمه"(رقم 45 - بتحقيقي) من طريق أبي زُرعة الرَّازيِّ عُبيدِ الله بن عبد الكريم، قالا: ثنا عليُّ بنُ بحرٍ، ثنا قتادةُ بنُ الفضل، قال: سمِعتُ أبا حاضرٍ يُحدِّثُ، عن الوُضَيْنِ بن عطاءٍ، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه ابن عُمَر مرفُوعًا فذَكَرَهُ بتمامِهِ.

وسَنَدُه ضعيفٌ أو واهٍ؛ وقتادةُ بنُ الفضل ذكرَهُ ابن حِبَّانَ في "الثِّقات"، وقال أبُو حاتمٍ:"شيخ".

وأبُو حاضرٍ قال الذَّهَبيُّ في "الميزان"(4/ 512): "مجهُولٌ".

أمَّا الهيثميُّ فقال في "المَجمَع"(1/ 170): "أبو حاضرٍ عبدُ الملِك

ص: 22

ابن عبد ربِّه: مُنكَرُ الحديث"، وصنيع الذَّهَبيِّ التفريقُ بينهُما.

والوُضَيْنُ بنُ عطاءٍ في حفِظِه سوءٌ.

وقال الطَّبَرانيُّ: "لا يُروَى عن ابن عُمَر إلَّا مِن هذا الوجهِ، ولم يُحدِّث به إلَّا عليُّ بنُ بحرٍ" ا. هـ.

وعليُّ بن بحرٍ ثقةٌ، والشَّأنُ في غيرِه كما تقدَّم.

وقال المُنذِريُّ في "التَّرغيب"(4/ 136)، والهَيثميُّ في "المَجمع" (10/ 260) بعد ذِكر الحديث:"رُواتُه ثقاتٌ" كذا قالَا!

وقد رجَّح الهَيثميُّ أنَّ أبا حاضرٍ هو عبدُ الملِك بنُ عبد ربِّه، ووَصَمَهُ بأنَّهُ مُنكَرُ الحديث، فكيف يقولُ:"رُواتُه ثقاتٌ"! وحتَّى لو فرَّق بينَهُمَا كما فعل الذَّهبيُّ، فأبو حاضرٍ الذي يَروِي عن الوُضَينِ مجهولٌ.

هذا، مع ما قيل في حِفظ الوُضَينِ.

فقَولهُما، على جميع الوُجوه لا يستقِيمُ. واللهُ أعلَمُ.

ولكن، للحديث شواهدُ يصِحُّ بها ..

* فأمَّا أوَّلُه فصحَّ عن عبد الله بن عمرٍ رضي الله عنهما.

أخرَجَهُ مُسلِمٌ في "صحيحه"(2979/ 37) من طريق ابن وهبٍ، أخبَرَنِي أبُو هانئٍ، سمعَ أبا عبد الرَّحمن الحُبُليَّ، قال: وجاء ثلاثةُ نَفَرٍ إلى عبد الله بن عمرو بن العاص وأنا عِندَه، فقالُوا: يا أبَا مُحَمَّدٍ! إنَّا والله!، ما نَقدِرُ على شيءٍ، ولا نَفَقةٍ، ولا دابَّةٍ، ولا مَتاعٍ. فقال لَهُم: ما شِئتُم: إِن شِئتُم رَجَعتُم إلينا فأعطينَاكُم ما يَسَّرَ اللهُ لكم، وإن شِئتُم ذَكَرنَا أمرَكُم للسُّلطان، وإن شئتُم صَبَرتُم، فإِنِّي سمعتُ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إِنَّ

ص: 23

فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ يَسبِقُونَ الأَغنِيَاءَ يَومَ القِيَامَةِ إِلَى الجَنَّةِ بِأَربَعِينَ خَرِيفًا".

قَالُوا: فَإِنَّا نصبِرُ، ولا نسألُ شيئًا.

وأخرَجَهُ أحمدُ (2/ 169)، وابنُ حِبَّانَ (ج 2/ رقم 678) من طريق حَيْوَةَ، حدَّثَنا أبو هانئٍ بسنده سواءٌ، بالمرفُوع وحدَهُ، دُون القِصَّة.

ولكن وَقَعَ عند ابن حِبَّانَ: "بسبعين - أو: أربعين - خريفًا"، هكذا وقَعَ الحديثُ عند ابن حِبَّانَ علَى الشَّكِّ.

وقد رواه أحمَدُ، قال: حدَّثَنا أبو عبد الرَّحمن، ثنا حَيْوَةُ - وهُو: ابن شُريحٍ -.

وأخرَجَهُ ابنُ حِبَّان من طريق أبي خَيثَمة زُهيرِ بن حربٍ - وهو ثِقَةٌ حافِظٌ -، ثنا عبدُ الله بنُ يزيدَ المقرئُ - وهو أبو عبد الرَّحمن، شيخُ أحمدَ فيه -.

فلعلَّ الشَّكَّ مِن أبي خَيثَمة، أو مِن أبي يَعلَى، راوِيهِ عنهُ. واللهُ أعلَمُ.

ففِي رِواية أحمدَ، عن المُقرئِ، قال:"بأربعين خريفًا"، ولم يشُكَّ.

وكذلك رواه هارُون بن مَلُّولٍ المصريُّ، عن المُقرئِ، مِثلَ رِواية أحمدَ.

أخرجَهُ الطَّبرانيُّ في "المُعجَم الكبير"(42 - الجزء المُتَمِّم)، والنَّسائيُّ في "السُّنَن الكُبرَى"(5876)، والدَّارِميُّ (2/ 245)، وابنُ حِبَّانَ (677)، والبَيهقِيُّ في "البعث والنُّشُور"(411) من طريق مُعاوِية بن صالحٍ، عن عبد الرَّحمن بن جُبيرِ بن نُفيرٍ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرٍو، قال: بينَمَا أنا جالسٌ في المسجِدِ وحلقَةٌ من فُقراء المُهاجِرين وسط المسجد جلوسٌ، فدخَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجدَ نِصفَ النَّهارِ،

ص: 24

فانطلقَ إِليهِم، فجَلَسَ معَهُم، فلمَّا رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ إلَيهِم قُمتُ إليه، فأدرَكتُ مِن حديثِه وهُو يقولُ:"بَشِّر فُقَراءَ المُهاجِرين: إِنَّهم لَيَدخُلُون الجَنَّة قبل الأغنياء بأربعين عامًا".

وسَنَدُه صحيحٌ، وهذا لفظُ ابن حِبَّانَ.

وعِند الباقين: "قال عبدُ الله بنُ عمرٍو: فَلَقَد رأيتُ ألوانَهم أَسْفَرَت، حتَّى تمنَّيتُ أَن أكُون مِنهُم".

وعِند الدَّارِميِّ: " - أو: مَعَهُم - ".

وأخرَجَهُ الحاكِمُ في "المُستدرَك"(2/ 70)، وعَنهُ البيهقيُّ في "الشُّعَب"(ج 8/ رقم 3955) مِن طريق مُحمَّد بن عبد الله بن عبد الحكَم، أخبَرَنَا ابنُ وهبٍ، أخبَرَنِي سعيد بن أبي أيُّوبَ، عن عيَّاش بن عبَّاسٍ، عن أبي عبدِ الرَّحمن الحُبُليِّ، عن عبد الله بن عمرٍو، قال: قال لِي رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَعلَمُ أوَّلَ زُمرَةٍ تَدخُلُ الجَنَّة مِن أُمَّتِي؟ "، قال: اللهُ ورسُولُه أعلَمُ! .. فقال: "فُقَرَاءُ المُهاجِرِين. يأتُونَ يومَ القِيامَة بابَ الجنَّةِ، ويستَفتِحُون، فيَقُولُ لهم الخَزَنةُ: أَوَقَد حُوسِبتُم؟ قالُوا: بأيِّ شيءٍ تُحاسِبُونَا؟! وإنَّما كانت أسيافُنا على عواتِقِنَا في سبيلِ الله، حتَّى مُتنا على ذَلِك. - قال: - فَيُفتَح لهم، فيَقِيلُون فيه أربعين عامًا قبلَ أن يَدخُلَها النَّاسُ".

قال الحاكِمُ: "صحيحٌ على شرط الشَّيخين"، ووافَقَهُ الذَّهبيُّ.

وليس كما قالَا، والصَّوابُ أنَّه على شرط مُسلِمٍ؛ فهذه التَّرجمة:"سعيد بن أبي أيُّوب، عن عيَّاش بن عبَّاسٍ، عن أبي عبد الرَّحمن الحُبُليِّ"، لَم

ص: 25

يُخرِّجها البُخاريُّ، ولم يَروِ البُخاريُّ شيئًا لعيَّاش بن عبَّاسٍ.

وأخرَجَهُ أحمد (2/ 168)، وعَبدُ بنُ حُميدٍ في "المُنتخَب"(352)، والمُعافَى بنُ عِمرَان في "الزُّهد"(56)، وابنُ حِبَّانَ (7421)، وابنُ أبي عاصمٍ في "الأوائل"(57)، وابنُ جَرِيرٍ في "تفسِيرِه"(4/ 216)، وأبُو نُعيمٍ في "الحِلية"(1/ 347)، وفي "صِفَة الجَنَّة"(81، 92)، والبَزَّار في "مُسنَدِه"(3665 - كشف الأستار)، والطَّبَرَانِيُّ في "الكبير"(ج 13/ رقم 152 - قطعةٌ منه)، والبيهقيُّ في "البَعث"(414)، وفي "الشُّعَب"(ج 8/ رقم 3954)، عن الحاكِم، وهو في "المُستدرَك"(2/ 71 - 72)، وأبو عَرُوبَةَ في "الأوائل"(103)، والأَصبَهَانِيُّ في "التَّرغيب"(810) مِن طريق أبي عُشَّانَة حدَّثَه، قال: سمِعتُ عبدَ الله بنَ عمرٍو يقُول:

وسَاقَ الحديث بنحوِهِ، مع اختلافٍ في سياقِه.

ورواه عن أبي عُشَّانَةَ: عَمرُو بنُ الحارِث، وابنُ لهِيعَةَ، ومَعرُوفُ بنُ سوَيدٍ.

قال المُنذِرِيُّ في "التَّرغيب"(2/ 319 - 320): "إسنادُهُ حسَنٌ، لكن متنُهُ غريبٌ".

• وأمَّا آخِرُ الحديثِ فلَهُ شواهدُ مِنهَا حديثُ ابن عُمَر، مرفُوعًا:"حَوضِي مَا بينَ عدنَ وعمَّانَ، أبرَدُ من الثَّلج، وأحلَى مِنَ العَسَلِ، وأطيبُ ريحًا من المِسك، أكوابُه مثلُ نُجوم السَّماء، مَن شَرِبَ مِنهُ شربةً لم يظْمَأْ بعدَهَا أبدًا، أوَّلُ النَّاس عليه وُرُوْدًا صعاليكُ المُهاجِرين"، قال قائل: وَمَن هُم، يَا رسول الله؟. قال: "الشَّعَثَةُ رُؤُوسُهم، الشُّحبَةُ

ص: 26

وُجُوهُهُم، الدَّنِسَةُ ثِيَابُهم، لا يُفتح لهُم السُّدَدُ، ولا يَنكِحُون المُتنَعِّمات، الذين يُعطُون كلَّ الذي عليهم، ولا يأخُذُون الذي لهم".

أخرجه أحمد (2/ 132) قال: حدَّثنا أبو المُغيرة، ثنا عمرُو بنُ عمرٍو أبُو عُثمان الأُحمُوسِيُّ، حدَّثَني المُخارِقُ بنُ أبي المُخارِقِ، عن عبد الله بن عُمَرَ بن الخطَّاب رضي الله عنهما.

قال المُنذِريُّ في "التَّرغيب"(4/ 420): "إسنادُهُ حَسَنٌ".

وقال الهَيثميُّ في "المَجمَع"(10/ 366): "رواه أحمدُ، والطَّبَرانيُّ، مِن رواية عمرو بن أبي عمرٍو الأُحمُوسِيِّ، عن المُخارِق بن أبي المُخارِق - واسمُ أبيه: عبدُ الله بنُ جابرٍ -، وقد ذكَرَهُ ابنُ حِبَّانَ في الثقات".

وله شاهدٌ آخرُ مِن حديث ثَوبَانَ رضي الله عنه.

أخرَجَهُ التِّرمذيُّ (2444)، وابنُ ماجَهْ (4353)، وأحمدُ (5/ 275 - 276)، والطَّيالسِيُّ (995)، والحاكِمُ (4/ 184)، وابنُ أبي الدُّنيَا في "الأولياء"(7)، وابنُ عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(2/ 293 - 294) مِن طرقٍ عن مُحمَّد بن المُهاجِر، عن العبَّاس بن سالمٍ اللَّخميِّ، عن أبي سلَّامٍ الحبشيِّ، قال: بَعَثَ إليَّ عُمَرُ بنُ عبد العزيز، فحُمِلتُ على البريدِ. قال: فلمَّا دَخَلَ عليه، قال: يا أَمِيرَ المؤمنين! لقد شَقَّ عليَّ مَركِبي البريدَ! فقال: يا أبا سلَّامٍ! ما أردتُ أن أَشُقَّ عليكَ، ولَكِن بَلَغَنِي عنك حديثٌ تُحدِّثُه، عن ثوبان، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحَوض، فأحببتُ أن تُشافِهَنِي به. قال أبو سلَّامٍ: حدَّثَنِي ثوبانُ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "حَوضِي من عدنَ إلى عمَّانَ البلقاءِ، ماؤُهُ أشدُّ بياضًا من اللَّبن، وأحلَى من العَسَلِ،

ص: 27

وأَكَاوِيبُهُ عدَدُ نجوم السَّماء، مَن شَرِبَ مِنهُ شربةً لم يَظْمَأْ بعدَها أبدًا، أوَّلُ النَّاس وُرُودًا عليه فُقراءُ المُهاجِرين، الشُّعْثُ رُؤُوسًا، الدُّنُسُ ثيابًا، الذين لا يَنكِحُون المُتنعِّمات، ولا تُفَتَحُ لهُم السُّدَدُ". قال عُمَر: لكنِّي نَكَحتُ المُتنعِّماتِ، وفُتِح لي السُّدَدُ، ونكحتُ فاطمةَ بنتَ عبد الملِك، لا جَرَمَ! أَنِّي لا أَغسِلُ رَأسِي حتَّى يَشعَثَ، ولا أغسلُ ثوبي الذي يلي جسَدِي حتَّى يتَّسِخ.

وصَحَّحه الحاكِمُ، ووافَقَهُ الذَّهبيُّ، وهُو كما قالَا.

وقد اختُلف في سنَدِه، وشَرَحتُ ذلك في تَخرِيجِي على "مُعجَم الإسماعيليِّ"، فلِلَّهِ الحمدُ.

ص: 28

135 -

سُئلتُ عن حديث: "لَا تُمَثِّلُوا بِالبَهَائِمِ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ النسَائيُّ (7/ 238)، وابنُ عساكر في "تاريخ دمشق"(ج 16/ ق 765) مِن طريق عبد العزيز بن أبي حازمٍ ..

وأبو عمرٍو السَّمَرقندِيُّ في "الفوائد المُنتقاة"(80 - بتحقيقي) مِن طريق عبد العزيز بن مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَردِيِّ، كِلاهُما عن يزيدَ بن الهادِ، عن مُعاوية بن عبد الله بن جَعفَرٍ، عن أبيه، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَّ بقومٍ يرمُون كَبشًا بالنَّبل، فكَرِهَ ذلكَ، وقالَ:"لَا تُمُثِّلُوا بالبهائم".

وسَنَدُه جيِّدٌ.

وفي الباب عن ابن عُمَرَ.

أخرَجَهُ النَّسائِيُّ، وأحمد (2/ 13)، بسَنَدٍ قويٍّ.

وأمَّا النَّهيُ عن التَّمثيل بذوات الأرواح ففيه حديثُ بُرَيدَةَ بن الحُصَيب، عند مُسلِمٍ، وأصحاب السُّنَن، إلَّا النَّسائيِّ، كما حقَّقتُه في "غَوْثِ المكدُود بتخريج مُنتَقَى ابن الجَارُود"(رقم 1056)، وهو مطبوعٌ.

ص: 29

136 -

سُئلتُ عن حديث: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَكثَرَ صِيَامًا فِي شَعبَانَ، فَلَمَّا سُئِلَ عَن ذَلِكَ، قَالَ:"ذَاكَ شَهرٌ بَينَ رَجَب وَرَمَضَانَ، تُرفَعُ فِيهِ الأَعمَالُ إِلَى اللهِ، وَأُحِبُّ أَن يُرفَعَ عَمَلي وَأَنَا صَائِم".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ النَّسائيُّ (4/ 202)، وابن أبي شَيبة (3/ 103)، والمَحامِليُّ في "الأمالي"(486)، وأبو سَهلٍ بنُ زيادٍ القَطَّانُ في "الرَّابع من حديثه"(ق 33/ 2)، والبيهقيُّ في "الشُّعَب"(ج 7/ رقم 3540)، وفي "فضائل الأوقات"(21)، والضِّياءُ المَقدسيُّ في "المُختارَة"(1319، 1320) مِن طُرُقٍ عن زيد بن الحُباب، قال: حدَّثَنا ثابتُ بنُ قيسٍ، قال: حدَّثَنِي أبو سعيدٍ المَقبُرِيُّ، قال: حدَّثَنِي أبو هُريرَة، عن أُسامَةَ بن زيدٍ فذَكَرَهُ.

وهو عِند بعضِهِم مُطوَّلٌ.

وقد خُولِف زيدُ بنُ الحُباب في إسناده ..

خالَفَهُ عبدُ الرَّحمن بنُ مهديٍّ، فرواه عن ثابت بن قيسٍ، قال: حدَّثَنِي أبو سعيدٍ المَقبُريُّ، عن أُسامة بن زيدٍ، فذكره.

فسَقَطَ ذِكرُ: أبي هُريرَة.

أخرَجَهُ النَّسائيُّ (4/ 201)، وأحمَدُ (5/ 201)، والمَحامليُّ في "الأمالي"(485)، وابنُ عديّ في "الكامل"(2/ 519).

ص: 30

وتابع عبدَ الرَّحمن بنَ مهديٍّ: إسماعيلُ بنُ أبي أُويسٍ، قال: حدَّثني أبُو الغُصنِ ثابتُ بنُ قيسٍ مولى عُقيلٍ. فذكره بطولِه.

أخرَجَهُ البيهقيُّ في "الشُّعَب"(3541) من طريق الحَسَن بن عليّ بن زيادٍ السَّرِيِّ، حدَّثنا ابنُ أبي أُويسٍ بهذا.

وعزاه الحافظُ في "الفتح"(4/ 215) لأبي داوُد، وتَبِعَهُ على هذا العزوِ الصَّنعانيُّ في "سُبُل السَّلام"(2/ 673)، والشَّوكانيُّ في "نيل الأوطار"(4/ 246)، وما أَرَاهُ إلَّا وَهْمًا.

وعزاه الحافظُ أيضًا لابن خُزَيمة في "صحيحه".

وقال البيهقيُّ: "تَفرَّدَ به هذا الغِفاريُّ، وهو أبو الغُصن ثابتُ بنُ قيسٍ" انتهَى.

وأبُو الغُصن هذا اختلف فيه أهلُ العِلم. فوثَّقَهُ أحمدُ، وابنُ حِبَّانَ. ثُمَّ إنَّ ابنَ حِبَّانَ تناقَضَ فيه، وذكَرَهُ في "المجروحين"(1/ 256)، وقال:"كان قليلَ الحديث، كثيرَ الوهَمِ فيما يَروِيه، لا يُحتَجُّ بخَبَرِه إذا لم يُتابِعه غيرُه عليه"، ثُمَّ نَقَلَ عن ابن مَعِينٍ أنَّهُ قال:"ضعيفٌ".

ونَقَلَ المِزِّيُّ في "تهذيب الكمال"(4/ 374)، عن ابن مَعِينٍ أنَّهُ قال:"لا بأس به"، وكذلك قال النَّسائيُّ.

وعن ابن معين أيضًا، قال:"حديثُهُ ليس بذاك، وهُو صالحٌ".

وقال الحاكِمُ: "ليس بحافظٍ، ولا ضابطٍ".

وختم ابنُ عديٍّ ترجَمَتَهُ بقولِه: "هو مِمَّن يُكتَبُ حديثُه".

وإيرَادُ ابن عديٍّ هذا الحديثَ في ترجمةِ ثابتٍ إشارةٌ مِنهُ إلى استنكارِهِ،

ص: 31

كما هي عادَتُه.

وعِندِي أن سَنَدَ هذا الحديث ضعيفٌ؛ لتَفرُّدِ أبي الغُصن به، كما قال البَيهقيُّ، فإِذَا أضفتَ إلى تَفرُّدِه أنَّه كان قليلَ الحديث، كثيرَ الوَهَم، كما قال ابنُ حِبَّانَ، تَرَجَّح لك ما قُلتُه، لاسِيَّما والأوهامُ قد تُغتَفَر لواسع الرِّواية مع الحِفظِ.

وأخيرًا: الاضطرابُ في سَنَدِه، وإن كُنتُ أُرجِّحُ روايةَ ابن مهديٍّ، وابن أبي أُوَيسٍ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 32

137 -

سُئلتُ عن حديث: قَالَت عَائِشَةُ رضي الله عنها: "مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكثَرَ صِيَامًا فِي شهرٍ غَيرِ رَمَضَانَ إِلَّا شَعبَانَ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرجَهُ البُخاريُّ (4/ 213)، ومُسلِمٌ (1156)، والنَّسائيُّ (4/ 200)، والتِّرمذيُّ (737)، وابنُ خُزَيمة (3/ 283)، وابنُ الجارُود في "المُنتقَى"(400)، وابنُ أبي شَيبة في "المُصنَّف"(3/ 103)، ومن طريقه أبُو طاهرٍ المُخلِّصُ في "سبعة مجالسَ من الأمالي"(ق 129/ 1)، والبَيهقيُّ في "الشُّعَب"(7/ 400، 401)، وفي "فضائل الأوقات"(18)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(6/ 328 - 329) من طُرُقٍ عن أبي سَلَمَة بن عبد الرَّحمن، عن عائشة.

ولَهُ طُرُقٌ أُخرَى عند أبي داوُد (2431)، والنَّسائيِّ (4/ 199) وغيرِهما.

ص: 33

138 -

سُئلتُ عن حديثٍ: ذَكَرَهُ الشُّوكانيُّ في "نيل الأوطار"، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى وَجُلًا مُسبِلًا إِزارَه، فأمَرَ أن يُعِيد الوُضُوء، أو الصَّلاة.

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.

أخرَجَهُ أبو داوُد (638، 4086) قال: حدَّثَنا مُوسى بنُ إسماعيل، حدَّثَنا أبانُ، حدَّثَنا يحيَى - هو: ابنُ أبي كَثيرٍ -، عن أبي جعفرٍ، عن عطاءِ بن يَسارٍ، عن أبي هُريرة، قال: بينما رجلٌ يُصلِّي مُسبِلًا إزارَهُ، فقالَ لَهُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم:"اذهب، فتوضَّأ"، فذَهَبَ فتوضَّأ، ثُمَّ جاء، فقال:"اذهب، فتوضَّأ"، فقالَ له رجُلٌ: يا رسُول الله! ما لَكَ أمرتَهُ أن يتوضَّأَ، ثُمَّ سكَتَّ عنه؟ قال:"إِنَّه كان يُصلِّي وهو مُسبِلٌ إزارَه، وإنَّ الله لا يَقبَلُ صلاةَ رجُلٍ مُسبلٍ".

وأخرَجَهُ البيهقيُّ في "السُّنَن الكبير"(2/ 241) من طريقِ أبِي إسماعيلَ التِّرمذيِّ - وليس هو التِّرمذيَّ صاحبَ "السُّنَن" -، قال: ثنا مُوسى بنُ إسماعيل بسَنَدِه سواءٌ.

ثُمَّ قال البيهقيُّ: "هكذا رَوَاهُ أبانُ العطَّارُ، عن يحيَى. وخالَفَهُ حربُ بنُ شدَّادٍ في إسناده".

ثمَّ رَوَاهُ مِن طريق حربِ بن شدَّادٍ، عن يحيَى بن أبي كَثيرٍ، قال: حدَّثَنِي إِسحاقُ بنُ عبد الله بن أبي طَلحَةَ، أن أبا جعفرٍ المدنيَّ حدَّثه، أن

ص: 34

عطاءَ بنَ يسارٍ حدَّثَهُ، أن رَجُلًا مِن أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حدَّثَهُ، قال: بينَمَا نحنُ مَع رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فجَعَلَ رجُلٌ يُصلِّي، فقال له رسُول الله صلى الله عليه وسلم:"اذهب، فتوضَّأ"، وساق الحديث.

• قلتُ: قلتُ: هكذا رواه حربُ بنُ شدَّادٍ.

وخالَفَهُ هِشامٌ الدَّستُوائيُّ، فرواه عن يحيَى بن أبي كَثيرٍ، عن أبي جَعفَرٍ، أن عطاء بن يَسارٍ حدَّثهم، قال: حدَّثَنِي رجلٌ مِن أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إِنَّهُ لا تُقبَلُ صلاةُ رجلٍ مُسبلٍ إزارَه".

أخرَجَهُ النَّسائيُّ في "كتاب الزِّينة"(5/ 488 - السُّنَن الكُبرى) مِن طريق خالدِ بن الحارِث، قال: ثَنَا هِشامٌ ..

وأخرَجَهُ أحمدُ (4/ 67 و 5/ 379) قال: حدَّثَنَا يُونُسُ بنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أبانُ. وعبدُ الصَّمَد، ثنا هشامٌ، عن يَحيَى بن أبي كَثيرٍ، عن أبي جَعفَرٍ، عن عطاء بن يَسارٍ، عن بعض أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فذَكَرَهُ مِثلَ رواية أبي داوُد.

فاختَلَفَ هشامٌ الدَّستُوائيُّ، وحربُ بنُ شدَّادٍ ..

فأَسقَطَ هِشامٌ ذِكرَ "إِسحاقِ بن عبد الله"، وأثبَتَهُ حربٌ.

ويحيَى بنُ أبي كَثيرٍ مُدلِّسٌ، فكأنَّهُ لم يَسمَع هذا الحديثَ مِن أبي جَعفَرٍ، بدَلالة رِواية حربِ بن شَدَّادٍ.

والصَّوابُ في هذا الإسناد، أنَّهُ عن عطاءِ بن يَسارٍ، عن رَجُلٍ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقد اختُلِفَ على أبانَ العطَّارِ في ذلك ..

ص: 35

فرواه إسماعيلُ بنُ مُوسَى التَّبُوذَكِيُّ عنه، فقال:"عن أبي هُريرَة".

ورواه يُونُس بن مُحمَّدٍ عنه، فأبهَمَ الصَّحابيَّ.

فهذا اضطرابٌ في سنَدِ الحديثِ.

ثُمَّ أبُو جعفرٍ هذا، قال المُنذِريُّ في "التَّرغيب" (3/ 92):"وَأَبُو جعفرٍ المَدنيُّ، إِن كان مُحمَّدَ بن عليِّ بن الحُسين، فرِوايَتُه عن أبي هُريرَة مُرسَلَةٌ، وإِن كان غيرَ، فلا أعرفه" ا. هـ.

كذا قال! وأبو جعفرٍ لا يرويه في هذا الحديثِ عن أبي هُريرَة حتَّى يُقال ذَلك، وإِنَّما يروِيه عن عطاء بن يَسارٍ، عن أبي هُريرَة.

والصَّوابُ أنَّهُ ليس البَاقِرَ، بل هُو أبو جَعفَرٍ المُؤذِّنُ الأنصاريُّ: مجهولٌ. قال الحافِظُ في "التَّقريب"(رقم 8075): "ومَن زَعَمَ أنَّهُ مُحمَّدُ بنُ عليِّ بن الحُسين فقد وَهِم".

وقد قال المُنذريُّ في "مُختصَر سُنَن أبي داوُد"(1/ 324): "في إسناده أبو جَعفَرٍ: رَجُلٌ مِن أهل المدينة، لا يُعرَفُ اسمُه".

فَمِن عَجَبٍ، أن يَقُولَ الهَيثميُّ في "مَجمَع الزَّوائد" (5/ 125):"رَوَاهُ أحمَدُ، ورجالُهُ رجالُ الصَّحيح"!!

وأَعجَبُ مِنهُ وأغربُ قولُ النَّوَوِيِّ في "رياض الصالحين"(ص 358): "رواه أبو داوُد، بإسنادٍ على شرط مُسلِمٍ"!!

ص: 36

139 -

سُئلتُ عن حديثٍ: عن أُمِّ رُومَانَ، قالَت: رآني أبُو بكرٍ رضي الله عنه أَمِيلُ في الصَّلاة، فزَجَرَنِي زجرةً، كِدتُ أنصرفُ مِن صَلاتي، ثُمَّ قالَ: سمِعتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُم إِلَى الصَّلَاةِ فَلْيُسَكِّن أَطرَافَهُ، وَلَا يَمِيلُ مَيلَ اليَهُودِ؛ فَإِنَّ تَسكِينَ الأَطرَافِ مِن تَمَامِ الصَّلَاةِ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا.

أخرجَهُ ابن عديٍّ في "الكامل"(2/ 620)، وأبُو نُعيمٍ في "الحِلية"(9/ 304) مِن طريق هِشام بن عَمَّارٍ، ثنا مُعاوِيةُ بُن يَحيَى الطَّرابُلسيُّ، ثنا الحَكَمُ بنُ عبد الله الأَيْليُّ، عن القَاسم بن مُحمَّد، عن أسماءَ بنت أبي بَكرٍ، عن أُمِّ رُومَانَ، وساقت الحديث.

وأخرَجَهُ أبُو نُعيمٍ أيضًا مِن طريق مُحمَّد بن المُبارَك الصُّورِيِّ، ثنا مُعاويةُ بنُ يَحيَى بسَنَدِه سواءٌ.

وهذا سَنَدٌ ضعيفٌ جدًّا؛ والحَكَم بنُ عبد الله تالفٌ البتَّة، قال أحمدُ:"أحاديثُهُ كلُّها موضوعةٌ"، وقال النَّسَائيُّ والدَّارَقُطنيُّ وآخَرُون:"مَترُوكُ الحديث"، وكَذبَهُ السَّعديُّ وأبُو حاتمٍ، ولذلك كان ابنُ المبارك شديدَ الحَملِ عليه.

وأورَدَ ابن عديٍّ هذا الحديث مِن مناكيرِهِ، ثُمَّ خَتَم ترجمَتَه بقوله: "وبهذا

ص: 37

الإسناد أيضًا، غيرَ ما ذَكَرتُ، أكثرُ مِن خمسةَ عشر حديثًا، كُلُّها مَعَ ما ذَكَرتُها موضُوعةٌ، وما هُو مِنهَا معرُوفُ المَتن فهُو باطلُ الإسنادِ، ومَا أملَيتُ للحَكَمِ، عن القَاسِم بن مُحَمَّدٍ، والزُّهريِّ وغَيرِهم، كُلُّها باطِلَةُ المتن

وكُلُّها مِمَّا لا يُتابِعُه الثِّقاتُ علَيه، وضَعفُهُ بيِّنٌ على حديثِه".

ثُمَّ مُعاوِيةُ بنُ يَحيَى الأَطرابُلسيُّ: ضعيفٌ.

ص: 38

140 -

سُئلتُ عن حديث: "إِنَّ لله مَلَائِكَةً الأَرضِ سِوَىَ الحَفَظَةِ يَكتُبُونَ مَا سَقَطَ مِن وَرَقٍ، فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكم شَيءٌ بِأَرضِ فَلَاةٍ، فَلْيُنَادِ: أَعِينُونِي".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرجه البزَّارُ في "مُسنَده"(3128 - كشف الأستار) من طريق حاتمِ بن إسماعيلَ، عن أُسامة بن زيدٍ، عن أبانَ بن صالحٍ، عن مُجاهدٍ، عن ابن عبَّاسٍ فذَكَرَهُ مرفوعًا.

قال البَزَّارُ: "لا نَعلَمُهُ يُروَى عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذا اللَّفظ إلَّا بهذا الإسناد".

قال الحافِظُ في "نتائج الأفكار" - كما في "الفُتُوحات الرَّبَّانيَّة"(5/ 151) -: "هذا حديثٌ حَسَنُ الإسنادِ، غريبٌ جدًّا".

وحَسَّنَهُ السَّخاوِيُّ في "الابتهاج".

وقال الهَيثميُّ: "رِجالُه ثقاتٌ"، وأُسامَةُ بن زيدٍ كان يَغلَطُ.

وقد أخرَجَهُ البيهقيُّ في "الشُّعَب"(ج 1/ رقم 165) من طريقِ عبد الله بن فرُّوخٍ، أخبَرَنِي أُسامة بنُ زيدٍ، حدَّني أبانُ بنُ صالحٍ، عن مُجاهدٍ، عن ابن عبَّاسٍ موقُوفًا.

وتابَعَهُ أيضًا رَوحُ بن عُبادة، وجعفرُ بنُ عونٍ - وهُمَا مِن الثِّقاتِ الأثباتِ -، فَرَوَيَاهُ عن أسامة بن زيدٍ، بسنده سواءٌ موقُوفًا.

ص: 39

أخرجَهُ البَيهقِيُّ أيضًا (رقم 7697 - طبع بيروت).

فالصَّوابُ أنَّ الحديثَ مُعَلٌّ بالوقف، ولا يَصِحُّ مرفُوعًا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وله شواهدُ ذَكَرَهَا شيخُنا الألبانيُّ - حفظه الله - في "الضَّعيفَة"(656)، فَرَاجِع بحثَه غيرَ مأمُورٍ.

ص: 40

141 -

سُئلتُ عن حديثٍ: عن الهيثمِ بن حَنَشٍ، قال: كُنَّا عند عبدِ الله بن عُمَر رضي الله عنهما، فَخَدِرَتْ رِجلُه، فقال له رجُلٌ:"اذكُر أَحَبَّ النَّاسِ إِليكَ"، فذَكَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكأَنَّمَا نَشِطَ مِن عقالٍ.

• قلتُ: قلتُ: أخرَجَهُ ابنُ السُّنِّيِّ في "اليوم واللَّيلة"(169) من طريق مُحمَّد بن مُصعَبٍ، ثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاق، عن الهيثم بن حَنَشٍ، قال: كُنَّا عِنَد عبد الله بن عُمَر فذكره.

ومُحمَّدُ بن مُصعَبٍ هو القُرْقُسَانِيُّ: ضعيفٌ.

وقد خُولِف إسرائيلُ ..

خالَفَهُ سُفيانُ الثُّوريُّ، فرواه عن أبي إِسحاقَ، عن عبدِ الرَّحمنِ بن سعدٍ، قال: خَدِرَت رِجْلُ ابن عُمَر، فقال له رجُلٌ:"اذكُر أحبَّ النَّاس إليك"، فقال:"مُحمَّدٌ".

أخرَجَهُ البُخاريُّ في "الأدب المُفرَد"(964) قال: حدَّثَنَا أبو نُعيمٍ، ثنا سُفيانُ به.

والثَّورِيُّ أَثبَتُ في أبي إِسحاقَ مِن إسرائيلَ.

وعبدُ الرَّحمن بنُ سعْدٍ ثقةٌ.

فهذا الوجهُ قوِيٌّ.

ص: 41

وقَد رَواهُ أبُو بكرٍ بنُ عيَّاشٍ، عن أبي إِسحاقَ، عن أبي سعدٍ، قال: كُنتُ أَمشِي مع ابنِ عُمَرَ وذَكَرَ نحوَه.

أخرجَهُ ابنُ السُّنِّيِّ (167).

والمُعتَمَدُ رِوايَةُ الثَّوريِّ.

والله أعلم.

ص: 42

142 -

سُئلتُ عن حديثٍ: أحْرَجَهُ مُسلِمٌ في "صحيحه"، عن أبي هُريرة رضي الله عنه: "سَبعَةٌ، يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ

"، وفيه: "

وَرَجُلٌ تَصدَّقَ بِشِمَالِهِ، حَتَّى لَا تَعلَمَ يَمِينُهُ مَا أَنفَقَت شَمالُه" ..

وسُئلتُ عن: قول عُلماء الحديث: "إنَّ هذه الفقرةَ مقلوبَةٌ": هل هذا صحيحٌ؟ وهل هذا الخطأُ - إِن ثَبَتَ - من الإمام مُسلِمٍ أو مِمَّن دُونَه؟

• قلتُ: قلتُ: هذا الحديثُ يرويه يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ، عن عُبيد الله بن عُمَر، قال: أخبَرَنِي خُبَيبُ بنُ عبد الرَّحمن، عن حَفْص بن عاصمٍ، عن أبي هُريرَة رضي الله عنه مرفُوعًا: "سَبعَةٌ، يُظِلُّهُم الله عز وجل في ظِلِّه، يوم لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه

"، وساق الحديث.

وقد وَقَعَت الفقرةُ التي سَألَ عنها السَّائلُ مقلوبةً في "صحيحٌ مُسلِمٍ"، وظنَّ بعضُ أهل العِلم أن هذا الوَهَمَ من الإمام مُسلِمٍ، ولم يُصِب في ذلك، ولا هو مِمَّن دُون مُسلِمٍ، فقد نَقَلَ الحافظُ في "الفتح"(3/ 146)، عن الجَوْزَقِيِّ، قال: سمِعتُ أبا حامدٍ بنَ الشَّرقيِّ، يقولُ:"يحيَى القَطَّانُ عِندَنَا واهمٌ في هذا"، فتعقَّبَه الحافظ في "الفتح" قائلًا: "والجزمُ بكون يحيى هو الواهم نَظَرٌ؛ لأنَّ الإمامَ أحمدَ قد رواه عَنهُ على الصَّوَاب.

ص: 43

وكذَلِكَ أخرَجَه البُخاريُّ هنا، عن مُحمَّد بن بَشَّارٍ، وفي "الزَّكاة"، عن مُسَدَّدٍ. وكذا أخرَجَهُ الإسماعيليُّ، مِن طريق يَعقُوبَ الدَّورقيِّ، وحفصِ بن عُمَر، كُلِّهم عن يحيَى. وكأنَّ أبا حامِدٍ لَمَّا رأَى عبدَ الرَّحمن قد تابَعَ زُهيرًا، تَرَجَّحَ عِندَه أن الوهَم مِن يحيى، وهو مُحتَمَلٌ، بأن يكُون مِنهُ لَمَّا حدَّث به هذين خاصةً، مع احتمالِ أن يكُون الوهَمُ مِنهُما، تَوَارَدَا عَلَيه" انتهى كلامُه.

• قلتُ: قلتُ: وبحثُ الحافظ هذا يُرجِّحُ أن الوهَمَ مِن يحيى القَطَّان.

وكذلك قال ابنُ خُزَيمة في "صحيحه".

وبيانُه: أن أصحابَ يحيى القطَّان اختَلَفُوا عليه في هذا الحرف ..

فرواه مُسَدَّدُ بنُ مُسَرهَدٍ، وأحمدُ بنُ حَنبلٍ، وعمرُو بنُ عليٍّ الفَلَّاسُ، ومُحمَّدُ بنُ خلَّادٍ، ويعقُوبُ الدَّورقيُّ، وحفصُ بنُ عُمَرَ، ستَّتُهم عن يحيى القَطَّان بسَنَدِه، فقالُوا:"حَتَّى لَا تَعلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنفِقُ يَمِينُهُ".

ورواه زُهَيرُ بنُ حربٍ، ومُحمَّدُ بنُ المُثنَّى، وعبدُ الرَّحمن بنُ بِشر بن الحَكَم، ثلاثَتُهم عن يحيى القَطَّان، فرَوَوْا اللفظَ المَقلُوب.

ورواه مُحمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، عن يحيَى القَطَّان، باللَّفظين.

فأخرَجَهُ البُخارِيُّ عنه، عن القَطَّان، على الصَّوَابِ.

وأخرَجَهُ ابنُ خُزَيمة عنه، عن القَطَّان باللَّفظ المَقلُوب.

وقد رَوَاهُ مُحمَّدُ بنُ المُثنَّى، عن يحيى القَطَّان، على الصَّواب أيضًا.

فأخرَجَهُ البَزَّار في "مُسنَده"(ج 2/ ق 159/ 1 - 2) قال: حدَّثَنا مُحمَّد بنُ المُثنَّى، وعمرو بنُ عليٍّ، قالا: نا يَحيَى القَطَّانُ، بسنده سواءٌ، بلفظ:

ص: 44

"ورَجُلٌ تَصَدَّق بِصَدَقَةٍ، فأَخفَاهَا، حتَّى لا تَعلَمَ شِمالُه ما صَنَعت يمينُه -أو: ما تُنفِقُ يمينُه-".

فالحاصل، أن مُحمَّدَ بنَ المُثنَّى، ومُحمَّدَ بنَ بَشَّارٍ، رَوَيَاهُ عن يَحيَى القَطَّان باللَّفظين معًا، فدلَّ على أن الاختلافَ في هذا اللَّفظ مِن يحيَى القَطَّان، دُون الرواة عَنهُ.

وهذا هُو الصَّوابُ، الموافقُ لقواعدِ المُحَدِّثين، خِلافًا لِمَا ادَّعاهُ البَيهقِيُّ، أن الاختلافَ هُو مِن الرُّواة عن يَحيى. واللهُ تعالى أعلَمُ.

وقد رَوَاهُ مالكُ بنُ أنسٍ، وشعبةُ بنُ الحَجَّاج وغيرُهُما، عن خُبَيبِ بن عبد الرَّحمن، مثلَهُ على الصَّوَاب، مِن غير قَلبٍ.

والحمدُ للهِ.

ص: 45

143 -

سُئلتُ عن حديثٍ: في " تفسير القُرطُبيِّ "، وهو:" إِنَّ العَبدَ لَيُعَالِجُ كُرَبَ المَوتِ وَسَكَرَاتِ المَوتِ، وَإِنَّ مَفَاصِلَهُ لَيُسَلِّمُ بَعضُهَا عَلَى بَعضٍ، وَتَقُولُ: عَلَيكَ السَّلَامُ! تُفَارِقُنِي وَأُفَارِقُكَ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ ".

• قلتُ: هذا حديثٌ باطِلٌ موضُوعٌ.

ذَكَرَهُ القُرطُبيُّ في " تفسيره "(17/ 13)، في تفسير سُورَة {ق}. قال العِراقيُّ في "تخريج الإحياء" (4/ 463):" رُوِّينَاهُ في " الأربعين " لأبي هُدبةَ إبراهيمَ بنِ هُدبَة، عن أنسٍ. وأبُو هُدبَة هالكٌ ".

وذكر الزَّبيديُّ في " إتحاف السَّادة "(10/ 263) أنَّ الدَّيْلَمِيَّ أخرَجَه في " مُسنَد الفردوس "، وأبُو الفضل الطُّوسِيُّ في " عُيون الأخبار "، والقُشَيريُّ في " الرِّسالة ".

وإبراهيمُ بنُ هُدبَة، قال الدَّارَقُطنيُّ:" مترُوكٌ "، وكذلك قال النَّسَائيُّ. وقال أبُو حاتمٍ وغيرُه:" كذَّابٌ ". وقال عليُّ بنُ ثابتٍ: " هو أكذبُ من حِمَارِي هذا "!! وكذلك كذَّبَهُ سيِّدُ النُّقَّاد يحيى بنُ مَعِينٍ. وله نُسخةٌ باطِلةٌ عن أنسٍ. وقال ابنُ حِبَّانَ في " المجروحين "(1/ 114 - 115): " دَجَّالٌ من الدَّجَاجِلة، وكان رَقَّاصًا بالبصرة، يُدعَى إلى الأعراس، فيرقُصُ فيها، فلمَّا كَبِرَ جعل يَروِي عن أنسٍ، ويضَعُ عليه "، ثُمَّ ساق لَهُ ابن حِبَّانَ أباطيلَ.

ص: 46

144 -

سُئلتُ عن حديث: " جَاهِدُوا أَنفُسَكُم بِالجُوعِ وَالعَطَشِ، فَإِنَّ الأَجرَ فِىِ ذَلِكَ كَأَجرِ المُجاهِدِ فِىِ سَبِيلِ اللّه، وَإِنَّهُ لَيسَ مِن عَمَل أَحَبُّ إِلَى اللّهِ مِن جُوعٍ وَعَطَشٍ ".

• قلتُ: هذا حديثٌ باطِلٌ لا أصل له.

وقد قال الحافظ العِراقيُّ في " تخريج الإحياء "(3/ 69): " لم أَجِد له أصلًا".

وكذلك قال ابنُ السُّبكيِّ في " طبقات الشَّافِعية "(4/ 62).

ص: 47

145 -

سُئلتُ عن حديثٍ: يرويه ابنُ عبَّاسٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:" رُؤيَا الأَنبِيَاءِ وَحيٌ "، وفي رِوايَةٍ:" حَقٌّ ".

• قلتُ: هذا الحديثُ لا يَصِحُّ مرفُوعًا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

أخرَجَهُ ابن أبي حاتمٍ في " تفسيره " - كما في " ابن كَثيرٍ "(7/ 23) - قال: حدَّثنا عليُّ بن الحُسين بن الجُنيد، حدَّثَنا أبو عبد الملِك الكَرَنْدِيُّ، حدَّثَنا سُفيانُ بنُ عُيَينة، عن إسرائيل بن يُونُس، عن سِماكٍ، عن عِكرِمةَ، عن ابن عبَّاسٍ مرفُوعًا.

قال ابنُ كَثيرٍ: " لَيسَ هُو في شيءٍ مِن الكُتُبِ السِّتَّةِ مِن هذا الوَجهِ ".

والكَرَندِيُّ ما عَرَفتُه.

وقد خُولِفَ إسرائيلُ ..

خالفه سُفيانُ الثَّوريُّ، فرواه عن سِماكٍ، عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ قولَهُ غيرَ مرفُوعٍ.

أخرجه الطَّبَرانيُّ في " الكبير "(ج 12/ رقم 12302) قال: حدَّثَنا عبدُ الله بنُ مُحمَّد بن سعيد بن أبي مَريم، ثنا مُحمَّدُ بنُ يُوسُف الفِريابيُّ، ثنا سُفيانُ بهذا.

قال الهَيثَمِيُّ في " المَجمَع "(7/ 179): " عبدُ اللّه بن محُمَّد بن أبي مَريَم ضعيفٌ "، كذا! والصَّوَابُ أنَّهُ مَترُوكٌ، وقد ضعَّفَه الهَيثميُّ جدًّا في موضعٍ آخر مِن " المَجمَع"(2/ 173)، وهو اللَّائقُ.

ص: 48

لكنِّي وقَفتُ له على طريقٍ آخر إلى الثَّوريِّ.

أخرَجَهُ الحاكِمُ في " المُستدرَك "(2/ 431) قال: أخبَرَنِي أبو إسحاق إبراهيمُ بنُ محُمَّدٍ الزَّاهدُ الحِيْرِيُّ، ثنا مُحمَّدُ بنُ إسحاق الصَّنعانيُّ - صنعاءَ اليَمَن -، ثنا محُمَّدُ بنُ جُعْشُمٍ الصَّنعانيُّ، ثنا سفيانُ الثَّوريُّ بمسَنَدِه سواءٌ مثلَه.

قال الحاكِمُ: " هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشَّيخَين "، ووافَقَهُ الذَّهَبيُّ! وليس كما قالَا، وسِمَاكُ بن حربٍ لم يَحتَجَّ به البُخاريُّ.

ثُمَّ رواية سِماكٍ، عن عِكرمةَ وَقَعَ فيها اصْطرابٌ.

وشيخُ الحاكِم أبُو إسحاق الحِيْرِيُّ، ترجَمَهُ السَّمعانيُّ في "الأنساب"(4/ 290 - 291)، ونَقَلَ عن الحاكِمِ كلامًا عاليًا في زُهدِه ووَرِعه، ثُمَّ قال:" سَمِعَ بصنعاءَ اليَمَن مِن مُحمَّدِ بنِ إسحاق بن الصَّبَّاحِ الصَّنعانيِّ، عن مُحمَّد بن جُعشُمٍ جامِعَ الثَّوريِّ ".

ولَم أَعرِف شيئًا عن حال مُحمَّد بن إسحاق، وشيخِه.

لكنَّ الحاكمَ أخرَجَ هذا الأثرَ، في موضعٍ آخرَ من " المُستدرَك " (4/ 396) قال: حدَّثَنا أبو النَّضر الفقِيهُ، وأبو الحسن العَنَزيُّ، قالا: ثنا مُعاذُ بنُ نَجدةَ القُرشيُّ، ثنا قَبِيصةُ بنُ عُقبةَ، ثنا سُفيانُ، عن سِماكٍ، عن سعيدٍ، عن ابن عبَّاسٍ مِثلَهُ موقُوفًا.

وقال: " صحيحٌ علَى شرط مُسلِمٍ"، وسكت عَنهُ الذَّهبيُّ! -

ومُعاذُ بنُ نَجدة لم يُخَرِّج له مُسلِمٌ ولا أحَدٌ من الجَمَاعة الباقين شيئًا، ثُمَّ هُو مُتكَلَّمٌ فيه كما قال الذَّهَبيُّ. أضف إلما ذلك أنَّ العُلماء لَيَّنُوا رِواية

ص: 49

الفِريابيِّ، وقَبيصةَ، عن الثَّوريِّ.

والوجهُ الأوَّلُ المرفُوع مُعَلٌّ أيضًا. فالحديث لا يَصِحُّ مِن هذا الوَجه.

وقد أخرَجَ البُخاريُّ (1/ 238 - 239، و 2/ 344) مِن طريق سُفيان ابن عُيَينة، عن عمرِو بن دينارٍ، قال: سمِعتُ عُبيدَ بن عُميرٍ، يقولُ:" إنَّ رُؤيا الأنبياء وَحيٌ ".

وعزاه السِّيوطيُّ في " الدُّرِّ المنثور "(5/ 280) إلى عبد الرَّزَّاق، وعبدِ ابن حُميدٍ، وابن المُنذِر، وابن جَرِيرٍ، والطَّبَرانيِّ، والبَيهقِيِّ في " الأسمَاء والصِّفات ".

أمَّا الرِّواية الأُخرَى: أنَّ رُؤيَا النَّبيِّ حقٌّ.

فأخرَجَهَا أحمدُ (5/ 233)، ومِن طريقِهِ الطَّبَرانيُّ في " الكبير "(ج 20/ رقم 310)، والمَحامِليُّ في " الأمالي "(79) من طريق وهب بن جَريرٍ، قال: ثنا أَبِي، قال: سَمِعتُ الأعمشَ يُحدِّث، عن عبد الملِك بن مَيسَرةَ، عن مُصعَب بن سعدٍ، أنَّ مُعاذ بن جَبَلٍ قال:" والله! إِنَّ عُمَرَ لَفِي الجَنَّة! ومَا أُحِبُّ أنَّ لي حُمُرَ النَّعَم! وأَنَّكُم تَفتَرِقُون قَبل أن أُخبِرَكم لِمَ قُلتُ ذلك، - ثُمَّ ذَكَر رُؤيا النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم التي رآها في عُمَرَ. قال: - ورُؤيا النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حقٌّ ".

وأخرَجَهُ أحمدُ (5/ 245)، والطَّبَرانيُّ (308، 309) من طُرُقٍ عن مِسعر بن كِدامٍ، عن عبد الملِك بن مَيسَرة، عن مُصعب بن سعدٍ، عن مُعاذ بن جَبَلٍ نحوَه، وفيه:" أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم كان ما رَأَى في يَقظَتِه أو نومه فإِنَّهُ حقٌّ ".

ص: 50

قال الهَيثميُّ في " المَجمَع "(9/ 74): " رجالُه رجالُ الصَّحيح ".

• قلتُ: وكلامُ الهَيثميِّ لا يَعنِي أنَّ الإِسنادَ صحيحٌ، كما لا يَخفَى.

وعِلَّةُ هذا الإسناد الانقِطاعُ؛ فإنَّ مُصعبَ بن سعدٍ لم يُدرِك مُعاذًا، فقد صَرَّح أبُو زُرعةَ الرَّازيُّ - كما في " المراسيل "(206) - أنَّ مُصعَب بن سعدٍ لم يَسمَع مِن عليِّ بنِ أبي طالبٍ، فلِئَلَّا يسمَعَ مِن مُعاذٍ أَولَى؛ فإنَّ مُعاذًا رضي الله عنه تُوفِّي بالشَّام قديمًا، سنة ثماني عشرة. واللهُ أعلَمُ.

ثُمَّ وقَفتُ على كلام الحافظ في " الفتح "(1/ 239) فقال: " وقولُه: " رُؤيا الأنبياء وحيٌ "، رواه مُسلِمٌ مرفُوعًا، وسيأتِي في " التَّوحيد "، مِن رِواية شَريكٍ، عن أَنَسٍ ".

• قلتُ: أمَّا عزوُه هذا الحديثَ لمُسلِمٍ، فما أظنُّه إلا وهمًا، وقد اجتهدتُ في البحث عنه فلم أَقِف عليه، فَلْيُحرَّر هذا العزوُ. واللهُ أعلَمُ.

أمَّا ما قَصَدَهُ مِن حديثِ أنَسٍ، فقد أخرَجَهُ البُخاريُّ في " كتاب التَّوحيد "(13/ 478) مِن طريق شَريك بن عبد الله بن أبي نَمِرٍ، عن أنسِ بن مالكٍ قال:" ليلة أُسرِيَ برسُول الله صلى الله عليه وسلم مِن مسجدِ الكعبة، أنَّهُ جاءه ثَلاثَةُ نَفَرٍ قَبلَ أن يُوحَى إليه وهُو نائمٌ في المسجد الحرام، فقال أوَّلُهُم: " أيُّهُم هو؟ "، فقال أوسطُهُم: " هو خَيرُهُم "، فقال أحدُهم: " خُذُوا خيرَهُم "، فكانت تلك اللَّيلة فَلَم يَرَهُم، حتَّى أتَوهُ ليلةً أُخرَى، فيما يَرَى قَلْبُه وتنام عينُه ولا ينام قَلْبُه، وكذلك الأنبياءُ، تَنَامُ أعيُنُهم ولا تنامُ قُلُوبُهم

" الحديث.

ورِوايَةُ أنسٍ رضي الله عنه هي بمعنى الحديث المسئُول عنه. واللهُ أعلَمُ.

ص: 51

‌146 - سُئلتُ: هل وَرَدَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُداوِي الجُرُوح بوَضع الحنَّاء عليها؟

• قلتُ: نعم!

فقد أخرَجَ التِّرمذيُّ (2054)، وابنُ ماجَهْ (3502)، والطَّبَرانيُّ في " المُعجَم الكبير "(ج 24/ رقم 657)، والمِزِّيُّ في " التَّهذيب "(19/ 121) مِن طريق زَيد بن الحُباب، عن فَائدٍ مولَى عُبيد الله بنِ عليِّ بن أبي رافعٍ، عن مولَاهُ عُبيد الله، عن جَدَّتِه سَلمَى، وكانت تَخدُم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قالَت:" ما كان يكون بِرَسُول الله صلى الله عليه وسلم قُرحَةٌ ولا نَكبَةٌ، إلَّا أَمَرَنِي أن أَضَعَ عليها الحِنَّاءَ ".

وتابَعَهُ عبدُ الرَّحمن بنُ أبي المَوَالِ، ثنا فائدٌ مولى عُبيد الله، عن مولَاه عبيدِ الله، عن جَدَّتِه سلمى فذكرَهُ بنحوِهِ.

أخرجَهُ أبو داوُد (3858)، والحاكمُ (4/ 40)، والبَيهقيُّ (9/ 339) من طريق ابن وَهبٍ، ويحيى بنِ حَسَّانَ، قالا: ثنا عبدُ الرَّحمن بن أبي الموال بهذا.

وقد وَقَعَ في الحديث اضطرابٌ في سَنَدِه.

وأَسلَمُ هذه الوُجُوه هو الوَجهُ الذي بدأتُ بِهِ الكلامَ، وسَنَدُه حَسَنٌ. واللهُ أعلَمُ.

ص: 52

‌147 - سُئلتُ: هل صحيحٌ ما رواه أحمدُ، عن أنسٍ رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " أَفِيكُم مَن يُنشِدُنَا؟

"، فقام أَعرَابِيٌ، فَقال: "لَسَعَت حَيَّةُ الهَوَى كَبِدِي

فَلَيسَ لَهَا طِبٌّ وَلَا رَاقِ "، فتَوَاجَدَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، حتَّى سَقَطَ رِداؤُه؟

• قلتُ: هذا الحديث باطِلٌ موضُوعٌ، وهو مِن أسمَجِ الكَذِبِ وأبرَدِه. وقد صان اللهُ الإمامَ أحمد أن يُودِع مثلَ هذا الباطلَ في " مُسنَده "، فلَم يَروِه أحمدُ ولا غيرُه، ولَم يروِهِ إلَّا أمثالُ الدَّيلميِّ، ممَّن يُكثِرُون مِن تخريج الموضُوعات.

وقال أبُو مُوسَى المدينيُّ: " لا أَصلَ لهذا الحديث بهذا السِّياقِ ".

وذَكَرَهُ ابنُ القيِّم في " الكلام على مسألة السَّماع "(ص 323)، فقال:" وهذا الحديثُ مِنَ الطِّراز الأَوَّل - يعني: الموضوع -، فَلْيتَبَوَّأ واضعُهُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مَقعَدَهُ من النَّار. سَمِعتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيميَّة يقولُ: " هذا كَذِبٌ مُفتَرًى، موضوعٌ باتِّفاق أهل العِلمِ ". - قال ابنُ القَيِّم -: ورَكَاكَةُ شِعرِه وسَمَاجَتُهِ، وما تَجِد عليه من الثَّقَالَةِ، مِن أَبْيَنِ الشَّواهد علَى أنَّهُ مِن شِعر المُتأخِّرين، البارِدِ السَّمِج، فقبَّح اللّه الكاذِبين على رسُول الله صلى الله عليه وسلم ".

ص: 53

‌148 - سُئلتُ عن قصةٍ: ذكرها ابنُ كثير، أنَّ رجُلًا دعَا عِندَ قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، واستغاث وأنشد، وطَلَب الاستغفار، ومَضَى، فأمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أحد الحاضِرين في المنام أن يَنطَلِق خلفَهُ فيُبَشِّرُه.

• قلتُ: هذه القِصَّة مُنكَرةٌ.

ولم يُحسِن ابنُ كَثيرٍ رحمه الله صُنعًا بإيرادِهِ هذه القِصَّةَ في " تفسيره "(2/ 306) ساكتًا عنها.

وقد بَيَّن ابنُ عبد الهادي في " الصَّارِم المُنكِي " بطلانَها، فقال ما ملخَّصه:" هذه الحكاية. بعضُهُم يروِيها عن العُتْبِيِّ بِلَا إسنادٍ. وبعضُهُم يروِيها عن مُحمَّدِ بن حربٍ الِهلاليِّ. وبعضُهُم يروِيها عن مُحمَّد ابن حربٍ، عن أبي الحَسَن الزَّعفرانيِّ، عن الأعرابيِّ. وقد ذَكَرَها البيهقيُّ في كتاب " شُعب الإيمان " بإسنادٍ مُظلِمٍ، عن مُحمَّد بن رَوحِ بن يزيدَ البصريِّ، حدَّثَني أبو حربٍ الهِلاليُّ، قال: حَج أعرابيٌ، فلمَّا جاء إلى بابِ مَسجِدِ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، أناخ راحِلَتَه، فعقَلَها، ثُمَّ دَخَل المسجد، حتَّى أَتَى القَبرَ

- وَذَكَرَ نحوَ ما تقدَّم - ".

ص: 54

149 -

سُئلتُ عن حديثٌ: " صَاحِبُ الرَّمَدِ لَا يُعَادُ ".

• قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.

أخرجه الطَّبَرانيُّ في " المُعجَم الأوسط "(152)، وابنُ عديٍّ في " الكامل "(6/ 2314)، ومِن طريقِهِ البيهقيُّ في " الشُّعَب "(6/ 535)، والعُقيليُّ في " الضُّعَفاء "(4/ 212)، ومِن طريقِه ابن الجَوزيِّ في " الموضوعات "(3/ 208 - 209) مِن طريق مَسلَمَة بن عليٍّ، عن الأوزاعيِّ، عن يحيَى بن أبي كَثيرٍ، عن أبي جَعفرٍ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا:" ثَلاثٌ لا يُعَادُ صاحِبُهُنَّ: الرَّمَدُ، وصاحِبُ الضَّرسِ، وصاحبُ الدُّمَّل ".

قال الطَّبَرانيُّ: " لم يَروِ هذا الحديثَ عن الأوزاعيِّ إلَّا مَسلَمَة بن عليٍّ ".

قال ابنُ عديٍّ: " لا أعلَمُ يَروِي هذا الحديثَ عن الأوزاعيِّ بهذا الإسناد غيرُ مَسلَمَة بن عليٍّ ".

• قُلتُ: وهو مَترُوكٌ.

وقد خالَفَه هِقْلُ بن زِيادٍ - وهو من أثبت النَّاس في الأوزاعيِّ - فرَوَاهُ عن الأوزاعيِّ، عن يحيَى بن أبي كَثيرٍ مِن قولِهِ.

أخرَجَهُ البيهقيُّ في " الشُّعَب "(6/ 535)، وقال:" وهو الصَّحيحُ ".

وتابَعَهُ بَقِيَّةُ بن الوليد، فرواه عن الأوزاعيِّ، عن يحيَى بن أبي كَثيرٍ، فلم يُجاوِزهُ.

ص: 55

أخرَجَهُ العُقيليُّ (4/ 212)، وقال:" هذا أَولَى ".

ثُمَّ اعلَم! أنَّ هذا الحديثَ مُنكَرٌ، لمخالَفَتِه الأحاديثَ الصَّحيحةَ، والتي فيهَا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَعُودُ الأرمَدَ.

منها ما: أخرَجَهُ أحمدُ في " مُسنَده "(4/ 375)، والطَّبَرانيُّ في " المُعجَم الكبير "(ج 5/ رقم 2552)، والبَيهقيُّ في " شُعَب الإيمان "(6/ 535 - 536)، والخطيبُ في " تاريخه "(8/ 411) مِن طريق يُونُس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاقَ، قال: سمِعتُ زيدَ بن أرقَمَ، يقُولُ: أَصابَنِي رَمَدٌ، فعادَنِي رسُول الله صلى الله عليه وسلم. فلمَّا كانَ مِنَ الغَدِ، أَفَاقَ بعضَ الإفاقة، ثُمَّ خَرَجَ، ولَقِيَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال:" أَرَأَيتَ لَو أنَّ عَينَيكَ لِمَا بهما، ما كنتَ صانعًا؟ "، قال:" كُنتُ أصبِرُ وأَحتَسِبُ "، قال:" أَمَا وَالله! لو كانت عيناك لِمَا بِهِمَا، ثُمَّ صَبرتَ واحتَسَبتَ، ثُمَّ مُتَّ، لَقيتَ الله عز وجل ولا ذَنبَ لَكَ ".

وهذا سَنَدٌ صحيحٌ.

وأخرَجَهُ أبو داوُد (3102)، والحاكِمُ (1/ 342) من طريق النُّفَيْلِيِّ، ثنا حَجَّاجُ بنُ مُحمَّدٍ، ثنا يُونُسُ بنُ أبي إسحاق، عن أبيه، عن زيد بن أَرقَمَ، قال:" عَادَنِي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن وَجَعٍ كان بِعَينِي ".

هكذا رواه حجَاجٌ مُختصَرًا.

وقال الحاكِمُ: " صحيحٌ على شرط الشَّيخَين "، ووافقه الذَّهَبيُّ. وليس كما قالا، فإنَّ الشَّيخينِ لَم يُخَرِّجَا شيئًا للنُّفَيليِّ - واسمُه عبدُ الله ابن مُحمَّدٍ -، عن حجَّاجِ بن مُحمَّدٍ الأعورِ. ولا خَرَّجَا شيئًا لحجَّاجٍ، عن

ص: 56

يُونُسَ.

والصَّوابُ أنَّ السَّنَد صحيحٌ مُطلَقًا، غيرُ مُقيَّدٍ بشرطِهِما، أو شرطِ أحَدِهِمَا. واللهُ أعلَمُ.

والحديثُ حَسَّنه المُنذِريُّ في " تهذيب سُنَن أبي داوُد "(4/ 279).

ص: 57

‌150 - سُئلتُ: هل وَرَد أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصعَقُ إذا سَمِعَ القُرآن؟

• قلتُ: نعم ورد، ولكنَّهُ لَم يَصِحَّ.

فأَخرَجَهُ أحمدُ (ص 27)، وهنَّادُ بن السَّرِيِّ (267) كلاهُما في " كتاب الزُّهد "، وأبُو عُبيدٍ في " فضائل القُرآن "(ص 64)، والطَّبَريُّ في " تفسيره "(29/ 85)، كُلُّهم عن وكيعٍ، وهذا في " كتاب الزُّهد " (رقم 28) قال: حدَّثَنا حمزةُ الزَّيَّاتُ، عن حُمرَانَ بن أَعيَنَ، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ:{إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} [المزمل: 12] فصُعِقَ.

وخُولِفَ وكيعٌ ..

خالَفَهُ أبُو يُوسُفَ، فرواه عن حمزَةَ الزَّيَّاتِ، عن حُمرانَ بن أَعيَنَ، عن أبي حَربٍ ابن أبي الأَسوَدِ فذكره.

أخرَجَهُ ابنُ عديٍّ في " الكامل "(2/ 842)، ومِن طريقِهِ البيهقيُّ في " شُعب الإيمان "(1/ 522).

قال ابنُ عديٍّ: " رُوِي هذا الحديثُ، عن أبي يُوسُف، عن حمزة، عن حُمران، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم .... لم يُذكر أبُو حربٍ ابنُ أبي الأسود في الإسناد ".

وسَنَدُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ وحُمران بن أعيَن، وإن وثَّقَه ابنُ حِبَّانَ، فقد قال النَّسائِيُّ:" ليس بثقةٍ "، وقال ابنُ مَعِينٍ:" ليس بشيءٍ "، وقال أبو داوُد:

ص: 58

" كان رافِضيًّا ".

وفوق هذا هو مُرسلٌ على الوَجهَين، وأَعلَّه البيهقيُّ بالإرسال.

وحمزةُ الزَّيَّاتُ، هو ابنُ حبيبٍ: في حِفظِه كلامٌ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 59

151 -

سُئلتُ عن حديث: " الجِهَادُ مُختَصَرُ طَرِيقِ الجَنَّةِ ".

• قلتُ: لم أَقِف عليه.

وذَكَرَه ابنُ قُدامة في " المُغنِي "(1/ 8) بِلَا إسنادٍ.

ص: 60

152 -

سُئلتُ عن حديث: " أُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَاختُصِرَ لِيَ الحَدِيثُ اختِصَارًا ".

• قلتُ: هو ضعيفٌ بهذا التَّمام.

أخرَجَهُ أبو أحمد العَسكَرِيُّ في " كتاب الأمثال" - كما في " إِتحاف السَّادَة "(7/ 113) للزَّبيديِّ -، مِن طريق سُليمان بن عبد الله النَّوْفَلِيِّ، عن جعفر بن مُحمَّدٍ، عن أبيه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:

فذَكَرَه.

قال الزَّبِيديُّ: " هُو مُرسلٌ، وفي سَنَدِه من لم يُعرَف ".

لكن له طريقٌ آخرُ.

أخرَجَهُ البيهقيُّ في " الشُّعَب "(ج 4/ رقم 1367) مِن طريق مُحمَّد بن يُونُس، قال: حدَّثَنَا شُعَيبُ بنُ بَيانَ الصَّفَّارُ، حدَّثَنا شُعبةُ، عن عليِّ بن زيدٍ، عن الحَسَن، عن الأحنَف بن قيسٍ، عن عُمَر بن الخطَّاب مرفُوعًا:" أُعطيتُ جَوَامِعَ الكَلِم، واختُصِر لي الحديثُ اختصارًا ".

وسنَدُه ضعيفٌ جدًّا؛ ومحُمَّدُ بنُ يُونُس هو الكُدَيْمِيُّ، اتَّهمَهُ أبو حاتمٍ ابنُ حِبَّان، وابنُ عديٍّ، والدَّارَقُطنيُّ بِوَضح الحديث، وقال الدَّارقُطنيُّ:" ما أحسن القولَ فيه إلَّا مَن لم يَخبُر حَالَهُ "، وقال الذَّهَبيُّ:" أَحَدُ المتروكين ".

وشُعَيبُ بنُ بيانَ الصَّفارُ تَكلَّم فيه العُقيليُّ في "الضُعَفاء"(2/ 183)، فقال:" يُحدِّثُ عن الثِّقاتِ بالمناكِيرِ. كان يَغلُبُ على حديثِهِ الوَهَمُ "،

ص: 61

وقال الجُوْزْجَانِيُّ: " له مناكيرُ ".

وعليُّ بنُ زيدٍ هو ابنُ جُدعانَ، ضعَّفُوهُ مِن قِبَلِ حِفظِه.

وقد خالفه جَرِيرُ ينُ حازمٍ، فرواه عن الحَسَن، أنَّ عُمَر بنَ الخطَّاب - رِضوَانُ اللهِ عَلَيهِ - قال:" يا رَسُولَ الله! إِنَّ أَهلَ الكتاب يُحَدِّثُونا بأحاديثَ، قد أَخَذَت بقلُوبِنا، وقد هَمَمنا أَن نَكتُبَها"، فقال:" يا ابنَ الخَطَّاب! أَمُتَهَوِّكُونَ أَنتُم كَمَا تَهَوَّكَت اليهودُ والنَّصارَى؟! أَمَا والذي نفسُ مُحمَّدٍ بيدِه! لَقَد جِئتُكم بها بيضاءَ نقيَّةً، ولكِنِّي أُعطيتُ جَوَامِع الكَلِم، واختُصِر لي الحديثُ اختصارًا ".

أخرَجَهُ ابنُ الضُّرَيْسِ في " فضائل القُرآن"(89) قال: أَنبَأَنا مُوسى ابنُ إسماعيل، قثنا جَرِيرٌ.

وهذا الوَجهُ مع انقطاعِه، فهُو أَمثَلُ من الوجه الأوَّل.

وقد رأيتُ له طريقًا آخرَ.

أخرجَهُ عبدُ الرَّزَّاق في " المُصنَّف "(ج 6/ رقم 10163)، ومِن طريقِهِ البيهقيُّ في " الشُّعَب"(ج 9/ رقم 4837) عن مَعمَرٍ، عن أيُّوب، عن أبي قِلابة، أنَّ عُمَر بن الخطَّاب رضي الله عنه مرَّ برَجُلٍ يقرَأُ كتابًا سَمِعَهُ ساعةً، فاستَحسَنَه، فقال للرَّجُل:" أَتكتُبُ مِن هذا الكِتاب؟ "، قال:" نعم! "، فاشتَرَى أَديمًا لنَفسِه، ثُمَّ جاء به إِليه، فنَسَخَه في بَطنِه وظَهرِه، ثُمَّ أتَى به النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فجَعَلَ يقرَؤُه عليه، وجَعَلَ وجهُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يتلَوَّنُ، فضَرَبَ رجلٌ مِنَ الأنصار بيَدِهِ الكِتابَ، وقال:" ثَكِلَتكَ أُمُّك، يا ابن الخطَّاب! أَلَا تَرَى إلى وجهِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مُنذُ اليومَ وأنت تقرأُ هذا الكتابَ؟! "، فقال

ص: 62

النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عِند ذلك: " إنَّما بُعِثتُ فاتِحًا وخاتَمًا، وأُعطِيتُ جَوامِعَ الكَلِم وفَواتِحَه، واختُصِر لي الحديثُ اختصارًا، فلا يُهلِكَنَّكُم المُتَهَوِّكُونَ ".

وهذا سَنَدٌ رجالهُ ثِقاتٌ، لكِنَّه مُنقَطِعٌ؛ وأبُو قِلابة - واسمُه: عبدُ الله ابن زَيدٍ الجَرْمِيُّ - لم يُدرِك عُمَر بنَ الخطَّاب رضي الله عنه.

وعزاه العِراقِيُّ في " تخريج الإحياء "(2/ 367) لعبد بن حُميدٍ، بسَنَدٍ مُنقَطِع، وأَظُنُّه يعني هذا الطَّريقَ.

ولَم أَجِده في " المُنتَخَب من مُسنَده "، ولَعلَّه في " تفسيره ".

ولكن لَهُ طريقٌ آخرُ عن عُمَر، وذَكَر قِصَّةً، قال فيها: فانطلَقتُ أَنَا، فَاستَنسَختُ كِتابًا مِن أهل الكتاب، ثُمَّ جِئتُ به في أَديمٍ، فقال لي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:" ما هذا الذي في يدك يا عُمَر؟ "، - قال: - قُلتُ: " يا رسُول الله! كتابٌ نسختُهُ لنزداد به عِلمًا إلى عِلمِنا "، فغَضِبَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، حتَّى احمرَّت وَجنتاهُ، ثُمَّ نُودِي بالصَّلاة جَامِعَةً، فقالت الأنصارُ:" أَغضَبتُم نَبِيَّكُم؟! السَّلاحَ! السِّلاحَ! "، فجاءُوا، حتَّى أحدَقُوا بمِنبَر رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:" يا أيُّها النَّاس! إِنِّي قد أُوتِيتُ جَوَامِع الكَلِم وخَواتِمَه، واختُصِر لي الحديثُ اختصارًا، ولَقَد أَتَيتُكُم بها بيضاءَ نقيَّةً، فلا تَتَهَوَّكُوا، وَلَا يَغُرَّنَكُم المُتَهَوِّكُونَ "، - فقال عُمَر: - فقُمتُ فقلتُ: " رضِيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبك رسُولًا ".

أخرَجَهُ أبُو يَعلَى في " المُسنَد الكبير " - كما في " المطالب العالية "(ق 149/ 2) -، قال: حدَّثَنَا عبدُ الغَفَّار بنُ عبد الله، ثنا عليُّ بنُ مُسهِرٍ، عن عبد الرَّحمن بن إسحاق، عن خَليفَةَ بن قيسٍ، عن خالدِ بن عُرْفُطَةَ،

ص: 63

قال: كُنتُ جالسًا عند عُمَر فذكره.

وسَنَدُه ضعيفٌ؛ وعبدُ الرَّحمن بنُ إسحاق، فضعَّفُوه لكَثرَة المناكيرِ في حديثهِ، وبه أعلَّ الحديثَ الهيثميُّ في " المَجمَع "(1/ 173)، وقد اختُلِف عليه فِيه، كما يأتي.

وخليفةُ بنُ قيسٍ مولَى خالدِ بنِ عُرْفُطَةَ، قال ابنُ أبي حاتمٍ في " الجرح والتَّعديل " (1/ 2/ 376):" سَأَلتُ أبي عنه، فقال: هو شيخٌ ليس بالمعرُوف "، وترجمَهُ البُخاريُّ (2/ 1/ 192)، وقال:" لَم يَصِحَّ حديثُه "، كأنَّهُ يعني هذا. أمَّا ابنُ حِبَّانَ، فوَثَّقَه (4/ 209) كعادَتِه!

وقد اختُلِف على عبد الرَّحمن بن إسحاقَ في إسنادِهِ ومتنه ..

فرواه عَنهُ عليُّ بن مُسهِرٍ، كما مرَّ.

وخالَفَهُ هُشيمُ بن بَشِيرٍ، فرواه عن عبد الرَّحمن بن إسحاق، عن أبي بُردَةَ، عن أبي مُوسى الأشعريِّ مرفُوعًا:" أُعطِيتُ فَوَاتِحَ الكَلِم وخواتِمَه "، قُلنا:" يا رَسُول اللّه! عَلِّمنا مِمَّا عَلَّمَك الله عز وجل "، فعلَّمَنَا التَّشَهُّدَ.

أخرَجَهُ ابنُ أبي شَيبة في " المُصنَّف "(ج 11/ رقم 11784)، وأبو يَعلَى في " مُسنَده "(ج 13/ رقم 7238)، والحَسَنُ بنُ عَرَفَة في " جُزئِه "(33)، ومِن طريقِهِ البَيهقِيُّ في " الشُّعَب "(ج 4/ رقم 1368)، والخطيبُ في " موضح الأوهام "(2/ 459).

وسَنَدُه ضعيفٌ أيضًا.

وله شاهدٌ عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

ص: 64

أخرَجَهُ الدَّارَقطنيُّ في " سُنَنه"(4/ 144 - 145) مِن طريق زكرِيَّا ابن عطيَّة، نا سعيدُ بنُ خالدٍ، حدَّثَني مُحمَّدُ بنُ عُثمان، عن عمرِو بن دينارٍ، عن ابن عبَّاسٍ مرفُوعًا:" أُعطِيتُ جَوَامِع الكَلِم، واختُصِر لي الحديثُ اختصارًا ".

قال العِراقيُّ في " تخريج الإحياء "(2/ 367): " إسنادُهُ جَيِّدٌ ".

كذا قال، فأغرب! لأنَّ زكرِيَّا بن عَطيَّة مُنكَر الحديثِ، كما قال أبُو حاتمٍ الرَّازيُّ.

فيَظهَرُ لك من هذا التَّحقيق أنَّ الحديثَ ضعيفٌ بهذا التَّمَام، فتعلَمُ بذلك تَساهُلَ السِّيُوطيِّ، إِذ حَسَّنه في " الجامع الصَّغِير "، وتَبِعَه على ذلك العَزِيزِيُّ في " السِّراج المُنِير شرحُ الجامع الصَّغِير " - كما في " التَّعليق المُغنِي على الدَّارَقُطنِي "(4/ 145) -.

لكن لِلفقرَةِ الأُولى مِنهُ شواهدُ، عن جَمَاعةٍ مِنَ الصَّحابة، منها حديثُ أبي هُريرَة في " الصَّحيحين "، ولَهُ طُرُقٌ كثيرةٌ عنه.

ومثلُ حديث عليِّ بنِ أبي طالبٍ، عند البَزَّارِ (ج 3/ رقم 213 - 214)،

وأَصلُهُ عند أحمد (1/ 98)، وابنِ أبي شيبةَ (11/ 434)، والآجُرِّيِّ في " الشَّريعة "(ص 498).

وقد اختُلِف في إسنادِهِ.

وقد رواه غيرُهُما من الصَّحابَةِ الكرام.

والعِلمُ عند الله تعالى.

م (18)(الفتاوى الحديثية) ج 2

ص: 65

‌153 - سأَلَني سائلٌ فقال: إنَّه سمِع بعض الخُطَباء، يقول:" إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نُصِر بالرُّعب على عدُوِّه مسيرة شَهرَين "، والذي أعلَمُه اَنه شهرٌ واحدٌ، فهل وَوَدَ هذا اللَّفظُ، وهل هو صحيحٌ؟

• قلتُ: نعم، وَرَدَ الحديثُ بهذا اللَّفظ. وهُناك فرقٌ بين الوُرُود والثُّبُوت كما لا يَخفَى، فليسَ كُلُّ واردٍ ثابتًا، والحديث مُنكَر بهذا اللفظ.

وقد وَرَدَ عن ثلاثةٍ من الصَّحابة، وهُم: أبو هُريرَة، وابنُ عبَّاسٍ، والسَّائِبُ بن يزيد رضي الله عنهم.

‌1 - أمَّا حديثُ أبي هُريرة رضي الله عنه

-.

فقال: كُنَّا نحرُسُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه

- وساق حديثًا، وفي آخره: - قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " هل أَنكَرتُم مِن صلاتي اللَّيلةَ شيئًا؟ "، قُلنا:" نعم! سجدت بين ظَهرانَي صلاتِك سجدةً، ظننَّا أن قَد قُبِضتَ فيها! "، فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي أُعطيتُ فيها خمسًا، لم يُعطَهُنَّ نبيٌّ قبلي: بُعثتُ إلى النَّاس كافَّةً، أحمرِهم وأَسوَدِهم، وكان النَّبيُّ قبلي يُبعَث إلى أهل بيته أو إلى قريته، ونُصِرتُ على عدُوِّي بالرُّعب مسيرةَ شهرٍ أمامي وشهرٍ خلفِي

"، وساق حديثًا.

أخرَجَهُ العُقيليُّ في " الضُّعفاء "(2/ 26 - 27) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ

ص: 66

إسماعيل، قال: حدَّثَنا المُقرِي، قال: حدَّثَنا عبدُ الجَبَّار بنُ عُمَر الأَيْلِّيُّ، قال: حدَّثَنا خازمُ بنُ خُزَيمة - مِن تيم الرَّبَابِ -، عن مجُاهدٍ، عن أبي هُريرة به.

قال العُقيليُّ: " خازمُ بنُ خُزَيمة يُخالِف في حديثه "، وأورَدَ له هذا الحديثَ مُستَنكِرًا إيَّاه، وقد خُولف في إسناده كما في:

‌2 - حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما

-.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في " المُعجَم الكبير "(ج 11/ رقم 11056) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ عبد اللّه الحضرميُّ، ثنا عبدُ الرَّحمن بنُ الفضل بنِ مُوفَّقٍ، ثنا أبي، ثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيم، عن مجُاهدٍ، عن ابن عبَّاسٍ، قال:" نُصر رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالرُّعب مَسيرَةَ شهرين على عدُوِّه ".

قال الهيثميُّ في " مجَمَع الزَّوَائد "(8/ 259): " فيه إسماعيلُ بنُ إبراهيم بن مُهاجرٍ، وهو ضعيفٌ ".

• قُلْتُ: والفضل بن مُوفَّقٍ ذَكَره ابنُ حِبَّانَ في " الثِّقات "(9/ 6)، وترجمَهُ ابنُ أبي حاتمٍ في " الجرح والتَّعديل "(3/ 2/ 68)، وقال:" سَألتُ أبي عنه، فقال: ضعيفُ الحديث، كان شيخًا، صالحًا، قَرابةً لابن عُيَينة، وكان يَروِي أحاديث موضُوعةً ".

ولخَّصَ الحافظُ حالَه، فقال في " التَّقريب ":" فيه ضعفٌ " كذا قال! وكان يَنبَغِي أن يَجزِمَ بضعفِهِ أو وهائِهِ؛ فمَعَ هذا الجَرح المُفسَّر، فالتَّوثيقُ فيه ليِّنٌ.

وابنُه عبدُ الرَّحمن بنُ الفضل ذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في " الثِّقات "(8/ 382).

ص: 67

وإسماعيلُ بنُ إبراهيم بنِ مُهاجرٍ أقرَبُ إلى الوَهَاء.

فالسَّنَد ضعيفٌ جدًّا.

‌3 - وأمَّا حديثُ السَّائب بن يزيد رضي الله عنه

-.

فأخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في " الكبير "(ج 7/ رقم 6674) قال: حدَّثَنا الحُسَين بن إسحاق التُّستَرِيُّ، ثنا هشامُ بنُ عَمَّارٍ، ثنا يحيى بنُ حمزة، ثنا إسحاقُ بنُ عبد الله بنِ أبي فَروَة، عن يزيد بن خُصَيفَة أنَّه أخبَرَهُ، عن السَّائب بن يزيدَ مرفُوعًا:" فُضِّلتُ على الأنبياء بخمسٍ: بُعثتُ إلى النَّاس كافَّةً، وادَّخَرتُ شفاعتي لأُمَّتِي، ونُصرتُ بالرُّعب شهرًا أمامي وشهرًا خَلفِي، وجُعِلَت لي الأرضُ مَسجِدًا وطَهُورًا، وأُحِلَّت لي الغنائمُ ولم تَحِلَّ لأحدٍ قبلي ".

وسَنَدُه ضعيفٌ جدًّا؛ وابنُ أبي فَروة مترُوكُ الحديثِ، وكَذَّبه بعضُ النُّقَّاد، مثلُ يَحيى بن مَعِينٍ في روايةٍ، وعبدُ الرحمن بنُ خِراشٍ.

ص: 68

154 -

سُئلتُ عن حديث: " إِنَّ الفَقرَ كُفرٌ ".

• قلتُ: لم أَقِف عليه بهذا اللَّفظ.

ولكن أخرَجَهُ أبُو نُعيمٍ في " الحلية "(3/ 53، 109، و 8/ 253)، ومِن طريقِهِ ابنُ الجَوزِيِّ في " الواهيات "(2/ 320) من طريق أبي عاصمٍ النَّبيلِ، ويُوسُفَ بن أسباطَ ..

والبَيهقيُّ في " الشُّعَب "(ج 5/ رقم 6612) مِن طريق مُحمَّد بن يُوسُفَ الفِريابيِّ ..

والعُقيليُّ في " الضُّعفاء "(4/ 206) من طريق أبي عاصمٍ، ثَلاثَتُهم عن سُفيان الثَّوريِّ، عن حجَّاجِ بن فُرَافِصَة، عن يزيدَ الرَّقَاشِيِّ، عن أَنَسٍ مرفوعًا:" كاد الفَقرُ أَن يَكُونَ كُفرًا، وكادَ الحَسَدُ أن يَغلِبَ القَدَر ".

وخالَفَهُم النُّعمانُ بنُ عبد السَّلَام الأَصبهانِيُّ، فرواه عن الثَّوْريِّ، عن حجَّاج بن أرطاةَ، عن يزيدَ الرَّقَاشِيِّ، عن أنسٍ مثلَه.

فجَعَلَ شيخَ الثَّوْريِّ " ابنَ أَرطاةَ "، بدل " ابنِ فُرَافِصَة ".

أخرَجَهُ أبو نُعيمٍ في " أخبار أصبهان "(1/ 290) مِن طريق حَمَّاد بن زيدٍ المُكْتِبِ، ثنا النُّعمانُ.

والنُّعمانُ هو أَرفَع مَن رَوَى عن الثَّوْريِّ مِن أهل أصبهانَ، وقال الحاكِمُ:" ثقة مأمونٌ "، وقال أبو حاتمٍ:" محِلُّهُ الصِّدق ".

وحمَّادُ بنُ زيدٍ المُكْتِبُ قال أبُو نُعيمٍ: " كان مِن أفاضل النَّاس "، ولم

ص: 69

يَذكُره بحفظٍ.

والحديثُ مُعَلٌّ على كلِّ حالٍ.

وأخرجَهُ أحمدُ بنُ مَنيعٍ في " مُسنَده " - كما في " المطالب العالية "(ق 90/ 1) -، قال: حدَّثَنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن الأعمَشِ، عن يزيد الرَّقَاشِيِّ، عن الحَسَن، أو عن أنَسٍ فذكَرَه مرفُوعًا.

هكذا رواه على الشَّكِّ.

وسَنَدُه ضعيفٌ جدًّا؛ ويزيدُ الرَّقَاشِيُّ متروكٌ.

وقال ابن الجوزيِّ: " هذا حديثٌ لا يصحُّ عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم. ويزيدُ الرَّقَاشِيُّ لا يُعوَّل على ما يَروِي. قال شُعبةُ: لَأَن أَزنِي أحبُّ إليَّ مِن أن أَروِي عن يزيدَ الرَّقَاشِيِّ ".

ورواه مَعمَرُ بنُ زائدةَ، عن الأعمش، عن زيد بن وهبٍ، عن عُمَر ابن الخطَّاب مرفُوعًا فذَكَرَه.

فخالف مَعمَرُ بنُ زائدة يحيَى بنَ سعيدٍ في إسنادِهِ.

وأعلَّ العُقيليُّ حديثَ عُمَرَ بمَعمَرِ بنِ زائدةَ، وقال:" لا يُتَابَعُ على حديثِه ".

ورواه يحيى بنُ يمانَ، عن الثَّوريِّ، عن الأعمش، عن يزيدَ الرَّقَاشِيِّ، عن أنَسٍ مرفُوعًا فذَكَره.

أخرَجَهُ ابنُ عديٍّ في " الكامل "(7/ 2692) وقال: " وهذا عن الثَّوْريِّ، يرويه ابنُ يمانَ "، وهو يُشِير إلى تَفَرُّدِه عن الثَّوْريِّ بروايته عن الأعمش، وقد عَلِمتَ أنَّ ثلاثةً مِن أصحاب الثَّوْريِّ رَوَوهُ عنه، عن

ص: 70

حجَاج بن فُرَافِصَة.

ويحيَى بن يمانَ يُضَعَّفُ.

وأخرَجَهُ العُقيليُّ في " الضُّعَفاء "(1/ 254) من طريق المُعتَمِر بن سُليمان، قال: حدَّثَنا حُسَينٌ أبُو المُنذِر، عن يزيدَ الرَّقَاشِيِّ، عن أنسٍ مرفُوعًا مثله.

وعنده: " كادت الفاقة ".

ونقل العُقيليُّ عن البُخاريِّ، قال:" حُسينٌ أبو المُنذِر، عن الرَّقَاشِيِّ، سمِعَ منه مُعتَمِرٌ، ولم تَصِحَّ روايتُه "، ثُمَّ قال العُقيليُّ:" لا يُتابَعُ عليه، إلَّا مِن طريقٍ تُقارِبُه "، يعني: في الضَّعف.

وبالجُملة، فهذا الوجه معلٌّ؛ وآفته يزيدُ الرَّقَاشِيُّ.

لكِنَّهُ لم يتفرَّد به ..

فتابَعَهُ سُليمانُ التَّيميُّ - وهو ثِقةٌ -، فرواه عن أنَسٍ رضي الله عنه، مرفُوعًا:" كاد الحَسَدُ يسبقُ القَدَر، وكادت الحاجَةُ تكونُ كفرًا".

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في " المُعجَم الأوسط "(4044) قال: حدَّثَنا عليٌّ - وهو ابنُ سعيدٍ -، قال: حدَّثَنِي أحمدُ بنُ مُحمَّد بن عُمَر بن عبد الحميد الكاتبُ، قال: حدَّثَنِي عمرُو بنُ عُثمان الكِلابيُّ، قال: نا عيسى بنُ يُونُس، عن سُليمان التَّيميِّ به.

قال الطَّبَرانيُّ: " لم يَروِ هذا الحديثَ عن سُليمان إلَّا عيسى، ولا عن عيسى إلَّا عمرُو بنُ عُثمان. تفرَّد به أحمدُ بنُ مُحمَّدٍ الكاتبُ ".

ص: 71

• قُلتُ: ولم أَقِف لهذا الكاتِبِ على ترجَمَةٍ.

وعمرُو بنُ عُثمان ليَّنَه العُقيليُّ، وتَرَكَهُ النَّسائيّ، وقال أبُو حاتمٍ:" يَتكلَّمُون فيه. يُحدِّثُ مِن حِفظه بمناكير ".

فلا تَثبُت هذه المُتابَعة.

وذَكَرَ العِراقيُّ هذا الوجه في " تخريج الإحياء "(4/ 187)، وقال:" فيه ضَعفٌ "، وكذلك ضَعَّف رِواية الرَّقَاشِيِّ، عن أَنَسٍ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 72

155 -

سُئلتُ عن حديث: " لَا تَجعَلُوا عَلَى العَاقِلَةِ مِن قَولِ مُعتَرِفٍ شَيئًا".

• قلتُ: هذا حديثٌ باطِلٌ موضُوعٌ.

فأخرَجَهُ أبو نُعيمٍ في " الحِلية "(5/ 177) قال: حدَّثَنا سُليمانُ بنُ أحمد - يعني: الطَّبَرانيَّ، وهذا في " مُسنَد الشَّاميِّين "(2124) -، قال: حدَّثَنا عبدُ الله بنُ أحمدَ بن حنبلٍ، ثنا هارُونُ بنُ معرُوفٍ ..

والدَّارَقُطنيُّ (3/ 187) مِن طريق يَعقُوب بن مُحمَّدٍ الزُّهريِّ، قالا: ثنا عبدُ الله بنُ وهبٍ، عن الحارِثِ بن نَبهانَ، عن مُحمَّد بن سعيدٍ، عن رجاءِ بن حَيْوَة، عن جُنادَةَ بنِ أبي أُمَيَّة، عن عُبادة بن الصَّامِت مرفُوعًا فذكره.

ونَقَلَ الزَّيلعيُّ في " نصب الرَّاية "(4/ 380)، عن ابن القَطَّان الفاسِيِّ، قال:" الحارثُ بنُ نَبهان مَتروكُ الحديث ".

قال عبدُ الحقِّ في " أحكامه ": " ومُحمَّدُ بنُ سعيدٍ هذا، أظنُّه المصلوبَ "، قال ابن القطَّان:" وأصاب في شَكِّه " ا. هـ، وكذلك رَجَّحَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في " التَّلخيص الحَبير "(4/ 31) أنَّه المَصلُوبُ.

قال أبُو نُعيمٍ: " غريبٌ من حديث رجاءٍ، وجُنادةَ بنِ أبي أُميَّة. تفرَّدَ به الحارِثُ، عن محُمَّد بن سعيدٍ ".

ص: 73

• قُلْتُ: والحارِثُ بن نَبهان مُنكَرُ الحديثِ.

ومُحمَّدُ بن سعيدٍ المصلوبُ كذَّابٌ.

فالحديث موضُوعٌ.

واللهُ تعالى أعلَمُ.

ص: 74

156 -

سُئلتُ عن صحَّة ومعنى حديث: " إِنَّ لِكُلِّ شَيءٍ أُنْفَةً، وَأنْفَةُ الصَّلَاةِ التَّكبِيرَةُ الأُولَى، فَحَافِظُوا عَلَيهَا ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في " مُسنَد الشَّاميِّين "(2114)، وأبو نُعيمٍ في " الحِلية "(5/ 177) من طريق ابن أبي شيبَة - وهذا في " المُصنَّف "(1/ 306)، وفي " المُسنَد "(46) -.

والبزَّارُ (521 - كشف الأستار) مِن طريق سعيد بن سُليمان، قالا: ثنا حَمَّادُ بنُ أُسامة أبو أُسَامة، عن أبي فَروة يزيدَ بن سِنانَ، حدَّثَني أبو عُبيدٍ حاجبُ سُليمانَ بن عبد المَلِك، قال: سَمِعتُ شيخًا في المسجِدِ الحرام، يقُولُ: قال أبو الدَّرداء فذكره مرفُوعًا.

وفي آخِرِه: قال أبُو عُبيدٍ: فحَدَّثتُ به رجاءَ بنَ حَيْوَة، فقال: حَدَّثَتْنِيهِ أُمُّ الدَّرداء، عن أبي الدَّرداء.

قال البزَّار: " لا نعلَمُه يُروَى مرفُوعًا إلَّا بهذا الإسناد ".

قال الهَيثَمِيُّ في " مجَمَع الزَّوائد "(2/ 103): " فِيه رجُلٌ لم يُسمَّ "، كذا قال! وقد رأيتَ أنَّهُ توبع في السَّنَد الآخَرِ ..

تابعَتهُ أُمُّ الدَّرداء، لكِنِ الشَّأنُ في السَّنَد إليهما.

وأبو فَروَةَ يزيدُ بن سنان ضعيفٌ، وقد تَفَرَّد به.

قال أبُو نُعيمٍ: " غريبٌ مِن حديث رجاءٍ، لم يَروِه عنه إلَّا أبو فَروةُ،

ص: 75

عن أبي عُبيدٍ " ا. هـ.

وأبُو عُبيدٍ الحاجِبُ اختلف في اسمه، وهو ثقةٌ من رجالِ مسلمٍ، أخرج له حديثًا برقم 597.

فالحديث لا يَثبُت.

ولم يُصِب البُوصِيرِيُّ إذ قال في " إتحاف الخِيَرَة"(1788): " إسنادُهُ حسنٌ "!

أمَّا مَعناه ..

فقال ابنُ الأثير في " النِّهاية"(1/ 73)، بعد ذِكرِه هذا الحديثَ، قال:" أُنْفَةُ الشَّيءِ: ابتداؤُه. هكذا رُوِي بضمِّ الهَمزة، قال الهَرَوِيُّ: والصَّحيحُ بالفتح ".

ص: 76

157 -

سُئلتُ عن حديث: " آفَةُ الدِّينِ الأَنوَاءُ ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا.

أخرَجَهُ حمزَةُ بنُ يُوسُف السَّهمِيُّ في " تاريخ جُرجانَ "(ص 359) مِن طريق عَمَّار بن رجاءٍ الجُرجانيِّ - وَثَّقَهُ السَّهمِيُّ (ص 534) -، حدَّثَنا القاسِمُ بنُ الحكَم العُرَنيُّ، حدثنا عُبيدُ الله - هُو ابنُ الوليد الوَصَّافِيُّ -، عن كُرْزِ بن وَبَرَةَ الحارثيِّ، مرفُوعًا:" إِنَّ لكُلِّ شيءٍ آفةً، وآفَةُ هذا الدِّين هذه الأنواءُ ".

وسَنَدُه ضعيفٌ جدًّا، فالقاسمُ العُرَنِيُّ صدوقٌ مُتماسِكٌ، ليَّنَهُ أبو حاتمٍ، فقال:" محَلُّه الصِّدقُ. يُكتَبُ حديثُهُ ولا يُحتَجُّ به"، وقال العُقيليُّ:" في حديثهِ مناكيرُ. لا يُتابَعُ على كثيرٍ من حديثه".

وعُبيد الله بنُ الوليد تركه النَّسائيّ، وعمرُو بنُ عليٍّ الفَلَّاسُ، وضَعَّفَهُ أبُو زُرعة، وابن مَعِينٍ، والدَّارَقُطنيُّ، وغيرُهُم، ووَكَزَه ابنُ حِبَّانَ، فقال:" يَروِي عن الثِّقات ما لا يُشبِهُ حديثَ الأثباتِ، حتَّى يَسبِقَ إلى القلب أنَّهُ المُتعمِّدُ له، فاستَحقَّ التَّرك " ا. هـ.

ثُمَّ هُو مُعضَلٌ وَكُرْزُ بن وَبَرَةَ يَروِي عن التَّابِعِينَ أَمثالِ رِبعيِّ بن حِراشٍ، وشقيقِ بن سَلَمة، وأبي حازِمٍ الأشجعيِّ وغيرهِم.

فالسَنَد ضعيفٌ جدًّا. واللهُ أعلَمُ.

ص: 77

158 -

سُئلتُ عن حديث: " كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى بَعدَ الجُمُعَةِ فِي المَسجِدِ صَلَّى أَربَعًا، وَإِذَا صَلَّى فِي بَيتِهِ صَلَّى رَكعَتَينِ ".

• قلتُ: لا أَعلَمُ له أصلًا.

وقد بَحثتُ عنه فَلَم أَجِده. وإِنَّما أَشَارَ إليه ابنُ القيِّم رحمه الله في "زَاد المعاد "، على ما أَذكُر.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 78

159 -

سُئلتُ عن حديث: " رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يَبُولُ قَائِمًا، فَنَهَاهُ عَن ذَلِكَ ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ ابنُ حِبَّانَ (ج 2/ رقم 1420) قال: أخبَرَنا أبو جابرٍ زيدُ بن عبد العزيز بالمَوصِل، قال: حدَّثَنا إبراهيمُ بنُ إسماعيلَ الجوهَرِيُّ، قال: حدَّثَنا إبراهيمُ بنُ موسَى الفرَّاءُ، قال: حدَّثَنا هِشامُ بنُ يُوسُف، عن ابن جُريج، عن نافعٍ، عن ابن عُمَر مرفُوعًا:" لَا تَبُل قَائِمًا ".

قال ابنُ حِبَّانَ: " أَخافُ أنّ ابنَ جُريجٍ لم يَسمَع مِن نافعٍ هذا الخبر ".

• قلتُ: وقد صحَّ ظنُّ ابنِ حِبَّانَ ..

فقد رَوَاهُ عبدُ الرَّزَّاق، عن ابن جُريجٍ، عن عبد الكَريم بن أبي المُخارِق، عن نافعٍ، عن ابن عُمَر، عن عُمَر، قال: رآني رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أبُولُ قائمًا، فقال:" يا عُمرُ! لا تَبُل قائمًا "، فما بُلتُ قائمًا بعدُ.

أخرجَهُ التِّرمِذيُّ (1/ 17) مُعلَّقًا، ووصَلَه ابنُ ماجَهْ (308)، وابنُ المُنذِر في " الأوسط "(ج 1/ رقم 284)، وابنُ عديٍّ في " الكامل "(5/ 1978)، وتمَّامٌ الرَّازِيُّ في " الفوائد "(148)، والحاكِم في " المُستَدرَك "(1/ 185)، والبيهَقِيُّ في " السُّنَن الكبير "(1/ 102).

قال البُوصِيريُّ في " مِصباح الزُّجاجة "(1/ 131): " هذا إسنادٌ

ص: 79

ضعيفٌ. عبدُ الكَريم مُتَّفَقٌ على تضعيفه، وقد تفرَّد بهذا الخبر. وعارَضَهُ خبرُ عُبيدِ اللّه بن عُمر العُمَرِيِّ الثِّقةِ المأمونِ المُجمَعِ على تثبُّتِه. ولا يُغتَرُّ بتصحيح ابنِ حِبَّان

(1)

هذا الخبرَ عن طريق هشام بن يُوسُف، عن ابن جُريجٍ، عن نافِعٍ، عن ابن عُمر؛ فإنَّه قال بعدَهُ:" أخافُ أن يكون ابنُ جُرَيجٍ لم يسمعه من نافِعٍ "، وقد صحَّ ظنُّهُ؛ فإنَّ ابنَ جُرَيجٍ إنَّمَا سمعه من ابن أبي المُخارِقِ، كما ثبتَ في رواية ابنِ ماجَهْ هذه والحاكمِ في " المُستدرَك "، واعتذر عن تخريجهِ بأنَّه إنَّما أخرجَهُ في المُتابَعات " انتهَى.

• قلتُ: فظَهَر مِن هذا التَّخريج أنَّ ابنَ جُريج دلَّس ابنَ أبي المُخارِق وأسقَطَه، وكان قَبِيحَ التَّدليسِ، كما قال الدَّارَقطنيُّ:" تَجنَّب تَدلِيسَ ابن جُريجٍ؛ فإِنَّه قبيحُ التَّدليس، لا يُدلِّس إلَّا ما سَمِعَهُ مِن مجَرُوح ". وعبدُ الكريم ضعيفٌ، وترَكَهُ جماعةٌ من النُّقَّاد.

ولذلك قال ابنُ المُنذِر: " هذا لا يَثبُت ".

أمَّا الشَّوكانيُّ، فنَقَل في " السَّيل الجرَّار "(1/ 67) أنَّ السِّيُوطيَّ صحَّحه!! فرُبَّما نَظَرَ السِّيُوطيُّ إلى رواية ابنِ حِبَّانَ، وأهمَلَ تدليس ابن جُريجٍ، والسِّيوطيُّ مُتساهِلٌ كما هو مَعلُومٌ.

ثُمَّ إنَّ الحديث عند ابنِ حِبَّانَ عن ابن عُمر. والمعرُوفُ أنَّه عن عُمَر، فلا أَدرِي: أَهَذَا اختلافٌ في السَّنَد، أم وَقَع سقطٌ في كتاب ابن حِبَّانَ؟!

(1)

لم يروه ابنُ حِبَّان ساكِتُا عنه حتَّى يُقال: "لا يُغترُّ"، إنَّما أبانَ عن عِلَّته. وهذا مثلما يَفعله شيخُهُ ابنُ خَزيمة إذا روى حديثًا ثُمَّ قال:"إن صحَّ الخَبرُ"، فلا يُقال في مثل هذا: صحَّحه ابنُ خُزَيمة. والله المُوفِّقُ. ثمَّ حُكمُه على إسناد الخَبَر بالضعف فقط مع قوله: "ابنُ أبي المُخارق مُتَّفقٌ على ضعفه" لا يَستقِيم، بل ينبغي أن يقول:"ضعيفٌ جدًّا ".

ص: 80

والحديثُ ضَعَّفه النَّوَوِيُّ في " المجموع "(2/ 84).

وقال التِّرمذيُّ: " وإِنَّما رَفع هذا الحديثَ عبدُ الكَريم

وهُو ضعيفٌ عند أهل الحديث " ا. هـ.

• قلتُ: والتِّرمذيُّ يُشيرُ بكلامِهِ هذا إلى أنَّ الصَّوابَ وقفُه.

فأخرَجَهُ ابنُ أبي شيبة في " المُصنَّف "(1/ 124)، وابنُ المُنذِر في " الأوسط "(1/ 338)، والبَزَّار (ج 1/ رقم 244)، وأبو بكرٍ النَّجَّاد في " مُسنَد عُمَر "(ق 166/ 2)، والطَّحاويُّ في " شرح المعاني "(4/ 268) من طُرُقٍ عن عُبيد الله بن عُمَر، عن نافعٍ، عن ابن عُمَر، عن عُمَر، قال:" ما بُلتُ قائمًا مُنذُ أسلمتُ ".

قال ابنُ المُنذِر: " ثَبَتَ عن عُمَر ".

وقال الهيثمِيُّ في " مجَمَع الزَّوائد "(1/ 206): " رجالُه ثقاتٌ ".

وسَنَدُه صحيحٌ.

لكن أخرَجَ ابنُ أبي شَيبة (1/ 123)، والطَّحاوِيُّ (4/ 268) من طريقَين عن الأعمش، عن زيدِ بن وهبٍ، قال:" رأيتُ عُمَر بن الخطَّاب بال قائمًا ".

زاد الطَّحاوِيُّ: " فأَنجحَ - يعني: مال - حَتَّى كاد يُصرَعُ ".

وسَنَدُه صحيحٌ أيضًا، ولا يُعَلُّ بتدليس الأعمش؛ لأنَّ شُعبة رواه عَنهُ عند الطَّحاوِيِّ، وقد ثَبَتَ عن شُعبةَ، أنَّهُ قال:" كَفَيتُكُم تدليس ثلاثةٍ: الأعمش، وقتادة، وأبي إسحاق السَّبِيعِيِّ ".

فظاهِرُ الأَثَرين التَّناقُضُ، وقد جَمَع بينهما بعضُ أهل العِلم ..

ص: 81

فقال ابنُ المُنذِر في " الأوسط "(1/ 338): " فقد يجُوزُ أن يكُون عُمَرُ إلى الوقت الذي قال فيه هذا القولَ - يعني: " ما بُلتُ قائمًا " - لم يَكُن بال قائما، ثم بال بعد ذلك، فرآه زيدُ بنُ وَهبٍ، فلا يَكُونُ حديثَاه متضادَّيْن "، وكذلك قال الطَّحاوِيُّ.

ص: 82

160 -

سئلتُ عن حديث: " ثَلَاثٌ مِنَ الجَفَاءِ: أَن يَبُولَ الرَّجُلُ قَائمًا، أَو يَمسَحَ جَبهَتَةُ قَبلَ أَن يَفرَغَ مِن صَلَاتِهِ، أَو يَنفُخَ فِي سُجُودِهِ ".

• قلتُ: هذا الحديثُ لا يَصِحُّ مرفُوعًا.

أخرجه البُخاريُّ في " التَّاريخ الكبير "(2/ 1/ 496)، وابنُ قانعٍ في " الفوائد "(ق 3/ 2 - 4/ 1)، والطَّبَرانيُّ في " الأوسط "(ج 2/ ق 69/ 2)، والبَزَّار (ج 1/ رقم 547) مِن طريق سَعيدِ بن عُبيد الله، ثنا ابنُ بُريدةَ، عن أبيه مرفُوعًا فذكره.

ولم يَذكُر الطَّبَرانيُّ النَّفخَ في السُّجودِ.

وزَادَ البُخاريُّ، مِن رواية نصر بن عليٍّ، عن سعيدٍ: ". أَربَعٌ مِن الجَفَاء

وأَن يَسمَع المُنادِي، ثُمَّ لا يتَشَهَّدُ مِثل ما يَتَشَهَّدُ ".

قال البَزَّارُ: " لا نَعلَمُ رواه عن عبد الله بن بُريدة، عن أبيه، إلَّا سعيدٌ، ورواه عن سعيدٍ: عبدُ الله بنُ داوُد، وعبدُ الواحد بنُ واصلٍ ".

وقال الهيَثميُّ في " المَجمَع "(2/ 83): " رِجالُ البَزَّار رجال الصَّحيح ".

وتَوسَّع البدرُ العَينيُّ في الحُكم، فقال في " عُمدة القارِي " (3/ 135):" إسنادُه صحيحٌ، وقَولُ التِّرمذيِّ يُردُّ".

• قلتُ: وقولُ التِّرمذيِّ، أَنَّ حديث بُريدةَ غيرُ محفُوظٍ، هو الصَّوابُ

ص: 83

عندي كما يأتي.

أمَّا البدرُ العينيُّ رحمه الله، فجَرَى على ظاهِر السَّنَد، وخَفِيَت عليه العِلَّةُ الحقيقيَّة.

قال المُبَارَكفُورِيُّ في " تُحفة الأحوذيِّ "(1/ 68)، يَرَدُّ عَلَى البدر العينيِّ:" التِّرمذيُّ مِن أئِمَّة هذا الشَّأن، فقولُه: " حديثُ بُريدةَ غيرُ محفُوظٍ " يُعتمَدُ عليه، وأمَّا إِخراجُ البَزَّارِ حديثَه بسَنَدٍ ظاهرِهُ الصِّحَّة فلا يُنافِي كونَه غيرَ محفوظٍ " ا. هـ.

أمَّا عِلَّة الحديث، فهي المُخالَفة.

فقد خُولِف سعيدُ بن عُبيد الله فيه ..

فقد خالَفَهُ قتادةُ، فرواه عن ابن بُريدة، عن ابن مَسعُودٍ، أنَّهُ كان يقولُ:" أربَعٌ مِنَ الجفاء: أن يَبُول الرَّجُل قائمًا، وصلاةُ الرَّجُل والنَّاسُ يَمُرُّون بين يدَيهِ وليس بين يديه شيءٌ يستُرُه، ومَسحُ الرَّجُل التُّراب عن وجهِهِ وهو في صلاتِهِ، وأن يَسمَعَ المُؤذِّنَ فلا يجيبُه في قولِه ".

أخرجه ابنُ المُنذِر في " الأوسط "(ج 1/ رقم 281) بالفَقرة الأُولى، والبيهقيُّ (2/ 285)، وقال:" وكذلك رواه الجُرَيرِيُّ، عن ابن بُريدة، عن ابن مسعُودٍ ".

وطريق الجُرَيرِيِّ هذا:

أخرَجَهُ البُخاريُّ في "الكبير "، وقال:" قال نَصرٌ: حدَّثَنا عبد الأعلى، عن الجُرَيرِيِّ، عن ابن بُريدة، عن ابن مَسعُودٍ، نحوَه " ا. هـ.

ونَقَلَ البيهقيُّ عن البُخاريِّ أنَّه قال: " هذا حديثٌ مُنكَرٌ، يَضطرِبُون فيه ".

ص: 84

• قلتُ: وقد مرَّ وجهان لهذا الاضطراب:

الأوَّلُ: أنَّ سعيدَ بنَ عُبيدِ الله رَفَعَه.

الثَّاني: أنَّ قتادةَ، والجُرَيرِيَّ - واسمُه: سَعِيدُ بنُ إياسٍ - خالَفَاه في موضِعَين:

أ. أنَّهُما أوقَفَاه ..

ب. أَنَّهُما نقلَاه من " مُسنَد بُريدة " إلى " مُسنَد ابن مَسعُودٍ " ..

وهُمَا يترَجَحَّان عليه، لاسِيَّما وقد قال الدَّارَقُطنيُّ في سعيد بن عُبيد الله:" ليس بالقويِّ، يُحدِّث بأحاديثَ، يُسنِدُها، ويُوقِفُها غيرُه "، وهذا الحديثُ مثالٌ لذلك.

وقد أخرَجَهُ ابنُ أبي شَيبة (1/ 124)، وابنُ المُنذِر في " الأوسط "(ج 1/ رقم 280) مِن طريق عَاصِم بن أبي النَّجُود، عن المُسيَّب بن رافعٍ، عن ابن مَسعُودٍ، قال:" من الجفاء أن يَبُول قائمًا ".

ورجالُه ثقاتٌ، غيرَ أنَّهُ مُنقَطِع، بين المُسيَّب بنِ رافعٍ، وابن مَسعُودٍ، كما صرَّح بذلك أبو حاتمٍ، وأبو زُرعة الرَّازِيان.

الوجه الثَّالث: أنَّ كَهْمَسَ بنَ الحسن رواه عن ابن بُريدة مِن قولِه، ولم يَذكُر ابنَ مسعُودٍ.

أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 124) حدَّثَنَا وكيعٌ، عن كَهْمَسٍ.

وسَنَدُه صحيحٌ.

فالصَّوَابُ في الحديث الوَقفُ، وأنَّه ليس بمرفُوعٍ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 85

161 -

سُئلتُ عن حديث: " كَانَ الرَّجُلُ مِن بَنِي إِسرَائِيلَ إِذَا وَقَعَ عَلَيهِ بَولٌ قَرَضَهُ بِالمَقَارِيضِ ".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ أبو داوُد (22)، والنَّسائيُّ (30 - بذل الإحسان)، وابنُ ماجَهْ (346)، وأحمدُ (4/ 196)، وابنُ أبي شَيبة (1/ 122، و 3/ 375)، وعنه ابنُ أبي عاصمٍ في " الآحاد والمَثَاني "(ج 2/ ق 98/ 1)، والحُمَيدِيُّ (882)، وابنُ الجارُود (131)، وابنُ قانعٍ في " مُعجَم الصَّحابة "(ج 7/ ق 106/ 2)، وأبُو يَعلَى (ج 2/ رقم 932)، ويَعقُوبُ بنُ سُفيان في " المعرفة "(1/ 284)، وابنُ حِبَّانَ (139)، وأبو القاسم البَغَوِيُّ في " مُعجَم الصَّحابة "(ج 16/ ق 210/ 2)، وابنُ المُنذِر في " الأوسط "(ج 1/ رقم 283، و ج 2/ رقم 687)، والحاكِمُ (1/ 184)، والسَّهْمِيُّ في " تاريخ جُرْجَان "(ص 492)، والبَيهقيُّ في " السُّنَن الكبير "(1/ 104)، وفي "عذاب القبر"(رقم 144) مِن طُرُقٍ عن الأعمش، عن زيد بن وهبٍ، عن عبد الرَّحمن بن حَسَنة، قال: خَرَج علينا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كهيئة الدَّرَقَةِ، فوَضَعها، ثُمَّ جَلَس خلفَها، فبال إِلَيها، فقال بعضُ القوم:" انظُروا! يبُولُ كما تبُولُ المرأةُ! "، فسَمِعَهُ فقال:" أَوَمَا عَلِمتَ ما أَصاب صاحبَ بني إسرائيل؟ كَانُوا إذا أَصابَهُم شيءٌ مِن البَولِ قَرَضُوه بالمقاريض، فنَهَاهُم صاحبُهم، فعُذِّب في قَبرِه ".

ص: 86

قال الحافِظُ في " الفتح "(1/ 328): " حديثٌ صحيحٌ، صحَّحَهُ الدَّارَقُطنيُّ، وغيرُه ".

وقال الحاكِم: " صحيحُ الإسناد، ومن شَرط الشَّيخَين أن يَبلُغ ".

وصَرَّح الذَّهَبيُّ به تصريحًا، فقال:" عَلَى شرطِهِما ".

وقد رَوَاه عن الأعمش جماعةٌ، منهم:" وَكِيعٌ، وأبو مُعاوِية، وسُفيانُ، وزائِدَةُ بنُ قُدَامَة، وعُبيدُ الله بنُ مُوسَى، وعبدُ الواحد بنُ زِيادٍ، ويَعلَى بنُ عُبيدٍ ".

وقال ابنُ المُنذِر: " خَبرٌ ثابتٌ ".

ص: 87

162 -

سُئلتُ عن حديثٌ: " لَا تَحلِفُوا بِغَيرِ الله، وَإِدا تَخَلَّيتُم فَلَا تَستَقبِلُوا القِبلَةَ، وَلَا تَستَدبِرُوهَا، وَلَا تَستَنجُوا بِعَظمٍ، وَلَا بِيَعرَةٍ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا.

أخرَجَهُ أحمد (3/ 487) حدَّثَنَا رَوْحٌ، وعبدُ الرَّزَّاق، قالَا: أنا ابنُ جُريجٍ، قال: حدَّثَني عبدُ الكريم بنُ أبي المُخارِق، أنَّ الوليدَ بنَ مالك بن عبد القَيس أخبره - وقال عبدُ الرَّزَّاق: مِن عبدِ القَيس -، أنَّ مُحمَّدَ بنَ قيسٍ مولى سهلِ بن حَنيفٍ - مِن بني ساعدة - أخبَرَه، أنَّ سهلًا أخبره، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَه، قال: " أَنتَ رسُولِي إلى أهل مَكَّة، قُل: إنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرسَلَني، يقرَأُ عليكُم السَّلَامَ، ويأمُرُكم بثلاثٍ: لا تَحلِفُوا

الحديث ".

وأخرَجَهُ الدَّارِميُّ (1/ 135)، والحاكِمُ (3/ 412) من طريق ابن جُريجٍ، عن عبد الكريم به.

واقتَصَر الدَّارِميُّ على الفِقرة الثَّانِية منه.

• قلتُ: وهذا سَنَدٌ ضعيفٌ، بل واهٍ وعبدُ الكَريم بنُ أبي المُخارِق ضعَّفه النُّقَّاد، وتَرَكَهُ بعضُهم.

والوليدُ بنُ مَالِكٍ ترجَمَهُ البُخاريُّ في " الكبير "(4/ 2/ 152)،

ص: 88

وابنُ أبي حاتمٍ في " الجرح والتَّعديل "(4/ 2/ 17 - 18)، ولم يَذكُرَا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في " الثِّقات"(7/ 552) على عادَتِه، ولَم يَعبَأ الحُسينِيُّ بذلك، فقال كما في " التَّعجيل " (1155):" مجهُولٌ، غيرُ مَشهُورٍ".

ومحُمَّدُ بنُ قَيسٍ قال الحُسينيُّ أيضًا (969): " ليس بمشهُورٍ ". واللهُ أعلَمُ.

{تنبيهٌ}

تعقَّبَنِي شيخُنا الألبانيُّ رحمه الله في هذا الحديثِ في الجُزء السَّابع (ص 1676 - 1677) من " الصَّحيحة " والذي نُشِر بعد وفاته بعامَين، فخرَّج هذا الحديثَ مثلَمَا فعلتُ أنا، ثُمَّ قال:

" هذا، ولقد كان مِن دَواعِي تخريجِ حديثِ التَّرجَمَة بهذا التَّحقيقِ الذي رأيتَه أنَّ أخانا الفاضلَ أبا إسحاقَ الحُوَينيَّ سُئل في فصله الخاصِّ الذي تنشُرُهُ له " مجلَّةُ التَّوحيد " الغرَّاءُ في كُلِّ عددٍ من أعدادِها، فسُئل - حفظه الله وزادهُ عِلمًا وفضلًا - عن هذا الحديث في العَدَدِ الثَّالث (ربيع أوَّل - 1419) فضعَّفَهُ، وبيَّن ذلك مُلتَزِمًا عِلمَ الحديث وما قالَهُ العُلماء في رُواة إسنادِهِ، فأحسَنَ في ذلك أحسَنَ البَيان، جزاهُ اللهُ خيرًا. لكِنِّي كُنتُ أَوَدُّ وأتَمَنَّى له أن يُتبع ذلك ببيانِ أنَّ الحديثَ بأطرافِهِ الثَّلاثةِ صحيحٌ؛ حتَّى لا يتوهَّمنَّ أحدُ قُرَّاء فَصلِهِ أنَّ الحديث ضعيفٌ مُطلَقًا سنَدًا ومَتنًا، كما يُشعِر بذلك سكوتُهُ عن البَيانِ المُشارِ إليه. أقُول هذا، مع أنَّني أعتَرِفُ له بالفَضل في هذا العِلم، وبأنَّه يَفعَلُ هذا الذي تمنَّيتُهُ له في كثيرٍ

ص: 89

من الأحاديث التي يتكلَّمُ على أسانيدِها، ويُبيِّنُ ضَعفَها، فيُتبعُ ذلك ببيان الشَّواهد التي تُقَوِّي الحديثَ. لكنَّ الأمر، كما قيل: كفى المرءَ نُبلًا أن تُعدَّ معايِبُهُ " انتهَى.

• قلتُ: رحمةُ الله على شيخِنا! فوالله! لقد ترَكت كلماتُهُ هذه أثرًا بعيد الغَور في نفسي، وكُنتُ في نَفسِي لَأَقلَّ من أن يقُول شيخُنا هذا فيَّ، فالحمد لله على ما أنعَمَ.

ولكنَّ الذي جَعَلنِي أُحجِمُ عن فِعل ذلك أنَّ المساحةَ المَسمُوحةَ لي في " مجلَّة التَّوحيد " لا تَفِي بهذا، وكان يأتيني في الشَّهر الواحد أكثرُ من مئتي سؤالٍ عن دَرَجة الأحاديث، فلا أستطيعُ أن أُجيب إلَّا عن خَمسةٍ منها أو ستَّةٍ، ورُبَّما أجبتُ عن حديثٍ واحدٍ دَعَت الحاجةُ إلى بسط الكلام عنه. وقد زِدتُ في الكلام عن الأحاديث في هذا الكتاب زياداتٍ كثيرةً، ولم أتمكَّن من فِعل ذلك في كثيرٍ من المواضع؛ نَظَرًا لمَرَضِي وقِلَّةِ جَلَدِي على البحث، وفي النَفس غُصَّةٌ من هذا، وإنِّي لَأَرجُو إن عافانِي اللهُ تعالى أن أَزيدَ المَقامَ بَسطًا في بعض الأحاديثِ التي اختَلَفَت فيها أنظارُ النُّقَّاد، فلعل ذلك يكون قريبًا. والحمدُ لله على كل حالٍ.

ص: 90

163 -

سُئلتُ عن حديثٌ: " تَنَامُ عَينَايَ، وَلَا يَنَامُ قَلبِي ".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ البُخاريُّ في " التَّهجُّد "(3/ 33)، وأبُو نُعَيمٍ في " المُستَخرَج "(1675) عن عبدِ الله بنِ يُوسُف ..

وأيضًا في " صلاة التَّراويح "(4/ 251)، والبَيهَقِيُّ (2/ 495 - 496) عن إسماعيلَ بنِ أبي أُوَيسٍ ..

والبُخارِيُّ في " المَناقِب "(6/ 579)، وأبُو داوُد (1341)، وابنُ حِبَّان (2613)، وأبُو نُعَيمٍ في " الحِلية "(10/ 384)، والبيهَقِيُّ في " سُنَنِه الكَبير "(1/ 122، و 3/ 6، و 7/ 62)، وفي " المَعرِفة "(4/ 29)، وفي " الدَّلائِل "(1/ 371 - 372) عن عبدِ الله بنِ مَسلَمَة القَعنَبِيِّ ..

ومُسلِمٌ (738/ 125)، والبيهَقِيُّ (1/ 122، و 2/ 495 - 496، و 3/ 6، و 7/ 62) عن يَحيَى بنِ يَحيَى ..

والنَّسائِيُّ في " الكُبرَى "(1421)، وِمن طريقه ابنُ عبد البَرِّ في " التَّمهيد "(2/ 266 - موسوعة المُوطَّإ)، وابنُ بِشرانَ في " الأمالِي " (ج 22/ ق 246/ 2 - 247/ 1) قال: أخبَرَنا قُتيبَةُ بنُ سعيدٍ ..

والنَّسائِيُّ أيضًا في " المُجتبَى "(3/ 234) عن عبدِ الرَّحمن بن القاسمِ .. والتِّرمِذيُّ في " سنَنِه"(439)، وفي " الشَّمائل "(267)، والطَّبَرانِيُّ

ص: 91

في " الأوسط "(7634) عن مَعنِ بن عيسَى ..

وعبدُ الرَّزَّاق في " المُصنَّف "(ج 3/ رقم 4711) ..

والنَّسائِيُّ في " الكُبرى "(453/ 4)، وأحمدُ (6/ 36)، وأبُو نُعيمٍ في " الحِلية "(10/ 384) عن عبد الرَّحمن بنِ مَهدِيٍّ ..

وأحمدُ أيضًا (6/ 73، 104) قال: حدَّثَنا إسحاقُ بنُ عيسَى، وأبُو سلَمَةُ منصُورُ بنُ سَلَمَة - فرَّقَهُما - ..

وإسحاقُ بنُ راهَوَيهِ في " المُسنَد "(1130/ 587) قال: حدَّثَنا بِشرُ ابنُ عُمر الزَّهرانِيُّ ..

وابنُ خُزيمة (49، 1166)، وأبُو عَوانَةَ (2/ 327)، والطَّحاوِيُّ في " شرح المَعانِي "(1/ 282)، وفي " المُشكِل "(9/ 53) عن عبد الله بن وهبٍ ..

وابنُ حِبَّان (2430)، والبَغَوِيُّ في " شرح السُّنَّة "(4/ 4 - 5) عن أبي مُصعبٍ أحمدَ بنِ أبي بكرٍ ..

وابنُ بِشرانَ في " الأمالِي "(22/ ق 247/ 1) عن مُوسى بن أعينَ الجزَرِيِّ ..

والبَيهَقِيُّ في " المَعرِفة "(4/ 29) عن يَحيَى بن أبي بُكيرٍ، قالُوا جميعًا: ثنا مالكٌ - وهو في مُوطَّئِهِ (1/ 9/120) -، عن سعيد بن أبي سعيدٍ المَقبُرِيِّ، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرَّحمن، أَّنهُ سألَ عائشَةَ: كيف كانت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في رَمَضانَ؟ قالت: ما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يزيدُ في رمضانَ ولا في غَيره على إحدَى عشرةَ ركعةً: يُصلِّي أربَعًا، فلا تسأل عن

ص: 92

حُسنِهِنَّ وطُولِهنَّ، ثُمَّ يُصلِّي أربَعًا، فلا تسأل عن حُسنِهِنَّ وطُولِهنَّ، ثُمَّ يُصلِّي ثَلاثًا. فقالَت عائشةُ: فقلتُ: " يا رَسُول الله! أتنَامُ قبل أن تُوتِرَ؟ "، فقال:" يا عائشةُ! إنَّ عَينَيَّ تنامان، ولا يَنَامُ قلبي ".

وَذَكَر ابنُ عبد البَرِّ في " التَّمهيد "(21/ 69)، أنَّ مُحمَّدَ بنَ معَاذ بن المُستَهِلِّ رواهُ عن القَعنَبِيِّ، عن مالكٍ، عن ابنِ شهابٍ، عن أبي سَلَمَة، عن عائِشةَ.

فخالفَ ابنُ المُستهِلِّ: البُخاريَّ، وأبا داوُد، ومُحمَّدَ بنَ غالبٍ تَمتامَ، وعُثمانَ بنَ سعيدٍ الدَّارِمِيَّ، والسَّرِيَّ بنَ خُزَيمَةَ. فهؤلاء رووه عن القَعنَبِيِّ، عن مالكٍ، عن سعيد بن أبي سعيدٍ، عن أبي سلَمَة، عن عائِشة. بينَما جعل ابنُ المُستهِلِّ شيخَ مالكٍ فيه: الزُّهريَّ. وروايَتُهُ وَهَمٌ مُحقَّقٌ؛ لأنَّهُ لو كان ثقةً لَتَرَجَّحَت روايَةُ هؤلاء عليه، لاسيَّما وفيهم البُخارِيُّ، كيف ولم يَذكُرهُ إلَّا ابنُ حِبَّان فيما وقفتُ عليه ..

فقد تَرجَمه في " الثِّقات "(9/ 153)، قال:" مُحمَّدُ بنُ مُعاذ بن المُستهِلِّ البَصريُّ. سَكَنَ حلَبَ. يُقال له: دُوْدَانُ. يَروِي عن أبي داوُد الطَّيالِسِيِّ، والبَصرِيِّين. رَوَى عنه أهلُ الشَّام"، ولم يَزِد على ذلك.

فإذا أضفتَ إلى ذلك أنَّ سائِرَ الرُّواة عن مالكٍ وافَقُوا القَعنَبِيَّ على جَعل شيخ مالكٍ: سعيدَ بنَ أبي سعيدٍ، بدل: الزُّهريِّ، علمتَ أنَّ ابنَ المُستهِلَّ وَهِمَ فيه قَطعًا. ولذلك قال ابنُ عبد البَرِّ:" والصَّوابُ ما في المُوطَّإِ ".

وله شاهدٌ من حديثٌ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما ..

ص: 93

أخرَجَهُ أحمدُ (1/ 274)، ومن طريقه الضِّياءُ في " المُختارَة " (10/ 69 - 70) قال: حدَّثَنا أبُو أحمدَ، حدَّثَنَا عبدُ الله بنُ الوليد العِجليُّ - وكانت له هيئةٌ. رأيناهُ عند حَسَنٍ -، عن بُكَير بن شهابٍ، عن سعيد ابن جُبَيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قال: أقبَلَت يهودُ إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقالُوا:" يا أبا القاسمِ! إنَّا نَسألُك عن خَمسةِ أشياءَ، فإن أنبأتنا بِهِنَّ عرَفنا أنَّك نبيٌّ واتَّبَعناك "، فأخَذَ عليهِم ما أَخَذَ إسرائِيلُ على بنيه، إذ قالُوا:{اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف: 66]، قال:" هاتُوا "، قالُوا:" أخبِرنا عن علامَة النَّبيِّ "، قال:" تنامُ عيناهُ ولا ينامُ قلبُهُ "، قالوا:" أخبِرنا كيف تُؤنِثُ المرأةُ وكيف تُذكِر "، قال:" يلتَقِي الماءانِ، فإذا علا ماءُ الرَّجلِ ماءَ المرأة أذكَرَت، وإذا علا ماءُ المرأة ماءَ الرَّجل آنَثَت "، قالُوا:" أخبِرنا ما حرَّم إسرائيلُ على نفسه "، قال:" كان يَشتَكِي عِرقَ النَّسا، فلم يَجِد شيئًا يُلائِمُهُ إلَّا ألبانُ كذا وكذا - قال أبي: قال بعضُهمُ: يعني الإبِلَ -، فحرَّم لحُومَها "، قالُوا:" صدقتَ. - قالُوا: - أخبِرنا ما هذا الرَّعدُ؟ "، قال:" مَلَكٌ من ملائكة الله عز وجل مُوكلٌ بالسَّحاب، بيده - أو: في يده - مخِراقٌ من نارٍ، يَزجُرُ به السَّحابُ، يَسُوقُهُ حيثُ أَمَر الله "، قالوا:" فما هذا الصَّوتُ الذي نسمعُ؟ "، قال:" صوتُهُ "، قالوا:" صدقتَ. إنَّما بقيَت واحدةٌ، وهي التي نُبايِعُك إن أخبَرتَنا بها. فإنَّه ليس مِن نبِيٍّ إلَّا له مَلَكٌ يأتيه بالخبر، فأخبِرنا مَن صاحبُك؟ "، قال:" جبريلُ عليه السلام "، قالُوا:" جبريلُ! ذاك الذي يَنزِلُ بالحَرب والقِتالِ والعَذابِ. عدُوُّنا. لو قُلتَ: ميكائيلُ الذي ينزل بالرَّحمة والنَّبَات والقَطر، لكانَ "، فأنزَلَ اللهُ عز وجل:

ص: 94

{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ

إلى آخر الآية} البقرة: 197.

وأخرَجَهُ ابنُ أبي حاتِمٍ في " تفسيره "(3817) قال: حدَّثَنا أحمدُ بنُ مَحمَّد بن يَحيَى بن سعيدٍ القَطَّانُ، ثنا أبُو أحمدَ - هو: محُمَّدُ بنُ عبد الله الزُّبيرِيُّ -، بهذا بتَحريم لحُوم الإبل وألبانِها.

ووقع عنده " الأُتُنَ " بدل " الإبل ". ولعلَّها تصحَّفَت.

وأخرَجَهُ أبُو الشَّيخ في " كتاب العَظَمة "(765) عن أحمد بن أبي سرَيجٍ الرَّازِيِّ ..

وابنُ مندَهْ في " التَّوحيد "(48) عن أحمد بن الوليد الفحَّام، قالا: ثنا أبُو أحمدَ بهذا بقصَّة الرَّعد.

وتُوبع أبُو أحمدَ ..

تابَعَهُ أبُو نُعيمٍ الفضلُ بنُ دُكَينٍ، فرَوَاهُ عن عبد الله بن الوليد - وكان يُجالِس الحَسَن بن حَيٍّ - بهذا الإسناد بتمامه.

أخرَجَه النَّسائِيُّ في " عِشرة النِّساء "(9072 - الكُبرى) قال: أخبَرَنا أحمدُ بن يَحيَى الصُّوفيُّ ..

والطَّبَرانِيُّ في " الكبير "(ج 12/ رقم 12429)، ومن طريقه أبُو نُعيمٍ في " الحِلية "(4/ 304 - 305)، والضِّياءُ في " المُختارَة " (10/ 67 - 68) قال: حدَّثَنا عليُّ بنُ عبد العزيز، قالا: ثنا أبُو نُعيمٍ بهذا.

وأخرَجَه التِّرمِذِيُّ (3117) قال: حدَّثَنا عبدُ الله بنُ عبد الرَّحمن - هو الدَّارِمِيُّ -، قال: أخبَرَنا أبُو نُعيمٍ بهذا بقصَّة الرَّعد وحدها.

وقال: " حَسَنٌ غريبٌ ".

ص: 95

وأخرَجَه البُخاريُّ في "الكبير"(1/ 2/ 114) قال: قال لي أبُو نُعيمٍ: حدَّثَنا عبدُ الله بنُ الوليد بهذا بتحريم لحوم الإبل وألبانِها.

قال ابنُ مندَهْ: "هذا إسنادٌ مُتَّصلٌ، ورُواتُه مَشاهيرُ ثقاتٌ".

وصحَّح إسنادَه الشيخُ أبو الأشبال أحمد شاكر

(1)

في "تخريج المُسند"(4/ 161).

وحسَّن إسنادَه شيخُنا أبُو عبد الرَّحمن الألبانيُّ في "الصَّحيحة"(1872).

* قلتُ: وفي هذا نَظَرٌ عندي؛ فإنَّ بُكَيرَ بنَ شهابٍ تفرَّد به عن سعيد ابن جُبير، كما قال أبُو نُعيمٍ الأصبَهانِيُّ، فلذلك استغرَبَهُ مِن حديث سعيدٍ. وبُكَيرُ بن شهابٍ لا يُقبَل التَّفرُّدُ منه؛ فقد وثَّقَهُ ابنُ حِبَّان، وقال أبُو حاتِمٍ:"شيخٌ"، فإذا تفرَّد بحديثٍ عن مِثل سعيدِ بنِ جبيرٍ في شُهرَتِه وكَثرة أصحابِهِ فلابُدَّ من التَّوقُّف في روايَته على أقلِّ تقديرٍ. هذا في حالَة التَّفرُّد. أمَّا إذا خالَفَهُ مَن هو أمكَنُ منه فتكُونُ روايتُهُ أضعَفَ.

وقد خالَفَهُ حبيبُ بن أبي ثابِتٍ، فرواه عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ، قال:"كان إسرائيلُ أَخَذَهُ عِرقُ النَّسا، فكان يَبيتُ له زُقَاءٌ، فجَعَل لله عليه إن شفاه ألَّا يأكل العُروقَ، فأنزَلَ الله عز وجل: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران:93] ".

(1)

وقد وَهِم الشَّيخُ أبو الأشبال وهَمًا آخر، فقال:"وقول أبي أحمد الزُّبَيرِيِّ: "رأيناه عند حسنٍ" يُريد أنَّه لقِي عبدَ الله بنَ الوليد عند الحسنِ بنِ ثابتٍ الأحولِ" انتهَى. والحَسَن هذا هو ابن صالح بن حَيٍّ، كما وقع في رواية النَّسائِيِّ. والله الموفِّق.

ص: 96

أخرَجَهُ عبدُ الرَّزَّاق في "تفسِيرِه"(1/ 126)، ومِن طريِقِهِ ابنُ جَريرٍ (7411 - شاكر) قال: أخبَرَنِي الثَّورِيُّ، عن حبيبِ بن أبي ثابتٍ.

وأخرَجَهُ البُخارِيُّ في "التَّاريخ الكبير"(1/ 2/ 114 - 115) قال: حدَّثَناه محُمَّدُ بنُ يُوسُف، وغيرُ واحدٍ ..

وأخرَجَهُ ابنُ جريرٍ (7417) عن يحيَى بن سعيدٍ القَطَّان، كُلُّهم، عن سُفيان بهذا.

وتابَعهُ الأعمَشُ، فرواه عن حبيب بن أبي ثابتٍ بسنده سواء.

أخرَجَه ابنُ جَريرٍ (7418) قال: حدَّثَنا أبُو كُريبٍ، حدَّثنا يحيَى بنُ عيسَى، عن الأعمش به.

وأخرَجَه ابنُ أبِي حاتِمٍ في "تفسيرِه"(3818) قال: حدَّثَنا أبُو سعيدٍ الأشجُّ، ثنا ابنُ نُمَيرٍ، عن الأعمَشِ، وسُفيانَ معًا، عن حبيب بن أبي ثابتٍ بهذا.

فالصَّوابُ في هذا الحديثِ الوقفُ، وهو ظاهِرُ ترجيحِ البُخارِيِّ. واللهُ أعلم.

وله طريقٌ آخَرُ عن ابن عبَّاسٍ ..

أخرَجَهُ أحمدُ (1/ 278)، وابنُ سعدٍ في "الطَّبقات" (1/ 174 - 175) قالا: حدَّثَنا هاشِمُ بنُ القاسم ..

وأخرَجَهُ أحمدُ أيضًا (1/ 273) قال: حدَّثَنا حُسينُ بنُ محُمَّدٍ ..

وعبدُ الله بنُ أحمد (2515) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ بكَّارٍ ..

وابنُ أبي حاتمٍ في "تفسير"(3816)، والبيهَقِيُّ في "الدَّلائل" (6/

م (19)(الفتاوى الحديثية) ج 2

ص: 97

266 -

267) عن أبي داوُد الطَّيالِسِيِّ - وهذا في "مُسنَده"(2731) - .. وابنُ جَريرٍ (1605) عن يُونُس بن بُكَيرٍ ..

والطَّبَرانِيُّ في "الكبير"(ج 12/ رقم 13012) عن محُمَّدَ بنِ يُوسُف الفِريابِيِّ، كُلُّهم عن عبد الحميد بن بَهرَامَ، عن شهر بن حَوشَبٍ، عن ابن عبَّاسٍ، قال: حَضَرَت عصابةٌ من اليَهُودِ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقالُوا:"يا أبا القاسِمِ! حدِّثنا عن خِلالٍ نسألُك عنهُنَّ لا يعلَمُهُنَّ إلَّا نبيُّ"، قال:"سَلُونِي عمَّا شئتُم، ولكن اجعَلُوا لي ذِمَّة الله، وما أَخَذَ يعقُوبُ على بنيه، لَئِن أنا حدَّثتُكُم شيئًا فعرَفتُمُوه لتُتَابِعُنِّي على الإسلام"، قالُوا:"فذلك لك"، قال:"فَسَلُوني عمَّا شِئتُم"، قالُوا:"أخبِرنَا عن أربعِ خِلالٍ نسألُك عنهُنَّ: أخبِرنَا أيَّ الطعامِ حرَّم إسرائيلُ على نفسِهِ من قبل أن تُنزَّل التَّوراةُ؟ وأخبِرنا كيف ماءُ المرأة وماءُ الرَّجُل؟ كيف يكُونُ الذَّكرُ منه؟ وأخبِرنا كيف هذا النَّبيُّ الأُمِّيُّ في النَّوم؟ ومَن وَلِيُّه من الملائكة؟ "، قال:"فعليكُم عهدُ الله وميثاقُهُ لَئِن أنا أخبَرتُكُم لَتُتَابِعُنِّي؟ "، - قال: - فأعطَوه ما شاء من عهدٍ وميثاقٍ، قال:"فأنشُدُكُم بالذي أنزل التَّوراة على مُوسَى صلى الله عليه وسلم! هل تَعلَمُون أنَّ إسرائيلَ يعقُوبَ عليه السلام مَرِض مَرَضًا شديدًا وطال سَقَمُهُ، فنَذَرَ لله نذرًا: لئن شَفَاهُ الله تعالَى من سَقَمِهِ ليُحرِّ منَّ أحبَّ الشَّراب إليه وأحبَّ الطَّعام إليه، وكان أحبَّ الطَّعام إليه لحُمانُ الإبل وأحبَّ الشَّراب إليه ألبانُها؟ "، قالُوا:"اللهُمَّ نعم! "، قال: "اللهمَّ! اشهَد عليهِم. فأنشُدُكم بالله الذي لا إله إلَّا هو الذي أنزَلَ التَّوراة على مُوسَى! هل تعلَمُون أنَّ ماءَ الرَّجُل

ص: 98

أبيضُ غليظٌ، وأنَّ ماءَ المرأةِ أصفرُ رَقيقٌ، فأيُّهما علا كان له الوَلَدُ والشَّبَهُ بإذن الله، إن عَلا ماءُ الرَّجُل على ماءِ المرأة كان ذَكَرًا بإذن الله، وإن عَلا ماءُ المرأة على ماءِ الرَّجُل كان أُنثَى بإذن الله؟ "، قالُوا: " اللهُمَّ نعم! "، قال: "اللَّهم! اشهَد عليهم. فأَنشُدُكُم بالذي أنزل التَّوراة على مُوسَى! هل تَعلَمُون أنَّ هذا النَّبيَّ الأُمِّي تنامُ عيناهُ ولا ينامُ قلبُه؟ "، قالُوا: "اللَّهُم نعم! "، قال: "اللَّهُمَّ! اشهد"، قالُوا: "وأنتَ الآن تُحَدِّثُنا، مَن ولِيُّك من الملائِكة؟ فعِندَهَا نُجامِعُك أو نُفارِقُك"، قال: "فإنَّ وليِّي جبريلُ عليه السلام، ولم يَبعَث اللهُ نبيًّا قطُّ إلَّا هو وليُّه"، قالُوا: "فعندها نُفارِقُك؛ لو كان وليُّك سواهُ من المَلائكة لَتَابَعناك وصدَّقناك"، قال: "فما يمنعُكُم مِن أن تُصَدِّقُوه؟ "، قالُوا: "إنَّه عدُوُّنا"، - قال: - فعند ذلك قال اللهُ عز وجل: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ

[إلى قوله عز وجل]،

كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 97 - 101]، فعند ذلك {بَاءُ وبِغَضبٍ عَلَى غَضَبٍ

الآية} [البقرة: 90].

* قلتُ: وعبدُ الحميد بن بَهرَامَ صَدُوقٌ مُتماسِكٌ، وثَّقَهُ أحمدُ، وابنُ مَعينٍ، وأبُو داوُد ..

وقال النَّسائِيُّ، والعِجِليُّ، وابنُ عَدِيٍّ:"لا بأس به" ..

وقال أبُو حاتِمٍ الرَّازِيُّ: "عبدُ الحميد في شَهْرِ بن حَوشَبٍ، مثلُ الليثِ في سعيدٍ المَقبُريِّ

أحادِيثُهُ عن شهرٍ صِحاحٌ، لا أعلَمُ رَوَى عن شهر بن حَوشَبٍ أحاديثَ أحسنَ منها ولا أكثر منها

لا يُحتَجُّ بحديثه

ص: 99

ولا بحديث شَهر بن حَوشَبٍ، ولكن يُكَتبُ حديثُهُ" ..

وقال أحمدُ بنُ صالحٍ: "أحادِيثُهُ عن شَهرٍ صحيحةٌ" ..

وقال الخطيبُ: " الحَملُ في الصَّحيفة التي رواها عبدُ الحميد: على شَهرٍ، لا على عبد الحميد" ..

وقال ابنُ عَدِيٍّ: "إنَّما عابُوا عليه كثرةَ رواياتِهِ عن شهرٍ. وشهرٌ ضعيفٌ".

وقد خالَفَهُ عبدُ الله بنُ عبد الرَّحمن بنِ أبي حُسينٍ، فرواه عن شَهر بن حَوشَبٍ، قال: إنَّ نَفرًا من اليهُود جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم

وساقَهُ.

فسَقَط ذِكرُ: ابنِ عبَّاسٍ.

أخرَجَهُ ابنُ إسحاق في "سيرَة ابنِ هشامٍ"(2/ 191 - 192)، ومن طريقه ابنُ جَريرٍ (1606) قال: حدَّثَنِي عبدُ الله بنُ عبد الرَّحمن بهذا الإسناد.

وعبدُ الله بنُ عبد الرَّحمن ثقة، وثَّقَهُ أحمدُ، والنَسائِيُّ، وأبُو زُرعَةَ، والعِجِليُّ، وابنُ سعدٍ، وابنُ حِبَّانَ. وقال أبو حاتِمٍ:"صالِحٌ"، وقال ابنُ عبد البَرِّ:"ثقةٌ عند الجميع، فقيهٌ عالِمٌ بالمَنَاسِك".

فروايتُهُ تترجَّحُ على رواية ابن بَهرَامَ.

ولعلّ هذا الاختلافَ من شَهر بن حَوشَبٍ، فقد اختَلف النُّقَّادُ في شأنه اختلافًا كثيرًا، والذي يترجَّحُ لديَّ من حاله: قبُولُ حديثِهِ في حال المُتابَعة، وإن تابَعَهُ مِثلُهُ، بشوط عدم وُجود المُخالِف الأقوَى. والله أعلم.

ص: 100

وصحَّح الشَّيخُ أبُو الأشبال أحمدُ شاكر رحمه الله روايةَ شهر بن حَوشَبٍ؛ لأنَّ هذا عنده ثقةٌ، وقال في تعليقه على "تفسير الطَّبَرِيِّ" (2/ 321):"ومَن تكلَّم فيه فلا حُجَّةَ له"!! وهي كلمةٌ دارجةٌ على لسان الشَّيخ في سائر الرُّواة المُتكلَّم فيهم، فيَرُدُّ قول الجارِحين مع كَثرَتِهم وجَلالَتِهم بمثل هذه الكَلِمة المُجمَلة، التي لا تُكلِّف قائِلَها شيئًا، ولسنا نُوافِقُ على إطلاقِها في حقِّ الأئمَّة الكبار؛ فما كانُوا يتكلَّمُون بالجُزاف، وهُم أدرَى بمَروِيَّات الرَّاوِي الذي تكلَّمُوا فيه من كثيرٍ ممَّن جاء بعدَهُم. والمَشهُور عند المُحقِّقين مِن أهل عَصِرنا تساهُلُ الشَّيخ أبي الأشبال في كلامه على الرُّواة، مع جلالة الشَّيخ وتقدُّمِه. رحمه الله.

وله شاهدٌ ثانٍ من حديث أبي هُريرَة رضي الله عنه ..

أخرَجَهُ أحمدُ (2/ 251، 438) ..

وابنُ خُزَيمَة (48) قال: أخبَرَنا محُمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ويحيَى بنُ حَكيمٍ ..

وابنُ الجارُود في "المُنتقَى"(12) قال: حدَّثَنا يعقُوبُ بنُ إبراهيم الدَّورَقِيُّ ..

وابنُ حِبَّان (6386) عن أبي قُدامَة السَّرخْسِيِّ عُبيدِ الله بنِ قُدامةَ، قال خمسَتُهُم: ثنا يَحيَى بنُ سعيدٍ القطَّانُ، عن ابن عَجلانَ، قال: سمعتُ أبي يُحدِّثُ، عن أبي هُريرَة رضي الله عنه مرفُوعًا:"تنامُ عيناي، ولا ينامُ قلبي".

وإسنادُهُ قوِيٌّ.

وشاهدٌ ثالثٌ من حديث أنسٍ رضي الله عنه في "الإسراء"، وفيه: إنَّه جاءه ثلاثة نَفَرٍ قبل أن يُوحَى إليه وهو نائمٌ في المَسجد الحَرام، فقال أوَّلهُم:

ص: 101

"أيُّهُم هو؟ "، وقال أوسطُهُم:"هو خَيرُهُم"، فقال آخِرُهُم:"خُذُوا خَيرَهُم"، وكانت تلك، فلم يَرَهُم حتَّى جاؤوا ليلةً أُخرَى فيما يَرَى، ثلاثةً، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم تنامُ عيناه ولا ينامُ قلبُهُ، وكذلك الأنبياءُ تنامُ أعيُنُهم ولا تنامُ قُلُوبُهُم، فلم يُكلِّمُوه، حتى احتَمَلُوهُ فوَضَعُوه عند بئر زمزمَ، فتولَّاه منهم جبريلُ عليه السلام، فشقَّ جبريلُ - صلواتُ الله عليه - بطنَهُ مِن نَحرِهِ إلى لَبَّتِهِ، حتَّى فَرَج عن صدره وجَوفِهِ، فغَسَلَهُ من ماء زمزمَ حتَّى أنقَى جوفَهُ، ثُمَّ أتَى بطَستٍ من ذهبٍ فيه تَوْرٌ محشُوٌّ إيمانًا وحِكمةً، فحُشِي به صدرُهُ وجَوفُهُ ولَغادِيدُهُ، ثُمَّ أطبَقَه

الحديث.

وهذا الحديثُ الذي يرويه شريكُ بنُ عبدِ الله بن أبي نَمِرٍ، عن آنسٍ، وهُو مخُرَّجٌ في "الصَّحيحَين" وغيرِهما من كُتب السُّنَّة، ووقَعَ فيه عشرةُ أوهامٍ، ذكرها الحافظُ في "الفتح" وغيرُهُ.

ص: 102

164 -

سُئلتُ عن حديث: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ".

* قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

وقد وَرَدَ من حديث أبي هُريرَة، وعبدِ الله بن عمرٍو رضي الله عنهم.

‌1 - أمَّا حديثُ أبي هُريرَة.

فأخرَجَهُ النَّسَائيُّ (5/ 99)، وابن ماجَهْ (1839)، وأحمد (2/ 377، 389)، وابن أبي شَيبَة (3/ 257، و 14/ 274)، وابن الجَارُود في "المُنتقَى"(364)، وابن حِبَّانَ (806)، وأبو يعَلَى (ج 11/ رقم 6401)، والبزَّار في "مُسنده"(ج 2/ ق 249/ 2)، والطَّحَاوِيُّ في "شرح المعاني"(2/ 14)، والدَّارَقُطنِيُّ (2/ 118)، والبَيهَقِيُّ (7/ 14)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(8/ 308) من طُرُقٍ عن أبي بكرٍ بنِ عيَّاشٍ، عن أبي حَصِينٍ، عن سالم بن أبي الجَعد، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا فذكره.

وأبُو حَصينٍ - بفتح الحاء المُهمَلة - هو عُثمانُ بنُ عاصمٍ، كان في الثَّبت كالأسطوانة.

ورواه عن أبي بكرٍ بنِ عيَّاشٍ جماعة، مِنهُم: "الحَسَنُ بنُ عَرَفة، وهنَّادُ ابنُ السَّرِيِّ، ومحُمَّدُ بنُ الصَّبَّاح، ويحيى بنُ إسحاق، وحَسَنُ بنُ مُوسَى الأَشيبُ، وأَسوَدُ بُن عامرٍ، ومُعلَّى بنُ منصُورٍ، وعبدُ الله بنُ عُمَر بن

ص: 103

أبانَ، وأبو داوُدَ الطَّيالِسيُّ، وأبو غَسَّانَ، وابنُ أبي شَيبة، وإِبراهيمُ بنُ مُجَشِّرٍ، وعمَّارُ بنُ خالدٍ التَّمَّارُ، وإسحاقُ بنُ يَحيَى الطَّبَّاعُ، ويحيى بنُ أبي بُكَيرٍ".

وخالف هذا الجمعَ: فُراتُ بنُ محَبُوبٍ، ومُعلَّى بنُ مَنصُورٍ فروَيَاهُ عن أبي بكرٍ بن عيَّاشٍ، عن أبي حَصِينٍ، عن أبي صَالحٍ، عن أبي هُريرَة رضي الله عنه مرفُوعًا مثلَه.

أخرَجَهُ الطَّحاوِيُّ (2/ 14)، وأبُو نُعَيمٍ في "الحِلية"(8/ 308).

قال أبو نُعيمٍ: "لم يَروِهِ عن أبي حَصِينٍ، عن سالمٍ، وأبي صالحٍ، إلَّا أبو بكرٍ"، ونوَّهَ البَيهَقِيُّ بنحو ذلك.

* قلتُ: وفُراتُ بنُ محَبُوبٍ ذَكَرَهُ ابنُ حِبَّانَ في "الثِّقات"(9/ 13)، وترجَمَهُ ابنُ أبي حاتمٍ في "الجَرح والتَّعديل"(3/ 2/ 85)، ولَم يَذكُر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقال الدَّارَقُطنِيُّ في "العِلل" (1/ 184):"لا بأس به"، وَوَهَّمَه في حديثه، ووَثَّقَه الهَيثمِيُّ في "المَجمَع"(9/ 288)، وكأَنَّه اتَّكأَ على توثيقِ ابن حِبَّانَ.

ومُعلَّى بنُ مَنصُورٍ ثقةٌ، ولكنَّه رواه على الوجه الأوَّلِ أيضًا.

وكأنَّ هذا الاضطرابَ من أبي بكرٍ بنِ عيَّاشٍ؛ فقد تكَلَّم العُلماءُ في حِفظِه، وإِن كانَ الأشبهُ هو روايةُ الجماعة عنه.

وتابَعَه قَيسُ بنُ الرَّبيع، فرواهُ عن أبي حَصينٍ بهذا مثلَهُ.

أخرَجَه الدَّارَقُطنِيُّ (2/ 118) قال: حدَّثَنا الحُسَينُ بنُ يحيى بن عيَّاشٍ، حدَّثَنا عليُّ بنُ مسلمٍ، ثنا أبُو داوُد، ثنا قيسُ بنُ الرَّبيع بهذا.

ص: 104

وكذلك رواهُ يحيى بنُ أبي بُكَير، عن قيسٍ، كما في "علل الدَّارَقُطنيِّ"(10/ 128).

وقيسٌ مُتكَلَّمٌ في حِفظه، ولكن روايتُهُ تشُدُّ رواية أبي بكرٍ بن عيَّاشٍ. والله أعلم.

وهذا سَنَدٌ لا بَأسَ به، لولا ما نَقَلَه الزَّيلَعِيُّ في "نصب الرَّاية"(2/ 399)، عن ابن دَقيقِ العِيدِ، أنَّهُ قال في "التَّنقيح":"رُوَاتُه ثِقاتٌ، إلَّا أنَّ أحمَد بن حنبَلٍ قال: سالمُ بن أبي الجَعد لم يَسمَع مِن أبي هُريرَة"، وسالمٌ ذَكَرُوه بالتَّدليس والإرسال.

لكن له طريقٌ آخرُ ..

أخرَجَهُ أبُو يَعلَى (ج 11/ رقم 6199) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ عَبَّادٍ ..

والبَيهَقِيُّ (7/ 13 - 14) مِن طريق سَعدَانَ بن نَصرٍ، قالا: ثنا سُفيان - يعني: ابنَ عُيينة -، عن مَنصُورٍ، عن أبي حازمٍ، عن أبي هُريرَة - قيل لسُفيان:"رَفَعَهُ؟ "، قال:"لَعَلَّهُ" -: "لَا تحلُّ الصَّدَقَةُ لِغنيِّ، ولا لِذِي مِرَّةٍ سَويٍّ".

هكذا على الشَّكِّ في رفعه.

ولكن أخرَجَهُ ابنُ خُزيمة في "صحيحه"(ج 4/ رقم 2387) قال: حدَّثَنَا عبدُ الجَبَّار بنُ العلاء ..

وأخرَجَه الحاكِمُ (1/ 407) مِن طريق عليِّ بن حَرْبٍ، قالا: ثنا سُفيانُ، عن مَنصُورٍ، عن أبي حازمٍ، عن أبي هُريرَة يبلُغُ به.

ومعنى: "يَبلُغ به" يَعنِي رَفَعَه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ص: 105

وذَكَر البَيهقيُّ أنَّ الحُمَيدِيَّ رواه عن سُفيانَ، فجَزَمَ برفعِهِ.

وهؤُلاء الثَّلاثةُ أَثبتُ في سُفيان، ولاسيَّما الحُمَيدِيَّ، فهو مِن أوثق أصحابِهِ.

وقال الحاكِم: "صحيحٌ على شرط الشَّيخَين، ولم يُخَرِّجاه".

كذا قال! وعليُّ بنُ حربٍ الطَّائِيُّ مِن شيوخ النَّسائيِّ الثِّقاتِ، ولم يروِ عنه أحدُ الشَّيخَين شيئًا، وليس له عن الثَّوريِّ شيءٌ في الكُتب السِّتَّة. فالسَّنَدُ صحيحٌ فقط. والحمدُ لله.

وقد رواه الدَّارَقُطنِيُّ في "الأفراد" - كما في "أطراف الغرَائب"(5446) -، وقال:"تفرَّد به ابنُ عُيَينَة، عن منصورٍ، عن أبي حازِمٍ. رواه عنه عبدُ الجبَّار، فأسنَدَهُ. ورواه محُمَّدُ بنُ ميمونَ عنه، وقال في موضعٍ: مرفوعٌ، وفي موضعٍ: موقوفٌ".

ويُفهَم من كلام الدَّارَقُطنِيِّ كأنَّ عبدَ الجَبَّار بنَ العَلاء تفرَّد به عن ابن عُيَينَةَ مُسنَدًا. وهذه عبارَةٌ دارِجَةٌ عندهم في مَعنَى التَّفرُّد. فإن يَكُن كذلك، فقد تُوبع عبدُ الجَبَّار كما مرَّ بك آنِفًا. والله أعلم.

وقد خُولِف ابنُ عُيَينة في إسنادِهِ ..

خالَفَه إسرائيلُ بنُ يُونُس، فرواهُ عن منصُورٍ، عن سالمِ بن أبي الجَعد، عن أبي هُريرَة مرفوعًا: "لا تَحِلُّ الصَّدَقةُ

".

أخرَجَه البزَّار في "مُسندَه"(ج 2/ ق 249/ 2) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ عُثمانَ بنِ كَرامةَ، نا عُبيدُ الله بنُ موسَى، عن إسرائيلَ بهذا.

وتابَعَهُ عبدُ الرَّحمن بنُ مَهدِيٍّ، ثنا إسرائيلُ بهذا.

ص: 106

أخرَجَهُ الدَّارَقُطنِيُّ (2/ 118) قال: حدَّثَنا أبُو شَيبَة عبدُ العزيزِ بنُ جَعفَرٍ، ثنا محُمَّدُ بنُ عبد الله المُخرَّميُّ، ثنا عبدُ الرَّحمن بنُ مَهدِيٍّ بهذا.

وذَكَر الدَّارَقُطنِيُّ في "عِلَلِه"(11/ 185) هذه المُخالَفةَ ولم يُرجِّح.

قال البزَّارُ: "هذا الحديثُ رواهُ ابنُ عُيَينة، عن مَنصُورٍ، عن أبي حازِمٍ، عن أبي هُريرَة. والصَّوابُ: حديثُ إسرائيل، عن منصورٍ، عن سالمٍ، عن أبي هُريرَة. وقد تابع إسرائيلَ على روايَتِه أبو حَصينٍ، فرواهُ عن سالمٍ، عن أبي هُريرَة" انتَهى.

ثمَّ رواه البزَّارُ مِن طريق أبي بكرٍ بنِ عيَّاشٍ الماضيةَ.

* قلتُ: وفي ترجيحِ البزَّارِ روايَةَ إسرائيلَ نَظَرٌ مِن وَجهَين:

الأوَّلُ: أنَّ ابنَ عُيَينَة أوثقُ من إسرائيلَ، ومَن طالَع ترجمةَ الرَّجُلَين عرفَ الفرقَ بينَهُما، مع ثقةِ إسرائيلَ رحمه الله. وليس مَعنَى أنَّه اختُلِف على ابنِ عُيَينة في رفعه أن يُوَهَّنَ حديثُهُ، لاسيَّما وقد رجَّحنا أنَّه عنه مرفوعٌ.

الثَّاني: أنَّ البزَّار تَسَامَحَ في عَدِّ رواية أبي حَصينٍ مُتابَعةً، بل البحثُ في الاختلاف على منصورٍ كما هو ظاهر. والله أعلم.

ثمَّ رأيتُ الدَّارقُطنيَّ في موضعٍ آخر من "العِلل"(10/ 128) سُئل عن حديث أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة مرفوعًا: "لا تَحِلُّ الصَّدقة لغنيٍّ

"، فقال: "يرويه أبو حَصينٍ. واختُلِف عنه"، ثمَّ خَتَم بحثَه بقوله: "والمَحفوظُ: عن أبي بكرٍ بنِ عيَّاشٍ، عن أبي حَصِينٍ، عن سالمٍ ابن أبي الجَعد، عن أبي هُريرَة".

فلا يَتَوَهَّمن أحدٌ أنَّه يوافِقُ البزَّارَ في حُكمه؛ لأنَّ البزَّار نَصَبَ

ص: 107

المُعارَضة بين رواية: "ابن عُيَينة، عن منصورٍ، عن أبي حازِمٍ، عن أبي هُريرَة"، وبين رواية:"إسرائيل، عن منصورٍ، عن سالمٍ، عن أبي هُريرَة". ولم يذكُر الدَّارَقُطنِيُّ روايَةَ أبي حازِمٍ هنا. والله أعلمُ.

وأخرَجَهُ الطَّبَرانِيُّ في "الأوسَط"(7859) قال: حدَّثَنا محمُودُ بنُ محُمَّدٍ الواسِطِيُّ ..

والقُضَاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(885) مِن طريق مُحَمَّد بن عَبدُوسَ، قالا: ثنا وَهبٌ، أبنا خالدٌ، عن حُصَين، عن أبي حازمٍ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا مثله.

قال الطَّبَرانِيُّ: "لم يروه عن حُصينٍ إلَّا خالدٌ".

وهذا سَنَدٌ صحيحٌ؛ ومحُمَّدُ بنُ عَبدُوسَ ترجمَهُ الخطيبُ في "تاريخ بغداد"(2/ 381 - 382)، وقال:"كان مِن أهل العِلمِ والعرِفَةِ والفضل"، ونقل عن ابن المُنادِي، قال:"كانَ مِنَ المَعدُودِين في الحِفظ، وحُسنِ العرِفة بالحديث، أَكثَرَ النَّاسُ عنه لثِقَتِهِ وضَبطِه، وكان كالأخِ لعبد الله بن أحمد بن حنبلٍ"، ونَقَلَ أيضًا عن أحمدَ بنِ كاملٍ القاضي، قال:"كان حَسَنَ الحديث، كثيرَه".

ووهبٌ هُو ابن بَقِيَّة، أحدُ الثِّقات.

وبقِيَّةُ السَّند مشهورُون.

وصرَّح الدَّارَقُطنِيُّ في "العِلل"(11/ 185) أنَّ حُصَينًا رواه عن أبي حازِمٍ، عن أبي هُريرَة، موقُوفًا.

ولا أعلَمُ مَن رواهُ عن حُصَينٍ هكذا.

ص: 108

وله طريقٌ آخَرُ وَرَد في حِكايةٍ طريفةٍ ..

أخرَجَه ابنُ حِبَّان في مُقدِّمة "المَجروحِين"(1/ 82 - 83 - طبع السَّلفيِّ) قال: أخبَرَنا عُمرُ بنُ محُمَّدٍ الهَمْدَانِيُّ، قال: حدَّثَنا أبو يحيى المُستمِلي، قال: حدَّثَنا أبُو جَعفَرٍ الجُوْزْجانِيُّ، قال: حدَّثَنِي أبُو عبد الله البَصريُّ، قال: أتيتُ إسحاقَ بن راهَوَيهِ، فسألتُهُ شيئًا، فقال:"صَنَع الله لك"، فقلتُ:"لَم أسألك صُنعَ الله، إنَّما سألتُكَ صدقةً"، قال:"لَطَفَ الله لك"، فقلتُ:"لَم أسألك لُطفَ الله، إنَّما سألتُكَ صدقة"، - قال: - فغضِبَ، وقال:"أيُّها الرَّجُلُ! إنَّ الصَّدَقة لا تَحِلُّ لك"، قلتُ:"ولِمَ يَرحَمُك الله؟ "، قال:"لأنَّ جَرِيرًا حدَّثَنا، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَحِلُّ الصَّدَقة لغَنيٍّ، ولا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ"، وأنتَ صحيحٌ قوِيٌّ ذُو مِرَّةٍ سوِيٌّ"، - قال: - فقال: "ترفَق رَحِمَك الله! فإنَّ معي حديثًا في كراهية العَمَل"، فقال إسحاقُ:"وما هو؟! "، فقلتُ:"حدَّثَنِي أبُو عبد الله الصَّادقُ النَّاطقُ، عن أفشين، عن أنباح، عن بان مان، عن سيماء الصَّغير، عن سيماء الكبير، عن عُجيف بن عنبسة، عن زعلمج ابن أمير المُؤمنين، أنَّه قال: العَمَلُ شؤمٌ، وتَركُهُ خيرٌ، تَقعُدُ تَهنَّى خيرٌ من أن تَعمَلَ تَعَنَّى"، فقلنا:"لا إله إلا الله! "، - قال: - فَضحك إسحاقُ وذَهَبَ غضبُهُ، وقال:"زِدنا مِن هذا الحديث! "، فقلتُ: " حدَّثَنِي أبُو عبد الله الصَّادقُ النَّاطقُ بإسناده، عن عُجَيفٍ، قال: قعد زعلمجُ في جُلَسائِه، فقال: أخبِرُوني بأعقل النَّاس عندكم. فأخبَرَ كلُّ واحدٍ منهم بما عنده، فقال

ص: 109

لهم: لم تُصيبُوا. قالوا له: فأخبِرنا بأعقل النَّاس عندك. قال: أعقلُ النَّاس الذي لا يعمل؛ لأنَّ من العَمَلِ يجيءُ التَّعَبُ، ومِن التَّعبِ يجيءُ المَرَضُ، ومن المَرَضِ يجيءُ الموتُ، ومَن عَمِل فقد أعان على نفسه، وقال الله تبارك وتعالى:{وَلَا تَقتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء: 29]"، قال إسحاقُ: "زَدنا مِن حديثِك! "، قال: "وحدَّثَني أبُو عبد الله الصَّادقُ النَّاطقُ بإسناده، عن زعلمج، قال: مَن أطعَمَ أخاه شوَا غفر الله له عدد النَّوَى، ومَن أطعم أخاه هريسة غفر الله له مثل الكنيسة، ومَن أطعم أخاه جُبنًا غَفَر الله له كُل ذنب"، قال: فضَحِك إسحاقُ، وأَمَر له بلِباسَين ورَغِيفَين وعُودَين.

[وعلَّق ابنُ حِبَّان على هذه الحكايةِ قائِلًا:]"فإذا كان مِثلُ هؤلاء يَجتَرِئُون على أحمدَ ويَحيَى وإسحاقَ حتَّى يَضَعُوا الحديثَ بين أيديهم من غير مُبالاةٍ بهم". كانوا إذا خَلَوا بمساجد الجَماعَاتِ ومحَافِل القبائل مع العوامِّ والرِّعاع أَكثَرَ جَسارةً في الوضع، فالقوم إنَّما كانت لُغَتَهُم العربيَّة، فكان يَعلَقُ بقُلوبِهِم ما سَمِعُوا، فرُبَّما سمع المُستَمِعُ من أحدهم حديثًا قد وَضَعَهُ في قصصه بإسنادٍ صحيحٍ على قومٍ ثقاتٍ، فيرويها عنه على جهة التَّعجُّب، فيَحمِلُونه عند ذلك، حتَّى وَقَع في أيدي النَّاس. من هاهنا وَجَب التَّفتيشُ والتَّنقيرُ عن أصل كُلِّ روايةٍ، والبحثُ عن كلِّ راوٍ في النَّقل، حتى لا يُتقوَّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقُل. وأرجو أن تكون هذه الطَّائفةُ الذَّابَّةُ الكذبَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوَّلَ زُمرَةٍ يَدخُلون الجنان مع المُصطَفَى صلى الله عليه وسلم، إذ الجنَّةُ حرامٌ على الأنبياء أن يدخُلوها قبل

ص: 110

نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، وعلى الأُمَمِ قبل هذه الأُمَّة، فالأَولَى أن يكون أقربُ هذه الأُمَّة مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يَذُبُّ الكَذِب عنه في دار الدُّنيا. نسألُ الله عز وجل الحُلُول في تلك المَرتَبة، إنَّه الفعَّال لما يُريدُ" انتهَى.

‌2 - حديثُ عبد الله بن عمرِو بن العاص رضي الله عنه

-.

أخرَجَه التِّرمِذِيُّ (652)، ومِن طريقه البَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(6/ 82) عن أبي داوُد الطَّيالِسيِّ ..

والتِّرمِذِيُّ أيضًا (652)، ومِن طريقِهِ البَغَوِيُّ (6/ 82)، والبيهَقِيُّ في "السُّنَن الكبير"(7/ 13)، وفي "السُّنَن الصَّغير"(2/ 76) عن عبد الرَّزَّاق - وهذا في "مُصنَّفه"(7155) - ..

وأحمدُ (2/ 164، 192)، وابنُ أبي شَيبةَ (3/ 207، و 14/ 274 - 275) قالا: ثنا وكيعٌ ..

وأبُو عُبيدٍ في "الأموال"(1521) قال: حدَّثَنا عبدُ الرَّحمن بنُ مَهدِيٍّ .. والدَّارِمِيُّ (1/ 324 - 325)، وابنُ الجَارُود في "المُنتَقَى"(363)، والطَّحاوِيُّ في "شرح المَعانِي"(2/ 14)، وابنُ المُنذِر في "الإقناع"(60)، والبَيهَقِيُّ (7/ 13) عن أبي نُعَيمٍ الفضلِ بنِ دُكَينٍ ..

والدَّارِمِيُّ (1/ 324 - 325) قال: أخبَرَنا محُمَّدُ بنُ يُوسُف الفِريابِيُّ .. والطَّحاوِيُّ (2/ 14) عن أبي حُذَيفة النَّهْدِيِّ، قالُوا: ثنا سُفيانُ الثَّورِيُّ، عن سعد بن إبراهِيمَ، عن رَيحانَ بن يزيدَ العامِرِيِّ، عن عبد الله ابن عمرٍو مرفوعًا:"لا تَحِلُّ الصَّدَقةُ لِغَنِيٍّ، ولا لِذِي مِرَّةٍ سوِيٍّ".

وفي لفظٍ: "إنَّ الصَّدقة لا تَحِلُّ

".

ص: 111

وأخرَجَهُ أحمدُ (2/ 192) قال: حدَّثَنا عبدُ الرَّحمن - يعني: ابنَ مَهدِيٍّ - .. والدَّارَقُطنِيُّ (2/ 119)، والبَيهَقِيُّ (7/ 13) عن الطَّيالِسِيِّ - وهذا في "مُسنَده"(2271) - ..

والبُخارِيُّ في "التَّاريخ الكَبير"(2/ 1/ 329)، والحَربِيُّ في "الغَريب"(1/ 81)، والطَّبَرَانِيُّ في "الكبير"(ج 13/ رقم 2 - قطعةٌ منه)، والقُضَاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(884) عن أبي نُعَيمٍ الفضلِ بن دُكَينٍ ..

وابن زَنجَوَيهِ في "الأموال"(2571) قال: ثنا مُحمَّدُ بنُ يُوسُف الفريابِيُّ ..

والحاكِمُ (1/ 457)، والبَيهَقِيُّ (7/ 13) عن محُمَّدِ بنِ كَثيرٍ، قالُوا: ثنا سُفيانُ الثَّورِيُّ بهذا الإسناد، غير أنَّهم قالُوا:"قويٍّ" بدل "سَوِيٍّ"، وهُما بِمَعنى.

وقد رَوَى اللفظَين جميعًا عن الثَّورِيِّ: أبُو نُعَيمٍ، وعبدُ الرَّحمن بنُ مَهدِيٍّ، والطَّيالِسِيُّ، والفرِيابِيُّ.

وقد تُوبع الثَّوريُّ على لفظة: "سَوِيٍّ" ..

تابَعَهُ إبراهيمُ بنُ سعد بنِ إبراهيمَ، فرواه عن أبيه بهذا الإسناد سواء.

أخرَجَهُ أبُو داوُد (1634) قال: حدَّثَنا عبَّادُ بنُ مُوسى الأنباريُّ ..

والحاكِمُ (1/ 407) عن أبي بكرٍ ابنِ أبي العوَّام، قالا: ثنا إبراهيمُ بنُ سعدٍ بهذا.

ونَقَل الإمامُ أحمدُ (2/ 192) عن عبد الرَّحمن بن مَهدِيٍّ، قال:"لم يَرفعهُ سعدٌ، ولا ابنُهُ - يعني: إبراهيم بن سعدٍ - ".

ص: 112

وكذلك قال البُخاريُّ في "تاريخِهِ"(2/ 1/ 329).

"قلتُ: قد رَفَعَهُ عنهُما غيرُ عبد الرَّحمن. والرَّاوِي قد لا يَنشَطُ فيُوقف الحديثَ المَرفُوعَ. ولم يُختَلَف على سُفيانَ في رفعه.

قال التِّرمِذِيُّ: "هذا حديثٌ حَسَنٌ".

وهو كما قال؛ ورَيحانُ بنُ يزيدَ، وإن جَهَّله أبو حاتِمٍ، فقد قال سعد ابن إبراهيم الرَّاوِي عنه:"كان أعرابِيَّ صِدقٍ"، ووثَّقه ابنُ مَعينٍ، وابنُ حِبَّان.

قال التِّرمِذِيُّ: "وقد رَوَى شُعبةُ، عن سعد بن إبراهيمَ هذا الحديثَ بهذا الإسناد، ولم يرفعه".

* قلتُ: لم يَتَّفِقُوا على شعبة في ذلك، فمنهم مَن وَقَفَهُ ومِنهم من رفَعَه .. أمَّا الرَّفع.

فأخرَجَهُ الحاكمُ (1/ 407)، والبَيهَقِيُّ (7/ 13) عن آدم بن أبي إياسٍ .. والبَيهَقِيُّ (3/ 17) عن عبدِ الصَّمَد بن عبدِ الوارِث، قالا: ثنا شُعبةُ، عن سعد بن إبراهيم، عن رَيحانَ، عن عبد الله بن عمرٍو مرفوعًا.

وفي رواية آدم: "سَوِيٍّ". وفي رواية عبد الصَّمَد: "قَوِيٍّ".

أمَّا روايَةُ الوَقف ..

فأخرَجَها البُخارِيُّ في "تاريخِهِ"(2/ 1/ 329)، والطَّحاوِيُّ (2/ 14) عن حجَّاج بن مِنهالٍ، ثنا شُعبَةُ بهذا موقُوفًا.

وأخرَجَهُ الطَّحاوِيُّ (2/ 14) عن وَهب بن بقيَّة، ثنا شُعبَةُ، عن سعدٍ، عن رَجُلٍ مِن بني عامِرٍ، عن عبد الله بن عمرٍو موقُوفًا أيضًا.

ص: 113

وروايَةُ الوَقف لا تُعارِضُ روايَةَ الرَّفع في خُصوص حديث شُعبة؛ فقد صحَّ مرفُوعًا وموقُوفًا. ولو قدَّرنا أنَّ الوَقفَ يُعِلُّ الرَّفعَ، فهذا لا يَضُرُّ روايَةَ الثَّورِيِّ ولا إبراهيمَ بنِ سعدٍ. والحمدُ لله تعالى.

قال البَيهَقِيُّ: "وفي رواية مَن رَفَعَه كفايَةٌ".

وقد وَرَد موقُوفًا مِن وجهٍ آخرَ ..

فقال أبُو داوُد بعد أن رَوَى حديثَ إبراهيمَ بنِ سعدٍ: "رواهُ سُفيانُ، عن سعد بن إبراهيم كما قال إبراهيمُ. ورواه شُعبةُ، عن سعدٍ، قال: لِذِي مِرَّةٍ قَوِيٍّ. والأحاديثُ الأُخَرُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بعضُها: لِذِي مِرَّةٍ قَوِيٍّ، وبَعضُها: لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ. وقال عطاءُ بن زُهيرٍ: إنَّه لَقِيَ عبد الله ابن عمرٍو، فقال: إنَّ الصَّدَقة لا تَحِلُّ لقوِيٍّ، ولا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيِّ".

وقولُ أبي داوُد: "قال عطاءُ بنُ زُهيرٍ: إنَّه لَقِيَ عبدَ الله بن عَمرٍو

الخ" استَشكَلَهُ الشَّيخُ العلَّامةُ أبُو الأشبال أحمد شاكر رحمه الله، فأطال الكلامَ عنها في "تَخريج المُسنَد" (10/ 38 - 40) استيضاحًا للصَّواب واستِرباحًا للثَّواب - إن شاء الله تعالى -، فقال:

"بقيَت كلمَةُ أبي داوُد: "وقال عطاءُ بن زُهيرٍ: إنَّه لَقِيَ عبدَ الله بن عمرٍو، فقال: إنَّ الصَّدَقة لا تَحِلُّ لقوِيٍّ، ولا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيِّ"، فهذا شي ءٌ لا أدري ما هو وما وَجهُهُ؟ مِن جهة الإسناد، ومِن جهة اللفظ؟! فعَطاءُ بن زُهيرٍ هذا لم أجد له ترجَمةً في "التَّهذيب" وفُروعِه، ولا أدري كيف ترَكُوه، وهو في سُنَن أبي داوُد أحدِ الكُتبِ السِّتَّة؟ ولم أجد له ترجمةً في "التَّعجيل" ولا "الميزان" ولا "لسان الميزان"؟ نعم!

ص: 114

ترجمه ابنُ أبي حاتِمٍ في "الجَرح والتَّعديل"(3/ 1/ 332)، قال:"عطاءُ ابنُ زُهيرِ بن الأصبَغ. رَوَى عن أبيه. رَوَى عنه شُمَيطٌ والأخضرُ ابنا عجلان. سمعتُ أبي يقُولُ ذلك".

فهذا هو الذي ذكره أبُو داوُد، ولكنَّه أخطأ الحِفظ، أو سَمِع بإسنادٍ أخطأ بعضُ رُواتِه، فذَكَره هكذا مُعلَّقًا مُنقَطِعًا، وأخطأ هو أو مَن فوقه لفظَ الحديث المَوقوف، إذ قال:"لا تَحِلُّ لقَوِيٍّ، ولا لذِي مِرَّةٍ سَوِيِّ"!! وذُو المِرَّة السَّوِيِّ هو القوِيُّ، كما سيجيء.

والدَّليلُ على خطإ رواية أبي داوُد هذه أنَّ البُخاريَّ ترجم في "الكَبير"(2/ 1/ 392) لزُهيرٍ والِدِ عطاءٍ هذا، قال:"زُهيرُ بنُ الأصبغ العامِرِيُّ. سَمِع عبدَ الله بن عَمرٍو. روَى عنهُ ابنُهُ عطاءٌ"، ثُمَّ ترجم فيه (2/ 2/ 264 - 263) لشُمَيطِ بن عَجلانَ

(1)

الذي ذكر ابنُ أبي حاتِمٍ أنَّه رَوَى عن عطاء بن زُهيرٍ، قال:"شُمَيطُ بن عَجلانَ، أبُو عُبيد الله البَصريُّ، أخُو الأخضر الشَّيبانِيِّ، ويُقال: التَّيمِيُّ. روى عنه ابنه عُبيدُ الله. وقال سيَّارُ بنُ حاتِمٍ: هو القَيسِيُّ. روى عن عطاء بن زُهيرٍ، عن أبيه: لقيتُ عبد الله بن عَمرٍو، قلتُ: "أخبِرنِي عن الصَّدقة؟ "، قال: "شَرُّ مالٍ، مالُ العميان والعرجان والكسحان واليَتامَى وكُلِّ مُنقَطَعٍ به"، قلتُ: " إنَّ للعامِلين عليها حقًّا؟ "، قال: " بقدر عَمَالتِهم "، قلتُ: "والمُجاهدين؟ "، قال: "قومٌ قد أُحلَّ لهم. إنَّ الصَّدَقة لا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، ولا لذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ". حدَّثَنِي عِيسى بنُ إبراهيم، حدَّثَنا عبدُ العزيز بنُ

(1)

ورواية شميطٍ هذه: أخرَجَها البَيهَقِيُّ (7/ 13) أيضًا.

ص: 115

مُسلمٍ، حدَّثَنا شُميطُ بنُ عَجلانَ، عن أبيه، سمع ابن عُمَر" وهذا الإسنادُ الأخيرُ في "الكبير" مَغلُوطٌ محُرَّفٌ، كتب عليه مُصَحِّحُه العلَّامةُ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمن بنُ يحيَى اليَمانيُّ ما نَصُّهُ: "كذا، ويُمكن أن يكون الصَّواب

حدَّثنا شُميطُ بن عَجلانَ، عن عطاءٍ، عن أبيه، سَمِعَ ابن عَمْرٍو"، وهذا التَّصويبُ مُتعيِّنٌ، كما هو ظاهرٌ من سياق التَّرجَمة.

فهذا السِّياقُ الذي ساقه البُخاريُّ ورواه بإسنادِهِ، يدُلُّ على الخطإِ الذي وَقَعَ في روايةِ أبِي داوُد المُعلَّقةِ، الخطإِ في الإسناد المُنقَطِع، ثُمَّ الخطإِ في المَتن، فهو يدُلُّ على أنَّ عطاءَ بنَ زُهيرٍ لم يلق عبدَ الله بنَ عمرٍو، بل الذي لقيه هو أبُوه زُهيرُ بنُ الأصبغ، وإنَّما روى عطاءُ بنُ زُهير ذلك عن أبيه، ورواه شُميطُ بن عَجلانَ عن عطاءٍ هذا عن أبيه، وأنَّ زهَيرًا أبا عطاءٍ سأل عبدَ الله بنَ عمرٍو عن الصَّدقة، فحطَّ مِن شأنِها؛ تنفيرًا مِن قَبُولها وتنزيهًا، حتَّى جادَلَه في استِحقاق العامِلين عليها والمُجاهِدين، فأبان له أنَّ ذلك بقدر ما أَذِن الله به؛ تحذيرًا مِن تجاوُزِ ما أحلَّ الله فيها، ثُمَّ وكَّد ذلك بأنْ ذَكَر له أنَّها "لا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، ولا لِذي مِرَّةٍ سَوِيٍّ". فلا يدُلُّ هذا على أنَّ روايَتَهُ موقُوفةٌ غيرُ مرفُوعَةٍ، كما يُوهِمُ كلامُ أبي داوُد، إذ كأنَّهُ يُشيرُ إلى تعليل الرِّوايَة المَرفُوعة بهذه الرِّوايَة المَوقُوفَة التي رَوَاهَا مُعلَّقَةً، ورواها على وجهٍ كلُّهُ خطأٌ.

ولعلَّ أبا داوُد ذَكَرَها مُعلَّقةً لهذا السَّبب، لَمَح فيها الخَطأَ في الإسنادِ والمَتنِ، فأعرَضَ عن أن يَسُوقَها بإسنادِهَا مَساقَ رواياتِهِ في كتابِهِ، إذ

ص: 116

كانت عنده على نحوٍ لَم يَطمئنَّ إليه.

ثُمَّ بعد هذا، لو كان الحديثُ موقُوفًا لفظًا فقط، كان مَرفُوعَ المَعنَى؛ لأنَّ الصَّحابِيَّ إذا حَكَى التَّحريمَ أو التَّحليل، أو الأمرَ أو النَّهيَ، كان محَمَلُهُ على النَّقل عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقد تكلَّمنا في هذا المَعنَى فيما مَضى، في شرح حديث "أُحِلَّت لنا مَيتَتَان"(5723)، وأَشَرنا إلى بعض أقوال الأئِمَّة في ذلك، ونَزِيدُ هنا قولَ الخَطيبِ البَغدادِيِّ في كتاب "الكِفاية في عِلم الرِّوايَة"(ص 421)، قال:

"قال أكثرُ أهل العِلم: يجبُ أن يُحمَل قولُ الصَّحابِيِّ: "أُمِرنا بكذا" على أنَّه أمرُ الله ورسولِهِ. وقال فريقٌ منهم يجبُ الوَقفُ في ذلك؛ لأنَّه لا يُؤمَن أنْ يَعنِي بذلك أمرَ الأئمَّة والعُلماء، كما أنَّه يَعنِي بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. والقَولُ الأوَّل أولَى بالصَّواب".

"والدَّليلُ عليه: أنَّ الصَّحابِيَّ إذا قال: "أُمِرنا بكذا" فإنَّما يَقصِدُ الاحتِجاج لإثبات شرعٍ وتَحليلٍ وتحريمٍ وحُكمٍ يجبُ كونُهُ مَشرُوعًا".

"وقد ثَبَتَ أنَّه لا يَجِبُ بأمر الأئمَّة والعُلَماءِ تحليلٌ ولا تَحريمٌ إذا لَم يكُن أمرًا عن الله ورسولِهِ. وثَبَتَ أنَّ التَّقليد لهم غيرُ صحيحٍ. وإذا كان كذلك، لم يَجُز أن يقول الصَّحابِيُّ: "أُمِرنا بكذا" أو "نُهينا عن كذا"، لِيُخبِرَنَا بإثبات شرعٍ، ولُزوم حُكمٍ في الدِّين، وهُو يُريدُ أمرَ غيرِ الرَّسُول ومَن لا يجبُ طاعتُهُ ولا يَثبُتُ شرعٌ بقولِهِ، وأنَّه متى أراد مَن هذه حالُهُ وَجَبَ تقييدُهُ له بما يدلُّ على أنَّه لم يُرِد أمرَ مَن يَثبُتُ بأمرِهِ شرعٌ. وهذه الدِّلالَةُ بعَينِها تُوجِبُ حَملَ قوِلِه: "من السُّنَّة كذا" على أنَّها

ص: 117

سنَّة الرَّسول صلى الله عليه وسلم ".

فهذا مِن قوِلهِم في قول الصَّحابِيِّ "أُمِرنا بكذا" أو "نُهِينا عن كذا"، بصيغَة المَبنِيِّ لما لَم يُسَمَّ فاعلُهُ. فأولَى ثُمَّ أولَى إذا صرَّح بالتَّحليل أو التَّحريم، كقول عبدِ الله بن عَمرٍو هنا، في الرِّواية المَوقُوفة: "لا تَحِلُّ الصَّدَقةُ

الخ". فهو حين يُحاوِرُ زُهيرَ بنَ الأصبَغ في الصَّدقة، ويَحتجُّ عليه ويُحُجُّه، بأنَّ الصَّدقةَ لا تَحِلُّ لِغنِيِّ ولا لِذي مِرَّةٍ سوِيٍّ، إنَّما يَحُجُّه بالسُّنَّة الصَّحيحةِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، المُبَلِّغِ عن الله التَّحليلَ والتَّحريمَ، لا يَحُجُّه بقولِ نفسِهِ، ولا برأي نفسه، ولا بقولِ أحدٍ ولا برأي أحدٍ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذا الحديثُ إذن حديثٌ صحيحٌ مرفُوعًا أو موقُوفًا، ليست له عِلَّةٌ، وقد أخطأ كُلُّ مَن أَعلَّهُ" انتهَى.

* قلتُ: وأخرَجَ ابنُ أبي شَيبَةَ (3/ 208) قال: حدَّثَنا ابنُ مَهدِيٍّ، عن مُوسَى بنِ عُليٍّ، عن أبيه - هو: عُلَيُّ بنُ رَباحٍ -، عن عبد الله بن عمرٍو، قال:"لا تَنبغِي الصَّدقةُ لغنيٍّ، ولا لذي مِرَّةٍ سويِّ".

وهو صحيحٌ موقوفٌ مِن هذا الوَجه. والحمدُ لله تعالَى.

وللحديثِ شواهدُ عن جماعَةٍ من الصَّحابَة رحمه الله، أشار إليها التِّرمِذِيُّ، وقد فاتَهُ بعضُها، وذَكَرتُهُ في "تَعِلَّة المَفؤُود بشرح مُنتَقَى ابن الجارُود"(رقم 400)، يسَّر اللهُ إتمامَهُ على الوَجه الذي يُرضيه.

ص: 118

‌165 - سُئلتُ: هل صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الجنازة، وأنَّه قرأ سورةً مع الفاتحة؟

* قلتُ: لا أَعلَمُه صحيحًا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكن صحَّ عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

أخرَجَهُ النَّسائيّ (4/ 74 - 75) قال: أخبَرَنا الهَيثَمُ بنُ أيُّوب ..

وأبو يَعلَى في "مُسنَده"(ج 5/ رقم 2661) قال: حدَّثَنا مُحْرِزُ بن عَون ..

وابنُ الجَارُود في "المُنتقَى"(537) من طريق سليمان بن داوُد الهاشميِّ، وإبراهيم بن زِيادٍ، أربعَتُهم عن إبراهيم بن سعدٍ، قال: حدَّثَنِي أبي، عن طلحة بن عبد الله بن عَوفٍ أخي عبد الرَّحمن بن عوفٍ، قال: صَلَّيتُ خلف ابن عبَّاسٍ على جِنازةٍ، فقرأ بفاتِحَةِ الكتاب وسورَةٍ، فجَهَرَ حتَّى سَمِعنا، فلمَّا انصرف، أخَذتُ بيده، فسألتُه عن ذلك، فقال:"سنَّةٌ وحقٌّ".

وقال البَيهقِيُّ: "ورواه إبراهيمُ بنُ حَمزة، عن إبراهيمَ بنِ سعدٍ، وقال في الحديث: فقرأ بفاتِحة الكتاب وسورةٍ"، ثُمَّ قال البَيهقيُّ:"وذِكرُ السُّورَة فيه غيرُ محَفُوظٍ".

وأخرَجَهُ عبدُ الله بنُ مُحمَّد بن سعيد بن أبي مريمَ في "ما أَسنَدَ سُفيانُ الثَّوريُّ"(1/ 40/ 2).

ص: 119

وابنُ الجَارُود في "المُنتقَى"(536) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ يحيَى، قالا: ثنا محُمَّدُ بنُ يُوسُف الفِريابيُّ، قال: ثنا سفيانُ الثَّوريُّ، عن زيد بن طلحة التَّيميِّ، قال: سَمِعتُ ابن عبَّاسٍ قرأ على جِنازةٍ فاتحةَ الكتاب وسُورةً، وجَهَر بالقراءة، وقال:"إِنَّما جهرتُ لِأُعْلِمَكُم أنَّها سُنَّةٌ، والإمامُ كَفَاهَا".

وسَنَدُه صحيحٌ؛ وزيدُ بنُ طلحة وثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ، وقال أبو حاتمٍ:"لا بأس به"، كما في "الجرح والتَّعديل"(1/ 2/ 565 - 566).

وأخرَجَهُ الشَّافِعيُّ في "الأُمِّ"(1/ 270)، ومِن طريقِهِ البَيهقِيُّ (4/ 39) قال: أنبأنا ابنُ عُيينة، عن محُمَّد بن عَجلَانَ، عن سعيد بن أبي سعيدٍ، قال: سمِعتُ ابنَ عبَّاسٍ يجهرُ بفاتحة الكتاب في الجنازةِ، ويقول:"إِنَّمَا فعلتُ لتَعلَمُوا أنَّها سُنّةٌ".

وسَنَدُه جيِّدٌ.

ص: 120

166 -

سُئلتُ عن حديث: "الجَارُ أَحَقُّ بِدَارِ الجَمارِ أَو الأَرضِ".

* قلتُ: هذا حديثٌ حَسَنٌ ثابتٌ.

أخرَجَهُ أبو داوُد (3517)، والنَّسائيُّ في "الشُّروط" من "السُّنن الكُبرى" - كما في "أطراف المِزِّيِّ"(4/ 69) -، والتِّرمذيُّ (1368)، وأحمَدُ (5/ 8، 12، 13، 17، 18)، والطَّيالسِيُّ (904)، وابنُ أبي حاتمٍ في "العِلل"(1/ 480)، والدَّارَقُطنيُّ في " الجُزء الثَّالِث والعشرين مِن حديث أبي طاهرٍ الذُهِليِّ"(رقم 51)، والبَيهقِيُّ (6/ 106) من طُرُقٍ عن قتادة، عن الحسَن، عن سمُرة مرفُوعًا.

قال التِّرمذيُّ: "حديثُ سمُرةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. ورَوَى عيسى ابنُ يُونُس، عن سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة، عن أنسٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. والصَّحيحُ عند أهل العِلم حديثُ الحَسَنِ، عن سَمُرة. ولا نَعرِفُ حديثَ قتادة، عن أنسٍ إلَّا مِن حديث عيسَى بن يُونُس" ا. هـ.

* قلتُ: أمَّا حديثُ قتادة، عن أنسٍ ..

فأخرَجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ في "العِلل"(1/ 480)، وابن حِبَّانَ (1153)، والطَّحَاوِيُّ في "شَرح المعاني"(4/ 122) مِن طريق عِيسَى بن يُونُس، حدَّثَنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنَسٍ به.

وقد رواه عيسَى بنُ يُونُس، عن سعيدٍ. فجَعَلَه من:"مُسنَد سَمُرَةَ".

ص: 121

أخرَجَه النَّسائِيُّ - كما في " الأطراف" -، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عيسى بن يُونُس، عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن الحَسَن، عن سَمُرة.

وكذلك رواه قاسمُ بنُ أَصبَغَ، قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ إسماعيل، ثنا نُعيمُ بنُ حَمَّادٍ، ثنا عيسى بنُ يُونُس، عن ابن أبي عَرُوبَة، عن قتادة، عن أنسٍ.

وبه عن قتادة، عن الحَسَن، عن سَمُرة مرفُوعًا فذَكَره.

ولكِن تَكَلَّم العُلماءُ في حديث قتادة، عن أنسٍ، ووَهَّمُوا عيسَى بن يُونُسَ فيه.

قال الدَّارَقُطنيُّ: "وَهِمَ فيه عيسى بنُ يُونُس. وغيرُه يرويه عن قتادة، عن الحَسَن، عن سَمُرة. هكذا رواه شعبةُ وغيرُهُ، وهو الصَّوابُ" ا. هـ.

وقال ابنُ أبي حاتمٍ في "عِلل الحديث"(1/ 477): "سألتُ أبي، وأبا زُرعَة، عن حديث عِيسَى بنِ يُونُس، عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن أنَسٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "جارُ الدَّار أَحَقُّ بالدَّار"، قالا: هذا خَطَأٌ؛ رَوَى هذا الحديث هَمَّامٌ، وحمَّادُ بنُ سَلَمة، فقال حمَّادٌ: عن قتادَة، عن الشَّريد. وقال همامٌ: عن قَتادة، عن عَمرو بن شُعيب، عن الشَّريد. وقالا: نَظُنُّ أنَّ عِيسَى وَهِمَ فيه، فَشَبَّه الشَّريد بأنَسٍ. وقال أبو زُرعة: الصَّحيحُ عندنا: قتادة، عن عَمرو بن شُعيب، عن الشَّريد، ووَهِمَ فيه عيسى" انتهى.

ونحا ابنُ القَطَّان نحوًا آخرَ ..

ص: 122

فقال يَرُدُّ على الدَّارَقُطنيِّ - كما في "نصب الرَّاية"(4/ 173) -: "وقد مَالَأَ بهذا القول على عِيسَى بنِ يُونُس، فإِنَّه ثقةٌ، ولا يَبعُد أن يَكون جَمَعَ بين الرِّوايتين، أعني: عن أنسٍ، وعن سمُرة،

- ثُمَّ ذَكَرَ رواية قاسم ابن أَصبَغَ السَّالفةَ الذِّكر، وقال: - وعيسى بنُ يُونُس ثقةٌ، فوَجَبَ تصحيحُ ذلك منه" ا. هـ.

* قلتُ: ولكن أَنكَرَ الإمامُ أحمدُ هذا الجَمعَ ..

ففي "مسائل أبي داوُد"(ص 300): "سمِعتُ أحمدَ، قال: عند عيسى حديثُ أنسٍ، يعني عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أنسٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الشُّفْعَة؟ قال أحمدُ: "ليس بشئٍ"، قُلتُ لأحمد: "كلاهما عندَه، أعني عند عِيسَى بن يُونُس، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن الحَسَن، عن سمُرة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الشُّفْعَة؟ "، فلم يَعبَأ إلى جَمعِه الحديثين، وأنكر حديث أنسٍ" ا. هـ.

* قلتُ: ومع ما مَرَّ ذِكرُه، فقد اختُلِف في إِسناده.

فأخرَجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ (1/ 479 - 485) عن عيسى، عن شُعبة، عن يُونُسَ، عن الحَسَن، عن سَمُرة مرفُوعًا.

قال أبو زُرعة: "ورواه يزيدُ بنُ زُرَيعٍ، وعَبَّادُ بنُ العَوَّام، وجماعة، عن يُونُسَ، عن الحَسَن، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ليس فيه "سَمُرةُ"، - وصوَّب أبو زُرعة روايةَ قَتادة عن الحسَن، عن سمُرةَ - " انتهى.

وخُلاصَةُ البحث ..

أنَّ الحديثَ عن سَمُرةَ ثابتٌ، وهو غيرُ محفوظٍ عن أنَسٍ. واللهُ أعلَمُ.

ص: 123

167 -

سُئلتُ عن حديث: أنَّ امرأةً حَجَّت مع صبيٍّ لها، فسأَلَت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم:"أَلِهَذَا حَجٌّ؟ "، قال:"نَعَم! وَلَكِ أَجرٌ".

* قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ مالكٌ في "المُوطَّأ"(1/ 422/ 244)، ومُسلِمٌ (1336)، وأبو داوُد (1736)، والنَّسائيُّ (5/ 120، 121) والشَّافعيُّ في "مُسنَده"(1/ 282، 283)، وأحمَدُ (1/ 219، 243، 244، 288، 344)، والحُميدِيُّ في "مُسنَده"(504)، وابنُ خُزَيمة (ج 4/ رقم 3049)، وابنُ حِبَّانَ (144، 3797، 3798)، والطَّحَاوِيُّ في "شرح المعاني"(2/ 256)، وابنُ الجَارُود في "المُنتقَى"(411)، وابنُ نُجيدٍ في "أحاديثه"(ق 5/ 1)، وأبُو الفَضلِ الزُّهرِيُّ في "حديثه"(ق 116/ 2)، وأبُو عمرٍو السَّمَرقَندِيُّ في "الفوائد المنتقاة"(رقم 16 - بتحقيقي)، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 11/ رقم 12176، 12177، 12182، 12183)، والبَيهقِيُّ (5/ 155)، وأبو عُثمان البَحِيرِيُّ في "الفوائد"(ق 2/ 2)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(7/ 22 - 23) من طُرُقٍ عن كُريبٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ ركْبًا بالرَّوحاءِ - وهو مكان على ستَّةٍ وثلاثين مِيْلًا من المدينة -، فقال:"مَن القَومُ؟ "، قالوا:"المُسلِمُون"،

ص: 124

فقالُوا: "من أنت؟ "، قال:"رَسُول الله"، فرَفَعَت إليه امرأَةٌ صَبِيًّا، فقالَت:"أَلِهَذَا حجٌّ؟ " قال: "نَعَم! وَلَكِ أجرٌ".

وهذا سِياق مُسلِمٍ، وهو عِند بعضِهم مخُتصَرٌ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 125

‌168 - سألني سائلٌ فقال: سمِعتُ شيخًا ذائعَ الصِّيْتِ يقُول في أحد المساجد: "إنَّ حديث الذُّبابة مكذوبٌ على النَّبيِّ

صلى الله عليه وسلم "، ووَصَفه بأنَّه حديثٌ مُقزِّزٌ! مع أنِّي أعلَمُ أنَّ أهلَ العِلم صحَّحُوه، وقد جادَلتُ كثيرًا مِن النَّاس بعد هذه المحاضرة، فقالوا: "إنَّ كلام الشَّيخ مُقنِعٌ" ..

فنرجو أن تَبسُطُوا الكلام عن صِحَّة الحديثِ.

* قلتُ: أعلم أيُّها السَّائلُ! أنَّ مَن تكلَّم في غير فنِّه أتى بمِثل هذِه العجائبِ، وَيرحَمُ اللهُ ابنَ حِبَّانَ، إذ نَقَلَ قَولًا ساقطًا عن بعض النَّاس في مُقدِّمَةِ كتابه "المجروحين"(1/ 17)، ثُمَّ ردَّ عَليه قائلًا:"لو تملَّق قائلُ هذا القول إلى بَارِيهِ في الخَلوَة، وسأَلهُ التَّوفِيقَ لإصابة الحقِّ، لكان أولى به مِنَ الخَوضِ فيما لَيس مِن صِنَاعَتِه". والذين طَعَنُوا على هذا الحديث لا يَعلَمُون شيئًا عن شرائط نقل الأخبار، ولا عن قوانين الرِّواية، لذلِكَ فكلامُهُم خَلْفٌ ساقِطٌ؛ لأنَّ العُقَلاء اتَّفَقُوا أن يُرجَعَ في كُلِّ عِلمٍ إلى أهلِهِ والمُتَخصِّصين فِيهِ، ولا يَتكلَّمُ في تَصحيحِ الأخبارِ وتضعيفِها إلَّا أهلُ الحديثِ وحدهُم دُون غيرِهم.

وهاك حاصِلُ الكلام في إثبات صِحَّة الحديث ..

ص: 126

فاعلم!

أنَّهُ قد رَوَى هذا الحديثَ ثلاثةٌ مِنَ الصَّحابة، هُم: أبو هُريرَة، وأبو سعيدٍ الخُدريُّ، وأنَسُ بن مالِكٍ رضي الله عنهم.

* أوَّلًا: حديثُ أبي هُريرَةَ رحمه الله.

وله عَنهُ طُرُقٌ:

1 -

عُبيد بن حُنَينٍ، عنه.

أخرَجَهُ البُخاريُّ (6/ 359، و 10/ 250)، وابنُ ماجَهْ (3505)، والدَّارِمِيُّ (2/ 99)، وأحمدُ (2/ 398)، وابنُ المُنذِر في "الأوسط"(1/ 281)، والطَّحَاوِيُّ في "المشكِل"(4/ 283)، وابن عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(1/ 337)، والبَيهقِيُّ (1/ 252)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(11/ 259 - 260).

ولفظُهُ عند البُخاريِّ: "إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدكُم فَليَغمِسْهُ، ثُمَّ ليَنزِعهُ؛ فَإِنَّ فِي إِحدَى جَنَاحَيهِ دَاءً، والأُخرَى شِفَاءً".

وعزاه ابنُ القيم رحمه الله في "زاد المعاد"(3/ 209) لمُسلِمٍ، فوَهِمَ.

2 -

سعيدُ بن أبي سعيدٍ المَقبُرِيُّ، عنه.

أخرَجَهُ أبو داوُد (3844)، وأحمدُ (3/ 229، 246)، وابنُ خُزَيمَة (ج 1/ رقم 105)، وابنُ حِبَّانَ (1243، 5226)، والطَّحَاوِيُّ في "المشكِل"(4/ 283)، والحَسَنُ بن عَرَفَة في "جُزئه"(21)، ومن طريقه البَيهقِيُّ (1/ 252)، والخطيبُ في "تالي التَّلخيص"(ق 69/ 2)، والذَّهَبيُّ في "السِّيَر"(6/ 322) مِن طريق محُمَّد بن عَجلَانَ، عن سعيدِ

ص: 127

ابن أبي سعيدٍ، عن أبي هُريرَة، مرفُوعًا:"إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُم، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيهِ دَاءً، وَفي الآخَرِ شِفَاءً، وَإِنَّهُ يَتَّقِي جَنَاحَهُ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ، فَليَغمِسهُ كُلَّهُ".

قال الذَّهَبيُّ: "هذا الحديث حَسَنُ الإسناد" ا. هـ.

ورواه عن ابن عَجلَان هكذا: "بِشرُ بن المُفَضَّل، وسفيانُ بنُ عُيَينةَ". وخالَفَهُما يحيى بنُ أيُّوب، فرَوَاهُ عن محُمَّد بن عَجلَان، أنَّ القَعقَاع بن حكيمٍ أخبَرَهُ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا مثلَه.

أخرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ في "المشكِل"(4/ 283) مِن طريق إسماعيل بن مرزُوقٍ، أنا يَحيَى بنُ أيُّوبَ.

قال الدَّارَقُطنيُّ في "العِلل"(ج 3/ ق 33/ 1): "ولَعلَّهُ - يعني: ابن عَجلَان - حَفِظَهُ عنهُما" ا. هـ.

وقد تُوبع ابنُ عَجلَانَ على الوجه الأول ..

تابَعَهُ إبراهيمُ بنُ الفضل، عن سعيدٍ المَقبُرِيِّ، عن أبي هُريرَة به.

أخرَجَهُ أحمدُ (2/ 443) قال: حدَّثَنا وكيعٌ، عن إبراهيم.

وإبراهيمُ بنُ الفضل ضعيفٌ، بل هو أقربُ إلى التَّركِ.

وأمَّا الوجه الثَّاني، فتُوبع يحيى بنُ أيُّوب عليه.

تابَعَهُ اللَّيثُ بنُ سعدٍ، فرواه عن محُمَّد بن عَجلَانَ، عن القَعقَاعِ بن حكيمٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة به.

أخرَجَهُ أحمدُ (2/ 340) قال: حدَّثَنا يُونُس، ثنا لَيثٌ.

وأخرَجَهُ أبو عَمرٍو السَّمَرقَندِيُّ في "الفوائد المنتقاة"(ق 70/ 1) من

ص: 128

طريق آدم بن أبي إِيَاسٍ، ثنا اللَّيثُ بنُ سعدٍ به.

وتابَعَهُ أيضًا الدَّرَاوَردِيُّ، عن ابن عَجلَان به.

أخرَجَهُ أبو محُمَّدٍ الفَاكِهِيُّ في "حديث يحيى بن أبي مَسَرَّةَ عن شُيوخه"(ج 2/ ق 151/ 1) قال: حدَّثَنِي يحيى بنُ محُمَّدٍ الجَارِيُّ، أنا عبدُ العزيز الدَّرَاوَردِيُّ.

فهو كما قالَ الدَّارَقُطنيُّ، أنَّ ابنَ عَجلَانَ رواه على الوَجهَين معًا، وإن كان الوَجهُ الثَّانِي أقوَى. واللهُ أعلَمُ.

‌3 - مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ، عنه.

أخرَجَهُ السَّهمِيُّ في "تاريخ جُرجَان"(85 - 86) من طريق محُمَّد ابن حُميدٍ الرَّازِيِّ، حدَّثَنا مِهرَانُ بنُ أبي عُمَر، عن سُفيان الثَّوريِّ، عن هشامٍ، عن ابن سِيرِين، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا:"إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي المَرَقِ، فَاغمِسُوهُ فِيهَا، فَإِنَّ شِفَاءً فِي أَحَدِ جَنَاحَيهِ، وَفِي الآخَرِ سُمًّا".

وسَنَدُه ضعيفٌ جدًّا؛ ومِهرَانُ بنُ أبي عُمَر قال فيه ابنُ مَعِينٍ: "كان عِندَهُ غَلَطٌ كثيرٌ في حديث سُفيان"، ووَثَّقَهُ مرَّةً، وكذلك وَثَّقَهُ أبو حاتمٍ الرَّازيُّ، وابنُ حِبَّانَ، وليَّنَهُ النَّسائِيُّ.

وأمَّا محُمَّدُ بنُ حُميدٍ الرَّازِيُّ فهو واهٍ، والحَملُ عَليه أولَى.

ولكن لَهُ طريقٌ آخرُ ..

أخرَجَهُ الخطيبُ في "الموضح"(2/ 375) من طريق محُمَّد بن الوليد البُسرِيِّ، حدَّثَنَا محُمَّد بن مَروانَ، حدَّثَنا هِشامُ بنُ حَسَّان بسَنَدِه سواء.

والبُسرِيُّ ثِقةٌ.

ص: 129

ومحُمَّدُ بن مَروان إمَّا أن يكُون البَاهِليَّ أو العِجِليَّ، وكِلاهُما صدوقٌ، في حِفِظِه مقالٌ خَفِيفٌ.

فالسَّنَد جيِّدٌ.

وله طريقٌ آخَرُ إلى ابن سيرين ..

أخرَجَهُ أحمدُ (2/ 355، 388) قال: حدَّثنا أسودُ بنُ عامرٍ، وعفَّانُ ابنُ مُسلمٍ - فرَّقهما -، قالا: ثنا حمَّادُ بن سَلَمَة، عن حَبيب بن الشَّهيد، عن محُمَّد بن سِيرِين عن أبي هُريرة مرفُوعًا.

وتُوبع حبيبُ بنُ الشَّهيد ..

تابعه هشامُ بنُ حسَّانَ القُردُوسِيُّ، فرواه عن ابنِ سيرينَ بهذا. أخرجَهُ الطَّحاوِيُّ في "المُشكِل" (4/ 283) قال: حدَّثَنا ابنُ أبي داوُد، ثنا أبُو عُمر الحَوضِيُّ، ثنا مُرَجَّى بنُ رَجاءٍ، ثنا هشامٌ بهذا.

وهذا سَنَدٌ صحيحٌ.

وأخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(ج 1/ ق 135/ 1) من طريق أبي عُمَر الضَّرِير، قال: حدَّثَنا حَمَّادُ بنُ سَلَمة، عن أيُّوبَ، وحبيبٍ، وهِشامٍ، عن محُمَّد بن سِيرِين، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا به.

وأخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ أيضًا في "الأوسط"(ج 1/ ق 170/ 1) أيضًا مِن طريق إبراهيم بن الحجَّاج السَّامِيِّ، قال: نا حَمَّادُ بنُ سَلَمة، عن حبيبٍ، وهِشامٍ، وحُميدٍ، عن ابن سِيرِين بسَنِدِه سواء.

وقال الطَّبَرانيُّ: "لَم يروِهِ عن حَمَّاد بن سَلَمة، عن حُميدٍ، إلَّا إبراهيمُ ابنُ الحجَّاج السَّامِيُّ".

ص: 130

‌4 - ثُمَامَةُ بنُ عبد الله بن أنَسٍ، عنه.

أخرَجَهُ أحمد (2/ 263، 355، 388)، والدَّارِمِيُّ (2/ 99)، وإِسحاقُ بن رَاهَوَيهِ في "مُسنَده"(125)، والطَّحاوِيُّ (4/ 283) من طريق حَمَّاد بن سلَمة، عن ثُمَامَة به.

واختُلِف في إسناده ..

فرواه سَهلُ بنُ حَمَّادٍ أبو عتَّابٍ الدَّلالُ، عن عبد الله بن المُثَنَّى، عن ثُمامَة، عن أنسٍ مرفُوعًا فذكره.

ذكرَهُ ابنُ أبي حاتمٍ في "العِلل"(ج 1/ رقم 46)، وقال:"قال أبي، وأبُو زُرْعَة جميعًا: رواه حَمَّادُ بنُ سَلَمة، عن ثُمَامة بن عبد الله، عن أبي هُريرَة. قال أبو زُرعَة: وهذا الصَّحيحُ. وقال أبي: هذا أَشبَهُ، عن أبي هُريرَة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولَزِمَ أبو عتَّابٍ الطَّريق، فقال: "عن عبد الله، عن ثُمامة، عن أنَسٍ". وقال أبو زُرْعَة: هذا حديثُ عبد الله بن المُثنَّى، أخطَأَ فيه عبدُ الله، والصَّحيحُ: ثُمامَةُ، عن أبي هُريرَة" ا. هـ.

وكذلك قال الدَّارَقُطنيُّ في "العِلل"(3/ 39/ 1) مُرَجِّحًا حديثَ حمَّادِ بنِ سَلَمة.

* قلتُ. وبعد تَرجِيحِ طريق حَمَّادِ بنِ سَلَمة، نقولُ: إِنَّه ضعيفٌ؛ وذلك لأنَّ ثُمامةَ لَم يُدرِك أبا هُريرَة، كما قال المِزِّيُّ في "التَّهذيب".

‌5 - قَيسُ بنُ خالد بن حَسَنٍ، عن أبي هُريرَة.

أخرَجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ في "العِلل"(ج 1/ رقم 79) قال: "سَمِعتُ أَبِي، وحَدَّثَنا عن محُمَّد بن إِكليلَ، عن إِسماعِيلَ بن عيَّاشٍ، عن ثَعلَبة بن

ص: 131

مُسلِمٍ، عن قَيس بن خالد بن حسنٍ، عن أبي هُريرة مرفُوعًا. فقال أبي: هذا حديثٌ مُضطربُ الإسنادِ" ا. هـ.

وقولُه: "محُمَّد بن إِكليلَ" خطأٌ، صوابُه عندي:"محُمَّدُ بنُ الخليل"، وهو محُمَّدُ بنُ الخليل بن حَمَّادٍ الدِّمَشقِيُّ؛ وهو صدوقٌ.

أَمَّا قَيسُ بن خالدٍ فلَم أَجِد له تَرجمةً، ثُمَّ راجَعتُ نُسخةَ "أحمد الثَّالث" من "عِلل ابن أبي حاتمٍ"(ق 9/ 2)، لعلَّ الاسم تَصحَّف في "المطبوعة" فوجدتُهُ:"قَيس بن خالدٍ بن جُبَيرٍ - أو: حُنَينٍ - "، فاللهُ أعلَمُ.

‌ثانيًا: حديثُ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رحمه الله

-.

أخرَجَهُ النَّسائيّ (7/ 178، 179)، وفي "الكُبرى"(3/ 88)، وابنُ ماجَهْ (3504)، وأحمَدُ (3/ 24، 67)، والطَّيَالِسِيُّ (2188)، وعَبدُ بنُ حُميدٍ في "المُنتخَب"(884)، وأبو يَعلَى (ج 2/ رقم 986)، وابنُ حِبَّانَ (1355)، وفي "الثِّقات"(6/ 358)، والبَيهقِيُّ (1/ 253)، والطَّحاوِيُّ في "المشكل"(4/ 282)، وابن عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(1/ 337)، والبَغَوِيُّ في "شَرح السُّنَّة"(11/ 261)، والمِزِّيُّ في "التَّهذيب"(10/ 407) من طُرُقٍ عن ابن أبي ذئبٍ، عن سعيد بن خالدٍ، قال: دخلتُ على أبي سَلَمَة، فأَتَانَا بزُبدٍ وكُتْلَةٍ - وهو خليطٌ من التَّمر والطَّحِين -، فأُسقط ذبابٌ في الطَّعام، فجَعَلَ أبو سَلَمة يَمقُلُه بأُصبُعه فيه، فقلتُ: يا خالُ! ماذا تَصنَع؟! فقال: إِنَّ أبا سعيدٍ الخُدريَّ حدَّثَنِي، عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إِنَّ أحدَ جَنَاحَي الذُّباب سُمٌّ، والآخرَ شفاءٌ، فإذا وَقَعَ في الطَّعام، فامقُلُوه؛ فإِنَّه يُقَدِّم السُّمَّ،

ص: 132

ويُؤَخِّر الشِّفاء".

وهو عند بَعضِهم دُون القِصَّة.

وسَنَدُه قويٌّ، وسعيدُ بنُ خالدٍ وثَّقَه النَّسائيّ، وابنُ حِبَّانَ، وقال الدَّارَقُطنيُّ:"يُحتَجُّ به"، ولم يَثبُت عن النَّسائِيِّ تضعيفُه. واللهُ أعلَمُ.

وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: "رُوِيَ هذا الحديثُ من وُجُوهٍ كثِيرَةٍ، عن أبي سَعِيدٍ، وأبي هُرَيرَةَ، كُلُّها ثابتَةٌ".

‌ثالثًا: حديثُ أنَسٍ رحمه الله

-.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(ج 1/ ق 154/ 2) مِن طريق عمرِو ابن هاشمٍ أبِي مالِكٍ الجَنْبِيِّ، عن عبَّاد بن مَنصورٍ، عن عبد الله بن المُثنَّى، عن أنَس بن مالِكٍ مرفُوعًا:"إذا وَقَعَ الذُّبابُ في إناء أحَدِكُم، فَليَغمِسهُ؛ فإِنَّ في أَحَدِ جناحَيه سُمًا، والآخَرِ شفاءً".

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن عبَّادٍ، إلَّا عمرٌو" ا. هـ.

وهو لَيِّنُ الحديث.

وقد خُولِفَ فيه عبَّادٌ ..

خالَفَهُ أبو عتَّابٍ الدَّلَّالُ سهلُ بنُ حَمادٍ، ثنا عبدُ الله بنُ المُثنَّى، عن ثُمامَة، عن أَنَسٍ مرفُوعًا.

فزاد "ثُمامةَ" في الإسناد.

أخرَجَهُ البَزَّار (ج 3/ رقم 2866) حدَّثَنا زيادُ بنُ يحيَى، ومحُمَّدُ بنُ مَعمَرٍ، قالا: حدَّثَنَا أبو عَتَّابِ.

وأخرَجَهُ الضِّياءُ في "المُختَارَة"(1835) من طريق يحيى بنِ صاعدٍ،

ص: 133

ثنا محُمَّدُ بنُ مَعمَرٍ بسَنَدِه سواء.

قال البَزَّار: "لا نَعلَمُه يُروَى عن أنسٍ إلَّا بهذا الإِسناد".

وهو مُتَعَقَّبٌ برواية الطَّبَرانيِّ السَّابقة.

وروايةُ أبي عتَّابٍ الدَّلَّالِ أَقوَى.

وقال شيخُنا في "الصحيحة": "إسنادُهُ صحيحٌ".

وقد اختُلِف فيه، كما يأتي إن شاء الله.

وعبَّادُ بنُ مَنصُورٍ ضعيفٌ.

ولكن خُولِف فيه سهلُ بنُ حمَّاد، على نحو ما مرَّ ذِكرُه في "حديث أبي هُريرَة".

أمَّا الهيثمِيُّ، فجَرَى على ظاهرِ السَّنَد فقال (5/ 38):"رِجالُهُ رجالُ الصَحيح".

فقد ثَبَتَ بهذا التَّخريجِ والتَّحقيق، أنَّ الحديث في غايَة الصِّحَّة، ولا مَطعنَ فيه.

والحمدُ لله ربِّ العالمَين.

(تَنبِيهٌ)

وقع بسبب هذا الحديثِ لَغَطٌ، قديمًا وحدِيثًا، وردَّ علماؤُنَا على هذه الاعتراضاتِ، وفنَّدُوها روايةً ودِرايةً ..

فمن هؤُلاء شيخُ شُيوخِنا الشَّيخُ العلَّامةُ المحدِّثُ أبو الأشبال أحمد ابن محُمَّد شاكر، فقال في "تخريج المُسنَد" (12/ 124 - 129):

"وهذا الكلامُ ممَّا لَعِب به بعضُ مُعاصِرينا، ممَّن عَلِم وأخطَأَ، وممَّن

ص: 134

عَلِم وعَمَد إلى عداء السُّنَّة، وممَّن جَهِل وتجرَّأ.

فمنهم من حَمَل على أبي هُريرَة، وطَعَن في روايَاتِه وحفظِه، بل مِنهُم من جَرُؤ على الطَّعن في صِدقِه فيما يَروِي! حتى غَلَا بعضُهم، فزَعَم أنَّ في "الصَّحيحين" أحاديثَ غيرَ صحيحةٍ، إنْ لم يَزعُم أنَّها لا أصل لها! بما رَأَوا من شُبهاتٍ في نقد الأئمَّة لأسانيدَ قليلةٍ فيهما، فلَم يَفهَمُوا اعتراضَ أولئك المُتقدِّمين، الذِين أرادُوا بنَقدِهم أنَّ بعض أسانيدِهِما خارجةٌ عن الدَّرجة العُليا من الصِّحَّة التي التزَمَها الشيخان، لم يُرِيدُوا أنَّها أحاديثُ ضعيفةٌ قطُّ.

ومِن الغَرِيب أنَّ هذا الحديثَ بِعينِه - حديثَ الذُّباب - لم يَكُن ممَّا استدرَكَهُ أحدٌ من أئمة الحَدِيث على البُخارِيِّ، بل هو عِندَهُم جميعًا ممَّا جاء على شَرطِه، في أعلَى درجات الصِّحَّةِ.

ومن الغَرِيب أيضًا أنَّ هؤُلاء الذين حَمَلُوا على أبي هُريرَة، على عِلمِ كثيرٍ منهم بالسُّنَّة وسعة اطِّلاعِهِم رحمهم الله، غَفَلُوا، أو تغافَلُوا، عن أنَّ أبا هُريرَة رضي الله عنه لم يَنفَرِد بروايتِه. بل رواه أبُو سعيدٍ الخُدرِيُّ أيضًا، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، عند أحمد في "المُسنَد"(11207، 11666)، والنَّسائِيِّ (2/ 193)، وابن ماجَهْ (2/ 185)، والبَيهقِيِّ (1/ 253)، بأسانيدَ صِحاحٍ. ورواه أنَسُ بن مالكٍ أيضًا، كما ذكرَهُ الهيثَمِيُّ في "مجَمَع الزَّوائد"(5/ 38)، وقال:"رواه البَزَّار، ورجالُه رجالُ الصَّحيح، ورواه الطَّبرَانِيُّ في الأوسط"، وذكره الحافظُ في "الفتح"(10/ 213)، وقال:"أخرَجَهُ البَزَّارُ، ورجالُهُ ثقاتٌ".

ص: 135

فأبُو هُريرَة لم ينفَرِد برواية هذا الحديث عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنَّه انفَرَد بالحَمل عليه مِنهُم، بما غَفَلُوا أنَّه رواه اثنان غيرُه من الصَّحابة.

والحقُّ، أنَّه لم يُعجِبهُم هذا الحديثُ، لِمَا وَقَر في نُفوسِهم من أنَّهُ يُنافي المُكتشَفاتِ الحديثةَ، من المِكرُوبَاتِ وغيرِها. وعَصَمَهُم إيمانُهم عن أن يَجرَؤُا على المقام الأسمَى، فاستَضعَفُوا أبا هُريرَة.

والحقُّ أيضًا، أنَّهُم آمَنُوا بهذه المُكتشَفاتِ الحديثةِ أكثرَ مِن إيمانهم بالغَيب، ولكنَّهم لا يُصَرِّحُون! ثُمَّ اختَطُّوا لأنفُسِهم خُطَّةً عجيبةً: أنّ يُقَدِّمُوها على كلِّ شيءٍ، وأن يُؤَوِّلُوا القرآنَ بما يُخرِجُه عن معنى الكلام العربيِّ، إذا ما خالف ما يُسَمُّونَه "الحقائقَ العِلميَّةَ"! وأن يَرُدُّوا من السُّنَّة الصَّحيحة ما يظُنُّون أنَّه يُخالِف حقائِقَهُم هذه! افتراءً على الله، وحُبًّا في التَّجديد!

بل إنَّ مِنهُم لَمَن يُؤمِنُ ببعض خُرافات الأُورُبِّيِّين، ويُنكِر حقائقَ الإسلامِ، أو يتأوَّلهُا. فمِنهُم من يُؤمِن بخُرافَات استحضار الأَروَاح، ويُنكِرُ وجُودَ الملائكة والجِنِّ بالتَّأوُّل العَصرِيِّ الحديث. ومِنهُم من يُؤمِن بأساطير القُدمَاء، وما يُنسَب إلى "القِدِّيسين والقِدِّيسَاتِ"! ثُمَّ يُنكِر مُعجزاتِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كُلَّها، ويتأوَّلُ ما ورد في الكِتابِ والسُّنَّة من مُعجِزات الأنبياء السَّابِقين، يُخرِجُونها عن معنى الإعجاز كُلِّه!! وهكذا وهكَذا

وفي عَصرِنا هذا صديقٌ لنا، كاتبٌ قديرٌ، أديبٌ جيِّدُ الأداء، واسعُ الاطِّلاع، كُنَّا نُعجَب بقَلَمِه وعِلمِه واطِّلاعِه. ثُمَّ بدت منه هنَاتٌ

ص: 136

وَهَنَاتٌ، على صفحات الجَرائد والمَجَلَّات، في الطَّعن على السُّنَّة، والإِزراءِ برُوَاتِها، من الصَّحابة فمَن بَعدَهم. يَستَمسِكُ بكلماتٍ للمتقدِّمِين في أسانيدَ مُعيَّنةٍ، يجعَلُها - كما يصنع المُستَشرِقُون - قواعد عامَّةً، يُوسِّعُ من مداها، ويَخرُج بها عن حَدِّها الذي أراده قائِلُوها. وكانت بَينَنَا في ذلك مُسَاجَلَاتٌ شفويَّةٌ، ومُكاتَباتٌ خاصَّةٌ؛ حرصًا مِنِّي على دينه وعلى عقِيدَتِه.

ثمَّ كَتَب في إحدى المَجلَّات - منذ أكثرَ مِن عامَين - كلمةً، على طريقَتِه التي ازدادَ فيها إمعانًا وغُلُوًّا. فكتبتُ له كتابًا طويلًا، في شهر جُمادى الأوَّل سنة 1370، كان ممَّا قُلتُ له فيه، مِن غير أن أُسَمِّيه هنا، أو أُسَمِّي المَجلَّة التي كَتَب فيها، قُلتُ له:

"وقد قرأتُ لك، منذُ أُسبُوعَين تقريبًا، كلمةً في مجلَّةِ

لم تَدَع فيها ما وَقَر في قَلبِك من الطَّعن على الرِّوايات الصَّحِيحة. ولستُ أَزعُمُ أنِّي أستطيعُ إِقناعَك، أو أَرضَى إحراجَكَ بالإقلاع عمَّا أنتَ فيه.

وليتَكَ - يا أخي! - دَرَستَ عُلومَ الحديثِ وطُرُقَ رِوايَتِه، دراسةً وافيةً، غير مُتَأَثِّرٍ بسخَافاتِ فُلانٍ رحمه الله، وأمثالِهِ ممَّن قلَّدَهُم وممَّن قلَّدُوه. فأنتَ تبحَثُ وتُنقِّبُ على ضَوءِ شيءٍ أستقرَّ في قلبك من قبلُ، لا بحثًا حُرًّا خاليًا من الهَوَى.

وَثِقْ أنِّي لك ناصحٌ مخلصٌ أمينٌ. لا يهُمُّنِي ولا يُغضِبُني أن تقُولَ في السُّنَّة ما تشاءُ. فقد قرأتُ من مثل كلامِك أضعافَ ما قرأتَ. ولكنَّك تَضرِبُ الكلام بعضَه ببعضٍ.

ص: 137

وَثِقْ - يا أخي! - أنَّ المُستَشرِقين فَعَلُوا مثلَ ذلك في السُّنَّة، فقلتَ مثل قَولهِم، وأعجَبَك رأيُهُم، إذْ صادَفَ منك هوًى. ولكنَّك نسيتَ أنَّهُم فَعَلُوا مثلَ ذلك وأكثرَ منه في القُرآن نفسِهِ. فما ضارَّ القُرآنَ ولا السُّنّةَ شيءٌ ممَّا فَعَلُوا.

وقبلَهُم قام المُعتَزِلَةُ وكثيرٌ من أهل الرَّأي والأهوَاءِ، ففَعَلُوا بعضَ هذا أو كُلَّه، فما زادت السُّنَّة إلَّا ثُبوتًا كثُبوت الجِبال، وأَتعَبَ هؤُلاء رُؤوسَهم وحدَها وأَوْهَوْهَا.

بل، لم نَرَ فيمن تقدَّمَنا مِن أهل العِلمِ من اجتَرَأ على ادِّعاءِ أنَّ في "الصَّحيحين" أحاديثَ موضُوعةً، فضلًا عن الإِيهامِ والتَّشنيع الذي يَطوِيه كلامُك، فيُوهِم الأَغرَارَ أنَّ أكثرَ ما في السُّنَّة موضوعٌ! هذا كلامُ المُستشرِقِين.

غايَةُ ما تَكلَّم فيه العُلماء نقدُ أحاديثَ فيهِما بأعيَانِها، لا بادِّعاءِ وَضعِها والعياذُ بالله، ولا بادِّعاء ضَعفِها، إنَّما نَقَدُوا عليهِمَا أحاديثَ ظَنُّوا أنَّها لا تَبلُغ في الصِّحَّة الذِّروَة العُليا التي التَزَمها كلٌّ مِنهُم.

وهذا ممَّا أخطَأَ فيه كثيرٌ من النَّاس، ومِنهُم أستاذُنا السَّيد رشيد رضا رحمه الله، على عِلمِه بالسُّنَّة وفِقهِهِ، ولم يستَطِع قطُّ أن يُقِيم حُجَّتَه على ما يَرَى، وأفلَتَت منه كلماتٌ يَسمُو على عِلمِه أن يَقَعَ فيها. ولكنَّهُ كان متأثِّرًا أشدَّ التَّأثُّر بجمال الدِّين ومحُمَّد عبدُه، وهما لا يعرِفَان في الحديث شيئًا، بل كان هُو بعد ذلك أعلمَ منهُما، وأعلى قَدَمًا وأثبتَ رأيًا، لولا الأثرَ الباقي في دخيلة نفسِهِ. والله يغفِرُ لنا وله.

ص: 138

وما أفضتُ لك في هذا إلَّا خَشيةً عليك مِن حساب الله. أمَّا النَّاس في هذا العَصر فلا حِساب لهم، ولا يُقَدِّمُون في ذلك ولا يُؤَخِّرُون. فإنَّ التَّربية الإفرِنجِيَّة الملعُونَة جعَلَتهُم لا يَرضَعون بالقُرآن إلَّا على مَضَضٍ، فمِنهُم من يُصرِّح، ومنهم من يتأوَّل القُرآن أو السُّنَّة، ليُرضِي عقلَه المُلتَوِي، لا ليَحفَظهما من طعن الطَّاعِنين. فهُم في الحقيقة لا يُؤمِنُون، ويَخشَون أن يُصَرِّحُوا، فيَلتَوُون. وهكذا هم حتى يأتِيَ اللهُ بأمره.

فاحْذَر لنَفسِك مِن حساب الله يوم القيامة. وقد نَصحتُك وما أَلوتُ. والحمدُ لله".

وأمَّا الجاهلون الأَجرِيَاء فإنَّهُم كُثُرٌ في هذا العَصر. ومِن أعجَب ما رأيتُ من سَخَافَاتِهم وجُرأتهم: أن يَكتُب طبيبٌ، في إِحدَى المجلَّات الطِّبِّيَّة، فلا يَرَى إلَّا أنَّ هذا الحديثَ لم يُعجِبه، وأنَّه يُنافِي عِلمَه! وأنَّه رواه مؤلِّفٌ اسمُه "البُخارِيُّ"! فلا يجد مجالًا إلَّا الطَّعن في هذا "البُخارِيِّ"، ورَميَهُ بالافتراء والكَذِب على رسول الله صلى الله عليه وسلم!

وهو لا يَعرَفُ عن "البُخارِيِّ" هذا شيئًا، بل لا أظُنُّه يعرفُ اسمَه ولا عَصرَهُ ولا كتابَهُ! إلَّا أنَّه روَى شيئًا، يراهُ هُو - بعِلمِه الواسع - غيرَ صحيحٍ! فافترَى عليه ما شاء، ممَّا سيُحاسَب عليه بين يدي الله حِسابًا عَسيرًا.

ولم يَكُن هؤُلاء المُعتَرِضُون المُجتَرِئُون أوَّلَ من تكلَّم في هذا، بل سَبقَهُم مِن أمثَالهِم الأَقدَمُون، ولكنَّهم كانُوا أكثَرَ أدَبًا من هؤلاء!

فقال الخطَّابِيُّ في "معالم السُّنَن"(رقم 3695 من "تهذيب السُّنَن"):

ص: 139

"وقد تكلَّم في هذا الحديثِ بعضُ من لا خَلَاق له، وقال: كيف يكُونُ هذا؟ وكيف يَجتَمِعُ الدَّاء والشِّفَاءُ في جناحَي الذُّبَابة؟ وكيفَ تَعلَمُ ذلك مِن نَفسِها حتى تُقَدِّم جناح الدَّاء، وتُؤخِّر جناح الشِّفاء؟ وما أرَبُها في ذلك؟!

قلتُ [القائل الخطَّابيُّ]: وهذا سؤالُ جاهلٍ أو مُتجاهِلٍ؛ وإنَّ الذي يَجِدُ نفسَه ونُفوسَ عامَّة الحيوان قد جُمع فيها بين الحَرَارة والبُرُودة، والرُّطُوبة واليُبُوسَة، وهي أشياءُ مُتضادَّةٌ، إذا تَلاقَت تَفاسدَت، ثمَّ يَرَى أنَّ الله سُبحانَهُ قد ألَّف بينها، وقَهَرَها على الاجتماع، وجَعَل مِنهَا قُوي الحيوانِ التي بها بَقاؤُها وصلاحُهَا، لجَدِيرٌ أن لا يُنكِر اجتماعَ الدَّاء والشِّفاء في جُزأَين من حيوانٍ واحدٍ، وأنَّ الذي أَلهَمَ النَّحلَة أن تتَّخِذ البيتَ العجيبَ الصَّنعةِ، وأن تَعْسِلَ فيه، وأَلهَمَ الذَّرَّة أن تكَتِسَب قُوَّتها وتدَّخِرَه لِأوان حاجَتِها إليه، هو الذي خَلَق الذُّبَابة، وجَعَل لها مِن الهِدَاية إلى أن تُقَدِّم جَناحًا وتُؤَخِّر جَناحًا، لما أَرادَهُ اللهُ من الابتلاء، الذي هو مَدرَجَةُ التَّعبُّد، والامتحانِ الذي هو مِضمَارُ التَّكليف. وفي كُلِّ شيءٍ عِبرةٌ وحِكمَةٌ. وما يَذَّكَّر إلَّا أُولُوا الألباب".

وأمَّا المعنى الطِّبِّيُّ، فقال ابنُ القَيِّم - في شأن الطِّبِّ القديم - في "زاد المَعاد" (3/ 210 - 211): "واعلَم! أنَّ في الذُّباب قُوَّةً سُمِّيَّةً، يدُلُّ عليها الوَرَمُ والحَكَّةُ العارِضةُ مِن لَسعِه. وهي بمنزِلَةِ السِّلاح، فإذا سَقَط فيما يُؤذِيهِ اتَّقاهُ بسِلاحِهِ. فأمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُقابِل تلك السُّمِّيَّةَ بما أَودَعَهُ الله في جَناحِه الآخر من الشِّفاء، فيُغمَس كلُّه في الماء والطَّعام،

ص: 140

فيُقابِل المادَّةَ السُّمِّيَّةَ بالمادَّة النَّافِعة، فيزُولُ ضَرَرُها. وهذا طِبٌّ لا يَهتَدِي إليه كِبارُ الأطبَّاء وأئِمَّتُهم، بل هو خارجٌ من مِشكاة النُّبُوَّة. ومع هذا، فالطَّبيبُ العالِمُ العارِفُ الموفَّقُ، يخضَعُ لهذا العِلاج، ويُقِرُّ لمن جاء به بأنَّهُ أَكمَلُ الخَلق على الإطلاق، وأنَّهُ مؤيَّدٌ بوحيٍ إلهيٍّ خارجٍ عن القُوَى البشِريَّةِ".

وأقُولُ - في شأن الطِّبِّ الحديث -: إنَّ النَّاس كانُوا ولا يزالون تقذر أنفُسُهم الذُّبابَ، وتنفرُ بما وَقَع فيه من طعامٍ أو شَرابٍ، ولا يكادُون يرضَونَ قُربانَه. وفي هذا من الإِسرافِ - إذا غلا النَّاسُ فيه - شيءٌ كثيرٌ. ولا يزالُ الذُّبابُ يُلِحُّ على النَّاس في طعامهم وشرابهم، وفي نَومِهمْ ويَقظَتِهم، وفي شَأنِهِم كلِّه. وقد كَشَف الأطبَّاءُ والباحِثُون عن المِكرُوبات الضَّارَّة والنَّافِعة، وغَلَوا غُلُوًّا شديدًا في بَيَان ما يَحمِلُه الذُّبابُ من مِكرُوباتٍ ضارَّةٍ، حتى لقد كادُوا يُفسِدُوا على النَّاس حياتَهم لو أطاعُوهُم طاعةً حرفيَّةً تامَّةً. وإنَّا لَنرَى بالعَيان أنَّ أكثَرَ النَّاس تأكُلُ ممَّا سقط عليه الذُّبابُ وتشرَبُ، فلا يُصِيبُهُم شيءٌ إلَّا في القليل النَّادِر. ومَن كابَر في هذا فإنَّما يَخدَعُ النَّاس ويَخدَع نَفسَه. وإئا لَنرَى أيضًا أنَّ ضَرَر الذُّبَاب شديدٌ حين يَقَعُ الوباءُ العَامُّ، لا يُمارِي في ذلك أحدٌ. فهناك إذن حالان ظَاهِرَتان، بينَهُما فرُوقٌ كبيرةٌ. أمَّا حالُ الوَبَاء، فممَّا لا شك فيه أنَّ الاحتِيَاط فيها يَدعُو إلى التَّحرُّز من الذُّباب وأَضرابِهِ ممَّا يَنقُل المِكرُوبَ أشدَّ التَّحرُّزِ. وأمَّا إذا عُدم الوَبَاء، وكانت الحياةُ تَجرِي على سَنَنِها فلا معنى لهذا التَّحرُّزِ. والمُشاهَدة تَنفِي ما غَلَا فيه الغُلاةُ من

ص: 141

إفساد كُلِّ طعامٍ أو شرابٍ وَقَع عليه الذُّبابُ. ومَن كابَر في هذا فإنَّما يُجادِل بالقَول لا بالعَملِ، ويُطيعُ داعي التَّرَف والتَّأنُّق، وما أظنُّهُ يُطبِّقُ ما يَدعُو إليه تطبيقًا دقيقًا. وكثير منهم يقُولُون ما لا يَفعلُون" انتهَى.

* وقال شيخُنا الألبانيُّ - حفظه الله -، بعد أن صحَّح الحديثَ في "الصَّحيحة" (38):

"فقد ثَبَتَ الحديثُ بهذه الأسانيدِ الصَّحِيحَةِ، عن هؤلاء الصَّحابة الثَّلاثة: أبي هُريرَة وأبي سعيدٍ وأنَسٍ، ثُبوتًا لا مجال لرَدِّه ولا للتَّشكِيكِ فيه. كما ثَبَت صدقُ أبي هُريرَة رحمه الله في روايتِهِ إيَّاه عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم، خِلافًا لبعض غُلاة الشِّيعةِ من المُعاصِرين، ومَن تَبِعه من الزَّائِغين، حيثُ طَعَنُوا فيه رحمه الله لرِوَايِته إيَّاه، واتَّهَمُوه بأنَّهُ يَكذِبُ فيه على رسُول الله صلى الله عليه وسلم، وحَاشَاهُ مِن ذلك. فهذا هو التَّحقِيقُ العِلميُّ يُثبِتُ أنَّهُ بريءٌ مِن كلِّ ذلك وأنَّ الطَّاعِنَ فيه هو الحقيقُ بالطَّعن فيه؛ لأنَّهُم رَمَوا صحابِيًّا بالبُهتِ، ورَدُّوا حديثَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لمُجرَّد عدم انطِبَاقِه على عُقولِهم المريضة!

وقد رَوَاهُ عنه جماعة من الصَّحابَة كما علِمتَ. وليت شِعرِي! هل عَلِمَ هؤُلاء بعدم تفرُّد أبي هُريرَة بالحديثِ، وهو حُجَّةٌ ولو تفرَّدَ، أَم جَهِلُوا ذلك. فإن كان الأَوَّلُ فلماذا يتَعَلَّلُون برِوايَة أبي هُريرَة إيَّاه، ويُوهِمُون النَّاس أنَّه لم يُتابِعهُ أحدٌ من الأصحاب الكِرامِ؟! وإن كان الآخَرُ فهلَّا سَأَلُوا أهلَ الاختصاصِ والعِلمِ بالحَدِيث الشَّريف؟

وما أحسنَ ما قِيل:

ص: 142

فإن كُنتَ لا تَدرِي فتِلكَ مُصِيبَةٌ

وإن كُنتَ تَدرِي فالمُصِيبَةُ أعظَمُ

ثُمَّ إنَّ كثيرًا من النَّاس يَتَوَهَمُون أنَّ هذا الحديثَ يُخالِفُ ما يُقرِّرُه الأطبَّاءُ، وهو أنَّ الذُّبَاب يَحمِلُ بأطرَافِهِ الجَراثِيمَ، فإذا وَقَع في الطَّعَام أو في الشَّرَاب عَلِقَت به تِلكَ الجَرَاثِيم. والحقِيقَةُ أنَّ الحديثَ لا يُخالِفُ الأطباءَ في ذلك، بل هُو يُؤَيِّدُهم، إذ يُخبِرُ أنَّ في أحد جَناحَيه داءً، ولكنَّهُ يَزِيدُ عليهم فيقُولُ:"وفي الآخر شِفاءً" فهذا ممَّا لم يُحِيطُوا بعِلمِه، فوَجَبَ عليهم الإِيمانُ به إن كانُوا مُسلِمِين، وإلَّا فالتَّوقُّفُ إذا كانوا مِن غَيرِهم إن كانُوا عُقَلاءَ عُلماءَ! ذلك لأنَّ العِلمَ الصَّحيح يَشهَدُ أنَّ عَدَم العِلمِ بالشَّيءِ لا يَستَلزِمُ العِلم بعَدَمِه.

نقُولُ ذلك، على افتراض أنَّ الطِّبَّ الحديثَ لم يَشهَد لهذا الحديثِ بالصِّحَّة. وقد اختَلَفَت آراءُ الأطبَّاء حولَهُ، وقرأتُ مقالاتٍ كثيرةً في مجلَّاتٍ مُختَلِفةٍ، كلٌّ يُؤيِّدُ ما ذَهَب إليه تأيِيدًا أو رَدًّا. ونحنُ بصِفَتِنا مُؤمِنِين بصِحَّة الحديث، وأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ما يَنطِقُ عن الهَوَى، إِن هُو إلَّا وحيٌ يُوحَى، لا يَهُمُّنا كثيرًا ثُبوتُ الحديثِ مِن وِجهَةِ نظر الطِّبِّ؛ لأنَّ الحديثَ بُرهانٌ قائمٌ في نِفسِه، لا يحتاجُ إلى دَعمٍ خارِجِيٍّ.

ومع ذلك، فإنَ النَّفسَ تزدادُ إيمانًا حين تَرَى الحديثَ الصَّحيحَ يُوافِقُهُ العلمُ الصَّحيحُ. ولذلك، فلا يَخلُو من فائدةٍ أن أَنقُل إلى القُرَّاء خُلاصَة محُاضَرةٍ ألقاها أحدُ الأطبَّاء في جمعيَّة الهِدايَة الإِسلاميَّة في مِصر، حولَ هذا الحديثِ، قال: "يَقَعُ الذُّبابُ على الموادِّ القَذِرة، المَملُؤَة بالجَرَاثيم التي تَنشَأُ منها الأمراضُ المُختَلِفَةُ، فيَنقلُ بعضَها بأطرافِهِ، ويأكُلُ بعضًا،

ص: 143

فيتكوَّنُ في جِسمِه من ذلك مادَّةً سامَّةً، يُسمِّيها عُلماءُ الطِّبِّ بـ "مُبعِد البِكتِرَيا"، وهي تَقتُل كثيرًا من جَراثِيم الأَمرَاض. ولا يُمكِنُ لتلك الجراثيمِ أن تَبقَى حيَّة، أو يَكُونُ لها تأثيرٌ في جسم الإنسان في حال وُجُود مُبعِد البِكتِريا. وأنَّ هُناك خاصيَّةً في أحد جَناحَي الذُّبَاب، هي أنَّهُ يُحوِّلُ البِكتِريا إلى ناحيته. وعلى هذا، فإذا سَقَط الذُّبَاب في شرابٍ أو طَعَامٍ، وأَلقَي الجراثيمَ العَالِقَةَ بأطرافِهِ في ذلك الشَّراب، فإنَّ أقرَبَ مُبيدٍ لتلك الجراثِيمِ، وأوَّلَ واقٍ منها هو مُبعِدُ البِكتِريا، الذي يَحمِلُه الذُّباب في جَوفِه قريبًا مِن أحد جَناحَيه. فإذا كان هُناك داءٌ فدَوَاؤُه قريبٌ منه، وغَمسُ الذُّباب كُلِّه وطرحُهُ كافٍ لقتل الجَراثِيم التي كانَت عَالِقَةً، وكافٍ في إبطال عَمَلِها".

وقد قرأتُ قديمًا في هذه المجلَّة بحثًا ضَافِيًا في هذا المَعنَى، للطَّبيب الأُستاذ سعيد السِّيُوطِيِّ (مجُلَّد العام الأوَّل)، وقرأتُ في مجُلَّد العام الفَائِت (ص 503)، كلمةً للطَّبِيبَين محمُود كمال، ومحُمَّد عبد المُنعِم حُسين، نقلًا عن مجَلَّة الأَزهَر.

ثُمَّ وقفتُ على العَدَد (82) من "مجلَّة العربيِّ" الكُويتيَّة (ص 144)، تحت عُنوان:"أنتَ تسألُ، ونحنُ نُجيبُ"، بقلم المدعُو عبد الوَارِث كبير، جوابًا له على سؤالٍ عمَّا لهذا الحديثِ من الصِّحَّة والضَّعف؟ فقال: "أمَّا حديثُ الذُّبَاب، وما في جَناحَيه من داءٍ وشِفاءٍ، فحديثٌ ضعيفٌ، بل هُو عقلًا حديثٌ مُفتَرًى. فمِنَ المُسَلَّمِ به أنَّ الذُّبَاب يَحمِلُ من الجَرَاثِيم والأَقذَار

ولم يَقُل أحدٌ قَطُّ أنَّ في جناحَي الذُّبابَة داءً، وفي

ص: 144

الآخَر شفاءً، إلَّا مَن وَضَع هذا الحديثَ أو افتَرَاه، ولو صحَّ ذلك لكَشَفَ عنه العِلمُ الحديثُ الذي يَقطَعُ بمَضارِّ الذُّبَاب، ويحُضُّ على مُكافَحتِه".

وفي الكَلام - على اختِصَارِه - من الدَّسِّ والجَهل ما لابُدَّ من الكَشف عنه، دِفاعًا عن حديث رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وصيانَةً له من أن يَكفُر به مَن قد يغتَرُّ بزُخرُف القَول!

فأقُولُ:

أوَّلًا: لقد زَعَم أنَّ الحديثَ ضعيفٌ، يعني: من النَّاحيةِ العِلميَّةِ الحَدِيثِيَّةِ، بدليل قَولِه:"بل هُو عقلًا حديثٌ مُفترًى".

وهذا الزَّعمُ واضحُ البُطلانِ، تَعرِفُ ذلك ممَّا سبَق مِن تخريج الحَدِيثِ من طُرُقٍ ثلاثٍ عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم، وكُلُّها صحيحةٌ. وحَسبُكَ دليلًا على ذلك أنَّ أحدًا مِن أهل العِلمِ لم يَقُل بضعف الحَدِيث كما فَعَل هذا الكَاتِبُ الجريءُ!

ثانيًا: لقد زَعَم أنَّهُ حديثٌ مُفترًى عقلًا!

وهذا الزَّعمُ ليس وُضُوحُ بُطلانِهِ بأقلَّ مِن سابِقِه؛ لأنَّهُ مُجرَّد دعوى لم يَسُق دليلًا يُؤَيِّدُه به سوى الجَهلَ بالعِلمِ الذي لا يُمكِنُ الإحاطةُ به، أَلستَ تراهُ يقولُ: "ولم يَقُل أحدٌ

ولو صحَّ لَكَشَفَ عنه العِلمُ الحديثُ

"؟!

فهل العِلمُ الحديثُ - أيُّها المِسكينُ! - قد أَحاطَ بكُلِّ شيءٍ عِلمًا، أم أنَّ أهلَهُ الذين لم يُصابُوا بالغُرُور - كما أُصِيبَ مَن يُقَلِّدُهُم منَّا - يقُولُون: إنَّنا

ص: 145

كُلَّما ازدَدنَا عِلمًا بما في الكَونِ وأَسرَارِه، ازدَدنَا معرفةً بجَهلِنَا، وأنَّ الأمر بحَقٍّ كما قال اللهُ تبارك وتعالى:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} .

وأمَّا قولُه: "إنَّ العِلمَ يَقطَعُ بمَضارِّ الذُّباب، ويحُضُّ على مُكافَحَتِه"، فمُغالَطةٌ مكشُوفَةٌ؛ لأنَّنا نقُول: إنَّ الحديثَ لم يَقُل نقيضَ هذا، وإنَّما تحدَّثَ عن قضيَّةٍ أُخرَى، لم يَكُن العلمُ يَعرِفُ مُعالَجَتها، فإذا قال الحديثُ: "إِذَا وَقَع الذُّبابُ

" فلا أحدٌ يَفهَمُ - لا مِنَ العَرب ولا من العَجَم، اللَّهمَّ إلَّا العجم في عُقُولِهم وأَفهَامِهِم - أنَّ الشَّرعَ يُبارِكُ في الذُّباب ولا يُكافِحُه!

ثالثًا: قد نَقَلنَا لك فيما سَبَق ما أثبَتَهُ الطِّبُّ اليوم، من أنَّ الذُّباب يَحمِلُ في جَوقِه ما سَمَّوهُ بـ" مُبعِد البِكتِريا" القاتِل للجَراثِيم. وهذا، وإن لم يَكُن مُوافِقًا لما في الحديثِ على وجه التَّفصِيل، فهُو في الجُملَة مُوافِقٌ لما استَنكَرَهُ الكاتبُ المُشارُ إليه وأمثالُهُ من اجتِمَاع الدَّاء والدَّوَاءِ في الذُّباب. ولا يَبعُد أن يأتِي يَومٌ تَنجِلي فيه مُعجِزَةُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم في ثُبُوت التَّفاصِيلِ المُشارِ إِلَيها عِلميًّا، {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} .

وإنَّ مِن عجِيبِ أَمرِ هذا الكاتِبِ وتَنَاقُضِه، أنَّه في الوَقت الذي ذَهَب فيه إلى تَضعِيفِ هذا الحديثِ، ذَهَب إلى تَصحِيح الحديثِ:"طَهُورُ الإِناءِ الذي يَلِغُ فيه الكلبُ أن يُغسَل سبعَ مرَّاتٍ إحداهُنَّ بالتُّراب"، فقال:"حديثٌ صحيحٌ مُتَّفَقٌ عليه". فإنَّهُ إذا كانت صِحَّتُهُ جاءَت من اتِّفاق العُلماء أو الشَّيخَين على صِحَّته، فالحديثُ الأوَّلُ أيضًا صحيحٌ عند العُلماء بدُون خلافٍ بَينَهُم، فكيف جازَ له تَضعِيفُ هذا وتَصحِيحُ ذاك؟! ثُمَّ تأوَّلَهُ تأويلًا باطِلًا يُؤَدِّي إلى أنَّ الحديثَ غيرُ صحيحٍ عندَهُ في مَعنَاه؛

ص: 146

لأنَّهُ ذَكَر أنَّ المَقصُودَ من العَدَد مجُرَّدُ الكَثرَةِ، وأنَّ المَقصودَ من التُّراب هو استِعمالُ مادَّةٍ مع الماء مِن شأنِهَا إزالَةُ ذلك الأَثَر!

وهذا تأويلٌ باطلٌ، بَيِّنُ البُطلَان، وإِن كَانَ عَزَاهُ للشَّيخ مَحمُود شَلْتُوت عفا الله عنه.

فلا أَدرِي أيَّ خَطايَاهُ أَعظَمُ، أَهُوَ تضعيفُهُ للحديث الأوَّلِ، وهو صحيحٌ، أم تأوِيلُهُ للحديث الآخَر وهو تأويلٌ باطلٌ!

وبهذه المُناسَبة، فإنِّي أَنصَحُ القُرَّاءَ الكِرامَ بأن لا يَثِقُوا بكُلِّ ما يُكتَب اليوم في بَعض المَجلَّات السَّائِرَةِ، أو الكُتب الذَّائِعَة، من البُحُوث الإسلاميَّة، وخُصُوصًا ما كان مِنهَا في علم الحَدِيث، إلَّا إذا كانَت بِقَلَم من يُوثَق بدِينِه أوَّلًا، ثُمَّ بعِلمِه واختِصاصِه فيه ثانيًا، فقد غَلَب الغُرورُ على كثيرٍ من كُتَّاب العصر الحَاضِر، وخُصُوصًا من يَحمِلُ منهم لقبَ "الدُّكتور"! فإنَّهُم يكتبون فيما ليس من اختِصَاصِهم، وما لا عِلمَ لهم به. وإنِّي لَأَعرِفُ واحدًا من هؤُلاء، أَخرَجَ حديثًا إلى النَّاس كِتابًا جُلُّه في الحديث والسِّيرَة، وزَعَم فيه أنَّهُ اعتَمَد فيه على ما صحَّ من الأحاديثِ والأَخبَارِ في كُتب السُّنَّةِ والسِّيرَة! ثُمَّ هو أَورَد فيه من الرِّوايَات والأَحَادِيث ما تفرَّد به الضُّعَفاء والمَترُوكُون والمُتَّهَمُون بالكَذِب من الرُّوَاة، كالوَاقِدِيِّ وغيرِه، بل أَورَد فيه حديثَ:"نَحنُ نَحكُمُ بالظَّاهر، والله يتولَّى السَّرائر"، وجَزَم بنِسبَتِه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، مع أنَّه ممَّا لا أَصلَ له عنه بهذا اللَّفظ، كما نبَّهَ عليه حُفَّاظُ الحديث، كالسَّخَاوِيِّ وغيرِه.

فاحذَرُوا أيُّها القُرَّاء أمثالَ هؤُلاء. والله المُستَعان" انتهَى.

ص: 147

169 -

سُئلتُ عن حديث: "مَا مِن مُسلِمٍ يُصرَعُ صَرْعَةً مِن مَرَضٍ إِلَّا بُعِثَ مِنهَا طَاهِرًا".

* قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ ابنُ أبي الدُّنيا في "المرض والكَفَّارات"(23)، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 8/ رقم 7485)، والبَيهقِيُّ في "شُعب الإيمان"(ج 7/ رقم 9922)، وابنُ عساكر في "تاريخ دمشق"(ج 7/ ق 37، 38) من طريق خالد بن يزيدَ، عن سالم بن عبد الله المُحارِبِيِّ، عن سُليمانَ بن حبيبٍ المُحارِبِيِّ، عن أبي أُمَامَةَ البَاهِليِّ مرفُوعًا به.

وعزاه السِّيُوطِيُّ - كما في "فيض القدير"(5/ 487) - للضِّياء المَقدسيِّ في "المُختارَة".

قال المُنذِريُّ في "التَّرغيب"(4/ 298): "رُواتُه ثقاتٌ"، وكذلك قال الهَيثَمِيُّ في "المَجمَع"(2/ 302).

ولكن نَقَل المُناوِيُّ في "الفيض"(5/ 488)، عن الهَيثَمِيِّ أنَّه قال:"فيه سالمُ بنُ عبد الله البُخارِيُّ الشَّامِيُّ، لم أَجِد مَن ذَكَرَه، وبَقِيَّةُ رجالِه ثِقاتٌ".

* قلتُ: وقولُه: "البُخاريُّ" تصحيفٌ، وصوابُهُ "المُحارِبِيُّ"، ولعلَّه تصحَّف على الهَيثَمِيِّ، لذلك قال:"لم أَجِد مَن ذَكَرَه"، مع أنَّ ابنَ أبي حاتمٍ ذَكَرَه في "الجرح والتعديل"(2/ 1/ 185)، ونَقَلَ عن أبيه أنَّه قال:"صالِحُ الحديث"، ونقل ابنُ عساكر توثيقَه عن آخَرين.

ص: 148

170 -

سُئلتُ عن حديث: "خَيرُ شَبَابِكُم مَن تَشَبَّهَ بِكُهُولكُم، وَشَرُّ كُهُولِكُم مَن تَشَبَّهَ بِشَبَابِكُم".

* قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا.

وقد وَرَدَ مِن حديث أنَسٍ، وابن عبَّاسٍ، وعُمَرَ بنِ الخطَّاب، ووَاثِلَةَ ابن الأسقع رضي الله عنهم.

* أوَّلًا: حديث أنَسٍ رضي الله عنه.

أخرَجَهُ البزَّارُ (3219 - كشف)، والطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(5904)، وابن عديٍّ في "الكامل"(2/ 721)، والبَيهقِيُّ في "الشُّعَب"(6/ 168 - بيروت)، وأبو نُعيمٍ في "أخبار أصبهان"(2/ 37)، والقُضاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(1255) من طُرُقٍ عن مُسلِم بن إبراهيم، نا الحَسَن بن أبي جعفرٍ، عن ثابتٍ البُنَانِيِّ، عن أنَسٍ مرفُوعًا به.

قال الطَّبَرانيُّ: "لَم يَروِ هذا الحديثَ عن ثابتٍ، إلَّا الحَسَنُ بنُ أبي جعفرٍ، تفرَّد به مُسلِمُ بنُ إبراهيم".

وقال ابنُ عديٍّ: "هذا حديثٌ غريبٌ، يرويه الحسَنُ بنُ أبي جعفرٍ".

* قلتُ: وهو مُنكَرٌ عن ثابتٍ.

والحَسَن ضعَّفَهُ ابنُ المَدِينيِّ، وأحمدُ، والنَّسائيُّ، وقال البُخاريُّ:"مُنكَر الحديث"، وهذا مِنهُ جرحٌ شديدٌ، يُساوِي التَّركَ عِند غيرِه، ويَبدُو أنَّه

ص: 149

كان شديد الغَفلَةِ، حتَّى وقَعَت مِنهُ المناكِيرُ الكثيرةُ.

أمَّا قولُ مُسلِم بن إبراهيم: "إنَّه كان مِن خيار النَّاس"، فهذا لا تَعَلُّقَ له بصِحَّة الحديثِ، وإنَّما وَصَف دِينَه، وقد صرَّح ابن حِبَّانَ بذلك في "المجروحين"(1/ 236)، فقال:"كان مِن خِيار عِبَاد الله، مِنَ المُتَقَشِّفَةِ الخُشُن. ضَعَّفَهُ يحيى، وتَرَكَه أحمدُ بنُ حنبلٍ. وكان الحسَنُ بن أبي جعفرٍ من المُتَعبِّدين، المُجابِين الدَّعوةَ في الأوقات، ولكِنَّه مِمَّن غَفَل عن صناعة الحديث، وحفظِه، واشتَغَل بالعِبادَة عنها، فإذا حدَّث وَهِمَ فيما يَروِي، ويَقلِبُ الأسانيدَ، وهو لا يَعلَمُ، حتَّى صار مِمَّن لا يُحتجُّ به، وإِن كان فاضلًا" ا. هـ، فإذا رأينا مِثلَ هذا النَّمَط، مِمَّن ساء حِفظُهم، تَفرَّدُوا عن مشايخ ثقاتٍ مشهورين، بأحاديث دُون سائر أصحابهم الثِّقات، عَلِمنَا أنَّ هذا مِمَّا أخطَؤُوا فيه. واللهُ أعلَمُ.

* ثانيًا: حديثُ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

أخرَجَه البَيهقِيُّ في "الشُّعَب"(6/ 168) مِن طريق إبراهيم بن سُليمان الزَّيَّات، نا بَحرُ بن كُنَيزٍ، عن يَحيَى بن أبي كَثيرٍ، عن عِكرِمة، عن ابن عبَّاسٍ، قال: لَعَنَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المُخَنَّثِين من الرِّجال، والمُذَكَّرات مِنَ النِّساء، قال:"أَخرِجُوهُم مِنَ البُيوت". وقال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ خَيرَ شَبَابِكُم مَن تَشَبّه بِشُيُوخِكُم، وشَرَّ شُيُوخِكُم مَن تَشَبَّه بِشَبَابِكُم، وَشَرَّ نِسَائِكُم مَن تَشَبَّهَ بِرِجَالِكُم، وَشَرَّ رِجَالِكُم مَن تَشَبَّهَ بِنِسَائِكُم".

قال البَيهقِيُّ: "تفرَّد به بَحرُ بن كُنَيزٍ السَّقَّاءُ، عن يَحيَى بهذه الزِّياداتِ".

ص: 150

* قلتُ: وبَحرٌ هذا شِبهُ المتروك، قال ابنُ مَعِينٍ:"ليس بشيءٍ. لا يُكتَبُ حديثُه. كُلُّ النَّاس أحبُّ إليَّ منه"، وترَكَهُ النَّسائيّ، والدَّارَقُطنيُّ، وضَعَّفَهُ أبو حاتمٍ، ويزيدُ بنُ زُريعٍ، وقال:"لا شيء! مَا كتَبتُ عنه إلَّا حديثًا واحدًا، فجاءت السِّنَّورُ فأحدَثَت عليه"!!

* ثالثًا: حديثُ عُمَرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه.

أخرَجَه ابنُ عديٍّ في "الكامل"(1/ 254)، ومن طريقه ابنُ الجوزيِّ في "العِلل المُتناهِية"(1182) من طريق إبراهيم بن حَيَّان الأنصاريِّ، عن حمَّاد بن زيدٍ، عن عاصمٍ، عن زِرِّ بن حُبَيشٍ، عن عُمَر بن الخطَّاب مرفُوعًا:"خَيرُ شَبَابِكُم من تشبَّه بكُهُولِكُم الصَّالحِين، وشرُّ كُهُولِكُم من تشبَّه بشبابِكُم الفاسِقين".

قال ابنُ عديٍّ: "وهذا الحديث مع أحاديث غيرِه بالأسانيد التي ذَكَرها إبراهيمُ بنُ حيَّان، عامَّتُها موضوعةٌ مناكيرُ، وهكذا سائِرُ أحاديثِه".

وقال ابنُ الجوزيِّ: "هذا حديثٌ لا يصحٌّ. قال ابنُ عديٍّ: إبراهيمُ يَروِي أحاديثَ موضُوعةً".

وسَقَط ذِكرُ "زِرِّ بن حُبيشٍ" مِن "الكامل"، وإِثباتُهُ ضرورِيٌّ. واللهُ أعلَمُ.

* رابعًا: حديثُ وَاثِلَةَ بنِ الأَسقَع رضي الله عنه.

أخرَجَهُ أبو يَعلَى في "مُسنَده"(ج 13/ رقم 7483) ..

والطَّبَرانيُّ في "المُعجَم الكبير"(ج 22/ رقم 202) قال: حدَّثَنا عبدُ الله ابن أحمد بن حنبلٍ، قالا: ثنا سعيدُ بنُ أبي الرَّبيع، ثنا عَنبَسَةُ بنُ سعيدٍ،

ص: 151

عن حمَّادٍ مولَى بنِي أُمَيَّة، عن جَناحٍ مولى الوليد، عن وَاثِلَة بنِ الأسقعِ مرفُوعًا:"خَيرُ شَبَابِكُم مَن تَشَبَّهَ بكُهُولِكُم، وشرُّ كُهُولِكُم مَن تَشَبَّه بِشَبَابِكُم".

وأخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ أيضًا من طريق يزيد بن هارون، وعُبيد الله بن مُوسَى، قالا: ثنا عَنبَسَةُ بسَنَدِه سواء.

قال الهَيثميُّ في "المجمع"(10/ 270): "فيه من لم أعرفهم".

كذا قال! وكُلُّهُم معرُوفُون.

وعَنبَسَةُ بن سعيدٍ شِبهُ المتروك.

وشيخُه حمَّادٌ مولَى أُميَّة ترَكَهُ الأَزدِيُّ.

وجَنَاحٌ مولى الوليد وثَّقَه ابنُ حِبَّانَ، ولكن تَرَكَهُ الأَزدِيُّ أيضًا.

فالسَّنَدُ ضعيفٌ جِدًّا.

وتَسَامَحَ الحافظُ العِراقيُّ في نقدِهِ لهذا الحديثِ، فقال في "تخريج الإحياء" (1/ 143):"إِسنادُه ضعيفٌ"!

وكم لهذا التَّسامُح مِن مَضارٍّ، لاسيَّما في أحاديثِ فضائلِ الأعمال، فإِنَّ المذهبَ السَّائد عند كَثِيرٍ مِن المُتأَخِّرين هُو جَوَازُ العَمَل بالضَّعيف في فضائل الأعمال، خِلافًا للرَّاجِح عِندَنَا، وهو تَركُ العَمَل بالضَّعيف مُطلَقًا، فإِذَا تَسَامَحَ المُحدِّثُ في حُكمِه، فحَكَم علَى الحديثِ الباطِل، أو المُنكَرِ، أو الواهي، بالضَّعف فقط، سارَعَ إليه الوَاعِظُون والمُحاضِرُون، وذَكَرُوه محُتَجِّين به، عمَلًا بالقاعدة السَّابقة، ومهما تَأتِيهم بِكُلِّ آيَةٍ على وَهَاء الحديثِ، فلا يَقبَلُون ذلك مِنك؛ لأنَّ الحافظ الفُلانِيَّ ضَعَّفه "فَقَط"،

ص: 152

وكَم وَقَعَ ناسٌ بِسَبَبِ هذا في الاحتجاج بأحاديثَ باطِلةٍ، أو واهِيةٍ، بسبب تَسامُح الحافظ العِراقيِّ رحمه الله في نقده لأحاديث "إِحياء عُلوم الدِّين".

ومِن مَضَارِّ هذا التَّسامُح أيضًا، أنَّهُ قد فَشَا عند كَثيرٍ مِن المُتأخِّرين أنَّ الأحادِيثَ الضَّعِيفَةَ يُقَوِّي بَعضُها بعضًا، دُون مُراعاةٍ للشُّرُوط التي وَضَعَهَا العُلماءُ للتَّقوِيةِ، فإذا رأَى بعضُ هؤلاءِ مَن تَسامَحَ في نَقدِه، فوصف الحديثَ الباطلَ، أو المُنكَرَ، بالضَّعف فَقط، ظَنَّ أنَّهُ يَصلُح في التَّقوِيَة، فصَحَّحُوا، أو حَسَّنُوا مِئاتِ الأحاديث المُنكَرة. ولَمَّا كان الغالِبُ علَى الذين صَنَّفُوا في مُصطَلَح الحديث مِن المُتأخِّرين، أَنَّهُم مِمَّن غَلَب عليهم صِناعةُ الفِقه، واحتاجُوا عِلمَ الحديث ليُصَحِّحُوا أدِلَّتَهم، ولم يَكُن لهم ذَوقُ المُحَدِّثين، ولا نَقدُ الحُفَّاظ المُبَرَّزِين، فقد تَوَسعُوا جدًّا في تقوية الأحاديث الضَّعيفة، وإن شئت فقُل: المُنكَرة، بعضِها ببعضٍ، ممَّا حَدَا ببعض المُعاصِرين إلى الغُلوِّ، فقال:"إنَّ الأحاديث الضَّعيفة لا يُقَوِّي بعضُها بعضًا أبدًا"، والحقُّ بين الإفراط والتَّفريط.

والحقُّ الذي أَعتَقِدُه في هذه المسألة، أنَّ الأحاديث الضَّعيفة قد تَتَقَوَّى ببعضِها، بشُرُوطٍ ليس هاهنا مجَالُ سَردِها، ولكنَّ هذا النوعَ يَحتاج إلى أذكياء المُحَدِّثين، ممَّن طالت مُمارَسَتُهم لهذا العِلم، حتَّى صارَت لَهُم فيه مَلَكَةٌ، لا تَتكَوَّنُ إلَّا بالدِّربَة والمُمَارَسَةِ، معَ إِدمان النَّظَر في تَصَرُّفِ النُّقَّادِ الحاذِقين لهذا العِلم.

واللهُ يهدي مَن يشاء إلى صراطه المُستَقِيم.

ص: 153

171 -

سُئلتُ عن حديثٍ: عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: لَمَّا أَغرَقَ اللهُ عز وجل فِرعَونَ، {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: 90]، قال جبريلُ عليه السلام للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"يَا مُحَمَّدُ! لَو رَأَيتَنِي وَأَنَا أَدُسُّ فِي فِيهِ مِن حَالِ البَحرِ خَشيَةَ أَن تُدرِكَهُ الرَّحمَةُ".

* قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ التِّرمذيُّ (3107)، وأحمدُ (1/ 245، 309)، والطَّيَالِسِيُّ (2693)، وعَبدُ بن حُميدٍ في "المُنتخَب"(664)، وابنُ جَرِيرٍ في "تفسيره"(11/ 112)، وابنُ أبي حاتمٍ في "تفسيره" - كما في "تفسير ابن كَثيرٍ"(2/ 430) -، والحاكِمُ (4/ 249)، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(12/ 216)، وتمَّامٌ الرَّازِيُّ في "الفوائد"(527)، والخطيبُ في "تاريخه"(8/ 101 - 102)، وفي "مُوضِح الأوهام"(1/ 345) من طُرُقٍ عن حَمَّاد بن سَلَمة، عن عليِّ بن زيد بن جُدعَانَ، عن يُوسف بن مِهرَان، عن ابن عبَّاسٍ.

ورواه عن حمَّادٍ: "الطَّيَالِسِيُّ، والحَكَم بن مُوسَى، وحجَّاجُ بن مِنهَالٍ، ويُونُسُ بنُ مُحمَّدٍ المُؤَدِّبُ، وسُليمانُ بنُ حَربٍ، ومُوسَى بنُ إسماعيل التَّبُوذَكِيُّ، في آخَرين".

ص: 154

قال التِّرمذيُّ: "حديث حَسَنٌ".

* قلتُ: وعليُّ بنُ زيد بن جُدعَان ضعيفٌ، ولكن رِوَايَةُ حمَّاد بن سَلَمة عنه مُتَماسِكَةٌ، وهي أَمثَلُ مِن غيرِها، كما قال أبو حاتمٍ الرَّازيُّ.

ولكن للحديث طريقٌ آخرُ عن ابن عباسٍ ..

أخرَجَه التِّرمذيُّ (3108) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ عبد الأعلى، قال: حدَّثَنا خالدُ بنُ الحارث، ثنا شُعبةُ، قال: أخبَرَنا عَدِيُّ بنُ ثابتٍ، وعطاءُ بنُ السَّائب، عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ - رفعه أحدُهما - وساقه.

هكذا على الشَّكِّ فيمن رَفَع الحديثَ. ويأتي بيانُهُ، إن شاء الله.

ورواه عَبدَانُ الأَهوَازِي، قال: نا مُحمَّدُ بنُ عبد الأعلى بهذا الإسناد، إلَّا أنَّه لم يذكر شَكًّا، بل رفعه كلاهما.

أخرَجَه الحاكمُ (1/ 57) قال: حدَّثَنا أبو عليٍّ الحافظُ، أبَنَا عَبْدَانُ الأَهوَازِيُّ بهذا.

ورأيتُهُ في "إتحاف المَهَرة"(7/ 186) عزاه للحاكم بهذا الإسناد، وقال:"ولم يَشُكَّ - يعني: شُعبةَ - في رفعه عنهُمَا".

وعَبدَانُ اسمُهُ: عبدُ الله بنُ أحمدَ بنِ مُوسى. ثقةٌ حُجَّةٌ، أطنَبُوا في مدحه.

ورواه يحيى بنُ حَكيمٍ، قال: ثنا خالدُ بنُ الحارث بهذا الإسناد، إلَّا أنه شَكَّ في أحدهما.

أخرَجَهُ الحاكمُ في "التَّوبة"(4/ 249 - المستدرك) قال: أنبأنا أبو عليٍّ

ص: 155

الحافظُ، أبَنَا عليُّ بنُ العباس البَجَليُّ، ثنا يحيى بنُ حَكيمٍ به.

ويحيى بنُ حَكيمٍ أحدُ الأثبات.

وتُوبِع خالدُ بنُ الحارث على الجَزمِ برفعه عن كِليهِما، وعلى الشَّكِّ في أحدهما.

أمَّا مَن رواه بالجزم بالرَّفع عن كليهما فأبو داوُد الطَّيَالِسِيُّ ..

فأخرَجَهُ في "مُسنَده"(2618)، ومن طريقه ابنُ أبي حاتِمٍ في "تفسيره"(10562)، والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(9393)، والضِّياءُ في "المختارة"(ج 10/ رقم 258).

وكذلك رواه عمرُو بنُ مُحمَّدٍ العَنْقَزِيُّ، قال: ثنا شُعبةُ، عن عَدِيِّ بن ثابتٍ، وعطاءٍ معًا بهذا الإسناد، ولم يَشُكَّ.

أخرَجَهُ ابنُ جَريرٍ في "تفسيره"(12/ 276) قال: حدَّثَنا الحُسينُ بنُ عمرِو بن محمَّدٍ العَنْقَزِيُّ، ثنا أبي بهذا.

وعمرُو بن مُحمَّدٍ العَنْقَزِيُّ ثقةٌ.

ولكن، الشأنُ في ابنه الحُسَين، فترجمه ابنُ أبي حاتم (1/ 2/ 61 - 62)، ونقل عن أبيه، قال:"ليِّنٌ، يتكلَّمُون فيه". وقال أبو زُرعَة: "كان يَصدُق". وقال أبو داوُد: "كتبتُ عنه، ولا أُحَدِّثُ عنه".

أما ابن حِبَّان فذكره في "الثقات"(8/ 187)!!

وكذلك رواه عمرُو بن حَكَّامٍ، قال: ثنا شُعبةُ، عن عطاء بن السَّائبِ وحدَهُ، عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا، ولم يشُكَّ.

أخرَجَهُ ابنُ جَريرٍ (12/ 277) قال: حدَّثَنِي المُثنَّى، قال: ثني عمرُو

ص: 156

ابنُ حَكَّامٍ بهذا.

وابنُ حَكَّامٍ مُنكَرُ الحديث.

والمُثنَّى هو ابنُ إبراهيمَ. ما علمتُ من حاله شيئًا.

وكذلك رواه النَّضرُ بنُ شُمَيلٍ، أبنا شُعبةُ، عن عَدِيِّ بنِ ثابتٍ، قال: سمعتُ سعيدَ بنَ جُبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ مرفُوعًا، ولم يشُكَّ.

أخرَجَه الحاكمُ في "التَّفسير"(2/ 340)، وعنه البَيهَقِيُّ في "الشُّعَب" (9391) قال: أخبَرَنا أبو عبَّاسٍ مُحمَّدُ بنُ أحمد المَحبُوبِيُّ، ثنا سعيدُ بنُ مسعُودٍ، ثنا النَّضرُ بنُ شُميلِ بهذا.

قال الحاكمُ: "هذا حديث صحيح على شرط الشَّيخَين، ولم يُخَرِّجاه. إلَّا أنَّ أكثرَ أصحاب شُعبةَ أوقفُوهُ على ابن عبَّاسٍ".

* قلتُ: فقد رواه علَى الجزمِ برَفعِهِ، عن شُعبةَ عنهما، أو أحدِهما: أبو داوُد الطَّيالسِيُّ، والنَّضرُ بنُ شُميلٍ.

أما عمرُو بنُ مُحمَّدٍ العَنْقَزِيُّ فلم تَثبُت الرِّوايةُ عنه، إلَّا أن يُتابِعَ ابنَهُ، وقد علمتَ حال عَمْرِو بنِ حَكَّامٍ.

أمَّا رواية الشَّكِّ، فرواها: مُحمَّدُ بنُ جَعفَرٍ غُندَرٌ، قال: ثنا شُعبةُ، عن عطاءِ بن السَّائبِ، وعَدِيِّ بن ثابتٍ، عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ - رفعه أحدُهُما -، فساقَهُ.

أخرَجَة أحمدُ (1/ 240، 340)، ومن طريقه الضِّياءُ في "المُختارَة"(ج 10/ رقم 257) ..

والنَّسائِيُّ في "التَّفسير"(258)، وابنُ جَريرٍ في "تفسيره" (12/

ص: 157

276)، والبَزَّارُ (5018 - البحر) قالوا: ثنا مُحمَّدُ بنُ المُثنَّى ..

وابنُ حِبَّان (6215) عن مُحمَّد بن بَشَّارٍ، قالوا: ثنا مُحمَّدُ بن جعفَرٍ بهذا.

وغُندَرٌ من أثبَتِ النَّاس في شُعبَةَ.

وتابَعَهُ أبو النَّضرِ هاشِمُ بنُ القَاسِمِ، قال: ثنا شُعبَةَ بهذا الإسنادِ، لكنَّهُ قال: رَفَعَهُ أحدُهُما، أو كلاهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

أخرَجَهُ البيهقيُّ في "الشُّعَب"(9392) من طريق الحَسَن بن مُكرِمٍ، ثنا أبو النَّضر بهذا.

ورواه وكيعٌ، قال: ثنا شُعبةُ، عن عَديِّ بنِ ثابتٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ موقُوفًا.

أخرَجَهُ ابنُ جَريرٍ (12/ 278) قال: حدَّثَنا سُفيانُ بنُ وَكيعٍ، ثنا أبي بهذا.

وهذا إسنادٌ ما أجوَدَهُ، لولا سُفيانُ بنُ وَكيعٍ، فقد تكلَّمَ العُلماءُ فيه بسبب وَرَّاقِه الذي أَدخَلَ في حديثِهِ ما لَيسَ فيه.

قال ابنُ أبي حاتِمٍ الرَّازِيُّ: "سمعتُ أبي يقُولُ: جاءَنِي جماعةٌ من مشايخ الكُوفَةِ، فقالُوا: بَلَغَنَا أنَّكَ تختَلِفُ إلى مشايخ الكُوفَةِ، وترَكتَ سُفيانَ بنَ وَكيعٍ، أمَّا كُنتَ تَرعَى له في أَبِيهِ؟ فقلتُ لهُم: إني أُوْجِبُ له حَقَّهُ، وأُوْجِبُ أن تَجرِي أمورُهُ على السَّترِ، وله ورَّاقٌ قد أَفسَدَ حديثَهُ. قالوا: فنحنُ نقُولُ له: يُبعِدُ الوَرَّاقَ عن نَفسِهِ. فوعدتهم أن أَجِيئَهُ، فأتيتُهُ مع جماعةٍ من أهل الحَدِيثِ، فقلتُ له: إنَّ حَقَّكَ واجبٌ علينا في

ص: 158

شَيخِك وفي نَفسِك، ولو صُنتَ نَفسَك، وكُنتَ تَقتَصِرُ على كُتُب أبيك لكَانَت الرِّحلَةُ إليك في ذلك، فكيفَ وقَد سَمِعتَ؟ فقال: ما الذي يُنقَمُ عليَّ؟ فقلتُ: قَد أَدخَل ورَّاقُك بين حَدِيثِك ما ليس مِن حَدِيثِك. قال: فكيفَ السَّبيلُ في هذا؟ قلتُ: تَرمِي بالمُخَرَّجَات، وتقتصرُ على الأُصُولِ، ولا تَقرَأُ إلَّا مِن أُصولِك، وتُنحِّي هذا الورَّاقَ عن نفسك، وتَدعُو بابنِ كَرَامَةَ وتُولِيهِ أُصُولَكَ، فإنَّهُ يُوثَقُ به. فقال: مقبولًا منك.

- قال: - وبَلَغَنِي أنَّ ورَّاقَهُ كانُوا أَدخَلُوه بيتًا يَسمَعُ علينا الحديثَ، فما فعلَ شَيئًا ممَّا قالَهُ، فبَطَلَ الشَّيخُ، وكان يحدِّثُ بتلك الأحاديث التي قد أُدخِلَت بين حدِيثِهِ، وقد سرقَ من حديث المُحَدِّثين. سُئل أبي عنه، فقال: ليِّنٌ".

ورواهُ عُمرُ بنُ عبد الله بنِ يَعلَى، عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ موقُوفًا.

أخرَجَهُ ابنُ جَريرٍ (12/ 278) قال: حدَّثَنا ابنُ وَكيعٍ ..

وابنُ أبي حاتِمٍ (10563) قال: حدَّثَنا أبو سعيدٍ الأَشجُّ، قالا: ثنا أبو خالدٍ الأَحمَرُ سُليمانُ بنُ حَيَّانَ، عن عُمَر بنِ عبد الله الثَّقَفِيِّ بهذا.

وعُمَرُ ضعيفٌ.

واعلم - علَّمَنِي الله وإيَّاكَ -! أنَّ الحديثَ قد صحَّ مرفُوعًا.

وهذا الشَّكُّ من شُعبةَ في رفعه عن أحدِهِما لا يضُرُّ الحديثَ؛ فلو جاء الرَّفعُ من جهة عَدِيِّ بن ثابتٍ فالإسنادُ صحيحٌ؛ وعَدِيٌّ ثقةٌ. ولو جاء من جهة عطاءِ بنِ السَّائب، فعطاءٌ وإن كانْ اختلَطَ، إلَّا أنَّهم اتَّفَقُوا على

ص: 159

أنَّ روايةَ شُعبَةَ، والثَّورِيِّ، وحمَّادِ بنِ زيدٍ عنه مُستقيمَةٌ، وهذا منها. فالرَّفعُ صحيحٌ على أيِّ حالٍ، وهذا لا يُنافِي أن يَرِد موقُوفًا. ولو كان جانِبُ الموقُوفِ أقوَى فله حُكمُ الرَّفع، كما لا يخفى. فكيفَ وقد صحَّ مرفُوعًا؟ والحمد لله تعالى.

ولذلك صحَّحَهُ التِّرمِذِيُّ، فقال:"حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ".

وكذلك صحَّحَهُ الحاكمُ، والضِّياءُ، وغيرُهُما.

فإن قال قائلٌ: كيف تَجعلُ للموقوفِ حُكمَ الرَّفع، أليس جائزٌ أن يكون ابنُ عبَّاسٍ أخَذَهُ من كُتب أهل الكتاب، كما كان يفعلُ عبدُ الله بنُ عمرٍو وغيرُهُ؟

فالجوابُ: أنَّ ابنَ عبَّاسٍ كان شديدَ النَّكيرِ على مَن يأخُذُ من كُتب أهل الكتاب، فقد أخرجَ البُخاريُّ في كتاب "الاعتصام"(13/ 333 - 334) عن إبراهيم بن سعدٍ. وأيضًا في "التَّوحيد"(13/ 396) عن شُعيب بن أبي حمزة، كلاهما عن الزُّهريِّ، أخبَرَنِي عُبيدُ الله بنُ عبد الله، أنَّ عبدَ الله بنَ عبَّاسٍ قال:"يا مَعشَر المُسلمين! كيف تسألُونَ أهلَ الكتاب عن شيءٍ، وكتابُكُمُ الذي أنزلَ اللهُ على نبيِّكُم صلى الله عليه وسلم أحدثُ الأخبار بالله محَضًا لم يُشَبْ، وقد حدَّثَكُمُ اللهُ أنَّ أهلَ الكتاب قد بدَّلُوا من كُتبِ الله وغيَّرُوا، فكَتَبُوا بأيديهم، قالوا: هو من عند الله، ليشتروا بذلك ثمنًا قليلًا، أَوَلَا ينهاكم ما جاءكم من العِلمِ عن مَسألَتِهِم؟ فلا والله! ما رأينا رجُلًا منهم يسألُكُم عن الذي أُنزل عليكم".

وله شاهدٌ من حديث أبي هُريرَة رضي الله عنه ..

ص: 160

أخرَجَهُ ابنُ جَريرٍ في "تفسيره"(12/ 276)، والسَّهمِيُّ في "تاريخ جُرجَانَ"(ص 206) عن محمَّد بن حُميدٍ الرَّازِيِّ ..

وابنُ عَدِيٍّ في "الكامل"(2/ 788 - 789) والبيهقيُّ في "الشُّعَب"(9390) من طُرُقٍ عن حكَّامٍ بن سَلْمٍ، ثنا عَنبَسَةُ بنُ سَعيدٍ، عن كَثيرِ ابن زَاذَانَ، عن أبي حازِمٍ، عن أبي هُريرَةَ مرفُوعًا:"قال لي جِبريلُ: يا مُحمَّدُ! لو رأيتَنِي وأنا آخُذُ من حالِ البَحرِ، فأدُسُّهُ في فِي فرعونَ؛ مخافةَ أن يقُولَ: رَبِّي! فتُدرِكُهُ رحمةُ الله".

قال ابنُ كَثيرٍ في "تفسيره"(4/ 173): "كَثيرٌ هذا، قال ابنُ مَعينٍ: لا أعرِفُهُ. وقال أبو زُرعةَ وأبو حاتِمٍ: مجهولٌ. وباقي رجالِهِ ثقاتٌ".

* قلتُ: وحَكَّامُ بنُ سَلْمٍ وإن كان ثقةً، إلَّا أنَّ أحمد قال:"يَروِي عن عَنبَسَةَ أحاديثَ غَرائِبَ".

وتُوبِع كَثيرُ بنُ زَاذَانَ ..

تابَعَهُ سعيدُ بنُ مسرُوقٍ - والدُ الثَّوريِّ -، فرواه عن أبي حازِمٍ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا:"قال لي جبريلُ عليه السلام: ما كان على الأَرضِ شيءٌ أَبغَضَ إليَّ من فِرعونَ، فلمَّا آمَنَ بفِيهِ جعلتُ أحشُو فاه حَمْأَةً، خَشيَةَ أن تُدرِكَهُ الرَّحمَةُ".

أخرَجَهُ الطَّبرَانِيُّ في "الأوسط"(5823) قال: حدَّثَنا محمَّدُ بنُ عبد الله الحَضرَمِيُّ، قال: نا أبو كُرَيبٍ، قال: نا عُثمانُ بنُ زُفَرٍ، عن قَيسُ بن الرَّبيعِ، عن سعيدِ بن مسُروقٍ بهذا.

وهذا إسنادٌ ما أحسَنَهُ، لولا قيسُ بنُ الرَّبيع.

ص: 161

وعُثمانُ بن زُفَرَ صدوقٌ.

وبعد كتابَةِ ما تقدَّمَ بزمانٍ، وبينما أنا أقرأُ في كتابِ "خواطر دينيَّةٍ"(ص 28)، لأبي الفَضلِ الغُماريِّ، إذ وجدتُه يقولُ:"هذا حديثٌ مُنكَرٌ، وإن كان إسنادُهُ صحيحًا؛ وجبرِيلُ لا يقُولُ هذا؛ لأنَّهُ نزلَ على أُمِّ مُوسى بقوله تعالى: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ}، وهُو يعلَمُ أنَّ خَبَر الله لا يتخلَّفُ. ولو سُلِّمَ جَدَلًا أنَّ الله أراد قَبُولَ إيمان فِرعَونَ، فلا يستطيعُ جِبريلُ أن يمنَعَهُ بدَسِّ الطِّينِ في فَمِهِ؛ وما كانت وظِيفَتُهُ قطُّ مَنعُ قبُولِ الإيمانِ" انتهَى.

* قلتُ: وقد تدبرتُ اعتراضَهُ، فإذا هُو مأخُوذٌ من اعتراضٍ للفَخر الرَّازِيِّ، إذ أَورَدَ في "تفسيره"(17/ 163) سُؤالًا، قال فيه:"هل يَصِحُّ أن جِبريلَ عليه السلام أَخَذَ يملأُ فَمَهُ - يعني: فرعونَ - بالطِّين لئلَّا يتُوبَ؛ غَضَبًا عليه؟ "، ثُمَّ أجاب قائلًا: "الأَقرَبُ أنَّهُ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ في تلك الحالَةِ إمَّا أن يُقالَ: التَّكليفُ كان ثَابِتًا، أو ما كان ثَابِتًا. فإن كان ثابتًا لم يَجُزْ على جبريلَ عليه السلام أن يَمنَعَهُ من التَّوبة، بل يجبُ عليه أن يُعِينَهُ على التَّوبة، وعلى كُلِّ طاعةٍ؛ لقوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. وأيضًا، فلو مَنَعَهُ بما ذَكَرُوهُ لكانت التَّوبَةُ مُمكِنَةً؛ لأنَّ الأخرسَ قد يتُوبُ، بأن يندَمَ بقلبِهِ ويَعزِمَ على تَركِ مُعاوَدَةِ القَبيحِ، وحينئذٍ لا يَبقَى لما فَعَلَهُ جِبريلُ عليه السلام فائدةٌ. وأيضًا، لو مَنَعَهُ من التَّوبة لكان قد رَضِي ببقائِهِ على الكُفرِ، والرِّضا بالكُفرِ كُفرٌ. وأيضًا، فكيف يليقُ بالله تعالى أن يقُولَ لمُوسَى وهارُونَ عليهما السلام: {فَقُولَا

ص: 162

لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]، ثُمَّ يأمرُ جبريلَ عليه السلام بأن يمنَعَهُ من الإيمان. ولو قِيلَ: إنَّ جبريلَ عليه السلام إنَّمَا فَعلَ ذلك مِن عِندِ نَفسِهِ، لا بأمرِ الله تعالَى، فهذا يُبطلُهُ قولُ جِبريلَ:{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: 64]، وقولُه تعالى في صِفَتِهِم:{وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28]، وقولُه:{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27]. وأمَّا إن قيل: إنَّ التَّكليفَ كان زائلًا عن فِرعَونَ في ذلك الوَقتِ، فحينئذٍ لا يَبقَى لهذا الفعلِ الذي نُسب جبريلُ إليه فائدةٌ أصلًا" انتهَى.

* قلتُ: وهذه طريقةٌ للفَخرِ الرَّازِيِّ في الاعتراض على صَحِيحِ الأخبارِ، إذ يُورِدُ عليها مِثلَ هذه الشُّبُهاتِ، ولا يَجتَهِدُ في البَحث عن مخَارِجَ مقبُولَةٍ.

وقد أبنتُ عن طريقَتِه هذه في كتابي "قَوَادِمُ البَازِي المُنقَضِّ على تفسِيرِ الفَخرِ الرَّازِي". ومنه أنقُلُ هذا الرَّدَّ؛ لأنَّه لم يُطبَع بعدُ.

فقد أجابَ العُلماءُ عن هذا الاعتراضِ، منهُمُ الخازِنُ في "تفسيره"، فقال مجُيبًا - كما في "تُحفَة الأَحوَذِي" (8/ 527 - 528) -:"إنَّ الحديثَ قد ثَبَتَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلا اعتراضَ عليه لأحدٍ. وأمَا قولُ الإمامِ: "إنَّ التَّكليفَ هل كانَ ثابتًا في تلك الحالةِ أم لا؟ فإنْ كانَ ثابتًا لم يَجُزْ لجبريلَ أن يَمنَعَهُ من التَّوبةِ"، فإنَّ هذا القولَ لا يَستَقِيمُ على أَصلِ المُثبِتينَ للقَدَرِ، القَائِلينَ بخَلقِ الأَفعالِ لله، وأنَّ الله يُضِلُّ مَن يشاءُ، ويَهدِي من يَشاءُ. وهذا قَولُ أهلِ السُّنَّةِ المُثبِتِينَ للقَدَرِ، فإنَّهُم يقُولُون إنَّ الله يَحُولُ بين الكافر والإيمانِ، ويدُلُّ على ذلك قولُه تعالَى: {وَاعْلَمُوا

ص: 163

أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]، وقولُهُ تعالى:{وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء: 155]، وقال تعالى:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110]، فأخبَرَ اللهُ تعالى أنَّهُ قلَّبَ أفئِدَتَهُم مِثلَ تَركِهِم الإيمان أوَّلَ مرَّةٍ. وهكذا فَعَل بفرعونَ، مَنعَهُ من الإيمانِ جزاءً على تَركِهِ الإيمانِ أوَّلًا. فدسُّ الطِّينِ في فِي فرعونَ من جِنسِ الطَّبعِ والخَتْمِ على القَلبِ، ومَنعِ الإيمانِ، وصَونِ الكَافِرِ عنه، وذلك جزاءً على كُفرِهِ السَّابِقِ. وهذا قولُ طائفةٍ من المُثبِتِينَ للقَدَرِ، القَائِلِينَ بخَلقِ الأَفعالِ لله. ومن المُنكِرِينَ لخَلقِ الأَفعَالِ مَن اعتَرَف أيضًا أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يَفعَلُ هذا عُقوبَةً للعبد على كُفرِهِ السَّابِقِ، فيَحسُنُ مِنهُ أن يُضِلَّهُ، ويَطبَعَ على قَلبِهِ، ويَمنَعَهُ من الإيمانِ. فأمَّا قِصَّةُ جِبريلَ عليه السلام فإنَّهَا من هذا البابِ، فإنَّ غايَةَ ما يُقالُ فيه إنَّ اللهَ سبحانه وتعالى مَنَع فرعونَ من الإيمانِ، وحالَ بَينَهُ وبَينَهُ؛ عُقُوبةً له على كُفرِهِ السَّابقِ وردِّهِ للإيمانِ لمَّا جاءَهُ. وأمَّا فِعلُ جبريلَ مِن دَسِّ الطِّين فإنِّما فَعَل ذلك بأمرِ الله، لا مِن تِلقاءِ نَفسِهِ.

فأمَّا قولُ الإمامِ: "لم يَجُزْ لجبرِيلَ أن يَمنَعَهُ من التَّوبة، بل يَجِبُ عليه أن يُعِينَهُ عليه، وعلى كُلِّ طاعةٍ"، هذا إذا كان جِبريلَ كتَكلِيفِنَا، يجبُ عليه ما يَجِبُ علينا، وأمَّا إذا كان جبريلُ إنَّما يَفعَلُ ما أَمَرَهُ اللهُ به، واللهُ سبحانه وتعالى هو الذي مَنَع فرعونَ من الإيمانِ، وجبريلُ مُنَفِّذٌ لأمر الله، فكيفَ لا يجُوزُ له مَنعُ مَن مَنَعَهُ اللهُ من التَّوبة؟ وكيف يَجِبُ عليه إعانةُ مَن لم يُعِنهُ الله؟ بل قَد حَكَم عليهِ وأخَبَر عَنهُ أنَّهُ لا يُؤمِنُ حتَّى يَرَى

ص: 164

العذابَ الأليمَ حِينَ لا يَنفَعُهُ الإيمانُ؟ وقد يُقالُ: إنَّ جبريلَ عليه السلام إمَّا أن يتصرَّفَ بأمرِ الله فلا يَفعَلُ إلَّا ما أمَرَ اللهُ بِهِ، وإمَّا يَفعَلُ ما يشاءُ مِن تِلقاءِ نَفسِهِ، لا بأمرِ الله، وعلى هَذَين التَّقدِيرَينِ فلا يجبُ عليه إعانةُ فِرعونَ على التَّوبةِ، ولا يَحرُمُ عليه مَنعُهُ مِنهَا؛ لأنَّه إنَّما يَجِبُ عليه فِعلُ مَا أُمِرَ به، ويَحرُمُ عليه فِعلُ ما نُهِيَ عنه، واللهُ سبحانه وتعالى لم يُخبِر أنَّهُ أمَرَهُ بإعانة فِرعونَ، ولا حَرَّم عليه مَنعَهُ من التَّوبةِ، وليست الملائكةُ مُكَلَّفِين كتكلِيفِنَا" انتهَى.

ص: 165

172 -

سُئلتُ عن حديث: "مَا مِن نَاشئٍ يَنشَأُ فِي العِبَادَةِ، حَتَّى يُدرِكَهُ المَوتُ، إِلَّا أَعطَاهُ اللهُ أَجرَ تِسعَةٍ وَتِسعِينَ صِدِّيقًا".

* قلتُ: هذا حديثٌ باطِلٌ.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 8/ رقم 7590)، وفي "الأوسط"(780)، وفي "مُسنَد الشَّامِيِّين"(3424)، وابنُ عبد البَرِّ في "جامع العِلم"(1/ 81 - 82) مِن طريق يُوسفَ بنِ عَطِيَّة، ثنا مَرزُوقٌ أبو عبد الله الشَّامِيُّ، عن مَكحُولٍ، عن أبي أُمَامَة الباهِليِّ، مرفُوعًا، فذَكَرَه.

واللَّفظُ الذي ذَكَرَهُ السَّائلُ هو لفظُ الطَّبَرانيِّ في "الأوسط"، وفي بقيَّة المصادر: "أَيُّمَا نَاشِئٍ

الخ".

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن مكحُولٍ إلَّا مرزوقٌ أبو عبد الله".

* قلتُ: كذا قال! ولم يتفَرَّد به مرزوقٌ ..

فتابَعَهُ عِيسَى بنُ سِنانَ أبو سِنانَ الشَّامِيُّ، فرواه عن مَكحُولٍ بسَنَدِه سواء.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 8/ رقم 7589)، وفي "مُسنَد الشَّامِيِّين" (3423) قال: حدَّثَنا الحُسَينُ بنُ إسحاق، ثنا يحيى الحِمَّانِيُّ، ثنا جَعفرُ بنُ سُليمان، عن أبي سِنانَ بهذا.

والحديث باطلٌ من الوجهين ..

ص: 166

أمَّا الوجه الأوَّلُ: ففيه يوسُفُ بنُ عطيَّة، وهو متروكٌ ساقِطٌ.

والوجه الثَّاني: فيه يَحيَى الحِمَّانِيُّ، كان يَسرِقُ الحديثَ.

وأبو سِنانَ الشَّامِيُّ ضعيفٌ.

وقد وقع اختلافٌ في مَتنِ الحديثِ، فعِند الطَّبَرانيِّ في "الكبير":"أجر اثنين وسبعين صِدِّيقًا"، وعند ابن عبد البَرِّ:"سَبعين صِدِّيقًا".

والحديثُ قال عنه الذَّهَبيُّ في "الميزان"(4/ 534): "مُنكَرٌ جدًّا".

ص: 167

173 -

سُئلتُ عن حديث: "إِنَّ المَعصِيَةَ إِذَا خَفِيَت لَم تَضُرَّ إِلَّا عَامِلَهَا، وَإِذَا ظَهَرَت وَلَم يُغَيِّرهَا النَّاسُ نَزَلَ عَلَيهِم العِقَابُ". وقال السَّائل: إنِّي لم أجد هذا اللَّفظ. وأصلُ الحديث أَعَلَّه الدَّارقُطنيُّ بالوقف، كما نقل عنه الحافظُ ابنُ كَثيرٍ، فهل هذا صحيحٌ؟ وما الرَّاجح عندكم: الرفعُ أم الوقفُ؟

* قلتُ: هذا اللَّفظُ الذي ذَكَرَه السَّائلُ وقَفتُ عليه في "مُعجَم ابن المُقرِي"(ج 5/ ق 101/ 2) فرواه من طَرِيق عِصامِ بنِ رَوَّاد بن الجرَّاح، ثنا أبي، عن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ، عن ابنِ أبي زُهيرٍ الثَّقَفيِّ، عن أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه، قال: قُلتُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "قولُ الله عز وجل: {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]؟ "، قال:"ليس هو هكذا يا أبَا بكرٍ، إنَّ المَعصِية إذا خَفِيَت لم تَضُرَّ إلَّا عامِلَها، وإذا ظَهَرت فَلَم يُغيِّرها العامَّةُ، أَوشَكَ أن يَعُمَّهُم اللهُ بعقابٍ".

وهذا سَنَدٌ ضعيفٌ؛ وعِصامُ بنُ رَوَّادٍ قال الذَّهَبيُّ في "الميزان"(3/ 66): "ليَّنه الحاكمُ أبو أحمدَ".

وأبوه رَوَّادُ بنُ الجَرَّاح اختَلَف فيه النُّقَّاد، والرَّاجح ضعفُه، وفي سُفيان خاصَّةً ضعيفٌ جدًّا.

وقد خُولِفَ في إسنادِه.

ص: 168

خالفه جَمعٌ من الثِّقات، فرَوَوهُ عن إِسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ، عن قيسِ ابن أبي حازمٍ، قال: قام أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه، فحَمِدَ الله، وأَثنَى عليه، ثُمَّ قال: يا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّكُم تقرَؤُون هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وإِنَّا سَمِعنَا رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ:"إِنَّ النَّاسَ إذا رَأَوا المُنكَرَ فلم يُغَيِّرُوهُ، أَوشَكَ أن يَعُمَّهُم اللهُ بعقابِه".

ورواه عن إسماعيلَ هكذا جَمعٌ، هاك أسماؤُهم، مع تخريج روايَاتِهم. منهم:

1 -

عبدُ الله بنُ نُمَيرٍ.

أخرَجَهُ أحمدُ (رقم 1)، وابنُ أبي شَيبَة (15/ 174 - 175)، وابنُ ماجَهْ (4005)، وابنُ أبي عاصِمٍ في "الآحاد والمَثَاني"(63)، وأبو عَمرٍو الدَّانِي في "السُّنَن الوارِدة في الفِتَن"(336)، وأبو بَكرٍ المَروَزِيُّ في "مُسنَد أبي بَكرٍ"(88)، والضِّياءُ في "المُختارَة"(54).

2 -

ومَروَانُ بنُ مُعاوية الفَزَارِيُّ.

أخرَجَهُ الحُميدِيُّ (3)، والطَّحاوِيُّ في "المشكِل"(1166)، والضِّياءُ (54).

3 -

وجريرُ بنُ عبد الحميد.

أخرَجَهُ ابنُ جَرِيرٍ (11/ 149)، وأبو يَعلَى (132)، وابنُ حِبَّانَ (304)، والطَّحاوِيُّ (1170)، والمَروَزِيُّ (88)، والضِّياءُ (57).

4 -

وخالدُ بنُ عبدِ الله.

ص: 169

أخرَجَهُ أبو داوُد (4338)، والبَيهَقِيُّ (10/ 91).

5 -

وعُمَرُ بنُ عليٍّ.

أخرَجَهُ أبو يَعلَى (131)، والضِّياءُ (60).

6 -

وهُشيمُ بنُ بَشِيرٍ.

أخرَجَهُ أبو داوُد (4338)، وأبو مُحمَّدٍ الخلدِيُّ في "الفوائد"(ق 113/ 2)، وأبو بَكرٍ المَروَزِيُّ في "مُسنَد أبي بَكرٍ"(86)، والبَيهَقِيُّ (10/ 91)، وفي "الشُّعَب"(7550).

7 -

ويزيدُ بنُ هارُون.

أخرَجَهُ التِّرمِذيُّ (2168، 3057)، وأحمدُ (30)، وعَبدُ بن حُميدٍ في "المُنتخَب"(رقم 1)، وأحمَدُ بنُ مَنيعٍ في "مُسنَده"، وعنه الضِّياءُ (61)، والحارِثُ بنُ أبي أُسامة في "المُسنَد"(ق 81/ 1)، وأبو بَكرٍ المَروَزِيُّ في "مُسنَد أبي بكرٍ"(87)، والطَّحَاوِيُّ في "المُشكِل"(1165)، والبَزَّارُ في "المُسنَد"(68)، والطَّحاوِيُّ (2/ 62)، والطَّبَرانيُّ في "مكارم الأخلاق"(79)، والبَيهَقِيُّ (10/ 91)، وفي "الشُّعَب"(7550)، وأبُو نُعيمٍ في "معرفة الصَّحابة"(123).

8 -

وأبو أُسامة حَمَّادُ بنُ أُسَامة.

أخرَجَهُ ابنُ ماجَة (4005)، وأحمدُ (29)، وابنُ أبي شَيبة (15/ 174)، والمَروَزِيُّ في "مُسنَد أبي بكرٍ"(88)، وابنُ أبي عَاصِمٍ (63).

9 -

وشُعبَةُ بنُ الحَجَّاج.

أخرجه أحمدُ (53)، وأبو يَعلَى (128)، وابنُ حِبَّانَ (305)، والبَزَّارُ

ص: 170

(66)

، والمَروَزِيُّ (89)، والطَّحاوِيُّ (2/ 63)، وأبو مُحمَّدٍ الخلدِيُّ في "الفوائد"(ق 113/ 1 - 2)، وابنُ أبي عَاصِمٍ (62)، والطَّحاوِيُّ (1167)، وأبو نُعيمٍ في "المعرفة"(124)، والخطيبُ في "تاريخه"(9/ 114 - 115)، وفي "الفصل للمُدرَج في النقل"(1/ 140، 141)، والضِّياءُ في "المُختارَة"(58).

10 -

وزُهيرُ بنُ مُعاوية.

أخرَجَهُ أحمدُ (16)، والطَّحاوِيُّ (1168)، والضِّياءُ (55).

11 -

وابنُ المُبارَك.

أخرَجَهُ النَّسائِيُّ في "الكُبرى" - كما في "أطراف المِزِّيِّ"(5/ 303) -.

12 -

والمُعتَمِرُ بنُ سُليمانَ.

أخرَجَهُ البزَّارُ (65)، والطَّحاوِيُّ (1169).

13 -

وعُبيدُ الله بنُ عمرٍو.

أخرَجَهُ أبو يَعلَى (130).

14 -

ومالكُ بنُ مِغْوَلٍ.

أخرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ في "الأوسط"(2511)، عن حجَّاجِ بن نُصَيرٍ، نا مالكُ بنُ مِغْوَلٍ بهذا، وقال:"لم يَروِهِ عن مالكٍ إلَّا حجَّاجُ بنُ نُصَيرٍ".

* قلتُ: وهو وَاهٍ. وخالفه مُسلِمُ بنُ إبراهيم، فرواه عن مالكِ بن مِغوَلٍ بهذا موقُوفًا.

أخرَجَهُ الخطيبُ في "الفَصل"(1/ 144).

وهو الصَّوَابُ في حديث مالكِ بن مِغوَلٍ.

ص: 171

15 -

ووكيعُ بنُ الجَرَّاح.

أخرَجَهُ الطَّبَريُّ في "تفسيره"(7/ 98) موقُوفًا.

16 -

وزَائِدَةُ بنُ قُدَامَة.

أخرَجَهُ البَزَّارُ (67).

17 -

ومُحمَّدُ بنُ يزيدَ الفَرَائِضِيُّ.

أخرَجَهُ أبو عَمرٍو الدَّانِي في "الفِتَن"(335).

وذَكَرَ الدَّارَقُطنيُّ في "العِلل"(1/ 250 - 251) آخرين، منهم: يحيى بنُ سعيدٍ الأُمَوِيُّ، ويحيى بنُ عبد المَلِك بنِ أبي غَنِيَّةَ، ومُرَجَّى بنُ رجاءٍ، وعبدُ الرَّحيم بنُ سُليمانَ، والوَلِيدُ بنُ القاسم، وعليُّ بنُ عاصمٍ، ويُونُسُ بنُ أبي إسحاق، وعبدُ العَزيز بنُ مُسلِمٍ القَسْمَليُّ، وهَيَّاجُ بنُ بِسطَامٍ، ومُعَلَّى بنُ هِلالٍ، وأبو حَمزَةَ السُّكَّرِيُّ.

كلُّ هؤلاء رَوَوهُ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ بسنده مرفُوعًا.

وخالفهم يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّان، وابنُ عُيَينة، وإسماعيلُ بنُ مُجَالِدٍ، وعُبيدُ الله بن مُوسَى، فرَوَوهُ عن إسماعيلَ، عن قيسٍ، عن أبي بكرٍ موقُوفًا عليه.

ذَكَرَهم الدَّارَقُطنيُّ، وقال:"جَمِيعُ رُواة هذا الحديث ثِقاتٌ، ويُشبِه أن يَكُون قيسُ بنُ أبي حازمٍ كان يَنشَطُ في الرِّواية مرَّةً فيُسنِدُه، ومرَّة يَجبُن عنه فيَقِفُه على أبي بكرٍ" ا. هـ.

ونَقَلَ ابنُ أبي حاتمٍ في "العِلل"(1788) عن أبي زُرعة، قال:"وأحسِبُ إسماعيلَ بنَ أبي خالدٍ كان يرفَعُه مرَّةً، ويُوقِفُه مرَّةً".

ص: 172

وهذا الحُكمُ مِن أبي زُرعة، والدَّارَقُطنيِّ يقتَضِي صِحَّةَ المرفُوع والموقُوفِ جميعًا، وجانِبُ الرَّفع أَقوَى وأَولَى.

وأمَّا ما نَقَلَهُ السَّائِلُ عن الحافظ ابن كَثيرٍ أنَّهُ قال في "تفسيره": "إنَّ الدَّارَقُطنيَّ رَجَّح وقفَه"، فالذي في "طبعة الشَّعب" من "التَّفسير" (3/ 208):"وقد رَجَّح رَفعَهُ الدَّارَقُطنيُّ"، فلَعَلَّ السَّائلَ التَبَسَ عليه، أو وَقَعَ التَّصحيفُ في نُسخَتِه.

ثُمَّ وَقَفتُ على الحديث في "الصَّحيحة"(1564) لشيخنا أبي عبد الرَّحمن الألبانيِّ - حَفِظَهُ اللهُ -، فرَأَيتُه نَقَل من نُسخَتِه من "تفسير ابن كَثيرٍ" أنَّ الدَّارَقُطنيَّ رَجَّحَ وقفَه، فهذا يَدُلُّ على وُقُوع التَّصحيف في نُسخة السَّائل أيضًا.

وقد رَدَّ شيخُنا على ابنِ كَثيرٍ في هذا، والرَّدُّ لا يَرِدُ عليه؛ للتَّصحِيفِ المذكُور، وعُذرُ شيخِنا ظاهرٌ.

والله المُوفِّق.

وخُلاصةُ البحث ..

أنَّ اللَّفظ الذي ذَكره السَّائِلُ لا يَصِحُّ، وإِنَّما يصحُّ اللَّفظُ الآخرُ، والذي اتَّفق على رِوايَتِه الجماعَةُ، عن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ.

والحمدُ لله.

ص: 173

174 -

سُئلتُ عن حديث: "إِذَا تَوَضَّأتَ، فَقُل: بِسمِ الله، والحَمدُ لله؛ فَإِنَّ حَفَظتَكَ لَا تَستَرِيحُ؛ تَكتُبُ لَكَ الحَسَنَاتِ، حَتَّى تُحدِثَ مِن ذَلِكَ الوُضُوءِ".

* قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.

أخرَجَه الطَّبَرانيُّ في "الصَّغير"(1/ 73) قال: حدَّثَنا أحمدُ بنُ مسعودٍ الزَّنبَريُّ أبُو بكرٍ بمصرَ، حدَّثَنا أحمدُ بنُ عبد الرَّحيمِ البرقيُّ، حدَّثَنا عمرُو بنُ أبي سَلَمة، حدَّثَنا إبراهيمُ بنُ مُحمَّدٍ البَصرِيُّ، عن عليِّ بن ثابتٍ، عن مُحمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عن أبي هُريرةَ، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: "يَا أبَا هُريرَة! إِذَا توضَّأتَ

الحديث".

قال الطَّبَرانيُّ: "لَم يَروِه عن عليِّ بنِ ثابتٍ - أخُو عَزْرَةَ بن ثابتٍ - إلَّا إبراهيمُ بنُ مُحمَّدٍ البصريُّ، تفرَّد به عمرُو بنُ أبي سَلَمة".

قال الهَيثمِيُّ في "المَجمَع"(1/ 220): "إسنادُهُ حَسَنٌ".

وكذلك قال البَدرُ العَينِيُّ في "شرح الهداية" - كما في "ردِّ المُحتار"(1/ 113) -.

* قلتُ: وهُو عَجَبٌ!! وإبراهيمُ بنُ مُحمَّدٍ هذا هو المُترجَم في "لسان الميزان"(1/ 98)، وثَّقَهُ ابنُ حِبَّانَ، وقال ابنُ عديٍّ في "الكامل" (1/ 260 - 261):"رَوَى عنه عمرُو بنُ أبي سَلَمة وغيرُه مناكيرَ"، ثُمَّ

ص: 174

قال: "وأحاديثه صالِحَةٌ محُتَمِلَةٌ، ولعلَّه قد أُتي مِمَّن قد رواها عنه" ا. هـ.

وهذا التَّرَجِّي من ابن عديٍّ رحمه الله فيه نظرٌ؛ فإِنَّهُ ساق له أحاديثَ، الرَّاوي عَنهُ فيها هو: أبو مُصعَبٍ الزُّهريُّ، وعمرُو بنُ أبي سَلَمة، وكلاهُمَا ثِقَةٌ، فلا تَكُونُ المناكيرُ إلَّا مِن إبراهيمَ.

وقد أشار الحافظُ في "اللِّسان" في ترجمة إبراهيم إلى هذا الحديث، ثُمَّ قال:"وهو مُنكَرٌ".

وقال الحافظُ أيضًا في "نتائج الأفكار"(1/ 228): "وعليُّ بنُ ثابتٍ مجهولٌ. والرَّاوِي عنه ضعيفٌ".

وقد أَورَد هذا الحديثَ ابنُ الجوزيِّ في "الموضوعات"(3/ 185 - 186)، من طريق عمرِو بنِ أبي سَلَمة به، مع طريقٍ أُخرَى، ثُمَّ قال:"هذا حديثٌ ليس له أصلٌ، وفي إسناده جماعةٌ مجاهيلُ، لا يُعرَفُون أصلًا".

واللهُ أعلَمُ.

ص: 175

175 -

سُئلتُ عن حديث: "إِنَّ بَينَ أَيدِيكُم عَقَبَةً كَؤُودًا، لَا يَجُوزُهَا إِلَّا كُلُّ ضَامِرٍ مَهزُولٍ".

* قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.

أخرَجَهُ أبو نُعيمٍ في "الحلية"(5/ 299 - 301)، ومِن طريقِهِ ابن عَساكر في "تاريخ دمشق"(ج 19/ ق 24 - 26) من طريق هِشام بن عَمَّارٍ، ثنا بَقِيَّةُ بنُ الوليد، عن رَجُلٍ، عن أبي حازِمٍ الخُنَاصِرِيِّ الأَسَدِيِّ، وساق حِكَايَةً طويلةً في ثلاث صَفْحَاتٍ فيها غَرَائبُ، وتَخَلَّلَها أَنَّ أبا حازمٍ هذا قال: سَمِعتُ أبا هُريرة يقولُ:

فذَكَرَهُ مرفُوعًا.

وهذا سنَدُهُ واهٍ؛ وهشامُ بن عَمَّارٍ ساء حِفظُه.

وبَقِيَّةُ بن الوليد مُدَلِّسٌ، ولم يُصَرِّح بتحديثٍ.

وشيخُهُ مُبهَمٌ.

وأبو حازمٍ هذا لا أَعرِفُه بِجَرحٍ ولا تعديلٍ.

ثُمَّ أخرَجَهُ أبو نُعيمٍ (5/ 301 - 302) من طريق إبراهيم بن هَراسة، عن سُفيان الثَّوريِّ، عن أبي الزِّناد، عن أبي حازمٍ، عن أبي هُريرَة فذَكَرَ نحوَه مخُتَصرًا.

ومِن طريق أبي نُعيمٍ أخرَجَهُ ابنُ عساكرَ (ج 19/ ق 27).

وسَنَدُه ساقطٌ أيضًا؛ وإبراهيمُ بن هَراسةَ ترَكَهُ النَّسائِيُّ، وقال البُخاريُّ:"تركُوه، تكلَّم فيه أبو عُبيدٍ، وغيرُه"، وترَكَهُ أيضًا أبو حاتمٍ

ص: 176

الرَّازِيُّ، ونقل أبو العرب في "الضُّعفاء" عن العِجليِّ أنَّهُ قال:"متروك كذَّاب"، ورَمَاهُ أبو داوُد بالكَذِب.

ولكن أخرَجَه ابن عساكر أيضًا، من طريق أحمدَ بنِ المُغَلِّسِ الحِمَّانِيِّ، عن يحيى بنِ عبد الحميد الحِمَّانِيِّ، عن ابن المُبارَك، عن الثَّورِيِّ به.

وسَنَدُه ساقطٌ أيضًا؛ وابن المُغَلِّس كذَّبُوه.

فالحديثُ لا يصحُّ بهذا اللَّفظ.

ولكن يُغنِي عَنهُ ما:

أخرَجَهُ البَزَّار (3696 - كشف الأستار)، والحاكِمُ في "المُستدرَك"(4/ 573 - 574) من طريق أبي مُعاوِية الضَّريرِ مُحمَّد بن خَازِمٍ، عن مُوسَى بنِ مُسلِمٍ الصَّغيرِ، عن هِلال بن يَسَافَ، عن أُمِّ الدَّرداء، عن أبي الدَّرداء مرفُوعًا:"إِنَّ بَينَ أَيدِيكُم عَقَبَةً كَؤُودًا، يَنجُو فِيهَا كُلُّ مُخِفٍّ". لفظُ البَزَّار.

وأخرَجَهُ البَيهقِيُّ في "الشُّعَب"(7/ 309)، وأبُو نُعيمٍ في "الحِلية"(1/ 226) من طريق عبد الحَمِيدِ بن صالحٍ، ثنا أبو مُعاويةَ بسَنَدِه سواء نحوَه.

وعندهما والحاكمِ: "فأَنَا أُحِبُّ أَن أَتَخَفَّفَ لِتِلكَ العَقَبَةِ".

قال البَزَّارُ: "لا نَعلَمُ رواه إلَّا أبو الدَّرداء، ولا حدَّث به إلَّا أبو معاوية عن مُوسى. ومُوسَى ثِقةٌ، حدَّث عنه النَّاسُ. وهلالٌ مشهُورٌ. والإسنادُ صحيحٌ".

وقال الحاكِمُ: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد"، ووافقه الذَّهبيُّ.

ص: 177

وكذلك صحَّح إسنادَه المُنذِرِيُّ في "التَّرغيب"(4/ 131) بعد أن عزاه للطَّبَرانِيِّ في "الكبير".

وحَسَّن إسنَاده البَزَّارُ.

ولعلَّ إسنادَهُما واحدٌ مِن عند أبي مُعاوية. واللهُ أعلَمُ.

ثُمَّ رأيتُهُ في "كتاب الزُّهد"(ص 138) للإمام أحمد رواه من طريق الأعمش، عمَّن أخبرَهُ، عن أُمِّ الدَّرداء، أنَّها اشتكَت إلى أبي الدَّرداء فَنَاءَ الدَّقِيق، فقال:"إِنَّ أَمَامَنَا عقبةً كَؤُودًا، المُخِفُّ فيها خيرٌ من المُثقِل".

وسَنَدُه ضعيفٌ؛ لجَهالة شيخِ الأعمش.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 178

176 -

سُئلتُ عن حديث: "مَن أَطعَمَ أَخَاهُ خُبزًا حَتَّى يُشبِعَهُ، وَسَقَاهُ مَاءً حَتَّى يَروِيَهُ، أَبعَدَهُ اللهُ عَنِ النَّارِ سَبعَ خَنَادِقَ، بُعدُ مَا بَينَ خَندَقَينِ مَسِيرَةُ خَمسِمِئَةِ عَامٍ".

* قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ موضوعٌ.

أخرَجَهُ ابنُ حِبَّانَ في "المجروحين"(1/ 301) مُعلَّقًا، ووَصَله الحاكمُ في "المُستدرَك"(4/ 129)، والطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(6518)، والفَسَوِيُّ في "تاريخه"(2/ 527)، والدُّولَابِيُّ في "الكُنى"(1/ 117)، والأصبهانيُّ في "التَّرغيب"(391، 2058)، وابنُ عساكر في "تاريخ دمشق"(ج 6/ ق 228 - 229) من طريق إدريسَ بنِ يحيى الخَوْلَانِيِّ، حدَّثَني رَجَاءُ بنُ أبي عطاءٍ المَعَافِرِيُّ، عن واهبِ بنِ عبد اللهِ الكَعبِيِّ، عن عبد الله بن عَمرٍو مرفُوعًا.

قال الطَّبَرانيُّ: "لا يُروَى هذا الحديثُ عن عبد الله بن عَمرٍو إلَّا بهذا الإسناد. تفرَّد به إدريسُ بنُ يَحيَى".

* قلتُ: وهو صَدُوقٌ مُتَمَاسِكٌ، سُئل عنه أبو زُرْعة الرَّازِيُّ، فقال:"رجلٌ صالحٌ، من أفاضل المُسلِمين"، وقال ابنُ أبي حاتم في "الجرح والتَّعديل" (1/ 1/ 265):"صَدوقٌ"، وذكره ابنُ حِبَّانَ في "الثِّقات"(8/ 133)، وقال:"مُستَقِيمُ الحديث، إذا كان دُوْنَهُ ثقاتٌ وفوقه ثقاتٌ"،

ص: 179

وهذا القيدُ الذي ذَكَره ابنُ حِبَّانَ يدُلُّنا على أن الآفة في أحاديثه إِنَّما هي مِمَّن فوقَه أو دُونه.

وهذا الحديثُ مِثالٌ لذلك؛ فإنَ شيخ إِدريس في هذَا الحديث هو أبو الأَشيَم رجاءُ بن أبي عطاءٍ، فتَرجمَهُ الذَّهَبيُّ في "الميزان"(2/ 46)، ورَوَى له هذا الحديث بسَنَدِه، وقال: "صُوَيلِحٌ. قال الحاكمُ: مِصريٌّ، صاحبُ موضُوعاتٍ. وقال ابنُ حِبَّانَ: يَروِي الموضُوعاتِ

[وقال بعد أَن رَوَى الحديثَ:] هذا حديثٌ غريبٌ، مُنكَرٌ، تفرَّد به إِدريسُ، أحدُ الزُّهَّاد" انتهى كلامُه.

وحُكمُه على رجاءٍ هذا بأنه "صُوَيلِحٌ" بعد حكايته لكلام ابن حِبَّانَ والحاكمِ في غاية العَجَبِ، فأين الصَّلاحُ، ولَو على إغماضٍ، في رَجُلٍ يَروِي الموضُوعات؟!

وقد تعجَّب من صنيعه أيضًا الحافظُ، فقال في "لسان الميزان" (رقم 3423):"وهذا الحديثُ أورَدَهُ ابنُ حِبَّانَ، وقال: إنَّه موضُوعٌ. وحكاه عنه صاحبُ "الحافل". وأخرَجَهُ الحاكمُ في "المستدرك" عن الأصمِّ، عن إِبراهيمَ بنِ مُنقِذٍ، عن إدريسَ، وقال: "صحيح الإسناد"، فما أَدرِي ما وَجهُ الجَمعِ بين كلامَيه! كما لا أَدرِي كيف الجَمعُ بين قولِ الذَّهَبيِّ: "صُوَيلِحٌ"، وسُكوتِه على تصحيح الحاكم في "تلخيص المُستدرَك"، مع حكايته عن الحافِظَين أنَّهُما شَهِدَا عليه برواية الموضُوعاتِ؟! " انتهى كلامُه.

وقد صحَّح الحاكمُ إسنادَ هذا الحديث. والحاكِمُ مُتساهِلٌ في

ص: 180

التَّصحيح، مِمَّا حَدَا ببعض المُتأخِّرين أن يُسمِّي كتابَه "المُستَترَك" بدل "المُستَدرَك"!

وقصَّر المُنذِرِيُّ والدِّمياطِيُّ في تخريجِهِما لهذا الحديث ..

فقال الأوَّلُ في "التَّرغيب"(2/ 65): "رواه الطَّبَرانِيُّ في "الكبير"، وأبو الشَّيخ ابنُ حَيَّان في "الثَّواب"، والحاكمُ، والبَيهقيُّ. وقال الحاكمُ: صحيح الإسناد".

وقال الثَّاني في "المَتجر الرَّابح"(674): "رواه الطَّبَرانِيُّ، وأبو الشَّيخ، والحاكمُ، وقال: صحيح الإسناد".

فنقلا تَصحِيحَ الحاكِم وسَكَتَا عليه، فدلَّ على أنهما أَقَرَّاهُ.

وقد قَدَّمنا لك عِلَّةَ هذا الإسناد. فاللهُ المُستَعان.

ص: 181

177 -

سُئلتُ عن حديث: "مَن حَجَّ عَن وَالِدَيهِ، أَو قَضَى عَنهُما مَغرَمًا، بَعَثَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ مَعَ الأَبرَارِ".

* قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ.

أخرَجَهُ ابنُ عديٍّ في "الكامل"(4/ 1406)، وابنُ حِبَّانَ في "المجروحين"(1/ 376)، والدَّارَقُطنيُّ في "سُنَنه"(2/ 260)، والطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(7800)، وابنُ شَاهِينَ في "التَّرغيب"(302/ 15)، والأصبهانيُّ في "التَّرغيب"(430، 2189) من طريق مُحمَّدِ بنِ حربٍ النَّسَائيُّ، ثنا صِلَةُ ابنُ سُليمان، عن ابن جُريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبَّاسٍ مرفُوعًا فذَكَرَه.

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن ابن جُريجٍ إلَّا صِلَةُ بنُ سُليمان، تفرَّد به مُحمَّدُ بنُ حربٍ".

وقال ابنُ عديٍّ - بعد أن ذَكَر عِدَّة أحاديث في ترجمة صِلَةَ -، قال:"وهذه الأحاديثُ أفراداتٌ لصِلَةَ، لا يُحدِّث بها غيرُهُ".

* قلتُ: وصِلَةُ هذا تَرَكَه النَّسائيّ، وقال ابنُ مَعِينٍ:"ليس بثقة"، وكذَّبَهُ في رواية - كما عند ابنِ عَديٍّ -، والخطيبُ في "تاريخه"(9/ 337)، وتَركَه أبو حاتمٍ الرَّازِيُّ أيضًا، وقال ابنُ حِبَّانَ:"يَروِي عن الثِّقاتِ المقلوباتِ، وعن الأثباتِ ما لا يُشبِهُ حديثَ الثِّقاتِ"، وبه أعلَّ الهَيثمِيُّ الحديثَ، كما في "مجَمَع الزَّوائد"(8/ 146).

وذكرَهُ الذَّهَبيُّ في "الميزان" من مناكير صلةَ هذا. واللهُ أعلَمُ.

ص: 182

178 -

سُئلتُ عن حديث: "مَن قَنَعَ بِما رَزَقَهُ اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ".

* قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا، بل موضوعٌ.

أخرَجَهُ ابنُ شَاهِينَ في "التَّرغيب"(303/ 1) قال: حدَّثَنا يحيى بنُ مُحمَّدِ بن صاعدٍ، ثنا سُليمانُ بنُ الرَّبيع بن هشامٍ الهِندِيُّ، ثنا كادِحٌ - يعني: ابنَ رحمة الزَّاهِدِيَّ -، ثنا المُعَلَّى بنُ عرْفَانَ، عن شَقيقٍ، عن ابن مَسعُودٍ مرفُوعًا:"مَن قَنَعَ بِمَا رُزِقَ دَخَلَ الجَنَّةَ".

وهذا سَنَدٌ ساقطٌ؛ وكادحٌ هذا قد ذَهَب كَدْحُهُ سُدًى؛ فقد كان كذَّابًا.

وتابَعَهُ عَنبَسَةُ بنُ عبد الرَّحمن، فرواه عن المُعَلَّى بسَنَده سواء، بلفظ:"انتهى الإِيمانُ إلى الوَرَع. مَن قَنَع بما رَزَقَهُ اللهُ دَخَلَ الجنَّة، ومن أراد الجَنَّة بلا شكٍّ فلا يَخافُ في الله لومةَ لائمٍ".

أخرَجَهُ الدَّارَقُطنيُّ في "الأفراد"، ومن طريقه ابنُ الجوزيِّ في "العِلل المُتناهية"(رقم 1366) من طريق أبي كُرَيبٍ، قال: نا مخُتارُ بنُ غَسَّانَ، عن عَنبَسَة به.

وقال الدَّارَقُطنيُّ: "تفرَّد به عَنبَسَةُ، عن المُعَلَّى. وتفرَّد به المُعَلَّي، عن شَقيقٍ".

وقال ابنُ الجوزيِّ: "قلتُ: عَنبَسَةُ والمُعَلَّى مَترُوكان"، وكذلك قال

ص: 183

النَّسائِيُّ وغيرُه، وقال ابنُ حِبَّانَ:"كلاهما يَروِي الموضُوعاتِ. لا يجُوزُ الاحتجاجُ بهما".

وقولُ الدَّارَقُطنيِّ: "تفرَّد به عَنبَسَةُ، عن المُعَلَّى" فيه نَظَرٌ، كما رأيتَ؛ فقد تابَعَهُ كادحُ بنُ رحمةَ، وإِن كانَت مُتابَعةً تالِفَةً، فإن الدَّارَقُطنيَّ، والطَّبَرانيَّ وغيرَهُما، لا يَقصِدَان ثُبوتَ المُتابَعة، بل يَنفِيَان وُجُودَها، صَحَّت أم لم تَصِحَّ. وقد شَرَحتُ شيئًا من هذا في كتابي "عوذُ الجَانِي بتسديد الأوهام الوَاقِعَة في أَوسَط الطَّبَراني".

ويُغنِي عن هذا الحديثِ ما:

أَخرَجه مُسلِمٌ (1054/ 125)، والتِّرمذيُّ (2348)، وأحمدُ في "المُسنَد"(2/ 168)، وفي "الزُّهد"(8)، والبَيهَقِيُّ في "السُّنَن الكبير"(4/ 196)، وفي "الأربعون الصُّغرَى" (55 - بتحقيقي) مِن حديث عبدِ الله بنِ عَمرٍ رضي الله عنهما مرفُوعًا:"قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ، ورُزِقَ كفافًا، وقنَّعه اللهُ بِما آتاه".

وللحديث طُرُقٌ أُخرَى وشواهدُ، ذَكَرتُها في "تَخريج الأربعين للبيهقيِّ". فلِلَّهِ الحمدُ.

ص: 184

179 -

سُئلتُ عن حديث: "إِذَا أَصبَحَ ابنُ آدَمَ، قَالَ سَائِرُ الجَسَدِ: يَا لِسَانُ! اتَّقِ اللهَ فِينَا! فَإِنَّمَا نَحنُ بِكَ، فَإِنِ استَقَمتَ استَقَمنَا، وَإِنِ اعوَجَجتَ اعوَجَجنَا".

* قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

فرَوَاهُ أبو داوُد الطَّيَالسِيُّ، وعَفَّانُ بنُ مُسلِمٍ، ومُسَدَّدُ بنُ مُسَرهَدٍ، وصالحُ بنُ عبد الله، وعِمرَانُ بنُ مُوسَى القَزَّازُ، وبِشرُ بنُ السَّرِيِّ، كُلُّهُم ثنا حَمَّاد بن زيدٍ، عن أبي الصَّهباءِ، عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ - لا أَعلَمُه إلَّا رَفعه -: "إِذَا أصبَح ابنُ آدم

الحديث".

هكذا على الشَّكِّ في رفعه.

أخرَجَهُ الطَّيَالسِيُّ (2209)، وأحمدُ (3/ 95 - 96)، والتِّرمذيُّ (2407)، والمَرْوَزِيُّ في "زوائد الزُّهد"(1012)، وابنُ أبي الدُّنيا في "الصَّمت"(12)، وفي "الوَرَع"(91)، وابنُ السُّنِّيِّ في "اليوم واللَّيلة"(رقم 1)، والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(4946)، والبَغَوِيُّ في "شَرح السُّنَّة"(14/ 316).

ورواه مُحمَّدُ بنُ مُوسَى البَصريُّ، وأحمدُ بنُ عَبدِ المَلِك بنِ واقِدٍ الحَرَّانِيُّ، ومُحمَّدُ بنُ الفضلِ عَارِمٌ، وسُليمانُ بنُ حربٍ، وسهلُ بنُ محمُودٍ، ومُسَدَّدُ بنُ مُسَرهَدٍ، في رواية تمَتامَ عَنهُ، كُلُّهُم يرويه عن حمَّاد بن زيدٍ،

ص: 185

بسَنَدِه سواء، فرَفَعُوه عنه مِن غير شكٍّ.

أخرَجَهُ التِّرمذيُّ (2407)، وعَبدُ بنُ حُميدٍ في "المُنتخَب مِن المُسنَد"(979)، وابنُ عبدِ البَرِّ في "التَّمهِيد"(21/ 40)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(4/ 309)، والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(4945)، وابنُ شاهِين في "التَّرغيب"(392/ 1)، وأبو يَعلَى في "المُسنَد"(1185/ 211)، والأَصبَهَانِيُّ في "التَّرغيب"(1692)، والمِزِّيُّ في "التَّهذِيب"(33/ 431).

قال أبو نُعيمٍ: "غريبٌ من حديث سعيدٍ. تفرَّد به حمَّادٌ، عن أبي الصَّهباء".

* قلتُ: والشَّكُّ في رفعه مِن حمَّادِ بنِ زيدٍ، كما أفصح بذلك بِشرُ بنُ السَّريِّ في رواية الحُسين المَرْوَزِيِّ عنه.

وقد رواه أبو أُسامة حمَّادُ بنُ أُسَامة، وأبو كاملٍ الجَحْدَرِيُّ، كلاهُما عن حمَّاد بن زيدٍ بسَنَده سواء موقُوفًا.

أخرَجَهُ التِّرمذيُّ، وعبدُ الله بنُ أحمد في "زوائد الزُّهد"(ص 195).

وقد وَقَع الإسنادُ هكذا في كتاب "الزُّهد"، قال عبدُ الله بنُ أحمد:"حدَّثَنَا أبي، حدَّثَنا أبو كاملٍ، حدَّثَنَا حمَّادُ بن زيدٍ"، وذِكرُ "أحمد بن حنبلٍ" في هذا الإسناد خَطَأٌ ظاهرٌ؛ فأبو كاملٍ الجَحدَرِيُّ هو فُضيل بن حُسين، من شُيوخ عبد الله بن أحمد، لا مِن شُيوخ أبيه. والله أعلم.

وكذلك، رواه سُليمانُ بنُ حَربٍ، نا حمَّادُ بنُ زَيدٍ بهذا الإسناد موقُوفًا.

أخرَجَهُ الخَطَّابِيُّ في "غريب الحديث"(2/ 442) من طريق أبي مُسلِمٍ

ص: 186

الكَشِّيِّ، قال: نا سُليمانُ بنُ حَربٍ بهذا.

وقد تَقَدَّمَ أنَّ سُليمانَ بنَ حَربٍ رواه عن حمَّادٍ مرفُوعًا.

وأَستَبعِدُ أن يكون اختلافًا على سُليمانَ. والذي يَقَعُ لي أنَّهُ مرفُوعٌ في كتاب الخَطَّابِيِّ؛ فقد رأيتُهُ في أحاديثَ كثيرةٍ يَنسِبُ الحديثَ إلى الصَّحابِيِّ، مع أنَّهُ مرفُوعٌ بلا شَكٍّ. فالله أعلَمُ.

وقد صَحَّحَ التِّرمذيُّ الرِّواية الموقُوفَة.

فَإِذَا أَضَفتَ إلى ذلك أنَّ أبا الصَّهباء لم يُوَثِّقه إلَّا ابنُ حِبَّانَ، على تساهُلِه المعهودِ، لَاحَ لك ضَعفُ هذا الإسناد.

وقد رأيتُهُ موقُوفًا على عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه.

أخرَجَهُ ابنُ أبي الدُّنيا في "الصَّمت"(58) قال: حدَّثَنا عليُّ بنُ الحَسَن، عن خَلَفِ بنِ الوليد، قال: حدَّثَنا عبدُ الرَّحمن بنُ مُحمَّدٍ المُحارِبِيُّ، عن عِمرَانَ بنِ يزيدَ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ، قال:"اللِّسانُ قِوَامُ البَدَنِ، فَإِذَا استَقَامَ اللِّسانُ، استَقَامَت الجَوَارِحُ، وَإِذَا اضطَرَبَ اللِّسَانُ لَم يَقُم لَهُ جَارِحَةٌ".

وسَنَدُه ضعيفٌ؛ وعِمرَانُ بنُ يزيدَ مجهولٌ، كما قال أبو حاتمٍ الرَّازِيُّ - كما في "الجرح والتَّعديل"(3/ 1/ 307) -.

وكُنتُ حَسَّنتُه في تَخرِيجِي لكتاب "الصَّمت"، فقد رَجَعتُ عنه، وأَسأَلُ اللهَ المغفِرَة.

ص: 187

180 -

سُئلتُ عن حديث: "إِنَّ الحَزِينَ فِي ظِلِّ العَرشِ يَومَ القِيَامَةِ".

* قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.

أخرَجَهُ ابنُ شَاهين في "التَّرغيب"(470/ 1) من طريق إسحاق بن بُهْلُولَ، ثنا مُوسَى بنُ داوُد، عن يَعقُوبَ بنِ إبراهيم، عن يحيَى بنِ سعيدٍ، عن رَجُلٍ، عن أبي مُسلِمٍ الخَوْلَانِيِّ، عن أبي ذَرٍّ أن رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال له:"إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ، فاحفَظهَا، ولعلَّ اللهَ أن يَنفَعَك بها: زُرِ القُبُورَ، وتَذَكَّر بها الآخرةَ"، قلتُ:"يا رسُول الله! بالليل؟ "، قال:"بِالنَّهار أحيانًا، ولا تُكثِر. واغسل المَوتَى؛ فإن مُعالجَة جَسَدٍ خاويًا عِظَةٌ بَلِيغَةٌ. وصلِّ على الجَنائِز؛ لعلَّ ذلك أن يُحزِنَك؛ فإنَّ الحزينَ في ظلِّ الله، ويُعوَّضُ كلَّ خيرٍ. وجالِسِ المساكينَ، وسَلِّم عليهم إذا لقِيتَهم. وكُلْ مع صاحب البلاء تَواضُعًا لربِّك، وإيمانًا به، والبَس الخَشِنَ الضَّيِّقَ من الثِّياب؛ لعلَّ العُجب والكِبرَ أن لا يَكُون لَهُما فيك مَسَاغًا. وتَزَيَّن أحيانًا لعبادة رَبِّك؛ فَإِنَّ المُؤمن كذلك يَفعَلُ تعَفُّفًا وتَكَرُّمًا. ولا تُعذِّب شيئًا مِمَّا خَلَق اللهُ بالنَّار".

وهذا مُنكَرٌ جدًّا، لا يَبعُد أن يكون موضُوعًا.

وقد اختُلِف في سنَدِه ..

ص: 188

فرواه عَبَّاسُ بنُ محُمَّدٍ الدُّورِيُّ، وأحمدُ بنُ حازمٍ الغِفَارِيُّ، قالا: نا مُوسى بنُ داوُد، نا يعقُوبُ بنُ إبراهيم، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن أبي مُسلِمٍ الخَوْلَانِيِّ، عن عُبيد بن عُمَيرٍ، عن أبي ذَرٍّ، قال: قال لي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "زُرِ القُبُور

"، فذَكَرَه حتَّى قولِه: "

يَتَعَوَّضُ لِكُلِّ خَيرٍ".

أخرَجَهُ الحاكِمُ (1/ 377، و 4/ 330)، وعنه البَيهقِيُّ في "الشُّعَب"(رقم 9291).

قال الحاكمُ: "هذا حديثٌ رُواتُه عن آخِرِهم ثقاتٌ"، وقال في الموضع الثاني:"صحيحُ الإسناد"، واغترَّ به العِراقيُّ، فقال في "تخريج الإحياء" (4/ 490):"إسنادُه جيِّدٌ".

بينما قال البيهقِيُّ: "يعقُوبُ بنُ إبراهيم هذا أَظُنُّه المدنيَّ المجهولَ. وهذا متنٌ مُنكَرٌ".

وقال الذَّهبيُّ في "تلخيص المُستدرَك": "لكِنَّه مُنكَرٌ. ويعقُوبُ هو القاضي أبو يُوسُفَ، حَسَنُ الحديث. ويحيَى لَم يُدرِك أبا مُسلِمٍ فهو مُنقَطِعٌ، أو أنَّ أبا مُسلِمٍ رجلٌ مجَهولٌ" انتهى.

* قلتُ: هكذا خالَفَ الذَّهَبِيُّ البَيهَقِيَّ في الحُكم على يَعقُوبَ بنِ إبراهيم، فهو عند الذَّهَبِيِّ: القاضي صاحبَ أبي حَنِيفَةَ، وعند البَيهَقِيِّ: مَدَنِيٌّ مَجهُولٌ.

وقال ابنُ المُلَقِّنِ في "البدر المُنِير"(5/ 344): "يعقُوبُ بنُ إبراهيم واهٍ".

ونَقَلَ المُناوِيُّ في "فيض القَدِير"(4/ 62) عن الذَّهَبِيِّ أنَّهُ قال. "يعقوبُ

ص: 189

واهٍ"، ولا أَدرِي مِن أيِّ كتابٍ نَقَلَ المُناوِيُّ هذا عن الذَّهَبِيِّ؟ والمُناوِيُّ كثيرُ الأوهام.

ورَجَّحَ الحافظُ في "اللِّسان"(8/ 523)، بعدَمَا أَنكَرَ الحديثَ، أنَّهُ: يَعقُوبُ بنُ إبراهيمَ الزُّهرِيُّ المَدَنِيُّ، الذي تَرجَمَ له ابنُ عَدِيِّ في "الكامل"(7/ 2604)، وقال عنه:"ليس بِالمَعرُوفِ"، وهذا يَلتَقِي مع كلام البَيهَقِيِّ. وهو الأَشبَهُ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 190

181 -

سُئلتُ عن حديث: "اللَّهُمَّ! بَارِك لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعبَانَ، وَبَلِّغنَا رَمَضَانَ".

* قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.

أخرَجَهُ عبدُ الله بنُ أحمدَ في "زَوائِد المُسنَد"(2346 - شاكر)، والبَزَّارُ (961 - كشف الأستار)، وابنُ أبي الدُّنيا في "فضائل رمضان"(ق 2/ 1)، وابن السُّنِّيِّ في "اليوم واللَّيلة"(659)، والطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(3939)، وفي "الدُّعَاء"(911)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(6/ 269)، والبَيهقِيُّ في "الشُّعَب"(3815)، وفي "فضائل الأوقات"(14)، والخطيبُ في "مُوضِح الأوهام"(2/ 473)، وابنُ النَّجَّارِ في "ذيل تاريخ بَغدادَ"(1/ 153)، وابنُ أبي الصَّقرِ في "مَشيَخَته"(7، 80)، والحَسَنُ بنُ مُحمَّدٍ الخَلَّالُ في "فضائل رَجَبٍ"، وابن بِشرَانَ في "الأمالي"(1510)، والرَّافِعِيُّ في "أخبار قَزوِينَ"(3/ 449)، والحافظُ في "تَبيِين العَجَب"(ص 11) من طُرُقٍ عن زائدة بن أبي الرُّقادِ، نا زيادٌ النُّمَيرِيُّ، عن أنَسٍ، قال: كان رسُول الله صلى الله عليه وسلم إذا دَخَلَ رجبٌ قال:

فذكره.

وزاد عبدُ الله بنُ أحمد، وابنُ السُّنِّيِّ، والبَيهقِيُّ: وكان يقولُ: "لَيلَةُ الجُمُعَةِ غرَّاءُ، ويَومُها أزهرُ".

ص: 191

قال الطَّبَرانيُّ: "لا يُروَى هذا الحديثُ عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا بهذا الإسناد، تَفردَّ به زائدةُ بنُ أبي الرُّقاد".

وقال البيهقيُّ: "تفرَّد به زائدةُ بنُ أبي الرُّقَاد، عن زيادٍ النُّمَيرِيِّ".

* قلتُ: وزائدةُ مُنكَرُ الحديث، كما قال البُخاريُّ والنَّسائيُّ. وقال أبو حاتمٍ:"يُحدِّثُ عن زيادٍ النُّمَيرِيِّ، عن أنَسٍ أحاديثَ مرفُوعةً مُنكَرةً، ولا نَدرِي مِنهُ أو مِن زيادٍ"، وقال أبو داوُد:"لا أَعرِفُ خبرَه".

وأَلَانَ الهَيثَمِيُّ القولَ فيه، فقال في "المَجمَع" (3/ 140):" فيه زَائِدَةُ ابن أبي الرُّقادِ. وفيه كلامٌ. وقد وُثِّقَ"!! مع أنَّه قال قبل ذلك في موضعٍ من "المَجمَع"(2/ 165) بخُصوص هذا الحديثِ: "فيه زائدةُ بنُ أبي الرُّقاد، قال البُخَارِيُّ: منكَرُ الحديث. وجهَّله جماعةٌ"!! كذا قال! ولا أدري مَن جهَّله؟ كلُّ الذي ورد في ترجمته أنَّ النَّسائيَّ قال: "لا أدري مَا هو"، مع أنَّ النَّسائيَّ صرَّح في "الضُّعفاء" أنَّه مُنكَر الحديث. وقولُ أبي داود لا يعني أنَّه مجهولٌ.

وزيادُ بنُ عبد الله النُّمَيرِيُّ ضعَّفَه ابنُ مَعِينٍ وأبو داوُد، وقال ابن حِبَّانَ:"مُنكَر الحديث. يَروِي عن أنسٍ أشياءَ لا تُشبِه حديث الثِّقات. لا يَجُوز الاحتجاجُ به"، وقال أبو حاتمٍ:"يُكتَبُ حديثُه، ولا يُحتَجُّ به".

والحديثُ ضعَّفه الذَّهَبيُّ في "الميزان" في ترجمة ابنِ أبي الرُّقاد.

واللهُ أعلمُ.

ص: 192

182 -

سُئلتُ عن حديث: "رُبَّ قَائِم، حَظُّه مِن قِيَامِهِ السَّهَرُ، وَرُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِن صِيَامِهِ العَطَشُ".

* قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَه أحمدُ (8856)، وابنُ خُزَيمة (3/ 242)، وأبو يَعلَى (ج 11/ رقم 6551)، والحاكمُ (1/ 431)، والقُضاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(1426)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(6/ 273)، والشَّجَرِيُّ في "الأمالي"(2/ 106، 112) من طريق إسماعيل بن جَعفَرٍ ..

والدَّارِميُّ في "سُنَنه"(2/ 211)، وابنُ أبي الدُّنيا في "فضائل رَمَضان"(38) من طريق عبد الرَّحمن بن أبي الزِّناد ..

وابنُ حِبَّانَ (3481)، والبَيهَقِيُّ في "السُّنَن الكبير"(4/ 270)، وفي "فضائل الأوقات"(59) من طريق عبد العزيز بنِ مُحمَّدٍ الدَّرَاوَردِيِّ ..

والبيهقيُّ أيضًا في "الشُّعَب"(ج 7/ رقم 3369) من طريق يَعقُوب ابن عبدِ الرَّحمن الإِسكَندَرَانِيِّ، أربعَتُهم عن عَمرِو بن أبي عَمرٍو، عن سعيدِ بن أبي سعيدٍ المَقبُرِيِّ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا فذكره.

وهو عند بعضهم بلفظ: "كَم مِن صائمٍ

".

وهذا سَنَدٌ جَيِّدٌ؛ وعَمرُو بنُ أبي عَمرٍو صَدوقٌ مُتماسكٌ.

وتابَعَهُ أُسامةُ بنُ زيدٍ اللَّيثيُّ، فرواه عن سعيدٍ المَقبُرِيِّ، عن أبي هُريرَة

ص: 193

مرفُوعًا مثله.

أخرَجَهُ ابنُ ماجَهْ (1690)، وأحمدُ (9685)، والنَّسَائيُّ (2/ 239)، وأبو بكر الكِلَابَاذِيُّ في "معاني الأخبار"(ق 257/ 1)، وأبو نُعيمٍ في "أخبار أصبهان"(1/ 225) كُلُّهم من طريق ابن المُبارَك - وهذا في "مُسنَده"(75) -، عن أُسامة.

وتابعه زَيدُ بنُ شُعيبٍ، عن أُسامة به.

أخرَجَهُ القُضَاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(1425).

وأخرَجَهُ النَّسائيّ في "الكُبرى" أيضًا (2/ 239) من طريق ابن المُبارَك بسَنَدِه سواء، لكنَّه أوقَفَهُ على أبي هُريرَة.

وأخرَجَهُ النَّسائِيُّ أيضًا من طريق ابنِ المُبارَك، عن سعيدٍ المَقبُرِيِّ، عن أبيه، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا.

فزاد في الإسناد "والدَ سعيدٍ المَقبُرِيِّ".

وهذا الاضطرابُ مِن أُسامةَ بنِ زيدٍ؛ لسُوءِ حِفظِه.

لكن يَتَرَجَّحُ الوجهُ الأوَّلُ المرفوعُ؛ لمُتابَعة عَمرِو بن أبي عَمرٍو. واللهُ أعلَمُ.

وله شاهدٌ من حديث ابن عُمَرَ مرفُوعًا: "رُبُّ صائمٍ، حَظُّهُ مِن صيامِهِ الجُوعُ والعَطَشُ، ورُبَّ قائمٍ، حظُّه من قيامه السَّهرُ".

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 12/ رقم 13413)، وابنُ عَديٍّ في "الكامل"(6/ 2398)، والقُضاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(1424) من طريق بَقِيَّةَ بنِ الوليد، عن مُعاوية بنِ يحيى الأَطرَابُلسِيِّ، عن مُوسَى

ص: 194

ابن عُقبة، عن نافعٍ، عن ابن عُمَر.

قال المُنذِرِيُّ في "التَّرغيب"(2/ 148): "إسنادُه لا بأس به"، وقال الهَيثمِيُّ في "المَجمَع" (3/ 202):"رِجالُه مُوَثَّقُون".

* قلتُ: كذا قالا! والحديثُ مُنكَرٌ، كما قال أبو حاتمٍ الرَّازيُّ في "عِلل وَلَدِه"(692)، لكنَّ ابنَهُ سألَهُ:"مَنْ مُعاويةُ بنُ يحيى؟ "، فقال:"لا يُدرَى"، كذا قال أبو حاتمٍ! وهو الأَطرَابُلسِيُّ.

وقد أَورَد ابنُ عَديٍّ هذا الحديث في تَرجَمته من "الكامل"، وخَتَم ترجمتَه قائلًا:"ومُعاويةُ الأَطرَابُلسِيُّ هذا لَهُ غيرُ ما ذَكَرتُ من الحديث، وفي بعض رواياتِه ما لا يُتابَع عليه" ا. هـ، ومنها هذا الحديث، فقد قال ابنُ عَديٍّ عَقِبَه:"وهذا الحديثُ يرويه مُعاويةُ بنُ يحيى"، ومقصودُه أنَّه تفرَّد به.

ثمَّ عِلّةٌ أُخرَى، وهي عَنعَنَةُ بَقِيَّةَ بنِ الوليد، وكان يُدلِّس تدليس التَّسوِية، فنحتاجُ أن يُصَرِّح بالتَّحديث في كُلِّ طَبَقات السَّنَد.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 195

183 -

سُئلتُ عن حديثٌ: "رَمَضَانُ أَوَّلُهُ رَحمَة، وَأَوسَطُهُ مَغفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتق مِنَ النَّارِ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ.

أخرَجَهُ ابنُ أبي الدُّنيا في "فضائل رمضان"(ق 14/ 1)، وابنُ عَديٍّ في "الكامل"(3/ 1157)، والعُقيليُّ في "الضُّعفاء"(2/ 162)، والخطيبُ في "مُوضِح الأوهام"(2/ 147)، والشَّجَرِيُّ في "الأمالي"(1/ 264) من طَرُقٍ عن هشام بن عَمَّارٍ، ثنا سلَّام بنُ سَوَّارٍ، ثنا مَسلَمَةُ ابنُ الصَّلتِ، عن الزُّهريِّ، عن أبي سَلَمة، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا فذَكَره.

قال ابنُ عَديٍّ: "وهذا أيضًا، يرويه سَلَّام بن سَوَّارٍ، عن مَسلَمَةَ بنِ الصَّلت. ومَسلَمَةُ ليس بالمعرُوفِ".

وقال العُقيليُّ: "لا أصل له - يعني: الحديثَ - مِن حديثٌ الزُّهريِّ".

• قلتُ: قلتُ: وسلَّامٌ هو ابنُ سُليمان بنِ سَوَّار، ابنُ أخي شَبَابةَ بنِ سَوَّارٍ، مُنكَرُ الحديثِ، ضَعَّفه غيرُ واحدٍ من النُّقَّاد.

وقد رواه مرةً أُخرَى، فجَعَلَهُ عن سعيدِ بن المُسيَّب، عن أبي هُريرَة.

أخرَجَهُ الخطيبُ في "المُوضِح"، وقال بعد أن:"ومِن ضَعفِه اختلافُ رِواية هذا الحديث".

ومَسلَمَةُ بنُ الصَّلت قال ابنُ عَديٍّ: "ليس بالمعروف"، ووافَقَهُ الذَّهَبيُّ في "الميزان"(2/ 179).

ص: 196

184 -

سُئلتُ عن حديثٌ: "إِذَا بَلَغَ بَنُو العَاصِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، اتَّخَذُوا دِينَ الله دَغَلًا، وَمَالَهُ دُوَلًا، وَعِبَادَهُ خَوَلًا".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ.

وقد وَرَدَ مِن حديثٌ أبي هُريرة، ومُعاويةَ بنِ أبي سُفيان، وابن عبَّاسٍ، وأبي ذَرٍّ، وأبي سعيدٍ الخُدرِيِّ رضي الله عنهم.

وهاك تَخرِيجُ أحاديثهم باختصارٍ.

* أمَّا حديثُ أبي هُريرة رضي الله عنه.

فأخرَجَهُ البيهقِيُّ في "دلائل النُّبوَّة"(6/ 307) من طريق أبي بكرٍ ابنِ أبي أُويسٍ، قال: حدَّثَني سُليمانُ بنُ بلالٍ، عن العلاء بن عبد الرَّحمن، عن أبيه، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا.

وقد خُولِف سُليمانُ بنُ بِلالٍ في رفعه ..

خالَفَهُ إسماعيلُ بنُ جعفرٍ، قال: أخبَرَني العلاءُ بنُ عبد الرَّحمن، عن أبيه، عن أبي هُريرَة فذكره موقُوفًا.

أخرَجَهُ أبو يَعلَى في "المُسنَد"(ج 11/ رقم 6523) قال: حدَّثَنا يحيى ابن أيُّوب ..

والخَطَّابيُّ في "غريبٌ الحديث"(2/ 436) من طريق عليِّ بن حُجْرٍ، قالا: ثنا إسماعيلُ به.

ص: 197

وهذه الرِّواية أصحُّ، ورَفعُ هذا الحديث عِندِي مُنكَرٌ؛ وأبو بكرٍ ابنُ أبي أُوَيسٍ اسمُه عبدُ الحميد بنُ عبد الله، وهو ثِقةٌ، ولكن قال فيه النَّسائِيُّ:"ضعيفٌ"، فلعلَّ هذا مِنهُ، ورُبَّما كان ذلك من العَلاء. واللهُ أعلَمُ.

* أمَّا حديثٌ مُعاويةَ وابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم.

فأخرَجَهُ نُعيمُ بنُ حمَّادٍ في "الفِتَن"(316) قال: حدَّثَنَا رِشدِينُ .. والبيهقيُّ في "الدَّلائل"(6/ 507، 558) من طريق كاملِ بنِ طلحة .. كِلاهُما عن ابن لهِيعَة، عن أبي قَبِيلٍ، عن ابن مَوْهَبٍ، أنَّ مُعاوية بينما هو جالسٌ وعنده ابنُ عبَّاسٍ، إذ دَخَلَ عليهم مَروَانُ بنُ الحكَم في حاجةٍ، فلمَّا أَدبَر قال مُعاوِيةُ لابن عبَّاسٍ: أَمَا تَعلَمُ! أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا بَلَغَ بنو الحَكَم ثلاثين رجُلًا، اتَّخَذُوا مالَ الله تعالى بينهم دُوَلًا، وعبادَه خوَلًا، وكِتابَه دَغَلًا"؟ قال ابنُ عبَّاسٍ: اللَّهُمَّ نعم!. ثُمَّ إِنَّ مروانَ ردَّ عبدَ المَلِك إلى مُعاويةَ في حاجَتِه، فلمَّا أَدبَر عبدُ الملِك قال مُعاوية: أَنشُدُكَ بالله يا ابنَ عبَّاسٍ! أَمَا تعلَمُ أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ هذا فقال: "أبُو الجَبَابِرَةِ الأربعة "؟ قال ابنُ عبَّاسٍ: اللَّهُمَّ نَعَم!

• قلتُ: قلتُ: وهذا مُنكَرٌ جدًّا، كأنَّهُ موضُوع، فلعل أحدًا كَذَبَهُ وأدخَلَهُ على ابن لَهِيعَة، وليس بغريبٍ أن يَحدُث مثلُه لابن لِهَيعَة؛ مع شِدَّة غفلَتِه في آخر عُمُره رحمه الله.

وقد ذَكَرَ الحافظُ ابنُ كَثيرٍ هذه الرِّواية في "البداية والنِّهاية"(6/ 242)، ثُمَّ قال:"وفيه غَرَابَة ونَكَارَةٌ شديدةٌ".

ص: 198

* إمَّا حديثٌ أبي ذَرٍّ رضي الله عنه.

فأخرَجَهُ نُعيمُ بنُ حَمَّادٍ في "الفتن"(314)، والحاكمُ في "المُستدرَك"(4/ 479، 485) مِن طَرِيقَين وَاهِيَين عن أبي ذَرٍّ.

قال الذَّهَبيُّ في "تلخيص المُستدرَك" عن أَحدِهِما: "على ضَعفِ رُواتِه مُنقَطِعٌ".

وقال ابنُ كَثيرٍ في "البداية"(6/ 242): "مُنقَطِعٌ بين راشدِ بن سعدٍ، وأبي ذَرٍّ".

* أمَّا حديثُ أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ رضي الله عنه.

فأخرَجَهُ أبو يَعلَى في "المُسنَد"(2/ 383، 384)، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(ج 16/ ق 254) ..

وأخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(7785) قال: حدَّثَنَا مَحمُودُ بنُ محُمَّدٍ الوَاسِطِيُّ، قالا: ثنا زَكَرِيَّا بنُ يحيَى المعروفُ بـ "زَحْمَوَيْهِ"، قال: ثنا صالحُ بنُ عُمَر، عن مُطَرِّف بن طَرِيفٍ، عن عَطِيَّة العَوْفيِّ، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ مرفُوعًا فذَكَر مثله.

وأخرَجَهُ أحمدُ (3/ 85)، وإسحاقُ بن رَاهَوَيْهِ في "مُسنَده" - كما في "البداية"(6/ 242) لابن كَثيرٍ -، والبَزَّار (1620)، والبَيهقِيُّ في "الدَّلائل"(6/ 507) من طريق جَرير بن عبد الحَميد، عن الأعمش، عن عَطِيَّة العَوفيِّ، عن أبي سَعيدٍ مرفُوعًا مثله.

قال البَزَّارُ: "لا نَعلَمُ رواه إلَّا أبو سعيدٍ، ولا عنه إلا عَطِيَّة".

وقال الطَّبَرانيُّ: "لَم يَروِ هذا الحديثَ عن مُطَرِّفٍ إلَّا صالحُ بنُ عُمَر.

ص: 199

تفرَّد به زَحمَوَيهِ".

• قلتُ: أمَّا قَولُ البَزَّار، فمُتَعَقَّبٌ بما ذكرتُهُ قبلَ ذلك من أحاديث الصَّحابة الكِرام.

وأمَّا قولُ الطَّبَرانيِّ، فمُتَعَقَّبٌ بأنَّ زَحمَوَيهِ لم يتَفَرَّد به ..

فتابعه سَعْدَوَيهِ، واسمُهُ سعيدُ بنُ سُليمانَ الوَاسِطيُّ، قال: ثنا صالحُ ابنُ عُمَر بسَنَدِه سواء.

أخرَجَهُ البَزَّارُ في "مُسنَده"(1621 - كشف الأستار) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ عبد الرَّحيم، ثنا سعيدُ بنُ سُليمان بسنَدِه سواء.

وسَنَدُ هذا الحديث ضعيفٌ على أيِّ حالٍ؛ وعَطِيَّةُ العَوْفِيُّ ضعَّفه يحيى القَطَّانُ، وأحمدُ بنُ حنبل، والنَّسائِيُّ، وأبو حاتمٍ، والدَّارَقُطنيُّ، وليَّنَه أبو زُرْعة، ومشَّاهُ آخرُون.

والحديثُ باطِلٌ على كُلِّ حالٍ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 200

185 -

سُئلتُ عن حديثٍ: عن أبي هريرَة، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلصَّلاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقتِ صَلاةِ الظُّهرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمسُ، وَآخِرَ وَقتِهَا حِينَ يَدخُلُ وَقتُ العَصرِ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقتِ صَلَاةِ العَصرِ حِينَ يَدخُلُ وَقتُهَا، وَإِنَّ آخِرَ وَقتِهَا حِينَ تَصفَرُّ الشَّمسُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقتِ المَغرِبِ حِينَ تَغرُبُ الشَّمسُ، وَإنَّ آخِرَ وَقتِهَا حِينَ يَغِيبُ الأفقُ، وَإِنَّ أَوَّلَا وَقتِ العِشَاءِ الآخِرَةِ حِينَ يَغِيبُ الأُفُقُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقتِهَا حِينَ يَنتَصِفُ اللَّيلُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقتِ الفَجرِ حِينَ يَطلُعُ الفَجرُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقتِهَا حِينَ تَطلُعُ الشَّمسُ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ بهذا السِّياق.

ويرويه محُمَّدُ بنُ فُضيلٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا به.

أخرَجَهُ التِّرمذيُّ (151)، وأحمدُ (2/ 232)، والبَزَّارُ (ج 2/ ق 220/ 1)، والطَّحاوِيُّ في "شرح معاني الآثار"(1/ 149 - 150)، والدَّارَقُطنِيُّ (1/ 362)، والعُقيليُّ في "الضُّعفاء"(4/ 119)، وابنُ أبي شَيبة في "المُصنَّف"(1/ 317 - 318)، والبَيهَقِيُّ (1/ 375 - 376).

ص: 201

وقد أَعلَّ أهلُ العِلم هذا الحديث.

قال التِّرمذيُّ: "سمِعتُ محُمَّدًا - يعني: البُخاريَّ -، يقولُ: حديثُ الأعمش، عن مجُاهدٍ في المواقيت أصحُّ من حديث محُمَّدِ بنِ فُضيلٍ، عن الأعمش؛ وحديثُ محُمَّدِ بنِ فُضيلٍ خطأٌ، أخطأ فيه محُمَّدُ بنُ فُضيلٍ".

وقال ابنُ أبي حاتمٍ في "العِلل"(273): "سألتُ أبي عن حديثٍ، رواه محُمَّدُ بنُ فُضيلٍ

- فذكره -، قال أبي: هذا خطَأٌ، وَهِم فيه ابنُ فُضيلٍ. يرويه أصحابُ الأعمش، عن الأعمش، عن مجُاهِدٍ قولَه".

وقال ابنُ عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(8/ 86): " هذا الحديث عِند جميع أَهل الحديث مُنكَرٌ، وهو خطَأٌ، لم يَروِه أحدٌ عن الأعمش بهذا الإسناد، إلَّا محُمَّدُ بنُ فُضيلٍ، وقد أنكَرُوه عليه. - ثُمَّ نَقَلَ عن - محُمَّد بن وضَّاحٍ قال: قال لنا محُمَّدُ بنُ عبد الله بن نُمَيرٍ: هذا الحديث، حديثٌ محُمَّدِ بنِ فُضيلٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة في المواقيت خطَأٌ، ليس له أصلٌ. - ونَقَلَ أيضًا عن - ابن مَعِينٍ قال: حديثٍ الأعمَش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة، مرفُوعًا: "إِنَّ للصَّلاة أوَّلًا وآخرًا

"، رواه النَّاس كُلُّهم، عن الأعمش، عن مجُاهدٍ مُرسَلًا، ورواه محُمَّدُ بنُ فُضيلٍ، عن الأعمش، فأخطَأَ فيه. وهو حديثٌ ضعيفٌ، ليس بشيءٍ، إنَّما هو عن الأعمش، عن مجُاهدٍ مرسلٌ".

وقال البَزَّار: "وهذا الحديثُ لا نَعلَمُ رواه عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة غيرُ محُمَّد بن فُضيلٍ، ولم يُتابَع عليه، وإنما يَروِيه زائدةُ بنُ قُدَامة، عن الأعمش، عن مجُاهدٍ موقُوفًا من قولِه".

ص: 202

وقال العُقيليُّ بعد رِواية الحديث الموقوف: "وهذا أَولَى".

وقال الدَّرَاقُطنيُّ: "لا يَصِحُّ مُسنَدًا، وَهِمَ فيه ابن فُضيلٍ. وغيرُهُ يرويه عن الأعمش، عن مجُاهِدٍ مُرسَلًا، وهو أصحُّ".

وخالَفَهُم في هذا الحُكم بعضُ المُتأخِّرين ..

فقال ابنُ حزمٍ في "المُحَلَّى"(3/ 168) بعد أن رَوَى هذا الحديث: "وكذلك لَم يَخفَ علينا مَن تَعلَّلَ في حديثٌ أبي هُريرَة بأنَّ مُحمَّدَ بنَ فُضيلٍ أخطأَ فيه، وإنَّما هو موقوفٌ على مُجاهِدٍ، وهذه أيضًا دَعوَى كاذبةٌ، بلا بُرهان، وما يَضرُّ إسنادَ من أَسنَد إيقافُ مَن وَقَفَ".

وأيَّدَهُ في هذا الحُكم الشَّيخُ العلَّامةُ المُحَدِّث أبو الأشبال أحمد شاكر رحمه الله في تعليقِهِ على "المُحلَّى"، ثُمَّ في شَرحِه على التِّرمذيِّ (1/ 285).

وكذلك صحَّحه شيخُنا الإمامُ أبو عبد الرَّحمن ناصرُ الدِّين الألبانيُّ - حفظه الله -، في "الصَّحيحة"(1696)، وأَحَال على بحث الشَّيخ أبي الأشبال، وقال: "

وَأَجَادَ"، يعني في ردِّ تعليل العُلماء الحديث.

ونقل الزَّيلَعيُّ في "نصب الرَّاية"(1/ 120 - 121)، عن ابن الجَوزيِّ أنَّه قال في "كتاب التَّحقيق":"ابنُ فُضيلٍ ثِقَةٌ، يجوزُ أن يكون الأعمش سمِعَهُ مِن مجُاهدٍ مُرسَلًا، ومن أبي صالحٍ مُسنَدًا".

ونَقَلَ أيضًا عن ابنِ القَطَّان الفَاسِيِّ، قال:"ولا يَبعُد أن يكون عند الأعمش طريقان: إحداهما مُرسَلةٌ، والأُخرى مرفُوعةٌ. والذي رفعه صدُوقٌ من أهل العِلم، وثَّقه ابنُ مَعِينٍ".

وانفصل الشَّيخُ أبو الأشبال في "شرح التِّرمذيِّ" في نهاية بحثه على

ص: 203

قوله: "والذي أختارُهُ، أنَّ الرِّواية المُرسَلة، أو الموقُوفَة تُؤيِّدُ الرِّوايةَ المتصلةَ المرفُوعَةَ، ولا تَكُون تعليلًا لها أصلًا" ا. هـ.

وهو ما ذهب إليه ابنُ حَزمٍ قبل ذلك.

فقد احتجَّ مَن صحَّح الحديث بدليلين:

الأوَّل: أنَّ الوقف لا يُخالِفُ الرَّفع.

الثَّاني: أنَّهُ لا مانع أن يكُون الحديث عند الأعمش على الوجهين.

أمَّا بالنَّسبة للدَّليل الأوَّل.

فالأصل أنَّه إذا اتَّحَدَ مَخرَجُ الحديث، واختَلَفَ الرُّواةُ في الرَّفع والوقف، أن يُنظَر إلى حِفظِ الرُّواة، وعَدَدِهم، وخُصُوصِيَّتِهم في شُيوخهم، فيُحكَمُ للواصِلين أو المُرسِلِين بحَسْبِ ذلك. والأصل في ذلك، أنَّ الوقفَ يكُونُ علَّةً للموصُول، والعكس.

وأمَّا الدَّليل الثَّاني.

فنَعَم، لكن إذا انفرد ابنُ فُضيلٍ عن سائر أصحاب الأعمش المُختَصِّين به، وتَكلَّم فيه بعضُ أهل العِلم، كان ذلك سببًا للتَّوقُّف في الحُكم لروايته. وابن فُضيلٍ ثقةٌ، ولكن نَقَلَ ابنُ سعدٍ أنَّ بعضَهم لا يَحتَجُّ به. ولو أَرَدنَا أن نُهدِر مثلَ هذا الجرح، ونقول:"لا نَعرِفُ مَن الذي لا يَحتَجُّ به"، فإِنَّ الثِّقة الذي ليس عليه أدنى مَغمَزٍ، يَرُدُّ النُّقَّاد بعض حديثه، مثل مالكٍ، وابنِ عُيَينَة، والثَّوْريِّ، والزُّهرِيِّ، ونحوِهم من الثِّقات، فلا يُقالُ:"كيف تَرُدُّون روايته وهو ثقةٌ؟! "، ولا مانع للحُكم للثِّقة إذا خالَف، إذا ظَهَرَ أنَّهُ حَفِظَ.

ص: 204

وقد اتَّفَقَ عُلماءُ الحديث الكِبارُ على تعليل رواية ابنِ فُضيلٍ، وأظُنُّهم أَنكَرُوا عليه في هذا الحديث:"وقت المغرب".

والبحث في هذا يَطُول، وليس هاهُنا محلُّ تحريرِه.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 205

186 -

سُئلتُ عن حديث: "إِنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا فِي قَريَةٍ، فَأَرصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيهِ، قَالَ: أَينَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ القَريَةِ. قَالَ: هَل لَكَ عَلَيهِ مِن نِعمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيرَ أَنِّي أَحبَبتُهُ فِي الله عز وجل. قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيكَ، بِأَنَّ اللهَ قَد أَحَبَّكَ، كمَا أَحبَبتَهُ فِيهِ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ مُسلِمٌ (2567/ 38)، والبُخاريُّ في "الأدَب المُفرَد"(350)، وأحمدُ (2/ 292، 408، 462، 558)، والبَزَّارُ في "مسنَده"(ج 2/ ق 244/ 1)، وأبُو بكرٍ الشَّافعيُّ في "الغَيْلَانِيَّات"(1055)، وأبو مُطِيعٍ المِصريُّ في "الأمالي"(ق 6/ 1)، والخَطِيبُ في "تاريخه"(3/ 400، و 11/ 76، و 12/ 376، و 14/ 31 - 32)، والشَّجَرِيُّ في "الأمالي"(2/ 135)، والبِرْزَالِيُّ في "مَشيَخة ابن جَمَاعة"(ص 167، ص 386 - 387) من طُرُقٍ عن حمَّاد بن سَلَمة، عن ثابتٍ البُنَانِيِّ، عن أبي رافعٍ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا به.

ورواه عن حمَّادِ بنِ سَلَمة جماعةٌ، منهم:"عبدُ الأعلى بنُ حَمَّادٍ، وسُليمانُ بنُ حربٍ، ومُوسَى بنُ إسماعيل التَّبُوذَكِيُّ، ويزيدُ بنُ هارُون، وعبدُ الرَّحمن بنُ مَهدِيٍّ، والحجَّاجُ بنُ مِنهَالٍ، وعَفَّانُ بنُ مُسلِمٍ، وعُبيد الله بنُ أبي عائشة".

ص: 206

وأخرَجَهُ البَزَّارُ أيضًا عن حمَّاد بن سَلَمة، عن عاصمٍ الأحوَلِ، عن أبي حسَّانَ الأعرجِ، عن أبي هُريرَة مرفوعًا.

وقال: " وهذا الحديث لا نَعلَمُ رواه عن عاصمٍ، عن أبي حسَّانَ، عن أبي هُريرَة إلَّا حمَّادُ بنُ سلَمة. ولا عن ثابتٍ، عن أبي رافعٍ، عن أبي هُريرَة إلَّا حمَّادٌ. ولا يُروَى هذا الكَلَام عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا مِن هذا الوجه".

ص: 207

187 -

سُئلتُ عن حديثٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجُلًا يَتبَعُ حمامَةً، فقال:"شَيطَانٌ يَتبَعُ شَيطَانَةً".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ حَسَنٌ.

أخرَجَهُ أبُو داوُد (4940)، والبُخارِيُّ في "الأدَب المُفرَد"(1300)، وأحمدُ (5/ 245)، وابنُ ماجَه (2765)، وابنُ حِبَان (5874)، والبيهَقِيُّ في "الكُبرَى"(10/ 19، 213)، وفي "الشُّعَب"(6535)، وابنُ أبي شيبةَ، وأبُو يَعلَى في "مُسنَدَيهما" - كما في "إتحاف المَهَرَة"(ج 4/ ق 57/ 2) من طُرُقٍ عن حمَّاد بن سَلَمَةَ، عن محُمَّد بن عمرٍو، عن أبي سَلَمَةَ، عن أبي هُريرَةَ مرفُوعًا به.

وهذا إسنادٌ حَسَنٌ؛ وعُمَّدُ بنُ عمرٍو صَدُوقٌ.

وخُولِف حمَّادُ بنُ سلَمَةَ ..

خالَفَهُ شَرِيكٌ النَّخْعِيُّ، فرواه عن مُحمَّد بن عمرٍو، عن أبي سَلَمَةَ، عن عائشةَ فذَكَرَ مِثلَهُ.

أخرَجَهُ ابنُ ماجَهْ (3764).

وصحَّحه البُوصِيرِيُّ في "الزَّوائد"(3/ 185).

وقد تعقَّبتُهُ في هذا التَّصحيح في "تنبيه الهاجد"(رقم 1836).

والله أعلم.

ص: 208

188 -

سُئلتُ عن الحديث: الذي ينهَى عن البَيعِ والشِّراء في المَسجِد، والدُّعاء على فاعل ذلك.

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ أبو داوُد (1079)، والنَّسائِيُّ (2/ 47 - 48)، والتِّرمذيُّ (322)، وابنُ ماجَهْ (749)، وأحمدُ (6676)، وابنُ خُزَيمة (2/ 274، 275)، والفَاكِهِيُّ في "أخبار مكَّةَ"(1267)، والبيهقِيُّ (2/ 448)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(2/ 272) من طُرُقٍ عن محُمَّد بن عَجلَانَ، عن عَمرِو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن البَيعِ والشِّراء في المسجد، وأن تُنشَدَ فيه ضالَّةٌ، أو يُنشَدَ فيه شِعرٌ، ونهى عن التَّحَلُّقِ قبل الصَّلاة يوم الجُمُعة.

قال التِّرمذيُّ: "حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ".

ولم يَقَع بعضُ الفِقْرات منه عِند بعضِ مَن أخرَجَه، لكِنَّهم اتَّفَقُوا على تخريج القَدر الذي سأل عنه السَّائل.

أمَّا الدُّعاء على من أَنشَد الضَّالَّة في المسجد فوَقَع في حديثٌ أبي هُريرَة مرفُوعًا: "إِذَا رَأَيتُم من يبيعُ أو يَبتَاعُ في المسجد، فقُولوا: لا أَربَحَ الله تِجارَتك. وإذا رَأَيتُم من يَنشُد فيه الضَّالَّة، فقولوا: لا رَدَّها اللهُ عليك".

أخرَجَهُ النَّسائيُّ في "اليوم واللَّيلة"(176)، والتِّرمذيُّ (1321)،

ص: 209

والدَّارِميُّ (1/ 266)، وابنُ خُزَيمة (2/ 274)، وابنُ حِبَّانَ (313)، وابنُ الجَارُود في "المُنتقَى"(562)، وابنُ السُّنِّيِّ في "اليوم واللَّيلة"(154)، والحَربيُّ في "الغريب"(2/ 506)، والحاكمُ (2/ 56)، والبَيهَقِيُّ (2/ 447) من طريق عبد العزيز بن محُمَّدٍ الدَّرَاوَردِيِّ، قال: أخبَرَنِي يزيدُ بنُ خُصَيفَة، عن محُمَّد بن عبد الرَّحمن بن ثَوبَان، عن أبي هُريرَة.

قال التِّرمذيُّ: "حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ".

وقال الحاكِمُ: "صحيحٌ على شرط مُسلِمٍ"، ووافقه الذَّهَبيُّ.

وليس كما قالا؛ فإن مُسلِمًا لم يُخَرِّج شيئًا للدَّرَاوَردِيِّ، عن يزيد بن عبد الله بن خُصَيفة، ولا ليزيدَ، عن ابن ثَوبَان. ولم يُخرِّج لابن ثَوبانَ، عن أبي هُريرة، إلَّا حديثًا واحدًا، قرَنَه فيه بأبي سَلَمَة ابن عبد الرَّحمن، فهو عنده من المتابَعات، فلا يكونُ على شرطِه.

والحديث أخرجه مسلمٌ في "الصَّلاة"(617/ 186)، وهو حديث: "إذا كان الحَرُّ فأبرِدوا بالصَّلاة

الحديث".

وكُنتُ وافقتُ الحاكمَ والذَّهَبيَّ على هذا الحُكم في "غَوثِ المكدود"، فقد رَجَحتُ عَنهُ. واللهَ أسألُ أن يَغفِر لي ما زَلَّ به قَلَمِي.

والسَّنَدُ جيِّدٌ على كُلِّ حالٍ.

ص: 210

189 -

سُئلتُ عن حديثٌ: "يَا عَائِشَةُ! إِذَا جَاءَ التَّمرُ فَهَنِّئِينِي".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ باطلٌ.

أخرَجَه البَزَّارُ (2880)، وابنُ حِبَّانَ في "المجروحين"(1/ 268)، وابنُ عَديٍّ في "الكامل"(2/ 779 - 780)، وأبو بكرٍ الشَّافعيُّ في "الغَيلَانِيَّات"(ج 9/ ق 258/ 1)، والخطيبُ في "تاريخه"(5/ 107)، وابنُ الجَوزيِّ في "الموضُوعات"(3/ 27) من طريق محُمَّد بن مُوسَى الحَرَشِيِّ، ثنا حَسَّانُ بن سِيَاهٍ، عن ثابتٍ، عن أنَسٍ مرفُوعًا به.

قال البَزَّارُ: "لا نَعلَمُ رواه إلَّا حَسَّانُ. وقد رَوَى حَسَّانُ بنُ سِيَاهٍ، عن ثابتٍ، عن أنَسٍ غيرَ حديثٍ لم يُتابَع عليه".

وقال ابنُ عَديٍّ: "وهذا الحديثُ لا أَعلَم يرويه عن ثابتٍ غيرُ حَسَّانَ".

ونقل ابنُ الجوزيِّ عن الدَّارَقُطنيِّ، قال:"تفرَّد به حَسَّانُ، عن ثابتٍ".

• قلتُ: وهو مَترُوك. وقد خَتَم ابنُ عَديٍّ ترجمته بقوله: "وحَسَّانُ ابنُ سِيَاهٍ له أحاديثُ غيرُ ما ذَكَرتُ، وعامَّتُها لا يُتابِعُه غيرُه عليه، والضَّعفُ يَتبَيَّنُ على رواياتِه وحديثِه".

وقال ابن حِبَّانَ: " مُنكَرُ الحديثِ جدًّا، يأتي عن الثِّقات بما لا يُشبِه حديثٌ الأثبات. لا يَجُوز الاحتجاجُ به إذا انفَرَد، لِمَا ظَهَر من خَطَئِه في روايته، على ظُهُورِ الصَّلَاح مِنه". والله أعلم.

ص: 211

190 -

سُئلتُ عن حديثٌ: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ كُلَّ قَلبٍ حَرينٍ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ الخَرائِطِيُّ في "اعتلال القُلوب"(ق 3/ 2)، وابنُ أبي الدُّنيا في "الهمِّ والحَزَن"(ق 2/ 1)، وابنُ عَديِّ في "الكامل"(2/ 471)، والطَّبَرانيُّ في "مُسنَد الشَاميِّين"(1480)، وعنه أبو نُعيمٍ في "الحِلية"(6/ 90)، والحاكمُ في "المُستدرَك"(4/ 315)، وعنه البَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(ج 3/ رقم 865)، والقُضاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(1075) من طريق أبي بكرٍ بنِ أبي مَريم، حدَّثَنا ضَمرَةُ بنُ حَبِيبٍ، عن أبي الدَّرداء مرفُوعًا فذَكَرَه.

قال الحاكمُ: "صحيحُ الإسناد"، فرَدَّهُ الذَّهَبيُّ بقوله:"قلتُ: مع ضعف أبي بكرٍ، مُنقَطعٌ" ا. هـ.

• قلتُ: قلتُ: أمَّا أبو بكرٍ فضعيفٌ جدًّا. لكنَّه لم يتفرَّد به.

فتابَعَهُ مُعاويةُ بنُ صالحٍ، فرواه عن ضَمرَةَ بنِ حَبِيبٍ بسَنَده سواء.

أخرَجَهُ البَزَّارُ (ج 4/ رقم 3624)، والطَّبَرانِيُّ في "مُسنَد الشَّاميِّين"(2012)، والبَيهقِيُّ في "الشُّعب"(ج 3/ رقم 866) من طُرُقٍ عن عبد الله بن صالحٍ، حدَّثَني مُعاويةُ بنُ صالحٍ بهذا.

قال الهَيثميُّ في "المَجمَع"(10/ 309 - 310): "إسنادُه حَسَنٌ"، كذا قال!

ص: 212

والإسناد مُنقَطعٌ كما قال الذَّهبيُّ بين ضَمرَةَ بنِ حبيبٍ، وأبي الدَّرداء.

قال البَزَّار: "لا نَعلَمُ أحدًا رواه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا أبو الدَّرداء، ولا له إسنادٌ غيرُ هذا" انتهى.

وكلام البَزَّار مُتعقَّبٌ برِواية أبي بكرٍ بن أبي مريم. والله أعلم.

وطَرِيقُ البَزَّار أنظفُ؛ ومُعاويةُ بنُ صالحٍ ثقةٌ، ولكنَّ الرَّاوي عنه عبد الله بن صالحٍ، وهو كاتِبُ اللَّيث، فيه مقالٌ. ولذلك قال البَيهَقِيُّ عَقِبَ رواية مُعاويةَ بنِ صالحٍ:"وهذا الإسناد أصحُّ"، ولا يَقصِدُ تصحيحَه بهذه العبارة، لكن يَقصِد أنَّه أقلُّ ضعفًا مِن طريق أبي بكرٍ ابن أبي مَريم. وهذه العِبارة تأتي كثيرًا على ألسِنَةِ النُّقَّاد، ولا يَقصِدُون بها تَصحيح الإسناد أو الحديث.

ونَظِيرُ هذا: أنَّ الدَّارَقُطنيَّ سُئل عن محُمَّد بن الحَسَن الشَّيبانيِّ صاحب أبي حَنِيفة: "ما دَرَجَتُه في الحديث؟ "، فقال:"أعورُ بين عميان"، وهو يُزَكِّيه بهذه العِبارة، وإن وَصَفَه بِالعَوَر؛ فكأَنَّه قال: له بعضُ حِفظٍ في قومٍ لا يَحفَظُون الحديثَ ولا يَضبِطُونَه.

وكذلِكَ ما يقُولُه بعضُ المُتأخِّرين في الحُكم على الحديث، فيَقُولُون:"رِجالُه رجال الصَّحيح"، أو "رِجالُه ثقاتٌ"، أو "رجالُه مُوَثَّقُون"، كُلُّ هذه العِباراتِ لا يُقصَد بها تصحيحُ الإسناد. فكُن مِنها على ذُكْرٍ، فَكَم وَقَعَ بسببها ناسٌ في تصحيح أحاديثَ ضعيفةٍ. والله المُوَفِّق.

ص: 213

191 -

سُئلتُ عن حديثٌ: "كُلُّ كَلَامِ ابنِ آدَمَ عَلَيهِ، لَا لَهُ، إِلَّا أَمرًا بِالمَعرُوفِ، أَو نَهيًا عَن مُنكَرٍ، أو ذِكرَ اللهِ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ النَّسائيّ في "مجلسان من الأمالي"(15)، وعبدُ الله بنُ أحمد في "زوائد الزُّهد"(ص 22 - 23)، وأبو يَعلَى (7132)، وابنُ السُّنِّيِّ في "اليوم واللَّيلة"(5)، والفاكِهِيُّ في "أخبار مكَّة"(2156)، وابنُ أبي الدُّنيا في "الصَّمت"(14)، وابنُ الأعرابي في "المعجم"(347)، وبَحشَلُ في "تاريخ واسط"(ص 245 - 246)، والحاكمُ (2/ 513 - 512)، والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(514، 4954)، والخطيبُ في "تاريخه"(12/ 321)، والطَّبَرَانِيُّ في "الكبير"(ج 23/ رقم 484)، وأبو بَكرٍ الشَّافِعِيُّ في "الغَيْلَانِيَّات"(658)، وعنه ابن مَردَوَيهِ في "تَفسِيرِه" - كما في "ابن كَثِيرٍ"(2/ 364 - طبع الشَّعب) -، وأبو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ في "جُزءٍ من فوائد حَدِيثِه"(16)، والأَصبَهَانِيُّ في "التَّرغيب"(2347)، وعبدُ الغَنِيِّ المَقدِسيُّ في "الأمر بالمَعروف"(10)، والقُضَاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(305)، والمِزِّيُّ في "تهذيب الكمال"(35/ 368) من طُرُقٍ عن مُحمَّد بن يزيد بن خُنَيسٍ، قال: دَخَلنَا على سُفيان الثَّوْريِّ نَعُودُه، فوَجَدْنَا عنده سعيدَ بنَ حسَّانَ المخزوميَّ، فقال سُفيانُ لسعيدٍ: الحديثَ الذي حدَّثْتَنِيه، عن أُمِّ صالحٍ، عن صَفِيَّة بنت

ص: 214

شيبة، عن أُمِّ حبيبة، اردُدْه عليَّ. فقال سعيدٌ: حَدَّثَتني أمُّ صالحٍ، عن صَفِيَّة بنتِ شيبة، عن أُمِّ حبيبة، قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ كلام ابن آدم عليه، لا له، إلَّا أمرًا بمعرُوفٍ، أو نهيًا عن مُنكَرٍ، أو ذِكرًا لله عز وجل".

وأخرَجَهُ التِّرمذيُّ (2412)، وابنُ ماجَهْ (3974)، وعَبْدُ بنُ حُمَيدٍ في "المُنتخَب"(1554)، وأبو يَعلَى (7134)، والخطيبُ (12/ 433 - 434) من هذا الوجه بدُون ذِكِر القِصَّة.

ووَقَعَ عِند بعض من أَخرَجَهُ مُطوَّلًا: قال - يعني: سُفيان الثَّوْريَّ -: "مَا أَعجَبَ هذا الحديث! امرأةٌ، عن امرأةٍ، عن امرأةٍ! "، قال له صاحبُه:"وما يُعَجِّبُك من ذلك، وهو في كتاب الله موجودٌ؟! قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]، وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3] ".

ووَقَعَ عند ابن أبي الدُّنيا: فقال رجلٌ - يعني: بعد سَمَاع الحديث -: "ما أشدَّ هذا الحديث! "، فقال سُفيان: "وأيُّ شدَّته؟! أليس قال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38]، أليس يقولُ الله تعالى:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]، أليس يقول اللهُ عز وجل: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ

ص: 215

قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] ".

• قلتُ: قلتُ: وهذا الحديثُ سَكَتَ عليه الحاكمُ والذَّهَبيُّ.

وقال التِّرمذِيُّ: "هذا حديثٌ غريبٌ".

وهذا الحكمُ نَقَلَه المِزِّيُّ في "تُحفة الأشراف"(11/ 320)، وكذلك نَقَلَه العِراقيُّ في "تخريج الإحياء" (1/ 70). ووقع في طبعة "عطوة":"حَسَنٌ غريبٌ"! والنُّسخةُ سقيمةٌ، كثيرةُ التَّصحيف. واللَّائقُ هو حُكم التِّرمذيِّ عليه بالغَرَابة؛ لأنَّ محُمَّدَ بنَ يزيدَ بنِ خُنَيسٍ في حِفظِه ضعفٌ.

وأُمُّ صالحٍ مجهولَةٌ، لم يَروِ عنها إلَّا سعيدُ بنُ حسَّان.

والحديثُ أشار إليه البُخاريُّ في "التَّاريخ الكبير"(1/ 1/ 261 - 262) مُرسَلًا، فكأنَّه أعلَّه.

والله أعلم.

ص: 216

192 -

سُئلتُ عن حديثٌ: "مَن تَصَبَّحَ بِسَبعِ تَمْرَاتٍ عَجوَةٍ، لَم يَضُرُّهُ سُمٌّ ذَلِكَ اليَومَ وَلَا سِحرٌ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرجه البُخاريُّ (9/ 569، و 10/ 238، 247)، ومُسلِمٌ (2047)، وأبو عَوَانة (5/ 397)، وأبو داوُد (3875)، وأحمدُ (1/ 181)، وابنُ أبي شيبة (8/ 18)، والحُميدِيُّ (70)، والبَزَّارُ (رقم 70 - مُسنَد سعدٍ)، وأبو يَعلَى في "المُسنَد"(ج 2/ رقم 717)، والدَّوْرَقِيُّ في "مُسنَد سعدٍ"(ق 5/ 1)، والبَيهقِيُّ في "السُّنَن الكبير"(8/ 135)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(11/ 325) من طريق هاشم بن هاشمٍ، عن عامر ابن سعدٍ، عن أبيه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فذَكَرَه.

قال البزارُ: "ورَوَاهُ بَعضُهم، عن هاشم بن هاشمٍ، عن عائشةَ بنتِ سعدٍ، عن أبيها".

• قلتُ: قلتُ: والبَزَّارُ يُشيرُ بذلك إلى الاختلاف في شيخ هاشمٍ.

والرِّوايةُ التي أشار إليها البَزَّارُ رواها عبدُ الله بنُ نُمَيرٍ، وقد ذَكَرَها الدَّارَقُطنِيُّ في "العِلل"(4/ رقم 610)، وقال:"يرويه هاشم بن هاشمٍ. واختُلِف فيه، فرواه أبو أُسَامة، عن هاشم بن هاشمٍ، عن عامر ابن سعدٍ، عن سعدٍ. وخالفه ابنُ نُمَيرٍ، فرواه عن هاشمٍ، عن عائشة بنت سعدٍ، عن أبيها. وكلاهُما ثِقةٌ، ولعلُّ هاشمًا سَمِعَهُ مِنهُما" ا. هـ.

ص: 217

ورَجَّح أبو زُرعة أنَّهُ: "عن هاشم بن هاشمٍ، عن عامر بن سعدٍ، عن أبيه".

ذكره ابنُ أبي حاتمٍ في "العِلل"(ج 2/ رقم 2505) عنه.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 218

193 -

سُئلتُ عن حديثٌ: "إِنَّ لِكُلِّ عَبدٍ صِيْتًا، فَإِن كَانَ صِيْتُهُ فِي السَّمَاءِ حَسَنًا، وُضِعَ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرضِ، وَإِن كَانَ صِيْتُه فِي السَّمَاءِ سَيئًا، وُضِعَ لَهُ فِي الأَرضِ".

• قلتُ: قلتُ: قد صحَّ بغير هذا اللَّفظ.

أخرَجَهُ البَزَّارُ في "مُسنَده"(3603 - كشف)، والطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(5248)، وابنُ عَدي في "الكامل"(2/ 585)، والبَيهقِيُّ في "الزُّهد"(816) من طريق الجَرَّاح بنِ مُلَيحٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا: "مَا مِن عبدٍ إلا ولَهُ صِيْتٌ

الحديث".

قال البَرارُ: "لا نَعلَمُ رواه بهذا الإسناد إلا أبو وكيعٍ"، يعني: الجرَّاح بن مُلَيحٍ؛ فهو وَالِدُ وكيع بنِ الجَرَّاح.

وقال ابنُ عَدي: "وهذا الحديث ما أَعلَم رواه عن الأعمش غيرُ أبي وكيعٍ، وسعيدِ بنِ بَشِيرٍ".

• قلتُ: قلتُ: وكِلاهُما تَكلَّم فيه أهلُ العِلم، والجرَّاح أفضلُ الرَّجُلين.

وأنا أَخشَى أن يَكُونَا وَهِمَا على الأعمش في لفظ هذا الحديث ..

فقد رَوَى هذا الحديث سُهيلُ بنُ أبي صالحٍ، وعبدُ الله بنُ دينارٍ، كلاهما عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة بغير هذا اللَّفظ.

ص: 219

فَرَوَاه مالكٌ، ووُهَيبٌ، ومَعمَرُ بنُ راشدٍ، وأبو عَوَانَة، وعبدُ العزيز ابنُ محُمَّدٍ الدَّرَاوَردِيُّ، وجَرِيرُ بنُ عبد الحميد، وعبدُ العزيز بنُ عبد الله ابنِ أبي سَلَمَة المَاجِشُّونُ، والثَّوْريُّ، ومحُمَّدُ بنُ أنَسٍ، والعَلَاءُ بنُ المُسيَّب، وأبو حازمٍ، ويَعقُوبُ بنُ عبد الرَّحمن الإِسكَندَرَانِيُّ، كُلُّهم يرويه عن سُهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا:"إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبدًا، دَعَا جِبرِيلَ، فَقَالَ: "إِني أُحِبُّ فُلَانًا، فَأَحِبَّه"، - قال: - فَيُحِبُّه جِبرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ، فَيقُولُ: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا، فَأَحِبُّوهُ "، فَيُحِبُّه أَهلُ السَّمَاءِ، - قال: - ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرضِ. وَإِذَا أَبغَضَ عَبدًا، دَعَا جِبرِيلَ، فَيَقُولُ: "إِنِّي أُبغِضُ فُلَانًا، فَأَبغِضهُ"، - قال: - فَيُبغِضُهُ جِبرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهلِ السَّمَاءِ: "إِنَّ اللهَ يُبغِضُ فُلَانًا، فَأَبغِضُوهُ"، - قال: - فَيُبغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ البَغضَاءُ فِي الأَرضِ".

لفظُ حديثٌ جَريرٍ عند مُسلِمٍ.

أخرَجَهُ مالكٌ في "المُوطَّأ"(2/ 953/ 15)، ومُسلِمٌ (2637/ 157 و 158)، والنَّسائِيُّ في "الكُبرَى"(4/ 416)، والتِّرمذيُّ (3161)، وأحمدُ (2/ 267، 341، 413، 509)، والطَّيَالِسِيُّ (2436)، وعبدُ الرَّزَّاق في "المُصنَّف"(19673)، وأبو يَعلَى في "المُسنَد"(ج 12/ رقم 6685)، وابنُ حِبَّانَ (365)، وابنُ أبي حاتمٍ في "تفسيره" - كما في "ابن كَثيرٍ"(5/ 263) -، والطَّبَرانِيُّ في "الأوسط"(5001)، وابنُ المُقرِئِ في "المُعجَم"(ج 8/ ق 140/ 2)، وابنُ بِشرَان في "الأمالي"(ج 4/ ق 44/ 2)، والبَزَّارُ في "مُسنَده"(ج 2/ ق 212/ 1)، وأبو نُعيمٍ

ص: 220

في "الحِلية"(3/ 258، و 7/ 141، و 10/ 306)، وفي "أخبار أصبهان"(2/ 57).

وخالف هذا الجمعَ الحاشِدَ: رَوحُ بنُ القاسم، فرواه عن سُهيل بن أبي صالحٍ، عن القَعقَاعِ بنِ حَكيمٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا فذَكَرَه.

فزاد: "القَعقَاعَ بَن حكيمٍ"، بين "سُهيلٍ" و"أبيه".

أخرَجَهُ ابنُ حِبَّانَ (364)، والطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(2800) مِن طريق أُمَيَّة بنِ بِسطامَ، ثنا يزيدُ بنُ زُرَيعٍ، ثنا رَوحُ بنُ القاسم.

ولم أَقِف على من تابَع رَوحَ بنَ القاسمِ على هذه الرِّواية. وهو ثقةٌ.

وقد ذَهَبَ ابنُ حِبَّانَ إلى صِحَّةِ الرِّوايَتَين جميعًا، فقال:"سَمِعَ هذا الخبرَ سُهيلٌ، عن أبيه، وسَمِعَ عن القَعقَاعِ، عن أَبيه" ا. هـ.

أمَّا رِوايةُ عبد الله بن دِينارٍ.

فأخرَجَهَا البُخاريُّ (13/ 461)، ومن طريقه الأصبهانيُّ في "الحجَّة"(ج 2/ رقم 172) من طريق عبد الصَّمَد بن عبد الوارث ..

والبَزَّارُ في "مُسنَده"(ج 2/ ق 206/ 2) من طريق أبي قُتَيبة، كلاهُمَا عن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن دينارٍ، عن أبيه، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا نحوَه.

ووافق أبا صالحٍ على هذا السِّياق نافِع مولى ابنِ عُمَر، فرَوَاهُ عن أبي هُريرَة مرفوعًا نحوَه.

أخرَجَهُ البُخاريُّ (10/ 461)، والبَزَّارُ (2/ 170/ 2) عن أبي عاصمٍ ..

ص: 221

والبُخاريُّ أيضًا (6/ 303) عن مخَلَدِ بن يزيدٍ ..

وإسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ في "مُسنَده"(375) عن عبد الله بن الحارث ..

وابنُ عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(21/ 238) عن رَوْح بن عُبادة، فرَوَوهُ جميعًا عن ابن جُريجٍ، حَدَّثَني مُوسى بنُ عُقبة، عن نافعٍ، عن أبي هُريرَة.

قال البزارُ: "وهذا الحديثُ لا نَعلَمُ رواه عن نافعٍ، عن أبي هُريرَة، إلَّا مُوسى بنُ عُقبَة، ولا نعلَمُ حَدَّث به عن مُوسى، إلَّا ابنُ جُريجٍ".

واللهُ أعلمُ.

ص: 222

194 -

سُئلتُ عن حديث: "مَنِ انقَطَعَ إِلَى الله عز وجل، كفَاهُ اللهُ كُلَّ مُؤْنَهٍ، وَرَزَقَهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ. وَمَنِ انقَطَعَ إِلَى الدُّنيَا، وَكلَهُ اللهُ إِلَيهَا".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ في "تفسيره" - كما في "ابن كَثيرٍ"(8/ 174) -، والطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(3359)، وفي "الصَّغير"(1/ 116)، والبَيهقِيُّ في " الشُّعَب"(ج 3/ رقم 1044)، والخطيبُ في "تاريخه"(7/ 196)، وابنُ الجَوزيِّ في "الواهيات"(2/ 316) مِن طريق إبراهيمَ بنِ الأَشعَث، حدَّثَنا فُضيلُ بنُ عِياضٍ، عن هشامٍ، عن الحَسَن، عن عِمرَانَ بنِ حُصينٍ مرفُوعًا فذكره.

قال الطَّبَرانيُّ: "لَم يَروهِ عن هشامِ بنِ حسَّانَ، إلا الفُضيلُ بن عِيَاضٍ. تفرَّد به إبراهيمُ بنُ الأشعث".

• قلتُ: قلتُ: وهو ضعيفٌ، كما قال أبو حاتمٍ وغيرُه، ولمَا ذَكَرَهُ ابن حِبَّانَ في "الثِّقات"(8/ 66)، قال: "كان صَاحِبًا للفُضيل بن عِيَاضٍ، يَروِي عنه الرَّقَائِقَ

يُغرِبُ، ويَتَفَرَّدُ، ويُخطِئُ، وَيُخَالِفُ".

وبه أعلَّ الحديثَ: ابنُ الجوزيِّ، والهَيثميُّ في "مجَمَع الزَّوائد"(10/ 303 - 304).

واللهُ أعلَمُ.

ص: 223

195 -

سُئلتُ عن حديثٌ: "إِنَّ اللهَ اصطَفَى كِنَانَةَ مِن بَنِي إِسمَاعِيلَ، وَاصطَفَى مِن بَنِي كنَانَةَ قُرَيشًا، وَاصطَفَى مِن قُرَيشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصطَفَانِي مِن بَنِي هَاشِمٍ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ مُسلِمٌ (2276/ 1)، والبُخاريُّ في "التَّاريخ الكبير"(1/ 1/ 4)، والتِّرمِذيُّ (3605، 3606)، وأحمد (4/ 107)، وابنُ أبي شيبة (11/ 478)، وابنُ سعدٍ في "الطَّبَقات"(1/ 20)، والطَّبَرانِيُّ في "الكبير"(ج 22/ رقم 161)، والبَيهَقِيُّ في "السُّنَن الكبير"(7/ 134)، وفي "الدَّلائل"(1/ 165)، والخطيبُ (13/ 64)، واللَّالَكَائِيُّ في "شرح الأُصول"(1400)، والجَوْرْقَانِيُّ في "الأباطيل"(1/ 170)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(13/ 194) من طريق الأَوْزَاعِيِّ، حدَّثَني أبو عمَّارٍ شَدَّادٌ، عن وَاثِلَة بن الأَسقَعِ مرفُوعًا به. واللهُ أعلَمُ.

ص: 224

196 -

سُئلتُ عن حديثٌ: "مَن أَدرَكَ رَكعَةً مِن صَلَاةِ الصُّبح قَبلَ أَن تَطلُعَ الشَّمسُ، وَرَكعَةً إِذَا طَلَعَت، فَقَد أَدرَكَ الصَّلَاةَ. ومَن أَدرَكَ رَكعَتَينِ مِنَ العَصرِ قَبلَ أَن تَغرُبَ الشَّمسُ، وَرَكعَتَينِ بَعدَ أَن تَغرُبَ، فَقَد أَدرَكَ".

• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ بهذا اللَّفظ.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(8125)، قال: حدَّثَنا مُوسَى بنُ هارون، نا مَنصُورُ بنُ أبي مُزاحمٍ، نا يزيدُ بنُ يُوسُف، عن الزُّبَيدِيِّ، عن الزُّهريِّ، عن الأعرج، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا:"من صلَّى ركعةً مِن صلاة الصُّبح قبل أن تَطلُع الشَّمسُ، وركعةً إذا طَلَعَت، فقد أَدرَكَ الصَّلاة. ومن أدرك ركعتين من صلاة العَصر قبل أن تَغِيب الشَمسُ، وركعتين بعد أن تَغرُب فقد أدرَكَهَا - يعني: العَصر - ".

وأخرَجَه الطَّبَرَانِيُّ في "مُسنَد الشَّاميِّين"(1811) بذات الإسناد، ولكن وَقَع عنده: "ومن أدرك ركعةً من العَصرِ

".

قال الطبرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن الزُّهريِّ إلَّا الزُّبَيدِيُّ، ولا عن الزُّبَيدِيِّ إلَّا يزيدُ بنُ يُوسُف. تفرَّدَ به مَنصُورُ بنُ أبي مُزاحمٍ".

• قلتُ: قلتُ: ويزيدُ بن يُوسُف تَرَكه النَّسَائيُّ، وقال ابن مَعِينٍ:"ليس بثِقَةٍ، لا يُساوِي شيئًا"، وقال صالحٌ جَزَرَةُ:"ترَكُوه"، وقال ابنُ عَديٍّ:"مع ضعفِه يُكتَب حديثُه".

ص: 225

وقال الدَّأرَقُطنِيُّ: "لا يَستحِق عندي التَّركَ".

وهو شِبهُ المتروك. وقد تفرَّد عن الزُّبَيدِيِّ بهذا اللَّفظ المُنكَر.

وقد رواه جماعةٌ عن أبي هُريرَة، منهم الأعرجُ، كُلُّهم يقول في المحفوظ عنهم:"ومن أدرك ركعةً من العَصر".

وذِكرُ إدراك "الرَّكعتين" قبل المَغرِب شاذٌّ.

وهاك تحقيقُ المَقام.

فقد رَوَى الحديثَ بهذا اللَّفظ، عن أبي هُريرَة ثلاثةٌ.

* أوَّلُهُم: ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

أخرَجَه النَّسَائِيُّ في "الكُبرَى"(1513 - الرِّسالة)، وفي "المُجتبَى"(1/ 257)، وابنُ خُزَيمَة (984) قالا: أخبَرَنا محُمَّدُ بنُ عبد الأعلى الصَّنعَانِيُّ، ثنا المُعتَمِرُ بنُ سُليمان، قال: سمعتُ مَعمَرًا يُحَدِّث، عن ابن طاوُوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبَّاسٍ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا:"مَن أدرك ركعتين مِن العصر قبل أن تَغرُب الشمس، أو ركعةً من الصُّبح قبل طُلُوع الشَّمس، فقد أدرك".

وتابَعَهُ سُليمانُ بنُ داوُد الشَّاذَكُونِيُّ، قال: ثنا مُعتَمِرٌ بهذا بلفظ: "ركعتين".

أخرَجَهُ أبو نُعيمٍ في "المُستخرَج"(1358).

وخالفَهُما أحمدُ بنُ المِقدام العِجِليُّ، فرواه عن المُعتَمِر بهذا الإسناد، بلفظ: "من أدرك ركعةً من العصر

الخ ".

أخرجه ابنُ خُزَيمَة (984)، والبَزَّارُ (ج 2/ ق 180/ 1) قالا: ثنا

ص: 226

أحمدُ بنُ المِقدَام بهذا.

ولمَّا رَوَى ابنُ خُزَيمَة هذا الحديثَ، رواه عن شَيْخَيهِ مُحمَّدِ بن عبد الأعلى، وأحمدَ بنِ المِقدام معًا، عن المُعتَمِر بلفظ:"من أدرك ركعتين"، فإِمَّا أن يكون اللَّفظُ الذي ذَكَره ابنُ خُزَيمة هو لفظُ الصَّنعَانِيِّ، وحَمَل عليه لفظَ أحمدَ بنِ المِقدَام - وهذا هو الذي يَظهَرُ لي -، وإمَّا أن يكون اختُلِف على أحمدَ بنِ المِقدَام - وهذا بعيدٌ عِندِي -.

وتابَعْ أحمدَ بنَ المِقدَام على هذا اللَّفظ: عبدُ الأعلى بنُ حمَّادٍ النَّرْسِيُّ، قال: ثنا مُعتَمِرٌ بهذا الإسناد، بلفظ: "من أدرك ركعةً من العصر

".

أخرجه مُسلِمٌ (608/ 165) ..

وأبو نُعيم في "المُستخرَج"(1358) عن الحَسَن بن سُفيان، وأبي يعلى - وهذا في "مُسنَده"(5893) -، قالوا: ثنا عبدُ الأعلى بنُ حمَّادٍ، ثنا مُعتَمِرٌ بهذا.

ولكن وَقَع في "المُستخرَج" عند أبي نُعيمٍ بلفظ: "ركعتين" ..

فرواه من طريق المُعتَمِر، وعبدِ الرَّزَّاق كِلَيهِما، عن مَعمَرٍ بهذا اللَّفظ، وقال:"لفظُهُما سواءٌ"، يعني أن مُعتَمِرًا وعبدَ الرَّزَّاق، روياه عن مَعمَرٍ بلفظ:"ركعتين"، ثُمَّ قال:"رواه مُسلِمٌ، عن الحَسَن بنِ الرَّبيع، عن ابنِ المُبارَك. وعن عبد الأعلى، عن مُعتَمِرٍ".

• قلتُ: قلتُ: وهاهنا مُلاحَظتان ..

الأولى: ما يتعلَّقُ برواية المُعتَمِر، عن مَعمَرٍ.

فإنَّ أبا نُعيمٍ رواها من طريق الشَّاذَكُونِيِّ، وعبدِ الأعلى بنِ حمَّادٍ،

ص: 227

كليهما عن مُعتَمِرٍ.

أمَّا روايةُ الشَّاذَكُونِيِّ - وهو مُتكلَّمٌ فيه بكلام شديدٍ -، فلا أستطيع الجزمَ بلفظِهِ عن مُعتَمِرٍ: هل هو "من أدرك ركعة"، أو "ركعتين"؟ أمَّا عبدُ الأعلى بنُ حمَّادٍ النَّرْسِيُّ، فروايتُه عن مُعتَمِرٍ:"من أدرك ركعةً"، كما جاء مُصرَّحًا به عند أبي يعلى. وأحال مُسلِمٌ لفظَهُ على ما قبلَه، وما قبلَه جاء بلفظ:"ركعةٍ".

وأستطيعُ الجزمَ أنَّ الحسن بن سُفيان رواه عن عبدِ الأعلى بنِ حمَّادٍ، كما رواه مُسلِمٌ، وأبو يعلى.

فقولُ أبي نعيمٍ: "لفظُهُما سواءٌ" تسامحٌ واضحٌ، إلَّا أن يكون تَصَحَّف، وطبعةُ "المُستخرَج" في غاية السُّوء.

الثَّانية: قولُه: "رواه مُسلِمٌ

الخ".

فلم يَقَع عِند مُسلِمٍ لفظُ "الرَّكعتين"، فلعلَّه قَصَد أصلَ الحديث، مع قَطعِ النَّظَر عن خُصوص ألفاظِهِ، كما يفعل البَيهَقِيُّ وغيرُه.

بل رواه المُعتَمِرُ بنُ سُليمانَ مرَّةً أُخرَى، عن مَعمَرِ بن راشدٍ، عن الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمَة -، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا "من أدرك من العصر ركعةً، فقد أدركها

".

أخرَجَهُ ابنُ خُزَيمَة (985) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ عبد الأعلى، وأبو الأشعث، قالا: ثنا مُعتَمِرٌ، عن مَعمَرٍ بهذا.

كذا وَقَع في مطبوعة ابن خُزَيمَة، وقد ارْتَبْتُ فيه؛ لأنَّ ابن خُزَيمَة رواه قَبلَهُ مباشَرةً عن محُمَد بن عبد الأعلى، وأبي الأشعثِ أحمدَ بنِ

ص: 228

المِقدَام، عن مُعتَمِرٍ، عن مَعمَرٍ، عن ابن طاوُوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبَّاسٍ، عن أبي هُريرَة.

فراجعتُ "إتحاف المَهَرَة"(16/ 1/ 99) فرأيته كذلك، وأنَّ الحافظ جعَلَه في ترجمة:"أبي سَلَمة، عن أبي هُريرَة".

وأَخشَى أن يكون وقع لابن خُزَيمَةَ خَلْطٌ؛ لأنَّه أكثر من تحويل الأسانيد في هذا المَوضِع. واللهُ أعلَمُ.

ولعلَّ الاختلافَ في اللَّفظ من المُعتَمِر لثقة من رَوَى عنه اللَّفظين جميعًا. والمُعتَمِرُ ثقةٌ، ولكن تَكَلَّم في حفظه بعضُ العُلماء، مثلُ يحيى القَطَّان، وابن خِرَاشٍ، ونقل ابنُ دِحيَةَ، عن ابن مَعِينٍ أنَّه قال:"ليس بِحُجَّةٍ"، وأنا في ارتياب من هذا النَّقل، وأخشى أن يَكُون ابنُ دِحيَةَ قرأ ما نُسِب إلى يحيى القَطَّان، فرآه عن يحيى غيرَ مَنُسوبٍ، فظنَّه ابنَ مَعِينٍ، وعبَّر بلفظِه، ولم أَرَ من نَسَب هذا القولَ إلى ابنِ مَعِينٍ غيرَهُ. واللهُ أعلَمُ.

وقد تُوبِع المُعتَمِر على لفظ "الرَّكعتين" ..

تابعه عبدُ الرَّزَّاق بنُ هَمَّامٍ، فرواه عن مَعمَر بن راشدٍ بهذا الإسناد كذلك.

أخرَجَهُ أبو عَوَانة (1101) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ مُهِلٍّ - بضمِّ اليم، وكسر الهاء، وتشديد اللَّام - الصَّنعَانِيُّ ..

وأبو نُعيمٍ (1358) عن إسحاق بن رَاهَوَيهِ، قالا: ثنا عبدُ الرَّزَّاق بهذا.

• قلتُ: قلتُ: هكذا رواه أبو نعيمٍ، من طريق إسحاق بن رَاهَوَيهِ، عن

ص: 229

عبد الرَّزَّاق، فقال:"ركعتين".

ولكن رواه أبو العبَّاس السَّرَّاجُ في "مُسنَده"(937) قال: حدَّثَنا إسحاقُ بنُ إبراهيم - هو ابن رَاهَوَيهِ -، قال: أنا عبدُ الرَّزَّاق بهذا الإسناد، فقال فيه: "مَن أدرك مِن العصر ركعةً

".

وقد رواه جماعة، عن عبد الرَّزَّاق، عن مَعمَرٍ، بإسنادٍ آخرَ - يأتي إن شاء الله تعالى -، بلفظ "ركعةٍ".

وتابَع عبدَ الرَّزَّاق: عبدُ الله بنُ المُبارَك، فرواه عن مَعْمَرٍ بهذا الإسناد بلفظ: "مَن أَدرك مِن العصر ركعتين

".

أخرَجَهُ الخطيبُ في "تاريخه"(8/ 455) من طريق عبَّاس بن محُمَّدٍ الدُّورِيِّ، ثنا زكريَّا بنُ عَدِيٍّ - وكان من خِيار خلق الله -، ثنا ابن المُبارَك، عن مَعمَرٍ بهذا.

وزكريَّا بنُ عَدِيٍّ أحدُ الثِّقات، غَمَزَهُ ابنُ المُبارَك بشيءٍ لا يَضُرُّه، ولكن خالَفَهُ حسنُ بنُ الرَّبيع، فرواه عن ابن المُبارَك، عن مَعمَرٍ بهذا الإسناد، بلفظ: "مَن أدرك مِن العصر ركعةً

".

أخرجه مُسلِمٌ (608/ 165)، وأبو داوُد (412) ..

وأبو عَوَانَةَ (1102) قال: حدَّثَنا يعقُوبُ بنُ سُفيان، وإسحاقُ بنُ بَاحَوَيْهِ، قال أربَعَتُهم: ثنا حسنُ بنُ الرَّبيع بهذا.

والحسنُ بنُ الرَّبيع ثِقَةٌ جليلٌ، ويبدو أنَّه كان عارَفًا بابن المُبارَك، لحكايةٍ ذَكَرَها المِزِّيُّ في "تهذيبه"(6/ 151).

وأمَّا عبدُ الرَّزَّاق، فقد رواه عنه محُمَّدُ بنُ مُهِلٍّ، وإسحاقُ بنُ رَاهَوَيهِ.

ص: 230

وذَكَر المِزِّيُّ في "الأطراف"(13576) أنَّ مُسلِمًا رواه عن عَبدِ بن حُميدٍ، عن عبد الرَّزَّاق، عن مَعمَرٍ، عن ابن طاوُوسٍ بهذا الإسناد، وهو سَبقُ نَظَرٍ منه؛ فالذي في مُسلِمٍ (608/ 163) أنَّه يرويه عن عَبد بن حُميدٍ، عن عبد الرَّزَّاق، عن مَعمَرٍ، عن الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمة، عن أبي هُريرَة.

ورواه رَبَاحُ بنُ زيدٍ الصَّنعَانِيُّ - وهو ثقةٌ جليل -، عن مَعمَرٍ، عن ابن طاوُوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبَّاسٍ، قال:"مَن أَدرك مِن العصر ركعةً قبل أن تَغرُب الشَّمسُ، فقد أدركها"، يروي ذلك، عن ابن عبَّاسٍ، عن أبي هُريرَة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"ومَن أَدرك مِن الفَجر ركعةً قبل أن تَطلُع الشَّمسُ، فقد أدركها".

أخرَجَهُ أحمد (2/ 282، قال: حدَّثَنا إبراهيمُ بنُ خالدٍ، حدَّثَنا رَبَاحٌ بهذا الإسناد.

• قلتُ: قلتُ: فقد رأيتَ، أراك اللهُ الخيرَ، أنَّه قد اختُلِف على المُعتَمِر، وابن المُبارَك، وعبد الرَّزَّاق، في هذا الحرف. فمِن الرُّواة من رواه عنهم بلفظ "ركعةٍ"، ورواه آخَرُون بلفظ "ركعتين"، ولم يُختَلَف على رَبَاحِ ابنِ زيدٍ فيما أعلمُ.

والصَّحيحُ الذي لا مَحِيدَ عنه، أنَّ لفظ "الرَّكعتين" شاذٌّ، والصَّواب:"مَن أَدرك مِن ركعةً".

ولم يَختَلِف الرُّواة في صلاة الفجر، وأنَّها تُدرَك بركعةٍ.

ومِمَّا يدلُّ على صِحَّة ما أقولُ، أنَّ جَمعًا من الرُّواة رَوَوهُ عن عبد الرَّزَّاق، أنا مَعمَرٌ، عن الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمة، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا: "مَن

ص: 231

أَدرك مِن العصر ركعةً قبل أن تَغرُب الشَّمسُ، فقد أَدركها، ومَن أَدرك مِن الفجر ركعةً قبل أن تَطلُع الشَّمسُ، فقد أَدركها".

أخرَجَهُ مُسلِمٌ (608/ 163) قال: حدَّثَنا عبدُ بنُ حُميدٍ ..

وأحمدُ (2/ 254) ..

وأبو عَوَانَة (1105) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ مُهِلٍّ الصَّنعَانِيُّ ..

وابنُ الجارُود في "المُنتَقَى"(152) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ يحيى ..

والسَّرَّاج في "مُسنَده"(929) قال: حدَّثَنا إسحاقُ بنُ إبراهيم، والحسنُ بنُ عليٍّ الحُلوَانِيُّ ..

وأبو نُعَيمٍ في "المُستخرَج"(1357) عن الدَّبَرِيِّ، قالوا: ثنا عبد الرَّزَّاق - وهذا في "مُصنَّفه"(ج 1/ رقم 2224) - قال: أخبَرَنا مَعمَرٌ بهذا. وتُوبع عبدُ الرَّزَّاق على هذه الرِّواية ..

تابَعَهُ عبدُ الأعلى بنُ عبد الأعلى، فرواه عن مَعمَرٍ بهذا الإسناد.

أخرَجَهُ ابن ماجَهْ (700) قال: حدَّثَنا جَميلُ بنُ الحَسَن ..

وأحمدُ (2/ 260) ..

وأبو نُعيمٍ في "المُستخرَج"(1357) عن محُمَّد بن أبي بكرٍ المُقَدَّمِيِّ، قالوا: ثنا عبدُ الأعلَى بهذا.

• قلتُ: قلتُ: كذا رواهُ عبدُ الرَّزَّاقُ وعبدُ الأعلَى.

وخالَفهُما سعيدُ بنُ أبي عَروبَةَ، فرواه عن مَعمَرٍ بهذا الإسناد بلفظ: "من أدرَكَ من صلاة الصُّبح ركعةً قبل أن يطلُع قرنُ الشَّيطان الأوَّلُ فقد أدرَكَ. ومَن أدرك من صلاة العَصر ركعةً أو اثنتَين قبل أن تَغرُب

ص: 232

الشَّمسُ فقد أدرَكَ".

هكذا بالشَّكِّ في صلاة العَصر.

أخرَجَه النَّسائِيُّ في "الكُبرى"(1534/ 2) قال: أنبأنا عِمرانُ بنُ موسَى، قال: حدَّثنا مُحمَّدُ بنُ سَوَاءٍ، عن سعيد بن أبي عَرُوبَة بهذا.

وهذه روايةٌ مُنكَرَةٌ؛ وسعيدُ: بنُ أبي عَرُوبة كان اختَلَط، ومحُمَّدُ بنُ سواءٍ ليس من قُدماء أصحابِهِ، فهذا الشَّكُّ منه. واللهُ أعلم.

وانتَظِر ما يأتي إن شاء اللهُ تعالى.

* الطَريق الثَّانية: الأعرجُ، عن أبي هُريرَة.

فقد مَضَى في أوَّل البحث أنَّ محُمَّدَ بنَ الوليد الزُّبَيْدِيَّ، يرويه عن الزُّهرِيِّ، عن الأعرج، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا، بلفظ: "ومَن أَدرَك ركعتين مِن العصر

".

وتَفرَّد به عن الزُّبَيْدِيِّ يزيدُ بنُ يوسُف، وهو مُنكَرٌ الحديث.

وليس هذا بمحفُوظٍ، لا عن الزُّبَيْدِيِّ، ولا عن الزُّهرِيِّ، ولا عن الأعرج - أعني: لفظ "الرَّكعتين" -، إنَّما المحفوظُ:"مَن أَدرَك مِن العصر ركعةً"، كما يأتي.

نعم! تُوبع الزُّهرِيُّ، عن الأعرج، على لفظ "الرَّكعتين" ..

تابَعَه زيدُ بنُ أَسلَم، فرواه عن الأعرج، وفُلانٍ، أنَّهُما شَهِدَا على أبي هُريرَة، أنَّه سَمِع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ومَن أَدرَك ركعتين مِن العصر قبل أن تَغِيب الشَّمسُ، فلم تَفُتْهُ

".

أخرَجَهُ ابنُ عَدِيٍّ في "الكامل"(6/ 2146) قال: حدَّثَنا عبدُ الله بنُ

ص: 233

محُمَّد بن نَاجِيَةَ، والعبَّاسُ بنُ أحمدَ بنِ محُمَّد بن عيسى البِرْتِيُّ، قالا: ثنا عبدُ الله بنُ مُعاوية الجُمَحِيُّ، ثنا محُمَّدُ بنُ ثابت العَبْدِيُّ، ثنا رَوْحُ بنُ القاسم، عن زيد بن أَسلَم بهذا.

كذا وَقَع في كتاب ابن عَدِيٍّ.

وأخرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ في "الأوسط"(2942) قال: حدَّثَنا إبراهيمُ بنُ مَتَّوَيهِ الأَصبَهَانِيُّ، قال: نا عبدُ الله بنُ مُعاوية الجُمَحِيُّ بهذا الإسناد سواء، فقال: "ومَن أَدرَك ركعةً مِن صلاة العصر

الخ".

قال الطَّبَرَانِيُّ: "لم يَروِه عن رَوْحٍ إلا محُمَّدٌ، ولا عن محُمَّدٍ إلا عبدُ الله ابنُ مُعاوية".

وقال ابنُ عَدِيٍّ: "لا أعلم يرويه عن رَوْحٍ إلا محُمَّدُ بنُ ثابتٍ".

ومحُمَّدُ ينُ ثابتٍ العَبْدِيُّ ضعيفٌ، ولا يُحتَمَلُ لمثله التَّفرُّدُ عن الثِّقات، والاختلافُ في هذا الحرفِ لا أَجزِمُ أنَّه منه؛ لأنَّ طبعة "الكامل" سيِّئةٌ جدًّا، فقد يكونُ هذا الحرفُ تَصَحَّف فيها.

سَلَّمْنَا أنَّه على الصَّواب، فهذا مُنكَرٌ عن زيد بن أَسلَم؛ فقد رواه الثِّقاتُ عنه، عن الأعرج، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا: "مَن أَدرَك ركعةً مِن العصر

الخ".

فأخرَجَهُ البُخارِيُّ في "المواقيت"(2/ 56)، ومُسلِمٌ (608/ 163)، وأبو عَوَانَةَ (1054)، وأبو نُعَيمٍ (1355)، كلاهما في "المُستخرَج على مُسلِمٍ"، والنَّسَائِيُّ في "الكُبرَى"(1514)، والتِّرمِذِيُّ (186)، والدَّارِمِيُّ (1/ 222)، والشَّافِعِيُّ في "مُسنَده"(161)، وابنُ خُزَيمَةَ

ص: 234

(985)

، والبَزَّارُ في "مُسنَده"(8211، 8705)، وابنُ المُنذِر في "الأوسط"(2/ 348)، والطحَاوِيُّ في "شرح المعاني"(1/ 151)، وابنُ عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(3/ 270)، والبَيهَقِيُّ في "السُّنَن الكبير"(1/ 386)، وفي "الصُّغرى"(266، 267)، وفي "المعرفة"(2/ 191، 206، و 3/ 418) مِن طُرُقٍ عن مالكٍ - وهو في "مُوطَّئِه"(1/ 6/ 5) -، عن زيد بن أَسلَم، عن عطاء بن يَسَارٍ، وبُسرِ بن سعيدٍ، والأعرج، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا.

وكذلك رواه مِن حديثٌ زيد بن أَسلَم، عن الأعرجِ، عن أبي هُريرَة، مرفُوعًا، بلفظ:"ركعةٍ" جماعةٌ.

فأخرَجَهُ ابنُ ماجَهْ (699)، وابنُ خُزَيمَةَ (985)، والبَزَّارُ (8706، 8904)، والسَّرَّاجُ (1202، 1203)، والبَيهَقِيُّ (1/ 378)، عن عبد العزيز بن محُمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ ..

وأبو عَوَانَةَ (1055، 1056)، وابنُ عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(3/ 273) عن حفص بن مَيسَرَة ..

وابنُ خُزَيمَةَ (985) عن عبد الله بن جعفَرٍ ..

والسَّرَّاجُ (1204، 1205) عن مُسلِمٌ بن خالدٍ الزِّنجِيِّ، وأبي غَسَّان عُمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ ..

والبَزَّارُ (8918) عن هشام بن سَعدٍ، كُلُّهُم عن زيد بن أَسلَم بهذا.

وتابعهم زُهَيرُ بنُ محُمَّدٍ، فرواه عن زيد بن أَسلَم بهذا، مثلَ لفظ الجَمَاعة.

ص: 235

أخرَجَهُ ابنُ حِبَّان (1484) من طريق أبي عامرٍ العَقَدِيِّ عبدِ المَلِك بن عَمْرٍو، عن زُهير.

وخُولِف أبو عامرٍ ..

خالفه الطَّيَالِسِيُّ، فرواه في "مُسنَده" (2503) عن زيد بن أَسلَم بهذا بلفظ: "مَن أَدرَك مِن العصر ركعتين - أو: ركعةً - قبل أن تَغرُب الشَّمسُ، لم تَفُتْهُ

".

هكذا على الشَّكِّ.

وهذا الشَّكُّ عِندِي من زُهيرِ بنِ محُمَّدٍ؛ فقد رماه أبو حاتمٍ بسُوء الحفظِ.

ولم أقف على رواية أَحَدٍ رواه عن زيد بن أَسلَم شَكَّ في هذا الحرف، بل كُلّهم يقول:"ركعةً"، دون شَكٍّ. واللهُ أعلَمُ.

وكذلك رواه عن الأَعرَج جماعة آخَرُون، كُلُّهم يقولُ:"مَن أَدرَك مِن العصر ركعةً"، وبعضُهم يقولُ:"سجدةً"، ولم يَذكُر واحدٌ مِنهُم "الرَّكعَتَين".

أخرَجَهُ النَّسَائِيُّ في "المُجتبَى"(1/ 273)، وفي "الكُبرَى"(1451)، وأحمدُ (2/ 474)، وابنُ خزَيمَةَ (285)، والسَّرَّاجُ في "مُسنَده"(1207، 1208) عن عبد الله بن سعيد بن أبي هندٍ ..

وأبو يَعلَى (6284، 6302، 6332)، والسَّرَّاجُ (1211، 1212، 1213، 1214)، والدَّارَقُطنِيُّ (2/ 84) عن أبي الزِّنَاد ..

وأبو عَوَانَةَ (1055) عن مُوسَى بن عُقبَة، ثلاثَتُهُم عن الأعرج، عن

ص: 236

أبي هُريرَة مرفُوعًا بهذا.

* الطَّريقُ الثَّالثة: أبو صالحٍ، عن أبي هُريرَة.

وهذا يرويه عن أبي صالحٍ: وَلدُه سُهيلٌ، والأعمشُ.

أمَّا حديثٌ سُهيلٍ ..

فيرويه محُمَّدُ بنُ جعفرٍ غُندَرٌ، قال: ثنا شعبة، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هُريرَة مرفوعًا:"مَن أدرك من الصُّبح ركعةً قبل طلوع الشَّمسِ، فقد أدرك الصَّلاةَ، ومن أدرك ركعتين من العصرِ قبل أن تغيب الشَّمسُ، فقد أدرك الصَّلاة".

أخرجه أحمدُ (2/ 459) ..

وابنُ خُزيمة (985) قال: أخبَرَنا أبو موسى محُمَّدُ بنُ المُثنَّى، قالا: ثنا مُحمَّدُ بنُ جعفرٍ بهذا.

وخالفهما محُمَّدُ بنُ بشَّارٍ بُندَارٌ، فرواه عن محُمَّد بن جعفرٍ غُندَرٌ، قال: ثنا شعبة بهذا الإسناد، بلفظ: "

ومن أدرك من العصر ركعةً

".

أخرجه ابنُ خُزيمة (985).

ولكن تُوبع غُندَرٌ، عن شعبةَ، على لفظ "الرَّكعتين" ..

أخرجه أحمدُ (2/ 459) قال: حدَّثَنا أبو النَّضر - هو: هاشم بن القاسم - ..

والطَّحاويُّ في "شرح المعاني"(1/ 150) عن وهب بن جَريرٍ، قالوا (يعني: مُحمَّدَ بنَ جعفرٍ، وأبا النَّضر، ووهبَ بنَ جَويرٍ). ثنا شُعبةُ بهذا الإسناد.

ص: 237

وتُوبع شُعبةُ، عن سهيلٍ بهذا الإسناد، على لفظ "ركعة" ..

تابعه عبدُ العزيز بنُ أبي حازمٍ، فرواه عن سُهيلٍ بسنده سواء.

أخرجه ابنُ خُزيمة (985) قال: أخبَرَنا يعقوبُ بنُ إبراهيم، قال: ثنا ابنُ أبي حازمٍ بهذا.

وسنَدُه جيِّدٌ.

وأخرجه الطَّيالِسِيُّ (2553 - الطَّبعة الجديدة) قال: حدَّثنا وُهيبٌ - هو ابنُ خالدٍ -، قال: ثنا سُهيل بهذا، بلفظ: "من صلَّى من العصر ركعتين - أو: ركعةً، الشَّكُّ من أبي بِشرٍ - قبل أن تغرُب الشَّمس، فقد أدرك

".

• قلتُ: قلتُ: كذا وقع في مطبوعة "المُسنَد" في الطَّبعة الجديدة: "الشَّكُّ من أبي بِشرٍ"، ولا وجود لمن يُكْنَى أبا بِشرٍ في الإسناد. ولعلَّ الصَّواب:"مِن أبي بَكرٍ"، وهي كُنيةُ وُهيبِ بِن خالدٍ. والله أعلم.

ويُشبِهُ أن يكون الاضطراب في هذا الحديث من سُهيلٍ؛ فقد كانت أصابَتهُ علَّةٌ في آخر حياته، خفَّ بها ضبطُه.

وقد تُوبع سُهيلٌ، عن أبي صالحٍ، في لفظ "الرَّكعتين" ..

تابعه الأعمشُ، فرواه عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة مرفوعًا:"من أدرك ركعتين من العصر، ثُمَّ غرَبت الشَّمسُ، فقد أدرك الصَّلاة".

أخرجه الخطيبُ في "تاريخه"(7/ 401)، ومن طريقه ابنُ الجَوزِيُّ في "الواهيات"(1/ 438) من طريق الحسن بن الفضل بن السَّمح البُوصَرَائِيِّ، قال: حدَّثَنا أبو هارونَ الرَّازيُّ محُمَّدُ بنُ خالد بن يزيد، ثنا عبدُ الصَّمَد بنُ عبد العزيز، عن عمرِو بن أبي قيسٍ، عن شُعيب بن

ص: 238

خالدٍ الرّازيِّ، عن الأعمش بهذا.

وأعلَّ هذا الإسنادَ ابنُ الجَوزِيَ، فقال:"هذا حديثٌ لا يصحُّ؛ وفيه الحسنُ بنُ الفضل، يقال له: البُوصَرَائِيُّ. قال أبو الحُسين ابن المنادِي: أَكثَرَ النَّاسُ عنه، ثُمَّ انكشف أمرُه، فرَمَوْا حديثَه" انتهى. زاد الخطيب على ما نقله ابنُ الجَوزيِّ عنه: "وخَرَق أخي كلَّ شيءٍ كتبه عنه؛ لأنَّه تبيَن له أمرُه".

• قلتُ: قلتُ: سيأتي من غير طريقه إن شاء الله تعالى.

وأبو هارون الرَّازيُّ محُمَّدُ بنُ خالدٍ، ترجمه ابنُ أبي حاتمٍ (3/ 2/ 245)، وقال:"كتبتُ عنه مع أبي. وهو صدوقٌ وكان يختم القرآن في كلِّ يومٍ وليلةٍ".

وتابعه أبو حاتمٍ الرَّازيُّ، قال: قرأتُ على عبد الصَّمد العطَّارِ، عن عمرو بن أبي قيسٍ بهذا الإسناد.

أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ في "العلل"(402)، لكن وقع اللَّفظ عنده على الجادَّة: "من أدرك من العصر ركعةً

".

وعبدُ الصَّمد بنُ عبد العزيز المقرِئُ العطَّارُ، ترجمه ابنُ حِبَّان في "الثِّقات"، وقال:"مِن أهل الرَّيِّ. يَروِي عن عمرِو بنِ أبي قيسٍ، عن سِمَاكٍ. روى عنه: محُمَّدُ بنُ مُسلم بن وَارَهْ"، ولم يَزِد.

وعمرُو بنُ أبي قيسٍ صدوقٌ متماسكٌ. قال أبو داوُد مرَّةً: "في حديثه خطأٌ"، وقال مرَّةً:"لا بأس به". ووثَّقه ابن معينٍ وابنُ حِبَّان.

وقال البَزَّارُ: "مستقيمُ الحديثِ".

ص: 239

وشُعيبُ بنُ خالدٍ ثقةٌ.

فالإسنادُ إلى الأعمش هنا ليس بذاك، مع اختلاف الرُّواة في لفظ "الرَّكعة" و "الرَّكعتين".

وقد رواه آخرُون عن الأعمش:

1 -

مُحمَّدُ بنُ عيَّاشٍ العامِرِيُّ، عن الأعمش.

أخرَجَه البخاريُّ في "التَّاريخ الكبير"(1/ 1/ 202) معلَّقًا. ووصله ابنُ أبي حاتمٍ في "العلل"(402) قال: قال أبي: حدَّثَنا حجَّاجُ بنُ الشَّاعر، ثنا عُبيدُ الله الحنفيُّ، ثنا مُحمَّدُ بنُ عيَّاشٍ العامِرِيُّ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرة مرفوعًا:"من أدرك ركعتين من العصر، فقد أدرك، والفجرُ مثلُه".

هذا لفظ البُخاريِّ.

ولفظ أبي حاتمٍ على الجادَّة: "من أدرك ركعةً من العصر

".

ولفظُ البُخاريِّ مُنكَرٌ؛ لأنَّه يقول: "والفجرُ مثلُه"، يعني أنَّه لا يُدرِك الصَّلاةَ إلا بركعتين، والفجرُ ركعتان فحسب. ثُمَّ إنَّ الرُّواة، مع اختلافِهم في العصر: أيُدرَك بركعةٍ أو بركعتين، لم يختَلِفُوا في أنَّ الفجر يُدرَك بركعةٍ.

ومحُمَّدُ بنُ عيَّاشٍ العامِرِيُّ، قال الدَّارَقُطنِيُّ:"صالحٌ، عزيز الحديث"، وذكره ابنُ حِبَّان في "الثِّقات"، وترجمه ابنُ أبي حاتمٍ، ونقل عن أبيه، قال:"شيخٌ كوفِيٌّ". فليس فيه توثيقٌ معتبَر.

مع الاضطراب في لفظ الحديث.

ص: 240

وصرَّح أبو حاتمٍ في "العلل"(402) أنَّه لم يروِ عنه إلَّا عُبيدُ الله الحنفيُّ، فهو مجهولُ العَين.

2 -

عبدُ الله بنُ عبد القُدُّوس، عن الأعمش.

أخرجه البَزَّار (ج 2/ ق 217/ 2) قال: حدَّثنا عبَّادُ بنُ يعقوب، نا عبدُ الله بنُ عبد القُدُّوس، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هُريرَة مرفوعًا:"من أدرك ركعةً من صلاة الصُّبح قبل أن تطلع الشَّمسُ، فقد أدرك، ومن أدرك ركعةً من العصر - أو: ركعتين - قبل أن تغرُب الشمسُ، فقد أدرك".

هكذا رواه عبدُ الله بنُ عبد القُدُّوس، عن الأعمش، على الشَّكِّ في العصر:"ركعةً - أو: ركعتين - ". وابنُ عبد القُدُّوس ضعيفٌ.

3 -

أبو حمزة السُّكَّرِيُّ، عن الأعمش.

أخرجه الرَّامَهُرمُزِيُّ في "المحدِّث الفاصل"(493) قال: حدَّثَنا عُمرُ ابنُ أيُّوب، ثنا ابنُ أبي رِزمَة، ثنا عَبْدانُ، عن أبي حمزة، قال: قرأتُ على الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة مرفوعًا: "من أدرك من العصر ركعةً قبل أن تغيب الشَّمس، فقد أدرك

".

وهذا إسنادٌ رجاله ثقاتٌ، ظاهرُهُ الصِّحَّة.

وعُمرُ بنُ أيُّوب هو ابنُ إسماعيل بنِ مالكٍ أبو حفصٍ السَّقَطِيُّ. سمع عبدَ الأعلى بنَ حمَّادٍ، ومحمودَ بنَ غَيلانَ، وداوُدَ بنَ رُشَيدٍ، وهذه الطَّبقة. ترجمه الخطيبُ (11/ 219) وقال:"كان ثقةً"، ونقك عن الدَّارَقُطنِيِّ توثيقَه.

ص: 241

وابنُ أبي رِزمة هو محُمَّدُ بنُ عبد العزيز بن أبي رِزمة. أحدُ الثِّقات. وثَقَه النَّسائِيُّ والدَّارَقُطنِيُّ وابن حِبَّان (9/ 95). وقال أبو حاتمٍ: "صدوقٌ".

وعَبْدانُ هو عبدُ الله بنُ عُثمان. أحدُ الثِّقات. من مشايخ البُخاريِّ.

وأبو حمزة السُّكَرِيُّ هو محُمَّدُ بنُ ميمونَ. ثقةٌ نبيلٌ. لكن قال النَّسائيّ: "كان قد ذهب بصرُه في آخر عُمره، فمن كتب عنه قبل ذلك فحديثُه جيِّدٌ".

• قلتُ: ويظهرُ أنَّ هذا الحديث ليس ممَّا عناه النَّسائيّ؛ بدليل قوله: "قرأتُ على الأعمش".

ومع أنَّ الإسنادَ كما رأيتَ، إلَّا أنَّ الثِّقاتِ من أصحاب الأعمش رووه عن الأعمش موقُوفًا.

ولذلك قلتُ عن حديث أبي حمزة: "ظاهرُهُ الصِّحَّةُ"؛ لأنَّه مُعلٌّ بالوقف، كما يأتي إن شاء الله تعالى.

4 -

سفيانُ الثَّوريُّ، عن الأعمش.

ذكر ذلك أبو حاتمٍ الرَّازيُّ - كما في "علل وَلَده"(384) -، من رواية النُّعمانَ بنِ عبد السَّلام، عن الثَّوريِّ.

ولم أقف على هذه الرِّواية.

والذي وقفتُ عليه أنَّ الثَّوريَّ يرويه عن الأعمش موقوفًا.

فأخرجه محُمَّدُ بنُ عاصمٍ في "جزئه"(46) ..

وأبو الشَّيخ في "الطَّبقات"(2/ 222) قال: حدَّثَنا إبراهيمُ بنُ مُحمَّد ابن الحارث - هو: ابنُ نائلة -، قالا: ثنا محُمَّدُ بن المغيرة - زاد مُحمَّدُ بنُ

ص: 242

عاصمٍ: وأبو سُفيان صالحُ بنُ مِهرانَ، قالا: - ثنا النُّعمانُ بن عبد السَّلام، ثنا الثَّوريُّ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة، قال: "من أدرك ركعتين من العصر قبل أن تغرُب الشَّمس، فقد أدرك

".

هكذا قال هنا: "ركعتين".

ورواه محُمَّدُ بنُ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق - أحدُ مشايخ الدَّارَقُطنِيِّ الثِّقاتِ -، قال: ثنا إبراهيمُ بنُ محُمَّد بن الحارث، ثنا محُمَّدُ ابن المُغيرة بهذا الإسناد، ولكنَّه قال: "من أدرك من العصر ركعةً

".

أخرجه الدَّارَقُطنِيُّ في "العلل"(10/ 323).

وعُمَّدُ بنُ المُغيرة ترجمه ابنُ أبي حاتمٍ (4/ 1/ 92) ولم يَذكُر فيه جرحًا ولا تعديلًا، فهو مجهول الحال.

وخالفه الحجَّاجُ بنُ يُوسُف بن قُتيبة - وهو مثلُه -، فرواه عن النُّعمانَ ابنِ عبد السَّلام، عن الثَّوريِّ، عن سُهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هُريرة مرفوعًا: "من أدرك ركعتين من العصر

".

أخرجه أبو الشَّيخ في "الطَّبَقات"(2/ 226) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ يحيى بنِ مَندَهْ، وأحمدُ بنُ محمودٍ، قالا: ثنا الحجَّاجُ بنُ يُوسُف، قال: ثنا النُّعمان بهذا.

وأخرَجَه أبو نُعيمٍ في "الحِلية"(7/ 144)، عن أبي الشَّيخ، والقاضي أبي أحمد، قالا: ثنا محُمَّدُ بنُ يحيى بن مَندَهْ بهذا، لكنَّه قال: "ومن أدرك من العصر ركعةً

".

وخالفَ شيخَي أبي الشَّيخ: الجُوْرْجِيرِيُّ محُمَّدُ بنُ عُمرَ بنِ حفصٍ،

ص: 243

فرواه عن الحجَّاج بن يوسُف بن قُتيبة بهذا الإسناد مرفُوعًا بلفظ: "ومَن أدرك من العَصر ركعةً

".

أخرَجَهُ أبُو عبد الله مُحَمَّدُ بنُ عبد الله الدَّقَّاقُ في "مُعجَم شُيُوخه"(ق 268/ 1).

والجُوْرْجِيريُّ نسبةً إلى "جُوْرْجِيرَ"، وهي محِلَّةٌ بأصبَهَان. ترجَمَهُ أبُو نُعيمٍ في "أخبار أصبَهَان"(2/ 272)، ولم يَحْكِ فيه شيئًا. وقال السَّمعانِيُّ في "الأنساب" (3/ 356):"كان أحدَ الثِّقاتِ المُعدَّلين، صاحبَ أُصُولٍ". وقال الذَّهبِيُّ في "السِّيَر"(15/ 271): "الشَّيخ الصَدُوق".

وقال أبو نُعيمٍ: "تفرَّد به النُّعمانُ، عن الثَّوريِّ".

فهذا اختلافٌ على النُّعمانِ في إسناد الحديث ومَتنِه.

وقد وافق النُّعمانَ على وقفه: عبدُ الرَّزَّاق. فقد رواه في "المصنَّف"(1/ 585) عن الثَّوريِّ بهذا الإسناد، بلفظ: "ومن أدرك من العصر ركعتين

".

وقد رواه عن الأعمش بهذا الإسناد مَوقوفًا، بلفظ: "من أدرك من العصر ركعةً

" جماعةٌ من أصحابه، منهم:

جَريرُ بنُ عبد الحميد، وأبو بكرٍ بنُ عيَّاشٍ، وعَبْثَرُ بنُ القاسم.

ذَكَر ذلك ابنُ أبي حاتمٍ، ووالدُه، كما في "العلل"(384، 402).

ولا شكَّ في ترجيح روايتهم على رواية شُعيبِ بنِ خالدٍ، ومحُمَّدِ بنِ عيَّاشٍ، وبهذا قَطَع أبو حاتمٍ الرَّازيُّ، فقال:"الصَّوابُ: موقوفٌ".

ص: 244

وممَّا يدلُّ على شُذوذ لفظة "الرَّكعتين" أنَّ الزُّهريَّ روى هذا الحديث عن أبي سَلَمة، عن أبي هُريرَة مرفوعًا:"من أدرك ركعةً من الصَّلاة، فقد أدرك"، فهذا بعمومه يشملُ صلاة العصر.

وقد رواه عن الزُّهريِّ جماعةٌ، منهم:

1 -

مالكٌ، عنه.

أخرجه البُخاريُّ في "المواقيت"(2/ 57 - صحيحه)، وفي "جزء القراءة"(206، 225) قال: حدَّثَنا عبدُ الله بنُ يُوسف ..

ومسلمٌ (607/ 161)، والبَيهَقِيُّ (1/ 386 - 387) عن يحيى بن يحيى ..

ومسلمٌ أيضًا (607/ 161)، وأبو يعلى (5988)، والسَّرَّاج في "مُسنَده"(1194)، وابنُ عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(7/ 71) عن عبد الله ابن المبارَك ..

وأبو داوُد (1121)، وأبو عَوَانة (1530)، وابنُ حِبَّان (1483) عن القَعنَبِيِّ ..

والنَّسائيُّ (1/ 274)، والطحَاوِيُّ في "المُشكِل"(2320) عن قُتَيبَة ابن سعيدٍ ..

وأبو عَوَانَة (1530)، وابنُ حِبَّان (1487)، وابنُ عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(7/ 64 - 65) عن حمَّاد بن زيدٍ ..

وأبو عَوَانَة (1529)، والطَّحَاوِيُّ في "المُشكِل"(2320) عن عبد الله ابن وَهبٍ ..

ص: 245

والبُخاريُّ في "جزء القراءة"(205) عن يحيى بن قَزَعَة ..

والسَّرَّاجُ في "مُسنَده"(1200) عن بِشر بنِ عُمر ..

والبَزَّارُ (7859) عن عبد الرَّحمن بن مَهدِيٍّ ..

والبَيهَقِيُّ في "المعرفة"(4/ 357)

• قلتُ: هكذا، رواه أحد عشر راويًا من عُيون أصحاب مالكٍ، بهذا اللَّفظ.

ورواه أبو عليٍّ الحَنَفِيُّ، عن مالكٍ بلفظ:"من أدرك ركعةً من الصَّلاة، فقد أدرك الفضل".

أخرجه ابنُ عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(7/ 64) من طريق يعقُوب بن إسحاق القَلْزَمِيِّ، ثنا أبو عليٍّ الحَنفيُّ بهذا، وقال:"لم يَقُلهُ غيرُ الحنفيِّ، عن مالكٍ. ولم يُتابَع عليه. وهو أبو عليٍّ عُبيدُ الله بنُ عبد المجيد الحَنفيُّ".

• قلتُ: وأبو عليٍّ أحد الثِّقات، لم يَثبُت أنَّ ابن مَعِينٍ ضعَّفه، كما قال الحافظُ. ولكنَّ الجمعَ الغفيرَ من أصحاب مالكٍ لم يَذكُر واحدٌ منهم قولَه:"أدرك الفضلَ"، فلا جَرَم أنَّها شاذَّةٌ. وتأتي من وجهٍ آخر قريبًا إن شاء اللّه تعالى.

وكذلك رواه عمَّارُ بنُ مَطَرٍ، عن مالكٍ، بلفظ:"من أدرك ركعةً من الصَّلاة، فقد أدرك الصَّلاة ووقتَها".

ذكره ابنُ عبد البَرَّ في "التَّمهيد"(7/ 64)، وقال:"وهذا لم يَقُلهُ عن مالكٍ أحدٌ، غيرُ عمَّارِ بنِ مَطَرٍ، وليس ممَّن يُحتَجُّ به فيما خُولِف فيه".

ص: 246

2 -

سُفيان بن عُيَينَة، عنه.

أخرَجَه مسلمٌ (607/ 162)، وأبو نُعيمٍ في "المُستخرَج على مسلمٍ"(1351)، وابن ماجَهْ (1122) عن أبي بكرٍ بنِ أبي شَيبة ..

ومسلمٌ أيضًا (607/ 162) قال: حدَّثَنا عمرو النَّاقدُ ..

ومسلمٌ أيضًا (607/ 162)، وأبو يعلى (5962) قالا: ثنا أبو خيثَمَة زُهيرُ بنُ حربٍ ..

والتِّرمِذِيُّ (524)، وابن خُزيمَة (1848) قالا: ثنا سعيدُ بن عبد الرَّحمن ..

والتِّرمِذِيُّ أيضًا (524) قال: حدَّثَنا نصرُ بنُ عليٍّ ..

وابنُ ماجَهْ (1122) قال: حدَّثَنا هشامُ بنُ عَمَّارٍ ..

والدَّارِمِيُّ (1/ 222) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ يُوسُف ..

وأحمدُ (2/ 241)، والشَّافعيُّ في "المُسنَد"(160)، ومن طريقه البَيهَقِيُّ في "المعرفة"(4/ 357)، وأبو عَوَانَة (1534)، وأبو نُعيمٍ (1351) عن الحُمَيدِيِّ - وهذا في "المُسنَد"(946) -.

وابنُ خُزيمَة (1838) قال: أخبَرَنا عبدُ الجبَّار بنُ العلاء ..

وابنُ الجَارُود في "المُنتقَى"(323) قال: حدَّثَنا ابنُ المقرِئ ..

والسَّرَّاجُ في "مُسنَده"(1192) قال: حدَّثَنا زيادُ بنُ أيُّوب ..

وأبو نُعيمٍ في "المستخرَج"(1351) عن إسحاقَ بنِ راهويهْ، وعبدِ الأعلى بنِ حمَّادٍ، قالوا: ثنا سفيانُ بنُ عُيينَة، عن الزُّهريِّ بهذا.

3 -

عُبيدُ الله بنُ عُمر، عنه.

ص: 247

أخرَجَه مسلمٌ (607/ 162) عن عبد اللّه بن نُميرٍ، وعبد الوهَّاب الثَّقَفِيِّ ..

والبُخاريُّ في "جزء القراءة"(211) عن سُليمانَ بنِ بلالٍ ..

والنَّسائيُّ (1/ 274)، وأبو يَعلَى (5967)، والسَّرَّاج (1195)، وابنُ حِبَّان (1485)، والبَزَّارُ (7858)، وأبو نُعيمٍ في "المستخرَج"(1354) عن عبد الله بن إدريس ..

وأحمدُ (2/ 374 - 375)، وأبو عَوَانَة (1532)، والبَيهَقِيُّ في "المعرفة"(4/ 358) عن محُمَّد بن عُبيدٍ ..

وأبو عَوَانَة (1104) عن أبي مُعاوية ..

والسَّرَّاجُ (1224)، والدَّارَقُطنِيُّ في "العلل"(9/ 222) عن أشعثَ ابنِ عبد الرَّحمن بن زُبَيدٍ ..

والسَرَّاجُ أيضًا (1196) عن أبي بحرٍ البَكْرَاوِيِّ، كلُّهم عن عُبيد الله ابن عُمر، عن الزُّهريِّ = بهذا.

وفي حديثِهِ من الزِّيادة: "فقد أدرَكَ الصَّلاة كلَّها"، ونبَّه مُسلمٌ عليها.

4 -

عبدُ الرَّحمن بنُ عمرٍو الأَوزَاعِيُّ، عنه.

أخرجه مسلمٌ (607/ 162)، وأبو نُعيمٍ في "المستخرَج على مسلمٍ"(1352، 1353)، والسَّرَّاجُ (1164)، وأبو يَعلَى (5988) عن ابن المبارَك ..

والنَّسائِيُّ (1/ 274) عن موسى بن أَعْيَن ..

وابن المُنذِر في "الأوسط"(4/ 195) عن بِشر بن بَكرٍ، كلُّهُم عن

ص: 248

الأَوزَاعِيِّ، عن الزُّهريِّ بهذا.

وتابَعَهُم الوليدُ بنُ مسلمٍ، فرواه عن الأَوزَاعِيِّ بهذا الإسناد سواء.

أخرجه ابنُ خُزيمَة (1849)، وأبو عَوَانَة (1535)، قالا: حدَّثَنا عليُّ بنُ سهلٍ الرَّمليُّ ..

والسَّرَّاجُ في "المُسنَد"(1197) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ الصَّبَّاح، قالا: ثنا الوليدُ بنُ مسلمٍ بهذا.

وخالفهما محُمَّدُ بنُ عبد الله بن ميمون الإِسكَندَرَانِيُّ، فرواه عن الوليد ابن مسلمٍ، عن الأَوزَاعِيِّ بهذا الإسناد، بلفظ:"من أدرك من صلاةِ الجُمعةِ ركعةً، فقد أدرك الصَّلاة".

هكذا قال: "الجُمعة".

أخرجه ابنُ خُزيمَة (1850)، والحاكِمُ (1/ 291)، وقال بعد أن ساق عِدَّة أسانيد:"كُلُّ هؤلاء الأسانيد صحاحٌ على شرط الشَّيخين، ولم يُخَرِّجاه بهذا اللفظ، إنَّما اتَّفَقا على حديث الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُريرَة، أنَّ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أدرك من الصَّلاة ركعةً

ومَن أدرَك من صلاة العَصر ركعةً"، ولمُسلمٍ فيه الزِّيادةُ: "فقد أدرَكَها كُلَّها" فقط".

• قلتُ: كذا قال! ونَقَل كلامَهُ ابنُ المُلقِّن في "البدر المُنير"(4/ 497) وأقرَّه.

وليس الحديثُ على شرط واحدٍ منهما، فضلًا عن أن يكون على شرطِهِما؛ ومحُمَّدُ بنُ عبد الله بن ميمُونَ لم يَروِ عنه من السِّتَّة إلَّا أبُو داوُد

ص: 249

والنَّسائِيُّ. وهذه اللَّفظةُ التي أتَى بها شاذَّةٌ. وعندِي أنَّ الخطأ فيها منه

(1)

؛ فهو وإن كان ثقةً، لكن نقل مَسلَمَةُ بنُ قاسمٍ أنه تُكُلِّم فيه، ورُمِيَ بالكذب. ولا نعرف مَن قائلُ هذا. أمَّا الكذبُ الاصطلاحيُّ، فحاشاه، ولكنَّه ربَّما روى أحاديثَ مناكيرَ، فرماه القائلُ بهذا، وقد رأيتُ الذَّهبيَّ قال:"له حديثٌ مُنكَرٌ، وهو جائزُ الحديث".

وقد رواه أصحابُ الأَوزَاعِيِّ، فلم يَقُل أحدٌ منهم:"الجمعة".

وكذلك رواه سائرُ أصحاب الزُّهريِّ الأثباتِ، إلَّا أسامةَ بنَ زيدٍ، وابنَ أبي ذئبٍ، وحجَّاجَ بنَ أرطاةَ، ويحيَى بنَ أبي أُنيسَةَ، وياسينَ بنَ مُعاذٍ الزَّيَّاتَ، وعبدَ الرَّزَّاق بنَ عُمر، وغيرَهُم. فكل هؤلاء يَذكُرُون عن الزُّهريِّ:"من أدرَكَ من الجُمعة ركعةً".

وقد أعلَّها سائرُ أهلِ العِلم، أذكُرُ منهم:

1 -

أبُو حاتِمٍ الرَّازِيُّ كما في "العلل"(491، 519، 607). ويأتي كلامُهُ إن شاء اللهُ تعالَى.

2 -

ابنُ عَدِيٍّ. صرَّح بذلك بهذا في عدَّة مواضع من "الكامل" ..

* فقال في ترجمة حجَّاجِ بنِ أرطاةَ (2/ 646): "وهذا يرويه الثِّقاتُ عن الزُّهرِيِّ، ولا يَذكُرُون فيه "الجُمعةَ"، وإنَّما قالُوا: "من أدرَكَ من الصَّلاة ركعةً"، وإنَّما ذَكَرَ "الجُمعةَ" مع الحجَّاجِ قومٌ ضعافٌ عن الزُّهرِيِّ".

(1)

وبعد كتابة ما تقدَّم بزمانٍ رأيتُ الدَّارقطنيَّ ذكر هذا في "العِلل"(9/ 215)، فقال:"وقال محمَّدُ بنُ عبد الله بن ميمون الإسكندرانيُّ، عن الوليد، عن الأوزاعِيِّ: "من أدرك ركعةً من الجمعة"، وَوَهِم في هذا القول". فالحمدُ لله على ما أنعم.

ص: 250

* وقال في ترجَمة عبدِ الرَّزَّاق بنِ عُمَر (5/ 1947): "وهذا بهذا الإسناد عن الزُّهرِيِّ، عن سعيدٍ، لا يقولُ: ومن أدرَكَ من الجُمعة ركعةً، إلَّا ضعيفٌ. والثِّقاتُ يقولون: من أدرَكَ من الصَّلاة ركعةً".

* وقال في ترجَمة محُمَّدِ بنِ عبدِ الرَّحمن أبي جابرٍ البَيَّاضِيِّ (6/ 2190):

"وهذا رواهُ عن الزُّهرِيِّ الثِّقاتُ، وقالوا: من أدرَكَ من الصَّلاة ركعةً، ولم يذكُرُوا "الجُمعة". ورواه قومٌ ضُعفاءُ عن الزُّهريِّ، مثلُ معاويةَ بنِ يحيَى الصَّدَفِيِّ وجماعةٍ من أمثالِهِ، عن سعيدِ بن المُسيَّب، فذَكَرُوا "الجُمعة"، ووافَقَهُم أبُو جابرٍ البيَّاضِيُّ، عن سعيدٍ. وذِكرُ "الجُمعة" في الإسناد ليس بمحفوظٍ".

* وقال في ترجَمة يحيَى بنِ أبي أُنَيسَةَ (7/ 2646): "وقد رواه جماعةٌ ضُعفاءُ عن الزُّهرِيِّ، فيهم: ياسينُ الزَّيَّاتُ، ومُعاوِيةُ بنُ يحيَى الصَّدَفِيُّ، وحجَّاجُ بنُ أرطاةَ، وغيرهُمُ. والباقُون الثِّقاتُ عن الزُّهرِيِّ قالوا: من أدرَكَ من صلاةٍ ركعةً فقد أدرَكَ".

ومنهم:

3 -

ابنُ حِبَّان.

* فقال في "صحيحِهِ"(4/ 352): "ذِكرُ الخَبَر الدَّالِّ على أنَّ الطُّرُق المروِيَّةَ في خبر الزُّهرِيِّ: "مَن أدرَكَ من الجُمعةِ ركعةً" كلُّها مُعَلَّلَةٌ، ليس يصحُّ منها شيءٌ. [ثُم أسنَدَ] عن أبي هُريرَةَ مرفوعًا: "من أدرَكَ من صلاةٍ ركعةً فقد أدرَكَ" [ثمَّ قال:] قالُوا: مِن هنَا قِيلَ: ومن أدرك من الجمعة ركعةً صلَّى إليها أخرَى".

ص: 251

* وقال أيضًا في "المَجروحِين"(1/ 109) في ترجمة إبراهيم بنِ عطيَّةَ: "وذِكرُ "الجُمعةِ" قاله عن الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُريرَةَ: أربعةُ أنفُسٍ، كُلُّهُم ضُعفاءُ".

4 -

وكذلك صرَّح الدَّارَقُطنيُّ في "العلل"(9/ 213 - 222).

وكذلك صرَّح جَمعٌ من المتأخِّرين من العُلماء بمثل هذا.

ومما يدلُّ على أنَّ هذه اللَّفظة "الجُمعة" غيرُ محفوظةٍ، أنَّها لو كانت عند الزُّهريِّ لما احتاج إلى استنباطها من الحديث، فقد رَوَى غيرُ واحدٍ عنه، كمالكٍ، ويُونُسَ، والأَوزَاعِيِّ وغيرِهم، أنَّه قال عَقِب الحديث:"فنَرَى أنَّ صلاة الجمعة من ذلك، فإذا أدرك منها ركعةً فليُصَلِّ إليها أخرى". والله أعلم.

وخالَفَ كُلَّ مَن تقدَّم عن الأوزاعِيِّ: أبُو المُغيرة. فرواه عن الأوزاعِيِّ، عن الزُّهرِيِّ، عن سعيد بن المُسيَّب، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا:"مَن أدرَكَ من صلاةٍ ركعةً فقد أدرَكهَا".

فجعل شيخَ الزُّهريِّ "سعيدًا" بدل "أبي سَلَمة".

أخرَجَهُ النَّسائِيُّ في "الكُبرَى"(1539/ 4) قال: أخبَرَني شُعيبُ بنُ شُعيب بن إسحاقَ، قال: حدَّثَنا أبُو المُغيرة، قال: حدَّثَنا الأوزاعِيُّ بهذا. وقال: "لا نَعلَمُ أحدًا تابَعَ أبا المُغيرَة على قوله: عن سعيد بن المسيَّب، عن أبي هُريرَة. والصَّوابُ: عن أبي سَلَمة، عن أبي هُريرَة".

• قلتُ: وأبُو المُغيرةِ اسمُهُ: عبدُ القُدُّوس بنُ الحجَّاج. وهو وإن كان ثقةً، فإنَّه خالَف مَن هو أمكَنُ منه في الأوزاعيِّ، وروايتُهُ شاذَّةٌ.

ص: 252

والصَّوابُ على ما رواه الرُّواةُ عن الأوزاعِيِّ، وما رواه أصحابُ الزُّهرِيِّ عنه، عن أبي سلمة، عن أبي هُريرَة، كما قال النَّسائِيُّ. والله أعلمُ.

5 -

مَعمَرُ بنُ راشدٍ، عنه.

أخرجه مسلمٌ (607/ 162)، وأبو نُعيمٍ في "المستخرَج"(1352، 1353)، وأبو يَعلَى (5988)، والسَّرَّاجُ (1194)، وابنُ عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(7/ 71) عن ابن المبارَك ..

وأحمدُ (2/ 270)، والبخاريُّ في "جزء القراءة"(216)، والسَّرَّاجُ (1199)، والدَّارَقُطنِيُّ في "العلل"(9/ 223)، وابنُ المُنذِر في "الأوسط"(4/ 102)، عن عبد الرَّزَّاق - وهذا في "المصنَّف"(2224، 3369، 5478) -، كلاهما عن مَعمَرٍ، عن الزُّهريِّ بهذا.

قال الزُّهريُّ: "فنرى أنَّ الجمعةَ من الصَّلاة".

6 -

يُونُسُ بنُ يزيدَ، عنه.

أخرجه مسلمٌ (607/ 162)، وأبو نُعيمٍ في "المستخرَج"(1350)، والبَيهَقِيُّ في "المعرفة"(4/ 358)، وابن عساكرٍ في "تاريخه"(16/ 111) عن عبد الله بن وَهبٍ ..

والبخاريُّ في "جزء القراءة"(213)، وأبو يَعلَى (5988)، وأبو نُعيمٍ في "المستخرَج"(1352، 1353)، والسَّرَّاجُ (1194) عن ابن المبارَك ..

والبخاريُّ في "جزء القراءة"(215)، وأبو عَوَانَة (1533)،

ص: 253

والسَّرَّاجُ (1225)، والدَّارَقُطنِيُّ في "العلل"(9/ 223) عن عُثمان بن عُمر بن فارسٍ ..

والبُخاريُّ في "القراءة"(217) عن اللَّيث بن سعدٍ ..

والسَّرَّاجُ (1493) عن عبد الله بن رجاءٍ، كلُّهم عن يُونُس بن يزيد، عن الزُّهريِّ بهذا.

• قلتُ: هكذا رواهُ الثِّقاتُ عن يُونُسَ بنِ يزيد.

وخالَفَهُم بقيَّةُ بنُ الوليد، فرواه عن يُونُسَ بنِ يزيد، عن الزُّهرِيِّ، عن سالم بن عبد الله بن عُمر، عن أبيه مرفوعًا:"مَن أدرَكَ ركعةً من الجُمعة أو غيرِها فَلْيُضِف إلَيها أخرَى، وقد تمَّت صلاتُه".

أخرَجَهُ الدَّارَقُطنِيُّ (2/ 12) من طريق محُمَّدِ بنِ مُصَفَّى، قال: نا بقيَّةُ ابنُ الوليد، ثنا يُونُسُ بهذا.

وأخرَجَهُ النَّسائِيُّ في "الكُبرَى"(1540)، وفي "المُجتبَى" (1/ 274 - 275) قال: أخبَرَني مُوسى بنُ سُليمان بن إسماعيل بن القاسم، ثنا بقيَّةُ بهذا، إلَّا أنَّه لم يقُل:"فلْيُصَلِّ إليها أخرى".

وأخرَجَه النَّسائِيُّ في "الكَبرى"(1540)، وابنُ ماجَهْ (1123) ..

والدَّارَقُطنِيُّ (2/ 12) قال: حدَّثَنا عبدُ الله بنُ سُليمان ..

وابنُ عَدِيٍّ في "الكامل"(2/ 508) قال: حدَّثَنا الفَضلُ بنُ عبد الله ابن مخَلَدٍ، قالُوا: ثنا عمرُو بنُ عثمان بن سعيد بن كثير بن دينارٍ الحِمصِيُّ، ثنا بقيَّةُ بنُ الوليد بهذا.

وأخرَجَهُ ابنُ أبي حاتِمٍ في "العِلل"(519) عن حَيْوَةَ بنِ شرَيحٍ، عن

ص: 254

بقيَّةُ بهذا.

ونقَل الدَّارَقُطنِيُّ عن شيخِه ابنِ أبي داوُدَ قولَه: "لم يروه عن يُونُسَ إلَّا بقيَّةُ".

قال أبُو حاتِمٍ الرَّازِيُّ - كما في "علل ولده"(491، 607) -: "هذا خطأٌ المتن والإسناد. إنَّما هو: الزُّهرِيُّ، عن أبي سَلَمة، عن أبي هُريرة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَن أدرَكَ من صلاةٍ ركعةً فقد أدرَكها". وأمَّا قولُه: "مِن صلاة الجُمعة"، فليس في هذا الحديث. فوَهِمَ في كِلَيهما" انتَهَى.

وقال أبُو حاتمِ في موضعٍ آخر (519): " هذا حديثٌ مُنكَرٌ".

وقال ابنُ عَدِيِّ: "وهذا الحديثُ خالَفَ بقيَّةُ في إسناده ومَتنِه. فأمَّا الإسنادُ، فقال: "عن سالمٍ، عن أبيه"، وإنَّما هو: "الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُريرَة". وفي المَتن قال:"مِن صلاة الجُمعَة"، والثِّقاتُ رووهُ عن الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُريرَة، ولم يَذكُرُوا: الجُمعة" انتهَى.

وفي مطبُوعة "الكامل": "سعيدٌ" بدل "أبي سلمة"، وهو تصحيفٌ، والكتاب ملآن به بكُلِّ أسفٍ!

لكِنِّي رأيتُه في "ميزان الاعتدال"(1/ 334) نقلًا عن "كامل ابن عَدِيٍّ". "رواه الثِّقاتُ عن الزُّهرِيِّ، فقالُوا: عن سعيد بن المُسيَّب، عن أبي هُريرَة، وما فيه: الجُمعة".

فهذا يُؤيِّدُ صِحَّة ما ورد في "الكامل"، وأنَّه لم يقع ثَمَّة تصحيفٍ.

ولكنِّي أؤَكِّدُ أنَّ هذا خطأ، لا أدري ممَّن هو؟ أهُو من ابن عَدِيٍّ

ص: 255

وسَبَقَ قلمُهُ، أم هو من ناسخ الكتاب؟ والثِّقاتُ إنَّما يروُونه عن الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمة، وليس عن سعيد بن المُسيَّب. فالله أعلَمُ.

وقال الدَّارَقُطنِيُّ في "العلل"(9/ 216 - 217): "ورواهُ بقيَّةُ بنُ الوليد، عن يُونُس، فَوَهِمَ في إسنادِهِ ومتنه، فقال: "عن الزُّهرِيِّ، عن سالمٍ، عن أبيه:"مَن أدرَك من الجُمعة ركعةً". والصَّحيحُ قولُ ابنِ المُبارَك ومَن تابَعَهُ".

• قلتُ: وهكذا تَتَابَع العُلماءُ على توهيم بقيَّةَ بنِ الوليدِ

(1)

في هذا الحديثِ سَنَدًا ومَتنًا.

وأضافَ الحافظُ في "التَّلخيص"(2/ 41) عِلَّةً أُخرَى، فقال:"إِن سلِمَ مِن وَهم بقيَّةَ، ففيه تَدلِيسُهُ التَّسويَةَ؛ لأنَّه عَنعن لشيخَه" انتهَى.

فتعقبه بعضُ المُعاصِرين قائلًا: "صرَّح بقيَّةُ بالتَّحديث من شيخِه يُونُسَ"!

وظاهِرٌ أنَّه حديثُ عهدٍ بهذا العِلم، فلم يَفهَم عبارة الحافظِ؛ لأنَّ الحافظ يقولُ:"عنعن لشيخه"، ولم يقل:"عنعن عن شيخه" حتَّى

(1)

ورواه بقيَّةُ بنُ الوليد أيضًا، عن الزُّبَيدِيِّ، عن الزُّهرِيِّ، عن سالمٍ، عن أبيه مرفوعًا:"من أدرك من الجمعة ركعةً، فليصلِّ إليها أخرى"، فصار شيخُ بقيَّةً هنا هو "محمَّد بن الوليد الزُّبَيديَّ"، بدل "يونس بن يزيد".

أخرَجَه البزَّارُ، وقال:"والزُّبيدِيُّ خالَف الحُفَّاظ في هذه الرِّواية؛ لأنَّ الحفَّاظ يَروُون هذا الحديثَ عن الزُهريِّ، عن أبي سَلَمة، عن أبي هُريرَة".

• قلتُ: وهي مخالَفةٌ في الشَّكل فقط، وإلَّا فليس عُهدتُها على محُمَّد بن الوليد؛ فأنَّه من الطَّبقة الأولى من أصحاب الزُّهريِّ الأثبات، ولكنَّ الشَّأن في ثبوت السَّند إليه. وقد بيَّنتُ ذلك في "تنبيه الهاجد" رقم (1763).

ص: 256

يُتعقَّب في هذا. ومُشكلة مُدلِّس التَّسوية العنعنةُ لشيخِه؛ لأنَّه يُسقِطُ شيخَ شَيخِه. فحتَّى نقبل عنعنة بقيَّةَ لابُدَّ أن يُصرِّح بالتَّحديث من يُونُسَ عن الزُّهرِيِّ، ومن الزُّهرِيِّ عن أبي سَلَمة، ولا يَكتَفِي بأن يقول:"حدَّثنا يُونُس". هذا معنَى كلام الحافظِ. "عنعن لشيخِه".

ومع قول الحافظ هذا، فقد قال في "بُلوغ المَرام" (478):"إسنادُهُ صحيحٌ، لكن قوَّى أبُو حاتِمٍ إرسالَهُ". فهل نسي ما قالَهُ في "التَّلخيص"؟

وقد خُولِف بقيَّةُ فيه ..

خالَفَهُ سُليمانُ بنُ بلالٍ، فرواه عن يُونُسَ، عن الزُّهرِيِّ، عن سالِمٍ مُرسلًا، بلفظ:"مَن أدرك ركعةً من صلاةٍ من الصَّلوات فقد أدرَكهَا، إلَّا أن يقضي ما فاتَهُ".

أخرَجَهُ النَّسائِيُّ في "الكُبرَى"(1541/ 6)، وفي "المُجتبَى" (1/ 275) قال: أخبَرَنا محُمَّدُ بنُ إسماعِيل التِّرمِذِيُّ، حدَّثنا أيُّوبُ بنُ سُليمانَ، قال: حدَّثنا أبُو بكرٍ، عن سُليمانَ بنِ بلالٍ بهذا.

وهذا مُرسَلٌ صحيحُ الإسناد، وهو أصحُّ مِن روايَة بقيَّة.

وأبُو بكرٍ هذا اسمُهُ: عبد الحميدُ بنُ عبد الله بنِ أُوَيسٍ، أحدُ الثِّقات.

فهذا هو الصَّحيحُ في روايَة الزُّهرِيِّ، عن سالِمٍ.

والمَحفُوظُ من رواية يُونُسَ بنِ يزيدَ، أنَّه يرويه عن الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُريرَة. والحمدُ لله تعالَى.

وروَاهُ يحيَى بنُ سعيدٍ الأنصاريُّ، عن الزُّهرِيِّ، عن سالِمٍ، عن أبيه مرفُوعًا.

ص: 257

أخرَجَهُ ابنُ عَدِيٍّ في "الكامل"(1/ 245)، وابنُ حِبَّان في "المَجرُوحين"(1/ 109) من طريق إبراهِيمَ بنِ عطيَّة أبي إسماعِيل الثَّقَفِيِّ، عن يَحيَى ابن سعيدٍ بهذا.

وإبراهيمُ تَرَكَه النَّسائِيُّ.

وقال ابنُ عَدِيٍّ: "وهذا الحديثُ من حديث: "يَحيَى بن سعيدٍ، عن الزُّهرِيِّ، عن سالِمٍ، عن أبيه" غيرُ محفُوظٍ، وإنَّما نعرِفُهُ مِن حديث "بقيَّة، عن يُونُس، عن الزُّهرِيِّ، عن سالمٍ، عن أبيه" [ثُمَّ قال:] وإبراهِيمُ هذا قليلُ الحديث، ولعلَّه يبلُغُ عشرةً".

وقال ابنُ حِبَّان: "وإبراهِيمُ بنُ عطيَّة الواسطِيُّ كان هُشيم يُدلِّسُ عنه أخبارًا لا أصل لها، كأنَّه وقف على العِلَّة فيها وكان مُنكَرَ الحديثِ جدًّا

- وذَكَر هذا الحديثَ، ثُمَّ قال: - وهذا خطأٌ، إنَّما الخَبَرُ:"مَن أدرَكَ من الصَّلاة ركعةً"، وذِكرُ الجُمعة قالَهُ عن الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُريرَة: أربعةُ أَنفُسٍ، كُلُّهم ضُعفاءُ".

ووَثَّقه الرَّاوِي عنه: إسماعِيلُ بنُ عبد الله بنِ زُرارة، كما في "كامل ابنِ عَدِيِّ"، وتَوثِيقُهُ غيرُ مُعتَبرٍ.

• قلتُ: وقد خالَفَ إبراهيمَ هذا: هُشيمُ بنُ بَشيرٍ، فرواه عن يحيَى ابن سعيدٍ الأنصاريِّ، عن نافعٍ، عن ابن عُمر، قال:"مَن أدرَكَ من الجُمعة ركعةً، فليُصَلِّ إليها أخرَى".

أخرَجَهُ ابنُ أبي شيبَة في "المُصنَّف"(2/ 129) قال: حدَّثَنا هُشيمٌ.

وهُشيم مُدَلِّسٌ. ولكن تابَعَهُ جعفرُ بنُ عونٍ - أحدُ الثِّقات -، قال:

ص: 258

أنبأنا يحيَى بنُ سعيدٍ بهذا الإسناد، إلَّا أنَّه قال:"فقد أدركها، إلَّا أنَّه يقضي ما فاتَه".

أخرَجَهُ البيهَقِيُّ (3/ 203 - 204) من طريق أبي أحمد محُمَّد بن عبد الوهَّاب، قال: ثنا جعفر بن عونٍ بهذا.

فهذا هو المَحفُوظُ في رواية يحيَى الأنصارِيِّ، وليس ما رواه إبراهيمُ ابنُ عطيَّة.

وقد خُولف هشيمٌ في وقفه.

خالَفَهُ عبدُ العزيز بنُ مُسلمٍ، فرواه عن يحيَى بن سعيدٍ، عن نافعٍ، عن ابن عُمر مرفُوعًا:"مَن أدرَك من الجُمعة ركعةً، فقد أدرك، إلَّا أَنَّه يقضِي ما فاتَهُ".

أخرَجَهُ الطَّبرانِيُّ في "الأوسط"(4188)، وفي "الصَّغير" (562) قال: حدَّثَنا عليُّ بنُ عبد الصَّمد الطَّيالِسِيُّ ..

والمُخلِّصُ في "الثَّاني من السَّادس من الفوائد"(ق 185/ 2) قال: حدَّثنا يحيَى بنُ محمَّد بن صاعِدٍ، قالا: ثنا الجرَّاحُ بنُ مخَلَدٍ، قال: نا إبراهيمُ بنُ سُليمان الدَّبَّاسُ، قال: نا عبدُ العزيز بنُ مُسلِمٍ بهذا.

قال الطَّبَرانِيُّ: "لم يَروِ هذا الحديث عن يَحيَى بن سعيدٍ إلَّا عبدُ العزيز. تفرَّد به إبراهِيمُ".

كذا قال! ولم يتفرَّد به لا عبدُ العزيزِ، ولا إبراهيمُ.

أمَّا عبدُ العزيز - وهو ثقةٌ له أوهامٌ - ..

فتابَعَهُ عبدُ الله بنُ نُمَيرٍ، فرواه عن يحيَى بن سعيدٍ بهذا الإسناد سواء.

ص: 259

أخرَجَه ابنُ عَدِيٍّ (7/ 2741)، والدَّارَقُطنِيُّ (2/ 13)، قالا: حدَّثَنا أبُو حامِدٍ مُحمَّدُ بنُ هارُون الحَضرَمِيُّ، ثنا يعيشُ بنُ الجَهم، ثنا عبدُ الله بن نُمَيرٍ.

وعبدُ اللّه بنُ نُمَيرٍ أحدُ الثِّقات الرُّفَعاء، وهو في الثَّبتِ كالأُسطوانة، ولكنَّ الرَّاوي عنه هو يَعيشُ بنُ الجَهم، وهو وإن وثَّقَهُ ابنُ أبي حاتِمٍ (4/ 2/ 310)، لكن قال غيرُهُ:"مُنكَر الحديث"، وقال ابنُ حِبَّان:"يُغرِبُ"، وساق له ابنُ عَديٍّ في "الكامل" طائفةً مِن مَناكِيرِه منها هذا الحديثُ، وخَتَم ابنُ عَدِيٍّ تَرجَمتَه بقوله:"ولِيَعِيشَ غيرُ ما ذكرتُ أحاديثُ غيرُ محفوظَةٍ أيضًا".

فالصَّحيحُ أنَّ هذه المُتابَعةَ لا تثبتُ عن ابن نُمَيرٍ. والله أعلم.

وبعد كتابة ما تقدَّم راجعتُ "علل الدَّارَقُطنِيِّ"(12/ 347)، فوجدتُهُ يُرَجِّحُ المَوقُوفَ، ويُعِلُّ روايَة يعيشَ بنِ الجَهم بأنَّ غيرَهُ رواه عن ابنِ نُميرٍ موقُوفًا. فالحمدُ لله على ما أنعم.

(تنبيهٌ)

نَسَب الذَّهَبِيُّ في "ميزانه" والحافظُ في "لسانه" توثيق يعيشَ لأبي حاتِمٍ، والذي في "الجَرح" أنَّه لابنِهِ. والله أعلم.

وأمَّا إبراهيمُ الدَّبَّاسُ ..

فتابَعَهُ عيسَى بنُ إبراهيم، قال: ثنا عبدُ العزيز بنُ مُسلِمٍ بهذا الإسناد.

أخرَجَهُ الدَّارقُطنِيُّ أيضًا، قال: حدَّثنا الحُسَينُ بنُ إسماعيلَ، ثنا مُحمَّدُ ابنُ صالحٍ، ثنا عيسى بنُ إبراهيم.

ص: 260

وإبراهيمُ بنُ سُليمان الدَّبَّاسُ ترجَمَهُ ابنُ أبي حاتِمٍ (2/ 1/ 103)، وعنه السَّمعانِيُّ في "الأنساب"(5/ 268)، ولم يذكُر فيه شيئًا. وترجَمَهُ ابنُ عَدِيِّ في "الكامل"(1/ 264)، وقال فيه:"إبراهيمُ بنُ سليمانَ أبُو إسحاقَ الزَّيَّاتُ: ليس بالقويِّ" وذَكَرَ له حديثًا عن الثَّوريِّ اتَّهَمَهُ فيه بأنَّه سرقه. وأمَّا ابنُ حِبَّان فذَكَره في "الثِّقات"(8/ 69)!

ومُتابَعةُ عيسَى بنِ إبراهيمَ ربَّما تنفعه، لولا أنَّ بعض العُلماء تكلَّم فيه أيضًا.

فهذه المُتابَعات كانت تكتَسِبُ قُوَّةً بانضمامِها، لولا المُخالَفَة التي ذكرتُها، وأنَّ هُشيمًا رواه عن يحيَى بنِ سعيدٍ موقُوفًا.

وذكر الدَّارقُطنِيُّ في "العلل"(12/ 347) أنَّ مطرًا الورَّاقَ رواه عن نافِعٍ، عن ابن عُمر مرفُوعًا، ثُمَّ قال:"لا يَصِحُّ".

وكذلك أخرَجَهُ ابنُ عَدِيٍّ (2/ 646) عن الحجَّاج بن أرطاةَ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ مرفُوعًا، وقال:"وهذا يَروِيه الثِّقاتُ عن الزُّهرِيِّ، ولا يَذكُرُون "الجُمعة"، وإنَّما قالُوا: "مَن أدرك من الصَّلاة ركعة"، وإنما ذَكَرَ "الجُمُعةَ" مع الحجَّاجِ قومٌ ضعافٌ عن الزُّهرِيِّ".

وممَّا يُؤكِّدُ وقفَهُ ..

أنَّ أيُّوبَ السَّختِيانِيَّ رواه عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمر موقُوفًا مثلَه.

أخرَجَه عبدُ الرَّزَّاقِ في "المُصنَّف"(ج 3/ رقم 5471)، ومن طريقه الأَثرَمُ، ومن طريقه ابنُ عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(7/ 70)، وابنُ المُنذِر في "الأوسط"(1/ 101) عن مَعمَرٍ، عن أيُّوب.

ص: 261

وأيُّوبُ أحد الأثبات في نافعٍ. قيل لمالِكٍ: "أيُّوبُ أثبَتُ منك في نافِعٍ؟ " فتبسَّم!

وتابَعَهُ عبدُ الله بنُ عُمر العُمَرِيُّ، فرواهُ عن نافِعٍ مثلَهُ.

أخرَجَهُ عبدُ الرَّزَّاق (5472).

وكذلك رواه الأشعثُ بنُ سوَّارٍ، عن نافِعٍ، عن ابن عُمر، قال:"إذا أدركتَ من الجُمعة ركعةً، فأضِف إليها أُخرَى، وإن أدرَكتَهُم جُلُوسًا، فصلِّ أربعًا".

أخرَجَه عبدُ الرَّزَّاق (5473) ..

والبيهَقِيُّ (3/ 204) عن الحُسين بن حفصٍ، كليهما عن الثَّورِيِّ، عن أشعثُ بهذا.

وأشعثَ ليس بالقوِيِّ.

7 -

شُعيبُ بنُ أبي حمزة، عنه.

أخرجه البُخاريُّ في "جزء القراءة"(210)، وأبو عَوَانَة (1531) عن أبي اليمان ..

وأبو عَوَانَة (1531) عن عُثمان بن سعيدٍ ..

والطَّبَرَانِيُّ في "مسنَد الشَّاميِّين"(3055) عن عليِّ بن عيَّاشٍ، كلُّهم عن شُعيب بن أبي حمزة، عن الزُّهريِّ بهذا.

8 -

يزيدُ بنُ عبد الله بن الهادِ، عنه.

أخرجه البُخاريُّ في "جزء القراءة"(212)، والسَّرَّاجُ (1226)، والطَّحَاوِيُّ في "المُشكِل"(319)، والطَّبَرَانِيُّ في "الأوسط"(8771)

ص: 262

عن اللَّيث بن سعدٍ ..

والسَّرَّاجُ (1226) عن يحيى بن بُكَيرٍ، كلاهما عن ابن الهاد، عن الزُّهريِّ بهذا.

9 -

عبدُ الوهَّاب بنُ أبي بكرٍ، عنه.

أخرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ في "المُشكِل"(2318) قال: حدَّثَنا الرَّبيع بن سُليمان الجِيزِيُّ، قال: ثنا أبو الأَسوَد النَّضرُ بنُ عبد الجبَّار المُرَادِيُّ، قال: ثنا نافعُ بنُ يزيد، عن ابن الهادِ، عن عبد الوهَّاب بن أبي بكرٍ، عن الزُّهريِّ، بلفظ:"من أدرك ركعةً من الصَّلاة، فقد أدرك الصَّلاة وفضلَها".

وتابعه أبو يزيدَ يُوسُفُ بنُ يزيد بنِ كاملٍ القَرَاطِيسِيُّ، فقال: نا أبو الأَسوَد النَّضرُ بنُ عبد الجبَّار بهذا الإسناد، غير أنَّه وقع فيه:"ابن الهاد، عن عبد الوهَّاب - يعني: ابن بُخْتٍ - ".

أخرَجَه تمَّامٌ الرَّازيُّ في "الفوائد"(254 - ترتيبه).

وأخشى أن يكون تصحيفًا.

ثُمَّ رأيتُ الحافظَ نقل في "تهذيبه"(6/ 446) في ترجمة عبد الوهَّاب ابن أبي بكرٍ، عن الدَّارَقُطنِيِّ، أنَّه قال:"من زَعَم أنَّه عبدُ الوهَّاب بنُ بُخْتٍ، فقد أخطأ فيه" انتهى، فظَهَر بهذا القول أنَّه خطأٌ قديمٌ. والله أعلم.

وقد اختلَف رأيُ أهِل العِلم في هذه اللَّفظة: "وفضلها".

فقال ابنُ عبد البَرِّ في "التَّمهيد"(7/ 63): "وهذه لفظةٌ لم يَقُلها أحدٌ

ص: 263

عن ابن شهابٍ، غيرُ عبد الوهَّاب هذا، وليس بحُجَّةٍ فيها من أصحاب ابن شهابٍ".

وخالفه في هذا الحكم الطَّحَاوِيُّ، فقال:"لم نجد أحدًا رواه عن ابن شهابٍ بإدراك الصَّلاة وفضلِها، غيرَ عبد الوهَّاب بن أبي بكرٍ، وهو مقبولُ الرِّواية".

فقَبِلَها الطَّحَاوِيُّ، وردَّها ابنُ عبد البَرِّ. ورَدُّها هو الأليق بالقواعد، وإن كان عبدُ الوهَّاب بنُ أبي بكرٍ لا يُدفَعُ عن الثِّقة، فقد أطنب أبو حاتمٍ في الثَّناء عليه، وقال:"ثقةٌ، صحيحُ الحديث، ما به بأسٌ، من قدماء أصحاب الزُّهريِّ"، وكذلك وثَّقَه النَّسائيّ وابن حِبَّان.

ولكنَّ الطَّحاوِيَّ قبِلَها من جهة المعنى، فقال بعدما رَوَى الحديثَ عن اللَّيث وابن عُيينَة، عن الزُّهريِّ بهذا، وليس في روايتهما "وفضلها"، قال الطَّحاوِيُّ: "فكان موافِقًا لما رواه اللَّيثُ أيضًا عليه، ومخالِفًا لما رواه نافعٌ. وعَقَلنَا أنَّ ذلك الإدراك إنَّما هو لفضل الصَّلاة، لا إدراك الصَّلاة نفسَها؛ لأنَّه لو كان إدراكًا لها نفسِها لما وَجَب عليه قضاءُ بقيَّتِها. ولمَّا كان ذلك كذلك، تأمَّلنا ما يقولُهُ كثيرٌ من أهل العلم مِن مُدرِك هذا المقدار من الصَّلاة، أنَّه يكون به مدركًا لها، في وُجوب فَرْضِها عليه، وفي قضاء ما فاته منها، على مِثل ما صَلَّا مُدرِكوها، ويجعلون من أدرك منها ما دون ذلك منها بخلاف ذلك، حتَّى قال الحِجازِيُّون منهم في الحائض تَطهُر مِن حيضتها وقد بَقِي عليها من وقت الصَّلاة التي طَهُرت في وقتها مقدارُ ركعةٍ منها: إنَّه واجبٌ عليها قضاؤُها، وفي الصَّبيِّ إذا

ص: 264

بلَغ في مِثل ذلك الوقتِ منها، وفي النَّصرَانِيِّ إذا أسلم في مثل ذلك الوقت منها: إنَّهما يَقضِيَان تلك الصَّلاة، وإنَّ هؤلاء الثَّلاثةَ الذين ذكرنا لو كان ذلك منهم، وقد بقي من وقت تلك الصَّلاة أقلُّ من ركعةٍ، إنَّهم بخلاف ذلك، وإنَّهم لا يجبُ عليهم قضاؤُها. وقالُوا في مثل ذلك في صلاة الجمعة: من أدرك منها ركعةً قَضَى أخرى، ومَن أدرك منها ما دون الرَّكعة صلَّى أربعًا، ويحتَجُّون في ذلك بالحديث الذي قد رَوَينَاهُ في أوَّل هذا الباب. ووجدنا من الحُجَّة عليهم لمُخالِفِيهم في ذلك من العراقيين، ممَّن يقولُ في الحُيَّضِ إذا طَهُرنَ في وقت الصَّلاة، وقد بقي عليهنَّ من وقتِها مقدارُ ما يَغتسلن فيه، ويَدخُلن فيه بتكبيرةٍ، وهو أقلُّ القليل منها: إنَّه يجب عليهنَّ قضاءُ تلك الصَّلاة. ويقولون مثلَ ذلك في الصِّبيان إذا بَلَغُوا، وفي النَّصارَى إذا أسلموا. ويقولون في من دَخَل في التَّشهُّد في صلاة الجُمعة: إنَّه يكون بذلك من أهلها، وإنَّه يقضِي ما بقي عليه من صلاة الجمعة، وجعلوه في ذلك كمُدرِك ركعةٍ منها، أنَّه قد رُوي عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم في إدراك القليل من الصَّلاة مثلُ الذي قد رُوي عنه في الآثار التي ذكرنا في إدراك الرَّكعة منها، كما قد حدَّثَنا إبراهيمُ بنُ مرزوقٍ، قال: حدَّثَنا يعقوب بن إسحاق الحَضرَمِيُّ، قال: حدَّثَنا أبو عَوَانَة، عن يَعلَى بن عطاءٍ، عن سعيد بن المُسيَّب، قال: دَخَلنَا على رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من الأنصار وهو وَجِعٌ، فقال: مَن في البيت؟ فقيل: أهلُك وولدُك وجُلساؤُك في المسجد. قال: فأجلِسُونِي. - قال: - فأسنده ابنُهُ إلى صدره، ثُمَّ قال: لأحَدِّثَنَّكم اليوم حديثًا، ما

ص: 265

حدَّثتُ به منذ سمعتُهُ من رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم احتسابًا، وما أُحَدِّثُكُمُوهُ اليومَ إلَّا احتسابًا، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ:"إنَّ العبد المسلم إذا توضَّأ فأحسن الوُضوء، ثُمَّ عَمَدَ إلى المسجد، لم يرفع رجلَهُ اليُمنَى إلَّا كُتبَت له بها حسنةٌ، ولم يضع اليُسرَى إلَّا حُطَّت عنه بها خطيئةٌ، حتى يبلُغَ المسجد، فليتقرَّب أو لِيتَبَاعَدَ، فإنْ أدرك الصَّلاةَ في الجماعة مع القوم، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، وإن أدرك منها بعضًا وسُبِق ببعضٍ، فقضى ما فاته فأحسن ركوعَه وسجودَهُ، كان كذلك، وإن جاء والقومُ قعودٌ كان كذلك"

(1)

، فكان في هذا الحديث في إدراك أقلِّ القليل من الصلاة مثلُ ما في الآثار الأُوَلِ من إدراك ركعةٍ منها. وإذا كان ما قد رُوي في إدراك الرَّكعة منها معناه معنى إدراك الفضل، فدلَّ ذلك مخُالِفهم على أنَّه يكونُ من أدرك ذلك من الصَّلاة يكونُ به من أهلِها، كمُدرِكِي ما هو أكثرُ من ذلك منها، كان ما رَوَينَاهُ في هذا الحديث يَدُلهُّم على أنَّ مُدرِكَ أقلِّها في حكم مُدرِك ذلك منها. والله أعلم" انتهَى.

• قلتُ: فنَخلُص من هذا البحث أنَّ زيادة: "وفضلها" لا تصحُّ من جهة الرِّواية، كما قال ابنُ عبد البَرِّ. أمَّا الطَّحاوِيُّ فصحَّحَها من جهة

(1)

هكذا رواه يعقوبُ بنُ إسحاق الحضرميُّ. وخُولف في إسناده، فأخرجه أبو داود (563)، ومن طريقه البيهقيُّ (3/ 69)، قال: حدَّثنا محمَّدُ بنُ معاذ بن عبَّادٍ العَنْبَرِيُّ. وابنُ نصرٍ في "الصلاة"(106) قال: حدثنا يحيى بنُ يحيى. قالا: ثنا أبو عَوانة، عن يعلى بن عطاء، عن معبد بن هُرمُزَ، عن سعيد بن المسيَّب بهذا. فزاد في الإسناد:"معبدَ ابن هرمز". فدلَّ على أن إسناد الطحاوِيِّ فيه انقطاعٌ. ثمَّ معبَدُ بن هُرمُزَ مجهولُ العين، لم يرو عنه إلَّا يعلى بنُ عطاء، كما قال الذَهبيُّ. ولأوَّله شواهدُ عن بعض الصحابة، منهم أبو هريرة رضي الله عنه، عند مسلمٍ وغيره. والله أعلم.

ص: 266

المعنى، وهما بابان مخُتلِفَان؛ لأنَّنا قد نُصَحِّح المعنى ببعض النُّصوص العامَّة، وهذا لا يقضي بثُبُوت اللَّفظ الخاصِّ.

ومثالُ صنيع الطَّحَاوِيِّ ما فعله ابن خُزيمَة، فإنَّه رَوَى حديثَ الأَوزَاعِيِّ "عن الزُّهريِّ، عن أبي سلَمَة، عن أبي هُريرة مرفُوعًا: "من أدرك من صلاة الجُمعة ركعةً، فقد أدرك الصَّلاة" - وقد فصَّلتُ الكلام قريبًا في "حديث الأَوزَاعِيِّ، عن الزُّهريِّ" -.

قال ابنُ خُزيمَة عَقِب هذا الحديث: "هذا خبرٌ رُوِي على المعنى، لم يُؤَدَّ على لفظ الخبر. ولفظُ الخبر: "مَن أدرك من الصَّلاة ركعةَ

"، فالجُمعة من الصَّلاة أيضًا، كما قاله الزُّهرِيُّ. فإذا رُوي الخَبرُ على المعنى، لا على اللَّفظ، جاز أن يُقالَ: من أدرك من الجُمعة ركعةً؛ إذ الجُمعةُ من الصَّلاة. فإذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "من أدرك من الصَّلاة ركعةً، فقد أدرك الصَّلاة"، كانت الصَّلواتُ كلُّها داخلةً في هذا الخبر، الجمعةُ وغيرُها من الصَّلوات" انتهَى.

• قلتُ: ويُؤخَذ على ابنِ عبد البَرِّ قولُه: "أنَّه لم يَروِ لفظة "وفضلها" عن الزُّهريِّ، إلَّا عبدُ الوهَّاب بنُ أبي بكرٍ"، وقد وَرَدت أيضًا عن محُمَّد ابن الوليد الزُّبَيدِيِّ، عن الزُّهريِّ، كما يأتي إن شاء الله تعالى، إلَّا أنْ يكون ابنُ عبد البَرِّ قصد:"مِن وجهٍ صحيحٍ، عن الزُّهريِّ". - والله أعلم.

10 -

إبراهيمُ بنُ أبي عَبْلَةَ، عنه.

أخرجه أبو عَوانَة (1536)، والطَّبَرانيُّ في "مسنَد الشَّاميِّين"(72)

ص: 267

قالا: ثنا سَلَمَةُ بنُ أحمد أبو عُثمان الفَوْزِيُّ - زاد أبو عَوَانة: وأبو أيُّوب البَهْرَانِيُّ، قالا: - ثنا خَطَّابُ بنُ عُثمان، قال: ثنا محُمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ، ثنا إبراهيمُ بنُ أبي عَبلَة، عن الزُّهري بهذا مرفُوعًا، بلفظ:"من أدرك ركعةً من الصَّلاة، فقد أدركها".

وهذا سَنَدٌ جيِّدٌ. وخطَّابُ بنُ عُثمان ثقةٌ، من مشايخ البُخاريِّ.

ومُحمَّدُ بن حِمْيرٍ السَّلِيْحِيُّ صدوقٌ متماسكٌ، ليَّنه بعضُهم.

وإبراهيمُ بنُ أبي عَبلَة فمن الثِّقات الرُّفعاء.

11 -

عبدُ الرَّحمن بنُ ثابت بن ثَوْبان، عنه.

أخرجه ابنُ حِبَّان (1486)، والطَّبَرَانِيُّ في "مسنَد الشَّاميِّين"(118، 186، 3604) قالا: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ عبد الله بن عبد السَّلام البَيرُوتِيُّ مَكحُولٌ ..

وابنُ عَدِيٍّ (4/ 282) قال: حدَّثَنا عبدُ الله بنُ محُمَّد بن مسلمٍ، قالا: ثنا محُمَّدُ بنُ غالبٍ الأَنطَاكِيُّ، ثنا غُصنُ بنُ إسماعيل، ثنا ابنُ ثَوبان، عن أبيه، عن الزُّهريِّ، ومَكحُولٍ، عن أبي سَلَمة، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا، مثل لفظ ابنِ أبي عَبلَة.

وزاد ابنُ حِبَّان: "ولُيتِمَّ ما بقي".

وهذه الزِّيادة مُدرَجةٌ؛ فقد قال ابنُ عَدِيٍّ بعدما رَوَى الحديث: "يعنى: الفضيلةَ، وليُتِمَّ ما بقي".

وهو يقصدُ بقوله: "فقد أدركها" يعني: الفضيلة

الخ.

وهذا سندٌ ضعيفٌ جدًّا؛ ومحُمَّدُ بنُ غالبٍ الأنطاكيُّ ذكره ابنُ حِبَّان

ص: 268

في "الثِّقات"(9/ 139)، وذكو محُقِّقُ "الثِّقات" أنَّه لم يَظفَر بترجمته في كتابٍ آخر، وهو مُترجَم في "الجرح والتَّعديل"(4/ 1/ 55)، لابن أبي حاتمٍ، وقال:"كتبتُ أطرافًا من حديثه، ولم يُقضَى لنا السَّماعُ منه".

وغُصنُ بنُ إسماعيل وقع في "مُسنَد الشَّاميِّين": "عُثمانُ بنُ إسماعيل"، وهو تصحيفٌ. وغُصنٌ هذا قال الهَيثَمِيُّ في "المَجمَع" (2/ 160):"لم أجد من ذكره" كذا قال! وقد ترجمه ابنُ حِبَّان في "الثِّقات"(9/ 4)، وقال:"رُبَّما خالَف".

وعبدُ الرَّحمن بنُ ثابت بن ثَوبان، ذكر ابنُ عَدِيِّ هذا الحديث في ترجمته على أنَّه من مناكيره. وقد تكلَّم جماعةٌ من أهل العلم فيه، وقد أثنى عليه دُحَيمٌ إمامُ أهل الشَّام، ووثَّقه أبو حاتمٍ، وأحسَنَ الرَّأيَ فيه أَبنُ المَدِينِيِّ، واختلف فيه رأيُ ابن مَعِينٍ، وقال عمرُو بنُ عليٍّ الفلَّاسُ:"حديثُ الشَّامِيِّين كلِّهم ضعيفًا، إلَّا نفرًا منهم الأَوزَاعِيُّ، وعبدُ الرَّحمن ابنُ ثابت بن ثَوبان".

وخُلاصةُ القول فيه أنَّه ليس بعُمدةٍ، وإن كان يَصلُح في المتابَعات، ولا أعلم أحدًا تابعه على هذه الرِّواية.

أمَّا أبوه فثقةٌ. والله أعلم.

12 -

عبدُ الرَّحمن بنُ إسحاق، عنه.

أخرجه أبو يَعلَى (5966) قال: حدَّثَنا وَهبٌ، أخبَرَنا خالدٌ، عن عبد الرَّحمن بن إسحاق، عن الزُّهريِّ بهذا اللَّفظ:"من أدرك ركعةً من الصَّلاة، فقد أدرك الصَّلاة".

ص: 269

وعبدُ الرَّحمن بنُ إسحاق، المعروفُ بـ "عبَّادٍ" ليس بعُمدةٍ، وهو حَسَنُ الحديث في المتابَعات، وقد تابعه الجَمُّ الغفيرُ كما تَرى.

13 -

مُحمَّدُ بنُ الوليد الزُّبَيدِيُّ، عنه.

أخرجه الطَّبَرَانِيُّ في "مسنَد الشَّاميِّين"(1733) قال: حدَّثَنا المِقدامُ ابنُ داوُد، ثنا أَسَدُ بنُ موسى، ثنا إسماعيلُ بنُ عَيَّاشٍ، عن محُمَّد بن الوليد الزُّبَيدِيِّ، عن الزُّهريِّ بهذا، بلفظ:"من أدرك ركعةً من الصَّلاة، فقد أدرك الصَّلاة وفضلَها".

وشيخُ الطَّبَرَانِيِّ ضعيفٌ، ولو تُوبع لكان الإسناد جيِّدًا، إلَّا لفظة "وفضلها"، وقد تقدَّم البحث فيها.

14 -

قُرَّةُ بنُ عبدُ الرَّحمن، عنه.

أخرَجَهُ ابنُ خُزيمة (1595) قال: أخبَرَنا عيسى بنُ إبراهيمَ الغافقِيُّ .. والدَّارَقُطنِيُّ (1/ 346 - 347)، وابنُ عَدِيٍّ في "الكامل"(7/ 2684)، ومن طريقه البيهَقِيُّ (2/ 89) عن عمرِو بن سَوَّادٍ ..

والدَّارَقُطنِيُّ أيضًا، عن محُمَّدِ بن يحيى بنِ إسماعِيل ..

والدَّارَقُطنِيُّ، والعُقيليُّ في "الضُّعفاء"(4/ 398)، وابنُ الأعرابِيِّ في "المُعجَم"(964) عن حَرمَلَة بن يَحيَى، قالُوا: ثنا عبدُ الله بنُ وهبٍ، قال: أخبَرَنا يَحيى بنُ حُميدٍ، عن قُرَّةَ بنِ عبد الرَّحمن، عن ابن شهابِ الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمة ابن عبد الرَّحمن، عن أبي هُريرَة، أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَن أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرَكها، قبل أن يُقيم الإمامُ صُلبَه".

ص: 270

قال العُقيليُّ: "رواهُ مَعمَرٌ، ومالكٌ، ويُونُسُ، وعُقيلٌ، وابنُ جريجٍ، وابنُ عُيينَةَ، والأوزاعِيُّ، وشُعَيبٌ، عن الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمَة ابن عبد الرَّحمن، عن أبي هُريرة، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرَكَ الصَّلاة". ولم يَذكُر أحدٌ منهم هذه اللَّفظة: "قبل أن يُقيم الإمامُ صُلبَه"، ولعلَّ هذا مِن كلام الزُّهرِيِّ، فأدخَلَه يحيى بن حُميدٍ في الحديث ولم يُبَيِّنه".

وقال ابنُ عَدِيٍّ: "وهذا - يعني: يحيى بنَ حميدٍ - زاد في متنه: "قبل أن يُقيم الإمامُ صُلبَه"، وهذه الزِّيادَةُ يقوُلهُا: يحيَى بنُ حُميدٍ، وهو مِصريٌّ، ولا أعرف له. ولا يَحضُرُنِي إلَّا هذا".

• قلتُ: ويَحيَى هذا ضعَّفَهُ أيضًا الدَّارَقُطنِيُّ.

وقال البُخارِيُّ في "جُزء القراءة"(ص 76): "وزاد ابنُ وهبٍ، عن يحيَى بنِ حميدٍ، عن قُرَّة، عن ابنِ شِهابٍ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُريرَة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "فقد أدرَكهَا قبل أن يُقيم الإمامُ صُلبَه". وأمَّا يحيَى بنُ حُميدٍ فمجهُولٌ، لا يُعتَمَدُ على حديثِهِ، غيرُ معرُوفٍ بصِحَّة خَبَره المرفوع، وليس هذا ممَّا يَحتَجُّ به أهلُ العلم. وقد تابَعَ مالكًا في حديثِهِ: عُبيدُ الله ابنُ عُمر، ويحيَى بنُ سعيدٍ، وابنُ الهاد، ويُونُسُ، ومَعمَر، وابنُ عُيينَةَ، وشُعَيبٌ، وابنُ جُريجٍ، وكذلك قال عِراكُ بنُ مالكٍ، عن أبي هُريرَةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. فلو كان مِن هؤلاء واحدٌ يُحكَم بخلاف يحيَى بنِ حُميدٍ، أُوثِرُ ثلاثةً عليه، فكيف باتِّفاق مَن ذَكَرنا عن أبي سَلَمَة وعراكٍ، عن أبي هُريرَة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. وهو خَبرٌ مُستَفيضٌ عند أهل العِلم بالحِجاز

ص: 271

وغيرها. وقولُهُ: "قبل أن يُقيم الإمامُ صُلبَه" لا مَعنَى له ولا وَجهَ لزيادَتِه" انتهَى.

وقد رواه سُويدُ بنُ عبد العزيز، عن قُرَّة بن عبد الرَّحمن بهذا الإسناد، ولم يَذكُر هذه الزِّيادةَ:"قبل أن يُقيم الإمامُ صُلبَه".

أخرَجَه الطَّبرانِيُّ في "الأوسَط"(546) قال: حدَّثَنا أحمدُ بنُ القاسم ابن مُسَاوِرٍ الجَوهريُّ، ثنا أبي وعَمِّي، قالا: ثنا سويدُ بنُ عبد العزيز، بهذا الإسناد. وقال:"لم يروه عن قرَّة إلَّا سويدٌ ورِشْدِينُ".

كذا قال! وقد تعقَّبتُهُ في "تنبيه الهاجِد"(2637).

وشيخُ الطَّبرانِيِّ وثَّقه الخطيبُ (4/ 349).

وأبُوه: القاسم بنُ المُساوِرِ ترجَمَه الخطيبُ أيضًا (12/ 427)، ولم يذكر فيه شيئًا.

وعمُّ أحمدَ اسمُهُ: عيسى بنُ المساور، ترجَمَه الخطيب أيضًا (11/ 161) ووثَّقه، ونقل عن النَّسائِيِّ أنَّه قال:"لا بأس به".

لكن الشَّأنُ في سويدِ بنِ عبد العزيز: فهو أقربُ إلى الوَهاء، تَرَكَهُ أحمدُ وغيرُهُ، وقَلَّ مَن مشَّاه.

وقد ذكر الطَّبَرانِيُّ أنَّه تابَعَهُ رِشدينُ بنُ سعدٍ، وهو ضعيفٌ أيضًا.

15 -

يَحيَى بنُ سعيدٍ الأنصاريُّ، عنه.

أخرَجَهُ البَزَّارُ في "مُسنَده"(ج 2/ ق 198/ 1) قال: حدَّثَنا عبدُ الله ابنُ شبيبٍ، قال: نا أيُّوبُ بنُ سُليمان بن بلالٍ، قال: حدَّثَنَي أبُو بكرٍ ابنُ أبي أُوَيسٍ، عن سُليمانَ بنِ بلالٍ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن الزُّهرِيِّ،

ص: 272

عن سعيدٍ، وأبي سَلَمَة، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا:"مَن أدرَكَ من الصَّلاة ركعةً فقد أدرَكَ الصَّلاة كُلَّها، إلا أنَّه يقضي ما فاته".

وهذا إسنادٌ نظيفٌ، لم يروه أحدٌ من أصحاب الكُتب السِّتَّة، وأشار إليه الدَّارَقُطنِيُّ في "عِلله"(9/ 217)، وقال في آخِر بحثه:"والصَّحيح قولُ عُبيدِ الله بنِ عُمر، ويحيى الأنصارِيِّ، ومالكٍ، ومَن تابَعَهُم على الإسناد والمَتن" انتهَى.

وهذا يتعلَّقُ بإسناد الزُّهرِيِّ، عن أبي سَلَمَة.

أمَّا روايةُ يحيى الأنصارِيِّ، عن الزُّهرِيِّ، عن سعيد بن المُسيَّب، فلم أرَهَا، ولم أُبالِغ في التَّفتيش عنها.

16 -

إيُّوبُ بنُ عُتبة، عنه.

أخرَجَه أبُو الشَّيخ في "طَبَقات المُحدِّثين"(126) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ ابُن يَحيَى، قال: ثنا عبدُ الله بنُ داوُد، قال: ثنا عِكرِمةُ بنُ إبراهيمَ، عن هشامٍ الدَّستُوائِيِّ، عن يحيَى بنِ أبي كَثيرٍ، عن أيُّوبَ بنِ عُتبة، عن الزُّهرِيِّ، عن أبي سّلَمَة، عن أبي هُريرَة، مرفُوعًا:"مَن أدرَكَ من الصَّلاة ركعةً فقد أدرَكَ".

• قلتُ: كذا وَقَعَ الإسنادُ في كتاب أبي الشَّيخ، وهو خطأٌ لا إشكال فيه، وقد وقع فيه سقطٌ، يُشبهُ عندي أن يكون صوابُهُ:"عِكرِمةُ بنُ إبراهيم، عن هشامٍ الدَّستُوائِيٌّ، عن يَحيَى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سَلَمَة. وعن أيُّوب بن عُتبة، عن الزُّهريِّ، عن أبي سَلَمَة"، ويكُون الذي قال:"وعن أيُّوب بن عُتبة" هو عِكرِمةُ بنُ إبراهيم. ولم أجِد مَن نصَّ على

ص: 273

رواية أيُّوبَ، عن الزُّهريِّ، لكنَّه يروِي عن يَحيى بن أبي كثيرٍ، وهو مِن طَبَقة الزُّهرِيِّ.

فإن يكُن الصَّوابُ هكذا، فأيُّوبُ بنُ عُتبة ليس بالقَوِيِّ. والله أعلم.

وعِكرِمةُ بنُ إبراهيم قاضي الرَّيِّ: واهٍ.

17 -

ابنُ جُريج، عنه.

أخرَجَه البُخارِيُّ في "جُزء القراءة"(216) قال: حدَّثَنا محمُودٌ، ثنا عبدُ الرَّزَّاق، قال: ثنا ابنُ جُريجٍ، قال: حدَّثني ابنُ شهابٍ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا مثله.

وإسنادُهُ صحيحٌ.

18 -

مُعاويةُ بنُ يَحيى الصَّدفيُّ، عنه.

أخرَجَهُ تمَّامٌ الرَّازِيُّ في "الفوائد"(253 - ترتيبُهُ)، وابنُ عساكر في "تاريخ دمشق"(62/ 196) من طريق خيثَمَة بن سُليمان الأطرابُلسِيِّ، قال: أخبَرَنا العبَّاسُ بنُ الوليد بنِ مَزْيَدَ، نا محُمَّدُ بنُ شُعيبٍ، أخبَرَنِي مُعاويةُ بنُ يحيَى الصَّدَفِيُّ، عن الزُّهرِيِّ بهذا الإسناد مثله.

والصَّدَفِيُّ ضعيفٌ.

19 -

سعيدُ بنُ عبد العزيز، عنه.

أخرَجَه ابنُ عساكر (68/ 174)، من طريق تمَّامٍ الرَّازِيِّ - وليس في "فوائده" -، قال: أنا أبُو عبد الله بنُ مرْوان، نا يَحيَى بنُ مُوسى بن هارُون القُرَشِيُّ، نا زيدُ بنُ يحيَى بن عبيدٍ، نا سعيدُ بنُ عبد العزيز، عن الزُّهرِيِّ بهذا، بلفظ:"مَن أدرك من صلاةٍ ركعةً فقد أدرَكها".

ص: 274

وهذا إسنادٌ ما أجوَدَه، لولا يحيَى بن مُوسى؛ فإنَّ ابن عساكر ذَكَر الحديثَ في تَرجَمته ولم يَحكِ فيه شيئًا. واللّه أعلم.

• قلتُ: كلُّ هؤلاء الرُّواة عن الزُّهرِيِّ لم يَقُل واحدٌ منهم: "من أدرك من العَصر ركعتين

".

فدلَّنا هذا البحثُ على نَكارَة هذا الحرف، وأنَّ اللفظ المَحفُوظ:"ركعةٌ".

وقد خالَف هذا الجمعَ رُواةٌ آخَرون عن الزُّهرِيِّ، فروَوهُ عنه، عن أبي سلَمَة، عن أبي هُريرَة، مرفُوعًا بلفظ: "من أدرَكَ من الجُمعة ركعةً

".

ولفظَةُ "الجُمعة" شاذَّةٌ من هذا الوجه. كما تقدَّمَ. والحمدُ لله تعالَى.

وخُلاصَة الكلام عن حديث التَّرجَمة - وإن طال - ..

أنَّ لفظةَ: "ومَن أدرَكَ من العصر ركعتَين فقد أدرَكَ" لفظةٌ مُنكَرةٌ، وأنَّ الصَّواب أنَّ الصَّلاةَ تُدرَكُ بركعةٍ واحدةٍ.

وقد رواهُ جمعٌ عن أبي هُريرَة كذلك، منهم: عِرَاكُ بنُ مالكٍ، وعطاءٌ، وسعيدٌ المَقبُرِيُّ، وسعيدُ بنُ المُسيَّب، وبُسرُ بنُ سعيدٍ، في آخَرين.

وتأيَّد هذا بحديث عائشةَ رضي الله عنها مرفُوعًا: "من أدرَكَ من العَصر سجدةً قبل أن تَغرُب الشَّمسُ، أو من الصُّبح قبل أن تطلُعَ، فقد أدرَكَها"، والسَّجدةُ إنَّما هي الرَّكعةُ.

أخرَجَهُ مُسلمٌ (609/ 164) واللَّفظُ له، والنَّسائِيُّ في "الكُبرَى"(1533)، وفي "المُجتبَى"(1/ 273)، وأحمدُ (6/ 78)، وابنُ الجارُود

ص: 275

في "المُنتقَى"(155) عن ابنِ المُبارَك ..

ومُسلمٌ أيضًا، وأبُو عَوانَة (1103)، وأبُو نُعيمٍ (1356)، كلاهما في "المُستخرَج على مُسلمٍ"، وابنُ ماجَهْ (700)، والطَّحاوِيُّ في "شرح المَعانِي"(1/ 151)، وابنُ حِبَّان (1584)، والبيهَقِيُّ (1/ 378) عن ابنِ وَهبٍ، كلاهُما عن يُونُس بن يزيدَ، عن الزُّهرِيِّ، عن عُروَةَ بنِ الزُّبير، عن عائشةَ مرفُوعًا.

والحمدُ لله تعالى.

ص: 276

197 -

سُئلتُ عن حديث: "مَن لَم يَسأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيهِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

فأخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ (3373)، والبُخارِيُّ في "الأدب المُفرَد" 21/ 114) عن حاتم بن إسماعيل ..

وابنُ ماجَهْ (3827)، وأحمدُ (2/ 443، 477)، وابنُ أبي شَيبَة (10/ 200)، والبَزَّارُ في "مُسنَده"(ج 2/ ق 232/ 2)، وابنُ عديِّ في "الكامل"(7/ 2750)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(5/ 188)، وفي "تَفسيره"(4/ 103) عن وَكيعٍ ..

والبُخاريُّ في "الأدب المُفرَد"(658)، والحاكِمُ (1/ 491)، وأحمدُ (2/ 442)، ومن طريقه ابنُ بِشرَانَ في "الأمالي"(ج 22/ ق 244/ 2) عن مَروان بن مُعاوية ..

والبَزَّارُ (2/ 232/ 2)، والحاكِمُ (1/ 491)، وعنه البَيهَقِيُّ في "الدَّعَوات"(22)، والطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(2431)، ومن طريقه المِزِّيُّ في "التَّهذيب"(33/ 418)، والرَّامَهُرمُزِيُّ في "المُحدِّث الفاصل"(290) عن أبي عاصمٍ النَّبيل ..

والرَّامَهُرمُزِيُّ أيضًا، عن صفوانَ بن عيسى، خمستُهُم، عن أبي المَلِيح، عن أبي صالح الخُوزِيِّ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا به.

قال التِّرمِذيّ: "لا نَعرِفُه إلَّا من هذا الوجه".

ص: 277

وقال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن أبي صالحٍ إلا أبو المَلِيح".

وقال ابنُ عَديٍّ: "وهذا يُعرف بأبي صالحٍ هذا".

وقال الحاكمُ: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد" فإن أبا صالحٍ الخُوزِيَّ وأبا المَلِيحِ الفارسيَّ لم يُذكَرا بالجرحِ، إِنَّما هُمَا في عِداد المجهولين؛ لقِلَّة الحديث" ا. هـ.

• قلتُ: فإن كانا في عِدَاد المجاهيل، فكيفَ يُصَحَّحُ إسنادُ حديثِهِما؟! وأخشى أن يكون مَذهَبُ الحاكم كمَذهَب ابنِ حِبَّانَ، أنَّ العَدْل مَن لَم يُعرَف مِنهُ جَرحٌ.

ولو سلَّمنا ذلك، فإِنَّ أبا صالحٍ الخُوزِيَّ عُرِفَ بالجرح، فقد ضَعَّفه ابنُ مَعِينٍ، ومَشَاه أبو زُرعة الرَّازِيُّ، فقال:"لا بأس به"، وقال الحافظ في "الفتح" (11/ 95):"مُخْتَلَفٌ فيه".

وقد تفرَّد به كما قال هؤلاء الحُفَّاظ، فمِثلُه لا يُحتَمَل منه التَّفَرُّدُ.

فإسنادُ حديثه ضعيفٌ.

أمَّا ابنُ كَثير رحمه الله، فقال في "تفسيره" (7/ 143):"وهذا إسنادٌ لا بأس به"، وقد عَرَّفناك ما فيه من البأس.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 278

198 -

سُئلتُ عن صحَّة ومعنى حديث: "لَيسَ مِنَّا مَن خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

وقد وَرَدَ مِن حديث أبي هُريرَة، وبُريدَةَ، وابنِ عُمَر، وابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم.

* أولًا: حديثُ أبي هُريرَة رضي الله عنه مرفُوعًا: "مَن خَبَّبَ عَبدًا عَلَى أَهلِهِ فَلَيسَ مِنَّا، وَمَن أَفسَدَ امرَأةَ عَلَى زَوجِهَا فَلَيسَ مِنَّا".

أخرَجَهُ النَّسائيُّ في "العِشرة"(332) واللَّفظ له، وأبو داوُد (2175)، وأحمدُ (2/ 397)، والبُخاريُّ في "التَّاريخ"(1/ 1/ 396)، وإسحاقُ بنُ رَاهَوَيْه (134)، وابنُ الأعرابيِّ في "مُعجَمه"(798)، والبَزَّارُ في "مُسنَده"(ج 2/ ق 245/ 2 - 246/ 1)، وابنُ حِبَّانَ (1319)، والحاكِمُ (2/ 196)، والبَيهقِيُّ في "الآداب"(80)، والخطيبُ في "تاريخه"(4/ 286)، وفي "موضح الأوهام"(2/ 376) من طرقٍ عن عَمَّار بن رُزَيقٍ، عن عبد الله بن عيسى، عن عِكرِمة بن خالدٍ، عن يحيى بن يَعمَرَ، عن أبي هُريرة.

قال البزَّارُ: "وهذا الحديث لا نَعلَمُهُ يُروَى عن أبي هُريرَة إلَّا بهذا الإسناد. وقد رُوِي عن بُريدَة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد أَحسَنُ مِن إسناد بُرَيدَة".

ص: 279

وقال الحاكمُ: "صحيحٌ على شرط البُخاريِّ"، وليس كما قال؛ فإنَّ عَمَّارَ بن رُزَيقٍ لم يُخَرِّج له البُخاريُّ شيئًا، وإن كان الإسنادُ صحيحًا.

أمَّا قولُ البَزَّارِ: "إِنَّه لم يُروَ عن أبي هُريرَة إلَّا بهذا الإسناد"، فإِنَّهُ مُتعقَّبٌ بما:

أخرَجَهُ أبو أحمدَ الحاكمُ في "كتاب الكُنَى"(ج 15/ ق 254/ 2 - 255/ 1)، وابنُ عَديٍّ في "الكامل"(7/ 2589)، والخطيبُ في "تاريخه"(11/ 123 - 124) من طريق هارون بن محُمَّد الشَّيبَانِيِّ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المُسيَّب، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا:"مَن خَبَّبَ امرأةً على زوجها فليس مِنَّا".

وهارونُ بنُ محُمَّدٍ كذَّبَهُ ابنُ مَعِينٍ، وقال ابنُ عَديٍّ:"وهارون ليس بمعروفٍ، ومِقدارُ ما يرويه ليس بمحفوظٍ".

وقال أبو أحمد الحاكمُ: "هو حديثٌ مُنكَرٌ من حديث يحيى".

* ثانيًا: حديث بُرَيدة بن الحُصَيب رضي الله عنه مرفُوعًا: "ليس مِنَّا من حَلَف بالأمانة، وليس مِنَّا من خَبَّبَ امرأةً أو مملوكًا".

أخرَجَه أحمدُ (5/ 352)، وابنُ حِبَّانَ (1318) من طريق هَنَّاد بن السَّرِيِّ، قالا: حدَّثَنا وكيعٌ ..

والبَزَّارُ (1500 - كشف الأستار)، والحاكمُ (4/ 298) من طريق عبد الله بن داوُد ..

وأبو الحسَن الخِلَعِيُّ في "الخِلَعِيَّاتِ"(ق 75/ 2) عن زُهير بن مُعاوِية .. والبُرْجُلَانِيُّ في "الكرم والجُوْد"(96) عن محُمَّد بن ربيعة الكِلَابِيِّ ..

ص: 280

والخطيبُ في "تاريخه"(14/ 35) عن مِنْدَلِ بنِ عَليٍّ، خمستُهُم عن الوليد بن ثَعلَبة، عن عبد اللّه بن بُرَيدةَ، عن أبيه مرفُوعًا.

وأخرَج مِنهُ أبو داوُد في "سنَنه"(3253) الشَّطرَ الأوَّلَ، من طريق زُهير بن معاوية، عن الوليد.

قال الحاكمُ: "صحيحُ الإسناد"، ووافقه الذهبي.

وكذلك صَحَّحَ إسنادَهُ المُنذِرِيُّ في "التَّرغيب"(3/ 82).

وقال الهَيثَمِيُّ في "المَجمَع"(4/ 332): "رِجالُ أحمدَ رجالُ الصَّحيح، خلا الوَلِيد بن ثَعلَبة، وهو ثِقة" ا. هـ.

* ثالثًا: حديث ابن عُمَر رضي الله عنهما: "مَن لَبِسَ الحريرَ، أو شرِب من فِضَّةٍ، فليس مِنَّا، ومن خَبَّبَ امرأةً على زوجها، أو عبدًا على مواليه، فليس مِنَّا". أخرَجَهُ الخطيبُ في "تاريخه"(11/ 54 - 55)، من طريق سُليمان بن أحمد الطَّبَرانيِّ، وهو في "المُعجَم الأوسط"(8022)، وفي "المُعجَم الصَّغير"(1/ 248) من طريق محُمَّد بن عبد الله الرُّزِّيِّ، ثنا أبو تُميْلَةَ، عن أبي طَيبة، ثنا أبو مجلَزٍ، عن ابن عُمَر به.

قال الطَّبَرانيُّ: "لا يُروَى هذا الحديثُ عن ابن عُمَر إلَّا بهذا الإسناد. تَفَرَّد به أبو تمُيَلَة".

• قلتُ: وأبو تُميلَة اسمُه يحيى بنُ واضحٍ، وهو ثقةٌ.

ولكن أبدَى الهَيثمِيُّ في "المَجمَع"(4/ 332) لهذا الإسناد علَّةً، فقال:"فيه محُمَّدُ بنُ عبد الله الرُّزِّيُّ، ولم أَعرِفه. وبقيَّة رجاله وُثِّقُوا".

كذا قال! ومحُمَّدُ بنُ عبد الله ثِقَةٌ معروفٌ، مِن رجال مُسلِمٍ.

ص: 281

ولم يَتَفَرَّد به ..

فتابعه سعيدُ بنُ محُمَّدٍ الجَرْمِيُّ، ثنا أبو تُميلَة بسَنَده سواء، دون قوله: "مَن لَبِسَ الحريرَ

الخ".

أخرَجَهُ الخَرَائِطِيُّ في "مساوئ الأخلاق"(503) قال: حدَّثَنا العَبَّاسُ بنُ مُحمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثنا سعيدُ بنُ محُمَّدٍ.

وهذا الإسناد لا بأس به، وأبو طَيبَةَ اسمُه عبدُ الله بنُ مُسلِمٍ السُّلَمِيُّ. وفي حفظه مقالٌ.

* رابعًا: حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما مرفوعًا: "ليس مِنَّا من خَبَّبَ امرأةً على زوجها، وليس مِنَّا مَن خَبَّب عبدًا على سيِّده".

أخرَجَهُ الطَبَرانيُّ في "الأوسط"(1803) مِن طريق عليِّ بن أبي هاشمٍ، ثنا عُثمانُ بنُ مَطَرٍ الشَّيبَانِيُّ، عن مَعمَر بن راشدٍ، عن ابن طاوُوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبَّاسٍ به.

وقال: "لَم يَروِ هذا الحديثَ عن ابن طاوُوس إلَّا مَعمَرٌ، ولا عن مَعمَرٍ إلَّا عُثمانُ. تفرَّد به عليٌّ" ا. هـ.

وعُثمانُ بنُ مَطَرٍ ضعيفٌ.

وقد خالفه عبدُ الرَّزَّاق، فرواه في "المُصَنَّف"(ج 11/ رقم 20994) عن مَعمَرٍ، عَمَّن سَمِعَ عِكرِمة، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:

فذَكَرَهُ مُرسَلًا.

وقد اختُلِف عن عِكرِمة ..

فرواه إسحاقُ بنُ جابرٍ، عن عِكرِمة، عن ابن عبَّاسٍ مرفُوعًا: "لَيس مِنَّا مَن خَبَّب عبدًا على سَيِّده، وليس مِنَّا من أَفسَد امرأةً على زَوجِها،

ص: 282

وليس مِنَّا من أَجلَب على الخيلِ يومَ الرِّهان".

أخرَجَهُ الضِّياءُ في "المُختارَة"(ج 64/ ق 358/ 1) من طريق أبي يَعلَى، وهذا في "مُسنَده" (ج 4/ رقم 2413) قال: حدَّثَنا مُصعَبُ بنُ عبد الله ابنِ مُصعَبٍ، قال: حدَّثَني الدَّرَاوَردِيُّ، عن ثَور بن زيدٍ، عن إسحاق ابن جابرٍ.

وأخرَجَهُ البُخاريُّ في "التَّاريخ الكبير"(1/ 1/ 395 - 396) من طريق حُسَين بن حُرَيثٍ، عن الدَّرَاوَردِيِّ.

ثُمَّ أخرَجَهُ البُخاريُّ أيضًا، من طريق أبي ثابتٍ، حدَّثَنَا الدَّرَاوَردِيُّ، عن ثور بن زيدٍ، عن إسحاق بن جابرٍ، عن عِكرِمة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مُرسلًا.

وإِسحاقُ بنُ جابرٍ ترجمَهُ البُخاريُّ، وابنُ أبي حاتمٍ في "الجرح والتَّعديل"، ولم يَذكُرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وقد خالَفَهُ عبدُ الله بنُ عيسى، فرواه عن عِكرِمة، عن يحيى بن يَعمَر، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا.

وقد مَرَّ ذِكرُه في "حديث أبي هُريرَة".

وهذا الوجهُ أولى.

وجُملَةُ القولِ أنَّ الحديث صحيحٌ.

ومعنى "خَبَّب"، يعني: أَفسَدَ وخَدَع.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 283

199 -

سُئلتُ عن حديث: "مَثَلُ الَّذِي يَسمَعُ الحِكمَةَ وَلَا يَعمَلُ إِلَّا بِشَرِّهَا، كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى رَاعِيًا، فَقَالَ: "اجزُرنِي شَاةً مِن غَنَمِكَ"، قَالَ: "اذهَب! فَخُذ بِأُذُنِ خَيرِ شاةٍ"، فَذَهَبَ، فَأَخَذَ بِأُذُنِ كَلبِ الغَنَم".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ ابن ماجَهْ (4172) عن الحَسَن بن مُوسَى ..

وابنُ القَطَان في "زوائده عن سنَن ابن ماجَهْ" عن مُوسى بن إسماعيل التَّبُوذَكِيِّ ..

وأحمدُ في "المُسنَد"(2/ 353، 405، 508) قال: حدَّثَنَا عَفَّانُ بنُ مُسلِمٍ، ويزيدُ بنُ هارُون ..

والطيَالِسِيُّ في "مُسنَده"(2563) ..

وأبُو يَعلَى (ج 11/ رقم 6388)، وابنُ عَديٍّ في "الكامل"(5/ 1843)، وأبو الشَّيخ في "الأمثال"(291)، والرَّامَهُرمُزِيُّ في "الأمثال"(58) أربعَتُهُم عن عبد الأَعلَى بن حَمَّادٍ ..

والرَّامَهُرمُزِيُّ أيضًا (57)، والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(1650) عن سُليمان بن حربٍ ..

والبَزَّارُ في "مُسنَده"(ج 2/ ق 247/ 2) عن عبد الصَّمَد بن عبد الوارث ..

والبيهَقِيُّ أيضًا (1593) عن حجَّاجِ بن مِنهالٍ، تسعتهم عن حَمَّاد بن

ص: 284

سَلَمة، عن عليِّ بن زيد بن جُدعَان، عن أوس بن خالدٍ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا.

ولفظ الطَّيَالِسِيِّ مُختصَرٌ.

قال البَزَّار: "وهذا الحديثُ لا نَعلَمُ رَوَى كلامَهُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا أبو هُريرَة".

وعزاه السَّخَاوِيُّ في "المقاصد الحَسَنة"(ص 376) لأحمد بن مَنِيعٍ، والعَسكَرِيِّ في "الأمثال".

• قلتُ: وهذا سَنَدٌ ضعيفٌ، لضعف عليِّ بن زيد بن جُدعَان، وإن كانت رِوايةُ حَمَّاد بن سَلَمة عنه أَمثَلُ من رِواية غيرِه. وبه ضَعَّف البُوصِيرِيُّ الحديثَ في "مصباح الزُّجاجة"(286/ 3).

وقد أورده ابنُ عَديٍّ في "الكامل" مُستَنكِرًا إِيَّاه على عليِّ بن زيدٍ، وأوسِ بن خالدٍ.

قال البُخاريُّ: "لا يَروِي عنه إلَّا عليُّ بن زيدٍ. وعلي فيه بعضُ النَّظر".

وقال ابنُ القَطَّان: "له عن أبي هُريرَة ثلاثةُ أحاديث مُنكَرَةٌ، وليس له كبيرُ شيءٍ".

وفرَّق الذَّهبِيُّ بينه وبين أوس بن أبي أوسٍ، فقال في هذا:"لا يُعرف"، وهما واحِدٌ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 285

200 -

سُئلتُ عن حديث: "حَضَرَ مَلَكُ المَوتِ رَجُلًا، فَنَظَر فِي كُلِّ عُضوٍ مِن أَعضَائِهِ، فَلَم يَجِد فِيهِ حَسَنَةً، ثُمَّ شَقَّ عَلَيهِ قَلبَهُ، فَلَم يَجِد فيه شيئًا، ثُمَّ فَكَّ عَن لحَيَيْهِ، فَوَجَدَ طَرْفَ لِسَانِهِ لَاصِقًا بِحَنكِهِ، يَقُوُل: لَا إِلَهَ إِلَّا اللّهُ. فَقَالَ: وَجَبَت لَهُ الجَنَّة بِقَولِ كلِمَةِ الإِخلَاصِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ ابنُ أبي الدُّنيا في "كتاب المُحتَضِرين"(ق 3/ 2) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ الصَّبَّاح ..

وأخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(ج 3/ رقم 984 - طبع الهند، وج 6/ رقم 9235 - طبع بيروت) من طريق عبد العزيز الأُوَيسِيِّ ..

والخطيبُ في "تاريخه"(9/ 125) من طريق سعد بن عبد الحميد بن جعفرٍ، ثلاثتهم عن عبد الرَّحمن بن أبي الزِّناد، عن مُوسَى بن عُقبَة، عن رجُلٍ من آل عُبادة بن الصَّامِت، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا فذَكَرَه.

ووَقَعَ عند ابن أبي الدُّنيا مخُتصَرًا.

وعَزَاهُ العِراقيُّ في "تخريج الإحياء"(4/ 466) إلى الطَّبَرانيِّ، وقال:"وإسنادُهُ جَيِّدٌ، إلَّا أنَّ في رِوايَةِ البَيهَقِيِّ رَجُلًا لم يُسَمَّ. وفي رِوايَة الطَّبَرانيِّ إسحاقُ بن يحيَى بن طلحةَ، وهو ضعيفٌ" ا. هـ.

ص: 286

وعزاه الزَّبِيدِيُّ في "إتحاف السَّادَة"(10/ 275) إلى ابن لَالٍ في "مكارِم الأخلاق"، والدَّيلَمِيِّ في "مُسنَد الفِردَوس".

أمَّا قولُ العِرَاقِيِّ: "إِسنادُه جَيِّدٌ"، فلا يتوهَّمنَّ أحدٌ أنَّ العراقيَّ يجوِّدُ الإسنادَ؛ لأن فيه رَجُلًا مجهولَ العين والصِّفَة. ثُّمَّ إنَّ ابنَ أبي الزِّناد في حِفظِه لينٌ.

واللهُ أعلمُ.

(تنبيهٌ)

فإن قال قائلٌ: "إذا كان الإسنادُ مُشتمِلًا على علَّةٍ كهذا المجهُولِ، فلِمَ يقول النُّقَادُ: إسنادُهُ جيِّدٌ أو صحيحٌ لولا كَذَا وكذَا؟ فهلَّا قالُوا: إسنادُهُ ضعيفٌ، وصرَّحوا بذلك؟ ".

فالجَوَابُ: أنَّه إنَّما يَفعَلُ النَّاقدُ ذلك ليقُول لك: إِنْ جُبِرَت هذه العِلَّةُ، فأنا أَضمَنُ لك سَلَامَةَ بقيَّةِ الإِسنادِ مِن العِلَل. وهذا فائدةُ الاستِثنَاءِ الذي يَقَعُ في كَلامِهِم.

ص: 287

201 -

سُئلتُ عن حديث: "إِنَّ لله تبارك وتعالى عَمُودًا مِن نُورٍ، بَينَ يَدَيِ العَرشِ، فَإِذَا قَالَ العَبدُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللّهُ"، اهتَزَّ ذَلِكَ. العَمُودُ، فَيَقُولُ اللّهُ تبارك وتعالى: "اُسكُن! "، فَيَقُولُ: "كيفَ أَسكُنُ وَلَم يُغفَر لِقَائِلِهَا؟! "، فَيَقُولُ: "إِنِّي قَد غَفَرتُ لَهُ"، فَيَسكُنُ عِندَ ذَلِكَ".

• قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ.

أخرَجَهُ أبو نُعَيم في "الحِلية"(3/ 164) مِن طريق محُمَّد بن يُونُس الكُدَيمِيِّ، ثنا عبدُ الله بنُ إبراهيم بن أبي عَمرٍو الغِفَارِيُّ، ثنا عبدُ الله بنُ أبي بكرٍ بن المُنكَدِر، عن صَفوان بن سُلَيم، عن سُليمان بن يَسَارٍ، عن أبي هُريرَة مرفوعًا فذَكَرَه.

قال أبو نُعيم: "غريبٌ من حديث صَفوان، تفرَّد به ابنُ المُنكَدِر. رواه محُمَّدُ بنُ أَشرَسَ، عن عبد الصَّمَد بن حَسَّانَ، عن سُفيان الثَّوْريِّ، عن صَفوَان مِثلَه".

• قلتُ: وهذا سَنَدٌ ضعيفٌ جدًّا، ومحُمَّدُ بنُ يُونُس مُتَّهَمٌ مَترُوكٌ.

لكنَّه لم يتَفَرَّد به ..

فتابعه سَلَمَةُ بنُ شَبِيب - وهو ثقةٌ حافظٌ -، فرواه عن عبد الله بن إبراهيم بسَنَده سواء.

ص: 288

أخرجَهُ البزارُ في "مُسنَده"(3066 - كشف الأستار)، وابنُ عساكر في "تاريخ دمشق"(6/ 16) من طريق أبي جَعفَرٍ الوَرَّاق أحمد بن صالحٍ الرَّازِيِّ، وأبي العَبَّاس الطِّهرَانِيِّ عبد الرَّحمن بن محُمَّدٍ، ثلاثَتُهم قالوا: ثنا سَلَمَةُ بنُ شبِيبٍ به.

قال البَزَّار: "لا نَعلَمُه يُروَى عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا بهذا الإسناد.

وعبدُ الله ابنُ إبراهيم ليس بالقويِّ في الحديث، وإنما ذَكَرنَا هذا لِحُسن كَلَامِه" ا. هـ.

وعبدُ الله بنُ إبراهيم هذا مَترُوكٌ، شديدُ الضَّعف، قال أبو داوُد:"مُنكَر الحديث".

وقال ابن عَديٍّ: "عامَّةُ ما يرويه لا يُتابِعُه عليه الثِّقاتُ".

وقال الدَّارَقُطنِيُّ: "حديثُهُ مُنكَرٌ".

وذكر له ابن حِبَّانَ في "المجرُوحِين"(2/ 37) هذا الحديث مِن بَلَايَاه، وقال:"كان مِمَّن يَأتِي عن الثِّقات بالمقلوبات، وعن الضُّعَفاء بالمُلْزَقَات"، ثُمَّ أَورَد حديثًا باطِلًا عنه، عن عبد الرَّحمن بن زيد بن أَسلَم، ثُمَّ قال:"عَلَى أَنَّ عبد الرَّحمن ليس هذا من حديثِهِ بمشهورٍ، فكأنَّ القَلبَ إلى أنَّه مِن عَمَلِ عبدِ الله بن أبي عَمرٍو أَمْيَلُ".

وقال الحاكم: "يَروِي عن جماعةٍ من الضُّعَفاء أحاديثَ موضُوعةً، لا يَروِيهَا عَنهُم غيرُه".

وأمَّا ما ذَكَرَه أبو نُعيمٍ مِن المُتابَعة، فإِنَّها لا تَثبُت؛ ومُحمَّدُ بنُ أَشرَسَ، قال الذَّهَبيُّ في "الميزان" (3/ 485): "مُتَّهَم في الحديث، وتَرَكَهُ

ص: 289

أبو عبد اللّه ابنُ الأخرم الحافظُ وغيرُه".

وذَكَرَ الحافظُ في "اللِّسان"(5/ 84) أنَّ الدَّارَقُطنِيَّ ضَعَّفه، وأنَّ الضِّياء المَقدِسِيَّ أَخرَجَ له في "المُختارَة"، ثُمَّ قال:"وخَفِيَ على الضِّياء حالُ محُمَّد بن أشرس".

ص: 290

202 -

سُئلتُ عن حديث: "مَا مِن عَبدٍ قَالَ: "لَا إِله إِلَّا اللّهُ" فِي ساعَةٍ مِن لَيلٍ أَو نَهَارٍ، إِلَّا طُمِسَت مَا فِي الصَّحِيفَةِ مِنَ السَّيِّئَاتِ، حَتَّى تَسكُنَ إِلَى مِثلِهَا مِنَ الحَسَنَاتِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا.

أخرجه أبُو يعلَى في "مُسنَدِهِ"(3611) قال: حدَّثَنا هُذيلُ بنُ إبراهيمَ الجُمَانِيُّ، حدَّثَنا عثمانُ بنُ عبد الرَّحمن الزُّهرِيُّ من ولد سعد بنِ أبي وقَّاصٍ، عن الزُّهرِيِّ، عن أنسٍ، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا قَالَ عَبدٌ

".

ذَكَرَهُ المُنذِرِيُّ في "التَّرغيب"(2/ 416)، والهَيثَمِيُّ في "المَجمَع"(10/ 82).

وقال الهَيثمِيُّ: "فيه عُثمانُ بنُ عبد الرَّحمن الزُّهرِيُّ، وهو مَترُوكٌ".

وعَزَاهُ الدِّميَاطِيُّ في "المَتجَر الرَّابح"(1291) لأبي يَعلَى، ولم يَتكَلَّم عليه بشيءٍ.

والمُنذِرِيُّ كان أحسن حالًا مِنهُ؛ لأنَّه وإن لم يتكلَّم على الحديث صراحةً، إلَّا أنَّهُ صدَّرَه بقوله:"رُوي عن أنَسٍ"، هكذا بصيغة التَّمريض، التي تدلُّ على ضعف الحديث، أو وهائه، كما صرَّح هو في مُقدِّمة كتابه، وليتَهُ استَغنَى عن كثيرٍ من هذا الضَّرب من الأحاديث لشِدَّة ضعفها في الغالب.

ص: 291

203 -

سُئلتُ عن حديث: "صَلُّوا عَلَى مَن قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. وَصَلُّوا خَلفَ مَن قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللّهُ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ الدَّارَقُطنِيُّ (2/ 56)، والخطيبُ في "تاريخه"(6/ 309، و 11/ 293) من طريق محُمَّد بن الفضل، عن سالمٍ الأَفطَس، عن مجُاهِدٍ، عن عبد الله بن عُمَر بن الخطَّاب مرفُوعًا فذَكَرَه.

وسَنَدُهُ واهٍ جدًّا؛ ومحُمَّدُ بنُ الفضل كذَّبَهُ ابنُ مَعِينٍ، واتَّهَمَه أحمدُ، وتركه النَّسائِيُّ.

وخالَفَهُ سُوَيدُ بنُ عَمرٍو، فرواه عن سالمٍ الأَفطَس، عن سعيد بن جُبَيرٍ، عن ابن عُمَر مثله.

أخرَجَهُ أبو نُعيمٍ في "الحِلية"(10/ 320) مِن طريق نَصرِ بن الحَرِيشِ الصَّامتِ، ثنا المُشْمَعِلُّ بن مِلحَانَ، عن سُويد بن عَمرٍو به،

ونَصرٌ ضعَّفَهُ الدَّارَقُطنِيُّ، كما في "تاريخ بغداد"(13/ 286). وكذلك ضعَّف الدَّارَقُطنِيُّ المُشمَعِل بنَ مِلحَانَ، ومشَّاهُ ابنُ مَعِينٍ، وذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في "الثِّقات".

وله طَرِيق آخرُ عن ابن عُمَر ..

أخرَجَهُ الدَّارَقُطنِيُّ (2/ 56)، وأبو نُعيمٍ في "أخبار أصبهان"

ص: 292

(2/ 317)، وابنُ الجوزِيِّ في "الواهيات"(1/ 420)، من طريق عُثمانَ بنِ عبد الرَّحمن، عن عطاء بن أبي رَبَاحٍ، عن ابن عُمَر مرفُوعًا به.

قال ابنُ الجوزِيِّ: "عُثمانُ نَسَبَه يحيى - يعنى: ابنَ مَعِينٍ - إلى الكَذِب".

وله طُرُقٌ عن ابن عُمَر، كُلُّها ساقطةٌ.

وله شاهدٌ بمعناه مِن حديث أبي هُريرَة مرفُوعًا: "صَلُّوا خلف كُلِّ بَرٍّ وفاجرٍ، وصَلُّوا على كُلِّ بَرٍّ وفاجرٍ، وجَاهِدُوا مع كُلِّ بَرٍّ وفاجرٍ".

أخرَجَهُ أبو داوُد (2/ 304 - 305، و 7/ 207 - عون المعبود)، والدَّارَقُطنِيُّ (2/ 57)، والبَيهَقِيُّ في "السُّنَن الكبير"(3/ 121)، وابن الجَوزِيِّ في "الواهيات"(1/ 418 - 419) من طريق مُعاوِيَة بن صالحٍ، عن العلاء بن الحارث، عن مَكحُولٍ، عن أبي هُريرَة به.

قال الدَّارَقُطنِيُّ: "مَكحُولٌ لم يَسمَع من أبي هُريرَة. ومَن دُونَه ثقاتٌ".

وقال البَيهقِيُّ: "إسنادُهُ صحيح، إلَّا أنَّ فيه إرسالًا بين مكحولٍ وأبي هُريرَة".

وكذلك أعلَّه ابنُ الجَوزِيِّ، والمُنذِرِيُّ، وابنُ التُّركُمَانِيِّ، وغيرُهُم.

غيرَ أنَّ ابن الجَوزِيِّ انفَرَدَ عنهم بعلَّةٍ أُخرَى، هي عَجِيبةٌ من الأعاجيب! وهي تَضعِيفُه لمُعاويةَ بن صالحٍ، فما أَصابَ؛ ومُعَاوِيَةُ ثقةٌ مِن رجال الصَّحيح، كما قال ابنُ عبد الهادِي.

والحديثُ ضعَّف النَّوَوِيُّ إسناده في "المجموع"(4/ 152 - 153)، وضعَّفه غيرُه.

ص: 293

204 -

سئلتُ عن حديث: "لَا صَلَاةَ لِمَن عَلَيهِ صَلَاةٌ".

• قلتُ: هذا الحديثُ لا أصل له.

قال إبراهيمُ الحَربِيُّ رحمه الله: "سَأَلتُ أبا عبد الله أحمدَ بنَ حنبلٍ عن مَعنَى هذا الحديث، فقال: لا أَعرِفُهُ البتَّةَ"، قال إبراهيمُ:"ولَا سَمِعتُ أنا بهذا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قطُّ".

كذا نقله ابنُ الجَوزِيِّ في "الواهيات"(1/ 439)، وقال:"هذا حديثٌ نَسمَعُه مِن ألسِنَةِ النَّاس، وما عَرَفنَا له أصلًا" ا. هـ.

ووافقه ابنُ دَقِيقٍ العِيدُ في "الإمام" - كما في "نصب الرَّايَة"(2/ 166) للزَّيلَعِيِّ -، وابنُ القَيِّم في "المنار المُنِيف"(46).

ص: 294

205 -

سُئلتُ عن حديث: "اطلُبُوا الأَشيَاءَ بِعِزَّةِ نَفسٍ؛ فَإِنَّ الأُمُورَ تَجرِي بِمَقَادِيرَ".

• قلتُ: هذا الحديثُ لا يَصِحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخرَجَهُ تمَّامٌ الرَّازِيُّ في "الفوائد"(1169)، ومن طريقه ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" (ج 15/ ق 356) قال: أخبَرَنَا أبو زُرعَة محُمَّدُ بنُ سعيد بن أحمد القُرَشِيُّ - وُيعرَف بابن التَّمَّار -، نا عليُّ بنُ عَمرِو بن عبد الله المَخزُومِيُّ، نا مُعاوِيَةُ بنُ عبد الرَّحمن، نا حَرِيزُ بنُ عُثمان، نا عبدُ الله بنُ بُسْرٍ المَازِنِيُّ مرفُوعًا:"اطلُبُوا الحَوَائِجَ بِعِزَّةِ الأَنفُسِ؛ فَإِنَّ الأُمُورَ تَجرِي بِالمَقَادِيرِ".

وشَيخ تمَّامٍ الرَّازِيِّ لم يَذكُر ابنُ عساكر في ترجمَتِه شيئًا يدُلُّ عليه.

وشَيخُه عليُّ بنُ عَمرٍو لم أَعرِفه.

ومُعاوِيَةُ بن عبد الرَّحمن قال أبو حاتمٍ: "ليس بمعرُوفٍ"، أمَّا ابنُ حِبَّانَ فوَثَّقَه على قاعدته المعرُوفة.

وهذا الحديثُ عندي مُنكَرٌ. واللهُ أعلَمُ.

ويُغنِي عن هذا الحديثِ ما:

أخرَجَهُ ابنُ ماجَهْ (2144) عن الوليد بنِ مُسلمٍ ..

والحاكمُ (2/ 49) عن محُمَّدِ بنِ بَكرٍ البُرسانِيِّ ..

والقُضاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(1152) عن حجَّاجٍ الأعورِ ..

ص: 295

وابنُ الجارُود في "المُنتقَى"(556)، والطَّبَرانِيُّ في "الأوسَط"(3109)، والحاكمُ (4/ 325 - 326)، وعنه البيهَقِيُّ (5/ 265) عن عبد المَجِيد بنِ عبدِ العزيزِ بنِ أبي روَّادٍ، أربَعَتُهُم عن ابنِ جُرَيجٍ، عن أبي الزُّبير، عن جابرِ بنِ عبدِ الله، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّها النَّاسُ! اتَّقُوا اللهَ وأجمِلُوا في الطَّلَب؟ فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتى تَستَوفي رِزقَها، وإنْ أبطَأَ عنها. فاتَّقُوا الله وأجمِلُوا في الطَّلَب. خُذُوا ما حَلَّ ودَعُوا ما حَرُمَ".

وله طريق آخرُ عن جابرٍ رضي الله عنه.

أخرَجَه ابنُ حِبَّانَ (3241)، والبَيهَقِيُّ (5/ 264 - 265) عن الوليدِ ابن شجاعٍ السَّكُونِيِّ ..

وابنُ حِبَّانَ أيضًا (3239) عن حَرمَلَةَ بنِ يحيَى ..

والحاكمُ (2/ 4) عن أحمدَ بنِ عيسَى، قالُوا: ثنا ابنُ وَهبٍ، قال: أخبَرَنِي عمرُو بنُ الحارث، عن سعيدِ بنِ أبي هِلالٍ، عن محُمَّدِ بنِ المُنكَدِرِ، عن جابرٍ مرفُوعًا:"لا تَستَبطِئوا الرِّزقَ؛ فإنَّه لن يموتَ العبدُ حتَّى يبلُغَهُ آخِرُ رِزقٍ هو له. فأجمِلُوا في الطَّلَبِ: أخذِ الحلال، وتَركِ الحرامِ".

قال الحاكمُ: "صحيح على شرط الشَّيخَين، ولم يُخَرِّجاه".

وكنتُ وافقتُ الحاكمَ على هذا في "غَوث المَكدود"، والصَّوابُ أنَّه على شرط مُسلمٍ؛ فإنَّ البُخاريَّ لم يُخرِّج شيئًا لـ" سعيدِ بنِ أبي هلالٍ، عن ابنِ المُنكَدِر".

ص: 296

وقد تُوبِع سعيدُ بنُ أبي هلالٍ ..

تابَعَهُ شُعبةُ بنُ الحَجَّاج، فرواه عن ابنِ المُنكَدِرِ بهذا الإسناد.

أخرَجَهُ أبُو نُعَيمٍ في "الحلية"(3/ 156 - 157، و 7/ 158) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ المُظفَّر الحافظُ في جَماعةٍ، قالُوا: ثنا إسحاقُ بنُ بُنَانَ، ثنا حُبَيشُ بنُ مُبَشِّرٍ، ثنا وهبُ بنُ جَريرٍ، ثنا شُعبةُ، عن محُمَّدِ بنِ المُنكَدِرِ، عن جابرٍ مرفُوعًا.

قال أبُو نُعَيمٍ: "غريبٌ من حديث محُمَّدٍ وشُعبَةَ. تفرَّد به: وَهبُ بنُ جَريرٍ"، وقال في الموضع الثَّانِي:"غريبٌ من حديث شُعبةَ. تفرَّد به: حُبَيشٌ، عن وهبٍ".

وهذا إسنادٌ صحيحٌ. وابنُ المُظفَّر ثقةٌ حافظٌ.

وإسحاقُ بنُ بُنانَ وثَّقه الدَّارَقُطنِيُّ - كما في "سؤالات السَّهمِيِّ"(187)، وانظُر "تاريخ بغداد"(6/ 390) -.

وحُبَيشُ بنُ مُبَشِّرٍ وثَّقه ابنُ حِبَّان والدَّارَقُطنِيُّ، وقال الخطيبُ:"كان فاضِلًا، يُعَدُّ من عُقلاء البَغدادِيِّين".

وانظُر "تنبيه الهاجد"(2474)، وتخرِيجِي على "تفسير ابنِ كَثيرٍ"(2/ 589 - 588).

وللحديثِ شواهدُ، ذكرتُها في "غوث المَكدود"(2/ 149 - 151). والحمدُ لله.

ص: 297

206 -

سُئلتُ عن حديث: " اللَّهُمَّ! رَبَّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ! اغفِر ذَنبِي، وَأَذهِب غَيظَ قَلبِي، وَأَجِرنِي مِن مُضِلَّاتِ الفِتَنِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ، أو محُتَمِل للتَّحسين.

وقد وَرَد هذا الحديثُ مِن حديث أُمِّ سَلَمَة، وعائِشة رضي الله عنها.

أمَّا حديثُ أُمِّ سَلَمة:

فأخرَجَهُ ابنُ جَرِيرٍ في "تفسيره"(6652) قال: حدَّثَنا المُثَنَّى، ثنا الحَجَّاجُ بنُ المِنهال، ثنا عبدُ الحميد بنُ بَهرَامَ الفَزَارِيُّ، ثنا شَهرُ بنُ حَوشَبٍ، قال: سمِعتُ أُمَّ سَلَمَة تُحَدِّثُ، أَنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكثِرُ في دُعائه أن يقول:"اللَّهُمَّ! مُقَلِّبَ القُلُوب! ثَبِّت قَلبِي على دِينِك". قالت: قُلتُ: "يا رسُول الله! وَإِنَّ القلبَ لَيُقَلَّبُ؟! "، قال:"نَعَم! مَا خَلَقَ اللهُ من بني آدمَ مِن بَشَرٍ إلَّا وَقَلبُه بين أُصبُعَين من أصابِعِه، فإن شاء أَقامَهُ، وإن شاء أَزَاغَهُ، فنَسأل اللّهَ رَبَّنَا! أَن لا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بعد إِذ هَدَانَا، ونَسأَلُهُ أن يَهَبَ لنا مِن لَدُنهُ رحمةً، إِنَّه هو الوَهَّاب"، قلت:"يا رسُول الله! أَلا تُعَلِّمُنِي دعوةً، أدعُو بها لنفسي؟ "، قال:" بَلَى! قُولِي: اللَّهُمَّ! رَبَّ النَّبيِّ مُحمَّدٍ! اغفر لي ذنبي، وأَذهِب غيظ قلبي، وأَجِرني من مُضِلَّات الفتن".

• قلتُ: وشيخُ الطَّبَريِّ هو المُثَنَّى بنُ إبراهيم. لم أَجِد له ترجمةً.

ص: 298

ولكنَّه لم يتفَرَّد به ..

فتابَعَهُ عليُّ بنُ عبد العزيز، ثنا حجَّاجُ بنُ مِنهالٍ بسَنَده سواء.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 23/ رقم 785)، وفي "الدُّعاء"(1258، 1439).

وكذلك تابَعه أبو مسلمٍ الكَشِّيُّ، ثنا حجَّاجُ بنُ مِنهالٍ بهذا.

أخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في "الدَّعوات الكبير"(322).

وتُوجَ حجَّاجُ بنُ مِنهالٍ ..

تابَعَهُ أحمدُ بن يونُس، ثنا عبدُ الحميد بهذا بتمامِه.

أخرَجَه عبدُ بنُ حُمَيدٍ في "المنتَخَب"(1534).

وتابَعَهُ هاشمُ بنُ القاسم، ثنا عبدُ الحميد بنُ بَهرَامَ بسَنَده سواء مِثلَه.

أخرَجَهُ أحمدُ في "المُسنَد"(6/ 352).

ورَوَاهُ وكيعُ بن الجَرَّاح، وأَسَدُ بنُ مُوسَى، وعمرُو بنُ عونٍ الواسطيُّ، ومحُمَّدُ بنُ بَكَّارٍ، كلُّهُم عن عبد الحميد بن بَهْرَام بسَنَده سواء، مخُتصَرًا ليس فيه محَلُّ الشَّاهد.

أخرَجَهُ أحمدُ (6/ 294)، وإسحاقُ بنُ راهَوَيه في "المسنَد"(1879/ 65)، وعبدُ الله بنُ أحمد في "السُّنَّة"(866)، وابنُ جَرِيرٍ (6655، 6658)، وابنُ أبي حاتمٍ في "تفسيره"(145 - آل عمران)، وابنُ بَطَّةَ في "الإبانة"(1304 - كتاب القَدَر)، وعثمانُ الدَّارِمِيُّ في "الرَّدِّ على المِرِيْسِيِّ"(87)، وابنُ مَردَوَيهِ في "تفسيره" - كما في "ابن كَثيرٍ"(2/ 10) -.

ص: 299

ورواه أبو كَعبٍ صاحبُ الحَرِيرِ واسمُه عبدُ رَبِّه بنُ عُبيدٍ الأَزدِيُّ الجُرْمُوزِيُّ - وثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ وغيرُه -، عن شهر بن حَوْشَبٍ، عن أُمِّ سَلَمَة مخُتصَرًا.

أخرَجَهُ الطَّيالِسيُّ (1713).

وأخرجه التِّرمذيُّ (3522)، وأحمدُ (6/ 315)، وابنُ أبي شَيبَةَ (10/ 209 - 210)، وابنُ أبي عاصمٍ في "السُّنَّة"(223، 232)، وأبو يعلَى (6986) عن مُعاذ بن مُعاذٍ ..

والدُّوْلابِيُّ في "الكُنَى"(3/ 938) عن زيد بن الحُبَاب العُكْلِيِّ ..

وأبو يَعلَى في "مُسنَده"(6919) عن أبي عاصمٍ النَّبيل ..

والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 23/ وقم 772)، وفي "الأَوسَط"(2381)، وفي "الدُّعاء"(1257) عن مُسلِم بن إبراهيم، كلُّهُم عن أبي كَعبٍ صاحبِ الحرير به.

وأخرَجَهُ ابنُ خُزَيمةَ في "التَّوحيد"(ص: 191) من طريق عبد الله بن أبي الحُسَين، عن شَهر بن حَوْشَبٍ بهذا مخُتصَرًا.

وتابَعَه مقاتِلُ بنُ حَيَّان، فرواه عن شهرٍ كذلك.

أخرَجَه ابنُ الأعرابيِّ في "المعجَم"(1667) قال: حدَّثَنا أبو داوُد السِّجِستانيُّ ..

والطَّبرانِيُّ في "الأوسط"(9432) قال: حدَّثَنا هيثمُ بنُ خَلَفٍ الدُّورِيُّ ..

والآجُرِّيُّ في "الشَّريعة"(ص 316) قال: حدَّثنا أبو بكرٍ بنُ أبي داوُد ..

ص: 300

وأبو نُعَيمٍ في "الحِلية"(8/ 45) عن الهيثم بن خَلَفٍ، ومحُمَّد بن محُمَّد بن سليمان، والفَضل بن أحمد بن إسماعيل، قالوا: ثنا محُمَّدُ بنُ منصورٍ الطُّوسِيُّ، ثنا حاجبُ بنُ الوليد، ثنا بقيَّةُ، عن إبراهيمَ بنِ أدهمَ، عن مقاتل بن حيَّان، عن شهرِ بن حَوشَبٍ، عن أمِّ سَلَمَة مرفوعًا.

قال الطَّبرانِيُّ: "لم يَروِه عن إبراهيم بن أدهم إلَّا بقيَّةُ، ولا عن بقيَّةَ إلَّا حاجبُ بنُ الوليد. تفرَّد به: محُمَّدُ بنُ منصورٍ الطُّوسِيُّ".

وقال أبو نُعيمٍ: "هذا مِمَّا تفرَّد به حاجبُ، عن بقيَّةَ، عن إبراهيم. وما كتبتُه إلَّا من حديث محُمَّد بن منصورٍ".

قلتُ: وهذا إسنادٌ نظيفٌ إلى شهر بن حَوشَبٍ، إن نجا من عنعنة بقيَّةَ بن الوليد، ولم أره صرَّح بالتَّحديث في شيءٍ من طُرُقه.

وحاجبُ بنُ الوليد وثَّقه ابنُ حِبَّان والخطيبُ. وسُئل ابنُ مَعِينٍ عنه، فقال:"لا أعرفه. وأمَّا أحاديثُه فصحيحةٌ"، فقال له عبدُ الخالق بن منصورٍ:"ترَى أن أكتُب عنه؟ "، قال:"ما أعرفه. وهو صحيحُ الحديث".

وكلامُ ابن مَعِينٍ ظاهرٌ في أنَّه لا يعرفُهُ معرفةً خاصَّةً، لا أنَّه مجهولٌ عنده، وإلَّا لم يقُل:"هو صحيحُ الحديث"، ولكنْ يظهَرُ أنَّه اعتَبَر روايتَه فوَجَد الثِّقاتِ يوافقونه عليها، فلذلك قال:"أحاديثُهُ صحيحةٌ". والله أعلم.

قال التِّرمذيُّ: "هذا حديثٌ حَسَنٌ".

وقال الزَّبِيدِيُّ في "إتحاف السَّادة"(5/ 155): "ورَأَيتُ بخطِّ

ص: 301

الحافظ السَّخَاوِيِّ، ما نَصُّهُ: هو في "مُسنَد أحمد"، من حديث أُمِّ سَلَمة، في حديثٍ طويلٍ. وسَنَدُه حَسَنٌ".

• قلتُ: لعلَّ التِّرمذيَّ حَسَّن أصل الحديث - يعني في تقليب القلوب -؛ فإنَّ له شواهدَ صحيحةً.

وشَهر بن حَوْشَبٍ، فتَكَلَّم العُلماء في حِفظِه.

وقد وَجَدتُ للفقرة المسؤُول عنها شاهدًا من حديث عائشة رضي الله عنها.

أخرَجَهُ ابنُ السُّنِّيِّ في "اليوم واللَّيلة"(455) قال: أخبَرنِي مُحمَّدُ بنُ أحمد بن المُهاجِر، ثنا إبراهيمُ بنُ مَسعُودٍ، ثنا جعفرُ بنُ عَونٍ، ثنا أبو العُمَيسِ، عن القاسم بنِ محُمَّد بن أبي بكرٍ، قال: كانت عائشةُ رضي الله عنها إذا غَضِبَت عَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَنفِهَا، ثُمَّ يقول:"يا عُوَيش! قُولِي: اللَّهُمَّ! رَبَّ مُحَمَّدٍ! اغفر لي ذنبي، وأَذهِب غيظ قلبي، وأَجِرني من مُضِلَّات الفتن ".

وهذا سَنَدٌ قَوِيُّ، لولا أَنِّي لم أَقِف على تَرجَمَةٍ لشيخ ابن السُّنِّيِّ.

ثُمَّ وجدتُ ابنَ السُّنِّيِّ أخرَجَهُ في موضعٍ آخر (622) قال: أخبَرَنِي أبو عُروة، حدَّثَنا عليُّ بنُ مَيمُونَ، ثنا أبو تَوبةَ الرَّبيعُ بنُ نافعٍ، عن مَسْلَمَةَ ابن عليٍّ، عن هشام بنِ عُروَة، عن عائشةَ صلى الله عليه وسلم، قالت: دَخَل عليَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا غَضْبَى، فأَخذ بطرف المِفصَل مِن أنفي، فعَرَكَهُ، ثُمَّ قال:"يا عُوَيشُ! قُولِي: اللَّهُمَّ! اغفر لي ذنبي، وأَذهِب غيظ قَلبِي، وأَجِرنِي من الشَّيطان".

قال العِراقِيُّ في "تخريج الإحياء"(1/ 326): " إسنادُه ضعيفٌ".

ص: 302

والصَّواب أنَّه ضعيفٌ جِدًّا؛ ومَسلَمَةُ بنُ عليٍّ هُوَ الخُشَنِيُّ، قال أبو حاتمٍ:"هُو في حَدِّ التَّرك"، وقد تَرَكَهُ النَّسائِيُّ والدَّارَقُطنِيُّ والبَرقَانِيُّ. وقال أبو أحمد الحاكمُ:"ذاهبُ الحديث". وقال ابنُ عَديٍّ: "جميع أحاديثه غيرُ محفوظةٍ"، والكلام فيه مشهور.

ثمَّ إنَّني لا أدري أسقط ذِكرُ: "عُروة" من الإسناد أم لا.

وقد وَجَدتُ له طريقًا آخرَ.

أخرَجَهُ ابن عساكر في "تاريخه" - كما في "ابن كثير"(4/ 65) - مِن طريق أبي أحمد الحاكم، عن البَاغِندِيِّ، عن هِشام بن عَمَّارٍ، حدَّثَنا عبدُ الرَّحمن بنُ أبي الجَونِ، عن مُؤَذِّنٍ لعُمَرَ بنِ عبد العزيز، عن مُسلِم ابن يَسَارٍ، عن عائشة مثله.

وسَنَدُه ضعيفٌ؛ وهشامُ بنُ عَمَّارٍ تكلَّم النُّقَّاد في حِفظِه.

وابن أبي الجونِ قال أبو حاتم - كما في "الجرح والتَّعديل"(2/ 2/ 240) -: "يُكتَبُ حديثه ولا يحتَج به"، وضعّفه أبو داوُد كما في "الميزان"(2/ 568)، ووَثَّقَهُ دُحَيمٌ، ومَشَّاه ابنُ عَديٍّ.

ومُؤَذِّنُ عُمَر بن عبد العزيز مجَهُولٌ. والله أعلم.

وخُلاصة البحث: أنَّ الحديث ضعيفٌ، ولو كان شيخُ ابنِ السُّنِّيِّ في الطَّريق الأوَّل ثقةً، أو تُوبع من مِثلِه أو قريبٍ منه، لَصَحَّ الحديثُ.

والعِلمُ عند الله تعالى.

ص: 303

207 -

سُئلتُ عن حديث: "إِذَا نَزَلَ الرَّجُلُ عَلَى قَومٍ، فَلَا يَصُم إِلَّا بِإِذنِهِم".

• قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.

أخرَجَهُ أبو نُعيمٍ في "الحِلية"(3/ 141 - 142)، عن عليِّ بن الحُسَين مُعضَلًا.

وقد ورد موصُولًا.

أخرَجَهُ التِّرمذيُّ في "سُنَنه"(789)، وفي "العِلل الكبير"(1/ 370)، وابن عَديٍّ في "الكامل"(1/ 348)، وأبو نُعيمٍ في "أخبار أصبهان"(1/ 190، و 2/ 266)، والقُضَاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(536) من طريق بِشر بن مُعاذٍ العَقَدِيِّ، ثنا أَيُّوبُ بنُ واقدٍ، عن هشام ابن عُروة، عن أبيه، عن عائشة مرفُوعًا:"مَن نَزَلَ على قومٍ، فلا يَصُومَنَّ تطوُّعًا إلَّا بإذنِهم".

ورواه سُليمانُ بن أيُّوب صاحبُ البصريِّ، عن أيُّوب بن وَاقِدٍ بسَنَده سواء.

أخرَجَهُ ابن حِبَّانَ في "المجروحين"(1/ 169)، ومن طريقه ابن الجَوزِيِّ في "الواهيات"(869).

قال التِّرمذِيُّ في "سُنَنه": " هذا حديث مُنكَرٌ، لا نَعرِفُ أحدًا مِن الثِّقات رَوَى هذا الحديثَ عن هشام بن عُروة. وقد رَوَى مُوسَى بنُ

ص: 304

داوُد، عن أبي بكرٍ المَدَنِيِّ، عن هشام بن عُروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوًا من هذا. وهذا حديث ضعيفٌ أيضًا؛ وأبو بَكرٍ ضعيفٌ عند أهل الحديث، وأبو بكر المَدِينِيُّ الذي روى عن جابر بن عبد الله، اسمُه: الفضلُ بنُ مُبَشِّرٍ، وهو أوثقُ مِن هذا وأقدمُ" ا. هـ.

وقال التِّرمذِيُّ في "العِلل الكبير": " سأَلتُ محُمَّدًا - يَعنِي: البُخاريَّ - عن هذا الحديث، فقال: حديثٌ مُنكَرٌ".

وقال ابنُ حِبَّانَ في ترجمة أيُّوبَ بنِ واقدٍ: "كان يَروِي المناكيرَ عن المشاهير، حتى يَسبِقَ إلى القلب كأنَّه المُتعمِّدُ لها؛ لا لمجوزُ الاحتجاج بروايته".

وقال ابنُ عَديٍّ: "وأيُّوبُ بنُ واقدٍ عامَّةُ ما يرويه لا يُتابَع عليه".

• قلتُ: تُوبع أيُّوبُ بنُ واقدٍ - كما تقدَّم في كلام التِّرمذيِّ - ..

تابعه أبو بَكرٍ المَدَنِيُّ، وهو أبو بَكرٍ الدَّاهِرِيُّ.

وقد أخرَجَ هذه المُتابَعة ابنُ ماجَهْ (1763) قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ يحيى الأَزدِيُّ، ثنا مُوسَى بنُ داوُد، وخالدُ بنُ أبي يزيدَ، قالا: ثنا أبُو بكرٍ المَدَنِىُّ بهذا.

وسَنَدُه ضعيفٌ جدًّا؛ وأبو بَكرٍ الدَّاهِرِيُّ تالفٌ.

وقال ابنُ الجوزيِّ: "هذا حديثٌ لا يَصِحُّ".

ونَقَلَ المَنَاوِيُّ في "الفيض"(1/ 446)، عن البَيهَقِيِّ أنَّه قال:"إسنادُهُ مُظلِمٌ".

وقف وقفتُ له على شاهدٍ من حديث أبي هُريرَة مرفُوعًا: "مَن أَلبَسَهُ

ص: 305

اللهُ نعمةً فَليُكثِر من الحمد لله. ومن كَثُرَت هُمومُه فَليستَغفِر الله. ومَن أَبطَأَ عنه رِزقُهُ، فليُكثِر من قول: لا حَولَ ولا قُوَّة إلَّا بالله. ومن نَزَلَ مع قومٍ فلا يَصُومَنَّ إلَّا بإذنهم. ومن دَخَلَ دار قومٍ فليَجلِس حيثُ أَمَرُوه؛ فإنَّ القَومَ أعلمُ بعورة دارِهم. وإن من الذنب المَسخُوطِ به على صاحبِه: الحِقدُ، والحَسَدُ، والكَسَلُ في العبادة، والضَنكُ في المعيشة".

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(6555)، وفي "الصَّغير"(2/ 72) من طريق محُمَّد بن سَلَمة المُرَادِيِّ، نا يُونُسُ بنُ تمَيمٍ، عن الأَوزَاعِيِّ، عن يحيى بن أبي كَثيرٍ، عن أبي سَلَمة، عن أبي هُريرَة.

وأخرَجَهُ ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق"(ج 13/ ق 713) من طريق محُمَّد بن سَلَمة المُرَادِىِّ.

لكن وَقَع عِندَه: "أيُّوبُ بنُ تمَيمٍ"، بَدَلَ:"يُونُسَ بنِ تمَيمٍ"، والصَّوابُ أنَّه يُونُس.

وهو خَبر باطل، كما قال الذَّهبيُّ في "الميزان"(4/ 478)، في ترجمة يُونُسَ بنِ تمَيمٍ.

ص: 306

208 -

سُئلتُ عن حديث: "مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ: مَوتُ الرَّجُلِ فَجأةً".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ أبو عَمرٍ والدَّانِيُّ في "السُّنَن الواردة في الفِتن"(395، 399) من طريق حَمَّاد بن سَلَمة، عن عاصم بن بَهدَلَة، عن الشَّعبيِّ، أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ مِن أشراط السَّاعة مَوتُ الفَجأةِ".

وهذا سَنَدٌ ضعيفٌ؛ لإرساله.

وقد رأيتُهُ موصُولًا.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الصَّغير"(2/ 129) قال: حدَّثَنا الهَيثَمُ بن خالدٍ المِصِّيصِيُّ، حدَّثَنا عبدُ الكبير بنُ المُعَافَى بنِ عِمرَانَ، حدَّثَنا شَريكٌ، عن العبَّاس بن ذُرَيحٍ، عن الشَّعبِيِّ، عن أنَسٍ مرفُوعًا:"مِنَ اقتراب السَّاعَة أن يُرَى الهِلالُ قُبُلًا، فيُقالُ لِلَيلَتَينِ، وأن تُتَّخَذَ المَسَاجِدُ طُرُقًا، وأن يظهر مَوتُ الفجأة".

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِه عن الشَّعبيِّ إلَّا العبَّاسُ بنُ ذُرَيحٍ، ولا عَنهُ إلَّا شَريكٌ. تفرَّد به عبدُ الكبير".

وأعَلَّه الهَيثمِيُّ في "المَجمَع"(7/ 325) بالهَيثَم بن خالدٍ، شيخِ الطَّبَرانيِّ، وقال:"إنَّه ضعيفٌ".

ص: 307

ومَن نَظَرَ في نقد الطَّبَرانىِّ وقَع له أنَّ الهَيثَم لم يَتَفرَّد به.

والصَّوابُ إِعلالُه بشريكِ بن عبد الله النَّخْعِيِّ؛ فهو سَيِّءُ الحِفظ.

أمَّا الرَّاوِي عنه، وهو عبدُ الكبير بنُ المُعَافَى، فقد قال فيه أبو حاتمٍ الرَّازِيُّ - كما في "الجرح والتَّعديل" (3/ 1/ 63) -:"كان ثِقَةً رِضًا، وكان يُعَدُّ مِنَ الأبدال".

ورأيتُ لِلحَدِيثِ طريقًا آخرَ عن أنسٍ.

أخرَجَهُ ابنُ عَديٍّ في "الكامل"(2/ 705)، ومن طريقه ابنُ الجَوزِيِّ في "الواهيات"(1491) من طريق الحَسَن بن عُمَارةَ، عن الحَوَارِيِّ بن زيادٍ، عن أنسٍ مرفُوعًا:"إِنَّ من اقتراب السَّاعة: فُشُوُّ الفَالِج، ومَوتُ الفجأة".

وسَنَدُه ضعيفٌ جدًّا؛ والحَسَنُ بن عُمارةَ مَطرُوحٌ، كذَّبَه ابنُ مَعِينٍ وغيرُه، وتَرَكَهُ آخَرُون. وسيأتي بسطُ حالِهِ عند رقم (289).

وبالجُملة: فالحديث لا يَصِحُّ من كُلِّ طُرُقِه.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 308

209 -

سُئلتُ عن حديث: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَلَا قَولَهُ تَعالَى: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6]، قَالَ:"غَرَّهُ جَهلُهُ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ أبو عُبيدٍ في "فضائل القُرآن"(195 - طبع المغرب) قال: حدَّثَنا كَثيرُ بنُ هشامٍ، عن جعفر بن بُرقَانَ، عن صالح بن مِسمَارٍ، قال: بَلَغَنَا أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآيةَ: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6]، فقال:"جَهلُه".

وأخرَجَهُ الثَّعلَبِيُّ في "تفسيره"(7/ 230/ 2)، ومِن طريقه الوَاحِدِيُّ في "الوسيط" من طريقين آخَرَين، عن كَثير بن هشامٍ به.

وهذا سَنَدٌ ضعيفٌ، لإعضاله.

ص: 309

210 -

سُئلتُ عن حديث: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ: "إِنَّا أَعْطَينَاكَ الكَوثَرَ".

• قلتُ: هذا حدثنا ضعيفٌ جدًّا.

أخرَجَهُ الحاكمُ في "المُستدرَك"(2/ 256) من طريق أَزهَرَ بن مَروان .. والدَّارَقُطنيُّ في "المُؤتَلِف والمُختَلِف"(ص 2041) من طريق عَمرِو ابن مُخرَّمٍ، قالا: ثنا عبدُ الوارث، عن عَمرِو بن عُبيدٍ، عن الحَسَن البَصريِّ، عن أُمِّه، عن أُمِّ سَلَمة فذَكَرَته.

ووَقَعَ في "المُستدرَك": "أَعطَينَاكَ"، وهو تَصحِيفٌ.

وقد عَزَاهُ الزَّيلَعيُّ في تخريج أحاديث الكَشَّاف" (4/ 303) إلى الحاكم بلفظ: "أَعْطَينَاكَ" بالنُّون، وعزاه أيضًا للطَّبَرانيِّ في "مُعجَمه"، والثَّعلبِيِّ، وابنِ مَردَوَيهِ في "تَفسِيرِيهما".

قال الحاكم: "صَحيحُ الإسناد"، فتعقَّبه الذَّهَبيُّ بقوله:"عَمرُو بن عُبيدٍ واهٍ".

ثُم رَأَيْتُهُ في: "أَوسَط الطَّبرانِي"(8458) رَواهُ من طريقِ عمرِو بنِ مخُرَّم، ثنا عبدُ الوارثِ بهذا، وقالَ:"لا يُروى هذا الحديثُ عن أمِّ سلمةَ، إلَّا بهذا الإسناد، تفرَّد بهِ: عمرُو بنُ مخرَّمٍ".

كَذَا قَالَ! وَقَدْ تَابَعَهُ أَزْهَرُ بنُ مَروانَ كَما رَأيتَ، وانظُر بَقيةَ البحثِ في:"تَنبِيه الهَاجِد"(2738).

ص: 310

211 -

سُئلتُ عن حديث: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعجِبُهُ الصَّلَاةُ فِي الحِيطَانِ.

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ التِّرمذِيُّ (334)، ومن طريقه ابنُ الأَبَّارِ في "مُعجَم أصحاب أبي علي الصَفَدِيِّ"(ص 261)، وأبو الشَّيخ في "ما رواه أبو الزُّبَير عن غير جابر"(رقم 48 - بتحقيقي)، وابنُ عَديّ في "الكامل"(2/ 718) من طريق أبي داوُد الطَّيَالِسِيِّ، ثنا الحَسَنُ بنُ أبي جعفرٍ، عن أبي الزُّبَير، عن أبي الطُّفَيل، عن مُعاذٍ فذكره.

وتابَعَهُ مُسلِمُ بن إبراهيم، عن الحَسَن بن أبي جعفرٍ بسَنَده سواء.

أخرَجَهُ تَمَّامٌّ الرَّازِيُّ في "الفوائد"(283).

قال التِّرمذِيُّ: "هذا حديث غريبٌ، لا نَعرِفُه إلَّا مِن حديث الحَسَن ابن أبي جعفرٍ. والحَسَنُ بن أبي جعفرٍ قد ضَعَّفه يحيى بن سعيدٍ وغيرُه".

وقال ابنُ عَديٍّ: "وهذا لا يُعرَفُ رواه عن أبي الزُّبير غيرُ الحَسَن بنِ أبي جعفرٍ". والحَسَنُ هذا كان من المُتَعبِّدِين، مِمَّن غَفَل عن صِناعة الحديث، كما قال ابنُ حِبَّانَ، فآل فِيهِ الأَمرُ إلى سوءِ الحِفظ والغَفْلَة، حتَّى قال فيه البُخاريُّ:"مُنكَرُ الحديث"، وضعَّفه أحمدُ، وابنُ المَدِينِيِّ، والنَّسَائِيُّ، والفَلَّاسُ، وغيرُهم.

وقد فَسَّر أبو داوُد الطَّيَالِسِيُّ الحِيطان بـ: "البساتين".

ص: 311

212 -

سُئلتُ عن حديث: "لَا تَصحَبُ المَلَائِكَةُ رُفقَةً فِيهَا جَرَسٌ".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

وقد وَرَد من حديثِ أمِّ سلمة، وأبي هُريرَةَ، وأنَسٍ، وعائشَةَ، وغيرِهِم رضي الله عنهم.

أوَّلًا: حديثُ أُمِّ سَلَمَةَ.

فأخرَجَهُ النَّسائيّ في "الكبرَى"(5/ 251 - 252)، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 23/ رقم 693)، والخطيبُ في "تاريخه"(10/ 110 - 111) مِن طريق عبد الله بن وَهبٍ، عن عَمرِو بن الحارث، عن الزُّهريِّ، عن سالم بن عبد الله، عن سَفِينَةَ مولى أُمِّ سَلَمة، عن أُمِّ سَلَمة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فذَكَره.

وسَنَدُه صحيحٌ.

وتُوبع عَمرُو بنُ الحارث ..

تابَعَهُ عُقَيلُ بنُ خالدٍ، عن الزُّهريِّ مثلَهُ.

أخرَجَهُ أبو يَعلَى في "المُسنَد"(6945)، وفي "المُعجَم"(83) عن سَلَامةَ بنِ رَوحٍ ..

والخَرائِطِيُّ في "المَساوِئ"(859)، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 23/ رقم 898) عن اللَّيثِ بنِ سعدٍ، كلاهُما عن عُقَيل بن خالدٍ بهذا.

ص: 312

وتابعه أيضًا مُحمَّدُ بنُ الوَليد الزُّبَيدِيُّ، عن الزُّهرِيِّ مثله.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ (899) عن أبي النَّضر إسحاقَ بنِ إبراهيمَ ..

وتمَّامٌ الرَّازِيُّ في "الفوائد"(1573) عن أبي مُسهِرٍ، قالا: ثنا يحيَى ابنُ حَمزةَ، قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ الوليد بهذا.

وتُوج يحيَى بنُ حَمزَةَ ..

تابَعَهُ عبدُ الله بنُ سالمٍ، عن الزُّبَيدِيِّ، أخبَرَنِي محُمَّدُ بنُ مُسلِمٍ الزُّهرِيُّ بهذا.

أخرَجَهُ الطَّبرانِيُّ في "مُسنَد الشَّامِيِّين"(1785) قال: حدَّثَنا عمرُو ابنُ إسحاق، ثنا أبي، ثنا عمرُو بنُ الحارث، عن عبدِ الله بنِ سالمٍ بهذا.

وشيخُ الطَّبرانِيِّ هو عمرُو بنُ إسحاقَ بنِ إبراهِيم بنِ العَلاء: ما عرفتُهُ.

وأبوه المعروف بـ"زِبرِيقَ" قال النَّسائِيُّ: "ليس بثقةٍ إذا رَوَى عن عمرِو بنِ الحارث" وهذا من روايَتِه عنه.

وعمرُو بنُ الحارث هذا هو الحِمصِيُّ، ذَكَرَهُ ابنُ حِبَّان في "الثِّقات" (8/ 485) وقال:"مُستقيمُ الحديث"، لكن قال الذَّهَبِيُّ:"تفرَّد بالرِّواية عنه إسحاقُ بنُ إبراهيمَ زِبرِيقُ، ومولاةٌ له اسمها عُلوَةُ. فهو غيرُ معروفِ العدالةِ. وابنُ زِبرِيقَ ضعيفٌ".

فلا تَثبُتُ هذه المُتابَعةُ إلى عبد الله بن سالمٍ. والإسنادُ الأوَّلُ أجوَدُ. والله أعلمُ.

وللحديث طُرُق أُخرَى عن أُمِّ سَلَمة.

ص: 313

ثانيًا: حديثُ أبي هُريرَة.

فأخرَجَه مُسلِمٌ (2113/ 103)، والنَّسائِيُّ في "كتاب الملائكة" - كما في "أطراف المِزِّيِّ"(9/ 395) -، وأبو داوُد (2555)، والتِّرمذِيُّ (1703)، والدَّارِمِيُّ (2679)، وابنُ أبي شَيبةَ "المُصنَّف"(12/ 228)، وأحمدُ (2/ 262 - 263، 311، 327، 343، 392، 444، 476، 537)، والبزَّارُ (ج 2/ ق 21/ 212)، وابنُ خُزيمةَ (2553)، وأبُو القاسم البَغَوِيُّ في "مُسنَد ابنِ الجَعد"(2764)، وابنُ حِبَّانَ (4703)، والبَيهَقِيُّ (5/ 254)، وفي "الآداب"(927)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(11/ 25) من طرقٍ عن سُهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا:"لا تَصحَبُ الملائِكةُ رُفقَةً فيها كلبٌ أو جَرَسٌ".

ورواه عن سُهَيلٍ: " أبُو عَوانَةَ، وحمَّادُ بنُ سَلَمَة، وزُهَيرُ بنُ مُعاوِية، وشَريكٌ النَّخْعِيُّ، وبِشرُ بنُ المُفضَّل، وخالدُ بنُ عبد الله الواسِطِيُّ".

ثالثًا: حديثُ أنسٍ.

فله طريق يأتي في: "حديث عائِشةَ".

وله طريق آخَرُ ..

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(4699) ..

وأبو الشَّيخ في "ما رواه أبو الزُّبَير عن غير جابرٍ"(25) قال: حدَّثَنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ داوُد بنِ مَنصُورٍ ..

ص: 314

وابنُ عَديٍّ في "الكامل"(3/ 1211)، قال: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ عبيد الله الخُوارَزمِيُّ خَتَنُ أبي الآذانِ الحافِظِ

(1)

، قال ثلاثتُهُم: حدَّثَنا أبو زُرعة الدِّمَشقِيُّ، ثنا مُحمَّدُ بنُ بكَّارِ بن بِلالٍ، عن سعيد بن بَشِيرٍ، عن أبي الزُّبير، عن أنسٍ مرفُوعًا:"لا تَقرَبُ المَلائِكَةُ عِيرًا فيها جَرَسٌ، ولا بَيتًا فيه جرَسٌ".

قال الطَّبرانِيُّ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن أبي الزُّبير إلَّا سعيدُ بنُ بَشيرٍ. تفرَّد به محُمَّدُ بنُ بكَّارٍ".

• قلتُ: ومُحمَّدُ بنُ بكَّارٍ ثقة. وقد خُولِف، كما في:

رابعًا: حديث عائشةَ.

خالَفَهُ محُمَّدُ بنُ خالد بن عَثَمَةَ، قال: حدَّثَنا سعيدُ بنُ بَشِيرٍ، عن قَتَادة، عن زُرَارة بن أَوفَى، عن سعد بن هشامٍ، عن عائشة مرفُوعًا:"لا تَصحَبُ الملائكةُ رُفقةً فيها كَلبٌ أو جَرَسٌ".

فجعله مِن: "مُسنَد عائشة".

أخرَجَهُ الخَرَائِطِيُّ في "مساوئ الأخلاق"(856) قال: حدَّثنا حمَّادُ ابنُ الحسَنِ بنِ عَنبَسَةَ، ثنا مُحمَّدُ بنُ خالدِ بنِ عَثَمَةَ بهذا الإسناد.

وتابَعَهُ الوليدُ بنُ مَسلمٍ، قال: ثنا سعيدُ بنُ بَشِيرٍ بهذا الإسناد.

أخرَجَهُ الطَّبرانِيُّ في "مُسنَد الشَامِيِّين"(2720) قال: حدَّثَنا إبراهِيمُ ابنُ دُحَيمٍ، ثنا أبي، ثنا الوليدُ بهذا.

(1)

هو عُمرُ بنُ إبراهيم بن سليمان البغداديُ. ثقةٌ مشهورٌ. مُترجَمٌ في "التَّهذيب"(21/ 267).

ص: 315

والوليدُ يُدلِّسُ التَّسويةَ، ولم يُصرِّح لشيخِهِ.

وتابَعَهُ أيضًا أبُو الجَماهِر محُمَّدُ بنُ عُثمانَ التَّنُوخِيُّ - وهو من الأثبات -، فرواه عن سعيدِ بنِ بشيرٍ بهذا، بلفظ:"لا تَقرَبُ الملائِكةُ رُفقةً فيها جَرَسٌ ولا جِلدُ نَمِرٍ".

أخرَجَهُ ابنُ المُنذِرِ في "الأوسط"(2/ 299).

وذِكرُ: "جِلد النَّمِر" فيه مُنكَرٌ. لكنَّ هذا الوجه هو المَحفُوظُ، وهو الذي تُوبع عليه سعيدُ بنُ بَشيرٍ على إسنادِهِ دون متنِهِ، كما يأتي إن شاء الله.

وخُلاصَةُ القول أنَّ روايَةَ محُمَّدِ بنِ خالِدِ بنِ عَثَمَةَ أولَى من رواية محُمَّد ابن بكَّارٍ الذي جَعَل الحديثَ من مُسنَدِ أنَسٍ.

وابنُ عَثَمَةَ لا بأس به، كما قال أحمدُ وأبُو زُرعةَ.

وقال ابنُ حِبَّان: "رُبَّما أخطأ".

• قلتُ: رُبَّما قَصَدَ ابنُ حِبَّان الحديثَ الذي أخرَجَهُ عبدُ الله بنُ أحمدَ (4/ 77)، والبَزَّارُ (1068 - كشف) قالا: حدَّثَنا محُمَّدُ بنُ المُثَنَّى ..

وابنُ أبي حاتِمٍ في "العِلل"(839)، وأبُو نُعَيمٍ في "معرفة الصَّحابة"(6669) عن محُمَّد بن بشَّارٍ، قالا: ثنا محُمَّد بن خالدِ بن عَثَمَةَ، حدَّثني سعيدُ بنُ بشِيرٍ، عن قَتادَةَ، عن أبي قِلابَةَ، عن أبي الشَّعثاءَ، عن يُونُس ابنِ شدَّادٍ، أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن صَوم أيَّام التَّشريق.

قال البزَّارُ: "لا نَعلَمُ أسنَدَ يُونُسُ بنُ شدَّادٍ إلَّا هذا، ولا نَعلَمُ له إسنادًا إلَّا هذا، ولَم يُتابَع محُمَّدُ بنُ خالِدٍ عليه".

وسُئِل أبُو حاتِمٍ - كما في "علل ولده"(839) - عن هذا الحديثِ،

ص: 316

فقال: "هذا إسنادٌ مُضطربٌ؛ "أبُو قِلابةَ، عن أبي الشَّعثاءَ": لا يَجيءُ.

وذاك أن الذي يُعرَفُ: أبو الشَّعثاء جابرُ بنُ زيدٍ. وأبُو قِلابة عن جابر ابن زيدٍ يستحيلُ. ويُونُسُ بن شدَّادٍ لا نعرفُهُ".

"قلتُ: فلعلَّ هذا الحديث هو الذي قال مِن أجله ابنُ حِبَّانَ في ابنِ عَثَمةَ: "يُخطِئُ"، وفي الإسناد سعيدُ بنُ بَشيرٍ، وهُو مُنكَر الحديث في قتادةَ خاصَّةً، فينبَغِي تَعصيبُ الجِنايَة به، لا بابنِ عَثَمَةَ، إلا أن يكون توبع سعيدُ بنُ بَشيرٍ، والله أعلم.

وعِلَّةُ هذا الاضطرابِ - أعني: حديث الترجمة - هي مِن سعيد بن بَشيرٍ؛ فإنَّه ضعيف.

وقال ابنُ عَديٍّ: "لا يُعرَف عن أبي الزبير إلا مِن حديث سعيد بن بَشيرٍ عَنهُ، ولا أَظنُّ أنَّه يُعرَف لأبي الزُّبير، عن أنسٍ، غيرُهُ".

"قلتُ: كذا قال ابنُ عَدِيٍّ! وقد رَوَى أبُو الزُّبير عن أنَسٍ غيرَ هذا الحديثِ، كما بيَّنتُهُ في "تنبيهِ الهَاجِد" (2735).

وقد خُولِف سعيدُ بنُ بَشِيرٍ في إسنادِهِ ..

خالَفَهُ الأوزاعِيُّ، فرواهُ عن أبي الزُّبَير، عن سُليمانَ بنِ بَابَى، عن أُمِّ سَلَمَةَ مرفُوعًا:"لا تَصحَبُ الملائكةُ رُفقةً فيها جَرَسٌ". قالت: وسمعتُهُ يقولُ: "لا تَدخُلُ الملائكةُ دارًا فيها كلبٌ".

أخرَجَهُ الدَّارَقطنِيُّ في "المُؤتَلِف والمُختَلِف"(ص:233) قال: حدَّثَنا أبُو محُمَّدٍ ابنُ صاعدٍ، حدَّثَنا سُليمانُ بنُ سيفٍ، حدَّثَنا أيُّوبُ بنُ خالدٍ الحَرَّانِيُّ، حدَّثَنا الأوزاعِيُّ بهذا.

ص: 317

وهذا مُنكَرٌ عن الأوزاعِيِّ؛ وأيُّوبُ بنُ خالدٍ قال ابنُ عَدِيٍّ (1/ 350): "حدَّث عن الأوزاعِيِّ بالمَناكِير" وخَتَمَ تَرجَمَتَهُ بقوله: "قلَّ ما يُتابِعُهُ عليه أحدٌ".

وقال أبُو أحمدَ الحاكمُ: "لا يُتابَعُ في أكثر حديثِهِ".

والصَّحيحُ في هذا ما رواه ابنُ جُرَيجٍ، قال: أخبَرَنِي سُليمانُ بنُ بَابَيْهِ مَولَى آلِ نَوفَلٍ، أنَّ أُمَّ سَلَمَة زوجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا تَدخُلُ الملائكةُ بيتًا فيه جُلجُلٌ ولا جَرَسٌ. ولا تَصحَبُ الملائكةُ رُفقةً فيها جَرَسٌ".

أخرَجَهُ الدَّارَقُطنِيُّ في "المُؤتَلِف"(ص:233) مُعلَّقًا، ووصَلَهُ النَّسائِيُّ في "المُجتبَى"(8/ 180)، قال: أخبَرَنا يُوسُفُ بنُ سعيد بنِ مُسلمٍ، قال: حدَّثَنا حجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ بهذا.

وابنُ بَابَيْهِ لم يُوَثِّقهُ إلَّا ابنُ حِبَّان.

ووقفتُ عليه في "الجَعدِيَّات"(2716) لأبي القاسِمِ البَغَوِيِّ، قال: "وبه عن أبي الزُّبير، عن أُمِّ سَلَمَة. [قال:] كذا

[وساق الحديثَ] ". وأظُنُّ إسنادَهُ كهذا الذي عند النَّسائِي. والله أعلم.

والصَّحيحُ في حديث زُرارَةَ بنِ أوفَى، عن سعد بن هِشامٍ، عن عائشةَ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ بالأجراس أن تُقطَعَ من أعناق الإبل يوم بدرٍ.

أخرَجَهُ أحمدُ (6/ 150) ..

وابنُ حِبَّان (4699) عن محُمَّد بنِ المُثنَّى، قالا: ثنا محُمَّدُ بنُ جَعفَرٍ، ثنا سعيدُ بنُ أبي عَروبَةَ، عن قتادةَ بهذا.

ص: 318

وسعيدُ بنُ أبي عَروبَةَ كان اختلَطَ، وروايَةُ غُندَرٍ عنه بعد اختلاطه.

وتابَعَهُ محُمَّدُ بنُ بَكرٍ البُرسَانِيُّ، فرواه عن سعيدِ بنِ أبي عَروبَةَ بهذا.

أخرَجَهُ إسحاقُ بنُ راهَوَيه (1315/ 772).

وابنُ بكرٍ ليس مِن قُدماء أصحابِ سعيدٍ.

ولكن تابَعَهُمَا خالدُ بنُ الحارِث، قال: حدَّثَنا سعيدُ بنُ أبي عَرُوبَةَ بهذا، ولم يَقُل:"من أعناق الإبِل يوم بدرٍ".

أخرَجَهُ النَّسائِيُّ في "كتاب السِّيَر"(8809 - الكُبرَى) قال: أنبأنا أبُو الأشعَثِ، قال: حدَّثَنا خالدُ بنُ الحارِثِ بهذا.

وخالدُ بنُ الحارِثِ كان ممَّن سمع من سعيدٍ قبل الاختلاط، وهو أثبتُ النَّاس فيه.

ولكن اختُلِفَ عليه ..

فرواه أبُو الأشعث أحمدُ بنُ المقدامِ عنه، كما مَضَى.

وخالَفَهُ القَعنَبِيُّ، فرواهُ عن خالد بنِ الحارث، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادَةَ، عن أنسٍ، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بقطع الأجراس.

أخرَجَهُ ابنُ حِبَّان (4701) من طريق محُمَّدِ بنِ عبد الرَّحيمِ صاعقةٌ، قال: ثنا القَعنَبِيُّ بهذا،

وصرَّح الدَّارَقُطنِيُّ في "العِلل"(ج 5/ ق 134/ 2) بأنَّ القَعنَبِيَّ وَهِمَ فيه.

فهذا هو اللَّفظُ الصَّحيحُ في حديث عائِشَةَ، وليس ما ذَكَرَهُ سعيدُ بنُ بَشِيرٍ.

ص: 319

وقد اختُلِف على قتادةَ في إسنادِهِ.

فرواه سعيدُ بنُ أبي عَرُوبةَ، عن قتادَةَ هكذا.

فجعله من: "مُسنَد عائشة".

وخالفه هشامٌ الدَّستُوائِيُّ، فرواه عن قتادةَ، عن زُرارَةَ بنِ أوفَى، عن أبي هُريرَةَ مرفُوعًا:"لا تَصحَبُ الملائِكةُ رُفقةً فيها جَرَسٌ".

فسَقَطَ ذِكرُ: "سعدِ بنِ هشامٍ"، وجَعَلَهُ من:"مُسنَد أبي هُريرَةَ".

أخرَجَهُ النَّسائِيُّ في "الكُبرَى"(8810) قال: أخبَرَنا عُبيدُ الله بنُ سعيدٍ ..

وأحمدُ (2/ 385، 414) قال: حدَّثَنا عليُّ بنُ المَدِينِيِّ، وعَفَّانُ بنُ مُسلِمٍ - فرَّقَهُما - ..

وإسحاقُ بنُ راهَوَيه في "مُسنَده"(280) ..

والبزَّارُ (ج 2/ ق 230/ 2) قال: حدَّثَنا عمرُو بنُ عليٍّ ..

والحَربِيُّ في "الغريب"(1/ 8) قال: حدَّثَنا ابنُ أبي الأَسوَد، قال سِتَّتُهُم: ثنا مُعاذُ بنُ هشامٍ الدَّستُوائِيُّ، حدَّثَنِي أبي بهذا.

وخُولف مُعاذُ بنُ هشامٍ في إسنادِهِ ..

خالَفَهُ وكيعُ بنُ الجرَّاح، قال: حدَّثَنا هشامٌ الدَّستُوائِيُّ بهذا الإسناد، موقُوفًا.

أخرَجَهُ ابنُ أبي شَيبَةَ في "المُصنَّف"(12/ 229).

وهذا الموقوفُ ليس بِعِلَّةٍ للمرفوع، بل قصَّر وكيعٌ. ويُحتَمَل أن يكون هذا من هشامٍ.

ص: 320

وعلى كُلِّ حالٍ فمِثلُ هذا لا يُقال بالرَّأي، فله حُكمُ المرفوع.

وعندي أنَّ الحديث من: "مُسنَد أبي هُريرَةَ" أولَى. وهو صحيح على شرط الشَّيخَين.

وهشامٌ الدَّستُوائِيُّ كان أثبتَ النَّاس في قتادَةَ، وكان شعبةُ يُفَضِّلُهُ على نفسه في قتادَةَ. فروايتُهُ أولَى من روايَة سعيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ، لاسِيَّما وقد اختُلِف عليه فيها. ويُحتَمَلُ أن يكون الوجهان محفُوظَين. والله أعلمُ.

وبعد كتابَةِ ما تقدَّمَ رأيتُ الدَّارَقُطنِيَّ روَى هذا الحديثَ في "الأفراد" - كما في "أطراف الغَرائِب"(5022) - وقال: " تفرَّد به أبُو جُزَيٍّ، عن قتادَةَ، عن زُرارَةَ، عن أبي هُريرَةَ. واختُلِفَ على قَتَادَةَ في إسنادِهِ".

• قلتُ: كذا قال! وقد رأيتَ أنَّ هشامًا الدَّستُوائِيَّ رواه عن قتادةَ هكذا.

وأبُو جُزَيٍّ هذا اسمُهُ نَصرُ بنُ طَريفٍ. وهو مَترُوكٌ.

وأخرَجَ عبدُ الله بنُ أحمدَ في "العلل"(312، 1288)، وعنه الدُّولابِيُّ في "الكُنَى" (1/ 140) قال: حدَّثَنِي أبي، عن عفَّانَ، قال: جاء أبو جُزَيٍّ - واسمُهُ نصرُ بنُ طَريفٍ - إلى جَرِيرِ بن حازِمٍ يَشفَعُ لإنسانٍ يُحدِّثُهُ جَريرٌ، فقال جرير:"حدَّثَنا قتادةُ، عن أنسٍ، قال: كانت قَبِيعَةُ سيفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من فِضَّةٍ". قال أبُو جُزَيٍّ: " كَذَبَ والله! ما حدَّثَناهُ قتادةُ إلَّا عن سعيد بن أبي الحَسَن".

قال أبي - يعني الإمامَ أحمدَ -: "وهو قولُ أبي جُزَيٍّ - يعني أصاب -،

ص: 321

وأخطأ جَريرٌ"

(1)

.

وللحديثِ شواهدُ كثيرةٌ عن جماعةٍ من الصَّحابة، استوفيتُ أحادِيثَهم مع الكلام على عِلَلِها في "تنبيه الهاجد"(2736).

والحمدُ لله تعالى.

(1)

والصَّواب في هذا الحديث الإرسالُ، كما بيَّنته في "جُنَّة المستغيث بشرح علل الحديث"(938) لابن أبي حاتمٍ.

ص: 322

213 -

سُئلتُ عن صحَّة ومعنى حديث: "الجَنَّةُ أَقرَبُ إِلَى أَحَدِكُم مِن شِرَاكِ نَعلِهِ، وَالنَّارُ مِثلُ ذَلِكَ".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَه البُخاريُّ في "صحيحه"(11/ 321)، وأحمدُ (1/ 387)، وأبو يَعلَى (5211)، وعنه ابنُ حِبَّانَ (661)، والهَيثَمُ بنُ كُلَيبٍ في "المُسنَد"(514، 515)، والخطيبُ في "تاريخه"(11/ 387 - 388)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(14/ 371) من طُرُقٍ عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن ابن مَسعُودٍ مرفُوعًا فذَكَرَه.

وتابَعَهُ منصورُ بن المُعتَمِر، فرَوَاه عن أبي وَائلٍ بهذا الإسناد.

أخرَجَهُ أحمدُ (1/ 413)، والبَيهقِيُّ (3/ 368)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(7/ 125).

وأخرَجَهُ أحمدُ (1/ 442)، وأبو يَعلَى (5280)، من طريق عبد الرَّحمن ابن مَهدِيٍّ، عن سُفيان الثَّورِيِّ، عن الأعمش، ومَنصُورٍ معًا، عن أبي وائلٍ، عن ابن مَسعُودٍ مرفُوعًا.

* أمَّا معنى الحديث.

فإنَّ الطَّاعةَ أو المعصيةَ قد تكُونُ في أيسَرِ الأشياءِ، فإنَّك لا تَدرِي ما هي الحسَنَةُ التي يرحَمُكَ اللهُ بها، رُبَّما كانت في شيءٍ تَزهَدُهُ، ولا تدري أيضًا السِّيّئَةَ التي تَعْطَبُ بها، رُبَّما تناهت في الصِّغَرِ في عَينِك. فلا تَزهَدَنَّ

ص: 323

في قَليلِ الخَيرِ أن تَأتِيَهُ، ولا في دَقِيقِ الشَّرِّ أن تجتنبه.

وما أجمَلَ ما قالَهُ ابنُ القَيِّمِ في كتاب "الفَوائِد" حولَ هذا المعنَى .. قال رحمه الله عن التَّهاوُن في المعَاصِي:

"يا مغرُورًا بالأَمَانِي! لُعِنَ إبليسُ وأُهبِطَ مِن مَنزِلِ العِزِّ بِتَركِ سجدَةٍ واحدةٍ أُمِرَ بها. وأُخرِجَ آدمُ من الجَنَّة بلُقمَةٍ تناوَلَها. وحُجِب القاتِلُ عنهَا - يعني: عن الجَنَّة - بعد أن رَآهَا عَيَانًا بملءِ كفّ من دَمٍ. وأُمِرَ بقتل الزَّانِي أشنَعَ القِتلَاتِ بإيلاجِ قَدرِ الأُنمُلَةِ فيما لا محلُّ. وأُمر بإِيسَاعِ الظَّهرِ سِياطًا بكلمةِ قَذفٍ أو بقطرةٍ من مُسكِرٍ. وأَبَانَ عُضوًا من أعضائِكَ بثلاثةِ دَراهِمَ! فلا تأتَمِنْهُ أن يَحبِسَكَ في النَّار بمعصيةٍ واحدةٍ من مَعاصِيه {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 15].

"دَخَلَت امرأةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ"، و"إنَّ الرَّجُلَ ليتكلَّمُ بالكَلِمَةِ لا يُلقِي لها بالًا يَهوِي بها في النَّارِ أبعَدَ ما بين المَشرقِ والمَغربِ"، و"إنَّ الرَّجُل لَيَعَملُ بطَاعةِ الله سِتِّين سَنَةً، فإذا كان عندَ الموتِ جَارَ في الوَصِيَّةِ فيُختَمُ له بسُوءِ عَمَله فيدخُلُ النَّارَ".

العمرُ بآخِرِهِ، والعَمَلُ بخاتِمتِهِ.

مَن أَحْدَثَ قبل السَّلامِ بطَلَ ما مضَى مِن صلاتِهِ. ومن أَفطَرَ قَبلَ غُروبِ الشَّمسِ ذَهَبَ صِيامُهُ ضائِعًا. ومَن أسَاءَ فِي آخرِ عُمُرِهِ لقِيَ ربَّهُ بذلك الوجهِ. لو قَدَّمتَ لُقمَةً وَجدتَهَا، ولكن يُؤذِيكَ الشَّرَهُ.

كم جاء الثَّوابُ يَسعَى إليكَ فوَقَفَ بالباب، فرَدَّهُ بَوَّابُ "سوفَ"، و"لعلَّ" و"عَسَى"!

ص: 324

كيف الفَلاحُ بينَ إيمان نَاقِصٍ، وأملٍ زائدٍ، ومَرَضٍ لا طبيبَ لَهُ ولا عائِدَ، وهَوً ى مُستَيقِظٍ، وعَقلٍ راقِدٍ، ساهيًا في غَمرَتِهِ، عَمِهًا في سَكرَتِهِ، سابحًا في لُجَّةِ جَهلِهِ، مُستَوحِشًا من رَبِّه، مُستأنِسًا بخَلقِهِ، ذِكرُ النَّاسِ فَاكهَتُهُ وقُوتُه، وذِكرُ الله حَبسُهُ ومَوتُهُ، لله مِنهُ جُزءٌ يسيرٌ من ظاهِرِهِ، وقَلبُهُ ويقِينُهُ لغيرِهِ؟!

لا كان مَن لِسِوَاكَ فيه بقيَّةٌ

يَجِدُ السَّبيلَ بها إليه العُذَّلُ"

• قلتُ: وكذلك عَمَلُ البِرُّ. فرُبَّ شيءٍ يسِيرٍ يكُونُ سببًا في نجاتِكَ، وأنت لا تَدرِي.

فقد أَخرَجَ ابنُ أبي شَيبةَ في "المُصنَّف"(13/ 184 - 185)، ومن طريقه أبو نُعيمٍ في "الحِليَةِ"(1/ 263)، وابنُ قُدامَة في "كتاب التَّوَّابِين" (ص 76 - 77) قال: حدَّثَنا مُعتَمِرُ بنُ سُليمانَ، عن أبيه، قال: حدَّثَنا أبو عُثمانَ، عن أبي بُردَةَ، قال: لمَّا حَضَرَ أبا مُوسَى الوفاةُ، قال: يا بَنيَّ! اُذكُرُوا صاحبَ الرَّغِيف. قال: كان رجُل يتعبَّدُ في صَومَعَتِه - أُراهُ قال: سبعِينَ سنةً - لا يَنزِلُ إلَّا في يومِ أَحَدٍ. قال: فنزلَ في يومِ أَحَدٍ. قال: فَشُبِّه أو شَبَّ الشَّيطَانُ في عينه امرأةً، فكان مَعَها سَبعَةَ أيَّامٍ وسَبعَ لَيالٍ. قال: ثُمَّ كُشِفَ عن الرَّجُلِ غطاؤُهُ فخَرَج تائبًا، فكان كُلّما خَطَا خُطوَةً صلَّى وسَجَدَ. قال: فآوَاهُ اللَّيلُ إلى دُكَّانٍ عليه اثنا عَشَر مِسكِينًا، فأدَركَهُ الإِعيَاءُ، فرَمَى بنفسه بين رَجُلَين مِنهُم. وكان ثَمَّ راهبٌ يَبعَثُ إليهم كُلَّ ليلةٍ بأَرغِفَةٍ، فيُعطِي كُلَّ إنسانٍ رَغيفًا، فجاء صاحِبُ الرَّغيفِ، فأعطَى كُلَّ إنسانٍ رغيفًا، ومَرَّ على ذلك الذي خَرَج تائبًا، فظَنَّ أنَّهُ مِسكينٌ،

ص: 325

فأعطَاهُ رَغِيفًا، فقال المَترُوكُ لصاحب الرَّغيف:"مالَكَ لم تُعطِنِي رَغِيفِي؟ ما كان إليَّ عَنهُ غنًى! "، قال:"تُرانِي أُمسِكُهُ عنكَ؟ " فسألَ: "هل أعطيتُ أَحَدًا منكم رَغِيفَين؟ "، قالوا:"لا"، قال:"إنِّي أُمسِكُ عنكَ؟! والله لا أُعطِيك شيئًا اللَّيلةَ". قال: فعَمَدَ التَّائبُ إلى الرَّغيفِ الذي دَفَعَهُ إليه، فدَفَعَهُ إلى الرَّجُل الذي تُرِكَ. فأَصبَحَ التَّائبُ ميِّتًا، فوُزِنَت السَّبعُون سَنةً بالسَّبع اللَّيالي فلم تَزِنْ. قال: فوُزِن الرَّغِيفُ بالسَّبعِ اللَّيالي. قال: فرَجَحَ الرَّغيفُ. فقال أبو مُوسى: يا بَنِيَّ! اذكُرُوا صاحبَ الرَّغِيف.

وهذا إسنادٌ قويٌ.

وأخرَجَ ابنُ أبي شَيبَة في "الزَّكاة"(3/ 111)، وفي "ذِكرِ رَحمةِ الله"(13/ 184) ..

والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(2488) عن العبَّاسِ بنِ محُمَّدٍ الدُّورِيِّ، قالا: ثنا أبُو داوُد الحَفرِيُّ عُمرُ بنُ سَعدٍ، عن سُفيانَ، عن سَلَمَةَ، عن أبي الزَّعْرَاءِ، عن عبدِ الله: أنَّ راهبًا عَبَدَ اللهَ في صَومَعَتِهِ سِتِّين سنةً، فجاءت امرأةٌ فنَزَلَت إلى جَنبِهِ، فنزلَ إليها فوَاقَعَهَا لِستَّ ليالٍ، ثُمَّ أُسقِط في يَدِهِ، فهَرَب، فأتي مَسجِدًا، فأَوَى إليه، فمَكَثَ ثلاثًا لا يَطعَمُ شيئًا، فأُتي برَغِيفٍ، فكَسَر نِصفَهُ، فأَعطَى نصفَهُ رجُلًا عن يَمِينِهِ، وأعطى آخرَ عن يَسارِهِ، فبَعثَ اللهُ إليه مَلَكَ الموتِ فقَبَضَ رُوحَهُ، فوُضِعَ عملُ السِّتِّين سنَةً في كِفَّةٍ، ووُضِعت السَّيِّئةُ في كِفَّةٍ، فرَجَحَت السَّيِّئةُ، ثُمَّ جِيءَ بالرَّغيف فرَجَحَ بالسَّيِّئةِ.

ص: 326

وهذا إسنادٌ صالح، ليس فيه من ينظَر في حاله إلَّا أبو الزَّعراءِ، واسمُهُ: عبدُ الله بنُ هانِئٍ. ترجمَهُ البُخارِيُّ في "التَّاريخ الكبير"(3/ 1/ 221) وقال: "سَمِعَ ابنَ مسعُودٍ رضي الله عنه. سمِعَ منه سلَمَةُ بنُ كُهَيلٍ. رَوَى عن ابنِ مسعُودٍ رضي الله عنه في الشَّفَاعَةِ: " ثُمَّ يقُومُ نبيُّكُم رابِعَهُم"، والمعرُوفُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أنَا أوَّلُ شافِعٍ"، ولا يُتابَع في حديثه".

• قلتُ: وسوف يأتي الكلامُ عن هذا الحديثِ برقم (366).

فالحاصلُ أنَّ أبا الزَّعراءِ لم يَروِ عنه إلَّا ابنُ أُختِهِ سَلَمَةُ بنُ كُهَيلٍ.

ووَثَقَهُ ابنُ سعدٍ في "طبقاتِهِ"(6/ 171)، والعِجِليُّ (987)، وابنُ حِبَّانَ (5/ 14)، كلاهما في "الثِّقات".

ومع تقدُّم طَبقَتِهِ وتَوثِيقِ هؤُلاء العُلَماء، يُمكِنُ تمَشِيَةُ حالِهِ في مِثلِ هذه الحِكاياتِ، أمَّا الأحاديثُ المَرفُوعَةُ فلها شأنٌ آخَرُ. واللهُ أعلَمُ.

والأحاديثُ الصَّحيحَةُ والحِكايَاتُ في هذا كَثِيرةٌ.

نسأَلُ اللهَ أن يُوَفِّقَنا إلى مَراضِيهِ.

ص: 327

214 -

سُئلتُ عن حديث: " إِنَّمَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن يَرجُوهَا، وَيُجَنَّبُ النَّارَ مَن يَخَافُهَا، وَإِنَّمَا يَرحَمُ اللهُ مَن يَرحَمُ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفُ الإسناد.

أخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في "شعَب الإيمان"(ج 3/ رقم 760)، وفي "الآداب"(1146)، وفي "الأربعون الصُّغرَى"(35)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(3/ 225) من طريق سُوَيد بن سَعيدٍ، عن حَفص بن مَيسَرة، عن زيد ابن أَسلَمَ، عن ابن عُمَر مرفُوعًا فذَكَرَه.

قال العَلَائِيُّ: "إِسنَادُهُ حَسَنٌ على شرط مُسلِمٍ"، فتَعَقَّبَه المُناوِيُّ في "فيض القدير" (3/ 8) بقوله:"هذا غيرُ مقبولٍ، ففيه سُويد بن سعيدٍ، فإن كان الهَرَوِيَّ، فقد قال الذَّهَبيُّ: "قال أحمَدُ: مَترُوكٌ. وقال البُخاريُّ: عَمِيَ، فَلُقِّنَ، فَتَلَقَّنَ. وقال النَّسَائِيُّ: ليس بثِقَةٍ". وإِن كان الدَّقَّاق، فمُنكَرُ الحديث، كما في "الضُّعفاء" للذَّهبيِّ" انتهى.

• قلتُ: هو الهَرَوِيُّ بلا شكٍّ، وما كان يَنبَغِي للمُنَاوِيِّ أن يَتَوَقَّف فيه، لاسِيَّما والعَلائِيُّ يقُولُ:"على شرط مُسلِمٍ"، ومُسلِمٌ إنَّما أخرج لسُوَيد ابن سعيدٍ الهَرَوِيِّ، عن حفص بن مَيسَرة. أمَّا سُويدُ بن سَعيدٍ الدَّقَّاقُ، فلا يَكادُ يُعرَف. والله أعلم.

وممَّا يُؤاخَذُ به المُنَاوِيُّ رحمه الله أنَّهُ نَقَلَ أشَدَّ ما قيل في سُوَيد بن سَعِيدٍ.

ص: 328

ونَقْلُ الجَرحِ دُونَ التَّعديلِ في الرَّاوي يجعَلُه بعضُ النَّاسِ خِيانَةً.

وسُويدٌ: فوثَقَهُ أحمدُ، وقال:"ما علمتُ إلا خيرًا"، والعِجِليُّ، ومَسلَمَةُ بنُ قاسِمٍ، والخَلِيليُّ في "الإرشاد". وقال أبُو حاتِمٍ:"كان صَدُوقًا، وكان يُدَلِّسُ ويُكثِرُ من ذلك"، وكذلك رماه الإِسمَاعِيليُّ بالتَّدليس. وقال يعقُوبُ بنُ شَيبةَ:"صدُوقٌ، مُضطرِبُ الحِفظِ، لاسيَّمَا بعدما عَمِيَ".

أمَّا ابنُ مَعينٍ فاشتَدَّ عليه. ونَقَلَ النَّسائِيُّ كلامَ ابنِ مَعينٍ ثُمَّ قال: "ليسَ بثِقَةٍ ولا مأمُونٍ". وكانت آفةُ سُوَيدٍ التَّلقينَ.

وقد احتاطَ مُسلم في الرِّوايةِ عنهُ، بحيثُ أنَّ غَالِبَ أحادِيثِهِ قد تُوبع فيها سندًا ومَتنًا. ولم يُخَرِّج له مُنفردًا إلا نَزرًا يسِيرًا.

وقد خُولِف حفصُ بن مَغيرة في إسناده ..

وقد نَصَّ على ذَلكَ أبو نُعيمٍ، فقال:"هذا حديث غريبٌ من حديث زيد بن أَسلَم مرفُوعًا مُتَّصلًا، تفرَّد به حفصٌ. ورواه ابنُ عَجلان، عن زيد بن أَسلَم مُرسَلًا" ا. هـ.

ومُرسَلُ زيدٍ هذا: أخرَجَه ابنُ أبي شَيبَةَ في "المُصَنَّف"(13/ 232) قال: حدَّثَنا أبو خالدٍ الأحمر، عن ابن عَجلان، عن زيد بن أَسلَمَ، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم:

فذَكَوَه.

تنبيهٌ

وبعد كتابة ما تقدَّمَ رأيتُ "أبا الفَيضِ الغُمَارِيَّ تَعَقَّب كلامَ المُناوِيِّ هذا في "المُداوِي" (3/ 15 - 16) فقَالَ:

ص: 329

"قُلتُ: الشَّارِحُ تسلَّطَ على الحديثِ وهو لَيسَ مِن أهلِهِ ولا ضُرِبَ لَهُ بسَهمٍ فيه، ومَن لا يُفَرِّقُ بين سُوَيدِ بنِ سَعيدٍ الهَرَوِيِّ الحدَثَانِيِّ، وبين سُوَيدٍ الطحَّانِ، كيف يَتَعَقَّبُ على مِثلِ الحافِظِ العَلَائِيِّ؟! إنَّ هذا لعَجَبٌ!

فسُوَيدُ بنُ سعيدٍ المَذكُورُ في سندِ الحديثِ هو الأوَّلُ، وهو مِن رجالِ مُسلِمٍ. فالحديثُ على شَرطِهِ كما قالَ العَلائِيُّ.

وسُويدُ بنُ سعيدٍ وإن كان مخُتَلَفًا فيه، إلَّا أنَّ أكثرَ ما عِيبَ به التَّدليسُ، وكَونُهُ عَمِيَ فصارَ يَتَلقَّنُ. وإنَّمَا أَفحَشَ القولَ فيه ابنُ مَعينٍ للعصبيَّةِ المَذهَبِيَّةِ، ومُشارَكتِهِ نُعيمَ بنَ حمَّادٍ في رِوايَةِ الحديثِ الوَارِدِ في ذَمِّ الحنَفِيَّةِ، وإلَّا فقد وَثقَهُ جماعة، وقال مَسلَمَةُ:"هو ثِقَةٌ ثِقةٌ"، وقال إبراهيمُ بنُ أبي طالبٍ:"قلتُ لمُسلِمٍ: كيف استَجَزتَ الرِّوايَةَ عن سُويدٍ في الصَّحيح؟ فقالَ: ومِن أينَ كُنتُ آتي بنُسخَةِ حفصِ بنِ مَيسَرَة؟! " ا. هـ.

فمُسلِمٌ رَوَى عنه نُسخَةَ حفصِ بنِ مَيسرَةَ، وهي معرُوفَةٌ مأمُونٌ أمرُهَا؛ لأنَّها مكتُوبَةٌ محفُوظَةٌ، وهذا الحديثُ أيضًا منها، فإنَّ سُويدًا رواهُ عن حفصِ بنِ مَيسَرَةَ، عن زيدِ بنِ أَسلَمَ، عن ابن عُمَرَ" انتهى كلامُ الغُمارِيِّ.

"قلت: ولي مُلاحَظاتٌ على كلامِهِ:

* الأُولى: أنَّهُ وَافَقَ الحافظَ العَلَائِيَّ على أنَّ الحديثَ على شرطِ مُسلِمٍ. وليس كذلك؛ فإنَّ هذه التَّرجَمَة لم تَقع عند مُسلِمٍ، ولم يَروِ مُسلمٌ لـ "زَيدِ ابنِ أَسلمَ، عن ابنِ عُمَرَ" قط. فالعُلماءُ يَشتَرِطُون أن تَقَع التَّرجمَةُ كاملةً إلى مُنتهَاهَا في "الصَّحيح"، وإلَّا فيُقالُ:"رِجالُهُ رجالُ مُسلِمٍ"،

ص: 330

ولا يُقالُ: "على شَرطِ مُسلِمٍ". فالذي في مُسلِمٍ: "سُويدُ بنُ سعيدٍ، عن حفصٍ، عن زيدِ بنِ أَسلَمَ".

وشُيُوخ زيدِ بنِ أَسلَمَ عِندَ مُسلِمٍ، هم:

1 -

عطاءُ بنُ يَسارٍ.

أخرَج له في: "الإيمانِ"(183/ 302)، وفي "الكُسُوف"(907/ 17)، وفي "السَّلَام"(3/ 2121)، وفي "اللِّباس والزِّينَةِ"(2121/ 114)، وفي "العِلمِ"(2669/ 6).

2 -

مُوسَى بنُ عُقبَة.

أخرَجَ له في: "المَساجد"(526/ 14)، وفي "الزَّكَاة"(1022/ 78)، وفي "البُيُوع"(1534/ 51، و 1542/ 76)، وفي "الأَيمَانِ والنُّذُورِ"(1654/ 25)، وفي "الأَقضِيَةِ"(1720/ 20)، وفي "الفضائل"(2299)، وفي "الجَنَّةِ"(2862/ 60).

3 -

أبو صالحٍ ذَكوَانُ.

أخرج له في: "الزَّكاة"(987/ 24)، وفي "التَّوبَة"(2675/ 1).

4 -

عبدُ الرَّحمَن بنُ وَعْلَةَ.

أخرج له في: "البُيُوع"(1579/ 68).

5 -

أمُّ الدَّرداءِ.

أخرج له في: " البِرِّ"(2598/ 85).

• قلتُ: هذا ما لحفصِ بنِ مَيسَرَةَ، عن زيدِ بنِ أَسلَمَ.

بقي ثلاثةُ مواضعَ لحفصٍ يَروِيهَا عن العَلَاء بنِ عبدِ الرَّحمن:

ص: 331

الأوَّلُ في: كتاب "البِرِّ"(2622/ 138)، والثَّاني في:"الجنَّة"(2854/ 48)، والثَّالثُ في:"الزُهد"(2959/ 4).

هذا كُلُّ ما لسُوَيدٍ، عن حَفصِ بنِ مَيسَرَةَ.

وإنَّما عُنِيتُ بهذا للحِكَايةِ الشَّهيرَةِ التي سَجَّلَ فيها أبُو زُرعةَ اعترَاضُهُ على مُسلِمٍ لروَايَتِهِ عن سُوَيدِ بنِ سعيدٍ، فكان جوابُ مُسلِمٍ:"ومِن أين كُنتُ آتي بنُسخَةِ حفصِ بنِ مَيسَرَةَ؟ "، يُرِيدُ أنَّهُ عَلَا بسُويدٍ، فلو رَوَى لـ" حفصِ بنِ مَيسَرَةَ" من غيرِ طَرِيقِ سُويدٍ لنَزَلَ. والحديثُ معرُوفٌ من رواية الثِّقاتِ بنُزُولٍ، أو برجَالٍ ليسُوا على شرطِهِ، ومع ذلك فقد احتَاطَ مُسلِمٌ رحمه الله، فأتَى بمُتابَعَاتٍ قويَّةً للأحاديثِ التي رَواهَا لحفصٍ مِن طريق سُوَيدٍ إلَّا في مَواضِعَ قليلةٍ، ولها مُتابَعاتٌ خارجَ "الصَّحيح".

وقد ذكرتُ كُلَّ ما لِسُوَيدٍ في "صحيحِ مُسلِمٍ"، وبيَّنتُ أنَّهُ لم يَتَفَرَّد بمَتنٍ قطُّ، في رَدِّي على الغُمَارِيِّ في "التَّنكيل والخَسفِ بصاحبِ كتابِ دَرءِ الضَّعفِ عمَّن عَشَقَ فعفَّ" وقد تَمَّ والحمدُ لله، رَدَدتُ فيه على الغُمَارِيِّ أبي الفَيضِ، إذ قَوَّى حديثَ؟ "مَن عَشَقَ فَعَفَّ، فَمَاتَ، مَاتَ شهِيدًا". وهو حدِيثٌ: أبطَلَهُ سائرُ عُلماءِ الحَديثِ.

* والثَّانيةُ: قولُهُ: "إنَّما أَفحَشَ القَولَ فيه ابنُ مَعينٍ للعصبِيَّة المَذهَبِيَّةِ، ومُشارَكَتِهِ نُعيمَ بن حَمَادٍ في روايةِ الحديثِ الوَارِدِ في ذَمِّ الحَنَفِيَّةِ".

فأقُولُ: هذا هو الظَّنُّ الكَاذِبُ بِعَينِهِ. ولم يَقُل أحدٌ قَطُّ أنَّ ابنَ مَعِينٍ تَكَلَّم في سُوَيدٍ لأجل هذا، إنَّمَا تَكَلَّم فيه بسَبَبِ أوهَامٍ وَقَعَت لهُ في أحاديثَ، مِنهَا حدِيثُ:"مَن عَشَقَ فعَفَّ"، ومنها حديثُ: "مَن قَالَ

ص: 332

في دِينِنَا برَأيِهِ فاقتُلُوهُ"، فقال ابنُ مَعِينٍ: "ينبَغِي أن نَبدَأَ بسُوَيدٍ فيقتَلُ"!

وأنكَرُوا عليه أحاديثَ، إِمَّا دَلَّسَها عن رِجالٍ. مجرُوحِينَ، وإمَّا لَقَنُوهُ إيَّاهَا فرَوَاهَا. وهذا كافٍ في إِسقاطِ أَيِّ راوٍ. فما دَخلُ العَصَبِيَّةِ المَذهَبِيَّةِ هنا؟!

وهذا دَأَبُ الغُمَارِيِّ، إذا لم يَجِد جَوابًا سَدِيدًا على اتِّهامٍ قَويٍّ، اختَرَعَ تُهمةً فأَلصَقَهَا بالخَصمِ، كما اتَّهَم البُخارِيَّ بأنَّهُ يميلُ إلي مَذهَب "النَّصبِ" لمُجرَّدِ أنَّه رَوَى عن رِجالٍ يَمدَحُون من يُنَاصِبُ عليًّا رضي الله عنه الخُصُومَةَ، كما مضَى التَّنبِيهُ على ذلك في الحديثِ رقم (31).

وإذا كانَت العَصَبِيَّةُ المَذهَبِيَّةُ الحَنَفِيَّةُ تحملُ ابنَ مَعِينٍ على جَرحِ مَن ليس بمجُروحٍ، فلِمَ لم يَتكَلَّم ابنُ مَعِينٍ في مالكٍ والثَّورِيِّ والأَوزَاعِيِّ وغيرِهِم كَثِيرٍ، وقد تكلَّمُوا في أبي حَنِيفَةَ نَفسِه؟

مع أنَّ كلامَ الثَّورِيِّ فيه صرِيحٌ جدًّا، ومُؤذٍ للحنفيَّة غاية الإيذاء، فقد قال:"لم يُولَد في الإسلام مولُودٌ أشأَمَ عليه من أبي حَنِيفَةَ"، وقال أيضًا:"استَتبتُ أبا حنِيفَةَ من الكُفرٍ مرَّتَين".

وقد زكَّى ابنُ مَعِينٍ عشراتِ الرُّواةِ مِن هذا الضَّربِ ممَّن يُعَادُونَ الحَنَفِيِّين، فلِمَ انفَردَ سويدٌ بهذا دُونَهُم جَميعًا؟!

* الثَّالثةُ: أنَّ كلامَهُ في المُناوِيِّ هنا في غاية الرِّفق، وإلَّا فمِن عادة الغُماريِّ أن يَسُبَّ المُناوِيَّ بأقذعِ أنواعِ السِّبابِ وأغلظِهِ، بحيثُ لو جرَّدتُ شتائمَهُ للمُناوِيِّ وغيرِهِ من العُلماء - لاسيَّما علماءَ الحديثِ - لجاء في مجُيلِيدٍ لطيفٍ.

ص: 333

أقُولُ هذا، مع اعتِرافِي بأنَّه مُصيبٌ في كثيرٍ ممَّا تَعقَّب فيه المُناوِيَّ؛ لأنَّ المُناوِيَّ جَانَبَ الصَّوابَ في كثيرٍ ممَّا قال، وبعضُ أوهامِهِ في غايَةِ العَجَبِ، بحيثُ لا يَقَعُ فيها مُبتدِئٌ في هذا العَلمِ، فلا مَانِع من تَعقُّبِهِ وبَيَانِ خَطئِهِ، أمَّا أن يُسَبَّ بأقذَعِ ما أنتَ سامعٌ من الوَصف بـ "الجُنون" و"اختلال العقل" و"طلبِ الحَجر عليه" إلى آخرِ هذه العِبارَاتِ، فلا.

واللهُ المُستَعانُ.

ص: 334

215 -

سُئلتُ عن حديث: كَانَ مِن دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "وَأَسأَلُكَ الرِّضَا بَعدَ القَضَاءِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ النَّسائِيُّ (3/ 55)، وابنُ حِبَّانَ (509)، والحاكم (1/ 525 - 524)، والبَيهَقِيُّ (9/ 161) مِن طريق حَمَّاد بن زَيدٍ، حدَّثَنا عطاءُ بنُ السَّائِب، عن أبيه، قال: صَلَّى بنا عَمَّارُ بنُ ياسرٍ صلاةً، فأَوجَزَ فيها، فقال له بعضُ القوم: لقد خَفَّفت - أو: أَوجَزَتَ -؟ فقال: أَمَا عَلَى ذلك، فَقَد دَعَوتُ فِيهَا بَدَعَواتٍ، سمِعتُهُنَّ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. فَلَّما قام، تَبِعَهُ رَجُلٌ من القَوم - هُو أَبِي، غيرَ أنَّهُ كَنَّى عن نفسه -، فَسَأَلَهُ عن الدُّعاء، ثُمَّ جاء، فأَخبَرَ به القَومَ: "اللَّهُمَّ! بِعِلمِكَ الغيبَ، وقُدرَتِك على الخَلق

- وساق حديثًا، فيه: - وَأَسألُكَ الرِّضا بعد القضاء".

ومِن هذا الوَجه أخرَجَهُ أبو سَعيدٍ الدَّارِمِيُّ في "الرَّد على الجَهمِيَّة"(188)، وعبدُ الله بنُ أحمد في "السُّنَّة"(466)، وابنُ نصرٍ في "قيام اللَّيل"(ص 246)، وابن خُزَيمَة في "التَّوحيد"(1/ 29 - 35)، وابنُ مَندَهْ في "الإيمان"(86)، والبَيهَقِيُّ في "الأسماء والصِّفات" (ص:120).

وهذا سندٌ صحيحٌ. وحَمَّادُ بنُ زيدٍ مِمَّن سَمِعَ مِن عطاء بن السَّائِب قبل الاختِلاط، ولذلك صحَّحَهُ الحاكِمُ، ووافَقَهُ الذَّهبيُّ.

ص: 335

وله شاهدٌ من حديث زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه ..

أخرَجَهُ أحمدُ (5/ 191)، والحاكمُ (1/ 516 - 517) من طريق أبي بكرٍ ابن أبي مَريَم، ثنا ضَمرَةُ بن حبيبٍ، عن أبي الدَّرداء، عن زيد بن ثابتٍ، أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ دُعاء، وأَمَرَهُ أن يَتَعَاهَدَ به أهلَه كُلَّ يَومٍ، قال: "قُل كُلَّ يومٍ حين تُصبِح: لَبَّيكَ اللَّهُمَّ! لَبَّيكَ، وسَعدَيكَ، والخَيرُ في يَدَيك، ومِنكَ، وَبِكَ، وَإِلَيك

- ثُمَّ ساق دُعاءً، فيه: - أسألكَ الرِّضا بعدَ القَضَاء، وبَردَ العَيشِ بعد المَمَات، ولَذَّة النَّظَر إلى وجهك، وَشَوقًا إلى لِقَائِك، مِن غير ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، ولا فِتنهٍ مُضِلَّةٍ، .. - وسَاق دُعاءً - ".

وأخرَجَهُ ابن أبي عاصمٍ في "السُّنَّة"(426)، من طريق أبي بكرٍ ابن أبي مَريَم بهذا الإسناد مُختصَرًا.

قال الحاكِمُ: "صحيح الإسناد"، فرَدَّه الذَّهبِيُّ بقوله:"أبو بكرٍ ضعيفٌ، فأين الصِّحَّة؟! ".

وله شاهدٌ من حديث فَضَالَة بنِ عُبَيدٍ رضي الله عنه ..

أخرَجَهُ ابنُ أبي عاصم في "السُّنَّة"(427) من طريق ابن حَلبَسٍ يونُسَ بنِ مَيسَرة، عن أُمِّ الدَّرداء، أن فَضَالة بنَ عُبيدٍ كان يَقولُ:"اللَّهُمَّ! إنِّي أَسأَلكَ الرِّضا بعد القضاء، وبَرْدَ العيش بعد المَوتِ، ولَذَّة النَّظر إلى وجهك، والشَّوقَ إلى لقائك، من غير ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، ولا فِتنَةٍ مُضِلَّةٍ"، وزَعَمَ أنَّها دَعَوَاتٌ، كان يَدعُو بها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.

وسَنَدُه صحيحٌ.

ص: 336

216 -

سُئلتُ عن حديث: "طُوبَى لِمَن هُدِيَ إِلَى الإِسلَامِ، وَكانَ عَيشُهُ كفَافًا، وَقَنَعَ بِهِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَه التِّرمذيُّ (2349)، وأحمدُ (6/ 19)، وابن المُبارَك في "الزُّهد"(553)، وابنُ حِبَّانَ (2/ 61/ 694)، وابنُ شاهين في "التَّرغيب"(304/ 2)، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 18/ رقم 786، 787)، والحاكمُ (1/ 34 - 35)، والقُضَاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(616، 617)، والأَصبَهَانِيُّ في "التَّرغيب"(2275) من طريق حُميد بن هانئٍ أبي هانئٍ الخَوْلَانيِّ، عن عَمرِو بن مالكٍ الجَنْبِيِّ، أنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بن عُبيدٍ فذَكَرَه مرفُوعًا.

قال التِّرمذِيُّ: " هذا حديث حسن صحيح ".

وقال الحاكِمُ: "صحيح على شرط مُسلِمٍ"، ووافَقَهُ الذَّهبِيُّ!

والصَّواب أنَّهُ صحيحٌ فقط؛ لأنَّ مُسلِمًا لَم يُخَرِّج لعَمرِو بن مالكٍ شيئًا. واللّهُ أعلَمُ.

ص: 337

217 -

سُئلتُ عن حديث: "قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ، وَرُزقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ".

* قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ مُسلِمٌ (1054/ 125)، وأبو نُعيمٍ في "المُستَخرَج"(2349)، عن أبي بكرٍ بن أبي شيبة ..

وأحمدُ (2/ 168)، وفي "الزُّهد"(ص 8) ..

وعَبْدُ بنُ حُميدٍ في "المُنتخَب"(341) ..

والحاكمُ (4/ 123) عن أبي يحيى ابنِ أبي مَسرَّة ..

والطَّبرانِيُّ في "الكبير"(ج 13/ رقم 44 - قطعةٌ منه) قال: حدَّثَنا هارُون بن ملُّول ..

والبَيهَقِيُّ في "الكُبرى"(4/ 196)، وفي "الأربَعُون الصُّغرَى"(55) عن خُشْنَامَ بنِ الصِّدِّيق ..

وابنُ الأعرابِيَ في "الزُّهد"(93)، والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(10345)، وفي "الآداب"(1085) عن محُمَّد بن إسماعيل الصَّائِغِ ..

والأَصبَهانِيُّ في "التَرغيب"(2324) عن أحمدَ بن عَبْدَكَ ..

والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(14/ 245) عن مُحمَّد بن عبد الله بن يزيد المُقرِئ، قالُوا جميعًا: ثنا عبدُ الله بن يزيدَ المُقرِئُ، ثنا سعيدُ بن

ص: 338

أبي أيُّوبَ، حدَّثَني شُرَحبِيلُ بنُ شريكٍ، عن أبي عبدِ الرَّحمن الحُيُليِّ، عن عبدِ الله بن عَمْرٍ رضي الله عنهما مرفُوعًا.

قال الحاكمُ: "صحيحٌ على شرط الشَّيخين" كذا قال! واستِدرَاكُه على مُسلِمٍ وَهَمٌ؛ فقد أخرَجَه كما ترى. ثُمَّ ليس هُو على شَرط البُخاريِّ؛ لأنَّهُ لم يُخَرِّج شيئًا في "صَحيحه" لشُرَحبِيلَ بنِ شريكٍ، كما بَيَّنتُهُ في "تنبيه الهَاجِد"(1664).

وتُوبع سعيدُ بنُ أبي أيُّوب.

تابَعَهُ عبدُ الله بنُ لهِيعَة، فرواه عن شُرَحبِيلَ بنِ شريكٍ بهذا.

أخرَجَهُ أحمدُ (2/ 172 - 173) قال: حدَّثَنا يحيى بنُ إسحاقَ ..

والطَّبَرَانِيُّ في "الكبير"(ج 13/ رقم 44 - قطعةٌ منه) عن سعيد بن أبي مَريَم، قالا: ثنا ابنُ لَهِيعَة بهذا.

وخالَفَهُما محُمَّدُ بنُ رُمْحٍ، قال: حدَّثَنا ابنُ لهَيعَة، عن عُبيد الله بن أبي جَعفرٍ، وحُميدِ بن هانئٍ الخَوْلَانِيِّ، أنَّهما سمِعَا أبا عبدِ الرَّحمن الحُيُليَّ يُخبِرُ، عن عبدِ الله بن عَمرٍو مرفُوعًا:"قَد أَفلَحَ من هُدي إلى الإِسلامِ، ورُزِق الكَفَاف، وقُنِّع به".

أخرَجَهُ ابنُ ماجَهْ (4138).

وهذا مِن تَخلِيطِ ابن لَهِيعَة.

فقد خَالَفَهُ جمعٌ، فرَوَوهُ عن حُميد بن هانئٍ، عن أبي علي عَمرِو بن مالكٍ الجَنْبِيِّ، أنَّه سَمِع فَضالَة بنَ عُبيدٍ مرفُوعًا:"طُوبَى لمن هُدِي إلى الإِسلامِ، وكان عَيشُه كَفافًا، وقُنِّع به".

ص: 339

أخرَجَهُ أحمدُ (6/ 19)، وفي "الزُّهد"(ص 8 - 9) ..

والتِّرمِذِيُّ (2349) قال: حدَّثَنا العبَّاسُ الدُّورِيُّ ..

وابنُ السُّنِّيِّ في "القَناعة"(3) عن يَحيىَ بن عبدك ..

وابنُ حِبَان (705) عن نَصر بن عِليٍّ ..

والطَّبَرَانِيُّ في "الكبير" ج 18/ رقم 786)، ومن طريقه الضِّيَاءُ في "حديث أبي عبدِ الرَّحمن المُقرِئِ"(48)، والحاكمُ (1/ 24 - 25) عن بِشرِ بن مُوسَى ..

والحاكمُ أيضًا (1/ 24 - 25) عن السَّرِيِّ بن خُزيمَةَ ..

والأَصبَهَانِيُّ في "التَّرغيب"(2775) عن محُمَّد بن عاصمٍ، قالُوا: ثنا عبدُ الله بن يزيدَ المُقرِئُ، ثنا حَيْوَةُ بنُ شريحٍ، قال: أخبَرَني حُميدُ بنُ هانئٍ بهذا.

وكذلك رواه عبدُ الله بنُ المُبارَك، قال: أخبَرَني حُميدُ بن هانئٍ بهذا الإسناد.

أخرَجَهُ النَسَائِيُّ في "كتاب الرِّقَاق" - كما في "إتحاف المَهَرة"(8/ 261) -، والقُضاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(616)، عن ابن المُبارَك - وهذا في "الزُّهد"(553) -.

وكذلك رواه عبدُ الله بن يَحيَى المَعَافِرِيُّ، عن حَيْوَةَ بن شُريحٍ بهذا.

أخرَجَهُ ابنُ السُّنِّيُّ في "القَناعة"(2) قال: حدَّثَنا أحمدُ بنُ عيسَى الصَّدفِيُّ، ثنا محُمَّدُ بنُ مَيمُون الفَخَّارِيُّ، ثنا عبدُ الله بنُ يحيى المَعافِرِيُّ بهذا.

ص: 340

وتُوبع حَيوَةُ بنُ شُريحٍ.

تابَعَهُ عبدُ الله بنُ وَهبٍ، قال: أخبَرَني أبو هانئٍ حُميدُ بنُ هانئٍ بهذا.

أخرَجَهُ أبو عَوَانة في "المُستخرَج" - كما في "إتحاف المَهَرة"(12/ 662) -، قال: حدَّثَنا يُونُسُ بنُ عبد الأعلى ..

وابنُ السُّنِّيِّ في "القَنَاعة"(1)، والطَّبَرَانِيُّ في "الكبير"(ج 18/ رقم 787) عن أحمدَ بن عيسَى المِصرِيِّ ..

والطَّبَرانِيُّ أيضا (787) عن أحمدَ بن صالحٍ ..

وابنُ شاهينَ في "التَّرغيب"(304/ 2)، والقُضاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(617) عن أحمدَ بن عبد الرَّحمن بن وهبٍ ..

والحاكمُ في "الأطعِمَة"(4/ 122 - المُستدرَك) عن بَحر بن نَصرٍ، قالُوا: ثنا عبدُ الله بنُ وَهبٍ بهذا الإسناد.

قال الحاكمُ: "صحيحُ الإسناد"، وهو كما قال.

فقد رأيتَ أنَّ ابنَ وهبٍ، وحَيْوَةَ بَن شُريحٍ خالَفَا ابنَ لَهِيعَة في إسنادِهِ، وهو لا يُقارَن بواحدٍ مِنهُما.

ثُمَّ يبدُو لي أنَّه لَفَّقَ لفظَ الحَدِيثَين. والله أعلم.

وتُوبع أبو عبد الرَّحمن الحُبُلِيُّ ..

تابَعَهُ عبدُ الرَّحمن بنُ سَلَمة، عن عبد الله بن عَمرٍو مرفُوعًا، لكنه قال:"وصبر على ذلك"، بدل:"وقنَّعهُ الله بما آتاه".

أخرجَهُ البُخاريُّ في "التَّاريخ الكبير"(3/ 1/ 290) مُعلَّقًا. ووَصَلَهُ ابنُ حِبَّانَ (670)، وابنُ عساكر في "تاريخ دمشقَ"(36/ 275) عن

ص: 341

الوَلِيد بن مَزْيَدٍ ..

ويعقُوبُ بن سُفيان في "التَّاريخ"(2/ 523)، والطَّبَرانيُّ في "الأوسَط"(4670)، وفي "مُسنَد الشَّاميِّين"(330)، والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(9723، 10346)، وأبو نُعَيم في "الحِليَة"(6/ 129)، والخطيبُ في "المُتَّفِق والمُفترِق"(3/ 1513)، وابنُ عساكر في "تاريخ دِمشقَ"(36/ 275) عن يَحيَى بن صالحٍ الوُحَاظِيِّ، قالا: ثنا سعيدُ بنُ عبد العَزِيز، عن عبدِ الرَّحمن بن سَلَمة، عن عبدِ الله بن عَمْرٍو مرفُوعًا.

وسعيدُ بنُ عبد العَزِيز أحدُ الأَئِمَّة. قال أبو مُسْهِرٍ، وأبو داوُد أنَّه تغيَّر قبل مَوتِه.

• قلتُ: وهذا لا يضُرُّه؛ لأنَّ زَمَنَهُ لم يَطُل، ولذلك لم يتكَلَّم أحدٌ من أهلِ العِلم عن هذا، بل أجمَعُوا على جَلَالَته وحِفظِه. وهذا النَّسائِيُّ مع تشدُّدِه يقُولُ:"ثقةٌ ثبتٌ". ويقُولُ أحمدُ: "هو والأوزَاعِيُّ عندي سواءٌ"، ولو كان حَدَّث في الاختِلَاط مُدَّةً لَكَثُرَت أوهامُهُ، وشاع الكلامُ عنه - وإنَّما قلتُ ذلك لأنَّني لمَّا أجبتُ عن هذا الحديثِ في "مجَلَّة التَّوحيد" قديمًا قُلتُ: ثقةٌ، كان اختَلَطَ. وهو حكمٌ غيرُ دقيقٍ، فصحَّحتُهُ هنا. والحمدُ لله -.

وأخرَجَهُ الطَبَرَانِيُّ في "مُسنَد الشَّامِيِّين"(1878)، وابنُ شاهِين في "التَّرغيب"(275/ 7)، وابن عساكِر (36/ 274، 275) من طرِيقَين عن عبدِ الرَّحمن بن سَلَمة بهذا.

وقال أبو نُعيمٍ: "غريبٌ من حديث سعيدٍ، عن عبد الرَّحمن".

ص: 342

وعبدُ الرَّحمن هذا تَرجَمَهُ البُخاريُّ في مَوضِع الحديث كما مَرَّ، وابن أبي حاتِمٍ (2/ 2/ 240 - 241)، ولم يَذكُرَا فيه شيئًا. ونقل ابن عساكر، عن ابن خراشٍ، قال:"لم نَعرِفه".

فالصَّحيحُ في لفظ الحديث: "وَقَنَّعه اللهُ بما آتَاهُ"، وليس:"وَصَبَر على ذَلِك".

واللهُ أعلَمُ.

ص: 343

218 -

سُئلتُ عن حديث: "إِنَّ أَكثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيكُم مَا يُخرِجُ اللهُ لَكُم مِن بَرَكَاتِ الأَرضِ. وَإِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلوَةٌ".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ البُخاريُّ (2/ 402 مُختصَرًا، و 3/ 327، و 6/ 48، و 11/ 244)، ومُسلِمٌ (1052)، والنَّسائِيُّ (5/ 90 - 91)، وأحمدُ (3/ 21، 91)، وعبدُ الرَّزَّاق في "المُصنَّف"(11/ 96)، والطَّيَالِسِيُّ في "مُسنَده"(2180)، وأبو يَعلَى (ج 2/ رقم 1242)، وابن حِبَّانَ (ج 8/ رقم 3225، 3227)، والبَيهَقِيُّ (3/ 198)، وفي "الأربعون الصُّغرَى"(60)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(14/ 253) من طَرِيقَين عن عطاء بن يَسَارٍ، عن أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ مرفُوعًا، وساق حديثًا طويلًا.

وتُوبعَ عطاءٌ ..

تابَعَهُ عِياضُ بنُ عبد الله بنِ سعدٍ، عن أبي سعيدٍ مرفُوعًا نحوه.

أخرَجَهُ مُسلِم (1052/ 121)، وابنُ ماجَهْ (3995)، وأحمدُ (3/ 7)، والحُمَيدِيُّ في "مُسنَده"(740)، وابنُ حِبَّانَ (3226).

ص: 344

219 -

سُئلتُ عن حديث: "مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ لَهُ فِي رِزقِهِ، وَيُنسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِل رَحِمَهُ".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ البُخاريُّ (4/ 301، و 10/ 415)، وفي "الأدب المُفرَد"(56)، ومُسلِم (2557/ 25 - 21)، وأبو داوُد (1693)، والنَّسائِيُّ في "الكُبرَى" - كما في "أطراف المِزِّيِّ"(1/ 397) -، وأحمد (3/ 247)، والخرائِطِيُّ في "مكارم الأخلاق"(254، 255)، والبَيهَقِيُّ (7/ 27)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(13/ 18 - 19) من طريق الزُّهرِيِّ، عن أنَسٍ مرفُوعًا.

وله طرق أُخرَى عن أنسٍ، وشواهدُ عن جماعةٍ من الصَّحابة رضي الله عنهم.

ص: 345

220 -

سُئلتُ عن حديث: "مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِالْعَفُوِ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ عز وجل".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخْرَجَهُ مُسلِمٌ (2588/ 69)، والدَّارِمِيُّ (1/ 396)، وأحمدُ (2/ 386)، وابنْ خُزَيمَةَ (2438)، والبَيْهَقِيُّ (4/ 187)، والخطيبُ في "التَّلخيص"(110/ 1)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(6/ 132 - 133) مِن طريق إِسماعيلَ بن جعفرٍ، ثنا العلاءُ بنُ عبد الرَّحمن، عن أبيه، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا فذَكَره.

ص: 346

221 -

سُئلتُ عن حديث: "مَن أَنظَرَ مُعسِرًا، أَو وَضَعَ عَنهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَومَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ مُسلِمٌ (3006/ 74) مُطَوَّلًا، والبُخاريُّ في "الأَدب المُفرَد"(187)، والحاكمُ (2/ 28 - 29)، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 19/ رقم 379)، والبَيهَقِيُّ (5/ 357)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(2/ 19 - 20)، والقُضَاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(462) من طريق عُبادةَ بن الوَليد بن عُبادَةَ بن الصَّامت، عن أبي اليَسَر مرفُوعًا.

وأخرَجَهُ أحمدُ (3/ 427)، والطَّبَرانيُّ في "الكَبير"(ج 19/ رقم 372)، والدُّولَابِيُّ في "الكُنَى"(1/ 62)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(8/ 198)، والقُضَاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(460، 461) من طريق عبد المَلِك بن عُمَير، عن رِبعِيِّ بن حِرَاشٍ، عن أبي اليَسَر مرفُوعًا.

ص: 347

222 -

سُئلتُ عن حديث: "أَمِيرَانِ، وَلَيسَا بِأَمِيرَينِ: المَرأَةُ تَحُجُّ مَعَ القَومٍ، فَتَحِيضُ قَبلَ أَن تَطُوفَ بِالبَيتِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، فَلَيسَ لِأصحَابِهَا أَن يَنفِرُوا حَتَّى يَستَأذِنُوهَا، وَالرَّجُلُ يَتبَعُ الجِنَازَةَ، فَيُصَلِّي عَلَيهَا، فَلَيسَ لَهُ أَن يَرجعَ حَتَّى يَستَأمِرَ أَهلَ الجِنَازَةِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا.

أخرَجَهُ البَزَّارُ (795 - زوائد ابن حجر) قال: حدَّثَنا أحمدُ بن داوُد الكُوفيُّ، ثنا أحمدُ بنُ عبد الغَفَّار، ثنا الأَعمَشُ، عن أبي سُفيان، عن جابرٍ مرفُوعًا فذَكَرَه.

قال البَزَّارُ: "لا نَعلَمُه بهذا اللَّفظ من وجهٍ أَحسَنَ مِن هذا، على أن الأعمشَ لم يَسمَع مِن أبي سُفيان، وقد رَوَى عنه نحوَ مئةِ حديثٍ. ولا رَوَى هذا عن الأعمش غيرُ عبد الغَفَّار".

• قلتُ: كذا وَقَع في الإسناد: "أحمدُ بنُ عبد الغَفَّار"، وفي نقد البَزَّارِ:"عبد الغَفَّار"، والصَّوابُ أنَّه:"عَمرُو بنُ عبد الغَفَّار"؛ فقد ذَكَر الذَّهبيُّ في "الميزان"(3/ 272) هذا الحديثَ، ونَقَلَه مِن "مُسنَد البَزَّار" في ترجمة عَمرٍو، ثُمَّ أَعقَبَهُ بقولِه:"تَفَرَّد به عَمرٌو. وعَمرو مُتَّهَمٌ"، وقد تَرَكَه ابنُ المَدِينِيِّ، وأبُو حاتِمٍ، وقال ابنُ عَديٍّ:"اتُّهِمَ بِوَضعِ الحديث".

ص: 348

ثُمَّ وقفتُ علَى الحديث في "أخبار أصبهان"(2/ 88) لأبي نُعيمٍ، فرأَيتُه يروِيه من طريق أحمدَ بن أبي داوُد الحَنَّاطِ، ثنا عَمرُو بنُ عبد الغَفَّار، عن الأَعمَش، بِهَذَا الإسناد سواء.

فثَبَتَ ما ظَهَر لي، والحمدُ لله.

وهذا الإسناد ضعيفٌ جدًّا.

على أن البَزَّار قد أَظهَر له علَّةً، فقال:"الأعمشُ لَم يَسمَع مِن أبي سُفيان"، فتَعَقَّبه الهَيثَمِيُّ بقوله:"عَجِبتُ مِن قوله: لَم يَسمَع الأعمشُ مِن أبي سُفيان! ".

وسِرُّ تَعَجُّب الهَيثَمِيِّ مِن قول البَزَّار أنَّه قَد ثَبَتَ سَمَاعُ الأعمش مِن أبي سُفيان - واسمُه: طَلحةُ بنُ نافع -.

وقد وَقَعَ هذا السَّماعُ في "صحيح البُخاري"، فأخرَجَ البُخاريُّ في "كتاب الأشربة" (10/ 70) قال: حدَّثَنا قُتيبةُ، حدَّثَنا جَرِيرٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، وأبي سُفيان، عن جابرٍ، قال: جاء أبو حُميدٍ بقَدَحِ لَبَنٍ مِنَ النَّقِيع، فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم:"أَلا خَمَّرتَهُ، ولَو أَن تَعرِضَ عليه بِعُودٍ".

وأخرَجَهُ مُسلِمٌ في "الأشربة"(2011/ 95) قال: حدَّثَنا عُثمانُ بن أبي شَيبَةَ، ثنا جَريرٌ مِثلَه.

ثُمَّ أخرَجَه البُخاريُّ عَقِبَهُ، مِن طريق حَفص بن غِيَاثٍ، عن الأعمش، قال: حدَّثَني أبو سُفيان، عن جابرٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذا.

وقد أخرج الشَّيخانِ معًا حديثَ الأعمشِ، عن أبي سُفيانَ، عن جابرٍ

ص: 349

مرفُوعًا: "اهتَزَّ عَرشُ الرَّحمن لِمَوتِ سعد بن مُعاذٍ".

وقد قَرَنَ البُخاريُّ رواية أبي سُفيان برواية أبي صالحٍ، في هَذَين الحَدِيثَين.

ولَم يَروِ البُخاريُّ شيئًا للأعمشِ عن أبي سُفيان غيرَ هذين الحديثين، ورِوَايَتُهُ في الموضعين مَقرُونَةٌ برواية أبي صالحٍ.

أمَّا مُسلِمٌ، فأخرَجَ نحوَ ثلاثين حديثًا لهذه التَّرجمة:"الأعمش عن أبي سُفيان".

ولَعلَّ البَزَّارَ أرادَ أن الأعمش لم يَسمَع مِن أبي سُفيانَ هذا الحديثَ، وهذا سائغٌ، لو أراده البَزَّارُ؛ وذلك لأنَّ الأعمَشَ مُدَلِّسٌ، وقَد عَنعَنَهُ. والله أعلم.

وقد وَجَدتُ له شاهدًا من حديث أبي هُريرَة رضي الله عنه مرفوعًا مِثلَه.

أخرَجَهُ العُقيليُّ في "الضُّعَفاء"(3/ 287) في ترجمة "عَمرِو بن عبد الجَبَّار السِّنجَارِيِّ" من طريقه، عن أبي شِهابٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المُسَيَّب، عن أبي هُريرَة.

وقال العُقيليُّ: "عَمرُو بنُ عبد الجَبَّار لا يُتابَع على حدِيثِه".

وذَكَرَ الذَّهَبيُّ في "الميزان"(3/ 272) أن السِّنْجَارِيَّ هذا سَرَقَ هذا الحديثَ من عَمرِو بن عبد الجَبَّار الفُقَيمِيِّ، أو سَرَقَهُ الفُقَيمِيُّ مِنهُ.

وقد قال العُقيليُّ عَقِب الحديث: "هَذَا يُروَى بإسنادٍ مُعَلٍّ".

ولَعلَّه يُشِيرُ إلى حديثِ الفُقَيمِيِّ الذي مرَّ ذِكرُه، أو يَقصِدُ ما ذَكَرَهُ الدَّارَقُطنيُّ في "العِلل"(2207)، ومِن طريقه ابنُ الجوزِيِّ في "الواهيات"

ص: 350

(943)

مِن طريق الحَسَن بن عُمارةَ، عن الحَكَم - أو عَديِّ بن ثابتٍ -، عن أبي حازمٍ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا فذَكَرَه.

والحَسَنُ بن عُمارةَ متروكٌ.

وذَكَرَ الدَّارَقُطنِيُّ أن لَيثَ بن أبي سُليمٍ يرويه عن طَلحَة بن مُصَرِّف، عن أبي حازمٍ، عن أبي هُريرَة، قولَه موقُوفًا عليه.

قال الدَّارَقُطنِيُّ: "ولا يَثبُتُ مرفوعًا".

ص: 351

223 -

سُئلتُ عن حديث: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنه كَانَت تَستَحِبُّ التَّزوِيجَ فِي شَوَّالٍ.

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَه مسلمٌ في "النِّكاح"(1423/ 73)، وأبو عَوَانةَ في "المستخرَج"(4275)، وابنُ ماجَهْ (1990)، وأحمدُ (6/ 206)، وابنُ جريرٍ في "تاريخه"(2/ 400)، وابنُ سعدٍ في "الطَّبقات"(8/ 59)، وأبو نُعيمٍ الأصبَهانِيُّ في "المستخرَج على مسلمٍ"(3314)، والآجُرِّيُّ في "الشَّريعة"(1881)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(9/ 36) عن وكيع بن الجرَّاح .. والنَّسائِيُّ (6/ 70)، وابنُ ماجَهْ (1990)، والتِّرمِذيُّ (1093)، وأحمدُ (6/ 54)، وابنُ جريرٍ في "تاريخه"(2/ 399) عن يحيى القطَّان ..

وعبدُ بنُ حُمَيدٍ في "المنتخَب"(1508)، وإسحاقُ بنُ راهَوَيه في "المسنَد"(802/ 259)، وابنُ سعدٍ في "الطَّبَقات"(8/ 60)، وأبو عمرٍو السَّمَرقَندِيُّ في "الفوائد المنتقاة"(63 - بتحقيقي)، والطَّبَرَانيُّ في "الكبير"(ج 23/ رقم 68) عن أبي نُعيمٍ الفضل بن دُكَينٍ .. وعبدُ الرَّزَّاق في "المصنَّف"(6/ 190)، ومن طريقه الطَّبرانِيُّ (23/ رقم 68) ..

والدَّارِميُّ (2/ 68 - 69)، وأبو عَوانَة (4273) عن عبيد الله بن موسى ..

ص: 352

وابنُ سعدٍ (8/ 60)، وأبو نُعيمٍ في "المستَخرَج"(3315) عن أبي أحمد الزُّبيرِيِّ مُحمَّد بن عبد الله الأسَدِيِّ ..

وأبو عَوانَةَ (4272، 4274، 4275، 4276) عن عبد الرَّحمن بن مهدِيٍّ، ومحُمَّد بن يوسف الفِريابِيِّ، وعبدِ الملك بن عبد الرَّحمن الذِّمَارِيِّ، وقَبيصَةَ بن عُقبةَ، وشاذانَ ..

وإسحاقُ بنُ راهَوَيه في "المسنَد"(724/ 181) قال: أخبَرَنا يحيى بنُ آدمَ ..

وابنُ سعد في "الطَّبقات"(8/ 60) قال: أخبَرَنا أبو عاصمٍ النَّبيل ..

والعِجِليُّ في "الثِّقات"(2/ 456) عن أبي داوُد الحفْرِيِّ ..

والبَيهَقِيُّ (7/ 290) عن مُحمَّد بن كثيرٍ، قالوا - وعُدَّتُهم خمسة عشر نفسًا -: ثنا الثَّورِيُّ، ثنا إسماعيلُ بنُ أُمَيَّة، عن عبد الله بن عُروَةَ، عن أبيه، عن عائِشة، قالت:"تزَوَّجَني رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في شَوَّال، وأُدخِلتُ عليه في شَوَّال، فمَن كان أحظَى عنده مِنِّي؟! "، وكانت عائشةُ تَستَحِبُّ أن تُدخِل نساءها في شوَّال.

قال ابنُ سعدٍ: "وقال أبو عاصمٍ: إنَّما كره النَّاس أن يُدخِلوا النِّساء في شوَّال لطاعونٍ وقع في شوَّال في الزَّمن الأوَّل. قال أبو عاصمٍ: وأخبَرَنا سفيانُ هذا الحديث سنة ستٍّ وأربعين ومئةٍ بمكَّة في دار الحَسَن بن وهبٍ الجُمَحِيِّ".

وأخرجه مسلمٌ (1423/ 73) عن عبد الله بن نُمَيرٍ ..

والنَّسائِيُّ (6/ 130) قال: أخبَرَنا إسحاقُ بنُ إبراهيم - هو ابن راهَوَيه.

ص: 353

وهذا في "مُسنَده"(723/ 180) - قال: أخبَرَنا وكيعٌ ..

وأبو زُرعَةَ الدِّمَشقِيُّ في "تاريخه"(1289) قال: حدَّثَنا أبو نُعَيمٍ ..

وابنُ حِبَّان (4058) عن عبد الرَّحمن بن مَهدِيٍّ ..

وأبو نُعيمٍ في "معرفة الصَّحابة"(7382) عن أبي داوُد الحَفرِيِّ عمر بن سعدٍ، قالوا: ثنا الثَّورِيُّ بهذا الإسناد، دون فِعل عائشة.

ويبدو أن الثَّورِيَّ كان يذكُر هذه الزِّيادَة مرَّةً، ويُمسِكُ عن ذِكرِها أُخرى؛ لأنَّ الذين رَوَوه عنه بدونها هُم الذين ذَكَرُوها عنه، كما تقدَّم في التَّخريج. والله أعلم.

قال التِّرمِذِيُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، لا نعرفه إلَّا من حديث الثَّورِيِّ، عن إسماعيل".

وللحديث طُرُقٌ أخرى ذكرتُها في تخريجي على "الفوائد المنتقاة"(63) لأبي عمرٍو السَّمَرقَندِيِّ. والحمدُ لله.

لكنْ أَزيدُ هنا فوائدَ ..

فقد رواه هشامُ بنُ عُروةَ، عن أبيه، عن عائشة مثله.

أخرَجَه الدَّارقُطنِيُّ في "الأفراد" - كما في "أطراف الغرائب"(6033) -، من طريق المبارَك بن مجاهِدٍ، عن هشام بن عُروةَ بهذا.

قال الدَّارَقطنِيُّ: "غريبٌ من حديث هشامٍ، عن أبيه. تفرَّد به: المبارَكُ بنُ مجاهِدٍ، عنه".

كذا قال! وقد رواه زيدُ بنُ أبي بكرٍ، عن هشام بن عُروَةَ، عن أبيه، عن عائشة، قالت: تزوَّجَني رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في شوَّال، وابتَنَى بي فيه.

ص: 354

أخرَجَه الخطيبُ (4/ 344) في ترجمة أحمدَ بن الفُراتِ الدَّعَّاءِ، من طريقه، قال: حدَّثَنا خُنَيسُ بنُ بكر بن خُنَيسٍ، أخبَرَنا زيدُ بنُ أبي بكرٍ، عن هشام بن عُروة بهذا.

وخُنَيسٌ هذا ضعَّفه صالحٌ جزرةُ الحافظُ.

وزَيدٌ هذا، يُنظَر مَن هو.

أمَّا المبارَكُ بنُ مجاهِدٍ فقال أبو حاتمٍ: "ما أرَى بحديثِه بأسًا". قال الذَّهَبِيُّ: "وضعَّفَه قُتَيبةُ وغيرُه. ولم يُترَك" انتهى.

ولكنِّي لا أعرف: أصحَّ الإسنادُ إليه أم لا؟

ويَروِي هذا الحديثَ أيضًا: القاسمُ، عن عائشةَ.

أخرجه ابنُ عَدِي في "الكامل"(5/ 1881) قال: حدَّثَنا: مُحمَّدُ بنُ يحيى بن سُليمان، قال: ثنا سعيدُ بنُ سُليمان، عن عيسى بن ميمُونَ مولَى القاسم بن مُحمَّدٍ، قال: ثنا القاسمُ، عن عائشة بتمامِهِ.

وعيسَى بن مَيمون تَرَكه غيرُ واحدٍ من النُّقَّاد.

ثمَّ وقفتُ له على متابِعٍ ..

تابَعَهُ سعدُ بنُ إبراهيمَ، فروَاه عن القاسمِ بن مُحمَّدٍ بهذا، وزاد: تزوَّجَني رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنتُ سِتِّ سنين، وبَنَى بي وأنا بنتُ تسع سنين، وبنَى بي في شوَّال.

أخرجه الطَّبَرانِيُّ في "الكبير"(ج 23/ رقم 69) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ عبد الله الحَضرَمِيُّ، ثنا الحَسَنُ بنُ سهلٍ الحَنَّاطُ، ثنا مُحمَّدُ بنُ الحسن الأَسَديُّ. (ح) وحدَّثَنا زكريَّا بنُ يحيى السَّاجِيُّ، ثنا عُمرُ بنُ مُحمَّد بن

ص: 355

الحَسَن، ثنا سُفيانُ، عن سعد بن إبراهيمَ بهذا.

• قلتُ: كذا وَقَعَ الإسنادُ في مطبُوعة "المعجَم الكبير": "عُمرُ بنُ مُحمَّد بن الحَسَن، ثنا سفيانُ"، وقد وقع فيه سقطٌ، صوابه عِندي:"عمرُ بنُ مُحمَّد بن الحسَنَ، ثنا أبي، ثنا سفيان"؛ فإنَّ عُمَر بن مُحمَّد لم يَلحق الثَّورِيَّ. والله أعلم.

وهذا إسنادٌ صالحٌ، ومحُمَّدُ بنُ الحَسَن هو ابنُ الزُّبير الأَسديُّ، مخُتَلَفٌ فيه، وثَّقَه جماعةٌ، وضعَّفه آخَرون.

والحَسَنُ بنُ سَهلٍ في الإسناد الأوَّل هو الجَعفَرِيُّ، ترجمه ابنُ أبي حاتمٍ (1/ 2/ 17) وقال:"روى عنه أبو زُرْعة"، وهذا يدُلُّ على أنَّه متماسِكٌ في الجُملَة؛ لأنَّ أبا زُرعَة كان إذا وهَّن أمر راوٍ ضرب على حديثِه ولم يقرأه.

وعُمَرُ بنُ مُحمَّد بن الحَسَن صدوقٌ، من شُيوخ البُخارِيِّ. والله أعلم.

وللحديثِ طريقٌ آخرُ ذكرتُهُ في تخريجي على "الفوائد المنتَقاة".

والحمدُ لله تعالى.

ص: 356

224 -

سُئلتُ عن حديث: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ المُحرِمِ يَشتَكي عَينَهُ، فَقَالَ:"يُضَمِّدُهَا بِالصَّبرِ".

وهل معناه أن يَصبِرَ على ما يَجِدُه، أم يَتَدَاوَى؟

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ مُسلِمٌ (1204/ 89)، وأبو داوُد (1838)، والنَّسائِيُّ (5/ 143)، والتِّرمِذِيُّ (952)، والدَّارِمِيُّ (1/ 397)، وأحمدُ (1/ 68، 69)، والحُمَيدِيُّ (34)، والطَّيَالِسِيُّ (85)، وابنُ خُزَيمَة (4/ 186)، وابنُ الجَارُودِ في "المُنتَقَى"(443)، وأبو نُعيمٍ في "الطِّبِّ"(ق 48/ 2)، والبَيهَقِيُّ (5/ 62) من طريق سُفيان بن عُيَينَة، عن أيُّوب بن مُوسَى، عن نُبَيهِ بن وَهبٍ، قال: اشتَكَى عُمَرُ بنُ عُبَيد الله بن مَعمَرٍ عَينَيهِ، فلمَّا أَتَى الرَّوحاءَ اشتَدَّ به، فأَرسَلَ إلى أَبانَ بن عُثمان، فأَرسلَ أَبانُ، أن عُثمان صلى الله عليه وسلم حَدَّث، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّهُ قال:"يُضَمِّدُهَا بالصَّبر".

وتُوبِعَ ابنُ عُيَينة.

تابَعَهُ عبدُ الوارث بن سعيدٍ، ثنا أيُّوبُ بنُ مُوسَى به.

أخرَجَهُ مُسلِمٌ، وأحمدُ (1/ 65).

وقال التِّرمذِيُّ: "هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ".

وليس معنى "الصَّبر" هو ما ذَهَبَ إليه ذِهنُ السَّائل، مِن أنَّه احتمالُ

ص: 357

النَّفسِ الكَدَّ، ولكن "الصَّبِر" - بتَشدِيد الصَّاد، وكَسر البَاءِ المُوَحَّدة، ويَجُوزُ إِسكانُها - هو: دَواءٌ مُرٌّ.

ومعنى: "يُضَمِّدُها" يعني: يُلَطِّخُها، وكذلك يُقَالُ للخِرقَةِ التي يُشدُّ بها العُضو:"ضِمَادٌ"، وأصلُ الضَّمْدِ: هو الشَّدُّ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 358

225 -

سُئلتُ عن حديث: "أَوحَى اللهُ عز وجل إِلَى دَاوُدَ النَّبِيِّ: يَا دَاوُدُ! مَا مِن عَبدٍ يَعتَصِمُ بِي دُونَ خَلقِي، أَعرِفُ ذَلِكَ مِن نِيَّتِهِ، فَتَكِيدُهُ السَّماوَاتُ بِمَن فِيهَا، إِلَّا جَعَلتُ لَهُ مِن بَينِ ذَلِكَ مَخرَجًا، وَمَا مِن عَبدٍ يَعتَصِمُ بِمَخلُوقٍ دُونِي، أَعرِفُ ذَلِكَ مِن نِيَّتِهِ، إِلَّا قَطَعتُ أَسبَابَ السَّماءِ بِينَ يَدَيهِ، وَأَسَختُ الأَرضَ مِن تَحتِ قَدَمَيهِ، وَمَا مِن عَبدٍ يُطِيعُني، إِلَّا وَأَنَا مُعطِيهِ قَبلَ أَن يَسأَلَنِي، وَغَافِرٌ لَهُ قَبلَ أَن يَستَغفِرَنِي".

• قلتُ: هذا حديثٌ موضُوعٌ.

أخرَجَه تَمَّامٌ الرَّازِيُّ في "الفوائد"(1700)، والدَّيلَمِيُّ في "مُسنَد الفِردَوس" - كما في "زَهر الفِردَوس"(496) - مِن طريق هِشام بن يُوسُف، ثنا يُوسفُ بنُ السَّفَرِ، عن الأَوزَاعِيِّ، عن الزُّهرِيِّ، عن عبد الرَّحمن بن كعب بن مالِكٍ، عن أبيه مرفُوعًا فذَكَره.

وهذا سَنَدٌ موضُوعٌ؛ ويُوسُفُ بنُ السَّفَرِ كذَّبَه ابنُ مَعِينٍ، والجُوْزْجَانِيُّ، وقال البَيهَقِيُّ:"هُو في عِداد مَن يَضَعُ الحديث"، وتَرَكَهُ آخرُون مِن النُّقَّاد.

ص: 359

226 -

سُئلتُ عن حديث: "تَقُولُ النَّارُ للمُؤمِنِ يَومَ القِيَامَةِ: جُزْ يَا مُؤمِنُ! فَإِنَّ نُورَكَ أَطفَأَ نَارِي".

• قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.

أخرَجَه أبو نُعيمٍ في "الحِلية"(9/ 329)، والخطيبُ في "تاريخه"(5/ 193 - 194) من طريق مُحمَّد بن جعفرٍ العابدِ ..

وأخرَجَهُ ابنُ عَديٍّ في "الكامل"(6/ 2390)، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 22/ رقم 668)، وعنه أبو نُعيمٍ في "الحِلية"(9/ 329)، والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(1/ 339 - 340) مِن طريق سُلَيم بن مَنصُور بن عَمَّارٍ، كِلَيهِمَا عن مَنصُور بن عَمَّارٍ، عن بَشِير بن طَلحة - وسقط ذِكرُه عند الخطيب -، عن خالد بن دُرَيْكٍ، عن يَعلَى بن مُنْيَةَ مَرفُوعًا.

وهذا سَنَدٌ ضعيفٌ؛ لِضَعفِ مَنصُورٍ، فقال أبو حاتمٍ:"ليس بالقَوِيِّ"، وقال ابنُ عَديٍّ:"مُنكَر الحديث"، وقال العُقيليُّ:"لا يُقيمُ الحديث".

ثُمَّ هو أيضًا مُنقطِعٌ بين خالد بن دُرَيكٍ وَيعلَى بن مُنْيَةَ، كما صرَّح بذلك السَّخاوِيُّ في "المقاصد الحَسَنة"(ص 160).

وقال ابنُ رجبٍ في "التَّخويف من النَّار"(ص 202): "غريبٌ، وفيه نَكَارَةٌ".

وقال ابنُ كَثيرٍ في "النِّهاية"(2/ 93): "هذا حديثٌ غريبٌ جدًّا".

ص: 360

227 -

سُئلتُ عن حديث: "أَحسَابُ أَهلِ الدُّنيَا هَذَا المَالُ".

• قلتُ: هذا حديثٌ حَسَنٌ على شرط مُسلِمٍ.

أخرَجَهُ النَّسائيُّ (6/ 64)، والدَّارَقُطنِيُّ في "الجُزء الثَّالث والعشرين مِن حديث أبي الطَّاهر الذُّهْلِيِّ"(159) من طريق أبي تُمَيْلَةَ يحيى بن واضحٍ ..

وأخرَجَهُ أحمدُ (5/ 353)، وابنُ حِبَّانَ (2/ 474)، والحاكمُ (2/ 163)، وابنُ أبي عاصمٍ في "الزُّهد"(228)، والخطيبُ في "تاريخه"(1/ 318)، والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(7/ 281)، والقُضَاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(982)، والدَّارَقُطنِيُّ في "الجُزء الثَّالث والعِشرين من حديث أبي الطَّاهر الذُّهليِّ"(159) من طريق زيد بن الحُباب ..

وأخرَجَهُ أحمدُ (5/ 361)، والدَّارَقُطنِيُّ في "سُنَنه"(3/ 304)، والبَيهَقِيُّ (7/ 280 - 281) من طريق الحَسَنِ بن عليِّ بن شقيقٍ، ثَلاثَتُهُم عن الحُسين بن واقدٍ، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن أبيه مرفُوعًا.

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشَّيخين"، ووافقه الذَّهَبيُّ!

والصَّواب أنَّهُ على شرط مُسلِمٍ.

ص: 361

228 -

سُئلتُ عن حديث: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124]، قَالَ:"لَا طَاعَةَ إِلَّا فِي المَعرُوفِ".

• قلتُ: أَمَّا ذكرُ الآية فيه فَمُنكَرٌ.

وقد أَخرَجَهُ ابن مَردَوَيهِ في "تفسيره" - كما ذكر ابنُ كثيرٍ - مِن طَريق سُليمِ بن سَعيدٍ الدَّامَغَانِيِّ، ثنا وكيعٌ، عن الأعمشِ، عن سَعدِ بن عُبيدةَ، عن أبي عبد الرَّحمن السُّلَمِيِّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

• قلتُ: كذا رَوَاهُ الدَّامَغَانِيُّ.

وقد خَالَفَهُ الثِّقاتُ مِن أصحاب وكيعٍ فرَوَوهُ عنه، عن الأعمش، عن سعدِ بن عُبيدةَ، عن أبي عبد الرَّحمن السُّلَمِيِّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: بَعَثَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، واستَعمَلَ عليهِم رَجُلًا من الأنصار، - قال: - فلَمَّا خَرَجُوا، وَجَدَ عَلَيهِم في شيءٍ، فقال لهم:"أَلَيسَ قد أَمَرَكُم رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَن تُطِيعُونِي؟ "، قالوا:"بَلَى! "، قال:"اجمَعُوا حَطَبًا"، ثُمَّ دَعَا بنارٍ، فَأَضرَمَهَا فيه، ثُمَّ قَالَ:"عَزَمتُ عَلَيكُم! لَتَدخُلُنَّهَا"، - قال: - فَهَمَّ القومُ أن يَدخُلُوها، - قال: - فقال لهم شابٌّ منهم: "إِنَّمَا فَرَرتُم إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّارِ! فَلَا تَعجَلُوا، حتَّى تَلقَوْا رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَإِن أَمَرَكُم أَن تَدخُلُوها، فَادخُلُوها"، - قال: - فَرَجَعُوا إِلَى رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَأَخبَرُوه، فقال لهم:"لَو دَخَلتُمُوهَا ما خَرَجتُم منها أبدًا؛ إِنَّما الطَّاعةُ في المعروف".

ص: 362

أخرَجَهُ مُسلِم (1840/ 40)، وأبو عَوَانة (4/ 452 - 453)، وأحمدُ (1018)، وابنُ أبي شيبةَ في "المُصنَّف"(12/ 542)، وأبو يَعلَى (ج 1/ رقم 378، 611).

وقد رواه عن وكيعٍ: أحمَدُ بنُ حنبلٍ، وابنُ أبي شَيبَة، ومُحمَّدُ بنُ عبد الله بن نُمَيرٍ، وزُهيرُ بنُ حربٍ، وأبو سعيدٍ الأَشجُّ، وإبراهيمُ بنُ عبد الله، وعُبيدُ الله بنُ عُمَر القَوَارِيرِيُّ، كُلُّهم يرويه عن وكيعٍ، عن الأعمش بهذا الإسناد، ولم يَذكُر واحدٌ منهم الآيةَ.

وكذلك رَوَاهُ أصحابُ الأَعمَش عنه، عن سعدِ بن عُبيدةَ بهذا الإسناد، فلم يَذكُر واحدٌ منهم الآيةَ فيه.

أخرَجَهُ البُخاريُّ (8/ 58) من طريق عبد الواحد بن زيادٍ ..

وأيضًا (13/ 122) من طريق حفص بن غِيَاثٍ ..

ومُسلِمٌ (1840/ 40)، وأحمدُ (622) من طريق أبي مُعاوية ..

والنَّسائِيُّ في "كتاب السِّيَر"(5/ 221 - الكبرى)، والطَّيَالِسِيُّ في "مُسنَده"(89، 109)، وأبو عَوَانة (4/ 451 - 452) من طريق، شُعبَة بن الحجَّاج ..

وأبو عَوَانة (4/ 453 - 454) من طريق عليّ بن مُسهِرٍ، كُلُّهم عن الأعمش، عن سعدِ بن عُبيدةَ بسَنَده سواء.

وكذلك رواه مَنصُورُ بنُ المُعتَمِر، عن سعدِ بن عُبَيدةَ بهذا الإسناد، ولم يَذكُر الآيةَ.

أخرَجَهُ النَّسائيُّ في "كتاب السِّيَر"(5/ 221 - الكبرى) من طريق

ص: 363

أبي داوُد الطَّيَالِسِيِّ ..

وأَبُو عَوَانة (4/ 451 - 452) من طريق سهل بن حَمَّادٍ أبي عَتَّابٍ الدَّلَّالِ، قالا: ثنا شُعبة، عن الأعمَشِ، ومَنصُورٍ، عن سعد بن عُبيدة بسَنَده سواء.

ولم يَذكُر النَّسائيُّ القِصَّة.

وكذلك رواه زُبَيدٌ الإِيَامِيُّ، عن سعد بن عُبيدَةَ بهذا الإسناد، ولم يَذكُر الآية.

أَخرَجَهُ البُخاريُّ (13/ 233)، ومُسلِمٌ (1840/ 39)، والنَّسَائِيُّ في "المُجتَبَى"(7/ 159)، وفي "السِّيَر"(5/ 221 - الكبرى)، وأحمدُ (724) من طريق مُحمَّد بن جعفَرٍ غُندَرٍ ..

وأخرجه أبو داوُد (2625) قال: حدَّثَنا عَمرُو بنُ مَرزُوقٍ ..

وابنُ حِبَّانَ (ج 10/ رقم 4567) من طريق ابن المُبارَك ..

وأبو عَوَانة (4/ 451 - 452) من طريق الطَّيَالِسِيِّ، وسهلِ بن حَمَّادٍ ..

والبَزَّارُ (589) من طريق وهب بن جَريرٍ ..

وابنُ نُجَيدٍ في "أحاديثه"(ق 7/ 1) من طريق ابن أبي عَديٍّ، قالُوا جميعًا: ثنا شعبَةُ، عن زُبَيدٍ الإِيَامِيِّ.

وتابَعَهُ الثَّورِيُّ، عن زُبَيد الإِيَامِيِّ بهذا الإسناد، دُون القِصَّة، ولم يَذكُر الآية.

أخرَجَهُ أحمدُ (1065) ..

وابنُه عبدُ الله في "زوائد المُسنَد"(1095) قال: حدَّثَنا عُبَيدُ الله بنُ

ص: 364

عُمَر القَوَارِيرِيُّ ..

وأبو يَعلَى (ج 1/ رقم 279) قال: حدَّثَنا زُهيرُ بنُ حربٍ ..

وابنُ حِبَّانَ (ج 10/ رقم 4568، 4569) من طريق نُوح بن حبيبٍ، أربَعَتُهُم قالوا: ثنا عبدُ الرَّحمن بنُ مَهدِيِّ، ثنا سُفيانُ الثَّوْريُّ.

وتابَعَهُ رَوحُ بنُ عُبادة، ثنا الثَّوْريُّ بهذا الإسناد.

أخرَجَهُ البَزَّارُ (586 - البحر).

• قلتُ: فيَظهَرُ من هذا أن ذِكرَ الآيةِ في الحديث مِمَّا تفرَّد به الدَّامَغَانِيُّ، فرِوَايتُهُ مُنكَرَةٌ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 365

229 -

سُئلتُ عن حديث: "أَنَّ إِبرَاهِيمَ عليه السلام قَالَ فِيهِ اللهُ: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلَّمَا أَصبَحَ أَو أَمسَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] ".

• قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.

أخرَجَهُ ابنُ جَريرٍ في "تفسِيره"(1938، و 27/ 73)، وفي "التَّاريخ" (1/ 286) قال: حدَّثَنا أبو كُريبٍ ..

وأخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 20/ رقم 428) من طريق محُمَّد بن أبي السَّرِيِّ ..

وابنُ عَديٍّ في "الكامل"(3/ 1011) من طريق زُهير بن عَبَّادٍ ..

وابنُ عساكر في "تاريخه"(6/ 212 - 213) من طريق مُحمَّد بن يُوسفَ، قالوا: ثنا رِشدِينُ بنُ سَعدٍ، حدَّثَني زَبَّانُ بنُ فَائدٍ، عن سهل بن مُعاذ بن أنَسٍ، عن أبيه، قال: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: "أَلا أُخبِرُكُم لِمَ سَمَّى اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلَهُ الَّذِي وَفَّى؟ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلَّما أصبح وكُلَّما أمسى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ

حَتَّى يَختِمَ الآية} [الروم: 17] ".

ورِشدِينُ بنُ سعدٍ - بكسر الرَّاء المُهمَلة - ضعيفٌ جدًّا.

ص: 366

لكِنَّه تُوبِع ..

تابَعَهُ عبدُ الله بنُ لَهِيعَةَ، ثنا زَبَّانُ بنُ فائدٍ بهذا الإسناد سواء.

أخرَجَه أحمدُ (3/ 439)، ومن طريقه ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" (6/ 211) قال: حدَّثَنا حَسَنُ بنُ مُوسى الأشيبُ ..

وابنُ أبي حاتمٍ في "تفسيره" - كما في "ابن كثير"(7/ 440) -، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 20/ رقم 427)، وفي "الدُّعاء"(324) من طريق أَسد بن مُوسَى ..

وابنُ السُّنِّيِّ في "عَمَل اليَوم واللَّيلة"(78)، ومن طريقه الأَصبَهَانيُّ في "التَّرغيب"(1311)، وابنُ عساكر (6/ 212) من طريق عُثمان بن سعيد بن كَثيرٍ ..

وابنُ عساكر أيضًا، من طريق النَّضر بن عبد الجَبَّار، قالوا جميعًا: حدَّثَنا ابنُ لَهِيعَة بسَنَده سواء.

وسَنَدُه ضعيفٌ جدًّا؛ وزَبَّانُ - بالزَّاي المُعجَمة، مع تشديد الباء المُوحَّدة - هو ابنُ فائدٍ، وهو مُنكَرُ الحديث. ضعَّفه أحمدُ، وابنُ مَعِينٍ، وغيرُهما. وقال ابنُ حِبَّانَ:"يتفرَّدُ عن سهلِ بن مُعاذٍ بنُسخَةٍ كأَنَّها موضوعةٌ".

وسَهلُ بنُ معاذٍ ضعَّفه ابنُ مَعِينٍ، وقال ابنُ حِبَّانَ:"مُنكَرُ الحديث جدًّا"، ومَشَّاه أبو حاتمٍ.

فلستُ أَدرِي، أَوَقَعَ التَّخليطُ في حديثه مِنهُ أو مِن زبَّان بن فائدٍ؟ فإِن كان مِن أحدِهِمَا، فالأخبارُ التي رواها أحدُهما ساقطةٌ.

ص: 367

وبالجُملَة: فالحديث مُنكَرٌ، وقد ضَعَّفه ابنُ جَرِيرٍ لَمَّا رواه، وَوَافَقَهُ ابنُ كثيرٍ على ذلك.

أمَّا الهَيثَمِيُّ رحمه الله فقد أَوهَم، فقال في "المَجمَع" (10/ 117):"رواه الطَّبَرانِيُّ. وفيه ضُعفاءُ قد وُثِّقُوا".

وكثيرٌ من النَّاس يَغتَرُّ بمثل هذا الحُكم، ويَظُنُّ أنَّهُ تقويةٌ للحديث، وليس كذلك؛ وزبَّانُ بنُ فائدٍ لم يُوثِّقهُ أحدٌ كما قد يَفهم بعضُ النَّاس من كلام الهَيثَمِيُّ، إنَّما قولُهُ:"وُثِّقَ" يُشيرُ إلى ضعف التَّوثيقِ إنْ وَرَدَ، أو إلى تعديلٍ ضِمنيٍّ، وقد قال فيه أبو حاتمٍ:"صالحٌ"، ولكنَّها لا تُغني عنه شيئًا، لاسيَّما في روايته عن سهلِ بن مُعاذٍ.

والله أعلم.

ص: 368

230 -

سُئلتُ عن حديث: "إِنَّ إِبرَاهِيمَ عليه السلام سُمِّي: {الَّذِي وَفَّى}؛ لِأَنَّهُ وَفَّى عَمَلَ يَومِه: أَربَعَ رَكْعَاتٍ فِي النَّهَارِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَه ابن جَريرٍ في "التَّفسير"(1939، و 27/ 43)، وفي "التَّاريخ"(1/ 286) من طريق إسرائيلَ بن يُونُس ..

وابنُ أبي حاتمٍ في "تفسيره"، وآدمُ بنُ أبي إِياسٍ، وعَبدُ بن حُميدٍ في "تفسيرهما" - كما في "ابن كَثيرٍ"(7/ 439 - 440) - من طريق حَمَّاد بن سَلَمةَ ..

وابنُ عساكر في "تاريخه"(6/ 213 - 214) من طريق يزيد بن هارون، ومَكِّيِّ بن إبراهيم، كُلُّهم عن جعفر بن الزُّبَيرِ، عن القاسم، عن أبي أُمَامَة مرفُوعًا.

وسَنَدُهُ ساقطٌ؛ وجَعفَرُ بنُ الزُّبير تالفٌ، قال أبو حاتمٍ:"روى جعفرُ بنُ الزُّبَير، عن القاسم، عن أبي أُمامة، نُسخةً موضُوعةً، أكثرَ من مئة حديثٍ".

ولكن وجدتُ له طريقًا آخر.

أخرجه الطَّبَرانيُّ، ومن طريقه ابنُ عساكر (6/ 213) قال: حدَّثَنا أحمدُ بنُ أبي يحيى الحَضرَمِيُّ، نا مُحمَّدُ بنُ أيُّوب بن عَافِيَةَ، ثنا جَدِّي، نا

ص: 369

مُعاويةُ بنُ صالحٍ، عن سُليم بن عامرٍ، عن أبي أُمَامة مرفُوعًا فذَكَرَه.

وإسنادُهُ وإِن كان خيرًا من الأوَّل، إلَّا أنَّه ضعيفٌ؛ وأحمَدُ بنُ أبي يحيَى ليَّنَهُ ابنُ يُونُس، كما في "الميزان"(1/ 163).

وعافيةُ بنُ أيُّوب جَدُّ مُحمَّدٍ قال الذَّهبِيُّ (2/ 358): "تُكُلِّم فيه. ما هو بِحُجَّةٍ، وفيه جَهَالةٌ".

واللهُ أعلَمُ.

ص: 370

231 -

سُئلتُ عن حديث: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة: 121]، فقال:"يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ.

أخرَجَهُ الخطيبُ البَغدَادِيُّ في "الرُّواة عن مالكٍ"، وفي "اقتضاء العِلم العَملَ"(118) من طريق العبَّاس بن أحمد الخَوَاتِيمِيِّ، ثنا العبَّاسُ بنُ الفضل الأُرْسوفيُّ، نا أحمدُ بنُ عبد العزيز، نا نَصرُ بنُ عيسى، عن مالكٍ، عن نافعٍ، عن ابن عُمَر، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فذَكَرَه.

وصرَّح الخطيبُ، فيما نَقَلَهُ الذَّهبيُّ في "الميزان"(4/ 453)،) أن في إسنادِهِ غيرُ واحدٍ مِنَ المجاهيل، وهم: الخَوَاتِيمِيُّ، وأحمدُ بن عبد العزيز، ونصرُ بنُ عيسى.

أما الأُرسُوِفيُّ، فَقَد اتَّهَمَهُ الذَّهبيُّ في "الميزان"(2/ 386) بِخَبَرٍ باطلٍ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 371

‌232 - سُئلتُ: ذَكَرَ بعضُ الخُطباء أن الإنسانَ إذا كان يُصَلِّي، وتكلَّم حَولَهُ ناسٌ، فوَعَى ما يقُولُون، فإِنَّ هذا يَقدَحُ في خُشُوعه، فهل هذا الكلام صحيحٌ؟

• قلتُ: هذا بِحَسْبِ وعيِه لما يَدُور حولَه.

أمَّا إذا التَقَطَ المرءُ بعضَ ما يَدُور حَولَه، فهذا لا يَقدَحُ في خُشوعه؛ إِذ لا يُتَصَوَّرُ أن يكونَ المرءُ أصمَّ عمَّا يجري حولَهُ؛ فهذا مِن تكليف مَا لا يُطاق.

والدَّليل على ذلك ما:

أخرَجَهُ مُسلِمٌ (33/ 54)، وهذا لفظهُ - والحديث في "الصَّحيحين" -، مِن حديث عِتْبانَ بن مالكٍ، قال: أَصَابَنِي في بَصَرِى بعضُ الشَّيء، فبَعَثتُ إلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي أُحبُّ أَن تَأتِيَنِي فتُصَلِّي في مَنزِلي؛ فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى"، - قال: - فَأَتَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَن شاء اللهُ من أصحابه، فدَخَلَ، وهو يُصَلِّي في منزلي، وأصحابُه يَتَحدَّثُون بينهم، ثُمَّ أَسنَدُوا عُظْمَ ذلك وكُبْرَه إلى مالكِ بن دُخشُمٍ، قالوا:"وَدُّوا أنَّه دعا عليه، فهَلَكَ، ووَدُّوا أنَّه أصابه شرٌّ"، فقَضَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ، وقال:"أَليسَ يَشهَدُ أن لا إِله إلَّا اللهُ وأَنِّي رسُول الله؟ "

الحديث.

فَفِي هذا الحديثِ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَى بعضَ كلامِهِم وهُو يُصَلِّي، فلمَّا قضَى صلاتَه ردَّ عليهم، ولَم يَقدَح ذلك في خُشوعِه صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.

ص: 372

233 -

سُئلتُ عن حديث: عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، أنَّهُ كان إذا استَلَمَ الحجَر، قال:"اللَّهُمَّ! إِيمَانًا بِكَ، وَتَصدِيقًا بِكِتَابِكَ، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم ".

• قلتُ: هذا حديثٌ لا يَثبُت.

أخرَجَه الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(492) قال: حدَّثَنا أحمدُ بنُ مُحمَّدٍ الشَّافعيُّ، قال: حدَّثَني إبراهيمُ بنُ مُحمَّدٍ، قال: نا حفصُ بنُ غِيَاثٍ، عن أبي العُمَيسِ، عن أبي إِسحَاق، عن الحارِث، عن عليِّ بن أبي طالبٍ.

قال الطَّبَرانيُّ: "لَا نَعلَمُ أسند أبو العُمَيسِ، عن أبي إسحاقَ حديثًا غيرَ هذا. ولم يَروِهِ عن أبي العُميسِ إلَّا حفصٌ، ولا عن حفصٍ إلَّا إبراهيمُ الشَّافعيُّ".

• قلتُ: وهذا سَنَدٌ ضعيفٌ جدًّا؛ والحارثُ هو الأَعوَرُ، وهو واهٍ، وبه ضعَّفَهُ الهيثميُّ في "مَجمَع الزَّوائد"(3/ 240)، لكِنَّه تسامَحَ في حقِّه، فقال:"فيه الحارثُ، وهو ضعيفٌ، وقد وُثِّق"!!

وبَقِيَّةُ رجالِ الإسنادِ ثقاتٌ، إلَّا ما كان من أَمرِ أبي إسحاقَ السَّبِيعِيِّ؛ فإنَّه كان اختَلَطَ، ثُمَّ هُو مُدَلِّسٌ، وقد عَنعَنَه. والله أعلم.

لكن له شاهدٌ عن ابن عُمَر، أنَّهُ كان إذا أراد أن يَستَلِمَ الحَجَر، قال:

فذَكَرَ مثلَه.

ص: 373

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(5843)، والعُقيليُّ في "الضُّعفاء" (4/ 136) قالا: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ الحُسين أبو حُصَينٍ ..

والطَّبرانِيُّ أيضًا (5486) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ عُثمان بن أبي شَيبة، قالا: ثنا عَونُ بنُ سلَّامٍ، نا مُحمَّدُ بن مُهاجِرٍ، عن نافعٍ، عن ابن عُمَر.

قال الطَّبَرانيُّ: "لَم يَروِ هذا الحديثَ عن مُحمَّدِ بن مُهاجرٍ إلَّا عونُ بنُ سلَّامٍ".

وذَكَرَ العُقيليُّ هذا الحديثَ في ترجمة "مُحمَّدِ بن مُهاجِر"، وقال:"لا يُتابَع عليه"، وسَبَقَهُ الإمامُ البُخاريُّ، فرَوَى هذا الحديث في "التَّاريخ الكبير"(1/ 1/ 230)، في ترجمة "مُحمَّدِ بن مُهاجِر"، ثُمَّ قال:"لا يُتابَع عليه".

ص: 374

234 -

سُئلتُ عن حديث: "لَو كَانَ الفُحشُ رَجُلًا، لَكَانَ رُجَلَ سَوْءٍ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ ابنُ أبي الدُّنيا في "الصَّمت"(328) قال: حدَّثَنا الحَكَمُ بنُ مُوسَى، حدَّثَنا الوليدُ بنُ مُسلِمٍ، عن طلحة بن عَمرٍو، عن عطاء بن أبي رباحٍ، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعائشةَ رضي الله عنها:"يا عائشةُ! لَو كانَ الفُحشُ رجُلًا، لكان رَجُلَ سَوْءٍ".

والوليدُ بنُ مُسلِمٍ كان يُدَلِّسُ تدليسَ التَّسوِية، وقد عَنعَنَ الإسنادَ.

وخالَفَهُ أبو داوُد الطَّيَالِسِيُّ، فأخرَجَهُ في "مُسنَده" (1495) قال: حدَّثَنا طلحةُ بنُ عَمرٍو، عن عطاءٍ، عن عائشة مرفُوعًا.

فأنت ترى أَنَّ الوليدَ بنَ مُسلِمٍ أرسلَ الحديثَ، فقال:"عطاءٌ، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعائشة"، بينما قال الطَّيَالِسِيُّ:"عطاءٌ، عن عائشة".

غيرَ أنَّ الإِسنادَ على الوَجهَين لا يَثبُتُ؛ وطلحةُ بنُ عَمرٍو متروكٌ، تَرَكَهُ أحمَدُ والنَّسائِيُّ وغيرُهما، وقال البُخاريُّ:"ليس بشيءٍ، كان يَحيَى بنُ مَعِينٍ سَيِّءَ الرَّأي فيه"، وضعَّفه أبو داوُد، وابنُ سعدٍ وزاد:"جدًّا"، والكلامُ فيه طويلُ الذَّيلِ.

ولكن وقفتُ له على طُرُقٍ أُخرَى ..

ص: 375

منها ما: أخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(7722، 8418)، وفي "الأسماء والصِّفات"(1/ 256)، والخطيب في "مُوْضِح الأوهام"(1/ 319)، والأَصبَهَانِيُّ في "التَّرغيب"(1171)، والشَّجَرِيُّ في "الأَمَالِي"(2/ 197) من طُرُقٍ عن إبراهيمَ بن مُحمَّدٍ الشَّافعيِّ، ثنا أبو غِرَارَةَ القُرَشِيُّ مُحمَّدُ بنُ عبد الرَّحمن، قال: أخبَرَنِي أبي، عن القاسم بن مُحمَّدٍ، عن عائشة مرفُوعًا:"الرِّفق يُمنٌ، والخَرَقُ شُؤمٌ، وإِذَا أرادَ اللهُ بأهل بيتٍ خيرًا أدخلَ عليهم الرِّفقَ. إنَّ الرِّفق لم يَكُن في شيءٍ إلَّا زانَهُ، والخَرَقُ لم يَكُن في شيءٍ قَطُّ إلَّا شَانَهُ. وإِنَّ الحياءَ من الإِيمانِ، وإنَّ الإيمانَ في الجَنَّة، ولو كان الحياءُ رجُلًا، لكان صالحًا. وإن الفُحشَ من الفُجورِ، وإن الفُجُور في النَّار، ولو كان الفُحش رجُلًا يمشي في النَّاس لكان رجُلَ سَوْءٍ".

وسَنَدُه ضعيفٌ جدًّا، ومُحمَّدُ بنُ عبد الرَّحمن هذا ذَكَرَهُ البُخاريُّ في "التَّاريخ الأوسط"(2/ 176)، وقال بعد أن ذكر هذا الحديثَ:"وقال لي إسماعيلُ - هو ابن أبي أُويسٍ -: سَمِعتُ مُحمَّدَ بنَ عبدِ الرَّحمن بن أبي بكرٍ الجُدْعَانِيَّ القُرَشِيَّ المُلَيكِيَّ" ا. هـ.

والجُدْعَانِيُّ هذا تركَهُ النَّسائِيُّ، ونقل ابنُ عَديٍّ في "الكامل" (6/ 2196) عن البُخاريِّ أنَّهُ قال:"مُنكَرُ الحديث".

وقال أبو حاتمٍ الرَّازيُّ - كما في "العِلل"(1953): "مُنكَرٌ بهذا الإسناد".

وثَمَّ طريقٌ آخرُ ..

ص: 376

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الصَّغير"(1/ 240) قال: حدَّثَنا عبدُ الرَّحمن بنُ مُعاوية المِصرِيُّ، ثنا يحيى بنُ بُكيرٍ، ثنا عبدُ الله بنُ لَهِيعة، عن أبي الأَسْود مُحمَّد بن عبد الرَّحمن بن نَوفَلٍ، عن يحيى بن النَّضر، عن أبي سَلَمة، عن عائشة مرفُوعًا:"يا عائشةُ! لو كان الحياءُ رجُلًا، لكان رَجُلًا صالحًا، ولو كان البَذَاءُ رجُلًا، لكان رجُلَ سَوْءٍ".

وشَيخُ الطَّبَرانيِّ لم أَجِد مَن وَثَّقه.

ولَكِن أخرَجَهُ ابنُ أبي الدُّنيا في "الصَّمت"(331)، وفي "مكارم الأخلاق" (89) قال: حدَّثَني إبراهيمُ بنُ سعيدٍ، ثنا عُبيدُ بنُ أبي قُرَّة، عن ابن لَهِيعة بسَنَدِه سواء، بشطره الثَّاني، دُون الأوَّل.

وعنده "الفُحشُ"، بدل "البَذاءِ".

وأخرَجَهُ الخطيب في "تاريخه"(2/ 355) من طريق عُثمان بن صالحٍ، ثنا ابنُ لَهِيعة بسَنَده سواء، بشطره الأوَّل.

ووقع عند ابن أبي الدُّنيا، والخطيب:"أبو النَّضر"، بدل "يحيى بن النَّضر".

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِهِ عن أبي سَلَمَة إلَّا يحيى بنُ النَّضر، ولا عنه إلَّا أبو الأَسْوَد. تفرَّد به ابنُ لَهِيعة".

• قلتُ: هكذا اختُلِف في إسناده ..

فرَوَاهُ يحيى بنُ بُكيرٍ، عن ابن لَهِيعة، فقال:"يحيى بنُ النَّضر، عن أبي سَلَمة" ..

ورَوَاهُ عُبيدُ بنُ أبي قُرَّة، وعُثمانُ بنُ صالحٍ، عن ابن لَهِيعَة، فقال:

ص: 377

"أبو النَّضر، عن أبي سَلَمة".

وأبو النَّضر هو سالمُ بنُ أبي أُميَّة.

وهذا الاضطرابُ من ابن لهِيعة؟ لسُوءِ حِفظِه.

وقد وَجَدتُ له طريقًا رابعًا ..

أخرَجَهُ العُقيليُّ في "الضُّعفاء"(3/ 85) من طريق أسدِ بن مُوسَى، ثنا عبدُ الجبَّار بنُ الوَرْدِ، قال: سمعتُ ابنَ أبي مُلَيكة، عن عائشة مرفُوعًا:"يا عائشة! إيَّاكِ والفُحشَ، إيَّاكِ والفُحشَ، فإنَّ الفُحشَ لو كان رجُلًا، لكان رَجُلَ سَوْءٍ".

وعبدُ الجبَّار بنُ الوَرد وَثَّقَهُ أحمدُ، وأبو حاتمٍ، وابنُ حِبَّانَ، والعِجليُّ، ولكن قال البُخاريُّ:"يُخالِفُ في بعض حديثه".

وقد تَابَعَهُ أيُّوبُ بنُ مُوسى، عن ابن أبي مُليكة، عن عائشة مرفُوعًا، وزاد:"وَلَو كان الحياءُ رجُلًا، لكان رَجُلَ صِدقٍ".

أخرَجَه الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(333) قال: حدَّثَنا أحمدُ بنُ رِشدِين، ثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، ثنا ابنُ وَهبٍ، أخبرني عَمرُو بنُ الحارِث، عن أيُّوبَ بن مُوسَى به.

قال الطَّبَرانيُّ: "لَم يَروِ هذا الحديثَ عن أيُّوبَ بن مُوسَى إلَّا عَمرُو بنُ الحارث. تفرَّد به ابنُ وهبٍ" ا. هـ.

• قلتُ: وكُلُّهم مِنَ الثِّقاتِ الأَثبَاتِ، إلَّا شيخَ الطَّبَرانيِّ أحمدَ بنَ رِشدِينَ؛ فَقَد حَكَى ابنُ عَديٍّ أَنَّهُم كَذَّبُوه.

فالمُتَابَعة لَا تَثبُت بهذا الإسناد.

ص: 378

أما قولُ العُقيليِّ: "وقد رُوِيَ هذا بغير هذا الإسناد، بأصلح من هذا، وبألفاظٍ مُختلِفَةٍ، في معنى الفُحش"، فهو لا يَقصِدُ تقوية الحديثِ، بلفظه، بل يُشِيرُ إلى ثُبُوت معناه.

وقد يَقصِدُ العُقيليُّ بقوله: "أصلح" يعني: أخفَّ ضعفًا، ولا يَعنِي الصِّحَّةَ، وهذا معروفٌ عند عُلماء الحديث.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 379

235 -

سُئلتُ عن حديث: "لَو كَانَ الأُرْزُ رَجُلًا، لَكَانَ حَلِيمًا".

• قلتُ: هذا كَذِبٌ مَوضُوعٌ، كما جَزَم به ابنُ القَيِّم في "الطِّبِّ النَّبويِّ"، والحافظُ ابنُ حَجَرٍ، والسَّخَاوِيُّ.

وكُلُّ حديثٍ وَرَدَ في فضل الأُرْزِ فمَوضُوعٌ.

وانظُر ..

"المَقَاصِدَ الحَسَنة"(ص 436)، و"كشفَ الخَفَاء"(2/ 159)، و"التَّميِيز"(131) لابن الدَّيْبَعِ، و "تنزيه الشَّريعة المرفُوعَة"(2/ 199) لابن عَرَّاقٍ، و"الفوائدَ المَجمُوعةَ"(146) للشَّوكَانِيِّ.

ص: 380

236 -

سُئلتُ عن حديث: "يَا عَليُّ! إِنَّما مَثلُكَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، كَمَثَلِ عِيسَى عليه السلام"، فَنَزَلَ قولُه تعالى:{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57].

• قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ موضُوعٌ، قَبَّحَ اللهُ وَاضِعَه.

أخرَجَهُ ابنُ حِبَّانَ في "المجروحين"(2/ 122)، ومن طريقه ابنُ الجَوزيِّ في "الواهيات"(1/ 227 - 228) من طريق عيسى بن عبد الله، قال: حدَّثَني أبي، عن أبيه، عن جَدِّه عليِّ بن أبي طالبٍ، قال: جِئتُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فَوَجَدتُه في مَلَإٍ مِن قُريشٍ، فنظرَ إليَّ وقال:"يا عَلِيُّ! إِنَّمَا مَثَلُك في هذه الأُمَّة، كَمَثَل عِيسى ابن مَريَم؛ أَحَبَّه قومٌ فأَفرَطُوا فيه، وأَبغَضَهُ قومٌ فأَفرَطُوا فيه"، - قال: - فضَحِكَ الملأُ الذين عِندَه، وقالُوا:"انظُرُوا! كيف شبَّه ابنَ عمِّه بعيسى"، - قال: - ونزل القُرآنُ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57].

وهذا حديثٌ كَذِبٌ؛ وآفتُهُ عِيسَى بنُ عبد الله هذا، قال ابنُ حِبَّانَ: "يَروِي عن أبيه، عن آبائِه أشياءَ مَوضُوعةً. لا يَحِلُّ الاحتِجاجُ به. كأنَّه كان يَهِمُ ويُخطِئ، حتَّى كان يَجِيءُ بالأشياء المَوضُوعة عن أسلافه، فبَطَلَ الاحتجاجُ بما يَروِيه؛ لما وَصَفتُ

وهذه النُّسخة أكثَرُها معمولةٌ"، يعني: مكذوبةً.

ص: 381

وله طريقٌ آخرُ، دُون الآية.

أخرَجَهُ أحمدُ في "فضائل الصَّحابة"(1025 - 1221)، وابنُه عبدُ الله في "زوائد الفضائل"(1087)، وفي "زوائد المُسنَد"(1/ 160)، وفي "السُّنَّة"(1263)، والنَّسائيُّ في "خصائص عليٍّ"(100)، والبُخاريُّ في "التَّاريخ الكبير"(2/ 1/ 281 - 282)، والبَزَّارُ (3/ 202)، وأبو يَعلَى في "المُسنَد"(1/ 406، 407)، وابنُ أبي عاصمٍ في "السُّنَّة"(1004)، والبلَاذُرِيُّ في "أنساب الأشراف"(2/ 120)، وابنُ الأعرابيِّ في "مُعجَمه"(ج 2/ ق 152/ 1)، والحاكمُ (3/ 123)، وابنُ الجوزيِّ في "الواهيات"(1/ 227)، وابنُ المغَازِلِيِّ في "مَناقِب عليٍّ"(104) من طريق الحَكَم بن عبد المَلِك، عن الحارث بن حَصِيرَة، عن أبي صادقٍ، عن رَبِيعَة بن نَاجِذٍ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، أن رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يا عليُّ! فيك مَثلٌ مِن مثل عِيسَى؛ أبغَضَتهُ اليهودُ حتَّى بَهَتُوا أُمَّهُ، وأَحَبَّتهُ النَّصارَى حتَّى أَنزَلُوه المَنزَلَ الذي ليس به".

قال الحاكمُ: "صحيحُ الإسناد"، فتعقَّبه الذَّهَبيُّ بقوله:"قُلتُ: الحَكَمُ وهَّاهُ ابنُ مَعِينٍ".

• قلتُ: لم يَتَفرَّد به الحَكَم ..

فتابعه مُحمَّدُ بنُ كَثيرٍ المُلَائِيُّ، قال: ثنا الحارثُ بنُ حَصِيرة بهذا الإسناد.

أخرَجَهُ البَزَّارُ (3/ 202)، وقال:"لا نَعلَمُه عن علي مرفُوعًا إلَّا بهذا الإسناد. ومُحمَّدُ بنُ كَثيرٍ هذا مُنكَرُ الحديث".

ص: 382

وهناك علَّةٌ أخرى، وهي رَبِيعَةُ بنُ نَاجِذٍ، لا يَكَادُ يُعرَف، كما قال الذَّهَبيُّ في "الميزان"، ولم يَعتَبِر الذَّهَبيُّ توثيقَ ابن حِبَّانَ، والعِجليَّ؛ لتَسَاهُلِهِمَا، لا سِيَّما في التَّابِعين.

واللهُ أعلمُ.

ص: 383

237 -

سُئلتُ عن حديث: "إِنَّ مِن أُمَّتِي مَن لَو جَاءَ أَحَدُكُم يَسأَلُهُ دِينَارًا لَم يُعطِهِ، وَلَو سَأل الله الجَنَّةَ لأَعطَاهَا إِيَّاهُ: ذُو طِمرَينِ، لَا يُؤْبَهُ لَهُ، تَنْبُوْ عَنهُ أَعيُنُ النَّاسِ، لَو أَقسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ".

• قلتُ: لا يصحُّ الحديثُ بهذا السِّياق، وآخرُهُ صحيحٌ.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(7548) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ إبراهيمَ العسَّالُ، نا سَهلُ بنُ عُثمان، نا أبو مُعاوية، عن الأعمش، عن سالمِ بن أبي الجَعد، عن ثَوبَان مرفُوعًا فذَكَرَه.

قال الهَيثَمِيُّ في "مجَمَع الزَّوائد"(10/ 264): "رِجالُه رجال الصَّحيح"، وهو يعني صحيحَ مُسلِمٍ؛ لأن سهلَ بنَ عُثمان من شُيوخ مُسلِمٍ دُون البُخاريِّ.

وشيخُ الطَّبَرانيِّ وثَّقَهُ أبو نُعيمٍ الأَصبَهَانِيُّ في "أخبار أصبهان"(2/ 217).

ولكن عِبارةُ الهَيثَمِيِّ لا تدلُّ على صحَّة الإسنادِ، كما هو معروفٌ عند أهل العِلم بالحديثِ؛ لأنَّ هذا الحُكمَ إِنَّما يَشمَلُ شرطَين فحَسبُ من شُروط الحديث الصَّحيح، وهي خمسةٌ: أوَّلهُا اتِّصالُ السَّنَد، وهذا الإسناد مع ثقة رجاله، إلَّا أنَّهُ غيرُ مُتَّصِل.

ص: 384

فقد صرَّح أحمدُ بنُ حنبلٍ، وأبو حاتمٍ الرَّازِيُّ أن سالمَ بنَ أبي الجَعدِ لم يَلقَ ثَوْبَانَ، قال أحمدُ:"لم يسمع ثَوْبَانَ، ولم يلقه"، وقال أبو حاتمٍ:"لم يُدرِك ثَوْبَانَ".

وكلامُ الهَيثَمِيِّ مع أنَّهُ مُوهِمٌ لِغَيرِ المُتَخَصِّصين، إلَّا أنَّهُ أدقُّ من كلام شيخِه العِراقِيِّ، الذي خرَّج هذا الحديثَ في "المُغني عن حمل الأسفار"، فقال (3/ 277):"إسنادُه صحيح"، وقد بَيَّنَّا لك المانعَ من ذلك.

ثُمَّ علَّةٌ أُخرَى مُؤَثِّرة، وهي المُخالَفةُ.

فقد خُولِف سَهلُ بنُ عُثمان في إسناده ..

خالفه الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ (ص 12)، وهنَّادُ بنُ السَّرِيِّ (رقم 587) كلاهما في "كتاب الزُّهد"، قالا: ثنا أبو مُعاويةَ، عن الأعمش، عن سالمِ بن أبي الجَعد، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:

فذَكَرَهُ، هكذا مُرسلًا.

وعندهما: "وَلَو سَأَلَهُ الدُّنيا لم يُعْطِها إيَّاه، وما يَمنَعُهَا إيَّاه لِهَوَانِهِ عليه".

ولَيس عِندَهُما - ولا عِند الطَّبَرانيِّ، فيما تَقَدَّم - قولُه:"تَنبُو عَنهُ أعيُن النَّاسِ"، وسيأتي شاهِدُهَا.

فها هو أحمدُ وهنادٌ يُخَالِفان سهلَ بنَ عُثمانَ فيُرسِلَانِه، وهما أَرجَحُ منه بلا شكٍّ، مع ثِقَة سهلِ بن عُثمان.

وتتأَيَّدُ الرِّوايةُ المُرسَلةُ، بأنَّ أبا مُعاويةَ تُوبِع على هذا الوجه المُرسَل ..

فتابَعَهُ زائدةُ بنُ قُدامة - وهو ثِقَةٌ ثبتٌ -، فرواه عن الأعمش، عن سالمِ بن أبي الجَعد، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

ص: 385

أخرَجَهُ الحارثُ بنُ أبي أُسامة في "مُسنَده"(1103 - زوائده) قال: حدَّثَنا مُعاويةُ بنُ عَمرٍو، ثنا زائدةُ.

ومُعاويةُ بنُ عَمرٍو هو ابن المُهَلَّبِ، مِن ثقات شُيوخ البُخاريِّ.

وقد خالَفَهُ يحيى بنُ يَمَانَ - وهو سَيِّءُ الحِفظ -، فرَوَاهُ عن زائدة بن قُدامة بهذا الإسناد، غير أنَّهُ قال: "قَالَ اللهُ تبارك وتعالى: إِنَّ مِن أَولِيَائِي

الخ".

أخرَجَهُ ابنُ أبي الدُّنيا في "الأولياء"(11) قال: حدَّثَنا أبو هشامٍ - هو الرِّفَاعِيُّ -، ثنا يحيى بنُ يَمَانَ.

ولعلَّ جَعلَ هذا الحديث من كلامِ الله تعالى، وليس مِن كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: مِن سُوء حفظ يحيى بن يَمَان.

فهذا كُلُّه يدلُّ على أن الأصل في هذا الحديث الإرسالُ، وهو المحفُوظُ.

أمَّا قولُه: "تَنبُو عَنهُ أَعيُن النَّاس"، فلَهُ شاهدٌ مِن حديث أبي هُريرَة مرفُوعًا:"رُبَّ أَشعَثَ، أَغبَرَ، ذِي طِمرَينِ، تَنبُو عَنهُ أَعيُنُ النَّاسِ، لَو أَقسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ".

أخرَجَهُ الحاكِمُ في "المُستدرَك"(4/ 328)، والطَّحَاوِيُّ في "المُشكِل"(1/ 292) مِن طريق إبراهيم بن حمزة، ثنا عبدُ العزيز بنُ أبي حازمٍ، عن كَثيرِ بن زيدٍ، عن المُطَّلِب بن عبد الله، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا.

قال الحاكم: "صحيحُ الإسناد".

كذا قال! والإسناد مُنقطِعٌ، فقد قال أبو حاتمٍ:"لَم يُدرِك المُطَّلِبُ أحدًا مِنَ الصَّحابَةِ إلَّا سهلَ بنَ سعدٍ".

ص: 386

ورأيتُهُ في "الحِلية"(1/ 7) لأبي نُعيمٍ، رواه من طريق إبراهيمَ بن حمزة بهذا الإسناد، لكنَّهُ قال:"الوليدُ بنُ رَبَاح"، بدل "المُطَّلِب بن عبدِ الله"، وأخشى أن يَكُون تصحيفًا، وكتابُ "الحِلية" ملآنٌ من مثله، ولعله اختلافٌ في الإسناد. والله أعلم.

أمَّا آخرُ الحديث، فأخرَجَهُ البُخاريُّ (5/ 306، و 8/ 177، 274، و 12/ 223)، وأبُو داوُد (4595)، والنَّسائِيُّ (8/ 26، 27)، وابنُ ماجَهْ (2649)، وأحمدُ (3/ 128، 167)، وابنُ الجارُود في "المُنتقَى"(841) مُختَصَرًا، وابنُ حِبَّان (6490)، وابنُ أبي الدُّنيا في "الأولياء"(44)، والطَّحاوِيُّ في "شرح المَعاني"(4/ 271)، والطَّبرانِيُّ في "الكبير"(ج 1/ رقم 768، و ج 24/ رقم 664)، والبيهقِيُّ (8/ 25) والقُضاعِيُّ في "مُسند الشِّهاب"(1002 - 1004)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة"(10/ 166) من طُرُقٍ عن حُمَيدٍ الطَّويل، عن أنَسٍ، أن الرُّبَيِّعَ عمَّةَ أنَسٍ كَسَرَت ثنيَّةَ جاريةٍ، فطَلَبُوا إلى القومِ العفوَ، فأبَوْا، فأتَوْا رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"القِصاص"، قال أنَسُ بنُ النَّضرْ:"يا رسُولَ الله! تُكسَرُ ثَنِيَّةُ فُلانَةَ؟! "، فقال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"يا أنسُ! كتابُ الله القِصاص"، - قال: - فقال: "والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ! لا تُكسَرُ ثنيَّةُ فُلانةَ! "، - قال: - فرضي القومُ، فَعَفَوا وتَرَكُوا القصاص، فقال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ مِن عباد الله مَن لو أقسَمَ على الله أَبَرَّهُ".

وأخرَجَهُ مُسلمٌ (1675/ 24)، والنَّسائِيُّ (8/ 26 - 27)، وأحمدُ (3/ 284)، وأبُو يَعلَى (3396، 3519)، وابنُ حِبَّان (6491)،

ص: 387

والبَيهَقِيُّ (8/ 64) من طَرَقٍ عن حمَّاد بن سَلَمَة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، أن أُخت الرُّبَيِّع، أُمَّ حارثة، جَرَحت إنسانًا، فاختَصَمُوا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"القصاصَ القِصاصَ"، فقالت أُمُّ الرُّبيِّع:"يا رسُول الله! أيُقتَصُّ من فُلانَةَ؟! والله! لا يُقتَصُّ منها"، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"سُبحانَ الله! يا أُمَّ الرُّبيِّع! القصاصُ من كتاب الله! "، قالت:"لا والله! لا يُقتَصُّ منها أبدًا! "، - قال: - فما زالت حتَّى قبلوا الدِّية، فقال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرَّه".

• قلتُ: وسياقُ حديثِ حُمَيدٍ يَختلِفُ عن سياقِ حديث حمَّادِ بن سَلَمَةَ في ثلاثة أشياءَ:

الأُولى: هل الجانيةُ الرُّبيِّعُ، أم أُختُها؟

والثَّانية: هل الجِنايةُ كسرُ الثَّنيَّةِ، أم الجِراحةُ؟

والثَّالثة: هل الحالف أُمُّ الرُّبيِّع، أم أخُوها أنَسُ بنُ النَّضر؟

فاختَلَفَ العُلماءُ. فمنهُم من قال: "هما قِصَّتان مُتغايِرتان"، كابنِ حزمٍ، والبَيهَقِيِّ، واحتَمَلَهُ النَّوَوِيُّ.

ومنهم مَن قال: "الحديثُ حديثُ حُميدٍ".

وخالَفَهُم آخَرُون، فقالُوا:"حمَّادُ بنُ سَلَمَةَ أثبتُ مِن حُميدٍ في ثابتٍ".

وقد حرَّرتُ هذا البحثَ في "تَعِلَّة المَفؤود بشرح مُنتقى ابن الجارُود"(908). والحمدُ لله.

ومن شواهد هذه الفقرةِ ما:

أخرَجَهُ مُسلِمٌ في "كتاب الجَنَّة"(2854/ 48) من حديث أبي هُريرة

ص: 388

مرفُوعًا: "رُبَّ أشعَثَ، مدفُوعٍ بالأبواب، لو أقسَمَ على الله لأَبَرَّهُ".

وأخرَجَ التِّرمذيِّ (3854) من حديث جَعفَر بن سُليمان، قال: حدَّثَنا ثابتٌ، وعليُّ بنُ زيدٍ، عن أنس بن مالكٍ مرفُوعًا:"كم من أشعَثَ، أغبَرَ، ذي طِمرَينِ، لا يُؤبَهُ له، لو أقسَمَ على الله لأَبَرَّهُ، مَنهُم البَرَاءُ بنُ مالكٍ".

وأخرَجَهُ أبُو يَعلَى (3987) عن عليّ بن زيدٍ وحده، عن أنسٍ.

قال التِّرمذِيُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه".

وله طُرُقٌ عن أنَسٍ.

واللهُ أعلمُ.

ص: 389

238 -

سُئلتُ عن حديث: "إِذَا وُضِعَ السَّيفُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، لَم يُرفَع عَنهُم إِلَى يَومِ القِيَامَةِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ أبو داوُد (4252)، والتِّرمذيُّ (2202)، وأحمدُ (5/ 278، 284)، والحَربِيُّ في "الغريب"(3/ 956)، والبَيهَقِيُّ في "الدَّلائل"(6/ 526)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(2/ 289)، وفي "الدلائل"(464) من طُرُقٍ عن حمَّاد بن زيدٍ، عن أيُّوبَ بن أبي تَمِيمَة السَّختِيَانِيِّ، عن أبي قِلَابَةَ، عن أبي أَسمَاءَ، عن ثَوبَانَ مرفوعًا.

وهذا سَنَدٌ صحيحٌ.

وجَوَّد ابنُ كَثيرٍ إسنادَهُ في "تفسيره"، وسبَقَ التِّرمذيُّ إلى ذلك فقال:"هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ".

ولهذا الإسناد مُتَابَعاتٌ عند الحاكمِ (4/ 449)، وغيرِهِ.

ص: 390

239 -

سُئلتُ عن حديث: "عَجِبتُ لِغَافِلٍ لَيسَ يُغفَلُ عَنهُ، وَعَجِبتُ لِمَن يَأمَنُ الدُّنيَا وَالمَوتُ يَطلُبُهُ، وَعَجِبتُ لِضَاحِكٍ مِلءَ فِيهِ لَا يَدرِي أَرْضَى الله أَو أَسخَطَهُ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا.

أخرَجَهُ ابنُ عَديٍّ في "الكامل"(2/ 689)، ومن طريقه البَيهَقِيُّ في "الشُّعب"(10588) من طريق هشام بن يُونُس، ثنا يحيى بنُ يَعلَى الأَسلَمِيُّ، عن حُمَيد الأعرجِ، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن مَسعُودٍ، وكان يرفَعُه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وذَكَرَه.

وأخرَجَهُ البَيهَقِيُّ أيضًا (10587) من طريق عُثمان بن سعيدٍ الدَّارِمِيِّ، ثنا يحيى بنُ يَعلَى بهذا الإسناد.

وأخرَجَهُ القُضَاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب"(594) من طريق وكيع بن الجَرَّاح، عن حُمَيدٍ الأعرَجِ به.

وهذا إِسنَادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ لِوَهَاءِ حُميدٍ الأعرجِ.

قال البُخاريُّ، وأبو حاتمٍ الرَّازِيُّ:"مُنكَرُ الحديث"، زاد أبو حاتمٍ:"ضعيفُ الحديث، قد لَزِمَ عبدَ الله بنَ الحارث، عن ابن مَسعُودٍ. ولا نَعلَمُ لعبدِ الله عن ابن مَسعُودٍ شيئًا".

ومعنى قولِ أبي حاتم: "لَزِمَ عبدَ الله بنَ الحارث، عن ابن مَسعُودٍ"،

ص: 391

معناه: لَزِمَ الرِّواية بهذا الإسناد.

وقال ابنُ مَعِينٍ: "ليس بشيءٍ"، وضَعَّفَهُ أحمدُ.

وقال الدَّارَقُطنِيُّ: "مَترُوكٌ، وأحاديثُهُ تُشبِهُ الموضُوعة".

وقال ابنُ حِبَّانَ: "يَروِي عن عبد الله بن الحارث، عن ابن مَسعُودٍ نُسخةً كأنَّها موضُوعةٌ".

وقال ابنُ عَديٍّ: "وهذه الأحاديثُ عن عبد الله بن الحارث، عن ابن مَسعُودٍ ليست بمُستقيمَةٍ، ولا يُتابَع عليها".

فالرَّاجِحُ أن الرَّجُل واهٍ، كما قال الذَّهَبيُّ.

أمَّا الحافظ ابن حَجَرٍ، فقد تَسَاهَل في الحُكم عليه، فقال في "التَّقريب":"ضعيفٌ"!!

ص: 392

240 -

سُئلتُ عن حديث: "أَنتُم فِي زَمَانٍ، مَن تَرَكَ مِنكُم عُشرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ، وَسَيَأتِي زَمَانٌ، مَن عَمِلَ مِنهُم بِعُشرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ التِّرمذيُّ (2267)، ومن طريقه الذَّهَبيُّ في "تَذكِرَة الحُفَّاظ"(2/ 418)، والطَّبَرانيُّ في "الصَّغير"(1156)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(7/ 316)، وابنُ عَديٍّ في "الكامل"(7/ 2483)، والسَّهمِيُّ في "تاريخ جُرجانَ"(ص 464)، وتَمَّامٌ الرَّازِيُّ في "الفوائد"(1721) من طُرُقٍ عن نُعيم بن حَمَّادٍ، عن سُفيان بن عُيَينَة، عن أبي الزِّنَاد، عن الأَعرَجِ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا فذَكَرَه.

قال التِّرمذيُّ: "هذا حديثٌ غريبٌ، لا نَعرِفُه إلَّا من حديث نُعيمٍ، عن سُفيان".

وقال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِهِ عن سُفيان إلَّا نُعيمٌ".

وكذلك قال ابنُ عَديٍّ، وأبو نُعيمٍ.

وقال الذَّهَبيُّ: "هذا حديثٌ مُنكَرٌ، لا أصل له مِن حديث رسُول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شاهدَ، ولم يَأتِ به عن سُفيانَ سِوى نُعيمٌ، وهو مع إِمَامَتِه، مُنكَرُ الحديث".

ص: 393

ونقل ابن الجَوزِيِّ في "الواهيات"(2/ 369) عن النَّسَائِيِّ، أنَّهُ قال:"هذا حديثٌ مُنكَرٌ، رواه نُعيمُ بنُ حَمَّادٍ، وليس بثِقَةٍ".

• قلتُ: ولا يُحتَمَلُ لنُعيمِ بن حَمَّادٍ التَّفرُّدُ بهذا الإسناد النَّظِيفِ. وقد بَيَّن الذَّهَبيُّ في "سِيَر النُّبلاء"(10/ 606) كيف وَقَعَ لنُعَيمِ بن حمَّادٍ هذا الوَهَمُ، فقال: "وتفرَّد نُعيمٌ بذاك الخَبَرِ المُنكَر: حدَّثَنا سُفيان

- وذَكَرَ الحديثَ. ثُمَّ قال الذَّهَبيُّ: - فهذا ما أَدرِي: مِن أين أتى به نُعيمٌ؟! وقد قال نُعيمٌ: "هذا حديثٌ يُنكِرُونَه، وإنَّما كُنتُ مع سفيانَ، فمرَّ شيءٌ، فأنكَرَهُ، ثُمَّ حدَّثَني بهذا الحديث". قلتُ: هو صادقٌ في سَمَاع لفظ الخَبَر من سُفيان. والظَّاهرُ، واللهُ أعلَمُ، أن سُفيان قالَه مِن عندِهِ، بلا إسنادٍ، وإنما الإسنادُ قاله لِحَدِيثٍ كان يُريدُ أن يَروِيَهُ، فلمَّا رَأَى المُنكَرَ تَعجَّب، وقال ما قال عَقِبَ ذلك الإسناد، فاعتقدَ نُعيمٌ أن ذاك الإسنادَ لهذا القول. واللهُ أعلَمُ" ا. هـ.

وتعَقَّبَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ بعضَ ما قاله الذَّهَبيُّ، فقال في "النُّكَت الظِّراف على الأطراف" (10/ 173):"قرأتُ بخطِّ الذَّهَبيِّ: "لا أصل له ولا شاهدَ، ونُعيمُ بنُ حَمَّادٍ مُنكَرُ الحديث، مع إمامته". قُلْتُ: بل وَجَدتُ له أصلًا، أخرَجَهُ ابنُ عُيينة في "جامعه"، عن معرُوفٍ المَوصِليِّ، عن الحسَن البَصِريِّ به مُرسَلًا، فيُحتَمل أن يكون نُعيمٌ دَخَلَ له حديثٌ في حديثٍ" ا. هـ.

• قلتُ: وقد سُئل أبو حاتمٍ الرَّازيُّ - كما في "العِلل"(2/ 429) لولَدِه - عن حديث نُعيمِ بن حَمَّادٍ هذا فقال: "هذا عندي خطأٌ، رواه

ص: 394

جَريرٌ، ومُوسى بنُ أَعيَنَ، عن ليثٍ، عن معرُوفٍ، عن الحَسَن، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: مُرسَلٌ".

وأخرَجَهُ أبو عَمرٍو الدَّانِيُّ في "الفِتَن"(229) من طريق إبراهيم بن مُحمَّدٍ، عن ليث بن أبي سُليمٍ به مُرسلًا.

وقد وجدتُ له شاهدًا من حديث أبي ذَرٍّ رضي الله عنه.

أخرَجَهُ أَحمدُ (5/ 155) قال: حدَّثَنا مُؤَمَّلٌ، ثنا حمَّادٌ، ثنا حجاجٌ الأسودُ - قال مُؤَمَّلٌ: وكان رجُلًا صالحًا -، قال: سَمِعتُ أبا الصِّدِّيقِ، يُحدِّث ثابتًا البُنَانِيَّ، عن رَجُلٍ، عن أبي ذَرٍّ مرفُوعًا:"إِنَّكُم في زمانٍ، عُلمَاؤُهُ كثيرٌ، خُطَبَاؤُهُ قليلٌ، من تَرَكَ فيه عُشَيرَ ما يَعلَمُ هَوَى - أو قال: هَلَكَ -، وسَيَأتِي على النَّاس زَمَانٌ، يَقِلُّ عُلماؤُهُ، ويكثُر خطباؤُه، مَن تَمَسَّك فيه بِعُشَير ما يَعلَمُ نجا".

وقد اختُلف في إسناده ..

فأخرَجَهُ البُخاريُّ في "التَّاريخ الكبير"(1/ 2/ 374) قال: "وقال إسحاقُ - هو ابنُ راهوَيه -: حدَّثَنا المُؤَمَّلُ، سمِعَ حمَّادَ بنَ سَلَمة، سَمِعَ حجَّاجًا الأسود، يُحدِّث ثابتًا، عن أبي الصِّدِّيق، عن أبي ذرٍّ، مرفوعًا - نحوه - ".

ووَجهُ الاختلاف، أنَّهُ في رواية أحمدَ أن أبا الصَّدِّيقِ هو الذي كان يُحدِّثُ ثابتًا، وفي رواية البُخاريِّ أن حجاجًا الأسودَ هو الذي كان يُحدِّث ثابتًا، بحضرة أبي الصِّدِّيق. ووقعت واسطةٌ بين أبي الصِّدِّيق، وأبي ذرٍّ في رواية أحمدَ، بينما خَلَت روايةُ البُخاريِّ منها.

ص: 395

وقد أخرَجَهُ البُخاريُّ أيضًا، قال: قال إبراهيمُ بنُ مُوسى. .

والهَرَوِيُّ في "ذَمِّ الكلام"(100) من طريق عليِّ بن خَشرَمٍ، قالا: ثنا عِيسَى بنُ يُونُس، سمع حجَّاجَ بن أبي زيادٍ الأسودَ، قال: حدَّثَني أبو نَضرَة، أو أبو الصِّدِّيق - شكَّ حجَّاجٌ -، عن أبي ذَرٍّ مرفُوعًا نحوَه.

فهذه الرِّواية تُؤَيِّدُ - في الجُملة - رِوايَةَ إسحاقِ بن رَاهَوَيه المُتقدِّمةَ، بإِسقاط الوَاسِطَة، ولكقْ وَقَعَ فيها الشَّكُّ من حجَّاجٍ الأسودِ، وهذا عندي اختلافٌ مُؤَثِّرٌ، يُضَعَّفُ به الحديثُ.

والعلمُ عِند الله تعالَى.

(تنبيهٌ)

وبعد كتابةِ ما تَقَدَّم بزَمانٍ، وقفتُ على كتاب "المُداوِي" لأبي الفَيض الغُمارِيِّ، فوجدتُه نقل كلامَ الذَّهَبِيِّ في نَكارَة الحديثِ، وأنَّه ليس له أصلٌ ولا شاهدٌ، فعلَّق عليه قائِلًا (2/ 560):"كذا قال! وهو ظُلمٌ وإسرافٌ؛ وليس في الحديثِ ما يُنكَرُ، بل الحالُ والواقعُ شاهدٌ له؛ فإنَّ السَّلفَ الصَّالح ولا سيَّما الصَّحابة لو رأوا زمانَنَا وأعمالَنا لَحَكموا علينا بالرِّدَّة! نعُوذُ بالله من سُوء القَضاء" انتهَى.

• قلتُ: ونحنُ نعُوذ بالله من مخالَفة قانُون العِلم بلا مُستنَدٍ، إلَّا بالهَوَى والتَّشهِّي، فإنَّ تصحيحَ الحديثِ بواقعِ الحالِ مع قطعِ النَّظَر عن رِعايَة الاصطلاح لم يَقُل به أحدٌ ممَّن يُرجَع إلى قوله من أهل العِلم. والغُماريُّ متناقِضٌ في هذا جِدًّا، فقد رأيتُه في مواضعَ عديدةٍ من "المُداوِي" يُصحِّح الأحاديثَ المُنكَرَةَ بأنَّ الواقعَ يشهَدُ لمعناها، وفي مرَّاتٍ أخرى

ص: 396

ينتقد من يُصحِّحُ بالذَّوق دُون مراعاةٍ لعُلوم الحديث. ولو سلَكنا هذا المَسلَكَ فسوف نُصحِّحُ المئاتِ، بل الألوفَ، من الأحاديثِ المَوضُوعة والباطلةِ؛ فمُتُون هذه الأحاديثِ تلتقي مع الأُصول العامَّة للشَّريعة، فهل يُمكنُ مثلًا أن نُصحِّحَ حديثَ:"من أَخَذ مالًا من نَهاوِشَ أذهَبَهُ اللهُ نَهابرَ" وهو حديثٌ موضوعٌ، ومعناه: من أخَذَ مالًا من غير حِلِّه أذهَبَه اللهُ هَدَرًا ولم ينتفع به صاحبُه؟ فهذا المعنَى يُوجَدُ في عموم آياتٍ وأحاديثَ، وأنَّ الله يعاقِبُ صاحبَ المالِ الحرامِ بالابتلاء، وقد رأينَا عشَراتِ الحِكاياتِ التي تدُلُّ على ذلك، فهل يُمكنُ أن نُصحِّحَ هذا الحَديثَ مع قطع النَّظر عن إسنادِه لأنَّه يوافِقُ الواقعَ؟!

وقد رأيتُ الغُماريَّ يقوِّي الأحاديثَ بناءً على هذا الأصلِ الباطِل في مَواضعَ من "المُداوِي"، أَذكُر لك بعضَها ليس على سبيل الحَصر.

فمن ذلك:

أن السِّيوطِيَّ ذكر في "الجامِع الصَّغير" حديثَ: "اقرؤوا على موتاكم {يس} ، فقال الغُماريُّ (2/ 133 - 134):

"قال الشَّارحُ: "لاشتِمالِها على أحوالِ البَعث والقِيامةِ، فيتذكَّر ذلك بها. أو المُرادُ: اقرؤوها عليه بعد موتِه. والأَوْلَى الجمعُ. قال ابنُ القيِّم: وخَصَّ {يس} لما فيها مِن التَّوحِيد والميعادِ والبُشرَى بالجنَّة لأهل التَّوحيد، وغِبطَةِ مَن مات عليه؛ لقوله:{يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس: 26] ".

قلتُ [القائلُ الغُماريُّ]: الأَولَى تعليلُ قراءَتِها بالوارِد، فقد قال أبُو نُعَيمٍ في "التَّاريخ": "حدَّثَنا القاضي مُحمَّدُ بنُ أحمد بن إبراهِيم، ثنا إبراهِيمُ

ص: 397

ابن بُندَارَ، ثنا مُحمَّدُ بنُ يحيى بن أبي عُمرَ، ثنا عبدُ المَجيد بنُ أبي رَوَّادٍ، عن مُوَقَّرِيِّ بن سالمٍ، عن صفوانَ بن عمرٍو، عن شُريح، عن أبي الدَّرداء، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ما مِن ميِّتٍ يموتُ فيُقرأ عنده {يس} إلَّا هَوَّن الله عليه"، ويُؤَيِّدُ هذا ما حكاه الشَّارَحُ نفسُه في "الكبير"، عن ابن العَربيِّ، أنَّه قال: مرضتُ وغُشِي عليَّ وعُدِدتُ من المَوتَى، فرأيتُ قومًا كَرَشِّ المطَرِ يريدُون أذِيَّتي، ورأيتُ شخصًا جميلًا طيِّبَ الرَّائحةِ شديدًا، دفَعَهُم عنِّي حتَّى قَهَرَهُم، فقلتُ: "مَن أنتَ؟! "، قال: "سُورَةُ {يس} "، فأفقتُ، فإذا بِأَبِي عِند رأسي وهو يبكي وَيقرأُ {يس} وقد خَتَمَها. انتهَى. وأيضًا، فإنَّ الميِّت في حالة الاحتِضار لا يكُون غالبًا مِن أهل الفهم والتَّدبُّر؛ لا هو فيه مِن أَلَم الموتِ وكُرَبِه وهوله، بل الشَّارحُ قد اختار الجمعَ وهو قراءَتُها على الميِّت بعد مفارَقة الرُّوْح، كما يُفيدُه عمُومُ لفظ الحديث ويُصَرِّح به حديثُ أبي الدَّرداء، فبطَل التَّعليلُ بما قالَه ابنُ القيِّم واعتَمَده الشَّارحُ" انتهَى.

• قلتُ: فانظُر، يرحمُكَ اللهُ، كيفَ ردَّ تعليلَ ابن القَيِّم بأنَّ الأَوْلَى في التَّعليل اعتِمادُ ما جاء به النَّصُّ وعبَّر عنه بـ "الواردِ"، ثمَّ ساق هذا "الواردَ" بإسناده، وأيَّد صِحَّة هذا "الوارِدِ" بمنامٍ رآه بعضُ النَّاس.

مع أن الحديث الذي أورَدَه باطلٌ؛ ومُوَقَّرِيُّ بنُ سالمٍ هذا لم يُخلَق، وهو مصحَّفٌ عِندي من "مَرْوان بن سالمٍ"، وكتابُ أبي نُعيمٍ ليس تحت يديَّ وأنا أكتبُ هذا الكلامَ حتى أُراجع الإسنادَ فيه، لكنَّني أجزِمُ أن صِحَّةَ الاسم: مَرْوان.

ص: 398

ومروانُ بنُ سالمٍ هذا ساقطٌ، كذَّبه السَّاجِيُّ وقال:"يضع الحديث"، وكذلك قال أبو عَروبَة، وَتَرَكه النَّسائِيُّ والدَّارَقُطنِيُّ، وقال النَّسائِيُّ وأحمدُ وابنُ مَعِينٍ والعُقَيليُّ:"ليس بثقةٍ"، وقال البُخارِيُّ ومُسلمٌ وأبو حاتمٍ الرَّازِيُّ والفَسَوِيُّ وأبو نُعَيمٍ الأصبَهانِيُّ:"مُنكَرُ الحديث"، زاد أبُو حاتمٍ:"جِدًّا"، وقال ابنُ عَدِيٍّ:"عامَّة حديثِهِ لا يُتابِعُهُ الثِّقاتُ عليه"، والكلام فيه طويلُ الذَّيل.

فهل يُمكن أن يُقوَّى هذا الحديثُ برُؤيا منامٍ رآه إنسانٌ مهما بَلَغَ صلاحُهُ؟!

وقد اتَّفق أهلُ العِلم أنَّه لا تُؤخَذُ أحكامٌ شرعيَّةٌ من المنامات. فلو أن المُسلمين اختلَفُوا في أوَّل يوم من رمضانَ، فرأى رجلٌ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في منامه رُؤيَا صِدقٍ، وقال له:"غدًا أوَّلُ رمضانَ" فلا يَلزَمُ هذا الرَّجُلَ أن يَصوم، ولا يَلزمُ المسلِمين أن يصوموا لهذه الرُّؤيا. والله أعلم.

ومن ذلك أيضًا:

أن السِّيوطِيَّ أَورَدَ في "الجامِع" حديثَ: "أقلُّ ما يُوجَدُ في أُمَّتِي في آخِر الزَّمان دِرهمٌ حلالٌ، أو أخٌ يُوثَقُ به"، فقال الغُماريُّ (2/ 137):"قال الشَّارِح في "الكبير": "قال ابنُ الجَوزِيِّ: هذا لا يَصِحُّ؛ قال يحيى: "يزيدُ بنُ سِنانَ - أحَد رِجالِه - غيرُ ثقةٍ"، وقال النَّسائِيُّ:"متروكُ الحديث"، ومِن تمَّ رَمَزَ المصنِّفُ لضعفه".

قلتُ [القائلُ الغُماريُّ]: لا يَلزَم من ضعفِ السَّند ضعفُ الحديثِ؛ فإنَّ الواقعَ يشهَدُ بصِدقِ هذا الحديثِ، فأقلُّ ما يوجَدُ اليومَ دِرهمٌ حلالٌ

ص: 399

لكثرة مُعامَلات الرِّبا وأخذِ الرَّشاوي والأموالِ بالباطِل، وأخٌ يُوثَق به لكَثرة الجواسيس وتحاسُدِ النَّاس وتَبَاغُضِهم ومحَبَّةِ إفشاء الأسرار وتتبُّع العَوْرات وإيصالِها إلى الأعداء. فلا حَول ولا قُوَّة إلَّا بالله" انتهَى.

• قلتُ: فهل رأيتَ مِثلَ هذا قطُّ؟! حديثا فيه متروكٌ، فيقُول:"لا يَلزَم تضعيفُ الحديثِ به؛ لأنَّ الواقع يشهَدُ له"! فما فائِدةُ علم الحديث إذن؟!

ونقولُ للغُمارِيِّ ما قاله هُو في "المُداوي"(2/ 243) وهو يتَعقَّبُ المُناويَّ إذ حسَّن إسنادَ حديثٍ منكَرٍ، قال:"أخَذَ هذا [يعني: المُناوِيَّ] من قول العامِرِيِّ في "شرح الشِّهاب" كما صرَّح به في "الكبير". والعَامِرِيُّ يُصحِّحُ الحديثَ بحسب ذَوقِه وهواه، غيرَ مُرتَكِنٍ في ذلك إلى قاعدةٍ حديثِيَّةٍ، ولا ناظِرٍ إلى إسنادٍ، فهو كالشَّارح مِن أعجَب مَن رأينا من الرِّجال المُتكَلِّمين على الأحاديث" انتهَى.

والذي اتَّفق عليه العُلماءُ أنَّه لا يُنظَرُ في المَتن إلَّا بعد النَّظَر في الإسناد؛ فعليه المُعوَّلُ. وما أجمل ما خَتَم به الذَّهَبِيُّ ترجمةَ يحيى القَطَّان من "السِّير"(9/ 188)، إذ نقل عن مُحمَّد بن عبد الله بن عمَّارٍ، قال يحيى بنُ سعِيدٍ:"لا تَنظُروا إلى الحديث، ولكن انظروا إلى الإسناد، فإن صحَّ الإسنادُ، وإلَّا فلا تغتَرُّوا بالحديث إذا لم يصحّ الإسنادُ".

ومن ذلك أيضًا:

أن السِّيُوطِيَّ أورَدَ حديث: "أكذبُ النَّاس الصَّبَّاغون والصَّوَّاغُون"، فقال الغُمارِيُّ (2/ 174 - 175):

ص: 400

"وهُو في نَقدِي حديثٌ باطلٌ موضوعٌ، ما نَطَق به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولا رواه عنه أبُو هُريرةَ. وكيفَ ينطِقُ مَن لا يَنطِق عن الهَوَى بما يُخالِف الواقِعَ؟! فما الصَّوَّاغُون والصَّبَّاغُون بأكذبِ النَّاس، ولا هُم مخَصُوصون بذلك مِن بين سائر الصُّنَّاع. وإذا كان يُرَدُّ بِمِثل هذا ولو كان مِن رواية الثِّقة، بل من رواية الآحاد، فكيف به وهُو مِن رواية الضُّعفاء والمَترُوكين؟ [ثمَّ خَتَمَ بحثَه بذِكر لفظِ الدَّيلَمِيِّ، يقول: "أكذَبُ النَّاس الصُّنَّاع"، فقال:] وفي هذا السَّنَد ضُعفاءُ، على أنَّه أعمُّ مِن الذي قبله، وفيه مُوافَقةٌ للواقع، ومع ذلك فإنِّي أجزِمُ ببُطلانِه أيضًا، وأنَّه ما خرج من شفتي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم " انتهَى.

• قلتُ: كذا قال! ومُخالَفةُ الواقِع أمرٌ نِسبيٌّ يخضعُ للمَفهوم، والمَفهُومُ لا يَنحَصِر، وقد يَتَوَهَّمُ المرءُ الشَّيءَ ولا يكونُ كما توهَّمَه. فيَرُدُّ حديثَ الثِّقة بمثل هذا، وفي هذا جِنايَةٌ على النُّصوص. وقد ردَّ الغُمارِيُّ رواياتٍ لثقاتٍ مشهورين بهذا الأصل الباطِل.

ونحنُ نوافقه على أن حديث: "أكذَبُ النَّاس الصَّبَّاغون. . ." باطلٌ موضوعٌ. لكن لو توهَّمنا - جَدَلًا - أن الحديث صحيحٌ، فيُمكنُ تأويلُ دلالته، بأنَّ أفعلَ التَّفضيل هنا خَرجَ على غير بَابِهِ، وإلَّا لَلَزِمَنَا أن نرُدَّ حديثَ:"ما أقَلَّت الغَبراءُ ولا أظلَّت السَّماءُ أصدقَ لهجةً مِن أبي ذَرٍّ" وما أشبهَهُ. فلقائلٍ أن يقول: هذا كَذِبٌ، وإلَّا فأبو بكرٍ الصِّدِّيقُ أصدقُ منه، فكيف يفوقُهُ أبُو ذَرٍّ في شيءٍ صار لقبًا عليه وهو "الصِّدِّيق"؟ ولكن للعُلماء في هذا تأويلاتٌ سائغةُ تُراجَع من مَظانِّها.

ص: 401

ومن ذلك أيضًا:

أن السِّيُوطِيَّ ذكر حديث: "اللهُمَّ! لا يُدركني زمانٌ، ولا تُدرِكوا زمانًا، لا يُتَّبَعُ فيه العليمُ، ولا يُستَحيا فيه من الحَليم، قُلوبُهُم قُلوبُ الأعاجم، وألسِنَتُهُم ألسنةُ العَرَب"، قال الغُماريُّ (2/ 225 - 226):

"قال الشَّارحُ: "بإسنادٍ ضَعَّفوه". قلتُ: ليس هو بضعيفٍ، إنَّما هو مِن رواية ابن لهَيعَة، وحديثُهُ حَسَنٌ إذا لَم يُخالَف فيه، لاسيَّما إذا كان له شاهدٌ أو صدَّقه الواقعُ، كهذا. فإنَّ الزَّمان الذي وَصَفَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم هو هذا، فإنَّه لا يُتَّبعُ فيه العليمُ، ولا يُستَحى فيه من الحليمِ، بل رفع الله من أهلِهِ الحَياءَ واحترامَ أهلِ الفضل والدِّين، وعدم الالتفات للعُلماء، بل أصبَحَ العليمُ فيه مرذولًا محتَقَرًا، لاسِيَّما الطَّائفةُ العَصْريَّةُ فإنَّهم لا يُقيمون للدِّين وأهله وزنًا، ولا يَرضَون عِلمَ عالِمٍ ولا إرشادَ مُرشِدٍ، بل يَرَون الحقَّ ما هُم عليه من التَّفَرنُج والفُجور والإلحاد والفِسقِ والكُفور، قلوبُهُم قلوبُ الأعاجمِ، وهَوَاهم هوى الفِرِنجِ، وحالُهُم حالُ الزَّنادقة، وألسِنَتُهُم ألسنةُ العرب، لَم يَبق لهم من الإسلام إلَّا اللِّسانُ والأسماءُ، فإذا قيل للواحد منهم: "إنَّ الدِّين الإسلامِيَّ يُنافِي ما أنتُم عليه" وتَلا القُرآنَ والسُّنَّةَ، قال: "أنتُم أعداءُ الدِّين، تُشَوِّهونه وتُنَفِّرون منه النَّاس، إنَّما الدِّين في القَلب، وما عدا ذلك من امتِثَال الأوَامر واجتِناب المناهي فغُلُوٌّ وتنطُّعٌ وضلالٌ من أهله يأكُلُون به أموال النَّاس". هذا حالُهُم، أصبحَ مشهورًا ذائعًا والنَّاسُ يَدخُلون معهم فيه أفواجًا أَفواجًا، فيُصبِح الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمسي عصريًّا كافِرًا مُلحِدًا لسانُهُ لسَانُ العَرَب وقلبُهُ قلبُ

ص: 402

العجمِ، لا يَهوَى إلَّا حالَةَ العَجَم ولا يُقدِّس إلَّا سيرَتهم ولا يَعتَقِدُ الفَضلَ والخَير إلَّا في اتِّباعِهِم. فكيف يكُونُ الحديثُ ضعيفًا وقد ظَهَر مِصداقُهُ بعد مُضِيِّ أزيَدَ من ألف سنةٍ؟! هذا، وإِنِّي في شكٍّ مِن وُجُود حديث أبي هُريرَة في "مُستَدرَك الحاكِم"، فقد تَتَبَّعتُه في مظانِّه فلم أرَهُ فيه، وقد اقتَصَر الحافِظان المُنذِريُّ والعِراقِيُّ على عَزوِهِ لأَحمدَ مِن حديث سهل بن سعدٍ، وما تَعرَّضا لحديثِ أبي هُريرة، فالغَالِب أنَّه سبقُ قلمٍ من المصنِّف. والله أعلم" انتهَى.

• قلتُ: وليس في يد الغُمارِيِّ ما يَرُدُّ به على تَضعيفِ الحديثِ سوى قوله: "ليس هو بضعيفٍ. . . لاسيَّما إذا كان له شاهدٌ أو صدَّقه الواقع"، وأطال الكلامَ في ذلك كما رأيتَ. ولمَّا نظر إلى الحديثِ وتكلَّم بقانون العِلم لم يكُن مصيبًا؛ لأنَّه ذكر أنَّه مِن روايَة ابن لَهيعَة، قال:"وهو حَسَنُ الحديث إذا لم يُخالَف"، وقد خُولِف ابنُ لهيعَةَ كما يأتِي.

ولو سلَّمنا أنَّه لم يخالَف فإنَّه لم يُتابَع أيضًا عند الغُماريِّ، وهذا هُو التَّفرُّد عند العُلماء، وابنُ لهيعة إذا تفرَّد لا يُحسِّنُ أحدٌ يُحسِنُ النَّقدَ حديثَهُ، وإن فشَا ذلك في المتأخِّرين.

وقد صرَّح الذَّهَبيُّ في "الميزان" أن تفرُّد الصَّدُوق يُعدُّ مُنكَرًا، وهذا القولُ يحتاجُ إلى تفصيلٍ ليس هَاهُنا موضِعُهُ.

ولو سلَّمنا أيضًا أن ابنَ لهيعَةَ تُوبع فشَيخُهُ مجهولٌ ..

فقد أخرجَه أحمدُ (5/ 340) قال: حدَّثنا حَسَنُ بنُ مُوسَى، أخبَرَنا ابنُ لهيعَةَ، حدَّثَنا جميل الأسلَمِيُّ، عن سهل بن سعدٍ مرفوعًا.

ص: 403

وجميلٌ هذا هو الحَذَّاءُ الأسلَمِيُّ، قال الحافِظُ في "تعجيل المَنفَعة" (149):"عن: أبي هُريرَة، وسهلِ بن سعدٍ. وعنه: ابنُ لهيعَةَ، وبَكرُ بن مُضَرٍ، وغيرُهما. فيه نظَرٌ، وقال في "الإكمال": مجهولٌ. قلتُ: قد ذَكَره ابنُ حِبَّان في "الثِّقات" في أتباعِ التَّابعين، فكأنَّه لم يَثبُت عندَه روايَتُهُ عن صحابيٍّ، وقال: يَروِي المَراسِيلَ، روى عنه عمرُو بن الحارث. وقال ابن يُونُس في "تاريخ مصر": جميلُ بن سالمٍ مولَى أسلم، يُكْنَى أبا عُروة، روَى عنه عمرُو بنُ الحارِثِ وابنُ لهيعَةَ، وحديثُهُ عن سهلٍ معلولٌ" انتهَى.

• قلتُ: أمَّا ابنُ لهيعَةَ فقد خالَفه عمرُو بنُ الحارِث - وهو أحدُ الأثبات -، فرواه عن جميل بن عبد الرَّحمن الحذَّاء، عن أبي هُريرة مرفوعًا فذكر مثله.

أخرَجَه الحاكِمُ في "كتاب الفِتَن"(4/ 510 - المُستدرَك) من طريق بَكرِ بن مُضَرٍ، عن عمرِو بن الحارث بهذا، وقال:"صحيحُ الإسناد"!!

كذا قال الحاكِمُ، وقد عرفتَ ما فيه، فالحديثُ مُضطرِبٌ ضعيفُ الإسناد.

وَذَكَر له الغُمارِيُّ شاهِدًا من "مُسنَد الفِردَوس" للدَّيلَمِيِّ، عن عليّ بن أبي طالب مرفوعًا مثلَه، ولم يتكلَّم على إسنادِه.

وهو حديثٌ باطلٌ كغالِبِ مفاريد الدَّيلَمِيِّ؛ وفي إسنادِهِ عبدُ الله بنُ مُحمَّد بن وهبٍ الدِّينَورِيُّ، وهو ابنُ حِمدَانَ، كان له حِفظٌ ومعرِفةٌ، ولكن تَرَكه الدَّارَقُطنِيُّ، وقال مرَّةً:"يضعُ الحديثَ"، ورماه عُمرُ بنُ

ص: 404

سهلٍ بالكَذِب، كما قال ابنُ عَديٍّ، ولعلَّ ذلك لأنَّه كان يَجمَع الغَرائبَ، قال ابنُ عُقدةَ:"كتبَ إليَّ ابنُ وهبٍ [يعني: الدِّينَوريَّ هذا] جُزأين من غَرائب سفيانَ الثَّورِيِّ، فلم أعرف منها إلَّا حديثَين، وكان قد سوَّى عامَّتها عن شُيوخه الشَّامِيِّين، فكنتُ أتَّهِمُهُ".

قال ابنُ عَدِيٍّ: "وقبِلَه قومٌ وصَدَّقُوه".

وابنُ وهبٍ الدِّينَورِيُّ هذا ليس هُو صاحب "المُجالَسة"، هذا اسمُهُ: أحمدُ بنُ مروانَ، وقد اتَّهمَه أيضًا الدَّارَقُطنِيُّ بوضع الحَديث، وخالَفَه غيرُهُ.

فقد رأيتَ أن الشَّاهِدَ ساقطٌ عن حدِّ الاعتِبار به.

وخُلاصَةُ ما أريدُ أن أقولَه:

إنَّ تصحيحَ الأحاديثِ أو تضعيفَها بموافَقَة الواقعِ لها، أصلٌ باطلٌ لا يجوزُ الاعتمادُ عليه؛ لأنَّ علمَ الحديث قائمٌ على تصحيحِ أو تَوهِين نِسبَة الكَلام إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أوَّلًا، وإلى غيرِه ثانيًا. ولو نظرتَ في كتاب "المُعجَم الأوسط" للطَّبَرانِيِّ، أو "الأفراد" للدَّارَقُطنِيِّ، لوجدتَ أن جُمهُورَ متُونِ الكِتابَين صحيحةٌ، لكنَّها بأسانيدَ مُنكَرةٍ أو باطِلةٍ، مع أن المُتُون معروفةٌ من غير هذا الوَجه، ومع ذلك فلا يَحكُم أحدٌ لها بالصِّحَّة بهذا الإسناد. وصِحَّةُ الكَلامِ في ذاتِهِ شيءٌ، وثُبُوتُهُ عن قائِلِه شيءٌ آخر، فليس كلُّ كلامٍ حَسَنٍ يَصلُحُ أن يكون حديثًا.

فهذه تَذكِرَةٌ وتنبيهٌ.

والله المُستَعان لا ربَّ سواه، وهُو أعلَى وأعلم.

ص: 405

‌241 - سُئلتُ: هل صحيحٌ ما ذكره الحافظُ جلالُ الدِّين السِّيُوطيُّ في "كتاب الحاوي" أن حديث: "أَبِي وَأَبُوكَ فِي النَّارِ" من جُملة الأحاديث

الضَّعيفة، بِرَغْمِ أن مُسلِمًا رواه في "صحيحه"؟

• قلتُ: نعم!

فقد أَورَدَ السِّيُوطِيُّ في "مَسَالِك الحُنَفَا في وَالِدَيْ المُصطَفَى"(2/ 435 - 432) سُؤالًا، في مسألة إيمان وَالِدَي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال. "فَإِن قُلتَ: بَقِيَت عُقدَةٌ وَاحِدَةٌ، وهي ما رَوَاهُ مُسلِمٌ عن أنَسٍ، أن رجُلًا قال:"يا رسُول الله، أين أبي؟ "، قال:"فِي النَّارِ"، فلمَّا قفَّى، دعاه، فقال:"إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ". وحديثُ مُسلِمٍ، وأبي داوُد، عن أبي هُريرَة، أنَّهُ صلى الله عليه وسلم استَأذَنَ في الاستغفار لأُمِّه، فلَم يُؤذَن لَهُ، فاحلُل هذِه العُقدَة. قلتُ: على الرَّأس والعَينِ! والجَوَابُ: أن هذه اللَّفظةَ، وهي قولُه:"إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ" لَم يَتَّفِق على ذكرها الرُّواةُ، وإنَّما ذَكَرَها حَمَّادُ بنُ سَلَمة، عن ثابتٍ، عن أنَسٍ، وهيَ الطَّريقُ التي رواه مُسلِمٌ منها. وقد خالَفَهُ مَعمَرٌ، عن ثابتٍ فلم يَذكُر:"إِنَّ أَبِي وأَبَاكَ فِي النَّارِ"، ولكن قال:"إِذَا مَرَرتَ بِقَبرِ كَافِرٍ فَبَشِّرهُ بِالنَّارِ"، وهذا اللَّفظُ لا دَلَالَةَ فيه على والدِه صلى الله عليه وسلم بأمرٍ البتَّة، وهو أَثبَتُ من حيث الرِّواية؛ فإنَّ

ص: 406

مَعمَرًا أثبَتُ من حمَّادٍ، فإنَّ حمَّادًا تُكُلِّم في حِفظِه، ووَقَعَ في أحاديثِهِ مناكيرُ، ذَكَرُوا أن رَبِيبَهُ دسَّها في كُتُبِه، وكان حمَّادٌ لا يَحفَظُ، فَحدَّث بها، فوَهِمَ، ومِن ثمَّ لم يُخَرِّج له البُخاريُّ شيئًا، ولا خَرَّج له مُسلِمٌ في الأُصول، إلَّا مِن حديثه، عن ثابتٍ. . . وأمَّا مَعمَرٌ فَلَم يُتكَلَّم في حِفظِه، ولا استُنكِرَ شيءٌ من حديثِه، واتَّفَقَ الشَّيخانِ على التَّخريج له، فكان لفظُهُ أثبتَ. . . [ثُمَّ ذَكَرَ السِّيُوطِيُّ شاهدًا لحديث مَعمَرٍ، مِن حديث سعد بن أبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه] ".

وقد ألَّف السِّيُوطِيُّ في هذه المسألة مُؤَلَّفاتٍ سبعةً، وهو يُكَرِّرُ في كُلِّ جُزءٍ ما يكونُ مذكُورًا في جُزءٍ آخرَ، وقَلَّما يأتي بزِيادةٍ نافعةٍ، بل التَّكَلُّفُ هو السِّمةُ الظَّاهِرةُ فيها، بِحَيثُ يُقلِّبُ المرءُ كفَّيه عَجَبًا من ضَيَاع المنهج العِلميِّ الرَّصين في سائِرِها.

وقد وَقَعَ السِّيُوطِيُّ في سائِرِهَا في تَكَلُّفٍ مُدهِشٍ، حتَّى وَصَل به الحالُ أن خَالَف قانُون العِلمِ في مسائِلَ يطُولُ الأمرُ بِذِكرِها، ومِنهَا هذه المسألةُ التي يسألُ عنها السائلُ.

وسأَجعَلُ هذه المسأَلةَ آيةً، يَقِيسُ عليها القارئُ ما غاب عَنهُ من جواب السِّيُوطِيِّ رحمه الله.

والجوابُ من وجوهٍ.

• الأوَّل: أن السِّيُوطِيَّ ضعَّف حديثَ مُسلِمٍ، وبَنَى تضعيفَه على مُقَدِّمةٍ، وهي أن مَعمَرَ بنَ راشدٍ خالَف حمَّادَ بنَ سَلَمة في لفظِه، ومَعمَرُ بنُ راشدٍ أوثَقُ من حمَّاد بن سلَمة.

ص: 407

وهذه المُقارَنة حَيْدَةٌ مَكشُوفَةٌ؛ فإنَّ الأمرَ لا يخفَى على أحدٍ من المُشتَغِلين بالحديثِ، ومِنهُم السِّيُوطِيُّ نفسُه، فإنَّ أهل العِلم بالحديث قالُوا:"أَثبَتُ النَّاس في ثابتٍ البُنَانِيِّ هو حمَّادُ بنُ سَلَمة، ومهما خالفه مِن أَحَدٍ، فالقَولُ قَولُ حمَّادٍ"، فقال أبو حاتمٍ الرَّازِيُّ - كما في "العِلل" (2185) -:"حَمَّادُ بنُ سَلَمة أَثبَتُ النَّاس في ثابتٍ، وفي عليّ بن زيدٍ"، وقال أحمدُ بنُ حَنبلٍ:"حمَّادُ بنُ سَلَمة أثبَتُ في ثابتٍ من مَعمَرٍ"، وقال يحيى بُن مَعِينٍ:"مَن خالفَ حمَّادَ بنَ سَلَمة، فالقَولُ قول حمَّادٍ. - قيل: فَسُليمانُ بنُ المُغيرة عن ثابتٍ؟، قال: - سُليمانُ ثبتٌ، وحمَّادٌ أعلمُ النَّاس بثابتٍ"، وقال ابنُ مَعِينٍ مَرَّةً:"أَثبَتُ النَّاس في ثابتٍ: حمَّادُ بنُ سَلَمة"، وقال العُقيليُّ في "الضُّعفاء" (2/ 291):"أَصَحُّ النَّاس حديثًا عن ثابتٍ: حمَّادُ بنُ سَلَمة"، وقد أكثر مُسلِم من التَّخريج لحمَّاد بن سَلَمة عن ثابتٍ في الأُصول.

أمَّا معمرُ بنُ راشدٍ فإنَّه وإن كان ثقةً في نفسه، إلَّا أن أهل العِلمِ بالحديث كانُوا يُضَعِّفُون روايتَه عن ثابتٍ البُنَانِيِّ، ولم يُخَرِّج له مُسلِمٌ شيئًا في "صحيحه" عن ثابتٍ، إلَّا حديثًا واحدًا في المُتابَعات، ومقرُونًا بعاصمٍ الأحولِ، وهذا يدُلُّك على مدى ضَعف رواية مَعمَرٍ عن ثابتٍ، ولذلك قال ابنُ مَعِينٍ:"مَعمَرٌ عن ثابتٍ: ضعيفٌ"، وقال مرَّةً:"وحديثُ مَعمَرٍ عن ثابتٍ، وعاصمِ بن أبي النَّجُود، وهشام بن عُروة، وهذا الضَّرب، مُضطَرِبٌ، كثيرُ الأوهام". وقال العُقيليُّ في "الضُّعفاء"(2/ (291): "أَنكَرُ النَّاس حديثًا عن ثابتٍ: مَعمَرُ بن راشدٍ".

ص: 408

وبعد هذا البَيَان، فما هي قِيمَةُ المُفَاضَلة التي عَقَدَها السِّيُوطِيُّ بين الرَّجُلَين؟!

فالصَّوابُ: روايةُ حمَّاد بن سَلَمة. وروايةُ مَعمَرِ بن راشدٍ مُنكَرَة.

* الثاني: قولُ السِّيُوطِيِّ: "إِنَّ ربيب حمَّاد بن سلَمة دسَّ في كُتُبِه أحاديثَ مَنَاكِيرَ، وانطلى أمرُها على حمَّادٍ؛ لسُوء حِفظِه".

وهذه "تُهمَةٌ فاجرةٌ"، كما قال الشَّيخُ المُعَلِّمِيُّ رحمه الله في "التَّنكيل"(1/ 243).

ومُستَنَدُ كُلِّ من تكلَّم بهذه التُّهمَة، ما ذَكَرَهُ الذَّهَبيُّ في "ميزان الاعتدال"(1/ 593) من طريق الدُّولَابِيِّ، قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ شُجاع بن الثَّلجِيِّ، حدَّثَني إبراهيمُ بنُ عبد الرَّحمن بن مَهدِيٍّ، قال:"كان حمَّادُ بنُ سَلَمة لا يُعرَفُ بهذه الأحاديث - يعني أحاديث الصِّفات -، حتَّى خَرَجَ مَرَّةً إلى عَبَادَانَ، فجاء وهو يَروِيها، فلا أَحسَبُ إلَّا شيطانًا خرج إليه من البحر، فألقاها إليه! ". قال ابنُ الثَّلجيِّ: "فسَمِعتُ عبَّاد بن صُهيبٍ يقول: إنَّ حمَّادًا كان لا يَحفَظُ، وكانُوا يقولُون إنَّها دُسَّت في كُتُبه. وقد قيل: إنَّ ابنَ أبي العَوجَاءَ كان رَبِيبَهُ، فكان يَدُسُّ في كُتُبه". وعلَّق الذَّهَبيُّ على هذه الحكاية بقوله: "ابنُ الثَّلجِيِّ ليس بِمُصَدَّقٍ على حمَّادٍ وأمثالِه، وقد اتُّهم. نسألُ الله السَّلامة" انتهَى.

وابنُ الثَّلجِيِّ هذا كان جَهميًّا، عدُوًّا للسُّنَّة، وقد اتَّهمَهُ ابنُ عَدِيٍّ بِوَضعِ الأحاديث، ويَنسِبُهَا لأهل الحديث؛ يَثلُبُهم بذلك، فالحِكاية كُلُّها كَذِبٌ، فكَيفَ يُثلَبُ حمَّادُ بنُ سَلَمة بمثل هذا؟!

ص: 409

ولو جاز لنا أن نَرُدَّ على السِّيُوطِيِّ بِمِثلِ صنيعه، لذَكَرنا ما رُوِي عن أبي حامدٍ بن الشَّرقيِّ - كما في "تاريخ بغداد"(4/ 42) -، أنَّه سُئِلَ عن حديث أبي الأزهر، عن عبد الرَّزَّاق، عن مَعمَرٍ، في فضائل عليّ بن أبي طالبٍ، فقال أبو حامدٍ:"هذا حديثٌ باطلٌ؛ والسَّببُ فيه أنَّ معمرًا كان له ابنُ أخٍ رافضيٌّ، وكان مَعمَرٌ يُمَكِّنُهُ من كُتُبه، فأَدخَلَ عليه هذا الحديثَ، وكان مَعمَرٌ رجُلًا مَهِيبًا، لا يَقدِرُ أحدٌ عليه في السُّؤال والمُراجَعة، فسَمِعَهُ عبدُ الرَّزَّاق في كتاب ابن أخي مَعمَرٍ"، فعلَّق الذَّهَبيُّ في "السِّير" (9/ 576) قائلًا:"هذه حِكايَةٌ مُنقَطِعةٌ، وما كان معمرٌ شيخًا مُغَفَّلًا، يَرُوجُ عليه هذا، كان حافِظًا، بصيرًا بحديث الزُّهريِّ" ا. هـ.

ولكنَّنا لا نَستَجِيزُ أن نطعن علي الثِّقات بمثل هذه الحكايات.

* الوَجهُ الثَّالِثُ: قولُهُ: "ولم يُخَرِّج لَهُ البُخاريُّ شيئًا".

وقد تَقَرَّر عند أهل العلم، أن ترك البُخاريِّ التخريجَ لراوٍ لا يَعنِي أنَّهُ ضعيفٌ. وقد عاب ابنُ حِبَّانَ على البُخاريِّ أنَّهُ ترك حمَّادَ بنَ سَلَمة، وخرَّج لمن هو أدنى مِنه حِفظًا وفَضلًا، فقال: "ولم يُنصِف مَن جَانَب حديثَ حمَّادِ بن سَلَمة، واحتَجَّ بأبي بكرٍ بن عيَّاشٍ، وبابن أَخي الزُّهريِّ، وبعبد الرَّحمن بن عبد الله بن دِينارٍ، فإنْ كان تركُه إيَّاه لِمَا كان يُخطئُ، فغيرُهُ من أقوانه، مِثلُ الثَّوْريِّ، وشُعبَةَ، وذَوِيهِما كانُوا يُخطِئُون، فإن زَعَمَ أن خطأه قَد كَثُر من تَغَيُّر حِفظِه، فقد كان ذلك في أبي بكرٍ بن عيَّاشٍ موجُودًا، وأنَّى يبلغُ أبو بكرٍ حمادَ بنَ سَلَمة؟ أفي إتقانِه، أم في

ص: 410

جَمعه، أم في عَمَلِه، أم في ضَبطِه؟! " انتهَى.

* الوجه الرَّابع: في ذِكرِ الشَّاهد الذي احتجَّ به السِّيُوطِيُّ لتَقوِيَةِ لفظ مَعمَرِ بن راشدٍ.

فهذا الحديثُ أخرَجَهُ البَزَّار (27 - مُسنَد سعد)، وابنُ السُّنِّيِّ في "اليوم واللَّيلة"(610)، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 1/ رقم 326)، والبَيهَقِيُّ في "الدَّلائل"(1/ 191 - 192)، وأبو نعيمٍ في "المعرفة"(ج 1/ رقم 540)، والضِّياء المقدِسِيُّ في "المُختارَة"(1/ 333) - كما في "الصَّحيحة"(18) - مِن طريق زيد بن أَخزَمَ، ثنا يزيدُ بنُ هارُون، ثنا إبراهيمُ بنُ سعدٍ، عن الزُّهريِّ، عن عامر بن سعدٍ، عن أبيه، أن أعرابيًّا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَين أبي؟ "، قال:"في النَّار"، قال:"فأين أبُوك؟ "، قال:"حَيثُما مَرَرتَ بقبر كافرٍ فَبَشِّره بالنَّار".

قال السِّيُوطِيُّ: "وهذا إسنادٌ على شرط الشَّيخَينِ" وليس كما قال؛ لِمَا يأتي.

وذَكَرَ ابنُ كَثيرٍ هذا الحديثِ في "البداية والنِّهاية"(2/ 280)، وقال:"غريبٌ".

وقد خُولِفَ زيدُ بنُ أَخزَمَ في إسناده.

فخالَفَهُ مُحمَّدُ بنُ إسماعيل بن البَختَرِيِّ الوَاسِطِيُّ، فرَوَاهُ عن يزيد بن هارُون، عن إبراهيم بن سعدٍ، عن سالمٍ، عن أبيه فذكره.

أخرَجَهُ ابنُ ماجَهْ (1573).

قال البُوصِيرِيُّ في "الزَّوائد"(1/ 515): "هذا إسنادٌ صحيحٌ،

ص: 411

رجالُهُ ثِقاتٌ. ومُحمَّدُ بنُ إسماعيل وَثَقَهُ ابنُ حِبَّانَ، والدَّارَقُطنِيُّ، والذَّهَبيُّ. وباقي رجال الإسناد على شرط الشَّيخَين".

• قلتُ: ولا شك في تقديم رِواية زيد بن أَخْزَمَ؛ لأمرين:

الأوَّل: أنَّهُ أثبتُ من مُحمَّد بن إسماعيل بن البَختَرِيِّ.

الثَّاني: أنَّهُ تُوبعَ عليه كَمَا في رِواية البَزَّار، والذي تابَعَهُ هو مُحمَّدُ بنُ عُثمان بن مخَلَدٍ - وقد سُئل عنه أبو حاتمٍ - كما في "الجرح والتَّعديل"(4/ 1/ 25) -، فقال:"شيخٌ"، وقال ابنُ أبي حاتمٍ:"صَدُوقٌ"، ووثَّقَه ابنُ حِبَّانَ (9/ 120) -.

وقد ذَكَرَ البَزَّارُ أن يزيدَ بنَ هارُون تفرَّد به، وليس كما قال.

فقد تابَعَه مُحمَّدُ بنُ أبي نُعيمٍ الوَاسِطِيُّ، قال: ثنا إبراهيمُ بنُ سعدٍ، عن الزُّهريِّ، عن عامر بن سعدٍ، عن أبيه.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الكبير"(326)، وعنهُ أبو نُعيمٍ في "معرفة الصَّحابَة" (543) قال: حدَّثَنا عليُّ بنُ عبد العزيز، نا مُحمَّدُ بنُ أبي نُعيمٍ.

وهذه مُتابَعةٌ جَيِّدةٌ، وابنُ أبي نُعيمٍ وثَّقَهُ أبو حاتمٍ، وابنُ حِبَّانَ، وكذا صدَّقه أحمدُ بنُ سنانَ القَطَّانُ. وكذَّبَهُ ابنُ مَعِينٍ، وأَبعَدَ في ذلك.

وقد أعلَّ أبو حاتمٍ هذا الحديثَ بقوله: "كذا رواه يزيدُ وابنُ أبي نُعيمٍ، ولا أعلمُ أحدًا يُجاوِزُ به الزُّهريَّ غيرَهما، إنَّما يرَوُونَه عن الزُّهريِّ، قال: جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. . . والمُرسل أَشبَهُ"، ذَكَرَهُ وَلَدُه في "العِلَل"(ج 2/ رقم 2263).

• قلتُ: وقولُ أبي حاتمٍ مُتَعَقَّبٌ أيضًا، بأنَّهُ قد رواه اثنان آخَرَانِ

ص: 412

مُتَّصِلًا، وهُمَا:

1 -

الوليدُ بنُ عطاء بن الأَغَرِّ، عن إبراهيم بن سعدٍ به.

ذَكَرَهُ الدَّارَقُطنِيُّ في "العِلل"(4/ 334). والوليدُ صَدُوقٌ.

2 -

والثَّاني: الفَضلُ بنُ دُكَينٍ، عن إبراهيم بن سعدٍ.

أخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في "الدَّلائل"(1/ 191). وسَنَدُه صحيحٌ إلى إبراهيمَ بن سعدٍ.

وقد رَجَّح الضِّياءُ المَقدِسِيُّ الرِّوايةَ المُتَّصِلةَ، بَينَمَا رَجَّح أبو حاتمٍ الرِّوايةَ المُرسَلةَ.

وقول أبي حاتمٍ هُو الصَّوَابُ.

وهذه الرِّوايةُ المُرسَلة، أخرَجَهَا عبدُ الرَّزَّاق في "المُصنَّف"(ج 10/ رقم 19687) عن مَعمَر بن راشدٍ، عن الزُّهريِّ، قال: جاء أعرابيٌّ. . . وساق الحديث.

فهكذا اختَلَف إبراهيمُ بنُ سعدٍ، ومَعمَرُ بن راشدٍ.

ولا شَكَّ عِندَنَا في تَقدِيم رِوايةِ معمرٍ المُرسَلةِ؛ لأنَّ معمرًا كان ثبتًا في الزُّهريِّ، وأمَّا إِبراهيمُ بنُ سعدٍ، فقد قال صالحُ بنُ مُحَمَّدٍ الحافظُ:"سمَاعُه من الزُّهريِّ ليس بذاك؛ لأنَّهُ كان صغيرًا حين سَمِعَ من الزُّهريِّ"، وقال ابن مَعِينٍ وسئِل:"إبراهيمُ بنُ سعدٍ، أحبُّ إليك في الزُّهريِّ، أو ليثُ بنُ سعدٍ؟ "، قال:"كلاهما ثِقَتَانِ"، فإذا تَدَبَّرت قولَ يَعقُوبَ بن شَيبة في اللَّيث:"ثِقَةٌ، وهو دُونَهُم في الزُّهريِّ - يعني: دُون مالكٍ، ومَعمَرٍ، وابنِ عُيَينةَ -، وفي حديثِهِ عن الزُّهريِّ بعضُ الاضطرابِ"،

ص: 413

عَلِمتَ أن قولَ ابن مَعِينٍ لا يُفيدُ أنَّه ثبتٌ في الزُّهريِّ مثلُ مَعمَرٍ.

فالذي يَتَحرَّر مِن هذا البحث، أن الرِّوايةَ المُرسَلةَ هي المحفوظةُ، وهي التي رَجَّحَها أبو حاتمٍ الرَّازيُّ والدَّارَقُطنِيُّ، فلا معنى للقول أنَّهُ على شرط الشَّيخين بعدَ ثُبُوت هذه المُخالَفة.

وبعدُ:

فَهذَا مثالٌ واحدٌ، بَيَّن لك كَيفَ عالَجَ السِّيُوطِيُّ المسألةَ. وما تَرَكتُه أَعجَبُ وأَعجَبُ.

وهكذا عَارَضَ السِّيُوطِيُّ هذه الأحاديثَ الصَّحِيحَةَ بأحاديثَ مُنكَرةٍ وباطلةٍ. ومِنَ التَّجَنِّي أن يُوصَف من يتمَسَّكُ بالأحاديث الصَّحِيحة بسُوء الأَدَبِ.

ووالله! لَو صَحَّت الأحاديثُ في إسلام وَالِدَي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَكُنَّا أَسعدَ النَّاس بها، كَيفَ وَهُم أقربُ النَّاس لِرَسُول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو أحبُّ إليَّ مِن نفسي، واللهُ على ما أَقُولُ وكيلٌ.

ولكِنَّنَا لا نَتبَنَّى قولًا ليس عليه دليل صحيحٌ. لكنَّ كثيرًا من النَّاس يَتَخَطَّى المحبَّة الشَّرعِيَّة، ويُخالِفُ الحُجَّة ويحارِبُها. والله المُستعانُ، لا ربَّ سِواه. وهو أعلى وأعلم.

وقد قال البَيهَقِيُّ في "الدَّلائل"(1/ 192 - 193) بعد تخريجه لهذا الحديث: "وكيف لا يَكُونُ أَبَوَاهُ وَجَدُّه جهذه الصِّفة في الآخرة، وكانُوا يَعبُدُون الوَثَنَ حتَّى ماتُوا، ولم يَدِينُوا دينَ عِيسَى ابن مَريَم عليه السلام، وأَمرُهم لا يَقدَحُ في نَسَب رسُول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ أَنكِحَةَ الكُفَّار صحيحةٌ،

ص: 414

ألا تَرَاهُم يُسلِمُون مع زوجاتهم، فلا يَلزَمُهُم تجديدُ العقد، ولا مُفَارَقتُهن، إذا كان مثلُه يَجُوز في الإسلام. وبالله التوفيق" انتهى.

وقال النَّوَوِيُّ في "شرح مُسلِمٍ"(3/ 79): "فيه: أن مَن مَاتَ على الكُفرِ، فهُو في النَّار، ولا تَنفَعُه قَرَابَةُ المُقَرَّبين. وفيه: أن مَن مَاتَ في الفَترَةِ على ما كانَت عليه العَرَبُ، من عبادة الأوثان فَهُوَ من أهل النَّار. وليس هذا مؤاخذةً قبل بُلُوغ الدَّعوة؛ فإِنَّ هؤُلاء كانت قد بَلَغَتهُم دعوةُ إبراهيم وغيرِه من الأنبياء - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِم - " انتهى.

أمَّا حَدِيثُ أبي هُريرَة رضي الله عنه، وهُو في "صحيح مُسلِمٍ" أيضًا، وفيه أن الله نَهَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لِأُمِّه. .

فلَم يَتَعَرَّض لَهُ السِّيُوطِيُّ إلَّا بِجَوَابٍ مُجمَلٍ، وهذا الحديثُ صريحٌ في عدم إِيمَانِها؛ لأنَّ الله عز وجل قال:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]، وقد نَزَلَت هذه الآيةُ في أبي طالبٍ، فعَقَّب الحافظُ ابنُ كَثيرٍ في "السِّيرة النَّبَوية" (2/ 132 - البداية) قائلًا:"ولَولَا ما نَهَانَا اللهُ عز وجل عنه مِن الاستغفار لِلمُشركين، لاستَغفَرنَا لأبي طَالبٍ، وتَرَحَّمنَا عليه" ا. هـ.

فَقَد تَبَيَّن مِن هذا الجوَاب، على اختصاره، أن الحَدِيثَينِ صحيحَان، لا مَطعَنَ فيهما.

والحمد لله ربِّ العالمين.

ص: 415

242 -

سُئلتُ عن حديثٍ: عن أبي الدَّرداء، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فسَّر قَولَه تعالى:{وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} [الكهف: 82]، بِأنَّه ذهَبٌ وفِضَّةٌ. وفسَّر الكنز بأنَّه العِلم، فأيُّهما الصَّحيحُ؟

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا.

أخرجه البُخاريُّ في "التَّاريخ الكبير"(4/ 2/ 369) مُعلَّقًا، ووصله التِّرمذيُّ (3152)، وابنُ عَديٍّ في "الكامل"(7/ 2723)، والطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(6996)، والحاكمُ (2/ 369)، والمِزِّيُّ في "التَّهذيب"(32/ 286) من طُرُقٍ عن الوليد بن مُسلِمٍ، حدَّثَني يزيدُ بنُ يُوسُف الصَّنعانِيُّ، عن يزيد بن يزيد بن جابرٍ، عن مكحولٍ، عن أُمِّ الدَّرداء، عن أبي الدَّرداء مرفُوعًا فذكره.

وصحَّح الحاكمُ إسنادَهُ، فردَّه الذَّهبيُّ في "مُختَصَره" قائلًا:"بل يزيدُ بن يُوسُف متروكٌ، وإن كان حديثُهُ أشبهَ بمُسمَّى الكَنز" ا. هـ.

وذكر ابنُ عَدي هذا الحديث في ترجمة يزيدَ هذا، وقال:"غير محَفُوظٍ"، وهذا الحكمُ هو الصَّوابُ.

ويزيدُ بنُ يُوسُفَ طَرَحَهُ يحيى بنُ مَعِينٍ، وقال:"لا يُساوِي شيئًا. ليس بثقةٍ"، وتَرَكَهُ النَّسائِيُّ والدَّارَقُطنِيُّ في روايةٍ، وضَعَّفَهُ أبو حاتمٍ وأبو داوُد وابنُ حِبَّانَ في آخَرِين.

ص: 416

والوَلِيدُ بنُ مُسلِمٍ كان يُدَلِّسُ تدليس التَّسوية، ولم يُصرِّح بالتَّحديث في جميع الإسناد.

وقد قال الطَّبَرانيُّ عَقِبَ روايتِه الحديثَ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن مكحولٍ إلَّا يزيدُ بنُ يزيدَ بن جابرٍ، ولا رواه عن يزيدَ إلَّا يزيدُ بنُ يُوسُف. تفرَّد به الوليدُ بنُ مُسلِمٍ".

أمَّا تفسيرُ الكَنزِ بأنَّهُ العِلمُ، فكلامُ السَّائل يُوهِمُ أنَّهُ مرفوعٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك، بل هو مَروِيٌّ عن ابن عبَّاسٍ قوله.

أخرَجَهُ الحاكمُ (2/ 369) قال: أخبَرَنا أبو عبد الله مُحمَّدُ بنُ عبد الله الصَّفَّارُ، ثنا أحمدُ بنُ مِهرَانَ، ثنا أبو نُعيمٍ، ثنا عليُّ بنُ صالحٍ، عن ميسرةَ بن حبيبٍ النَّهدِيِّ، عن المِنهالِ بن عَمرٍو، عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما:{وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} [الكهف: 82]، قال:"ما كان ذَهَبًا ولا فِضَّةً، كانت صُحُفًا وعِلمًا".

قال الحاكمُ: "صحيحُ الإسناد، ولم يُخَرِّجاه".

• قلتُ: أمَّا شيخُ الحاكم، فترجمه الذَّهَبيُّ في "السِّير"(15/ 437 - 438)، فقال:"الشَّيخُ، الإمامُ، المُحَدِّثُ، القُدوَةُ"، ونقل عن الحاكم، قال:"هو مُحدِّثُ عَصرِه، كان مُجَابَ الدَّعوة، لم يَرفَع رأسَه إلى السَّماء، كما بَلَغَنا، نَيِّفًا وأربعين سنةً"، فظاهرٌ من ترجمته أنه صَدُوقٌ مُتماسِكٌ.

وأحمدُ بنُ مِهرانَ هو ابنُ خالدٍ الأَصبَهَانِيُّ، ذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في "الثِّقات"(8/ 48)، ثُمَّ أَعَادَ ذِكرَه (8/ 52) كذا فعل، وهُما رجلٌ واحدٌ. وتَرجَمَهُ أبو نُعيمٍ الأصبهانيُّ في "أخبار أصبهان"(1/ 95)، وقال: "كان لا

ص: 417

يَخرُجُ من بيته إلَّا إلى الصَّلاة"، ولم يَذكُر من حاله ما يَدُلُّ على ضَبطِه وثِقَتِه، ويَلُوحُ لي أنَّهُ الذي ترجمه ابنُ أبي حاتم في "الجرح والتَّعديل" (1/ 1/ 76)، قال: "أحمدُ بنُ مِهرانَ بن المُنذِر القَطَّانُ الهَمدَانِيُّ أبو جَعفَرٍ، الذي سَمِعَ أبي في كتابه "المُوطَّإِ"، عن القَعنَبِيِّ. روى عن عُثمان بن الهيثم، وعبد الله بن رجاءٍ، وحَسَن بن مُوسَى الأشيب، والأنصارِيِّ. وهو صَدوقٌ"، فإن يَكُنْهُ فالسَّنَدُ جيِّدٌ؛ لأنَّ بَقِيَّة رجال الإسناد مَعرُوفُون.

وأبو نُعيمٍ هو الفضلُ بنُ دُكينٍ، أحَدُ الأَئِمَّة الأثبات.

وعليُّ بنُ صالحٍ أخو الحسن بن صالح بن حَيٍّ، وثَّقَهُ أحمدُ، وابن مَعِينٍ، والنَّسَائِيُّ، وابنُ حِبَّانَ، وغيرُهم.

ومَيسَرَةُ بن حبيبٍ وثَّقَهُ أحمد، وابنُ مَعِينٍ، والنَّسَائِيُّ، وابنُ حِبَّانَ، وقال أبو حاتمٍ:"لا بأس به".

والمِنهَالُ بنُ عَمرٍو صَدُوقٌ مُتماسِكٌ.

والأشبهُ في تفسير الكَنز أن يكون ذَهَبًا أو فِضَّةً.

واللهُ أعلمُ.

ص: 418

243 -

سئلتُ عن حديث: "إِنَّما سُمِّيَ ذُو القَرنَينِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ طَافَ قَرنَيِ الدُّنيَا".

• قلتُ: هذا الحديثُ لا أعلَمُهُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في سَنَدٍ من الأسانيد.

ثُمَّ وقَفتُ عليه في "تخريج أحاديث الكَشَّاف"(2/ 309).

وقد نَسَبَهُ الزَّمَخشَرِيُّ المُعتَزِلِيُّ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال الزَّيلَعِيُّ:"غريبٌ".

وقد رواه الدَّارَقُطنِيُّ في "المُؤتَلِف والمُختَلِف" من قول الزُّهرِيِّ، فرواه من طريق الخَضِر بن دَاوُد، ثنا الزُّبَيرُ بنُ بَكَّارٍ، ثنا إبراهيمُ بنُ المُنذِر، حدَّثَني عبدُ العزيز بنُ عِمرانَ، عن سُليمانَ بن أسيدٍ، عن الزُّهرِيِّ، قال:"إنما سُمِّي ذا القرنين؛ لأَنَّه بَلَغَ قرنَ الشَّمسِ من مَغرِبِهَا، وقَرنَ الشَّمسِ من مَطلَعِها، فسُمِّي ذا القرنين".

وسَنَدُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ والخَضِرُ بنُ داوُد ذَكَرَهُ الدَّارَقُطنِيُّ في "المؤتَلِف"(ص 830)، قال:"كان بِمَكَّةَ مُقِيمًا، يَروِي عن الزُّبَير بن بَكَّارٍ كتابَ "النَّسب" وغيرَهُ. يَروِي عن الأَثرَمِ "عِللَ أحمد بن حنبل"، ولم يَذكُر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وعبدُ العزيز بن عمران تَرَكَهُ النَّسائِيُّ وغيرُه، وقال البُخاريُّ:"لا يُكتَبُ حديثُه"، وقال ابنُ مَعِينٍ:"ليس بثقةٍ".

وسُليمان بنُ أسيدٍ ترجمه ابنُ أبي حاتمٍ في "الجرح والتَّعديل"(2/ 1/ 101) ولم يَذكُر فيه جرحًا ولا تعديلًا. والله أعلمُ.

ص: 419

244 -

سُئلتُ عن حديث: "مَن أَحَبَّ فِطرَتِي فَليَستَنَّ بِسُنَّتِي، وَإِنَّ مِن سُنَّتي النِّكَاحَ".

• قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.

أخرَجَهُ ابنُ عَديٍّ في "الكامل"(7/ 2549) من طريق أبي حُرَّةَ واصلِ بن عبد الرَّحمن، عن الحَسَن، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا فذَكَرَه.

وأبو حُرَّةَ مُختَلَفٌ فيه، ورَوَى ابنُ عَديٍّ، عن يحيى بن مَعِينٍ، قال:"حدَّثَني غُنْدَرٌ، قال: وقَّفتُ أبا حُرَّةَ على حديثِ الحَسَن، قال: لم أَسمَعهَا مِن الحسَن. وقال غُندَرٌ: فلم يَقِف على شيءٍ منها أنَّهُ سَمِعَ الحَسَن".

ثُمَّ إِنَّ الحسَن لم يُصَرِّح بسماعٍ من أبي هُريرة رضي الله عنه.

والصَّوابُ في هذا الحديث الإرسالُ. .

فأخرَجَهُ عبدُ الرَّزَّاق في "المُصنَّف"(ج 6/ رقم 10378). .

والبَيهَقِيُّ في "السُّنَن الكبير"(7/ 78)، وفي "السُّنَن الصُّغرَى"(2346)، وفي "المعرفة"(10/ 19) من طريق عبد الوَهَّاب بن عطاءٍ. .

وابنُ بَطَّة في "الإبانة"(260) من طريق حَجَّاج بن مُحَمَّدٍ، ثلاثَتُهم عن ابن جُريجٍ، قال: أَخبَرَني إبراهيمُ بنُ مَيسرَة، عن عُبيد بن سعدٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فذكَرَهُ.

ص: 420

وتابَعَهُ ابنُ عُيينة، عن إبراهيم بن مَيسَرة بهذا الإسناد سواء.

أخرَجَهُ سعيدُ بنُ مَنصُورٍ في "سُنَنه"(487).

وأبو يَعلَى في "مُسنَده"(ج 5/ رقم 2748) قال: حدَّثَنا أبو خَيثَمة - هُو زُهير بن حربٍ -، قالا: ثنا سُفيانُ بنُ عُيَينة فذَكَرَه.

قال البَيهَقِيُّ: "هذا مُرسَلٌ".

وهذا مُرسَلٌ صحيحُ الإسنادِ.

ص: 421

245 -

سُئلتُ عن حديث: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سأل أحد أصحابه: "هَل لكَ زَوجَةٌ؟ "، قال:"لا"، قال:"فهَل لكَ جَارِيَةٌ؟ "، قال:"لا"، قال:"فَأَنتَ مِن إِخوَانِ الشَّيَاطِينِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ.

يرويه بَقِيَّةُ بنُ الوليد، عن مُعاوية بن يحيى، عن سُليمان بن مُوسَى، عن مكحولٍ، عن غُضَيف بن الحارث، عن عَطِيَّةَ بن بُسرٍ المَازِنِيِّ، قال: جاء عَكَّافُ بنُ وَدَاعَةَ الهِلَالِيُّ إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسُول الله صلى الله عليه وسلم:"يَا عَكَّافُ! ألكَ زَوجَةٌ؟ "، قال:"لا"، قال:"وَلَا جَارِيَةٌ؟ "، قال:"لا"، قال:"وَأَنتَ صَحِيحٌ مُوسِرٌ؟ "، قال:"نَعَم! والحمدُ لله"، قال:"فَأَنت إِذَن من إخوان الشَّيَاطِين. إمَّا أَن تَكُون من رُهبان النَّصَارى، فأَنتَ مِنهُم، وإمَّا أن تَكُون مِنَّا، فاصنع كما نَصنعُ، فإنَّ مِن سُنَّتِنَا النِّكاح. شِرَارُكُم عُزَّابُكم، وأَرَاذِلُ موتاكم عُزَّابُكم آباءٌ للشَّيَاطِين تَمَرَّسُون، مَا لهُم في نفسي سلاحٌ أبلغُ في الصَّالحِين من الرِّجال والنِّساء، إلَّا المُتَزَوِّجُون، أولئك المُطَهَّرُون، المُبَرَّؤُون من الخَنَا. وَيحَكَ يَا عكَّافُ! إِنَّهُنَّ صَوَاحِبُ دَاوُدَ، وصواحبُ أيُّوبُ، وَصَواحِبُ يُوسُف، وصواحبُ كُرسف"، قال:"وما الكُرسفُ يا رسُول الله؟ "، قال: "رَجُلٌ كان في بني إسرائيل، على ساحلٍ من سَوَاحِل البَحرِ، يَصُوم النَّهار، ويَقُوم اللَّيل، لا يَفتُرُ مِن صلاةٍ، ولا صِيَامٍ، ثُمَّ كفر بعد ذلك بالله العظيم؛ في سَبَبِ

ص: 422

امرأةٍ، عَشِقَها، فَتَرَكَ ما كان عليه مِن عِبادَةِ رَبِّه، فتدارَكَهُ اللهُ بما سَلَفَ مِنهُ، فتاب عليه. ويحك يا عكَّافُ! تزوَّج فَإِنَّك من المُذَبذَبِين"، فقال عَكَّاف: "يَا رسُول الله! لا أَبرَحُ، حتَّى تُزَوِّجَني من شئتَ"، فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "فَقَد زَوَّجتُك على اسمِ الله والبَرَكة: كريمة بنت كُلثومٍ الحِميريِّ".

أخرَجَهُ إسحاقُ بنُ رَاهَوَيه في "المُسنَد" قال: أخبَرَنا بَقِيَّةُ بنُ الوليد، قال: حدَّثَني مُعاوِية بنُ يحيى الصَّدَفِيُّ، عن سُليمان بن مُوسَى، عن مكحولٍ، عن غُضَيف بن الحارث، عن عَطِيَّة بن بُسرٍ المَازِنِيِّ.

وتابعه عبدُ الجَبَّار بنُ عاصمٍ، ثنا بَقِيَّةُ بهذا الإسناد سواء.

أخرَجَهُ أبو يَعلَى في "المُسنَد"(6856)، وعنه ابنُ حِبَّانَ في "المجروحين"(3/ 3 - 4)، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج 18/ رقم 158)، وفي "مُسنَد الشَّامِيِّين"(3567).

ورواه الوليدُ بنُ مُسلِمٍ، عن مُعاوية بن يحيى الصَّدَفِيِّ بهذا الإسناد سواء.

أخرَجَهُ العُقيليُّ في "الضُّعفاء"(3/ 356) من طريق داوُدَ بن رُشيدٍ، ثنا الوليدُ.

• قلتُ: وهذا سَنَدٌ ضعيفٌ جدًّا؛ ومُعاويةُ بنُ يحيى الصَّدَفِيُّ قال ابن مَعِينٍ: "ليس بشيءٍ"، وقال أبو زُرعة:"أحاديثُهُ كُلُّها مقلوبةٌ". وضعَّفه الدَّارَقُطنِيُّ وغيرُهُ. وقال ابنُ حِبَّانَ: "مُنكَرُ الحديث جدًّا" - لكِنَّهُ خَلَطَ بين الصَّدَفِيِّ والأَطرَابُلسِيِّ، والصَّواب أنَّهُما اثنان -.

ص: 423

وقد رواه عن الصَّدَفِيِّ بَقِيَّةُ بنُ الوليد، والوليدُ بنُ مُسلِمٍ، وكلاهما يُدَلِّس تدليس التَّسوية، ولم يُصَرِّحا في جميع الإسناد.

وقد اختُلِفَ في إسناده. .

فرَوَاهُ بُردُ بنُ سِنانَ، عن مكحولٍ، عن عَطِيَّةَ بن قيسٍ، عن عَكَّاف بن وَدَاعَة فذَكَرَه.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "مُسنَد الشَّامِيِّين"(381)، والعُقَيليُّ في "الضُّعفاء"(3/ 356) من طُرقٍ عن بُرْد.

ورواه مُحمَّدُ بنُ راشدٍ، قال: سمعتُ مكحولًا يُحَدِّث، عن رَجُلٍ، عن أبي ذَرٍّ فذَكَرَهُ نحوَه.

أخرَجَهُ أحمدُ (5/ 163 - 164) قال: حدَّثَنا عبدُ الرَّزَّاق - وهذا في "المُصنَّف"(10387) - عن مُحمَّد بن راشدٍ.

وللحديث طُرُقٌ أُخرَى، لا تَخلُو من عِلَّة.

والحديثُ لا يَصِحُّ من كُلِّ وُجُوهِه، وهو مُرَكَّبٌ، ولا يَبعُد أن يكون مَوضُوعًا.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 424

246 -

سُئلتُ عن حديث: أَنَّ الصَّحابة أَكَلُوا فَرَسًا على عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؟

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ البُخاريُّ (9/ 648)، ومُسلِمٌ (1942/ 38)، والنَّسَائيُّ (7/ 231)، وابنُ ماجَهْ (3190)، والدَّارِمِيُّ (2/ 14)، وأحمدُ (6/ 345، 346، 353)، والشَّافعيُّ في "المُسنَد"(600)، والحُمَيدِيُّ (321)، وابنُ الجارُود في "المُنتقَى"(886)، وابنُ حِبَّانَ (ج 7/ رقم 5247)، والطَّحَاوِيُّ في "شرح المعاني"(4/ 211)، والدَّارَقُطنِيُّ (4/ 290)، والبَيهَقِي (9/ 327) من طُرُقٍ عن هشام بن عُروة، عن فاطمة بنت المُنذِر، عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ، قالت:"أَكلنَا لحَمَ فَرَسٍ عَلَى عهد رسُول الله صلى الله عليه وسلم ".

ص: 425

247 -

سُئلتُ عن حديث: "مَن قَالَ: "أَستَغفِرُ الله! الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الحَيَّ القَيُّومَ، وَأَتُوبُ إِلَيهِ"، غَفَرَ اللهُ لَهُ، وَإِن كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحفِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

وقد وَرَدَ هذا الحديث عن جَمَاعةٍ من الصَّحابة رضي الله عنهم، مِنهُم: أبو هُريرَة، والبَرَاء بن عَازِبٍ، وابن مسعُودٍ، وزَيدٍ مولَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأنَس بن مالكٍ رضي الله عنه.

أمَّا حديثُ أبي هُريرَة.

فأخرجه ابنُ عَديٍّ في "الكامل"(2/ 445)، ومن طريقه ابن الجَوزيِّ في "الواهيات"(2/ 350) من طريق عُقبَة بن مُكْرِمٍ. .

وأبو نُعيمٍ في "أخبار أصبهان"(1/ 303) من طريق أحمد بن إبراهيم الدَّورَقِيِّ، قالا: ثنا صَفوَانُ بنُ عِيسى الزُّهرِيُّ، ثنا بِشرُ بنُ رافعٍ، عن مُحمَّد بن عبد الله البَكَّاء، عن أبيه، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا:"مَن قَالَ: "أَستَغفِرُ الله الَّذي لَا إِلَهَ إلَّا هو، الحيَّ القيُّومَ، وأتُوبُ إليه"، ثلاث مَرَّاتٍ - أو: مرَّةً، شَكَّ صفوانُ -، غُفِرَ له، وإِن فرَّ من الزَّحف".

ولم يقع الشَّكُّ في رواية أبي نُعيمٍ.

قال ابنُ الجَوزِيِّ: "هذا حديثٌ لا يَصِحُّ؛ قال أحمدُ بنُ حنبلٍ: بِشرُ

ص: 426

ابن رافعٍ ليس بشيءٍ" ا. هـ، وضَعَفَّه النَّسَائِيُّ، وقال أبو حاتمٍ، والدَّارَقُطنِيُّ: "مُنكَرُ الحديث"، وتَكَلَّم فيه آخرُون.

وأمَّا حديثُ البَرَاء بن عَازِبٍ.

فأخرجه الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(7738)، وفي "الصَّغير"(839)، وابنُ عَديٍّ في "الكامل"(5/ 1715)، والدَّارَقُطنِيُّ في "الأَفراد" - كما في "أطراف الغَرائِب"(1449) - من طريق أبي يُوسُف القُلُوسِيِّ يعقُوبَ بن إسحاق، نا عليُّ بنُ حُميدٍ، نا عُمَرُ بنُ فَرقَدٍ البَزَّارُ، عن عبد الله بن المُختَار، عن أبي إسحاق السَّبِيعِيِّ، عن البَرَاء بن عَازِبٍ مرفُوعًا:"مَن قَالَ دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ: "أَستَغفِرُ الله! الذي لا إله إلَّا هو، الحيَّ القيُّومَ، وأتُوبُ إليه"، غُفِرَ له، وإِن فرَّ من الزَّحف".

قال الدَّارَقُطنِيُّ: "غريبٌ مِن حديث أبي إسحاقَ، عن البَراء. غريبٌ مِن حديث عبد الله بن المُختار، عنه. تفرَّد به: عُمرُ بنُ فَرقَدٍ البزَّارُ. ولا نعلَمُ حدَّث به غيرُ أبي يُوسُف القُلُوسِيُّ".

وقال الطَّبرانِيُّ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن أبي إسحاق إلَّا عبد الله بنُ المُختار، ولا عن عبد الله بن المُختار إلَّا عُمرُ بنُ فَرقَدٍ، ولا عن عُمَرَ بن فَرقَدٍ إلَّا عليُّ بنُ حُميدٍ. تفرَّد به: يعقُوبُ بنُ إسحاق".

ولم يتفَرَّد به عبدُ الله بنُ المُختار كما رأيتَ. وقد نبَّهتُ على ذلك في "تنبيه الهاجِد"(138)، والحمدُ لله تعالى.

وأعلَّه ابنُ عَديٍّ قائلًا: "لا أَعرِفُ لعُمَرَ بن فَرقَدٍ غيرَ هذا الحديث، وفي حديثه نَظَرٌ"، فيَظهرُ من نقد ابن عَديٍّ أنَّه مجهولٌ.

ص: 427

وعليُّ بنُ حُميدٍ هو عندي السَّلُولِيُّ، قال أبو زُرعَة:"لا أعرفه"، كما في "الجَرح والتَّعديل"(3/ 1/ 138)، وذَكَرَه ابنُ حِبَّان في "الثِّقات"(8/ 462)، وقال:"يُغرِبُ"، ورَوَى له العُقَيليُّ حديثًا رَفَعَه عن شُعبة لم يُتَابَع عليه.

وخالَفه عمرُو بنُ مرزوقٍ، فرواه عن شُعبَةَ موقوفًا.

قال العُقَيليُّ: "وهو أولَى"، واستَغرَب الذَّهبيُّ المرفُوعَ جدًّا.

وقد جاء الحديثُ من وجهٍ آخرَ، عن أبي إسحاق السَّبِيعِيِّ، بلفظ:"مَن استَغفَرَ الله في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ ثلاث مرَّاتٍ، فقال: "أَستَغفِرُ الله. . ." الخ".

أخرَجَهُ ابنُ السُّنِّيِّ في "اليوم واللَّيلة"(137) قال: أخبَرَنا أبو يَعلَى، - وهذا في "مُسنَده"، كما في "المطالب العالية"(289)، و"إِتحاف السَّادة"(3/ 291) -، قال [يعني أبا يَعلَى]: حدَّثَنا عَمرُو بنُ الحُصَين، ثنا سعيدُ بنُ راشدٍ، عن الحَسَن بن ذكوان، عن أبي إسحاق السَّبِيعِيِّ.

وعَمرُو بنُ الحُصين أَحَدُ التَّلفَى.

وسعيدُ بنُ راشدٍ لا أدري: هل هو المُرادِيُّ أم لا؟ فإن يكُنهُ فقد قال في "اللِّسان": "لا يُعرَف"، وإلَّا فليُحرَّر.

والحَسَنُ بنُ ذَكوان - ووقع في كتاب "ابن السُّنِّيِّ": الحُسين، بياءٍ زائدةٍ. وهو عِندي تصحيفٌ؛ فالحَسَنُ بن ذَكوَانَ هو الذي يَروي عن أبي إسحاق، ويَروِي عنه سعيدُ بن راشدٍ، كما في "تهذيب المِزِّيِّ"(6/ 146). والحَسَنُ هذا - ضعيفٌ في رأي أكثرِ النُّقَّاد، ووثَّقه ابنُ حِبَّان، ومشَّاه ابنُ عَدِيٍّ، وكان يُدَلِّسُ.

ص: 428

وأبو إسحاقَ السَّبيعِيُّ كان تغيَّر، وهو مُدلِّسٌ أيضًا.

فالإسنادُ ضعيفٌ جدًّا. والله أعلم.

أمَّا حديثُ زيدٍ، مولى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

فأخرَجَهُ أبو داوُد (1517)، ومِن طريقه البَيهَقِيُّ في "الأسماء والصِّفات"(ص 47)، والبُخاريُّ في "التَّاريخ الكبير"(2/ 1/ 379 - 380)، وعنه التِّرمذيُّ في "سُنَنه"(3577)، وابنُ سعدٍ في "الطَّبقات"(7/ 66)، قال ثَلَاثَتُهم: حدَّثَنا مُوسى بنُ إسماعيل التَّبُوذَكِيُّ، ثنا حَفصُ بنُ عُمَر الشَّنِّيُّ، قال: حدَّثَني أبي عُمَرُ بنُ مُرَّةَ، قال: سمعتُ بِلالَ بن يسار بن زيدٍ، حدَّثَني أبي، عن جَدِّي، سَمِعَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، يقُول:"مَن قال: "أَستَغفِرُ الله! الذي لا إله إلَّا هو، الحيَّ القيُّومَ، وأتُوبُ إليه"، غُفر له، وإن كان فرَّ من الزَّحف".

وأخرَجَهُ أبو نُعيمٍ في "معرفة الصَّحابة"(3/ 1143 - 1144) من وُجُوهٍ أُخرَى عن التَّبُوذَكِيِّ.

قال التِّرمذيُّ: "هذا حديثٌ غريبٌ، لا نَعرِفُهُ إلَّا من هذا الوجه"، فهذا من التِّرمذِيِّ تضعيفٌ للحديث من هذا الوجه.

وخالَفَهُ المُنذِرِيُّ فقال في "التَّرغيب والتَّرهيب"(2/ 470): "وإسنادُهُ جَيِّدٌ مُتَّصِلٌ؛ فقد ذَكَرَ البُخاريُّ في "تاريخه الكبير" أن بِلالًا سمِعَ من أبيه يسارٍ، وأنَّ يَسَارًا سمع من أبيه زيدٍ مولى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقد اختُلف في "يسارٍ" والدِ "بلال"، هل هو بالباء المُوحَّدة، أو بالياء المُثنَّاة تحتُ، وذَكَرَ البُخاريُّ في "تاريخه" أنَّهُ بالمُوحَّدة. والله أعلم" انتهَى.

ص: 429

• قلتُ: وفي كلام المُنذِرِيِّ نَظَرٌ، من وُجُوهٍ:

الأوَّل: في حُكمِهِ بجودة الإسناد.

والصَّوابُ ضعفُهُ؛ لأن بِلالًا وأباه يسارًا مَجهُولَان، ولم يُوَثِّقهُما إلَّا ابنُ حِبَّانَ (5/ 557، و 6/ 91)، وتساهُلُه في توثيق هذه الطَّبقات معروفٌ عند أهل العِلم، ومع ذلك فقد ذَكَرَ العراقيُّ هذا الحديث في "تخريج الإحياء"(1/ 450)، ثُمَّ قال:"رجالُهُ مُوَثَّقُون"!!

فالصَّوابُ أن الإسناد ضعيفٌ؛ لَجَهَالَةِ بلالٍ وأبيه.

فقولُهُ: "مُتَّصِلٌ" لم يَعُد مُجْدِيًا، بعد ثُبُوت ضعفه.

الثَّاني: قولُ المُنذرِيِّ: إنه اختُلِف في والد "بلالٍ"، هل هو بالمُوحَّدة أو بالتَّحتانِيَّة؟ ثُمَّ ذَكَر أن البُخارِيَّ رَجَّح أنَّهُ بالمُوحَّدة؛ "بلال" اسمُهُ:"بَشَّارٌ" بالباء بعدها شِينٌ مُعجَمة.

وهذا الاختلافُ في اسم والد بِلالٍ لا أَدرِي مِن أين أَتَى به المُنذِرِيُّ، وكيف نَسَبَ إلى كتاب البُخاريِّ أنَّهُ بالباء المُوحَّدة، مع أن الذي في "تاريخ البُخاريِّ" وغيره مِن كُتُب التَّرَاجم أنه "يَسَارٌ" بالياء التَّحتانِيَّة. والله أعلم.

هذا خُلاصَةُ ما تَعَقَّب به الحافظُ النَّاجِيُّ المُنذِرِيَّ في كتابه "عُجالة الإملاء".

وأمَّا حديث أنسٍ.

فأخرَجَهُ الخطيبُ في "تاريخ بغداد"(8/ 381 - 382)، ومن طريقه ابنُ الجَوزِيِّ في "الواهيات"(2/ 349) من طريق أحمد بن مُحمَّد بن

ص: 430

غالبِ غُلامِ خَليلٍ، قال: حدَّثَنا دينارُ بنُ عبد الله خادمُ أنَس بن مالكٍ، عن أَنسٍ مرفُوعًا:"إِذَا قال العبدُ: "أَستَغفِرُ الله! الذي لا إله إلَّا هو، الحيَّ القَيُّومَ، وأتوب إليه"، غُفر له، وإن كان مُوَلِّيًا من الصَّفِّ".

قال ابنُ الجَوزيِّ: "هذا حديثٌ لا يصحُّ. قال ابنُ عَدِيٍّ: دِينَارٌ مُنكَرُ الحديث، ذاهبُ الحديث، شِبهُ المجهولِ. وغلامُ خليلٍ، كان يقولُ: وَضعْنَا أحاديثَ لِنُرَقِّقَ بها قُلوبَ العامَّة".

وأمَّا حديثُ ابن مَسعُودٍ.

فأخرَجَهُ الحاكِمُ في "كتاب الدُّعاء"(1/ 511) من طريق مُحمَّد بن سابقٍ. وأيضًا في "كتاب الجهاد"(2/ 117، 118) من طريق مُحمَّد بن يُوسُف الفِريَابِيِّ. قالا: ثنا إِسرائِيلُ، عن أبي سِنانَ، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعُودٍ مرفُوعًا:"مَن قَالَ: "أَستَغفِرُ الله، الذي لا إله إلَّا هو، الحى القَيُّومَ، وأتُوبُ إليه" ثلاثًا، غُفِرَت ذنوبُه، وإن كان فارًّا من الزَّحف".

قال الحاكمُ في المَوضِع الأوَّل: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشَّيخَين"، وقال في الموضع الثَّاني:"على شرط مُسلِمٍ"، وحُكمُه الثَّاني هو الصَّواب.

وقد تَعَقَّب الذَّهَبيُّ الحاكمَ في الموضع الأوَّل، فقال:"أبو سِنانَ هو ضِرَارُ بنُ مُرَّةَ، لم يُخَرِّج له البُخاريُّ" ا. هـ.

وأُضِيفُ إلى قول الذَّهبيِّ أن أبا الأحوص - واسمُهُ: عَوفُ بنُ مالكٍ الجُشَمِيُّ - ليس مِن رجال البُخارِيِّ في "الصَّحيح"، فالصَّوابُ أن

ص: 431

الحديث صحيحٌ على شرط مُسلِمٍ.

فحاصلُ البَحثِ أن المُعوَّلَ عليه هو حديثُ ابن مسعُودٍ، وبَقِيَّةُ الأحاديث ساقِطةٌ عن حَدِّ الاعتبار بها.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 432

248 -

سُئلتُ عن حديث: "مَن قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" دَخَلَ الجَنَّةَ".

• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ.

أخرَجَهُ ابنُ خُزَيمة في "التَّوحيد"(ص: 341 - 342)، وابنُ حِبَّانَ (151) من طريق مُحَرَّرِ بن قَعنَبِ البَاهِليِّ، ثنا رِيَاحُ بنُ عَبِيدَةَ، عن ذَكوانَ السَّمَّان، عن جابر بن عبد الله، قال: بَعَثَنِي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"نَادِ فِي النَّاس: مَن قال: "لا إله إلَّا اللهُ" دَخَل الجَنَّة". فخَرَجَ، فلَقِيَهُ عُمَرُ في الطَّريق، فقال:"أين تُريدُ؟ "، قلتُ:"بَعَثَني رسول الله صلى الله عليه وسلم بِكَذَا وكَذَا"، قال:"ارجع! "، فأبيتُ، فلَهَزَنِي لهزةً في صدري ألَمُها

(1)

، فرَجَعتُ، ولَم أَجِد بُدًّا، قال:"يا رسول الله! بَعَثتَ هذا بكذا وكذا؟ "، قال:"نَعَم! "، قال:"يا رَسُول الله! إنَّ النَّاس قد طَمِعُوا وخَبُثُوا"، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اُقعُد".

وهذا سَندٌ قويٌّ؛ والمُحَرَّرُ بنُ قَعنَبٍ وَثَّقَهُ أحمدُ في روايةٍ، وأبو زُرعة، وقال أحمدُ في روايةٍ:"لا بأس به".

و"رِياحُ" بكسر الرَّاء، بعدها ياءٌ تحتيَّةٌ، ثمَّ حاءٌ مُهمَلةٌ. و"عَبِيدَةُ" بفتح العَين المهمَلة: كان مِن جُلَساء عمر بن عبد العزيز.

(1)

يعني: وجدتُ ألمها.

ص: 433

وذَكوَانُ هو أبو صالحٍ، وهو بكُنيَتِه أشهرُ منه باسمِه.

وأخرَجَهُ أبو نُعيمٍ في "الحِلية"(7/ 174) مِن طريق مُحمَّد بن بَشَّارٍ، ثنا ابنُ أبي عَديِّ، ثنا شُعبة، عن صَدَقَةَ بن يسارٍ، عن أنَسٍ، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لمُعاذ بن جَبَلٍ:"مَن قال: "لا إله إلَّا اللهُ" دَخَلَ الجَنَّة".

وهذا إسنادٌ صحيحٌ.

وأخرجه أبو نُعيمٍ أيضًا (9/ 254) من حديث زيد بن أَرقَمٍ مرفُوعًا، بسندٍ ضعيفٍ جدًّا.

وأخرَجَهُ الحاكمُ في "كتاب التَّوبة والإنابة"(4/ 251 - المستدرك) مِن حديث أبي طَلحَة، بسَنَدٍ ضعيفٍ، وفيه زيادةٌ.

وأخرَجَهُ أحمدُ (5/ 236) قال: حدَّثَنَا سُفيانُ بنُ عُيَينة، عن عَمرِو بن دينارٍ، قال: سَممِعتُ جابرَ بنَ عبد الله، يقُول: أنا مَن شَهِدَ مُعاذًا حِين حَضَرَتهُ الوفاةُ، يقولُ: اكشِفُوا عني سِجْفَ القُبَّةِ، أُحَدِّثُكم حديثًا سَمِعتُه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقال مَرَّةً: أُخبِرُكُم بشيءٍ سمِعتُهُ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لَم يَمنَعني أن أُحَدِّثَكُمُوهُ إلَّا أن تَتَّكِلُوا، سَمِعتُهُ يقول:"مَن شَهِدَ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، مُخلِصًا من قلبِه - أو: يقينًا من قلبه -، لَم يَدخُل النَّارَ - أو: دَخَلَ الجَنَّة. وقال مرَّةً: دَخَلَ الجَنَّة، ولم تمسَّه النَّارُ - ".

وأخرَجَهُ ابنُ حِبَّانَ (4) مِن طريق ابن أبي زائدة. .

وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(7/ 312) من طريق أبي نُعيمٍ الفضلِ بن دُكينٍ، قالا: ثنا سُفيانُ بنُ عُيَينة بهذا الإسناد.

وهذا سندٌ صحيحٌ على شرط الشَّيخين.

ص: 434

ولفظُ أبي نُعيمٍ: "مَن قال: لا إله إلَّا الله. . .".

والحديثُ في "صحيح مُسلِمٍ"(47/ 29) من حديث عُبادة بن الصَّامِت.

وله ألفاظٌ أُخرَى، وإنما حَرَصتُ على تخريج اللَّفظ الذي ذَكَرَهُ السائلُ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 435

249 -

سُئلتُ عن حديث: "الزَّبَانِيَةُ أَسرَعُ إِلَى فَسَقَةِ القُرَّاءِ مِنهُم إِلَى عَبَدَةِ الأَوثَانِ، فَيَقُولُونَ: يُبدَأُ بِنَا قَبلَ عَبَدَةِ الأَوثَانِ؟! فَيُقَالُ لَهُم: لَيسَ مَن يَعلَمُ كَمَن لَا يَعلَمُ".

• قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "جُزءٍ من حديثِه"(ق 196/ 2 - انتقاء ابن مَردَوَيه)، وعنه أبو نُعيمٍ في "الحِلية"(8/ 286)، وابنُ الجَوزِيِّ في "الموضُوعات" (1/ 266) قال: حدَّثَنا مُوسى بنُ مُحمَّد بن كثيرٍ السِّرِّينيُّ

(1)

أبو هارُون، ثنا عبدُ المَلِك بنُ إبراهيم الجُدِّيُّ، ثنا عبدُ الله بنُ عبد العزيز العُمَرِيُّ، عن أبي طوالَةَ، عن أنسٍ فذَكَرَه.

قال أبو نُعيمٍ: "غريبٌ من حديث أبي طوالَةَ. تفرَّدَ به عن العُمَرِيِّ".

• قلتُ: أمَّا العُمَرِيُّ فوثَّقَه النَّسائيُّ وابن حِبَّان. وقال ابن مَعِينٍ: "صالحٌ. ليس به بأسٌ". قال ابن حِبَّان: "ولعلَّ كلَّ شيءٍ حدَّثَ في الدُّنيا لا يكُون إلَّا أربعةَ أحاديثَ".

وأبُو طوالَةَ هو عبدُ الله بن عبد الرَّحمن بن عَمْرٍو. من ثقات أهل المَدِينَة.

وعبدُ الملك بنُ إبراهيم الجُدِّيُّ مِن رجال البُخارِيِّ. وثَّقَه ابنُ حِبَّان

(1)

انظر "تبصير المنتبه"(2/ 762).

ص: 436

والدَّارقُطنِيُّ، وقال أبو زُرعَة:"لا بأس به".

قال السِّيُوطِيُّ في "اللَّآلئ المصنُوعَة"(1/ 224): "ولم أَرَ لعبدِ المَلِك ذِكرًا في الميزان، ولا اللِّسان"، فقال الزَّبِيدِيُّ في "إتحاف السَّادة المُتَّقين" (1/ 370):"وهذا غريبٌ من الحافظ السِّيُوطِيِّ. عبدُ المَلِك الجُدِّيُّ ثقةٌ، من رجال البُخارِيِّ، وأبي داوُد، والتِّرمِذِيِّ، والنَّسائِيِّ" ا. هـ.

• قلتُ: وهذا الاستغرابُ من الزَّبِيدِيِّ إنَّما بناه على فهمه أن السِّيُوطِيَّ لم يَعرِف عبدَ المَلِك. وليس مُرادُ السِّيُوطِيِّ ما فَهِمَه عنه الزَّبِيدِيُّ من أنَّه لا يَعرِفُه، بل مُرادُ السِّيُوطِيِّ أن عبدَ المَلِك ثقةٌ، ليس فيه قَدحٌ؛ فلو كان فيه لكان مِن رجال "المِيزَان" و"اللِّسَان"، وهُما يَذكُران الرَّجُلَ لأَدنَى مَغمَزٍ، حتى ولو لم يَكُن قادحًا. والله أعلم.

بقي أن أقول: إنَّ عبدَ المَلِك بنَ إبراهيمَ وإن كان ثِقَةً، لكن قال السَّاجِيُّ:"رَوَى عن شُعبَة حديثًا لم يُتابَع عليه"، فهذا مِن شَرط "المِيزَان" و"اللِّسان". والله أعلم.

يَبقَى شيخُ الطَّبَرَانِيِّ، وهو مُوسَى بنُ مُحَمَّدٍ، فقد قال الذَّهَبِيُّ عنه:"عن عبد الملك الجُدِّيِّ، وعنه الطَّبرانِيُّ، بخَبرٍ مُنكَرٍ في عذاب فَسَقَة القُرَّاء" ا. هـ.

وقال المُنذِرِيُّ في "التَّرغيب"(210): "غريبٌ".

وقد رواه جابرُ بنُ مَرزُوقٍ، عن عبد الله العُمَرِيِّ، عن أبي طوالَةَ، عن أنَسٍ به.

أخرَجَهُ ابنُ حِبَّان في "المجرُوحين"(1/ 215) مُعلَّقًا. ووَصَلَه

ص: 437

الجُوْرْقَانِيُّ في "الأباطيل"(1/ 88) من طريق قُتيبَة بن سعيدٍ، قال: حدَّثَنا جابرُ بنُ مرزُوقٍ به.

قال ابنُ حِبَّان: "جابرُ بنُ مرزُوقٍ شيخُ، من أهل جُدَّةَ، يأتي بما لا يُشبِهُ حديثَ الثِّقات عن الأَثبَات. لا يجُوزُ الاحتجاجُ به. . . - قال: - وهذا خبرٌ باطلٌ. ما قالَهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولا أنَسٌ رواه. وأبو طوالَةَ اسمُهُ عبدُ الله بنُ عبد الرَّحمن بن عَمْرِو بن حزمٍ الأَنصارِيُّ، من ثقات أهل المدينة. ليس هذا من حدِيثِه. فكأنَّ القلبَ إلى أنَّه معمُولٌ أَميَلُ" ا. هـ، ومَعمُولٌ يعني: مكذُوبٌ.

وقال الجُوْرْقَانِيُّ: "هذا حديثٌ باطلٌ"، ونَقَل عبارَةَ ابن حِبَّان السَّابقة، قال:"وجابرُ بنُ مرزُوقٍ الجُدِّيُّ هذا، قال أبو حاتِمٍ الرَّازِيُّ: مجهُولٌ".

وقال ابنُ الجَوزِيِّ: "هو حديثٌ لا يصِحُّ عن رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّمَا وَضَعَه من يَقصِدُ وَهَنَ العُلَماء. وإنَّما يُبدأ في العِقَاب بالأَعظَم جُرمًا، وجُرمُ الكُفرِ أعظَمُ من جُرمِ الفِسقِ. . . وجابرُ بنُ مرزُوقٍ ليس بشيءٍ، ولعلَّ عبدَ المَلِك الجُدِّيَّ أخذَهُ مِنهُ" ا. هـ.

• قلتُ: وفي هذا اتِّهامٌ لعبدِ المَلِك بالتَّدليس، ولم أَرَ مَن رماه بذلك. والله أعلَمُ.

أمَّا قولُ الزَّبِيدِيِّ في "الإتحاف"(1/ 370): "فالصَّوابُ الحُكمُ على حديث الطَّبرانِيِّ بعدم البُطلَان؛ لأنَّ رجالَهُ ثِقاتٌ، غيرَ شيخ الطَّبَرانِيِّ مُوسَى بن مُحمَّد بن كثيرٍ. . . قال: وله شاهدٌ صحيحٌ، رواه التِّرمِذِيُّ،

ص: 438

وحسَّنَه، وابنُ خُزَيمَة، وابنُ حِبَّان، عن أبي هُريرَة. قلتُ: ومُسلمٌ أيضًا نحوه، وأشار إليه الحافظُ المُنذِرِيُّ" ا. هـ.

• قلتُ: أمَّا ثِقَةُ رجالِهِ فإنَّها وحدَهَا لا تَكفِي لعَدَم الحُكم بالبُطلان.

نَعَم! تَكفِي لعدم الحُكم بالوَضع. وبَينَهُما فَروقٌ لا يَخفَى. والله أعلم.

وقد صحَّ هذا القولُ عن أبي سُليمانَ الدَّارَانِيِّ.

أخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في "شُعَب الإيمان"(5/ 557).

والحمدُ لله على التَّوفِيق.

ص: 439

250 -

سُئلت عن: حديث التَّلقين.

وقال السَّائل: أنَّه قد سَمعَ بعضَ الخُطباء يَستَحِبُّ العملَ به، وذَكَر أن بعض العُلماء صحَّحه.

• قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ مُنكَرٌ.

وقد أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الكبير" - كما في "مَجمَع الزَّوائد"(3/ 45) - من طريق سعيد بن عبد الله الأَوْدِيِّ، قال: شَهِدتُ أبا أُمَامَة وهو في النَّزْعِ، فقال: إِذَا أنا مِتُّ، فاصنَعوا بي كَمَا أَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِن إِخوَانِكُم، فَسَوَّيتُم التُّرَابَ عَلَى قَبرِهِ، فَليَقُم أَحَدُكُم عَلَى رَأسِ قَبرِهِ، ثُمَّ ليَقُل: "يَا فُلَانَ ابنَ فُلَانَةَ! "، فَإِنَّهُ يَسمَعُهُ، ولا يُجِيبُ، ثمَّ يَقُولُ: "يَا فُلَانَ ابنَ فُلَانَةَ! "، فَإِنَّهُ يَستَوِي قَاعِدًا، ثُمَّ يَقُولُ: "يَا فُلَانَ ابنَ فَلَانَةَ! "، فَإِنَّهُ يَقُولُ: "أَرشِد! يَرحَمُكَ اللهُ! "، وَلَكِن لَا تَشعُرُونَ، فَليَقُل: "اُذكُر مَا خَرَجتَ عَلَيهِ مِنَ الدُّنيَا: شَهَادَةَ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه، وَأنَّكَ رَضِيتَ بِالله رَبًّا، وَبِالإِسلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالقُرآن إِمَامًا"، فَإِنَّ مُنكَرًا وَنَكِيرًا، يَأخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ، وَيَقُولُ: "انطلِق! مَا نَقعُدُ عِندَ مَن قَد لُقِّنَ حُجَّتَهُ! "، فَيَكُونُ اللهُ عز وجل حَجِيجَهُ دُونَهُما"، فقال رَجُلٌ:"يا رَسُول الله! فَإِن لَم يَعرِف أُمَّه؟ "، قال:"يَنسِبُهُ إِلَى حَوَّاءَ عليها السلام: يا فُلَانَ ابنَ حَوَّاءَ". قال الهَيثَميُّ في "المَجمَع": "في إسناده جَمَاعةٌ لَم أَعرِفهُم".

ص: 440

وأخرَجَهُ الخِلَعِيُّ في "الفوائد" - كما في "الضَّعيفة"(599) -.

وفي إِسنادِهِ عُتبةُ بنُ السَّكَن، وقد تَرَكَهُ الدَّارَقُطنِيُّ، وقال البَيهَقِيُّ:"وَاهٍ، مَنسُوبٌ إلى الوَضعِ".

هذا مع جهالة جماعةٍ في الإسناد.

وقد تَتَابَعَت عِباراتُ أهل العِلم في تضعيفه. .

فقال ابنُ عَديٍّ: "مُنكَرٌ".

وقال ابنُ الصَّلَاح - كما في "الأذكار"(ص 174) للنَّوَوِيِّ -: "لَيسَ إِسنادُهُ بِالقَائِم".

وضَعَّفه النَّوَوِيُّ في "المَجمُوع"(5/ 304)، وفي "الفتاوَى"(ص 54).

وقال ابنُ تَيمِيَّة في "مَجمُوع الفتاوَى"(24/ 296): "وهُو مِمَّا لا يُحكَم بصِحَّتِه".

وقال ابنُ القَيِّم في "زاد المَعَاد"(1/ 523): "لا يَصِحُّ رفعُه"، وقال في "تهذيب سنن أبي داوُد" (13/ 293):"وهذا الحديثُ مُتَّفَقٌ على ضعفه".

وضعَّفه العِراقيُّ في "تخريج أحاديث الإحياء"(4/ 420). والحافظُ في "الفَتح"(10/ 563)، وفي "نتائج الأفكار"، وقال:"ضَعيفٌ جِدًّا". والزَّركَشِيُّ في "اللَّآلِئ المَنثُورة"(ص 59)، والسِّيُوطِيُّ في "الدُّرَر المُنتَثِرَة"(ص 25)، والصَّنعانِيُّ في "سُبُل السَّلام"(2/ 114)،

ص: 441

وقال: "ويَتَحَصَّلُ مِن كلام أَئِمَّة التَّحقيق أنَّهُ حديثٌ ضعيفٌ، والعَمَلُ به بدعَةٌ، ولا يُغتَرُّ بكثرة من يفعلُه" انتهَى، وهذا هو الصَّواب الذي لا مَحِيدَ عَنهُ.

وإِنَّما تمسَّك مَن ذهب إلى العَمَل به بِكلامِ ابن الصَّلَاح، واغتَرَّ به النَّوَوِيُّ، حيث قال الأوَّلُ:"ولكن اعتَضَدَ بشواهدَ، وبعملِ أهل الشَّام به قديمًا"، وأضاف النَّوَوِيُّ:"وقد اتفَق علماءُ الحديث وغيرُهم، على المُسامَحَةِ في أحاديث الفَضَائل والتَّرغيب".

ونَقلُ دَعوَى الاتِّفاق في غاية الغَرَابة؛ إذ الخِلافُ في هذه المسألة مشهورٌ معروفٌ.

ثُمَّ مَن هُم "أهلُ الشَّام" الذين عناهم ابنُ الصَّلاح، إلَّا العوامَّ، الذين لا يَعرِفُون قَبيلًا من دَبيرٍ!

وإذا أَرَدنَا أن نُحَرِّر المَسأَلة، فيَنبَغِي أن نُحَدِّدَ معنى "المُسامَحة"، وما هو مَفهومُها.

والذي يَتَحَصَّلُ من كلام النُّقَّاد، أن المُسامَحة مع الرَّاوِي: أن لا يَكُون في الدَّرَجة العُليا من الضَّبط والإِتقان، فنَقبَلُ أحاديثَ ابن إسحاق، وابنِ عَجلان، وعبدِ الله بن مُحمَّد بن عقيل، وأضرابِهم. وحديثُ هؤلاء حَسَنٌ عند أكثر المُتأَخِّرين. ثُمَّ هؤلاء المُتأخِّرُون تَسَامَحُوا غاية التَّسَامُح في تطبيق قاعدة:"يُعمَل بالضَّعيف في فضائل الأعمال"، فصارُوا لا يُفَرِّقُون بين الضَّعيفِ وشديدِ الضَّعف؛ لأنَّ كثيرًا مِنهُم لم يَكُن عِندَه "ذَوقُ" المُحَدِّثين، ولا نَقدُ الحُفاظ المُبَرَّزين، فاتَّسَع الخَرْقُ على الرَّاقِع.

ص: 442

وكَم مِن حديثٍ، جَزَمَ أئمَّةُ الحديث وفُرسَانُه ببُطلانِه، أو حَكَمُوا بوضعه، عَمِلَ به هؤلاء المُتأَخِّرُون، بدعوى القاعدة السَّابِقَة.

ثُمَّ إنَّهُ ممَّا يدلُّ على نَكَارَة حديث التَّلقين هذا ما:

أخرَجَهُ البُخاريُّ (6/ 283، و 10/ 563، و 12/ 338، و 13/ 68)، ومُسلِمٌ (12/ 42، 43 - بشرح النَّوَوِيِّ) وغيرُهم مِن حديث ابن عُمَر مرفُوعًا: "إِنَّ الغَادِر يُرفَعُ له لِواءٌ يوم القيامة، يُقالُ: هذه غَدرَةُ فُلَانِ بن فُلَانٍ".

وقد بَوَّب البُخاريُّ على هذا الحديث بقوله: "بَابُ ما يُدعَى النَّاسُ بآبائهم".

وقال ابنُ بَطَّالٍ: "في هذا الحديثِ ردٌّ لقول من زَعَمَ أنَّهُم لا يُدعَون يوم القِيامة إلَّا بأُمَّهَاتِهم؛ سَترًا على آبائهم"، ويُشِيرُ ابنُ بَطَّالٍ إلى أولاد الزِّنَى؛ إِذ لا آباء لهم.

وخُلَاصَةُ البَحث: أن الحديث سَاقِطٌ كما تَرَى.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 443

251 -

سُئلتُ عن: الحديث الوارد في عُقوبة تارك الصَّلاة، وأَنَّهُ يُعاقَب بخَمس عشرة عقوبةً.

• قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ.

أخرَجَهُ ابنُ النَّجَّار - كما في "تنزيه الشَّريعة"(2/ 113 - 114) -، من حديث أبي هُريرَة مرفُوعًا:"مَن تَهَاوَنَ بِصَلَاتِهِ، عَاقَبَهُ اللهُ بِخَمسَ عشرة خَصلةً: سِتَّةٌ منها في الدُّنيا، وثلاثةٌ منها عند المَوت، وثلاثةٌ منها في قَبرِه، وثلاثةٌ منها تصيبُهُ يوم القِيامة إذا خَرَجَ مِن قبرِهِ. فأَمَّا التي تصيبُهُ في دار الدُّنيا، فأَوَّلهُا: يَرفَعُ اللهُ البَرَكةَ مِن رِزقِهِ، والثَّانِيَةُ: يَنزِعُ اللهُ البَرَكة من عُمُرِه، والثَّالِثَةُ: يَرفَعُ اللهُ سِيمَا الصَّالحِين من وَجهِه، والرَّابِعَةُ: لا حَظَّ لَهُ في دُعاء الصَّالحين، والخامسةُ: كُلُّ عملٍ يَعمَلُه مِن أعمال البِرِّ لا يُؤجَرُ عليه، والسَّادِسَةُ: لَا يَرفَعُ اللهُ دُعاءَهُ إلى السَّماء. وأمَّا التي تُصيبُهُ في قبره، فأَوَّلهُا: يُوَكِّلُ اللهُ به مَلَكًا يُزعِجُهُ في قبره إلى يوم القيامة، والثَّانِيَةُ: تكونُ ظُلمةٌ في قَبرِهِ فلا يُضَاءُ له أبدًا، والثَّالِثَةُ: يُضَيِّقُ اللهُ عليه قَبرَه إلى يوم القيامة. وأمَّا التي تُصِيبُهُ مِنهَا إذا خَرَجَ من قبره، فأَوَّلهُا: يُوَكِّلُ اللهُ به مَلَكًا يَسحَبُهُ على حُرِّ وَجهِهِ في عَرَصَات القيامة، والثَّانِيَة: يُحاسِبُهُ حِسابًا طويلًا، والثَّالِثَةُ: لا يَنظُرُ الله إليه ولا يُزَكِّيه وَلَهُ عذابٌ أليمٌ - ثُمَّ تلا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: - {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ} [مريم: 59 - 60] ".

ص: 444

ولم تَذكُر هذه الرِّوَايةُ الثَّلاث التي تُصِيبُه عند الموت.

وقد أشار الذَّهبيُّ في "الميزان"(3/ 653)، في ترجمة "مُحمَّد بن علي بن العبَّاس البَغدَادِيِّ العَطَّارِ" إلى أن هذا الحديثَ مُفتَعَلٌ وقد ألصَقَهُ مُحمَّدُ بنُ عليّ بن العبَّاس هذا بالإمام الكبير أبي بكرٍ النَّيسابُورِيِّ، فقال:"رَكَّب عَلَى أبي بكرٍ بن زيادٍ النَّيسَابُورِيِّ حديثًا باطلًا في تارك الصَّلاة"، وزاد ابنُ حَجَرٍ في "اللِّسان"(5/ 295 - 296)، قال:"زَعَمَ المذكورُ - يعني: مُحمَّدَ بنَ عليِّ بن العبَّاس -، أن ابن زيادٍ أَخَذَهُ عن الرَّبيع، عن الشَّافِعِيِّ، عن مالكٍ، عن سُمَيٍّ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة رضي الله عنه رَفَعَهُ: "مَن تَهَاوَنَ بصلاته، عاقبهُ الله بخمس عشرة خَصلةً. . . الحديث"، وهو ظاهرُ البُطلان، من أحاديث الطُّرُقِيَّة" انتهى - يعني: من أحاديث الصُّوفِيَّة، أصحاب الطُّرُق الصُّوفِيَّة -.

ومِثلُ هذا الحديث البَاطل لا يُحتَمَلُ أن يجيء بإسنادٍ نَظِيفٍ كهذا، فأَنَّى يُقبَلُ مِن هذا التَّالِف؟!

وهذا أَحَدُ عَلَامَاتِ وضع الحديث عند العُلماء، أن يُروَى حديثٌ مُنكَرٌ بإسنادٍ نظيفٍ.

واللهُ أعلَمُ.

ص: 445

‌252 - سَألَنِي سائل، فقال: سمعتُ بعص الشُّيُوخ يروي حكايةً، عن بعض العُلماء، أنَّهُ كان يَروِي حديث:"مَن كانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ"،

فمات هذا العالِم عِند ذكر لَفظِ الجَلالة، فَهَل هذا صحيحٌ؟

• قلتُ: هذه القِصَّةُ صحيحةٌ.

وقد وَقَعَت لعالِمٍ، مِن أكبر عُلماء الحديث في زَمَانِه، وهو عُبَيدُ الله بن عبد الكَريمِ، المعرُوف بـ "أبي زُرعَةَ الرَّازِيِّ"، رحمه الله وَرَضِيَ عَنهُ.

وهذه القِصَّةُ أخرَجَهَا ابنُ أبي حاتمٍ في "مُقدِّمَة الجرح والتَّعديل"(ص 345 - 346)، والخَلِيليُّ في "الإرشاد"(ص 677 - 678)، والحاكمُ في "عُلوم الحديث"(ص 76)، والبيهقيُّ في "الشُّعَب"(ح 6/ رقم 9237)، وابنُ عساكر في "تاريخ دمشق"(10/ 699 - 700)، وابنُ البَنَّاء في "فضلُ التَّهليل وثوابُهُ الجزيل"(49)، والشَّجَرِيُّ في "الأمالي"(1/ 13) مِن طريق مُحمَّد بن مُسلِم بن وَارَةَ الرَّازِيِّ، قال: حَضَرتُ مع أبي حاتمٍ الرَّازِيِّ مُحمَّدِ بن إدريس عند أبي زُرعَةَ الرَّازِيِّ، وهو في النَّزْع - يعني: في سِياقَة الموت -، فقُلتُ لأبي حاتمٍ:"تَعَالَ، حَتَّى نُلَقِّنَهُ الشَّهَادَة"، فقال أبو حاتمٍ: "إِنِّي لأستَحيِي من أبي زُرعَة أن أُلَقِّنَهُ الشَّهادة، ولَكِن تعال حتَّى نَتَذَاكَر

ص: 446

الحديث، فلَعَلَّه إذا سَمِعَهُ يقولُ"، فدَخَلَا عليه، - فقال مُحمَّد بن مُسلِمٍ: - فبدَأتُ، فقُلتُ: "حَدَّثَنا أبو عاصمٍ النَّبِيلُ، قال: حدَّثَنا عبدُ الحَمِيدِ بنُ جعفرٍ

"، فَأُرْتِجَ عَليَّ الحديثُ، حتَّى كَأَني ما سَمِعتُهُ ولا قَرَأتُهُ، فبَدَأَ أبو حاتمٍ، وقال: "حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثَنا أبو عاصمٍ النَّبيلُ، عن عبد الحميد بن جعفرٍ

"، فأُرتِجَ عليه، حتَّى كَأَنَّهُ ما قَرَأَهُ ولا سمِعَهُ، فَأَشَارَ أبو زُرعةَ إليهما: "أَن أَجلِسَانِي"، فَجَلَسَ، فقال: "حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثَنا أبو عاصمٍ النَّبيلُ، قال: حدَّثَنا عبدُ الحميد بنُ جعفر، عن صالح بن أبي عَرِيبٍ، عن كَثيرِ بن مُرَّة، عن مُعاذ بن جَبَلٍ، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن كان آخِرُ كلامِهِ مِنَ الدُّنيا لا إله إلا اللهُ"

"، وخَرَجَت رُوحُه مع الهاء، مِن قبل أن يَقُولَ: "دَخَلَ الجَنَّة".

ورَأَيتُ الحِكايةَ عند الخطيب في "تاريخ بغداد"(10/ 335).

فرَحمَةُ الله على أَبِي زُرعَة، ومَن في النَّاس كأبي زُرعة؟!

واللهَ أَسأَلُ، أَن يَحشُرَنا وإيَّاهُم تحت لِواء نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم.

ص: 447

تمَّ بحمد الله تعالى

السِّفرُ الثاني من: "إسعاف اللَّبيث"

ويتلُوه السِّفرُ الثالث

وأوَّلُهُ: "إذا كانت أُمراؤُكُم خِيَارَكُم

الحديث"

ص: 448