الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إعلام الأعلام بأحكام الإقرار العام
لخاتمة المحققين المرحوم
السيد محمد عابدين
نفعنا الله به
آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
أقر بواحدانية الله تعالى اقرارا عاما في اول ما اتفوه* واحمده واشكره وابرأ إلى حوله وقوته من كل حول وقوة* واصلى واسلم على نبيه محمد الذي اعتنى بشأنه ونوه * وختم به المرسلين وتوجه بتاج النبوه* وعلى آله واصحابه ذوى المرؤة والفتوه* صلاة وسلاما يناسبان سموه وعلوه وينقذانا من السقوط في كل كوة وهوة* ويخلصانا من كل راى مسفه وفعل مشوه وقول مموه (اما بعد) فيقول أفقر العالمين* إلى رحمة ارحم الراحمين * محمد امين بن عمر عابدين* الماتريدي الحنفى * عمه مولاه ببره الحفى* ولطفه الخفى* واحسانه الوفى* ان مسئلة الإقرار العام* قد حارت فيها الأفهام * ولا سيما إقرار الوارث بقبضه جميع ما خصه من التركه * وانه لم يبق له حق فيما خلفه مورثه وتركه* فقد كثر فيها النزاع* وشاع وذاع* حتى ان افضل المتأخرين الشيخ حسن الشرنبلالي* اسكنه مولاه في جنانه العوالى* الف فيها رسالة سماها تنقيح الاحكام* في حكم الإبراء والإقرار الخاص والعام* جمع فيها كثيرا من نقول المذهب* واسهب فيها واطنب* ثم وفق بين بعض العبارات وحرر* بما لا يخلو بعضه عن تأمل ونظر* فأردت ان اذكر بعض نقوله* التي اودعها في فصوله * واضم إليها بعض النقول * عن ائمتنا الفحول * وما يظهر للقريحة القريحه* والفكرة العليلة الجريحة* في التوفيق بين العبارات المتعارضة* التي يظن انها متناقضة* وجمعت ذلك في رسالة (سميتها) اعلام الاعلام* بإحكام الإقرار العام* أو رفع الاوهام المشكله عن إقرار الوارث بقبض التركه* ورتبتها على مقدمة وستة فصول* وعلى خاتمة هي المقصد والنتيجة لتلك النقول* فأقول ومن الله تعالى اطلب التوفيق* والتمسك بعرى الصواب على التحقيق (المقدمة) في الفاظ الإقرار والإبراء وما يكون منها خاصا أو عاما واحكامها (قال) في المحيط من باب الإقرار بالبراءة وغيرها قال هو برئ ممالى عليه يتناول الديون لان كلمة على لا تستعمل إلا في الديون فلا تدخل تحتها الامانات وإذا قال من مالى عنده يتناول ما أصله أمانة ولا يتناول ما أصله غصب أو مضمون لان كلمة عندى تستعمل في الامانات لا في المضمونات إلا ترى انه لو قال لفلان عندى الف درهم كان اقرارا بالامانة والبراءة عن الأعيان بالاسقاط والابرأ باطلة حتى لو قال إبر أنك عن هذا العين لا يصح لان العين لا تقبل الاسقاط فأما ثبوت البراءة عن الأعيان بالنفى من الأصل أو برد العين إلى صاحبه فهو صحيح حتى لو قال
يعنى عند وجود المنازع لا ملك لي في هذا العين ثم ادعى انه ملكه لم تصبح دعواه* وقوله هو برئ ممالى عنده أخبار عن ثبوت البراءة وليس بإنشاء للابراء فيحمل على سبب تتصور البراءة بذلك وهو النفى من الأصل أو الرد إلى صاحبه تصحيح التصرفه * وإذا قال برئ ممالى قبله برئ عن الضمان والامانة لان كلمة قبل تستعمل في الامانات والمضمونات جميعا ولا يدخل الدرك والعيب فيه نص عليه في بيوع الأصل والجامع * ولو قال برأت من فلان أو برئ منى فلان يتناول نفى الموالاة لا البراءة عن الحقوق لانه اضاف البراءة إلى نفسه دون الحقوق التي عليه فلا يصير الحق مذكورا به إلا ترى ان البراءة من نفس الغير تكون اظهار اللعداوة والوحشة معه والبراءة من الحق الذي عليه تكون انعاما عليه واظهارا للمحبه * ولو أقر أنه لا حق له قبل فلان يجوز وبرئ من كل قليل وكثير دين ووديعة وكفالة وحد وسرقة وقذف وغيرها لان قوله لاحق لى نكرة في النفى والنكرة في النفى تعم قوله لاحق لي يتناول سائر أنواع الحقوق المالية وغير المالية ولفظ قبل يستعمل في العين والدين والمضمون والامانة جيعا يقال فلان قبيل فلان أي ضمينه ويقال قبل (بكسر القاف وفتح الباء) فلان كذا أي عنده مال عين أو دين بخلاف ما لو قال لفلان قبلى الف يتناول الدين دون العين لان لفظ قبل يستعمل في العين والدين جميعا لكن ذكر الفا واحدة والألف الواحدة لا تكون عينا ودينا فرجحنا الدين لان استعمال الناس لفظ قبل في الدين أكثر اما ههنا يجوز أن يكون المقر له برئيا عن العين والدين جميعا فامكن العمل بعموم هذا اللفظ فحملنا لفظ قبل على عمومه ولفظ حق على عمومه وكذا لو قال فلان برئ من حق برئ عن الحقوق كلها لأنه جعله بريئا عن حق واحد منكر ولا تتصور البراءة عن حق واحد منكر إلا بعد البراءة عن الكل فصار عاما من هذا الوجه بخلاف قوله لفلان قبلى حق لان الحق مذكور في الاثبات لا في النفى ويتصور الحق الواحد بدون ثبوت الكل كما يقال رأيت رجلا يتناول رجلا واحدا فالخاص لا يجعل عاما إلا لضرورة والضرورة في النفى فإن نفى الادنى لا يتصور إلا بنفى الكل كقوله ما رأيت رجلا لا يتصور ففى رؤية الواحد الابن في رؤية الكل فجعل الخاص عاما في النفى للضرورة انتهى ما في المحيط باختصار (اقول) ما ذكره من انه لو قال هو برئ ممالى عنده يتناول الأمانة دون المضمون صرح به غيره لكنه خلاف عرف الناس في زماننا فينبغي ان يتناول الجميع بقرينة العرف* وقد صرح في الخانية بأن الكفيل إذا قال عندى هذا المال يكون كفالة وقال الزيلعي مطلقه محمل على العرف، وفى العرف إذا قرن بالدين يكون ضمانا انتهى وفى الأشباه من قاعدة العادة محكمة
ما نصه ألفاظ الواقفين تبنى على عرفهم كما في وقف فتح القدير وكذا لفظ الناذر والموصى والحالف وكذا الاقارير تبنى عليه الا فيما نذكر انتهى (وفى) الذخيرة ولو أقر أنه ليس لى مع فلان شيء كان هذا براءة عن الامانات لا عن الدين انتهى (اقول) وهذا أيضا خلاف عرف الناس اليوم بل العرف استعماله في الدين (وفى) الخلاصة ثم في قوله لاحق لى قبل فلان يدخل في هذا اللفظ كل عين ودين وكل كفالة أو اجارة أو جناية أو حد انتهى (وفى) البحر قال في المبسوط ويدخل في قوله لا حق لى قبل فلان كل عين أو دين وكل كفالة أو جناية أو اجارة أو حد فإن ادعى الطالب بعد ذلك حقا لم تقبل بينته عليه حتى يشهدوا انه بعد البراءة لانه بهذا اللفظ استفاد البراءة على العموم انتهى (وقال) الشيخ زين في رسالته في الإبراء ما نصه وفى الأصل من كتاب الإقرار لا حق له قبل فلان فليس له ان يدعى حدا ولا قصاصا ولا ارشا ولا كفالة بنفس ولا مال ولا دينا ولا وديعة ولا عارية ولا مضاربة ولا مشاركة ولا ميراثا ولا دارا ولا ارضا ولا عبدا ولا امة ولا شيئا من الاشياء ولا عرضا ولا غيره إلا شيئا حدث بعد البراءة انتهى (وفى) العمادية عن الخانية اتفقت الروايات على ان المدعى لو قال لا دعوى لى قبل فلان اولا خصومة لى قبله يصح حتى لا تسمع دعواه عليه إلا في حق حادث بعد البراءة انتهى (وفى) الذخيرة وإن ادعى حقا بعد ذلك واقام بينة فإن ارخ وكان التاريخ قبل البراءة لا تسمع دعواه ولا تقبل بينته وإن كان التاريخ بعد البراءة تسمع دعواه وتقبل بينته وإن لم يؤرخ بل ابهم الدعوى ابهاما فالقياس ان تسمع دعواه ويحمل ذلك على حق واجب له بعد البراءة وفى الاستحسان لا تقبل بينته انتهى (وفى) البزازية وهذا بخلاف ما إذا قال كل ما في يدى لفلان فحضر فلان ليأخذ ما في يده وادعى ان هذا أيضا داخل في الإقرار وادعى المقر أنه ملكه بعد الإقرار فالقول قول المقر إلا ان يبرهن المقر له على قيامه وقت الإقرار وهذا التفريع على أصل الرواية واما على اختيار مشايخ خوارزم وعليه الفتوى فهذا الكلام محمول على البر والكرامة فلا يتأتى النزاع انتهى (اقول) يعنى ان قوله كل ما في يدى لفلان يقصد به البر والكرامة لا حقيقة الإقرار فلا يلزمه موجبه لكن قد تدل القرائن على ارادة الإقرار أو على عدمه فيعمل بموجبها (وفى) القنية لو قال لا تعلق لى على فلان فهو كقوله لاحق لى قبله فيتناول الديون والأعيان ولو قال لاحق لى عليه يتناول الديون دون الأعيان وإن أقر أنه لا دعوى له قبل فلان ثم ادعى عليه بحكم الوكالة لغيره تسمع انتهى (وفى) جامع الفصولين ابراه عن جميع الدعاوى فادعى عليه مالا بوكالة
أو وصاية تسمع بخلاف ما لو أقر بعين لغيره فكما لا يملك ان يدعيه لنفسه لا يملك ان يدعيه لغيره بوكالة أو بوصاية انتهى (وفى) القنية لو قال ليس لى معه امر شرعى يبرأ عن دينه وعن دعواه في العين ولو قال لا دعوى لى عليك اليوم ليس له ان يدعى بعد اليوم انتهى (وفى) الخلاصة رجل ابرار جلا عن الدعاوى والخصومات ثم ادعى عليه مالا بالارث عن أبيه ان مات أبوه قبل ابرائه صح الإبراء ولا تسمع دعواه وإن لم يعلم بموت الأب عند الإبراء انتهى (ومثله) في البزازية وجامع الفصولين (وفى) الفواكه البدريه لو ابرأه مطلقا أو أقر أنه لا يستحق عليه شيئا ثم ظهر بعد ذلك ان المقر له كان قبل الإبراء أو الإقرار مشغول الذمة بشيء من متروك أبى المقر ولم يعلم المقر بذلك ولا بموت أبيه الا بعد الإقرار والإبراء لا يكون له المطالبة بذلك ويعمل الإقرار والإبراء عمله ولا يعذر المقر انتهى (وفى) مداينات الأشباه لو ابرأ الوارث مديون مورثه غير عالم بموت مورثه ثم بأن ميتا فبالنظر إلى انه إسقاط يصح وكذا بالنظر إلى كونه تمليكا لان الوارث لو باع عينا قبل العلم بموت المورث ثم ظهر موته صح انتهى (وفى) القنية ابراءه بعد الصلح عن جميع دعاويه وخصوماته صح وإن لم يحكم بصحة الصلح انتهى (وفي الحاوى الحصيري) ذكرا صلحا وفى آخره وانه ابرأه عن جميع دعاويه وخصوماته قال ابراؤه عن جميع دعاويه وخصوماته صحيح انتهى (وفى) الخانية الإبراء عن العين المغصوبة إبراء عن ضمانها وتصير أمانة في يد الغاصب وقال زفر لا يصح الإبراء وتبقى مضمونة ولو كانت العين مستهلكة صح الإبراء وبرئ من ضمان قيمتها انتهى (وفى) جامع الفصولين قال المدعى لا دعوى لى قبل زيد أو لا خصومة لى قبله بطل دعواه إلا في حادث بعده ولو قال برئت من دعواى في هذه الدار لا يبقى له حق فيها وكذا لو قال برئت من هذا القن يبقى وديعة القن عنده ويبرأ من ضمانه انتهى (وفى) الخلاصة إقام البينة على ابرائه عن المغصوب لا يكون إبراء عن قيمة المغصوب وإنما هو إبراء عن ضمان الرد لا عن ضمان القيمة لان حال قيامه الرد واجب عليه لا قيمته فكان إبراء عما ليس بواجب انتهى (اقول) يعنى لما كان الواجب حال قيام المغصوب هو رد عينه لا ضمان قيمته كان الإبراء إبراء عن ضمان الرد لانه الواجب الآن فلو هلك بلا تعد لا يضمن لان الرد لم يبق واجبا عليه بل صار بمنزلة الوديعة بخلاف ما لو منعه بعد الطلب فهلك أو استهلكه ضمن لانه لم يبرأ عن القيمة لعدم وجوبها وقت الإبراء (قال) في الأشباه فقولهم الإبراء عن الأعيان باطل معناه لا تكون ملكا له بالإبراء والا فالإبراء عنها لسقوط
الضمان صحيح أو يحمل على الأمانة انتهى (وفى) الدر المنتقى شرح الملتقى قولهم الإبراء عن الأعيان باطل معناه ان العين لا يصير ملكا للمدعى عليه لا انه يبقى على دعواه بل تسقط في الحكم كالصلح على بعض الدين فإنه انما يبراء عن باقيه في الحكم لا في لديانة فلو ظفر به أخذه ذكره القهستانى والبرجندى وغيرهما واما الإبراء عن دعوى الأعيان فصحيح انتهى (ومثله) في حواشي الأشباه للحموي عن حواشي صدر الشريعة للحفيد (قلت) أي لوله على آخر الف فانكره المطلوب فصالحه على ثلثمائة من الالف صح ويبرأ عن الباقى قضاء لا ديانة كما نقله المقدسي في شرح نظم الكنز عن المحيط فهذا نظير الإبراء عن الأعيان * وحاصله ان الإبراء عن نفس الأعيان باطل ديانة فلا تبرأ ذمة المبرأ صحيح قضاء فلا تسمع الدعوى عليه بخلاف الإبراء عن دعواها فهو صحيح مطلقا والا لم يبق بينهما فرق ولعل وجهه ان الإبراء عن دعواها يقتضى تمليك العين أو لا كما في اعتق عبدك عنى بألف فإنه بمعنى بعه منى واعتقه عنى كما قرر في كتب الأصول و ح فيصح قضاء وديانة بخلاف الإبراء عن الأعيان فإنه باطل ديانة فقط لأنه حيث لم يمكن إسقاط العين بالإبراء لم يمكن تضمنه معنى التمليك بخلاف إسقاط الدعوى فإنه صحيح فيصح تضمنه التمليك هذا ما ظهر لي فتأمله و ح فلا فرق في القضا بين الإبراء عن الأعيان وعن دعواها حيث لا تسمع الدعوى بعده على الشخص المبرأ فقط وهذا إذا اضاف البراءة إلى المخاطب فلو اضافها إلى نفسه لا تسمع دعواه على أحد اصلا (قال) في لو الو الجيه قبيل كتاب الإقرار رجل ادعى على رجل دارا أو عبدا ثم قال المدعى المدعى عليه ابرأتك عن هذه الدار أو عن خصومتي في هذه الدار أو عن دعواى في هذه الدار فهذا كله باطل حتى لو ادعى ذلك تسمع ولو إقام البينة تقبل بخلاف ما إذا قال برئت لا تقبل بينته بعده وكذلك إذا قال انا برئ من هذا العبد فليس له ان يدعى بعده لان قوله ابرأنك عن خصومتي في هذه الدار خاطب الواحد فله ان يخاصم غيره بخلاف قوله برئت لانه اضاف البراءة إلى نفسه مطلقا فيكون هو بريئا انتهى (ومثله) في الخلاصة حكما وتعليلا فقوله حتى لو ادعى ذلك تسمع أي لو ادعاه على غير المخاطب بدليل التعليل اما لو ادعاه على المخاطب فلا تسمع قضاء سواء قال ابراتك عن هذه الدار أو عن خصومتى أو دعواى فيها (قلت) والظه ان هذا حيث كان الخصم منكرا اما لو اعترف بالعين للمدعى تسمع الدعوى عليه ويكون ابراؤه بمعنى الإبراء عن ضمان الرد فلا ينافي ما مر عن الخانية والخلاصة (قال) في الأشباه وفى اجارة البزازية ان الإبراء العام انما يمنع إذا لم يقر بأن العين للمدعى فإن أقر بعده ان العين للمدعى سلمها له ولا يمنعه الإبراء انتهى (قلت) وهذا بخلاف الإقرار بالدين
بعد الإبراء العام (قال) في الأشباه ابراءه إبراء عاما ثم أقر بعده بالمال المبرأ منه لا يعود بعد سقوطه انتهى (وقال) الشرنبلالي في وجه الفرق بينهما إذا أقر بالعين للمدعى فالأمر بالدفع إليه متجه بإمكان تجدد الملك فيها مواخذة له بإقراره تصحيح الكلامه على طريق الاقتضا بخلاف الإقرار بالدين بعد الإبراء منه لكونه وصفا قد سقط فلا يعود انتهى (هذا) وقد ذكر في البحر في فصل صلح الورثة ان الإبراء عن الأعيان باطل ثم قال كذا اطلق الشارحون هنا والذي تعطيه عبارات الكتب المشهورة التفصيل * فإن كان الإبراء عنها على وجه الانشاء فأما ان يكون عن العين أو عن الدعوى بها * فإن كان عن الدين فهو باطل من جهة ان له الدعوى بها على المخاطب وغيره صحيح من جهة الإبراء عن وصف الضمان وإن كان عن الدعوى فإن كان بطريق الخصوص كما إذا ابراه عن دعوى هذه الدار فإنه لا تسمع دعواه على المخاطب وتسمع على غيره ولهذا قال في الو لوالجية إلى اخر عبارتها المارة انفا وإن كان بطريق التعميم يعنى بلا تقييد بدعوى عين خاصة فله الدعوى على المخاطب وغيره ولهذا قال في القنية افترق الزوجان وابرأ كل واحد منهما صاحبه عن جميع الدعاوى وللزوج أعيان قائمة لا تبرأ المرأة منها وله الدعوى لان الإبراء انما ينصرف إلى الديون لا الأعيان انتهى* وإن كان الإبراء على وجه الاخبار كقوله هو برئ ممالى قبله فهو صحيح متناول للدين والعين فلا تسمع الدعوى وكذا إذا قال لا ملك لي في هذه العين ذكره في المبسوط والمحيط* فعلم ان قوله لا استحق قبله حقا مطلقا ولا استحقاقا ولا دعوى يمنع الدعوى بحق من الحقوق قبل الإقرار عينا كان أو دينا انتهى ما في البحر (قلت) ما ذكره من الفرق بين الانشاء والاخبار في الإبراء عن العين نفسها يعلم ماقد مناه عن المحيط حيث فرق بين ابرأتك عن هذا العين حيث لا يصح لان العين لا تقبل الاسقاط وبين قوله هو برئ ممالي عنده فإنه صحيح لانه أخبار عن ثبوت البراءة لا انشاء لها أي هو أخبار عن براءة سابقة ثابتة بسبب صالح لها وهو النفي من الأصل أو الرد إلى صاحبه أي نفى ملكه عن العين من الأصل اورد العين إلى صاحبه أي تسليمه اياه فقوله هو برئ أخبار عن ثبوت البراءة باحد هذين السببين بخلاف ابراتك على وجه الانشاء لان معناه اثبات البراءة الآن بهذا اللفظ واسقاط للعين به والعين لا تقبل الاسقاط فلا يصح أي فلا تبرأ ذمة المبرأ بذلك وإن كانت لا تسمع الدعوى عليه إذا كان منكرا كما قدمناه (واما) ما ذكره من الفرق بين التخصيص والتعميم في انشاء الإبراء عن دعوى الأعيان فغير ظاهر بل الظه عدم سماع الدعوى مطلقا سواء خصص أو عم بل إذا كانت لا تسمع في التخصيص فقد يقال لا تسمع في التعميم بالأولى وأما ما استند إليه من عبارة القنية فسيأتي الكلام عليه في الخاتمة ان شاء الله
تعالى (فصول ستة) في ذكر قيود لما اطلق في العبارات المارة (الفصل الأول) لو قيد الإبراء فأقر أنه لا حق لى على فلان فيما اعلم إقام بينة له عليه بحق سمى قبل هذا الإقرار فانها تقبل بينته وهذه البراءة ليست بشيء هكذا ذكر في الكتاب ولم يحك فيه خلافا ومن مشايخنا من قال ما ذكر في الكتاب قول أبي حنيفة ومحمد فأما على قول أبي يوسف لا تصح دعواه فلا يقبل منه ومنهم من قال هذا عندهم جميعا وكذا إذا قال في قلبي أو في رائي أو فيما اظن أو فيما احسب أو حسابي أو في كتابى فهذا كله باب واحد ولو قال قد علمت انه لا حق لى على فلان لم اقبل منه بينة كذا في خزانة المفتين والتتارخانية (الفصل الثاني) قال الشرنبلالي لا يصح الإبراء عن الدين قبل لزوم ادائه إلا في مسائل نبه عليها في البحر من باب خيار الشرط وإذا سكت المقوله صح الإقرار ويرتد بالرد برده وكذلك الإبراء عن الدين واختلف المشايخ في اشتراط مجلس الإبراء لصحة الرد ولا يصح تعليق الإبراء بصريح الشرط كان اديت إلى غدا كذا فانت برئ من الباقى ويصح تعليقه بمعنى الشرط نحو قوله انت برئ من كذا على ان تؤدى إلى غدا كذا لما فيه من معنى التمليك ومعنى الاسقاط وإذا قال لمديونه ان مت (بفتح تاء الخطاب) فانت برئ لم يصح لانه كقوله ان دخلت الدار فانت برئ واما ان قال ان مت (بضم تاء المتكلم) فانت برئ أو انت في حل جاز لانه وصية كما في العمادية وجامع الفصولين وقاضى خان والتاترخانية عن النوازل فليتنبه لذلك فإنه مبهم (الفصل الثالث) الإبراء عن المجهول صحيح قضاء وديانة لكن بشرط ان يكون لشخص معين أو قبيلة معينة محصورة فإبراء المجهول ولو عن شيء معلوم لا يصح بخلاف إبراء المعلوم واو عن مجهول فإنه صحيح (قال) في المحيط لو قال لا دين لى على أحد ثم ادعى على رجل دينا صبح لاحتمال انه وجب بعد الإقرار وفي نوادر ابن رستم عن محمد رحمه الله تعالى لو قال كل من لى عليه دين فهو برئ منه لاتبراء غرماؤه من ديونه إلا ان يقصد رجلا بعينه فيقول هذا برئ مما عليه أو قبيلة فلان وهم يحصون وكذلك لو قال استوفيت جميع مالى على الناس من الدين لا يصح لما عرف في كتاب الهبة من هبة الدين وابرائه انتهى ونصه في الهبة هبة الدين ممن عليه الدين إبراء واسقاط حقيقة فالجهالة أي في الدين لا تمنع صحته أي الإبراء ولو حلله من كل حق له عليه ولم يعلم بما عليه برئ حكما لا ديانة عند محمد وقال أبو يوسف برئ ديانة أيضا وهو الأصح كما لو علم بما عليه انتهى (وقال) في التجنيس والمزيد وعليه أي على قول أبي يوسف الفتوى انتهى ثم علله في المحيط بقوله لان الإبراء إسقاط ولا تفتقر صحته
إلى القبول وجهالة الساقط لا تمنع صحة الاسقاط لأنه متلاش فلا يرد عليه التسلم والتسليم ليفضى إلى المنازعة وصار كالمشترى إذا ابرأ البائع عن العيوب صح وإن لم يبين العيوب كذا هذا انتهى (وفى) العمادية لوقال ابرات جميع غرمائي لا يصح الإبراء وقال أبو الليث وعندى انه يصح (وفى) الخانية من كتاب الوصايا رجل قال ابرأت جميع غرمائى ولم يسمهم ولم ينو احدا منهم بقلبه قال أبو القسم روى ابن مقاتل عن اصحابنا أنهم لا يبرون (وفى) الظهيرية لو قال استوفيت جميع مالي على الناس من الدين لا يصح وكذلك ابرأت جميع غرمايء لا يصح إلا ان يقول قبيلة فلان وهم يحصون فح يصبح اقراره وابراؤه (وفى) الحاوى الحصيري وفى جامع الأصغر قال استوفيت جميع مالى على الناس من الدين لم يصح وكذا لو قال ابرات جميع غرمائي لم يكن براءة حتى ينص في المسئلتين على معين ولو قبيلة فلان وهم يحصون فحصح الإبراء والإقرار انتهى قال الشرنبلالي والاباحة من المجهول جائزة وبه يفتى فهى تخالف الإبراء قال ان تناول فلان من مالى فهو له حلال فتناول فلان قبل العلم لا يضمن وتجوز الإباحة وإن عمم وقال كل إنسان فاكل منه إنسان قال ابن سلمة يضمن لانه إبراء وإبراء المجهول لا يصح وقال ابن سلام لا يضمن لانه اباحة والاباحة من المجهول جائزة وبه يفتى (الفصل الرابع) لو أقر المجهول اقرارا عاما أو بأنه لا ملك له في كذا انما لا يمنع صحة دعواه فيما أقر به لو لم يكن له عند الإقرار منازع فيه اما لو كان له منازع ففيه خلاف ان كان المقر ذا يد والا فلا تسمع دعواه بلا خلاف (قال) في المحيط من باب ما يمنع صحة الدعوى ولا يمنع روى ابن سماعة عن محمد أو قال أي عند عدم المنازع هذه الدار ليست لي أو لعبد في يده ليس هذا لى ثم إقام البينة أنها له يقضى له لان قوله ليس هذا لي لم يثبت حقا لا حد وكل إقرار لا يثبت به حق لانسان فهو ساقط انتهى ومثله في الخلاصة (ثم قال) في المحيط وذكر هشام عن محمد قال مالى بالرى حق في دار وارض ثم ادعى واقام البينة في دار في يد إنسان بالرى تقبل انتهى (وذكره) في الخانية عن أبي يوسف معللا بأنه لم يبرء انسانا بعينه فتسمع دعواه (ثم قال) في المحيط فإن قال ليس لى بالرى في رستاق كذا في يد فلان دار ولا ارض ولاحق ولا دعوى ثم إقام البينة ان له في يديه دارا أو ارضا لا تقبل إلا ان يقيم البينة انه أخذه من بعد الإقرار اهـ ومثله في الخلاصة والخانية (وقال) العمادى إذا قال ذو اليد ليس هذا لى أو ليس ملكى أو لا حق لى فيه أو ليس لي فيه حق أو ما كان أو نحو ذلك ولا منازع له حين ما قال ثم ادعى ذلك أحد فقال
ذو اليد هو لى صح ذلك والقول قوله وهذا التناقض لا يمنع لان قوله ليس هذا لي واشباه ذلك مما ذكر لم يثبت حقا لاحد ولان الإقرار المجهول باطل والتناقض انما يمنع إذا تضمن ابطال حق على أحد انتهى ومثله في الفيض وخزانة المفتين (وقال) العمادى أيضا ذكر في الجامع الصغير عين في يد رجل يقول هو ليس لى وهناك من يدعى يكون اقرارا بالملك للمدعى حتى لو ادعاه لنفسه لا تقبل قال الامام ظهير الدين في فتاواه والحاصل ان قول صاحب اليد ان هذا العين ليس لي عند وجود المنازع إقرار بالملك للمنازع على رواية الجامع وعلى رواية الأصل ليس بإقرار بالملك له لكن القاضي يسأل ذا اليدا هو ملك المدعى فإن اقر به أمره بالتسليم إليه وإن انكر يأمر المدعى بإقامة البينة عليه انتهى (وقال في الفيض للبرهان الكركي المدعى عليه إذا قال ليس لى أو المدعى به ليس عليكى يكون اقرارا للمدعى على قول ولا يكون اقرارا على قول وهو الراجح انتهى (ثم قال) العمادى ولو أقر بما ذكرنا غير ذى اليد يعنى قال هذا العين ليس بملكي ذكر شيخ الإسلام في شرح الجامع انه يمنعه من الدعوى بعده للتناقض وإنما لا يمنع ذا اليد على ما مر لقيام اليد انتهى * ونقله عنه في الدرر والغرر من غير زيادة (ومثله ما في الحاوى الحصيري عن الجامع الكبير فقال دار في يد رجل إقام الآخر بينة ان الدار داره ثم إقام المدعى عليه البينة ان المدعى اقرانها ليست له بطلت بينته وإن لم يقر بها لانسان معروف انتهى (لكن) يخالفه ما في الفصولين عن الخانية ان ذا اليد لو برهن ان المدعى قد كان أقر قبل هذا ان لاحق لى في الدار لا يندفع به المدعى لان قول الإنسان لا حق لى فيه أو ليس هذا لى ولم يكن هناك أحد يدعى لا يمنعه من الدعوى بعده انتهى (والحاصل) ان قول ذى اليد ليس هذا لى أو لا حق لي فيه ان لم يكن له منازع حين هذا القول لم يصح اقراره وله الدعوى به وإن كان له منازع ففيه خلاف مبنى على الخلاف في انه هل يكون اقرارا بالملك للمنازع أم لا والا رجح الثاني. واما ان كان غير ذى يد ففيه خلاف قيل يصح اقراره فلا تسمع دعواه بعده انه ملكه وقيل لا يصح فتسمع الجهالة المقر له فلا يكون تناقضا كما يفيده اخر عبارة الخانية ومفاده ان الخلاف إذا لم يكن له منازع فإن كان فينبغي ان يصح اقراره بلا خلاف لعدم العلة المذكورة وهذا الذي حرره في جامع الفصولين في الفصل العاشر حيث قال ويلوح ان الخلاف واقع فيما لو أقر المدعى قبل النزاع واما لو قاله مع وجود النزاع ينبغى ان تبطل دعواه اتفاقا على عكس ذى اليد يعنى ان إقرار ذى اليد مع وجود المنازع خلافى ومع عدم المنازع لا تبطل دعواء وفاقا والفرق ان ذا اليد
إذا أقر قبل النزاع بطل اقراره إذا اليد دليل الملك فنفى المالك ملكه عن نفسه من غير اثباته لغيره لا يجوز فلغا نفى ذى اليد ملكه وفاقا ولو أقر ذو اليد عند النزاع قيل انه إقرار للمدعى دلالة بقرينة النزاع وقيل انه لغو نظرا إلى انه ملكه بدليل اليد ولملك لا ينتفي بمجرد النفي وكذا لو أقر غير ذى اليد قبل النزاع قيل انه لغو نظرا إلى جهالة المقوله ولا نزاع ليكون قرينة التعيين المقر له وقيل انه إقرار لذي اليد بقرينة اليد ولو أقر غير ذى اليد عند النزاع ينبغي ان ينفذ اقراره وفاقا لانه نفى عن نفسه ملك غيره ظاهرا وهذا حق ظاهر نصرف إلى انه إقرار به لذي اليد وفاقا بقرينة اليد والنزاع هذا ما ورد على الخاطر الفاتر في تحقيق هذا المرام* على حسب اقتضاه الوقت والمقام* انتهى ولا يخفى انه تحقيق حسن بلامين* ولذا اقره عليه في نور العين (ثم اعلم) ان هذا كله حيث قال هو ليس لي ولم يزد اما لو قال وإنما هو لفلان أو قال ابتداء هو لفلان صح اقراره حيث لم يكذبه فلان ولا تسمع دعواه للتناقض وعدم جهالة المقر له والله سبحانه وتعالى اعلم (الفصل الخامس) إذا قال لا دعوى لى على فلان تقدم انه تبطل دعواه إلا في شيء حادث لكن هذا حيث لم يكن اقراره المذكور عقب دعوى معينة والا تسمع دعواه بغيرهما (قال) في القنية - نصه دفع إلى غيره ادنة ليبلغها إلى فلان وكان بين الدافع والرسول اخذوا عطاء فدفع الدافع حجة للرسول ان لا دعوى لى عليه ثم ادعى الأمانة عليه فقال الرسول في الدفع انك اقررت بأن لا دعوى على لا يسمع هذا الدفع وقوله لا دعوى لى عليه ينصرف إلى سائر التعلقات قال وعلى هذا إذا ادعى عليه دعاوى معينة ثم صالحه وأقر أن لا دعوى له ثم ادعى دعوى أخرى تسمع وينصرف الإقرار إلى ما ادعى أو لا لا غير إلا إذا عم فقال اية دعوى كانت انتهى* ومثله في البزازية (وحاصله) انه إذا ادعى عليه دعوى ثم أقر له بأن لا دعوى له عليه انصرف اقراره إلى ما ادعى أو لا وتسمع دعواه عليه إلا إذا عم فقال لا دعوى لى عليه اية دعوى كانت أو نحو ذلك مما يفيد التعميم كلا دعوى ولا خصومة ولا حقا مطلقا أو لا خصومة بوجه من الوجوه (قال) في البزازية من الصلح في نوع فيما يشترط قبضه ادعى دينا أو عينا على اخر وصالحه على بدل وكتبا بذلك وثيقة الصلح وذكرا فيها صالحا عن هذه الدعوى على كذا ولم يبق لهذا المدعى دعوى ولا خصومة بوجه من الوجوه ثم جاء المدعى يدعى عليه بعد الصلح دعوى أخرى بأن كانت المدعية مثلا امرأة ادعت دارا وجرى الحال كما ذكرنا ثم جاءت المرأة تطلب من المدعى عليه دين المهر لا تسمع لان البراءة عن الدعوى ذكرت مطلقا انتهى (الفصل السادس) إذا ترتب الإبراء على الصلح ثم ظهر فساد
الصلح فسد الإبراء الذي في ضمنه (قال) في البزازية من الفصل التاسع في دعوى الصلح جرى الصلح بين المتداعيين وكتب الصك وفيه ابرأ كل منهما الآخر عن دعواه أو كتب واقر المدعى ان العين للمدعى عليه ثم ظهر فساد الصلح بفتوى الأئمة واراد المدعى العود إلى دعواه قبل لا يصح للابراء السابق والمختار انه تصح الدعوى والإبراء والإقرار في ضمن عقد فاسد لا يمنع صحة الدعوى لان بطلان المتضمن بدل على بطلان المتضمن ولدفع هذا اختار أئمة خوارزم ان يحرر الإبراء العام في وثيقة الصلح بلفظ يدل على الانشاء بأن يقر الخصم بعد الصلح ويقول ابرأته إبراء عاما غير داخل تحت الصلح أو يقر بأن العين له اقرارا غير داخل تحت الصلح ويكفيه كذلك فإن حاكما لو حكم ببطلان هذا الصلح لا يتمكن المدعى من اعادة دعواه والحيلة لقطع الخصومة واطفاء نائرة النزاع حسنة فإنه ما شرعت المعاملات والمناكحات إلا لقطع الخصام واطفاء نيران الدفاع انتهى (قلت) الظه انه لو اقرا قرارا عاما أو ابرأ إبراء عاما من كل حق ودعوى يصح ذلك وإن لم يذكر قوله غير داخل تحت الصلح حتى لو ظهر فساد الصلح لا يفسد الإقرار لكونه غير خاص بتلك الدعوى التي وقع عليها الصلح بخلاف ما إذا لم يكن عاما بأن ادعى أحدهما على الآخر عينا مثلا ثم تصالحا على شيء واقر أحدهما بأن العين لصاحبه أو ابر أكل منهما الآخر عن دعواه ثم ظهر فساد الصلح قد كل من الإقرار والإبراء لابتنائه على الصلح فله العود إلى دعواه الأولى التي جرى عليها الصلح فهذا هو المراد بما نقلناه عن البزازيه ويدل عليه قول صاحب القنية في آخر باب ما يبطل الدعوى إذا أقر المدعى في ضمن الصلح انه لا حق له في هذا الشيء ثم بطل الصلح يبطل اقراره الذي كان في ضمنه ولد ان يدعى بعد ذلك والمدعى عليه إذا أقر عند الصلح بأن هذا الشيء للمدعى ثم بطل الصلح فإنه يرد ذلك الشئ إلى المدعى انتهى فزيادة قوله غير داخل تحت الصلح فيما إذا كان عاما لمجرد التأكيد ويؤيده ما قدمناه عن القنية أيضا من قوله ابرأه بعد الصلح عن جميع دعاويه وخصوماته صح وإن لم يحكم بصحة الصلح انتهى فهو صريح في انه إذا كان الإبراء عاما لا عن خصوص ما وقع عليه الصلح لا يفسد الإقرار اصلا نعم يمكن ان يفسد الإقرار العام فيما إذا صالحه على شيء حتى يبرئه عن الدعاوى أو يقر له اقرارا عاما ثم ظهر فساد الصلح باستحقاق بدله ونحوه هذا ما ظهر لي فتأمل (الخاتمة) في تلخيص حاصل ما تقدم على وجه الاختصار ودفع التناقض بين عباراتهم وتحرير المسئلة المقصودة (اعلم) ان كلا من الإقرار والإبراء يراد به قطع النزاع وفصل الخصومة فالمراد منهما واحد ولذا عبروا بكل واحد منهما عن الآخر وإن اختلفا مفهوما ثم ان الإقرار إذا ذكر عقب دعوى معينة تقيد بها ما لم يعمم وكذا لو وقع
عقب دعوى أو عين صولح عنها صلحا فاسدا فيفسد الإقرار لتقيده بها ما لم يعمم والإقرار لمعلوم شخصا أو قبيلة محصورة بصح ولو بمجهول والإقرار المجهول لا يصح ولو بمعلوم ومن أقر أنه لا حق له في كذا لا يخلو اما ان يكون ذا يد أو لا وعلى كل فأما ان يقر بذلك عند وجود منازع له فيه أو لا فإن كان ذا يد ولا منازع له لا يصح اقراره وفاقا وإن كان له منازع فكذلك على أحد القولين وهو الارجح وإن كان غير ذي يد فعلى العكس اعنى ان كان لا منازع له صح اقراره على أحد القولين وإن كان له منازع فكذلك وفاقا (واعلم أيضا) ان البراءة اما عامة يبرأ بها عن كل عين ودين كلا حق أو لا دعوى أو لا خصومة لي قبل فلان أو هو برئ من حتى أو لا دعوى لى عليه أو لا تعلق لى عليه أو لا استحق عليه شيأ أو ليس لي معه امر شرعى وهذا إذا كانت البراءة العامة على سبيل الاخبار واما إذا كان على سبيل الانشاء كقوله ابرأتك من حق أو ممالى قبلك فهو كذلك على ما بحثه الشرنبلالي فلا تسمع دعواه بدين ولا عين واما خاصة بدين خاص كابرأته من دين كذا أو بدين عام كا برأته ممالى عليه فيبرا عن الدين الخاص في الأولى وعن كل دين في الثانية دون العين واما خاصة بعين خاصة كهذا العبد أو بكل عين أو بالامانات دون المضمونات فأما ان تكون البراءة على سبيل الاخبار أو على سبيل الانشاء وعلى كل فأما ان تكون عن العين نفسها أو عن الدعوى بها فإن كانت عن العين على سبيل الانشاء فإن اضاف المبرى البراءة إلى نفسه كقوله لمن في يده عبد برئت انا من هذا العبد تصح فلا تسمع دعواه اصلا وإن اضافها إلى المخاطب كما برأتك منه كانت براءة عن ضمان رده فله ان يدعيه وإن كانت على سبيل الاخبار كلا حق لي في هذا العبد تصح فلا تسمع بعدها دعوى انه ملكه وكذلك قوله هو برئ مما لي عنده لانه أخبار عن ثبوت البراءة فيبرأ مما أصله أمانة دون ما أصله مضمون لان كلمة عند تستعمل في الامانات دون المضمونات على خلاف ما هو عرف الناس في زماننا وينبغي على عرفنا ان يبرأ مطلقا كما قدمناه وهذا كله في القضاء اما في الديانة فلا يصح الإبراء عن الأعيان أصلا لأن الإبراء إسقاط والأعيان لا تسقط بالاسقاط بخلاف ما في الذمة من الديون فانها ليست باعيان لان الذمة لا تستقر فيها أعيان بل اوصاف اعتبارية فلهذا تسقط بالاسقاط وإن كانت البراءة عن دعوى العين فإن كانت على طريق الخصوص كدعوى هذه الدار أو العبد فإن اضاف البراءة إلى نفسه كقوله برئت من دعواى في هذا العبد تصح فلا تسمع دعواه اصلا لا على المخاطب ولا على غيره وإن اضافها إلى المخاطب كقوله ابرأتك عن خصومتي في هذه الدار أو العبد فتصح في حق المخاطب فله ان يخاصم غيره وإن كانت على طريق العموم كقوله ابرأتك من جميع الدعاوى صحت البراءة مطلقا كما يظهر لك قريبا وقال في البحر لا تصح البراءة
فله الدعوى على المخاطب وغيره واستدل على ذلك بما في مداينات القنية افترق الزوجان وابرأ كل واحد منهما صاحبه عن جميع الدعاوى وكان للزوج بذر في ارضها واعيان قائمة فالحصاد والأعيان القائمة لا تدخل في الإبراء عن جميع الدعاوى انتهى (واقول) لى فيه نظر اوضحته في حاشيتي المسماة منحة الخالق على البحر الرائق حاصله انه لا يخفى عليك انه إذا صح إبراء المخاطب عن دعوى العين المخصوصة ينبغي ان يصح أيضا ابراؤه عنها في صورة التعميم الشاملة لدعوى الأعيان وغيرها إذ لا فرق يظهر بل قد يدعى (بضم الياء المثناة) الاولوية كيف وهو مخالف لما صرح به نفسه في الأشباه من ان الإبراء عن دعوى الأعيان صحيح بخلاف الإبراء عن الأعيان نفسها* وفى القنية لو ابزاءه بعد الصلح عن جميع دعاويه وخصوماته صح وإن لم يحكم بصحة الصلح انتهى ونحوه في الحاوى الحصيرى واما ما استشهد به من عبارة القنية فلا يدل له لان الظاهر انه مبنى على ان الزوجة مقرة بأن الأعيان المذكورة للزوج كما يفيده قوله وكان للزوج بذر في ارضها واعيان قائمة والا كان مقتضى التعبير وادعى الزوج بذرا الخ وح فقوله لا تدخل في الإبراء يعنى لا تصير ملكا للزوجة وتؤمر بدفعها للزوج لان الأعيان لا تسقط بالإبراء أو يقال هو مبنى على خلاف الاشبه المعتمد* ويدل لما قلنا ما في البزازية والخلاصة ابرأ المستأجر الآجر عن كل الدعاوى ثم ادرك الزرع فجاء المستأجر بعد ما رفع الآجر الغلة وادعى الغلة قيل تسمع والاشبه انه لا تسمع ولو رفع الآجر الغلة أو لا ثم ابرأه المستأجر عن الدعاوى لا تسمع دعواه وهذا إذا جحد الآجر ان يكون الزرع للمستأجر وإن مقرا انه للمستأجر يؤمر بالدفع إليه انتهى فهذا صريح في انه لا تسمع دعوى العين بعد الإبراء عن الدعاوى بصيغة التعميم مع تصريحه بالتصحيح في إحدى الصورتين بقوله والاشبه الخ فإنه من صيغ التصحيح كما صرحوا به فيعارض ما في القنية ان لم يحمل على ما قلنا (ثم) ان وجه الخلاف في الصورة الأولى ان رفع الغلة حصل بعد الإبراء فقيل تسمع دعوى المستأجر لأنها بشيء حادث بعد الإبراء وقيل تسمع لان الزرع كان موجودا وقت الإبراء فليس امرا حادثا ولذا كان هذا القول هو الاشبه واما إذا حصل رفع الغلة قبل الإبراء فلم يبق وجه للقول بسماعها فاذا لم يحك فيه خلافا وكذا لو لم يرفع الآجر الغلة وبقيت في الأرض لا وجه لسماع دعواه بها لدخولها تحت الإبراء العام فلا تسمع قضاء وإن لم تبراء ذمة الآجر ولذا تسمع الدعوى لو أقر بأنها للمستأجر ويؤمر بالدفع لان الأعيان لا تسقط بالإبراء ديانة كما مر هذا ما ظهر لي في توجيه عبارة البزازية (ثم) قال في البزازية عقب عبارته المارة وكذا إذا ابرأ
أحد الورثة الباقين ثم ادعى ولو اقروا بالتركة يؤمرون بالدفع انتهى (فقد) ظهر لك مما قررناه انه لا تخالف بين عبارة القنية وعبارة البزازية والخلاصة بعد الحمل المذكور وانه إذا ابرأ عن جميع الدعاوى لا تسمع دعواه في عين ولا دين ما لم يقر المدعى عليه والمتبادر ان الإبراء حصل بصيغة الانشاء كقوله ابرأتك عن كل دعوى فهو مثل ما لو كان بصيغة الاخبار كقوله لا دعوى لى أو لا خصومة لى قبل زيد فإنه لا تسمع دعواه إلا في حادث بعده كما قدمناه عن جامع الفصولين في المقدمة فتحصل انه لا فرق في صحة الإبراء عن دعوى العين في صورة التعميم بين الاخبار والانشاء (ثم اعلم) ان عبارة القنية المذكورة بعد جلها على ما قررناه لم يبق فيها مخالفة لما اتفقوا عليه من عدم سماع الدعوى بدين أو عين بعد الإقرار العام (فإن قلت) نعم لا مخالفة في ذلك لكن راينا فروعا اخر تخالف اتفاقهم المذكور (الأول) ما ذكره في القنية في باب ما يبطل الدعوى بقوله مات عن ورثة فاقتسموا التركة وابرأ كل واحد منهم صاحبه من جميع الدعاوى ثم ان أحد الورثة ادعى دينا على الميت تسمع انتهى (الثاني) ما ذكره في الاشباه بقوله وكذا إذا صالح أحد الورثة وابرأ إبراء عاما ثم ظهر شيء من تركته لم يكن وقت الصلح الاصح جواز دعواه في حصته انتهى وعزاه إلى صلح البزازية ونص عبارة البزازية قال تاج الإسلام ويخط صدر الإسلام وجدته صالح أحد الورثة وابرأ إبراء عاما ثم ظهر شيء في التركة لم يكن وقت الصلح لا رواية في جواز الدعوى ولقائل ان يقول تجوز دعوى حصته مند وهو الاصح ولقائل ان يقول لا و في المحيط لو ابرأ أحد الورثة الباقى ثم ادعى التركة وانكروا لا تسمع دعواه وإن اقروا بالتركة أمروا بالرد عليه انتهى كلام البزازية (الثالث) ما ذكره في الأشباه أيضا بقوله ان الوارث إذا ابرأ إبراء عاما بأن أقر أنه قبض تركة مورثه ولم يبق له فيها حق الاستوفاه ثم ادعى شيئا من تركة مورثه وبرهن عليه قبل ذلك منه (قلت) اما الأول فجوابه كما قال الشرنبلالى ان المدعى عليه في الحقيقة هو الميت والوارث قائم مقامه كالوكيل لانتفاعه ببراءة ذمته ونقاء التركة على حكم ملكهـ حتى قدم قضاء دينه كتجهيزه فلم يكن سماع الدعوى لعدم منع الإبراء منها انتهى* وحاصله ان الإبراء العام انما منع سماع الدعوى على الورثة لان الإبراء لهم فلا يمنع سماع الدعوى على الميت وإن قام الورثة مقامه في أمل* واما الثاني فقد أجاب عنه الشرنبلالي بأن الإبراء فيه المجهول فلم يصح الإبراء فتسمع دعواه إذ لا يد في صحة الإبراء من ان يكون المعلوم والتناقض انما يمنع إذا تضمن ابطال حق على أحد كما مر عن العمادية وغيرها ولو
جل ما هنا على الإبراء المعلوم لناقض ما مر من النقول الصريحة عن المبسوط والاصل والجامع الكبير ومشهور الفتاوى كالخانية والخلاصة من انه إذا قال لا حق لى قبله لا تسمع دعوى الدين والعين فيقدم ما في هذه الكتب ولا يعدل عنه (اقول) هذا في غاية البعد فإن الظاهر أن الوارث المذكور انما يبرئ بقية الورثة الذين صالحوه بأن يقول ابرأتكم إبراء عاما فليس الإبراء المجهول فالاحسن ان يجاب بأن ما ادعاه عين من أعيان التركة اعترف بها بقية الورثة بقرينة قوله ثم ظهر شيء من تركته أي ظهر وتبين لهم ما كانوا غافلين عنه وقت الصلح فحيث علموا بأنه من التركة يؤمرون بدفع حصته منه والدليل على ما قلنا انه عقبه بعبارة المحيط فانها صريحة في الفرق بين الانكار والإقرار وكذا يدل على ما قلناه من ان ذلك فيما إذا أقر وأما ما ذكره البزازى أيضا عقب عبارته المذكورة بقوله صالحت أي الزوجة عن الثمن ثم ظهر دين أو عين لم يكن معلوما للورثة قبل لا يكون داخلا في الصلح ويقسم بين الورثة لانهم إذا لم يعلموا كان صلحهم عن المعلوم الظاهر عندهم لا عن المجهول فيكون كالمستثنى من الصلح فلا يبطل الصلح وقيل يكون داخلا في الصلح لأنه وقع عن التركة والتركة اسم للكل فإذا ظهر دين فسد الصلح ويجعل كأنه كان ظاهرا عند الصلح انتهى وكذا ما في متن التنوير آخر كتاب الصلح صالحوا احدهم ثم ظهر للميت دين أو عين لم يعلموها هل يكون داخلا في الصلح قولان اشهرهما لا انتهى فهذا صريح يعلم الورثة بذلك وعدم انكارهم* واستقيد من هذا ان تصحيح سماع الدعوى بعد الإبراء العام مبنى على القول الاشهر وهو عدم دخول ما ظهر من العين في الصلح اذلو دخل في الصلح سقط حقه منه فإذا لم يدخل يبقى حقه فيه ولا يسقط بالإبراء لان الأعيان لا تسقط به كما مر (واما) الثالث فقد أجاب عنه الشرنبلالي أيضا بأن الإبراء فيه لمجهول فلا ينافي سماع الدعوى على ان لفظ الإبراء ايس مذكورا في كلامهم بل هو من زيادة صاحب الأشباه بل المذكور فيه مجرد الاشهاد بالقبض ففى فصول العمادى اشهد الابن علي نفسه على انه قبض جميع تركة والده ولم يبق له من تركة والده قليل ولا كثير إلا استوفاه ثم ادعى بعد ذلك دارا في يد الوصى وقال هذه من تركة والدى تركها ميراثا لى ولم اقبضها فهو على حجته واقبل بينته واقضى له ارأيت ان قل قد استوفيت جميع ما ترك والدى من الدين على الناس وقبضته كله ثم ادعى على إنسان ان لأبيه عليه: لا الم اقبل بينته عليه واقضى له بالدين انتهى ومثله في الظهيرية وخزانة المفتين وح فتسمع دعواه لان اقراره بالقبض لم يخاطب به معينا ويؤيد ذلك ما استشهد له في آخر العبارة بقوله ارأيت الخ (واقول)
ما نقله عن فصول العمادي برمته مذكور في آخر كتاب احكام الصغار للامام الاستروشي معزيا إلى المنتقى بلفظ قبض منه الخ بالضمير العائد إلى الوصى ومثله في الثامن والعشرين من جامع الفصولين وكذا في كتاب الدعوى من كتاب ادب الا وصيا معزيا إلى المنتقى والخانية والعتابية فلم يكن المقر له مجهولا بل هو معلوم ثم رايت العلامة ابن الشحنه قد نبه على ذلك وعلى ان قوله ارأيت الخ ليس من قبيل ما قبله لان المقر له فيه مجهول وما قبله معلوم وذكر العلامة البيرى جوابا آخر حيث قال صور ذلك في الاجناس بأن إقام بينة بعد ذلك على ارض أو دار انها صارت له من ميراث أبيه قبلت لانه قد يقول قد كنت قبضت ثم أخذ مني انتهى (واقول) لا يتأتى ذلك فيامر عن العمادية وغيرها فإن فيه التصريح بقول الابن ولم اقبضها فإذا قال قبضتها ثم اخذها الوصى منى يكون متناقضا بقوله حين الدعوى لم اقبضها (وأجاب) العلامة ابن وهبان بجواب اخر وهو ان اعترافه بأنه لم يبق له حق يمكن جله على ما قبضه يعنى لم يبق لى حق مما قبضته الا ترى ان صورة المسئلة فيها لو رأى شيئا من تركة والده في يد وصيه وتحققه فيسوغ له طلبه ويؤول اقراره بما ذكرنا انتهى (واقول) هذا ابعد مما قبله وكيف يصح ذلك في قوله ولم يبق لى من تركة والدى قليل ولا كثير إلا استوفيته (وأجاب) الشيخ علاء الدين في الدر المختار بجواب آخر حيث قال بعد نقله جواب ابن وهبان على ان الإبراء عن الأعيان باطل انتهى وحاصله ان المدعى به هذا عين بقرينة قولهم ثم ادعى بعد ذلك دارا في يد الوصى فتصح دعواه لان الإبراء عن الأعيان لا يصح فلم يحصل التناقض بين دعواه وابرائه السابق وقد سبقه إلى هذا الجواب العلامة الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية (واقول) قدمنا ان بطلان الإبراء عن نفس الأعيان انما هو في الديانة اما في القضاء فهو صحيح فلا تسمع الدعوى بعده بخلاف الإبراء عن دعوى الأعيان فإنه صحيح مطلقا على ان ما في مسئلتنا إقرار عام على سبيل الاخبار دون الانشاء وقدمنا انه متناول الدين والعين وانه لا تسمع فيه الدعوى كما في المحيط والبحر وايضا فعبارة الخانية ثم ادعى في يد الوصى شيأ الخ فقوله شيئا يشمل الأعيان وغيرها (وأجاب) العلامة ابن الشحنه بقوله يظهر لى في الوجه للمسئلة انه انما تسمع دعواه استحسا بالا قياسا لقوة شبهة عدم معرفته بما يستحقه من قبل والده لقيام الجهل بمعرفة لوالده على جهة التفصيل والتحرير بخلاف ما إذا كان مثل هذا الاشهاد مجردا عن سابقة الجهل المذكور فاستحسنوا سماع دعواه هنا فتأمله انتهى ثم ذكر ما مر عن المحيط من قوله لو ابرأ أحد الورثة الباقى ثم ادعى التركة وانكروا لا تسمع
دعواه وإن اقروا بالتركة أمروا بالرد عليه انتهى ثم قال والنظم يعنى نظم الوهبانية أنما اشتمل على مسئلة الوصى خاصة واما المسئلة الثانية فلم يتعرض لها انتهى ونقل هذا الجواب السيد الحموى في حاشية الأشباه وأقره وبمثله أجاب الشيخ خير الدين الرملى (واقول) انه اقرب الاجوبة فتكون المسئلة مستثناة من عموم عدم سماع الدعوى بعد الإبراء العام أي الذي في ضمن الإقرار العام فلذا نص على استثنائها في الأشباه وما ذكره ابن الشحنه من التوجيه ظاهر وجيه فإن الابن قد يكون طفلا عند موت أبيه ولا يدرى بما كان الوصى يتصرف فيه فإذا اشهد عليه بعد بلوغه ثم ظهر للابن شيء من متروكات أبيه وقامت على ذلك بينة عادلة كان الاوجه سماعها لقوة القرينة المرجحة لصحة دعواه ولا سيما في هذه إلا زمان التي شاعت فيها خيانة الاوصياء واما ما قدمناه عن الخلاصة وغيرها من قوله رجل ابرأ رجلا عن الدعاوى والخصومات ثم ادعى عليه مالا بالارث عن أبيه ان مات أبوه قبل ابرائه صح الإبراء وإن لم يعلم بموت الأب عند الإبراء انتهى فهو محمول على غير مسئلة الوصى لما علمت من أنها مستثناة للعملة المذكورة وهى قيام جهله بمعرفة ما لوالده على التفصيل (لكن) بقى هنا شيء وهو ان مقتضى ذلك انه لواقر بأنه قد اطلع على جميع متروكات والده واحاط علمه بها على سبيل التفصيل وانه قبض ما خصه من الوصى ولم يبق له قليل ولا كثير إلا استوفاه كما جرت به العادة في كتابة الصكوك انه لا تسمع دعواه على وصيه المنكر بشيء بعد ذلك لعدم العلة المذكورة لانه صار مقرا بعدم جهله ولا عذر لمن أقر فليتأمل (ثم اعلم) انه إذا كانت مسئلة الوصي مستثناة مما اجعوا عليه من عدم سماع الدعوى بعد الإقرار العام بنحو لا حق لى قبل فلان فلا يمكن الحاق غيرها بها بطريق القياس وح فلا يقاس عليها ما إذا تقاسم الورثة التركة ثم أقر واحد منهم مثلا بأنه استوفى من بقية الورثة جميع ما خصه من من التركة ولم يبق له فيها حق وابرأ إبراء عاما فلا تسمع دعواه لعدم وجود النقل في سماعها * ولعلك تقول لا فرق يظهر بينهما فأنه يقال لك قد يفرق بينهما بأن للوصى تصرفا في مال الصبي يستقل به بلا علم الصبي فيخفى عليه الحال بخلاف أحد الورثة فإنه لا يتصرف بدون اطلاع الآخر وإذا كان فيهم صبى فوصيه يقوم مقامه فكأنه صار باطلاعه نفسه فإذا بلغ واقر باستيفاء حقه منهم لم يعذر وهذا فرق حسن ولعل عندهم فرقا اخر احسن منه فلا يعدل عما اجمعوا عليه من عدم سماع الدعوى بعد الإقرار العام خلافا لما افتى به الشيخ خير الدين الرملي مستندا لما في الأشباه وهو ما مر من قوله وكذا إذا صالح أحد الورثة وابرأ إبراء
عاما ثم ظهر شي من تركته لم يكن وقت الصلح الاصح جواز دعواه في حصته انتهى فانك قد علمت ان هذا مفروض فيما إذ كان الورثة مقرين بذلك فتسمع دعواه به لعدم دخوله في الصلح ولعدم سقوط الأعيان بالإبراء فلا يدل ذلك على سماع الدعوى مع الانكار على انك سمعت ما في استثناء مسئلة الوصى من الكلام فكيف يسوغ قياس غيرها عليها بل لابد في ذلك من دليل تام* ومما يدل على الفرق بين المسئلتين ما قدمناه من كلام العلامة ابن الشحنه حيث نص على ان المذكور في النظم الوهبانى هو مسئلة الوصى وإن الناظم لم يتعرض لمسئلة الورثة فلو كان حكم المسئلتين واحدا لنبه عليه مع ان نقله عبارة المحيط صريح في ان الحكم مختلف في المسئلتين كما يعرفه من له ادنى المام* بأساليب الكلام * وههنا وقفت بنا ضوامر الاقلام* بعد عنقها في فيافي الأفهام * بين كر وفر واحجام واقدام* شاكرة لولى النعم والانعام على نيل المرام* وتيسير الاتمام بحسن الختام لتسع خلون من محرم الحرام سنة سبع وثلاثين ومأتين بعد الف عام من هجرة خاتم الانبياء والمرسلين الكرام عليه وعليهم افضل الصلاة واتم السلام وعلى آله الفخام* واصحابه العظام * والتابعين لهم باحسان إلى قيام الساعة وساعة القيام* والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات خير تمام وقد نجزت هذه الرسالة على يد جامعها أفقر الورى محمد امين ابن عمر عابدين غفر الله تعالى له ولوالديه ولذوى الحقوق عليه آمين