الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُورَةُ المُلْكِ
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) - {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
{تَبَارَكَ} : تعالى عمَّا تُدرِكهُ الحَواسُّ
(1)
والأوهامُ، وتَعاظمَ عمَّا يُحيطُ به القياسُ والأفهام.
{الَّذِي بِيَدِهِ} ؛ أي: بقَبضةِ قُدرتهِ
(2)
{الْمُلْكُ} يتصرَّفُ فيه كيف يشاءُ، والمُلكُ عَالمُ الأجسامِ، كما أنَّ المَلكوتَ عَالمُ الأروَاحِ
(3)
، فلذَلكَ وَصفَ ذاتهُ تعالى باعتبارِ تَصريفهِ عالمَ المُلكِ وتَدبيرِهِ إيَّاهُ بحَسبِ مَشيئتِهِ بالتَّبارُكِ الَّذِي هُو غَايةُ العَظمةِ
(1)
في (ك): "يدرك بالحواس"، وفي (ع) و (ي):"تدرك الحواس".
(2)
في هامش (ب): "قوله: بقبضةِ قُدرتهِ التَّصرفُ في الأمورِ كُلها
…
إلى أنَّ اليدَ مَجازٌ عنِ القُدرةِ، وأنَّ المُلكَ مَع كونهِ غَيرَ مُختصٍّ بعَالم المُشاهدةِ عامٌّ لكلِّ فَردٍ، ومُختصٌّ بهِ تَعالى بدليلِ تَقديمِ الظَّرفِ، وتعريفِ المُلكِ، فالمُلكُ عَلى ظَاهرهِ لا بمَعنى التَصرُّفِ، وذِكرهُ لبَيانِ مَعنى كونِ المُلكِ في يَدهِ لا لأنَّه بمَعناهُ، ومَن جَعلَ كَلامَ المُصنِّفِ إشارة إلى أنَّ المُلكَ بمَعنَى التَّصرُّفِ وأنَّ اللامَ فيهِ للاستِغراقِ لم يَدرِ أنَّ كَونَ جَميعِ التَّصرُّفِ للهِ غَيرُ كونِ التَصرفِ في جَميعِ الأمورِ لهُ، وغَيرُ مُستلزِمٍ لهُ، واللَّازمُ مما ذَكرهُ هُو الأوَّلُ دُونَ الثَّاني، ولو سلِّمَ فبمُلاحظةِ مُقدمةٍ أجنِبيةٍ هيَ أنَّ التصرُّفَ في الجَميعِ واقعٌ فتأمَّلْ. مِن حاشيةِ القاضِي مَولانا سِنان جَلبي رحمه الله".
(3)
هذا التقسيم ناقشه ابن كثير رحمه الله عند تفسير آخر سورة يس، ودلّل بالنصوص على أن الملك والملكوت واحد في المعنى، وأن عليه الجمهور من المفسرين وغيرهم.
في إفاضةِ
(1)
الخَيرِ والبركةِ والزِّيادةِ فيها، وباعتبارِ تَخيره عالمَ المَلكوتِ بمُقتضى إرادتهِ بالتَّسبيحِ الذي هو كونه تعالى مُنزَّهًا عن مُشابهةِ الأجسامِ، حَيثُ قالَ تَعالى:{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} [يس: 83]، وأورَدَ كلًّا بما يُناسِبهُ؛ لأنَّ الزيادةَ والبَكةَ تُناسبُ الأجسامَ في نُموِّها وازديادِها، والتَّنزُّهَ يُناسِبُ المجرَّداتِ عن المادَّةِ.
{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سواءٌ كان ذلكَ الشيءُ مِن عالم المُلكِ أو مِن عالمِ المَلكوتِ، ففيه دَفعُ ما عسى أنْ يَسبقَ إلى الوَهمِ - مِن تخصيصِ المُلكِ بالذِّكرِ - اختصاصُ الحُكمِ السَّابقِ به.
* * *
{الَّذِي} بدلٌ مِن الذي قبله، أو خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ.
{خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} الخَلقُ بمعنَى الإيجادِ إنْ كان المَوتُ ضدَّ الحياةِ، وبمعنَى التَّقديرِ إن كان عَدمَها، وإنَّما قُدِّمَ المَوتُ عليها لأنَّه أدعَى إلى حُسنِ العملِ، فذِكرُه في المقامِ أهمُّ
(2)
، وأمَّا قولهُ تعالى:{وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28] فالموتُ فيه على المعنى المَجازيِّ.
{لِيَبْلُوَكُمْ} ليُعاملكم مُعاملةَ المُختَبِر، مِن البَلوَى وهي الخِبرةُ
(3)
.
{أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} في الدُّنيا بالزُّهد في أُمورها والرغبةِ عنها، وكما أنَّ الاختبارَ في
(1)
في (ع) و (ي): "إضافة"، وفي (م):"إفادة".
(2)
انظر: الكشاف (4/ 575)، وقال القرطبي:(لأن الموت إلى القهر أقرب). انظر: "تفسير القرطبي"(21/ 110).
(3)
في (ع): "الخبر". والمثبت من باقي النسخ و"الكشاف"(4/ 575).
قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: 7] غيرُ مخصوصٍ بالمكلَّفينَ بالشَّرائعِ
(1)
كذلك هاهنا غيرُ مخصوصٍ بهم.
جملة
(2)
واقعةٌ مَوقعَ المفعولِ الثَّاني لفِعلِ البَلوى مِن حيث إنَّه تَضمَّنَ معنى العِلمِ، فليس هذا مِن باب التَّعليقِ
(3)
لأنَّ الجُملةَ المعلَّقَ عنها يَجبُ أنْ تقعَ مَوقعَ المفعولَينِ معًا
(4)
.
(1)
في هامش (ف): "فيه رد للقاضي؛ لأنَّه قال: أيها المكلفون".
(2)
يعني قوله تعالى: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} .
(3)
في هامش "ب": "قولهُ: ولَيَسَ هذا مِن بابِ التَّعليقِ، نَفيٌ للتَّعلِيقِ الَّذِي هُو مِن خَصائصِ أفعَالِ القُلوبِ، وهُو لا يُخالفُ ما ذَكرهُ في سُورةِ هُودٍ مِن قَولهِ:(وإنَّما جازَ تَعلِيقُ فِعلِ البوى لما فيهِ مِن مَعنَى العِلمِ مِن حَيثُ إنه طَريقٌ إليهِ كالنَّظرِ والاستِماعِ)؛ لأنَّ المُرادَ ثمةَ تَسليطُ فِعلِ البَلوى على {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} مِن جِهةِ كونهِ جُملةً واقِعة مَوقعَ المَفعولِ الثَّاني مَع أنَّه لا يتَعدَّى بغَيرِ واسِطةٍ إلا إلى مَفعولٍ واحِدٍ، وذَلكَ لأنَّ ما ذَكرهُ منَ التَّعليلِ إنَّما يَصلحُ لما قُلتُ لا للتَّعلِيقِ النَّحويِّ، فإنَّ وَجههُ تَصديرُ الجُملةِ بكلِمةِ الاستِفهامِ بعدَ أن كانَ بمَعنَى العِلمِ لا كونُه بمَعناهُ، كيفَ وطلبُ وَجهِ جَوازِ التَّعليقِ إنَّما يَكونُ بعدَ العِلمِ بوُجودِهِ، والعِلمُ بهِ يتَوقَّفُ عَلى تَضمُّنهِ مَعنى العِلمِ، فبَعدَ العِلمِ بالتضمُّنِ يُستَغنى عَن بَيانِ وَجهِ جَوازِ التَّعلِيقِ، فتدبَّرْ
…
يتوهَّمُ أنَّ التَّعلِيقَ في المَوضِعينِ بمَعنىً واحدٍ، ويُقالُ في وَجهِ التَّلفيقِ: إنَّما في سُورةِ هُودٍ تَجويزُ تَعلِيقهِ باعتِبارِ تَضمُّنِ مَعنَى العِلمِ مِن غَيرِ نَظرٍ إلى خُصوصِ تَركيبِ {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} وفي سُورةِ المُلكِ مَنعهُ بالنَّظرِ إلى خُصوصهِ، وفيهِ أنَّ جَوازَ التَّعلِيقِ فيهِ مِن أينَ عُلمَ حتَّى يُحتاجَ إلى بَيانِ وَجههِ؟ وهاهُنا وُجوهٌ أُخرُ ذَكرُوها ولفَسادِها معَ كَونِ مَبناها فاسِدًا طَويناها عَلى غَيرِها، ثمَّ إنَّهُ يَجوزُ أن يُرادَ بالتَّضمُّنِ هاهُنا التَّضمِينُ المُصطَلحُ، وأن يُرادَ الاستِعارةُ لمعنَى العِلمِ، والآيةُ الكَريمةُ تَحتمِلُها، لكنَّ الزَّمخشرِيِّ نصَّ عَلى الثَّاني في هَذهِ السُّورةِ، ولو حَملَ الأولُ وَجهَ المُتضمَّن حالًّا عامِلًا في الجُملةِ فقطْ لمْ يَبعدْ أنْ يُوجدَ في الآيةِ التَّعلِيقُ النَّحويُّ فتدبَّرْ. الفاضِلُ سِنان جَلبي".
(4)
وما ذهب إليه المؤلف مَبْنَاهُ على أنَّ تعليقَ أفعالِ العِلمِ عن العملِ لا يستقيمُ إلَّا إذا لم يُذْكرْ للفعلِ مفعولٌ، فإذا ذُكِر مفعولٌ لم يَصِحَّ تعليقُ الفعلِ عن المفعولِ الثاني. وفي المسألة قولان نقلهما في =
ولمَّا قَدمَ الموتَ الذي هو أثرُ صفةِ القَهرِ على الحياةِ التي هي أثرُ صفةِ اللُّطفِ، قدَّمَ صفةَ القَهرِ على صِفةِ اللُّطفِ في قَولهِ تَعالى:
{وَهُوَ الْعَزِيزُ} : الغالبُ الذي لا يُعجِزهُ مَن أساءَ العملَ {الْغَفُورُ} الستَّارُ الذي لا يَيأسُ منه أهلُ الإساءَةِ والزَّلل.
* * *
{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} : مُطابَقةً بَعضُها
(1)
فَوقَ بَعضٍ، مِن طابقَ النَّعلَ: إذا
= "التحرير والتنوير":
أحدهما: قول الفراء والزجاج والزمخشري في تفسير أول سورة هود: أن جملة الاستفهام سادة مَسدَّ المفعول الثاني، وأن فعل (يبلوكم) المضمن معنى (يَعْلَمكم) معلق عن العمل في المفعول الثاني، وليس وجود المفعول الأول مانعًا من تعليق الفعل عن العمل في الثاني، وإن لم يكن كثيرًا في الكلام.
والوجه الثاني: وهو الذي أوجبه المؤلف، على أن تؤول الجملة بمعنى مفردٍ تقديره: ليعلمكم أهذا الفريق أحسنُ عملًا أم الفريقُ الآخر، ثم قال:(وهذا مختار صاحب "الكشاف" في تفسير هذه الآية). فالزمخشري ذهب في سورة هود إلى مذهب الفراء والزجاج، واختار هاهنا المذهب الآخر، وهو صحيح من حيث العربية، والمسألة خلافية، وقد أشبعها الآلوسي رحمه الله دراسة وأورد مناقشة على ما ذهب إليه الزمخشري في الموضعين. انظر:"الكشاف"(4/ 575) ومعه "الانتصاف" لابن المنير، و"روح المعاني"(27/ 286)، و"التحرير والتنوير"(14/ 29).
(1)
في هامش "ب": "قولهُ: مُطابَقة بَعضها هو بفتحِ الباءِ، عَلى أنَّه صِيغةُ مَفعولٍ، إشارةٌ إلى أنَّ {طِبَاقًا} مَصدرٌ بمَعنى المَفعولِ صِفةُ {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}، مَعناهُ: مُطابقة بَعضُها فَوقَ بَعضٍ، وَيجوزُ أنْ يكونَ (مُطابقة) مَصدَرًا بمَعنى المَفعولِ، فالمُرادُ يبانُ كَونِ الطِّباقِ مَصدرًا بمَعنَى المُطابقةِ. لمَولانا سِنان جَلَبي". =
خَصفَها
(1)
طَبقًا على طَبقٍ، أو جَمعُ طَبقٍ كجَملٍ وجِمالٍ، أو طَبقةٍ كثَمرةٍ وثمارٍ
(2)
.
صفة إنْ كان جمعًا، أو وصف بالمصدرِ، أو على: ذاتَ طِباقٍ، أو: طُوبِقتْ طباقًا
(3)
.
والخطابُ في قوله تعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ} لكلِّ أحدٍ؛ للتعجُّبِ العامِّ من التَّناسُب التامِّ في خَلقِهنَّ.
{مِنْ تَفَاوُتٍ} : مِن اختلافٍ في الخِلقةِ، وقُرئَ:{مِنْ تَفَاوُتٍ}
(4)
ومعنَى البِنائين واحدٌ؛ كالتَّعاهُدِ والتَّعهُّدِ، وحقيقةُ التَّفاوُتِ: عَدمُ التَّناسُبِ، كأنَّ بعضَ الشَّيء يَفوتُ بعضًا ولا يُلائِمهُ
(5)
.
وقوله تعالى: {فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ} مِن بابِ وَضعِ الكُبرى موضعَ النَّتيجةِ إثباتًا للحُكمِ بعلَّتهِ، وذلك أنَّ أصلَ الكلام: ما تَرى فيهنَّ من تفاوتٍ؛ لأنَّهُ مِن خَلقِ اللهِ تعالى، وما تَرى في خَلقهِ مِن تَفاوتٍ، وفي إضافتهِ إلى {الرَّحْمَنِ} إشعارٌ بأنَّ ذلك
= وقد وصف المضاف إليه في {سَبْعَ بَقَرَاتٍ} ، ووصف المضاف في هذه الآية، لاقتضاء كل ما يناسبه. انظر:"فتوح الغيب"(15/ 535).
(1)
في "ع": "وافقها".
(2)
في هامش "ب": "ومَن قالَ: كرحبةٍ ورِحابٍ فقَد سَها؛ لأنَّ طَبقةً بسكُونِ الباءِ غَيرُ مُستَعملةٍ". لكن ما جاء في "روح المعاني"(27/ 290) ينقضه حيث قال: (
…
كرحبة بفتح الحاء
…
). ويجوز فيها الفتح والسكون كما في "القاموس".
(3)
انظر: "الكشاف"(4/ 576) و"تفسير النسفي"(4/ 400).
(4)
بتشديد الواو من غير ألف قراءة حمزة والكسائي، والباقون بالألف وتخفيف الواو. انظر:"التيسير"(ص:212).
(5)
انظر: "الكشاف"(4/ 576).
التَّناسُبَ أثرُ الرَّحمة لأنَّه مَدارُ نظامِ العالمِ، والجملةُ صِفةٌ ثَانيةٌ للسبعِ
(1)
.
{فَارْجِعِ الْبَصَرَ} مُتعلِّق بما قبلهُ على معنى التَّسبُّبِ
(2)
؛ أي: إن أردتَ أنْ تَتحقَّقَ ما أخبرتُكَ به
(3)
فارجع البصرَ {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} : صُدوعٍ وشُقوقٍ، جمعُ فَطرٍ وهُو الشَّقُّ، والمُرادُ: الخَللُ.
* * *
(4) - {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} .
{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ} معنى التَّراخي في {ثُمَّ} : هو أنْ يَتوقَّفَ بَعدَ كلالِ البصرِ بكثرة المُراجعةِ، حتَّى يُجِمَّ
(4)
بَصرهُ، ثُمَّ يُعادَ ويُعادَ فلا يَنقلِبَ إلَيهِ إلَّا بالبُعدِ عنِ المَطلُوبِ، والكَلال، ولا يَعثرُ
(5)
عَلى شَيءٍ مِن التَّفاوُتِ والفُطورِ.
والمُرادُ بالتَّثنيةِ في {كَرَّتَيْنِ} : التَّكريرُ والتَّكثيرُ؛ كما في قولهم: لبَّيكَ وسَعدَيكَ
(6)
؛ ولذَلكَ أجَابَ الأمرَ بقَولهِ:
(1)
واستظهر أبو حيان أنها استئنافُ أنه لا يدرك في خلقه تعالى تفاوت. انظر: "البحر"(20/ 412).
(2)
في "ع": "السبب"، وفي (ف) و (ي):"التسبيب"، لكن صحح في هامش (ي) إلى المثبت.
وجاء في هامش "ب": "قولهُ: عَلى مَعنى التَّسبُّبِ، يعنِي أنَّ الإخبارَ بعدَمِ التَّفاوتِ في خَلقهنَّ كانَ سَببًا للأمرِ بالرُّجوعِ بناءً عَلى اعتَراءِ شُبهةٍ فيهِ، ثمَّ إنهُ يَحتملُ أنْ يَكونَ الكلامُ عَلى جَوابِ شَرطٍ مَحذوفٍ، تَقديرُهُ: إنْ كُنتَ في رَيبٍ مِن ذَلكَ فارْجعْ فَتأمَّلْ، وهَذا غيرُ التَّسببِ، ومَن قالَ: إنَّه مَتعلِّقٌ بما قبلَهُ عَلى التَّسببِ ثُمَّ قالَ: أي: إنْ أرَدتَ أن تَتحقَّقَ ما أخبرتُكَ بهِ فارجِعِ البَصرَ، فقدْ غَلطَ حَيثُ خلَّطَ فتدَّبرْ. لمَولانا سِنان جَلَبي". وانظر: الكشاف (4/ 576).
(3)
في "ع": "عنه".
(4)
جَمّ الفرسُ وأجَمَّ، إذا استراح وذهب إعياؤه. المخصص لابن سيده (4/ 342).
(5)
في "ع": "يثبت".
(6)
قوله (لَبَّيْك وسَعْدَيْك)؛ أي: إِجابة بعد إجابةٍ، كأنّه قال: كلَّما أَجبتُك في أمرٍ فأنا في الأمر الآخَر =
يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا}: بَعيدًا عمَّا طَلبتَ
(1)
، كأنَّه طُردَ عنه بالصَّغارِ.
{وَهُوَ حَسِيرٌ} : كَليلٌ مِن كَثرةِ المُراجَعةِ وطُولِ المُعاودةِ
(2)
.
* * *
{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا} : القُربى مِنكُم
(3)
. وفي هَذا التَّوصيفِ دِلالةٌ عَلى أنَّ الزِّينةَ في الواقِعِ لا في الرُّؤيةِ، إذ لا تَمايزَ بَين دُنياها وعُلياها في النَّظرِ
(4)
.
{بِمَصَابِيحَ} استُعيرَتْ للكَواكبِ المُضيئةِ باللَّيلِ، والتَّنكِيرُ
(5)
للتَّنوِيعِ؛ .....
= مجيبٌ، وكأَنّ هذه التثنيةَ أشدُّ توكيدًا. انظر: الكتاب (1/ 350).
(1)
من قولك: خسأت الكلب، إذا أبعدته وطردته. انظر:"النهاية"(مادة: خسأ).
(2)
في (ب): "المعاهدة"، والمثبت من باقي النسخ، وهو الموافق لما في "الكشاف"(4/ 577).
(3)
في هامش (ب) و (م): "قالَ القاضِي بعدَما فسَّر السَّماءَ الدُّنيا بأقرَبِ السَّماواتِ إلى الأرضِ: ولا يَمنعُ ذَلكَ كونُ بَعضِ الكَواكبِ مَركُوزةً في سَماواتٍ فَوقَها؛ إذ التَّزيِينُ بإظهَارِها عَليها، وقالَ الزَّمخشَريُّ: إنَّ الشُهبَ الَّتِي تَنقضُّ لرَميِ المُسترقةِ منهُم مُنفصِلةٌ مِن نارِ الكَواكبِ لا أنَّهم يُرجَمونَ بالكَواكبِ أنفُسِها لأنَّها قارَّةٌ في الفَلكِ عَلى حَالها. أقولُ: القولُ بأن الكَواكبَ قارَّةٌ بالفُلكِ مَركوزةٌ فيهِ مَردودٌ بنصِّ القُرآنِ، وهُو قولُهُ تَعالَى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وَيسيرُونَ بسُرعةٍ كالسَّابحِ في المَاءِ".
(4)
في هامش (ب): "وإنَّما خصَّ التَّزيِين بها مَعَ حُصولهِ أيضًا في أفلاكٍ فوقَها، ومَع عَدمَ التَّمايزِ بَينَ دُنياها وعُلياها - بُعداها - في المَنظرِ، بناء على أفهامِهم، حَيثُ بادرَتْ أوهَامُهم إلى أنَّ الأفلاكَ فَوقَها بَعضُها يَحجبُ بَعضًا، وأنَّ الكَواكبَ كأنَّها جَواهرُ مُضيئةٌ مُتلألِئةٌ عَلى سَطحٍ أزرَقَ للفُلكِ الأقرَبِ. لمَولانا سِنان جَلَبي رحمه الله".
(5)
في (ع): "والتكثير".
أي: بمَصابيحَ لَيستْ مِن جِنسِ مَصابِيحكُمْ
(1)
.
{وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا} : جمعُ رَجمٍ بالفتحِ، وهو مصدرٌ سمِّيَ به ما يُرجَمُ.
{لِلشَّيَاطِينِ} ؛ أي: ضَمَمْنا إلى التَّزيين فائِدةً أُخرى جليلةً هي رجمُ الشَّياطين التي تَسترِقُ السَّمعَ بالشُّهبِ المُنقضَّةِ، وقد عيَّنَ هذا المعنى قولُه تعالى:{وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [الصافات: 7]، والقُرآنُ يفسِّرُ بَعضهُ بَعضًا سيَّما
(2)
في حُكمٍ واحِدٍ، فلا وَجهَ
(3)
لِمَا قِيلَ: مَعناهُ: وجَعلناها ظُنونًا لشَياطِينِ الإنسِ، وهُم المُنجِّمونَ
(4)
.
وفيهِ دِلالةٌ عَلى أنَّ الكَواكبَ الَّتِي استُعيرَ
(5)
لها المَصابِيحُ في السَّماءِ الدُّنيا؛ لأنَّ انقضاضَ الشُّهب لا يُتصوَّرُ مِن سائر السَّماوات، وقد مرَّ في تفسيرِ سورة الأنبياء أنَّ تحتَ السَّماء فَلكًا هو موجٌ مكفوفٌ فيه الكواكبُ كلُّها.
وعن كعب: أنَّ السَّماءَ الدُّنيا مَوجٌ مَكفوفٌ
(6)
.
(1)
انظر: "الكشاف"(4/ 577).
(2)
قوله: (سيما) له أحكام في العربية، قال أبو حيان في "الارتشاف" (3/ 1552):(وحَذفُ "لا" من "لا سِيَّما" إنما يوجد في كلام الأدباء الْمُوَلَّدِينَ، لا في كلام مَنْ يُحْتَجُّ بكلامه).
وقال ابن هشام في "المغني"(ص: 186): (وتشديد يائه ودخول الواو على (لا) واجب)، وينظر تمام الكلام في هذه المسألة في "همع الهوامع"(2/ 285)، و"تاج العروس" (مادة: سوو).
(3)
في (ب) و (ع) و (م): "حاجة" وكتب تحتها في (ب) و (ع): "وجه".
(4)
نقله الزمخشري مقدما له بـ (قيل)، وتابعه البيضاوي، واحتمله أبو حيان، ودلّل عليه السمين من شعر زهير. انظر:"الكشاف"(4/ 577)، و"تفسير البيضاوي"(5/ 229)، والبحر المحيط (20/ 4164) و"الدر المصون"(14/ 34).
(5)
في (ع) و (ك): "استعيرت".
(6)
رواه الثعلبي في "تفسيره"(9/ 357). وروى الإمام أحمد في "المسند"(1770) من طريق الحكم بن عبد الملك - وهو ضعيف - عن أبي هريرة رضي الله عنه حديثا جاء فيه: "أتدرون ما =
{وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} في الآخرة، بعدَ الإحراقِ بالشُّهب في الدُّنيا، والسَّعيرُ: أشدُّ الحريقُ.
* * *
(6) - {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .
{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ}
(1)
مَنَ الثَّقلَين {عَذَابُ جَهَنَّمَ} ، وقُرئَ بالنَّصبِ
(2)
عَلى أنَّ {لِلَّذِينَ} عَطفٌ عَلى {لَهُمْ} ، و (عذابَ جهنَّمَ) على {عَذَابَ السَّعِيرِ} .
{وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} : المَرجعُ.
* * *
(7) - {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ} .
{إِذَا أُلْقُوا فِيهَا} : طُرِحُوا في جهنَّمَ كما يُطرحُ الحَطبُ في النَّارِ العَظيمةِ.
= هذه فوقكم؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم! قال: "الرفيع موج مكفوف، وسقف محفوظ، أتدرون كم بينكم وبينها؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم! قال: "مسيرة خمس مئة عام". وإسناده ضعيف جدًّا.
(1)
في هامش "ب": "قولُهُ {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا} الآيةَ، لمَّا كان هاهنا مَظنَّة أنْ يُتوهَّمَ مِن التَّخصِيصِ الذِّكريِّ اختِصاصُ الحُكمِ بالمَرجُومينَ، عمَّمهُ لهم ولغَيرهم مِنَ الكَفرةِ دَفعًا لهذا، مَعَ الإشارةِ إلى العِلةِ لاستِحقَاقِهم لهُ، فالمَعنَى لَيسَ المَرجُومونَ مَخصُوصِينَ بهِ، بلْ كلُّ مَن كَفرَ بربِّهِ كَذلكَ، فلَيسَ فيهِ شبهُ التَّكرارِ كما ظُنَّ، ولَيسَ في قَولهِ: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} الآيةُ، ما يُنافي العُمومَ؛ لجَوازِ أنْ لا يُوجدَ فَوجٌ مِن شَياطِينٍ صِرفةٍ، وسُؤالُ الخَزنةِ لهم لا يُوجِبُ أن يَكونَ لكُلِّ أحدٍ، نعم يَجبُ حَملُ الآيةِ الكَريمةِ عَلى غَيرِ الشَّياطينِ عَلى قِراءةِ نَصبِ {عَذَابُ} فتدبَّرْ. مِن حاشِيةِ القاضِي لمَولانا سِنان جَلبي رَحمهُ اللهُ تَعالى".
(2)
نسبت إلى الضحاك والأعرج وأسيد بن أسيد المزني والحسن في رواية. انظر: "المختصر في شواذ القراءات"(ص: 159)، و"المحرر الوجيز"(5/ 339)، و"البحر"(20/ 416).
{سَمِعُوا لَهَا} : لجَهنَّمَ {شَهِيقًا} : صَوتًا مُنكَرًا كصَوتِ الحِمارِ، شبَّهَ حسيسَها الفَظيعَ بالشَّهيقِ
(1)
.
قالَ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنهُما: الشَّهيقُ لجَهنمَ عِندَ إلقَاءِ الكفَّارِ فيها تَشهقُ إلَيهم شَهقةَ البَغلةِ للشَّعيرِ، ثُمَّ تَزفِرُ زَفرةً لا يَبقى أحدٌ إلا خافُ
(2)
.
وأمَّا الزَّفيرُ والشَّهيقُ للكفَّارِ المَذكُورانِ في قَولهِ تَعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 106] فذَلكَ بَعدَ القَرارِ في النَّارِ، وبَعدَ مَا قِيلَ لهُم:{اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] فصَاروا لا يَتكلَّمونَ، ولمْ يَبقَ لهُم إلَّا أصْواتٌ مُنكَرةٌ، ولا حُروفَ مَعها.
{وَهِيَ تَفُورُ} : تَرتفِعُ بهم بالغَليانِ، فإنَّ الفَورَ ارتفاعُ الشَّيءِ بالغَليانِ، لا الغَليانُ نَفسهُ، ومنهُ: الفوَّارةُ؛ لارتفاعِها بالماءِ ارتَفاعَ الغَليانِ.
(1)
في هامش "ب": "وفي "الكشَّافِ": {سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا}: إمَّا لأهلِها ممَّن تقدَّمَ طرحُهم فيها أو مِن أنفُسِهم، كقَوله: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}، وإمَّا للنَّارِ تَشبِيهًا لحَسِيسها المُنكَرِ الفَظيعِ بالشَّهيقِ. واعتُرضَ عَليهِ بما حَاصلُهُ: أنَّهُ قدْ سَبقَ في تَفسِير {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا}: ثُمَّ لا يَكونُ لهم إلَّا زَفيرٌ، {وَلَا تُكَلِّمُونِ}: أنَّ أهلَها بعدَما وَقعَ مِنهمُ المُقاولةُ في سِتةِ آلافِ سَنةٍ يُقالُ لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا} ثُمَّ لا يَكونُ لهم إلا زَفيرٌ وشَهيقٌ، فهُما إمَّا يَكونانِ لهُم بعدَ القَرارِ في النَّارِ، وبَعدَما قيلَ لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} فأنَّى يتَسنَّى الاستِدلالُ بقَولهِ: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} عَلى كَونِ الشَّهيقِ هاهُنا لأهلِها، ولا يَخفَى أنَّ ما سَبقَ إنَّما يدلُّ عَلى عَدمِ وُقوعِ غَيرِ الزَّفيرِ والشَّهيقِ بَعدَ القَرارِ، لا عَلى عَدمِ وُقوعِهما قَبلهُ، وبَعدَ التَّسليمِ ما ذُكرَ في "الكشَّافِ" لا يدلُّ عَلى وُقوعِهما وَقتَ الإلقاءِ فتأمَّلْ. لمَولانا سِنان جَلبي رحمه الله". وانظر الكشاف (4/ 578).
(2)
انظر: "تفسير القرطبي"(21/ 119). ووقع في "ب": "يخاف".
{تَكَادُ تَمَيَّزُ} {تَمَيَّزُ}
(1)
؛ أي: تَتقطَّعُ وتَتفرَّقُ.
{مِنَ الْغَيْظِ}
(2)
عَلى الكفَّارِ، تَمثيلٌ لشدَّةِ اشتِعالها بهم، ويجوزُ أنْ يُرادَ
(3)
غَيظُ الزَّبانِيةِ، وأُسندَ إليها للمُلابسةِ. والغَيظ: الغَضب الكامِن، ولا يَلزمُ أن يَكونَ مِن العَجزِ كما تَوهَّمهُ الجَوهرِيُّ؛ لقَولهِ تَعالى:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134]
(4)
، فإنَّهُ في مَقامِ المَدحِ، والعاجِزُ بمَعزِلٍ عَنهُ.
{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} مِن الكفَّار المُكذِّبين للرُّسل بدِلالةِ قوله: {فَكَذَّبْنَا} ، ولا حجَّةَ فيها للمُرجِئةِ على أنَّهُ لا يَدخُلُ النَّارَ أحدٌ إلَّا الكفَّارُ؛ لأنَّه بيَّنَ حالَ الدَّاخلينَ فيها زُمرًا وسَكتَ عن حال الدَّاخِلينَ فيها فُرادَى، فيَجوزُ أنْ يَكونَ عُصاةُ المُؤمِنين دخولهُم فيها فُرادَى.
{سَأَلَهُمْ}
(5)
؛ ............
(1)
في (ب): "تتميز"، وليست في (ك) و (م).
(2)
في هامش "ب": "قولُهُ: {مِنَ الْغَيْظِ} الجَوهَريِّ: هُو الغَضبُ الكَامنُ للعَاجزِ، كِلا الوَصفَينِ إمَّا أنْ يَكونَ لشَخصٍ واحدٍ كما هُوَ الظَّاهرُ، فقَولُه تَعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} مِن قَبيلِ التَّجرِيدِ المُسمَّى في عِلمِ البَيانِ بالمَجازِ اللُّغويِّ الرَّاجِعِ إلى مَعنى الكَلمةِ غَيرِ المُفيدِ، أو لا يَكونَ بأنْ يَكونَ اللَّامُ صِلةَ الغَضبِ، يُقالُ: غَضبَ عَليهِ ولهُ، وكِلا الاستِعمالَين ثابتٌ، فقَولهُ تَعالى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} مِن هَذا القَبيلِ، مِن حَاشيةِ القاضِي مَولانا سِنان جَلَبي رَحمهُ اللهُ تَعالى".
(3)
في "ع": "يكون".
(4)
انظر: الصحاح (مادة: غيظ).
(5)
في هامش "ب": "قوله {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} أي: وقالُوا: ألم يأتِيكم .. الخ، فالسُّؤالُ عَلى مَعناهُ الأصلِيِّ غَايتهُ أنَّه لَيسَ بسُؤالِ استِعلامٍ، فصحَّةُ وَضعِ {قَالَ} مَكانَ {سَأَلَ} كمَا وَقعَ في الزُّمرِ لا =
أي: قالَ لهُم، عَلى ما صرِّحَ بهِ في سُورةِ الزُّمرِ
(1)
، وفي التَّعبِيرِ عنهُ بالسُّؤالِ غيرَ مُوفٍّ
(2)
حقَّهُ بالتَّعدِيةِ إلى مَفعُولهِ الثَّاني بـ (عن) تَنبِيهٌ عَلى أنَّهُ لَيسَ بسُؤالٍ حَقيقةً بلْ تَقرِيعٌ وتَوبِيخٌ في صورةِ السُّؤالِ.
{خَزَنَتُهَا} : حَفظةُ جَهنَّمَ - وهُم المَلائكةُ المُوكَّلونَ بتعذِيبِ أهلِها - توبيخًا لهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} رسولٌ مِن جِنسكُمْ يخوِّفكم مِن هذا العذابِ.
وحَملُ النَّذيرِ على ما في العُقولِ مِن الأدلَّةِ المُحذِّرةِ المُخوِّفةِ يَردُّهُ قَولهُ تَعالى: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الزمر: 71].
* * *
{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ} اعتِرافٌ مِنهم بأنَّ اللهَ تَعالى أزاحَ عِللَهمْ بإرسالِ الرَّسولِ.
وحملُ النَّذير عَلى معنَى الجَمعِ لمُساعدةِ الصِّيغةِ لهُ لا يَتحمَّلهُ المَقامُ، لأنَّ مَعنَى {فَكَذَّبْنَا}: فكذَّبَ كلُّ واحدٍ منَّا النَّذيرَ الذي جاءنا، وكلُّ واحدٍ منهم لم يُكذِّب رُسلًا مُتعدِّدةً جاؤوهم، كيفَ وقومُ نوحٍ ما جاءهم إلَّا نوح عليه الصلاة والسلام.
= يَدلُّ عَلى كَونهِ بمَعناهُ كما ظُنَّ، ثُم إنَّهُ إذا قُلتَ: سألتُهُ أقامَ زَيدٌ؟ مُريدًا بهِ الاستِعلامَ صحَّ، وكلِمةُ الاستِفهامِ في أمثالِهِ أغنَتْ عَن ذِكرِ صلةِ السُّؤالِ، فلَيسَ في تركها تَنبيهٌ عَلى أنه لَيَسَ بسُؤالٍ حقيقةً كما تُوهِّمَ. مَن حاشِيةَ القَاضِي لمولانا سِنان جَلَبي".
(1)
يعني قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} [الزمر: 71].
(2)
في (ك): "معرف".
{وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} ؛ أي: فكذَّبنا وأفرَطنا في التَّكذِيبِ حتَّى نَفينا الإنزالَ والإرسالَ رأسًا، وعلى وفقِ هذا وَردَ ما
(1)
في حَذفِ المَفعولِ من الإيماء إلى أنَّ تَكذِيبهُم لم يَكُن لرسولهمْ
(2)
خاصَّةً، فقَولُهم:
{إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} خِطابٌ لرَسُولهم ولأمثالهِ عَلى التَّغليبِ، أو إقامةِ تكذِيبِ الواحدِ مَقامَ تكذيبِ الكلِّ.
أشَارَ أوَّلًا إلى عُمومِ تكذِيبهم للرُّسلِ وبَعدَ ما صرَّحوا بما يَقتضِي ذلكَ أخرَجوا ما في حيِّزِ الإشارةِ إلى مَعرضِ العبارةِ.
ويُجوزُ أنْ يَكونَ مِن كَلامِ الخَزَنةِ عَلى إرادةِ القولِ، والمُرادُ بالضَّلالِ: الهلاكُ، أو الضَّلالُ في الدُّنيا حِكايةً لما كانُوا عليه فيها.
* * *
(10) - {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} .
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} سَماعَ تَفهُّمٍ بتَفهيمِ الغَيرِ، كقولهِ تَعالى:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23].
{أَوْ نَعْقِلُ} مِن عِندِ أنفُسنا بالتَّأملِ في الآياتِ الظَّاهرةِ الدَّالةِ
(3)
عَلى وُجودِهِ تَعالى ووَحدانيَّتهِ، والبيِّناتِ الباهِرةِ القَائمةِ عَلى صحَّةِ دَعوى الرُّسلِ.
وقيلَ: أي: نَسمعُ سَماعَ قَبولٍ وطَاعةٍ، أو نَعقلُ عَقلَ مُتفكِّرٍ مُتأمِّلٍ.
(1)
في (ف): "أوردنا"، وفي (م):"أورد ما".
(2)
في "ع": "لرسلهم".
(3)
في (ف): "الدلالة".
وكَلمةُ {أَوْ} هو بمعنى الواوِ كما في قَولهِ تَعالى: {إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} [الإسراء: 54] إذ لا استِقلال
(1)
في كُلٍّ مِن السَّمعِ والعَقلِ في الحُكمِ المَذكورِ بَعدَهُ به
(2)
، أو تَنزيلٌ
(3)
لشَطرِ العِلةِ في مَنزلةِ تَمامِها؛ تفصيلًا لمواضعِ التَّفريطِ، واعتناءً بشَأنِ كلٍّ مِنها
(4)
في مَقامِ التَّحسُّرِ
(5)
.
{مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} : في جُملةِ مَن
(6)
أُعدَّتِ النَّارُ لهم.
* * *
(11) - {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} .
{فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ} حينَ لا يَنفعُهم الاعترافُ، وفي إفرادِ الذَّنبِ اعتبارًا
(7)
لأصلِه إشارةٌ إلى أنَّ ما اعتَرفُوا به أمرٌ مُشترَكٌ بينهُم، وهو الكفرُ بسببِ تَكذيبِ الرُّسلِ.
{فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} السَّحَقُ بتَحريكِ الحاءِ وتَسكِينها: البُعدُ، وانتصابهُ على أنَّه مصدرٌ وقع
(8)
مَوقعَ الدُّعاءِ؛ أي: فأسحَقهم اللهُ سُحقًا.
(1)
في (ب) و (ف): "إذ الاستقلال"، وهو تحريف.
(2)
"به" من (م).
(3)
في (ك): "أو تنزيلا".
(4)
في (ك): "منهما".
(5)
وقع في (ك) و (ع) في تفسير هذه الآية تقديم وتأخير وإسقاط وتكرير، والمثبت من باقي النسخ، وهو الصواب.
(6)
في (ب): "ما" وفي هامشها: "من".
(7)
في (ع) و (ك): "اعتبار".
(8)
في "ع": "واقع".
وأصحَابُ السَّعيرِ: الشَّياطينُ؛ لأنَّ إعدادهُ كان لهم، لا كُلُّ مَن دَخلَ فيه، وقد أُشيرَ إلى ذلك في سياقِ كلامِهم حيثُ قيل:{فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} ولم يُقل: مِن أصحابِ السَّعيرِ، فلمَّا فَصَلَ فيه بينهم وبَيْنَ أصحابِ السَّعيرِ كان أصلُ الكلامِ: فسُحقًا لهم ولأصحَابِ السَّعيرِ، وإنَّما عَدلَ عنه إلى ما ذُكرَ؛ تغليبًا لأصحاب السَّعيرِ عليهم؛ للتَّحقِيرِ والتَّقلِيلِ، والمُبالغةِ في التَّهدِيدِ على وجهِ الإيجازِ، ومَن وَهَمَ أنَّ الإيجازَ نُكتةٌ أُخرَى للتَّغلِيبِ فقَدَ وَهِمَ، فإنَّ كُلًا مما ذُكرَ يَتيسَّرُ بدُونِ التَّغليبِ، إلَّا أنهُ لا يكونُ على وَجهِ الإيجَازِ.
* * *
(12) - {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} .
{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} الخَشيةُ: خوفٌ يَشوبهُ تَعظِيمُ المَخشِيِّ مع المَعرفةِ بهِ
(1)
؛ ولهذا قال اللهُ تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وإنَّما قال:{بِالْغَيْبِ} ؛ إذ عندَ العيانِ لا يَبقَى للخَشيةِ شأنٌ.
{لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} مُتعلَّقُ التَّخصِيصِ المُستفادِ مِن تَقدِيمِ الجارِّ والمَجرُورِ مجموعُ الأمرَينِ، فلا يَلزمُ اختصاصُ مغفرَةِ الذُّنوبِ بالذين يَخشَونهُ تعالى.
* * *
(13) - {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} .
{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} ظَاهرُه الأمرُ بأحدِ الأمرَينِ: الإسرَارِ والإجهارِ، ومَعناهُ: المُبالغةُ في استِوائهما في عِلمِ اللهِ تعالى، ثُمَّ علَّلهُ بقوله تعالى:
(1)
"به" ليس في (ع) و (ك).
{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ؛ أي: بضَمائرِها مِن غيرِ أنْ تُترجِمَ الألسِنةُ عنها، فكيف لا يَعلمُ ما تَكلَّمُ به؟
* * *
(14) - {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} .
ثُمَّ أنكَرَ بقَولهِ تَعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} ؛ أي: ألا يُحيطُ عِلمًا بالمُسرِّ والمُجهرِ مَن خَلقَ الأشياءَ كلَّها {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} وحالُهُ أنَّهُ المُتوصِّلُ عِلمهُ لِمَا بَطنَ مِن خَلقهِ وما ظهرَ، فهو تَذييلٌ بعدَ التَّعلِيلِ.
رُويَ أنَّ مُشرِكي مكَّةَ كانُوا يَنالُونَ مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيُخبرُه جِبرائيلُ عليه السلام بما قالوا فيه ونَالُوا مِنهُ صلى الله عليه وسلم، فقالوا فيما بينهم: أسِرُّوا قولكم كَيلا يَسمعَهُ إلهُ مُحمدٍ؛ فنزلت
(1)
.
* * *
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا} : ليِّنةً ليسهُلَ لكم التَّصرُّفُ فيها بالحَركةِ والسُّكونِ وغيرِ ذلك.
{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} شُبِّهت الأرضُ في غايةِ تَذلِيلِها بالبَعيرِ المُذلَّلِ، والمَشيُ في المَناكبِ مَثلٌ لفَرطِ التَّذلِيلِ ومُجاوزَةِ الغايَةِ، فإنَّ مَنكِبَي البعيرِ ومُلتقاهما مِن الغَاربِ
(2)
أدقُّ
(3)
.........
(1)
انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: 442).
(2)
الغارِبُ: الكاهِلُ، أو ما بَيْنَ السَّنامِ والعُنُقِ، جمعها: غَوارِبُ. انظر: "القاموس"(مادة: غرب).
(3)
في (ف) و (ك): "أرق".
شيءٍ منهُ وأنباهُ عَن أنْ يَطأَه
(1)
الرَّاكِبَ بقَدمهِ، فإذا جَعلَها في الذُّلِّ بحَيثُ يَمشِي في مَناكِبها لم يَترُك شَيئًا مِنَ التَّذلِيلِ.
وحقُّ المَثلِ أنْ تَكونَ المُفرَداتُ عَلى حَالها فلا استِعارةَ في لَفظِ الَمناكبِ.
وقيل: استُعيرَ المَناكبُ للجِبالِ؛ قال الزجَّاجُ: معناه: سهَّلَ لكم السُّلوكَ في الجبالِ، فإذا أمكَنكُم السُّلوكُ فيها فهو أبلَغُ التَّذلِيلِ
(2)
.
وقِيلَ: استُعيرَ لجَوانِبها.
{وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} : التَمِسوا مِن نِعمِ اللهِ تعالى، وتَخصِيصُ الأكلِ بالذِّكرِ؛ لكونه أهمَّ وأعمَّ.
{وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} ؛ أي: إليهِ تعالى خاصَّةً نُشورُكم، فهُو مُسائلُكم عن شُكرِ ما أنعَمَ به عليكم.
* * *
(16) - {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} .
{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} ؛ أي: أمرُه وقَضاؤهُ وألُوهيَّتُه، كقَولهِ تَعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] والهَمزةُ للإنكَارِ، وقُرئَ بقَلبِ الهَمزةِ الثَّانيةِ ألِفًا
(3)
.
{أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} كما خَسفَها بقارونَ، وهو بدل من (مَن) التي في {مَنْ فِي السَّمَاءِ} بدل الاشتِمالِ
(4)
.
(1)
في "ب": "يطأ".
(2)
انظر: "معاني القرآن" للزجاج (5/ 199).
(3)
وهي قراءة نافع وأبي عمرو ورويس. انظر: الحجة لابن خالويه (ص: 350).
(4)
أي: مَن في السماء خَسْفَه.
والخَسفُ: أن تنهار
(1)
الأرض بالشَّيءِ، وتَعدِيتُهُ بنَفسِه.
و {بِكُمُ} حالٌ؛ أي: مَصحوبًا بكم.
{فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} المَورُ: الاضطِرابُ في المَجيءِ والذَّهاب.
* * *
{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} كما فَعلَ بقومِ لوطٍ. والحاصِبُ: الحِجارةُ التي يُرمَى بها.
{فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} ؛ أي: إذا رأيتم المُنذَرَ به عَلِمتُم كيف إنذاري حينَ لا يَنفعُكم العِلمُ به.
* * *
(18) - {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} .
{وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} ؛ أي: إنكارِي عليهم بإنزالِ العذابِ، وهو تَسليةٌ للرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، وتَهديدٌ لقومه
(2)
.
* * *
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ} الاعتِبارُ بالطَّيرِ ناسبَ المَقامَ، إذ قد تَقدَّمَ الحاصِبُ في
(1)
في (ب) و (ي): "انتهاء".
(2)
في (ع): "لهم".
الكَلامِ، وقد أهلَكَ اللهُ تعالى أصحابَ الفيلِ بالطَّيرِ والحاصب الَّذي رمتهم به، ففيه إذكارُ قُريشٍ بهذِهِ القِصةِ.
{فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} : باسِطاتٍ أجنِحتَهنَّ في الجوِّ عندَ الطَّيرانِ، فإنَّها إذا بَسطَتها صَففنَ قَوادِمها صفًّا
(1)
، والصفُّ: وَضعُ الأشياءِ المُتوالِيةِ على خطٍّ مُستقيمٍ.
{وَيَقْبِضْنَ} : ويَضمُمنَها إذا ضَربنَ بها جُنوبَهنَّ، ولمَّا كان الحثُّ على الاستدلالِ على قُدرةِ اللهِ تعالى بالطَّيرانِ - والأصلُ فيهِ بَسطُ الأجنِحةِ، وأما القَبضُ فطارِئٌ للاستِظهارِ على التَّحريكِ للبَسطِ - لم يَقلْ: وقابِضاتٍ، ليدُلَّ عَلى أنَّ القُدرةَ على ما هو خِلافُ الطَّبعِ إنَّما هي في البَسطِ، وأمَّا القبضُ فيَطرأ وقتًا بَعدَ وقتٍ لاحتِياجِ البَسطِ إليهِ في التَّحرِيكِ، فإنَّ الطيرانَ في الهواءِ كالسِّباحةِ في الماءِ، فكما أنَّ الأصلَ في السِّباحة مدُّ الأطرَافِ والقَبضُ إنَّما يَكونُ تاراتٍ
(2)
للاستِعانةِ عَلى البَسطِ، فكَذلكَ في الطَّيرانِ.
{مَا يُمْسِكُهُنَّ} في الجوِّ على خلافِ الطَّبعِ، {إِلَّا الرَّحْمَنُ} الشَّاملُ الرَّحمةِ للكُلِّ بقُدرتهِ بما دبَّرَ لهنَّ مِن القَوادِمِ والخَوافي
(3)
، وخصَّهنَّ بهيئاتٍ وأشكالٍ يَتهيَّأُ لها بها الجَريُ في الجوّ.
و {مَا يُمْسِكُهُنَّ} مُستأنفٌ، وإنْ جُعلَ حالًا من الضَّمير في {يَقْبِضْنَ} يجوزُ.
(1)
انظر: "الكشاف"(4/ 581) وفيه: (لأنهن إذا بسطنها .. )، ومثله في "تفسير البيضاوي"(5/ 230).
(2)
في (ب): "طارات"، وفي (ف) و (م):"تارة"، وسقطت من (ع) و (ي)، والمثبت من (ك).
(3)
القوادم: أربع ريشات في مقدم الجناح، والخوافي: ما بعد المناكب، وفي جناح الطائر عشرون ريشة أولها القوادم ثم المناكب ثم الخوافي
…
انظر: "المحكم" لابن سيده (مادة القاف والدال والباء).
{إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} يَعلمُ كيف يَخلُقُ ويُدبِّرُ ويُهيِّئُ لكلِّ شيءٍ ما
(1)
يُعدُّهُ لما خَلقَ له وأرَادَ منهُ.
* * *
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ} أم مَن يُشارُ إليهِ مِن المَجموعِ، ويُقالُ: هذا الذي هو جُندٌ لكُم {يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} إنْ أرسَلَ عليكم عذابهُ؟
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي} مُعادِلة لهَمزةِ الاستِفهامِ في {أَوَلَمْ يَرَوْا} ، و (مَن) مُبتدأٌ {هَذَا} خبرُه، والمَوصولُ مع صِلتهِ صِفةُ {هَذَا} و {يَنْصُرُكُمْ} وصفُ {جُنْدٌ} مَحمولٌ على لفظهِ، والمعنَى: أولَم يَنظُروا إلى هذه الصَّنائعِ العجيبةِ فيَعلموا قدرَتنا على تَعذيبهم بخَسفٍ أو حاصبٍ، أم لكم جُندٌ يَنصرُكم مِن دُونِ اللهِ تعالى إنْ أرسَلَ عَذابهُ؟! وهو نحوُ قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا} [الأنبياء: 43] إلَّا أنَّه أُخرِجَ مَخرجَ الاستفهامِ عن تَعيينِ مَن يَنصُرُهم؛ إشعارًا بأنَّهم اعتَقدُوا هذا القِسمَ.
{إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} ؛ أي: ما هم إلَّا في غُرورٍ.
* * *
(21) - {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} .
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ} أم مَن يُشارُ إليهِ ويُقالُ: هذا الَّذِي يَرزُقُكم {إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} تَقدِيرًا، وفيهِ إيذَانٌ بأنَّ {هَذَا} إشَارةٌ إلى جميعِ الأوثانِ لاعتَقادِهم أنَّهم يُحفَظُونَ مِن النَّوائبِ، ويُرزَقونَ ببرَكةِ آلهتهمْ، فكأنَّهم الجُندُ النَّاصرُ والرَّازقُ على اعتِقادِهم.
(1)
في (ع): "لما".
والإمسَاكُ: اللُّزومُ المانِعُ عنِ السُّقوطِ.
فلمَّا لم يتَّعظُوا أضرَبَ عنهم فقال: {بَلْ لَجُّوا} اللَّجاجُ: تَقَحُّم الأمرِ مع كثرةِ الصَّارفِ عنه.
{فِي عُتُوٍّ} العُتوُّ: هو الخُروجُ إلى فاحِشِ الفسادِ.
{وَنُفُورٍ} النُّفورُ: النُّبوُّ مِن الشَّيءِ هَربًا عن الشُّعورِ بضَررهِ؛ أي: أصرُّوا على العِنادِ، وتَمادَوا في الشِّرادِ
(1)
عن الحقِّ النَّافعِ زاعِمينَ أنَّه باطِلٌ ضارٌّ.
* * *
ثُمَّ ضَربَ مَثلًا للكَافرِ والمُؤمنِ فقال تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي} المشي جنس الحركة المخصوصة، فإذا اشتد فهو سعي، فإذا ازداد فهو عَدْو، والنقلة أعم من المشي لتحقُّقها بدونه فيمَن زحف ودبَّ، والحركة أعم من النقلة لوجودها بدونها فيما يدور في مكانه.
{مُكِبًّا} أكَبَّ: صار ذا كَبٍّ، ودخل في الكَبِّ، وهو السقوط في الهوَّة، ونحوه: أَقْشَعَ السحابُ: دخل في القَشْع، وهما من باب أَنْفَض وألام
(2)
، لا من باب المطاوعة كما توهِّم، فإن مطاوع كبَّ وقَشَعَ: انكبَّ وانقشع. ولم يجئ من باب أفعل مطاوع.
(1)
في "ع": "الفرار".
(2)
أنفض القوم: إذا هلكت أموالهم، وأنفضوا أيضًا - مثل أرملوا -: إذا فني زادهم، وألام الرجل: إذا أتى بما يلام عليه. انظر: "فتوح الغيب"(15/ 557).
{عَلَى وَجْهِهِ} : عاثرًا كلَّ ساعةٍ يخرُّ على وجهه؛ لوعورة الطريق، واختلاف أجزائه في الارتفاع والانخفاض؛ ولذلك قابله بقوله:{سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، واكتفى بما في الكبِّ من الدلالة على حال المسلك، إشعارًا بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقًا.
وخبر (مَن): {أَهْدَى} ؛ أي: أرشدُ.
{أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا} ؛ أي: قائمًا سالمًا من العثور {عَلَى صِرَاطٍ} ؛ أي: على طريقٍ لا الْتِواءَ فيه ولا اعوجاج.
{مُسْتَقِيمٍ} : لا ميلَ فيه أصلًا، فينتفِي به
(1)
الصُّعود والهبوط والعدول عن قصد السبيل، وقد مَرَّ التَفصِيلُ في تفسيرِ سورةِ الفاتحةِ.
وخَبرُ (مَن) مَحذُوفٌ لدِلالةِ {أَهْدَى} عليه.
وقيل: المُكبُّ: الذي يُحشرُ على وجههِ إلى النَّارِ؛ لأنَّهُ كان مُكبًّا عَلى المَعاصي، والسَّوِيُّ: الذي يَمشي على قَدمَيهِ إلى الجنَّة؛ لأنَّه كانَ على طريقِ التَّوحيدِ والإسلامِ.
* * *
{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ} لتَسمَعوا المَواعظَ، {وَالْأَبْصَارَ} لتَنظُروا صَنائعهُ، {وَالْأَفْئِدَةَ} لتُفكِّروا وتَعتَبرُوا.
{قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} هذهِ النِّعمَ، والمَعنى: تَشكُرونَ شُكرًا قَلِيلًا، و {مَا} زائِدةٌ، ويُحتَملُ أنْ تكُونَ القلةُ عِبارةً عَنِ العَدمِ.
(1)
في هامش "ب": "فيه".
(24) - {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} .
{قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ} : خَلقكُم {فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} للجَزاءِ. والحَشرُ: السَّوقُ مِن جِهاتٍ مُختلِفةٍ إلى مَكانٍ واحِدٍ.
* * *
(25) - {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} يَعنُونَ: وَعدَ البَعثِ {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} يَعنُونَ: النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم والمُؤمِنينَ.
* * *
(26) - {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} .
{قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ} : عِلمُ وَقتهِ {عِنْدَ اللَّهِ} لا يطَّلعُ عليه أحدٌ غيرهُ.
{وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} مُخوِّفٌ ظاهِرٌ، وذلك أنَّ بِعثتهُ عليه السلام كانتْ مِن أشراطِ السَّاعة، فكانَ صلى الله عليه وسلم مُنذِرًا قالًا وحالًا على ما أشَارَ إلَيهِ بقَولهِ:"أنا النَّذِيرُ العُريانُ"
(1)
.
* * *
{فَلَمَّا رَأَوْهُ} الضَّميرُ لـ {الْوَعْدُ} بمعنَى
(2)
المَوعُودِ.
(1)
رواه البخاري (6482)، ومسلم (2283)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه. (النذير العريان): أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بما دهمهم، وأكثر ما يفعل هذا ربيئة قومه وهو طليعتهم ورقيبهم. انظر:"شرح مسلم" للنووي (15/ 48).
(2)
في "ع": "يعني".
{زُلْفَةً} نَصبٌ عَلى الحَالِ؛ أي: ذا زُلفةٍ؛ أي: قرُبَ مِنهم، أو على الظَّرفِ؛ أي: مَكانًا ذا زُلفةٍ، أي: فلمَّا رأوا ما وُعدَ قَريبًا.
{سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} مِن بابِ وَضعِ الظَّاهرِ مَوضِعَ الضَّميرِ، وأصلُ النَّظمِ
(1)
أن يُقالَ: فلمَّا رَأى الَّذِينَ كَفرُوا المَوعُودَ سَاءتْ رُؤيتُه
(2)
وُجوهَهم، فغُيِّرَ إلى ما تَرى للذَّمِّ والإيذانِ بأنَّ سَببَ المُساءةِ والكآبةِ برُؤيةِ الوَعيدِ إنَّما هو الكُفرُ، وكذلك قولُه تعالى:{فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ} في مَوضعِ: فمَن يُجيرُكمْ.
{وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} : تَفتَعلُونَ، مِن الدُّعاءِ، وقيل: مِن الدَّعوَى.
وقُرِئ: {تَدَّعُونَ} بالتَّخفِيفِ
(3)
.
قِيل: القَائلونُ هُم الزَّبانيَةُ، أي: تَطلُبونَ وتَستَعجِلونَ به، أو كُنتمْ بسَببهِ تَدَّعون وتَزعُمونَ أنَّكم لا تُبعَثونَ.
* * *
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ} : أمَاتَني {وَمَنْ مَعِيَ} مِن المُؤمِنينَ {أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} لا يُنجِيهم أحَدٌ مِن العذابِ مُتنا أو بَقِينا، وهو جَوابٌ قولهم:{نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور: 30].
وفيهِ تَعرِيضٌ بأنَّ الرَّسولَ عليه السلام ومَن معه مُتربِّصون إحدى
(1)
في (ك): "إذ حقه" بدل: "وأصل النظم".
(2)
في "ب": "وساءت رؤية"، وفي (ي):"وساءت رؤيته".
(3)
قراءة يعقوب من العشرة، والباقون بالفتح والتشديد، انظر:"النشر"(2/ 389).
الحُسنَيينِ، فالهلاكُ الذي تَطلُبون لهم إنَّما هو استعجالُ الفوزِ والسَّعادةِ، وأنتُم على صِفةٍ ليس وراءَها إلَّا الهلاكُ الذي لا هلاكَ بَعدهُ، وأنتم غافلُونَ لا تَطلُبونَ الخلاصَ منه.
* * *
{قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ} ؛ أي: الذي أدعُوكم إليه مُولي النِّعمِ كُلِّها.
{آمَنَّا بِهِ} للعِلمِ بذلك {وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} ؛ للوُثوقِ عَليهِ.
وإنَّما أُخرَتْ صِلةُ {آمَنَّا} وقُدمَتْ صِلةُ {تَوَكَّلْنَا} ؛ لوُقوعِ {آمَنَّا} تَعرِيضًا بالكافرِينَ، حيثُ وَردَ عَقيبَ ذِكرهم؛ كأنَّهُ قيلَ: آمنَّا ولم نَكفُرْ كما كفَرتُم، ثمَّ قِيلَ: وعليهِ توكَّلنا خُصُوصًا، لمْ نتَّكلْ على ما أنتم مُتَّكِلون
(1)
عليه من رجالِكم وأموالكُم.
{فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} منَّا ومنكُم، وقُرِئَ بياءِ الغائبةِ
(2)
ردًّا على قَولهِ: {فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ} .
* * *
(30) - {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} .
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} ؛ أي: صارَ غائرًا
(3)
ذاهِبًا في الأرضِ لا تَنالهُ
(1)
في "ع": "تتكلون".
(2)
في (ب) و (ي): "المغايبة". وهي قراءة الكسائي. انظر: "التيسير"(ص: 212).
(3)
في "ع": "ماؤكم أي: صار غورًا غائرًا" بدل "ماؤكم غورًا أي: صار غائرًا".
الدِّلاءُ، يُقالُ: غار الماءُ غَورًا: إذا أسفَلَ في الأرْضِ، مصدرٌ وُصفَ به للمُبالغةِ.
خَصَّ مِن بَينِ أنواعِ الإزالةِ أهوَنَها بالعِبارةِ إحالةً لغَيرِها عَلى الدِّلالةِ، فكأنَّهُ يَقولُ: عَجزُكم في هذهِ الصُّورةِ ثابِتٌ، فكَيفَ الحالُ فيما فَوقَها! ولا يَخفَى أنَّ إعمَالَ الدِّلالةِ خيرٌ مِن إهمَالها.
ثُمَّ إنَّ فيه إشارةً إلى أنَّ الماء مُقتَضَى طَبعهِ أنْ يَغورَ، فخُروجُهُ على وَجهِ الأرضِ وظُهورُه بالقَسرِ لُطفٌ مِن اللهِ تَعالى، فالامتِنانُ هنا بالإحسانِ أقوَى ممَّا في قولهِ تعالى:{وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18]؛ لأنَّهُ امتِنانٌ بتَركِ الإسَاءةِ.
{فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} : ظَاهرٍ تَراهُ العُيونُ، أو جارٍ على وَجهِ الأرضِ، فهو على الأوَّلِ مفعولٌ مِن العَينِ كمَبيعٍ مِن البَيعِ، وعلى الثَّاني مِن الإمعانِ في الجَريِ، فوَزنهُ فعِيلٌ؛ كأنَّهُ قيل: مُمعِنٍ في الجَرىٍ.
[وللهِ الحمدُ وحدهُ، والصَّلاةُ على مَن لا نبيَّ بَعدهُ]
(1)
(1)
وقع مكان المعكوفتين في "ع": "تم بعون الله تعالى وحمده".
وفي (ف): "والحمد لله وحده، وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وسلم".
وفي (ك): "والله أعلم. هذا ما وجد من هذا التفسير وصلى الله على البشير النذير سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم:
رقم المرجِّي عفوَ ذي الجلال
…
محمدُ بنُ الصالحي الهلالي
يرجو من المولى بجاه المصطفى
…
سحابَ إفضالٍ بعفوٍ وكفَى
وذلك في أواخر سنة 990، والحمد لله وحده".
وفي (م): "والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب".
سُورَةُ النَّبَإِ
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) - {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} .
{عَمَّ} أصلُهُ: عمَّا
(1)
، عَلى أنَّهُ حَرفُ جرٍّ دَخلَ عَلى (ما) الاستِفهامِيَّةِ، وقُرئَ على الأصلِ
(2)
، ثُمَّ حُذفَتِ الألِفُ فَرقًا بَينَ الاستفهامِ والخبرِ، وهي القِراءةُ.
وقُرئَ: {عمَّه} بهاء السَّكتِ؛ إمَّا إجراءً للوصلِ مُجرَى الوقفِ، وإمَّا وقفًا على إضْمارِ {يَتَسَاءَلُونَ} ، والابتِداء بما بَعدَهُ على الإبهامِ والتَّفسيرِ
(3)
.
ومعنَى هذا الاستفهامِ تفخيمُ شأنِ المُستفهَمِ عنه، كأنَّه قال: عن أيِّ شيءٍ يَتساءلونَ؟ ونحوُه
(4)
ما في قولك: زَيدٌ ما زَيدٌ؟ جَعلتَه لانقِطاعِ قَرينهِ وعَدمِ نَظيرِه
(1)
في (ب) و (ف) و (م): "عن ما".
(2)
نسبت لعكرمة وعيسى. انظر: "المحتسب"(2/ 347)، و"المحرر الوجيز"(5/ 423).
(3)
انظر: "الكشاف"(4/ 684). وروي الوقف بهاء السكت عن البزي ويعقوب. انظر: "التيسير"(ص: 61 - 62)، و"النشر" (2/ 134). ولم يرتض هذا الوقف الأزهري فقال: ليس قوله: {عَمَّ} موضع وقف، وإن اضطر إلى الوقف قارئ لم يَجُزْ أنْ يقف على (عَمه) بالهاء؛ لأن هذا ليس موضع وقف. انظر:"معاني القراءات" للأزهري (3/ 115).
(4)
في (ع): "ونحو".
كأنَّه شيءٌ خَفيَ عليكَ جِنسُه فأنت تَسألُ عن جِنسهِ
(1)
، هذا أصلُه تُمَّ جُرِّدَ للعبارةِ
(2)
عن التَّعظيمِ حتَّى وَقعَ في كلامِ مَن لا يَخفَى عَليهِ خَافيةٌ، ويُناسِبُ المَعنَى المَذكورَ ما في النَّبأ ووَصفِهِ مِن الدِّلالةِ عَلى الخَطرِ
(3)
.
و {يَتَسَاءَلُونَ} : يَسألُ بعضُهم بعضًا، والضَّميرُ لأهلِ مكَّةَ
(4)
، أو يتَساءلُونَ غَيرهُم عن
(5)
رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمُؤمنينَ كما ذُكرَ في يَتداعَونهم وَيتراءَونَهم
(6)
، كأنَّ المشرِكينَ يَتساءلُونَ فيما بَينَهم عَنِ البَعثِ، وَيَسألُونَ
(7)
المُؤمِنينَ عَنه على طَريقِ الاستِهزاءِ.
وقُرئَ: (يسَّاءلون) بالإدْغامِ
(8)
.
(1)
كما تقول: ما الغول وما العنقاء؟ تريد: أي شيء هو من الأشياء؟ انظر: "الكشاف"(4/ 684).
(2)
في "ب": "العبارة".
(3)
النبأُ: الخبرُ الذي له شأنٌ وخطرٌ، وقد وصفَ بقولِه تعالى:{الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} بعد وصفِه بالعظيم، تأكيدًا لخطره إثرَ تأكيدٍ، وإشعارًا بمدار التساؤلِ عنه. انظر:"تفسير أبي السعود"(9/ 85).
(4)
زاد في "ب": "كأنَّ المُشركِينَ يَتساءلُونَ فيما بَينهُم عن البَعثِ، ويَسألونَ المُؤمِنينَ عنه على طريقِ الاستِهزاءِ". وقيل: الضمير للمسلمين والكافرين جميعًا، وكانوا جميعًا يسألون عنه، أما المسلم فليزداد خشية واستعدادًا، وأما الكافر فليزداد استهزاء. انظر:"الكشاف"(4/ 684).
(5)
قوله: "عن" كذا في النسخ، والذي في "الكشاف":(من) فهي بيان لـ (غيرهم)، ويؤيده عبارة البيضاوي:(أو يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين). انظر: "الكشاف"(4/ 684)، و"تفسير البيضاوي"(5/ 278).
(6)
أي: يدعونهم ويرونهم. انظر: "تفسير البيضاوي"(5/ 278).
(7)
في (م) و (ي): "ويتساءلون"، وسقطت الجملة من (ع)، والمثبت من (ب) و (ف)، وكلاهما صواب. انظر:"الكشاف"(4/ 684)، و"تفسير البيضاوي"(5/ 278).
(8)
انظر: "الكشاف"(4/ 684). وقرئ بالتاء في أوله بدل الياء، جاء في "البحر"(21/ 185)، و"روح المعاني" (28/ 201): وقرأ عبد الله وابن جبير: (تسَّاءلون) بغير ياء وشد السين، على أن أصله: =
(2) - {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} .
{عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} بَيانٌ لشأنِ المُفخم
(1)
، أو صِلةُ {يَتَسَاءَلُونَ} ، و {عَمَّ} مُتعلِّقٌ بمُضمَرٍ مفسَّرٍ بهِ، ولا دِلالةَ على هذا في قِراءةِ السَّكتِ لانتِظامِها كِلَا الوَجهينِ على ما نبَّهتُ عَليهِ آنِفًا.
والنَّبأُ: الخَبرُ الَّذِي لهُ شأنٌ.
* * *
(3) - {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} .
{الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} : منهم مَن يَقطعُ بنَفيهِ، ومنهُم مَن يَشكُّ فيهِ، ولا يَجوزُ أنْ يكونَ الاختلافُ بالإقرارِ والإنكارِ عَلى أنْ يكُونَ الضَّميرُ في {يَتَسَاءَلُونَ} للمُسلِمينَ والمُشركينَ جَميعًا؛ لأنَّ الفريقَينِ كِلَيهما
(2)
في حَيِّزِ الرَّدعِ، وعلى هذا يلزَمُ أنْ لا يَدخلَ أحدُهما فيهِ، وفيهِ ما فيهِ.
* * *
(4) - {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} .
{كَلَّا} رَدعٌ للمُتسائلِينَ
(3)
.
= (تتساءلون) بتاء الخطاب، فأدغمت التاء الثانية في السين. وانظر:"المختصر في شواذ القراءات"(ص: 167).
(1)
في "ع": "المضمر"، والمثبت من (ب) و (ف) و (م) و (ع).
(2)
في النسخ: "كلاهما"، والمثبت هو الجادة.
(3)
في (ب): "للسائلين"، وفي (ف):"للمسائلين".
{سَيَعْلَمُونَ} وَعيدٌ، وحُذفَ ما يَتعلَّقُ به العِلمُ تَهوِيلًا؛ أي: سيَعلمُونَ ما يَحلُّ بهم.
وقِيلَ: المعنى: سيَعلمون حين يَرون العذابَ أنَّ ما يَتساءلُونَ عنه
(1)
ويضحكونَ منه حقٌّ.
وقُرئَ بالتَّاءِ
(2)
عَلى تَقديرِ: قُلْ لهم
(3)
.
* * *
(5){ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} .
{ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} تكرِيرُ الرَّدعِ مع الوَعيدِ تَشدِيدٌ
(4)
في ذَلكَ.
ومَعنَى {ثُمَّ} : الإشْعارُ بأنَّ الثَّانيَ أبلَغُ منَ الأوَّلِ وأشدُّ.
وقِيلَ: الأوَّلُ عِندَ النَّزعِ، والثَّاني في القبر
(5)
.
وقِيلَ: الأوَّلُ عِندَ البَعثِ، والثَّاني عِندَ الجَزاءِ.
* * *
(1)
"عنه" سقطت من (ب).
(2)
هي رواية ابن ذكوان عن ابن عامر. انظر: "السبعة في القراءات"(ص: 668)، ولم يذكرها الداني في "التيسير".
(3)
"لهم" سقطت من (ب).
(4)
في (ع): "تشديدا"، وفي (ف):"تكرير للردع".
(5)
في (ع): "القبر"، والمثبت من (ب) و (ف) و (م) و (ع). وهو الموافق لما في "تفسير البيضاوي"(5/ 278)، و"تفسير أبي السعود"(9/ 86).
(6) - {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} .
{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ} استِفهامٌ بمعنَى التَّقريرِ، {مِهَادًا}
(1)
: وِطاءً، وهو القَرارُ المُهيَّأ للتَّصرُّفِ فيه مِن غيرِ أذيَّةٍ، تذكيرٌ لهم ببعضِ ما عايَنوا مِن عجائبِ صُنعِه الدَّالِّ على كمالِ قُدرَتهِ؛ ليَستدِلُّوا بذلكَ على البَعثِ كما ذُكرَ
(2)
مِرارًا.
وقُرئَ: (مَهدًا)
(3)
؛ أي: أنَّها لكم كالمَهدِ للصَّبيِّ وهو ما يُمهَدُ فيُنوَّمُ عليه، تَسمِيةً للمَمهودِ
(4)
بالمَصدَرِ، أو وُصفتْ
(5)
بالمَصدرِ، أو بمعنَى: ذاتَ مَهدٍ
(6)
.
* * *
(7) - {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} .
{وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} ؛ أي: للأرْضِ كَيلا تَميدَ بكم مَيدَ المَهدِ بما فيهِ، فهو تَكمِيلٌ لِمَا قَبلهُ، ولذلك لم يفصَل بينهما بإعادةِ الفِعلِ.
* * *
(8) - {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} .
{وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} ذَكرًا و
(7)
أُنثَى حتَّى يصِحَّ منكم التَّناسلُ.
(1)
في هامش "ب": "هو اسمُ ما يُمهدُ كالفِراشِ، أو جَمعُ مَهدٍ. ذَكرهُ القَاضِي في تَفسِيرِ سُورةِ طهَ".
(2)
في "ب": "ذكره".
(3)
نسبت لمجاهد وعيسى الهمداني. انظر: "المختصر في شواذ القراءات"(ص: 167). وجاء في هامش "ب": "أنكر القاضي هذه القراءة في تفسير سورة طه".
(4)
في "ب": "للمعهود".
(5)
في (ب) و (ف): "صفة".
(6)
انظر: "الكشاف"(4/ 685).
(7)
في "ب": "أو".
(9) - {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} .
{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} : قَطعًا عنِ الحركةِ والإحساسِ، استراحةً للقِوى الحيوانِيةِ وإزاحةً لكَلالها
(1)
بتعطيلِ الحَواسِ.
* * *
(10) - {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} .
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} : غِطاءً ساتِرًا بظُلمتِهِ
(2)
، فيه تقويةٌ للفائدةِ المقصودةِ مِن جَعلِ النَّومِ سُباتًا.
* * *
(11) - {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} .
{وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} : مُتصرَّفًا للعيشِ فهو ظرفٌ لا مَصدرٌ، فلا حاجةَ إلى إضمارِ الوقتِ.
والعيشُ: الانتِعاشُ الذي تبقى معه
(3)
الحَياة على حالِ الصِّحةِ.
والنَّهارُ: اتِّساعُ الضِّياءِ المنبَثِّ في الآفاقِ.
* * *
(12) - {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} .
{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا} : سَبعَ سَماواتٍ {شِدَادًا} : قويَّةَ الخلْقِ مُحكَمةً لا يؤثِّرُ فيها مُرورُ الدُّهورِ، وكُرورُ الشُّهورِ.
(1)
في "ب": "وإزالة لنكالها".
(2)
في (ب): "وساترا لظلمته"، وفي (ف):"وساترا بظلمته".
(3)
في (ب) و (ف) و (م): "منه".
(13) - {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} .
{وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} : مُضيئًا وقَّادًا؛ أي: جامعًا للنُّورِ والحرارةِ؛ والمُرادُ الشَّمسُ.
* * *
(14) - {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} .
{وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} ؛ أي: السَّحائبِ
(1)
إذا أَعْصَرتْ، أي: شارَفتْ أنْ تَعْصِرَها الرِّياحُ فتُمطرَ، أو الرِّياحُ التي حانَ لها أنْ تَعصِرَ السَّحابَ
(2)
، وإنَّما جُعلتْ مَبدأً للإنزَالِ لأنَّها تُنشِئُ السَّحابَ، وتُدرُّ أخلافَهُ
(3)
، ويُؤيِّدهُ قراءةُ:(بالمُعصِراتِ)
(4)
، وإنْ أُريدَ السَّحابُ فتوجيهُ
(5)
تِلكَ القِراءةَ أنَّ الإنزَالَ إذا كانَ مِنها فهو بها
(6)
.
{مَاءً ثَجَّاجًا} : مُنصبَّاً بكَثرةٍ، وقُرِئ بالحاءِ المُهمَلةِ
(7)
. ومَثاججُ الماء: مَصابُّهُ.
* * *
(15) - {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا} .
{لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا} : ما يُتقوَّتُ بهِ كالحِنطةِ والشَّعيرِ.
(1)
في (ب) و (ف) و (م): "السحاب".
(2)
في (ي): "السحائب".
(3)
جمع خَلْف: وهو ما قبض عليه الحالب من ضرع الناقة. انظر: "جمهرة اللغة"(1/ 616).
(4)
نسبت لابن الزبير وابن عباس والفضل بن عباس وعبد الله بن يزيد وعكرمة وقتادة. انظر: "المحتسب"(2/ 347)، و"الكشاف"(4/ 686).
(5)
في "ع": "فتوجه".
(6)
في "ع ": "فهبوبها". وهو تحريف. انظر: "الكشاف"(4/ 686).
(7)
أي: (ثَجَّاحًا) بجيم ثم حاء آخرًا، نسبت للأعرج. انظر:"الكشاف"(4/ 686).
{وَنَبَاتًا} : ما يُعتَلفُ
(1)
مِن التِّبنِ والحَشيشِ.
* * *
(16) - {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} .
{وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} : مُلتفَّةً، لا واحِدَ له كالأوزَاعِ والأخيافِ
(2)
.
وقِيلَ: الواحِدُ لِفٌّ كجِذعٍ وأجذَاعٍ، وأنشَدَ حَسنُ بنُ عليٍّ الطُّوسيُّ:
جَنةٌ لِفٌّ وعيشٌ مُغدِقُ
…
ونَدامَى كُلُّهم بِيضٌ زُهُر
أو لَفيفٌ كشَريفٍ وأشرَافٍ، وزعَمَ ابنُ قُتيبةَ أَنَّهُ لفَّاءُ ولُفٌّ ثُمَّ ألفافٌ
(3)
، ولم يُوجَد له نَظيرٌ مِن نَحوِ حُمْرٍ وأحمارٍ، وخُضْرٍ وأخضارٍ
(4)
.
وقِيلَ: جَمعُ مُلتفَّةٍ بحَذفِ الزَّوائدِ.
* * *
(17){إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} .
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ} في عِلمِ اللهِ تعالى وحُكمهِ.
(1)
بعدها في (ب) و (م): "به"، والمثبت من باقي النسخ، وهو الموافق للمصدر السابق.
(2)
انظر: "الكشاف"(4/ 687). والأوزاع: الجماعات المتفرقة. والأخياف: الضروب المختلفة في الأشكال والأخلاق، والإخوة لأم واحدة من آباء شتى. انظر:"معجم متن اللغة"(مادة: وزع وخيف).
(3)
انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة (ص: 509).
(4)
انظر: "الكشاف"(4/ 687).
وعنه نقل المؤلف قول ابن قتيبة، وفيه: (وما أظنه واجدًا له نظيرًا
…
)، بدل: "ولم يُوجَد له نَظيرٌ
…
".
{مِيقَاتًا} : حدًّا تُوقَّتُ به الدُّنيا وتَنتَهي عِنده، أو حدًّا للخلائقِ ينتهون
(1)
إليهِ.
* * *
(18) - {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} .
{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} بَدلٌ مِن {يَوْمَ الْفَصْلِ} ، أو عَطفُ بيانٍ لهُ.
{فَتَأْتُونَ} مِن القبورِ إلى المَحشَر.
{أَفْوَاجًا} : جَماعاتٍ.
* * *
(19) - {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا} .
{وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ} ؛ أي: شُقِّقتْ لنُزولِ المَلائِكةِ؛ كما قال تَعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: 25]. وقُرئَ بالتَّخفِيفِ
(2)
.
{فَكَانَتْ أَبْوَابًا} ؛ أي: كَثرتْ طُرقُها فصارتْ كأنَّ كُلَّها أبواب مُفتَّحةٌ، كقوله تعالى {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12] كأنَّ كلَّها عُيون تَتفجَّرُ.
* * *
(20) - {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} .
{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ} أي: في الهواء
(3)
لا كالهَباءِ، بل كالعِهنِ المَنفُوشِ على ما مرَّ في سُورةِ بني إسرائيلَ.
(1)
في (ع): "تنتهي".
(2)
قراءة عاصم وحمزة والكسائي، وباقي السبعة بالتشديد. انظر:"التيسير"(ص: 190).
(3)
في (ع): "الجو".
{فَكَانَتْ سَرَابًا} فصارتْ مِثلَ سَرابٍ، إذ تُرى على صورةِ الجِبالِ، ولم تَبقَ حَقيقَتُها؛ لتفرُّقِ أجزائِها، وانبِثاثِ جواهرها.
* * *
(21) - {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا} .
{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا} : مَوضعَ رَصدٍ يَرصُدُ فيهِ خزنةُ النَّار الكفَّارَ، أو خزنةُ الجنَّةِ المُؤمِنينَ، لا ليَحرسوهم مِن فَيحِها في مَجازِهم عليها؛ لأنهم مُستَغنونَ عن تلك الحراسةِ لغَلبةِ نُورِهم على نارِ جَهنَّمَ، حتَّى وَردَ في صحيحِ الخَبرِ عن سيدِ البَشرِ أنَّ جَهنَّم تتأذَّى مِن نُورِهمْ عِندَ عُبورِهم
(1)
، وقَد مرَّ في تَفسِيرِ قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:71] أنَّ المُؤمِنينَ يَمرُّونَ وهِي خامِدةٌ
(2)
= بل لاستِقبالهم عِندَها؛ لأنَّ مَجازهُم عليها، والرَّاصد للشيءِ: المُراقبُ له.
أو مُجِدَّةً
(3)
في تَرصُّدِ
(4)
الكفَّارِ لئلَّا يَشذَّ مِنها واحِدٌ، فإنَّ مِفعَالًا مِن أبنِيةِ المُبالغةِ كالمِطعانِ.
(1)
حديث "جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورُك لهبي" رواه الطبراني في "الكبير"(22/ 258)، وابن عدي في "الكامل"(6/ 394)، وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 329)، وابن الجوزي في "العلل"(1532)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 360): فيه سليم بن منصور بن عمار، وهو ضعيف.
(2)
في "ب": "جامدة". وانظر: الكشاف: (3/ 34).
(3)
في (ب) و (ع) و (ف) و (م): "متخذة"، والمثبت من (ي)، وهو الصواب. قال الشهاب: بزنة اسم الفاعل من الجد، وهو الاجتهاد. انظر:"تفسير البيضاوي" مع حاشية الشهاب (8/ 306).
(4)
في (ع): "ترصيد".
وقُرئَ
(1)
: (أنَّ) بالفتحِ على التَّعليلِ لقيامِ السَّاعة بأنَّ جهنَّمَ كانَتْ مِرصادًا؛ كأنَّهُ قِيلَ: كان ذلك لإقامةِ الجزاءِ
(2)
.
* * *
(22) - {لِلطَّاغِينَ مَآبًا} .
{لِلطَّاغِينَ مَآبًا} ؛ أي: مَرجِعًا أو مَأوىً، بدلٌ مِن قَولهِ تَعالى:{مِرْصَادًا} .
* * *
(23) - {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} .
{لَابِثِينَ فِيهَا} حالٌ مُقدَّرةٌ مِن الضَّميرِ في {لِلطَّاغِينَ} .
وقُرئَ: {لَابِثِينَ}
(3)
، وهو أقوَى؛ لأنَّ اللابِثَ مَن وُجِدَ منه اللَّبثُ وإنْ قلَّ، وهو المكثُ، ولا يُقالُ: لَبثَ، إلَّا لمنْ شَأنهُ اللَّبثُ، كالذي يَجثمُ بالمكانِ لا يكادُ ينفَكُّ عنه.
{أَحْقَابًا} ظَرفٌ، وهُو جَمعُ حِقْبٍ، وهو الدَّهرُ، ولَم يُرَدْ به عددٌ محصورٌ بل الأبدُ؛ إذ لا يكادُ يُستَعملُ إلَّا حيثُ يُرادُ تَتابعُ الأزمِنة وتَواليها.
(1)
في (ب) و (ع) و (ف) و (م): "وقد قرئ"، والمثبت من (ي).
(2)
انظر: "الكشاف"(4/ 688) ونسب القراءة لابن يعمر، وزاد في "البحر" (21/ 190): أبا عمرو المِنْقَريَّ، وعزاها ابن خالويه في "المختصر في شواذ القراءات" (ص: 167) لأبي معمر، وابن عطية في "المحرر الوجيز"(5/ 425) لأبي معمر المنقري، وقد يكون مرد هذه القراءة عند الكل واحدا، وهو المنقري الذي لعله يكنى بأبي عمرو وأبي معمر، وتصحف على الزمخشري إلى:(ابن يعمر). وانظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء"(10/ 622)، و"غاية النهاية في طبقات القراء" لابن الجزري (1/ 439)، وغيرها من مصادر الترجمة.
(3)
قراءة حمزة، وباقي السبعة بالألف. انظر:"التيسير"(ص: 219).
وقيل: الحُقْبُ ثَمانونَ سَنةً أو سَبعونَ ألفَ سَنةٍ، فعلى تَقدِيرِ صحَّتهِ ليس فيه ما يَقتضِي تَناهِيَ تلك الأحقابِ
(1)
حتَّى يُعارِضَ مفهومُهُ منطُوقَ الدالِّ على خُلودِ الكفَّار
(2)
؛ لجوازِ أنْ يكونَ أحقابًا مُترادِفةً كلَّما مضَى حُقبٌ تَبعَهُ حُقبٌ آخرُ إلى غيرِ النِّهايةِ، وإنَّما استُعيرَ جَمعُ القِلَّة للكَثرةِ
(3)
مُحافظةً للفَاصِلةِ.
* * *
(24 - 25) - {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} .
{لَا يَذُوقُونَ} ؛ أي: غيرَ ذائِقينَ، حالٌ مِن ضَميرِ {لَابِثِينَ فِيهَا}
(4)
؛ أي: في تلك الأحقَابِ، ويَجوزُ أن يَكونَ {أَحْقَابًا} مَنصُوبًا بـ {لَا يَذُوقُونَ} على أنَّ المَعنَى أنَّهم يَلبثُونَ فيها أحقَابًا غيرَ ذائِقينَ.
{إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} ثُمَّ يُعذَّبون جنسًا آخرَ مِن العذابِ.
ويجوزُ أن يَكونَ جَمعَ حَقِبٍ، مِن حَقِبَ الرَّجلُ: إذا أخطَأهُ الرِّزقُ، وحَقِبَ العامُ: إذا قلَّ مَطرهُ وخَيرُهُ، فيكونُ حالًا بمعنَى: لابِثينَ فيها حَقِبينَ، ويَكونُ قَولهُ تَعالى:{لَا يَذُوقُونَ} تَفسِيرًا له
(5)
.
(1)
في (ب) و (ف) و (م): "تناهي الأحقاب" وفي (ع): "التناهي لتلك الأحقاب"، والمثبت من (ي)، وهو الموافق لما في "تفسير البيضاوي"(5/ 280).
(2)
في هامش (ب): "فإنه نوع قصور في الفصاحة كما لا يخفى".
(3)
في (ب) و (ي): "لكثرةِ".
(4)
ودفعه أبو حيان بقوله: والذي يظهر أن قوله: {لَا يَذُوقُونَ} كلام مستأنف وليس في موضع الحال، و {إِلَّا حَمِيمًا} استثناء متصل من قوله:{وَلَا شَرَابًا} ، وأن {أَحْقَابًا} منصوب على الظرف حملًا على المشهور من لغة العرب، لا منصوب على الحال على تلك اللغة التي ليست مشهورة. انظر:"البحر"(21/ 192).
(5)
في "ع": "حاقبين". والمثبت من باقي النسخ، وهو الموافق لما في "الكشاف"(4/ 689).
{بَرْدًا} ، أي: لا يَمسُّهمْ مِن الهواءِ القُرِّ
(1)
ما يُستلَذُّ ويكسِرُ شدَّةَ الحرِّ.
وقيل: المرادُ به النومُ.
{وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا} : ماءً حارًّا يحرِقُ ما يأتي عليه {وَغَسَّاقًا} : ما يَسيلُ مِن صَديدِهم. استِثناءٌ متَّصل مِن قَولهِ تَعالى: {وَلَا شَرَابًا}
(2)
.
وقِيل: الزَّمهَريرُ، وهو مُستثنًى مِن البَردِ، إلَّا أنَّه أُخِّرَ ما حقُّه أن يُقدَّمَ مُحافظةً عَلى الفَاصلةِ.
وقُرئَ بالتَّشدِيدِ
(3)
.
* * *
(26) - {جَزَاءً وِفَاقًا} .
{جَزَاءً} : جُوْزوا جزاءً {وِفَاقًا} مُوافِقًا لأعْمالهم، مصدرٌ بمعنَى الصِّفةِ، أو: ذا وِفاقٍ.
* * *
(27) - {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا} .
ثُمَّ استَأنفَ مُعلِّلًا بقولهِ تَعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا} : لا يَخافون مُحاسبةَ اللّهِ تَعالى إيَّاهُم، إذ لا يُؤمِنون
(4)
بالبَعثِ فلا يَرجُونَ حِسابًا.
(1)
في (ع): "الصر"، وسقطت من (ب) و (ف) و (م). والمثبت من (ي)، وهو الموافق لما في "البحر"(21/ 192).
(2)
وهو عند الزمخشري منقطع، يعني:{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا} وروحًا ينفس عنهم حرّ النار، {وَلَا شَرَابًا} يسكن من عطشهم، ولكن يذوقون فيها {حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}. انظر:"الكشاف"(4/ 689).
(3)
قرأ حفص وحمزة والكسائي {وَغَسَّاقًا} مشددة، وباقي السبعة بالتخفيف. انظر:"التيسير"(ص: 188).
(4)
في (ع) و (ي): "إذ لم يؤمنوا".
(28) - {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} .
{وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} : تَكذِيبًا، وفِعَّالًا في بابِ فعَّلَ قِياسيٌّ، وقُرئَ بالتَّخفِيفِ
(1)
* * *
(29) - {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا} .
{وَكُلَّ شَيْءٍ} نصبٌ بمُضمَرٍ يُفسِّرهُ:
{أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا} : مَكتُوبًا في اللَّوحِ، أو مَصدرٌ في موضعِ: إحصَاءً، أو أحصَينا في معنَى كتبنَا؛ لأنَّ الإحصَاءَ يكونُ بالكتابةِ غالِبًا، وقُرئَ بالرَّفعِ عَلى الابتداءِ
(2)
.
وهذهِ الآيةُ اعتِراضٌ لبَيانِ وَعيدِهم بضَبطِ مَعاصِيهم؛ لأنَّ قَولهُ تَعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} مُسبَّبٌ عَن كُفرِهم بالحِسابِ، وتكذِيبهم بالآياتِ، أي: فذوقوا جَزاءً.
وفي هذا التَّسبيبِ، مع الإبهامِ والتَّبيينِ، والتَّأكِيدِ بالتَّكرِيرِ وبالمَصدرِ في الجُملةِ الاعتِراضيَّةِ، ودِلالةِ {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ}
(3)
عَلى أنَّ تَركَ الزِّيادةِ كالمُحالِ الَّذِي لا يَدخلُ تَحتَ الإمكانِ، ومَجيئها على طَريقةِ الالتِفاتِ= مُبالَغاتٌ
(4)
بالِغةٌ
(5)
حدَّ
(1)
نسبت لعلي رضي الله عنه والأعمش وعوف الأعرابي وغيرهم. انظر: "المحتسب"(1/ 175)، و"البحر"(21/ 194).
(2)
نسيت لأبي السمال. انظر: الكشاف (4/ 690).
(3)
بعدها في (ع) زيادة: "شهادة".
(4)
"مبالغات" سقطت من (ب) و (ف) و (م) و (ي).
(5)
في (ي): "مبالغة".
النِّهايةِ، ودَلائلُ شاهَدةٌ بأنَّ الغَضبَ قد تَبالغَ، وعن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"هذهِ الآيةُ أشدُّ ما في القُرآنِ عَلى أهلِ النَّارِ"
(1)
.
* * *
(31) - {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} .
{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} ؛ أي: فَوزًا بالبُغيةِ، أو: مَوضعَ فوزٍ حيثُ زُحزِحوا
(2)
عنِ النَّارِ وأُدخِلوا الجنّةَ، ولم تُعطفْ قِصتُهم على قصةِ الطَّاغين، كما عُطفَ في قولهِ تَعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13، 14] لأنَّ وِزانَ هاتَينِ القصَّتينِ لَيسَ وِزانَ تَينِكَ القصَّتينِ، فإنَّ الأولى فيما نحنُ فيه مَسوقةٌ لذِكرِ جَهنَّمَ، وأنَّها كانَتْ مِرصَادًا، وسِيقتِ الثَّانيةُ لأنَّ المتَّقينَ مِن حَالتهِم كَيتَ وكَيتَ، فبَينهُما تَباينٌ في الغَرضِ والأُسلُوبِ، وهما على حدٍّ لا مَجالَ فيه للعَاطفِ.
* * *
(32) - {حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} .
و {حَدَائِقَ} : جَمعُ حديقةٍ، وهي البُستانُ المَحوطُ عليهِ، يُقالُ: أَحدقَ به؛ أي: أحاطَ، بَدلٌ مِن {مَفَازًا} أو بَيانٌ.
{وَأَعْنَابًا} المُرادُ بهِ الكُرومُ.
(1)
انظر الكشاف (4/ 690)، والحديث رواه الثعلبي (10/ 117)، والطبراني كما في "مجمع الزوائد"(7/ 133)، من حديث أبي برزة رضي الله عنه، قال الهيثمي: فيه شعيب بن بيان وهو ضعيف. ورواه من طريق آخر ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" عند هذه الآية، وفيه جسر بن فرقد وهو ضعيف الحديث بالكلية كما قال ابن كثير. قلت: ويرويه جسر عن الحسن ولم يسمع الحسن من أبي برزة. انظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص: 42).
(2)
في (ب) و (ف) و (م): "أخرجوا".
(33) - {وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا} .
{وَكَوَاعِبَ} : جَمعُ كاعِبٍ، وهِي النَّاهدُ.
{أَتْرَابًا} الأترَابُ: الأقرَانُ في السنِّ، جَمعُ تِربٍ.
* * *
(34) - {وَكَأْسًا دِهَاقًا} .
{وَكَأْسًا دِهَاقًا} : مُمتَلئةً أو مُتتابِعةً.
* * *
(35) - {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا} .
{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا} ؛ أي: في الحَدائقِ المَذكُورةِ.
{لَغْوًا} : كَلامًا لا طَائلَ تَحتهُ.
{وَلَا كِذَّابًا} قُرئَ بالتَّشدِيدِ والتَّخفِيفِ
(1)
؛ أي: لا يُكذِّبُ بَعضُهم بَعضًا.
وقِيلَ: الضَّميرُ للكَأسِ؛ أي: لا يَجرِي في أثناءِ شُربِها ما يَجرِي
(2)
في أثنَاءِ شُربِ خَمرِ الدُّنيا مِن الهَذيانِ والصَّخبِ والعُدوانِ.
* * *
(36) - {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} .
{جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ} مَصدرٌ مؤكِّدٌ مَنصوبٌ بمعنى قولِهِ تَعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} كأنَّهُ قِيلَ: جَازى المُتقِينَ.
(1)
قرأ الكسائي وحده بتخفيف الذال، وباقي السبعة بتشديدها. انظر:"التيسير"(ص: 219).
(2)
في "ب": "كما" بدل "ما يجري".
{عَطَاءً} بدلٌ مِنه على الاشتِمالِ، جَزاءً باعتِبارِ كَونهِ في مُقابلةِ العملِ، وعَطاءً لعَدمِ استِحقاقِ العَبدِ لهُ؛ كيفَ والعملُ واجبٌ عليه بحُكمِ العُبوديَّةِ؛ فلا يَستحِقُّ بسَببهِ الأجرَ!
ولا يجوزُ نَصبهُ بـ {جَزَاءً} نَصبَ المَفعولِ بهِ؛ لأنَّ المَصدرَ المؤكِّدَ لا يَعملُ؛ إذ لا يَنحَلُّ بحَرفٍ مَصدرِيٍّ والفِعل، قال أبو حيانَ: ولا نَعلمُ في ذلك خلافًا
(1)
.
{حِسَابًا} صفةٌ لهُ بمَعنَى: كافِيًا، أَحْسَبَهُ الشَّيءُ: إذا كَفاهُ حتَّى قالَ: حَسبِي.
وقُرئ: (حَسَّابًا) بالتَّشدِيدِ عَلى أنَّهُ بمَعنَى المُحسِبِ، كالدَّرَّاكِ بمعنى المُدرِكِ
(2)
.
* * *
(37) - {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا} .
{رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} قُرئَ بالرَّفعِ عَلى إضمارِ: هُو، أو مُبتَدأ و {الرَّحْمَنِ} صِفةٌ و {لَا يَمْلِكُونَ} خَبرٌ، أو هُما خَبرانِ.
وبالجرِّ عَلى البَدلِ مِن {رَبِّكَ} .
وبجَرِّ الأوَّلِ ورَفعِ الثَّاني
(3)
عَلى أنَّهُ مُبتدأٌ خَبرهُ
(4)
{لَا يَمْلِكُونَ} ، أو: هو الرَّحمنُ، و {لَا يَمْلِكُونَ} خَبرٌ ثانٍ.
والضَّميرُ في {لَا يَمْلِكُونَ} لأهلِ السَّماواتِ والأرْضِ، وفي {مِنْهُ خِطَابًا} للّهِ
(1)
انظر: "البحر"(21/ 197).
(2)
نسبت إلى ابن قطيب. انظر: "المحتسب"(2/ 349)، و"الكشاف"(4/ 690).
(3)
قرأ بجر الاسمين عاصم وابن عامر، وبرفعهما ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وبجر الأول ورفع الثاني قرأ حمزة والكسائي. انظر:"التيسير"(ص: 219).
(4)
في "ب": "وخبره".
تعالى؛ أي: لا يَملِكون أنْ يُخاطِبوهُ تعالى بشيءٍ مِن نَقصِ العذابِ
(1)
أو زِيادةٍ في الثَّوابِ إلَّا أنْ يُؤذنَ لهم في ذلكَ.
أو: لا يَملكُونَ مما يُخاطِبُ اللهُ تَعالى بهِ ويأمُرُ في أمرِ الثَّوابِ والعِقابِ خِطابًا واحدًا يتَصرَّفونَ فيهِ تَصرُّفَ المُلَّاكِ بزِيادةٍ أو نُقصانٍ.
أو: لا يَقدرُ أحدٌ أنْ يُخاطِبهُ تَعالى خَوفًا، وذَلكَ لا يُنافي الشَّفاعةَ بإذنِهِ.
* * *
{يَوْمَ يَقُومُ} نَصبٌ بـ {لَا يَمْلِكُونَ} أو {لَا يَمْلِكُونَ} .
{الرُّوحُ} جِبرائيلُ عليه السلام.
وقِيلَ: مَلكٌ عَظيمُ الخَلقِ
(2)
، ما خَلقَ اللهُ تعالى بَعدَ العَرشِ أعظَمَ مِنهُ، مُوكَّلٌ عَلى الأروَاحِ كلِّها.
{وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} حالٌ؛ أي: مُصطفِّينَ.
{لَا يَتَكَلَّمُونَ} أي: الرُّوحُ والمَلائكةُ خَوفًا.
{إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} في الكلامِ أو الشَّفاعةِ.
{وَقَالَ صَوَابًا} هُما شرطانِ: إذنُ الرَّحمنِ، وقَولُ الصَّوابِ، وهو الشَّفاعةُ لمنِ ارتَضى؛ لقَولهِ تَعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28].
والجُملةُ تَقريرٌ وتَوكيدٌ لقَولهِ تَعالى: {لَا يَمْلِكُونَ} على أنَّ الضميرَ فيه لمَجمُوعِ
(1)
في النسخ عدا (ي): "العقاب"، والمثبت من (ي) و"الكشاف"(4/ 691).
(2)
"الخلق" سقط من (ب).
مَن تقدَّمَ ذِكرهُ، وأمَّا إذا كان للرُّوحِ والمَلائكَةِ خاصَّةً، فلا يتَمشَّى أمرُ التَّوكيدِ إلَّا على أصلِ الاعتِزالِ، بأنْ يُقالَ: إنَّ هؤلاءِ الذين هم أشرَفُ الخلائقِ وأقرَبهُم مِن
(1)
اللّهِ تَعالى مَنزلةً إذا لم يَقدِروا أنْ يَتكلَّموا
(2)
بما يَكونُ صَوابًا كالشَّفاعةِ لمنِ ارتَضى إلَّا بإذنِهِ؛ فكَيفَ يملِكهُ غَيرهُمْ
(3)
؛ لأنَّ مَذهبَ أهلِ السُّنةِ أنَّ خَواصَّ الإنسَانِ أشرَفُ الخَلائقِ؛ وأَنَّهم أفضَلُ مِن خواصِّ المَلائكةِ.
* * *
(39) - {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} .
{ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ} : الثَّابتُ وُقوعهُ لا مَحالةَ.
{فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ} : إلى ثَوابهِ {مَآبًا} : مَرجِعًا بالعَملِ الصَّالحِ.
* * *
(40)
{إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} هو عذابُ الآخِرةِ، وقرَّبهُ لتَحقُّقهِ لأنَّ فيَ ما هو آتٍ قَريبٌ، ولأنَّ مَبدأهُ المَوتُ.
{يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ} مُؤمنًا كان أو كَافرًا، هذا هو المُطابقُ لِمَا سَبقَ مِن وَصفِ يومِ الفَصلِ بما اشتَملَ على حالِ الفَرِيقينِ.
(1)
في "ب": "إلى".
(2)
بعدها في (ب): "إلا"، وهو خطأ. انظر:"تفسير أبي السعود"(9/ 94)، و"روح المعاني"(28/ 242).
(3)
انظر: "الكشاف"(4/ 691).
{مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} مِن خَيرٍ وشرٍّ.
{مَا} مَوصُولةٌ مَنصوبةٌ بـ {يَنْظُرُ} ، يُقالُ: نظَرتهُ، بمَعنى: رأيتُهُ
(1)
، ونَظرتُ إلَيهِ أعمُّ، والرَّاجعُ مِن الصِّلةِ مفعولُ {قَدَّمَتْ} ، وحذفُه مَفعُولًا شائعٌ.
أو استِفهاميَّةٌ مَنصُوبةٌ بـ {قَدَّمَتْ} ؛ أي: يَنظُرُ أيَّ شيءٍ قدَّمتْ يَداهُ؟
وقوُلهُ: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي} بَعضُ المرتبِ على ما قَبلهُ، كما في قولهِ تَعالى:{أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} [يوسف: 31]، والتَّقدِيرُ: فيُسرُّ
(2)
المُؤمنُ ويَقولُ الكَافرُ، وقَد نبَّهتُ فيما سَبق أنَّ هذهِ الواوَ تُسمَّى فَصِيحةً
(3)
.
فإنْ قُلتَ: لمَ خصَّ قولَ الكَافرِ بالذِّكرِ دُونَ المُؤمنِ عَلى عَكسِ ما تَقدَّمَ مِن تَخصِيصِ حالِ المُؤمنِ بالذِّكرِ حَيثُ قالَ: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} ؟
قُلتُ: دلَّ ذِكرُ الكَافرَ على غايةِ الخَيبةِ ونِهايةِ التحسُّرِ، ودلَّ حَذفُ قَولِ المُؤمنِ عَلى غايةِ النُّجحِ
(4)
ونهايةِ الفَرحِ بما لا يُحيطُ بهِ الوَصفُ.
(1)
الذي في "الكشاف"(4/ 692): (بمعنى: نظرت إليه). وقال القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23]: العرب إذا أرادت بالنظر الانتظار قالوا: نظرته، كما قال تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ} [الزخرف: 66]، {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} [الأعراف: 53]، {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 49] وإذا أرادت به التفكر والتدبر قالوا: نظرت فيه، فأما إذا كان النظر مقرونا بذكر (إلى) وذكر الوجه فلا يكون إلا بمعنى الرؤية والعيان.
(2)
في (ع): "والتقدير يقول فيه".
(3)
وسميت بذلك لأنها أفصحت - أي: بينت وكشفت - عن المحذوف، ودلت عليه وعلى ما نشأ عنه، ولأنها أحيانًا تفصح عن جواب شرط مقدر. انظر:"الكليات"(ص: 923)، و"شرح التصريح على التوضيح"(2/ 186)، و"النحو الوافي"(3/ 636).
(4)
في هامش (ب): "النجح الظفر".
{كُنْتُ تُرَابًا} أي: حِينَ مِتُّ كما كان سَائرُ الحَيواناتِ؛ فإنَّ الإنسانَ مَخصُوصٌ مِن بينِها بالرُّوحِ الباقِي بعدَ المَوتِ، وهذا وَجهُ ما قِيلَ: يُحشَرُ سائِرُ الحَيواناتِ للاقتِصاصِ، ثُمَّ تُردُّ تُرابًا، فيودُّ الكافِرُ حَالها
(1)
، لا ما تُوهِّمَ
(2)
مِن أنَّ كانَ بمَعنَى صارَ، واللهُ أعلمُ بالصَّوابِ.
* * *
(1)
روى عبد الرزاق في "تفسيره"(2/ 206)، والحاكم في "المستدرك" (3231) - وصححه على شرط مسلم - عن أبي هريرة في قوله عز وجل:{أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38] قال: يحشر الخلق كلهم يوم القيامة: البهائم، والدواب، والطير، وكل شيء، فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابًا، فذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابًا.
وفي صحيح مسلم (2582) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء"، وانظر:"الكشاف"(4/ 692).
(2)
في (ب): "يتوهم".
سُورَةُ النَّازِعَاتِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1)
* * *
(1) - {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} .
{وَالنَّازِعَاتِ} : مِن نَزعَ الشَّيءَ نَزعًا، إذا جَذبهُ عن مَقرِّهِ كنَزعِ القَوسِ عَن كَبدهِ.
{غَرْقًا} اسمٌ بمعنَى الإغراقِ، كالسَّلامِ بمعنَى التَّسليمِ، أو مَصدرٌ مَحذُوفُ الزَّوائدِ؛ يُقالُ: أغرَقَ النَّازعُ في القَوسِ: إذا استَوفى مدَّها
(2)
.
* * *
(2) - {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} .
{وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} مِن نَشطَ الدَّلوَ مِن البِئرِ: إذا أخرَجَها.
(3) - {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} .
(1)
زاد في (ع): "وبه نستعين".
(2)
في (ع): "استوفى حدها" وفي (ب): "استوى في مدها"، والمثبت من (م) و (ي)، وهو الموافق لما في "الصحاح" (مادة: غرق) و"تفسير القرطبي"(22/ 37) وزاد القرطبي: وذلك بأن تنتهي إلى العَقَب الذي عند النصل الملفوف عليه.
{وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} أصلُ السَّبحِ في المائع، وقَد يُستَعملُ في غيرهِ بطَريقِ الاستِعارةِ.
* * *
(4) - {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا} .
{فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا} عَدلَ هاهنا عن الواوِ إلى الفاءِ لتَرتُّبِ
(1)
السَّبقِ عَلى السَّبحِ، والعُدولُ في قَولهِ تَعالى:
* * *
(5) - {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} .
{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} أيضًا لذلك المَعنَى
(2)
.
أقسَمَ سبحانه وتعالى بطَوائفِ المَلائكةِ التي تَجذبُ أروَاحَ الفُجَّارِ بشدَّةٍ وعُنفٍ لقوَّةِ تَعلُّقهم، وبالطَّوائفِ الَّتِي تَجذُبُ أرواحَ الأبرارِ بسُهولةٍ ولُطفٍ لقلَّةِ تعلُّقِهمْ، وبالطَّوائفِ التي تُسرعُ في مُضيِّها فتَسبقُ
(3)
إلى ما أُمِروا بهِ فتُدبِّرُ أمرًا مِن أُمورِ العِبادِ على ما رُسمَ لهم.
أو بالنُّجومُ فإنَّها تنزعُ
(4)
مِن المَشرقِ إلى المَغربِ غَرقًا في النَّزع، بأنْ تَقطع ما
(1)
في (ب): "لترتيب".
(2)
وانظر تفصيل المسألة ومناقشتها في "تفسير الرازي"(31/ 33).
(3)
في (ع): "فتستبق".
(4)
في (ب): "ينتزع".
بينَهما
(1)
مِن المَسافةِ كُلِّها، وتَنشطُ مِن بُرجٍ إلى بُرجٍ، مِن نَشطَ الثَّورُ: إذا خَرجَ مِن بَلدٍ إلى بَلدٍ، ويَسبحُونَ في الفُلكِ فيَسبقُ بعضُها في السَّيرِ لكَونهِ أسرَعَ حركةً، فتدبِّر أمرًا نِيطَ بها: مِن اختِلافِ الفُصولِ، وتَقديرِ الأوقَاتِ.
ولمَّا كان في الحَركةِ الأُولى مَعنَى الاستِيفاءِ
(2)
ذُكرَ فيها النَّزعُ والإغراقُ، ومَن وَهَمَ أنَّ ذَلكَ لأنَّها قَسريةٌ فقَد وَهِمَ، لا يُقالُ: تَسامحَ في عِبارةِ القَسريَّةِ، فإنَّ المُرادَ معنَى العرَضيَّةِ؛ لأنَّ حَركاتِ النُّجومِ كلِّها عَرضيَّةٌ.
* * *
(6) - {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} .
{يَوْمَ} : مَنصُوبٌ بالجَوابِ المُضمَرِ
(3)
، وهُو: لتُبعثُنَّ
(4)
؛ لدِلالةِ ما بَعدهُ عَليهِ
(5)
.
{تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} الرَّجفُ: حَركةُ الشَّيءِ مِن تَحتِ غَيرهِ بترديدٍ واضْطرابٍ.
(1)
في (ب): "فتقطع ما بينها".
(2)
في (ع): "الاستبقاء".
(3)
في (ع): "بجواب مضمر".
(4)
في (ب): "تبعثن". وقد اختلف العلماء في جواب القسم، فقدره بعض نحاة الكوفة: لتبعثن ولتحاسبن، وقال بعض نحاة البصرة: هو قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} ، وقيل: في الكلام تقديم وتأخير تقديره: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ}
…
{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} . انظر: "تفسير الثعلبي"(10/ 124).
(5)
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جعلت (يَوْمَ تَرْجُفُ) ظرفًا للمضمر الذي هو لتبعثن، ولا يبعثون عند النفخة الأولى؟ قلت: المعنى: لتبعثنّ في الوقت الواسع الذي يقع فيه النفختان، وهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع، وهو وقت النفخة الأخرى. ودلّ على ذلك أنّ قوله:{تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} جعل حالًا عن الراجفة. ويجوز أن ينتصب {يَوْمَ تَرْجُفُ} بما دلّ عليه {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} ؛ أي: يوم ترجف وجفت القلوب. انظر: "الكشاف"(4/ 693).
و {الرَّاجِفَةُ} : الأجرَامُ السَّاكنةُ الَّتِي تَرجُفُ حِينئذٍ مِن الأرْضِ والجِبالِ؛ لقَولهِ تَعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ} [المزمل: 14].
* * *
(7) - {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} .
{تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} : هِي الزَّلزَلةُ الثَّانيةُ تَردَفُ الأُولى، فتَنشقُّ السَّماءُ وتنتثرُ
(1)
الكَواكبُ،
والرَّديفُ: الكائن بَعدَ الأوَّلِ قَريبًا منهُ.
والفَرقُ بَينهُ وبَينَ التَّابعِ: أنَّ في التَّابعِ مَعنَى الطَّلبِ لمُوافقَتهِ الأوَّلَ دُونَ الرَّديفِ، وفي الرَّديفِ مَعنَى القُربِ دُونَ التَّابعِ.
* * *
(8) - {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} .
{قُلُوبٌ} مُبتدأٌ؛ لأنها مُتخصِّصةٌ فإنَّ تَنكِيرها عِوضٌ عنِ المُضافِ إليهِ، كتَنكِيرِ {كُلٌّ} في قَولهِ تَعالى. {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33]، والمَعنَى: قُلوبُ النَّاسِ، لا قُلوبُ الكفَّار
(2)
؛ لعمُومِ البَلوى بدِلالةِ قَولهِ تَعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ
(1)
في (ع): "وتنثر"، وفي (ب) و (م) و (ي):"وتنشر"، والمثبت من "الكشاف"(4/ 693)، و"تفسير البيضاوي" مع حاشية الشهاب (8/ 313)، و"روح المعاني"(28/ 256).
(2)
وعند الرازي: هي قلوب الكفار، حيث قال: لم يقل اللّه تعالى: القلوب يومئذ واجفة، فإنه ثبت بالدليل أن أهل الإيمان لا يخافون، بل المراد منه قلوب الكفار، ومما يؤكد ذلك أنه تعالى حكى عنهم أنهم يقولون:{يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} وهذا كلام الكفار لا كلام المؤمنين، وقوله:{أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} لأن المعلوم من حال المضطرب الخائف أن يكون نظره نظر خاشع ذليل خاضع يترقب ما ينزل به من الأمر العظيم. انظر: "مفاتيح الغيب"(31/ 35).
لَدَى الْحَنَاجِرِ} [غافر: 18] و: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: 2].
{يَوْمَئِذٍ} مَنصوبٌ بقولهِ: {وَاجِفَةٌ} وهو خَبر. والوجيف: شدة الخفقان واضطراب القلب.
* * *
(9) - {أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} .
{أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} جُملةٌ ابتدائيَّةٌ أُخرَى، وإنَّما فُصِلتْ
(1)
عمَّا قَبلَها؛ لقوَّةِ الاتَصَالِ.
اعلَمْ أنَّ الإدرَاكَ صِفةُ القَلبِ بدِلالةِ قولهِ تَعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46]، والبَصرُ مِن جُملةِ الآيةِ
(2)
، والخُشوعُ أيضًا صِفتُه والبصر مظهرُه
(3)
، يُقالُ: أخشَعَ فُلانٌ، إذا طَأطَأ رأسَهُ رامِيًا ببَصرِهِ إلى الأرْضِ، وهو خاشِعُ الطَّرفِ خاضِعُ العُنقِ، فإسنادُ الخُشوعِ
(4)
إلى البَصرِ مِن قَبيلِ إسنادِ الفِعلِ إلى آلتهِ، وإضافَةُ البَصرِ إلى القلبِ مِن قَبيلِ إضافةِ الآلةِ إلى صاحِبها، فلا حاجةَ إلى التَّقدِيرِ بل لا وَجهَ له.
* * *
(10) - {يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} .
{يَقُولُونَ} أي: المُنكِرونُ للبَعثِ
(5)
بدِلالةِ الاستِفهامِ الإنكَاريِّ في قَولهِ:
(1)
في (ب) و (م) و (ي): "فصل".
(2)
في (ب): "الآفة". والمثبت من باقي النسخ، ولعل الصواب:(الآلة) بدلالة اللحاق.
(3)
في (ب): "والخشوع صفة والصفة مظهره".
(4)
في (ب): "الخضوع".
(5)
في (ب): "البعث".
{أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} ؛ أي: نُردُّ بعدَ المَوتِ إلى الحالةِ الأُولى؛ أي: الحياةِ؟ يُقالُ: رَجعَ في حَافرتهِ؛ أي: في طريقَتهِ الَّتِي جاء فيها فحَفرَها؛ أي: أثَّر فيها بمَشيهِ، جَعلَ أثرَ قَدميهِ حَفرًا، وتَوصيفُها بـ {الْحَافِرَةِ} بطَريقِ المَجازِ في النسبة
(1)
؛ كقَولهِ: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة: 7]، أو عَلى تَشبيهِ القابلِ بالفاعِلِ
(2)
، ثُمَّ اتُّسعَ فيه فقيلَ لمن كانَ في أمرٍ فخَرجَ منهُ ثمَّ عادَ إلَيهِ: رَجعَ إلى حافِرتهِ؛ أي: إلى حالَتهِ الأُولى
(3)
.
وقُرئ: (في الحَفِرة)
(4)
، وهي بمعنى المَحفُورةُ
(5)
، وفيها نَوعُ تأيِيدٍ لما قُلنا: إنَّ أصلَ الحافِرةِ بمعنَى المَحفُورةِ.
* * *
(11) - {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} .
{أَإِذَا} : مَنصوبٌ بمَحذُوفٍ تَقدِيرهُ: أئذا {كُنَّا عِظَامًا} نُردُّ ونُبعثُ، وقُرئ:{إِذًا} عَلى الخَبرِ
(6)
.
(1)
في (ب): "التشبيه".
(2)
قوله: "تشبيه القابل بالفاعل" هو على مذهب السكَّاكي من جعل أمثاله استعارة مكنية وتخييلية؛ لأنَّه بمعنى الطريق، وهي قابلة للحفر، فشبه القابل للفعل بمن يفعله؛ لتنزيله منزلته، فالاستعارة في الضمير المستتر، وإثبات الحافرية له تخييل على ما عرف من المذاهب فيه. انظر:"حاشية الشهاب"(8/ 314).
(3)
ومنها: رجع فلان على حافرته، إذا شاخ وهوم. انظر:"أساس البلاغة"(مادة: حفر).
(4)
نسيت لأبي حيوة وابن أبي عبلة وأبي بحرية. انظر: "المختصر في شواذ القراءات"(ص: 168)، و"المحتسب"(2/ 350)، و"البحر"(21/ 212).
(5)
في (ب): "وهو المحفورة" بدل: "وهي بمعنى المحفورة".
(6)
قراءة ابن عامر ونافع والكسائي. انظر: "التيسير"(ص: 132 - 133).
{نَخِرَةً} يُقالُ: نَخرَ العَظمُ فهُو نَخِرٌ وناخِرٌ، كقَولكَ: طَمعَ فهو طَمِعٌ وطامِعٌ، والأولُ أبلغُ، والثَّاني أشكلُ
(1)
لرُؤوسِ الآيِ، وقد قُرئَ بهما
(2)
رِعايةً لهُما.
وهُو البالي الأجوَفُ الذي يمُرُّ به الرِّيحُ فيُسمعُ له نَخِيرٌ
(3)
.
* * *
(12) - {قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} .
{قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} وُصفتِ الكرَّةُ بخُسرانِ أصحَابها مُبالغةً؛ أي: إنَّها إنْ صحَّتْ فنَحنُ إذًا خاسِرونَ لتكذِيبِنا بها، وهذا استِهزاءٌ مِنهُمْ
(4)
.
* * *
(13) - {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} .
{فَإِنَّمَا هِيَ} مُتعلِّقةٌ
(5)
بمَحذُوفٍ
(6)
؛ أي: لا تَحسبُوا تِلكَ الكرَّةَ صَعبةً عَلى اللهِ فإنما هي {زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} سَهلة هيِّنةٌ في قُدرتِهِ تَعالى.
والزَّجرةُ: الصَّرفةُ عن الشَّيءِ بالمَخافةِ، وهِي هاهنا بالصَّيحةِ لقولهِ تعالى:
(1)
أي: أوفق انظر: "روح المعاني"(28/ 262). وكلمة "الثاني" سقطت من (ع) و (م) و (ي)، ووقع في (ع):"أسكن" بدل "أشكل".
(2)
قرأ بها عاصمٌ في رواية أبي بكرٍ وحمزةُ والكسائي. انظر: "التيسير"(ص: 219).
(3)
في (ب): "فتسمع له نخيرًا".
(4)
حيث أبرزوا ما قطعوا بانتفائه واستحالته في صورة المشكوك المحتمِل للوقوع. انظر: "حاشية الشهاب"(8/ 314).
(5)
في (ب): "متعلقة".
(6)
يعني بالتعلُّقِ: التعلق من حيث المعنى، وهو العطفُ، انظر:"الدر المصون"(10/ 673). وقال الشهاب: أي فيه مقدّر مرتبط به معنى. انظر: "حاشية الشهاب"(8/ 314).
{إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس: 53].
* * *
(14) - {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} .
{فَإِذَا هُمْ} : فاجَؤوا الحُصولَ {بِالسَّاهِرَةِ} ؛ أي: وَجهِ الأرْضِ، فالعَربُ تسمي وَجهَ الأرضِ مِن الفَلاة: سَاهرةً؛ أي: ذاتَ سَهرٍ؛ لأَنَّه يُسهَر فيها خَوفًا
(1)
؛ وفيهِ إشارةٌ إلى حصولهم فيها أحياءً.
* * *
(15) - {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} .
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} إنْ كان أتاهُ
(2)
قبلَ ذَلك فمعناه: ألَيسَ قد أتاكَ؟ وإنْ كان لمْ يأتهِ فمَعناهُ: ما أتاك فأنا أُخبركَ بهِ.
* * *
(16) - {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} .
{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} : قد مرَّ تَفسيرهُ في سُورةِ طه
(3)
.
* * *
(17) - {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} .
{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ} على إرادةِ القَولِ، وقُرئ:(أنِ اذهَبْ) لِمَا في النِّداءِ مِن
(1)
في (ع): "لأنها تسهر خوفًا"، وفي (ب):"لأن فيها خوفًا".
(2)
"أتاه" سقط من "ب".
(3)
عند قوله تعالى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 12].
مَعنَى القَولِ
(1)
، كذا قِيلَ، وفيهِ: أنَّ بَينَ النِّداءِ المَذكُورِ وهذا المَقولِ
(2)
مِن الفَواصلِ المُصدَّرةِ بالقول في سُورةِ طه.
* * *
(18) - {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} .
{فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} ؛ أي: هل لكَ رَغبة إلى أنْ تُطهَّرَ مِن دَنسِ الكُفرِ بالإيمانِ؟
وقُرئ: {تَزَكَّى} بالتَّشدِيدِ
(3)
.
تَفصيل للقولِ
(4)
الليِّنِ الذي أمَرهُ بهِ في سُورةِ طه
(5)
، وهو على صيغةِ العَرضِ دونَ الأمرِ، والتَّرغِيبِ دُونَ التَّرهيبِ.
* * *
(19) - {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} .
{وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ} : وأُرشِدَكَ إلى معرفةِ ربِّكَ فتَعرفَه {فَتَخْشَى} لأنَّ
(6)
الخَشيةَ بقدْرِ المَعرفةِ، قال اللهُ سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]؛ أي: العُلماءُ بهِ.
ذَكرَ الخَشيةَ مكانَ التديُّنِ بدِينِ اللهِ تعالى لأنَّها مِلاكُ الأمرِ فيهِ.
(1)
نسبت لعبد الله رضي الله عنه. انظر: "الكشاف"(4/ 695).
(2)
في (ع) و (م): "القول".
(3)
قرأ بتشديد الزاي ابن كثير ونافع، وباقي السبعة خفيفة الزاي. انظر:"التيسير"(ص: 219).
(4)
في (ب): "المقول".
(5)
في هامش (ب): "وهو: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} ".
(6)
في (ع): "فإن".
(20) - {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى} .
{فَأَرَاهُ} الفاءُ فَصيحةٌ؛ أي: فذَهبَ وبلَّغَ فأراه {الْآيَةَ الْكُبْرَى} هِي قَلبُ العَصا حيَّةً؛ لأنها كانَت المُقدِّمةَ والأصلَ، أو
(1)
أرادَهما جَميعًا إلَّا أنَّهُ جَعلهُما واحدةً لأنَّ الثَّانِيةَ كأنَّها مِن جُملةِ الأُولى لكَونِها تابِعةً لها؛ لأنَّهُ كانَ يتَّقيها بيَدهِ، فقِيلَ لهُ: أدْخِل يَدكَ في جَيبكَ.
أو المَجمُوعُ لأنَّهما باعتِبارِ الإعْجازِ والدِّلالةِ على صِدقهِ واحدٌ
(2)
.
* * *
(21) - {فَكَذَّبَ وَعَصَى} .
{فَكَذَّبَ} بموسى عليه السلام {وَعَصَى} اللهَ بعدَ ظُهورِ الحقِّ، ووُجوبِ الطَّاعةِ.
* * *
(22) - {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} .
{ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} ، أي: تَولَّى عن مُوسَى عليه السلام يَجتهدُ في مُكايَدتهِ لقَولهِ تَعالى: {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} [طه: 60]، ويَجوزُ أنْ يَكونَ {أَدْبَرَ}
(1)
في (ب): "إذا"، وفي (م) و (ي):"و". والمثبت من (ع)، وهو الموافق لما في "الكشاف"(4/ 695)، والكلام منه، لكن في سياق المؤلف تقديم وتأخير وإسقاط في بعض العبارات، وهذا نص "الكشاف": (
…
لأنها كانت المقدمة والأصل، والأخرى كالتبع لها؛ لأنَّه كان يتقيها بيده، فقيل له: أدخل يدك في جيبك. أو أرادهما جميعا، إلا أنه جعلهما واحدة؛ لأن الثانية كأنها من جملة الأولى لكونها تابعة لها).
(2)
في "ع": "واحدة". ولفظ البيضاوي ومنه استفاد المؤلف هذا الوجه الأخير: (
…
كالآية الواحدة).
مُستَعارًا لمَعنى: أقبلَ؛ تَملِيحًا وتَنبِيهًا عَلى أنَّهُ كانَ إدبَارًا
(1)
.
* * *
(23 - 24) - {فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} .
{فَحَشَرَ} ؛ أي: السَّحرةَ؛ لِمَا مرَّ مِن قولهِ تعالى: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} ، والحَشرُ: الجَمعُ مِن كلِّ جِهةٍ، وقَد يَكونُ الجَمعُ بضمِّ جُزءٍ إلى جُزءٍ فلا يَكونُ حَشرًا.
{فَنَادَى} في مَحشرهِ {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} أي: أعلَى على كلِّ مَن يَلي أمرَكُم
(2)
.
* * *
(25) - {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} .
{فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} النَّكالُ بمعنَى التَّنكِيلِ
(3)
مَصدر مؤكِّدٌ؛ أي: نكَّلَ اللهُ بهِ تَنكِيلًا في الآخِرةِ بالإحراقِ وفي الدُّنيا بالإغراق، أو مفعولٌ له؛ أي: للتَّنكِيل فيهِما.
وعنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: نَكالَ كلِمتهِ الآخرةِ وهي هذهِ، وكَلمتِه الأُولى وهِي قَولهُ. {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]
(4)
.
(1)
أريد: ثم أقبل يسعى، كما تقول: أقبل فلان يفعل كذا، بمعنى: أنشأ يفعل، فوضع أَدْبَرَ موضع: أقبل، لئلا يوصف بالإقبال. انظر:"الكشاف"(4/ 696)، و"روح المعاني"(28/ 268).
(2)
قوله: "على كل من يلي أمركم" كذا في بعض نسخ البيضاوي بالجار المتعلق بأفعل التفضيل، وهو جائز، وفي نسخة:(مِن كل مَن يلي) بـ (مِن) التفضيلية وهي ظاهرة أيضًا، وفي بعضها:(كل من يلي .. الخ) بالنصب من غير جار، وَيرِدُ عليه: أن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول، فهو مفعول لمقدر؛ أي: علوت كل مَن .. الخ. انظر: "حاشية الشهاب"(8/ 316).
(3)
كالسلام بمعنى التسليم. انظر: "الكشاف"(4/ 696).
(4)
رواه الطبري في "تفسيره"(24/ 203).
والنَّكالُ عِقابٌ يُنكَّلُ بهِ عنِ الإقدامِ على سَببهِ لشدَّتهِ.
* * *
(26) - {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} .
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} العِبرةُ للكُلِّ، وإنَّما خُصَّ به مَن يَخشَى لأنَّه هو المُنتفِعُ به.
* * *
(27) - {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} .
الخِطابُ في {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} لمُنكِري البَعثِ؛ أي: أأنتُمْ أصعَبُ خَلقًا وإنشاءً {أَمِ السَّمَاءُ} .
ثُمَّ بيَّنَ كَيفَ خَلقَها فقال: {بَنَاهَا} .
* * *
(28) - {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} .
ثُمَّ بيَّنَ كيفيَّةِ البِناءِ فقال: {رَفَعَ سَمْكَهَا} ، أي: مِقدارَها في جِهةِ العُلوِّ بأنْ يَجعلهُ مديدًا رفِيعًا.
{فَسَوَّاهَا} : فعَدَّلها مُستوِيةً مَلساءَ لا فُطورَ فيها ولا تَفاوتَ، أو: فتمَّمها
(1)
بما يَتِمُّ بهِ كمالُها وصَلاحُها؛ من التَّدوير والتَّزيين بالكَواكبِ وغَيرِ ذلك، مِن قولهم: سوَّى فلانٌ أمرَهُ، إذا أصلَحهُ.
* * *
(1)
في "ع": "فتحها".
(29) - {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} .
{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} غَطِشَ اللَّيلُ وأغطَشهُ الله كظلِمَ وأظلَمَه، ويُقال أيضًا: أغطَشَ اللَّيلُ، كما يُقال: أظلَمَ. والأوَّلُ منقولٌ مِن غَطِشَ
(1)
والثَّاني بمعنى الصَّيرُورةِ.
{وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} الضُّحى: الضَّوءُ، لقَولهِ تَعالى:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ؛ أي: ضَوئها. [وقولهم]
(2)
: وَقت الضُّحَى، هُو وَقتُ إشرَاقِ ضَوءِ الشَّمسِ.
وإضَافةُ اللَّيلِ والضُّحى إلى السَّماءِ؛ لأنَّهما يَحدُثانِ بحَركةِ الشَّمسِ فيها، ومَن قال: بحرَكتِها، فكأنَّهُ غَفلَ عَن قَولهِ تَعالى:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] فإنَّهُ صَريحٌ في أنَّ الشَّمسَ تتحرَّكُ في الفَلكِ لا بالفَلكِ كما زَعمتِ الفَلاسفةُ.
* * *
(30) - {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} .
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} : بسَطَها.
* * *
(31) - {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} .
{أَخْرَجَ مِنْهَا} حالٌ لإضمارِ: قد، كقَولهِ تَعالى:{أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90]
(3)
.
(1)
في "ع": "أغطش".
(2)
ما بين معكوفتين من "الكشاف"(4/ 697).
(3)
بمعنى: قد حَصِرَت صدورهم. وكما تقول للرجل: أصبحتَ كثرت ماشيتك، تريد: قد كثرت ماشيتك. "تفسير الطبري"(1/ 427).
{مَاءَهَا} : عُيونَها المُتفجِّرةَ
(1)
.
{وَمَرْعَاهَا} : رِعيَها
(2)
، والمَرعَى مُشتركٌ بَينهُ وبَينَ المَصدرِ والمَوضِعِ، ذَكرهُ في "القَاموسِ"
(3)
.
وأصلُ الرَّعيِ: حِفظُ الغَيرِ في أمرٍ يَعودُ بمَصلَحةٍ، ومنه: رَعيُ الغَنمِ، ورَعي الوالي الرَّعيَّةَ، ذَكرَه الرَّاغبُ
(4)
، فلا اختِصاصَ في المَرعَى للأنعَامِ؛ ولذلكَ قال:
(32) - {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} .
{وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} الإرسَاءُ: الإثبَاتُ بالثقلِ، نَصبَ الأرضَ والجِبالَ بإضْمارِ دَحى وأرسَى على شَريطةِ التَّفسِيرِ، وقُرئا مَرفُوعَينِ على الابتداءِ
(5)
.
* * *
(33) - {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} .
{مَتَاعًا} : تَمتِيعًا، مَفعولٌ لهُ
(6)
.
{لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} : ولمَواشِيكم، فَصَلَ بينهُ وبينَ الفِعلِ المُعلَّلِ بقَولهِ:{وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} ؛ لأنَّهُ مما يَتوقَّفُ عليهِ التَّمتُّعُ بالماءِ والمَرعَى.
(1)
في (ب): "المنفجرة".
(2)
بكسر الراء: الكلأ. من "القاموس".
(3)
انظر: "القاموس"(مادة: رعي).
(4)
انظر: "تفسير الراغب"(1/ 281).
(5)
نسبت للحسن وعمرو بن عبيد وأبي حيوة وابن أبي عبلة وأبي السمال. انظر: "المختصر في شواذ القراءات"(ص: 168)، و"المحتسب"(2/ 350)، و"البحر"(21/ 217).
(6)
فعل ذلك تمتيعًا لكم ولأنعامكم، "الكشاف"(4/ 697).
لمَّا فَرغَ عن تَذكيرِ الحُجةِ للبعث رتَّبَ عليه الإخبارَ عما يكون عنه ذلك فقال:
(34) - {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} .
{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} هِي القِيامةُ، لطُمومِها على كلِّ هائلةٍ، وهي أكبرُ الطَّامَّاتِ.
وقيل: النَّفخةُ الثَّانيةُ؛ فإنَّها كُبرى النَّفخَتينِ لعُمومِ أثَرِها، بخِلافِ الأُولى فإنَّ تأثِيرهَا في الأحياءِ وَقتئذٍ.
وقِيلَ: السَّاعةُ التي يُساقُ فيها أهلُ الجنَّة إلى الجنَّة، وأهلُ النَّار إلى النَّار، ولا يُناسبُهُ التَّفريعُ عَلى ما تَقدَّمَ.
* * *
(35) - {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى} .
{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى} عندَ تَمثُّلِ الأعمالِ بصُورِها وهيئاتها على ما نَطقَ به الأحادِيثُ، وسيأتي تَفصيلهُ في سورةِ الزَّلزَلةِ
(1)
.
وإنَّما قال: {يَتَذَكَّرُ} لأَنَّه قد نَسيَها بطولِ العَهدِ وفَرطِ الغَفلةِ.
وهُو
(2)
بَدلٌ مِن (إذا جاءت)، و {مَا} مَوصُولة أو مصدريَّةٌ.
* * *
(1)
انظرها بأدلتها وشواهدها في تفسيره لقوله تعالى: (ليروا أعمالهم)، في الآية الرابعة من رسالته:"شرح العشر في معشر الحشر"، المطبوعة ضمن "مجموع رسائل ابن كمال باشا".
(2)
يعني: {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ} . انظر: "الكشاف"(4/ 697).
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ} : أُظهرَت {لِمَنْ يَرَى} ، وهم الطَّاغونَ؛ لقولهِ تَعالى:{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} [الشعراء: 91].
ومَن قال
(1)
: إنَّهُ مِن الأفعالِ التي لا يُقدَّرُ لها مفعولٌ؛ أي: لكُلِّ ذِي بَصرٍ، والمُرادُ العُمومُ
(2)
، والمَعنَى أنَّها تُظهَرُ إظهارًا بيِّنًا لا يَخفَى عَلى أحدٍ فيَراها أهلُ السَّاهرةِ جميعًا= فكأنَّهُ غَفلَ عن قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} [الأنبياء: 101، 102].
وقُرئَ: (وبرزَتْ) مُخفَّفةً
(3)
، و:(لمن رأى)
(4)
، و:(لمن تَرى)
(5)
، والضَّميرُ للجَحيمِ لقولهِ تَعالى:{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [الفرقان: 12].
(1)
يعني به الزمخشري. انظر: "الكشاف"(4/ 698).
(2)
في هامش "ب": "هَذا العُمومُ مُستفادٌ مِن لَفظِ (مَن) لأَنَّها مِن ألفاظِ العُمومِ، ولا دَخلَ لحَذفِ مَفعُولِ {يَرَى} في إفادةِ العُمومِ؛ لأنَّ المُستفادَ مِن حَذفِ المَفعُولِ عُمومُ المُفعولِ لا عُمومُ الفاعلِ، والمَقصُودُ هاهنا عُمومُ الفَاعلِ، أمَّا عَدمُ خَفائِها عَلى المُؤمِنينَ فلأنَّهمْ يَمرُّونَ عَليها حِينَ مُجاوزةِ الصِّراطِ؛ لقَولهِ تَعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} إلى قَولهِ تَعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 72] فإنْ قيلَ: إنَّهُ تَعالى قالَ في سُورةِ الشُّعراءِ: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} [الشعراء: 90، 91] محض الغَاوينَ بتَبريزِها لهم، قُلنا: إنَّها بُرزتْ للغَاوينَ والمُؤمنونَ يَرونها أيضًا في المَمرِّ ولا مُنافاةَ بَينَ الأمرَينِ. شيخ زاده".
(3)
قرئ مخففا مبنيا للمفعول وللفاعل، فالأولى نسبت لأبي نهيك وأبي السمال وهارون عن أبي عمرو، والثانية لزيد بن علي ومالك بن دينار وعائشة رضي الله عنها. انظر:"المختصر في شواذ القراءات"(ص: 168)، و"البحر"(21/ 219).
(4)
نسبها الزمخشري لابن مسعود رضي الله عنه. انظر: "الكشاف"(4/ 698).
(5)
نسبت لعكرمة. انظر: "المحتسب"(2/ 351). وأيضا هي قراءة من قرأ: {وَبُرِّزَتِ} مبنيا للفاعل كما قال أبو حيان. انظر: "البحر"(21/ 219).
{فَأَمَّا مَنْ طَغَى} ¶79¶37 <
(37 - 38){فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} .
وجَوابُ {فَإِذَا جَاءَتِ} {فَأَمَّا} ؛ أي: فإذا جاءت الطامَّةُ فالأمرُ مُنقسِمٌ بَينَ الهالِكِ والنَّاجي.
أو مَحذُوفٌ؛ أي: كان ما لا يَدخُلُ تَحتَ الوَصفِ، وقولُهُ:{فَأَمَّا} تفصيلٌ له وتَفسِيرٌ.
{مَنْ طَغَى} : جَاوزَ الحدَّ حتى
(1)
كَفرَ {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} ؛ أي: اختارَها فانهمَكَ فيها ولم يَعمل للآخِرةِ.
* * *
(39) - {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} .
{فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} : هي مَأواه، لا على أنَّ اللَّامَ فيه سادٌّ مَسدَّ الإضَافةِ؛ لأنَّهُ عَلى المَذهبِ المَرجُوحِ
(2)
، بل لأنَّهُ استُغني عن الإضافةِ لحصولِها بالقَرينةِ لا بإدْخالِ اللَّامِ، ثم
(3)
أدخلَ اللَّامُ لأنَّهُ مُعيَّنٌ كما في قَولكَ: غُضَّ الطَّرفَ.
و {هِيَ} للفَصلِ وإفادَةِ التَّخصِيصِ، فيَرجعُ المَعنَى إلى أنَّ الطَّاغِي هي مَأواهُ لا مَكانٌ آخرُ.
(1)
في (ب): "فقد".
(2)
هو مذهب كوفي، قال الفراء: والعربُ تجعل الألف واللام خَلفًا من الإضافة فيقولون: مررتُ عَلَى رجلٍ حَسَنَةٍ العَيْنُ قَبِيحٍ الأنفُ، والمعنى: حسنةٍ عَيْنُه قَبِيحٍ أنفهُ، ومنه قوله:{فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} ، وأما البصريون فالتقدير عندهم: هي المأوى له. انظر: "معاني القرآن" للفراء (2/ 408)، و"معاني القرآن" للزجاج (5/ 281).
(3)
في "ع": "لأنَّه".
(40) - {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} .
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} {مَقَامَ} مُقْحممٌ للتَّعظِيمِ، كأنَّهُ قيلَ: حَضرةَ ربِّهِ، أو بمَعنَى: خافَ قِيامهُ عَليهِ
(1)
وكونَه رَقيبًا، مِن قَولهِ:{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33].
{وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} ؛ أي: النَّفسَ الأمَّارةَ بالسُّوءِ عن الهوى المرْدِي.
* * *
(41) - {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} .
{فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} ليس له سواها مأوًى.
* * *
(42) - {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} .
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} : مَتى إثبَاتُها وإقامَتها؟ أي: مَتى يُقيمُها اللّهُ ويُثبِتها؟ أو: متى منتهاها
(2)
ومُستقرُّها؟ من مَرسَى السَّفينةِ، وهو حيث تَنتَهي إليه وتَستقرُّ فيهِ.
* * *
(43) - {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} .
{فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} أي: في أيِّ شيءٍ أنت مِن أنْ تَذكُرَ وقتَها لهم؟ أي: ما أنت مِن ذِكرِها لهم وتَبيينِ وقتِها في شيءٍ؛ لأنَّ اللّه تعالى هو المستأثر
(3)
بعِلمِها.
(1)
في (ع): "قيام ربه عليه".
(2)
في (ب) و (ع): غير واضحة، والمثبت من (م) و (ي).
(3)
في (ب): "هو الذي استأثر".
قالت عَائشةُ رضي الله عنها: لمْ يزل يَسألُ رَسولُ اللّهِ عنِ السَّاعةِ حتَّى نَزلَ هَذا، [قال]: فانتَهى
(1)
.
فهُو عَلى هذا تَعجُّبٌ مِن كثرةِ ذِكرهِ لها، كأنَّه قيل: في أيِّ شُغلٍ أنت مِن ذِكراها والسُّؤالِ عَنها؟ يعني: إنَّهمْ يُلحونكَ في السُّؤالِ عنها، يسألونك فلا تَزالُ تَتذكَّرُها
(2)
وتَسألُ عنها لحِرصكَ على جَوابهم.
* * *
(44) - {إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} .
ثُم قال: {إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} ؛ أي: لا يَنتهي عِلمُها إلَّا إلى رَبك، لا يَعلمُها أحدٌ إلَّا هو.
وقيل: {فِيمَ} إنكارٌ لسؤالهم؛ أي: فيمَ هذا السُّؤالُ؟ ثُمَّ قيلَ: {أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} يعنِي: إرسالُكَ وأنت خاتمُ الأنبياءِ المَبعُوثُ في نَسمِ السَّاعةِ
(3)
ذِكرٌ من ذِكراها؛ أي: علامةٌ مِن علاماتها فكفاهُم بذلك دليلًا على اقتِرابها، وباعِثًا عَلى
(1)
رواه البزار في "مسنده"(2279) دون قوله: (فانتهى)، والحاكم في "المستدرك"(3895) وما بين معكوفتين منه، كلاهما من طريق سفيان بن عيينة، عن الزُّهريِّ، عن عروةَ، عن عائشةَ رضي الله عنها. قال في "مجمع الزوائد" (7/ 133): رواه البزَّار، ورجالُه رجالُ الصَّحيحِ. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه فإنَ ابن عُيينةَ كان يُرسلُه بأخرة. قلت: رواه عبد الرزاق في "تفسيره"(2/ 347) عن ابن عيينة عن الزهري عن عروة مرسلا، وفيه:(فانتهى عن السؤال). وفيه تفسير القائل: (فانتهى) في رواية الحاكم.
(2)
في (ع): "تذكرها"، وفي (م):"تتذاكرها".
(3)
تقدم عند تفسير: {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} قوله عليه الصلاة والسلام: "بُعِثتُ في نسم الساعة".
الاستِعدادِ لها ووُجوبِ الحَذرِ مِن هولها، فلا معنى لسؤالهم عَنها.
* * *
(45) - {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} .
{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} : ما أنت إلَّا منذر مَن يَخشاها ويتَّقي أهوالها؛ أي: لستَ بمُعْلِمٍ وقتَها ولم تُبعثْ لذلك، بل لتُنذرَ مِن أهوالها، ويُناسبُه الإبهامُ وعَدمُ تَعيينِ الوقتِ، وقد مرَّ وَجههُ.
وإنَّما قال تعالى: {لِمَنْ يَخْشَى}
(1)
لأنَّ المُنكِرَ لا يَتحقَّقُ في حقِّه الإنذار، وغَيرُه مُقرًّا كان أو مُتردِّدًا لا يَخلو عن خَشيةٍ.
وقُرئ: {مُنْذِرُ} بالتَّنوينِ وهو الأصلُ
(2)
، والإضافةُ تَخفيفٌ
(3)
، وكِلاهُما صَحيحٌ؛ لأنَّهُ للحالِ.
* * *
(46) - {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} .
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا} ؛ أي: السَّاعةَ.
{لَمْ يَلْبَثُوا} ؛ أي: في الدُّنيا، أو في القُبورِ.
{إِلَّا عَشِيَّةً} ؛ أي: عشيَّةَ يومٍ، على أنَّ التَّنكِيرَ بدلٌ من الإضافة.
{أَوْ ضُحَاهَا} كان الأصلُ: إلَّا عَشيةَ يَومٍ أو ضُحاه؛ أي: ضُحى ذلك اليومِ، ولما
(1)
كذا في النسخ، وهذه الجملة من آية أخرى تقدمت في هذه السورة، ولعله يريد:{مَنْ يَخْشَاهَا} .
(2)
قراءة أبي جعفر من العشرة. انظر: "النشر"(2/ 398).
(3)
في "ع": "للتخفيف".
اكتَفى عنِ المُضافِ إليه بالتَّنوينِ أُعيدَ الضَّميرُ إلى المُضافِ للمُلابسةِ؛ لكونِهما جُزئي نهارٍ واحدٍ.
والفائِدةُ في الإضافةِ: استِقصارُ المدَّةِ؛ أي: إنَّ مُدةَ لبثهم كأنَّها لم تَبلُغ يومًا ولكن ساعةً منه على ما ذُكرَ في قوله تعالى: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: 35]، والعُدولُ عنِ الأصلِ؛ لمُحافظةِ رُؤوسِ الآيِ.
ولكَ أنْ تقول: الأصلُ: إلا عشيَّتها أو ضُحاها، والضَّميرُ في المَوضِعينِ للسَّاعةِ، يعني: قَدْرَ عشِيَّتها أو ضُحاها، وكذا المُرادُ من النَّهارِ في قوله تعالى:{إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: 35]: نَهارَ السَّاعةِ، وأصلُهُ مِن نَهارِها، فأُبدلَ عن الضَّميرِ التَّنوينُ، واللّهُ أعلَمُ
(1)
. تمَّ بعونِ اللّهِ المُعينِ
(2)
.
* * *
(1)
"واللّه أعلم" من (ع).
(2)
قوله: "تم بعون المعين" من (ب)، وقوله:"واللّه أعلم" من (ع). ووقع بعد هذا في (م) و (ي): " {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ} يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبور لهول ما يرون". وزاد في (م): "من تفسير القاضي في سورة يونس عليه السلام، وكل التحية والإكرام".
سُورَةُ الطَّارِقِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1)
انتِظامُ خَتمِ السُّورةِ السَّابقةِ ببَدءِ هذهِ السُّورةِ: أنَّهُ في ذِكرِ المَحفُوظِ، وهذا في ذِكرِ الحافِظِ
(2)
.
* * *
(1) - {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} .
{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} أصلُ الطَّرقِ: الدَّقُّ، ومنهُ المِطرقةُ؛ لأنَّهُ يُدقُّ بها، والطَّريقُ؛ لأنَّ المارَّةَ تَدقُّها بأرجُلِها.
{وَالطَّارِقِ} ؛ أي: الآتي لَيلًا؛ لأنَّهُ يَحتاجُ إلى الدَّقِّ للتَّنبيهِ، وإطلاقهُ على النَّجمِ البادِي
(3)
(1)
زاد في "ع": "وبه ثقتي".
(2)
من قوله: "انتظام ختم .. " إلى هنا من (ع) و (ي). وقال البقاعي: لما تقدم في آخر البروج أن القرآن في لوح محفوظ؛ لأن منزله محيط بالجنود من المعاندين وبكل شيء، أخبر أن من إحاطته حفظ كل فرد من جميع الخلائق المخالفين والموافقين والمؤالفين. انظر:"نظم الدرر في تناسب الآيات والسور"(21/ 370).
(3)
في "ع": "الساري".
ليلًا بطريقِ الاستِعارةِ، كالنَّجمِ للكوكبِ الطَّالعِ، فإنَّهُ يُقال لكُلِّ طالعٍ: نَجم؛ تَشبِيهًا بنَجمِ النبتِ
(1)
إذا طَلعَ.
* * *
(2 - 3) - {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ} .
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} تفخيمٌ لشأنِ هذا المُقسمِ به، ولمَّا كان القصدُ بالإقسامِ به تعظيمه؛ لما فيه مِن عجيبِ القُدرة ولطيفِ
(2)
الحِكمة وبَديعِ الصَّنعة، مهَّدَ للمعنى المقصود بالإبهامِ والتَّبيين، فجاء بالوصفِ المُشتركِ بينه وبينَ غيره ثُمَّ فَسَّرهُ بقولهِ:{النَّجْمُ الثَّاقِبُ} زيادةً في تعظيمِ أمرِه.
و {الثَّاقِبُ} : المُضيءُ كأنَّهُ يثقُبُ
(3)
الظَّلامَ بضوئهِ أو الفَلكَ فيَنفُذُ فيهِ، والمُرادُ: جِنسُ النَّجمِ، لا كَوكبُ الصُّبحِ بخصوصهِ كما قال الجوهرِيُّ
(4)
، ولا زحلُ بخُصوصهِ كما قال أبُو زيدٍ؛ إذ يأباهُ سببُ النُّزولِ.
قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: إنَّ أبا طَالبٍ كانَ عِندَ النَّبيِّ عليه السلام فانحطَّ نَجمٌ، فامتَلأ ما ثَمَّ نُورًا، ففَزعِ أبو طالبٍ، وقال. أيُّ شيءٍ هذا؟ فقال عليه السلام:"هَذا نَجمٌ رُميَ به، وهو آيةٌ مِن آياتِ اللّهِ"، فعَجبَ أبو طالبٍ، فنزلتْ
(5)
.
(1)
سمِّيَ النَّبتُ أوَّلَ ما يطلُعُ نجمًا، وفي القرآنِ:{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} ، وَقَدْ خُصَّ بالنّجم منه ما لا يَقُوم عَلَى ساقٍ، كَمَا خُصَّ القَائِمُ عَلَى السَّاقِ مِنْهُ بالشَّجَر. انظر:"النهاية"(مادة: نجم).
(2)
في (ب): "أو لطيف".
(3)
في (ع): "يثقب الضوء".
(4)
انظر: "الصحاح"(مادة: طرق).
(5)
ذكره البغوي في "تفسيره"(4/ 472) عن الكلبي، والقرطبي في "تفسيره"(22/ 202) عن أبي صالح عن ابن عباس، ويغلب على الظن أنه من رواية الكلبي، فيكون إما عن الكلبي كما عند =
(4) - {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} .
{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} قُرئَ: {لَمَّا} بالتَّشدِيدِ
(1)
بمعنى: إلَّا، و {إِنْ} نافِيةٌ.
وبالتَّخفِيفِ على أنَّ (ما) صِلةٌ مُؤكِّدةٌ، و {إِنْ} هي المُخفَّفةُ، واللَّامُ هي الفارقةُ، أو عَلى أنَّ اللَّامَ بمعنى: إلَّا، وأنَّ {إِنْ} نافِيةٌ، [و (ما) زائدة]
(2)
، كما في قوله:
أمسَى أبانُ ذَليلًا بَعد عِزَّتهِ
…
وما أبانُ لمِن أعلاجِ سُودانِ
(3)
وعلى هذا تتَّحدُ القِراءتانِ في المَعنى، والجُملةُ عَليهِما جِوابُ القَسمِ، وتقديمُ الظَّرفِ للاختِصاصِ، والمَعنى: على كلِّ نفسٍ رقيبٌ مخصُوصٌ بحفظ
(4)
عملها خيرًا كان أو شرًّا، فلا مَساغَ لأنْ يُرادَ بالحافظِ هو اللّهُ تعالى؛ لعَدمِ اختصاصهِ بنفسٍ دونَ نفسٍ.
وأمَّا حَملُ الحِفظِ على حِفظهِ عن اختِطافِ الشَّياطين وسائرِ الآفاتِ فيأباه الفاءُ التَّفرِيعيَّةُ في قَولهِ:
= البغوي، أو عنه عن أبي صالح عن ابن عباس، والنتيجة واحدة، فالكلبي متروك. وذكره آخرون دون نسبة. انظر:"أسباب النزول" للواحدي (ص: 476)، و"الكشاف"(4/ 734).
(1)
هي قراءة عاصم وابن عامر وحمزة وباقي السبعة بالتخفيف. انظر: "التيسير"(ص: 221).
(2)
انظر: "البحر"(21/ 309)، وما بين معكوفتين منه.
(3)
انظر: "العين"(8/ 397)، و"مغني اللبيب" (ص: 306)، و"شرح الكافية الشافية"(1/ 494)، و"شرح الألفية" للأشموني (1/ 308)، وهو في رواية "العين": وإنْ أبانُ لَمِن أَعْلاجِ سوراء، ومعنى البيت: أن أبان أضحى ذليلًا بعد أن كان عزيزًا، ولا غرو في كونه ذليلا وهذا بسبب أصله.
(4)
في (ب)، و (م) و (ي):"مخصوص به يحفظ".
(5) - {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} .
{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} لمَّا أثبَتَ أنَّ عليهِ رقيبًا حثَّهُ على النَّظرِ في مبدأ نَشأتهِ
(1)
حتَّى يَتحقَّقَ صحةَ إعادَتهِ لجزاء الأعمالِ، فلا يُملي على حافظهِ إلَّا ما يَسرُّه في عاقبتِهِ.
{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} استِئنافُ جوابٍ عنِ استفهامٍ مُقدَّرٍ؛ لانسِلاخِ ما قَبلهُ عن معنى الاستِفهامِ، والدَّافقُ في وَصفِ الماءِ على الإسنادِ المَجازيِّ، فإنَّ الدَّفقَ - وهو الصبُّ بدفعٍ - لصاحبهِ.
وجُوِّزَ أنْ يكونَ معناه النِّسبةَ إلى الدَّفقِ كلابنٍ وتامِرٍ.
* * *
(7) - {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} .
والمُرادُ بالماءِ: المُمتزِجُ مِن النُّطفَتينِ؛ لقَولهِ تَعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} ؛ أي: صُلبِ الرَّجلِ؛ أي: ظَهرهِ، وتَرائبِ المَرأةِ وهِي عِظامُ صَدرِها: جمع تَريبةٍ
(2)
.
أصلُ الكَلامِ: يَخرجُ مِن الصُّلبِ والتَّرائبِ، ولمَّا كان فيه احتمالُ المجازِ بأنْ يكونَ الخُروجُ مِن أحدِهما ويُسندُ إليهما - كما في قوله تعالى:{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22]- زِيدَ عِبارةُ {بَيْنِ} الدَّالة على الشَّركةِ الحَقيقيَّةِ؛ دَفعًا لذلكَ الاحتِمالِ.
(1)
في (ع): "إنشائه".
(2)
والتَّريبةُ ما فوقَ الثَّندُوتَيْنِ إلى التَّرْقُوتَيْنِ. العين (8/ 117).
وقُرئَ: (الصَّلَب) بفتحتَينِ، و:(الصُلُب) بضمَّتينِ
(1)
، وصالَب بفَتحِ اللَّامِ
(2)
* * *
(8) - {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} .
والضَّميرُ في {إِنَّهُ} كما فُخِّمَ أوَّلًا بتَركِ الفاعِلِ في قولهِ: {مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ} - إذْ لا يَذهبُ الوَهمُ إلى غَيرهِ - فُخِّمَ بالإضمَارِ قَبلَ الذِّكرِ ثَانيًا، فأُكِّدَ التَّأكيدَ البَالغَ لفظًا لما أقامَ عليه البُرهان الوَاضح مَعنىً
(3)
.
{عَلَى رَجْعِهِ} : عَلى إعادَتهِ حيًّا بالبَعثِ بعدَ المَوتِ {لَقَادِرٌ} دلَّ التَّنكِيرُ على الكَمالِ كما في قَولهِ: لِأَفْقرَ مني إنني لفَقير
(4)
* * *
(9) - {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} .
(1)
انظر القراءتين في "المختصر في شواذ القراءات"(ص: 171)، و"الكشاف"(4/ 735).
(2)
لم أجدها في قراءة ولا لغة، وقد ذكر في المصدرين السابقين أربع لغات فيه: صُلْبٌ وصُلُبٌ وصَلَبٌ وصَالِبٌ.
(3)
انظر: "روح المعاني"(28/ 452)، وفيه:(والتأكيدُ البالغُ لفظًا لِمَا قام عليه البرهانُ الواضح معنًى).
(4)
البيت لقيس بن الملوح في ديوانه (ص: 140)، وورد في ديوان ابن الدمينة (ص: 49)، قال الزمخشري: أراد: إنني لفقير بليغ الفقر، حقيق بأن أوصف به؛ لكمال شرائطه فيَّ. وقال الآلوسي: أراد: لبين الفقر، وإلّا لم يصح إيراده في مقابلة: لأفقر مني. انظر: "الكشاف"(4/ 23)، "روح المعاني"(28/ 452)، وصدره:
لئن كان يُهدَى بردُ أنيابها العُلا
{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} يُتعرَّفُ ويُميزُ
(1)
ما طابَ مِنها وما خَبث، وهو ظرفٌ لـ {رَجْعِهِ} .
و {السَّرَائِرُ} : ما أُسِرَّ وأُخفِي من العقائدِ والنيَّاتِ والأعمالِ.
* * *
(10) - {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} .
{فَمَا لَهُ} ؛ أي: فما للإنسَانِ {مِنْ قُوَّةٍ} : مِن مَنعةٍ في نَفسهِ يَمتنعُ بهِ {وَلَا نَاصِرٍ} يَمنعُهُ، والنَّصرُ أخصُّ مِن المَعونةِ، لاختِصاصهِ بدَفعِ الضرِّ
(2)
.
* * *
(11) - {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} .
{وَالسَّمَاءِ} أقسَمَ بها ثانِياً {ذَاتِ الرَّجْعِ} الرَّجعُ: المَطرُ، سُمِّي بهِ تَفاؤلاً ليَرجعَ غيرَ مرَّةٍ، ويُناسبهُ المُبالغةُ المُستَفادةُ مِن إطلاقِ المَصدرِ على المَفعولِ، أو لأنَّهُ تعالى يُرجِعهُ وقتاً فوقتًا، أو لأنَّ السَّحابَ يحمِلهُ مِن الأرضِ ثُمَّ يُرجِعهُ إلَيها.
وفي إسنادهِ إلى السَّماءِ يَكفِي نُزولُهُ مِن جِهتِها، فلا حاجةَ إلى صَرفِ لَفظِ
(3)
السَّماءِ عن مَعناها المُناسبِ لأنْ يُذكرَ في مُقابلةِ الأرضِ.
وَيجوزُ أنْ يُرادَ بالرَّجعِ ما يغيبُ
(4)
ثُمَّ يَرجعُ إلى مَطلِعهِ مِن الشَّمسِ والقَمرِ والنُّجومِ.
* * *
(1)
في (ع) و (ي): "ويتميز".
(2)
في (ع): "الضرر".
(3)
في (ع): "لفظة".
(4)
في (ب): "يصيب".
(12) - {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} .
{وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} : ما يَتصدَّعُ عنهُ الأرْضُ مِن النَّباتِ والعُيونِ، أو الشَقُّ
(1)
بهما.
* * *
(13) - {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} .
{إِنَّهُ} أي: القولُ المُتقدِّمُ {لَقَوْلٌ فَصْلٌ} بَينَ الحقِّ والبَاطلِ، والتجوُّزُ في الفصلِ عَقليٌّ لا لفظيٌّ، كما في العَدلِ في: رَجلٌ عَدلٌ.
* * *
(14) - {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} .
{وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} ولو كان الضَّميرُ للقُرآنِ لكانَ الُمناسبُ نَفيَ وجودِ الهَزلِ فيهِ حتَّى يَدلَّ على كَونهِ جِدًّا كلهُ.
* * *
(15) - {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} .
{إِنَّهُمْ} يَعني: أهلَ مكَّةَ، وإضْمارُهمْ قَبلَ الذِّكرِ لتَفخِيمِ شأنِهم في الاشتِهارِ بالوَصفِ الآتي ذِكرهُ بحَيثُ لا يَذهبُ الوَهمُ إلى غَيرهمْ عِندَ الإطْلاقِ.
{يَكِيدُونَ} : يَعملون المَكائدَ في إبطالِ أمرِ اللهِ تعالى، وإطفاءِ نُورِ الحقِّ.
{كَيْدًا} الكَيدُ: تَوجيهُ المَكرُوهِ إلى شَخصٍ خُفيةً، والتَّنكِيرُ للتَّعظِيمِ.
* * *
(1)
في (ب): "انشق".
(16) - {وَأَكِيدُ كَيْدًا} .
{وَأَكِيدُ كَيْدًا} وأقابلُهم بكَيدٍ أعظَمَ مِن مكائدِهم، وهو استِدراجُهُ تَعالى لهم والانتِقامُ مِنهم مِن حيثُ لم يَحتسِبوا.
* * *
(17) - {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} .
{فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} : لا تَدْعُ بهلاكِهمْ، ولا تَستعجِلْ به، فإنَّي
(1)
قد وقَتُّ لهم وقتًا.
{أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} : إمْهالاً يَسيرًا، التَّكرِيرُ والمُخالَفةُ بَينَ اللَّفظِينِ في مهِّلْ وأمهِلْ، والتَّأكيدُ بـ {رُوَيْدًا} - وهو مَصدرُ أروَدَ يُرْوِدُ مصغَّرًا تَصغيرَ تَرخيم؛ إذ أصلُهُ: إرواداً - لزِيادةِ التَّمكِينِ
(2)
منهُ والتَّصبِيرِ
(3)
.
والحمد للهِ تعالى وحده
(4)
* * *
(1)
في (ب): "فإنه".
(2)
"التمكين" سقط من (ع)، وفي "الكشاف" (4/ 737):(التسكين).
(3)
في (ك) و (ي): "والتصيير".
(4)
قوله: "والحمدُ للهِ تَعالى وَحدهُ" من (ب)، وفي (ع):"تمت"، وفي (م):"انتهى ما وجد من تفسير المرحوم العلامة ابن كمال باشا رحمه الله تعالى، وكان الفراغ من كتابته في ليلة يسفر صبحها عن يوم الثلاثاء ثاني شهر رجب الفرد الحرام من شهور سنة أربعين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام، والحمد لله أولا وآخرا وظاهر أو باطنا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. بلغ مقابلة بحسب الطاقة عن أصله المنقول منه على ما في أصله من بعض التحريفات، مع إصلاح ما فيه من بعض الكلمات، والله الموفق للطاعات".
فهرس المصادر والمراجع
1 -
الآحاد والمثاني، لابن لأبي عاصم، ت: باسم الجوابرة، دار الراية، 1991 م.
2 -
إتحاف الخيرة، للبوصيري، ت: دار المشكاة للبحث العلمي، ط: دار الوطن للنشر 1999 م.
3 -
الأحاديث المختارة، للضياء المقدسي، ت: عبد الملك بن دهيش، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة 1990 م.
4 -
أحكام القرآن، للجصاص، ط: دار الكتاب العربي، بيروت 1335 م.
5 -
أحكام القرآن، للكيا الهراسي، ط: دار الكتب العلمية، بيروت 1983 م.
6 -
الأحكام الوسطى من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لعبد الحق لإشبيلي أبو محمد ابن الخراط، ت: حمدي السلفي - صبحي السامرائي، مكتبة الرشد، 1416 هـ، 1995 م.
7 -
إحياء علوم الدين، للغزالي، ط: دار المعرفة (بيروت).
8 -
أخبار المدينة، لابن شبّة، ت: علي محمد دندل وياسين سعد الدين بيان. دار الكتب العلمية، بيروت، 1417 هـ 1996 م.
9 -
أخبار مكة، للفاكهي، ت: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، مطبعة النهضة الحديثة 1986 م.
10 -
أدب الدنيا والدين، للماوردي، ط: مصطفى البابي الحلبي 1955 م.
11 -
الأذكار، النووي، ت: عبد القادر الأرنؤوط، دار الملاح، 1971 م.
12 -
ارتشاف الضرب من لسان العرب، لأبي حيان، ت: د. رجب عثمان محمد ود. رمضان عبد التواب، نشر مكتبة الخانجي، بالقاهرة، 1998 م.
13 -
الأزمنة والأمكنة، للمرزوقي، طبع على نفقة الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني 1968 م.
14 -
الأزهية في علم الحروف، لعلي بن محمد الهروي، ت: عبد المعين الملوحي، ط: مجمع اللغة العربية بدمشق 1981 م.
15 -
أساس البلاغة، للزمخشري، ط: مكتبة لبنان ناشرون.
16 -
أسباب النزول، للواحدي، ت: عصام بن عبد المحسن الحميدان ط: دار الإسلام، الدمام 1420 هـ 1992 م.
17 -
الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، الملّا علي القاري، ت: محمد الصباغ، دار الأمانة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1971 م.
18 -
الأسماء والصفات، للبيهقي، ت: عبد الله الحاشدي، مكتبة الوادي جدة 1993 م.
19 -
الاشتقاق، لابن دريد، ت: عبد السلام هارون، ط: مكتبة المثنى بغداد 1979 م.
20 -
الإشراف على مذاهب العلماء، لابن المنذر، ت: صغير محمد الأنصاري، ط: مكتبة مكة الثقافية - الإمارات العربية المتحدة 1425 هـ 2004 م.
21 -
الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، تحقيق علي البجاوي، دار الجيل، بيروت 1992 هـ.
22 -
إصلاح المنطق، لابن السكيت، ت: أحمد شاكر وعبد السلام هارون، ط: دار المعارف بمصر.
23 -
الأصمعيات، للأصمعي، ت: أحمد شاكر وعبد السلام هارون، ط: دار المعارف بمصر.
24 -
الأصول في النحو، ابن السراج، ت: د. عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1996 م.
25 -
الأضداد، لابن الأنباري، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط: دائرة المطبوعات والنشر في الكويت 1960 م.
26 -
إعراب القرآن، لأبي جعفر النحاس، ت: د. زهير غازي زاهد، ط: عالم الكتب 1988 م.
27 -
الأعلام، للزركلي، دار الكتب للملايين.
28 -
الأغاني، لأبي الفرج الأصبهاني، ط: مؤسسة جمال للطباعة والنشر، مصورة عن طبعة دار الكتب.
29 -
أمالي ابن الشجري، ت: د. محمود الطناحي، ط: مكتبة الخانجي بالقاهرة.
30 -
الأمثال، لأبي عبيد، ت: عبد المجيد قطامش، ط: دار المأمون للتراث 1980 م.
31 -
الإملاء، لأبي البناء العكبري، ط: دار الفكر بهامش الفتوحات الإلهية.
32 -
الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال، ابن المنير، (بهامش الكشاف).
33 -
الأنساب، للسمعاني، ت: المعلمي اليماني، ط: أمين دمج 1980 م.
34 -
الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الخلاف، للبطليوسي، ت: د. محمد رضوان الداية، ط: دار الفكر بدمشق، ودار الفكر المعاصر ببيروت.
35 -
الأوسط، لابن المنذر، ت: د. أحمد حنيف، دار طيبة، الرياض 1985 م.
36 -
الإيضاح في علوم البلاغة، للقزويني، مكتبة المثنى، بغداد.
37 -
البحر المحيط في التفسير، لأبي حيان، ت: ماهر حبوش ورضوان عرقسوسي ومجموعة من الباحثين، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1435 هـ 2014 م.
38 -
البدور الزاهرة، لعبد الفتاح القاضي، دار الكتاب العربي، ط 1، 1981 م.
39 -
البسيط في التفسير، لأبي الحسن الواحدي، أصل تحقيقه في (15) رسالة دكتوراة بجامعة الإمام محمد بن سعود، ثم قامت لجنة علمية من الجامعة بسبكه وتنسيقه، نشر: عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط أولى، 1430 هـ.
40 -
بغية الوعاة، للسيوطي، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط: عيسى البابي الحلبي 1964 م.
41 -
بهجة المجالس، لابن عبد البر، ت: محمد مرسي الخولي، ط: دار الكتب العلمية.
42 -
بيان الوهم والإيهام، لابن القطان، ت: د. الحسين سعيد، دار طيبة، الرياض، 1997 م.
43 -
البيان والتبيين، للجاحظ، ت: عبد السلام هارون، ط: مكتبة الخانجي بمصر ومكتبة المثنى ببغداد 1960 م.
44 -
تاج العروس، للزَّبيدي، طبعة وزارة الإرشاد (الكويت) وطبعة دار مكتبة الحياة (بيروت).
45 -
تاريخ الطبري، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط: دار المعارف بمصر.
46 -
التاريخ الكبير، للبخاري، ط: دار المعارف العثمانية، الهند 1380 هـ.
47 -
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، ط: القاهرة 1931 م.
48 -
تاريخ خليفة بن خياط، ت: د. أكرم ضياء العمري، ط: مؤسسة الرسالة ودار القلم 1977 م.
49 -
تاريخ دمشق، لابن عساكر، نشر دار البشير (مصورة مخطوط)، ودار الفكر دمشق.
50 -
تأويلات أهل السنة، للماتريدي، ت: فاطمة يوسف الخيمي، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط 1، 2004 م.
51 -
التبيان، لأبي البقاء العكبري، ت: علي محمد البجاوي، ط: عيسى البابي الحلبي وشركاه.
52 -
تجريد أسماء الصحابة، للذهبي، ت: صالحة شرف الدين، ط: شرف الدين الكتبي، الكويت 1970 م.
53 -
التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور، دار سحنون، تونس.
54 -
تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف، لجمال الدين الزيلعي، ت: عبد الله السعد، دار ابن خزيمة، الرياض، ط 1، 1414 هـ.
55 -
التذييل والتكميل في شرح التسهيل، لأبي حيان، ت: حسن هنداوي، ط: دار القلم، دمشق.
56 -
الترغيب والترهيب، للمنذري، ت: إبراهيم شمس الدين، ط: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1417 هـ.
57 -
تصحيح الفصيح، لابن دُرُسْتَوَيْه ابن المرزبان، ت: د. محمد بدوي المختون، ط: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1419 هـ - 1998 م.
58 -
تفسير ابن أبي حاتم، ت: أسعد الطيب، مكتبة نزار الباز، مكة والرياض 1999 م.
59 -
تفسير ابن أبي زَمَنِين، لابن أبي زمين، ت: أبو عبد الله حسين بن عكاشة ومحمد بن مصطفى الكنز، ط: الفاروق الحديثة - مصر القاهرة، 1423 هـ - 2002 م.
60 -
تفسير ابن فورك، لأبي بكر محمد بن الحسن ابن فورك، ت: علال عبد القادر بندويش، ط: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية، 1430 هـ - 2009 م.
61 -
تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم، ط: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
62 -
تفسير أبي الليث السمرقندي، ت: الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد الموجود ود. زكريا عبد المجيد النوتي، ط: دار الكتب العلمية 1993 م.
63 -
تفسير البغوي، ت: خالد العك ومروان سوار، دار المعرفة بيروت 1986 م.
64 -
تفسير البيضاوي، ت محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء
التراث العربي، بيروت، طبعة أولى 1418 هـ وبهامش حاشية الشهاب، دار صادر بيروت.
65 -
تفسير الثعلبي، ت: أبو محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2002 م.
66 -
تفسير الخازن، دار الفكر، دمشق، 1979 م.
67 -
تفسير الرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت طبعة ثالثة 1420 هـ.
68 -
تفسير الراغب الأصفهاني، لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى، ت: د. محمد عبد العزيز بسيوني، ط: كلية الآداب - جامعة طنطا، الطبعة الأولى: 1420 هـ - 1999 م.
69 -
تفسير السلمي، ت: سيد عمران، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 2001 م.
70 -
تفسير الطبري، ت: د. عبد الله التركي، دار هجر، مصر 2001 م.
71 -
تفسير القرطبي، ت: رضوان عرقسوسي ماهر حبوش وعدد من الباحثين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 2006 م.
72 -
تفسير عبد الرزاق، ت: د. مصطفى مسلم محمد، مكتبة الرشد، الرياض 1989 م.
73 -
تفسير مقاتل، لأبي الحسن مقاتل بن سليمان، ت: عبد الله محمود شحاتة، دار إحياء التراث - بيروت، 1423 هـ - 2002 م.
74 -
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البر، وزارة الأوقاف المغربية 1967 م.
75 -
تنزيه الشريعة المرفوعة، لابن عراق الكناني، ت: عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق، ط: دار الكتب العلمية 1979 م.
76 -
تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للمزي، ت: د. بشار عواد، ط: مؤسسة الرسالة 1985 م.
77 -
تهذيب اللغة، للأزهري، ت: عبد العظيم محمود ومحمد علي النجار، ط: الدار المصرية للتأليف والترجمة.
78 -
التيسير في القراءات السبع، لأبي عمرو الداني، ت: أوتوتريزل ط: دار الكتاب العربي 1984 م.
79 -
الثقات، لابن حبان، ت: محمد عبد المعين خان، ط: حيدرآباد، دار المعارف العثمانية 1973 م.
80 -
جامع البيان، أبو عمرو الداني، ت: د. محمد كمال عتيك، مديرية النشر والطباعة والتجارة، أنقرة، ط 1، 1999 م.
81 -
الجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني مع شرحه النافع الكبير للكنوي، ط: إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، 1411 هـ - 1990 م.
82 -
الجامع الصغير، لمحمد بن الحسن الشيباني، ط: عالم الكتب، بيروت.
83 -
جمهرة الأمثال، لأبي هلال العسكري، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، المطبعة الأدبية بمصر 1317 هـ.
84 -
الجهاد، لابن المبارك، ت: د. نزيه حماد، دار المطبوعات الحديثة، جدة.
85 -
الجواهر الحسان في تفسير القرآن، لأبي زيد عبد الرحمن الثعالبي، ت: الشيخ محمد علي معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، طـ؛ دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى - 1418 هـ.
86 -
الجواهر المضية في طبقات الحنفية، عبد القادر أبو محمد الحنفي، ت: عبد الفتاح محمد الحلو، دار هجر، 1413 هـ - 1993 م.
87 -
حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي المسماة: عناية القاضي وكفاية الراضي، للشهاب الخفاجي، دار صادر، بيروت.
88 -
حاشية القونوي، عصام الدين إسماعيل الحنفي، ت: عبد الله محمود محمد عمر، دار الكتب العلمية، 1422 هـ - 2001 م.
89 -
حاشية محي الدين شيخ زاده على تفسير القاضي البيضاوي، محي الدين شيخ زاده، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1419 هـ.
90 -
حجة القراءات، لابن زنجلة، ت: سعيد الأفغاني، ط: مؤسسة الرسالة 1974 م.
91 -
الحجة في القراءات السبع، ابن خالويه، ت: عبد العال سالم مكرم، دار الشروق - بيروت، 1399 هـ - 1979 م.
92 -
الحجة للقراء السبعة، لأبي علي الفارسي، د. بدر الدين قهوجي وبشير جويجاتي، ط: دار المأمون للتراث.
93 -
حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني، مطبعة السعادة 1974 م.
94 -
الحماسة البصرية، للبصري، ط: عالم الكتب (بيروت).
95 -
الحماسة الشجرية لابن الشجري، ت: عبد المعين الملوحي وأسماء الحمصي، منشورات وزارة الثقافة (دمشق) 1970 م.
96 -
خزانة الأدب، للبغدادي، ت: محمد نبيل طريفي أميل بديع يعقوب، ط: دار الكتب العلمية بيروت 1998 م طبعة أولى.
97 -
الخصائص، لابن جني، ت: محمد علي النجاري، ط: دار الكتب المصرية 1952 م.
98 -
خلق أفعال العباد، للبخاري، ط: مؤسسة الرسالة 1404 هـ.
99 -
الدر المصون، للسمين الحلبي، ت: د. أحمد محمد الخراط، ط: دار القلم 1993 م.
100 -
الدر المنثور، للسيوطي، دار الفكر، بيروت 1998 م.
101 -
الدراية في تخريج أحاديث الهداية، لابن حجر العسقلاني، اعتنى به: عبد الله هاشم اليماني المدني، مطبعة الفجالة الجديدة، القاهرة، 1964 م.
102 -
درة الغواص في أوهام الخواص، للحريري، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار نهضة مصر.
153 -
دلائل النبوة، للبيهقي، ت: عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت 1405 م.
104 -
ديوان ابن الدمينة، ت: أحمد راتب النفاخ، ط: دار العروبة.
105 -
ديوان أبي العتاهية، ت: د. شكري فيصل، ط: مكتبة دار الملاح.
106 -
ديوان الأعشى الكبير، ت: محمد محمد حسين، مكتبة الآداب، القاهرة.
107 -
ديوان الفرزدق، ط: دار صادر.
108 -
ديوان النابغة الذبياني، ط: دار صادر.
109 -
ديوان الهذليين، للدكتور أحمد كمال زكي، ط: وزارة الثقافة في الجمهورية العربية المتحدة 1969 م.
110 -
ديوان امرئ القيس، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط: دار المعارف بمصر.
111 -
ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب، ت: د. نعمان محمد أمين طه، ط: دار المعارف بمصر.
112 -
ديوان ذي الرمة، ت: د. عبد القدوس أبو صالح، ط: مؤسسة الرسالة 1993 م.
113 -
ديوان طرفة بن العبد، طـ: دار صادر.
114 -
ديوان عبد الله بن الزبعرى، ت: د. يحيى الجبوري، ط: مؤسسة الرسالة 1987 م.
115 -
ديوان علي بن أبي طالب، ط: المكتبة الشعبية.
116 -
ديوان علي بن الجهم، ت: خليل مراد، وزارة المعارف - السعودية، 1400 هـ - 1980 م.
117 -
ديوان كعب بن مالك، ت: د. سامي المعاني، ط: عالم الكتب 1997 م.
118 -
ذخيرة الحفاظ، لابن طاهر المقدسي، ت: د. عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، دار السلف، الرياض، ط 1، 1996 م.
119 -
ذيل الأمالي والنوادر، أبو علي القالي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1980 م.
120 -
روح البيان، إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي، دار الفكر - بيروت.
121 -
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، للآلوسي، ت: ماهر حبوش ومجموعة من الباحثين، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 2010 م.
122 -
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، لابن حبان، ت: محيي الدين عبد الحميد، ط: مطبعة السنة المحمدية، مصر 1945 م.
123 -
زاد المسير، لابن الجوزي، ت: محمد زهير الشاويش وشعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، ط: المكتب الإسلامي، 1968 م.
124 -
الزاهر في معاني كلام الناس، لابن الأنباري، ت: د. حاتم صالح الضامن، ط: مؤسسة الرسالة 1992 م.
125 -
الزهد الكبير، للبيهقي، ت: عامر حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية 1987 م.
126 -
الزهد، لعبد الله بن المبارك، ت: حبيب الرحمن الأعظمي، ط: دار الكتب العلمية.
127 -
السبعة في القراءات، لابن مجاهد، ت: د. شوقي ضيف، ط: دار المعارف بمصر.
128 -
سمط اللآلي في شرح أمالي القالي، لأبي عبيد البكري الوزير، ت: عبد العزيز الميمني، ط: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1354 هـ - 1936 م.
129 -
السنة، أبو بكر بن أبي عاصم الشيباني، ت: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي - بيروت، ط: 1، 1400 هـ.
130 -
سنن ابن ماجه، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، ط: دار إحياء الكتب العربية القاهرة، 1952 م.
131 -
سنن الترمذي، ت: أحمد شاكر، المكتبة الإسلامية.
132 -
سنن الدارقطني، ت: شعيب الأرنؤوط وغيره، مؤسسة الرسالة 2004 م.
133 -
السنن الكبرى، للبيهقي، ط: الهند 1352 هـ.
134 -
السنن الكبرى، للنسائي، ت: عبد المنعم شبلي، مؤسسة الرسالة 2001 م.
135 -
سنن سعيد بن منصور، ت: حبيب الرحمن الأعظمي، ط: دار الكتب العلمية بيروت 1985 م.
136 -
السيرة النبوية، لابن هشام، ت: مصطفى السقا وغيره، ط: مصطفى البابي الحلبي 1955 م.
137 -
شرح أبيات سيبويه، للسيرافي، ت: د. محمد علي سلطاني، ط: دار المأمون للتراث 1979 م.
138 -
شرح أصول الاعتقاد، للالكائي، د. أحمد بن سعد حمدان الغامدي، ط: دار للنشر والتوزيع 1995 م.
139 -
شرح الأشموني على ألفية مالك المسمى منهج السالك إلى ألفية ابن مالك، ت: محي الدين عبد الحميد.
140 -
شرح التسهيل لابن مالك، محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني الأندلسي، ت: عبد الرحمن السيد - محمد المختون، الناشر: دار هجر.
141 -
شرح التصريح على التوضيح، للجرجاويّ الأزهري، زين الدين المصري، ط: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، 1421 هـ - 2000 م.
142 -
شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، لابن الأنباري، ت: عبد السلام محمد هارون، ط: دار المعارف.
143 -
شرح القصائد العشر، للتبريزي، ت: عبد السلام الحوفي، ط: دار الكتب العلمية 1985 م.
144 -
شرح المفصل، لابن يعيش، المطبعة المنيرية.
145 -
شرح ديوان الحماسة، للتبريزي، ط: عالم الكتب بيروت.
146 -
شرح ديوان الحماسة، للمرزوقي، ت: أحمد أمين وعبد السلام هارون، ط: لجنة التأليف والترجمة والنشر 1951 م.
147 -
شرح شافية ابن الحاجب، لمحمد الرضي الإستراباذي، ت: محمد نور الحسن - محمد الزفزاف - محمد محيى الدين عبد الحميد، ط: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، 1395 هـ - 1975 م.
148 -
شرح صحيح مسلم، للنووي، نشر المكتبة المصرية ومكتباتها.
149 -
شعب الإيمان، للحليمي، ت: حلمي محمد فوده، ط: دار الفكر 1979 م.
150 -
الشعر والشعراء، لابن قتيبة، ت: أحمد شاكر، ط: دار المعارف بمصر 1966 م.
151 -
الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض، ت: محمد أمين قره علي وأسامة الرفاعي وجمال السيروان ونور الدين قره علي وعبد الفتاح السيد، ط: دار الوفاء دمشق.
152 -
الصاحبي في فقه اللغة العربية، لابن فارس، ت: أحمد حسن بسج، ط: دار الكتب العلمية، 1418 هـ - 1997 م.
153 -
الصحاح، للجوهري، ت: أحمد عبد الغفور عطار، ط: دار الكتاب العربي بمصر.
154 -
صحيح ابن حبان، ت: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، 1993 م.
155 -
صحيح ابن خزيمة، ت: مصطفى الأعظمي، ط: المكتب الإسلامي.
156 -
صحيح البخاري، ت: محمد فؤاد عبد الباقي.
157 -
صحيح مسلم، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العلمية، بيروت، 1374 هـ.
158 -
الضعفاء، للعقيلي، ت: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية 1404 هـ.
159 -
طبقات المفسرين، للداودي، ت: علي محمد عمر، نشر مكتبة وهبة (مصر) 1972 م.
160 -
طرح التثريب في شرح التقريب، للعراقي، ط: الطبعة المصرية القديمة.
161 -
العجاب في بيان الأسباب، لابن حجر العسقلاني، ت: عبد الحكيم محمد الأقيس، ط: دار ابن الجوزي 1997 م.
162 -
العقد الفريد، لابن عبد ربه، دار إحياء التراث العربي بيروت طبعة ثالثة 1999 م.
163 -
علل الحديث، لابن أبي حاتم الرازي، ط: مكتبة المثنى، بغداد 1343 هـ.
164 -
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، لابن الجوزي، ت: خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت 1983 م.
165 -
العلل الواردة في الأحاديث النبوية، للدارقطني، ت: محفوظ الرحمن السلفي، دار طيبة، الرياض 1985 م.
166 -
العين، للخليل، ت: د. مهدي المخزومي ود. إبراهيم السامرائي، ط: دار الهجرة (إيران قم) 1405 هـ.
167 -
عيون الأخبار، لابن قتيبة، ط: دار الكتب العلمية بيروت 1418 هـ.
168 -
عيون المسائل، لأبي الليث السمرقندي، ت: د. صلاح الدِّين الناهي، ط: مطبعة أسعد، بغداد، 1386 هـ.
169 -
غرائب التفسير وعجائب التأويل، لأبي القاسم برهان الدين الكرماني، ط: دار القبلة للثقافة الإسلامية - جدة، مؤسسة علوم القرآن - بيروت.
170 -
غريب الحديث، لإبراهيم الحربي، ت: د. سليمان العابد، ط: جامعة أم القرى، 1985 م.
171 -
غريب الحديث، لابن قتيبة، صنع فهارسه: نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1988 م.
172 -
غريب الحديث، لأبي عبيد، ت محمد عبد المعيد خان، مطبعة
دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن، ط الأولى، 1384 هـ - 1964 م.
173 -
غريب القرآن، لابن قتيبة، ت: السيد أحمد صقر، ط: دار الكتب العلمية 1978 م.
174 -
غوامض الأسماء المبهمة، لابن بشكوال، ت: عز الدين السيد، ط: عالم الكتب، 1987 م.
175 -
الفائق في غريب الحديث، للزمخشري، ت: علي البجاوي، ط: عيسى البابي الحلبي 1971 م.
176 -
فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، المكتبة السلفية.
177 -
الفتح السماوي، لعبد الرؤوف المناوي، ت: أحمد مجتبى، ط: دار العاصمة - الرياض.
178 -
فتح القدير، لمحمد بن علي الشوكاني، ط: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت، 1414 هـ.
179 -
فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب، الحسين بن محمد الطيبي، ت: مجموعة من المحققين، 1434 هـ - 2014 م.
180 -
فقه اللغة، للثعالبي، ت: د. فائز محمد، ود. إميل يعقوب، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 3، 1996 م.
181 -
القاموس المحيط، للفيروزبادي، ت: مكتب التحقيق في مؤسسة الرسالة بدمشق 1987 م.
182 -
قضاء الحوائج، لأبي بكر ابن أبي الدنيا، ت: محمد عبد القادر عطا، ط: مؤسسة الكتب الثقافية، 1414 هـ - 1993 م.
183 -
قوت القلوب في معاملة المحبوب، أبو طالب المكي، ت: د.
عاصم إبراهيم الكيالي، ط: دار الكتب العلمية - بيروت لبنان، 1426 هـ - 2005 م.
184 -
الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف، لابن حجر، مصورة عن طبعة دار المعرفة (بيروت).
185 -
الكامل في الضعفاء، لابن عدي، ت: يحيى مختار غزاوي، ط: دار الفكر بيروت، ط ثالثة 1409 هـ 1988 م.
186 -
الكامل، للمبرد، ت: محمد الدالي، ط: مؤسسة الرسالة 1986 م.
187 -
الكتاب، لسيبويه، ت: عبد السلام هارون، ط: عالم الكتب.
188 -
الكشاف، للزمخشري، ط: دار الكتاب العربي، بيروت، ط ثالثة 1407.
189 -
كشف الخفا ومزيل الإلباس، للعجلوني، ت: أحمد القلاش، ط: مؤسسة الرسالة 1996 م.
190 -
الكليات معجم في المصطلحات، لأبي البناء الكفوي، ت: عدنان درويش - محمد المصري، ط: مؤسسة الرسالة - بيروت.
191 -
اللآلئ المصنوعة، للسيوطي، دار المعرفة، بيروت.
192 -
لسان الميزان، لابن حجر، مؤسسة الأعلمي، بيروت 1390 هـ،
مطبعة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، ط 1، 2002 م.
193 -
مجاز القرآن، لأبي عبيدة، ت: محمد فؤاد سزكين، ط: مؤسسة الرسالة.
194 -
المجالسة وجواهر العلم، للدينوري، ت: مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن حزم، الرياض، ط 1، 1998 م.
195 -
المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، لابن حبان، ت: محمود زايد، دار الوعي، حلب 1936 م.
196 -
مجمع الأمثال، للميداني، ت: محيي الدين عبد الحميد، ط: مطبعة السنة المحمدية.
197 -
مجمع البيان، للطبرسي، ط: دار مكتبة الحياة، بيروت.
198 -
مجمع الزوائد، للهيثمي، ط: مكتبة القدسي، القاهرة 1352 هـ.
199 -
مجمع الغرائب للفارسي - مخطوط.
200 -
مجموع الفتاوى، لابن تيمية، ت: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416 هـ - 1995 م.
201 -
المحتسب، لابن جني، ت: علي النجدي ناصف ود. عبد الفتاح شلبي، ط: لجنة إحياء التراث الإسلامي (القاهرة) 1969 م.
202 -
المحرر الوجيز، لابن عطية، ت: عبد السلام عبد الشافي محمد، ط: دار الكتب العلمية 1993 م.
203 -
المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده، ت: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، 1421 هـ - 2000 م.
204 -
المحلى، لابن حزم، ت: أحمد شاكر، ط: إدارة الطباعة المنيرية 1347 هـ.
205 -
مختار الصحاح، الرازي، ت: حمزة فتح اللّه، مؤسسة الرسالة، 1994 م.
206 -
مختصر الصواعق المرسلة، لابن قيم الجوزية، ت: سيد إبراهيم، دار الحديث، القاهرة، ط 1، 1992 م.
207 -
مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع، لابن خالويه، ط: مكتبة المتنبي.
208 -
المخصص، لابن سيده، دار الفكر.
209 -
مدارك التنزيل وحقائق التأويل، للنسفي، ت: يوسف علي بديوي، دار الكلم الطيب، بيروت ط: 1، 1419 هـ - 1998 م.
210 -
المدونة للإمام مالك، دار صادر بيروت.
211 -
المراسيل، لابن أبي أحاتم، ت: أحمد الكاتب، دار الكتب العلمية، ت: شكر اللّه قوجاني، مؤسسة الرسالة 1977 م.
212 -
المراسيل، لأبي داود، ت: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة 1408 هـ.
213 -
المزهر، للسيوطي، ت: عدد من الأساتذة، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
214 -
المستدرك على الصحيحين، ت مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1411 هـ - 1990 م.
215 -
المستقصى في أمثال العرب، للزمخشري، ط: دار الكتب العلمية 1977 م.
216 -
مسند أبي يعلى الموصلي، ت: حسين أسد، ط: دار المأمون للتراث، دمشق 1984 م.
217 -
مسند أحمد بن حنبل، ت: شعيب الأرنؤوط ونعيم عرقسوسي وإبراهيم الزيبق وغيرهم، مؤسسة الرسالة.
218 -
مسند البزار، ت: محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، 1988 م.
219 -
مسند الشاميين، للطبراني، ت: حمدي السلفي، مؤسسة الرسالة، 1996 م.
220 -
مسند الفاروق، لأبي الفداء ابن كثير، ت: عبد المعطي قلعجي، دار الوفاء - المنصورة، 1411 هـ - 1991 م.
221 -
مسند الفردوس، للديلمي، ت: السعيد زغلول، ط: دار الكتب العلمية، بيروت 1986 م.
222 -
مشكل إعراب القرآن، لمكي بن أبي طالب، ت: د. حاتم الضامن، ط: مؤسسة الرسالة 1984 م.
223 -
مصابيح السنة، لأبي محمد البغوي، ت: يوسف عبد الرحمن المرعشلي - محمد سليم إبراهيم سمارة - جمال حمدي الذهبي، ط: دار المعرفة، 1407 هـ - 1987 م.
224 -
المصنف، لابن أبي شيبة، ت: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد الرياض 1409 هـ، وطبعة الشيخ محمد عوامة، شركة دار القبلة، مؤسسة علوم القرآن، ط 1، 2006 م.
225 -
المصنف، لعبد الرزاق، ت: حبيب الرحمن الأعظمي، المجلس العلمي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1971 م.
226 -
المطالب العالية، لابن حجر، ط: دار الكتب العلمية، بيروت.
227 -
معالم السنن، للخطابي، المكتبة العلمية، حلب.
228 -
معاني القراءات، لمحمد بن أحمد الأزهري الهروي، مركز البحوث في كلية الآداب - جامعة الملك سعود، المملكة العربية السعودية، 1412 هـ - 1991 م.
229 -
معاني القرآن، للزجاج، ت: د. عبد الجليل عبده سلبي، دار الحديث، القاهرة، ط 1، 1994 م.
230 -
معاني القرآن، للفراء، ط: عالم الكتب 1980 م.
231 -
معجم ابن الأعرابي، لأحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن الأعرابي،
ت: عبد المحسن بن إبراهيم بن أحمد الحسيني، ط: دار ابن الجوزي، 1418 هـ - 1997 م.
232 -
معجم الأدباء، لياقوت الحموي، ط: مصورة دار إحياء التراث العربي (بيروت).
233 -
معجم الشعراء، للمرزباني، ت: عبد الستار أحمد فراج، منشورات مكتبة النوري (دمشق).
234 -
المعجم الكبير، للطبراني، ت: حمدي السلفي، نشر وزارة الأوقاف العراقية، 1983 م.
235 -
معجم متن اللغة، لأحمد رضا، مكتبة دار الحياة، بيروت، 1377 هـ.
236 -
المُعرَّب، للجواليقي، ت: أحمد شاكر، ط: وزارة الثقافة (القاهرة) 1969 م.
237 -
معرفة القراء الكبار، للذهبي، ت: د. طيار آلتي قولاج، ط: استانبول 1995 م.
238 -
المغرب في ترتيب المعرب، للمطرزي، ت: محمود فاخوري، وعبد الحميد مختار، مكتبة أسامة بن زيد، حلب، ط 1، 1979 م.
239 -
مغني اللبيب، لابن هشام، ت: د. مازن المبارك ود. علي حمد الله، دار الفكر 1992 م.
240 -
المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصبهاني، ت: صفوان داودي، دار القلم، دمشق 1992 م.
241 -
المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصبهاني، ت: صفوان داودي، دار القلم، دمشق 1992 م.
242 -
المفضليات، للمفضل الضبي، ت: أحمد شاكر وعبد السلام هارون، ط: دار المعارف، 1964 م.
243 -
مقاييس اللغة، لابن فارس، ت: عبد السلام هارون، دار الفكر.
244 -
المقتضب، للمبرد، ت: محمد عبد الخالق عضيمة، ط: عالم الكتب (بيروت).
245 -
المؤتلف والمختلف، للآمدي، ت: عبد الستار فراج، ط: عيسى البابي الحلبي 1961 م.
246 -
المؤتلف والمختلف، للدارقطني، ت: موفق بن عبد اللّه، دار الغرب الإسلامي 1406 هـ.
247 -
موسوعة الحافظ ابن حجر الحديثية، الزبيري وآخرون، ت: وليد الزبيري - إياد القبسي - بشير القبسي - مصطفى بن قحطان الحبيب - عماد البغدادي، ط: دار الحكمة، 1422 هـ - 2002 م.
248 -
الموضوعات، لابن الجوزي، ت: توفيق حمدان، دار الكتب العلمية 1995 م.
249 -
الموطأ، لمالك (برواية يحيى الليثي) ت: محمد فؤاد عبد الباقي، ط: دار إحياء التراث، بيروت 1985 م.
250 -
ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، ت: رضوان عرقسوسي
وغيره مؤسسة الرسالة العالمية، الطبعة الأولى، 1430 هـ - 2009 م.
251 -
الناسخ والمنسوخ، لأبي جعفر النحاس، ت: د. سليمان اللاحم، مؤسسة الرسالة 1991 م.
252 -
النحو الوافي، لعباس حسن، ط: دار المعارف - الطبعة الثالثة.
253 -
نسب قريش، أبو عبد الله الزبيري، ت: ليفي بروفنسال، ط: دار المعارف، القاهرة.
254 -
النشر في القراءات العشر، لابن الجزري، ت: علي محمد الضباع، ط: دار الكتب العلمية.
255 -
نصب الراية لأحاديث الهداية، للزيلعي، تصحيح محمد عوامة، دار القبلة، مؤسسة الريان، ط 1، 1997 م.
256 -
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، البقاعي، دار الكتاب الإسلامي، 1404 هـ - 1984 م.
257 -
النكت والعيون، للماوردي، ت: السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم، ط: مؤسسة الكتب الثقافية ودار الكتب العلمية.
258 -
النوادر والزيادات، لابن أبي زيد القيرواني، ت: عبد الفتاح الحلو، ط: دار الغرب الإسلامي، ط 1، 1999 م.
259 -
نواهد الأبكار وشوارد الأفكار، حاشية على تفسير البيضاوي لجلال الدين السيوطي، ط: جامعة أم القرى - كلية الدعوة وأصول الدين، المملكة العربية السعودية، 1424 هـ - 2005 م.
265 -
الهداية إلى بلوغ النهاية، لمكي بن أبي طالب، أشرف على تحقيقة د. الشاهد البوشيخي، نشر كلية الشريعة في الشارقة.
261 -
همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، للسيوطي، ت: عبد الحميد هنداوي، المكتبة التوفيقية مصر.
262 -
الوحشيات، لأبي تمام، ت: عبد العزيز الميمني الراجكوتي، ط: دار المعارف، القاهرة.
263 -
الوسيط، للواحدي، ت: عادل عبد الموجود وعلي معوض وأحمد صيرة وأحمد الجمل، دار الكتب العلمية، 1994 م.