المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ سورة الذاريات [51: 31] {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}: - تفسير القرآن الثري الجامع - جـ ٢٧

[محمد الهلال]

فهرس الكتاب

سورة الذاريات [51: 31]

{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} :

بعد أن علم إبراهيم أنهم ملائكة وأنّهم رسل من الله تعالى.

{قَالَ} : إبراهيم عليه السلام للملائكة.

{فَمَا} : الفاء للتوكيد، ما الاستفهامية.

{خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} : الخطب الأمر العظيم أو الحدث الجلل الذي يشغل بال السّائل، وسُمِّي خطباً؛ لأنّ النّاس يتخاطبون به، ويتحدثون عنه كلما اجتمعوا فشغل بالهم، أي: ما سبب إرسالكم أو ما هي مهمتكم أو لماذا أرسلتم.

ارجع إلى سورة الحجر آية (57) لمزيد من البيان.

ص: 1

سورة الذاريات [51: 32]

{قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} :

{قَالُوا} : الملائكة.

{إِنَّا} : للتوكيد.

{أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} : قوم مجرمين: أي: قوم لوط، مجرمين: أي: أجرموا بالكفر وارتكاب الفاحشة وعصوا أمر ربهم.

وفي سورة الأعراف آية (81) وصفهم بالمسرفين.

وفي سورة الشعراء آية (166) وصفهم بالعادين.

وفي سورة النمل آية (55) وصفهم بالجاهلين.

{مُّجْرِمِينَ} : جمع مجرم تدل على أنّ صفة الإجرام ثابتة لهم ولا تتغيَّر. ارجع إلى سورة الأنعام آية (55)، وإلى سورة الجاثية آية (31) للبيان المفصل في مجرمين.

ص: 2

سورة الذاريات [51: 33]

{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} :

{لِنُرْسِلَ} : اللام لام التّعليل.

{حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} : أي: من سجيل. ارجع إلى الآية (74) من سورة الحجر للبيان.

{طِينٍ} : هو الماء والتّراب وقالوا: طين متحجر كالآجر، من شظايا إحدى الكواكب التي انفجرت، كما بيَّنت الدراسات العلمية على هذه الحجارة التي لا يزال أجزاء منها في آثار قرى قوم لوط.

ص: 3

سورة الذاريات [51: 34]

{مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} :

{مُسَوَّمَةً} : مُعلمه من السّومة، أي: العلامة. معلومة عند ربك من أيِّ نوع، أو ممَّ تتركب من المواد.

{عِنْدَ رَبِّكَ} : أي: معدة في السّماء مصنوعة لرجم من قضى الله تعالى بالرّجم.

{لِلْمُسْرِفِينَ} : اللام لام الاختصاص والاستحقاق، المسرفين: المجاوزين الحد في الفجور والآثام.

ص: 4

سورة الذاريات [51: 35]

{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} :

{فَأَخْرَجْنَا} : الفاء تدل على المباشرة.

{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} : أي: أخرجنا من قرى قوم لوط.

{مَنْ} : ابتدائية اسم موصول بمعنى الذي ومن للمفرد والجمع وللعاقل، وأما الذي تشير إلى المفرد.

{كَانَ فِيهَا} : ساكن فيها في قرية أو قرى لوط.

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} : من استغراقية.

ص: 5

سورة الذاريات [51: 36]

{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} :

{فَمَا} : الفاء للتوكيد، ما النّافية.

{وَجَدْنَا فِيهَا} : في قرى لوط.

{غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} : غير للمغايرة والاستثناء، بيت واحد من المسلمين: هو بيت لوط.

وصفهم الله سبحانه بالمؤمنين في الآية (35) وبالمسلمين في الآية (36) وقيل: هم لوط وابنتاه.

وبما أنّ كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً ذكر العام بعد الخاص للتوكيد، وسبب نجاتهم لا شك هي إيمانهم.

ص: 6

سورة الذاريات [51: 37]

{وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} :

{وَتَرَكْنَا} : نون العظمة للدلالة على الشّدة والتّحذير.

{فِيهَا} : ظرفية الضّمير يعود على قرى قوم لوط المؤتفكات، أي: بعد تدميرها وإهلاكهم.

{وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً} : علامة أو دلالة بيِّنة هي (الحجارة من سجيل منضود).

{لِلَّذِينَ يَخَافُونَ} : اللام لام الاختصاص، يخافون العذاب الأليم: عذاب الله تعالى شديد الإيلام، انتبه إلى تكرار كلمة (فيها) ثلاث مرات للتوكيد (في ثلاث آيات) وهي الآيات (35، 36، 37) فيها الضمير يعود إلى قرى لوط (المؤتفكات).

ص: 7

سورة الذاريات [51: 38]

{وَفِى مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} :

بعد بيان ما حدث لقوم لوط من دمار وهلاك، ينتقل الحق سبحانه لبيان ما حدث لموسى عليه السلام الذي أرسل إلى فرعون وقومه.

{وَفِى} : الواو عاطفة وفي موسى وما حدث لفرعون وقومه آية أخرى.

{إِذْ} : ظرف زماني بمعنى: حين، أي: اذكر إذا أرسلناه، أو اذكر حين أرسلناه.

{أَرْسَلْنَاهُ} : ارجع إلى آية (119) من سورة البقرة للبيان.

{إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} : إلى فرعون: ارجع إلى سورة الأعراف آية (103) لمعرفة من هو فرعون. الباء: للإلصاق، سلطان: بسلطان الحُجَّة والدّليل وهي العصا واليد، وقيل: التّسع آيات.

{مُبِينٍ} : السّلطان الواضح والظّاهر لكل فرد رأى تلك الآيات والمبين الذي لا يحتاج معها إلى برهان أو دليل آخر.

ص: 8

سورة الذاريات [51: 39]

{فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} :

{فَتَوَلَّى} : الفاء للمباشرة.

{فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} : انصرف وابتعد، أي: أعرض بركنه: بجنده أو أعوانه. والرّكن وما يُركن إليه الشّيء ويُتقوَّى به أو الرّكن يعني: جانب البدن الأقوى، والرّكن يعني: العزة والمنعة، أي: أعرض عن الآيات وجحد بها هو وجنوده.

{وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} : اتهم فرعون وموسى بأنّه ساحر وما جاء به السّحر، أو مجنون: أي: موسى ساحر ومجنون معاً أو ساحر أحياناً ومجنون أحياناً أخرى.

انظر إلى كيفية كتابة كلمة ساحر في هذه الآية وقارنها بكتابة كلمة ساحر أو مجنون التي وردت في الآية (52) من نفس السّورة تجد أن الألف مقصورة في آية (39) التي تخص موسى، وأنّ الألف ممدودة في الآية (52) التي جاءت في قوله تعالى:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} وقد تعلل بما أن الآية (52) قيلت في رسل كثيرين، فلما ازدادوا في العدد زيد في رسم الكلمة بالألف الممدودة الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى.

ص: 9

سورة الذاريات [51: 40]

{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِى الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} :

{فَأَخَذْنَاهُ} : الفاء عاطفة، أخذناه: أهلكناه وجنوده.

{فَنَبَذْنَاهُمْ} : النّبذ هو إلقاء الشّيء، استهانة به وأنّه غير مهم، أي: أغرقناهم في اليم.

{فِى الْيَمِّ} : في البحر (الأحمر).

{وَهُوَ مُلِيمٌ} : وهو يفيد التّوكيد، وتعود لفرعون، مُليم: أتى بما يُلام عليه من الكفر والتّكذيب وادعاء الربوبية والشّرك بالله، فهذه آية أخرى تدل على قدرة الله وعظمته، وهي قوله تعالى:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 92].

ص: 10

سورة الذاريات [51: 41]

{وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} :

في إهلاك عاد الأولى بالرّيح العقيم آية أخرى تدل على عظمة الله وقدرته في الانتقام ممن كذب بآياته ورسله، الرّيح الصّرصر العاتية التي {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7].

{إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} : إذ: ظرف زمان للماضي بمعنى: حين، أو اذكر إذ أرسلنا عليهم؛ على: فيها معنى الاستعلاء والشدة والقوة؛ الرّيح العقيم الرّيح التي لا خير فيها ولا فائدة، وسُمِّيت الرّيح العقيم؛ لأنّها أهلكتهم وقطعت دابرهم كما يحدث في عقم النّساء التي لا تلد، وقال تعالى:(أرسلنا): التي تدل على استمرار الإرسال الذي دام سبع ليال وثمانية أيام حسوماً.

ص: 11

سورة الذاريات [51: 42]

{مَا تَذَرُ مِنْ شَىْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} :

{مَا} : النّافية.

{تَذَرُ مِنْ شَىْءٍ} : تذر: تترك أو تدع، من: استغراقية تستغرق كل شيء وشيء نكرة يعني: أيَّ شيء والشّيء هو أقل القليل.

{أَتَتْ عَلَيْهِ} : أي: أصابته.

{إِلَّا} : أداة حصر.

{جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} : البالي المتفتت رم العظم أو النّبات أو غير ذلك بَلِيَ وتفتت.

ص: 12

سورة الذاريات [51: 43]

{وَفِى ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} :

وفي إهلاك ثمود آية أخرى تدل على قدرة الله سبحانه وعظمته وثمود قوم صالح نبيهم صالح وهم أصحاب الحجر.

{إِذْ} : ظرف زمان بمعنى حين أو اذكر إذ

{قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} : قيل لهم بعد أن عقروا النّاقة: {تَمَتَّعُوا فِى دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65].

{حَتَّى} : حرف نهاية الغاية.

{حِينٍ} : الحين زمن غير محدد، وحين: نهاية أجلكم الذي هو قادم في ثلاثة أيام، أي: تمتعوا إلى زمن هلاككم.

ص: 13

سورة الذاريات [51: 44]

{فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} :

{فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} : فعتوا من العتو: هو النُّبُوُّ، أي: الارتفاع عن الطّاعة والتكبر بغير الحق، أي: بدلاً من أن يندموا أو يسلموا أو يخافوا ويتضرعوا إلى الله، أرادوا المكر بصالح وقتله وأهله، كما قال تعالى:{وَكَانَ فِى الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [النمل: 48 - 51].

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ} : حلت بهم نازلة من السّماء أهلكتهم مثل الغيوم الكثيفة التي تصاحبت بالرّعد والبرق الذي أدَّى إلى تفريغ الشحنات الكهربائية عالية الفولتاج في أجسامهم؛ مما أدَّى إلى صعقهم وموتهم في الحال.

{وَهُمْ يَنْظُرُونَ} : وهم ينظرون كيف يصعق كل منهم أمام عيني الآخر.

ص: 14

سورة الذاريات [51: 45]

{فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ} :

{فَمَا} : الفاء للتعقيب والتّرتيب، ما: النّافية.

{اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ} : على أرجلهم أو على الوقوف، أي: ما قدروا على النهوض من أماكنهم.

{وَمَا} : تكرار ما يفيد توكيد النّفي.

{كَانُوا مُنْتَصِرِينَ} : ناجين من العذاب. بالهرب أو اللجوء إلى مكان آمن يقيهم من البرق أو الصيحة.

ص: 15

سورة الذاريات [51: 46]

{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} :

{وَقَوْمَ نُوحٍ} : آية أخرى لهم قوم نوح أهلكناهم بالطّوفان. وقومَ: جاءت منصوبة تقديرها وأهلها قومَ نوح، أو أخذنا قومَ نوح.

{مِنْ قَبْلُ} : من قبل عاد وثمود ولوط وفرعون.

{إِنَّهُمْ} : للتوكيد.

{كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} : خارجين عن طاعة الله تعالى متجاوزين لحدوده لأكثر من ألف سنة إلا خمسين عاماً.

ص: 16

سورة الذاريات [51: 47]

{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} :

{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} : بقوة، أي: بقوة وإحكام دقيق متماسك مترابط وليست فراغاً، كما كان يظن النّاس في القديم، فبين الأجرام السّماوية والمجرات غلالة من الغازات (طبقة غازية) يغلب عليها الهيدروجين، وهناك ذرات من بخار الماء والأمونيا والفورمالدهيد وذرات من الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والحديد.

هناك القوى والروابط الكهرومغناطيسية المتجاذبة وقوانين الجاذبية بين كل جرم وآخر.

{وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} : نظرية اتساع الكون حقيقة لم يدركها الإنسان أو العلماء إلا حديثاً، وهي أنّ الكون في اتساع مستمرٍّ يسمَّى الكون المتسع، فقد اكتشف علم الفلك والفضاء والفيزياء أنّ المسافات بين أجرام السّماء تتباعد عن بعضها وتتباعد عنا، واكتشف مجرات جديدة، فقد رصد أكبر مرصد جوي على الأرض أكثر من مئتي ألف مليون مجرة، ولكننا لا نرى بالعين المجردة إلا ثلاث منها فقط هي مجرة التّبانة، (وهي مجرتنا التي في كوكب الأرض)، ومجرة ماجلان الصّغرى، ومجرة ماجلان الكبرى.

أما ماذا بعد هذا التّوسع في الكون، فقد أثبتت الدّراسات العلمية أنّ هذا التّوسع سوف يتوقف، وتأتي مرحلة ثبوت الكون. ثم يتلوها مرحلة التّقلص، أي: يعود الكون كما بدأ، كما قال الحق سبحانه:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104].

ص: 17

سورة الذاريات [51: 48]

{وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} :

{وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} : أي: بسطناها ومددناها ومهدناها وجعلنا كالفراش لتصلح للاستقرار والعيش عليها. رغم أنها كروية الشكل (بيضاوية) ورغم كونها متحركة.

فالأرض تقطع في كل ثانية 30 كيلومتراً، ومع تلك السّرعة الأرض تبقى كأنها لا تتحرك ومستقرة، وتعليل ذلك لأننا نحن ندور معها وسرعتنا هي سرعة الأرض.

بفضل قوانين الجاذبية وقوانين الطرد والكهرومغناطيسية بين الأرض وبين الأجرام الأخرى، وبفضل الجبال الرّواسي والألواح القاربة وكتلة الأرض ذاتها تبقى مستقرة، فإذا اهتزت الأرض بمقدار (6-8) درجات في ميزان ريختر تحدث زلازل عظيمة.

ص: 18

سورة الذاريات [51: 49]

{وَمِنْ كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} :

{وَمِنْ} : استغراقية تشمل النّبات والحيوان والجماد والإنسان والجن.

{كُلِّ} : للتوكيد.

{شَىْءٍ} : مهما كان نوعه وشكله وحجمه ووزنه، شيء نكرة تشمل كل شيء: إنسان حيوان نبات جماد.

{خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} : زوجين صنفين ذكر وأنثى، موجب وسالب، ليبقى الله سبحانه متفرداً بالوحدانية لوحده لا يشاركه في هذه الصفة أحد.

{لَعَلَّكُمْ} : لعل للتعليل والكاف للمخاطب.

{تَذَكَّرُونَ} : أن خالق هذه الأزواج هو الإله الحق الذي يجب أن يعبد وهو الواحد الأحد لعلكم تتذكروا قدرة وعظمة الخالق فتعبدوه.

ص: 19

سورة الذاريات [51: 50]

{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} :

{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} : الفاء للتوكيد أو رابطة لجواب الشّرط مقدر تقديره إذا علم الإنسان أو العالِم هذه صفات الله ففروا إليه، فروا: الفرار سارعوا إليه بخوف وجلل وبالسر والعلن، ومن دون تأخير.

ففروا إلى الله: أي: سارعوا إليه بالتوبة والمغفرة والإنابة؛ ففروا: تعني اللجوء إلى الله بسرعة مع الخوف وبدون تستر؛ أي: على مرأى الناس.

{إِنِّى} : للتوكيد والضّمير يعود للرسول صلى الله عليه وسلم.

{لَكُمْ} : اللام لام الاختصاص أيها المسلمون المؤمنون.

{مِّنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} : منه الضّمير يعود إلى الله، نذير: من الإنذار وهو الإبلاغ مع التّحذير والتّخويف، مبين: واضح التّبليغ والإنذار، فلا يخفى على أحد منكم، ولا يحتاج هذا الإنذار إلى تبيين وتوضيح فهو واضح بذاته بامتثال أوامر الله وتجنب نواهيه، وعدم الخروج عن منهج الله تعالى وعصيانه؛ أي: هذا الإنذار الأول لهؤلاء الذين يعصون ربهم، وأما الإنذار التالي في الآية (51) لهؤلاء الذين يشركون بالله تعالى.

ص: 20

سورة الذاريات [51: 51]

{وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} :

{وَلَا تَجْعَلُوا} : الواو عاطفة، لا: النّاهية، تجعلوا: الجعل، أي: التصيير.

{مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} : بالإشراك به بأن تقولوا: له ولد أو نِدٌّ أو مثيل أو تتخذوا أولياء من دونه أو طاغوت أو وليٌّ.

{إِنِّى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} : ارجع إلى الآية السابقة (50) للبيان.

وتكرار هذا الجزء من الآية يفيد التّوكيد على عدم الإشراك بالله تعالى. ويُعد إنذاراً آخر، أي:(إنذار ثانٍ) غير الإنذار الأول.

ص: 21

سورة الذاريات [51: 52]

{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} :

{كَذَلِكَ} : أي: كما كذبك قومك قالوا عنك: ساحر أو مجنون كذب الذين من قبلهم رسلهم وقالوا عنهم ساحر أو مجنون، فأمر التّكذيب والافتراء على الرّسل أمر قديم متعارف عليه.

{مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم مِنْ رَسُولٍ} : ما النّافية، ما أتى الذين من قبلهم (الضّمير يعود لكفار مكة) ومن تدل على القرب، أي: ليس من زمن بعيد، من رسول: من استغراقية تشمل كل رسول.

{إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} : إلا أداة حصر، ساحر: يتعاطى السّحر. ولتعريف السّحر ارجع إلى الآية (58) من سورة طه، أو مجنون:(أو) تعني: (و) أي: ساحر ومجنون معاً، وقد تعني تارةً: ساحراً وتارةً: مجنوناً.

واتهموهم بالسحر والجنون؛ لأن ما جاء به الرسل من الوحي لم يسمعوا به من قبل، أو لكونه أثَّر في عقولهم، أو لكونه خارقاً للعادة شبَّهوه بالسحر، أو الجنون.

ص: 22

سورة الذاريات [51: 53]

{أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} :

{أَتَوَاصَوْا بِهِ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري والتّعجبي وتعني: أتواصوا به تعود على القول، أي: أوصى الأولون الأخِرين أو أوصى بعضهم بعضاً بأن يقولوا هذا القول لرسلهم: ساحر أو مجنون.

أي: من كثرة هذا الفعل أو (القول) كأنّ الأولين أوصوا الآخرين، أوصى بعضهم بعضاً بأن يتَّهموا أنبياءَهم ورسلهم بهذا.

{بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} : بل للإضراب الإبطالي، هم: ضمير فصل يفيد التّوكيد.

{قَوْمٌ طَاغُونَ} : أي: الصّحيح لم يتواصوا بذلك لتباعد أزمانهم، فهم لم يتلاقوا حتى يوصي بعضهم بعضاً، ولكنهم قوم طاغون، أي: طغاة، أي: تجاوزوا الحد في الكفر والفساد، وقالوا:{مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة: 118].

طاغون: جملة اسمية تدل على الثّبوت، ثبوت صفة الطّغيان عندهم. فالطغيان هو ما حملهم على القول بذلك.

ص: 23

سورة الذاريات [51: 54]

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} :

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} : الفاء رابطة لجواب شرط مقدَّر تقديره، أي: إن لم يستجيبوا لك فتولَّ عنهم وتفيد المباشرة والتّوكيد، أي: أبعد عن هؤلاء خاصة؛ لأن عن تفيد المجاوزة والابتعاد. أي: اتركهم وليس أعرض عنهم هناك فرق بين تولى وأعرض، أي: أبعد أو ابتعد عن هؤلاء الطّغاة من قومك، ولا يعني: تولَّ عن الكل بل عن هؤلاء فقط، وقد تعني: لا تجادلهم ولا تتصدَّ لهم.

{فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} : الفاء تعليلية، ما النّافية تعمل عمل ليس، ولكن (ما) أقوى في النّفي من (ليس)، وما لنفي الحال والمستقبل، وليس تنفي الحال، وقد تنفي المستقبل إذا قيدت، أنت: ضمير متصل يفيد التّوكيد.

بملوم: الباء للإلصاق، اللوم: هو عدم الرّضا عن فعل لم يكن متوقِّعاً من فاعله، أي: لن تلام على عدم استجابتهم لك أو عدم إيمانهم وهدايتهم إن عليك إلا البلاغ.

ص: 24

سورة الذاريات [51: 55]

{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} :

تولَّ عن الطّاغين وداوم واستمر في تذكير المؤمنين والنّاس.

{وَذَكِّرْ} : بالقرآن وبآيات الله وبنعمت ربك.

{فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} : الفاء تعليلية (توكيد)، الذكرى: أي: التذكير رجاء الانتفاع ينتفع بها المؤمنين.

ص: 25

سورة الذاريات [51: 56]

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} :

{وَمَا} : النّافية للحال والمستقبل.

{خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} : إلا أداة حصر. من خصوصيات القرآن يستعمل الجن مقابل الإنس، والناس مقابل الجنة، والجن: اسم جنس، وكذلك الإنس، والإنسان واحد من الناس، فالجنة: مجموعة من الجن غير محددة العدد كما في قوله تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: 6]، وقدم الجن على الإنس في هذه الآية؛ لأن الجن أسبق من الإنس في القدم في الخلق.

{لِيَعْبُدُونِ} : اللام لام التّعليل والتّوكيد، يعبدون من العبادة، وهي طاعة الخالق فيما أمر به أو نهى عنه على حسب ما أراده، وتعني: الخضوع والانقياد، ولا تكون إلا للخالق وحده، ويثاب عليها، والنّون في يعبدون لزيادة التّوكيد، ويعبدون تدل على التّجدُّد والتّكرار. ارجع إلى سورة النحل آية (73) للبيان المفصل، وحذف الياء في يعبدون (بدلاً ليعبدوني) تدل على أنها عبادة مؤقتة مدة حياتهم من سن البلوغ إلى انتهاء أجلهم وعبادة قدر استطاعتهم. ارجع إلى سورة ياسين آية (61) لمزيد من البيان.

وتقديم الجن على الإنس في هذه الآية؛ لأنّ الحديث أو السّياق في الخلق وبما أنّ الله سبحانه خلق الجن قبل خلق الإنس فقدَّم الجن على الإنس.

وفي آيات أخرى قد يقدِّم الإنس على الجن، كقوله تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88].

ففي هذه الآية قدَّم الإنس على الجن؛ لأنّهم هم المقصودون بالتّحدِّي أولاً.

ص: 26

سورة الذاريات [51: 57]

{مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِنْ رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} :

{مَا} : للنفي تنفي الحال والمستقبل.

{أُرِيدُ مِنْهُم} : منهم، أي: الجن والإنس، أي: لا أطلب منهم.

{مِنْ رِّزْقٍ} : من استغراقية، أي: رزق مهما كان نوعه من طعام أو شراب أو مال أو متاع أو أيِّ شيء.

{وَمَا أُرِيدُ} : تكرار ما لتوكيد النّفي، وفصل كلّاً من الرّزق عن الإطعام أو كلاهما معاً.

{أَنْ} : حرف مصدري يفيد التّعليل والتّوكيد.

{يُطْعِمُونِ} : يقصد بها يطعمون أحداً من خلقي، أي: وما أريد أن يطعموا أحداً من خلقي؛ لأنّي أنا الخالق الرّزاق. والرزق قد يشمل الطعام والشراب، ويطعمون تعني: ذكر الخاص الطعام بعد ذكر العام وهو الرزق للتوكيد.

فالآية (56-57) تعني: ما أريد أن يرزقوا أحداً من خلقي ولا يرزقوا حتى أنفسهم؛ لأنّي أنا الرّزاق، ولا أريد منهم أن يطعموا أحداً من خلقي ولا حتى أنفسهم؛ لأنّه هو الذي يُطعم، كما قال تعالى:{وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعام: 14]، أو لا أطلب منهم رزقاً ولا طعاماً، ولكن عليهم بعبادتي وحدي وطاعتي.

ويطعمون: وحذف ياء المتكلم لتدل على ما أريد أن يطعمون أدنى أو أقل الطعام لعبادي أو يرزقوهم أدنى أو أقل الرزق.

ص: 27

سورة الذاريات [51: 58]

{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} :

{إِنَّ اللَّهَ} : إن للتوكيد.

{هُوَ} : ضمير فصل يفيد التّوكيد والحصر هو لا سواه الرّزاق الحقيقي.

وأما قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المؤمنون: 72] فلا يتعارض مع كونه الرزاق الحقيقي، فقد أسبغ على بعض عباده صفة الرّزق تكرماً منه وفضلاً، وقال {وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} .

{الرَّزَّاقُ} : أي: الذي خلق الأرزاق وأعطى كل الخلائق أرزاقها ولم ينس أحداً، وذكر اسم الله الرّزاق في القرآن الكريم مرة واحدة في هذه الآية فقط، الرّزاق صيغة مبالغة؛ أي: كثير الرزق من فعل رزق يرزق، والرّزق يشمل المال والطّعام والشّراب والعلم والأهل، وكل ما ينتفع به ويرزق المؤمن والكافر والمطيع والعاصي، ويرزق الإنسان والجن والحيوان.

{ذُو} : بمعنى صاحب، اسم من الأسماء الخمسة، ذو: أشرف وأبلغ من كلمة صاحب. ارجع إلى سورة الأنبياء آية (87) وسورة غافر آية (2) لمزيد من البيان.

{ذُو الْقُوَّةِ} : كامل القوة، عظيم القدرة، شديد القوة والقدرة، لا تنقص قوته ولا قدرته شيئاً.

{الْمَتِينُ} : من المتانة والمتن وهو الظّهر (والظّهر مكوَّن من فقرات العمود الفقري، وتحيط به العضلات القوية) بمعنى: القوي الصلب. جميع نواصي المخلوقات بيده لا يحدث أو يتحرك شيء إلا بحوله وقوته وإذنه.

وذكر اسم المتين مرة واحدة في القرآن.

ص: 28

سورة الذاريات [51: 59]

{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ} :

{فَإِنَّ} : الفاء رابطة لجواب شرط مقدَّر، أي: إن كان للأمم السّابقة نصيب من العذاب، فإن للذين ظلموا من كفار مكة أيضاً نصيباً من العذاب، إن للتوكيد.

{لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} : اللام لام الاختصاص، الذين اسم موصول يفيد التّحقير، ظلموا: بالشّرك والكفر أو التّكذيب والمعاصي.

{ذَنُوبًا} : نصيباً والذَّنُوب: الدلو المملوءة بالماء. انتبه إلى فتح الذّال وضم النّون، وليس ذُنُوباً بضم الذّال وضم النّون، ذَنُوب: تعني: النّصيب والحظ، والذَّنُوب: الدلو المملوءة بالماء. حيث كان السقاة يتقاسمون الماء فيأخذ هذا دلواً مملوءة بماء، وهذا دلواً أخرى، وهكذا، ثم فسرت الذنوب بالنصيب.

{مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} : أيْ: إن للذين ظلموا من كفار مكة نصيباً من العذاب والعقاب مثل نصيب من سبقهم من القرون الأولى. مثال على ذلك ما حدث لهم يوم بدر من القتل والأسر

{فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ} : الفاء للتوكيد، لا النّاهية.

يستعجلون: العذاب، فالعذاب آتٍ لا محالة، وفي وقته المحدد والمكان المحدد في الدّنيا أو في القبر أو في النّار.

ص: 29

سورة الذاريات [51: 60]

{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِى يُوعَدُونَ} :

{فَوَيْلٌ} : الفاء رابطة لجواب شرط مقدَّر تقديره: إن جاء يوم عذابهم فويل لهم.

الويل: هو الهلاك والعذاب.

{لِلَّذِينَ} : اللام لام الاختصاص والاستحقاق كفروا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. ارجع إلى سورة البقرة آية (6) لمزيد من البيان في معنى كفروا.

{مِنْ} : ابتدائية عذاب يومهم.

{يَوْمِهِمُ الَّذِى يُوعَدُونَ} : أي: يوم القيامة، أو يوم تنزع أرواحهم (القيامة الصغرى).

وقيل: يوم بدر، وقد يكون الكل؛ أي: يوم بدر، أو يوم يحل بهم العذاب، أو يوم تقبض أرواحهم، أو يوم القيامة.

ص: 30

سورة الطور [52: 1]

سورة الطور

ترتيبها في القرآن (52) وترتيبها في النزول (76).

{وَالطُّورِ} :

{وَالطُّورِ} : واو القسم، الطور: هو طور سيناء الذي كلم الله سبحانه عليه موسى عليه السلام .

والطور: هو جبل، ولكنه أقل ارتفاعاً وحجماً من الجبل والطور باللغة السريانية الجبل.

أقسم الله تعالى بالطور تشريفاً له، ولا يقسم إلا بشيء عظيم رغم أنه سبحانه عنه غني عن القسم، والقسم يشير إلى أهمية المقسم به؛ أي: الطور، وجواب القسم، وهو:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [آية: 7].

ص: 31

سورة الطور [52: 2]

{وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} :

يقسم الله تعالى أيضاً بكتاب مسطور: أيْ: مكتوب في أسطر.

قيل: هو القرآن أو اللوح المحفوظ.

وجاء بصيغة النكرة ولم يقل: الكتاب للدلالة على جنس الكتاب وقد يعني: الكتب السماوية.

وقد يشمل كتاب أعمال العبد، كما قال تعالى:{وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} [الإسراء: 13].

ص: 32

سورة الطور [52: 3]

{فِى رَقٍّ مَّنشُورٍ} :

الرّق بفتح الراء هو مارق من الجلد أو الورق الذي يكتب فيه رقٍّ منشور، نكرة لتشمل الورق وغيره.

{مَّنشُورٍ} : مبسوط (مفتوح غير مطويٍّ) يستطيع كل ناظر أن يقرأه، وقد يعني أيضاً: آلة الحاسوب (الكمبيوتر)، والله أعلم.

ص: 33

سورة الطور [52: 4]

{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} :

وهذا هو القسم الثالث، وهو البيت المعمور.

قيل: هو في السماء السابعة بيت تطوف به الملائكة كل يوم (70) ألفاً؛ أي: المعمور بالملائكة، والمعمور بالعبادة والذكر.

وقيل: الكعبة المعمورة بالحجاج والعُمار.

ص: 34

سورة الطور [52: 5]

{وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} :

ويقسم بالسماء (وتضم السموات السبع) السماء السقف المرفوع فوق الأرض، وكما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا} [الأنبياء: 32]. ليحفظها من الإشعاعات الضارة وغيرها. ارجع إلى الآية (32) من سورة الأنبياء للبيان وسماها أيضاً {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} ارجع إلى سورة الطارق آية (11) للبيان.

فالسماء وحدها مظهر من مظاهر طلاقة القدرة الإلهية التي ترسخ الإيمان في القلب واليقين على عظمة الخالق.

ص: 35

سورة الطور [52: 6]

{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} :

وهذا هو القسم الخامس.

البحر: الموقد والمملوء ناراً، من سجر الشيء: أوقد عليه حتى أحماه (جعله ناراً حامية) وهناك من المفسرين من قالوا: هذا يحدث في الآخرة تشتعل البحار بالنيران، والحقيقة العلمية تثبت لنا أن البحر المسجور هو أمر قائم الآن في حياتنا وطبقات الأرض السبعة: الطبقة الأولى: وتسمى لب الأرض، وهي طبقة صلبة مكونة من حديد جامد وغيره من المعادن مثل الرصاص، والنحاس والطبقة الثانية المحيطة باللب، وهي طبقة مكونة من حديد بشكل سائل وغيره من المعادن، ويحيط بهذه الطبقة الثانية ثلاثة أوشحة، ثم الصفيحة القارية، ثم القشرة الأرضية.

فتحت مياه البحار نار مستعرة، أيْ: تحت الماء نار، وتحت النار ماء، فالماء لا يطفئ النار ولا النار تبخر الماء، ولولا هذه الوسيلة من التدفئة لقيعان البحار لما استطاعت الحيوانات البحرية العيش ساعات، فهذا التوازن بين الماء والنار آية من أروع الآيات الكونية الدالة على عظمة الخالق وقدرته على الإبداع، حيث الماء والنار من الأضداد، ولذلك سماه البحر المسجور. ارجع إلى سورة التكوير آية (6) لمزيد من البيان.

ص: 36

سورة الطور [52: 7]

{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} :

هذا هو جواب القسم، إن: للتوكيد.

{عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} : اللام لام التوكيد. لواقع: لكائن أو حاصل لا محالة في الآخرة.

ص: 37

سورة الطور [52: 8]

{مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} :

للنفي الحال والمستقبل. له: الضمير يعود إلى العذاب. من: استغراقية تستغرق كل دافع. وما له من دافع: جملة اسمية تدل على الثبوت والاستمرار.

دافع: يمنعه أو يرده سواء كان ملكاً أو إنساناً أو جنّاً. ولنقارن هذه الآية مع قوله تعالى في سورة المعارج آية (2): {لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} : هذه الجملة جملة فعلية تدل على التجدد والتكرار، وبما أن الجملة الاسمية فيها تأكيد أقوى من الفعلية فآية الطور آكد من آية المعارج؛ لأن سورة الطور بدأت بخمسة أنواع من القسم؛ لذلك جاء جواب القسم مؤكداً للقسم، بينما آية المعارج جاءت في سياق الذي دعا على نفسه وقومه بالعذاب فقال تعالى:{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} .

ص: 38

سورة الطور [52: 9]

{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} :

{يَوْمَ} : نكرة للتعظيم، ويعني: الساعة، أو يوم القيامة؛ {تَمُورُ السَّمَاءُ}: المور هو: التحرك في تموج تتحرك وتضطرب، أيْ: تختل قواها الكهرمغناطيسية وقوى الجاذبية؛ مما يؤدي إلى الهول والفزع. {مَوْرًا} : توكيد.

ص: 39

سورة الطور [52: 11]

{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} :

{فَوَيْلٌ} : الفاء للتوكيد، ويل: هلاك وعذاب، يومئذ: مركبة من يوم (ظرف) وإذ اسم ظرف.

{لِّلْمُكَذِّبِينَ} : اللام لام الاختصاص والاستحقاق، المكذبين بالرسل وبما أنزل الله والمكذبين بالبعث والآخرة والحساب. والمكذبين بعذاب الله.

ص: 41

سورة الطور [52: 12]

{الَّذِينَ هُمْ فِى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} :

{الَّذِينَ} : اسم موصول يفيد الذمَّ والتحقير.

{هُمْ} : للتوكيد.

{فِى} : ظرفية.

{خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} : أصل الخوض المشي في الماء والخوض فيه من دون أن يعلم إذا كانت هناك حفرة أمام قدميه ستزل فيها قدماه ويقع على وجهه، والخوض يعني: الاندفاع في الباطل.

{يَلْعَبُونَ} : أيْ: ينشغلون بالباطل ويهملون واجباتهم وفرائضهم.

ص: 42

سورة الطور [52: 13]

{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} :

{يَوْمَ} : أيْ: يوم القيامة ونُكِّر للتهويل.

{يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ} : يُدَعّون: من الدع وهو الدفع بعنف وغلظة وجفاء ومن دون أيِّ رحمة.

دعا: للتوكيد. أيْ: يدفعون دفعاً. أو يُدَعُّون دعاً من قبل الملائكة الغلاظ الشداد القائمين على جهنم. وتقول لهم الملائكة:

ص: 43

سورة الطور [52: 14]

{هَذِهِ النَّارُ الَّتِى كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} :

هذه: الهاء للتنبيه وذا: اسم إشارة للقرب، ويشير إلى النار القريبة منهم.

{الَّتِى كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} : أيْ: في الدنيا. تكذبون: لا تصدقون.

وتكذِّبون تدل على تجدُّد وتكرار التكذيب المرات العديدة. ولم يقل: التي كذبتم بها.

ص: 44

سورة الطور [52: 15]

{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} :

{أَفَسِحْرٌ} : الهمزة استفهام إنكاري وتوبيخ، الفاء للتوكيد.

{هَذَا} : الهاء للتنبيه، ذا: اسم إشارة للقرب يشير إلى العذاب، أيْ: أهذا العذاب الذي ترونه سحر أم حقٌّ.

{أَمْ} : الهمزة: للاستفهام والتوبيخ والتقرير. أم: للإضراب الانتقالي.

{أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} : أم أنتم عميٌ الآن، كما كنتم عمياً في الدنيا لا تعقلون ولا تبصرون.

ص: 45

سورة الطور [52: 16]

{اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} :

{اصْلَوْهَا} : ادخلوها وقاسوا حرها وشدتها، وصليت اللحم أيْ: شويته. وأصلاه النار: أدخله النار.

{فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} : فالأمران سواء، أي: اصبروا أو اجزعوا (لا تصبروا) الصبر أو عدمه سواء في عدم النفع.

{إِنَّمَا} : كافة مكفوفة تفيد التوكيد.

تجزون من الجزاء مقابل العمل سواء كان حسناً أو سيئاً.

{كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} : كنتم في الدنيا تعملون تضم (الأقوال والأفعال).

بعد ذكر المكذبين ومصيرهم يذكر المتقين ومصيرهم.

ص: 46

سورة الطور [52: 17]

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} :

{إِنَّ} : للتوكيد.

{الْمُتَّقِينَ} : أي: الذي أطاعوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه.

{فِى جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} : في ظرفية. {جَنَّاتٍ} : جمع جنة جنات الفردوس أو عدن أو الخلد أو جنات المأوى. دار السلام. وغيرها.

{وَنَعِيمٍ} : هو ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من الخيرات والمأكل والمشرب والملبس والمسكن والمتاع.

ص: 47

سورة الطور [52: 18]

{فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} :

وردت فَاكِهِين في القرآن بصيغ مختلفة منها فكِهِين (سورة المطففين آية 31)، فاكِهون (سورة يس آية 55).

فالأولى: فاكِهين (سورة الطور آية 18، سورة الدخان آية 27) فهي مشتقة من الفكاهة: طيب العيش، والتلذذ بالنعم، فيقال رجل فاكه: يتلذذ بالفاكهة، رجل فكه: طيب النفس.

أما فاكهون: سورة يس آية (55) فهي أوسع وأعم من فاكهين، ولها معانٍ أربعة: فرِحون معجبون ذوو فاكهة وناعمون، فكِهون: يتفكَّه بالطّعام أو بالفاكهة أو فرحين، وأما فكهين: كما في سورة المطففين فتعني: فرحين. والسياق هو الذي يحدد المعنى (طيب العيش أو يتفكه بالفاكهة؛ أي: الطعام، أو فرحين، أو معجبون).

{وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} : أيْ: جنبهم وأبعدهم ربهم عن عذاب الجحيم: اسم من أسماء النّار أو دركة من دركاتها مشتقة من الجموح وهو (من التَأجج) فلا تخمد أبداً. ارجع إلى سورة الرعد آية (18) لمزيد من البيان.

ص: 48

سورة الطور [52: 19]

{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} .

{كُلُوا وَاشْرَبُوا} : كلوا واشربوا في الجنة مما تشتهون ومما تتخيرون.

{هَنِيئًا} : كلوا واشربوا هنيئاً لكم؛ سهل وسريع الهضم، أما المريء؛ أي: حميد العواقب، ليس له اختلاطات هضمية مهما كانت.

{بِمَا} : باء السّببية أو البدلية أو تعليلية، ما: اسم موصول بمعنى الذي أو مصدرية، وما أوسع شمولاً

{كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} : تضم الأقوال والأفعال، بما كنتم تعملون: تدل على الزّيادة والمضاعفة والمبالغة في جزاء المتقين، والدّلالة على الدّوام وعدم انقطاع الأكل والشّرب.

ص: 49

سورة الطور [52: 20]

{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} .

{مُتَّكِئِينَ} : من الاتكاء هو الجلوس على السّرر: وهي الأرائك المصفوفة بجانب بعضها والاتكاء يعني: الجلوس بشكل مريح يدل على الراحة والسعادة؛ لأنه لا نوم في الجنة، وورد هذا الاتكاء بعدة أوصاف منها:{مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: 54]، {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِىٍّ حِسَانٍ} [الرحمن: 76]، {مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} [ص: 51]، {مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} [الواقعة: 16].

{وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} : زوجناهم بزوجات من الحور العين، حور عين: جمع حوراء وهي التي يغلب بياض عينها على سوادها، والعين جمع عيناء، وهي الواسعة العينين.

ص: 50

سورة الطور [52: 21]

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَىْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} .

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} : الذرية: الأولاد والزوجة أو النسل.

فإن كان إيمانهم لا يؤهلهم ليكونوا بدرجة آبائهم في الجنة، فلا بُدَّ للذرية أن يكونوا من الموحدين ودرجة إيمانهم تؤهلهم الدّخول الجنة، وبرحمة الله وفضله يلحقهم ربهم بآبائهم.

أما إذا كان إيمانهم محبطاً أو غير مقبول، فلن يدخلوا الجنة ولن يلحقوا بآبائهم.

{أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} : بفضل من الله على الآباء والأبناء لتقر أعينهم وتطيب نفوسهم.

{وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَىْءٍ} : أيْ: جزيناهم أجرهم أو ثواب أعمالهم كاملاً من دون أيِّ نقص في حقهم من ألتَه حقَّه: أيْ: نقصه حقَّه، أيْ: ما نقصنا من ثواب الآباء بما أعطينا ذريتهم.

{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} : أيْ: كلّ نفس مرهونة بعملها فإن كسبت خيراً فلها، وإن كسبت شراً فعليها، فالعمل الصّالح يفك النّفس من الرّهان والعمل السّيِّئ يبقيها في الأسر. فإن كان عمله صالحاً فك نفسه وخلصها من عذابها وهلاكها كما يفك المرهون من يد مرتهنه.

ص: 51

سورة الطور [52: 22]

{وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} .

{وَأَمْدَدْنَاهُم} : الضّمير يعود للآباء والأبناء، وأمددناهم: المد وهو الزّيادة والإمداد يكون في الخير، وقيل: هناك فرق بين الإمداد والمد.

الإمداد: يكون في الخير وإعانة الغير.

المد: يستعمل في الشّر. أو الإعانة على الشّر.

{بِفَاكِهَةٍ} : الباء للإلصاق، فاكهة: اسم جنس ولم يقل: فواكه. فاكهة تشمل كل الفواكه.

{وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} : لأنّ اللحم يشبه بعضه، والذي يميزه الطّعم، واللحم ليس أمامهم، وكلّ ما يشتهونه من اللحم يقدَّم لهم، والفاكهة مما يتخيرون؛ لأنّها أمام أعينهم على مرأى من أعينهم وهي أنواع فيختار ما يشاء.

ص: 52

سورة الطور [52: 23]

{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} :

{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا} : أيْ: يتداولون فيها (في الجنة)، ويعني: يتعاطون أو يتبادلون، ولا تعني: يتخاصمون.

{كَأْسًا} : هو إناء يشرب منه، وتسمَّى كأساً إذا كانت مملوءة، فإن كانت فارغة فلا تسمَّى كأساً.

{لَا لَغْوٌ فِيهَا} : أيْ: ليس في الجنة لغو: هو الكلام الذي لا فائدة منه أو شرب خمر الجنة لا يذهب بالعقل، ويؤدِّي إلى اللغو والكلام السّاقط الخبيث النّاتج عن شرب خمر الدّنيا وذهاب العقل.

{وَلَا تَأْثِيمٌ} : تكرار لا تفيد التّوكيد، تأثيم: من فعل إثم، أيْ: لا يأثم شاربها، فهي مباحة وليست محرَّمة، كما كانت في الدّنيا فليس في الجنة لغو ولا تأثيم، ولا هذا ولا ذلك ولا لغو وتأثيم معاً.

ص: 53

سورة الطور [52: 24]

{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} :

{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} : الطّواف ويعني: الدّوران، للخدمة عدة مرات، أيْ: يدور عليهم.

عليهم: الضّمير يعود على الذين آمنوا.

{غِلْمَانٌ لَّهُمْ} : شباب خدم، غلمان جمع غلام؛ لهم: اللام: لام الاختصاص؛ أي: غلمان مختصين بهم وبخدمتهم، وليسوا لغيرهم؛ ارجع إلى سورة مريم الآية (7) لمعرفة معنى الغلام، وفي آية أخرى قال تعالى:{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَّعِينٍ} كما بيَّنت ذلك سورة الواقعة الآية (17-18). والفرق بين الولدان والغلمان: الولدان: أقل من الغلمان سناً، والغلام: هو الشاب الذي أوشك على البلوغ، والفرق الثاني: في سورة الطور آية (24) قال تعالى: {غِلْمَانٌ لَّهُمْ} ، وفي سورة الواقعة آية (17):{وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} ولم يقل: لهم.

{كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} : مصون لم تمسه الأيدي، من كنَّ الشّيء، أيْ: ستره وحفظه. أيْ: في صفائهم وبياضهم.

ص: 54

سورة الطور [52: 25]

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} :

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ} : الإقبال هو الإتيان من الأمام أو جهة الوجه، والمجيء هو الإتيان من أي جهة أو ناحية.

{عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} : أيْ: توجَّه بعضهم على بعض يتساءلون: أيْ: يسأل بعضهم بعضاً في الجنة، والضّمير يعود على الذين آمنوا: يتذاكرون ما كانوا عليه في الدّنيا من خوف من عذاب الله تعالى، وما كانوا عليه من عبادة وتوحيد.

ص: 55

سورة الطور [52: 26]

{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} :

{قَالُوا} : قال بعضهم لبعض.

{إِنَّا كُنَّا قَبْلُ} : أيْ: في الحياة الدّنيا.

{فِى} : ظرفية.

{أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} : في الدنيا في أهلنا؛ الأهل: الذرية، والزوجة، والأقارب؛ مشفقين: جمع مشفق من الإشفاق وهو الخوف مع الحذر وعدم الاطمئنان مما سيحل بنا في الآخرة. مشفقين من عدم قبول عملهم الصالح.

ص: 56

سورة الطور [52: 27]

{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} :

{فَمَنَّ} : الفاء للتوكيد، منّ: أنعم أو تفضل الله علينا.

{وَوَقَانَا} : جنبنا وحمانا في الآخرة من عذاب السّموم عذاب النّار المحرقة الحارة التي تتخلل مسام الجلد وتؤثر فيه، كما يؤثر السّم في الجلد، وكما يحدث في حرق الجلد من الدّرجة الثّانية. الذي يصيب نهايات الأعصاب الذي يؤدِّي إلى الألم الشديد.

ص: 57

سورة الطور [52: 28]

{إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} :

{إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ} : إنا للتوكيد، كنا من قبل: أيْ: في الحياة الدّنيا.

{نَدْعُوهُ} : نوحِّده ونعبده ونخلص له، أو نسأله وندعوه النّجاة والوقاية من عذاب النّار والفوز بالجنة.

{إِنَّهُ هُوَ} : إنّه للتوكيد، هو للحصر والتّوكيد كأنّه هو الوحيد البر الرّحيم.

{الْبَرُّ الرَّحِيمُ} : بفتح الباء معناه فاعلُ البِر. والبَرُّ هو الصادق في وعده. كثير الإحسان والخير والمغفرة والرّحيم بعباده. لا يعجل لهم العقاب لعلهم يتوبوا إليه ويستغفروه فيصفح عنهم.

أما البِرُّ: بكسر الباء فهو كلّ ما يتقرَّب به إلى الله تعالى من إيمان وعمل صالح واعتقاد وأخلاق ومعاملات.

ص: 58

سورة الطور [52: 29]

{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} :

{فَذَكِّرْ} : الفاء للتوكيد، ذكر: من التّذكير فذكر بالقرآن، كما قال الله تعالى في سورة الذاريات آية (55-56):{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ، ذكِّر وعظْ واستمرَّ على ذلك في تذكير المؤمنين بالآخرة وبآيات القرآن، ولا تأبه لأقوالهم لك: كاهن أو مجنون أو ساحر، وغيرها من الاتهامات الباطلة.

{فَمَا أَنْتَ} : الفاء للتوكيد، ما النّافية لنفي الحال والمستقبل.

{بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} : أيْ: بالنّبوة، نعمت: التّاء مفتوحة تعني: نعمة خاصة أو نعم كثيرة لا تحصى، بينما نعمة بالتّاء المربوطة نعمة عامة لكلّ البشر أو ظاهرة للعيان.

{بِكَاهِنٍ} : الباء للإلصاق والملازمة، الكاهن: هو الذي يدعي أنّه يعلم الغيب. بمساعدة من الجن.

{وَلَا} : تكرار النّفي بـ (لا): يفيد التّوكيد، وهي تنفي كلّ الأزمنة الماضي والحاضر والمستقبل.

{مَجْنُونٍ} : ولا مصاب باضطراب عقلي أو خبل، كما يزعم الذين كفروا باطلاً، وإضافة (لا) لفصل كل منهما عن الآخر؛ أي: لا كاهن، ولا مجنون، ولا كلاهما.

ص: 59

سورة الطور [52: 30]

{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} :

{أَمْ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري، أم منقطعة للإضراب الانتقالي، وردت أم في هذه السّورة خمس عشرة مرة.

{يَقُولُونَ} : ولم يقل: قالوا، بصيغة المضارع لتدل على تجدُّد قولهم وتكراره، وأنّه لم يتوقَّف. وتدل على بشاعته، وكأنّه يحدث الآن (حكاية الحال).

{شَاعِرٌ} : أيْ: ما جاء به هو شعر وليس وحياً من الله.

والشعر: هو الكلام الموزون المقفَّى، الموزون بأشكال وأبنية موسيقية بالغة الضّبط تعرف ببحور الشّعر والمقفَّى في أشكال من التّوافق الموسيقي الدّقيق أبدعها أهل العربية منذ عصر قبل الإسلام واستخلصها وبينها الخليل بن أحمد الفراهيدي (100-160 هـ) فيما عرف باسم علم عروض القافية أو أوزان الشّعر.

{نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} : التّربص هو طول الانتظار وبحذر ويقظة ومراقبة المتربص في كلّ حركة مع الصبر وتشوق لما يحدث، ريب: أحداث، المنون، والريب؛ أي: النزول من راب عليه الدهر؛ أي: نزل به الهلاك، والمنون: قيل: الموت، وقيل: الدهر من المن؛ أي: القطع؛ لأنه يقطع أعمار الناس؛ أي: تتربص به حوادث الدهر التي تؤدي به إلى الموت، أيْ: ننتظر هلاكه كما هلك غيره فيمضي أمره وما جاء به من شعر.

ص: 60

سورة الطور [52: 31]

{قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّى مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} :

{قُلْ} : قل لهم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{تَرَبَّصُوا} : انتظروا وراقبوا بحذر ويقظة وتابعوا ما يحدث.

{فَإِنِّى} : الفاء للتوكيد، إنّي: لزيادة التوكيد بدلاً من: وأنا معكم من المتربصين.

{مَعَكُمْ} : وليس فيكم؛ لأن كلّاً يتربص بعدوه. ولو قال: تربصوا فإنّي من المتربصين: فقد يعني هو وإيّاهم يتربصون أمراً واحداً، أما قوله:{فَإِنِّى مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} أيْ: أتربص ما ينزل أو يحل بكم من هلاك ودمار، وأنتم تتربصون ما ينزل ويحل بي من هلاك أو مصائب.

ص: 61

سورة الطور [52: 32]

{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} :

{أَمْ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري والتّوبيخ أم منقطعة للإضراب الانتقالي.

{تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم} : أيْ: عقولهم جمع حلم وهو العقل؛ لأن الحِلم يعني: ضبط النفس، والصبر، وعدم الغضب، ويكون بالعقل فكنى به.

{بِهَذَا} : التّكذيب بالتوحيد والقول كاهن ومجنون وشاعر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبئس تلك العقول التي جعلت أكمل الخلق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنوناً.

{أَمْ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري والتّوبيخ، وأم للإضراب الانتقالي.

{هُمْ} : ضمير فصل يفيد التّوكيد.

{قَوْمٌ طَاغُونَ} : أيْ: تجاوزوا الحد في العصيان والعناد الذي أصبح صفة ثابتة لهم، وجواب أم: هو لم تأمرهم عقولهم لكي يقولوا شاعر، أو ساحر، أو مجنون، أو كاهن، وإنما هم قوم طاغون؛ أي: طغيانهم هو الذي يأمرهم، والركون إلى العقل أحياناً قد يؤدي إلى اتباع الباطل والهلاك؛ ارجع إلى سورة القلم الآية (31) وهي قوله تعالى:{إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} للمقارنة لمعرفة الفرق.

ص: 62

سورة الطور [52: 33]

{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ} :

{أَمْ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري والتّوبيخ، أم للإضراب الانتقالي.

{يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} : هاء الضّمير تعود إلى القرآن، أيْ: تقوَّل القرآن، أي: افتعله اختلقه من تلقاء نفسه، والتّقول يعني: التّكلفة ويعني: الكذب.

{بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ} : بالقرآن بسبب استكبارهم وعنادهم، بل للإضراب الانتقالي، لا النّافية لكل الأزمنة.

ص: 63

سورة الطور [52: 34]

{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} :

{فَلْيَأْتُوا} : الفاء رابطة لجواب شرط مقدَّر تقديره: إن كانوا صادقين بقولهم أنه تَقَوَّله (اختلقه) فليأتوا بمثله، ليأتوا: اللام لام التّعليل والتّوكيد، يأتوا بحديث مثله، أيْ: بمثل هذا القرآن وسُمِّي حديثاً. ارجع إلى سورة الزمر الآية (23) للبيان.

{بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} : بقرآن مثله، فهذا التّحدي من أكبر التّحديات.

{إِنْ} : شرطية تفيد الشّك والاحتمال.

{كَانُوا صَادِقِينَ} : أنّ محمّداً تَقَوَّله، والجواب محذوف وواضح أنّهم لن يأتوا فهم من الكاذبين؛ لأنّ محمّداً لم يتقوَّله.

ص: 64

سورة الطور [52: 35]

{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} :

{أَمْ} : كالسّابقة في الآية (32).

{خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ} : أم خلقوا من غير خالق أو رب.

أو هل خلِقوا من غير آباء ولا أمهات، وهذا عين المحال.

{أَمْ} : كالسّابقة في الآية (32).

{هُمُ} : للتوكيد.

{هُمُ الْخَالِقُونَ} : لأنفسهم وهذا مستحيل أيضاً أو لغيرهم.

ص: 65

سورة الطور [52: 36]

{أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} :

{أَمْ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري والنّفي؛ أيْ: وما خلقوا السّموات والأرض التي هي أعظم من خلقهم، كما قال تعالى:{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر: 57].

{أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} : أيْ: لم يخلقوا السّموات والأرض ولم يخلقوا أنفسهم ولم يخلقوا أيَّ شيء.

{بَلْ لَا يُوقِنُونَ} : بأنّ الله هو الإله الحق الذي يستحق أن يعبد، ولذلك عبدوا غيره، وكذبوا برسوله. ارجع إلى سورة البقرة الآية (4) لبيان معنى اليقين.

ص: 66

سورة الطور [52: 37]

{أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُص َيْطِرُونَ} :

{أَمْ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري والنّفي.

{عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ} : خزائن كلّ شيء من الأرزاق وما تحتاجه الحياة على الأرض. ارجع إلى سورة الحجر الآية (21) للبيان.

{أَمْ} : للإضراب الانتقالي.

{هُمُ} : للتوكيد.

{الْمُص َيْطِرُونَ} : أيْ: أهم أرباب تلك الخزائن خزائن السماء والقادرون على أن يفعلوا ما يشاؤون من دون إذن من الله {أَمْ هُمُ الْمُص َيْطِرُونَ} : (بالسين) على خزائن الأرض.

أم هم المسيطرون على الماء والغذاء والهواء أو الشمس أو القمر أو أيِّ كوكب أو نجم أو أيِّ شيء.

ص: 67

سورة الطور [52: 38]

{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} :

{أَمْ} : للاستفهام الإنكاري والتّعجب.

{لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} : أيْ: لهم سُلمٌ يصعدون به إلى السّماء كي يستمعوا إلى الملائكة، وما يوحي الله إليهم من الغيب، أو أمر السّماء أو الأرض، فيطلعوا على الغيب، إذا كان هذا صحيحاً وحقّاً إذن فليأت مستمعهم بما استمع من الغيب.

{فَلْيَأْتِ} : الفاء السّببية واللام لام التّعليل والتّوكيد.

{مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} : بحُجَّة واضحة أو دليل على صدق استماعهم، سلطان مبين: أيْ: واضح لكلّ فرد ولا يحتاج إلى دليل.

ص: 68

سورة الطور [52: 39]

{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} :

هذا إنكار ونفي لزعمهم أنّ الملائكة بنات الله وإنكار لزعمهم أنّ لهم البنين، فالله سبحانه هو الذي يهب لهم البنين أو البنات. ارجع إلى سورة النحل (57) لمزيد من البيان.

إذا كان هذا ما تأمركم به أحلامكم فلكم الويل مما تصفون.

ص: 69

سورة الطور [52: 40]

{أَمْ تَسْـئَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} :

{أَمْ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري والنّفي، أم للإضراب الانتقالي.

{تَسْـئَلُهُمْ أَجْرًا} : على تبليغهم الرّسالة أو هدايتهم.

{فَهُمْ مِنْ مَّغْرَمٍ} : من استغراقية، مغرم: ما يلزم دفعه من المال أو الدَّين على التّبليغ أو الهداية. والغريم الذي عليه الدَّين.

{مُّثْقَلُونَ} : أيْ: أأثقلهم ذلك المغرم الذي تطلبه منهم فمنعهم ذلك من الدّخول في الإسلام أو الاستجابة لك أو لا يستطيعون دفع ما تسألهم من مال أو أجر فهم معرضون عن الإيمان. وفي هذا توبيخ وتقريع لهم.

ص: 70

سورة الطور [52: 41]

{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} :

{أَمْ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري والنّفي والتّعجب، أم للإضراب الانتقالي.

{عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ} : إمّا رداً على قولهم: نتربص به ريب المنون، أيْ: أعندهم الغيب حتّى يقولوا ذلك، أم عند الله علم الغيب، وهذا من دلائل عظمته وقدرته، وأنّه الإله الحق الذي يستحق أن يعبد، وأن عنده علم الغيب المطلق أو هل هم يعلمون ما في اللوح المحفوظ.

{فَهُمْ يَكْتُبُونَ} : الفاء لربط المسبب بالسّبب فهم يكتبون: قيل: الكتاب، الحكم فيكون معناها: أم هم قادرون على الحكم؛ لأنهم يعلمون الغيب، أو ما في اللوح المحفوظ، ثم يقومون بتنفيذه وقضائه.

ص: 71

سورة الطور [52: 42]

{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} :

{أَمْ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري، وأم للإضراب الانتقالي.

{يُرِيدُونَ كَيْدًا} : أيريدون الكيد بك وإيقاع الأذى بك، كما فعلوا في دار النّدوة؛ لكي يصدُّوا النّاس عن اتِّباعك والدّخول في الإسلام، ويحدوا من انتشاره.

{فَالَّذِينَ} : الفاء استئنافية (للتوكيد).

{كَفَرُوا هُمُ} : للتوكيد.

{الْمَكِيدُونَ} : جمع مكيد اسم مفعول من الفعل: كاد يكيد والكيد: هو إيقاع المكروه بالغير قهراً، سواء علم أو لا يعلم، والكيد أقوى من المكر، أيْ: كيدهم في نحرهم وعائد عليهم، وسينصرك الله نصراً عزيزاً كما حدث لك في غزوة بدر.

ص: 72

سورة الطور [52: 43]

{أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} :

{أَمْ} : للاستفهام الإنكاري والتّوبيخ أم للإضراب الانتقالي.

{لَهُمْ} : اللام لام الاختصاص لهم خاصة.

{إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} : أيْ: معبود يعبدونه غير الله أو يستحق العبادة، ويرجى نفعه ويخاف ضره، والجواب: لا.

{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} : سبحان: التّسبيح نوع من أنواع الذّكر، وقيل: من معانيه الصّلاة، وسبحان مصدر لفعل سبح يسبح، والتّسبيح هو تنزيه الله تعالى عن الشّرك والعجز والنقص، وعما لا يليق بجلاله وعظمته.

تنزيهاً كاملاً لذاته، فلا ذات مثل ذات الله، ولا صفةَ مثل صفاته ولا فعلَ مثل أفعاله، تنزيهاً عن الولد والنّد والمثل، وتنزيهاً مطلقاً لا مرتبطاً بزمان أو مكان أو بفاعل معين، تسبيحاً بالقلوب والألسنة والجوارح. ارجع إلى سورة الإسراء الآية (1) لمزيد من البيان.

ص: 73

سورة الطور [52: 44]

{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} :

{وَإِنْ} : الواو استئنافية، إن شرطية تفيد الاحتمال أو الافتراض والنّدرة.

{يَرَوْا كِسْفًا} : انتبه إلى سكون السّين؛ قيل: كِسفاً جمع كِسْفة، وتظهر بمظهر قطعة واحدة من السحاب، وهي في الحقيقة سحاب متراكم بينما في سورة الشّعراء الآية (187) قال تعالى:{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} بفتح السّين، كِسَفاً قطعاً عديدة كِسْفاً بسكون السّين قطعة واحدة مهما كان حجمها صغيرة أو كبيرة (وهي مركبة من سحاب متراكم).

{سَاقِطًا} : قطعة من عذاب السّماء من النيازك المتفجرة، أو بقايا أو شظايا النجوم والكواكب المتفجرة التي تدور حول الأرض بأحجام مختلفة، أو ما يسقط من الصواعق والبرق تنزل بهم لا يقولون: هذا من عذاب ربنا وسخطه علينا، وإنما: هذا سحاب مركوم.

{سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} : مجرد سحاب متراكب بعضه فوق بعض؛ أي: ما نسميه السّحب الرّكامية، فهم لا يبالون به ولا يعتبرون بها، أو يقولون بلغتهم: ما هي إلا ظواهر طبيعية تحدث بين الحين والآخر.

ص: 74

سورة الطور [52: 45]

{فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ} :

{فَذَرْهُمْ} : أيْ: دعهم واتركهم لحالهم يجحدون ويكفرون ويفعلون ما يشاؤون.

{حَتَّى} : حرف نهاية الغاية.

{يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ} : يوم موتهم، وفي الآية إنذار ووعيد.

ص: 75

سورة الطور [52: 46]

{يَوْمَ لَا يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} :

{يَوْمَ} : نكرة للتهويل والتّعظيم يوم يعود لليوم الذي فيه يصعقون.

{لَا يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـئًا} : لا النّافية، يغني: ينفعهم فيه، كيدهم الذي كادوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يمنع عنهم العذاب مانع.

{شَيْـئًا} : لا قليلاً ولا كثيراً.

{وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} : هم للتوكيد، لا ينصرون: أيْ: لا ينصرهم أيُّ ناصر، وتكرار (لا) يفيد توكيد النّفي، لا نافية لكل الأزمنة في الدّنيا ولا في الآخرة.

ص: 76

سورة الطور [52: 47]

{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} :

{وَإِنَّ لِلَّذِينَ} : إنَّ للتوكيد، للذين: اللام لام الاختصاص والاستحقاق.

الذين: اسم موصول يفيد التّحقير.

{ظَلَمُوا} : أنفسهم بالكفر والشّرك والتّكذيب وكيد النّبي.

{عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} : أيْ: عذاباً قبل عذاب الآخرة أو يوم القيامة أيْ: عذاباً في الدّنيا قيل: كان عذاب القحط والجوع سبع سنين، وقيل: يوم بدر، وقد يكون عذاب القبر أو غيره من الابتلاءات.

{وَلَكِنَّ} : حرف استدراك وتوكيد.

{أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} : أن عذاب الدّنيا نازل بهم قبل عذاب يوم القيامة. لا يعلمون ما ينتظرهم من العذاب.

ص: 77

سورة الطور [52: 48]

{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} :

{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} : واصبر على أذاهم واصبر حتّى يحكم الله فيهم بحكمه القدري، أيْ: ينزل العذاب بهم، والمخاطب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً كل مؤمن ومؤمنة بالصبر على قضاء الله تعالى وحكمه.

{فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} : الفاء للتوكيد، أيْ: تحت رعايتنا وحفظنا وعصمتنا فلن يضرك كيدهم شيئاً، بينما قال عن موسى عليه السلام :{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى} [طه: 39]، {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى} [طه: 41]؛ لأن موسى كان يحتاج إلى رعاية خاصة في طفولته، ويحتاج إلى مكان لينشئ كما قدر الله تعالى له في قصر فرعون، وقوله تعالى:{فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} : أبلغ وأشد قُرباً ورعاية من {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى} .

{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} : سبح من التّسبيح: هو تنزيه الله سبحانه عن كل شريك أو عيب أو نقص أو ما لا يليق به. ارجع إلى الآية (43) من نفس السّورة، تسبيحاً مصحوباً بالحمد، والتّسبيح يعني: الصّلاة والذّكر، أي: استعن بالصّبر وبالذّكر والعبادة.

{حِينَ تَقُومُ} : من الليل أو من منامك لصلاة الفجر، أو أيِّ صلاة أو مكان قمت، قل: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أو سبحان الله.

ص: 78

سورة الطور [52: 49]

{وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} :

{فَسَبِّحْهُ} : الفاء للتوكيد، سبحه: بالذّكر أو الصّلاة.

{وَمِنَ الَّيْلِ} : من ظرفية، الليل: أيْ: صلاة المغرب والعشاء أو داوم على ذكره.

{وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} : إدبار: مصدر لفعل أدبر، إدبار النّجوم: من أدبرت، أيْ: غرُبت؛ أي: غابت بضوء الصباح، وقيل: إدبار النجوم تعني: آخر الليل؛ أي: صلاة التّهجد أو صلاة الفجر، وعكس الإدبار الإقبال.

وفي سورة ق الآية (40){وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} ، أدبار السّجود؛ أي: عقب الصّلوات.

ص: 79

سورة النجم [53: 1]

سورة النجم

سورة النّجم [الآيات 1 - 26]

ترتيبها في القرآن (53) ترتيبها في النزول (23).

{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} :

والواو: واو القسم، والله سبحانه لا يقسم إلا بشيء عظيم، وهو سبحانه غني عن القسم، والقسم يشير إلى أهمية المقسم به وجواب القسم.

النجم: اسم جنس شامل لكل النجوم، والنجوم تقدر بالمليارات المليارات من النجوم التي تخص كل مجرة وهناك مليارات المجرات، والنجوم عبارة عن أفران نووية مشتعلة عملاقة يخلق لنا ربنا فيها ما تحتاجه الحياة على الأرض من عناصر ومركبات كالحديد وغيره من المعادن، ولهذه النجوم مواقع أقسم الله بها كذلك فقال تعالى:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: 75] ارجع إلى تلك الآية للبيان.

إذا: ظرفية للزمن المستقبل وتدل على حتمية الحدوث.

{هَوَى} : سقط أو انتشر كما نرى من النيازك التي تنفجر وتسقط على الأرض. ارجع إلى سورة الحجر آية (21) للبيان.

وهوى قد تعني أيضاً: إذا خرج منه ألسنة اللهب؛ لتمنع الشياطين من استراق السمع كالشهاب الثاقب، وقد تعني: غاب واختفى.

ص: 80

سورة النجم [53: 2]

{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} :

هذا جواب القسم، والخطاب لقريش وغيرهم.

{مَا ضَلَّ} : ما النّافية، ضل: تاه، أو ابتعد عن طريق الهدى والحق والصّواب في أقواله وأفعاله.

{وَمَا} : تكرار (ما) النّافية للتوكيد، وما تنفي الحال والمستقبل وتنفي كلًّا من الضّلال والغواية على حده، أو كلاهما معاً.

{وَمَا غَوَى} : ما فسد وما خاب في مطلبه، والغيّ: هو الفساد والجهل في الرّأي والاعتقاد والدّين، وما فجر أو أثم، والغواية: أشد من الضلال.

أي: هو متّبع الوحي ولم يعدل عنه أبداً.

والفرق بين الضلالة والغي: الضلال يكون في الدّين وفي غير الدّين، أما الغي فيكون في الدّين فقط، فالضّلال أعم من الغي والغي أخص، ارجع إلى الحجر آية (42) لمزيد من البيان في معنى الغواية.

ص: 81

سورة النجم [53: 3]

{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} :

{وَمَا} : الواو عاطفة، ما: النّافية.

{يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} : الهوى: هو ميل النفس إلى شيء تحبه وتهواه بغض النظر عما أمر الله تعالى أو نهى عنه، وما يتكلم برأي شخصي أو بدون دليل أو حُجة. الهوى: ما يدور في العقل وما تريده النفس أو تميل إليه باطلاً، أو بما لا ينبغي بعيداً عن الحق، ولا دليل له في الشرع، والهوى يغلب عليه صفة الذم، ويختص بالأداء والاعتقادات، والشهوة تختص بنيل الملذات.

ص: 82

سورة النجم [53: 4]

{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى} :

{إِنْ} : حرف نفي؛ أي (ما) و (إن) أقوى نفياً من (ما).

{هُوَ} : ضمير فصل يفيد التّوكيد.

{إِلَّا} : أداة حصر وقصر.

{وَحْىٌ يُوحَى} : الوحي في اللغة: الإعلام بالخفاء؛ أي: الكلام الخفي. وفي الشّرع: هو ما يُلقي الله على أنبيائه ورسله من تكاليف وتعاليم دينية أو آيات ووعد ووعيد؛ أي: كلامه في الدين إن هو إلا وحي من الله تعالى يوحيه إليه عن طريق جبريل عليه السلام فهو المعصوم. ارجع إلى سورة النساء آية (163) للمزيد في معنى الوحي.

ص: 83

سورة النجم [53: 5]

{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} :

علّمه: أي: جبريل عليه السلام علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي والقرآن والعبادات وما شرع الله؛ أي: (الدين)؛ علمه: تدل على المداومة والكثير، بينما أعلمه: تدل على القلة، شديد القوى: وهو جبريل عليه السلام، كامل القوى بكل أنواعها العقلية والجسمية؛ فهو الروح الأمين، أو روح القدس؛ فقد اقتلع قرى قوم لوط ورفعها إلى السماء ثم قلبها (لذلك سميت المؤتفكات)، وفي نزوله من السماء وعروجه إليها {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: 5]، وله (600 جناح) كما في حديث عبد الله بن مسعود، والذي أخرجه البخاري ومسلم.

ص: 84

سورة النجم [53: 6]

{ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} :

{ذُو} : بمعنى صاحب (اسم من الأسماء الخمسة) وذو أشرف وأفضل وأبلغ من كلمة صاحب، ارجع إلى سورة الأنبياء آية (87) وغافر آية (2) لمزيد من البيان.

{مِرَّةٍ} : القوة والشدة والسلامة في الخلق والعقل والرّأي.

{فَاسْتَوَى} : الفاء تعليلية، استوى: تعود لجبريل عليه السلام، استوى: استقام على صورته الحقيقة التي خلقه الله عليها؛ أي: ظهر على صورة الملائكة بأجنحته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستوى جبريل عليه السلام بالأفق الأعلى.

ص: 85

سورة النجم [53: 7]

{وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} :

{وَهُوَ} : ضمير فصل تفيد التّوكيد، وتعود على جبريل عليه السلام.

{بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} : أي: السموات العُلى حين العروج (ليلة الإسراء والمعراج)؛ أفق السّماء؛ أي: الجهة العليا من السّماء، أو كما قال تعالى في الآية (23) من سورة التكوير:{وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} ، وقيل: لقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرتين الأولى بعد حادثة غار حراء، والأخرى ليلة الإسراء والمعراج.

ص: 86

سورة النجم [53: 8]

{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} :

{ثُمَّ} : للترتيب الذّكري أو العددي.

{دَنَا} : جبريل عليه السلام؛ أي: اقترب من الأرض، أو دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{فَتَدَلَّى} : تعلق في الأفق أو هبط من أعلى الأفق، أو نزل ليكون قاب قوسين أو أدنى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكن القول: فتدلى فدَنا، يجوز تقديم أيّ الفعلين، الفاء للمباشرة والتّرتيب.

ص: 87

سورة النجم [53: 9]

{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} :

{فَكَانَ} : الفاء للمباشرة، كان جبريل عليه السلام.

{قَابَ قَوْسَيْنِ} : القاب: القَدْر، قوسين: مُثنى قوس؛ أي: قدر قوسين، القوس: طوله يقارب طول الذّراع؛ أي: قدر ذراعين.

{أَوْ أَدْنَى} : أو أقرب من ذراعين.

ص: 88

سورة النجم [53: 10]

{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} :

{فَأَوْحَى} : أبلغ جبريل عليه السلام النّبي صلى الله عليه وسلم.

{مَا أَوْحَى} : (ما أوحاه الله إلى رسوله). وما اسم موصول بمعنى الذي، وما أوسع شمولاً من الذي، فهي تشمل كل شيء مما أوحاه إليه ربه، أوحى: ولم يبين الحق ما أوحاه آنذاك لرسوله صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام ؛ للتعظيم والتّفخيم.

ص: 89

سورة النجم [53: 11]

{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} :

{مَا} : النّافية.

{كَذَبَ الْفُؤَادُ} : القلب، وليس كل القلب، وإنما الخلايا القلبية المتميزة التي تمتاز ببعض صفات الخلايا العصبية التي تخص الذاكرة والعاطفة؛ أي: ما كذب قلب محمّد صلى الله عليه وسلم ما رأى من صورة جبريل في المرة الأولى بعد حادثة غار حراء؛ أي: لم يكن هناك شك في رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته الحقيقة؛ رأى: من الرؤية التي هي أشد أو أعلى من النظر. ارجع إلى سورة القصص آية (10) لمزيد من البيان في معنى الفؤاد، وسورة الحج آية (46).

ص: 90

سورة النجم [53: 12]

{أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} :

{أَفَتُمَارُونَهُ} : الممارة: الجدال بالباطل بعد تبيُّن أو ظهور الحق؛ أي: أتجادلون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالباطل بعد أن تبيّن الحق على ما رأى لعلة الإسراء والمعراج، وصدق ما يقوله في الإسراء والمعراج!

{عَلَى مَا} : (ما) الذي يرى، وما: أوسع شمولاً من الذي، ولم يقل على ما رأى؛ لحكاية الحال: لاستحضار تلك الرّؤية؛ لعظمتها أمام عيني السّامع، أو لتجدّد وتكرار ما يرى وهو الحق.

ص: 91

سورة النجم [53: 13]

{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} :

{وَلَقَدْ} : الواو استئنافية، اللام للتوكيد، لقد للتحقيق.

{نَزْلَةً أُخْرَى} : نزلة: مصدر لفعل نزل، نزلة أخرى: مرّة أخرى؛ أي: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرة أخرى على صورته الحقيقية بأجنحة عند سدرة المنتهى، كما رأوه في المرة الأولى. ارجع إلى الآية (8-10)، أو نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته الحقيقة مرّة ثانية، وذلك ليلة المعراج عند سدرة المنتهى.

ص: 92

سورة النجم [53: 14]

{عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى} :

{عِنْدَ} : ظرف مكاني.

{سِدْرَةِ} : قيل: شجرة نَبق في السّماء السّابعة يسير الرّاكب تحتها (70) عاماً لا يقطعها.

{الْمُنتَهَى} : اسم مكان من الفعل الخماسي: انتهى، أو يعني المنتهى إليه.

{سِدْرَةِ الْمُنتَهَى} : أي المكان الذي ينتهي إليه كل ما يصعد به من الأرض؛ أي: يتوقف عندها كل الملائكة فلا يجاوزها أحد لا رسول ولا ملك، ولا يعلم ما وراءها إلا الله الواحد القهار. أو ينتهي عندها علم كل الخلائق (الملائكة وغيرهم) فلا يعلم ما بعدها أيُّ خلق.

ص: 93

سورة النجم [53: 15]

{عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} :

إحدى الجنات، وهناك: جنات الفردوس، وجنات عدن، ودار السّلام، وجنات النّعيم، والمأوى. اسم مكان من أوى يأوي وهو المكان أو المنزل الذي يأوي إليه للراحة أو الإقامة.

ص: 94

سورة النجم [53: 16]

{إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} :

{إِذْ} : ظرفية.

{يَغْشَى} : يغطي ويستر سدرة المنتهى.

{السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} : الإبهام هنا للتعظيم والتّهويل؛ أي: لا يعلم ما يغطي السّترة أو ما ورآها أو ما يغشاها إلا الله سبحانه وتعالى. قيل: نور الله سبحانه، وقيل: لا يستطيع أحد أن يصفها من حسنها، كما روي عن أنس بن مالك وأخرجه مسلم في صحيحه.

ص: 95

سورة النجم [53: 17]

{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} :

{مَا} : النّافية.

{زَاغَ} : هناك فرق بين الزّيع والميل، زاغ: من الزّيغ، والزّيغ المطلق يكون عن الحق، والزّيغ المقيد هو الميل المكروه.

والميل عام يكون في المحبوب والمكروه. ارجع إلى سورة آل عمران آية (7-8) لمزيد من البيان في الزيغ.

{مَا} : النّافية؛ أي: ما مال بصره صلى الله عليه وسلم إلى أبعد مما أذن الله له ووقعت عليه عيناه من الرّؤيا.

{وَمَا طَغَى} : تكرار (ما) يفيد توكيد النّفي (نفي الزّيغ والطّغيان كلّ على حدة أو كلاهما معاً)، طغى: من الطّغيان وهو تجاوز الحدّ؛ أي: لم يتجاوز بصره يمنة أو يسرة أبعد مما وقعت عليه عيناه أو أتيح له، أو راح ينظر إلى كل شيء أو جانب.

ص: 96

سورة النجم [53: 18]

{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} :

{لَقَدْ} : اللام للتوكيد، قد: للتحقيق.

{رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} : رأى: من الرؤية؛ رؤية حقيقية يقينية؛ من: بعض (بعضه)؛ آيات ربه: مبهمة للتعظيم. قيل: أي السدرة والبيت المعمور، وقيل: بعض مشاهد من الجنة والنّار، وقيل: رأى جبريل في صورته الحقيقية، من آيات ربه الكبرى؛ أي: الآيات العظيمة التي لا يعلمها إلا الله، والتي تدل على عظمة الخالق وقدرته سبحانه.

ص: 97

سورة النجم [53: 19]

{أَفَرَءَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} :

{أَفَرَءَيْتُمُ} : الهمزة للاستفهام التّوبيخي، أرأيتم: الرّؤية قلبية وقد تكون بصرية؛ أي: أخبروني بعلم لمَ تعبدون هذه الأصنام اللات والعزى ومناة الثالثة وغيرها التي ليست أهلاً للعبادة؟!

{اللَّاتَ} : مشتقة من الإله، وكانت لثقيف بالطّائف.

{وَالْعُزَّى} : مشتقة من العزيز تأنيث الأعز، وكانت لغطفان.

ص: 98

سورة النجم [53: 20]

{وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} :

{وَمَنَاةَ} : قيل: كانت صخرة لهذيل وخزاعة تُراق دماء النّسائك (الذبائح) عندها، وقيل: حجارة كانوا يعبدونها في جوف الكعبة.

{الثَّالِثَةَ} : مؤنث الثالث؛ أي: الصّنم الثّالث، فاللات الصنم الأولى، والعُزى الصنم الثانية، ومناة الصنم الثّالثة.

{الْأُخْرَى} : صفة توكيد مؤنث الآخر.

ص: 99

سورة النجم [53: 21]

{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى} :

{أَلَكُمُ} : الهمزة همزة استفهام توبيخي وإنكاري، قدّم (لكم)؛ أي: خاصة، أو حصراً لكم الذّكر، وله الأنثى.

{الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى} : أي كيف تجعلون هذه الآلهة إناثاً وتعبدونها، وأنتم تكرهون الإناث وتجعلون الإناث لله ولكم الذّكور! ارجع إلى سورة الصافات آية (149-159) لمزيد من البيان.

ص: 100

سورة النجم [53: 22]

{تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} :

{تِلْكَ} : اسم إشارة إلى القسمة: الذّكر لهم ولله الأنثى.

{إِذًا} : حرف جواب يفيد التّوكيد.

{قِسْمَةٌ ضِيزَى} : قسمة غير عادلة؛ أي: هي قسمة جائرة، من: ضاز في حكمه؛ أي: جار، وضاز حقه؛ أي: نقصه وبخسه، مثل: منعه حقه. وقيل: ضاز: مضغ الشيء، وخلطه؛ أي: هي قسمة لا قيمة لها أو غريبة.

ولابد من الوقوف على هذه الكلمة الغريبة الغير مستساغة النطق، فقد جاءت هذه الكلمة احتجاجاً على قسمتهم الجائرة والتّشنيع بتلك القسمة، فاختيرت هذه الكلمة التي تحمل في معناها الخسَّة والبشاعة؛ لتتناسب مع شركهم وتطابق عقولهم (الألفاظ المناسبة لمقتضى الحال).

ص: 101

سورة النجم [53: 23]

{إِنْ هِىَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} :

{إِنْ} : للتوكيد وتفيد النّفي؛ أي: ما هي إلا أسماء سميتموها.

{هِىَ} : تعود على الأصنام اللات والعزى ومناة الثّالثة الأخرى.

{إِلَّا} : أداة حصر.

{أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} : أي حجارة سميتموها بهذه الأسماء أنتم وآباؤكم (وتعني الأجداد أيضاً).

{أَنتُمْ} : للتوكيد.

{مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} : ما النّافية، (أنزل) ولم يقل نزل؛ أنزل: أقل توكيداً وأهمية للمنزل من نزل، وتعني جملة واحدة، ونزل تعني منجماً وأكثر أهمية؛ ارجع إلى سورة الأعراف آية (71) لمزيد من البيان، وهي تسميات باطلة لا حقيقة لها ولا قيمة لها وما أخبركم الله تعالى بها على لسان رسله أو في كتبه أن تعبدوها أو أنزل أيّ حجة أو برهان أو وحي.

من سلطان: من استغراقية تستغرق كلّ سلطان، والسّلطان هو إما سلطان حجة ودليل أو سلطان قهر وقوة، فالله سبحانه لم ينزل أيّ سلطان لا هذا ولا ذاك. ارجع إلى سورة الأعراف آية (71) للمزيد في معنى سلطان.

{إِنْ} : تعني ما، وإن أقوى نفياً من ما.

{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} : ما يتبعون في عبادتها إلا (أداة حصر)، الظّن: ضرب من الاعتقاد أو شكّ راجح؛ أي: ترجّح فيه طرف الإثبات على النّفي. وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (28) من نفس السورة وهي قوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْـئًا} : نجد أن الآية (28) ليس تكراراً للآية (23)، فالآية (23): الظن فيها متعلق باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، والآية (28): الظن فيها متعلق بعبادة الملائكة.

{وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} : أي ما تميل إليها الأنفُس بدون أيّ دليل شرعي. ارجع إلى الآية (3) من نفس السورة، وسورة الأنعام آية (119).

{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} : ولقد: اللام لتوكيد، قد: لزيادة التوكيد، القرآن والوحي والدّين الحق والرّسول صلى الله عليه وسلم، وجاءهم الهدى: البرهان الواضح أنّ هذه ليست آلهة.

ص: 102

سورة النجم [53: 24]

{أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى} :

{أَمْ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري والتعجب، أم المنقطعة.

{لِلْإِنسَانِ} : اللام لام الاختصاص والاستحقاق.

{مَا} : بمعنى الذي أو مصدرية؛ أي: ليس له كل ما يتمنّاه. ما أوسع شمولاً من الذي، تشمل كل شيء.

{تَمَنَّى} : مثل أن تشفع لهم الآلهة أو أنّ لهم الحسنى، والتمني: معنى في النّفس يتعلّق بما يلذّ وما يكره، وقد يتعلق بالماضي أو المستقبل، والتّمني يختلف عن المحبة والشّهوة والإرادة، وإن كان معناها متقارباً.

ص: 103

سورة النجم [53: 25]

{فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} :

{فَلِلَّهِ} : الفاء للتوكيد، لله: اللام لام الاختصاص والاستحقاق، لله وحده، يفيد الحصر.

{الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} : الملك والحكم في الأولى (الدنيا) والآخرة لله وحده وليس لأحدٍ، وليس للأصنام أو الآلهة التي يعبدونها فهي لا تنفع ولا تضر ولا تشفع ولا تقرّب، ولا تسمع ولا ترى ولا تجيب. وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (13) من سورة الليل وهي قوله تعالى:{وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} : نجد أن آية سورة الليل: جاءت في سياق المال والغنى والصدقة، وآية النجم: في سياق الحكم والملك.

ص: 104

سورة النجم [53: 26]

{وَكَمْ مِنْ مَّلَكٍ فِى السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِى شَفَاعَتُهُمْ شَيْـئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} :

{وَكَمْ} الخبرية وتفيد التّكثير؛ أي: كثير من الملائكة الكرام في السموات رغم قربهم من الله ومنزلتهم عنده لا تشفع لأحد من البشر أو الجن، أو لا تغني؛ أي: لا تنفع شفاعتهم أو تجدي.

{شَيْـئًا} : نكرة؛ أي: مهما كانت شفاعتهم قليلة أو كثيرة، أو مهما كان نوعها أو قيمتها.

{إِلَّا} : أداة حصر.

{مِنْ بَعْدِ} : من ابتدائية.

{أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} : فالشّفاعة تحتاج إلى مؤهّلات:

1 -

الإذن من الله تعالى للشافع أن يشفع.

2 -

ولابد لمن يشفع أن يكون أهلاً للشفاعة؛ أي: من أهل الإيمان والتّوحيد والعمل الصّالح.

3 -

المشفوع له من أهل التّوحيد أيضاً.

لمن: اللام للتوكيد، من: اسم موصول للعاقل.

سورة النّجم [الآيات 27 - 44]

ص: 105

سورة النجم [53: 27]

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى} :

{إِنَّ} : للتوكيد.

{الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} : لا النّافية، لا يؤمنون: بالآخرة، بالبعث والحساب.

{لَيُسَمُّونَ} : اللام لام التّوكيد.

{بِالْآخِرَةِ} : الباء للإلصاق.

{لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى} : وذلك حين زعموا أنّ الملائكة بنات الله سبحانه؛ أي: سموا كلَّ مَلك بنتاً وهي تسمية الأنثى. ارجع إلى سورة الصافات آية (149-159)، وسورة الزخرف آية (19) لمزيد من البيان.

ص: 106

سورة النجم [53: 28]

{وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْـئًا}

{وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} : ما: النافية. من علم: من استغراقية؛ تعني: ما لهم بذلك أيُّ علم مهما كان من كتاب أو وحي، أو أخبر بذلك من أحد أو شهدوا خلقهم، حتى يزعموا باطلاً أن الملائكة إناثٌ.

{إِنْ يَتَّبِعُونَ} : إن نافية؛ أي: ما يتّبعون.

{إِلَّا} : أداة للحصر والقصر.

{الظَّنَّ} : الشك: وهو الاحتمال الراجح في عقولهم، ارجع إلى الآية (23) السّابقة.

{وَإِنَّ الظَّنَّ} : إن للتوكيد.

{لَا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْـئًا} : أي الظّن لا يمكن أن يقوم مقام الحق، ولا ينوب عنه، والظّن لا يجدي شيئاً ولا اعتبار له؛ لأن الحق هو الأمر الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل، والعلم الذي ليس هناك غيره.

ص: 107

سورة النجم [53: 29]

{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} :

{فَأَعْرِضْ} : الفاء رابطة لجواب شرط مقدر هو: إن استمروا على ظنهم الباطل وأصروا على ذلك، فأعرض عنهم.

أعرض عنهم: أي لا تكلّمهم ولا تقابلهم.

{عَنْ} : تفيد المباعدة والمجانبة.

{مَنْ} : استغراقية؛ أي: أعرض وتولّى عن ذكرنا.

{تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} : أي ابتعد وأهمل، ذكرنا؛ أي: القرآن وذِكر ربه والصّلاة والإيمان والدين.

{وَلَمْ} : نافية للحال والمستقبل.

{يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} : يرد: من الإرادة: وهي العزم على فعل أو ترك أمر ما، وهي ميل اختياري؛ أي: أصبح كل همه فقط الحياة الدّنيا وشهواتها.

ص: 108

سورة النجم [53: 30]

{ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} :

{ذَلِكَ} : اسم إشارة، واللام للبعد، ويشير إلى قصر إرادتهم على الحياة الدّنيا وثوابها.

{مَبْلَغُهُم مِنَ الْعِلْمِ} : منتهى علمهم وأملهم وطمعهم الحياة الدنيا؛ أي: كل ما يعلمونه في دنياهم الأكل والشّرب واللهو واللعب والتّناسل. من: استغراقية؛ من كل العلم فلا يعلمون شيئاً عن الآخرة. وتعاموا قصداً وعمداً عنها فلا يريدون إلا العاجلة.

{إِنَّ رَبَّكَ} : للتوكيد.

{هُوَ أَعْلَمُ} هو: ضمير يفيد التّوكيد والحصر.

{بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} : الباء للإلصاق، من: اسم موصول بمعنى الذي، ضل: تاه وضاع وانحرف، عن سبيله: عن دينه.

{وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} : وهو للتوكيد والحصر، أعلم: على وزن أفعل للمبالغة، بمن: الباء للتوكيد، من: للعاقل المفرد والجمع. اهتدى: استجاب لربه واختار لنفسه طريق الهداية والسير عليه.

ص: 109

سورة النجم [53: 31]

{وَلِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَائُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} :

{وَلِلَّهِ} : تقديم الجار والمجرور لفظ الجلالة؛ ليدل على الحصر والقصر.

أي: لله ما في السموات والأرض وحده لا يشاركه فيهما أحد {مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ} : ملكاً وحكماً وتدبيراً وتصريفاً.

ما: تشمل كل شيء العاقل وغير العاقل في السموات وحدها وفي الأرض وحدها أو في كلاهما معاً.

{لِيَجْزِىَ} : اللام لام التّعليل، يجزي: من الجزاء، والجزاء من جنس العمل، وهو أعم من الأجر والجزاء يستخدم من النّفع والضّر، أما الأجر يستخدم مع النّفع فقط.

{الَّذِينَ أَسَائُوا بِمَا عَمِلُوا} : الباء السّببية أو البدلية، عملوا:(تشمل الأقوال والأفعال) بما عملوا من الكفر والشّرك والمعاصي في الدّنيا.

{وَيَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} : الذين أحسنوا في إيمانهم وتقواهم وتوحيدهم إحسان الكمّ والكيف. ارجع إلى سورة البقرة آية (112) لمزيد من البيان.

ووصفهم بالآية التالية (32) بالذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم.

{بِالْحُسْنَى} : مؤنث الأحسن، والحسنى: الجنة، وقدّم الذين أساؤوا على الذين أحسنوا؛ لأنّهم هم الأكثرية.

ص: 110

سورة النجم [53: 32]

{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} :

{الَّذِينَ} : اسم موصول يعود على الذين أحسنوا.

{يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} : الاجتناب هو الابتعاد كليّةً وعدم الاقتراب، والاجتناب أشد من التّحريم، كبائر الإثم: ومنها الشّرك وعقوق الوالدين وقتل النّفس وقذف المحصنات، وأكل الرّبا، والخمر والميسر والأنصاب والأزلام، والفرار من الزّحف، وأكل مال اليتيم.

الكبيرة: كل ذنب يؤدي إلى النّار يعتبر كبيرة.

والفواحش: ما اشتد قبحه من الأفعال والأقوال ومنها الزّنى، وقيل: الفواحش كلُّ ذنب يقام في الحد.

{إِلَّا اللَّمَمَ} : إلا أداة حصر، اللمم: صغائر الذّنوب تحتاج إلى ستر.

{إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} : يغفر الذّنوب جميعاً إلا الشّرك به والكفر إذا لم يتُب العبد، ولولا مغفرته ما ترك على ظهرها من دابة، وكما قال تعالى:{وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].

{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} : أي هو سبحانه أعلم بأحوالكم وأعمالكم وبذوات صدوركم وما يخطر على عقولكم ونواياكم.

إذ: ظرفية، أنشأكم من الأرض: أي ابتدأ خلقكم بخلق أبيكم؛ أي: خلقكم من آدم وآدم من طين، أو أنشأكم من الأرض حيث تأكلون من زرعها وحبّها وثمرها نخيلها وأعنابها.

فالنّبات يمتصّ الماء والأملاح من الأرض والغذاء أصله من الأرض، والنّشأة وتطور الإنسان يحتاج إلى هذه التغذية، ولقد اكتشف أن جسم الإنسان فيه أكثر من (18) عنصراً من عناصر أو معادن الأرض.

وقيل: الإنشاء قبل الخلق، فالإنشاء هو البداية (بداية الخلق).

{وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} : وإذ: ظرف بمعنى حين، أنتم أجنّة: جمع جنين والجنين: اسم للطفل في رحم أمه، وسمي جنيناً؛ لاستتاره في الرحم.

يعلم ما حدث لكم من تطورات خَلقية، ويعلم مكونات كل مخلوق من الجينات والحموض النّووية المركبة لكل جسم والحقائب الوراثية لكل مخلوقاته والطّفرات وما توارث عن أبيه وأمه ومن سبقهم من الآباء والأمهات، وما سيصيبه من أمراض وراثية وغير وراثية في أيّ طور من أطوار حياته.

{فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} : أي ويعلم ما تكسب كل نفس من آثام وخطايا ولَمَمٍ وذنوب وكبائر، وما كسبت في إيمانها من خير وصلاح.

فلا: الفاء رابطة لجواب مقدر؛ أي: إن كان هذا هو حالكم فلا تزكّوا أنفسكم، والتّزكية تعني تبرئة النّفس من الذنوب والآثام والعيوب، وادعاء الفضيلة والتّقوى، فلا تمدحوا أنفسكم أو تشهدوا لأنفسكم وتثنوا عليها فالله سبحانه هو وحده أعلم وأدرى بدرجة تقواكم وإيمانكم، وبدلاً من التّزكية اسألوا الله مغفرته ورحمته وأن يصلح شأنكم وأحوالكم، وتختلف هذه التزكية عن التزكية التي ورد ذكرها في الآية (9) في سورة الشمس وهي قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} ، فالتزكية في هذه الآية مستحبة ومطلوبة، وتعني: تطهير النفس؛ أي: تجنب الآثام والمعاصي.

{هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} : هو ضمير فصل يفيد التّوكيد؛ أي: هو سبحانه.

أعلم: على وزن أفعل للمبالغة، بمن: الباء للإلصاق والملازمة ومن استغراقية؛ أي: يعلم بكل من اتقى منكم؛ أي: أطاع أوامره وتجنّب نواهيه.

ص: 111

سورة النجم [53: 33]

{أَفَرَءَيْتَ الَّذِى تَوَلَّى} :

قال مجاهد: نزلت هذه الآيات في الوليد بن المغيرة الذي كاد قلبه يلين ويدخل في الإسلام بعد أن استمع إلى تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه أحد المشركين فعيّرهُ بترك دين آبائه، فقال له الوليد: خفت من عذاب الله، فقال المشرك للوليد الذي كان غنياً: أعطني كذا من المال في كل مدة من الزّمن وأنا أتحمّل عنك العذاب الذي تخاف منه! فوافق الوليد على العرض وراح يعطيه كل مدة، وقيل: نزلت في النضر بن الحارث، أو أبو جهل، أو العاص بن وائل السهمي.

ثمّ أكدى: أي أعطى ثمّ توقّف عن العطاء ولم يتمّ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السّبب.

{أَفَرَءَيْتَ} : الهمزة همزة استفهام إنكاري وتعجب، أرأيت: رؤية قلبية فكرية.

{الَّذِى} : اسم موصول يفيد الذّم في هذه الآية.

{تَوَلَّى} : ابتعد وأعرض عن اتباع الحق والإيمان والدّخول في الإسلام. والتولّي المطلق غير المقيّد في القرآن يعني: عدم الإيمان.

ص: 112

سورة النجم [53: 34]

{وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} :

{وَأَعْطَى قَلِيلًا} : من ماله للذي وعده أن يتحمّل عنه العذاب يوم القيامة.

{وَأَكْدَى} : قطع العطاء أو أعطى ولم يتمّ العطاء، مشتق من الكدية: شيء صلب كالصخرة وغيره، وأصل هذه الكلمة جاء من قصة الذي حفر بئراً ثم توقف عن الحفر بعد أن أتى على أرض صلبة فيها صخر، توقّف عن إتمام الحفر ولم يبلغ غايته؛ أي: شبّه من يعطي قليلاً ثم يمسك عن العطاء بمن يكدي؛ أي: يمسك عن الحفر بعد أن وجد صخرة صلبة.

ص: 113

سورة النجم [53: 35]

{أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} :

{أَعِنْدَهُ} : الهمزة همزة استفهام إنكاري، والضّمير يعود على الذي تولّى عن الإسلام وأعطى قليلاً وأكدى.

أعنده {عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} : أي كيف علم أن غيره يُسمح له أو يحق له أن يتحمّل عنه العذاب في الآخرة، أو هل نُبِّئ بالغيب فهو يعلم ما ستكون عليه حاله في الآخرة؟!

ص: 114

سورة النجم [53: 36]

{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَى} :

{أَمْ} : الهمزة للاستفهام والإنكار، ومعنى أم: بل؛ أي: بل لم يُنبّأ بما: الباء للإلصاق، ما: بمعنى الذي جاء في صحف موسى وإبراهيم، والنبأ: هو ألا تزر وازرة وزر أخرى.

{فِى} : ظرفية.

{صُحُفِ مُوسَى} : قيل هي عشر صحف التي أنزلت على موسى عليه السلام قبل إنزال التّوراة.

ص: 115

سورة النجم [53: 37]

{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى} :

{وَإِبْرَاهِيمَ} : أي وصحف إبراهيم، وقيل: إنّ الله سبحانه وتعالى أنزل على إبراهيم عشر صحف كما ورد في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، كم أنزل الله من كتاب؟ قال:(مائة صحيفة وأربعة كتب: أنزل على شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وعلى موسى قبل التّوراة عشر صحائف). رواه ابن حبان في صحيحه. وهناك من علماء الحديث من ضعّف هذا الحديث.

{الَّذِى وَفَّى} : بكل ما عهد إليه ربه مثل ذبح ولده وبناء البيت، والهجرة وإتمام التّكاليف الشّرعية وغيرها.

ص: 116

سورة النجم [53: 38]

{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} :

{أَلَّا} : أصلها أن: المخففة تفيد التّوكيد، لا: النّافية.

{تَزِرُ} : تحمل.

{وَازِرَةٌ} : نفس آثمة أو نفس وازرة مذنبة محمّلة بالآثام.

{وِزْرَ} : أي ذنب أو إثم نفس أخرى.

والمعنى العام: لا تحمل نفسٌ ذنب نفسٍ أخرى؛ أي: لا تحمل نفسٌ إلا ذنبها، أما إذا كانت هذه النّفس الآثمة هي سبباً لإضلال غيرها ومنعها من الهداية، عندها سوف تحمل وزها ووزر التي أضلتها عن سبيل الله كما قال تعالى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13].

{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} : [النحل: 25].

ص: 117

سورة النجم [53: 39]

{وَأَنْ لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} :

{وَأَنْ} : المخففة، أو حرف مصدري يفيد التّعليل والتّوكيد.

{لَّيْسَ} : للنفي.

{لِلْإِنسَانِ} : اللام لام الاختصاص أو الاستحقاق.

{إِلَّا} : تفيد الحصر.

{مَا} : بمعنى الذي، أو حرف مصدري. و (ما) أوسع شمولاً من الذي، وتشمل كل شيء.

{سَعَى} : عمل من خير أو شر، والسّعي: العمل؛ أي: ليس له إلا جزاء عمله فقط.

ص: 118

سورة النجم [53: 40]

{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} :

{وَأَنَّ} : للتوكيد، سعيه: عمله من خير وشر في الدّنيا.

{سَوْفَ} : أداة للاستقبال البعيد؛ أي: في الآخرة سوف..

{يُرَى} : في الآخرة، سواء كان خيراً أو شراً. يُرى: يُرى بنفسه أو قد يُرى من غيره. كما قال تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19]، {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14].

ص: 119

سورة النجم [53: 41]

{ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} :

{ثُمَّ} : للترتيب والتّراخي؛ أي: في الآخرة.

{يُجْزَاهُ} : أي يجزى العبد على سعيه أو يجزيه الله على علمه.

الجزاء: في اللغة هو الثّواب، ولكن الجزاء يكون في الخير، والشّر والثّواب يكون عادة في سياق الخير.

{الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} : التّام الكامل غير المنقوص ولو حسنة واحدة.

ص: 120

سورة النجم [53: 42]

{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} :

{وَأَنَّ} : للتوكيد.

{إِلَى رَبِّكَ} : تقديم (إلى ربك) يفيد الحصر والقصر؛ أي: إلى ربك وحده المنتهى.

{الْمُنتَهَى} : المصير والمرجع للحكم وللحساب والجزاء، إليه الانتهاء للعرض عليه كقوله:{وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [فاطر: 18].

ص: 121

سورة النجم [53: 43]

{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} :

{وَأَنَّهُ} : الواو عاطفة، أن: للتوكيد، وهاء الضّمير تعود على (ربك).

{هُوَ} : ضمير فصل يفيد التّوكيد ويفيد الحصر، فلا يقدر على ذلك إلا ربك سبحانه.

{أَضْحَكَ وَأَبْكَى} : أضحك من شاء في الدّنيا وأبكى من شاء، وقد يقول قائل: الضّحك والبكاء ناتجان عن إرادة العبد، فالضحك أو البكاء ناتجان عن مؤثرات خارجية تؤثر في أعصاب الفرد مما يؤدي إلى تراخي أو تقلص عضلات الوجه. هذا صحيح هذه آلية الضحك والبكاء، والسؤال هنا: من خلق هذه العضلات والأعصاب وجعلها تتأثر بالعواطف الداخلية؛ كي تظهر إما على شكل ضحك أو على مظهر البكاء؟ هو الله سبحانه وحده.

ص: 122

سورة النجم [53: 44]

{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} :

{وَأَنَّهُ} : الواو عاطفة، أن: للتوكيد، وهاء الضّمير تعود على (ربك).

{هُوَ} : ضمير فصل يفيد التّوكيد ويفيد الحصر.

{أَمَاتَ} : من انتهى أجله في الدّنيا من الإنس والجن والنّبات والحيوان.

{وَأَحْيَا} : من الأجنّة، وأحيا الأرض بعد موتها، وأحيا النّبات والحيوان.

ص: 123

سورة النجم [53: 45]

{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} :

{وَأَنَّهُ} : كما في الآية (43).

{خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} : الصّنفين الذّكر والأنثى في كل شيء في الإنسان والحيوان والنّبات، والموجب والسّالب في المعادن والذّرات، كقوله تعالى:{وَمِنْ كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49].

خلق كل شيء في الوجود من زوجين؛ ليبقى سبحانه متفرداً بالوحدانية لا يشاركه فيها أحد مما خلق.

ص: 124

سورة النجم [53: 46]

{مِنْ نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} :

{مِنْ} : ابتدائية.

{نُّطْفَةٍ} : الذّكر والأنثى من الإنس والجن والحيوان.

{إِذَا} : شرطية تفيد الحتمية.

{تُمْنَى} : تشكّلت وقُدّر لها أن تحيا بعد تشكّلها فهي تحوي على (50-240) مليون حيوان منوي، وأن تلتقي ويتمّ التّزاوج واللقاح، فكلّ ذلك يحتاج إلى قدرة الإله الخالق سبحانه.

ص: 125

سورة النجم [53: 47]

{وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} :

{وَأَنَّ} : للتعليل والتّوكيد عليه سبحانه.

{النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} : إعادة الإحياء والخلق؛ أي: البعث بعد الإماتة الأولى، {وَهُوَ الَّذِى يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27].

ص: 126

سورة النجم [53: 48]

{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} :

{وَأَنَّهُ} : ارجع إلى الآية (43) السّابقة.

{هُوَ} : ضمير فصل يفيد التّوكيد والحصر.

{أَغْنَى} : من شاء من عباده بالمال وغيره، وقيل: أغنى بالقناعة.

{وَأَقْنَى} : أفقر من شاء حسب ما تقتضيه حكمته ومصلحة خلائقه. وقيل: أقنى: أرضى، وأقناه؛ أي: أرضاه. والقنى: الرضى. وتقول العرب (كما ورد في مختار الصحاح): من أعطي مائة من المعز فقد أعطيَ القنى، ومن أعطي مائة من الضأن فقد أعطي الغنى، ومن أعطي مائة من الإبل فقد أعطي المنى. فهو سبحانه يعطي القليل والكثير ما يكفي وما يزيد على الكفاية.

ص: 127

سورة النجم [53: 49]

{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} :

{وَأَنَّهُ} : ارجع إلى الآية (43) السّابقة للبيان.

{رَبُّ الشِّعْرَى} : أي خالق الكواكب جميعها أو الكوكب الذي عبدته خزاعة، وقيل: حمير أيضاً، وتسمى: الشِّعرى العبور أو اليمانية، وخصّها بالذّكر من بين الكواكب؛ لأنّها كانت تعبد وكان المنجّمون يستعملونها في سحرهم ينسبون إليها أشياء خاصة باطلاً، وقيل: هو الكوكب الذي يظهر بعد ظهور كوكب الجوزاء.

ص: 128

سورة النجم [53: 50]

{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} :

{وَأَنَّهُ} : الواو عاطفة، أنّه: للتوكيد وتعود على (ربك).

{أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} : أي قوم هود سكنوا الأحقاف، والذين قالوا: من أشدُّ منا قوة؟ أهلكهم الله {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 6 ـ 7].

ص: 129

سورة النجم [53: 51]

{وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} :

وأهلك ثمود قوم صالح الذين سكنوا الحجر وعقروا النّاقة، وقالوا: يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين فأخذتهم الصّيحة مصبحين، {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ} [الذاريات: 45].

ص: 130

سورة النجم [53: 52]

{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} :

{وَقَوْمَ نُوحٍ} : وأهلك قوم نوح بالطّوفان.

{مِنْ قَبْلُ} : من قبل عاد وثمود.

{إِنَّهُمْ} : للتوكيد.

{كَانُوا هُمْ} : لزيادة التّوكيد.

{أَظْلَمَ وَأَطْغَى} : من غيرهم من الأقوام دام ظلمهم وطغيانهم (950) سنة.

ص: 131

سورة النجم [53: 53]

{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} :

قرى قوم لوط التي ائتفكت؛ أي: انقلبت بعد أن رفعها جبريل عليه السلام إلى عنان السّماء ثم قلبها.

{وَالْمُؤْتَفِكَةَ} : المنقلبة.

{أَهْوَى} : من الإهواء؛ وهو الإسقاط، أهوى بها إلى الأرض؛ أي: أسقطها على الأرض.

ص: 132

سورة النجم [53: 54]

: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} :

{فَغَشَّاهَا} : غطّاها بالحجارة، أو غشيها من العذاب ما غشّى بعد أن انقلبت عاليها سافلها.

{مَا غَشَّى} : للتهويل والتّعظيم لما صبّ عليها من العذاب أو المطر المكوّن من حجارة من سجّيل منضود.

ص: 133

سورة النجم [53: 55]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} :

{فَبِأَىِّ} : الفاء رابطة لجواب شرط مقدر تقديره: إن كانت قدرة الله على إهلاك قوم لوط بهذا الشّكل، فبأيّ آلاء ربك تتمارى؟ بأيّ: الباء للإلصاق، أيّ: استفهام.

{آلَاءِ رَبِّكَ} : أنعم ربك، أو نِعَم ربك الدّالة على قدرته وعظمته ووحدانيته.

{تَتَمَارَى} : من المراء: تشكّ وتجادل بالباطل، تتمارى: تشكّ وتجادل بالمراء، والمراء: وهو الجدال بالباطل، والكذب بعد ظهور الحق.

ص: 134

سورة النجم [53: 56]

{هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} :

{هَذَا} : الهاء للتبيه، ذا: اسم إشارة للقرب ويشير إلى القرآن أو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} : أي هذا القرآن نذير من النّذر الأولى؛ أي: من الكتب السّماوية السّابقة أو هذا النّبي محمّد صلى الله عليه وسلم من النّذر الأولى؛ أي: رسول مثل الرّسل الأولى؛ أي: ليس هو ببِدْع من الرّسل.

ص: 135

سورة النجم [53: 57]

{أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} :

{أَزِفَتِ} : دنت وقربت.

{الْآزِفَةُ} : السّاعة؛ أي: قربت السّاعة ودنت، وسميت بهذا الاسم؛ لاقترابها، وكما قال تعالى:{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} [غافر: 18]. يوم الأزفة: يوم القيامة، وله أسماء كثيرة جداً منها: الحاقة، والطامة، والصاخة، والقارعة، والواقعة

وغيرها.

ص: 136

سورة النجم [53: 58]

{لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} :

{لَيْسَ لَهَا} : ليس: نافية للحال ويمكن أن تكون للماضي والمستقبل والاستمرار في النفي. (لها) تعود على الآزفة: السّاعة.

{مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} : أي ليس هناك من هو قادر على كشفها أو مظهر لوقتها، أو يعلم متى ستحدث حتّى يخبر بها، أو يمنعها من الحدوث.

ص: 137

سورة النجم [53: 59]

: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} :

{أَفَمِنْ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري، والفاء للتوكيد.

{هَذَا الْحَدِيثِ} : هذا: الهاء للتنبيه، ذا: اسم إشارة للقرب، ويشير إلى القرآن الكريم. ارجع إلى سورة الزمر آية (23) لبيان معنى هذا الحديث.

{تَعْجَبُونَ} : فلا تصدّقون بآياته وتنكرونه؛ لأنه مخالف لما أنتم عليه من الشّرك أو عبادة الأصنام، ولأنّه يدعو إلى التّوحيد والبعث والحساب، والحق أن تعجبوا من سفاهة عقولكم التي أعرضت عنه ولم تؤمن به.

ص: 138

سورة النجم [53: 60]

{وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} :

{وَتَضْحَكُونَ} : أي استهزاءً منه ومن آياته.

{وَلَا تَبْكُونَ} : خشوعاً وخوفاً من وعيده، ولا تبكون على ما فرّطتم في حقه وفي جنب الله، وعلى سيئاتكم وذنوبكم، أو لا تبكون على خسارتكم لأنفسكم وأهليكم.

ص: 139

سورة النجم [53: 61]

{وَأَنتُمْ سَامِدُونَ} :

{سَامِدُونَ} : جمع سامِد: متكبرون، أو رافعون رؤوسكم تكبّراً. وقيل: كلّ رافع رأسه: سامِد؛ أي: متكبر، وقيل: سامدون: لاهون عن تدبُّر هذا القرآن، والسّمود بلغة أهل اليمن: الغناء، سامدون تدلّ على أنّ هذه الصّفة ثابتة عندهم، فالسّمود قد يعني: الاستكبار واللهو والإعراض والخمول معاً.

ص: 140

سورة النجم [53: 62]

{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} :

الفاء رابطة لجواب مقدّر: إن أردتم التّوبة والإنابة والرّجوع إلى الله فاسجدوا له سجود الشّكر وسجود العبادة؛ أي: الصّلاة، واعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، وأطيعوا أوامره وتجنّبوا نواهيه؛ أي: أطيعوا المعبود في كلّ ما أمر أو نهى عنه.

ص: 141

سورة القمر [54: 1]

سورة القمر

ترتيبها في القرآن (54) وترتيبها في النزول (37).

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} :

سبب النّزول: أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس أنّ أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية تدل على صدق نبوته فأراهم القمر شقتين حتى رأوا جبل حراء بينهما.

وفي رواية ابن عباس قال: اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن كنت صادقاً فشق لنا القمر فرقتين، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فعلت تؤمنون؟ قالوا: نعم، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يُعطيه ما قالوا فانشق القمر شقين أو نصفين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: يا فلان ويا فلان اشهدوا. وذلك بمكة قبل الهجرة. رواه البخاري، وذكره السيوطي في الدر.

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} : الساعة تعني: ساعة: هي لحظة تهدم ودمار النظام الكوني الحالي وزوال السموات والأرض، والذي يعقبه البعث، والحشر للحساب، والجزاء، وقد عدها الإمام الغزالي والقرطبي فبلغت حوالي خمسين اسماً، كما قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري منها: الحاقة، الطامة، الصاخة، الواقعة، الحسرة، الغاشية، الأزفة.... وغيرها.

{وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} : ارجع إلى سورة إبراهيم آية (33) وسورة يونس آية (5) للتعريف بالقمر. وبما أنّ القمر انشق على زمن الرّسول صلى الله عليه وسلم فقد اكتشفت الدّراسات الجيولوجية الحديثة أنّ هناك شقوق على سطح القمر يبلغ طولها أحياناً (125) كم، وعمقها (400) متر على شكل قنوات لا زالت الأبحاث تدرس هذه الآيات الكونية التي تدل على عظمة الله وقدرته وصدق نبوة محمّد صلى الله عليه وسلم، فانشقاق القمر من أهم معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك من أشراط الساعة أو (الأمارات أو العلامات) والدالة على قرب وقوعها رغم مضي أكثر من ألف وأربعمئة عام، والجواب على ذلك لأن الباقي من أمر الدنيا قليل بالنسبة لما مضى فيها واقتراب الساعة بتقدير علم الله سبحانه وليس بتقدير البشر.

ص: 142

سورة القمر [54: 2]

{وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} :

{وَإِنْ} : شرطية تفيد الشك والاحتمال.

{يَرَوْا آيَةً} : أيْ: معجزة دالة على صدق نبوة الرّسول صلى الله عليه وسلم مثل انشقاق القمر.

{يُعْرِضُوا} : هذا هو جواب الشّرط، يعرضوا عن الإيمان والتّصديق بالآيات.

{وَيَقُولُوا} : معطوفة على يعرضوا ويقولوا عن الآيات أو المعجزات سحر مستمر.

{سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} : سحر دائم، سحرنا به محمد وسحرنا غيره من قبل لما رأوا تتابع الآيات، أي: المعجزات، أو سحر زائل ذاهب أو سحر شديد قوي. مستمر: من مر الشيء: أيْ: ذهب.

ويقولوا سحر مستمر؛ ويقولوا: بصيغة المضارع لتدل على تجدُّد أقوالهم وتكرارها. أو حكاية الحال التي تدل على شناعة كذبهم، ولتعريف السحر ارجع إلى سورة طه الآية (58) للبيان.

ص: 143

سورة القمر [54: 3]

{وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} :

{وَكَذَّبُوا} : رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كذبوا بالآيات.

{وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} : أهواءَهم جمع هوى. ارجع إلى سورة النجم آية (3)، وسورة النساء الآية (135) لبيان معنى الهوى.

{وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} : أيْ: إلى الآن هذا الأمر لم يبلغ غايته (أيْ: أمر الدّين والإسلام) لا زال في بدايته، ولا بُدَّ لكل أمر يريده الله أن يبلغ غايته ومنتهاه ويتحقق.

كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3].

ولكل أمر حقيقة وبداية ونهاية، وبما أنّ (كلُّ) جاءت بالضم وليس بالفتح، ولم يقل: وكلَّ، فتدل على أنّ هناك أموراً لها مستقر وأموراً ليس لها مستقر، أيْ: مستمرة، ولو قال: كلَّ أمر بالفتح لدل ذلك على كل أمر له مستقر.

ص: 144

سورة القمر [54: 4]

{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} :

{وَلَقَدْ} : الواو استئنافية واللام للتوكيد، قد للتحقيق.

{جَاءَهُمْ} : أيْ: قريش أو أهل مكة والمجيء فيه معنى المشقة.

{مِنَ} : بعضية.

{الْأَنبَاءِ} : جمع نبأ، النّبأ هو الخبر العظيم أو المهم. أيْ: أنباء الأمم السّابقة المكذبة رسلها وما أصابها من الهلاك والدمار.

{مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} : ما فيه: الكفاية والموعظة والنّهي لكي يزجرهم، أيْ: ينهاهم أو يكفهم ويمنعهم عن غيِّهم وضلالهم وكفرهم وشركهم.

{مُزْدَجَرٌ} : مصدر للفعل ازدجر أو زجر، أيْ: نَهره (من الانتهار) أو محاولة المنع.

ص: 145

سورة القمر [54: 5]

{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} :

{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} : أيْ: هذا القرآن حكمة تامة بما فيه من الأنباء والمواعظ والهداية.

{بَالِغَةٌ} : كاملة تامة بلغت منتهى البيان ليس فيها نقص أو خلل بلغت الغاية التّامة في الزّجر والرّدع، وما فيه الكفاية لتزجر الكافر والضّال، حكمة بالغة:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].

{فَمَا} : الفاء للتوكيد، ما: نافية أو استفهامية.

{تُغْنِ النُّذُرُ} : أيْ: من لم ينزجر ويرتدع ويكفَّ عن غيِّه وضلاله بما في هذا القرآن من إنذار، وبما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلن ينفعه أيُّ إنذار بعده أو غيره.

{النُّذُرُ} : جمع نذير أو منذر أو الإنذارات.

ص: 146

سورة القمر [54: 6]

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَىْءٍ نُكُرٍ} :

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} : ابتعد عنهم، عن هؤلاء الكفار والمشركين والمكذبين؛ لأنّ الإنذار لا ينفع معهم، واستمر في دعوتك إلى الله تعالى، وانتظر يوم يدعُ الداعي وهو إسرافيل عليه السلام يوم ينفخ في الصّور نفخة البعث يسمعها كل حي، يسمعها من في القبور بعد النشر (الإحياء).

{إِلَى شَىْءٍ نُكُرٍ} : شيء: عظيم مروع لا تصدقه؛ أيْ: العقول وتكرهه النّفوس لم يروا مثله في حياتهم قط، وهو يوم القيامة والبعث والحساب، وهناك فرق بين نُكُر ونُكْر كقوله تعالى:{لَّقَدْ جِئْتَ شَيْـئًا نُّكْرًا} [الكهف: 74].

نُكُر: بضم الكاف أبلغ وأشد في الإنكار نُكْراً بتسكين الكاف، وهناك فرق بين المنادي والدّاعي.

المنادي: ينادي برفع الصّوت فقط والمنادي ليس بالضّرورة يطلب شيئاً.

الدَّاعي: إما أن يرفع صوته أو يخفضه، والدَّاعي يطلب شيئاً.

وهناك فرق بين الدّعاء والنّداء والرّجاء.

الدّعاء: يكون من الأدنى إلى الأعلى، أي: الأعلى شأناً أو عظمة وقدرة.

النّداء: يكون من أعلى إلى أسفل.

الرّجاء: يكون مساوٍ للمرجو منه.

ص: 147

سورة القمر [54: 7]

{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} :

{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} : جمع خاشع اسم فاعل من فعل خشع، والخشوع هو الانكسار والذّلة، ويظهر ذلك في عينيه، وصوته أو وجهه، وقلبه.

{خُشَّعًا} : على وزن فُعل يفيد التكثير والمبالغة والعدد الكبير، فحين يخرجون من الأحداث يخرجون خُشعاً أبصارهم، ثم من طول الموقف يوم الحساب تخف شدة الخشوع، وتصبح أبصارهم خاشعة، كما في قوله:{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [القلم: 43]. ليس فيها مبالغة ولا تكثير كما كان سابقاً، فهناك فرق بين خُشعاً أبصارهم وخاشعة أبصارهم، والخضوع: يظهر أثره في البدن.

{يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} : الأجداث جمع جدث وهو القبر، والقبر يسمَّى جدثاً، أو يتحول إلى جدث بعد أن يُبعث الميت من جديد، ويتحرك ليخرج من القبر، فهذه الحركة والانتفاض يحول القبر من قبر هادئ لا حركة فيه إلى قبر فيه حياة ونشاط للخروج منه، وحينئذ يسمَّى القبر جدثاً؛ أي: في مرحلة أو زمن الخروج.

{كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} : يخرج الأموات، أيْ: يبعث الأموات من أجداثهم للذهاب إلى أرض المحشر.

كأنّهم جراد منتشر: أيْ: جماعات جماعات في الكثرة والانتشار، ويبلغ عدد سرب الجراد عشرات الملايين، وهكذا سيكون الناس يوم خروجهم من الأجداث جماعات جماعات عشرات الملايين والجراد يطير عاريًا إلا من غطاء على قرنه، وهكذا يكون الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرلاً لا تغطيهم إلا جلودهم.

وبعد الوصول إلى أرض المحشر تحدث فوضى واختلاط وحيرة وتنقلب حالهم فيصبحون كالفراش المبثوث، كما قال تعالى:{يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة: 4].

ص: 148

سورة القمر [54: 8]

{مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} :

{مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} : مسرعين بخوف إلى الداعي مع مدِّ أعناقهم إلى الأمام.

الإهطاع، أهطع: أسرع في مشيه مع مدِّ العنق إلى الأمام لكي يحاول أن يرى ما الخطب أو الأمر.

{إِلَى الدَّاعِ} : وهو إسرافيل: يحاولون تلبية دعوته ويسرعون إلى إجابته.

ارجع إلى سورة إبراهيم آية (43) لمزيد من البيان في مهطعين، وكلمة الإهطاع كما وردت في القرآن في ثلاث سور، هذه الآية، وإبراهيم آية (43): والمعارج آية (36).

{يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} : حين يرون أهوال يوم البعث والحشر ويتوقعون سوء العاقبة.

{هَذَا} : الهاء للتنبيه، ذا اسم إشارة للقرب يشير إلى يوم القيامة.

{يَوْمٌ عَسِرٌ} : صعب شديد.

والسّؤال: لماذا قالوا يوم عسر وليس يوم عسير، الجواب: يوم عسر: لأنه عسر على طائفة معينة وهم الكفار، أما يوم عسير: فيوم شديد صعب على المؤمن والكافر والكبير والصّغير على (الكل) وليس على فئة معينة.

كما في قوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِى النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر: 8 ـ 9].

أيْ: عسير على الكل، ولذلك أتبع ذلك بقوله:{عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 10] أما على المؤمنين فهو يسير.

ص: 149

سورة القمر [54: 9]

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} :

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} : أيْ: قبل كفار مكة، كذبت قوم نوح.

{فَكَذَّبُوا} : الفاء تدل على المباشرة، أيْ: كذبوه مباشرة بعد أن أبلغهم أنّه رسول من رب العالمين، وتكرار كذبوا للتوكيد، كذبوه لما دعاهم إلى التّوحيد وعبادة الله وحده كذبوا تكذيباً بعد تكذيب؛ أي: مستمراً دام (950سنة).

{عَبْدَنَا} : نوح وإضافة (نا) الجمع للتشريف.

{وَقَالُوا مَجْنُونٌ} : فاقد العقل، لا يعلم ما يقول؛ أي: هو مجنون.

{وَازْدُجِرَ} : أيْ: قومه زجروه ومنعوه عن تبليغ رسالة ربه أو زجره قومه بالشتم والوعيد، وبالقول البذيء، وأنذروه بالرجم، حين قالوا له {لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: 116].

ص: 150

سورة القمر [54: 10]

{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} :

{فَدَعَا رَبَّهُ} : دعا نوح ربه.

{أَنِّى} : للتوكيد بدلاً من أنا.

{مَغْلُوبٌ} : غلبني قومي، أي: لم يصدقوني أو يؤمنوا لي، مغلوب: اسم مفعول من الفعل الثّلاثي، غلب ومغلوب يدل على صفة الغلب ثابتة لن تتغير.

دعا ربه بعد أن أوحي إليه {وَأُوحِىَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36]، دعا ربه حين قال:{رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26].

{فَانتَصِرْ} انتصر لدينك وانتقم منهم بعذاب تبعثه عليهم، والفاء تدل على التّعقيب والمباشر انتصر الآن، ولا تؤخر عذابهم.

ص: 151

سورة القمر [54: 11]

{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} :

{فَفَتَحْنَا} : الفاء للمباشرة والتّعقيب والسرعة لإجابة دعاء نوح.

{أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} : المنهمر: الهمر الصب المنصب كالوابل استعارة تمثيلية شبه تدفق المطر (الوابل) من السماء بانصباب أنهار انفتحت بها أبواب السّماء، ولم يذكر منهمر من السحاب؛ أي: بدون رؤية؛ أي: سحاب، وقيل: استمر أياماً عديدة، حتى أصبح {مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} [هود: 42].

ص: 152

سورة القمر [54: 12]

{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} :

{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} : تدل على الكثرة والمبالغة ولم يقل وفجرنا عيون الأرض، بل الأرض كلها صارت عيوناً، جمع عين وعين تجمع على عيون، أي: عيون للماء أو أعين، أيْ: أعين نبصر بها، كما تأتي في سياق القرآن الكريم.

{فَالْتَقَى الْمَاءُ} : أي: اختلط ماء السّماء وماء الأرض التقيا على أمر قد قدره الله سبحانه لإهلاك قوم نوح بالطّوفان.

{عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} : أي: على مقدار معيَّن أحدهما نازل من السماء، والأخر متفجر من الأرض، وإلا ما استطاع نوح ومن آمن معه أن يركبوا في الفلك وتعني أيضاً: من القضاء والقدر، أي: امرٌ قدره الله على قوم نوح وقضاه أزلاً في سابق علمه.

ص: 153

سورة القمر [54: 13]

{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} :

{وَحَمَلْنَاهُ} : أي: نوح ومن أمن معه.

{عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} : الفلك المصنوعة من ألوح خشبية عريضة، ودسر: جمع دسار وهو المسمار ودسره: دق المسمار ودفعه، وأصل الدّسر: الدّفع الشديد بقهر فالمسمار يدق ويدفع بقوة، ولم يقل: وحملناه على الفلك أو السّفينة وإنما استعمل الصّفات التي تقوم مقام المواصفات، أيْ: إطلاق الجزء وإرادة الكل؛ لأنّ الجو مخيف ومُرعب، وأنّ الله سبحانه هو المنجي، فالسّفينة مركبة من ألواح خشبية عديدة ومسامير.

وشبَّه الأمواج كالجبال فهي تجري بقدرة الله تعالى تجري بأعيننا بمرأى منا، وهذه هي المعجزة وهي صمود هذه السّفينة المكونة من ألواح ودسر وعدم تسرب الماء إليها وغرقها، والتي صنعت من قبل نوح الذي لم يصنع سفينة قط في حياته ولأول مرة، ولم يركب سفينة قط فسبحان من سيرها وحفظها من الغرق في هذه الأمواج التي كالجبال.

ص: 154

سورة القمر [54: 14]

{تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} :

{تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} : بمرأى منا أو تجري برعايتنا وحفظنا وحراستنا، وهذه هي المعجزة الحقة، وليست المواد المصنوعة منها سواء كانت من خشب أو من حديد، وسواء كانت هناك آلات تحركها وتديرها أم لا.

{جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} : ثواباً أو فعلنا ذلك جزاءً لنوح عليه السلام. لمن: اللام للتوكيد. من: اسم موصول بمعنى الذي، كفر: وهو نوح عليه السلام وجاء بصيغة المبني للمجهول.

كُفِرَ: جُحِدَ به، وكأن نوحاً أرسل إليهم كنعمة فكفروا بها أو لنوح الذي كفره قومُه ولم يؤمنوا له.

ص: 155

سورة القمر [54: 15]

{وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ} :

{وَلَقَدْ} : الواو عاطفة، اللام للتوكيد، قد: للتحقيق.

{تَّرَكْنَاهَا} : أي: السّفينة ذات الألواح والدّسر أبقيناها.

{آيَةً} : علامة ودليلاً أو عبرة وعظة للأجيال القادمة على كمال قدرة الله وعظمته وعنايته برسله وبالمؤمنين. ارجع إلى سورة العنكبوت آية (15) لبيان معنى آية للعالمين.

{فَهَلْ} : الفاء للتوكيد، هل: استفهام يفيد الأمر، أي: احفظوه عن ظهر قلب.

{مِنْ} : استغراقية.

{مُّدَّكِرٍ} : متعظ أو معتبر أصلها مُذتكر: حدث فيها إبدلان الأول: إبدال التاء دالاً، والثاني: إبدال الذال دالاً، ثم أدغمت الدالان فأصبحت مدّكر، من الذّكر. ومدكر: اسم فاعل من الفعل الخماسي ادّكر. مدكر: متذكر بعد النّسيان للآيات. وجملة (من مدّكر) هي جواب شرط مقدر، أيْ: إذا كان القرآن ميسراً فهل من مدّكر.

ص: 156

سورة القمر [54: 16]

{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} :

{فَكَيْفَ} : الفاء للتوكيد، كيف: للاستفهام الذي يحمل معنى التّهويل والتّعجب.

{كَانَ عَذَابِى} : بالطّوفان والغرق.

{وَنُذُرِ} : مصدر الفعل أنذر أو جمع نذير على لسان نوح المرات العديدة بمعنى أليس هذا ما يستحقونه.

ص: 157

سورة القمر [54: 17]

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ} :

{وَلَقَدْ} : ارجع إلى الآية (15).

{يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} : سهلنا القرآن للحفظ والقراءة، أو يسرنا تلاوتَه ومعناه وتدبرَه، للذكر اللام لام الاختصاص.

{فَهَلْ} : استفهام فيه معنى الحثِّ والحضِّ على حفظ القرآن وتلاوته وتدبر معانيه.

{مِنْ} : استغراقية.

{مُّدَّكِرٍ} : ذاكر يذكره أو قارئ يقرؤه أو يرتِّله. ارجع إلى الآية (15) لبيان كيف اشتقت مدكر.

ص: 158

سورة القمر [54: 18]

{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} :

{كَذَّبَتْ} : من قبلهم عاد، أيْ: قوم عاد كذبوا نبيَّهم هوداً عليه السلام، ولم يؤمنوا بالله ووحدانيَّته وبما دعاهم إليه هود.

{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} : فكيف الفاء للتوكيد، فكيف للاستفهام الذي يحمل معنى التّهويل والتّعجب والتّعظيم.

كان عذابي لهم: وصف هذا العذاب في الآية التّالية آية (19) هو الريح الصّرصر العاتية.

نذر: مصدر أنذر ونذر جمع على لسان هود أنذرهم المرات العديدة، وإذا نظرنا في الآية (21) في نفس السورة نجد مرة ثانية يقول تعالى:{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} فالأولى: قد تعني قبل أن يجعلهم كأنهم أعجاز منقعر (قبل وقوع العذاب)، والآية (21) بعد وقوع العذاب، وقيل: الأولى لتحذيرهم وما أصابهم، والآية (21) لتحذير غيرهم والاتعاظ بما أصاب قوم عاد، وقد تكون للتهويل، والتوريع، والترهيب أيضاً، وكذلك زمن تقديم العذاب على النذر.

ص: 159

سورة القمر [54: 19]

{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} :

{إِنَّا} : للتعظيم عظمة ما أرسل إليهم.

{أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ} : أي: الرّيح الصّرصر العاتية، أيْ: على قوم عاد.

{رِيحًا صَرْصَرًا} : ريح في القرآن تحمل معنى العذاب والشّر بشكل عام إلا مع سليمان عليه السلام ؛ فقد سخرها الله تعالى له ليتصرف بها كيف يشاء في الخير أو الشر بعكس الرّياح تحمل معنى الخير والمنفعة، وهذه من خصوصيات القرآن.

ريحاً صرصراً: ريح شديدة البرودة المهلكة، ولها صوت الصّرير من الصّر وهو شدة البرد الذي يصر الجلد، أيْ: يُقبض أوعية الجلد الدّموية الدقيقة؛ مما يؤدِّي إلى نقص تروية الجلد والآلام الشّديدة، وبالتّالي موت الجلد وبتر الأصابع والأطراف أو هبوط درجة حرارة الجسم؛ مما يؤدِّي إلى الإضرار بالقلب، ثم توقُّفه.

{فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} : في يوم: وفي سورة الحاقة، قال تعالى:{سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7]؛ لأن العرب تعبر باليوم عن الأيام؛ أي: في يوم شؤم مستمر دام شؤمه سبع ليال وثمانية أيام حسوماً يوم استمر عليهم ودام حتى أهلكهم وقضى عليهم. ارجع إلى سورة الحاقة آية (7) للبيان.

ص: 160

سورة القمر [54: 20]

{تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} :

{تَنْزِعُ النَّاسَ} : أيْ: تقلع النّاس فيسقطون على الأرض، كما تنقلع النّخلة من جذورها من شدة الريح الصرصر، وقيل: تنزع النّاس من البيوت أو الخيام أو من أماكنهم.

يقال: قعر النّخلة: قلعها من أصولها، أيْ: جذورها فتسقط على الأرض.

{أَعْجَازُ} : جمع عجز اسم المؤخر كل شيء وعجز النّخل أصولها، أي: من الجذر.

{مُّنقَعِرٍ} : منقطع من جذوره أو مغارسه.

فقد كانت الرّيح الصّرصر الشّديدة الهبوب ترفعهم عن الأرض وتهوي به أمواتاً، وكانوا طوال القامة فكانوا حين يسقطون على الأرض كانت جثثهم بعد هلاكهم تشبه سقوط إعجاز النّخل المنقعر، أي: المقطوع بسبب الرّيح الصّرصر التي كانت تؤدِّي إلى سقوط إعجاز النّخل على الأرض بسبب برودتها وقطع التّغذية عنها كما كان النّاس الذين يسقطون على الأرض في نفس الزّمن فترى النّاس والنّخل كلاهما ساقط على الأرض.

لنقارن هذه الآية (20) من سورة القمر، وهي قوله تعالى:{تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} والآية (7) من سورة الحاقة، وهي قوله تعالى:{فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} : شبه قوم عاد في سورة القمر بالنّخل المنقعر، وفي سورة الحاقة بالنّخل الخاوية، أي: الفارغة من داخلها، ولنعلم أن كل منقعر خاوي، والخاوي: أعم يشمل المنقعر وغير المنقعر، وكلاهما يؤدي إلى موت وسقوط النخلة. ارجع إلى سورة الحاقة لمزيد من البيان.

ص: 161

سورة القمر [54: 21]

{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} :

{فَكَيْفَ} : استفهام فيه معنى التّهويل والتّعظيم.

{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى} : بالرّيح الصّرصر العاتية.

{وَنُذُرِ} : مصدر، أو جمع نذير، أو جمع إنذار؛ أي: النذر العديدة على لسان هود حين قال لهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} [هود: 50].

{وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 52].

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء: 126].

{إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 135]. ارجع إلى الآية (18) في نفس السورة للبيان ومقارنة الآيتين.

ص: 162

سورة القمر [54: 22]

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ} :

ارجع إلى الآية (17) في نفس السورة. وتكرار هذه الآية 4 مرات للتوكيد، والحث، والحض على حفظ القرآن، وتدبره، والعمل به، والاتعاظ.

ص: 163

سورة القمر [54: 23]

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} :

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ} : قبيلة ثمود قوم صالح عليه السلام بالنّذر وهم الذين سكنوا الحجر، وأرسل الله إليهم رسوله صالحاً عليه السلام فدعاهم إلى التّوحيد فكذبوه، وقالوا: يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين.

{بِالنُّذُرِ} : أي: الرّسل جمع نذير أو جمع أنذار واحدهم منذر والباء للإلصاق والملازمة، كذبوا بالرّسل، أيْ: برسولهم صالح، وجاءت بصيغة الجمع؛ لأنّ من يكذب رسولاً إنما يكذب كل الرّسل أو النّذر؛ لأنّ الكل يحملون نفس الرّسالة: لا إله إلا لله، أو النذر هي واحدة.

ص: 164

سورة القمر [54: 24]

{فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} :

{فَقَالُوا} : الفاء للتوكيد، قالوا: أيْ: قوم ثمود قال بعضهم لبعض:

{أَبَشَرًا} : الهمزة للاستفهام الإنكاري والتّعجب.

{مِنَّا} : من جنسنا من بيئتنا ليس بأشرفنا وأفضلنا هم يريدون من جنس الملائكة.

{وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} : أيْ: نحن جمع أو عدد كبير من النّاس وهو واحد، فليس من المعقول أن يتبعه الكل فإذا فعلنا ذلك إنا لفي ضلال وسعر.

{وَاحِدًا} : تفيد التوكيد.

{لَّفِى ضَلَالٍ} : اللام للتوكيد، أيْ: ظرفية. ضلال: أيْ: في خطأ وبُعد عن الصّواب أو أشقياء، أو نكون منغمسين في الضلال أو سيحيط الضلال بنا من كل جانب، أو ستقع في الضلال.

{وَسُعُرٍ} : جنون، ومنه ناقة مسعورة أو مجنونة تسير بسرعة من دون أن تستجيب لصاحبها.

ص: 165

سورة القمر [54: 25]

{أَءُلْقِىَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} :

{أَءُلْقِىَ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري والتّعجب.

{الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا} : الذّكر: الوحي أو الرّسالة، من استغراقية، بيننا: أيْ: وفينا من أحق منه للاختيار، أو كيف خُص بالذّكر بالوحي أو النّبوة وفينا من هو أفضل منه وأحق أن يُختار، وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (8) في سورة ص، وهي قوله تعالى:{أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} ؛ ارجع إلى سورة ص الآية (8) لمعرفة الفروق بين الآيتين.

{بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} : بل للإضراب الإنكاري.

{كَذَّابٌ أَشِرٌ} : كذاب: صفة مبالغة من كاذب كثير الكذب كأن حرفته الكذب، أو دائماً يكذب، أشر: صفة أيْ: بطر متكبر والأشر: أشد من البطر فهو إنسان يسيء التصرف بالنعمة بالتبذير والكبر والعجب بنفسه والزهو، ويبالغ في ذلك.

ص: 166

سورة القمر [54: 26]

{سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} :

{سَيَعْلَمُونَ غَدًا} : السّين للاستقبال القريب، غداً: لا يعني غداً بالضّرورة إنما للتقريب، غداً: عند نزول العذاب بهم في الدّنيا، أو يمكن أن يكون يوم القيامة أو كلاهما.

{مَنِ} : استفهامية.

{الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} : أيْ: سيعلمون أنهم هم الكاذبون الأشرون.

الأشر: ارجع إلى الآية السابقة (25).

ص: 167

سورة القمر [54: 27]

{إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ} :

{إِنَّا} : للتعظيم من شأن النّاقة.

{مُرْسِلُوا النَّاقَةِ} : مخرجو النّاقة لهم كما طلبوا.

{فِتْنَةً لَّهُمْ} : ابتلاء وامتحاناً لهم على كفرهم أو إيمانهم، لهم: اللام لام الاختصاص لهم خاصة وليس لغيرهم، ولمعرفة معنى الفتنة ارجع إلى سورة العنكبوت آية (2).

{فَارْتَقِبْهُمْ} : المخاطب النّبي صالح واتباعه، والفاء عاطفة لربط المسبب بالسّبب (فاء السببية)، ارتقبهم: التّرقب الانتظار والمراقبة عن كثب حتى لا يفوته شيء.

{وَاصْطَبِرْ} : ولم يقل: اصبر، اصطبر، أيْ: داوم واستمر على الصّبر وليس مجرَّد صبر عادي.

ص: 168

سورة القمر [54: 28]

{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} :

{وَنَبِّئْهُمْ} : الخطاب إلى صالح عليه السلام، نبئهم نبئ قومك بخبر مهمٍّ أو أمر مهمٍّ هو {أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ}: أن: للتعليل والتّوكيد، قسمة بينهم: أيْ: مقسوم بينهم وبين النّاقة، انتبه إلى قوله بينهم مع أن النّاقة غير عاقلة، ولكن الله سبحانه أدخلها في العقلاء، فقال:{لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الشعراء: 155]، لها شرب يوم ولهم شرب يوم لا يشاركونها في الشّرب في يومها ولا تشاركهم في الشّرب في يومهم.

{كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} : كل: التوكيد، شرب: يعني الكمية من الماء أو النّصيب من الماء، محتضر: يحضره من كان يومه أو دوره فكأن النّاقة من عظمة الله وقدرته موحى إليها أن لا تشاركهم في يومهم.

ومُحتضر: اسم مفعول من الفعل الخماسي احتضر، أيْ: مُحضَّر ومهيَّأ.

ص: 169

سورة القمر [54: 29]

{فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} :

{فَنَادَوْا} : الفاء عاطفة للتوكيد، نادوا: صاحبهم، أيْ: نادى قوم ثمود صاحبهم، قيل: هو قدار بن سالف يحثونه على عقر النّاقة.

{فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} : تعاطى قيل: تعاطى معهم بالكلام على قتل الناقة، وقيل: انقاد لما طلبوا منه. ارجع إلى سورة الشعراء آية (155) لمزيد من البيان.

فتعاطى: من عطا يعطو، أيْ: تناول السيف، فكأنهم كانوا متردِّدين في عقر الناقة، فكل واحد يريد إعطاء غيره آلة العقر (السيف) حتى أخذه قدار بن سالف.

فعقر النّاقة: الفاء للمباشرة والتّعقيب، والعقر: هو الذّبح أو الجرح أو قطع عضو من أعضاء النّاقة؛ مما أدَّى إلى أن تنزف حتى الموت.

ص: 170

سورة القمر [54: 30]

{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} :

{فَكَيْفَ} : للاستفهام والتّهويل والتّعظيم.

{كَانَ عَذَابِى} : بالصّيحة الواحدة كانوا كهشيم المحتظر.

{وَنُذُرِ} : مصدر إنذار أو جمع نذير أو جمع إنذار على لسان صالح حين قال لهم: {تَمَتَّعُوا فِى دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65].

ص: 171

سورة القمر [54: 31]

{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} :

{إِنَّا} : للتعظيم ولتعظيم ما أرسله سبحانه عليهم.

{أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ} : على ثمود قوم صالح.

{صَيْحَةً وَاحِدَةً} : الصّيحة عذاب من السماء، واحدة للتوكيد. ارجع إلى سورة الأعراف آية (78) لمزيد من البيان في معنى الصيحة.

{فَكَانُوا} : أيْ: ثمود، الفاء للسببية.

{كَهَشِيمِ} : الكاف للتشبيه، هشيم المحتظر: هو النبات وورق الشّجر اليابس والعشب والحشيش الذي جف ويبس وتحطم وتكسر، المتهشم: أي: المتكسر المستعمل لطعام الحيوانات أو تدوس عليه الحيوانات، المحتظر: بكسر الظّاء، أي: الذي أُحضر للحظيرة لتأكله الماشية.

أو تقرأ المحتظَر: بفتح الظّاء، أي: الذي في الحظيرة، وسواء أُحضر أو كان في أرض الحظيرة من السابق.

فكانوا كهشيم المحتظر: أيْ: شبه جثث قوم ثمود بعد أن أخذتهم الصّيحة بالحشيش اليابس المتكسر الذي جمعه صاحبه في الحظيرة لماشيته.

ص: 172

سورة القمر [54: 32]

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ} :

{وَلَقَدْ} : الواو استئنافية، لقد: اللام للتوكيد، قد للتحقيق.

{يَسَّرْنَا} : سهلنا وأعنّا وهيأنا.

{الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} : للحفظ والتّلاوة (القراءة) وللتذكر والاتعاظ والتّدبر والتّعلم.

{فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ} : فهل استفهام فيه معنى الحثِّ والحضِّ على حفظ القرآن وتلاوته وتدبره، من: استغراقية، مدكر: ذاكر يذكره أو حافظ يحفظه أو قارئ يقرؤه.

ارجع إلى الآية (17) من نفس السورة لمزيد من البيان.

ص: 173

سورة القمر [54: 33]

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} :

كذبت قوم لوط بالنذر حين دعاهم لوط عليه السلام إلى عبادة الله وحده والكف عن الفاحشة، وهي إتيان الذّكران من العالمين، والكف عن الفساد وإتيان المنكر في ناديهم، كذبوا بكل إنذار كذبت، ولم يقل: كذب قوم لوط: كذبت: تدل على كثرة التكذيب. ارجع إلى الآية (23) من نفس السورة لمزيد من البيان.

ص: 174

سورة القمر [54: 34]

{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} :

{إِنَّا} : للتعظيم.

{أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} : عليهم حجارة من سجيل منضود هذا كان جزءاً من العذاب. ارجع إلى سورة الحجر آية (74) لمزيد من البيان.

{إِلَّا} : أداة استثناء.

{آلَ لُوطٍ} : أيْ: ذريته، ابنتاه.

{نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} : قيل: الجزء الأخير من الليل قبيل طلوع الفجر. (بقطع من الليل)، بسحر: الباء ظرفية زمانية، أيْ: وقت السّحر.

{نَّجَّيْنَاهُم} : ولم يقل: أنجيناهم: نجيناهم يدل على نجاتهم استغرق زمن طويل وببطء؛ أي: من قوموط، أما أنجيناهم فيدل على السّرعة.

ص: 175

سورة القمر [54: 35]

{نِّعْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِى مَنْ شَكَرَ} :

{نِّعْمَةً} : أيْ: نجاتهم كان نعمة من الله تعالى.

{مِّنْ عِنْدِنَا} : أيْ: نعمة خاصة به (بلوط)، من عندنا: ولم يقل: منا التي تدل على نعمة عامة للكافر والمؤمن، من عندنا: تخص المؤمنين (لوط وابنتيه).

{كَذَلِكَ نَجْزِى مَنْ شَكَرَ} : أيْ: مثل ذلك الجزاء بالنّجاة، كما أنجينا لوط وذريته ننجي كل مؤمن شاكر لله مطيع لأوامره ومتجنب لنواهيه، ومن شكر نعمة الأزواج كما قال تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72]، شكر نعمة السكن إلى الأزواج، والمودة، والرحمة.

من: استغراقية، شكر: نعمة ربه والشّكر يكون بالإيمان به باللسان والعمل الصّالح وطاعته وعدم جحد نِعمه التي لا تعد ولا تحصى، ومنها نعمة (ما خلق لنا ربنا من أزواجنا)، وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (14) في نفس السورة، نجد الآية (14) جاءت في سياق نوح الذي كفر به قومه فأنجاه الله على ذات ألواح ودسر، والآية (35) جاءت في سياق لوط الذي أنجاه الله وأهله من الحاصب؛ أي: المطر من سجيل منضود.

ص: 176

سورة القمر [54: 36]

{وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} :

{وَلَقَدْ} : الواو استئنافية، اللام للتوكيد، قد للتحقيق.

{أَنْذَرَهُمْ} : انظر كيف قدم ذكر نجاة لوط أولاً ثم عاد ليذكر كيف أنذرهم، وما فعلوه بعد الإنذار، وكيف أخذهم أخذ عزيز مقتدر كما أخذ آل فرعون؛ أيْ: نبيهم لوط، أنذر قومه والإنذار هو الإبلاغ مع التّحذير والتّخويف بطشتنا إضافة نون الجمع، نون العظمة للدلالة على شدتها وهولها. بطشتنا، أيْ: أنذرهم بأخذهم بالعذاب والهلاك بقوة وشدة.

{فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} : الفاء على التّرتيب والتّعقيب، تماروا: جادلوا بالباطل بعد أن بيَّن لهم لوط الحق والصّواب، وكذبوا بالنّذر وشكوا بوقوعها. فتماروا: من المراء وهو الجدال بعد تبيُّن الحق وظهوره.

ص: 177

سورة القمر [54: 37]

{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِى وَنُذُرِ} :

{وَلَقَدْ} : كما في الآية السّابقة وتفيد التوكيد.

{رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ} : المراودة المطالبة بالرّفق واللين، وأن لا يفضحهم، والمراودة تفضي إلى رفض الطّلب أو الاستجابة له، أيْ: طلبوا من لوط أن لا يمنعهم عن ضيفه، وضيفه: الضيف قد تأتي في سياق المفرد، والمثنى، والجمع، وهنا تعني: الجمع؛ أيْ: يمكنهم من ضيفه ليفعلوا الفاحشة بهم. ورفض لوط عليه السلام، وقال لهم:{هَؤُلَاءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78].

{فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} : أذهبنا نور أبصارهم فلم يروا الرّسل، أيْ: أعميناهم عمًى مؤقتاً مع بقاء العين في مكانها، وأما الطّمس على الأعين كما ورد في سورة ياسين آية (66) فيختلف عن الطّمس في آية القمر، فالطمس في سورة ياسين يعني: العمى مع المسح على العين، فلا يُرى لها مكان أو أثر مع الذّهاب بالعين كاملاً والجفن والحاجب، فلا أثر لوجود العين.

{فَذُوقُوا عَذَابِى وَنُذُرِ} : الفاء للترتيب والتّعقيب، ذوقوا عذابي ونذري الواقع وقت الشّروق وما أنذرتكم به.

ص: 178

سورة القمر [54: 38]

{وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} :

{وَلَقَدْ} : ارجع إلى الآية (36).

{صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً} : جاءهم العذاب في الصّباح وتحديداً {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} [الحجر: 73]، بكرة: هنا للتوكيد والبكرة أو النّهار.

{عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} : أيْ: عذاب دائم لم يفارقهم أو ينفك عنهم حتى قضى عليهم جميعاً، وقيل: عذاب يستمر ويدوم من ذلك الصّباح إلى أن يقذف بهم في جهنم، وبعدها خالدين فيه أبداً.

ص: 179

سورة القمر [54: 39]

{فَذُوقُوا عَذَابِى وَنُذُرِ} :

توكيد لشدة ما حل بقوم لوط، أيْ: لا حسرة ولا أسف عليهم، وفي هذا إنذار لكفار مكة.

ص: 180

سورة القمر [54: 40]

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ} :

ارجع إلى الآية (32) السّابقة للبيان.

ص: 181

سورة القمر [54: 41]

{وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} :

{وَلَقَدْ} : ارجع إلى الآية (36) للبيان.

{النُّذُرُ} : موسى وهارون والآيات التّسع ومنها العصا واليد والطّوفان والجراد والقمل والسّنين. ارجع إلى الآية (23) للبيان.

ص: 182

سورة القمر [54: 42]

{كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} :

{كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} : التّسع.

{كُلِّهَا} : توكيد بالتّكذيب.

{فَأَخَذْنَاهُمْ} : الفاء: تدخل على التعقيب والمباشرة، أخذناهم: الأخذ يدل على الانتقام بشدة وقوة؛ أيْ: عقبناهم أو انتقمنا منهم بإغراقهم في اليم عن بكرة أبيهم بما فيهم فرعون الطّاغية وجنوده.

{أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} : أخذ العزيز، أي: الذي لا يُقهر لا يُغلب، مقتدر: لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السّماء وهو على كل شيء قدير، مقتدر صيغة مبالغة من القدرة والسيطرة كثير القدرة والقدرة صفة ثابتة له.

ص: 183

سورة القمر [54: 43]

{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِى الزُّبُرِ} :

{أَكُفَّارُكُمْ} : الهمزة همزة استفهام إنكاري يقصد به النّفي.

{خَيْرٌ مِّنْ أُولَئِكُمْ} : أيْ: ما كفاركم يا أهل مكة خير أو أفضل من كفار من تقدَّمكم من الأمم السّابقة مثل قوم نوح أو عاد أو ثمود، وغيرهم الذين أهلكوا بسبب تكذيبهم برسلهم، فأنتم ليس أقل منهم كفراً وعناداً حتى يكون ذلك سبباً لشعوركم بالأمن من نزول العذاب بكم كما نزل بمن سبقكم من الأمم.

{أَمْ لَكُمْ} : أم للإضراب الانتقالي والهمزة همزة استفهام إنكاري.

{بَرَاءَةٌ فِى الزُّبُرِ} : في الكتب السّماوية المتقدِّمة أنه من كفر وكذب بالرّسل من أهل قريش كان آمناً من عذاب الله.

ارجع إلى سورة النساء آية (163) لمزيد من البيان في معنى الزبر.

ص: 184

سورة القمر [54: 44]

{أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} :

{أَمْ} : الهمزة للاستفهام الإنكاري وأم للإضراب الانتقالي.

{يَقُولُونَ} : أيْ: كفار مكة وجاء بصيغة المضارع لتدل على التّجدُّد والتّكرار.

{نَحْنُ} : للتوكيد.

{جَمِيعٌ} : للتوكيد.

{مُّنتَصِرٌ} : نحن جمع منتصر على محمّد وأصحابه، أيْ: لا نُغلب ولا نُقهر.

منتصر: اسم فاعل من فعل انتصر الخماسي على وزن مفتعل.

ص: 185

سورة القمر [54: 45]

فرد الله عليهم بقوله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} :

{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} : السّين للاستقبال القريب، وكان ذلك بعد عدة سنوات (3-4) بعد نزول هذه الآية في غزوة بدر الكبرى، فهذه الآية نزلت في مكة قبل الهجرة، وقبل فرض الجهاد تخبر بما سيحدث في بدر، وهي دليل على صدق القرآن، وأنه منزل من رب العالمين وصدق رسالة محمّد صلى الله عليه وسلم، فقد قتل أكثر من (70) من صناديد كفار قريش وأسر (70).

{وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} : وولى هارباً من بقي حياً من هؤلاء الكفار.

ويولون الدبر: ولم يقل: ويولون الأدبار؛ كما جاء في سورة الأنفال آية (15){فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} : يولون الدّبر بدلاً من الأدبار، أيْ: وحَّد الأدبار؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى جعل هزيمتهم كهزيمة رجل واحد لتهويل هزيمتهم والاستخفاف بهم. ويولون الدبر أسوأ وأبشع من تولوهم الأدبار؛ لأنّ لكل واحد منهم مقاومة واعتبار وشأن.

ص: 186

سورة القمر [54: 46]

{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} :

{بَلِ} : للإضراب الانتقالي.

{السَّاعَةُ} : أيْ: يوم تهدم النظام الكوني ويختلف عن يوم القيامة: يوم القيامة: يوم البعث وقيام الناس من قبورهم للحساب والجزاء. ارجع إلى الآية (1) من نفس السورة.

{وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} : والساعة: الواو الحالية للتوكيد. أدهى: من الدّاهية من الفعل دهى، وأدهى اسم تفضيل على وزن أفعل. وهي الأمر الفظيع الذي لا يصدقه عقل، وأَمَر: أشد مرارة وألماً من عذاب الدّنيا، وأصعب على النّفس من القتل والأسر في الدّنيا، تكرار لفظ السّاعة للتوكيد والإنذار والتّخويف. وأمر: اسم تفصيل من مرَّ.

ص: 187

سورة القمر [54: 47]

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} :

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ} : إن للتوكيد، المجرمين: المشركين الكافرين وأصحاب الكبائر. ارجع إلى سورة الأنعام آية (55)، وسورة الجاثية آية (31) لمزيد من البيان في معنى المجرمين.

{فِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} : في ضلال: في ضياع وبعد عن الحق في الدنيا، ويوم القيامة في هلاك، وسعر: نيران متأجِّجة مستعرة بهم.

ص: 188

سورة القمر [54: 48]

{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} :

{يَوْمَ} : القيامة، والتنكير للتهويل والتعظيم.

{يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} : أيْ: يُجَرُّون في النّار على وجوههم.

{ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} : سقر قيل: اسم علم من أسماء النّار أو دركة من دركاتها السبع، المس: أخف اللمس أو مجرد المس الخفيف، ذوقوا حرها وعذابها، وسُمِّيت بسقر؛ لأنّها تذيب الأجسام، مشتقة من سقرته الشمس: أيْ: أذابته. ارجع إلى سورة الرعد آية (18) لمزيد من البيان.

ص: 189

سورة القمر [54: 49]

{إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} :

{إِنَّا} : للتفخيم والتّعظيم.

{كُلَّ} : بالنّصب، لم يقل:(كلُّ) بالرّفع، بالنصب تعني: كل شيء خلقه الله سبحانه بقدر مهما كان نوعه وشكله ولونه وحجمه ووزنه، أو أيُّ شيء، ولو قال: كلُّ شيء خلقناه بقدر؛ لدل ذلك على أنّ الله خلق الأشياء على قسمين قسم خلقه الله بقدر، وقسم خلقه بلا قدر.

انظر الآية (52، 53) القادمة للمقارنة، وهي قوله تعالى:{وَكُلُّ شَىْءٍ فَعَلُوهُ فِى الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ} خلقناه بقدر: بقياس وحجم ووزن ومساحة وطول وعرض، ومحدد بحدود، وبقدر: أيْ: بقضاء وقدر من الله سبحانه، أي: مقدَّر محكم، وكما قال ابن عباس: كل شيء بقدر حتى وضع يدك على خدك.

ص: 190

سورة القمر [54: 50]

{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} :

{وَمَا} : الواو عاطفة، ما: النّافية.

{أَمْرُنَا} : إذا أردنا أيَّ أمر خلقه، مهما كان خلقه أو إحضاره أو تغييره أو تبديله أو فناؤه أو إحياؤه أو المجيء بالسّاعة وقيام القيامة. إلا كلمح البصر كما قال تعالى:{وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77].

{إِلَّا} : أداة حصر.

{وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} : واحدة، أيْ: مرة واحد كلمح بالبصر، أيْ: إذا أراد الله سبحانه شيئاً أو قضى أمراً في الخلق قال له: {كُنْ فَيَكُونُ} : كلمح البصر، أو مجيء الساعة وانهيار الكون.

ص: 191

سورة القمر [54: 51]

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ} :

{وَلَقَدْ} : الواو استئنافية، لقد اللام للتوكيد، قد للتحقيق.

{أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} : الأشياع: أعم من الأتباع، والأتباع: هم أنصار الرجل أو الرسول، والأتباع من كانوا معه فقط، ولا تضم المتأخرين الذين جاءوا بعده. الأشياع: كل من جاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير الصحابة هم أشياعه: وهي عامة، واتباعه من كانوا معه مثل الصحابة، وقد تعني أشياعكم؛ أيْ: أمثالكم في الكفر من الأمم السّابقة أو من يشابهكم في التّكذيب والشّرك والمعاصي، وأشياع تضم المتقدِّمين والمتأخِّرين.

{فَهَلْ} : الفاء للتوكيد، هل: استفهام بمعنى الأمر أو الحضِّ والحثِّ، أي: اذكروا واتعظوا وآمنوا خيراً لكم.

{مِنْ مُّدَّكِرٍ} : من ابتدائية، مدكر: متذكر متعظ. ارجع إلى الآية (17) من نفس السورة.

انتبه: إلى الفرق بين أتباع الرّجل وأشياع الرّجل.

الأتباع: من كان معه في زمنه من أنصاره. الأشياع: هم الأتباع الذين جاؤوا بعد فترة من الزّمن، والأشياع أعم من الأتباع.

ص: 192

سورة القمر [54: 52]

{وَكُلُّ شَىْءٍ فَعَلُوهُ فِى الزُّبُرِ} :

{وَكُلُّ} : بالرفع مما يدل على أن كل أعمالهم مدونة في كتب الحفظة (أعمال العبد) يعلمها الكرام الكاتبين، وهناك أعمال أخرى لا يعلمها الحفظة (الملائكة) لكي يكتبوها، والله سبحانه يعلمها كأعمال القلوب وذوات الصدور.

بخلاف قوله تعالى: {وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِى إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12].

كلَّ جاءت في سياق اللوح المحفوظ فكل شيء مدون في اللوح المحفوظ. أو قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} : فالنّصب هنا دال على عموم الخلق فليس هناك ثمة شيء لم يخلقه الله بقدر.

{الزُّبُرِ} : جمع زبور وهو كل كتاب ذي حكمة يزبر، أيْ: يزجر عن الباطل، ويدعو إلى الحق، والزّبر قد تعني: الكتب السّماوية. ارجع إلى سورة النساء آية (163) لمزيد من البيان..

ص: 193

سورة القمر [54: 53]

{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ} :

{وَكُلُّ} : ارجع إلى الآية السابقة (52)، وجاءت بالضم؛ لأن هناك أعمال أو نوايا لا تعلمها الملائكة الكرام الكاتبين، ولكن الله يعلمها ويحصيها لهم ليوم القيامة.

{صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} : من الأعمال (الأقوال والأفعال).

{مُّسْتَطَرٌ} : مكتوب مستطر: اسم مفعول من استطر؛ أيْ: تكتبه الملائكة الموكلين بالعبد؛ أيْ: الكرام الكاتبين، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17].

ص: 194

سورة القمر [54: 54]

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} :

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} : إن للتوكيد.

{فِى جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} : جمع الجنات وحدّ النّهر، بينما في الآيات الأخرى في جنات تجري من تحتها الأنهار. فلماذا جمع الجنات وأفرد النهر؛ لأن:

{وَنَهَرٍ} : اسم جنس يعني: النّهر الواحد أو الاثنين أو الثّلاثة أو أكثر. وفسر ابن عباس ونهر: قد تكون مشتقة من النهار: أي: الضياء، أي: هم في جنات ونور، وقد تعني السعة: سعة المنازل، والرزق، والعيش، وقد تعني: كل ذلك؛ فهذه الكلمة نهر: قد جمعت كل تلك المعاني.

ص: 195

سورة القمر [54: 55]

{فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} :

{فِى} : ظرفية مكانية.

{مَقْعَدِ صِدْقٍ} : في مكان مرضيٍّ حقٍّ ثابت لا يزول ولا يتغيَّر، ويعني الخير: وهو الجنة؛ فهي المقام الوحيد الصدق الذي لا يزول.

{عِنْدَ} : العندية هنا لا مثيل لها، عندية القربى والزّلفى والدّرجة الرّفيعة.

{مَلِيكٍ} : أيْ: الملك العظيم الحاكم؛ بل هو: أعظم الملوك ذو الملك الواسع الذي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وليس ملك، مليك أبلغ من ملك على وزن فعيل، وتدل على الثّبوت عند مليك عظيم القدرة سبحانه وتعالى.

{مُّقْتَدِرٍ} : القدرة: البالغة التي لا يحدها والتي لا نهاية لها، تفيد المبالغة في القدرة لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السّماء عظيم القدرة والعطاء والجزاء والكرم شديد القدرة، ومقتدر أبلغ من قدير.

ص: 196

سورة الرحمن [55: 1]

سورة الرحمن

ترتيبها في القرآن (55) وترتيبها في النزول (97).

{الرَّحْمَنُ} :

انتهت سورة القمر بقوله: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} هو الرّحمن أو مليك مقتدر، الرّحمن، وابتدأت هذه السورة باسم من أسماء الله الحسنى (الرحمن)، وختمت باسم آخر من أسمائه الحسنى (ذي الجلال والإكرام).

من أسماء الله الحسنى المشتقة من الرّحمة صيغة مبالغة على وزن فعلان كثير الرّحمة لا أرحم منه لخلقه، ويدل على التّجدد والتّكرار أي رحمته تعالى في تجدد وتكرار واستمرار وقد قيل أنّه رحمان الدّنيا رحمته تشمل المؤمن والكافر.

وأمّا الرّحيم فهو خاص بالمؤمنين. ارجع إلى سورة الفاتحة آية (1) لمزيد من البيان.

ص: 197

سورة الرحمن [55: 2]

{عَلَّمَ الْقُرْآنَ} :

يستهل الله سبحانه سورة الرحمن بذكر أعظم النعم الإلهية على عبده وأجلها على الإطلاق نعمة تعلم القرآن.

{عَلَّمَ الْقُرْآنَ} : أيْ: علم تلاوته ومعانيه وحفظه وتدبره، وتم ذلك عن طريق جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة، ثم الصحابة إلى التابعين، وهكذا حتى وصل إلينا.

فبدأ باسم الرّحمن المشتق من الرّحمة، ومن أجلّ وأعظم مظاهر رحمته تعالى أنّه علَّم عباده القرآن، ويسره عليهم، فقد قال في أربع آيات في سورة القمر:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17]؛ ليؤكد على هذا الأمر العظيم.

ص: 198

سورة الرحمن [55: 3]

{خَلَقَ الْإِنسَانَ} :

لطاعته ولعبادته، فقد قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وعبادته سبحانه لا تتم إلا بتعلم القرآن، فكيف نصلي من دون القرآن، وقدَّم علم القرآن على خلق الإنسان؛ لأنّ القرآن العظيم أسبق في الوجود من خلق الإنسان، وكأنّ إحدى العلل لخلق الإنسان هي تعلم القرآن.

وكلمة الإنسان مشتقة من الإنس خلاف النّفور، أيْ: يأنس بغيره أو مشتقة من الإيناس؛ أي: كونه يُرى وظاهر، وليس كالجن مختفياً عن الأبصار.

الإنسان: اسم جنس.

ص: 199

سورة الرحمن [55: 4]

{عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} :

{عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} : هاء الضمير تعود على الرحمن، فالرحمن علم آدم الأسماء كلها، فهو أول الأنبياء وعلم الرسل والأنبياء عن طريق الوحي، ثم تعلم جيل عن جيل.

{الْبَيَانَ} : يعني: القدرة على التعبير عما يجول في النفس؛ أي: النّطق والكتابة والفهم والقول، والقدرة على التعلم والتعبير، والبيان في الحقيقة: إظهار المعنى للنفس كائناً ما كان؛ فهو في الحقيقة من قبيل القول. (معجم الفروق اللغوية).

ص: 200

سورة الرحمن [55: 5]

{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} :

{بِحُسْبَانٍ} : الباء للإلصاق؛ بحسبان: (للاستعانة بها على حساب الزّمن)، حسبان: على وزن فعلان صيغة مبالغة في الحساب والدّقة للزمن، فهو ليس مجرد حساب، ولكنه حسبان لا يحتمل أدنى خطأ أو زلل نحسب اليوم والشّهر والسّنة والسّاعة والدّقيقة والثّانية، وأقل من ذلك.

الشّمس بحسبان قد تعني: بحساب دقيق معلوم كم تبعد بُعداً ثابتاً لا يتغيَّر عن الأرض، وعن غيرها من الكواكب وعن القمر، وكم سرعة دورانها وجاذبيتها ودورانها حول مركز المجرة، والقمر كذلك بحساب دقيق كم يبعد عن الأرض وعن الشّمس وغيره من الكواكب وسرعة دورانه حول نفسه وحول الأرض وحول الشّمس، فلو اقترب القمر قليلاً من الأرض لجذبته الأرض وارتطم بها، ولو ابتعد قليلاً عن الأرض لانعدم المد والجزر في البحار، ولجذبته كواكب أخرى.

الشمس بحسبان: أيْ: نحسب بها السّاعات، ونعرف بها وقت الفجر والظّهر والعصر والمغرب والعشاء، ونحسب بها اليوم والسّنة الشّمسية.

والقمر: نحسب به الشّهر والسّنة القمرية.

إذن لحساب الزمن، أي: الأيام والسّاعات والشّهور والسّنين نعتمد على نظامين.

النّظام الشّمسي والنّظام القمري. فدورة الأرض حول محورها تحدِّد اليوم ووقوع الشمس في أحد الأبراج الاثني عشر يحدِّد لنا الشهر الشمسي.

ودورة الأرض في مدارها حول الشمس تحدد السنة.

ودورة القمر حول الأرض يحدد الشهر القمري. ارجع إلى سورة الإسراء آية (12) للبيان المفصل في السنة الشمسية والسنة القمرية.

وثبات بعض الأجرام عن بعضها البعض بما فيها الشمس والقمر والأرض والنجوم وغيرها من أعظم دلالات قدرة الله وعظمته.

ص: 201

سورة الرحمن [55: 6]

{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} :

{وَالنَّجْمُ} : النّبات الذي لا ساق له، وسُمِّي النّبات بالنّجم؛ لأنّه يظهر ويطلع من الأرض، أو ينجم من الأرض.

{وَالشَّجَرُ} : الذي له ساق.

{يَسْجُدَانِ} : لله تعالى ـ سجود لا يعلم كهنه إلا الله ـ كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ} [النحل: 49].

وقيل: السّجود هو الخضوع والسجود لا يكون إلا لله وحده.

والشمس والقمر آيتان في السماء والنجم والشجر آيتان في الأرض والكل يسجد ويسبح لخالقه ويخضع له.

يسجدان: بصيغة المضارع تدل على التّجدُّد والتّكرار.

ص: 202

سورة الرحمن [55: 7]

{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} :

{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} : بعمدٍ لا نراها وبناها بأيد (بقوة وتماسك) بالقوى الكهرومغناطيسية وقوى الجاذبية والنووية؛ مما يدل على عظمته وقدرته.

ارجع إلى سورة الرعد آية (2) لمزيد من البيان..

{وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} : خلق الميزان، أيْ: أوجد الآلة التي نزن بها الأشياء ليتحقق العدل والقسط، وهذا من أكبر النعم حتى يقام القسط.

ص: 203

سورة الرحمن [55: 8]

{أَلَّا تَطْغَوْا فِى الْمِيزَانِ} :

{أَلَّا} : أصلها (أن): التّعليلية و (لا): الناهية.

لكي لا تجوروا في الميزان بالتّطفيف في الكيل والوزن، كما قال تعالى:{إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 2-3].

{أَلَّا تَطْغَوْا فِى الْمِيزَانِ} : أيْ: تأخذوا ما ليس لكم به حقٍّ. ارجع إلى سورة المطففين آية (1-3).

ص: 204

سورة الرحمن [55: 9]

{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} :

{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} : القسط في اللغة: النّصيب والحصة، واصطلاحاً: العدل مع التّنفيذ، أيْ: زنوا بالقسطاس المستقيم والقسط، يعني: عدم الجور والظّلم حين البيع أو الشّراء، فإذا ابتعتم أو اشتريتم فلا تأخذوا أكثر من حقكم ونصيبكم، وإذا بعتم لا تخسروا الميزان؛ أيْ: تنقصوا الميزان، وقوله تعالى:{أَلَّا تَطْغَوْا فِى الْمِيزَانِ} ، {وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} للتأكيد على إيفاء الحقوق لأصحابها، وكذلك الحكم بالعدل كما قال تعالى:{وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]، ثم بعد الحكم عليكم بتطبيق الحكم وليس مجرد الحكم.

والباء للإلصاق والإلزام، فقد يكون الإنسان عادلاً، وليس بالضرورة مقسطاً، وفي القرآن الكريم نجد أن الوزن يأتي مقروناً بالقسط، والقسطاس هو الميزان، كما قال تعالى:{وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسراء: 35].

ص: 205

سورة الرحمن [55: 10]

{وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} :

{وَالْأَرْضَ} : هذه الأرض التي تكونت منذ (4، 54 بليون سنة).

{وَضَعَهَا} : أعدها وهيأها؛ أي: {دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات: 30-32]، وتم إعدادها الذي استغرق ملايين السنين لنراها اليوم كما هي، ونتمتع وننتفع بها فهي من أكبر النعم.

{لِلْأَنَامِ} : اللام: لام الاختصاص للخلق الجن والإنس، فالأنام يشمل الإنس والجن، وأما البشر تعني: الإنس (الإنسان).

ص: 206

سورة الرحمن [55: 11]

{فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} :

{فِيهَا} : أيْ: في الأرض ظرفية.

{فَاكِهَةٌ} : اسم جنس، وتشمل الفواكه والثمار فهو أعم من فواكه؛ أي: يشمل المفرد والمثنى والجمع، وأما فواكه فهي للجمع.

{وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} : الأكمام جمع كم، أي: النّخل ذات الأوعية التي يكون فيها الثّمر، كم: أو الطّلع قبل أن يتفتق.

ص: 207

سورة الرحمن [55: 12]

{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} :

{وَالْحَبُّ} : كل ما يقتات به من الحبوب مثل البر والشّعير والقمح والأرز والذّرة وسائر ما يتغذى به من الحب.

{ذُو الْعَصْفِ} : ذو التّبن والقشر سُمِّيَ عصفاً؛ لأن الرّياح تعصفه فيطير لخفته.

{وَالرَّيْحَانُ} : كل مشموم طيب الرّائحة من النّباتات والزّهور للتلذذ بطيب رائحته.

ص: 208

سورة الرحمن [55: 13]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

{فَبِأَىِّ} : الفاء رابطة لجواب شرط مقدَّر، أيْ: إذا كانت هذه كلها من نعم الله تعالى، فبأيِّ النّعم تكذِّبون، أيِّ: استفهام تقريري وجوابه هو: ويل يومئذ للمكذبين.

{آلَاءِ} : النّعم مفردها إلي.

{رَبِّكُمَا} : الخطاب موجَّه إلى الثّقلين الإنس والجن.

{تُكَذِّبَانِ} : تجحدان أو تكفران: الكفر لغة هو السّتر.

وقد كرَّر سبحانه هذه الآية (31) مرة في السّورة للتذكير بنعم الله والتوكيد عليها والتي لا تعد ولا تحصى، فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها على الثّقلين سألهم أن يشكروا الله تعالى عليها وأن لا يكذبوها ولا ينكرونها.

ص: 209

سورة الرحمن [55: 14]

{خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} :

لفهم هذه المرحلة من خلق آدم لا بُدَّ من ذكر المراحل التي مرَّ فيها خلق آدم عليه السلام.

فالمرحلة الأولى: من تراب.

والمرحلة الثانية: من طين: تراب+ ماء، ووصفه بأنّه طين لازب، أي يلتصق باليد.

المرحلة الثّالثة: مرحلة الحمأ المسنون، أيْ: ترك الطّين اللازب ليجفَّ ويصيبَه العفن نتيجة تفاعل البكتريا في التّراب، ثم يصبح الطّين مسوداً نتناً وتتغيَّر رائحته، المسنون: المتغيِّر بسبب مكثه فترة طويلة.

المرحلة الرابعة: الصلصال فالطين الذي جف وتعفن (نتن) واسودَّ بعد تركه زمناً طويلاً يصبح له صوت إذا نقر عليه يشبه صوت الصّلصال، أي: الفخار أو الخزف.

المرحلة الخامسة: مرحلة نفخ الروح. ارجع إلى سورة الحجر آية (26) لمزيد من البيان.

ص: 210

سورة الرحمن [55: 15]

{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَّارِجٍ مِنْ نَّارٍ} :

{وَخَلَقَ الْجَانَّ} : أيْ: إبليس أبا الجن من مارج.

{مَّارِجٍ} : لهب النّار الصّافي، أي: الخالي من الدخان، من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر، وقيل: المختلط بسواد النّار من مرج إذا اختلط واضطرب.

ص: 211

سورة الرحمن [55: 16]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 212

سورة الرحمن [55: 17]

{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} :

أولاً: إذا نظرنا في هذه الآية نجد أنّها تختلف عن الآيات الأخرى وهي قوله:

{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [الشعراء: 27].

{بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج: 40].

فقد تكرَّر ذكر (ربِّ) مرتين في هذه الآية، وصيغة المشرق والمغرب بالتثنية، وتكرار كلمة (ربِّ) تدل على أنّ هناك مشرقين ومغربين مختلفين في الزّمان والمكان.

عند خط الاستواء يصبح للأرض نهايتين أقصى اليمين وهو الشرق.

وأقصى اليسار وهو الغرب، فعندما تدور الأرض حول محورها يتبدلان ويصبح هناك مشرقان للأرض ومغربان.

وأما قوله تعالى: رب المشارق والمغارب، فيعني: لو تحركنا مع خطوط الطول والعرض لوجدنا ملايين المشارق والمغارب للشمس على الأرض.

وأما قوله تعالى: رب المشرق والمغرب، فالأرض لها شمال حقيقي واحد ودائم يحدِّده لنا ربنا بالقطب الشمالي، ورغم حركة الأرض أو الكون يبقى القطب الشمالي يشير إلى الشمال ومقابل الشمال الجنوب، وبمعرفة الشمال والجنوب نحدِّد الشرق والغرب الحقيقي.

ص: 213

سورة الرحمن [55: 18]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 214

سورة الرحمن [55: 19]

{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} :

{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} : من المروج وهو الاختلاط مرج خلط، ولم يحدد في هذه الآية:{هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} كما جاء في الفرقان آية (53) يعني: أيَّ بحرين في العالم، لم يحدَّد مثل البحر الأحمر، والبحر المتوسط، أو البحر العذب مع البحر المالح الأجاج؛ أي: يوجد برزخ بين أي بحرين.

ص: 215

سورة الرحمن [55: 20]

{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} :

البرزخ: حاجز فاصل.

{لَا يَبْغِيَانِ} : أيْ: كل منهما لا يطغى على الآخر، فرغم وجود المرج (الاختلاط) الذي يظهر للعيان (العين) فإنّ مائهما لا يختلطان حقيقة، فلكل منهما تركيبة من حيث الشّوارد المعدنية، ومن حيث الملوحة والكثافة وحيواناته الخاصة به وحرارته، فهناك برزخ، أيْ: حاجز فاصل مكاني حقيقي بينهما يمنعهما من الاختلاط، أو أن يطغى أحدهما على الآخر.

وتفسير ذلك أن الأملاح تتأين تتفكك إلى ذراتها الحاملة لشحنات موجبة وسالبة، وتقف هذه الشحنات على حواف كل ماء لتتنافر مع الشحنات المتشابهة في الماء المجاور، وتجعل هذا الحاجز مانعاً حقيقيّاً يحول دون اختلاط الماءين اختلاطاً كاملاً وتجعل البيئة بيئة حقيقية مغلقة على ما فيها من أنماط الحياة ووجد العلماء أن مياه البحار كما تتمايز أفقيّاً وتتمايز رأسيّاً، أيْ: إذا أخذنا عموداً من الماء نجد فيه ماء من بيئات مختلفة (استوائية، ومعتدلة، وباردة

).

ووجد العلماء أن الماء في البحر الواحد له ألوان متعددة مختلفة متجاورة تمتد لمساحات كبيرة، فكل بحر له ألوان خاصة به. ويتجلى ذلك لكل من يركب الطائرة، وينظر إلى ملتقى البحرين من الأعلى..

وقد دلت الأبحاث والتّجارب العلمية على هذه الحقيقة العلمية التي ذكرت في القرآن منذ أكثر من 1400عام؛ مما يدل على أنّ القرآن تنزيل من العزيز الحكيم.

ص: 216

سورة الرحمن [55: 21]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 217

سورة الرحمن [55: 22]

{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} :

يخرج بالغوص والعثور على اللؤلؤ والمرجان.

وهي أحجار تسمَّى أحجار كريمة تستخدم للحُلي والزينة، ونصنع منها العقود والأساور والخواتم، فاللؤلؤ يتكون داخل حيوان المحار والمرجان يتكون من حيوان المرجان. وكلاهما من الحيوانات لافقارية، وكلاهما له ألوان مختلفة وكلاهما يشكل مصدراً للرزق.

{اللُّؤْلُؤُ} : الدّر يخرج من المياه العذبة. والمياه المالحة.

{وَالْمَرْجَانُ} : الخرز الأحمر. لا يخرج، أو لا يحيا إلا في الماء المالح فقط.

ص: 218

سورة الرحمن [55: 23]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 219

سورة الرحمن [55: 24]

{وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَـئَاتُ فِى الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} :

{وَلَهُ} : تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، له وحده.

{الْجَوَارِ الْمُنشَـئَاتُ} : الجوار: السّفن (الفلك)، المنشآت: الإنشاء هو الإحداث، أي: المصنوعات، ويطلق على الجوار الجريات أحياناً من حيث وصفها.

{فِى الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} : جمع علم وهو الجبل الطّويل، أيْ: شبّهَ السّفن التي تمخر البحار بالجبال الشّاهقة الطّويلة التي تحمل على ظهرها ما لا يتصوره عقل من البشر والمتاع والحاجات، وأحياناً الطّائرات والمدرعات والصّواريخ.

ص: 220

سورة الرحمن [55: 25]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 221

سورة الرحمن [55: 26]

{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} :

{كُلُّ} : للتوكيد.

{مَنْ} : استغراقية، وتشمل المذكر والمؤنث والمفرد والجمع، من إنس وجن وحيوان وسائر المخلوقات، ومن للعاقل وغلب العقلاء، والمراد الثّقلان الإنس والجن.

{عَلَيْهَا} : على الأرض.

{فَانٍ} : ميت أو هالك.

ص: 222

سورة الرحمن [55: 27]

{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} :

{وَجْهُ} : يقصد به الذّات ذات الله سبحانه، ويطلق على هذا في بديع اللغة: المجاز المرسل، وهو إطلاق الجزء وإرادة الكلّ، كقوله تعالى:{كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] أيْ: ذاته، {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [لقمان: 22] أيْ: ذاته.

(ذو) نعت للوجه مرفوع وعلامة رفعه الواو، فذو تعود على الوجه وبالتّالي على الذّات.

{الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} : الجلال: ذو العظمة من جل الشّيء، أيْ: عَظُمَ إشارة إلى صفات الكمال، ذو المجد والكبرياء، والإكرام: ذو الفضل التّام والإحسان والإنعام والجود والكرم على عباده، وقيل: الجلال صفة ذاته والإكرام صفة فعله.

ص: 223

سورة الرحمن [55: 28]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 224

سورة الرحمن [55: 29]

{يَسْـئَلُهُ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} :

{يَسْـئَلُهُ} : يدعوه ويطلب منه جميع خلقه ما يحتاجون إليه في كلّ شأن من شؤون حياتهم، وحال من أحوالهم.

{مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ} : من للعاقل واستغراقية، تعني: للجميع، في السّموات: أي: الملائكة يسألونه أن يغفر للذين آمنوا، ولمن في الأرض كقوله تعالى:{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدتَّهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر: 7-9]{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِى الْأَرْضِ} [الشورى: 5].

{الْأَرْضِ} أي: الإنس والجن، يسألونه الرّزق والصّحة والعافية والأمن والمتاع والأولاد والأهل وكلّ شيء.

{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} .

{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} : كلّ: تفيد التّوكيد. واليوم: قد يعني يومنا (24ساعة)، أو اليوم في القرآن يعني: مقابل النهار، مع شأنه لا ينتهي ليلاً ولا نهاراً؛ فهو في شأن دائماً، وكل لحظة يبدأ فيها يوم تسمى آن؛ أي: كل آن في شأن.

الشّأن: لا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور، فكلّ حال شأن وليس كلّ شأن حال، الشّأن أعم والحال أو الأمر الأخص.

أيْ: كلّ وقت ولحظة يحدث أموراً ويجدِّد أحوالاً حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكمة البالغة، فيغفر ذنوباً ويُفرج كروباً ويرفع أقواماً ويضع آخرين، يحيي ويميت، يعز ويذل يُغني ويفقر ويجيب داعياً، ويعطي سائلاً ويخلق ويرزق ويشفي ويُمرض ويعافي ويبتلي.

ص: 225

سورة الرحمن [55: 30]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 226

سورة الرحمن [55: 31]

{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} :

{سَنَفْرُغُ} : السّين للاستقبال القريب، سنفرغ: الفراغ هنا هو القصد إلى الشّيء والإقبال عليه كمن تفرَّغ وتهيّأ واستعد للحساب والجزاء، ولم يشغله شاغل، أيْ: سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم على أعمالكم عن القريب، أي: يوم القيامة، وفي هذا تهديد ووعيد للثقلين الجن والإنس.

ص: 227

سورة الرحمن [55: 32]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 228

سورة الرحمن [55: 33]

{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} :

{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ} : ياء النّداء للبعد، معشر الجن والإنس: أي: الثّقلين.

{إِنِ} : شرطية تفيد الاحتمال والشّك.

{اسْتَطَعْتُمْ أَنْ} : أن: حرف مصدري يفيد التّعليل.

{تَنْفُذُوا} : تخرقوا يقال: نفذ المسمار في الخشب، أي: خرق إلى الجهة الأخرى، أيْ: خرق الخشب وظهر من الجهة المقابلة.

{مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} : القطر هو الخط الواصل من أحد الأطراف إلى الطّرف المقابل مروراً بالمركز، أقطار السّموات: لنفرض فقط أننا نتحدث عن مجرَّتنا التي يطلق عليها مجرة التّبانة، فقطرها الأكبر يقدَّر بحوالي مئة ألف سنة ضوئية على أقل تقدير، ويقدَّر قطرها الأصغر بـ (10) آلاف سنة ضوئية على أقل تقدير، فإذا فرضنا أنّ الإنسان عنده مركبة فضائية بسرعة الضّوء ويركب فيها ليقطع أقصر قطر لمجرة التّبانة التي هي واحدة من مليارات المجرات. فهو يحتاج إلى مدة تصل (10) آلاف سنة من سنيننا، وهي تجري بسرعة الضوء.

وهذا مستحيل؛ لأنّ عمر الإنسان مهما طال (80-100سنة)، مثال: صعوده إلى القمر لم يتجاوز ثانية ضوئية واحدة، فلكي يخرج الإنسان من أقرب الأقطار إلى الأرض، فإنّه يحتاج على الأقل إلى (20) ألف سنة، وهو يتحرك بسرعة الضّوء كي يخرج من أقطار مجرتنا، وهل يمكن للإنسان أن يحيا (20) ألف سنة، حتى ولو كانت سنة غير ضوئية، حتى عالم الجن الذي هو أقوى من عالم الإنس يستحيل عليه التّفكير بذلك لوجود الأشعة القاتلة للخلايا الحية، وهي بمثابة النّار التي لا دخان لها.

أمّا بالنّسبة لأقطار الأرض وبما أنّ الأرض بيضاوية الشّكل متوسط قطرها الاستوائي (12713كم)، ورغم التّطور في أجهزة الحفر بحثاً عن النّفط والغاز، فإنّ الإنسان حتّى اليوم لم يتجاوز عمق (13كم) من قطرها (12713كم)، وهذا يمثل (1%) من قطرها، وكلما ازداد الحفر يقابله ازدياد في الضّغط وارتفاع درجات الحرارة إلى درجات عالية قد تؤدِّي إلى صهر تلك الأدوات وإثارة البراكين وخروج الحديد ومعادن الأرض السّائلة في طبقاتها القريبة من المركز.

إذن هذه الاكتشافات العلمية تدل على استحالة النّفاذ من أقطار السّموات والأرض، وتؤيِّد ما جاء في هذه الآية الكريمة التي تتحدَّى كلّاً من الجن والإنس بالنّفاذ من أقطار السّموات والأرض.

{فَانفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} .

{فَانفُذُوا} : فيها تحدٍّ للإنسان ودعوة من الله سبحانه للإنس والجن أن ينفذوا إن استطاعوا ليتعرفوا إلى قدرة الله سبحانه، وذلك بغزو الفضاء والوصول إلى القمر أو إلى المريخ أو الدّوران حول الأرض والوصول إلى الكواكب الأخرى.

وهذا النفاذ البسيط الجزئي الذي لا قيمة له عند الله، ولن يتحقق إلا بسلطان.

{بِسُلْطَانٍ} : الباء للإلصاق، أي: الإلزام والسلطان: هو الله سبحانه؛ لأنه العليم القدير مصدر السلطان وحده، لا تنفذون إلا بسلطان، وليس السلطان هو سلطان العلم فقط، وإنما الله وحده الذي يوفِّق ويعلِّمُ عباده ما يشاء، وهذا النفاذ هو نفاذ من جزء ضئيل جدّاً جدّاً ومحدود لا يتعدَّى ولا يقترب حتى من السماء الأولى، فما بالك بأقطار السموات والأرض، فنصف قطر الأرض كما قلنا يقدَّر بحوالي (13000كم) لم يخترق الإنسان منه إلا (13كم) فقط، أيْ: ما يساوي أقل من (1%)، ويحتاج إلى (24) ألف مليون سنة ضوئية ليصل إلى أبعد نقطة في السماء الدنيا فقط، فما بالك بالسموات السبع؟!

ص: 229

سورة الرحمن [55: 34]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 230

سورة الرحمن [55: 35]

{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ} :

علمنا من الآية (33) أنّ النّفوذ المطلق من أقطار السّموات والأرض أمر مستحيل، والنّفوذ المحدود يمكن أن يحدث بإذن من الله وبسلطان منه، وتقدُّم الاكتشافات الفضائية، وهذه الآية تتحدث عن الأخطار التي ستحل بكلّ من يحاول اختراق طبقات السّموات والأرض؛ لأن الفضاء الكوني مليء بالأشعة الحمراء أو فوق البنفسجية أو الأشعة القاتلة لخلايا الإنسان، والتي شبهها القرآن بمثابة شواظ من نار أو إذا حاول الإنسان اختراق قشرة الأرض اليابسة التي يبلغ سمكها (60) كم قد يؤدِّي إلى انفجار وبراكين وتصاعد المواد المنصهرة أو السّائلة في طبقات الباطنة للأرض والمشكلة من الحديد والنّحاس.

وتشكيل براكين ثائرة بشواظ النّار المتولدة عن الغاز والبترول والمواد المذابة مثل الحديد والنّحاس هذه البراكين التي لن يستطيع الإنس والجن على التّغلب عليها وإيقافها من التّدفق والتّطاير وإهلاك الحرث والنّسل.

ص: 231

سورة الرحمن [55: 36]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

والسؤال هنا: هل إرسال الشّواظ والنّحاس من النّعم؟

الجواب: نعم لأن التّذكير بها والتّحذير منها والإنذار من النّعم حتى لا يغفل عنها العبد، ويهمل الاستعداد لها حتّى ينجو من النّار والبراكين وتلوث البيئة الذي قد يجلب الويلات للبشر.

ص: 232

سورة الرحمن [55: 37]

{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} :

بعد ذكر عدد من النّعم والآلاء ينتقل إلى التّذكير بيوم القيامة وبعض أهواله وأحداثه.

{فَإِذَا} : الفاء استئنافية، إذا: ظرفية زمانية للمستقبل تدل على حتمية الحدوث.

{انْشَقَّتِ السَّمَاءُ} : تحمل عدة معانٍ، منها: انفطرت فرجت فتحت انفجرت، انشقت السّماء: أي: تنفجر، السّماء المليئة بالنّجوم وبالكواكب ولكثرة عدد النّجوم والكواكب التي تقدر بالمليارات تصبح السّماء ذات ألوان كألوان الطّيف، ويغلب عليها اللون الأحمر، وتبدو حينذاك لمن يراها كأنّها بصورة وردة حمراء كالدّهان. مصبوغة باللون الأصفر والأخضر وغيرها من الألوان.

ص: 233

سورة الرحمن [55: 38]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 234

سورة الرحمن [55: 39]

{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْـئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} :

{فَيَوْمَئِذٍ} : الفاء: عاطفة أو استئنافية، يومئذ مركبة من يوم (ظرف زمان) إذ: اسم ظرفي.

{لَا} : لا النّافية.

لا يُسأل عن ذنبه إنس ولا جان: قيل: يحدث هذا أول ما تبعث الخلائق، كما قال تعالى:{هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} . [المرسلات: 35].

ثم بعد ذلك يؤذن لهم فيتكلمون. كما وردت في الآيات الأخرى.

{فَوَرَبِّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92-93] وفي آية أخرى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْـئُولُونَ} [الصافات: 24].

وإذا سُئلوا فالسّؤال لا يكون سؤال استفهام؛ لأن الله سبحانه يعلم بحالهم، وبكلّ شيء عملوه وما عملوه أيضاً مكتوب في صحائف أعمالهم.

وقد يسألون سؤال تقرير أو توبيخ وتقريع لإقامة الحُجَّة عليهم أو ليشهدوا على أنفسهم.

ويوم القيامة يوم طويل {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4]. وفيه مواطن كثيرة أو مواقف.

قد يسألون في مواطن ولا يسألون في مواطن وحسب الذّنب، فهناك من لا يسئل أبداً {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ}. [آل عمران: 77]. وهناك: من {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ} . [البقرة: 174].

ص: 235

سورة الرحمن [55: 40]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 236

سورة الرحمن [55: 41]

{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِى وَالْأَقْدَامِ} :

{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ} : يوم القيامة.

{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ} : الكافرون، المشركون، العصاة. ارجع إلى سورة الأنعام آية (55)، وسورة الجاثية آية (31) لمزيد في معنى المجرمين.

{بِسِيمَاهُمْ} : الباء للإلصاق والملازمة، السّمة: العلامة، بسيماهم: أي: تعرفهم الملائكة بعلاماتهم المميزة، وهذه العلامات ذكرت في آيات أخرى، ومنها:

سود الوجوه: كقوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} . [آل عمران: 106].

يعلوهم الحزن والكآبة كقوله تعالى: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ الَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . [يونس: 27].

زرق العيون: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} . [طه: 102].

{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} . [عبس: 40-42].

{فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِى وَالْأَقْدَامِ} : الفاء عاطفة، يؤخذ: يقبض على نواصيهم، تقبض الملائكة بعنف وشدة على نواصيهم: جمع ناصية وهي مقدم شعر الرّأس أو مقدم الرّأس، والأقدام: وهي القدم المعروفة، أي: يُضم أو يجمع مقدم رأسه إلى قدميه ويؤخذ ويلقى في النّار.

ص: 237

سورة الرحمن [55: 42]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

والسّؤال هنا: هل معرفة أحوال المجرمين يوم القيامة نعمة؟

حتى يسأل الحق، ويقول:{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .

نقول: نعم؛ لأنّ التّذكير بأحوالهم للتحذير والإنذار من أعمالهم نعمة؛ لأنّ اتقاء النّار وتجنبها من أكبر النّعم والتّذكير بطاعة أوامر الله وتجنُّب نواهيه من النّعم.

ص: 238

سورة الرحمن [55: 43]

{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِى يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} :

يقال لهم توبيخاً وتقريعاً:

{هَذِهِ} : الهاء للتنبيه، ذه: اسم إشارة للقرب.

{جَهَنَّمُ} : من أسماء النّار أو دركة من دركاتها مشتقة من الشّيء الكريه المنظر والمرعب وبعيدة القعر. ارجع إلى سورة الرعد آية (18) لمزيد من البيان.

{الَّتِى} : اسم موصول يفيد الذّم.

{يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} : أي: لا يصدق بها المجرمون، جمع مجرم. ارجع إلى سورة الأنعام الآية (55)، وسورة الجاثية آية (31) لمزيد من البيان.

كقوله تعالى: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِى كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} [الطور: 14-15].

يكذب، ولم يقل: كذب للدلالة على الاستمرار في التكذيب حتّى تلك اللحظة.

ص: 239

سورة الرحمن [55: 44]

{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} :

{يَطُوفُونَ} : الطّواف: البدء من مكان، ثمّ العودة إليه أو التّردُّد.

{بَيْنَهَا} : تعود على جهنم.

{وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} : الحميم: ماء حار، آن: اشتدت حرارته وبلغ أقصى درجات الغليان، أي: بلغ غايته في الحرارة، أي: تارة يُحرقون في جهنم وتارة يسقون من الحميم إذا عطِشوا.

ص: 240

سورة الرحمن [55: 45]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 241

سورة الرحمن [55: 46]

{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} :

يعود الله سبحانه بعد الإنذار والتّحذير إلى ذكر أكبر وأعظم النّعم في الآخرة وهي الجنة.

{وَلِمَنْ} : الواو استئنافية، لمن: اللام لام الاستحقاق (الاختصاص) من: اسم موصول تشمل المفرد والجمع والمثنى والذّكر والأنثى، وتستعمل للعاقل.

{خَافَ} : الخوف: هو الشّعور بعدم الأمن والرّاحة. خوف مقرون بالإيمان والعمل الصالح والتعظيم والرجاء.

{مَقَامَ رَبِّهِ} : أي: عظمته وجلاله أو القيام (الوقوف) بين يدي ربه للحساب والجزاء، والاطلاع على سجل أعماله.

{جَنَّتَانِ} : وكيف يخاف مقام ربه بأن ينهى النّفس عن الهوى، كقوله:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى} . [النازعات: 40-41].

جنتان: التّفسير الأوّل: بأنّ الله سبحانه أعد لكلّ عبد مقعدين مقعداً في الجنة ومقعداً في النّار. فإذا أُدخل العبد مقعده في الجنة ترك مقعده في النّار فارغاً، وإذا أُدخل العبد مقعده في النّار ترك مقعده في الجنة فارغاً، فعندها يرث كل عبد المقعد الآخر الذي تركه الآخر في الجنة أو النار، فيصبح للمؤمن مقعدان في الجنة.

ويصبح للكافر مقعدان في النار.

التفسير الثاني: ولمن خاف مقام ربه من (الإنس) له جنة، ومن الجن له جنة، أيْ: ولمن خاف مقام ربه من (الجن والإنس) لكل واحد جنة.

ص: 242

سورة الرحمن [55: 47]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 243

سورة الرحمن [55: 48]

{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} :

هذا وصف للجنتين.

{ذَوَاتَا} : مثنى ذوات.

{أَفْنَانٍ} : أغصان: جمع فنن: أي: غصن وهي التي تحمل الورق والثّمر، وقيل: كثير الورق والثّمر، وقيل: أفنان: ألوان، وفنن: لون، ذواتا ألوان أو ذواتا أغصان أو كلاهما. أي: أغصان ملونة.

ص: 244

سورة الرحمن [55: 49]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 245

سورة الرحمن [55: 50]

{فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} :

{عَيْنَانِ} : مثنى عين، أي: عين الماء.

{تَجْرِيَانِ} : بالماء الفرات العذب أو عين السّلسبيل وعين التّسنيم، وعين تجمع على أعين أو عيون، أعين: التي نبصر بها، وعيون: أي: عيون الماء.

ص: 246

سورة الرحمن [55: 51]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 247

سورة الرحمن [55: 52]

{فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} :

{فَاكِهَةٍ} : اسم جنس يشمل كلّ أنواع الفاكهة والثّمار.

{زَوْجَانِ} : صنفان قيل: صنف معروف وصنف غريب.

ص: 248

سورة الرحمن [55: 53]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 249

سورة الرحمن [55: 54]

{مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} :

{مُتَّكِئِينَ} : من الاتكاء وهو الجلوس أو الاضطجاع.

{عَلَى فُرُشٍ} : جمع فراش.

{بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} : بطائنها: جمع بطانة وهي تحت الظهارة التي هي الأقرب إلى البدن مصنوعة من الإستبرق، وهو ما غلظ من الحرير، ولم يذكر الظّهارة التي قد تكون مصنوعة من السّندس؛ أي: ما رقَّ من الحرير، أو من غير الحرير لا يعلمها إلا الله.

{وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} : الجنى: هو الثّمر المستوي، أي: وثمر هاتين الجنتين دانٍ، أي: قريب من الدّنو، وهو القرب، أي: قريب من الجاني يستطيع أن يقطفها القائم والقاعد والمضطجع من دون جهد أو عناء، أي: ثمارها دانية لا يحتاج معها إلى سُلم أو جهد ومشقة، وكما قال تعالى:{قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 23]{وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14].

ص: 250

سورة الرحمن [55: 55]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 251

سورة الرحمن [55: 56]

{فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} :

{فِيهِنَّ} : تعود على الجنتين.

{قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} : قيل: هن الحور العين، وقيل: من نساء الدنيا؛ قاصرات من القصر وهو الحبس والطّرف: العين، أي: قصرن أبصارهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم لا ترى إلا زوجها.

{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} : لم: النّافية، يطمثهن: أصل الطّمث الجماع المؤدِّي إلى خروج دم البكر، ثمّ أطلق على كلّ جماع، وإن لم يكن معه دم، إنس قبلهم ولا جان: أي: هن أبكار لم يمسسهن أحد من الخلق لا إنس ولا جن. (لا) يفيد توكيد النّفي، وتعني: لا إنس ولا جان ولا كلاهما؛ لأنهن خلقهن في الجنة.

ص: 252

سورة الرحمن [55: 57]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 253

سورة الرحمن [55: 58]

{كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} :

{كَأَنَّهُنَّ} : الكاف للتشبيه، إنّهن: للتوكيد.

{الْيَاقُوتُ} : في الصّفاء. والياقوت واللؤلؤ من الأحجار الثمينة.

{وَالْمَرْجَانُ} : في بياضهن، وقيل: المرجان الخرز الأحمر.

ارجع إلى الآية (22) من نفس السورة.

ص: 254

سورة الرحمن [55: 59]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 255

سورة الرحمن [55: 60]

{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} :

{هَلْ} : استفهام يفيد النّفي، أي: وما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

{جَزَاءُ} : الثّواب والأجر.

{الْإِحْسَانِ} : مصدر للفعل الرباعي أحسن، وأما حُسناً فمصدر الفعل حسن والإحسان جودة الإيمان والطّاعة والتقوى والعمل الصّالح، كمّاً وكيفاً، ارجع إلى سورة البقرة الآية (112) للبيان.

{إِلَّا} : أداة حصر.

{الْإِحْسَانُ} : في الثّواب والارتقاء في درجات الجنة والزيادة في النعيم.

ص: 256

سورة الرحمن [55: 62]

{وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} :

{وَمِنْ دُونِهِمَا} : في الجزاء والثّواب أو المنزلة والقدر أو المرتبة والدّرجة.

{جَنَّتَانِ} : جنتان أخريان لأصحاب اليمين، وأما الجنتان السّابقتان، فللسابقين السّابقين، أي: المقربين.

ص: 258

سورة الرحمن [55: 64]

{مُدْهَامَّتَانِ} :

مثنى مدهامة، ومدهامة مؤنث مدهام: اسم فاعل أو مفعول من الفعل السداسي ادهامَّ.

مشتقة من الدّهمة: وهي في الأصل سواد الليل.

مدهامتان: شديدتا الخضرة، والخضرة إذا اشتدت مالت إلى السّواد من كثرة الرّي أو الماء، أو سوداوان من شدة الخضرة من الرّي.

ص: 260

سورة الرحمن [55: 66]

{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} :

{نَضَّاخَتَانِ} : مثنى نضاخة، ونضاخة مؤنث نضاخ.

{نَضَّاخَتَانِ} : فوارتان بالماء العذب وأقل فواراناً بالماء من العينين اللتين تجريان الآية (50) أي: تجريان أشدَّ وأقوى من النّضاختين.

ص: 262

سورة الرحمن [55: 68]

{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} :

{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ} : فاكهة: اسم جنس يشمل كلّ أنواع الفاكهة بما فيها النّخل والرّمان.

{وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} : والنّخل والرّمان من الفاكهة، ويمكن اعتبار ذلك من عطف الخاص على العام للتوكيد على الأهمية، وبياناً لفضلهما، وهناك من المفسرين من قال: إنّ النّخل والرّمان ليستا من الفاكهة.

ص: 264

سورة الرحمن [55: 70]

{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} :

{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ} : أي: في الجنات. خيرات: جمع خيرة: بفتح الخاء وسكون الياء أو بفتح الخاء وكسر الياء مخففة من خيرة بفتح الخاء وتشديد الياء، وهذا هو الأصل.

{خَيْرَاتٌ} : الخُلقُ أو الأخلاق.

{حِسَانٌ} : جمع حسناء صفة مشبهة من حسن. أي: جميلات الهيئة الوجه والجسم والطول.

ص: 266

سورة الرحمن [55: 72]

{حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِى الْخِيَامِ} :

{حُورٌ} : جمع حوراء وهي البيضاء، والحوراء قيل: التي يغلب بياض عينيها سوادهما.

{مَّقْصُورَاتٌ} : جمع مقصورة مؤنث مقصور، قصر بمعنى ستر، أي: ملازمات لقصورهن وخيامهن لا ينظرن إلا لأزواجهن.

{فِى الْخِيَامِ} : خيام الجنة، أي: لا تشبه خيام الدّنيا، فهي من اللؤلؤ المجوف الصّافي. قيل: يصل طولها إلى 60 ميلاً.

ص: 268

سورة الرحمن [55: 74]

{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} :

ارجع إلى الآية (56) السابقة.

ص: 270

سورة الرحمن [55: 75]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 271

سورة الرحمن [55: 76]

{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِىٍّ حِسَانٍ} :

{مُتَّكِئِينَ} : جالسين أو مضطجعين.

{عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} : وسائد خضر ومفردها رفرفة أو غطاء يوضع على ظهر الفراش. ويتدلى من الأسرَّة.

{وَعَبْقَرِىٍّ حِسَانٍ} : البسط أو السّجاد التي فيها الأصباغ والنّقوش الجليلة الفاخرة، وعبقري اسم جنس جمعي، مفرده: عبقرية والعبقر كل جليل فاخر.

وقيل: العبقري منسوب، أو مصنوع في بلد للجن، اسم البلد عبقر، فكانت العرب تطلق على كل شيء جليل وفريد من صنع عبقر، وكذلك يطلق على الرجل الذكي عبقري.

ص: 272

سورة الرحمن [55: 77]

{فَبِأَىِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} :

ارجع إلى الآية (13) للبيان.

ص: 273

سورة الرحمن [55: 78]

{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِى الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} :

{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِى} : ذي: تعود على الاسم، أي: اسم ربك، أي: نعت للاسم. ولو كانت تعود على الذّات (ربك) لجاء بـ (ذو) بدلاً من (ذي)، كما هو في الآية (27) من نفس السّورة.

تبارك اسم ربك: تعالى قدره وتعاظم وتنزه وتقدس عن شبه ما سواه، ودام خيره وعم إحسانه وثبت إنعامه، ارجع إلى سورة الملك الآية (1) لمزيد من البيان.

{الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} : ارجع إلى الآية (27) من نفس السّورة وهي قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} ؛ أي: تبارك وجهه وتبارك اسمه.

ص: 274

سورة الواقعة [56: 1]

سورة الواقعة

ترتيبها في القرآن (56) وترتيبها في النّزول (46).

{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} :

{إِذَا} : شرطية تدل على حتمية الحدوث وظرفية للزمن المستقبل.

{وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} : أي: إذا قامت الساعة (النفخة الأولى نفخة الفزع أو الصعق)؛ بدأ انهيار معالم الكون الحالي ودماره؛ وقعت: وأصل وقع في اللغة: كان ووجد، ووقعت: بصيغة الماضي لتدل على وقوعها لا محالة، وكأنها وقعت وانتهت، ولأنّ الزّمن كله واحد عند الله تعالى الماضي والحاضر والمستقبل؛ لأنه سبحانه خالق الزمان والمكان، وقيل: الواقعة اسم من أسماء يوم القيامة مثل القارعة، الحاقة، الطامة، الصاخة، وتاء التّأنيث للمبالغة، ووقعت الواقعة: تفيد تأكيد وقوعها أو حلولها.

ص: 275

سورة الواقعة [56: 2]

{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} :

{لَيْسَ} : للنفي.

{لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} : اللام للتوكيد، لوقعتها كاذبة: لن تجد نفساً مكذِّبة لها كما كانت تكذِّب بها في الدّنيا، أو إذا وقعت لا مردَّ لها ولا رجوع عنها.

ص: 276

سورة الواقعة [56: 3]

{خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} :

تشير إلى صوت النفخة في الصور (الصيحة) قد تبدأ منخفضة، ثم ترتفع شدتها كي تذهل العقول، ويسمعها القريب والبعيد، كما روى ابن عباس، أو خافضة لأقوام، الخفض يعني: الذّل والإهانة؛ أيْ: خافضة للكفرة والمشركين والعاصين والظّالمين في الدّركات السّفلى من النّار.

{رَافِعَةٌ} : لأقوام، الرّفع يعني: الرّفعة والعزة، أيْ: رافعة للمؤمنين الموحِّدين في الدّرجات العلى في الجنة. كما قال ابن عباس.

ص: 277

سورة الواقعة [56: 4]

{إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} :

{إِذَا} : ارجع إلى الآية الأولى للبيان.

{رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} : اضطربت الأرض أو تحركت تحريكاً شديداً، رجاً: للتوكيد، وقد بيَّنت الآيات الأخرى ما سيحدث لهذه الأرض الحالية يوم القيامة من الزّلزلة والاضطراب كقوله تعالى:{إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]، والدّك {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحافة: 14]. وكقوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ} [المزمل: 14].

ص: 278

سورة الواقعة [56: 5]

{وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} :

البس: التفتت، أيْ: فتتت الجبال تفتيتاً.

فهذه مرحلة من المراحل التي تمر بها الجبال يوم القيامة. فالجبال ترجف {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ} [المزمل: 14].

وتنسف {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} [المرسلات: 12].

وتصبح كثيباً مهيلاً {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: 14]، {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} [النبأ: 14].

{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} [القارعة: 5].

ص: 279

سورة الواقعة [56: 6]

{فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا} :

{فَكَانَتْ} : أي: صارت.

{هَبَاءً} : أيْ: غباراً دقيقاً قلما يُرى بالعين لا قيمة له ولا فائدة.

{مُّنبَثًّا} : أيْ: متفرِّقاً متطايراً.

الهباء: هو ما يثور مع شعاع الشّمس حين يدخل كوة أو ما يلوح في خيوط شعاع الشّمس من دقيق الغبار، وهذه هي نهاية الجبال الشّامخة التي كانت الأوتاد والرّواسي لهذه الأرض.

فكل هذه التغيرات ستحدث للأرض الحالية لكي تتبدل إلى أرض جديدة.

ص: 280

سورة الواقعة [56: 7]

{وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} :

في يوم القيامة.

{وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} : أصنافاً ثلاثة؛ المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشّمال.

ص: 281

سورة الواقعة [56: 8]

{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} :

{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} : الفاء للتقسيم، أصحاب الميمنة: الذين يؤتون صحائف أعمالهم بأيمانهم كقوله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الحاقة: 19] الميمنة: مصدر ميمي منتهٍ بتاء المبالغة من فعل يمن على وزن مفعلة.

{مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} : ما: استفهام فيها معنى التّعظيم، أيْ: من هم أو ما هم أصحاب الميمنة، وسيبدأ بوصف حالهم وأنواع النّعيم الذي ينتظرهم في الآية (27) القادمة، وكان العرب قديماً يظنون أنّ اليُمن، أي: الخير يأتي عن جهة اليمين.

ص: 282

سورة الواقعة [56: 9]

{وَأَصْحَابُ الْمَشْـئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْـئَمَةِ} :

{وَأَصْحَابُ الْمَشْـئَمَةِ} : أي: الذين يؤتون صحائف أعمالهم بشمائلهم، والمشئمة: جهة الشّمال وتفيد الشّؤم، والعرب تسمِّي اليد اليسرى الشّؤمى، وكأن الشّؤم يأتي عن الشّمال، وسُمِّي الذين كفروا وأشركوا وأجرموا بأصحاب المشئمة، المشئمة: مصدر ميمي منتهٍ بتاء المبالغة من فعل شأم.

{مَا أَصْحَابُ الْمَشْـئَمَةِ} : ما: للاستفهام والتّهويل والتّعظيم والتّعجب وفيها معنى الذّم والتّحقير.

ص: 283

سورة الواقعة [56: 10]

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} :

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} : أي: الصنف الأول، والسّابقون: الواو عاطفة، السّابقون في الدّنيا إلى الإيمان والطّاعة وفعل الخيرات والتّقوى والإحسان وإسلام الوجه، السّابقون إلى مرضاة الله تعالى وحبه والقرب منه، السّابقون: التّكرار للتوكيد والتّعظيم، أو السابقون في الدنيا هم السّابقون في الآخرة إلى دخول جنات النّعيم، ونجد حذف حرف (ما) كالقول: السابقون ما السابقون؛ لأنه ذكر (ما) مرتين في أصحاب الميمنة، وأصحاب المشئمة فحذف (ما) لدلالة ما قبله عليه.

ص: 284

سورة الواقعة [56: 11]

{أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} :

وهم الأنبياء والصّديقون والشّهداء والصّالحون وغيرهم.

{أُولَئِكَ} : اسم إشارة واللام للبعد، وتدل على عظم شأنهم، وعلوِّ منزلتهم عند الله تعالى.

{الْمُقَرَّبُونَ} : عند الله تعالى كما قال تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} [آل عمران: 163] بالنّسبة للقرب منه، منزلة وكما قال تعالى:{لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنفال: 4] بالنسبة للجنة.

ص: 285

سورة الواقعة [56: 12]

{فِى جَنَّاتِ النَّعِيمِ} :

{فِى} : ظرفية.

{جَنَّاتِ} : جمع جنة. ومنها جنات الفردوس، وعدن، وجنات المأوى وغيرها.

{النَّعِيمِ} : السرور، وفيها كلّ ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين مع الخلود والرّضوان.

ص: 286

سورة الواقعة [56: 13]

{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ} :

{ثُلَّةٌ} : جماعة كثيرة.

{مِنَ الْأَوَّلِينَ} : من الأمم الماضية ومن الأولين من أمة محمّد كالصّحابة. والأنبياء والرسل والصديقين والشهداء والصالحين.

ص: 287

سورة الواقعة [56: 14]

{وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} :

أيْ: من أمة محمّد وغيرهم، الذين جاؤوا من بعد جيل الصّحابة الكرام، وهذا يدل على فضل الله تعالى أنّه ترك أمام أيِّ عبد مسلم الفرصة للمسابقة مع الأولين، ولكن يا حسرة على العباد أين هؤلاء.

ص: 288

سورة الواقعة [56: 15]

{عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} :

منسوجة بالذّهب وغيره من الحلي.

{مَّوْضُونَةٍ} : من وضَنَ الغزل؛ أيْ: نسجه.

ص: 289

سورة الواقعة [56: 16]

{مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} :

{مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا} : جالسين أو مستقرين أو مضطجعين عليها.

{مُتَقَابِلِينَ} : من حسن أدبهم وعشرتهم وجَّه كلّ منهم وجهَه إلى وجه صاحبه، فلا يرى ظهر صاحبه. فهم يرون أو يزور بعضهم بعضاً، ولو كانوا في درجات مختلفة في الجنة.

ص: 290

سورة الواقعة [56: 17]

{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} :

{يَطُوفُ} : من الطواف: الدوران أو المرور بين أيديهم بشكل متكرر.

{وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} : وفي سورة الطّور {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} [الطور: 24].

اختلف في الولدان المخلدون والغلمان: الولدان أقل أعماراً من الغلمان، الغلمان: من يقارب سن البلوغ أو الحلم، وغلام تعني: خادم وقيل: إنّ الولدان هم خلق من خلق الجنة، وليسوا من أبناء الدّنيا، والله أعلم.

ارجع إلى سورة الطّور آية (24).

{مُخَلَّدُونَ} : لا تزيد أعمارهم عن تلك السّن.. على سن واحدة لا يهرمون.

ص: 291

سورة الواقعة [56: 18]

{بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَّعِينٍ} :

{بِأَكْوَابٍ} : أقداح جمع كوب.

{وَأَبَارِيقَ} : لها عُرَى، جمع إبريق.

{وَكَأْسٍ} : لشرب الخمر.

{مِنْ مَّعِينٍ} : خمر جارية في أنهار ظاهرة للعيون جارية على وجه أرض الجنة، كقوله تعالى:{وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد: 15].

وكأس من معين: قيل: كأس من شراب معين نابع من عيون الجنة، عيون التّسنيم أو السّلسبيل أو الكافور.

ص: 292

سورة الواقعة [56: 19]

{لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ} :

{لَا} : النافية.

{يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ} : لا يصابون بصداع بسبب الشّرب من الكأس كما يحدث في الدّنيا، ولا ينزفون: تكرار (لا) يفيد التّوكيد، ينزفون: لها عدة تفسيرات لا تذهب عقولهم من شربها يقال: أنزف الشّارب إذا ذهب عقله أو يصابون بنزف من شربها، كما يحدث في الدّنيا حيث شرب الخمر المتواصل يؤدِّي إلى تشمع الكبد وارتفاع الضّغط في الأوردة الدّموية حول المعدة، وأحياناً يؤدِّي إلى نزف دموي مميت من الجزء العلوي من المعدة أو منطقة المري.

يُنْزِفُون: مبالغة من النّزف، أيْ: نزف شديد حاد مميت (بكسر الزّاي) بينما في سورة الصّافات يُنزَفُون بفتح الزّاي تعني: تذهب عقولهم أو يصابون باختلاطات أقل شدة مثل النزف غير الحاد أو المميت كما يحدث في الدنيا.

ص: 293

سورة الواقعة [56: 20]

{وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} :

{وَفَاكِهَةٍ} : اسم جنس يشمل الفواكه، وهي أنواع كثيرة.

{مِمَّا} : من ابتدائية، ما بمعنى النّوع الذي يتخيرون.

{يَتَخَيَّرُونَ} : التّخيير يكون من بين أنواع مختلفة من الفاكهة، يتخيرون تفيد التّجدُّد والتّكرار.

ص: 294

سورة الواقعة [56: 21]

{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} :

الشّهية: توقان النّفس وميل الطّباع إلى ما يلذ ويسر.

بما أنّ اللحم متشابه في المنظر والذي يميِّز بينها هو الطّعم والشّهية واختار لحم الطّير؛ لأنه أفضل اللحوم وألذها، فهم يُسألون عما يشتهون من أنواع اللحم، لحم غنم أو طير أو غيرها.

ص: 295

سورة الواقعة [56: 22]

{وَحُورٌ عِينٌ} :

{وَحُورٌ} : جمع حوراء: حوراء بيضاء من الحور، أي: البياض.

{عِينٌ} : جمع عيناء، أيْ: واسعة العينين.

ص: 296

سورة الواقعة [56: 23]

{كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} :

{كَأَمْثَالِ} : الكاف للمبالغة في التّشبيه.

{اللُّؤْلُؤِ} : الأبيض اللون.

{الْمَكْنُونِ} : المصان الذي لم يغير صفاء لونه ضوء الشّمس، ولا عبث الأيدي، وفي سورة الرّحمن الآية (5) شبههنَّ بالياقوت والمرجان الأحجار الكريمة الثمينة.

ص: 297

سورة الواقعة [56: 24]

{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} :

{جَزَاءً} : الجزاء بمعنى الثّواب، أو مقابل العمل.

{بِمَا} : الباء للتعليل أو سببية أو بدلية، ما: اسم موصول بمعنى الذي أو مصدرية.

{كَانُوا يَعْمَلُونَ} : كانوا في الدّنيا، يعملون: يقولون ويفعلون؛ لأنّ العمل يضم القول والفعل.

ص: 298

سورة الواقعة [56: 25]

{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا} :

{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا} : لا النّافية، يسمعون فيها: في جنات النّعيم.

{لَغْوًا} : كلاماً عبثاً أو لا فائدة منه. ارجع إلى سورة المؤمنون آية (3) لمزيد من البيان.

{وَلَا} : تكرار لا يفيد النّفي ويفيد فصل اللغو عن التّأثيم ولا كلاهما.

{تَأْثِيمًا} : من الإثم: أيْ: كلاماً قبيحاً أو فاحشاً. تأثيماً: مصدر من إثم.

ص: 299

سورة الواقعة [56: 26]

{إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} :

{إِلَّا} : أداة استثناء أو حضر: استثناء منقطع، أي: المستثنى ليس بعضاً من المستثنى منه، أي: قيلاً سلاماً سلاماً ليس من اللغو ولا من التأثيم.

{قِيلًا} : مصدر لفعل (قال ويقول)، ومنهم من قال: هي اسم؛ أيْ: لا يسمعون إلا القول {سَلَامًا سَلَامًا} : السّلام على بعضهم بعضاً أو السّلام من الرّب الرّحيم أو السّلام من الملائكة، سلاماً: بصيغة النّكرة ليشمل على سلام التّحية وسلام الأمن والطّمأنينة وسلام من كلّ الآفات والأمراض، ومن كلّ مكروه وللتوكيد (توكيد لفظي).

ص: 300

سورة الواقعة [56: 27]

{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} :

{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ} : أي: الذين يؤتون صحائف أعمالهم بأيمانهم.

{مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} : ما: للاستفهام والتّعظيم والتّفخيم، وللسؤال عن ذوات ما لا يعقل ولصفات من يعقل، ارجع إلى الآية (8) للبيان.

ص: 301

سورة الواقعة [56: 28]

{فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} :

{فِى} : ظرفية.

{سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} : السّدر شجر النبق المخضود: لا شوك له، أيْ: خضد شوكه أيْ: قطع ونزع. كما روى ابن عباس وقيل: المُوقَّر حملاً: أيْ: تثنت أغصانه من خضدت الغصن: أيْ: ثنيته.

ص: 302

سورة الواقعة [56: 29]

{وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} :

الطلح: شجر الموز.

منضود: الموز المتراكب بعضه فوق بعض، موز واحدتها تسمَّى طلحة.

وقيل: ليس بالموز، وإنما شجر لها ظل بارد ورطب شجر طيب الرّائحة يشبه طلح الدّنيا المنضود المتراكم من النّضد متراكب على بعضه.

ص: 303

سورة الواقعة [56: 30]

{وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} :

ظل دائم ممتد لا يزول، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِئَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا. كما روى البخاري ومسلم في حديث أبي هريرة.

ص: 304

سورة الواقعة [56: 31]

{وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ} :

ماء دائم الجري بغزارة لا ينقطع مصبوب لا يحتاج أن يصبه بيده، فهو مهيأ للشرب في أكواب يحمله الغلمان أو الولدان إليهم.

ص: 305

سورة الواقعة [56: 32]

{وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} :

فاكهة اسم جنس يشمل كل أنواع الفاكهة المتنوعة.

ص: 306

سورة الواقعة [56: 33]

{لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} :

{لَا} : النّافية.

{مَقْطُوعَةٍ} : لا تنقطع في فصول كما هي الحال في فواكه الصّيف وفواكه الشّتاء فهي دائمة الوجود.

{وَلَا مَمْنُوعَةٍ} : لا تمنع عن أحد إذا أراد تناولها، أي: مُطْلقة لمن أرادها، ليس لها ثمن يجب دفعه، وتكرار (لا) لتوكيد النّفي، نفي كلاً على حِدَةٍ، ونفي كلاهما معاً.

ص: 307

سورة الواقعة [56: 34]

{وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} :

وفرش مرفوعة، أي: منضدة على الأسرة، وهي {فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: 54].

ص: 308

سورة الواقعة [56: 35]

{إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً} :

{إِنَّا} : للتعظيم.

{أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً} : يعني: الحور العين، أي: الحور العين خلق من خلق الجنة، وليس من نساء الدّنيا، وحين يُذكر الحور العين لا يُذكر نساء أهل الدّنيا، الإنشاء: الإيجاد والتّربية والتّنشئة، وهي توكيد لفظي.

ص: 309

سورة الواقعة [56: 36]

{فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} :

{فَجَعَلْنَاهُنَّ} : الفاء للتوكيد، الجعل بعد النّشأة.

{أَبْكَارًا} : عذارى جمع عذراء.

ص: 310

سورة الواقعة [56: 37]

{عُرُبًا أَتْرَابًا} :

{عُرُبًا} : متحببات لأزواجهن. جمع عروب بفتح العين فهو اسم للمرأة المتحببة إلى زوجها.

{أَتْرَابًا} : متساويات في العمر قيل: سن (33).

ص: 311

سورة الواقعة [56: 38]

{لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ} :

اللام لام الاختصاص والاستحقاق، أصحاب اليمين. ارجع إلى الآية (27).

ص: 312

سورة الواقعة [56: 39]

{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ} :

الثلة الجماعة الكثيرة من الأولين من زمن آدم إلى زمن نبينا صلى الله عليه وسلم والصّحابة.

ص: 313

سورة الواقعة [56: 40]

{وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} :

الجماعة الكثيرة من الآخرين من التّابعين، ومن جاء بعدهم إلى يوم الدّين، ومن كلّ الأمم الأخرى.

ص: 314

سورة الواقعة [56: 41]

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ} :

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ} : الذين يأخذون صحائف أعمالهم بشمائلهم وهم أهل الكفر والشّرك والمعاصي.

{مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ} : ما للاستفهام، والتعجب من حالهم، أيْ: ما أعد الله لهم يوم القيامة أو ما هي حالهم يوم القيامة.

ص: 315

سورة الواقعة [56: 42]

{فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} :

{فِى سَمُومٍ} : ظرفية في جهنم تهب عليهم ريح حارة، تنفذ في مسام جلودهم وتفعل فيها فعل السّم الذي يسري في جسم الإنسان بعد اللدغ بالعقرب أو الأفعى.

{وَحَمِيمٍ} : ماء شديد الحرارة في حالة الغليان يقطع أمعاءهم عند الشّرب منه. كما قال تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15]، {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج: 19-20].

ص: 316

سورة الواقعة [56: 43]

{وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} :

{وَظِلٍّ} : ظل من دخان أسود.

{مِنْ يَحْمُومٍ} : الدّخان الأسود، وتسميته ظلاً على سبيل التّهكم.

ص: 317

سورة الواقعة [56: 44]

{لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ} :

{لَا بَارِدٍ} : لا النّافية، بارد كسائر الظّلال.

{وَلَا كَرِيمٍ} : ولا نافع يحمي من حرِّ جهنم لمن يأوي إليه، وتكرار (لا) النّافية يفيد توكيد النّفي لكل منهما على حِدَةٍ أو معاً.

ص: 318

سورة الواقعة [56: 45]

{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} :

{إِنَّهُمْ} : للتوكيد، كانوا قبل ذلك: ذلك اسم إشارة واللام للبعد، أيْ: في الحياة الدّنيا قبل السّموم والحميم والظّل من يحموم.

{مُتْرَفِينَ} : متنعمين، التّرف: التّنعم منهمكين في الشّهوات والبطر والهوى والتبذير.

ص: 319

سورة الواقعة [56: 46]

{وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} :

{وَكَانُوا} : كانوا في الحياة الدّنيا.

{يُصِرُّونَ} : يعكفون يقيمون.

{عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} : الحنث: الذّنب العظيم وهو الشّرك والكفر، وقيل: القسم على إنكار البعث، وهو المشار إليه بقوله تعالى:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل: 38].

ص: 320

سورة الواقعة [56: 47]

{وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} :

{وَكَانُوا} : في الحياة الدّنيا وتعود على أصحاب الشّمال.

{يَقُولُونَ} : بصيغة المضارع لتدل على حكاية الحال أو التّجدُّد والتّكرار.

{أَئِذَا} : الهمزة الأولى للاستفهام والإنكار للبعث والحساب، والهمزة الثّانية للدلالة على الشّدة والتّوكيد على إنكارهم للبعث.

{مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} : متنا: السنين الطويلة، وتحولت أجسادنا إلى تراب وعظام، انبعث من جديد؟ اللام في (مبعوثون) للتوكيد. مبعوثون من قبورنا من جديد.

ص: 321

سورة الواقعة [56: 48]

{أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} :

الهمزة للاستفهام الإنكاري والاستبعاد؛ أيْ: وآباؤنا الذين ماتوا وصاروا تراباً وعظاماً منذ قرون طويلة لمبعوثون أيضاً.

ص: 322

سورة الواقعة [56: 49]

{قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ} :

قل لهم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم ومن مات من قبلكم من عهد آدم ومن سيأتي من بعدكم إلى يوم القيامة.

ص: 323

سورة الواقعة [56: 50]

{لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} :

{لَمَجْمُوعُونَ} : اللام لتوكيد، مجموعون: الكلّ الأولين والآخرين مجتمعون في مكان واحد وزمن واحد.

{إِلَى} : حرف يستعمل لعموم الغايات.

{مِيقَاتِ} : ميقات زماني (يوم البعث والحشر، ومكاني أرض المحشر).

{يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} : يوم القيامة يوم الحشر يوم الجمع، معلوم: عند الله وحده ومحدد بالسّاعة والدّقيقة والثانية من الزمان.

لنقارن بين هذه الآية (50) من سورة الواقعة (إلى ميقات يوم معلوم). والآية {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الشعراء: 38].

إلى ميقات: الميقات في هذه الآية قادم؛ أيْ: في المستقبل وسيجمعون في ذلك الميقات (اليوم والمكان).

لميقات يوم معلوم: الميقات في هذه الآية الآن؛ أيْ: جيء بالسّحرة عند حلول ذلك اليوم واجتمعوا لعرض سحرهم للناس. اللام التوقيت: دخول الزمن.

ص: 324

سورة الواقعة [56: 51]

{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} :

{ثُمَّ} : للترتيب الذّكري.

{إِنَّكُمْ} : للتوكيد والكاف للمخاطب، أيْ: إنّكم يا أصحاب الشّمال.

{أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} : أيّها: أداة نداء والهاء للتنبيه، الضّالون: عن الهدى أو الحق، المكذبون: بالبعث والحساب والآخرة.

وفي الآية (92) من نفس السّورة (الواقعة) قال تعالى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ} عكس التّرتيب؛ لأن الآية (51) جاءت في سياق الحديث عن الضّلال والإعراض عن الإيمان والدّخول في الإسلام، فقدَّم الضّلال على التّكذيب.

أمّا الآية (92) في سياق التّكذيب بآيات الله تعالى، فقدَّم التّكذيب على الضّلال.

ص: 325

سورة الواقعة [56: 52]

{لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} :

{لَآكِلُونَ} : اللام والنّون للتعليل والتّوكيد.

{مِنْ} : ابتداء الغاية.

{شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} : ارجع إلى سورة الصّافات الآية (62 – 67).

ص: 326

سورة الواقعة [56: 53]

{فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} :

ارجع إلى سورة الصّافات الآية (66) أيْ: يُكرهون على أكلها قسراً حتّى تمتلئ منها بطونهم.

ص: 327

سورة الواقعة [56: 54]

{فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} :

{فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ} : الفاء للتعقيب والمباشرة، شاربون: على الطّعام أو الزّقوم.

{مِنَ} : ابتدائية.

{الْحَمِيمِ} : الماء الحار الذي بلغ غاية الحرارة (الغليان).

ص: 328

سورة الواقعة [56: 55]

{فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} :

{فَشَارِبُونَ} : شاربون شرب الهيم الإبل العطاش، تشرب فلا ترتوي وتشرب وتشرب، وذلك حين تصاب بداء الهيام يشبه داء الكبد، ويسمَّى الاستسقاء أو الحبن حتّى تموت في النّهاية.

{الْهِيمِ} : وهناك من قال: الهيم: الأرض الرّملية العطشى التي لا ترتوي من الماء مهما أسقيتها.

ص: 329

سورة الواقعة [56: 56]

{هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} :

{هَذَا} : الهاء للتنبيه، ذا اسم إشارة للقرب.

{نُزُلُهُمْ} : النُّزل: ما يُعَدُّ ويهيَّأ لإكرام الضّيف أوّل نزوله من الطّعام والمبيت، وتسميته بالنُّزل: للتهكم والتّوبيخ.

{يَوْمَ الدِّينِ} : يوم الحساب.

ثمّ يذكر الله سبحانه الأدلة والبراهين على قدرته وعظمته ووحدانيَّته ونعمه عليهم.

ص: 330

سورة الواقعة [56: 57]

{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ} :

{نَحْنُ} : ضمير للتعظيم يفيد الاختصاص.

{خَلَقْنَاكُمْ} : من ذكر وأنثى الخلق الأول من بطون أمهاتكم.

{فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ} : الفاء للتوكيد، لولا أداة حضٍّ وحثٍّ، تصدقون: بالبعث والحساب أو النّشأة الأخرى، كما أقررتم بالخلق الأوّل، فلا تصدقون بما جاءكم من الحق من ربكم. أو أُنزل عليكم..

ص: 331

سورة الواقعة [56: 58]

{أَفَرَءَيْتُم مَا تُمْنُونَ} :

{أَفَرَءَيْتُم} : الهمزة للاستفهام والإقرار والفاء للتوكيد، رأيتم: الرّؤية رؤية بصرية ورؤية قلبية بمعنى العلم، أيْ: أخبروني بعلم أو بتأكيد أو بعلم من له دراية.

{مَا} : اسم موصول بمعنى الذي أو مصدرية.

{تُمْنُونَ} : من المني الذي يتدفَّق في كلّ مرة بمقدار (2-5سم) وعدد الحيوانات المنوية يصل إلى (200) مليون حيوانٍ منويٍّ، ولكل حيوانٍ منويٍّ رأس وعنق وجسم وحركة ويسبح في سائل خاص تفرزه الخصية، وواحد فقط من هذه الحيوانات المنوية يلقح البيضة لتبدأ بالانقسام وتشكل العلقة، ثمّ المضغة والجنين.

ص: 332

سورة الواقعة [56: 59]

{ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} :

{ءَأَنتُمْ} : للاستفهام والتّقرير، الجواب المقدر: لا.

{تَخْلُقُونَهُ} : أي: المني أو تخلقون من المني بشراً.

{أَمْ} : للإضراب الانتقالي، وتعني: بل نحن الخالقون.

{نَحْنُ} : للتعظيم.

{الْخَالِقُونَ} : المقدرون والخلق هو التّقدير والإيجاد، فقدرته وعظمته في هذه الآية هي في خلقه هذا الماء المهين بشراً، الخالقون تدل على الثّبوت والاستمرار في الخلق؛ ففي هذه الآية: ذكر سبحانه نعمة الخلق، وفي الآية (63-64): ذكر نعمة الحرث والزراعة؛ أي: الحب؛ أي: الطعام، وفي الآية (68): ذكر نعمة الماء والشرب، وفي الآية (71): ذكر نعمة النار للدفء وطهي الطعام، وعلامة للضال، والتذكرة بالآخرة

وغيرها.

ص: 333

سورة الواقعة [56: 60]

{نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} :

{نَحْنُ} : للتعظيم والاختصاص.

{قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} : أيْ: حكمنا أو قضينا أو كتبنا عليكم الموت وقدرنا من التّقدير، وهو الحساب كم تعيشون ومتى وكيف تموتون، وقدرنا لكم آجالاً مختلفة أيْ: جعلنا لكل فرد أجلاً معيناً لا يتعدَّاه.

{وَمَا نَحْنُ} : الواو عاطفة، ما النّافية، نحن للتعظيم والاختصاص.

{بِمَسْبُوقِينَ} : الباء للإلصاق والمصاحبة، مسبوقين: بعاجزين أو لا يسبقنا أحد فينجو من الموت.

ص: 334

سورة الواقعة [56: 61]

{عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لَا تَعْلَمُونَ} :

هذه الآية لها صلة بالآية السّابقة، وهي: وما نحن بمسبوقين أيضاً:

{عَلَى أَنْ} : على تفيد العلو والمشقة، أن: حرف مصدري يفيد التّعليل.

{نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} : أيْ: نحلق خلقاً بدلاً منكم.

{وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لَا تَعْلَمُونَ} : من النّشأة والتّربية، أو ننشئكم أنتم أنفسكم في خلق جديد غير الذي تعلمونه بأن نشوِّه خلقكم، وفي هذه الآية تهديد لهم بالمسخ والتّبديل، وتدل على عظمة الله سبحانه وقدرته على التّبديل والبعث والإماتة والإحياء.

ص: 335

سورة الواقعة [56: 62]

{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} :

{وَلَقَدْ} : الواو استئنافية، لقد: اللام للتوكيد، قد للتحقيق.

{عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} : علمتم: من العلم وهو الإدراك سواء كان خفياً أو جلياً (ظاهراً) النّشأة الأولى: في أرحام أمّهاتكم من نطفة، ثمّ علقة، ثمّ مضغة ثم نخرجكم طفلاً. ارجع إلى سورة الحج آية (5) للبيان.

{فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} : الفاء للتوكيد، لولا: أداة حثٍّ وحضٍّ، تذكرون: النّشأة الأولى، ولا تغافلون عنها أو تنسونها، وتذكرون الذي خلقكم أوّل مرة قادر على أن يبعثكم ويعيدكم مرة أخرى وهو أهون عليه؛ تذكرون الخلق، ولم يقل فلولا تتذكرون؛ لأن الكل يعلم هذه الحقيقة كيف خلقه الله فلا تحتاج إلى طول زمن للتذكر، وبالنسبة للحرث والزرع والماء والنار فلولا تشكرون.

ص: 336

سورة الواقعة [56: 63]

{أَفَرَءَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ} :

بعد ذكر النّطفة المني (ما تمنون) وتحويلها إلى جنين بعد زرعها في أرحام الأمّهات يذكرنا بعملية أخرى مشابهة لها، وهي زراعة الأرض.

{أَفَرَءَيْتُم} : ارجع إلى الآية (58) للبيان.

{مَا} : بمعنى الذي تحرثونه أو مصدرية بمعنى حراثتكم، و (ما) أوسع شمولاً تشمل كل أنواع الحرث.

{تَحْرُثُونَ} : أيْ: تزرعون في الأرض والحراثة تسبق عملية بذر الحب، وهي جزء من مراحل الزراعة وعبَّر عن الكلّ بذكر الجزء.

وفي هذه الآية تذكير بقوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [البقرة: 223]. أيْ: تزرعون في أرحام أزواجكم. أو غيرها من الزراعات.

ص: 337

سورة الواقعة [56: 64]

{ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} :

{ءَأَنتُمْ} : استفهام تقريري استنكاري، الجواب محذوف تقديره: لا تزرعونه.

{تَزْرَعُونَهُ} : الزّراعة تشمل الحرث والبذر والسّقي والنّمو، ثمّ الحصاد. أو تطور الجنين يمر بمراحل في رحم أمه.

{أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} : أم للإضراب الانتقالي، نحن: للتعظيم والاختصاص، الزّارعون: المنبتون؛ لأن الله سبحانه هو المنبت الزّرع، والزارعون: تدل على الفعل؛ أي: الحدث نفسه مقارنة بقوله تعالى: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} [الفتح: 29]؛ الزراع: تدل على الاسم؛ أي: من مهنته الزراعة.

ص: 338

سورة الواقعة [56: 65]

{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} :

{لَوْ} : حرف امتناع لامتناع.

{نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ} : اللام لام التّوكيد، لجعلناه: والضّمير يعود على الزّرع.

{حُطَامًا} : لا نفع منه بالكلية؛ لا حب فيه فارغ من الحب، متحطماً: متكسراً عقوبة لكم على شرككم وتكذيبكم بآيات الله.

{فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} : أصلها فظللتم: حذف اللام لقصر الزّمن: أيْ: لم يمضِ زمناً طويلاً حتّى صرتم تفكهون: تعجبون لما حل بزرعكم من هلاك ودمار، وقيل: تفكهون تندمون أو تتلاومون أو تتفجعون.

ارجع إلى سورة الطور آية (18)، وسورة ياسين آية (55)، وسورة المطففين آية (31) للمقارنة ومزيد من البيان.

ص: 339

سورة الواقعة [56: 66]

{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} :

{إِنَّا} : للتوكيد.

{لَمُغْرَمُونَ} : اللام: للتوكيد، مغرمون: جمع مغرم والمغرم: من الغرم، أو الغرامة: ما يلزم أداؤه، والغريم: الذي عليه الدين، والمغرم أيضاً: هو الذي ذهب ماله من دون عوض أو مقابل، أيْ: ما أنفقه على حرثه وبذره وزرعه كأنّه غُرم غرامة دفعها كعقوبة على ما ارتكبه من الآثام والمعاصي والغرامة: المبلغ المالي الذي يدفعه العبد على مخالفة القانون الوضعي.

أيْ: إنا لمعذبون؛ لأن الغرام عند العرب العذاب، كقوله تعالى:{إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] أيْ: إننا لمعذبون بنقص الحرث، أي: الرزق؛ ومغرمون: جملة اسمية تدل على الثبوت والاستمرار.

ص: 340

سورة الواقعة [56: 67]

{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} :

{بَلْ} : للإضراب الانتقالي.

{نَحْنُ مَحْرُومُونَ} : من الرّزق، أيْ: حُرمنا ما كنا نطمع به من الزّرع والرّزق بشكل كامل أو الولد وغيرها.

ص: 341

سورة الواقعة [56: 68]

{أَفَرَءَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ} :

{أَفَرَءَيْتُمُ} : ارجع إلى الآية (58).

{الْمَاءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ} : هذه الآية تذكير بنعمة الله على عباده، وهي الماء العذب الذي يشربونه.

ص: 342

سورة الواقعة [56: 69]

{ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} :

{ءَأَنتُمْ} : ارجع إلى الآية (59).

{أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} : المزن السّحاب الأبيض الذي يحمل الماء.

{أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} : أم: للإضراب الانتقالي، نحن: للتعظيم والاختصاص، المنزلون: الله هو وحده المنزل والمنزلون جملة اسمية تدل على الثّبوت. المنزلون من السحب الماء العذب.

ص: 343

سورة الواقعة [56: 70]

{لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} :

{لَوْ} : شرطية.

{جَعَلْنَاهُ} : أي: الماء الذي تشربون (الماء العذب).

{جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} : مالحاً مرّاً (أي: جمع بين الملوحة والمرارة) لأصبح غير صالحاً للشرب وغير مستساغ، ولكن يمكن استعماله في أغراض أخرى مثل الغسل وري الأرض وغيرها، فإذا قارنا (حطاماً) بقوله (أجاجاً) لوجدنا (حطاماً) أشد عقوبة من (أجاجاً)، ولذلك أضاف اللام في (لجعلناه حطاماً) للتوكيد، وحذف اللام في (جعلناه أجاجاً).

{فَلَوْلَا} : الفاء للتوكيد، لولا: أداة حضٍّ وحثٍّ.

{تَشْكُرُونَ} : الله تعالى على نعمة الماء العذب باللسان والطّاعة والإيمان به، تشكرون: بصيغة المضارع تدل على التّجدُّد والتّكرار؛ ارجع إلى سورة الأعراف آية (10) لمزيد في معنى تشكرون. ولو قارنا هذه الآية: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} [الواقعة: 70] مع الآية، وهي:{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الواقعة: 65] لوجدنا أنّه أضاف لام التّوكيد للزرع، ولم يضف اللام للماء؛ لأنّ الزّرع إذا تحول إلى حطام لا يستفاد منه مطلقاً في أيِّ غرض أو مجال فالتّهديد والوعيد أشد، أمّا الماء العذب إذا تحول إلى ماء أجاجاً فيمكن أن يستفاد منه في بعض الأحيان، في غسل الأواني والأدوات أو في الري كما ذكرنا سابقاً.

ص: 344

سورة الواقعة [56: 71]

{أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ} :

{أَفَرَءَيْتُمُ} : ارجع إلى الآية (55).

{النَّارَ الَّتِى تُورُونَ} : تشعلون أو توقدون.

ص: 345

سورة الواقعة [56: 72]

{ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِـئُونَ} :

{ءَأَنتُمْ} : ارجع إلى الآية (59).

{أَنشَأْتُمْ} : الإنشاء يعني: الإيجاد والنّمو والتّطور.

{شَجَرَتَهَا} : التي تشكل الحطب والبترول أو الغازات الطّبيعة المستعملة في إيقاد النار والطاقة والمحركات والتدفئة، فهذه النباتات والشجر عندما تموت وتدفن في الأرض قد تتحول إلى الفحم الحجري، هذا الفحم إذا ازداد الضغط عليه يشكل غاز الفحم

وإذا نزلت هذه الأشجار أو الحيوانات البحرية المليئة بالزيوت بعد موتها إلى قيعان البحار وطمرت بالرسوبيات، فقد تتحلل وتشكل لنا البترول والغازات الطبيعية التي أصبحت من مصادر الطاقة الكبرى.

فكل مصادر الطاقة ما عدا النووية مصدرها الشجر الأخضر والنباتات والحيوانات التي خلقت من الأرض، ثم ماتت وعادت إلى الأرض، وهكذا مصير كل كائن حيٍّ

وجواب الاستفهام: لا.

{أَمْ نَحْنُ} : ارجع إلى الآية (59).

{الْمُنشِـئُونَ} : للشجر والنّار والبترول والغاز الطّبيعي والزّيت.

ص: 346

سورة الواقعة [56: 73]

{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ} :

{نَحْنُ} : للتعظيم والاختصاص.

{جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} : أيْ: جعلنا نار الدنيا تذكرة بنار الآخرة، وتذكرة لكلّ عاص وكافر ومشرك، ولكلّ إنسان لكي يتقي منها.

{وَمَتَاعًا} : المتاع هو كلّ ما ينتفع منه في الحياة الدّنيا، متاعاً: ينتفع منها المقوين (جمع مقوٍ).

{لِّلْمُقْوِينَ} : اللام لام الاختصاص، المقوين لها عدة معانٍ:

1 -

للمسافرين.

2 -

الجائعين: المقوي الجائع الذي خلت بطنه من الطّعام لكي يطبخ طعامه.

3 -

أهل البادية والصّحراء أهل القفر الأرض الخالية من العمران. فكل هؤلاء بحاجة إلى النّار للطبخ وتحضير الطّعام والاهتداء والتّدفئة والإنارة ورؤية ما حولهم وتجنب الأذى.

ص: 347

سورة الواقعة [56: 74]

{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} :

{فَسَبِّحْ} : الفاء رابطة لجواب شرط مقدر هو بما أنّ الله سبحانه أنعم عليك كلّ هذه النّعم، فعليك أن تسبحه، والتّسبيح هو تنزيه الله سبحانه عن الولد والشّريك والنّد والمثل، وتنزيه الله عما لا يليق بذاته وصفاته وأسمائه الحسنى، ولمعرفة المزيد ارجع إلى الآية (1) من سورة الحديد. وسورة الإسراء آية (1).

{بِاسْمِ رَبِّكَ} : الباء للتوكيد، اسم ربك: هو الله تعالى الإله المعبود واجب الوجود.

{الْعَظِيمِ} : صيغة مشبهة من عظم: أي: الموصوف بصفات الكمال والكبرياء والجلال والعلو والمجد المستحق التّعظيم من عباده بالطّاعة والشّكر والذّكر والتّنزيه والتّقديس.

وقيل: لما نزلت هذه الآية: فسبح باسم ربك العظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، كما أخرج الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيره، أيْ: قولوا: سبحان ربي العظيم ثلاثاً.

ص: 348

سورة الواقعة [56: 75]

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} :

{فَلَا أُقْسِمُ} : الفاء استئنافية، لا أقسم؛ أي: أقسم قسماً مؤكداً، والقسم: يأتي في القرآن في سياق الصدق، وأما الحلف: فيأتي في سياق الكذب، أو إضمار الكذب، واليمين: يطلق على القسم المؤكد، أو الموثق باليمين؛ ارجع إلى سورة القيامة الآية (1) للبيان، ولا يقسم الله سبحانه إلا بشيء عظيم، وهو سبحانه غني عن القسم.

{بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} : النّجوم: أجرام سماوية تقدر بأكثر من تريليون نجم في مجرتنا مجرة التّبانة وحدها، وهي أجرام مضيئة بذاتها متماسكة بقوى الجاذبية والقوى الكهرومغناطيسية، وتبدو لنا النّجوم، وكأنّها ثابتة في السّماء، ولكنها في الحقيقة تدور وتتحرك، ولكن بعدها عن الأرض تجعلنا نراها، وكأنّها ثابتة، وكذلك الكواكب الأخرى تتحرك حركة مستمرة من لحظة إلى أخرى والضوء المنطلق منها يخرج بشكل متعرج بسبب البيئة الفلكية، فلكل كوكب بيئة فلكية مختلفة، ويبدو لنا غير متعرج لبعدها عنا وتنزل مواقع أو منازل جديدة، وتختلف في أحجامها ودرجات حرارتها والشّمس تعد إحدى هذه النّجوم، وتبعد عنا (150) مليون كم، وضوءُها يصل إلينا بعد (8، 3) دقيقة (ثمان دقائق وثلاث أجزاء الدقيقة).

وكذلك هذه النّجوم البعيدة جداً عن الأرض فإننا حين نراها نظن أننا نراها بذاتها، والحقيقة العلمية أننا لا نرى النّجوم أبداً، وإنما نرى مواقعها التي شعت منها وكانت فيها أو مرت عليها وتركتها منذ أزمان قصيرة أو طويلة؛ لأنّها تتحرك بسرعات هائلة وتنتقل من موقع إلى موقع جديد، وبعض هذه النّجوم التي نرى أشعتها التي شعت منها منذ زمن طويل أو قصير ربما خبت أو اختفت وتفجرت عنا، ولم تعد تُرى أين هي فلكلّ نجم مواقع كثيرة، وبما أنّ عدد النّجوم الهائل فمواقعها أكثر من عددها، وكيف تتحرك ولا تصطدم ببعضها وتختفي، ثمّ تظهر بعد السّنين الطويلة كلّ ذلك يدل على عظمته وقدرته سبحانه وأنّه الإله الحق الذي لا إله إلا هو، ويجب عدم الخلط بين مواقع النّجوم ومنازل القمر.

ص: 349

سورة الواقعة [56: 76]

{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} :

{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} : الواو للتوكيد، إنّه كذلك للتوكيد، لقسم: اللام لزيادة التّوكيد والتّهويل وتعظيم هذا القسم، والهاء تعود على مواقع النّجوم وعددها وحركتها ونظامها.

{لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} لو شرطية، أيْ: لو كنتم من أهل العلم لعلمتم عظم هذا القسم، وجواب لو محذوف أريد به نفي العلم عن النّاس أجمعين عن إدراك حقيقة ما يقوله رب العالمين عن مواقع النّجوم، ولا يستثنى منه أحداً، تعلمون تدل على التّجدُّد والتّكرار.

ص: 350

سورة الواقعة [56: 77]

{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} :

جواب القسم.

{إِنَّهُ} : للتوكيد.

{لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} : اللام للتوكيد أيضاً، كريم: بمصدره وكريم بذاته وكريم بعطائه، كريم على الله تعالى كرَّمه الله؛ أيْ: أعزه ورفع منزلته على سائر الكتب السّماوية كثير النّفع والفائدة لا ينفد نفعه من الهداية والرّحمة والشّفاء والأجر والشّفاعة والحكمة والموعظة، قراءة كلّ حرف يقابلها (10) حسنات مثل ألم يقابلها (30) حسنة.

والسّؤال: ما علاقة القسم بالنّجوم والمقسم عليه، وهو القرآن الكريم أو لماذا اختار الله سبحانه القسم بالنّجوم للقول بأنَّ القرآن كريم، فلعل ذلك يرجع إلى كون النّجوم مصدر للهداية من ظلمات البر والبحر التي هي ظلمات حسية، والقرآن الكريم هو مصدر للهداية من ظلمات الجهل والضّلال (ظلمات معنوية) فالقسم جمع بين الهدايتين.

ص: 351

سورة الواقعة [56: 78]

{فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} :

{فِى} : ظرفية.

{كِتَابٍ} : هو اللوح المحفوظ.

{مَّكْنُونٍ} : مصون، أو مستور عن الخلق والشّياطين والجن لا يصلون إليه.

ص: 352

سورة الواقعة [56: 79]

{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} :

كقوله تعالى: {فِى صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِى سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 13- 16].

{لَا} : النّافية.

{يَمَسُّهُ} : مشتقة من المس وهو أخف درجات اللمس: لا يصل إليه أو يقرؤه إلا المطهرون.

{إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} : إلا أداة حصر، المطهرون: الملائكة، المطهرون: من الجنابة والبول والغائط، أي: من النّجاسة ومطهَّرون من الذّنوب والآثام خلقهم الله تعالى مطهرون، وأمّا قوله المتطهرون، فالمتطهر هو الذي يكتسب الطّهارة بالوضوء والغسل كالإنسان.

ارجع إلى سورة التوبة آية (108) وسورة البقرة آية (222) للمقارنة والبيان.

ص: 353

سورة الواقعة [56: 80]

{تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} :

{تَنزِيلٌ} : أي: القرآن الكريم؛ تنزيلٌ؛ لأنه منزل من عند الله تعالى نزل به جبريل (الروح الأمين) عليه السلام .

وصف الله سبحانه كتابه بأربع صفات:

الصّفة الأولى: قرآن كريم.

الثّانية: هي كتاب مكنون.

الثّالثة: لا يمسه إلا المطهرون.

الرّابعة: تنزيل من رب العالمين، أيْ: نزل تنزيلاً، أيْ: مقسطاً منجماً من رب العالمين، كما قال تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} [الشعراء: 193 – 194].

{رَبِّ الْعَالَمِينَ} : الرّب هو الخالق والمالك والحاكم والقيم والمربي والرّزاق والمنعم، العالمين: البشر أو العقلاء أو المكلفين بما فيهم ذوو العلم، ورب الخلق كلّهم أجمعين، (رب عالم الملائكة، وعالم الإنس والجن، وعالم الحيوان والنّبات والجماد).

ص: 354

سورة الواقعة [56: 81]

{أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُّدْهِنُونَ} :

{أَفَبِهَذَا} : الهمزة للاستفهام الإنكاري، والفاء للتوكيد، والباء للإلصاق والملازمة، هذا: الهاء للتنبيه، ذا اسم إشارة يشير إلى القرآن الكريم (الحديث).

{الْحَدِيثِ} : أي: القرآن الكريم، وسُمِّي الحديث: لأنه يُحدِّث بما كان، وما هو كائن، وما سيكون في المستقبل من أحداث مثل يوم القيامة والجنّة والنّار وما سيحدث للسموات والأرض والخلق.

والحديث: يعني: الخبر أو الأخبار، ويستدعي أنّ هناك محدثاً ومشاركاً وسُمِّي بالحديث؛ لأنّ النّاس يتحدثون به دائماً وما يتجدَّد ويتكرَّر.

{أَنْتُمْ} : للتوكيد.

{مُّدْهِنُونَ} : من الإدهان وهو في الأصل دهن الجلد بالدّهن أو ما يشابه ذلك ليلين، ومنه اشتقت المداهنة: أي: التهاون في الأمر، أيْ: يلين جانبه مما يؤدِّي إلى التّنازل والتّلاين أو المدارة في أمر الدّين لأجل شيء من دنياه، وقد تشتد المداهنة، وتصل إلى درجة النّفاق فقيل: المدهن الذي ظاهره خلاف باطنه؛ أي: تلينون القول للمكذبين به أو متهاونون به (غير مبالين) بمن كذب به.

ص: 355

سورة الواقعة [56: 82]

{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} :

كلمة رزقكم تعني: شكركم؛ لأنّ شكر الرّزق سبباً لزيادته فأطلق السّبب، وأريد به المسبب وهو الشّكر، أيْ: وتجعلون شكركم لله بإنزال القرآن عليكم أنّكم تكذبون به وتعرضون عنه، فماذا أنتم فاعلون حين تبلغ أرواحكم الحلقوم، أو تجعلون شكر رزقكم المطر من السّماء أن تقولوا مطرنا بسبب كذا. أي: الشرك بالله. وتكذِّبون بصيغة المضارع لتدل على التّجدُّد والتّكرار.

ص: 356

سورة الواقعة [56: 83]

{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} :

{فَلَوْلَا} : الفاء للتوكيد، لولا: أداة حضٍّ وحثٍّ، كلّها تعني التّحدِّي.

{إِذَا} : شرطية تفيد الحتمية.

{بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} : أيْ: بلغت روح المريض أو المحتضر، وهي تنتزع من جسمه منطقة الحلقوم، وهي المنطقة بين البلعوم والحنجرة (على مستوى قاعدة اللسان).

ص: 357

سورة الواقعة [56: 84]

{وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} :

{وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ} : حين: ظرف أضيف إلى ظرف هو إذن للتمكين والتّوكيد بجوار المتحضر تنظرون إليه وهو غمرات الموت (سكرات الموت) وليس باستطاعتكم ردَّ روحه إليه.

{تَنْظُرُونَ} : تنظرون إليه وأنتم عاجزون عن فعل أيِّ شيء.

ص: 358

سورة الواقعة [56: 85]

{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ} :

{وَنَحْنُ} : للتعظيم، الله سبحانه بعلمه وملك الموت وملائكة الموت (الذين ينتزعون روحه والذين ينتظرون لحمل روحه إلى عليين أو سجين).

{أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} : بالعلم والمكان والنّظر.

نحن أقرب إليه منكم رغم أنكم جالسون بقربه تنظرون إليه.

{وَلَكِنْ} : حرف استدراك وتوكيد.

{لَا تُبْصِرُونَ} : لا النّافية، تبصرون: أيْ: لا ترون الملائكة وملك الموت وما يفعلون به.

ص: 359

سورة الواقعة [56: 86]

{فَلَوْلَا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} :

{فَلَوْلَا} : الفاء للتوكيد، لولا: أداة حضٍّ وحثٍّ يفيد التّحدِّي والإعجاز.

{إِنْ} : شرطية تفيد الاحتمال أو الشّك.

{كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} : أيْ: إن كنتم غير محاسبين بعد الموت أو غير مبعوثين للحساب أو مجزيين على أعمالكم في الدّنيا.

ص: 360

سورة الواقعة [56: 87]

{تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} :

{تَرْجِعُونَهَا} : ترجعون أو تمنعون خروج تلك الرّوح التي انتزعت من صاحبها المحتضر، والتي بلغت الحلقوم تبقونها في جسمه، أيْ: تبقونه حياً.

{إِنْ} : شرطية تفيد الشّك والندرة.

{كُنتُمْ صَادِقِينَ} : في زعمكم أنكم غير محاسبين أو مدينين، انتبه إلى أنّ التّحدِّي والرّوح ما زالت لم تفارق الجسم بعد، ولم يتحدَّهم بعد تمام خروجها وقبضها.

ص: 361

سورة الواقعة [56: 88]

{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} :

{فَأَمَّا} : الفاء استئنافية، أما: حرف تفصيل.

{إِنْ} : شرطية تفيد الاحتمال والنّدرة.

{كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} : كان المحتضر أو المتوفَّى من السّابقين السّابقين. ارجع إلى الآية (11) من نفس السّورة.

ص: 362

سورة الواقعة [56: 89]

{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} :

{فَرَوْحٌ} : الفاء: للتوكيد، روح: الفرح والراحة كما قال ابن عباس؛ أي: راحة وسرور من تعب الدّنيا واستراحة، وقيل: حياة دائمة بلا موت.

{وَرَيْحَانٌ} : الطيب، والرّيحان: شجر لورقه رائحة طيبة، وقيل: الرزق.

{وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} : نعيم: من النعيم، وهو ما ينعمُ الله به على عباده المؤمنين في الآخرة، والنعيم يدل على النعم الكثيرة التي أعدت للمتقين؛ ارجع إلى الآية (12) من نفس السورة.

ص: 363

سورة الواقعة [56: 90]

{وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} :

{وَأَمَّا} : حرف شرط وتفصيل.

{إِنْ} : شرطية تفيد الاحتمال.

{كَانَ} : المتوفَّى.

{مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} : ارجع إلى الآية (27) من نفس السّورة.

ص: 364

سورة الواقعة [56: 91]

{فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} :

{فَسَلَامٌ لَكَ} : الفاء رابطة لجواب الشّرط، سلام: نكرة يشمل سلام التّحية والسّلام من كل آفة ومرض ومكروه، وسلام: أمن وطمأنينة، سلام لك: من إخوانك أصحاب اليمين.

ص: 365

سورة الواقعة [56: 92]

{وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ} :

{وَأَمَّا} : حرف شرط وتفصيل.

{إِنْ} : شرطية تفيد الاحتمال أو الفرض.

{كَانَ} : المتوفَّى في الدّنيا.

{مِنَ الْمُكَذِّبِينَ} : بالله وآياته ورسله وكتبه والبعث والآخرة.

{الضَّالِّينَ} : عن دين الحق أو الصّراط المستقيم (الإسلام).

ص: 366

سورة الواقعة [56: 93]

{فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ} :

{فَنُزُلٌ} : الفاء رابطة لجواب الشّرط، نزل: ما يعد للضيف من القرى والكرم من المأكل والمشرب والمبيت والرّاحة، واستعملت هنا للتهكم والتّقريع. أيْ: نزله أو إكرامه سيكون من حميم ونار معدة لحرقه.

{مِّنْ حَمِيمٍ} : من ابتدائية، حميم: ماء حميم في منتهى الحرارة والغليان.

ص: 367

سورة الواقعة [56: 94]

{وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} :

{وَتَصْلِيَةُ} : التّصلية مصدر صلاه: إذا أحرقه وشواه.

{جَحِيمٍ} : النّار المؤجَّجة اسم من أسماء النّار. ارجع إلى سورة الرعد آية (18) لمزيد من البيان.

ص: 368

سورة الواقعة [56: 95]

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} :

في هذه الآية أربع توكيدات: إن واللام في كلمة لهو وضمير الفصل هو وإضافة الشيء إلى مرادفه للتوكيد مثل إضافة الحق إلى اليقين.

{هَذَا} : الهاء للتنبيه، ذا اسم إشارة للقرب ويشير إلى الوعد والوعيد والبعث والحساب، وما ذكر عن أصحاب اليمين والشّمال والمقربين ويوم القيامة.

{لَهُوَ} : اللام للتوكيد، هو ضمير فصل يفيد التّوكيد.

{حَقُّ الْيَقِينِ} : الحق هو الأمر الثّابت الذي لا يتغيَّر أو يتبدَّل واليقين هو العلم الذي ليس هناك غيره.

ودرجات اليقين في القرآن هي ثلاث:

1 -

علم اليقين: وهو أعلى وأصدق درجات العلم على الإطلاق.

2 -

عين اليقين: وهي أعلى وأصدق درجات الرؤيا على الإطلاق.

3 -

حق اليقين: ويشمل العلم والعين، ولا يوجد هناك درجة أعلى من هذه الدرجة. ارجع إلى سورة البقرة آية (4) لمزيد من البيان.

ص: 369

سورة الواقعة [56: 96]

{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} :

ارجع إلى الآية (74) للبيان.

ص: 370

سورة الحديد [57: 1]

سورة الحديد

ترتيبها في القرآن (57) وترتيبها في النزول (94) ومن المعجزات العددية أنّ رقم سورة الحديد في القرآن (57) والوزن الذّري لمعدن الحديد هو (57) أيضاً.

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} :

{سَبَّحَ لِلَّهِ} : التّسبيح هو تنزيه الله تعالى تنزيهاً كاملاً من كلّ نقص وعجز وعيب وولد وشريك وندّ ومثيل تنزيهاً لذاته فلا ذاتاً مثل ذاته، ولصفاته فلا صفة مثل صفاته، ولأفعاله فلا فعلاً مثل أفعاله، تنزيهاً مطلقاً ليس مرتبطاً بزمان ولا مكان.

والتّسبيح لا يكون إلا لله وحده فلا يوجد غيره تعالى ليُسبَّح، والتّسبيح أمر ثابت لله تعالى في الماضي والحاضر والمستقبل، والتّسبيح هو نوع من أنواع الذّكر، فكل تسبيح هو ذكر وليس كلّ ذكر تسبيحاً.

وجاء التّسبيح بكلّ الصّيغ الماضي والحاضر والأمر؛ ليدل على أنّ تسبيحه مستمر منذ الأزل إلى أن تقوم السّاعة لا ينقطع أبداً ودائم بدوام ذاته وصفاته؛ تسبّح له السموات السّبع والأرض ومن فيهن، وسواء شارك الإنسان أم لم يشارك، فجاء بصيغة الماضي في سورة الحديد والحشر والصف قال تعالى:{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد: 1]، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 1] و [الصف: 1]، وبصيغة المضارع في سورتي الجمعة والتغابن:{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ} [الجمعة: 1] و [التغابن: 1] ليدل على أنّ التّسبيح يتجدد ويتكرر ومستمر، وبصيغة الأمر في سورة الأعلى والواقعة والحاقة:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74-96] وسورة الحاقة (52)، وجاء بصيغة المصدر {سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1]. {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17]، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44].

{سَبَّحَ لِلَّهِ} : تقديم الجار والمجرور (لله) يفيد الحصر.

{مَا فِى السَّمَاوَاتِ} : ما لغير العاقل والعاقل الكل سبّح ويسبّح وسيبقى يسبّح لله تعالى من ملائكة ومن شمس وقمر ونجوم وكواكب ورياح ورعد وبرق ومجرّات وغيرها، وبما أن هناك مخلوقات موجودة في السماء، وليست موجودة على الأرض مثل الملائكة الصّافّين من حول العرش والمقرّبين وغيرهم، ومخلوقات موجودة في الأرض غير موجودة في السموات ولذلك كرر (ما في) لذكر كلّ منهما على حدةٍ أو كلاهما معاً، لا يشاركه فيهما أحد، وقيل: تكرار (ما في) يصاحب الكلام عن أهل الأرض، أو يصاحب التفصيل في الآيات.

{وَهُوَ} : ضمير فصل يفيد التّوكيد.

{الْعَزِيزُ} : القوي والقاهر الذي يَقهر ولا يُقهر والغالب الذي يَغلب ولا يُغلب، الممتنع لا يناله أحد بسوء.

{الْحَكِيمُ} : الحكيم في تدبير شؤون خلقه وكونه وشرعه، فهو أحكم الحاكمين وهو أحكم الحكماء.

ارجع إلى سورة البقرة آية (129) لمزيد من البيان. فالله سبحانه وتعالى يستحق أن يعبد ويُسبَّح لعظمته وقدرته ونعمه وخلقه، ولأنه العزيز الحكيم، ولأنّه مالك السماوات والأرض وله المُلك؛ أي: الحكم.

ص: 371

سورة الحديد [57: 2]

{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْىِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} :

{لَهُ} : تقديم (له) يفيد الحصر؛ أي: له وحده لا يشاركه أحد في الملك.

{مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} : له الحكم التّام المطلق يحكم ما يشاء، ولا معقِّب لحكمه، وسبحانه هو المالك والحاكم يتصرف كيف يشاء في ملكه.

{يُحْىِ وَيُمِيتُ} : يُحيي من يشاء ويميت من يشاء من إنس وجن وحيوان ونبات وجماد.

{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} : تام القدرة لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السّماء.

ارجع إلى سورة البقرة آية (20) لمزيد من البيان.

ص: 372

سورة الحديد [57: 3]

{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} :

{هُوَ} : ضمير فصل يفيد التّوكيد والحصر.

{الْأَوَّلُ} : على الإطلاق والقصر، واجب الوجود ليس كمثله شيء ولا يشاركه في هذه الصّفات أحد؛ وله سبحانه أن يصف ذاته بما يشاء، ولا يجوز وصفه بالقول: هو السابق أو بالشيء، بل نصفه كما وصف ذاته سبحانه بدون تحريف أو تبديل؛ لأنّ ذلك يوهم أنّ معه أشياء موجودة قد سبقها، ولا يجوز القول: هو الأوّل قبل كلّ شيء؛ لأنّ الله سبحانه ليس شيئاً، ولا يجوز القول: هو قبل الأشياء أو بعدها، ولا يجوز القول: قبل أو بعد؛ لأنّه سبحانه غير محدد بزمن قبل أو بعد فالله سبحانه تفرّد بالكمال المطلق والإحاطة المطلقة الزّمانية والمكانية؛ لأنه خالق الزمان والمكان.

{وَالْآخِرُ} : على الإطلاق والقصر.

{وَالظَّاهِرُ} : للوجود بكثرة آياته والأدلة والبراهين.

{وَالْبَاطِنُ} : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ولا تحيط به العقول، يعلم ما ظهر وما بطن، يعلم السّر وأخفى، والنّجوى وذوات الصّدور، والواو: هنا جاءت للاهتمام ولتقريب أو جمع الصّفات المتباعدة: الأوّل والآخر والظّاهر والباطن.

{وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} : (وهو) ضمير فصل يفيد التّوكيد، بكلّ: الباء للإلصاق وكلّ للتوكيد، شيء عليم: عليم صيغة مبالغة، أحاط علمه المطلق بكلّ شيء في السموات والأرض، وكما قال تعالى:{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ} [يونس: 61].

ص: 373

سورة الحديد [57: 4]

{هُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} :

{هُوَ} : ضمير فصل يفيد التّوكيد والحصر.

{الَّذِى} : اسم موصول يفيد التّعظيم.

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} : ارجع إلى سورة فصلت الآيات (9-12) وسورة الفرقان الآية (59) وسورة الأنبياء آية (30)، وسورة الأعراف آية (54).

{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الْأَرْضِ} : يلج من الولوج: هو الدّخول بصعوبة وشدة فالدّخول أوسع من الولوج، يلج في الأرض من كنوز ومعادن وبذور وماء وأموات. ارجع إلى سورة سبأ آية (2) للبيان.

{وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} : من نباتات ومعادن وبترول وغازات وأبخرة.

{وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} : من مطر وعذاب وثلج وصواعق، وملائكة ومواد منفجرة من كواكب أخرى. ارجع إلى سورة سبأ آية (2) لمزيد من البيان.

{وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} : من أبخرة وأعمال وملائكة، وغيرها من مركبات فضائية وأقمار صناعية. والعروج: هو الصّعود بشكل مائل. ارجع إلى سورة الحجر الآية (14) للبيان، ارجع إلى سورة سبأ الآية (2) لمزيد من البيان.

{وَهُوَ} : ضمير يعود على الله سبحانه الذي خلق السموات والأرض.

{مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} : في الأرض أو البحار أو تحت البحار أو في السّماء؛ أي: الله سبحانه معكم بعلمه وببصره وهو أقرب إليكم من حبل الوريد فلا تخفى عليه خافية، وهذه المعية عامة لجميع الخلق معهم بالعلم والقدرة والرّؤية وهناك المعية الخاصة للمتقين والمحسنين كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128] ولا تعني المعية بنوعيها المعية بالذّات أبداً.

{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} : بما: الباء للإلصاق والدّوام، ما: تعني الذي، وما أوسع شمولاً من الذي أو مصدرية، بصير؛ أي: يرى أعمالكم (الأقوال والأفعال) الظّاهرة والباطنة فلا يخفى عليه شيء.

ص: 374

سورة الحديد [57: 5]

{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} :

{لَهُ} : تقديم الجار والمجرور (له) يفيد التّوكيد والحصر؛ أي: له وحده ملك السموات والأرض.

{مُلْكُ} : أي الحكم والملك فهو الحاكم ومالك السموات والأرض.

{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} : قد تكون هذه الآية تكراراً للآية (2)، والتّكرار يفيد التّوكيد من جهة، وقد لا يكون ذلك وإنما يعني:

له ملك السموات والأرض؛ أي: الحكم في الدّنيا؛ لقوله: {يُحْىِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} .

وله ملك السموات والأرض؛ أي: الحكم في الآخرة؛ لقوله: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} .

{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} : تقديم الجار والمجرور (إلى الله) بدلاً من القول ترجع الأمور إلى الله، يفيد الحصر: إليه وحده ترجع الأمور كلّها؛ للنظر فيها وإصدار الحكم.

ص: 375

سورة الحديد [57: 6]

{يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} :

ارجع إلى سورة آل عمران الآية (27) للبيان.

{وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} : وردت (عليم بذات الصّدور)(12) مرة في القرآن، ارجع إلى سورة آل عمران الآية (119) للبيان.

ص: 376

سورة الحديد [57: 7]

{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} :

{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} : صدقوا بألوهيته وربوبيته، بوحدانيته وصفاته وأفعاله وبما أنزل عليكم وبرسوله؛ أي: بما أتاكم به أو نهاكم عنه واتَّبعوه.

{وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} : أنفقوا في سبيل الله، مما: مركبة (من ما): من البعضية، ما: بمعنى الذي، وما أكثر شمولاً وعموماً أو مصدرية؛ أي: أنفقوا من بعض (وليس كل) ما جعلكم مستخلفين فيه من الرزق (المال والمتاع وغيره).

{مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} : جمع مستخلف: تدل على أنّ الملك الحقيقي هو لله تعالى وحده.

{فَالَّذِينَ} : الفاء للتوكيد، الذين: اسم موصول يفيد المدح.

{آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنْفَقُوا} : خاصة.

{لَهُمْ} : اللام لام الاختصاص والاستحقاق.

{أَجْرٌ كَبِيرٌ} : الأجر على طاعتهم وعبادتهم بالقول والفعل والأجر الكبير. قيل: هو الجنة.

ص: 377

سورة الحديد [57: 8]

{وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} :

{وَمَا لَكُمْ} : ما استفهام، فيها معنى التّوبيخ على عدم إيمانهم رغم كلّ هذه الآيات الدّالة على عظمة الخالق، وأنّه الإله الحق الذي يستحق أن يُعبد.

{لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} : لا النّافية، تؤمنون بالله: إيمان العقيدة، والباء للإلصاق، تصدّقون بوحدانيته وألوهيته وربوبيته.

{وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ} : أي جاءكم بالحجج والبراهين (الآيات) التي تبعث على الإيمان، فبادروا إلى الإيمان واتركوا الكفر.

{لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ} : اللام لام التّعليل، بربكم: خالقكم ومربّيكم ورازقكم.

{وَقَدْ} : قد للتحقيق والتّوكيد.

{أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} : الميثاق: هو العهد الموثّق؛ أي: المؤكد بأدلة أو شهود أو أيمان (باليمين).

قد يكون ذلك ميثاق الذّرّ كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172].

{إِنْ} : شرطية تفيد الشّك أو الاحتمال والنّدرة.

{كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} : أي إن كنتم صادقين في إيمانكم فقد جاءتكم كلّ الدّواعي والأسباب للإيمان بإرسال رسوله إليكم وإنزال أعظم كتبه عليكم، وأبان لكم طريق الخير من الشّر.

ص: 378

سورة الحديد [57: 9]

{هُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} :

{هُوَ} : ضمير فصل يفيد التّوكيد والحصر، ويعود على: الله ربكم.

{الَّذِى} : اسم موصول يفيد المدح والتّعظيم.

{يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ} : ينزّل بصيغة المضارع؛ لتدل على التّجدد والتّكرار، ينزّل على دفعات، عبده: محمّد صلى الله عليه وسلم، وإضافة الهاء تدل على التّشريف والتّكريم.

{آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} : أي آيات قرآنية أو معجزات أو بيّنات أو دلائل وبراهين كافية وواضحة.

{لِّيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ} : اللام لام التّعليل، يخرجكم من ظلمات الجهل والضّلال والشّرك، والكفر والمعاصي والهوى.

{إِلَى النُّورِ} : نور الإيمان والهدى، وهو القرآن والسّنة والإسلام، وبين أنّ النّور واحد أما الظّلمات فهي متعددة.

{وَإِنَّ اللَّهَ} : إنّ للتوكيد.

{بِكُمْ} : الباء للإلصاق، بكم خاصة أيها المؤمنون، ولم يقل بالنّاس.

{لَرَءُوفٌ} : اللام للتوكيد، الرّأفة أشد من الرّحمة، والرّأفة أخص من الرّحمة، والرحمة عامة تعم المؤمن وغير المؤمن، أما الرأفة: خاصة بعباده المؤمنين، فهو لا يحمّل عباده ما لا يطيقون، وما جعل عليهم في الدين من حرج، وشرع لهم الرخص في السفر والمرض وغيرها.

{رَحِيمٌ} : من الرّحمة على وزن فعيل: كثير الرّحمة، وخاصة بعباده المؤمنين، دائم الرّحمة، والرّحمة هي الوقاية من السّيئات والضّر وجلب ما يسُر. وإذا قارنا هذه الآية وهي قوله تعالى:{وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} مع الآية (7) في سورة النحل وهي قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} : نجد أن الآية في الحديد خاصة بالمؤمنين، والآية في سورة النحل عامة بالكل وفي سياق تعداد النعم على العباد عامة، والآية في سورة الحديد جاءت في سياق العبادة والإيمان والإنفاق ولذلك ذكر الله تعالى المعبود، وآية النحل جاءت في سياق تعداد النعم التي هي من الرب جلى وعلا.

ص: 379

سورة الحديد [57: 10]

{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِى مِنْكُمْ مَّنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} :

{وَمَا لَكُمْ} : ما: الاستفهامية، وفيها معنى التّعجب والتّوبيخ؛ أي: ما لكم من حجة أو عذر من عدم الإنفاق.

{أَلَّا تُنْفِقُوا} : ألا: أصلها أن المصدرية تفيد التّعليل والتّوكيد.

{فِى سَبِيلِ اللَّهِ} : أي لوجه الله أو ابتغاء مرضات الله.

وإذا قارنّا هذه الآية {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا} مع قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} نجده شدّد على التّوبيخ على عدم الإيمان بالله أكثر من التّوبيخ على عدم الإنفاق بإضافة نون التّوكيد؛ لأنّ الإنفاق لا جدوى منه ويحبط ثوابه إذا كان المنفق غير مؤمن، والإيمان يحب أن يؤخذ به مباشرة بدون تأخير، بينما الإنفاق يمكن أن يؤخّر.

{وَلِلَّهِ} : تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر.

{مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} : بعد فناء خلقه إليه يرجع كلّ الملك في السموات والأرض.

{لَا يَسْتَوِى مِنْكُمْ} : لا: النّافية، يستوي منكم: مَنْ أنفق من قبل الفتح وقاتل؛ أي: الاستواء في الأجر أو الثّواب، منكم:(من) تحمل معنى الإفراد والتّثنية والجمع، وسواء كان ذكراً أو أنثى، منكم خاصة.

{مَّنْ أَنْفَقَ} : من الابتدائية، من للعاقل تحمل معنى العدد القليل أو القلة، بينما استعمال (الذين) يدل على الكثرة، أنفق من المال بشكل عام.

{مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ} : أي فتح مكة.

{وَقَاتَلَ} : في سبيل الله الكفارَ وأعداء الإسلام، ولم يذكر من بعد الفتح وقاتل؛ لوضوح المعنى، ولم يقل من قبلُ وقاتل: ضمّ اللام يدل على زمن محدد أو مكان محدد، أمّا كسرها يدل على زمن غير محدد قريب أو بعيد من قبل الفتح.

{أُولَئِكَ} : اسم إشارة واللام للبعد؛ يفيد المدح والعلو.

{أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} : أي من بعد فتح مكة؛ لأنّ حاجة النّاس قبل فتح مكة للمال والإنفاق كانت أشد، وكذلك العدد عدد المسلمين كان أقل وأضعف، أمّا بعد فتح مكة فقد دخل في الإسلام العدد الكبير من النّاس وغنموا من غنائم خيبر وغيرها.. فكانت حالتهم المادية أفضل.

{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} : أي وكلا الفريقين مَنْ أنفق وقاتل من قبلِ الفتح ومَن أنفق وقاتل من بعد الفتح كلاهما وعد الله الحسنى: وهي الجنة، مع تفاوت درجاتهم.

{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} : خبير: أي يعلم بواطن الأمور ومن يعلم بواطن الأمور فهو بالأحرى يعلم ظواهرها؛ أي: يعلم كلاهما، وقدّم تعملون على خبير؛ لأنّ السّياق في الأعمال والإيمان والإنفاق.

ص: 380

سورة الحديد [57: 11]

{مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} :

{مَنْ} : اسم استفهام يحمل معنى التّشويق والتّرغيب، والخطاب موجَّهٌ إلى كلّ فرد.

{ذَا} : اسم إشارة، وحذف الهاء التي تفيد التنبيه.

{الَّذِى} : اسم موصول يفيد المدح. وإذا قارنا قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِى} مع قوله تعالى: {هَذَا الَّذِى} تستعمل الهاء (هاء التنبيه) للأمور التي تحتاج تنبيهاً أشد.

{يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} : القرض من باب التّطوع وليس الإلزام، والقرض الحسن لابدّ أن تتوفر فيه الشّروط التالية:

1 -

بنيّة حسنة وابتغاء وجه الله.

2 -

بحبٍّ لا بكراهية.

3 -

لا يُتبَع بالمنّ والأذى.

4 -

ومن مال حلال طيب.

5 -

عن طيب نفس.

6 -

وأن يتحرّى الجهات فيعطي القرض لأشد النّاس حاجة.

ويجب الانتباه إلى أنّ القرآن وصف القرض بالحسن في جميع الآيات في القرآن في سورة البقرة الآية (245) وسورة المائدة الآية (12) وسورة الحديد الآية (11) وسورة التّغابن الآية (17) وسورة المزمل الآية (20).

{فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} : وعد الله بمضاعفة الأجر أضعافاً كثيرة؛ أي: الحسنة بعشر أمثالها إلى (700) ضعف أو أكثر من ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال والأوقات، ومضاعفة الأجر تعني مضاعفة الكمّ.

{وَلَهُ} : له: اللام لام الاستحقاق (الاختصاص).

{أَجْرٌ كَرِيمٌ} : كريم: يعني: الكيف، والأجر الكريم نوع من أنواع الأجر؛ فهناك الأجر العظيم، والحسن، والممنون، والكبير، والمبين؛ يعني: الجنة، فبيّن في هذه الآية الكمّ والكيف ومضاعفة الجر كما قلنا مضاعفة الكم؛ ارجع إلى سورة البقرة آية (245) لمزيد من البيان في القرض الحسن.

ص: 381

سورة الحديد [57: 12]

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} :

{يَوْمَ} : نكرة: للتهويل والتعظيم؛ ويعني يوم القيامة.

{تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} : رؤية العين؛ أي: الرؤية رؤية عينية، والمخاطب أيُّ إنسان، والمخبر بذلك هو الله سبحانه وما يخبرنا به الله سبحانه أصدق وأفضل مما تراه عيوننا.

المؤمنين والمؤمنات: المؤمنين (تشمل الرجال والنساء) والمؤمنات: قسم من المؤمنين، جاء بذكر الخاص بعد العام؛ للتوكيد.

{يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} : يسعى: من السّعي هو أسرع من المشي ولا يصل إلى درجة الرّكض؛ أي نورهم يسعى: يُسرع بين أيديهم، نورهم: الذي يخرج من وجوههم وأيديهم من آثار الوضوء، فينوّر أمامهم ولا يعني أمامهم قادم نحوهم، وإنما هو نور صادر منهم ويضيء أمامهم فقد يكون أمامهم وبعيداً عنهم ولا يضيء لهم أو يُنتفع منه. وقوله: يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، ويدل ذلك على الإسراع بهم إلى الجنة؛ أي: نور يشعّ منهم ومحدّد بين أيديهم وبأيمانهم؛ أي: يتقدّمهم لا ينفصل عنهم بحيث إذا سعوا (سعى) معهم وإذا وقفوا توقّف فأسند السعي إلى النور، ولم يقل يسعون ليدل ذلك على الجهد أو التعب يلاقوه أو يعانوه. وبأيمانهم: ذكر الأيمان؛ للتشريف: والباء للإلصاق والملازمة. والمراد به في جميع الجهات.

{بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ} : تبشّرهم الملائكة، والبشرى إذا أطلقت عادة لا تكون إلا بخبر يسرّ صاحبه إلا إذا استعملت على سبيل التّهكم أو بشكل مقيد؛ وانظر كيف تحول الكلام من صيغة الغائب:{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ} إلى قوله تعالى: {بُشْرَاكُمُ} بصيغة المخاطب مباشرة، وكان المشهد مشهد البشرى أمامك، وهذا يبعث الفرح والسرور أكثر مما لو قيل بشراهم، وقوله تعالى:{بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ} : اليوم بصيغة المعرفة للدلالة على التوكيد والكمال في ذلك اليوم.

{جَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} : جناتٌ مثل: جنات الفردوس أو عدن أو جنات النّعيم أو الخلد، تجري من تحتها الأنهار: أي تنبع من تحتها الأنهار.

{خَالِدِينَ فِيهَا} : الخلود: الاستمرار والبقاء إلى ما لا نهاية ولكن له نقطة بداية هي زمن دخولهم تلك الجنات.

{ذَلِكَ} : ذا اسم إشارة واللام للبعد.

{هُوَ} : ضمير فصل يفيد التّوكيد.

{الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} : أعظم أنواع الفوز، أعظم من الفوز الكبير أو المبين. وإذا قارنا هذه الآية:{ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} مع قوله تعالى في الآية (111) من سورة التوبة وهي قوله تعالى: {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} بزيادة الواو التي تدل على الفوز العظيم في آية التوبة أقوى وآكد من الفوز العظيم في آية الحديد.

ص: 382

سورة الحديد [57: 13]

{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} :

{يَوْمَ} : تعود على: يوم القيامة، أو على: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات.

{يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا} : المنافقون هم الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم (أظهروا الإسلام أخفوا الكفر) يقولون للذين آمنوا: (الذين نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم).

{انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُّورِكُمْ} : وهذا يدل على أنهم في ظلمة؛ أي: أمهِلونا أو اصبروا قليلاً حتى نلحق بكم ونقتبس من نوركم (انظرونا: اصبروا قليلاً) أو انظرونا قليلاً ولم يقولوا انتظرونا؛ لأن الانتظار فيه تمهُّل وإبطاء، فهم يطلبون من المؤمنين والمؤمنات أقل وقت أو زمن حتّى يتمكّنوا من استخدام نور المؤمنين في رؤية طريقهم أو ما حولهم؛ لأنّهم لا نور لهم. وهناك احتمال قليل أن يكون معنى انظرونا: أي انظروا إلينا قليلاً بوجوهكم أو نوّروا علينا بنوركم، نقتبس من نوركم: جمع نور؛ نور كل مؤمن ومؤمنة، ونوركم: يدل على عظم هذا النور (نقتبس) صيغة مبالغة من القبس على وزن نفتعل، القبس: أي نأخذ من نوركم أو نستفيد منه، والقبس يعني شيئاً قليلاً: واقتبس منه ناراً أو علماً؛ أي: استفاد منه.

{قِيلَ} : مبني للمجهول؛ لأنه ليس مهماً معرفة القائل والمهم المقولة، وقيل: القائل هم الملائكة.

{ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} : أي استديروا وارجعوا إلى ورائكم باحثين عن نور آخر، وهذا نوع من التّوبيخ والتّهكّم، فليس هناك نور آخر. أو: ارجعوا وراءكم إلى الدنيا فالتمسوا نوراً: الفاء للمباشرة والتّعقيب، الالتماس: هو الطّلب، والتماس هذا النّور، وطلبه كان يجب أن يكون بالإيمان والعمل الصّالح في الدنيا وليس الآن.

فيرجعون باحثين عن ذلك النّور، فيضرب بينهم وبين المؤمنين بسور؛ أي: حاجز أو حائط. ومنهم من قال: هو السّور الذي ذكر في سورة الأعراف: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} [الأعراف: 46].

{لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} : أي داخله أو باطنه فيه الرّحمة (أي جانب المؤمنين).

{وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} : أو خارج السّور أو ظاهره العذاب؛ أي: حيث يوجد المنافقون.

ص: 383

سورة الحديد [57: 14]

{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِىُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} :

{يُنَادُونَهُمْ} : ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السّور، والنّداء لا يكون إلا برفع الصّوت، وأضاف النّون بدلاً من ينادوهم للتوكيد، وينادونهم تدل على تجدد وتكرار النّداء، فلم ينادوهم مرة أو اثنتين، ينادونهم لعلّهم يمدون إليهم يد العون بأيّ شيء ممكن أو يساعدونهم على ما حلّ بهم.

{أَلَمْ} : الهمزة للاستفهام والتعجب والتقدير.

{نَكُنْ مَّعَكُمْ} : نكن معكم في الدنيا. أي: إخوانكم نمدّ لكم يد العون أو نساعدكم، معكم: ولم يقولوا منكم: هناك فرق كبير بين منكم أو معكم، منكم: أي من المؤمنين فهم يعلمون حقيقة إيمانهم في أنفسهم أنهم اتخذوا أيمانهم جُنّة فصدوا عن سبيل الله وكما قال تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُمْ مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [التوبة: 56].

{قَالُوا بَلَى} : أي قال المؤمنون: بلى، ردّاً على استفهام النّفي. ارجع إلى سورة الأحقاف الآية (34) لمزيد من البيان.

{وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} : لكن حرف استدراك وتوكيد والكاف للمخاطب خاصة، فتنتم أنفسكم: الفتنة هي أشد التّكليف؛ أي: أثقلتموها وحمّلتموها بالنّفاق أو أضللتم أنفسكم في ظلمات المعاصي والشّهوات.

{وَتَرَبَّصْتُمْ} : تربصتم بمحمّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الدّوائر أو نوائب الدّهر، والتّربُّص: هو الانتظار والمراقبة مع السّؤال والتّفتيش عن الأنباء والأخبار، وأنّ محمداً سيُغلب ويقهر أو يفشل في رسالته، وأن الإسلام سيندحر، وقدم التربص (الانتظار) على الريبة؛ لأن طول الانتظار يؤدي إلى الريبة.

{وَارْتَبْتُمْ} : الرّيبة هي الشّك والتّهمة، ارتبتم في دين الله تعالى وفي القرآن وفي نبوة محمّد صلى الله عليه وسلم، والبعث والحساب والآخرة.

{وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِىُّ} : أي خدعتكم الأماني الكاذبة أو الباطلة (جمع أمنية، والتّمنّي: هو أن يقول القائل: ليت الأمر كذا وكذا) والتّمنّي: معنى في النّفس يقع عند فوات فعل كان للتّمنّي في وقوعه نفع أو في زواله ضرر في الماضي أو المستقبل، وغرّتكم الأمانيّ أنّ النصر والغلبة ستكون لكم. أو أن الله لن ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم، أو أن الله سيغفر لكم وغيرها

{حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} : وهو إمّا الموت أو نصر الله لدينه ورسوله ودخول الناس في دين الله أفواجاً.

{وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} : أي الشّيطان الذي زيّن لكم الكفر والشّرك والنّفاق وسَعة رحمة الله لكم والنّجاة من عذاب الله، ولن يؤاخذكم الله على فسادكم وصدّكم عن سبيل الله تعالى. ارجع إلى سورة فاطر الآية (5) لمزيد من البيان، والفرق بين الغُرور والغَرور.

ص: 384

سورة الحديد [57: 15]

{فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِىَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} :

{فَالْيَوْمَ} : الفاء استئنافية، يوم القيامة يوم الحساب.

{لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ} : الخطاب موجه إلى المنافقين؛ لا النّافية، يؤخذ منكم فدية: الفدية: هو ما يدفع من المال لحفظ النّفس من الهلاك أو النّجاة من النّار أو فكّ الأسر أو غيرها، والفدية ليست مختصة بالمال فقط فهناك فدية من صيام أو صدقة أو نسك، وبما أنّه قال:(لا يؤخذ منكم فدية)، فمعنى ذلك: المال، ولو قال تعالى لا تقبل منكم فدية، فقد يعني المال أو الصّيام أو الصّدقة أو النّسك، منكم: أيّها المنافقون، فدية: نكرة؛ أي: مهما كان نوعها لن تؤخذ منكم. حتى ولو كانت ملء الأرض ذهباً أو ما في الأرض جميعاً ومثله معه.

{وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} : لا النّافية، وتكرارها يفيد توكيد النّفي: عدم الأخذ؛ أي: لا منكم أيّها المنافقون ولا من الذين كفروا ولا منكما معاً.

{مَأْوَاكُمُ النَّارُ} : المأوى: دار الإقامة. ارجع إلى سورة الرّعد الآية (18) لمزيد من البيان، الخطاب للكفار والمنافقين.

{هِىَ مَوْلَاكُمْ} : أولى بكم أو تتولّى أموركم، مولاكم من: المولى، والمولى؛ أي: المعين والنّاصر؛ فالنار مأواهم ومولاهم معاً، وفي هذا إهانة شديدة لهم؛ أي: النار كل شيء بالنسبة لهم.

{وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} : بئس: من أفعال الذّم، المصير: النّهاية والمآل.

ص: 385

سورة الحديد [57: 16]

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} :

{أَلَمْ} : الهمزة للاستفهام وفيها معنى الاستبطاء والتّقرير.

{يَأْنِ} : يحِن الوقت، من أنَى الوقت، والأين: الحين.

{لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} : اللام لام الاختصاص، أن مصدرية تفيد التّعليل والتّوكيد، تخشع قلوبهم لذكر الله: ترقّ وتلين قلوبهم، الخشوع: هو أن تخضع قلوبهم وتذلّ، ويظهر ذلك الخشوع على الصوت والبصر.

{لِذِكْرِ اللَّهِ} : آيات الله ووعده ووعيده وعموم الذّكر والموعظة.

{وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} : وهو القرآن، ذكر الخاص بعد العام للتوكيد والاهتمام بالقرآن، نزل بشكل منجّم أو على دفعات من الآيات والذّكر الحكيم، الحق: هو القرآن الحكيم الذي لا يتبدل أو يتغير، والذي ليس هناك غيره.

{وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} : لا النّافية، الذين أوتوا الكتاب: ولم يقل لا يكونوا كالذين آتيناهم الكتاب، أو كأهل الكتاب. أوتوا الكتاب أو أوتوا نصيباً من الكتاب تستعمل في سياق الذّم حين يُبنى للمجهول، والذين أوتوا الكتاب؛ أي: اليهود والنصارى بشكل عام وأهل الكتاب؛ أي: (التوراة والإنجيل).

{مِنْ قَبْلُ} : من قبل نزول القرآن، وضمّ اللام يدل على زمن محدد معلوم؛ أي: لا يكونوا كاليهود والنّصارى في الغفلة أو الإعراض عن ذكر الله، أو عدم الاستجابة له أو في قسوة القلوب وعدم الخشوع.

{فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} : أي الزّمن البعيد؛ أي: بينهم وبين أنبيائهم.

{فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} : الفاء السّببية، لم تعد تلين وتخشع قلوبهم لذكر الله من وعد ووعيد أو آيات الله؛ أي: تنفعل وتسمع لها وتؤخذ بها.

{وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} : خارجون عن طاعة الله تعالى أو دينه، الفرق بين (كثير منهم فاسقون) وأكثرهم فاسقون: أكثرهم تعني العدد أو النّسبة أكثر من قوله: كثير منهم فاسقون.

ص: 386

سورة الحديد [57: 17]

{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} :

المناسبة: كما يحيي الله القلوب القاسية بذكر الله وبآياته، يحيي الله الأرض بعد موتها بماء المطر أو الغيث، وفي هذا دلالة وبرهان على البعث بعد الموت.

{اعْلَمُوا} : مشتقة من العلم.

{أَنَّ اللَّهَ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} : ولم يقل من بعد موتها؛ أي: مباشرة من بعد موتها، وإنما ماتت منذ زمن طويل أو بعيد.

ولمعرفة كيف يحيي الأرض: ارجع إلى سورة الحج آيتين (5، 63) وسورة فصلت آية (39)، وسورة الأنعام آية (99).

{قَدْ} : للتحقيق.

{بَيَّنَّا لَكُمُ} : أوضحنا لكم الآيات، جمع آية سواء كانت آيات القرآن، أو الآيات الكونية والبراهين والدّلائل.

{لَعَلَّكُمْ} : لعل تفيد التّعليل.

{تَعْقِلُونَ} : تصلون إلى الحقيقة، من عقل الشّيء: عرفه بدليله وفهمه بأسبابه ونتائجه. ولعلكم تفهمون معنى تلك الآيات. وإذا قارنا {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} بقوله في الآية (60) من سورة القصص: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ، وقوله تعالى في الآية (118) من سورة آل عمران:{قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} : نجد أشدها توبيخاً (إن كنتم تعقلون)، ثم تليها (أفلا تعقلون)، و (لعلكم تعقلون) أخفها.

ص: 387

سورة الحديد [57: 18]

{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} :

{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} : إنّ للتوكيد، المصّدّقين والمصّدّقات فيها مبالغة أكثر من المتصدقين والمتصدقات؛ أي: بالغوا في تقديم الصّدقات للفقراء والمساكين؛ أي: المكثرون في إعطاء الصّدقات؛ تضم الزّكاة وصدقة التّطوع والإنفاق في سبيل الله وغيرها، وعلى الفقراء والمساكين وإعلاء كلمة الله ودينه.

{وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} : لتعريف القرض الحسن: ارجع إلى الآية السّابقة (11)، بالنّفقة في سبيله، وفيها ندب ومن باب التّرغيب وليس الإلزام.

{يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} : ارجع إلى الآية (11) للبيان.

ص: 388

سورة الحديد [57: 19]

{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} :

{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} : والذين آمنوا بالله ورسله: ارجع إلى سورة البقرة آية (285) للبيان. أولئك اسم إشارة واللام للبعد يفيد المدح والتّعظيم، هم: للتوكيد، الصّدّيقون: أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحمزة وطلحة والزّبير وسعد وزيد وغيرهم؛ أي: من سبقوا بالإيمان أو حازوا على درجة الصّدّيقين، والتي تلي درجة النّبوة كما قال تعالى:{فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّنَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69].

{وَالشُّهَدَاءُ} : الواو استئنافية، وللاهتمام: الشّهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم، الشّهداء جمع شهيد: وهو من قُتل في سبيل الله.

{عِنْدَ رَبِّهِمْ} : العنديّة الخاصة عنديّة الشّرف، لهم درجات منه ومغفرة ورحمة ولهم الحسنى وهم:{أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} ارجع إلى سورة البقرة آية (39) للبيان.

ص: 389

سورة الحديد [57: 20]

{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} :

{اعْلَمُوا} : للوعظ والإرشاد، المخاطب كلّ إنسان.

{أَنَّمَا} : كافة مكفوفة تفيد الحصر أو القصر.

{الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} : الدّنيا: صفة، والدّنيا مشتقة من الدّنو والقرب؛ أي: القريبة أو الحياة السّفلى، وقد تسمى العاجلة.

{لَعِبٌ} : اللعب: هو شغل لا يُلهي عن واجب فإذا صرف الإنسان عن واجب؛ أي: انشغل باللعب عن الصّلاة يسمى اللعب لهواً.

{وَلَهْوٌ} : هو شغل يُلهي عن واجب وهو أسوأ من اللعب، وهو أعم من اللعب. وقدم اللعب على اللهو في هذه الآية؛ ارجع إلى سورة العنكبوت آية (64) للمقارنة حيث قدم اللهو على اللعب.

واللعب بالنسبة للأطفال أمر طبيعي وعادي، وأمّا بالنّسبة للكبار فهو مذموم إن شغل صاحبه عن فرض أو واجب، واللعب إذا كان يتمثل بالرّياضة والسّباحة أو غايته بناء الجسم أو نقص الوزن ومكافحة السّمنة فهو أمر جيد، شرط أن لا يشغل العبد عن صلاته أو واجبه.

{وَزِينَةٌ} : باللباس والجواهر والحليّ والذّهب والفضة والمتاع وغيره.

{وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} : بالألقاب والأنساب، بالقوة والصّورة، واللباس والزّينة، والمساكن والقصور والمراكب كالسّيارات والخيول.. والجاه والسّلطان.. أطلق التّفاخر ولم يحدد؛ لتشمل كلّ أمر.

{وَتَكَاثُرٌ فِى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} : وانتبه إلى قوله: (في الأموال والأولاد)، ولم يقل بالأموال وبالأولاد، في: ظرفية، استعمل في لكي لا يحدد المبلغ وإنما تركه مفتوحاً الآلاف أو الملايين أو أكثر، ولو استعمل الباء لحدّد كقوله تعالى:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [البقرة: 274] فهو حدّد، والتّكاثر في الأموال والأولاد قد يكون للتفاخر بينكم، وقدّم الأموال على الأولاد؛ لأنّ الأموال أعمّ فكلّ فرد عنده المال وأمّا الأولاد فهناك الكثير ممن ليس له ولد.

{كَمَثَلِ غَيْثٍ} : الكاف للتشبيه، غيث: ولم يقل مطر؛ لأنّ الغيث فيه معنى النّفع والرّحمة، والمطر فيه معنى الضّرر والفيضانات وغيره (من خصائص لغة القرآن).

{أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} : الكفار: الزُّرّاع أو الفلاحين، سموا كفاراً من الكفر: وهو السّتر لغةً؛ لسترهم البذر في التّراب بعد حرث الأرض وإلقاء البذر فيها؛ أي: أعجب الزُّراع بعد نموّه واستبشروا وفرحوا به.

{ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} : ثمّ للترتيب والتّراخي؛ أي: آن حصاده، بلغ النّبات أشُدَّه.

{ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} : ثمّ يتكسّر ويفتّت؛ ليخرج منه الحب ويبقى القش التّبن؛ لتدوسه الحيوانات وتأكل منه، وهكذا حال الدّنيا وسرعة زوالها بعد خضارتها ونضارتها التي تمثل مرحلة الشّباب تأتي مرحلة الكهولة ثمّ الشيخوخة والموت. وإذا قارنا قوله تعالى:{ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} مع قوله تعالى في الآية (21) من سورة الزمر: {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا} : نجد في الفعل يكون حطاماً يعد إلى النبات، وأما الفعل في يجعله حطاماً يعود إلى الله سبحانه.

{وَفِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} : للذين كفروا وكذبوا بآيات الله، ولم يقل من الله؛ لأنه لا يجوز أن ينسب السوء إلى الله تعالى؛ لأنه بما قدت أو كسبت أيديهم.

{وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} : مغفرة: إسقاط العقاب، وإيجاب الثواب، والرضوان: كثير الرضا؛ الرضا من الله تعالى للذين آمنوا بالله ورسله.

في هذه الآية قدّم العذاب على المغفرة والمغفرة على رضوان الله، المغفرة: يُحتاج إليها لدخول الجنة، والرّضوان: يكون بعد الدّخول إلى الجنة ولا يكون إلا من الله تعالى وحده.

{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} : ارجع إلى سورة آل عمران الآية (185) وسورة فاطر آية (5).

ص: 390

سورة الحديد [57: 21]

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} :

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} : أي بدلاً وأفضل لكم من التّسابق إلى الدّنيا ولعبها ولهوها وزينتها وتفاخرها، وما فيها من أموال وأولاد: أن تتسابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنته، فهذا هو التّسابق الحقيقي والأفضل والدّائم، والتّسابق عادة يحتاج إلى أكثر من واحد أو فرد، فلابدّ من اثنين أو أكثر، وهناك فرق بين سابقوا وسارعوا، كما ورد في سورة آل عمران الآية (133)، ارجع إلى آية آل عمران للبيان.

{وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} : وفي آية آل عمران (133) قال تعالى: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} ففي آية الحديد استعمل كاف التّشبيه (عرضها كعرض السّماء والأرض) وتعريف السّماء: هي كلّ ما عَلاك، فالسّماء تشمل السموات السّبع وغيرها.

وقوله: كعَرض وليس عرض السّماء والأرض؛ تعني الإطلاق؛ أي: بلا تحديد، فقوله:(كعرض السّماء والأرض)؛ أي: أكبر وأوسع وأشمل من عرضها السموات والأرض، هذا بالنّسبة للعرض فما بالك بالطّول! فلم يحدّده أبداً، إذن الجنة غير منتهية وغير محدودة.

{أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} : بينما في آية آل عمران (أعدّت للمتقين)، للذين: اللام لام الاختصاص والاستحقاق، للمتقين: اللام لام الاختصاص والاستحقاق أيضاً، ففي آية الحديد (للذين آمنوا بالله ورسله) وهم أكثر عدداً من المتقين؛ ولذلك ناسبهم (جنة عرضها كعرض السّماء والأرض)، وأمّا المتقين فهم أقل عدداً من الذين آمنوا بالله ورسله فناسبهم (جنة عرضها السماوات والأرض) أي: الأقل سَعة من جنة عرضها كعرض السّماء والأرض.

{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} : ذلك اسم إشارة واللام للبعد، يشير إلى المغفرة ودخول الجنة، فضل الله: الفضل هو الزّيادة على ما يستحق العبد من الأجر وما يتفضل به الله سبحانه من غير سبب يوجبه أو يقدّمه العبد، يؤتيه: من الإيتاء: وهو العطاء، وهناك فرق بين الإيتاء والعطاء، ارجع إلى سورة البقرة الآية (251) للبيان. من يشاء: من ابتدائية، وهو ذو الفضل المطلق يعطيه من يشاء من عباده، وأعظم الفضل هو فضل النبوة والتقوى والعلم والخير بكل أشكاله.

{وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} : والله واسع الفضل والإحسان، فالملك ملكه والخلق خلقه، وكما قال تعالى:{لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54].

ص: 391

سورة الحديد [57: 22]

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} :

{مَا أَصَابَ مِنْ} : ما النّافية، أصاب من: استغراقية تستغرق كلّ مصيبة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، ومهما كان نوعها.

{أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ} : المصيبة: في اللغة هي كلّ ما يصيب الإنسان من خير أو شر وتستعمل غالباً في الشّر، مصيبة في الأرض: من حرائق أو فيضانات أو قحط أو جدب، أو كوارث جوية وريح عاصفة وغيرها.

{وَلَا فِى أَنفُسِكُمْ} : بالمرض وفقد الولد أو المال أو الموت، تكرار (لا) يفيد توكيد النّفي وفصل كلّ منهما على حدةٍ أو كلاهما معاً، أنفسكم: ولم يقل نفوسكم، أنفسكم لا تعني كلّ نفس، ونفوسكم تعني كلّ نفس ذكر أو أنثى.

{إِلَّا} : أداة حصر.

{فِى كِتَابٍ} : في ظرفية، مكتوبة في اللوح المحفوظ منذ الأزل من قبل أن نبرأها.

{مِنْ قَبْلِ} : تعني زمناً غير معين.

{أَنْ نَّبْرَأَهَا} : أن حرف مصدري يفيد التّعليل والتّوكيد، نبرأها: تعود على الأنفس. برأ الخلق: أوجدهم على غير مثال سابق، أو نخلقها ونصوّرها على أشكالها المختلفة، وقوله نبرأها: بصيغة الجمع للتعظيم وعظم البرء.

{إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} : إنّ للتوكيد، ذلك: اسم إشارة يشير إلى البرء، على الله: تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، يسير: هيّنٌ سهلٌ، والله سبحانه ليس عنده صعب أو هيّن، وإنما يذكر ذلك للتقريب لعقول البشر.

انتبه إلى هذه الملاحظة: دائماً في القرآن كلمة (أصاب) تصاحب مصيبة، مصيبة أصلها من: الإصابة، والإصابة ضد الخطأ؛ أي: أصاب فلان الهدف؛ أي: لم يخطئ.

قدّم (في الأرض) على (في أنفسكم)؛ لأنّ ما يقع في الأرض بشكل عام من كوارث أكثر من المصائب التي تصيب الأنفس، أو لأنّ المصائب تصيب الأرض أوّلاً ثمّ تؤثّر في الأنفس ثانياً.

ص: 392

سورة الحديد [57: 23]

{لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} :

{لِّكَيْلَا} : اللام لام التّعليل، وكي حرف مصدري وتشير إلى السبب الحقيقي، ولا النافية.

{تَأْسَوْا} : من الأسى: الحُزن الشديد، وفيه نوع من الجزع والندم، وقد تطول، والحزن أشد من الأسى.

{عَلَى مَا فَاتَكُمْ} : على ما لم تحصلوا عليه من متاع أو خَلاق الدّنيا، ونعيمها؛ لأنه ليس مقدّراً لكم أو ليس من نصيبكم، أو لأنكم لم تقدّموا الأسباب الكافية للحصول عليه.

{وَلَا} : لا النّافية، تكرارها يفيد توكيد النّفي وفصل كل منهما على حدةٍ أو كلاهما معاً.

{تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} : فالفرح إذا بلغ حدّ الإعجاب بالنّفس يصبح مصيبة وقد يتحول إلى الاختيال والكبر، فالفرح بالأولاد والأموال من جبلة الإنسان والفرح غير مذموم، فهذا هبة من الله، ولكن المصيبة لماذا تتفاخر وتتكبر؟!

{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} : تقديم الله: الفاعل على الفعل يفيد القصر وإزالة الوهم من ذهن المخاطب. كلّ: للتوكيد، مختال: مشتقة من خَال: تكبّر، والكلمة مأخوذة من حركة الحصان حين يتخايل في حركاته عندما يركبه فارسه للسباق أو العرض، والحصان سمي خيلاً؛ لأنّه يتخايل، فخور: الذي يفخر بالقول أو بالشّعر، أو الأجداد والأنساب، أو بماله وجاهه. ارجع إلى سورة لقمان آية (18) وهي قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} لمزيد في معنى مختال فخور.

لنقارن هذه الآية مع الآية (153) من سورة آل عمران.

آية الحديد: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}

وآية آل عمران: {لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 153] الحزن أشد وأصعب وأبلغ من الأسى في آية الحديد؛ لأن آية آل عمران نزلت بعد غزوة أحد والحزن كان على أمرين:

1 -

ما فاتهم من الغنائم.

2 -

ما أصابهم من الهزيمة والجراح.

أمّا آيّة الحديد: الأسى عامة على ما فاتهم من متاع الدّنيا وخَلاقها أو نعيمها؛ أي: أمر واحد.

وإذا قارنّا هذه الآية مع الآية (30) من سورة الشّورى وهي قوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] فهي تبين سبب المصائب: هو بما كسبت أيدي النّاس.

وإذا قارنّا هذه الآية من سورة الحديد وهي قوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} مع الآية (18) من سورة لقمان وهي قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18].

نجد أنّ الفرق بينهما يرجع إلى زيادة (إنّ) في آية لقمان، وإنّ تدل على التّوكيد، في لقمان يرجع ذلك إلى أنّه ذكر عدداً كثيراً من الصّفات التي تدعو إلى الفخر والاختيال مثل: رفع الصّوت والمشي في الأرض مرحاً والمشي بسرعة. فناسب ذلك زيادة أداة التوكيد (إنّ)، ولا ننسى قوله تعالى في سورة البقرة آية (276):{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} : نزلت في سياق آكل الربا، والآية (36) في سورة النساء وهي قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} : في سياق العبادة والإحسان والطاعة، وأما الآية (107) في سورة النساء وهي قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} : جاءت في سياق طعمة بن أبيرق.

ص: 393

سورة الحديد [57: 24]

{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ} :

{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} : تعود على كلّ مختال فخور، فالمختال غالباً ما يكون بخيلاً؛ لأنّه لا يرى لغيره حقاً عليه، والفخور يشعر بعظم نفسه ويفرح بالنّعمة وينسى شكر المنعم، فهؤلاء يبخلون بأداء حق الله (الزّكاة) وبالصّدقة على الفقراء والمساكين، ولا يكتفون بذلك فهم يطلبون من النّاس الكفّ عن الإنفاق والصّدقة على الفقراء والمساكين، وفي الحقيقة هم يبخلون عن أنفسهم {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَّفْسِهِ} [محمد: 38].

{وَمَنْ يَتَوَلَّ} : من شرطية، يتولّ: أي يبتعد ويعرض عن الإنفاق في سبيل الله.

{فَإِنَّ اللَّهَ} : الفاء رابطة لجواب الشّرط، إنّ للتوكيد.

{هُوَ} : تفيد التّوكيد.

{الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ} : الغني عن خلقه وعن إنفاقهم.

فهو الكامل الغني، والغني عن العالمين، وقد ذكر هذا الاسم (الغني) ثمان عشرة مرة. وهو الغني المغني عباده وكلّ الغنى من غناه، الحميد المحمود في الأرض والسّماء؛ لما أنعم على خلقه، الحميد: له الحمد كلّه؛ لأنّه يستحق الحمد كلّه في السّراء والضّراء، وله الحمد في الأولى والآخرة، له الحمد لذاته وأفعاله وصفاته، ولفضله وإحسانه وخلقه، وشرعه وأحكامه ورحمته، وقد ذكر هذا الاسم الحميد في القرآن سبع عشرة مرة.

وقد اقترن اسم الغني بالحميد في عشر مرات؛ لأنه سبحانه هو الغني عن عباده وعن عبادتهم، والغني في ملكه يعطي عباده فيُحمد، ويحمد للأسباب التي ذكرناها.

ص: 394

سورة الحديد [57: 25]

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ} :

{لَقَدْ} : اللام للتوكيد، قد للتحقيق؛ أي: تحقق وتمّ ذلك. وجاءت لقد بدون واو كقوله: ولقد؛ لأن الآية بدء لخبر جديد؛ انظر إلى الآية القادمة (آية: 26)، وهي قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} فقد تقدم لقد الواو الدالة على العطف.

{أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} : أرسلنا رسلنا، لمعرفة معنى (أرسلنا) والفرق بين أرسلنا وبعثنا: ارجع إلى سورة البقرة الآية (119)، رسلنا: الأنبياء والرّسل، وإضافة الرّسل له سبحانه للتشريف.

{بِالْبَيِّنَاتِ} : الباء للإلصاق والملازمة، البينات: جمع بينة: وهي الدّليل والبرهان والمعجزة الدّالة على أنّه الإله الحق المعبود، وأنّه الواحد الأحد خالق كلّ شيء ومليكه، والدّالة على صدق نبوّتهم ودعوتهم إلى الله تعالى.

{وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ} : أي الكتب السّماوية والأحكام والشّرائع والصّحائف.

الكتاب: اسم جنس يشمل كلّ الكتب والشرائع.

{وَالْمِيزَانَ} : يعني العدل، أو أمر بالعدل، وقد يعني: الميزان الحقيقي العادي (آلة الوزن). والعدل موجود في الكتاب وفي الميزان وما يتضمن الكتاب (القرآن) من أحكام وشرائع هي العدل؛ أي: لنقيم العدل يجب تطبيق الكتاب والميزان.

{لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} : اللام لام التّعليل؛ أي: أنزلنا الكتاب والميزان؛ لكي يقوم النّاس بالقسط، ولم يقل بالعدل؛ لأنّ القسط هو تطبيق العدل وتنفيذ الحكم مثل: رفع الظّلم والجَور، وانتبه إلى الفرق بين قَسَط: جار وظلم، وقِسط: رفع الجَور والظّلم؛ أي: ليتعاملوا بينهم بالقِسط.

{وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ} : شبّه إنزال الحديد على الأرض بإنزال الكتب السماوية أو الرسالات السماوية، فهو إنزال حقيقي لا ريب فيه، فقد أثبتت الدّراسات العلمية أنّ عدداً من النّجوم تتحوّل في مرحلة احتضارها (قبل انفجارها) إلى كتلة حرارية هائلة تقدر بمليارات الدرجات المئوية، ويتحوّل النجم إلى ما يسمى العملاق الأحمر، عندها يتحول لبّ النجم بالكامل إلى حديد ثم ينفجر النجم فتتناثر أجزاؤه في صفحة الكون، ويدخل الحديد عندها في مجال جاذبية أجرام سماوية تحتاج إليه كما حدث للأرض عندما كانت في مرحلة الخلق والتّمايز، حيث كانت مكوّنة من رماد، فنزلت ذرات الحديد من تفجُّر تلك النّيازك واخترقت طبقات الأرض؛ لتستقرّ في مركزها على شكل حديد صلب، وتسمى الطبقة المركزية؛ أي: اللب، وطبقة أخرى محيطة بالطّبقة السّابقة من الحديد المذاب وتسمى الطبقة الخارجية. انظر في الصّورة الملحقة.

وأصبح من الحقائق العلمية أن حديد الأرض قد أُنزل من السّماء، وتصل نسبة الحديد في تكوين الأرض ما يقارب (40%) من كتلة الأرض المقدرة بحوالي (6000) مليون مليون مليون طن، وعلى هذا تكون كمية الحديد هي حوالي (2000) مليون مليون مليون طن. ويستقر في مركز الأرض بشكل حديد صلب وبشكل حديد منصهر في الطّبقة المحيطة بالمركز، وله دور هائل في توليد المجال المغناطيسي للأرض الذي يمسك للأرض بغلافها المائي والغازي والحيوي، والغلاف الكهرومغناطيسي يمثل سقفاً محفوظاً للأرض من الأشعة الكونية والأشعة الشمسية القاتلة للحياة، مما يجعل الأرض كوكباً صالحاً للحياة.

ومن المذهل أن يكون رقم سورة الحديد في ترتيب القرآن (57) وهو الوزن الذّري نفسه لمعدن الحديد.

{فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} : فقد وجد أن تلاحم ذرات الحديد داخل النواة الحديد يفوق تلاحم ذرات كل العناصر أو المعادن التي يفوق وزنها الذري الوزن الذري للحديد، فهو أشد تلاحماً من الذهب والفضة والنحاس وغيرها من المعادن، وتحتاج نواة ذرة الحديد إلى كمية هائلة من الطاقة للانصهار والذوبان.

{وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} : أي تصنع منه الآلات الحربية والآلات الزّراعية والسّيارات وأدوات النّقل والعمارة والبناء والأدوات مثل: أدوات الحفر، فلا تكاد تقوم أيُّ صناعة مدنيّة على غير الحديد.

{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} : وليعلم: الواو عطف، ليعلم: اللام لام التّعليل، ليعلم الله: العلم هنا لا يعني لإعلام الله ما لا يعلم، وإنما لإقامة الحُجة على النّاس أو لإظهار إخلاصهم؛ ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب: أي ليعلم أنّ من يجاهد في سبيله كي ينصره؛ أي: ينصر دين الله أو يُعلي كلمة الله في الأرض، ورسله: من ينصر ويؤيّد رسله في الدّعوة والإبلاغ بالغيب بالخفاء أو بالجهر، ومعناه: أفعلوا ذلك لوجه الله تعالى وحده وليس لحظٍّ دنيوي.

{إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ} : إنّ للتوكيد، قوي: لا يحتاج إلى نصرة أحد؛ لأنّه هو النّاصر ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السّماء، ووردت كلمة (قوي) في تسع آيات في القرآن الكريم، عزيز: القوي الذي لا يُغلب ولا يُقهر ولا يناله أحد بسوء، وترددت كلمة (العزيز) في القرآن ثماني وثمانين مرة.

ص: 395

سورة الحديد [57: 26]

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} :

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} : ارجع إلى الآية السّابقة (25).

{نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} : نوحٌ يعتبر أبا البشر، وإبراهيم هو أبو الأنبياء والرسّل.

{وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} : فكلّ الأنبياء والرّسل الذين جاؤوا هم من ذريتهما، وكل الكتب المنزلة الزّبور والتّوراة والإنجيل والقرآن منزلة على ذريتهما، وقدّم النّبوة على الكتاب فلابدّ من بعث وإرسال الرّسل والأنبياء أوّلاً ثمّ ينزل الكتب ثانياً.

{فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ} : أي من الذّرية، الفاء للتوكيد، من بعضية، مهتد: ولم يقل مهتدي، وإنما قال: مهتد تعني: هدايته لا تحتاج إلى زمن طويل، أمّا المهتدي يحتاج إلى زمن طويل.

{وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} : خارجون عن طاعة الله ورسله ودينه؛ أي: عاصون، ولم يقل وأكثرهم فاسقون: أكثر على وزن أفعل، وأكثر تعني: أكثر عدداً من كثير، ولكي يوصف بالفسق لابدّ من تبليغه أوّلاً والعلم؛ لأنّ هناك من الفسق الذي يكون عن قصد وعلم والفسق الذي لا يكون عن قصد وعلم.

ص: 396

سورة الحديد [57: 27]

{ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَـئَاتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} :

{ثُمَّ} : تفيد التّراخي في الزمن.

{قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ} : قفّينا: مشتقة من القفا: وهو الظّهر، من قفى على أثره؛ أي: اتّبعه بدون فاصل زمني طويل، فالأثر لا يزال يُرى؛ أي: أرسلنا الواحد تلو الآخر بدون فاصل زمني طويل، على آثارهم: على آثار نوح وإبراهيم بزمن قصير.

{بِرُسُلِنَا} : إسماعيل إسحاق يعقوب يوسف.. وموسى.

{وَقَفَّيْنَا} : للتوكيد.

{بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} : ولم يقل على آثارهم حين ذكر عيسى؛ لأن بين عيسى وآخر نبي أكثر من (800) عام، ولذلك حذف كلمة (آثارهم).

{وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ} : آتينا عيسى ابن مريم الإنجيل.

{وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} : من الحواريين وأتباعهم وغيرهم.

{رَأْفَةً وَرَحْمَةً} : رأفة: شفقة وليناً، والرّأفة أخصّ من الرّحمة؛ أي: أشد من الرّحمة، ورحمة للناس؛ أي: متوادّين بينهم، والرّحمة قد تعني تجنُّب الوقوع في الذّنوب، وتعني جلب ما يسرُّ ودفع ما يضرُّ.

{وَرَهْبَانِيَّةً} : الرّهبانية: هي الانقطاع للعبادة بعيداً عن النّاس في الصّوامع والجبال، والزّهد في لذيذ الطّعام والشّراب والزّواج، رهبانية: نسبة إلى الرّاهب: الخائف من الله، والأصل في الكلمة: الرّاهبية.

{ابْتَدَعُوهَا} : لم نأمرهم أو نفرضها أو نكتبها عليهم، لم يشرعها الله لهم، ابتدعوها: من الإبداع: وهو الخلق أو الإيجاد؛ على الخلق: على غير مثال سابق، ومنها: البدعة، اختلقوها بأنفسهم لإرضاء الله أو نَيل رضوان الله.

{فَمَا} : الفاء للتوكيد، ما النّافية.

{رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} : لم يُوفوا بما ألزموا به أنفسهم، أو لم يوفوا بما عاهدوا عليه الله عز وجل.

{فَـئَاتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} : آتينا الذين صدّقوا بعيسى وآمنوا بالله تعالى أجرهم على عملهم الصالح.

{وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} : ارجع إلى الآية (26) للبيان.

ص: 397

سورة الحديد [57: 28]

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} :

أسباب النّزول: هناك من المفسرين من يقول: إنّ هذه الآية نزلت تحضّ الذين آمنوا من أهل الكتاب، وتحضّ الذين آمنوا من المسلمين على التّقوى والإيمان بالرّسول صلى الله عليه وسلم.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} : نداء جديد للذين آمنوا بتكليف جديد أو أمر جديد.

{اتَّقُوا اللَّهَ} : من التقوى: وهي امتثال أوامر الله وطاعته، وتجنّب نواهيه؛ لكي نتجنّب غضبه وسخطه وناره، أو استقيموا على تقوى الله والإيمان بوحدانيته.

{وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} : محمّد صلى الله عليه وسلم؛ أي: صدّقوا رسوله. وقيل: الخطاب إلى مؤمني أهل الكتاب (اليهود والنّصارى) للإيمان بمحمّد صلى الله عليه وسلم.

{يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَّحْمَتِهِ} : الكفل: هو المثل أو النّصيب وقد يكون في الخير أو الشر، كفلين: نصيبين.

{وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} : (في الآخرة) ولم يقل تمشون به في النّاس؛ لأنّ ذلك يعني في الدّنيا كما في قوله تعالى في الآية (122) في سورة الأنعام: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ} .

{وَيَغْفِرْ لَكُمْ} : ذنوبكم كاملة، ولم يقل من ذنوبكم؛ أي: بعض ذنوبكم أو ما أسلفتم من الذّنوب، والغفر؛ أي: الستر (ترك العقاب).

{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} : غفور: صيغة مبالغة (كثير المغفرة) ورحيم صيغة مبالغة؛ أي: كثير الرحمة لعباده المؤمنين. ارجع إلى سورة البقرة آية (268) لبيان معنى الغفور، وارجع إلى سورة الحمد آية (3) لبيان معنى الرحيم.

ص: 398

سورة الحديد [57: 29]

{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} :

{لِئَلَّا} : مبنية من (أن) و (لا)، أن المخففة، لا النّافية، أو لا للتوكيد، فيكون معناها: أي أن يعلم، أو لأن يعلم، وزيدت لا للتوكيد.

أي: ليعلم أهل الكتاب (اليهود والنّصارى) الذين لم يؤمنوا بمحمّد صلى الله عليه وسلم.

{أَلَّا} : أداة استفتاح.

{يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} : أي: لكي يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على حصر فضل الله يعني: النّبوة في بني إسرائيل ومنع غيرهم، ولذلك جحدوا بالإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

{وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} : وأنّ للتوكيد، الفضل كله بيد الله: في ملكه وتصرفه. ولتعريف الفضل: ارجع إلى سورة الجمعة آية (4).

{يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} : من يستحقه من عباده كقوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124].

{وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} : ارجع إلى الآية (21) من نفس السورة للبيان.

ص: 399