الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
[ل 14] قولُه سبحانه وتعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [سورة القلم: 10 - 14].
هل (أنْ) هذه المصدريّة، أو المخفّفةُ من الثقيلة؟
أقول: لم يزدْ في "الجلَالَين" على أنْ قال: " أي: لأنْ ". وقال في الجَمَل في حواشيه على قول الجلال بعد ذلك: " وفي قراءةٍ: أَأَنْ بهمزتين مفتوحتين"
(1)
ما لفظُه: "الأولى همزة الاستفهام التقريعي التوبيخي، والثانية همزة أنْ المصدريّة، واللام مقدّرة كما سبق
…
" إلخ. وفي آخره: هـ شيخنا هـ
(2)
.
وقول العبّاس بن مِرْداس:
أبا خُراشةَ أمَّا أنت ذا نَفَرٍ
…
فإنَّ قوميَ لم تأكلْهُمُ الضَّبُعُ
(3)
على ما قرَّره س
(4)
والجمهور من أنَّ (أمَّا) أصلها: أنْ ما، (أنْ) المصدرية و (ما) العوضُ عن كان، والأصل: أَلِأنْ كنتَ. حُذِفت همزة
(1)
انظر "الكشف" لمكي (2/ 231)، و"الإقناع"(369).
(2)
"حاشية الجمل"(4/ 385).
(3)
"ديوان العباس بن مرداس"(106). وأبو خراشة كنية خفاف بن ندبة، وكان بينهما مهاجاة.
(4)
"كتاب سيبويه"(1/ 193).
الاستفهام، ولام التعليل، فصار:(أنْ كنتَ) ثم حُذفت (كان)، فانفصل الضميرُ، وعُوّضت
(ما) عنْ (كان) فصار: (أمَّا أنتَ)
(1)
.
وكذا في قوله: أما أنت، من قول الشاعر
(2)
:
إمَّا أقمتَ وأمَّا أنتَ مُرْتحلاً
…
فاللهُ يكلأُ ما تأتي وما تذرُ
(3)
وأمَّا قول الكوفيين: إنّها شرطيّة، وتقويةُ الرضيِّ وابن هشام له
(4)
، فلا يردُّ دليلنا، لأنّهم لم يقولوه من حيث إنّ المصدريّة لا تدخل على (كان) بل لأدلّةٍ أخرى، وقد ردّها الدمامينيُّ
(5)
. وناقض ابن هشام نفسه في فَصْل (ما)
(6)
.
فإنْ قيل: والمخففة أيضًا مصدريّة فلعله أرادها.
قلنا: ذلك ممنوع، لأنّها لا يطلق عليها ذلك في الاستعمال.
فإنْ قيل: فكيف دخلت (أنْ) المصدريّة على الماضي مع أنّها ناصبةٌ، والأصل اختصاصُ النواصب بالمضارع كـ (لن)؟
قلت: قال في "المغني" في بابها
(7)
: "وتُوصل بالفعل المتصرّف مضارعًا
(1)
"شرح الكافية" للرضي، (1/ 806 - 807).
(2)
كذا في الأصل.
(3)
قال البغدادي في "الخزانة"(4/ 19): "وهذا البيت مع استفاضته في كتب النحو لم أظفر بقائله ولا تتمته".
(4)
انظر: "شرح الرضي"(1/ 807) و"المغني"(53).
(5)
وقال البغدادي في "الخزانة"(4/ 21): "وقد ناقش الدماميني كلام ابن هشام في الأدلة الثلاثة بالتعسف، كما لا يخفى على من تأمله".
(6)
"المغني"(410).
(7)
"المغني"(43 - 44). وقارن المحكي عن سيبويه بالكتاب (3/ 162).
كان ــ كما مرَّ ــ أو ماضيًا نحو: {لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} [القصص: 82]، {وَلَوْلَا أَنْ
ثَبَّتْنَاكَ} [الإسراء: 74]، أو أمراً كحكاية س: كتبتُ إليه بأنْ قُمْ. هذا هو الصحيح".
ثم ذكر أنَّ ابن طاهر
(1)
خالف في كون الموصولة بالماضي والأمر هي عين الموصولة بالمضارع أي: مدّعيًا أنها غيرها، وذكر دليله، وردَّ عليه.
ثم ذكر أنَّ أبا حيّان خالف في كونها توصل بالأمر، وادّعى أن ما سُمِعَ من ذلك فهي فيه تفسيرية، ثم ردَّ عليه.
وقد ذكر السيوطيُّ أنَّ أبا حيّان ناقضَ نفسه بقوله في البحر: إنَّ (أنْ) مصدريةٌ من قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة: 49] عطفًا على الكتاب أو الحقّ أو محذوفة الخبر أي: من الواجب حُكْمُكَ
(2)
.
وفي "حاشية الأمير": "قال ابن جنّي: إنّما لم توصل بالحال؛ لأنّه يؤخذ من المصدر الصريح أي: لأنّ الأصل أنّه الحدث الواقعُ في الحال، ولمّا أرادوا الاستقبال أو المضيّ احتاجوا لأن والفعل الدالّ على الزمن المراد.
قال: ونظير ذلك (ذو) تُجلب للوصف بالجواهر؛ إذ لا يمكن الوصف بها نحو: مررتُ برجلٍ ذي مالٍ، فإن كان معنىً لم يحتج لـ (ذي)؛ تقول في الوصف بالصلاح: صالحٌ. وكذلك (الذي) يؤتى به لوصف المعرفة
(1)
أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر الأنصاري الإشبيلي المعروف بالخِدَبّ، شيخ ابن خروف، أبو بكر رئيس النحويين بالمغرب في زمانه. توفي سنة 580 هـ. "الذيل والتكملة" للمراكشي، القسم الخامس (2/ 648)، "بغية الوعاة"(1/ 28).
(2)
"حاشية الأمير"(1/ 28). وانظر "البحر المحيط"(4/ 285).
بالجمل، ولو كان الموصوف نكرةً لم يحتج لـ (الذي)؛ لأنّ النكرة توصف بالجملة. قال: ويناسب
عدم وصلها بالحال أنّها لا تقع بعد اليقين لأنّ شأن الحال التيقّن بالمشاهدة"
(1)
. هـ.
وبه يُعلم ما نقله المحشّي عن الشارح بعد ذلك، وأشرنا إليه في السؤال من أنّ الأصل أنَّ نواصب المضارع لا تدخل على غيره كـ (لن).
فإن قيل: بين مطلق الفعل الماضي وبين (كان) فرقٌ.
قلتُ: إن أريد أنّ (كان) ناقصة لا تدلُّ على الحدث، فهذا الفرقُ لا يؤثّر على هذا الحكم مع ما فيه.
وإن أريد أنّ كان الناقصة لا مصدر لها، كما يقوله آباء عباس وبكر وعلي والفتح
(2)
، فمع ضعفه لورود ذلك كقوله:
ببذلٍ وحلمٍ ساد في قومه الفتى
…
وكونك إيّاه عليك ثقيلُ
(3)
مع أنّ الأصل في الفعل التصرف، ولاسيّما ما قد سلم أكثر تصرّفه، فقد نقل الأمير في "حاشيته على المغني" عند قوله: (فَصْلٌ في أن المصدرية: وأن
(1)
"حاشية الأمير"(1/ 27 - 28).
(2)
يعني المبرد، وابن السرّاج، والفارسي، وابن جني. وهؤلاء وغيرهم منعوا دلالتها على الحدث كما في "الهمع"(2/ 74).
(3)
كذا في الأصل، والصواب في قافية البيت:"يسير". وقد استشهد به ابن مالك في "شرح التسهيل"(1/ 339) ثم شراح "الألفية". انظر: "أوضح المسالك"(1/ 244)، و"المقاصد الشافية"(2/ 182) و"شرح الأشموني" مع حاشية الصبان (1/ 231). ولم يعرف قائل البيت.
هذه موصول حرفيٌّ وتوصل بالفعل المتصرف) عن ابن الحاجب أنّه قد يدخل المصدريّ على الجامد نحو: {وَأَنْ عَسَى
…
} [الأعراف: 185]
(1)
فيكون المصدر من المعنى"
(2)
.
ويظهر أنّ مراده بالمصدريّ (أنْ) الخفيفة. فأمّا المخففة فإنها تدخل حتى على الاسميّة كقول الأعشى:
وقد غدوتُ إلى الحانوتِ يَتبَعُني
…
شاوٍ مِشَلٌّ شَلولٌ شُلْشُلٌ شُلُلُ
(3)
في فتيةٍ كسيوف الهند قد عَلِموا
…
أنْ هالكٌ كلُّ مَنْ يحفَى وينتعِلُ
(4)
ولكن قد صرّح الرضيُّ وغيره أن الخفيفة لا تدخل إلا على المتصرّف
(5)
، وأنّ (أنْ) من قوله تعالى: {وَأَنْ عَسَى
…
} [الأعراف: 185] وقوله: {وَأَنْ لَيْسَ .. } [النجم: 39]
(6)
هي المخففة
(7)
. فلينظر ما مذهبُ آباء
(1)
تمام الآية: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} .
(2)
"حاشية الأمير"(1/ 27).
(3)
"شلل" كذا في الأصل، والرواية شَوِلٌ. ويروى: شُوَل وشَمِلُ.
(4)
البيت من شواهد سيبويه (2/ 137، 3/ 74، 454) ورواية العجز في "الديوان"(109):
أنْ ليس يدفَعُ عن ذي الحيلة الحِيَلُ
وانظر: "الخزانة"(8/ 391 - 392).
(5)
"شرح الرضي"(2/ 1384).
(6)
تمام الآية: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} .
(7)
"شرح الرضي"(2/ 1384). وفيه بدلاً من آية النجم قوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا} [الجن: 16].
عباس وبكر وعلي والفتح في (أنْ) الداخلة على الفعل الجامد؟ فإنّهم إن
كانوا موافقين لما صرّح به الرضيُّ وغيره فـ (أن) عندهم في الآية المتكلّم عليها مخففة، ولكن الجمهور على خلافه.
نعم (أنْ) في هذه الآية لم تُسبق بعلمٍ ولا ظنٍّ، وقد قال الرضيُّ ما لفظُه: " فنقول: إنَّ (أنْ) التي ليست بعد العلم ولا ما يؤدي معناه، ولا ما يؤدّي معنى القول ولا بعد الظنّ فهي مصدريّة لا غير، سواءً كانت بعد فِعْل الترقُّب كحسبتُ، وطمعتُ، ورجوت، وأردت، أو بعد غيره من الأفعال
…
" إلى أن قال: "أو لا بعد فِعْل كقوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ
…
} [الحشر: 3]
(1)
.
هذا، وقد استدلّ ابن هشام على ترجيح مذهب الكوفيين أنَّ الخفيفة قد تجيء شرطيّة بأنّه قد قرئ قوله تعالى:{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [الزخرف: 5] بكسر الهمزة وفتحها
(2)
، واستدلالهم بذلك يشعر أنّ البصريين يجعلونها في حال الفتح مصدرية، كما في بقيّة الأمثلة. وهو ما في التفاسير والأعاريب.
[ل 15] واعلم أنّ الأصل في (أنْ) المفتوحة الهمزة الساكنة النون أن تكون كذلك أصلاً، فمن ادّعى أنها مخففة من الثقيلة فعليه الدليل. ولا يكفي مجرّدُ الاحتمال، ولاسيّما مع أنّ القول بأنّها مخففة يستلزم أنّ اسمها ضمير الشأن محذوفًا، ودعوى الحذف خلافُ الأصل، فمن ادعاها فعليه البرهان،
(1)
"شرح الرضي"(2/ 834 - 835).
(2)
قرأ بكسر الهمزة من السبعة نافع وحمزة والكسائي. "الإقناع" لابن الباذش (760).
ولا يكفي مجرد الاحتمال.
وإذا دار الأمر بين الحذف وعدمه تعيّن عدمُ الحذف، ولله ابنُ المُتْقِنة حيث يقول
(1)
:
وإن تكن من أصلها تصحُّ
…
فتركُ تطويل الحسابِ ربْحُ
فإن قيل: تعارض بأنَّ الأصل أنّ نواصبَ المضارع تختصُّ به كـ (لنْ).
قلنا: قد سبق نَقْضُه، مع أنَّه إذا دار الأمرُ بين أن يخالف أصلاً، وأن يخالف أصلين، فخلاف الأصل الواحد أولى من خلاف الأصلين كما هو ظاهرٌ.
فائدة: الماضي بعد أنْ المصدرية لا محل له، كما قد يتوهم. قال في "المغني" حاكيًا ما استدلّ به ابنُ طاهرٍ على أنّ الداخلة على الماضي غير الداخلة على المضارع:"والثاني: أنها لو كانت الناصبة لَحُكِمَ على موضعها بالنصب، كما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد (إنْ) الشرطية، ولا قائل به". هـ
(2)
.
قال الأمير في "الحاشية": " قوله: (ولا قائل به) منه يُعلم فساد قول الشيخ خالد في شرح الآجرومية: وهي تنصب المضارع لفظًا، والماضي محلاًّ"
(3)
.
(1)
في أرجوزته المشهورة بالرحبية في الفرائض.
(2)
"المغني"(43 - 44).
(3)
"حاشية الأمير"(1/ 28).