الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(باب بيع العرايا)
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(واما العرايا وهو بيع الرطب على النخل بالتمر على الارض خرصا فانه يجوز للفقراء فيخرص ما على النخل من الرطب وما يجئ منه من التمر إذا جف ثم يبيع ذلك بمثله تمرا ويسلمه قبل التفرق والدليل عليه ما روى محمود بن لبيد قال (قلت لزيد بن ثابت ما عراياكم هذه فسمى رجالا محتاجين من الانصار شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ان الرطب يأتي ولا نقد بايديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ يبتاعو العرايا بخرصها من التمر الذي في ايديهم يأكلونها رطبا).
الوكيل في القبول أو النجاشي وظاهر ما في أبى داود والنسائي أن
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْعَرَايَا ثَابِتٌ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا وَأَلْفَاظٌ أُخَرُ غَيْرُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ رِوَايَةِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَلَمْ أَرَهَا إلَّا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِيهَا فِيمَا ذَكَرَ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ (سَأَلْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عن عراهم هَذِهِ الَّتِي يُحِلُّونَهَا فَقَالَ فُلَانٌ وَأَصْحَابُهُ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الرُّطَبَ يَحْضُرُ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ ذَهَبٌ وَلَا وَرِقٌ يَشْتَرُونَ بِهَا وَعِنْدَهُمْ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ سَنَتِهِمْ فَأَرْخَصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ يَشْتَرُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا)
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
أَيْضًا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأُمِّ قِيلَ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَوْ قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إمَّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَإِمَّا غَيْرُهُ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ وَذَكَرَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَذَلِكَ معلقا لم يَذْكُرْ لَهُ إسْنَادًا يَتَّصِلُ بِهِ وَأَشَارَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى تَضْعِيفِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ فيه حديثا لا يدرى أحد منشأه
ولامبدأه وَلَا طَرِيقَهُ وَذَكَرَهُ أَيْضًا بِغَيْرِ إسْنَادٍ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حُجَّةٌ يَعْنِي فِي اخْتِصَاصِهَا بِالْفُقَرَاءِ وَهَذَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهَا تَجُوزُ لِلْفُقَرَاءِ وَذَلِكَ لَا نِزَاعَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ رِوَايَةً قَالَ لَمَّا ذُكِرَ حَدِيثُ الْعَرَايَا فِي جَامِعِهِ وَمَعْنَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أراد التوسعة عليهم في هذا لانهم شكو إليه وقالوا لانجد مَا نَشْتَرِي مِنْ التَّمْرِ إلَّا بِالتَّمْرِ فَرَخَّصَ لَهُمْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنْ يَشْتَرُوهَا فَيَأْكُلُوهَا رُطَبًا.
لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ التِّرْمِذِيِّ بِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يُسْنِدْهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ السِّيَرِ وَجَعَلْتُ أَوْلَادَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَعْدُودٌ أيضا مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَهُوَ صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُهُ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ لِأَنَّ زَيْدًا كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ وَأَعْلَمَ بِسُنَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَهَا لَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ فِي الْوَافِي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَلَامًا لَوْلَا تَفَرُّقُ النُّسَخِ لَكُنْتُ أَزَلْتُهُ غَيْرَةً قَالَ سَمِعْتُ فَقِيهًا يَقُولُ إنَّ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ سَاعَتَئِذٍ كَانَ يَهُودِيًّا فَلِذَلِكَ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُمْحَى هَذَا مِنْ الْكِتَابِ لَوْلَا تَفَرُّقُ النُّسَخِ فلا حول ولاقوة إلا بالله نعوذ بالله أن نقول
مالانعلم ولولا خشيت أَنْ يُطَالِعَهُ بَعْضُ الضَّعَفَةِ فَيَعْتَقِدَ صِحَّتَهُ وَيَنْقُلَهُ مَا تَعَرَّضْتُ لَهُ وَلَا نَقَلْتُهُ لَكِنْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُغْتَرَّ بِهِ فَيُوقَعُ بِسَبَبِهِ فِي نِسْبَةِ هَذَا الرَّجُلِ الْعَظِيمِ إلَى مِثْلِ هَذَا فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَعْصِمَنَا مِنْ الزَّلَلِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
وَالْعَرَايَا جَمْعُ عَرِيَّةٍ وَهِيَ تَفَرُّدُ صَاحِبِهَا لِلْأَكْلِ وَوَزْنُ الْعَرِيَّةِ فَعِيلَةٌ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ قِيلَ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَزْهَرِيِّ وَابْنِ فَارِسٍ وَيَكُونُ مِنْ عَرِيَ يَعْرَى كَأَنَّهَا عَرِيَتْ مِنْ جُمْلَةِ النَّخِيلِ فَعَرِيَتْ أَيْ خَلَتْ وَخَرَجَتْ كَمَا يُقَالُ عَرِيَ الرَّجُلُ إذَا تَجَرَّدَ
مِنْ ثِيَابِهِ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ لَامُ الْكَلِمَةِ يَاءً كَهَدِيَّةٍ وَجَمْعُهُ فعائل كصحيفة وصحائف كذلك عرية وعراءي - بهمزة بعد المدة مَكْسُورَةٍ وَبَعْدَهَا يَاءٌ - ثُمَّ فُتِحَتْ هَذِهِ الْهَمْزَةُ العارضة في الجمع فصار عرائي تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا فصار عراء ثُمَّ إنَّهُمْ كَرِهُوا اجْتِمَاعَ أَلِفَيْنِ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ كَأَنَّهَا أَلِفٌ فَكَأَنَّهُ اجْتَمَعَ ثَلَاثُ أَلِفَاتٍ فَأَبْدَلُوا مِنْ الْهَمْزَةِ يَاءً فَقَالُوا عَرَايَا فَلَيْسَ وَزْنُهَا فَعَالَى لِأَنَّ هَذِهِ الْيَاءَ ليست أصلية وانما وزنه فعايل وهذه الْإِبْدَالُ وَالْعَمَلُ وَاجِبٌ وَكُلُّ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ مُحْكَمَةٌ فِي عِلْمِ التَّصْرِيفِ وَمِثْلُ هَدِيَّةٍ وَهَدَايَا وَقَدْ قَالُوا فِي جَمْعِهِ أَيْضًا هَدَاوَا فَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ جَعَلُوا ذَلِكَ شَاذًّا وَالْأَخْفَشُ قَاسَ عَلَيْهِ وَرَدُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ مِنْهُ إلَّا هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَعْنِي هَدَاوَا فَلَمْ يَأْتِ مِثْلَ عَدَاوَى وَشِبْهِهِ وَإِنَّمَا كُتِبَ بِالْيَاءِ كَحَنِيَّةٍ وَحَنَايَا وَمَنِيَّةٍ وَمَنَايَا قَالَ شَيْخُنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ حَيَّانَ الْأَنْدَلُسِيُّ فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ لَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ وَزْنَ هَذَا الْجَمْعِ كُلِّهِ فَعَالَى لَكَانَ مَذْهَبًا حَسَنًا بَعِيدًا مِنْ التَّكَلُّفِ وَإِنَّمَا دَعَا النَّحْوِيِّينَ إلى ذلك التَّقْدِيرَاتِ حَمْلُهُمْ جَمْعَ الْمُعْتَلِّ عَلَى الصَّحِيحِ فَأَجْرَوْا ذَلِكَ مَجْرَى صَحِيفَةٍ وَقَدْ تَكُونُ أَحْكَامٌ لِلْمُعْتَلِّ لَا لِلصَّحِيحِ وَأَحْكَامٌ لِلصَّحِيحِ لَا لِلْمُعْتَلِّ وَيُقَالُ هُوَ عِرْوٌ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ أَيْ خِلْوٌ مِنْهُ وَيُقَالُ لِسَاحِلِ الْبَحْرِ الْعَرَاءُ لِأَنَّهُ خِلْوٌ من النبات
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) وَقِيلَ بِمَعْنَى مَفْعُولِهِ مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إذَا أَتَاهُ وَتَرَدَّدَ إلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَتَرَدَّدُ إلَيْهَا ويقال أعريته النخلة أي أطعمته ثمرتها بعروها قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَمَا يُقَالُ طَلَبَ إلَيَّ فَأَطْلَبْتُهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ الْهَرَوِيِّ وَجَوَّزَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى فَاعِلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَكُونُ لَامُهَا وَاوًا أَصْلُهَا عَرِيُّوهُ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى ثُمَّ فَعَلَ بِجَمْعِهِ كَمَا فَعَلَ بِهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ إلَّا أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يكون كمطية لاكهديه وَهَذَا الْوَزْنُ مَتَى كَانَتْ لَامُهُ وَاوًا اعْتَلَتْ في المفرد كان حكمه حكم مَا لَامُهُ يَاءٌ بِخِلَافِ الَّذِي لَامُهُ وَاوٌ صَحَّتْ فِي الْمُفْرَدِ فَلَهُ حُكْمٌ آخَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمُرَادُ بِهَا هُنَا فَعِنْدَنَا هُوَ بيع الرطب على رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالْعَرَايَا نَوْعٌ مِنْ الْمُزَابَنَةِ رُخِّصَ فِيهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَزْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ بَيْعُ التمر في رؤس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ رَخْصٌ مِنْ جُمْلَةِ
الْمُزَابَنَةِ فِيمَا دون خمسة أوسق وهو أن يجئ الرَّجُلُ إلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ فَيَقُولُ لَهُ بِعْنِي مِنْ حَائِطِكَ ثَلَاثَ نَخْلَاتٍ بِأَعْيَانِهَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ فَيَبِيعُهُ إيَّاهَا وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ وَيُسَلِّمُ إلَيْهِ النَّخَلَاتِ يَأْكُلُهَا وَيُتْمِرُهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي بَابِ بَيْعِ الْعَرَايَا بَعْدَ مَا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْعَرَايَا بِالتَّفْسِيرِ الْمَشْهُورِ وَالْعَرَايَا ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ هَذَا الذى وصفنا أحدهما وجماع العرايا كلما أُفْرِدَ لِيَأْكُلَهُ خَاصَّةً وَلَمْ يَكُنْ فِي جُمْلَةِ الْبَيْعِ مِنْ ثَمَرِ الْحَائِطِ إذَا بِيعَتْ جُمْلَةٌ مِنْ وَاحِدٍ.
وَالصِّنْفُ الثَّانِي أَنْ يَخُصَّ رَبُّ الْحَائِطِ الْقَوْمَ فَيُعْطِي الرَّجُلَ ثَمَرَ النَّخْلَةِ وَثَمَرَ النَّخْلَتَيْنِ وَأَكْثَرَ هَدِيَّةً يَأْكُلُهَا وَهَذِهِ فِي مَعْنَى الْمِنْحَةِ مِنْ الْغَنَمِ يَمْنَحُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الشَّاةَ أَوْ الشَّاتَيْنِ وَأَكْثَرَ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا وَيَنْتَفِعَ بِهِ وَلِلْمُعْرَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا وَيُتْمِرَهُ وَيَصْنَعَ فِيهِ مايصنع فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ قَدْ مَلِكَهُ.
وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ أَنْ يُعْرِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ وَأَكْثَرَ مِنْ حَائِطِهِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهَا وَيُهْدِيَهُ وَيُتْمِرَهُ وَيَفْعَلَ فِيهِ مَا أَحَبَّ وَيَبِيعَ مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَرِ حائطه فتكون هذه
مفرد من المبيع مِنْهُ جُمْلَةً وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُصَدِّقَ الْحَائِطِ يَأْمُرُ الْخَارِصَ أَنْ يَدَعَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ حَائِطِهِمْ قَدْرَ مَا يَرَاهُمْ يَأْكُلُونَ وَلَا يُخْرِجُهُ لِتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ وَقِيلَ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَدَعَ مَا أَعْرَى الْمَسَاكِينَ مِنْهَا فَلَا يَخْرُصُهُ وَهَذَا بِتَعْبِيرِهِ فِي كِتَابِ الْخَرْصِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ كَوْنِهِ يَتْرُكُ لِلْمَالِكِ نَخْلَةً أَوْ نَخَلَاتٍ يَأْكُلُهَا أَهْلُهُ نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الزكاة قولا وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ هُنَاكَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي الْبُيُوعِ وَالْقَدِيمِ قَالَ أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنُ سَلَّامٍ الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا رَجُلًا مُحْتَاجًا وَالْإِعْرَاءُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ثَمَرَةَ عَامِهَا فَرُخِّصَ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يَبْتَاعَ ثَمَرَ تِلْكَ النَّخْلَةِ مِنْ الْمُعْرَى بِتَمْرٍ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ هُوَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ النَّخْلَةُ فِي وَسَطِ نَخْلٍ كَثِيرٍ لِرَجُلٍ آخَرَ فَيَدْخُلُ رَبُّ النَّخْلَةِ إلَى نَخْلَتِهِ وَرُبَّمَا كَانَ مَعَ صَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ أَهْلُهُ فِي النَّخْلِ فَيُؤْذِيهِ بِدُخُولِهِ فَرُخِّصَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَ تِلْكَ النَّخْلَةِ مِنْ صَاحِبِهَا قَبْلَ أن يجذه
بِتَمْرٍ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالتَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ أَجْوَدُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ اعراء إنما هي نحلة يَمْلِكُهَا رَبُّهَا فَكَيْفَ تُسَمَّى عَرِيَّةً وَمِمَّا يُعَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ شَاعِرِ الْأَنْصَارِ يَصِفُ النَّخْلَ
لَيْسَتْ بسنهاء ولا دجية
* وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ يَقُولُ إنَّا نعيرها الناس والسنهاء الخفيفة الحمل والدجية الثَّقِيلَةُ الْحَمْلِ الَّتِي قَدْ انْحَنَتْ مِنْ ثِقَلِ حَمْلِهَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا بَعَثَ الْخُرَّاصَ قَالَ خَفِّفُوا الْخَرْصِ فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ (قُلْتُ) وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَرَايَا النخلة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تَمْرًا لَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَخْصِيصٌ أَنَّ الذى يبتاعهما هُوَ الْوَاهِبُ وَلَا أَنَّ ذَلِكَ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ فَهَذَا أَوْلَى مَا يُعْتَمَدُ فِي تَفْسِيرِهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْعَرَايَا ثَلَاثَةٌ (مُوَاسَاةٌ) وَهِيَ مَا يُعْطَى لِلْمَسَاكِينِ وَذَلِكَ سُنَّةٌ (وَمُحَابَاةٌ) وَهِيَ مَا يَتْرُكُهَا الْخَارِصُ لِمَنْ يُخْرَصُ نَخْلُهُ
ليأكلها علما أنه سيتصدق منه بِأَكْثَرَ مِنْ عُشْرِهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (وَإِذَا خَرَصْتُمْ فَدَعُوا لَهُمْ الثلث فدعوا الربع)(المراضات) اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بيع الرطب خرصا على النخيل بِمَكِيلِهِ تَمْرًا عَلَى الْأَرْضِ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ مَعَ تَعْجِيلِ الْقَبْضِ وَذَكَرَ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهما وَسَنَذْكُرُهُمَا إنْ انشاء اللَّهُ تَعَالَى.
وَالرُّخْصَةُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي حَدِّهَا عِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةً أَحْسَنُهَا الْإِطْلَاقُ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ لِغَرَضِ التوسيع فقولنا الا طلاق نُرِيدُ بِهِ إبَاحَةَ الْأَقْدَامِ الَّتِي تَشْتَمِلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمُبَاحَ وَقَوْلُنَا مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ احتراز من قتل قاطع الطريق وشبه فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ شُرِّعَ مَعَ الْإِسْلَامِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يُسَمَّى رُخْصَةً وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي حَالِ حُرِّيَّتِهِ احْتِرَازٌ من القصاص فانهه قاعدة كلية لكن يرد عليه السلام وَالْإِجَارَةُ وَمَا أَشْبَهُهُمَا.
ثُمَّ الرُّخْصَةُ قَدْ يَكُونُ سببها الضرورة
كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ الْمَيْتَةَ وَقَدْ يَكُونُ سَبَبُهَا الْحَاجَةُ كَالْعَرَايَا فَلَمَّا كَانَ الدَّلِيلُ قَائِمًا عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَوَرَدَتْ الْعَرَايَا عَلَى خِلَافِهِ سُمِّيَ ذَلِكَ رُخْصَةً وَالْخِرْصُ بِكَسْرِ الْخَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ فَارِسٍ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمَخْرُوصُ وَأَمَّا الخرص بالفتح فهو المصدر وهو الحذر يُقَالُ خَرَصَ الْعَبْدَ يَخْرِصُهُ وَيَخْرُصُهُ بِضَمِّ الرَّاءِ
وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ خَرْصًا وَخِرْصًا بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ حذره قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ الْخَرْصُ المصدر والخرص الاسم والخراص الحذار (وَأَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الشام وأحمد واسحق وأبو عبيد وَدَاوُد وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كُلُّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَجَعَلُوهُ مُسْتَثْنًى من وجهة نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَعَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَلِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ بَعْضُ مُخَالَفَةٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي الجزء السادس عشر من الام مخالفونا
معا في العرايا لا نجيز بيعها وقالوا نرد بَيْعِهَا بِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَنَهْيِهِ عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا مِنْهُمْ فَإِنْ أَجَازَ إنْسَانٌ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ بِالْعَرَايَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَجَازَ بَيْعَ الْعَرَايَا قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْنَا هل الحجة عليه الالهى عَلَيْكُمْ فِي أَنْ يُطَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُحِلُّ مَا أَحَلَّ وَيُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ وَبَحَثَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ قَالَ قَالَ فَكَيْفَ نقول قُلْتُ أُحِلُّ مَا أَحَلَّ مِنْ بَيْعِ الْعَرَايَا وَأُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ مِنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَبَيْعِ الرطب بالتمر عن العرايا وان علم أَنْ لَمْ يُرِدْ بِمَا حَرَّمَ مَا أَحَلَّ وَلَا بِمَا أَحَلَّ مَا حَرَّمَ فَأُطِيعُهُ فِي الْأَمْرَيْنِ وَمَا عَلِمْتُك إلَّا عَطَّلْت نَصَّ قَوْلِهِ فِي الْعَرَايَا وَعَامَّةُ مَنْ رَوَى النَّهْيَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا فَلَمْ يَكُنْ لِلتَّوَهُّمِ ههنا مَوْضِعٌ فَنَقُولُ الْحَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ فَلَا مَوْضِعَ لِلتَّوَهُّمِ فِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ قَبْلَ الْآخَرِ فَيُقَالُ أَحَدُهُمَا نَاسِخٌ يَعْنِي لِأَنَّ رُوَاةَ أَحَدِهِمَا هُمْ رُوَاةُ الْآخَرِ.
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأُمِّ
مَا مُلَخَّصُهُ إنَّ الْعَرَايَا دَاخِلَةٌ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْمُزَابَنَةِ وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَخَارِجَةٌ مِنْهُ مُنْفَرِدَةً بِخِلَافِ حُكْمِهِ إمَّا بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالنَّهْيِ قَصْدَهَا وَإِمَّا بِأَنْ أَرْخَصَ فِيهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا نَهَى عَنْهُ وَكَأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَشَارَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ فِي كَلَامِهِ إلَى النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَعَنْ الْمُزَابَنَةِ هَلْ هُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ أَوْ
عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْفَرْقُ بينهما أن الذى أريد به الخصوص يكون الْمُرَادُ فِيهِ مُتَقَدِّمًا عَلَى اللَّفْظِ وَيَكُونُ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ مُتَأَخِّرًا وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عن اللفظ أو مقارنا ويكون المراد بالفظ أَكْثَرَ مِمَّا لَيْسَ بِمُرَادٍ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَطْلَقَ عَلَى الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى أُرِيدَ عُمُومُهُ كَانَ الْإِخْرَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ نَسْخًا لِأَنَّ الْمُرَادَ إرَادَةُ الْعُمُومِ بِاللَّفْظِ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ كَمَا يَقُولُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً فأن العشرة مراده وليس هو كقوله سبعة على المشهور والله أعلم.
أاشار الجوزي إلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ لَمْ يُقْصَدْ بِالنَّهْيِ قَصْدُهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الْمُزَابَنَةِ يَعْنِي ويكون الاستثناء منقطعا وهو خلاف ماقاله الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ صَرَّحَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهَا
دَاخِلَةٌ وَقَالَ فِي بَابٍ آخَرَ مِنْ الْأُمِّ أَيْضًا إنَّهَا يَعْنِي الْمُزَابَنَةَ جُمْلَةُ عَامَّةِ الْمَخْرَجِ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّرَدُّدُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الرُّخْصَةَ هَلْ وَرَدَتْ مَعَ النَّهْيِ عَنْ الْمُزَابَنَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ وَوَرَدَتْ وَحْدَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُ فِي ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ لِلْأَصْحَابِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ كَلَامُهُ في الرسالة فأنه قال إن أولى الوجيهن عنده أن يكون أراد بها مَا سِوَى الْعَرَايَا وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَخَّصَ فِيمَا بَعْدَ دُخُولِهَا فِي جُمْلَةِ النَّهْيِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ زَيْدٍ الثَّابِتُ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ الرُّخْصَةَ كَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مَا نَهَى عَنْهُ جُمْلَةً أَرَادَ بِهِ مَا سِوَى الْعَرَايَا وَحَدِيثُ زَيْدٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الثَّانِي هُوَ الْأَوْلَى بَلْ الْمُتَعَيِّنَ وَعَلَى مَا حَمَلْتُهُ عَلَيْهِ لَا يَدْفَعُهُ حَدِيثُ زَيْدٍ لِأَنَّهُ تَكُونُ الرُّخْصَةُ بَعْدَ ذَلِكَ
مُبَيِّنَةً لِلْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ أَعَادَ الشَّافِعِيُّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي الْجُزْءِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الرَّطْبِ مِنْ الطَّعَامِ بِالْيَابِسِ وَجَزَمَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ وَالْعَرَايَا لَمْ تَدْخُلْ فِي نَهْيهِ يَعْنِي لَمْ تَدْخُلْ فِي الْإِرَادَةِ وَجَزَمَ هُنَاكَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَنَّ الزَّائِدَ مَنَعَهُ مِنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَالتَّوْقِيتِ فِيهِ قَالَ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ هُوَ دَاخِلٌ في المزابنة لكان مذهبنا يَصِحُّ عِنْدَنَا.
وَاعْتَلَّتْ الْحَنَفِيَّةُ بِأُمُورٍ (مِنْهَا) حَمْلُ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْهِبَةِ كَمَا هُوَ التَّفْسِيرُ
الثَّانِي الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ شِعْرُ شَاعِرِ الْأَنْصَارِ قَالُوا فَكَأَنَّهُ رَخَّصَ لِمَنْ وَهَبَ ثَمَرَ نَخْلَةٍ لِرَجُلٍ وَلَمْ يَقْبِضْ أَنْ يُعْطِيَهُ عِوَضَ ذَلِكَ تَمْرًا وَيَرْجِعُ فِيهَا وَسَمَّاهُ بَيْعًا لِأَنَّ مَا دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ التَّمْرِ كَالْعِوَضِ عَمَّا وَهَبَ بِهِ فتحمل
الْعَرِيَّةُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْبَيْعُ عَلَى الْمَجَازِ وَاخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا فِي الرُّخْصَةِ فَقِيلَ إنَّهَا عَائِدَةٌ إلَى الْمُعْرِي لِأَنَّهُ وَعَدَ فَأَخْلَفَ قَالَ الدَّيْنِينِيُّ (1) الْحَنَفِيُّ يُعْزَى ذَلِكَ إلَى عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَقِيلَ إنَّهَا عَائِدَةٌ إلَى الْمُعْرَى لِأَنَّهُ أَخَذَ الْعِوَضَ عَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ قَالُوا وَأَنْتُمْ تَحْمِلُونَ الْبَيْعَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْعَرِيَّةَ عَلَى الْمَجَازِ وَهَذَا مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْعَرِيَّةِ تَفْسِيرَيْنِ فَلَا مَجَازَ وَلَوْ سَلَّمَ لَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ لِوُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الْبَيْعُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى أَيْضًا بَيْعًا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الرُّخْصَةَ لا تكون إلا عن خطر والخطر فِي الْبَيْعِ لَا فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ (والثالث) أنه قدر
(1) كذا بالاصل فحرر
بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَمَا قَالُوهُ لَا يَخْتَصُّ (وَالرَّابِعُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ وَاعْتَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِالْخَرْصِ وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ فَعَلَى النَّخْلِ أَوْلَى لانه أقرب إلى الغرور (وأجاب) المصنف في النكت بأنه هنا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَفِي الْأَرْضِ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَ الرُّطَبَ مَعَ النَّاسِ.
وَقَدْ يَجُوزُ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ مَعَ قلة الغرر لعدم الحاجة كما قالوا فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ يَجُوزُ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَلَا يَجُوزُ الْحَالُّ مَعَ قِلَّةِ الْغَرَرِ وَقَالَ الشَّيْخُ وَلِأَنَّ فِي الْأَرْضِ لَمْ يُجْعَلْ الْخَرْصُ طَرِيقًا لِمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ وَفِي الشَّجَرِ جُعِلَ الْخَرْصُ طريقة لمعرفة المقدار ويعرف بها التَّسَاوِي فِي حَالِ الِادِّخَارِ وَهَذَا الْجَوَابُ مِنْ المنصف يَقْتَضِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِي الْأَرْضِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَسَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَيُبْطِلُهُ اسْتِثْنَاؤُهَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُحْتَجْ إلَى الخرص واعتلو أيضا بأمور أخر لامتعلق لَهُمْ بِهَا (وَأَمَّا) مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ وَإِنْ وَافَقَ عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ يُفَسِّرُ الْعَرَايَا بِتَفْسِيرٍ أَخَصَّ مِمَّا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ
أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ تَمْرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخْلَاتٍ ثُمَّ يَتَضَرَّرُ بِمُدَاخَلَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَشْتَرِيهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَهَذِهِ الصُّورَةُ عِنْدَنَا مِنْ جُمْلَةِ الْعَرَايَا لَكِنَّ الْخِلَافَ مَعَهُ فِي قَصْرِهَا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْبُسْتَانِ إلَّا بِعَرَضٍ أَوْ نَقْدٍ وَنَحْنُ نَقُولُ يَجُوزُ وَقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ نَسِيئَةً وَزَادَ حَتَّى قَالَ لَا يَجُوزُ نَقْدًا على ما يحكى عَنْهُ وَعَلَى هَذَا لَا تَبْقَى صُورَةٌ فِي الْعَرَايَا يَحْصُلُ فِيهَا اتِّفَاقٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ لِأَنَّ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ نُجِيزُهُ نَحْنُ نَقْدًا ولا نجيزه نسيئا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَجَوَّزَ شِرَاءَهَا لِمُعْرِيهَا وَلِوَرَثَتِهِ وكذلك يجوز عنده شراء ثمرة نحلة أَصْلُهَا لِغَيْرِهِ فِي حَائِطِهِ قَالَ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ وَلَكِنَّهُ مَوْضِعُ تَخْفِيفٍ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ جَبْرًا وَيُجْرِيهِ مَجْرَى الشُّفْعَةِ خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَاخْتَلَفَتْ الْمَالِكِيَّةُ فِي عِلَّةِ الْجَوَابِ فِي مَنْعِهَا مِنْ الْمُعْرَى فَقِيلَ لِوَجْهَيْنِ أم لِدَفْعِ ضَرَرِ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ أَوْ لِمِرْفَقٍ فِي الْكِفَايَةِ وَقَالَ بَعْضُ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ رحمه الله لَا يَجُوزُ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ خَاصَّةً وَأَنَّهُ إذَا أَعْرَى خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْضَ عَرِيَّتِهِ لِأَنَّ الضرر الذى أرخص به قائم قاله قَالَهُ فِي تَهْذِيبِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَوَافَقْنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي جُمْلَةِ قَوْلِنَا في بيع العرايا ثم عاد فقال لاتباع إلَّا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي أَعْرَاهَا إذَا تَأَذَّى بِدُخُولِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ بِتَمْرٍ إلَى الْجَذَاذِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه كَمَا عَلَيْهِ أَجَلُهَا فَتَحِلُّ لِكُلِّ مُشْتَرٍ وَلَا أُحَرِّمُهَا فَنَقُولُ قَوْلَ مَنْ حَرَّمَهَا وَزَادَ فَقَالَ تُبَاعُ بِتَمْرٍ نَسِيئَةً وَالنَّسِيئَةُ عِنْدَهُ فِي الطَّعَامِ حَرَامٌ وَزَادَ أَنَّ أَجَلَهَا إلَى الْجَذَاذِ فَجَعَلَ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لِأَنَّ الْجَذَاذَ مَجْهُولٌ وَاحْتَجَّ الْمُنْتَصِرُونَ لِمَالِكٍ رحمه الله فِي تَفْسِيرِ الْعَرِيَّةِ بِذَلِكَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ كَانَتْ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
تعليقا عن محمد بن اسحق وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا بِمَا شَاءُوا مِنْ التَّمْرِ وَبِشِعْرِ شَاعِرِ الْأَنْصَارِ الْمُتَقَدِّمِ (قُلْتُ) وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُمْ مَا هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَعَلَّقُوا بِهِ فَمِنْ ذَلِكَ وهو الْحَدِيثُ الَّذِي تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَرَايَا النخلة والنخلتين يوهبان للرجل فيبيعانها بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ أَنَّ الْوَاهِبَ هُوَ الَّذِي يَبْتَاعُ كَمَا تَقَدَّمَ
وَكَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَيَشْهَدُ لِتَأْوِيلِ مَالِكٍ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَرِيَّةَ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُتَدَاوَلَةٌ بَيْنَهُمْ وَقَدْ نَقَلَهَا مَالِكٌ هَكَذَا
(وَالثَّانِي)
قَوْلُهُ رُخِّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِاخْتِصَاصِهِ بِصِفَةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ وَهِيَ الْهِبَةُ الْوَاقِعَةُ (قُلْتُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَحَدِ شُيُوخِ مَالِكٍ وَهُوَ أَيْضًا مَدَنِيٌّ عَالِمٌ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ الْعَرِيَّةُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ تَمْرَ النَّخَلَاتِ بِطَعَامِ أَهْلِهِ رُطَبًا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ الْهِبَةَ هِيَ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ مُخْتَصَّةٌ بِمُشْتَرِي الْعَرِيَّةِ لَا بِبَائِعِهَا فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ رُخِّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أن يشتريها والحديث إنما قال أن بيعها وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثابت الذى ذكرته لهم فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدْفَعُ قَوْلَنَا وَنَحْنُ
نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَرِيَّةَ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ حَاصِلٌ فِيهَا وَهُوَ كَوْنُهَا مُفْرَدَةً وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يَقَعُ الْإِفْرَادُ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَلِذَلِكَ جَاءَتْ الرُّخْصَةُ لِأَصْحَابِ الْعَرَايَا عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ مُعْرِيهَا بَلْ أَطْلَقَ فَيَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ شَاءَ وَلِهَذَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا فَقَوْلُهُ أَهْلُ الْبَيْتِ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ فِي شئ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِبَيْعِهَا مِنْ الْمُعْرِي فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ الْبَيْعِ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَلَا يَضُرُّنَا أَنْ نُسَلِّمَ أَنَّ أَصْحَابَ الْعَرَايَا هُمْ الذين وهبت له النخلات وردت الرُّخْصَةُ لَهُمْ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ قُلْتَ) فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ الرُّخْصَةُ لِلْبَائِعِ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الرُّخْصَةَ لِلْمُشْتَرِي الَّذِي لانقد بِيَدِهِ رَخَّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرُّطَبَ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ بِالتَّمْرِ (قُلْتُ) الرُّخْصَةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَخَّصَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَ كَذَلِكَ وَرَخَّصَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ لِأَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَسَبَبُ الرُّخْصَةِ فِي حَقِّهِ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
حَاجَةُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي لارطب عِنْدَهُ أَعْنِي الَّذِي تَقْتَضِي الْعَادَةُ أَنَّهُ يَطْلُبُ شِرَاءَ الرُّطَبِ وَيُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا)
(وَالثَّانِي)
أَنَّ أَصْحَابَ الْعَرَايَا هُمْ الْمَسَاكِينُ الَّذِينَ وُهِبَتْ مِنْهُمْ وَظَاهِرُ حَالِهِمْ الْحَاجَةُ وَقَدْ لَا تَصْبِرُ النَّفْسُ عَلَى أَكْلِ الرُّطَبِ دَائِمًا وَتَطْلُبُ التَّمْرَ الَّذِي هُوَ الْقُوتُ الْمُعْتَادُ عِنْدَهُمْ وَلَا كَذَلِكَ أَصْحَابُ النَّخِيلِ الَّذِينَ
لَيْسُوا مِنْ الْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُمْ مُسْتَغْنُونَ عَنْ الْبَيْعِ فِي الْحَالِ جُمْلَةً وَظَاهِرُ حَالِهِمْ الْغِنَى عَنْ شِرَاءِ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ مَعًا فَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَدَتْ الرُّخْصَةُ فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْعَرَايَا لِأَنَّهُمْ مَظِنَّةُ الْبَيْعِ لَا لِأَنَّ فِيهِمْ
مَعْنًى مُصَحِّحًا لِلْبَيْعِ لَيْسَ فِي غَيْرِهِمْ فَأَصْحَابُ الْعَرَايَا هُمْ الْبَائِعُونَ وَالْمُشْتَرَى لَمْ يَرِدْ فِي شئ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِيهِ تَقْيِيدٌ إلَّا فِي حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ زَيْدٍ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَاوِيجِ وَلَيْسَ أُولَئِكَ بِمَقْصُودِينَ بِأَصْحَابِ الْعَرَايَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّا يَبْعُدُ مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ ضَرَرِ الْمُدَاخَلَةِ لَمْ تَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَمَا فَوْقَهَا وَقَدْ سَلَّمَتْ الْمَالِكِيَّةُ اخْتِصَاصَهَا بِالْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
واشترط الحرقى مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ كَوْنَ الْعَرِيَّةِ مَوْهُوبَةً مِنْ بَائِعِهَا كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَالظَّاهِرُ عِنْدَهُمْ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ جَمَعَ الْمَاوَرْدِيُّ مُرَجِّحَاتِ الْمَذْهَبِ فِي خَمْسَةِ أَوْجُهٍ اسْتِثْنَاؤُهَا عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَإِثْبَاتُهَا بِلَفْظِ الرخصة المشعر بتقدم الخطر وَبِلَفْظِ الْبَيْعِ الْمُقْتَضِي عِوَضَهَا وَاعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ بِالْخَرْصِ وَتَقْدِيرُهَا بِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ وَبَسْطُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّنَّةِ وَلَا قِيَاسَ فِيهَا يُتَعَوَّلُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّصْوِيرِ شُرُوطًا كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ (أَحَدُهَا) أَنْ يَخْرُصَ مَا عَلَى النَّخِيلِ مِنْ الرُّطَبِ أَيْ رطبا ويخر ص ما يجئ مِنْهُ إذَا جَفَّ فَيَأْتِي الْمُتَبَايِعَانِ إلَى النَّخْلِ ويحررانها ويقولا فِيهَا الْآنَ وَهِيَ رُطَبُ سِتَّةِ أَوْسُقٍ مَثَلًا وَإِذَا يَبِسَتْ وَجَفَّتْ صَارَتْ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ فَتُبَاعُ بِأَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ تَمْرًا فَإِنْ زَادَهُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ مدا أو نقصه مدالم يَجُزْ لِظُهُورِ التَّفَاضُلِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الرُّطَبِ الْآنَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَمَّا خَرْصُهُ رطبا فلابد منه وان يخرص ما يجئ منه جافا فسيأتي فيه شئ عَنْ أَحْمَدَ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ مِمَّا نَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كيفية الخرص مستوفى في بَابِ زَكَاةِ النَّبَاتِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الذى يباع به معلوما بالكبل لقوله ثم يبيع ذلك بقدره وهذا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ
بِإِبَاحَةِ بَيْعِ الْعَرَايَا وَمُسْتَنَدُهُ حَدِيثُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ جَمِيعًا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ ابْنُ إدْرِيسَ لَا يَكُونُ إلَّا
بِالْكَيْلِ مِنْ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ لَا يَكُونُ بِالْجُزَافِ وَمِمَّا يُقَوِّيهِ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِالْأَوْسُقِ الْمُوسَقَةِ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَوْسُقَ لَا تَكُونُ إلَّا كَيْلًا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ سَقَطَ فِي أَحَدِهِمَا لِلتَّعَذُّرِ فَيَجِبُ فِي الْآخَرِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ تُرِكَ الْكَيْلُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَفِي تَرْكِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا تَقْلِيلُ الْغَرَرِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّطْوِيلِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تَمْرٍ جُزَافًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَابْنُ إدْرِيسَ الَّذِي نَقَلَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ وَعَلَى ذِهْنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ إنَّهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَحْضُرْنِي مَوْضِعُهُ الْآنَ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بقدر ما يجئ مِنْهُ تَمْرًا وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الرُّطَبِ الْآنَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَمَا تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْعَرَايَا وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ بِخَرْصِهَا رُطَبًا وَيُعْطَى تَمْرًا خِرْصَهُ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْهُمْ وَهَذَا يَحْتَمِلُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَشْتَرِيهَا بِتَمْرٍ مِثْلِ الرُّطَبِ الَّذِي عَلَيْهَا لِأَنَّهُ بَيْعٌ اُشْتُرِطَتْ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ فَاعْتُبِرَتْ حَالَ الْبَيْعِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ وَلِأَنَّ الاصل اعتبار المماثلة في حال وَأَنْ لَا يُبَاعَ الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ خُولِفَ الْأَصْلُ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى قِصَّةِ الدَّلِيلِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ خِلَافُ هَذَا وَالْجَوَابُ عَنْ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يَخْفَى وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ يَكُونُ خَرْصُهَا تَمْرًا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ عِنْدَهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خَرْصِ الثِّمَارِ فِي الْعَشْرِ وَالصَّحِيحُ ثَمَّ خَرْصُهُ تَمْرًا (الرَّابِعُ) أَنْ يَتَقَابَضَا فَمَتَى تفرقا قبل
التَّقَابُضِ فَسَدَ الْعَقْدُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَصْحَابُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ وَالتَّقَابُضُ فِي التَّمْرِ ظَاهِرٌ بِالْكَيْلِ وَالنَّقْلِ (وَأَمَّا) في الرطب الذى على النخيل فَبِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُشْتَرَى وَبَيْنَ النَّخْلَةِ هَكَذَا نَصَّ الشافعي والاصحاب وَهَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلِيُسَلِّمَ إلَيْهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ ولايجوز الْبَيْعُ فِيهَا حَتَّى تُقْبَضَ النَّخْلَةُ بِثَمَرِهَا وَيَقْبِضَ صَاحِبُ النَّخْلَةِ التَّمْرَ بِكَيْلِهِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حِكَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ مَالِكٍ جَوَازُ ذَلِكَ إلَى الْجَذَاذِ وَبَحْثُهُ فِي ذَلِكَ كَافٍ وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الِاكْتِفَاءَ بِالتَّخْلِيَةِ إذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ وَهُوَ أن التمرة تكون من ضمان البائع إلى أن (1) الْقَطْعُ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ التَّمْرِ عِنْدَ تَمْرِ النخيل بل لو تبايعا بعد رؤية
التمرة وَالثَّمَرَةِ ثُمَّ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ ثُمَّ مَشْيًا إلَى التَّمْرِ فَسَلَّمَهُ جَازَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ قَالَ الرافعى ويشترط في هذه المدة أن لايفترقا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِذَا افْتَرَقَا لَزِمَتْ الْعَرِيَّةُ وَلَا خِيَارَ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْتَنِيَ ثَمَرَةَ النَّخْلَةِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ عِنْدَ إدْرَاكِهَا (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الرُّطَبَ عَلَى الْأَرْضِ بِالتَّمْرِ هل يجرى حكم العرايا فيه فيصبح فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونِهَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ لا خلاف على المذهب أنه يَجُوزُ لِأَنَّ مَعْنَى الْعَرَايَا لَا يُوجَدُ فِيهِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ كَثِيرُونَ وَقَدْ حُكِيَ فِي طَرِيقِ الْمَرَاوِزَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْإِمَامُ وَأَمَّا الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسَةِ فَلَا يَصِحُّ جَزْمًا وَقَدْ تقدم التنبيه على ذلك.
(1) بياض بالاصل فحرر
(فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إذَا اشْتَرَى الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ يَعْنِي فِي الْعَرَايَا فَإِنْ أَكَلَ الرُّطَبَ وَلَمْ يُجَفِّفْهُ فَالْعَقْدُ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ جَفَّفَهُ فَكَانَ بِقَدْرِ التَّمْرِ أَوْ كَانَ التَّفَاوُتُ بقدر مابين الْكَيْلَيْنِ فَالْعَقْدُ نَافِذٌ وَإِنْ ظَهَرَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ ظاهر يحكم ببطلان العقد مَا يُوجِبُ الْفَسَادَ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمُتَوَلِّي وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَهُ بعد السؤال في الدرس وفيه أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْكَثِيرِ بِقَدْرِ الْقَلِيلِ وَلِمُشْتَرِي الكثير الخيار حكاه البغوي والرافعي.
(فرع)
يجوزأن يَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الذِّمَّةِ فَيَقُولُ بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذِهِ النَّخْلَةِ بِكَذَا وَكَذَا مِنْ التَّمْرِ وَيَصِفُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَكِيلُ مِنْ التَّمْرِ بِقَدْرِ خَرْصِهَا ثُمَّ يَقُولُ بِعْتُكَ هَذَا بِهَذَا فَإِنْ بَاعَهُ بِمُعَيَّنٍ فَقَبَضَهُ بِنَقْلِهِ وَإِنْ باعه بموصوف فقبضه باكتياله ولا يَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَيْضًا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى والحائجة في العرايا والبيع غيرهما سَوَاءٌ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَا تَجُوزُ العرية الافيما بَدَا صَلَاحُهُ بُسْرًا كَانَ أَوْ رُطَبًا فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى اشْتِرَاطِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَعَلَى أَنَّ حُكْمَ الْبُسْرِ حُكْمُ الرُّطَبِ وَقَلَّ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَعَلَّلَ الرُّويَانِيُّ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْبُسْرِ كَالرُّطَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ
تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الطَّلْعِ بِالتَّمْرِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ هُنَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ هناك ومتى جاز فيها بطريق أولى.
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وهل يجوز للاغنياء فيه قولان
(أحدهما)
لا يجوز وهو اختيار المزني لان الرخصة وردت في حق الفقراء والا غنياء لا يشاركونهم في الحاجة فبقى في حقهم على الحظر
(والثانى)
أنه يجوز لما روى سهل بن أبى حثمة قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر الا أنه رخص في العرايا أن تبتاع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا ولم يفرق ولان كل بيع جاز للفقراء جاز للاغنياء كسائر البيوع) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ سَهْلٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُمَا وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا وَلَفْظُ مُسْلِمٍ قَرِيبٌ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ زِيَادَةٌ وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَعَنْ كُلِّ تمر بخرصه بعد قَوْلِهِ الْعَرَايَا.
وَاللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَفْظُ رواية الشافعي كذلك عَنْهُ فِي السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ فِي السُّنَنِ الْعَرَايَا وَفِي الْمُسْنَدِ الْعَرِيَّةُ وَفِيهِمَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا وَالْأَهْلُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا هُمْ الْمُشْتَرُونَ بِلَا شَكٍّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْأُخْرَى يَبِيعُهَا أَهْلُهَا فَجَعَلَ الْأَهْلَ بَائِعِينَ وَيَصِحُّ إطْلَاقُ الْأَهْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَهُ لَكِنَّ قَوْلَهُ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا لَا يصلح أَنْ يَعُودَ عَلَى الْأَهْلِ الْبَائِعِينَ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا بَلْ يَأْخُذُونَ الثَّمَنَ فَهُوَ عَائِدٌ على معلوم في النفس وان لم يجرى لَهُ ذِكْرٌ أَيْ يَأْكُلُهَا الَّذِينَ يَبْتَاعُونَهَا رُطَبًا وَقَدْ يَتَعَسَّفُ مُتَعَسِّفٌ فَيَجْعَلُ الْأَهْلَ فِي قَوْلِهِ يَبِيعُهَا أَهْلُهَا مَنْصُوبًا وَيَكُونُوا مُشْتَرِينَ لَا بَائِعِينَ أَيْ يَبِيعُهَا مِنْ أَهْلِهَا وَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ بَاعَ لَا يتعدى إلى مفعولين لنفسه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْخِرْصُ بِالْكَسْرِ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (وأما) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِيهَا طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِعُمُومِ الرُّخْصَةِ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَنَسَبَهَا الْمَاوَرْدِيُّ إلى جمهور الاصحاب وهى الظاهرة مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِيَةُ) فِيهَا قَوْلَانِ وَهِيَ التى
أَوْرَدَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْعِمْرَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا نظر إلى حديث محمود قد تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لَكِنِّي وَجَدْتُ عَلَى حَاشِيَةِ نُسْخَةِ شَيْخِنَا الدِّمْيَاطِيِّ مِنْ المهذب إشارة بخط غيره تقتضي نسبة ذلك إلى مسند أحمد فعلى هذا لاغنياء لا يُشَارِكُونَهُمْ فِي ذَلِكَ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُزَابَنَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الثَّابِتُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَلَمْ أَرَ هَذَا الْقَوْلَ مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَكِنَّ الْمُزَنِيَّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ اخْتَلَفَ مَا وَصَفَ الشافعي في العرايا قال لم الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أو أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمُحْتَاجُونَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ وَإِنَّمَا الشَّافِعِيُّ تَكَلَّمَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ ذَلِكَ فِي الْوَاهِبِ يَشْتَرِي الرُّطَبَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالتَّمْرِ فَقَالَ لَا يُمْكِنُكَ عَلَى هَذَا اسْتِعْمَالُ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ (يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا (لِأَنَّ من يشترى الرطب على هذ الْوَجْهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِيَأْكُلَهُ مَعَ النَّاسِ فَإِنَّ جَمِيعَ بُسْتَانِهِ الرُّطَبُ وَإِنَّمَا يَشْتَرِيهِ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْمَضَرَّةَ بِدُخُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى عِيَالِهِ وَالْخَبَرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِيَأْكُلَهُ مَعَ النَّاسِ فَقَصَدَ هَذَا دُونَ تَخْصِيصِ أَهْلِ الْحَاجَةِ بِاتِّبَاعِ ذَلِكَ وَمَنْعِ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ صَحِيحٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُزَنِيَّ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَالْإِمْلَاءِ وَاَلَّذِي فِيهِمَا مَا ذُكِرَ دُونَ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِقَوْلِ الْجَوَازِ وَلَا يُعْزَى لِلشَّافِعِيِّ غَيْرُهُ وَيُجْعَلُ قَوْلُ الْمَنْعِ مَذْهَبًا لِلْمُزَنِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الْأَغْنِيَاءُ لَا يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْحَاجَةِ عَلَى امْتِنَاعِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ في العلة لا لاجل ذَلِكَ وَارِدًا عَلَى سَبِيلِ الرُّخْصَةِ فَإِنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ الْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ إذَا حَصَلَ
الِاشْتِرَاكُ فِي الْعِلَّةِ كَغَيْرِهَا وَسَيَأْتِي فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا يَظْهَرُ بِهِ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَقَدْ تَلَقَّنَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْأَصْحَابِ فَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ وَنَظَرَ فِيهِ لى حدوث محمود ابن لَبِيدٍ عَنْ زَيْدٍ مَعَ أَصْلٍ سَنَذْكُرُهُ عَنْهُ وَجَوَابُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاَلَّذِي أَذْهَبُ لَهُ أَنْ لَا بَأْسَ
أَنْ يَبْتَاعَ الرُّطَبَ لِلْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَإِنْ كَانَ مُؤَبَّرًا وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَمَاعَةً جَزَمُوا بِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ سُلَيْمٌ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرُهُ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فَإِنَّهُ لم يفرق بين الفقراء والاغنياء لارحامه صلى الله عليه وسلم فِي الْعَرَايَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالضَّرُورَةِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الرُّطَبَ شَهْوَةً وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الضَّرُورَةُ لَرَخَّصَ فِي صَاعٍ وَنَحْوِهِ بِمَا يُزِيلُهَا وَقَدْ أُبِيحَ أَكْثَرُ مِنْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَتْ الرُّخْصَةُ مُطْلَقَةً فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مُقَيَّدَةً فِي بَعْضِهَا فَهَلَّا حَمَلْتُمْ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ (قُلْتُ) لَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ وَالتَّقْيِيدَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ فَإِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مُطْلَقٌ ولفظ مقيد بقيد لفضى فَهُوَ الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِشَرْطِهِ وَأَمَّا هُنَا فَلَيْسَ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ ذِكْرُ قَيْدِ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا رَخَّصَ لِأَقْوَامٍ وَقَرِينَةُ الْحَالِ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَسُؤَالُهُمْ يَقْتَضِي
أَنَّ عِلَّةَ الرُّخْصَةِ لَهُمْ الْحَاجَةُ فَإِذَا وَرَدَ التَّرْخِيصُ مُطْلَقًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَجِبْ تَقْيِيدُهَا بِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي ظَنَنَّاهُ وَهُوَ الْحَاجَةُ لَيْسَ مُعْتَبَرًا بَلْ كَانَتْ الرُّخْصَةُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْوَاقِعَةِ وَغَيْرُهُمْ فِي حُكْمِهِمْ وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ حَاجَتُهُمْ اقْتَضَتْ مَشْرُوعِيَّةَ ذَلِكَ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ فَإِنَّ الْحُكْمَ قَدْ ثَبَتَ عَامًّا لِمَعْنًى مَوْجُودٍ فِي بَعْضِ النَّاسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) وَالْمُرَادُ إمَّا الصَّحَابَةُ وَالْعَرَبُ وَإِمَّا النُّفُوسُ الْكَرِيمَةُ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ فَمَا تَنْفِرُ عَنْهُ طِبَاعُهُمْ فَهُوَ الْخَبَائِثُ وَمَا تَمِيلُ إلَيْهِ فَهُوَ الطَّيِّبَاتُ وَغَيْرُهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ ثَابِتًا لِعِلَّةٍ تُوجَدُ فِي الْكَثِيرِ قَطْعًا وَتُعْدَمُ فِي الْقَلِيلِ قَطْعًا كَالْإِسْكَارِ وَقَدْ يَكُونُ ثَابِتًا لِعِلَّةٍ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ زَالَتْ كَالرَّمَلِ الْمَشْرُوعِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (1) وَبَقَاءُ هَذَا الْحُكْمِ لِسَبَبٍ يَخْلُفُ ذَلِكَ السَّبَبَ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّا نَتَذَكَّرُ فِي زَمَانِنَا سَبَبَ هَذَا الْفِعْلِ لِأَنَّ النَّفْسَ طَالِبَةٌ لِلتَّعْلِيلِ فَنَطَّلِعُ عَلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ فَنَعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَثَّرَنَا بَعْدَ الْقِلَّةِ وَأَعَزَّنَا بَعْدَ الذِّلَّةِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَنَتَذَكَّرُ أَحْوَالَ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَاءَتْ اسْتِطْرَادًا (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يَرِدْ أَيْضًا لَفْظٌ مُطْلَقٌ فِي الرُّخْصَةِ مِنْ الشَّارِعِ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِهِ وَإِنَّمَا الْأَلْفَاظُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ كُلُّهَا مِنْ الرُّوَاةِ يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ
فِي العرايا وهذه حكاية حال لاعموم فِيهَا وَلَا إطْلَاقَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بتلك الرخصة التى صدرت
(1) بياض بالاصل
منه صلى الله عليه وسلم للمحلويج وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِهَا لِغَيْرِهِمْ (قلت) الجواب من وجهين
(أحدهما)
أن المتعمد فِي الْأُصُولِ أَنَّ الرَّاوِيَ إذَا حَكَى وَاقِعَةً حَكَى وَاقِعَةً بِلَفْظٍ عَامٍّ كَقَوْلِهِ نَهَى عَنْ الْغَرَرِ وَقَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنَّ الْحُجَّةَ فِي الْمَحْكِيِّ وَالْحِكَايَةِ مَعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ قِصَّةَ الْمَحَاوِيجِ لَمْ يَجُزْ حِكَايَتُهَا بِلَفْظِ الْعُمُومِ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ فِي عَرَايَا خَاصَّةٍ لَا فِي كُلِّ الْعَرَايَا فَلَمَّا أَتَى الرَّاوِي بِلَفْظٍ عَامٍّ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَجَبَ اعْتِقَادُ أَنَّ الْمَحْكِيَّ مُطَابِقٌ لَهُ فِي العموم
(والثانى)
أن معنا ههنا قَرِينَةً تُرْشِدُ إلَى أَنَّ الْقِصَّةَ الْمَنْقُولَةَ غَيْرُ قِصَّةِ الْمَحَاوِيجِ وَهُوَ قَوْلُهُ رُخِّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ وَتِلْكَ الرُّخْصَةُ لَمْ تَكُنْ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ بَلْ لِلْمَحَاوِيجِ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفَرَائِضِ قَدْ نَزَلَتْ بِأَسْبَابِ قَوْمٍ فكان لهم وللناس عامة إلا مابين اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أُحِلَّ لِضَرُورَةٍ أَوْ خَاصَّةٍ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ ابْتِيَاعُهُ لِلْفَقِيرِ جَازَ لِلْغَنِيِّ كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه قَطَعَ الْقَوْلَ بِالتَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ الْمِقْدَارِ ولم يعتبر التقييد المذكورة من السبب في الحديث
محمود فلابد من التسوية أو الفرق ويعني ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي دَعْوَى التَّقْيِيدِ بِالْفُقَرَاءِ وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْمِقْدَارِ فَلِأَنَّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كَانَ التَّقْيِيدُ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَمَلْنَا الْمُطْلَقَ عَلَيْهِ وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْمَحَاوِيجِ فَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَإِنْ قُلْتَ) قد قَرَّرْت أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ قَوْلَهُ رُخِّصَ فِي الْعَرَايَا وَأَمْثَالَهُ عَامٌّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِالْمِقْدَارِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذِكْرًا لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْعُمُومِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فَتَبْقَى الرُّخْصَةُ عَلَى عُمُومِهَا (قُلْتُ) هَذَا غَيْرُ سُؤَالِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أحدهما)
أن التخصيص ليس
بذكرا بعض الْأَفْرَادِ بَلْ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أوسق أو خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَالْمَفْهُومُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ (وَالثَّانِي) أَنَّا لو أبحنا العرايا في القليل والكثير لزل تَحْرِيمُ الْمُزَابَنَةِ وَجَمِيعُ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ تَقْتَضِي وُرُودَهَا في شئ وَلَفْظُ الْعَرِيَّةِ يَنْزِلُ عَلَى انْفِرَادِهَا عَنْ سَائِرِ الْأَشْجَارِ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْقِلَّةِ وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ الرطب بالتمر فلابد مِنْ الرُّجُوعِ إلَى مِقْدَارٍ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَعْمِيمِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ فَلَمْ يَصُدَّنَا عَنْهُ صَادٌّ وَلَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَقُولُ فِي الْأُصُولِ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَنْ
لا يحمله ههنا وَتَبْقَى الرُّخْصَةُ عَلَى عُمُومِهَا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (قلت) يصدعن ذَلِكَ الْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ الْآنَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَذَاهِبَ الثَّلَاثَةَ الْقَائِلِينَ بِالْعَرَايَا مُتَّفِقُونَ عَلَى الْمُقَيَّدِ هَذَا كُلُّهُ مَعَ مَا فِي حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ زَيْدٍ الَّذِي يَتَمَسَّكُ بِهِ فِي الِاخْتِصَاصِ بِالْفُقَرَاءِ مِنْ عَدَمِ الِاتِّصَالِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبَنَى الْغَزَالِيُّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْخَرْصَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ يُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ أَوَ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَتَّبِعُ مَوْرِدَ النَّصِّ فَعَلَى الْأَوَّلِ نلحق الاغنياء بهم وعلى الثاني تتردد وَهَذَا كَمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْإِمَامِ فِي إلْحَاقِ بَقِيَّةِ الثِّمَارِ بِالرُّطَبِ وَالْبِنَاءُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى هُنَاكَ مُتَّجَهٌ وَأَمَّا هُنَا فَبَعِيدٌ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بَنَاهُ فِي السِّلْسِلَةِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي سَيَحْكِيهِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْعَرَايَا هَلْ أُحِلَّتْ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْمُزَابَنَةِ أَمْ لَمْ تَدْخُلْ فِي التَّحْرِيمِ أَصْلًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَمَا ضَابِطُ الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ أَكْثَرُهُمْ لِذَلِكَ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ لَمَّا حَكَى الْقَوْلَيْنِ يختص ذلك بمن لانقد بِيَدِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ صَاحِبِ
التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ بَيْعُ الْعَرَايَا صَحِيحٌ مِنْ الفقراء الذين لانقد لَهُمْ يَشْتَرُونَ بِهِ الرُّطَبَ فَأَمَّا الْأَغْنِيَاءُ فَخِلَافٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ إلَّا لِلْمُعْرَى الْمُضْطَرِّ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يَمْنَعُوا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُمْ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا لِإِطْلَاقِ
الرُّخْصَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ مَتَى كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا وَمَعَهُ مِنْ التَّمْرِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْعَرِيَّةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ شِرَاؤُهَا بِالتَّمْرِ.
(فَرْعٌ)
لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا حَاجَةُ الْبَائِعِ إلَى الْبَيْعِ جَزْمًا خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَاشْتَرَطَتْ الْحَنَابِلَةُ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ أَنْ يَأْكُلَهَا أَهْلُهَا رُطَبًا فَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَصِيرَ تَمْرًا بَطَلَ الْعَقْدُ وَنَحْنُ نُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ وَاشْتَرَطَ الْخِرَقِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ كَوْنَهَا موهوبة من بائعها كما تقدم عن المالك وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا إذَا تَرَكَهَا حَتَّى صَارَتْ تمرا لافرق بَيْنَ تَرْكِهِ لِغِنَاهُ عَنْهَا أَوْ تَرْكِهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَخَذُوا فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا) وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ ذِكْرُ الْغَايَةِ الْمَقْصُودَةِ لَا الِاشْتِرَاطُ وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى مَا قَالُوهُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَأْكُلْهَا بَطَلَ الْعَقْدُ وَقَدْ سَلَّمُوا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِتَرْكِ الْأَخْذِ وَلَا يَبْطُلُ بِتَرْكِ الاكل بعد الاخذ فلو أخذها رطبا بتركها عِنْدَهُ أَوْ شَمَّسَهَا حَتَّى صَارَتْ تَمْرًا جَازَ عِنْدَهُمْ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ مَا اشْتَرَطُوهُ.
(فَرْعٌ)
تَلَخَّصَ مِمَّا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا حَاجَةُ الْبَائِعِ جَزْمًا وَلَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ
وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يُشْتَرَطُ حَاجَةُ الْبَائِعِ وَحْدَهُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ يُشْتَرَطُ حَاجَةُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ لِحَاجَةِ الْبَائِعِ أَيْضًا كَمَا يَجُوزُ لِحَاجَةِ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ الشَّرْطُ عِنْدَهُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ فَالْأَقْسَامُ الْمُمْكِنَةُ الْأَرْبَعَةُ كُلٌّ مِنْهَا قَالَ بِهِ قَائِلٌ وَمَجْمُوعُ الشُّرُوطِ الَّتِي وُجِدَتْ صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ القائلين بالعرايا حاجه الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَكَوْنِهَا مَوْهُوبَةً مِنْ الْبَائِعِ وَكَوْنِهَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَنْ يَأْخُذَهَا الْمُشْتَرِي رُطَبًا وان لا يَظْهَرُ نُقْصَانٌ يُوجِبُ التَّفَاوُتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ السِّتَّةُ صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ الْقَائِلِينَ بِالْعَرَايَا وَإِذَا وُجِدَ مِنْهَا الثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَالشَّرْطَانِ الْأَخِيرَانِ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِمَا حَالَةَ الْعَقْدِ بَلْ إذَا فقد ابعد ذَلِكَ فَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
هَلْ يَجُوزُ فِي الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعَ جزءا مشاعا أو مبهما مما النَّخْلَةِ بِالتَّمْرِ بِأَنْ يَخْرُصَ الْخَارِصُ أَنَّ كُلَّ وَسْقٍ مِمَّا عَلَيْهَا يَأْتِي إذَا جَفَّ نِصْفَ وَسْقٍ فَيَقُولُ وَسْقًا مِمَّا عَلَى النَّخْلَةِ بِنِصْفِ
وسق تمرا ويخرص جَمِيعَ مَا عَلَيْهَا فَيَقُولُ إنَّهُ يَأْتِي جَافًّا ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ فَيَبِيعُ نِصْفَهُ شَائِعًا بِأَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ تمرا لم أر في ذلك نقلا.
قال المنصف رحمه الله تعالى (وهل يجوز ذلك في الرطب بالرطب فيه ثلاثه أوجه
(أحدهما)
يجوز وهو قول أبى على بن خيران لما روى زيد بن ثابت قال رخص رسول صلى الله عليه وسلم في العرايا بالتمر والرطب ولم يرخص في غير ذلك
(والثانى)
لا يجوز وهو قول أبى سعيد الاصطخرى لما روى ابْنِ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال
لا تبايعوا ثمر النخل بثمر النخل ولان الخرص غرر وقد وردت الرخصة في جوازه في أحد العوضين فلو جوزنا في الرطب بالرطب لجوزنا في العوضين وذلك غرر كثير زائد على ما وردت فيه الرخصة فلم يجز كشرط الخيار فيما زاد على ثلاثه أيام (والثالث) وهو قول أبى اسحق أنه ان كان نوعا واحدا لم يجز لانه لا حاجه به إليه لان مثل ما يبتاعه عنده وان كان نوعين جاز لانه قد يشتهي كل واحد منهما النوع الذى عند صاحبه فيكون كمن عنده تمر ولا رطب عنده) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدٍ الْمَذْكُورُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَكِنَّ فِيهِ بَحْثٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَا فِيهِ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ هَكَذَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِهَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي وَلَا يكون للتخيير والرواية هكذا بأوفى الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدٍ لَكِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَاهُ مِنْ جِهَةِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدٍ أَيْضًا وَقَالَ فِيهِ بالرطب وبالتمر هَكَذَا بِالْوَاوِ فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَعُقَيْلٌ أَحْفَظُ مِنْهُ فَرِوَايَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ صَالِحٍ ثُمَّ وَجَدْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ نَافِعٍ مُتَّفِقَةً عَلَى التَّمْرِ كَأَحَدِ رِوَايَتَيْ سَالِمٍ فَرَجَّحْنَا ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ثُمَّ رَأَيْنَا الطَّبَرَانِيَّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ رَوَى رِوَايَةَ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ كَمَا رَوَاهَا النَّسَائِيُّ وَزَادَ فَرَوَاهَا أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ فِيهِ بالتمر والرطب كما قال المنصف وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِنْ كَانَ إمَامًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتْقِنٍ لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ كَإِتْقَانِ عُقَيْلٍ وَقَدْ تَابَعَ عُقَيْلًا عَلَى ذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَالزُّبَيْدِيِّ أَيْضًا وهو من جملة أصحاب
الزهري فقال رخص بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ الْيَابِسِ رَوَاهُ الطبري وهذا نص وتابعها مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ فِيهِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهَا مِنْ السُّنَنِ فَإِنَّهُ سَمِعَهَا وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ قَوِيَّةٌ مُقَاوِمَةٌ لِطَرِيقِ عُقَيْلٍ فَإِنَّ يُونُسَ فِي الزُّهْرِيِّ عَظِيمٌ ثُمَّ أَمْعَنْتُ الطَّلَبَ وَنَظَرْتُ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ ابن وهب الذى هو الاصل فان أباه دَاوُد رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ وَجَدْتُهُ فِيهِ بِالتَّمْرِ أو الرطب بألف ملحقة يخط كَاتِبِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ ذَكَرُوا رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ هَذِهِ مُسْتَدِلِّينَ بِهَا عَلَى الْجَوَازِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَكِنْ بِطَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عن خارجة بن زيد وففيه لا أدرى أذكره أَبَاهُ أَمْ لَا وَهَذَا يَقْتَضِي الشَّكَّ فِي اتِّصَالِهِ لَكِنَّ طَرِيقَهُ لَا تُقَاوِمُ طَرِيقَ أَبِي دَاوُد فَالرَّاجِحُ حِينَئِذٍ عَنْ خَارِجَةَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَبَعْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدٍ رَاجِحَةٌ عَلَى رِوَايَةِ خارجة عن زيد كمالايخفى مِنْ صُحْبَةِ ابْنِ عُمَرَ وَجَلَالَتِهِ وَكِبَرِهِ حِينَ سَمَاعِهِ وَخَارِجَةُ كَانَ عُمْرُهُ فِي زَمَنِ أَبِيهِ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إذَا صَحَّ ذَلِكَ عَنْ خَارِجَةَ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِصِحَّةِ اللَّفْظَيْنِ عَنْ زَيْدٍ وَيُحْمَلُ أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ وَيَكُونُ زَيْدٌ رضي الله عنه لَمَّا فَهِمَ ذَلِكَ
عَبَّرَ عَنْهُ تَارَةً بِأَوْ وَتَارَةً بِالْوَاوِ وَهَذِهِ أولى من أن يحكم على بعض الرواية بِالْوَهْمِ مَعَ ثِقَتِهِ وَجَلَالَتِهِ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ ابْنِ خَيْرَانَ بِهَا عَلَى الْجَوَازِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِالتَّعَارُضِ لِقُوَّةِ كُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَالشَّكُّ فِي ذَلِكَ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ الْبَابَ بَابُ رُخْصَةٍ فَمَتَى شَكَّ فِي شَرْطِهَا بَطَلَتْ وَأَمَّا تَرْجِيحُ رِوَايَةِ خَارِجَةَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ وَالْأَقْرَبُ الْحُكْمُ بِالتَّعَارُضِ أو ترجيح رواية ابن عمر من الطريق الْكَثِيرَةِ لِكَثْرَتِهَا وَاعْتِضَادِهَا بِرِوَايَةِ نَافِعٍ وَأَمَّا حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَيُبْعِدُهُ رِوَايَةُ
الزُّبَيْدِيِّ الْمُتَقَدِّمَةُ التى فيها تقييد التمر باليابس وذل يَقْتَضِي أَنَّ الرُّطَبَ بِخِلَافِهِ وَسَنَدُهَا فِي الطَّبَرَانِيِّ جيد ومن جملة المرجحات لحيديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما كَوْنُهُ ثَابِتًا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرِوَايَةُ خَارِجَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَنَدُهَا صَحِيحًا فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ فِي التَّرْجِيحِ يَسْلُكُهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ هَذَا مَا عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما الْمَذْكُورُ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ وَلَفْظُهُ لَا تَتَبَايَعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ تَمْرَ النَّخْلِ بتمر النخل واسناده فيه محمد ابن الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّقَفِيِّ لَمْ أَعْرِفْهُمَا وَقَالَ فِي مَعْرِفَةِ السنن والآثار هكذا روى مقيدا يعنى تمر النخل بتمر اللنخل فَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله عَلَى اللَّفْظِ الْأَخِيرِ وهو البذل وترك المبدل منه وهو قوله التمر بالثمر وَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى.
(وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ لَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ فَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الْبُخَارِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى التَّوَقُّفِ فِي هَذَا اللَّفْظِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِيهِمَا فَهُوَ عَلَى الْحَدِيثِ بدون الزيادة التى فيه مبنية بِالنَّخْلِ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الرطب بالرطب أي سواء كان على رؤوس النَّخْلِ فَبِيعَا خَرْصًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْأَرْضِ فَبِيعَ الَّذِي عَلَى النَّخْلِ خَرْصًا بِاَلَّذِي عَلَى الْأَرْضِ كَيْلًا فَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قاله القاضى
أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَالْأَقْرَبُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الرُّطَبُ على رؤوس النَّخْلِ بِالرُّطَبِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ قَالَ هل يجوز ذلك واشارة إلَى الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَصُورَتُهَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ ثُمَّ ذَكَرَ فَرْعَ جَرَيَانِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى وَالْأَوْجُهُ الْمَذْكُورَةُ مَشْهُورَةٌ حَكَاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وابن الصباغ وآخرون وليس الشافعي نَصٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنِ سُرَيْجٍ الْآتِي ذِكْرُهُ وَلَكِنَّهَا أَوْجُهُ للاصحاب (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا أَنْ يُبَاعَ الرُّطَبُ بالرطب خرصا فيهما سواء كانا نَوْعًا وَاحِدًا أَوْ نَوْعَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَهُ بِأَوْ وَكَأَنَّهُ اعْتَقَدَهَا لِلتَّخْيِيرِ وَقَدْ عَرَفْتَ الْجَوَابَ عَنْهُ جَوَابًا مُتْقَنًا مُحَرَّرًا
(وَالثَّانِي)
وهو الصحيح أنه لا يجوز مطلقا ولايجوز الا بالتمر وعراه الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وابن
الصباع والمصنف إلى الاصطخرى وقال المارودى إنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمَجْمُوعِ مَعَ ذَلِكَ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْمُزَابَنَةِ
إلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنْهُ وَالرُّخْصَةُ وَرَدَتْ مُقَيَّدَةً بِالتَّمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الاصل وهو التحريم والحديث الذى ذكرهه المصنف ان ثببت نَصٌّ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَالتَّمْثِيلُ بِالْأَصْلِ الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَأَيْضًا الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ الرِّبَوِيَّةِ التَّحْرِيمُ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمُصَنِّفُ رحمه الله لم لاسلك هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي سَلَكَهَا شَيْخُهُ وَهِيَ أَقْرَبُ مِمَّا سَلَكَهُ وَهُوَ التَّعْلِيلُ بِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّام فَإِنَّ التَّمَسُّكَ بِإِدْرَاجِهَا تَحْتَ نَصٍّ خَاصٍّ أَوْلَى مِنْ قِيَاسٍ مُسْتَنَدٍ إلَى نَصٍّ عَامٍّ (قُلْتُ) مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ تَقَدَّمَ أَنَّهَا مُفَسَّرَةٌ بِبَيْعِ الرُّطَبِ فِي رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ وَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ غَرَرًا وَأَحَقَّ بِالْبُطْلَانِ لَكِنْ يُمْكِنُ النِّزَاعُ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الْمُزَابَنَةِ نَصًّا وَإِنَّمَا يَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِهَا إمَّا بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَيَكُونُ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ عِنْدَ مَنْ يُقَارِنُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَالْقِيَاسِ شَرْطُهُ بَقَاءُ أَصْلِهِ فَمَتَى بَطَلَتْ دَلَالَةُ الاصل بطلت دلالة مفهومه والقياس عليه وههنا قد بطلت دلالة مفهومه والقياس عليه وههنا قَدْ بَطَلَتْ دَلَالَةُ الْأَصْلِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَيَتْبَعُهَا دَلَالَةُ الْمَفْهُومِ وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ العقد وان بقى في الزائد أَصْلِهِ فَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ
ذَلِكَ إلَى مَا ذَكَرَهُ وَيَحِقُّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُبَرَّزُ فِي عِلْمِ النَّظَرِ فَعَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ الْغَرَرِ وَيَجْعَلُ الرُّخْصَةَ الْوَارِدَةَ فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُسْتَثْنَاةً مِنْهُ وَلَا يَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهَا مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ نَوْعٌ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْ النَّوْعِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْجِنْسِ وَالْوَصْفُ المقتضى لا لحاقه بما زاد على الثلاثة مُرَكَّبٌ مِنْ شَيْئَيْنِ الْغَرَرِ وَكَوْنِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الرُّخْصَةِ وَأَحَدُهُمَا بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ كَافِيًا فِي التَّعْلِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِيمَا حَكَى الشَّاشِيُّ عَنْهُ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ
وَيَقْتَضِيه إيرَادُ الجرجاني (والوجه الثالث) وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ عَنْهُ فَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إنْ كَانَا نَوْعًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَا نَوْعَيْنِ يَجُوزُ كَالرُّطَبِ الْمَعْقِلِيِّ بِالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ وَالرُّطَبِ الْبَرْنِيِّ بِالتَّمْرِ الْمَعْقِلِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُ وَأَطْلَقُوا ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَا عَلَى النَّخْلِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ فِيمَا حَكَى عَنْهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ يجوز إذا كان الرطبان على رؤوس النَّخْلِ وَكَانَا نَوْعَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا على الارض لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا حَكَاهَا المحاملى من غير تعيين أبى اسحق قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْخَبَرُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ رُطَبًا عَلَى الشجر يأكله على مر الزمن
والرطب عَلَى الْأَرْضِ بَيْنَ أَنْ يَفْسُدَ وَبَيْنَ أَنْ يَجِفَّ وَزَادَ الْإِمَامُ عَلَى الْمَحَامِلِيِّ زِيَادَةً سَأَتَعَرَّضُ لَهَا فِي فَرْعٍ مُفْرَدٍ قَرِيبًا إنْ شَاءَ الله تعالى.
وقد احتج أبو إسحق لِقَوْلِهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّ طَعْمَ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ يُقَارِبُ طَعْمَ الآخر فلا تدعو الحاجة إلى إجازة وَرَوَى هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَوَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى الْأَرْضِ بِالرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ أَدْوَمُ نَفْعًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَا نَوْعًا أَوْ نَوْعَيْنِ وَيَجُوزُ مَا عَلَى النَّخْلِ بِمَا عَلَى النَّخْلِ إذَا كَانَا من نوعين ولايجوز إذَا كَانَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لِفَقْدِ الْفَائِدَةِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذ وقد رأيت في تعليق الطبري عن ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَطْلَقَ جَوَازَ بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى النخل بالرطب على الارض ولم يذكر إذَا كَانَا عَلَى النَّخْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَجُمْلَةُ الْأَوْجُهِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ وَقَدْ جَمَعَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهَا كَذَلِكَ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَمَا نَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَا نَوْعَيْنِ جَازَ إذَا كَانَ عَلَى النَّخْلِ وَلَكِنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ يُنَافِيهِ كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي جَرَيَانِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ فَإِنْ جَمَعْنَا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ جَاءَتْ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكَذَلِكَ فِعْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ
الشخص المنقول عنه واحد وهو أبو إسحق فَكَيْفَ يَحْكِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي
وَقْتَيْنِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافُ عِلَّةٍ مِنْ النَّاقِلِينَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَيَبْقَى تَجْوِيزُ النَّقْلِ أَنْ يَقُولَ قِيلَ كَذَا وَلَا يَقُولُ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُمَا وَجْهَانِ وَقَدْ نُقِلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ قِيلَ وَعَبَّرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ بِعِبَارَةٍ لَا تُوجَدُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ
(وَالثَّانِي)
إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْضُوعًا جَازَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الشَّجَرَةِ فَلَا وَهَذَا وَهْمٌ بِلَا شَكٍّ وَكَأَنَّهُ مَلَّ الْقَلَمَ فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَا عَلَى الشَّجَرِ جَازَ كَمَا هُوَ في النهاية فانقلب عليه هذا مالا أشك فيه وقال الجوزى إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ نَوْعٌ مِنْ الرُّطَبِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَوْعًا آخَرَ مِنْ الرُّطَبِ لَيْسَ عِنْدَهُ خَرْصًا كَالْعَرَايَا هَذَا جَوَابُ ابْنِ خَيْرَانَ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّافِعِيُّ لِهَذَا وَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ جَازَ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَذَكَرَ حَدِيثَ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ وَمِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كيسان وهذا من ابن سريج والجوزي موافقة بن خيران أو اسحق.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِالرُّطَبِ عَلَى الْأَرْضِ هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الخرص
أَوْ الْكَيْلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رضي الله عنه يَقْتَضِي أَنَّهُ الْكَيْلُ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الرُّطَبُ بِالْخَرْصِ بِالرُّطَبِ الموضوع بالارض بالخرص إذا نقص عن خمسة أوسق (فرع)
عَرَفْتَ أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَقَدْ شَذَّ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فَصَحَّحَ قول أبى اسحق أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا صَحَّ.
(فَرْعٌ)
إذَا كَانَ الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ كِلَاهُمَا عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يجز جزم بذلك صاحب الشامل وصاحب البحر وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ لِأَنَّهُ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ أَوْ الْفَسَادُ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ أَكْلُ الرُّطَبِ على الام وحكي القفل في شرح التخليص فِيهِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّ فِيهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي حِكَايَةِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ (الثَّالِثُ) الْفَصْلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرُّطَبَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ فَيَمْتَنِعَ أَوْ يَكُونَا عَلَى الشَّجَرِ فَيَجُوزَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَحَدَ الْأَوْجُهِ قَائِلٌ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا إذَا كَانَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَمْ أَجِدْ فِي طَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ مَنْ
نَصَّ عَلَى الْجَوَازِ فِيمَا إذَا كَانَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا حَكَى فِيهِ خِلَافًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي
طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَمِمَّنْ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ فِيهِ صاحب التتمة وإذا جوزنا ذلك يُبَاعُ خَرْصًا أَوْ كَيْلًا الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ القفال رضى الله عنه وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ قَالَ فَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ خَرْصًا وَهُمَا مَوْضُوعَانِ عَلَى الْأَرْضِ أو بيع الرطب على رؤس الشَّجَرِ بِالرُّطَبِ خَرْصًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِيهِ وَجْهَانِ خَرْصُهُ رُطَبًا ثُمَّ خَرْصُهُ تَمْرًا وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ وَإِذَا كَانَ الرُّطَبُ عَلَى الْأَرْضِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا جَهَالَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ خَرْصُهَا تَمْرًا كَذَا وَيُعْلَمُ مِقْدَارُهَا فِي الْحَالِ فَهَذَا بِالْجَوَازِ أَوْلَى هَذَا مَا رَأَيْتُهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْقَفَّالِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أن القفال ذكر في شرح التخليص أنه على الخلاف لانه إذا جاز اللبيع وأحدهما أو كلاهما على رؤس النَّخْلِ خَرْصًا وَاحْتُمِلَتْ الْجَهَالَةُ فَلَأَنْ يَجُوزَ مَعَ تَحَقُّقِ الْكَيْلِ فِي الْجَانِبَيْنِ كَانَ أَوْلَى فَأَوْهَمَ هَذَا النَّقْلُ أَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْقَفَّالَ جَعَلَ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ الْمَقْطُوعِ عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إلَّا ذِكْرُ وَجْهَيْنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يَكُونُ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ كَيْلًا وَالْقَفَّالُ إنَّمَا قَالَ خَرْصًا وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ نَعَمْ رطبا بل يخرص ما يجئ مِنْهُمَا تَمْرًا فَحَسْبُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ كَيْلَ هَذَا الرُّطَبِ الْآنَ أَرْبَعَةُ أَوْسُقٍ وَكَيْلَ الرُّطَبِ الْآخَرِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وخر ص ما يجئ منهما تمرا
فَكَانَا سَوَاءً أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ الْآنَ فَحِينَئِذٍ تَحْقِيقُ الْكَيْلِ فِي الْجَانِبَيْنِ لَا أَثَرَ لَهُ إلَّا تَخْفِيفُ غَرَرِ خَرْصِهِ تَمْرًا فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ أَقَلَّ خطأ فننبه لِذَلِكَ فَإِنَّ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ رضي الله عنه عَنْ الْقَفَّالِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ صَاعَ رُطَبٍ بِصَاعِ رُطَبٍ مَقْطُوعَيْنِ صَحَّ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْخَرْصِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْقَفَّالِ ذلك والله أعلم.
وقد تابع الرفعى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَالَ إنَّ مِعْيَارَهُ الْكَيْلُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ وَهْمٌ وَالْمُنَاقَشَةُ في هذا الفرع نقرب مِنْ الْمُنَاقَشَةِ فِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا فِي بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِالرُّطَبِ الْمَقْطُوعِ عَلَى الارض وقال القاضى حسين في تعلقيه لَا خِلَافَ أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَآلِ لَا يَجُوزُ وَهِيَ الْمُزَابَنَةُ فَهَذَا نَصُّ الْقَاضِي أَكْبَرِ تَلَامِذَةِ الْقَفَّالِ وَأَعْلَمَ بِكَلَامِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) أَرْبَعُ مَسَائِلَ تَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْعَرِيَّةَ جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ أَوْ رُخْصَةً فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي التَّمْرِ وَالرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ لِلْفُقَرَاءِ وَعَلَى الثَّانِي تَصِحُّ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ بِالرُّطَبِ عَلَى الارض إذا كانا رُطَبَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ لَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي اتفاقهم على منع البيع الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ أَمَّا الْمَرَاوِزَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ عَنْهُمْ فِي الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ فَلَا جَرَمَ ذَكَرُوا أَيْضًا خِلَافًا فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي جُوِّزَتْ لَهُ الْعَرِيَّةُ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ عَلَى مُرُورِ الايام لا يتحقق لانها لاتجف فِي الْحَالِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ عَلَى النَّخْلَةِ مَعَ الْخَرْصِ فَلَأَنْ يَجُوزَ مَعَ يُبْسِهِ وَالْإِحَاطَةِ بِهِ أَوْلَى وَقَالَ الْإِمَامُ إنْ بَنَيْنَا الْبَابَ عَلَى الْإِتْبَاعِ امْتَنَعَ وَإِنْ جَعَلْنَا الْخَرْصَ أَصْلًا سَوَّغْنَا وَسَيَأْتِي قَوْلُ الْإِمَامِ الَّذِي ادَّعَى فِيهِ أَنَّ الْخَرْصَ أَصْلٌ مَعَ تَلَوُّمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعَرُّضُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجْرِي فِي غَيْرِ العرايا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(ولايجوز في العرايا فيما زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (نَهَى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة) فالمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من حنطة والمزابنة أن يبيع الثمر على رؤس النخل بمائة فرق والمخابرة كراء الارض بالثلث والربع) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رضي الله عنه رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَاهُ وَلَمْ أَرَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إلَّا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ هَكَذَا رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْمُزَابَنَةِ وَالتَّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ فَإِنَّ فِي مُسْلِمٍ فِي الرِّوَايَةِ قَالَ عَطَاءٌ فَسَّرَ لَنَا جَابِرٌ قَالَ أَمَّا الْمُخَابَرَةُ فَالْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ يَدْفَعُهَا الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فَيُنْفِقُ فِيهَا ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ التَّمْرِ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا
وَالْمُحَاقَلَةُ فِي الزَّرْعِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ بَيْعُ الزَّرْعِ الْقَائِمِ بِالْحَبِّ كَيْلًا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي مُسْلِمٍ الْمُحَاقَلَةُ أَنْ يُبَاعَ الْحَقْلُ بِكَيْلٍ مِنْ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ النَّخْلُ بِأَوْسَاقٍ مِنْ التَّمْرِ وَالْمُخَابَرَةُ الثُّلُثُ وَالرُّبْعُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهَذَا التَّفْسِيرَ جُمْلَةً ثُمَّ قَالَ الرَّاوِي قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال نَعَمْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي فِيهِ تَوَقُّفٌ لِأَنَّ الرَّاوِيَ الْأَوَّلَ عَنْ عَطَاءٍ الَّذِي مَيَّزَ التَّفْسِيرَ مِنْ الْحَدِيثِ أَجَلُّ مِنْ رَاوِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمُحْتَمَلَةِ وَقَوْلُهُ بِمِائَةِ فَرَقٍ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْمِثَالِ لَا أَنَّهُ تَحْدِيدٌ.
وَالْإِمَامُ
الشافعي رضى الله عنه روى الْأُمِّ سُؤَالَ ابْنِ جُرَيْجٍ لِعَطَاءٍ وَأَنَّ جَابِرًا فَسَّرَهَا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَتَفْسِيرُ الْمُحَاقَلَةِ والمزابنة في الاحاديث يحتمل أن يكون عَلَى رِوَايَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ سَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ وَلَا أَتَبَيَّنُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَائِفَةً مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ فَقَالُوا الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الزَّرْعِ وَهُوَ فِي سُنْبُلِهِ بِالْبُرِّ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَقْلِ وَالْحَقْلُ هُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْقَدَّاحَ يَعْنِي الْأَرْضَ الْمُعَدَّةَ لِلزِّرَاعَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ بَاطِيشَ وهو في مصل يقال لا تنبت البقلة إلى الْحَقْلَةُ وَالْمُحْقِلُ السُّنْبُلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ فِي مَحْقِلِهِ) يَعْنِي فِي سنبله قالوا والمزابنة بيع التمر في رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْمُخَابَرَةِ هِيَ الْمُزَارَعَةُ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ فَأَقَلَّ مِنْ ذلك وأكثر وهو الخير أَيْضًا وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُ بِهَذَا سُمِّيَ الْأَكَّارُ الْخَبِيرُ لِأَنَّهُ يُخَابِرُ الْأَرْضَ وَالْمُخَابَرَةُ الْمُذَاكَرَةُ قَالَ ابْنُ بَاطِيشٍ وَقِيلَ إنَّ أَصْلَهَا مُشْتَقٌّ من خبير لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَيْهَا لَمَّا فَتَحَهَا عَلَى أَنَّ لَهُمْ النِّصْفَ مِنْ ثِمَارِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَعَلَيْهِمْ الْعَمَلُ فَقِيلَ قَدْ خَابَرَهُمْ أَيْ عَامَلَهُمْ بِخَيْبَرَ وَهَذَا التَّفْسِيرُ مُطَابِقٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْمُحَاقَلَةَ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مايخرج مِنْهَا وَهُوَ الْمُخَابَرَةُ وَقَدْ يُقَالُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُحَاقَلَةُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى يَعْنِي بَعْدَ تَعَارُضِ الرِّوَايَتَيْنِ لِأَنَّ
اللُّغَةَ تَشْهَدُ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مِنْ الْحَقْلِ وَهُوَ الزَّرْعُ وَيُقَالُ الْحَقْلُ الْقِدَاحُ الْمَزْرُوعَةُ وَالْحَوَاقِلُ الْمَزَارِعُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إجَارَتُهُ بِحَالٍ لِأَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ إنَّ الْحَقْلَ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي مُرْسَلَاتِهِ تَفْسِيرَ الْمُحَاقَلَةِ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَثَبَتَ التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرْنَا يَعْنِي أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الْآخَرِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مرسلا مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلٌ مِنْ مَنَافِعِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ فِي كَوْنِ الْحَبِّ أُجْرَةً لِمَنَافِعِ الْأَرْضِ مَعْنًى يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا الْمُرْسَلَ يُعْتَضَدُ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَنَتَكَلَّمُ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ وَمَحِلُّ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ هُنَا فِي الْمُزَابَنَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُزَابَنَةُ فِي اللُّغَةِ الْمُدَافَعَةُ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ الزَّبَانِيَةُ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ إلَى النَّارِ وَقَالُوا زبنت الناقلة بِرِجْلِهَا إذَا دَفَعَتْ قَالَ الشَّاعِرُ وَمُسْتَعْجِبٌ مِمَّا يرى من آياتنا
* ولو زبنت الحرب لم يتعجب
يملا فَسُمِّيَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُزَابَنَةً لِأَنَّهُ دَفْعُ التَّمْرِ بِاسْمِ الْمُزَابَنَةِ بِالرُّطَبِ وَبَيْعُهُ لَا يَجُوزُ قال الازهرى وانما خصوا بيع التمر فرؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ بِاسْمِ الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ لَا يَخُصُّ الْمَبِيعُ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَخَرْصُهُ حَدْسٌ وَظَنٌّ مَعْنَى لَا يُؤْمَنُ فِيهِ مِنْ الرِّبَا المحرم وهذا يقتضى أن المزابنة تختص ببيع التمر على رؤوس النَّخْلِ وَهُوَ مُقْتَضَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الحديث عن جابر كذلك قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُطْلَقًا يُسَمَّى مُزَابَنَةً وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ الَّذِي ذَكَرْته الْآنَ وَكَذَلِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بن بكر فِي الْمُوَطَّأِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ الْمُزَابَنَةِ قَالَ الْمُزَابَنَةُ الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَوْ مُتَقَارِبٌ وَتَبَيَّنَ إنْ صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمْرِ الرُّطَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ رِوَايَةَ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ ثَمَرَتَهُ بِكَيْلٍ إنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَفْسِيرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَرْفُوعًا وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَنُسَلِّمُ لَهُ فَكَيْفَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ
كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْجُزَافِ بِالْكَيْلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الْمَطْعُومِ أَوْ الرُّطَبِ الْيَابِسِ مِنْ جِنْسِهِ
وَالْفَرَقُ مِكْيَالٌ مِنْ الْمَكَايِيلِ يَسَعُ سِتَّةَ عَشْرَ رَطْلًا وَالْمَشْهُورُ فِيهِ فَتْحُ الرَّاءِ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى بِإِسْكَانِهَا حَكَاهَا ابْنُ قَابُوسٍ وَابْنُ سِيدَهْ وأنكرها ثعلب فعلى المشهور مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَوْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجَمْعُ الْفَرَقِ عَلَى اللُّغَتَيْنِ فُرْقَانٌ كَبَطْنٍ وَبُطْنَانٍ وَحِمْلٍ وَحُمْلَانٍ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي شَرْحِ مُسْنَدِ الشافعي والوسق - بفتح الواو وكسرها والفتح أفصح - يجمع على أوسق وأوساق ووسوق وقال المروزى قال شمر كل شئ حملته وسقطه وقال غيره الوسق ضمك الشئ إلى الشئ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ الْوَسْقُ حمل بغير وَقِيلَ هُوَ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ هُوَ الْعِدْلُ وَقِيلَ الْعِدْلَانِ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إنَّهُ يَمْضِي إذَا وَقَعَ قَالَ وَلَوْ جُوِّزَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَكَانَ أَقْيَسَ يَعْنِي إذَا اشْتَرَاهَا بِخَرْصِهَا نَقْدًا لِأَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ الْخَمْسَةُ الْأَوْسُقِ فَمَا دُونَهَا تُبَاعُ بِالسِّتَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي اقْتِضَاءِ جَوَازِهَا لِلْأَغْنِيَاءِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مِنْ جِهَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَجَوَابُهُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَالنَّصُّ الصَّرِيحُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُزَابَنَةِ دَلِيلٌ عليه والمضرفية أَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ بِجِنْسِهِ مَجْهُولِ التَّسَاوِي وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ رُخْصَةٌ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَتْ فِيهِ وَكَذَلِكَ
الْمُحَاقَلَةُ لِلنَّصِّ وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَمَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ وَتِبْنٍ بِطَعَامٍ وَذَلِكَ لَا يجوز وأيضا لان من دونه حائل قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَصْحَابُ وَلَيْسَ هَذَا مَحِلَّ الْكَلَامِ عَلَى الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ هُنَا فِي الْمُزَابَنَةِ (فَائِدَةٌ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُحَاقَلَةِ وَالْعَرَايَا حَيْثُ جُوِّزَ فِي الْعَرَايَا فِي الْقَلِيلِ ولم يجوز فِي الْمُحَاقَلَةِ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ حَالَ كَوْنِهِ رُطَبًا بِخِلَافِ السُّنْبُلِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أنه إذا زاد على خمسة أوسق عقد واحد لا يصح قال الماوردى (فان قبل) فَهَذَا أَبْطَلْتُمُوهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ وَجَوَّزْتُمُوهُ فِي الْخَمْسَةِ (قِيلَ) لِأَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ قَدْ صَارَ مُزَابَنَةً وَالْمُزَابَنَةُ كُلُّهَا فَاسِدَةٌ وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَشْفِي فَإِنَّ الْخَمْسَةَ إذَا كَانَتْ جائزة فضمت
مع غيرها فالقياس تخريجه ععلى تفريق الصَّفْقَةِ وَالْمُزَابَنَةُ قَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا مِقْدَارُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَعَلَّ مَأْخَذَ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِيَاطُ فِي عُقُودِ الرِّبَا وَأَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ صَارَ الْعَقْدُ رِبًا وَالرِّبَا حَرَامٌ بِخِلَافِ عَقْدٍ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ وَرَدَّ عَلَى مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ فَلَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ الْمُطْلَقَةِ وَلَا بِالْحِلِّ الْمُطْلَقِ بَلْ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَجُوزُ حَلَالٌ وَإِلَى غَيْرِهِ حَرَامٌ وَأَمَّا عُقُودُ الرِّبَا فَحَرَامٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَلْ إلَى نَفْسِ تِلْكَ المقابلة والله أعلم.
وقد وفى الجوزى بِمُقْتَضَى التَّخْرِيجِ وَحَكَى قَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا عَقَدَ على
أكثر من خمسة أوسق
(أحدهما)
لاكمن نَكَحَ أُخْتَيْنِ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ فِي الْخَمْسَةِ وَيَبْطُلُ فِي الزَّائِدِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ (1) وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةَ بَيْعُ الزَّرْعِ بالحنطة ثم ان سائر الثمار فِي شَجَرِهَا بِجِنْسِهَا لَا يَجُوزُ وَسَائِرَ الزَّرْعِ فِي سُنْبُلِهِ كَذَلِكَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ هَلْ ذَلِكَ لِدُخُولِهَا فِي اسْمِ المزابنة أو قياسا عليها (فأخذ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ذَلِكَ لِدُخُولِ سَائِرِ الثِّمَارِ فِي اسْمِ الْمُزَابَنَةِ وَسَائِرِ الزَّرْعِ فِي اسْمِ الْمُحَاقَلَةِ فَكَانَ تَحْرِيمُهُ نَصًّا لَا قِيَاسًا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّصَّ فِي الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ يَخْتَصُّ بِالْحِنْطَةِ وَالنَّخْلِ وَسَائِرُ الزُّرُوعِ مَقِيسَةٌ عَلَى الْحِنْطَةِ فِي الْمُحَاقَلَةِ وَسَائِرُ الثِّمَارِ مَقِيسَةٌ عَلَى النَّخْلِ فِي الْمُزَابَنَةِ فَكَانَ تَحْرِيمُهُ قياسا لانصا قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مَا يَعْقِدُ الْحَبُّ بِالْحِنْطَةِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمُنَقَّاةِ بِالْحِنْطَةِ فِي السَّنَابِلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَقْلِ وَذَلِكَ اسْمُ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى الْأَشْجَارِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَأَمَّا إذَا بَاعَ الْحِنْطَةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِالْقَصْلِ قَبْلَ أَنْ يَتَسَنْبَلَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تَشْتَدَّ فِيهِ الْحَبَّاتُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحَشِيشِ وَكَذَا لَوْ باع الحنطة على وجه الارض بالشعير ففى سُنْبُلِهِ جَازَ وَأَمَّا إذَا بَاعَ الشَّعِيرَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِالْقَمْحِ فِي سُنْبُلِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ كما بَيْعِ الْغَائِبِ وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله صُورَةُ المحاقلة
(1) بياض بالاصل
وَالْمُزَابَنَةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِآخَرَ اضْمَنْ لِي صبرتك بعشرين صاعا فما زاد فعلى وَمَا نَقَصَ فَعَلَيَّ إتْمَامُهَا
هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَوْلُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْمُحَاقَلَةِ بَيْعُ الزَّرْعِ بالحنطة هكذا أطلقهه جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْعُ الطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ بِالطَّعَامِ الْمُصَفَّى وَقَيَّدَهُ الْمَحَامِلِيُّ بِأَنَّهُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِالْحِنْطَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَيَّدَهُ الصَّيْمَرِيُّ في شرح الكفاية فقالل بَيْعُ السُّنْبُلِ مِنْ الْبُرِّ قَائِمًا بِالْحِنْطَةِ فَتَقْيِيدُهُ بالبر لابد مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَيَّدَهُ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ بَيْعُ الزَّرْعِ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ بِمِثْلِهِ نَقِيًّا وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الشَّعِيرُ وَغَيْرُهُ وَتَكُونُ الْحِنْطَةُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَلَوْ بِيعَ بِالدَّرَاهِمِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ الْمُحَاقَلَةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَمَّا ذَكَرَ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ قَالَ إذا حذر الزَّرْعَ أَنَّهُ يُحْصَدُ مِنْهُ مِائَةُ فَرَقٍ فَبِيعَ بِمِائَةِ فَرَقٍ فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيه هذه الْخَرْصُ وَهَذَا التَّقْدِيرُ فَأَوْلَى بِالْفَسَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ يجوز أن يبيع الرجل تمر بُسْتَانِهِ كُلَّهُ لِجَمَاعَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ أَيْضًا لِلرَّجُلِ الْوَاحِدِ فِي عقود كل
عَقْدٍ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ خَمْسَةٌ إنْ جوزناها نص عليه الاصحاب القاضى أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَفَى الْخِلَافَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَحْمَدُ فَقَالَ لَا يَجُوزُ أن يبيع أكثر من عربة وَاحِدَةٍ وَلَا يَشْتَرِيَ أَكْثَرَ مِنْ صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَذْهَبُهُ مَعْرُوفٌ فِي سَدِّ بَابِ الْحِيَلِ وَقَدْ أَوْرَدَ الْأَصْحَابُ سُؤَالًا وَجَوَابَهُ نَقَلَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطيب عن أبى اسحق أَنَّهُ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا أَجَزْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ الْمُزَابَنَةَ وَجَعَلْتُمْ لِلنَّاسِ أَنْ يَبِيعُوا جميع ثمارهم على رؤس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُزَابَنَةَ حُكْمُهَا ثَابِتٌ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ إذا قلنا باختصاصها بالفقراء أن لا يصح لانه بالخمسة الاولى غنى شرعى وَاعْتِبَارُهُ هُنَا أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْغِنَى الْعُرْفِيِّ (قُلْت) وَجَوَابُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأُولَى قَدْ يكون أكلها أو أزالها عن ملكه أولا تَسُدُّ كِفَايَتَهُ وَاعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ مَالِكًا لِنِصَابِ الزَّكَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَالْجُرْجَانِيِّ مِنْ أن المعتبر أن لانقد بأيدهم وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ مِنْ رجلين صفقة واحدة جاز لاه بِمَنْزِلَةِ الصَّفْقَتَيْنِ وَإِذَا كَانَتْ سِتَّةَ عَشْرَ وَسْقًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ جَازَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ حَقَّهُ وَهُوَ
ثَمَانِيَةُ أَوْسُقٍ مِنْ رَجُلَيْنِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ وَبِذَلِكَ كُلِّهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ وَفَرَضَهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي عِشْرِينَ وَسْقًا إلَّا مُدًّا وَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّمْثِيلِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ خِلَافَ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ الْبَائِعَ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ أَكْثَرَ مِنْ عَرِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَرَاوِزَةِ (وَالصَّحِيحُ) الْجَوَازُ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ رَجُلَيْنِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ جَزْمًا وَفِي تَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي وَجْهٌ وَقَدْ جَزَمْنَا بِأَنَّهُ هُنَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْخَمْسَةِ عِنْدَ تَعَدُّد الْمُشْتَرِي وَاتِّحَادِ الْبَائِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْبَائِعِ وَاتِّحَادِ الْمُشْتَرِي أَوْلَى بِالْجَوَازِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَهُوَ يُخَالِفُ مَقْصُودَ الْخَبَرِ وَفَرَّقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ حَيْثُ يُلَاحَظُ فِيهِ التَّعَدُّدُ وَالِاتِّحَادُ بِأَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ دَفْعَةً فَلَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْضُهُ لَكَانَ خَارِجًا بِعَيْبٍ عَائِدًا بِعَيْبَيْنِ وَإِذَا تَعَدَّدَ الْبَائِعُ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي تمام ملك أحدهما عليه لم يتضمن تنقيصنا
عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ وَالْمَقْصُودُ فِي الْعَرَايَا أَنْ لَا يَمْلِكَ الرَّجُلُ دَفْعَةً وَاحِدَةً خَمْسَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعَّفَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَمِمَّنْ رَجَّحَ الْجَوَازَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْعِمْرَانِيُّ.
(فَرْعٌ)
فَلَوْ بَاعَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ أَرْبَعَةٍ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ إنْ جوزنا العرايا في خمسة صح وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَتْ الْعُقُودُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ حَتَّى لَوْ بَاعَ الرَّجُلُ أَلْفَ وَسْقٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِصَفَقَاتٍ كُلُّ وَاحِدٍ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ جَازَ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الزَّرْعَ قَبْلَ بُدُوِّ الْحَبِّ فِيهِ بِالْحِنْطَةِ جَازَ فَإِنَّ الزَّرْعَ حَشِيشٌ بَعْدُ غَيْرُ مَعْدُودٍ
مِنْ الْمَطْعُومَاتِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَفَرَضَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَشْتَدَّ الْحَبُّ وَهُوَ مُرَادُ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَقَالَ سَوَاءٌ تَسَنْبَلَ أَمْ لَمْ يَتَسَنْبَلْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ إطْلَاقُ تَفْسِيرِ الْمُزَابَنَةِ بِالزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَإِلَّا حَرُمَ قَالَ الْإِمَامُ وَجَمَاعَةٌ إنَّ مَعْنَاهَا الْحَبُّ فِي السُّنْبُلِ بِالْحِنْطَةِ لَكِنْ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ إنَّهُ يَجُوزُ إذَا تَسَنْبَلَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ بَيْعُ قَمْحٍ رَطْبٍ مُسْتَتِرٍ مَعَ تِبْنِهِ بِقَمْحٍ وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْفَسَادِ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ قَبْلَ ظهور الحب فلا يرد عليه شئ.
(فَرْعٌ)
حَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّهُ فَسَّرَ الْمُزَابَنَةَ بِأَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ صُبْرَةٌ مِنْ طَعَامٍ فَيَقُولَ لَهُ رَجُلٌ فِي صُبْرَتِك سِتُّونَ وَسْقًا فَيَقُولُ صَاحِبُ الصُّبْرَةِ لَيْسَ فِيهَا ستون وسقا فيقول له
الجاذر نكليها فَإِنْ نَقَصَتْ تَمَّمْتهَا وَإِنْ زَادَتْ أَخَذْتُ الزِّيَادَةَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأُمِّ وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ قِمَارٌ مُخَاطَرَةٌ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ وَإِنَّهُ مِنْ بَابِ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ عُدَّ قِثَّاءَك أَوْ بِطِّيخَك أَوْ اطْحَنْ حِنْطَتَك فَمَا زاد على كذا فعلى وَمَا نَقَصَ فَعَلَيَّ وَكَذَلِكَ فِيمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ أَخَذَ ثَوْبًا لِرَجُلٍ فَقَالَ أَنَا أَقْطَعُهُ لَك قَمِيصًا فَإِنْ نَقَصَ غَرِمْته وَإِنْ زَادَ أخذ ت الزِّيَادَةَ فَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْمُزَابَنَةِ أولا فَإِنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ مَوْضُوعُهُ أَنْ يَدْفَعَ عِنْدَ النقصان مالا يأخذ عوضه ويأخذ عند الزيادة مالا يُعْطِي بَدَلَهُ فَصَارَ بِالْقِمَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالْبَيْعِ وَالْمُزَابَنَةِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ العربي أن المزابنة بيع التمر في رؤس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وبينهم قال ابن العرابى ثُمَّ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ كُلُّ رُطَبٍ بِيَابِسٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ المزابنة كل شئ مِنْ الْجُزَافِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ ولا عدده اتبيع بشئ مِنْ الْمُسَمَّى مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ وَاخْتِصَارُهُ بَيْعُ الْمَجْهُولِ بِالْمَعْلُومِ وَهَذَا أَيْضًا يُوَافِقُ تَفْسِيرَ الشافعي فان قَالَ فِي الْمُزَابَنَةِ كُلُّ جِنْسٍ مِنْ الطَّعَامِ عرف كيله اشترى بجنس مثل مَجْهُولِ الْكَيْلِ أَيْ الْمُزَابَنَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَلَيْسَ مَقْصُودٌ تَفْسِيرَ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَالْخِلَافُ أَنْ يَثْبُتَ فِي تَفْسِيرِ اللَّفْظِ لَا فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ الْعُقُودَ الْمَذْكُورَةَ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ قَالَ مَا مَعْنَاهُ ذَلِكَ وَشَذَّ الصَّيْمَرِيُّ فَجَعَلَ الْمُزَابَنَةَ شراء الرطب في رؤس النخل بتمر فِي الْأَرْضِ جُزَافًا وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَاءِ الْعَرَايَا
وَهُوَ يُخَالِفُ قَوْلَهُ وَرَخَّصَ في العرايا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الرَّوْنَقِ الْمُحَاقَلَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرَتِهِ
(وَالثَّانِي)
بَيْعُ الْحِنْطَةِ مَعَ التِّبْنِ فَفِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَاقَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بِالْحِنْطَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَخِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْأَحْكَامِ لَا نِزَاعَ فِيهَا وَأَمَّا جَزْمُهُ فِي الْأَوَّلِ بِالْبُطْلَانِ وَحِكَايَتُهُ الْقَوْلَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخَّرَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ إلَى باب الاصول والثمار.
(فرع)
اعتبار الخمسة ههنا هَلْ هُوَ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ خَمْسَةً إلَّا مُدًّا أَوْ إلَّا رُبْعَ مُدٍّ صَحَّ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ عِشْرِينَ وَسْقًا إلَّا مُدًّا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْخَمْسَةَ إذَا نَقَصَتْ رُبْعَ مُدٍّ صَحَّ جَزْمًا وَهَذَا يُشْعِرُ بِالتَّحْدِيدِ لِأَنَّ رُبْعَ مُدٍّ رَطْلٌ وَثُلُثٌ فِي أَلْفٍ وَسِتّمِائَةِ رَطْلٍ قَلِيلٌ جِدًّا وَالْأَصْحَابُ أَطْلَقُوا الْخَمْسَةَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَحْدِيدٍ وَلَا تَقْرِيبٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُهُ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأَوْسُقَ فِي الزَّكَاةِ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِنُقْصَانِ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ (قُلْت) وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ عَلَى سبيل التحديد في مجموع لطيف اسماه رؤس الْمَسَائِلِ وَتُحْفَةُ طُلَّابِ الْفَضَائِلِ وَذَكَرَ فِيهِ مَسْأَلَةً فِي بَيَانِ جُمْلَةٍ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَذَكَرَ مِمَّا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْدِيدِ عَدَدَ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمُدَّةَ مَسْحِ الْخُفِّ وَأَحْجَارَ الِاسْتِنْجَاءِ وَلَوْ بَاعَ الْكَلْبَ وَنَصِيبَ الزَّكَاةِ وَقَدْرَ الْوَاجِبِ فِيهَا وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَفِي
الْكَفَّارَاتِ وَتُعْتَبَرُ سِنُّ الْبُلُوغِ بِخَمْسَةَ عَشْرَ وَتَقْدِيرَ الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ إذَا جَوَّزْنَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَمِنْهُ الْآجَالُ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ وَالْحُرْمَةِ وَالْعِدَّةِ وَدِيَةِ الْخَطَأِ وَنَفْيِ الزانى وانتظار العنين والمولى وحول الرضا وَجَلْدِ الزَّانِي وَالْقَاذِفِ وَتَخْصِيصِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ بِثَمَانِينَ وَنِصَابَ السَّرِقَةِ بِرُبْعٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَمِنْ التَّقْدِيرِ الَّذِي عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ سِنُّ الرَّقِيقِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْمُوَكَّلِ فِي شِرَائِهِ وَمِنْ
التَّقْدِيرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ تَقْدِيرُ الْعِلَّتَيْنِ وَسِنُّ الْحَيْضِ وَالْمَسَافَةُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَمَسَافَةُ الْقَصْرِ وَنِصَابُ الْمُعْشِرَاتِ وَفِي كُلِّهَا وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) التَّقْرِيبُ لِأَنَّهُ يُجْتَهَدُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ وَمَا قَارَبَهُ وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْدِيدِهِ وَفِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ الَّذِي حَكَيْته تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا جَوَّزْنَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ بَلْ إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ فَنَقَصَ عَنْهَا نَقْصًا يَسِيرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لِأَنَّا جَعَلْنَا ذَلِكَ تَحْدِيدًا وَقَدْ حَصَلَ النَّقْصُ عَلَيْهَا فَيَمْتَنِعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ فِي سُنْبُلِهَا بالشعير على وجه الارض فان فيه القولان فِي بَيْعِ الْغَائِبِ قَالَ وَلَوْ بَاعَ الشَّعِيرَ فِي سُنْبُلِهِ بِالْحِنْطَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَوْ الرُّطَبَ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْ الثِّمَارِ عَلَى الشَّجَرِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَا بَأْسَ لَكِنْ يَتَقَاصَّانِ بِالتَّسْلِيمِ فِيمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَبِالتَّخْلِيَةِ فِيمَا عَلَى الشَّجَرِ قَالَهُ الرافعى.
(فرع)
هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَقْدُ الْعَرِيَّةِ عَلَى جزء مشاع مما على النحلل من الرطب إذا خرص الجميع الذى لاشك فِيهِ الْجَوَازُ وَذَلِكَ مُقْتَضَى نَقْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إذا باع من رجلين سبعة أو سق جَازَ فَاَلَّذِي حَصَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُشَاعٌ وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ التَّسْلِيمُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالتَّخْلِيَةِ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْمُقَاسَمَةِ عَلَى قول الاقرار على الاصح (فائدة) الحقل قداح طين يُزْرَعُ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ قَالَ وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِيهِ الْحَقْلَةَ وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ لَا ينبت الحقلة اللا البقلة وليست الحقلة بمعروفة واراهم انثوار الْحَقْلَةَ فِي هَذَا الْمَثَلِ انْتَهَى فَالْمُحَاقَلَةُ سُمِّيَتْ بذلك لتعلقها بزرع في حقل المزابنة ماخوذة من الزين وَهُوَ الدَّفْعُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْمِينِ وَالْغَبْنِ فِيهَا مِمَّا يُمْكِنُ مِنْ يَدِ المغبون دفعه والغابن امضاءه فَيَتَدَافَعَانِ وَلَا يُمَكِّنُ الْمِعْيَارَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ الْكَيْلُ فِي السَّنَابِلِ وَالرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ وَالْخَرْصُ فِيهَا لَا يَكْفِي قَالَ الْأَئِمَّةُ وَفِي الْمُحَاقَلَةِ شَيْئَانِ آخَرَانِ.
(فَرْعٌ)
إذَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِالْحِنْطَةِ الظَّاهِرَةِ فَامْتِنَاعُ بَيْعِهَا بِمِثْلِهَا أَوْلَى وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بِذَلِكَ وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ ولم اجدهم يعنى اهل العلم يخيرون ان يتبايعوا بيع الحنطة بالحنطة فس سُنْبُلِهَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا لِاخْتِلَافِ الْأَكْمَامِ وَالْحَبِّ فِيهِمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ.
(فَرْعٌ)
وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُمْ اجاز وابيع الحنطة في التبن محصودة..
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(ويجوز ذلك فيما دون خمسة اوسق لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي بيع العرايا فيما دون خمسة اوسق) .
(الشرح) الثابت في الصحيحين في حيدث أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ مِنْ رواية داود كما سيأتي قريبا ان شاة اللَّهُ تَعَالَى وَفِي التِّرْمِذِيِّ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ كَذَا وَأَمَّا رِوَايَتُهُ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَمْ أَرَهُ فِي شئ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَّا فِي نُسْخَةٍ مِنْ سَمَاعِنَا فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ وَرَاجَعْت نُسْخَةً أَصَحَّ مِنْهَا فَوَجَدْتُهُ عَلَى الصَّوَابِ مُكَمِّلًا كَالرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْأُمِّ ومن عادة الشافعي ان روياته فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ لَا تَخْتَلِفُ وَلَوْ رَوَاهَا فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ لِشِدَّةِ ضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ وَتَثَبُّتِهِ فتبين أن رواياته فَتَبَيَّنَ أَنَّ السُّقُوطَ فِي تِلْكَ النُّسْخَةِ غَلَطٌ من ناسخ فان كان وقع للمنصف نسخة كذلك فهو اللائق بورعه وتجريه أَنَّهُ لَا يَخْتَصِرُ الْحَدِيثَ وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعْيِينُ حُكْمٍ لِأَنَّ مَا دُونَ الْخَمْسَةِ مُحَقَّقٌ وَمَنْ أَرْخَصَ فِي الْخَمْسَةِ فَقَدْ أَرْخَصَ فِيمَا دُونَهَا فَالرُّخْصَةُ فِيمَا دُونَهَا مُحَقَّقَةٌ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذَلِكَ خَلَلًا في اللفظ والمعني اما اللفظ فانه لاتتحق مطابقته للفظ ابى هريره فلائه عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الرُّخْصَةُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا يُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ بِاللَّفْظِ وَأَمَّا بالمعني فلانه يصير موها أو مفها
بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ وَذَلِكَ قَادِحٌ فِي الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وَالشَّيْخُ أَجَلُّ عِنْدَنَا مِنْ أَنْ يُسْتَدْرَكَ عَلَى رِوَايَتِهِ خَلَاهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ وَجَدَهُ هَكَذَا واعتقده حديثا تاما وكلامه بعد هذا بسطر يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَلَا أَعْرِفُ رِوَايَةً فِي ذَلِكَ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى مَا دُونِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ الا ذلك مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ التِّرْمِذِيِّ مِنْ الْقِصَّةِ الَّتِي نَقَلَهَا بِغَيْرِ إسْنَادٍ وَلَا تَعْيِينٍ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ حَدِيثٌ كَامِلٌ فهو تص
فيما ادعاه والا فان الحكم النذكور ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّ مَا دُونَ الخمسه داخل في الخمسه واباحه الشئ إبَاحَتُهُ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ فَالْإِبَاحَةُ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ مُحَقَّقَةٌ إمَّا نَصًّا وَإِمَّا تَضَمُّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ كذا قال القاضى أبو الطيب والمحاملى.
(فرع)
لاضابط لِلنَّقْصِ عَنْ الْخَمْسَةِ بَلْ مَتَى كَانَ أَقَلَّ من الخمسه بشئ مَا كَانَ جَائِزًا كَذَلِكَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَةَ تَحْدِيدٌ وَسَنُفْرِدُ لَهُ فَرْعًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَاعْلَمْ أَنَّا إذَا أَطْلَقْنَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إنَّمَا نُرِيدُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ أَيْ قَبْلَ مَا يُخْرَصُ فَنَعْرِفُ أَنَّهُ إذَا جَفَّ كَانَ خَمْسَةَ اوسق ولا نريد خمسه اوسق نت الرطب والله اعلم.
وقدم التنبيه على ذلك..
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وفى خمسه اوسق قولان (احدهما) لا يجوز وهو قول المزني لان الاصل هو الحظر وقد ثبت جوار ذلك فيما دون خمسه اوسق لحديث ابى هريره رضى الله عنه وفى خمسه اوسق شك لانه روى في
حديث ابى هريره فيما دون خمسه لوسق أو في خمسه اوسق شك فيه داود بن الحصين فبقى على الاصل ولان خمسه اوسق في حكم ما زاد بدليل انه تجب الزكاة في الجميع فإذا لم تجز فيما زاد على خمسه اوسق لم تجز في خمسه اوسق والقول الثاني انه يجوز لعموم حديث سهل بن ابى حثمه) .
(الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ ابى سفيان مولى بن أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا دون خمسه اوسق أو في خمسه فَشَكَّ دَاوُد وَقَالَ خَمْسَةٌ أَوْ دُونَ خَمْسَةٍ والقولان نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي مَوْضِعَيْنِ عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ (أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَقَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَلْزَمَ بِهِ الشَّافِعِيَّ وَقَدْ رَأَيْتُهُ مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَهُوَ فِي الْجُزْءِ السَّادِسِ مِنْ الْأُمِّ فِي بَابِ الْعَرِيَّةِ قَالَ وَلَا يَشْتَرِي مِنْ الْعَرَايَا إلَّا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ اوسق بشئ مَا كَانَ فَإِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ اوسق جاز البيع وكذلك قال في محتصر الْبُوَيْطِيِّ أَيْضًا الْعَرِيَّةُ أَنْ يَشْتَرِيَ
الرَّجُلُ الرُّطَبَ بِتَمْرٍ نَقْدًا مَا كَانَ خَرْصُهُ أَقَلَّ مِنْ خمسه اوسق ياكله رطبا ولكن أَلْزَمَهُ بِحَسَبِ مَا نَقَلَهُ
عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّ لَفْظَهُ فِيهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ اوسق ولا أفسخه في الخمسه اوسق لِأَنَّهَا شَكٌّ وَهَذَا النَّصُّ مَنْقُولٌ مِنْ الْأُمِّ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ جَزَمُوا بِهَذَا الْقَوْلِ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ طُرُقَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه كُلَّهَا عَلَى الشَّكِّ فَالْجَوَازُ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إنْ كَانَ الثَّابِتُ خَمْسَةً أَوْ دُونَ الْخَمْسَةِ فَدُونَ الْخَمْسَةِ جَائِزٌ إمَّا نَصًّا وَإِمَّا ضِمْنًا وَالْخَمْسَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ الثَّابِتُ فَالنَّهْيُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَعَنْ الْغَرَرِ وَعَنْ الرِّبَا وَوَجْهُ الْقِيَاسِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْخَمْسَةَ تَرَدَّدَ إلْحَاقُهَا بَيْنَ النَّاقِصِ عَنْهَا وَالزَّائِدِ عَلَيْهَا وَقَدْ عُهِدَ مِنْ الشَّرْعِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّائِدِ عَلَيْهَا فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ وَجَعَلَهَا فِي حَدِّ الْكَثِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ تلحق به ههنا ويكون اولى إلْحَاقِهَا بِالنَّاقِصِ الَّذِي لَمْ يُقَدِّرْهُ الشَّرْعُ وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ نَظِيرٌ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال نَقَلَهُ الْقَاضِي أبو الطيب عن ابى اسحق وَهُوَ لَوْ تَجَرَّدَ عَنْ الْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَانَ كَافِيًا فِي التَّحْرِيمِ فَكَيْفَ وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِهَا وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو دَاوُد فِي بَعْضِ نُسَخِ كِتَابِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن المحاقله والمزابنه واذن لاصحابه الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا ثُمَّ قَالَ الْوَسْقُ وَالْوَسْقَيْنِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لا صدقه في العريه
والخمسة أوسق ثبت فيها الصدفة وهذا الحديث لاأعرفه وَسَأَذْكُرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي مُقَابَلَةِ هذا القول أنشاء اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ فِي حِلْيَتِهِ وَالْبَغَوِيُّ والشاشى وابن عصرون والغزاليفى الْبَسِيطِ وَالنَّوَوِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الْقَفَّالِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ (تَنْبِيهٌ) نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ الْمَنْعِ وَمُسْتَنَدُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمُخْتَارُ المنع والظاهر ان الرافعى نفسه إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مُخْتَارُ الْمُزَنِيِّ فِي مقالة مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لَا أنه مختار الرافعى نفسه وكلامه واستقاء عَادَتِهِ
يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا ما بَعْدُ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ الْمَنْعِ فَإِنَّهُ قَالَ إنه الاضهر عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالْقَاضِي الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ قَدْ يُوجَدُ مِنْهَا بَعْضُ تَرْجِيحٍ وَعِنْدَ التحقيق لا ترجيح فيها ايضا والقول جَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ مالك رحمه الله وروراية عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ نَصِّهِ فِي بَابِ بَيْعِ الْعَرَايَا مِنْ كِتَابِ البيوع من الام قال ولايجوز ان يبيع صحاب الْعَرِيَّةِ إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَهَا وَأُحِبُّ ان يكون دونها لا لَيْسَ فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْئًا وَلَعَلَّهُ فِي الْأُمِّ فِي مَوْضِعٍ وَلَمْ أُمْعِنْ الْكَشْفَ وَهَذَا الْكَلَامُ مَعَ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي القول بالجواز بل كانه متوقفف فِي ذَلِكَ لِلشَّكِّ فِي الرِّوَايَةِ وَإِنَّهُ إنْ وَقَعَ لَا يَقُولُ بِفَسْخِهِ لِأَجْلِ الشَّكِّ
فهذا هو التوفية بمقضتى الشَّكِّ أَنْ لَا يَجْزِمَ فِيهِ بِإِبَاحَةٍ وَلَا تحريم وتكون اوفى كَلَامِهِ لِلشَّكِّ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَقَالَ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ يَعْنِي لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْحَرَامِ الْمُحْتَمَلِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ جَعَلُوا ذَلِكَ قَوْلًا بِالْجَوَازِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَكَأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه لَمْ يَنْظُرْ إلَى الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا إلَى الْقِيَاسِ أَمَّا النَّهْيُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ مُسْتَثْنًى مِنْهُ الْعَرَايَا وَالْعَرَايَا قَدْ وقع الشك في مقدارها يكون ذَلِكَ كَتَخْصِيصِ الْعَامِ بِمُجْمَلٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الِاحْتِجَاجَ بِهِ كَذَلِكَ هُنَا يَمْتَنِعُ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْمُزَابَنَةِ فِي الْخَمْسَةِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَالشَّكُّ الَّذِي فِي مِقْدَارِ الرخصة يقتضى الشك في مقدار المنهى عَنْهُ وَيَعْدِلُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَقَدْ نَبَّهَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيمَا إذَا قَالَ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ لما اعتقد أن ذلك مترددين عَوْدِ الْأَشْيَاءِ إلَى الْكُلِّ أَوْ إلَى الْأَخِيرِ وحكم مع ذلك بأنه لا يصرف إلى الاولاد لاجل التردد ومثل ذلك بحيث جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ شَيْخِنَا أَيْ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ الا شرط أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا) وَرَامَ الِاسْتِدْلَالَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى شَكَّ فِي شَرْطٍ وَجَبَ إدْرَاجُهُ فِي الْعُمُومِ وَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِهِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِمَا ذكرته من المرجح عند الاصولين نعم لو كان النهى عَنْ الْمُزَابَنَةِ فِي مَجْلِسٍ وَالتَّرْخِيصُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَمْ يُقْدَحْ فِي التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ بَلْ الرَّاوِي
قَالَ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا وَالرَّاوِي الْآخَرُ شَكَّ فِي مِقْدَارِهَا وَلَعَلَّهُمَا حَكَيَا قِصَّةً وَاحِدَةً فَتَطَرَّقَ الشَّكُّ إلَى عُمُومِ النَّهْيِ فَيُعْدَلُ عن ذلك إلى عموم حديث شهل إلَّا فِيمَا قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَاقْتَضَاهُ النَّهْيُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الغرر لانه اخص مِنْهُ مَعَ تَفَاقُمِ أَكْثَرِ الْأَغْرَارِ أُبِيحَتْ وَأُخْرِجَتْ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَأَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِكَوْنِ الْأَصْلِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ التَّحْرِيمُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ اخص واما القياس المذكور فليس باقوى وَيُمْكِنُ أَنْ يُعَارَضَ بِأَنَّ الْخَمْسَةَ عَهْدُ اعْتِبَارِ الشرع لها محللا لوجوب الزكاة فلنكن مَحِلًّا لِجَوَازِ الْبَيْعِ وَأَمَّا دُونَ الْخَمْسَةِ فَلَمْ يعهد اعتباره والحاق الجواز مِنْ الْمَنْعِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ جَوَازٌ مُتَأَكَّدٌ بِالطَّلَبِ وَوَجْهُ الْعُمُومِ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ قَوْلُهُ رَخَّصَ في بيع العرايا وهو شاملل لِمَا إذَا كَانَ عَلَيْهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَأَكْثَرُ خَرَجَ الْأَكْثَرُ بِدَلِيلٍ يَقِينًا فِيمَا عَدَاه عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَإِنَّهُ مِنْ رواية محمد بن اسحق وَفِيهِ كَلَامٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنْ قَارَنَ ذلك
أن منبه (1) لَيْسَ صَرِيحًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ وَإِلَّا فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَالْخَصْمُ لَا يَقُولُ بِهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَمَحُّلٌ وَالْإِنْصَافُ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَنَّ ذَلِكَ يَمْتَنِعُ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَثِيرَةٌ وَلَيْسَ فِي كُلِّهَا الِاسْتِثْنَاءُ فَيَبْقَى الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَرِدَ مُبِيحٌ وكثرتها تقتضي اللجزم فانها احاديث لاحديث وَاحِدٌ وَرَدَ الِاسْتِثْنَاءُ مَعَهُ وَفِي حَدِيثِ زَيْدٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَلَّذِي يَأْتِي عَقِيبَ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ الرُّخْصَةِ عَنْ النَّهْيِ قَالَ فِيهِ رَخَّصَ بَعْدَ لذك في بيع العرية بالرطب أو التر يعنى بعد النهى عن بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَاحَ الْخَمْسَةَ لَحَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يَصِلَ إلَيْنَا مُثْبَتًا وَحَكَى الْقَفَّالُ أَنَّ مَعْنَى الْقَوْلَيْنِ هَهُنَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَرَدَ أَوَّلًا ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَوْ لَمْ يَرِدْ النَّهْيُ إلَّا وَالرُّخْصَةُ مَعَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ حَكَاهُ عَنْ الْقَفَّالِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا قالته مِنْ الْبَحْثِ وَهُوَ أَحْسَنُ فِي الْعِبَارَةِ كَمَا حكاه صاحب العدة عن الشيخ
(1) كذا بالاصل فحرر
أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّرْحِ إنَّ الْخَبَرَ يَعْنِي خَبَرَ الْمُزَابَنَةِ هَلْ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ يَعْنِي فِي قَدْرِ الْعَرِيَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الثَّانِي وَمُرَادُهُمَا وَاحِدٌ وَإِنَّمَا قُلْت إنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ نَسْخًا بَلْ قَدْ تَكُونُ تَخْصِيصًا وَإِنْ تَأَخَّرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
عَلَى أَنَّ الذى رأيته في شرح التخليص أَنَّ الْقَفَّالَ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي كَوْنِ ذَلِكَ نَسْخًا أَوْ تَخْصِيصًا كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ عن عَلِيٍّ وَزَعَمَ الْإِمَامُ أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ التَّصْحِيحُ فِي الْخَمْسَةِ وَأَنَّ تَوْجِيهَهُ عَسِيرٌ جِدًّا وَأَخَذَ يتحيل بِأَنْ يُحِيلَ الْمُزَابَنَةَ عَلَى مُعَامَلَةٍ صَادِرَةٍ عَنْ التحرى من غير تثبت في خرص وَأَنْ يَتَخَيَّلَ الْخَرْصَ مُتَفَاضِلًا فِي دَرْكِ الْمَقَادِيرِ معتبر فِي الزَّكَاةِ سِيَّمَا إذَا جَعَلْنَاهُ تَضْمِينًا وَالْمَاهِرُ يَقِلُّ خَطَؤُهُ وَالْأَخْرَقُ يَتَفَاوَتُ كَيْلُهُ وَالْكَيْلُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوَزْنِ كَالْخَرْصِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْكَيْلِ وَفِي كُلِّ حَالَةٍ تَقْدِيرٌ مُعْتَادٌ لَائِقٌ بِهَا فَلْيَقُمْ الْخَرْصُ فِي الرُّطَبِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ مَقَامَ الْكَيْلِ وَإِذَا اُحْتُمِلَ الْكَيْلُ لِيُسْرِهِ مَعَ إمْكَانِ الْوَزْنِ فَلْيُحْتَمَلْ الْخَرْصُ حَيْثُ لَا يَتَأَتَّى الْكَيْلُ وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله يَمْنَعُ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِمَا يَتَخَيَّلُهُ مِنْ التَّفَاوُتِ عِنْدَ الْجَفَافِ متمسكا
بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ) وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى الْمَآلِ وَمَا وَرَاءَ الْخَمْسَةِ مَرْدُودٌ بِذِكْرِ الْخَمْسَةِ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ نَصٌّ فِي اقْتِضَاءِ الْمَفْهُومِ قَالَ فَهَذَا اقْتَضَى الْإِمْكَانَ فِي تَوْجِيهِ النَّصِّ وَهُوَ عَلَى نِهَايَةِ الْإِشْكَالِ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ النُّصُوصِ خِلَافُهُ وَعَلَى مَسَاقِ بَحْثِ الْإِمَامِ وَتَخَيُّلِهِ لَهُ يَكُونُ الْأَصْلُ الْجَوَازَ بِالْخَرْصِ وَأَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ مِنْ الْجَوَازِ وَلَيْسَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى نِهَايَةِ الْإِشْكَالِ وَقَدْ تَعَرَّضَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرِّهَانِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِهَذَا الْبَحْثِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي النَّقْصِ قَالَ الْأَصْلُ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَأَثْبَتَ الشَّرْعُ الْخَرْصَ لِحَاجَةٍ فِي قَضِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ فَهُوَ مِنْ الْمُسْتَثْنَاةِ قَالَ وَلَكِنْ يَنْقَدِحُ فِي هَذَا الْمَجَالِ أَنَّ الْوَزْنَ أَضْبَطُ مِنْ الْكَيْلِ ثُمَّ الْكَيْلُ مُتَعَيَّنٌ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ مَعَ إمْكَانِ الْوَزْنِ فَالْخَرْصُ فِي مَحِلِّ الْحَاجَةِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوَزْنِ فَلَا يَتَّضِحُ خُرُوجُ الْخَرْصِ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ الْقَانُون حَسَبَ إيضَاحِ خُرُوجِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ وَالْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ اسمعيل بْنِ حَسَنٍ الصَّنْهَاجِيُّ ثُمَّ الْأَنْبَارِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي
شَرْحِهِ كَذَلِكَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَرْصِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَسْمُوعِ هَلْ هُوَ أَصْلٌ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ رُخْصَةٍ أَوْ هُوَ مَعْدُودٌ مِنْ الرُّخَصِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي مَسَائِلَ (مِنْهَا) أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَيْنَ مَكِيلٍ وَجُزَافٍ أَوْ يُمْنَعَ ذَلِكَ كَمَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ وَالْقِرَاضُ عَلَى رَأْيِ مَنْ منع ذلك والمشهور عندهم على ماقاله الْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى الرُّخْصَةِ فِيمَا تَشُقُّ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ هُوَ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَأَمَّا مَا لَا تَشُقُّ فَلَا يَجُوزُ الْخَرْصُ فِيهِ كَالْمَعْدُودِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ مَثَلًا أَوْ مُتَفَاوِتَ الْأَجْرَامِ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ الْخَرْصِ إلَّا فِي مَوْضِعِ تَحَقُّقِ الْمَنْعِ أَوْ الْأَصْلَ الْمَنْعُ إلَّا فِي مَوَاضِعِ الْإِبَاحَةِ قَالَ (وَالْأَوَّلُ) هُوَ الْمَذْهَبُ
(والثانى)
قول لبعهم أَيْ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ مَعْنًى عِنْدَهُمْ (قُلْت) وَإِذَا أَخَذَ الْخَرْصَ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَيَظْهَرُ تَرْجِيحُ اعْتِبَارِهِ وانه ليس من الغرر المجنب لجواز ايراد العقد على الثمرة على رؤوس النَّخْلِ بِالدَّرَاهِمِ وَأَمَّا الْخَرْصُ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَرَجَّحَ أَنَّ الْأَصْلَ الْمَنْعُ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا يَجِبُ النَّقْصُ عَنْ الْخَمْسَةِ فَهَلْ يَكْفِي أَيُّ قَدْرٍ كَانَ أَمْ لَهُ ضَابِطٌ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الْعَرِيَّةِ مِنْ الْأُمِّ وَلَا يَشْتَرِي مِنْ الْعَرَايَا إلَّا أقل من خمسة أوسق بشئ مَا كَانَ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ يَجُوزُ فِي الْأَرْبَعَةِ ولايجوز في ستة وفى الخمسة قولان وهذا وعلى جِهَةِ ضَرْبِ الْمِثَالِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ المنذر أنه قال وقد رواه جَابِرٌ مَا يَنْتَهِي بِهِ إلَى أَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ فَهُوَ الْمُبَاحُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَحْظُورٌ وَلَمْ أَرَ هَذَا الْكَلَامَ فِي الْأَشْرَافِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ فِيهِ الْإِبَاحَةَ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ وَلَعَلَّهُ فِي الْأَوْسَطِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وما جاز في الرطب بالتمر جاز في العنب بالزبيب لانه يدخر يابسه ويمكن خرصه فاشبه الرطب وفيما سوى ذلك من الثمار قولان
(أحدهما)
يجوز لانه ثمرة فجاز بيع رطبها بيابسها خرصا كالرطب
(والثانى)
لا يجوز لما روى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي العرايا بالتمر والرطب ولم يرخص في غير ذلك ولان سائر الثمار لا يدخر يابسها ولا يمكن خرصها لتفرقها في الاغصان واستتارها في الاوراق فلم يجز بيعها خرصا) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدٍ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْعَرَايَا مِنْ الْعِنَبِ كَهِيَ مِنْ التَّمْرِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْعِنَبَ عَلَى أُصُولِهِ
خَرْصًا بِالزَّبِيبِ كَيْلًا وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَوَّى بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ فِي إيجَابِ الْعُشْرِ وَفِي سَنِّ الْخَرْصِ فِيهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَلْغَيْنَا قَيْدَ ظَاهِرَةٍ بَادِيَةٍ كَالْأَعْذَاقِ فَيُمْكِنُ خَرْصُهَا وَالْإِحَاطَةُ بِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ادِّخَارَ اليابس منه وامكان الخرص لانهما معنيين مناسبين لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا شَرْطٌ فِي تَصْوِيرِ المسألة ووفقنا عَلَى إلْحَاقِ الْعِنَبِ بِالرُّطَبِ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ جَازَتْ فِي الْكَرْمِ نَصًّا وَرَوَيْنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا وَالْعَرَايَا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهَا جَازَتْ فِي الْكَرْمِ قِيَاسًا (قُلْتُ) وَالْمَحَامِلِيُّ وبن الصَّبَّاغِ مِمَّنْ جَعَلَا ذَلِكَ نَصًّا وَلَمْ أَقِفْ على النص الذى ذكروه في شئ مِنْ الْأَحَادِيثِ بَلْ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مَا يُشْعِرُ بِخِلَافٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَعَانِي الْمَوْجُودَةِ فِي النَّخِيلِ مَوْجُودَةٌ فِي الْكَرْمِ بَلْ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا الاصحاب الْعَرَايَا فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ
وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ بِخَرْصِهِ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْعِنَبَ لَا يُعْطَى حُكْمَ التَّمْرِ لِأَنَّهُ فَصَلَهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وجعله مع بقية التمر فَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
نَعَمْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ المزابنة تمر النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلًا وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ خَرْصُهُ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ النَّهْيَ عَنْ أُمُورٍ مِنْهَا الْمُزَابَنَةُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ إلَّا الْعَرَايَا وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ مَاضِيَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَمُثْبِتَةٌ لِمَا يَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ بِخَرْصِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ عَامٌّ فِي الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ إلْحَاقُ الْعِنَبِ بالرطب تخصيصا للعموم بالقياس فمن يمنع منه يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ الْإِلْحَاقِ هَهُنَا إلَّا بِدَلِيلٍ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الثِّمَارِ الَّتِي تُجَفَّفُ مِثْلَ الْخَوْخِ وَالْإِجَّاصِ وَالْكُمَّثْرَى وَالتِّينِ والجوز واللوز
وَالْمِشْمِشِ فَهَلْ يَجُوزُ عَلَى شَجَرِهِ بِخَرْصِهِ جَافًّا فيه طريقان (احدهما) أن المسالة على قولين وَهِيَ الَّتِي حَكَاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصباخ وَالْمُصَنِّفُ وَأَتْبَاعُهُ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إنَّهَا الْمَشْهُورَةُ فِي كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ لِشَبَهِ ذَلِكَ بِالْمُسَاقَاةِ تَجُوزُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ قَوْلًا وَاحِدًا وفى غيرها من الثمار حكي قَوْلَيْنِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ تَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَدْعُو إلَى أَكْلِهَا في رُطُوبَتِهَا وَهَذِهِ عِلَّةٌ مُنَاسَبَةٌ لِشَبَهِ الْحَاجَةِ الَّتِي شُرِعَ لَهَا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ فَتَعْلِيلٌ لِمُجَرَّدِ الِاسْمِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ فَغَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ فَلَوْ عَلَّلَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا كَانَ أَوْلَى وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ تَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ فِيهَا سَأَذْكُرُهَا فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْعَرِيَّةِ من
الْأُمِّ الْمَنْسُوبِ إلَى الصَّرْفِ قَالَ وَلَا تَكُونُ الْعَرَايَا إلَّا فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهُ لَا يضبط خرص شئ غيره واقتصره فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى هَذَا وَسَيَأْتِي عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ تَلْوِيحًا إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي قَوْلَ الْمَنْعِ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَغَوِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَنَعَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ وَيَكُونَ قِيَاسُهُ عَلَى الرُّطَبِ حِينَئِذٍ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الرُّخْصَةَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَتَّفِقْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَصَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ ظَهَرَ له بقرينة الحال أن الرخصة مقصودة عَلَى ذَلِكَ وَأَوْجَبْنَا الْأَخْذَ بِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ لَمَّا رَأَوْا إلْحَاقَ الْعِنَبِ بِالرُّطَبِ ظَاهِرًا قَوِيًّا لَمْ يَتْرُكُوهُ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ وَلَمَّا كَانَ إلْحَاقُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الثِّمَارِ لَيْسَ بِجَلِيٍّ
قَدَّمُوا ذَلِكَ اللَّفْظَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْأَصْحَابَ بَنَوْا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْخَرْصَ هَلْ يَجْرِي فِي ثِمَارِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَجْرِي امْتَنَعَ الْبَيْعُ لِلْجَهَالَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَجْرِي فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّا هَلْ نَقْتَصِرُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِتْبَاعِ أَوْ نَتْبَعُ طَرِيقَ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ فَمَنْ سَلَكَ الْإِتْبَاعَ مَنَعَ وَمَنْ جَوَّزَ الرَّأْيَ سَوَّغَ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ قَدَّمَ الْخِلَافَ فِي الْخَرْصِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وكذلك الغزالي رحمه الله قال قَوْلَانِ مَذْكُورَانِ فِي الزَّكَاةِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الزكاة ولا الامام وَلَا رَأَيْتُهُ فِي مَوْضِعٍ مَا وَلَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا (قُلْت) وَالْغَزَالِيُّ وَإِمَامُهُ مَسْبُوقَانِ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَكِنَّ الِاعْتِرَاضَ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ وَقَدْ يُقَالُ فِي جَوَابِهِ إنَّ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الزَّيْتُونِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مِمَّا سِوَى الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ
لِأَنَّ سَائِرَ الثِّمَارِ لَا يُدَّخَرُ يَابِسُهَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ أَنَّمَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ فَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ كَذَلِكَ فَرَضَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْإِمَامُ فِي الْجَافِّ بِالرُّطَبِ مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بالجاف ما هو على هيئة الادخار ولابد مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَايَا بَيْعُ رُطَبٍ بِيَابِسٍ وَالْيَابِسُ الَّذِي لَا يُدَّخَرُ لَا يُرْغَبُ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ خَرْصُهَا إنْ أَرَادَ عَدَمَ الْإِمْكَانِ الشَّرْعِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْخَرْصُ فَصَحِيحٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْهُ يَعْنِي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ان شيئا من الحبوب تؤخذ زكاته يخرص وَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ رُطَبًا لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ عِلْمُهُ كَمَا يُدْرَكُ عِلْمُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الْإِمْكَانِ الْحِسِّيِّ فَقَدْ يمنع (نعم) هو عسر لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْعِلَّةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ الْخَرْصُ فِيهِ شَرْعًا فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الِاسْتِتَارُ فِي الْأَوْرَاقِ وَعَدَمِ الظُّهُورِ وَاَلَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الْعُشْرَ
لَا يَجِبُ فِيهَا وَلَا يُسَنُّ الْخَرْصُ فِيهَا كَمَا فَعَلَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي إلْحَاقِ الْعِنَبِ وَقَطْعِ بَقِيَّةِ الثِّمَارِ عَنْ الْإِلْحَاقِ إلَى كَوْنِ الْعِنَبِ يُخْرَصُ وَهِيَ لَا تُخْرَصُ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ لانه لا يضبط خرص شئ غَيْرُهُ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَسْلَمُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَنَقَلَهُ الْعُمْرَانِيُّ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ وَمِنْ الْجَازِمِينَ بِهِ سُلَيْمٌ فِي الْكِفَايَةِ وَفَرَّقَ الْمَحَامِلِيُّ بينه وبين المساقات بأن المعنى الذى لاجله جوزت المساقات فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى ثَمَرَتِهِ وَيَسْقِيهَا ويتعهدها فدعت الحاجة إلى جواز المساقات عَلَيْهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَيْعُ الْعَرَايَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ بِالْخَرْصِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الثِّمَارِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالظَّاهِرُ الطريقة
الْأُولَى لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي بَابِ بَيْعِ الْعَرَايَا مِنْ الْأُمِّ وَكُلُّ ثَمَرَةٍ ظَاهِرَةٍ مِنْ أَصْلٍ ثَابِتٍ مِثْلُ الْفِرْسِكِ وَالْمِشْمِشِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْإِجَّاصِ وغير ذلك مُخَالَفَةٌ لِلتَّمْرِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهَا لَا تُخْرَصُ لِتَفَرُّقِ ثِمَارِهَا وَالْحَائِلِ مِنْ الْوَرِقِ دُونَهَا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمَا وُصِفَتْ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ هِيَ وَإِنْ لَمْ تُخْرَصْ فَقَدْ رَخَّصَ مِنْهَا فِيمَا حَرُمَ مِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي فَأُجِيزُهُ كَانَ مَذْهَبًا هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ مِنْهُ تَقْتَضِي إثْبَاتَ قَوْلٍ آخَرَ بِالْجَوَازِ وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ مَا قَدَّمَهُ وَهُوَ الْمَنْعُ وَمُقْتَضَى تَجْوِيزِ الْعَرَايَا فِيهَا جَوَازُ الْخَرْصِ فِيهَا وَإِلَّا فَكَيْفَ تُبَاعُ الْعَرَايَا وكيف ما قُدِّرَ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَخَّصَ مِنْهَا فِيمَا حَرَّمَ مِنْ غَيْرِهَا أَيْ مَا يُبَاعُ بِالتَّحَرِّي هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ الْأُمِّ وَنُسْخَةٍ ثَانِيَةٍ مِنْهَا أَيْضًا وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ رَخَّصَ مِنْهَا في شئ حَرُمَ مِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْجَوَازِ وَذَلِكَ مَعْنًى لَا يَنْسَاغُ ولافرق بيها وبين وغيرها فِي أَنَّ بَيْعَهَا بِجِنْسِهَا بِالتَّحَرِّي غَيْرُ جَائِزٍ وَبِغَيْرِ جِنْسِهَا جَائِزٌ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بن
بِشْرِي الْمِصْرِيَّ فِي كِتَابِهِ الْمُخْتَصَرِ الْمُنَبَّهِ مِنْ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ نَقَلَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ بِصِيغَةٍ سَالِمَةٍ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ قَالَ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ هِيَ وَإِنْ لَمْ تُخْرَصْ فَقَدْ رَخَّصَ فِيمَا حَرُمَ مِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي فَأُجِيزُهُ كان مذهبنا فَأَسْقَطَ لَفْظَةً مِنْهَا وَاسْتَقَامَ الْمَعْنَى وَصَارَ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ كَمَا رَخَّصَ فِيمَا هُوَ حَرَامٌ مِنْ غَيْرِهَا أَنْ
يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي جَازَ فِيهَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِوَجْهِ الْإِلْحَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فيما نقله الماوردى في الحاوى ولو قائل يجوز التحرى فيها كان مذهبنا وهذا لااشكال فِي فَهْمِهِ (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنْ قُلْتَ إنَّهُ يَجِبُ إذَا مَنَعْنَا الْقِيَاسَ فِي الرُّخَصِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمُ وَقَوْلٌ لِغَيْرِهِ أَنْ لَا يُقَاسَ الْعِنَبُ عَلَى الرُّطَبِ وَلَا نَعْلَمُ قَائِلًا بِهِ فِي مَذْهَبِنَا وَأَجَابَ بِأَنَّ السُّؤَالَ صَحِيحٌ إنْ صَحَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يَمْنَعُ الْقِيَاسَ فِي الرُّخَصِ فِي الْقَدِيمِ وَجَوَابُهُ لَعَلَّهُ كَانَ فِي الْقَدِيمِ يَرَى أَنَّ اسْمَ الْعَرِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِالرُّطَبِ (قُلْت) وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا وَتَرْجِيحُ كَوْنِهِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ وَأَمَّا كَوْنُ الشَّافِعِيِّ له قول
يَمْنَعُ الْقِيَاسَ فِي الرُّخَصِ حَتَّى يَلْزَمَ عَلَيْهِ ما لورده فَلَمْ أَعْلَمْ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا بِذَلِكَ وَلَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي نَقْلٍ مُعْتَمَدٍ وَلَيْسَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَابٌ يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقِيَاسُ إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى قِيَاسَ الْعَرَايَا مِنْ قِسْمِ مَا اسْتَثْنَى عَنْ قَاعِدَةٍ سَابِقَةٍ ويتطرق إلى استثنائه معنى فقياس عَلَيْهِ كُلُّ مَسْأَلَةٍ دَارَتْ بَيْنَ الْمُسْتَقِرِّ وَمُشَارِكِ الْمُسْتَثْنَى فِي عِلَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَثَّلَ بِالْعَرَايَا فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَاسِخًا لِقَاعِدَةِ الرِّبَا لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ لِلْحَاجَةِ فَنَقِيسُ الْعِنَبَ لِأَنَّا نَرَاهُ فِي مَعْنَاهُ نَعَمْ لَنَا رُخَصٌ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا لَا لِأَجْلِ أَنَّهَا رُخَصٌ بَلْ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا شُرُوطُ الْقِيَاسِ كَرُخَصِ السَّفَرِ وَالْمَسْحِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْعَاقِلَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَالْغُرَّةِ وَالشُّفْعَةِ وَالْقَسَامَةِ وَنَظَائِرِهَا وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ مِنْ قِسْمٍ تَرْجَمَ الغزالي عنه بالقواعد المبتدأة العديمة النظر فهذا إنَّمَا امْتَنَعَ الْقِيَاسُ فِيهَا لِعَدَمِ نَظِيرِهَا وَلَيْسَ كُلُّ رُخْصَةٍ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ مَنْ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَقِيسُ فِي الرُّخَصِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَلَا يُعَرَّجُ عَلَى هَذَا النَّقْلِ إلَّا بَعْدَ تَثَبُّتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْجُرْجَانِيُّ لَا تَجُوزُ الْعَرِيَّةُ فِي الزَّرْعِ بِخِلَافِ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ لِأَنَّ أَعْذَاقَهَا وَعَنَاقِيدَهَا مُجْتَمَعَةٌ بَارِزَةٌ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الرُّطَبَ عَلَى الشَّجَرِ بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْ الثِّمَارِ عَلَى الشَّجَرِ وَعَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خَرْصٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَيَتَقَابَضَانِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ بِيعَتْ الْعَرَايَا بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ مَوْصُوفٍ مِنْ كُلِّ مَا عَدَا الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إلَى أَجَلٍ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَرِيَّةَ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه.
(فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَقُّ الْفَقِيهِ أَنْ لَا يَغْفُلَ فِي تَفَاصِيلِ الْمَسَائِلِ عَمَّا مَهَّدْنَاهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ تَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَفِيهَا حَقُّ الْمَسَاكِينِ أو لاحق فِيهَا وَالتَّنْبِيهُ كَافٍ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا بَاعَ من في ملكه خمسة أوسق فصاعدا يحيث تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَيْعِ الْمَالِ وَفِيهِ حَقُّ الزَّكَاةِ مَذْكُورٌ بِأَحْكَامِهِ وَتَفَاصِيلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَذَلِكَ بعينه جار هنا لانه لافرق في ذلك بين أن يكون المبيع بتمر أو بنقد فيجئ إذَا أَطْلَقْنَا هُنَا الْمُرَادَ مِنْ حَيْثُ مَا نَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِيهِ وَأَمَّا تِلْكَ التَّفَاصِيلُ وَالْأَحْكَامُ فَمَعْلُومَةٌ فِي بَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إنَّمَا يَجُوزُ
إذَا خُرِصَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَقُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالتَّضْمِينِ أو أراد إذا لم يبلغ مافى حائط قدرا تجب فيه الزكاة أو أراد الاقدر الزَّكَاةِ إذَا قُلْنَا الْخَرْصُ غَيْرُهُ انْتَهَى وَهَذَا يوافق ما أشار إليه الامام واصل هذه التنبيه عن القفل كذلك حَكَاهُ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَرَأَيْتُهُ في كلام في شرح التخليص وَأَصْلُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّمْرِ من الام ولا حقله هُنَاكَ تَفْرِيقَ الصَّدَقَةِ إذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَسَكَتَ عَنْ الصَّدَقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الشافعي وروايته أن مصدق الحائط أمران يأمر الْخَارِصَ أَنْ يَدَعَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ قَدْرَ مَا يَرَاهُمْ يَأْكُلُونَهُ وَلَا يَخْرُصُهُ لِتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ وَتَكُونُ تِلْكَ الْعَرِيَّةُ إذَا فُرِضَتْ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بها كما ذكر والله أعلم.
لكن قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصْحَابَ نَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ الْقَدِيمِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ أَمَّا إذَا فُرِضَ الْبَيْعُ فِيمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الزَّكَاةِ بِهِ فَلَا شَكَّ فِي جَرَيَانِ مَا نَبَّهُوا عَلَيْهِ وَهَذَا الفرع الذى نبه على الشافعي
مِنْ أَنَّهُ يَدَعُ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ حَائِطِهِمْ قَدْرَ مَا يَرَاهُمْ يَأْكُلُونَهُ مُسْتَفَادٌ غَرِيبٌ ثُمَّ فِيهِ مُبَاحَثَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حَقَّ الْمَسَاكِينِ قبل الخرص هل تعلق الجميع أولا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَكَيْفَ يَنْقَطِعُ بِأَفْرَادِ الْخَارِصِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْرِدَ حَقَّهُمْ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوُثُوقِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَصَدَّقُ بِعُشْرِهِ كَمَا
تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَيَكُونُ حَقُّهُمْ فِي نَخَلَاتٍ مُبْهَمَةٍ وَحِينَئِذٍ فهل ولاية اليقين لِلْمَالِكِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْأَكْلِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ التَّعْيِينِ فإذا باع تكوين كَمَا لَوْ بَاعَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الشِّيَاهِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الزَّكَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَجْلِ الْإِبْهَامِ وَأَمَّا اقْتِضَاءُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ لِتَرْجِيحِ الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ فِيمَا عَدَا قَدْرِ الزَّكَاةِ فَبَعِيدٌ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لَمَّا ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ هَلْ يُجْبَرُ بِالْقِسْطِ أَوْ بِالْكُلِّ قَالَ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يَخْرُجَانِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ إنَّ الزكاة تجب في الذمة لافى الْعَيْنِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إذَا وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ صَحِيحًا فِي جَمِيعِ الْأَرْبَعِينَ فَإِذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْهَا وَاحِدًا كَانَ ذَلِكَ عيبا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فِي الْمَوْضِعِ مَنْ له حائط أي بستان بذلك الموضع لموافقة ثمرتها وفصلها أو قرنها لان الحلال عام لاخاص الا أن يخص بجزء لازم وَإِنْ حَلَّ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ شِرَاؤُهَا حَلَّ لَهُ هِبَتُهَا وَإِطْعَامُهَا وَبَيْعُهَا إذَا حَازَهَا وَمَا يَحِلُّ له من المثال في ماله انتهى وَهَذِهِ الْفُرُوعُ كُلُّهَا وَاضِحَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِمُوَافَقَةِ ثَمَرَتِهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَغْرَاضَ فِي الْبِيَاعَاتِ تَخْتَلِفُ فَلَا يُحْصَرُ الْغَرَضُ فِي أَنْ لَا يَكُونَ لمالك الثمرة أو مِثْلُهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ قَدْ يَكُونُ مِثْلُهَا عِنْدَهُ وَيُرِيدُ ضَمَّهَا إلَيْهِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رحمه الله إنَّ الْخَارِصَ هُنَا يَكْفِي فِيهِ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ عَلَى رَأْيٍ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَا نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْكَيْلِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ وَيَكْفِي فِي الْكَيْلِ وَاحِدٌ فَكَذَلِكَ هَذَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كَيْفِيَّةِ الْخَرْصِ أن ينظر المتبايعان إلى النخلة ويحذر انها وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِهِمَا وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُمَا لَوْ عَلِمَا الْمُمَاثَلَةَ لَا يشترط اخبار
غَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هَهُنَا لَوْ خَرَصَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَخْرُصْ الْآخَرُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ احتمال يتخرج على مالو أَذِنَ مَنْ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِالْكَيْلِ إلَى مُسْتَحَقِّهِ فِي كَيْلِهِ لِنَفْسِهِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا قَالَ وَفِي ظَنِّي أَنَّهُ مَرَّ فِيهِ كَلَامٌ يَلْتَفُّ عَلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لِأَنَّ الْكَيْلَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْقَبْضِ صَارَ بِكَيْلِهِ مُقْبِضًا
وَقَابِضًا وَأَمَّا الْخَرْصُ هَهُنَا فَهُوَ إخْبَارٌ مَحْضٌ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ بِمُسَاوَاةِ هَذِهِ الصُّبْرَةِ لِصُبْرَتِهِ أَوْ الدِّينَارِ لِدِينَارِهِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ كَلَامٌ وَأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي حَتَّى لَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْكَيْلِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَهَهُنَا لَا يَتَأَتَّى قَبْضُ الرُّطَبِ هُنَا إلَّا بِالتَّخْلِيَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَيْلُ فَظَهَرَ أَنَّ الْخَارِصَ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(ولا يباع منه ما ينزع نواه بما لم ينزع نواه لان أحدهما على هيئة الادخار والآخر على غير هيئة الادخار ويتفاضلان حال الادخار فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالرطب بالتمر وهل يجوز بيع ما نزع نواه بعضه ببعض فيه وجهان
(أحدهما)
يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تبيعوا التمر بالتمر الاسواء بسواء)
(والثانى)
لا يجوز لانه يتجافى في المكيال فلا يتحقق فيه التساوى ولانه يجهل تساويها في حال الكمال والادخار فأشبه بيع التمر بالتمر جزافا) .
(الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي جَمَعْتُ فِيهِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ فَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِكَمَالِهِ قِطْعَةً مِنْهُ بَلْ لَفْظُهُ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ) فَاخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَذَلِكَ
جائز عند من يجوز الرواية بالمعنى لاسيما فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِدْلَال دُونَ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ يُغْتَفَرُ ذَلِكَ.
(أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ سَوَّى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجَعَلَ الْوَجْهَيْنِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَبَاعَ مَا نُزِعَ مِنْهُ النَّوَى بِمَا لَمْ يُنْزَعْ مِنْهُ أَمْ بِمِثْلِهِ كَذَلِكَ فِيمَا عَلَّقَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْهُ وَفِيمَا عَلَّقَهُ سُلَيْمٌ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي المسألة الاولى وسكت عن الثانية ويعلم جريانها فيها بطريق وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ حَكَيَا الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْمَنْعِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ جَزَمَ بِالْمَنْعِ ثُمَّ حَكَى أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ ذَكَرُوا وَجْهًا فِي الْمَنْزُوعِ بِالْمَنْزُوعِ فَاسْتَبْعَدَهُ جِدًّا قَالَ ثُمَّ جَاءُوا بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ وَذَكَرُوا خِلَافًا
فِي بَيْعِ تَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى بِتَمْرٍ غَيْرِ مَنْزُوعِ النَّوَى وَهَذَا سَاقِطٌ لَا يُحْتَفَلُ بِمِثْلِهِ قَالَ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله مَعْنَى قَوْلِهِ يَتَفَاضَلَانِ حَالَ الِادِّخَارِ أَنَّهُمَا قَبْلَ نَزْعِ النَّوَى إذَا كُيِّلَا مُتَسَاوِيَيْنِ ثُمَّ نُزِعَ النَّوَى مِنْ أَحَدِهِمَا وَكُيِّلَا ظَهَرَ التَّفَاضُلُ لِأَنَّهُ تَنْتَفِشُ أَجْزَاؤُهُ بِالنَّزْعِ وَتَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ.
(فرع)
المشمش والخوخ ونحوهما لا يبطل كما لها نَزْعُ النَّوَى فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي تَجْفِيفِهَا نَزْعُ النَّوَى قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَكَلَامُ الْفُورَانِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الثَّمَرِ الْمَنْزُوعِ النَّوَى بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَإِنَّهُ قَاسَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ عَلَى الثَّمَرَةِ وَمِنْ ذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الْخِلَافَ قَرِيبٌ إنْ جَوَّزْنَا فِي التَّمْرِ الْمَنْزُوعِ النَّوَى فهذا أولى والا فوجهان وكذلك أورده يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ فِيمَا جَمَعَ مِنْ الْمَسَائِلِ وَلِلْفَرْقِ بِمَا ذَكَرَهُ الرافعى وفرق في الابانة بأن الثمر
* إذَا نُزِعَ نَوَاهُ تَسَارَعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّ شَيْخَهُ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَجْهًا بَعِيدًا فِي اشْتِرَاطِ نَزْعِ النَّوَى كَمَا يُشْتَرَطُ نَزْعُ الْعَظْمِ عَنْ اللَّحْمِ فِي ظَاهِرِ المذهب وقال إنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ شَيْخِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْمَرَاتِبَ ثَلَاثَةٌ التَّمْرُ نُزِعَ نَوَاهُ يُمْنَعُ بَيْعُهُ وَاللَّحْمُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يَتَعَيَّنُ نَزْعُ عَظْمِهِ إذَا حَاوَلْنَا بَيْعَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وبينهما المشمش وما في معناه فيجوز بيع بعضهه بِبَعْضٍ مَعَ النَّوَى وَفِيهِ مَعَ النَّزْعِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ (قُلْت) فَتَحَصَّلْنَا فِي الْمِشْمِشِ وَنَحْوِهِ عَلَى ثلاثة أوجه
(أحدهما)
أنه يشترط نزع النوى
(والثانى)
أَنَّهُ يَفْسُدُ بِنَزْعِ النَّوَى (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي الْحَالَتَيْنِ مَعَ النَّوَى وَمَنْ غَيْرِ نَوَى قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ الْجَوَازَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كلام الرافعي أنه الاصح.
ويجوز بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ وَلُبِّ اللَّوْزِ بِلُبِّ اللَّوْزِ وَفِيهِ وَجْهٌ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي التَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللُّبِّ بِاللُّبِّ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَالَةِ الِادِّخَارِ وَبِهَذَا أجاب في التتمة قاله الرافعي وهو رِبَوِيٌّ قَوْلًا وَاحِدًا قَدِيمًا وَجَدِيدًا لِلتَّقْدِيرِ وَالطَّعْمِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ مَعَ قِشْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَذَلِكَ اللوز.
قال المصنف رحمه الله.
(ولايجوز بيع نيئه بمطبوخه لان النار تعقد أجزاءه وتسخنه فان بيع كيلا لم يجز لانهما لا
يتساويان في الكيل في حال الادخال وان بيع وزنا لم يجز لان أصله الكيل فلا يجوز بيعه وزنا ولايجوز بيع مطبوخه بمطبوخه لان النار قد تعقد من أجزاء أحدهما أكثر من الآخر فيجهل التساوى) .
(الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ) (إحْدَاهُمَا) أَنَّ مَا حَرُمَ فِيهِ الرِّبَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ نيه بمطبوخه
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ لَا يَجُوزُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَطْبُوخًا بنئ مِنْهُ بِحَالٍ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا وَقَالَ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا فَأَعْطَيْتَ مِنْهُ شيئا بمطبوخ فالنئ إذَا طُبِخَ يَنْقُصُ فَيَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ فِي النئ وَمَنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الْعِنَبَ أَوْ الْعَصِيرَ بِالدِّبْسِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ وَكَذَلِكَ التَّمْرُ بِالدِّبْسِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَالْقَاضِي حسين واتفق الاصحاب على أن النئ أَوْ الْقَدِيدَ بِالْمَطْبُوخِ أَوْ بِالْمَشْوِيِّ لَا يَجُوزُ ولافرق بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَطْبُوخُ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ ما لَا يُدَّخَرُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ خَطَأٌ فِي النَّقْلِ بَلْ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ وَقَالَ الْقَاضِي الرُّويَانِيُّ قَبْلَ عِبَارَةِ الشافعي ولايجوز من الجنس الواحد مطبوخا منه بنئ بِحَالٍ وَلَا مَطْبُوخٌ طُبِخَ لِيُدَّخَرَ مَطْبُوخًا فَنَقَلَ المزني هذا وقدم بعض كلام وَأَخَّرَ بَعْضَهُ وَعَطَفَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقِيلَ مَعْنَى مَا نَقَلَ الْمُزَنِيّ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دَاوُد وَقَصَدَ بِهِ بَيَانَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ (قُلْت) وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ مَوْجُودٌ مِثْلُهُ فِي الْأُمِّ فِي تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ فَالْوَجْهُ تأويل ذلك
وَعَدَمُ حَمْلِهِ عَلَى الْخَطَأِ مِنْ الْمُزَنِيِّ وَتَأْوِيلُهُ عُسْرٌ بَلْ هُوَ قَوِيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا يُدَّخَرُ فِي حَالِ كَوْنِهِ نِيئًا وَفِي حال كونه مطبوخا يجوز بيع النئ مِنْهُ بِالْمَطْبُوخِ وَالتَّأْوِيلُ الَّذِي نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ هُوَ أقرب ما يتمحل مع تكلف وقال أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه بِجَوَازِ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّ الْخَصْمَ يَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَاسَهُ على الحنصة بدقيقها والجامع أنهما على صفة يتفاضلا حَالَةَ الِادِّخَارِ وَمَنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْعُ الدِّبْسِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ قَالَ وَحَكَى فِي التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وجه أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدِّبْسِ بِالْخَلِّ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالطَّبْعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا لَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا الَّذِي حَكَيْنَاهُ مُوَافِقٌ
لِلْوَجْهِ الَّذِي سَيَأْتِي عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي أَنَّ عَصِيرَ الْعِنَبِ وخله جنسان ومال إلَيْهِ الْإِمَامُ هُنَاكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) بَيْعُ مَطْبُوخِهِ بِمَطْبُوخِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ تِلْوَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا مَطْبُوخًا مِنْهُ بِمَطْبُوخٍ لِأَنَّ النَّارَ تُنْقِصُ مِنْ بَعْضٍ أَكْثَرَ مِمَّا تُنْقِصُ مِنْ بَعْضٍ وَلَيْسَ لَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا كَمَا يَكُونُ لِلتَّمْرِ فِي الْيُبْسِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَقَالَ مَعْنَى
ذلك في الام فِي بَابِ مَا يُجَامِعُ التَّمْرَ وَمَا يُخَالِفُهُ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ التَّمْرِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِنْ كَانَتْ الشمس قد أخذت من أحدهما ومنهما فَرُبَّمَا يَكُونُ أَخْذُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ أَخْذِهَا مِنْ الْآخَرِ لَكِنَّ لَهُ غَايَةً فِي الْيُبْسِ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَالْمَطْبُوخُ بِخِلَافِهِ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فَرْقًا آخَرَ بَيْنَ الْعَصِيرِ الْمَطْبُوخِ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَإِنَّ التَّمْرَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ تَمْرًا لَا يجوز بيع بعضه ببعض والرب أَوْ الدِّبْسُ مَثَلًا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي كَوْنِهِ عَصِيرًا فَجَرَتْ حَالَةُ الْعَصِيرِ بَعْدَ الطَّبْخِ لِحَالَةِ التَّمْرِ وَهُوَ رُطَبٌ فَلَا يَجُوزُ الدِّبْسُ بِالدِّبْسِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ طُبِخَا فِي قِدْرٍ وَاحِدٍ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَفِي مَعْنَى الدِّبْسِ عَصِيرُ قَصَبِ السُّكَّرِ إذَا عُقِدَ وَصَارَ عَسَلًا وَكَذَلِكَ مَاءُ الرُّطَبِ وَعَصِيرُ الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ بَيْعُ الطِّلَى بِالدِّبْسِ لَا يَجُوزُ وَالطِّلَاءُ أَرَقُّ مِنْ الدِّبْسِ وَبَيْعُ الطِّلَى
بِمِثْلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَبَيْعُ الْخَلِّ بِالدِّبْسِ فِيهِ وجهان وبيع العصير بالخل ولاماء فيهما فيه وجهان قال الماوردى ولايجوز بيع الزيت المطبوخ بالنئ ولا بالمطبوخ ويجوز بيعه بالمشوى والنئ وَالْمَطْبُوخِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَشْوِيِّ بِالْمَشْوِيِّ ولا المطبوخ بِالْمَشْوِيِّ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (1) والرافعي وجزموا به ولايجوز بَيْعُ النَّاطِفِ بِالنَّاطِفِ وَلَا الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ وَلَا بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لِتَغَيُّرِهَا عَنْ هَيْئَتِهَا وَاخْتِلَافِ الْحَبَّاتِ فِي الْيَابِسِ بِالنَّارِ وَكَذَلِكَ لَا يجوز الْحِنْطَةِ الْمَطْبُوخَةِ بِالْمَطْبُوخَةِ وَالْمَشْوِيَّةِ بِالْمَشْوِيَّةِ وَالْمَقْلِيَّةِ بِالْمَبْلُولَةِ وَالْمَبْلُولَةِ بِالْمَشْوِيَّةِ وَأَمَّا بَيْعُ الْمَبْلُولَةِ بِالْمَبْلُولَةِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ صَرَّحَ بِجَمِيعِ الْأَمْثِلَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَأَكْثَرُ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ لَا خِلَافَ فِيهَا عَلَى
مَا يقتضيه اطلاق أكثر الاصحاب الا الدبس فيه ثلاثة أوجه (أحدها) هو الْمَشْهُورُ الَّذِي ادَّعَى الْإِمَامُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَإِنْ طُبِخَا فِي قَدْرٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ إنْ طُبِخَا فِي قِدْرٍ وَاحِدٍ جَازَ وَأَبْطَلَهُ الْقَاضِي بان مافى أَسْفَلِ الْقِدْرِ أَسْخَنُ مِمَّا فِي أَعْلَاهُ لِكَثْرَةِ
(1) بيياض بالاصل
مُمَاسَّةِ النَّارِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ الْجَوَازُ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ ادِّخَارِهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ فِي تَعْلِيلِ الْمَنْعِ مُطْلَقًا أَنَّ الْعَصِيرَ كَامِلٌ وَإِذَا نَظَرْنَا إلَى مِقْدَارٍ مِنْ الدِّبْسِ مُقَابَلَةَ مِثْلِهِ فَلَا يُدْرَى كَمْ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْعَصِيرِ وَكَمْ فِي الدِّبْسِ مِنْهُ فَكَانَ كَالدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ نَظَرًا إلَى تَوَقُّعِ تفاوت في كمال سبق للحب قَالَ وَلَوْ قِيلَ قَدْ يُخَالِفُ مِكْيَالٌ مِنْ الدِّبْسِ مَكِيلًا فِي الْوَزْنِ لِتَفَاوُتٍ فِي التَّعْقِيدِ لَكَانَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُعَقَّدَ يُبَاعُ وَزْنًا بِالتَّعْوِيلِ عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ من ملاحظة كما الْعَصِيرِ لِإِمْكَانِ ادِّخَارِهِ وَلِتَأْثِيرِ مَأْخَذِ بَعْضِ الْعَصِيرِ لِيَصِيرَ دِبْسًا وَقَدْرُ الْمَأْخُوذِ يَخْتَلِفُ وَمَنْ فُرُوعِ مَا دَخَلَتْهُ النَّارُ الْحِنْطَةُ الْمَقْلُوَّةُ بِمِثْلِهَا وَبِالنِّيئَةِ والزيت المغلى بمثله وبالنى كل ذلك لَا يَجُوزُ..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(واختلف أصحابنا في بيع العسل الصفى بالنار بعضه ببعض فمنهم من قال لا يجوز لان النار تعقد أجزاءه فلا يعلم تساويهما ومنهم من قال يجوز وهو المذهب لان نار التصفية نار لَيِّنَةٌ لَا تَعْقِدُ الْأَجْزَاءَ
وانما تميزه من الشمع فصار كالعسل المصفى بالشمس) .
(الشَّرْحُ) الْعَسَلُ إذَا أَطْلَقَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ عَسَلُ النَّحْلِ لَا غَيْرُ فَكُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ تَمْرٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ حَبٍّ جِنْسٌ آخَرُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النَّحْلِ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا قَالَ ابْنُ سِيدَهْ الْعَسَلُ لُعَابُ النَّحْلِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ الْوَاحِدَةُ عَسَلَةٌ وَجَمْعُهُ أَعْسَالٌ وَعَسَلٌ وَعُسُولٌ وَعُسْلَانٌ إذَا أَرَدْتَ أَنْوَاعَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ تِلْوَ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَلَا يُبَاعُ عسل نحل بعسل نحل الا مصفين مِنْ الشَّمْعِ لِأَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وَزْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا شَمْعٌ وَهُوَ غَيْرُ الْعَسَلِ كَانَ الْعَسَلُ بِالْعَسَلِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَكَذَلِكَ لَوْ بِيعَا كَيْلًا وَكَذَلِكَ
ذَكَرَ فِي الْأُمِّ وَقَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَمْعٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَعَسَلُ النَّحْلِ الْمُنْفَرِدُ بِالِاسْمِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْحُلْوِ وَقَالَ فَلَا بأس بالعسل بعصير السكر لانه لا يسمى عسلا الاعلى ما وصفت يعنى من جهة حُلْوًا كَالْعَسَلِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ في عسل الطبر زد وقال وهو ما يبقى من السكر ثخيبا كَالْعَكِرِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النَّحْلِ مُتَفَاضِلًا وَقَالَ أبو الطيب
عَسَلُ الطبرزد أَنْ يُطْبَخَ السُّكَّرُ ثُمَّ يُطْرَحَ فِي إجَّانَةٍ فَإِذَا جَمَدَ أُمِيلَتْ الْإِجَّانَةُ عَلَى جَانِبِهَا فَخَرَجَ مِنْهَا الْعَسَلُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النحل متفاضلا ولايجوز بَيْعُ عَسَلِ الطَّبَرْزَدِ بِعَسَلِ الْقَصَبِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهَلْ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا فِيهِ وَجْهَانِ لِأَجْلِ الطَّبْخِ كَمَا فِي السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ ناره خفيفة وحمل القول في بيع العسل النَّحْلِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُبَاعَ بشمعه أولا فَإِنْ بِيعَ بِشَمْعِهِ فَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ وَلَا بالصافي وقد تقدم ذلك في قاعدة مدعجوة وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ وَفِيهِ الْعَظْمُ وَبَيْنَ التَّمْرِ وَفِيهِ النَّوَى مِنْ وَجْهَيْنِ أَنَّ بقاء ذلك من مصلحته بخلاف الشمع
(والثانى)
أَنَّ الشَّمْعَ لَهُ قِيمَةٌ وَأَنَّ بَيْعَ الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِمِثْلِهِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ التَّصْفِيَةُ بِالشَّمْسِ أَوْ بِالنَّارِ فَإِنْ صُفِّيَ بِالشَّمْسِ فَإِنْ تُرِكَ فِيهَا حَتَّى ذَابَ وَتَمَيَّزَ الشَّمْعُ مِنْ الْعَسَلِ جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ صُفِّيَ بِالنَّارِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ النَّارُ كَثِيرَةً بِحَيْثُ تَأْخُذُ مِنْهُ وَيَنْعَقِدُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَفِيفَةً بِحَيْثُ يَحْمِيهِ بِهَا وَيُصَفِّيهِ مِنْ غَيْرِ كَثْرَةٍ فَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ تُرِكَ حَتَّى انْعَقَدَتْ
أَجْزَاؤُهُ وَثَخُنَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الدِّبْسِ وَالزَّيْتِ وَشِبْهِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً بِحَيْثُ أُذِيبَ وَأُخِذَ أَوَّلَ مَا ذَابَ قَبْلَ أَنْ تَنْعَقِدَ أَجْزَاؤُهُ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ بِالْجَوَازِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ صُفِّيَ بِالنَّارِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ مُخْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ وَرَدَّ الْقَاضِي ذَلِكَ بِأَنَّ السَّلَمَ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ تَعَيَّبَ بِدُخُولِ النَّارِ فِيهِ وَالسَّلَمُ فِي الْمَعِيبِ لَا يَجُوزُ
وَكَذَلِكَ الْفُورَانِيُّ رَدَّ ذَلِكَ بِمِثْلِ مَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَأَظْهَرُ) الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ الْجَوَازُ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى سَائِرِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ (وَقَالَ) الرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَصْرِهِ تَمَيُّزُ الشَّمْعِ عَنْهُ وَنَارُ التَّمْيِيزِ لَيِّنَةٌ لَا تُؤَثِّرُ فِي التَّعْقِيدِ فَأَشْبَهَ الْمُصَفَّى بالشمس وممن صحح الجواز ابن عَصْرُونٍ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْفُورَانِيِّ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوَازَ ثُمَّ ذَكَرَ
عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الْمُصَفَّى بالشمس والمصفى بالنار ومنع في المصفى بالنار قال وهذا ليس بشئ كما رجحه الفورانى وما حكاهما الوجهان اللذان في الكتاب ويشبه أن يكونا هَذَانِ الْوَجْهَانِ مُنَزَّلَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ التَّفْصِيلِ وَيَكُونُ ذَلِكَ تَحْقِيقُ مناط هل حصل نقص أولا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْنَ الْعَسَلِ وَالزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ بِأَنَّ النَّارَ دَخَلَتْ فِي الْعَسَلِ بِالصَّلَاحِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ شَمْعِهِ فَلَمْ تَأْخُذْ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَسَلِ شَيْئًا وَكَذَلِكَ السَّمْنُ وَإِنَّمَا تَأْخُذُ النَّارُ فِيمَا يَدْخُلُ فِيهِ الِانْعِقَادُ وَاجْتِمَاعُ أَجْزَائِهِ قَالَ حَتَّى لَوْ أَنَّ الْعَسَلَ الْمُصَفَّى أُغْلِيَ بِالنَّارِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَنَّ النار اذن لم تميزه من غيره (اعلم) أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَكَلَّمَ أَوَّلًا فِي الْمَعْرُوضِ عَلَى النار عرض عقد واطبخ كَاللَّحْمِ وَالدِّبْسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَهَذَا الْقِسْمُ فِي الْمَعْرُوضِ عَلَى النَّارِ لِلتَّمْيِيزِ وَالتَّصْفِيَةِ وَذَكَرَ مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا هو مختلف فيه وهو العسل الذى عتاب سرحه والسكر وَسَيَأْتِي وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لَهُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُعْرَضَانِ عَلَى النَّارِ لِتَمْيِيزِ الْغِشِّ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ إذَا دَخَلَا النَّارَ لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ في جرمهما نَعَمْ لَوْ خَالَطَهُمَا غِشٌّ فَأُدْخِلَا النَّارَ لِتُخَلِّصَهُ فَقَدْ يُقَالُ بِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ لِأَنَّهَا قَدْ تُؤَثِّرُ فِي إخْرَاجِهِ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِمَّا تُؤَثِّرُ فِي الْآخَرِ وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّهُ يجوز
لِأَنَّ لِأَهْلِ الصِّنَاعَةِ فِي ذَلِكَ خِبْرَةً لَا تُحْرِقُهُ وَلَا تَغْلِبُهُمْ النَّارُ عَلَيْهَا بِخِلَافِهَا فِي السُّكَّرِ وَنَحْوِهِ (قُلْت) وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَإِنْ لَمْ يُفَصِّلُوا هَذَا التَّفْصِيلَ بَلْ فِي تصريحهم بالعرض لتمييز الْغِشِّ مَا يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ مِنْ النَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ قِيلَ إذَا صُفِّيَ الْعَسَلُ بِشَمْسِ الْحِجَازِ فَقَدْ يَكُونُ أَثَرُ الشَّمْسِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ بَالِغًا مَبْلَغَ النَّارِ فَإِنَّا نَرَى شَرَائِحَ اللَّحْمِ تُعْرَضُ عَلَى رَمْضَاءِ الْحِجَارَةِ فَتَنِشُّ نَشِيشًا عَلَى الْجَمْرِ قُلْنَا هَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ (وَالْأَظْهَرُ) جَوَازُ الْبَيْعِ وَأَنَّ أَثَرَ الشَّمْسِ فِيمَا أَظُنُّ لَا يَتَفَاوَتُ وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُ أَثَرُ النَّارِ لِاضْطِرَامِهَا وَقُوَّتِهَا وَبُعْدِهَا مِنْ الْمِرْجَلِ وَالتَّعْوِيلُ عَلَى تَفَاوُتِ الْأَثَرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَغْلَى مَا عَلَى النَّارِ أَوْ خَلَّ ثَقِيفٍ لَمْ يَمْتَنِعَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَإِنَّ النَّارَ لَا تُؤَثِّرُ فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بِتَعْقِيدٍ حَتَّى يَعْرِضَ فِيهَا التَّفَاوُتُ فَيُزِيلَ بَعْضَ الْأَجْزَاءِ وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى اسْتِوَاءٍ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ في الكفالة ذهب بعض أصحابنا إلى أنه ان صففى بِهَا يَعْنِي الشَّمْسَ فِي الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ الْحَرِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا صُفِّيَ بِهَا فِي البلاد الشديدة الحر قال محكى وليس بشئ.
(فَرْعٌ)
إنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ بِمِثْلِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَسَلِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ لِأَنَّ النَّارَ إذَا عَقَدَتْ أَجْزَاءَ أَحَدِهِمَا أَدَّى إلَى التَّفَاضُلِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ
بَيْعِ الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ بِمِثْلِهِ فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ النَّارَ قَدْ يَتَقَارَبُ تَفَاوُتُهَا وَيَتَبَاعَدُ في الشمس تباعد مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ (قُلْت) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْجَوَازُ لِأَنَّا إنَّمَا نُجَوِّزُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّارَ لَطِيفَةٌ تُمَيِّزُ وَلَا تَعْقِدُ الْأَجْزَاءَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا أَثَرَ لَهَا فِي التَّمَاثُلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ.
(التَّفْرِيعُ) حَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ بَيْعِ الْعَسَلِ بِالْعَسَلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُصَفًّى بِالشَّمْسِ وَإِمَّا بِالنَّارِ اللَّطِيفَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيمَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَالْعَسَلُ بِالْعَسَلِ كَيْلًا بِكَيْلٍ إنْ كَانَ يُبَاعُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا بِوَزْنٍ إنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْعَسَلُ وَالسَّمْنُ وَالسُّكَّرُ الْوَزْنُ فِيهِمَا أَحْوَطُ فَالظَّاهِرُ فِي هَذَا أَنَّهُ مَوْزُونٌ وَعَدَّهُ فِي الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ مَعَ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالسُّكَّرِ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ فَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وَزْنًا إلَى آخره وقال أبو إسحق لَا يُبَاعُ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التعرض لشئ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ كَالسَّمْنِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَهُمَا جَمِيعًا مَوْزُونَانِ خِلَافًا لِأَبِي اسحق كَمَا
تَقَدَّمَ وَقَدْ حَمَلَ الرُّويَانِيُّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَ فِي الصَّرْفِ عَلَى التَّوَقُّفِ فِيهِ قَالَ وَقِيلَ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ أَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وزنا إذا انعقدا بِبَرْدِ الْهَوَاءِ وَغَلُظَ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ فَيُبَاعُ حِينَئِذٍ وَزْنًا فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ كَيْلُهُ
فَلَا يُبَاعُ إلَّا كَيْلًا قَالَ وَهُوَ قَرِيبٌ من قول أبى اسحق (وَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ مَا تَقَدَّمَ وَاعْتَرَضَ الْأَصْحَابُ عَلَى الْمُزَنِيِّ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وَزْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا شَمْعٌ وَهُوَ غَيْرُ الْعَسَلِ كَانَ الْعَسَلُ تَارَةً غَيْرَ مَعْلُومٍ قَالُوا لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَعْلُومُ الْمُفَاضَلَةِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّعْلِيلُ فِي الشَّهْدِ بِالشَّهْدِ لِأَنَّهُمَا بِمَا فِيهِمَا مِنْ الشَّمْعِ غَيْرُ مَعْلُومَيْ الْمُمَاثَلَةِ قَالُوا وَالشَّافِعِيُّ ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيلَ هُنَاكَ فَاشْتَبَهَتْ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ يَدُلُّ عَلَى تَصْحِيحِ أَحَدِ الْوُجُوهِ فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ مِعْيَارُهُ يَعْنِي الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِالتَّخَيُّرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ دَاوُد لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِيهِ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلًا تَارَةً وَوَزْنًا أخرى قال وهذا غريب قل ما يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ (قُلْت) وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ بَلْ الْمُرَادُ التَّوَقُّفُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَسَلُ الرُّطَبِ وَهُوَ رُبٌّ يَسِيلُ مِنْهُ يَجُوزُ بيع بعضه ببعض متساوين فِي الْكَيْلِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النَّحْلِ مُتَفَاضِلًا وَجُزَافًا يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ كَمَا يجوز بيع العسل بالدبس.
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(واختلفوا في بيع السكر بعضه ببعض فمنهم من قال لا يجوز لان النار قد عقدت أجزاءه ومنهم من قال يجوز لان ناره لَا تَعْقِدُ الْأَجْزَاءَ وَإِنَّمَا تُمَيِّزُهُ مِنْ الْقَصَبِ) .
* (الشَّرْحُ) الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَجَعَلَهُمَا الرَّافِعِيُّ كَالدِّبْسِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُ الْمَنْعُ فِي السُّكَّرِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابن الرفعة عن الارغانى أَنَّهُ قَالَ فِي فَتَاوَى النِّهَايَةِ بِالْبُطْلَانِ فِي السكر والفانيد وَالْعَسَلِ الْمُمَيَّزِ بِالنَّارِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَذَلِكَ قِيَاسُ جَزْمِ الْعِرَاقِيِّينَ بِمَنْعِ السَّلَمِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ بَابَ الرِّبَا أَحْوَطُ مِنْ بَابِ السَّلَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَجْلِ طَلَبِ الْمُمَاثَلَةِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ فِي السُّكَّرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ الصَّحِيحُ
وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ إيرَادُ الْجُرْجَانِيِّ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَنْ سُلَيْمٍ أَنَّهُ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ فِي التَّعْلِيقِ عن أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْمَنْعِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَتْ لِلتَّصْفِيَةِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ وَإِنْ دَخَلَتْ لِعَقْدِ الْأَجْزَاءِ لَمْ يَجُزْ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ قَدْ يُسْتَشْكَلُ قَوْلُ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ إنَّ نَارَ السُّكَّرِ لَيِّنَةٌ لَا تَعْقِدُ الْأَجْزَاءَ وَإِنَّمَا تُمَيِّزُهُ مِنْ الْقَصَبِ وَالسُّكَّرُ إنَّمَا يَتَمَيَّزُ مِنْ الْقَصَبِ بِالْعُودِ الَّذِي يُعْصَرُ بِهِ فَإِذَا وَقَعَ أَحَدُ الْعُودَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَانْعَصَرَ الْقَصَبُ تَمَيَّزَ وَفِي بَعْضِ ما تكلم به على المذهب تأويل ذلك بانه لابد أن يبقى في السكر شئ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَصَبِ وَيَكْثُرُ ذَلِكَ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى اسْتِخْرَاجِهِ فَإِذَا أُغْلِيَ بِالنَّارِ سَهُلَ إخْرَاجُهُ فَإِنَّ مَا يَبْقَى مِنْ أَجْزَاءِ الْقَصَبِ يَعْلُو عَلَى السُّكَّرِ عِنْدَ الْغَلَيَانِ وَيَسْهُلُ اسْتِخْرَاجُهُ فَهَذَا معنى التمييز الذى
قصده وَعَلَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْجَوَازَ بِأَنَّ لِدُخُولِ النَّارِ فِيهِ حَدًّا وَنِهَايَةً وَعَلَّلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ الِانْعِقَادَ مِنْ طِبَاعِ السُّكَّرِ كَمَا حَكَيْنَاهُ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فقال في السكر والفانيدان أُلْقِيَ فِيهِمَا مَاءٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِلَّا فَيُنْظَرُ فَإِنْ دَخَلَتْ النَّارُ فِيهِمَا لِتَصْفِيَتِهِمَا وَتَمْيِيزِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا جَازَ وَإِنْ دَخَلَتْ لِاجْتِمَاعِ أَجْزَائِهِ وَانْعِقَادِهَا فَلَا (قُلْت) أَمَّا تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ مُنَزَّلًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ بيع السكر وغيره بملثه قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ لان السكر لامن إذَابَةِ أَصْلِهِ بِالْمَاءِ لِيَحِلَّ ثُمَّ يُطْبَخَ وَنَصُبُّ عَلَيْهِ بَعْدَ غَلَيَانِهِ اللَّبَنَ لِيُبَيِّضَهُ وَيُزِيلَ وَسَخَهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي مَنْعَ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَلَى طَرِيقِهِ (قُلْت) وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَتَحَدَّدْ عِنْدَهُ حَالُ السُّكَّرِ وَلَا حَالُ تَأْثِيرِ النَّارِ فِيهِ فَأَمَّا حُكْمُهُ بِالْمَنْعِ عِنْدَ اخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّ ذلك لابد مِنْهُ فَهُوَ يَقْتَضِي قَوْلَهُ بِالْمَنْعِ فِيهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّ الْخَلِيطَ الَّذِي فِيهِ مِنْ الدَّقِيقِ وَاللَّبَنِ مَانِعٌ مِنْ التَّمَاثُلِ أَمَّا الْمَاءُ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي وَزْنِهِ بَعْدَ الْجَفَافِ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ مَا ذَكَرَ فِي السُّكَّرِ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي مِنْ الْخِلَافِ جَارٍ فِي كُلِّ مَا يَنْعَقِدُ كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ بِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي الْقَنْدِ الْفُورَانِيُّ وَأَجْرَاهُ الْإِمَامُ الغزالي في الفانيد وأجراه الغزالي رحمه الله أيضا القند وفى اللباء.
(فَرْعٌ)
إذَا بِيعَ السُّكَّرُ فَالْمِعْيَارُ فِيهِ الْوَزْنُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ الْأَصْحَابِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وقد تقدم قول الجوزى وَتَنْبِيهُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ وقال ابن أبى الدم ان أبا اسحق قَالَ يُبَاعُ كَيْلًا وَجَعَلَ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ كَالسَّمْنِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ ابْنِ أَبِي الدَّمِ وعلل وجه أبى اسحق على ما زعم بأن أصله الكيل وكأن يعني العصير فانه مكيل وبيع الفانيد كبيع السكر بالسكر قاله المارودى وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ.
(فَرْعٌ)
قَالَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي يَجُوزُ بَيْعُ السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ وَزْنًا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْيُبْسِ وَالصِّفَةِ فَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ الْيُبْسَ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ التَّسَاوِي فِي الصِّفَةِ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ شَرْطٍ فِي الرِّبَوِيَّاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ مِنْ نَوْعٍ بِالتَّمْرِ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ نَصْرٍ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ إذَا اخْتَلَفَتْ صِفَتُهُمَا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ غَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ قَصَبِ السُّكَّرِ بِقَصَبِ السُّكَّرِ وَلَا بِالسُّكَّرِ كَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ أَوْ بِالرُّطَبِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ الْإِمَامُ فِي السكر والفانيد مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا جِنْسٌ وَهَذَا بَعِيدٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ جِنْسَانِ فَإِنَّ قَصَبَهُمَا مُخْتَلِفٌ وليس للفانيد عَكَرُ السُّكَّرِ وَأَمَّا السُّكَّرُ الْأَحْمَرُ الَّذِي يُسَمَّى الْقَوَالِبَ فَهُوَ عَكَرُ السُّكَّرِ الْأَبْيَضِ وَمِنْ قَصَبِهِ وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ تَرَدُّدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يخالف صِفَةَ الْأَبْيَضِ مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً وَقَدْ يَشْتَمِلُ أَصْلٌ وَاحِدٌ عَلَى مُخْتَلِفَاتٍ
كَاللَّبَنِ وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ مِنْ جِنْسِ السُّكَّرِ وَقَالَ القاضى حسين ان بيع قصب الفانيد بقصب الفانيد جائز وبالفانيد لَا يَجُوزُ وَبِقَصَبِ السُّكَّرِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا إنْ كَانَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَصْلَيْنِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلَيْنِ وَتَابَعَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَلَى ذَلِكَ (قُلْتُ) وَهَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْقَصَبَ كُلَّهُ الَّذِي يعمل منه السكر والفانيد جِنْسٌ وَاحِدٌ.
(فَرْعٌ)
لَمَّا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ حُكْمَ السكر والفانيد قَالَ وَكَذَلِكَ دِبْسُ التَّمْرِ وَرَبُّ الْفَوَاكِهِ.
(فَرْعٌ)
بيع الفانيد بِالسُّكَّرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ كَانَ أَصْلُهُمَا واحد فهو كبيع الفانيد بالفانيد وان كان أصلهما مختلفا فيجوز كيف ما كَانَ (قُلْتُ) وَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ فَإِنَّ أَصْلَ السكر والفانيد قَصَبٌ وَاحِدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْقَصَبَ فِي بِلَادِهِمْ (فَائِدَةٌ)
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ النَّارَ في القتد فوق النار في السكر والفانيد لِأَنَّ عَصِيرَ الْقَصَبِ يُوضَعُ فِي قِدْرٍ كَبِيرٍ كَالْخَابِيَةِ وَيُغْلَى عَلَيْهِ غَلَيَانًا شَدِيدًا إلَى أَنْ تَزُولَ مِنْهُ مَائِيَّةٌ كَثِيرَةٌ وَيُسَمَّى ذَلِكَ صَلْقًا ثُمَّ يُطْبَخُ فِي قِدْرٍ أَلْطَفَ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ وَتُقَوَّى نَارُهُ إلَى أَنْ تَذْهَبَ مَائِيَّتُهُ فَيُوضَعُ فِي أَوْعِيَةٍ لِطَافٍ فَوْقَ الْأَوْعِيَةِ الَّتِي يُصَبُّ فِيهَا السُّكَّرُ وَالنَّارُ فِيهِ فَوْقَ النَّارِ فِي الَّذِي يُطْبَخُ عَسَلًا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الْمَصْلُوقِ فِي الْخَابِيَةِ وَكَثِيرًا مَا تَقْوَى نَارُ الَّذِي يُطَبَّخُ عَسَلًا فَتَصِيرُ أَجْزَاؤُهُ إذَا بَرَدَ قريبا من عقد أجزاء في القتد وعند ذَلِكَ يُسَمَّى بِالْجَالِسِ
ويطبخ منه السكر كما يطبخ من القتد لكن طعمهما متابين وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمِنْ عَصِيرِ قَصَبِ السكر يتخذ العسل المرسل ويتخذ القتد وعن القتد يَنْفَصِلُ الْعَسَلُ الْمُسَمَّى بِالْقَصَبِ وَهُوَ مَا يَقْطُرُ من أسفل أنالينح القتد بعد أخذه في الجفاف والقتد يَخْتَلِفُ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ بِحَسَبِ تَبْرِيدِ الْقَصَبِ وجودة الطبخ ومن الطيب من القتد يُتَّخَذُ السُّكَّرُ وَإِذَا جَمَدَ اُسْتُقْطِرَ مَا فِيهِ مِنْ الْعَسَلِ مِنْ ثُقْبٍ فِي أَسْفَلِ الْإِجَّانَةِ الَّتِي يُوضَعُ فِيهَا بَعْدَ طَبْخِهِ وَهَذَا الْعَسَلُ يُسَمَّى كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِعَسَلِ الطبرزد وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ بِالْقَطَّارَةِ وَهُوَ يَتَنَوَّعُ بِحَسَبِ تَنَوُّعِ السُّكَّرِ الَّذِي يُسْتَقْطَرُ مِنْهُ وَأَنْوَاعُ السُّكَّرِ ثَلَاثَةٌ الْوَسَطُ وَهُوَ أَدْوَنُهُ وَمِنْ أَعْلَا إنَاءٍ يتجه يكون الآخر لان القطارة تنجس فيه والعال وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ فِي الْجَوْدَةِ وَالْمُكَرَّرُ هُوَ أَعْلَا الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ يُطْبَخُ مَرَّةً ثَانِيَةً مِنْ السُّكَّرِ الْوَسَطِ وَالسُّكَّرُ النَّبَاتُ يُطْبَخُ مِنْ السُّكَّرِ الْوَسَطِ أَيْضًا لَكِنَّهُ يُجْعَلُ فِي قِدْرٍ مِنْ الْفَخَّارِ قَدْ صُلِبَ فِيهِ عِيدَانٌ مِنْ الْجَرِيدِ رِقَاقٌ لِيَثْبُتَ فِيهَا السُّكَّرُ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ عَسَلٍ عِنْدَ كَمَالِ نَبَاتِهِ يُسَمَّى بِقَطْرِ النبات والفانيد تَارَةً مِنْ السُّكَّرِ غَيْرِ النَّبَاتِ وَتَارَةً مِنْ الْعَسَلِ الْمُسَمَّى بِالْمُرْسَلِ الْمَطْبُوخِ مِنْ مَاءِ الْقَصَبِ في أول أمره وطبعه مخلف طبع السكر ولونه يخالف لونه الاسم مُخْتَلِفٌ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهَا وَاحِدٌ الْقَصَبُ وَعِنْدَ ذلك يتقرر الخلاف في الفانيد وَالسُّكَّرِ هَلْ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِمَا كما في عسل القتد وَعَسَلِ السُّكَّرِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالطَّبَرْزَدِ أَوْ جِنْسَانِ باعتبار
اخْتِلَافِ الصِّفَةِ وَالِاسْمِ فَهَذَا فَصْلٌ مُفِيدٌ مِنْ كلام ابن الرفعة فانه كان عرافا بِذَلِكَ وَكَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَشِبْهُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُحَقِّقُوا الْحَالَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي بِلَادِهِمْ أَوْ لَيْسَ لَهُمْ بِهِ خِبْرَةٌ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْضًا وَأَمَّا السُّكَّرُ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالنَّبَاتُ فَجِنْسٌ وَاحِدٌ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَقُرْبِ الطِّبَاعِ وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا فِيهِ الْخِلَافُ السابق والفانيد قد يجعل فيه شئ مِنْ الدَّقِيقِ وَعِنْدَ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا هُوَ وَالسُّكَّرُ جِنْسَانِ لَمْ يَضُرَّ (وَإِنْ قُلْنَا) جِنْسٌ واحد فلا يجوز بيعه بالسكران لم ينظر إلى التأثير النَّارِ وَلِأَنَّهُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَقَالَ ومع تفاوت النار في القتد والسكر والفانيد لم يذكر المصنف يعنى الغرالى فَرْقًا بَيْنَهُمَا كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ ذلك في السكر بل جوزوه في الجميعع عَلَى رَأْيٍ مُرَجَّحٍ فِي الْحَاوِي وَمَمْنُوعٌ عَلَى وَجْهٍ جَزَمَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ فَوَجْهُ التَّسْوِيَةِ فِي الْجَمِيعِ أَنَّ لِلنَّارِ فِي ذَلِكَ حَدًّا بِحَسَبِ الْعُرْفِ فَأُحِيلَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُقَالُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي النَّارِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الدِّبْسِ وَقَدْ قَطَعَ فَرِيقٌ فِيهِ بِالْمَنْعِ وان حكى الخلاف في السكر وَنَحْوِهِ تُصْلِحُهُ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْهَا فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا قَالَ وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنِّي رَأَيْتُ حِكَايَةً عن الامالى أن تأثير النار في الشئ إنْ لَمْ يَكُنْ
لَهُ نِهَايَةٌ كَالدِّبْسِ فَكُلَّمَا كَثُرَ النَّارُ كَانَ أَجْوَدَ وَلَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ إلَى أَنْ يَتَلَابَسَ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَنَّ تَأْثِيرَ النَّارِ فِي تَنْقِيصِ رُطُوبَتِهِ تَتَفَاوَتُ وَإِنْ كَانَ له نهاية كالسكر والفانيد فيه وَجْهَانِ (قُلْتُ) هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ الْأَمَالِي وَذِكْرُ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا لَمْ أَفْهَمْهُ وَلَا يَقَعُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه ذِكْرُ وَجْهَيْنِ فليتأمل ذلك إلا أن يكون المراد أمال السرخسى..
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(ولايجوز بيع الحب بدقيقه متفاضلا لان الدقيق هو الحب بعينه وانما فرقت أجزاؤه فهو كالدنانير الصحاح بالقراضة فأما بيعه به متماثلا فالمنصوص أنه لا يجوز وقال الكرابيسى قال أبو عبد الله يجوز فجعل أبو الطيب بن سلمة هذا قولا آخر وقال أكثر أصحابنا لا يجوز قولا واحدا ولعل الكرابيسى أراد أبا عبد الله مالكا أو أحمد فان عندهما يجوز ذلك والدليل على أنه لا يجوز أنه جنس فيه ربا بيع
منه ما هو على هيئة الادخار بما ليس منه على هيئة الادخار على وجه يتفاضلان في حال الادخار فلم يصح كبيع الرطب بالتمر) .
(الشَّرْحُ) الْكَرَابِيسِيُّ هُوَ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ على البغدادي صاحب الشافعي في العراق كان عَالِمًا فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ وَلَهُ تَصَانِيفُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا كِتَابُ الرَّدِّ عَلَى الْمُدَلِّسِينَ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِ أبى جعفر توفى الكرابيسى سنة خمسة وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَأَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدٌ بْنِ الْمُفَضَّلِ بِمِيمٍ فِي أَوَّلِهِ ابْنُ سَلَمَةَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا دَرَسَ الْفِقْهَ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَكَانَ مَخْصُوصًا بِفَرْطِ الذَّكَاءِ وَالشَّهَامَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ يُقْبِلُ عَلَيْهِ غَايَةَ الْإِقْبَالِ وَيَمِيلُ إلَى تَعْلِيمِهِ كُلَّ الْمَيْلِ صَنَّفَ كُتُبًا عِدَّةً مَاتَ شَابًّا سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ صلاة المسافر
وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ مَالِكٍ رحمه الله وَهُوَ أَجَلُّ من أن ينبه على شئ مِنْ أَخْبَارِهِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْمُهَذَّبِ فِيمَا أَظُنُّ وَهُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالِ بْنِ اسد بن ادريس ابن عبد الله بن حبان بحاء مهملة وياء آخر الحرو ف ابْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَنَسِ بْنِ عَوْفِ بن قاسط بن مازن ابن ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بن أقصى بْنِ دُعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مُضَرَ بْنِ مَعْدِ بن عدنان مولده سنة (1) وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَفَضَائِلُهُ وَمَنَاقِبُهُ عِلْمًا وَزُهْدًا وَوَرَعًا أَكْثَرُ مِنْ أن تحصى وأشهر ممن تُذْكَرَ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنهم بالعراق وقول الْمُصَنِّفُ الْحَبُّ بِدَقِيقِهِ يَشْمَلُ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَغَيْرَهُمَا وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ بَيْعِهِ بِدَقِيقِ غَيْرِهِ كَبَيْعِ الحنطة بدقيق الشعير والشعير
(1) بياض الاصل
بِدَقِيقِ الْحِنْطَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ قَاطِعُونَ أَنَّ الْأَدِقَّةَ أَجْنَاسٌ وَالْمَقْصُودُ بَيْعُ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ أَوْ بَيْعُ الشَّعِيرِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ مسألتان (إحدهما) أَنْ يُبَاعَ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي ثَوْرٍ جَوَازَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَنَقَضَ
الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ بِاللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ الضَّابِطِ الَّذِي مَهَدُوهُ فِي اخْتِلَافِ الجنس واتحاد ومذهب أَبِي ثَوْرٍ فِي ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ دَاوُد وَإِنَّهُ ذَهَبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَعَمَّمَ فَقَالَ يَجُوزُ بَيْعُ الْقَمْحِ بِدَقِيقِهِ وَسَوِيقِهِ وخبزه وبيع الدقيق بالدقيق والسويق بالخبز وَالسَّوِيقِ بِالسَّوِيقِ وَبِالْخُبْزِ وَالْخُبْزِ بِالْخُبْزِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَفَاضِلًا فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ
الْإِمَامُ عَنْ الْمُزَنِيِّ فِي الْمَنْثُورِ مَعَ نَقْلِهِ فِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ دَقِيقٌ بِقَمْحٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ المذهب وبه قال الحسن البصري ومكحول وأبو هشام وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَرَبِيعَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَاللَّيْثُ بْنِ سَعْدٍ وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ إثْبَاتِ مَا حَكَاهُ الْكَرَابِيسِيُّ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والعبد رى قال العبدري والصحيح أَنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ الشَّافِعِيِّ إلَّا الْمَنْعُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يُحْفَظُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ خَطَأٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُ مَنْ سَمَّيْنَا يَقُولُ ذَلِكَ قال
هَؤُلَاءِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكًا وَأَحْمَدَ لِمَا سَنَحْكِيهِ مِنْ مَذْهَبِهِمَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ سَكَتُوا عَنْهُ لَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا مِنْهُمْ الْفُورَانِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ولم يوجد في شئ مِنْ كُتُبِهِ جَوَازُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى إثْبَاتِهِ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ ابن سَلَمَةَ فِيمَا حَكَاهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَابْنُ الْوَكِيلِ فِيمَا حَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَفَّالُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شرح التلخيص بَعْدَ قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فَإِنْ كَانَا مَطْحُونَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يَجُزْ قَالَ الْقَفَّالُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَاسْتَفَدْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقَفَّالَ مِنْ الْمُعْتَرِفِينَ بِإِثْبَاتِ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ
يَنْسِبْهُ لِلْكَرَابِيسِيِّ وَالْكَرَابِيسِيّ مِنْ رُوَاةِ الْقَدِيمِ وَوَجَّهُوهُ بما سنذكره من حجة الملكية قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَلَى هَذَا فَالْمِعْيَارُ الْكَيْلُ وَقَدْ اخْتَارَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِهِ الْإِشْرَافِ مَنْعَ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا وَجَوَازُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ حُجَّةً تَمْنَعُ من بيعه مثلا بمثل وجعل الامام منقول الكرابيسى
شيأ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الدَّقِيقَ وَالْحِنْطَةَ جِنْسَانِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا لِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ وَالِاسْمِ وَالْمَنْفَعَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُنْفَرِدًا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ يَعْنِي الْإِمَامَ (قُلْتُ) وَلَيْسَ مُنْفَرِدًا بِهَا بَلْ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي كَذَلِكَ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ فَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالُوا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنَّ الرُّطَبَ لَمْ يَبْلُغْ حَالَةَ الِادِّخَارِ وَالدَّقِيقُ زَالَ عَنْهَا وَلَوْ قُدِّرَ عَوْدُ الدَّقِيقِ إلَى حَالِ كَوْنِهِ حِنْطَةً لَفَاتَتْ الْمُمَاثَلَةُ كَمَا أَنَّهُ إذَا قُدِّرَ الرُّطَبُ تَمْرًا تَفُوتُ الْمُمَاثَلَةُ قَالَ الْأَصْحَابُ حَالَةُ كَمَالِ الْحَبِّ كَوْنُهُ حَبًّا فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِلْبَذْرِ وَالطَّحْنِ وَالِادِّخَارِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الدَّقِيقَ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا زَالَ عَنْ حَالِ كَمَالِ الْبَقَاءِ كَاللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَالشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ وَاحْتَرَزُوا بِصَنْعَةٍ أَدْنَى عَنْ الْمُسْتَوِيَيْنِ وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ مَالِكٍ بِأَنَّ الدَّقِيقَ نَفْسُ الْحِنْطَةِ وَإِنَّمَا تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرَةِ وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بِأَنَّ الطَّحْنَ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْوَزْنُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْكَيْلُ فَإِذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَزْنًا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ وأجاب الاصحاب عن حجة الملكية بِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَبًّا
كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مُنْضَمَّةً مُجْتَمَعَةً فَلَا يَأْخُذُ مِنْ الميكال الْمَوْضِعَ الَّذِي يَأْخُذُهُ إذَا طُحِنَ وَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ فَمَتَى بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كَانَا مُتَفَاضِلَيْنِ وَعَنْ حُجَّةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مُعْتَبَرَةٌ كَيْلًا فَإِذَا قُدِّرَ عَوْدُهُمَا إلَى حَالَةِ كَوْنِهِمَا طَعَامًا أَفْضَى إلَى التَّفَاضُلِ كَيْلًا وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ جُمْلَةِ قَاعِدَةٍ تَعَرَّضَ لَهَا الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ قَالَ فإذا كان شئ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ فَكَانَ الْآدَمِيُّونَ يَصْنَعُونَ فِيهِ صَنْعَةً يَسْتَخْرِجُونَ بِهَا مِنْ الْأَصْلِ شَيْئًا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمٌ دونه اسم فلا خير في ذلك الشئ لشئ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ كَثُرَتْ الصَّنْعَةُ فِيهِ كَمَا لو أن رجلا عمدا إلَى دَنَانِيرَ فَجَعَلَهَا طَسْتًا أَوْ حُلِيًّا مَا كَانَ لَمْ يَجُزْ بِالدَّنَانِيرِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَكَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ إلَى تَمْرٍ فَحَشَاهُ فِي شَنٍّ أَوْ
جَرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا نَزَعَ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْزِعْهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُبَاعَ بِالتَّمْرِ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ حِنْطَةٌ بِدَقِيقٍ
وَكَذَلِكَ حِنْطَةٌ بِسَوِيقٍ أَوْ بِخُبْزٍ أَوْ بِفَالُوذَجٍ إذَا كَانَ نَشَاهُ مُشْتَقَّةً مِنْ حِنْطَةٍ وَكَذَلِكَ دُهْنُ سِمْسِمٍ بِسِمْسِمٍ وَزَيْتٌ بِزَيْتُونٍ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ التَّمْرُ الْمَنْثُورُ بِالتَّمْرِ الْمَكْبُوسِ لِأَنَّ أَصْلَ التمر الكيل اه ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذلك بكثير وكذلك لاخير في تمر قد عصر وأخرج صفره بتمر لم يخرج صفره كَيْلًا بِكَيْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ أُخْرِجَ منه شئ من نفسه وإذا تم بغيره عَنْ خِلْقَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَقَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ رِبًا فَهُوَ رِيبَةٌ وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ فِي مَنْعِهِمْ الْقَمْحَ بِالدَّقِيقِ الْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا جَعَلْنَا امْتِنَاعَ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مُعَلَّلًا أَمَّا إذا جعلنا طريق ذلك الاتباع والتعبد فيمتنع الالحاق.
قال المصنف رحمه الله.
(ولايجوز بيع دقيقة بدقيقه وروى المزني عنه في المنثور أنه يجوز واليه أومأ في البويطي لانهما يتساويان في الحال ولا يتفاضلان في الثاني فجاز بيع أحدهما بالآخر كالحنطة بالحنطة والصحيح هو الاول لانه جهل التساوى بينهما في حال الكمال والادخار فاشبه بيع الصبرة بالصبرة جزافا) .
(الشَّرْحُ) الْمُرَادُ هَهُنَا أَيْضًا إذَا كَانَ الدَّقِيقَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَدَقِيقِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ وَدَقِيقِ الشَّعِيرِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ فَبَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَا نَاعِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا نَاعِمًا وَالْآخَرُ خَشِنًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الَّذِي نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ مُقَابِلَهُ خَطَأٌ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا كَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ الْحِنْطَةِ الصغيرة الحبات بالحنطة الكبيرة والحبات بِأَنَّ أَجْزَاءَ الْحَبِّ ثَمَّ مُجْتَمَعَةٌ وَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ فِي الْمَنْثُورِ مَشْهُورَةٌ نَقَلَهَا الْأَصْحَابُ كَافَّةً عَنْ الْمُزَنِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْثُورِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُ وَعَنْ نَقْلِ حَرْمَلَةَ أَيْضًا وَأَمَّا مَا أَوْمَأَ إلَيْهِ الْبُوَيْطِيُّ (فَاعْلَمْ) أَنَّ الشَّافِعِيَّ
قال في البويطى وكل شئ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يؤخذ شئ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ بِأَصْلِهِ مُتَفَاضِلًا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلًا وَيُفْهَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ مُتَمَاثِلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَنْعُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ بَعْدَ هَذَا بِسَطْرٍ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَطْلَقَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ دَقِيقٌ بِقَمْحٍ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا النَّصَّ الَّذِي فِي الْبُوَيْطِيِّ فَصَحِيحٌ أَنَّهُ يُومِئُ إلَى بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ لَكِنْ يُومِئُ أَيْضًا إلَى بَيْعِهِ بِالْقَمْحِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ حَكَاهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَمْ يَنْقُلْ أَنَّهُ إيمَاءٌ فَلَعَلَّهُ فِي مَكَان آخَرَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بَعْدُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ كُلُّهُمْ نَقَلُوهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَقَاسَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيِّ فِي الْمَنْثُورِ بَيْعُ الدُّهْنِ بِالدُّهْنِ يَجُوزُ وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِالسِّمْسِمِ فَكَذَلِكَ هَذَا يَجُوزُ وان امتنع بيعه بالحنطة وهذا ينهك عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ
فِي هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْكَرَابِيسِيِّ إذَا أَثْبَتْنَاهَا قَوْلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ لَا مَحَالَةَ وَقَدْ أَجَازَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ جَوَازَ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا اسْتَوَيَا فِي النُّعُومَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وقال إنَّهُ الْقِيَاسُ وَنَقَلَهُ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا هَذِهِ الْحِكَايَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يُثْبِتُوا اشْتِرَاطَ التَّسَاوِي فِي النُّعُومَةِ وَالْخُشُونَةِ وَسَيَأْتِي مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي أَحَدِهِمَا وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ فِي الْحِلْيَةِ ذَكَرَ التَّسَاوِي فِي النُّعُومَةِ عن أبى حنيفة وبعض أصحابنا واختاره فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الِاسْتِوَاءَ فِي هَذَا أَوْ فِي هَذَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَنْزِلُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْقُولُ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا خَشِنًا وَالْآخَرُ نَاعِمًا لَمْ تَحْصُلْ الْمُمَاثَلَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ جَوَازُ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَا نَاعِمَيْنِ أَوْ خَشِنَيْنِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا فِي النُّعُومَةِ وَالْخُشُونَةِ وَوَافَقَ عَلَى امْتِنَاعِ النَّاعِمِ بِالْخَشِنِ قَالُوا نَحْنُ نَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ حَالَةَ الْعَقْدِ وَأَنْتُمْ تَعْتَبِرُونَهَا تَارَةً فِيمَا كَانَ كَمَسْأَلَةِ الدَّقِيقِ وَتَارَةً فِيمَا يَكُونُ كَمَسْأَلَةِ الرُّطَبِ وَاعْتِبَارُ حَالِ الْعَقْدِ أَوْلَى فَالْجَهَالَةُ تُؤَثِّرُ حَالَةَ الْعَقْدِ فَقَطْ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْقَمْحِ وَقَدْ وَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه هُنَاكَ مَعَ كَوْنِ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَوَافَقَنَا عَلَى امتناع الناعم بالخشى وَلَا مُتَعَلَّقَ فِي أَنَّ بَيْنَهُمَا مُفَاضَلَةً
فَإِنَّ ذلك متنقض بالحنطة إذا كان إحْدَاهُمَا أَفْضَلَ مِنْ الْأُخْرَى وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا نَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ حَالَةَ الِادِّخَارِ فَحَسْبُ ثُمَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَارَةً فِيمَا مَضَى وَتَارَةً فِيمَا يَكُونُ وَدَلِيلُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مَعَ سَلَامَتِهِ عَلَى الِانْتِقَاصِ بِخِلَافِ مَا اعْتَبَرُوهُ قاله فيقان وَإِنْ تَسَاوَيَا الْآنَ فَقَدْ يَكُونَانِ مُتَفَاوِتَيْنِ حَالَةَ كونها حَبًّا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ حِنْطَةٍ رَزِينَةٍ وَالْآخَرُ مِنْ حِنْطَةٍ خَفِيفَةٍ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ (قُلْتُ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ التَّمْرِ الْمَنْزُوعِ النَّوَى وَاَلَّذِي قَالَهُ الرُّويَانِيُّ هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى اللُّبِّ الْمَدْقُوقِ وهو الذى يشبه الدقيق وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(ولايجوز بيع حبه بسويقه ولا سويقه بسويقه لما ذكرناه في الدقيق ولان النار قد دخلت فيه وعقدت أجزاءه فمنع التماثل) .
(الشَّرْحُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ السَّوِيقُ ضَرْبَانِ نَقِيعٌ وَمَطْبُوخٌ فَالنَّقِيعُ يُنْقَعُ الطَّعَامُ فِي الْمَاءِ لِيَبْرُدَ ثُمَّ يُجَفَّفَ ثُمَّ يُقْلَى وَيُجْرَشَ وَالْمَطْبُوخُ يُطْبَخُ ثُمَّ يُجَفَّفُ ثُمَّ يُقْلَى وَيُجْرَشُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ إذَا قُلِيَ يَكُونُ أَصْغَرَ جُرْمًا مما كان قبل ذلك وهذا الَّذِي أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِلَّةُ الْأُولَى ظَاهِرَةٌ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّقِيقِ وَإِنْ لَمْ نُلَاحِظْ دُخُولَ النَّارِ فِيهِ فَهُمَا دَلِيلَانِ جَيِّدَانِ وَقِيَاسُ قول أبى ثور أن يأتي ههنا فَإِنَّ اخْتِلَافَ الِاسْمِ مَوْجُودٌ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ صَرِيحًا وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا يَقُولَانِ لَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ فِي مَنْقُولِ الْكَرَابِيسِيِّ إنْ ثَبَتَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَلَا تَتَأَتَّى هُنَا الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ دُخُولُ النَّارِ وَمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ فِي تَفْسِيرِ السَّوِيقِ مُخَالِفٌ لِلْمَعْرُوفِ فِي بلادنا اليوم وممن نَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ كَمَا ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ من
الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِسَوِيقِ الْحِنْطَةِ عَنْ نَصِّهِ فِي
الصَّرْفِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ ابْنَ مِقْلَاصٍ حَكَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ السَّوِيقَ مُخَالِفًا لِجِنْسِ الحنطة فانه يخلفها في المعنى والدقيق مجانس للحنطة فَإِنَّهُ حِنْطَةٌ مُفَرَّقَةُ الْأَجْزَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ السَّوِيقَ فِي بِلَادِنَا اسْمٌ (1) وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ في الكفاية لما حكى ماقاله أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا نَعْرِفُهُ فِي بِلَادِنَا وَجَوَّزَ مَالِكٌ بَيْعَ السَّوِيقِ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلًا فَفَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ السَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يجوز واحتج من جوزه بأن السَّوِيقَ صَارَ بِالصَّنْعَةِ جِنْسًا آخَرَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ بيع جنس بجنس آخر ونقص أَصْحَابُنَا ذَلِكَ بِالْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَتَمَسَّكُوا بِاعْتِبَارِ حَالَةِ الِادِّخَارِ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ السَّوِيقِ بِالدَّقِيقِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قُوتٌ زَالَ عَنْ هَيْئَةِ الِادِّخَارِ بِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَخْشَنَ مِنْ الْآخَرِ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه رِوَايَتَانِ (أَشْهُرُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دَقِيقًا فَأَكَلَ سَوِيقًا لَمْ يَحْنَثْ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ منتقض بانواع التمر كالمعقلي والبرنى.
(1) بياض بالاصل فحرر
قال المصنف رحمه الله.
(ولايجوز بيعه بخبزه لانه دخله النار وخالطه الملح والماء وذلك يمنع التماثل ولان الخبز موزون والحنطة مكيل فلا يمكن معرفة التساوى بيهما) .
(الشَّرْحُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَجَزَمَ بِهِ هُوَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وغيرهم للعلتين ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ مُتَّحِدَتَانِ لِأَنَّ مُخَالَطَةَ الْمَاءِ وَدُخُولَ النَّارِ كُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْبُطْلَانِ وَحْدَهُ.
قَالُوا وَرُبَّمَا خُلِطَ الْخُبْزُ أَيْضًا بِوَرَقٍ وَلَمَّا نَقَلَ الْإِمَامُ رِوَايَةَ ابْنِ مِقْلَاصٍ وَجَعَلَهَا فِي أَنَّ السَّوِيقَ مُخَالِفٌ لِلْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقَ مُجَانِسٌ لَهَا قَالَ
وَعَلَى هَذَا الْخُبْزُ يُخَالِفُ الْحِنْطَةَ وَيَجِبُ أَنْ يُخَالِفَ الدَّقِيقَ وَالسَّوِيقَ أَيْضًا فَاقْتَضَى هَذَا الْكَلَامُ إثْبَاتَ خِلَافٍ فِي بَيْعِ الْخُبْزِ وَحُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلًا وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ.
(فَرْعٌ)
وَهَكَذَا الدَّقِيقُ بِالْخُبْزِ لَا يَجُوزُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ بِخُصُوصِهِ الْفُورَانِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ عَنْ مَالِكٍ والليث بن سعد وأبى ثور واسحق وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ جَوَازَهُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ وَمَا يُتَّخَذُ مِنْهَا مِنْ الْمَطْعُومَاتِ بِالنُّخَالَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَ مَالَ رِبًا وَقَبِلَ الرُّويَانِيُّ بِأَنْ تَكُونَ النُّخَالَةَ صَافِيَةً عَنْ الدَّقِيقِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ وَكَذَا بَيْعُ الْمُسَوَّسَةِ بِالْمُسَوَّسَةِ إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِمَا لُبٍّ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ قَالَ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ نُخَالَةٌ وَقَالَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَلِذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُسَوَّسَةِ التى لالب فِيهَا بِغَيْرِ الْمُسَوَّسَةِ قَالَهُ فِي (1) وَالْبَحْرِ أَيْضًا وَمَنْ الْوَاضِحِ أَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَلْمُسَوَّسَةِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَيُمْتَنَعُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْحِنْطَةَ الْمُسَوَّسَةَ إذَا قَرُبَتْ مِنْ الْمَفْقُودَةِ ظَاهِرُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ جَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَإِنَّمَا رَاعُوا فِي هَذِهِ طَرْدَ النَّظَرِ إلَى طَرْدِ الْقَوْلِ فِي الْجِنْسِ لِعُسْرِ النَّظَرِ فِي تَفْصِيلِ الْحِنْطَةِ الَّتِي تَمَادَى زَمَانُ احْتِكَارِهَا وَلَعَلَّ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَتَآكَلَ فَأَمَّا إذَا تَآكَلَتْ وَخَلَتْ أَجْوَافُهَا فَفِيهَا نَظَرٌ عِنْدَنَا فَإِنَّ الائمة أطلقوا بيع المسوسة بالمسوسة هِيَ الَّتِي بَدَأَ التَّآكُلُ فِيهَا وَالْقِيَاسُ الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ إذْ الْحِنْطَةُ الْمَقْلِيَّةُ لَا يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّجَافِي الْحَاصِلِ بِالْقَلْيِ انْتَهَى وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَجَدْته لَمْ يُلَاحِظْ أَنَّ الْمُسَوَّسَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الرِّبَا البتة بخلاف ماقاله الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ فرضت المسوسة لا شئ فِي جَوْفِهَا أَلْبَتَّةَ فَهَذِهِ مُخَالِفَةٌ وَلَا رِبَا فِيهَا وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ السُّوسَ كَثِيرٌ فِيهَا بحيث قربت
مِنْ الْعَفَنِ فَهَذِهِ الِاخْتِلَافُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الدَّقِيقِ فَيُمْتَنَعُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ كَمَا بَدَأَ التَّأَكُّلُ فِيهَا الَّذِي لَا يَحْصُلُ مَعَهُ تَفَاوُتٌ غَالِبًا فَيَصِحُّ وَتَكُونُ كَالْحِنْطَةِ الَّتِي قَدْ طَالَ احْتِكَارُهَا
وَيَنْزِلُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى هذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَلَا يَجُوزُ بيع خبزه بخبزه لان ما فيه من الماء والملح يمنع من العلم بالتماثل فمنع جواز العقد) .
(الشَّرْحُ) الْمُرَادُ الْخُبْزُ بِالْخُبْزِ إذَا كَانَا لَيِّنَيْنِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْكَيْلُ وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ فِيهِ.
وَافَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ.
وَمِمَّنْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّ عَلَى ذَلِكَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ قُرْصًا بِقُرْصَيْنِ وَلِذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا لَيِّنًا وَالْآخَرُ يَابِسًا لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَالْجُرْجَانِيُّ في البلعة وَالشَّافِي وَلَكَ أَنْ تُدْرِجَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِي الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْجَافَّيْنِ خَاصَّةً كَمَا سَيَأْتِي فَكَانَ مَا سوى ذلك
مُنْدَرِجًا فِي كَلَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ مُتَمَاثِلَيْنِ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنْفَعَتِهِمَا فِي حَالِ رُطُوبَتِهِمَا فَصَارَ كَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بِالتَّفَاوُتِ فِي حَالِ الْكَمَالِ وَالِادِّخَارِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخُبْزِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَلَوْ كَانَ الْخُبْزَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ جَازَ يَدًا بِيَدٍ صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَلَمْ يُلَاحِظَا مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ لِاسْتِهْلَاكِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صُورَةِ مدعجوة الْمُمْتَنِعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا بيع الشئ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَبَّاتٌ مِنْ الْآخَرِ لَا تُقْصَدُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُؤَثِّرًا فِي التَّمَاثُلِ وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْأَصَحَّ الصِّحَّةُ ولا مبالات بِمَا فِيهِمَا مِنْ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ لِأَنَّ ذَلِكَ مستهلك فيما قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي اقْتَضَاهُ كلام القاضى لاوجه لَهُ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ كَمَا فِي الْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ إذا كان في كل منهما شى لا يقصد من الآخر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ جفف الخبز وجعل فتينا وبيع بعضه ببعض كيلا ففيه قولان
(أحدهما)
لا يجوز لانه
لا يعلم تساويهما في حال الكمال فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالرطب بالرطب
(والثانى)
أنه يجوز لانه مكيل مدخر فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر) .
(الشَّرْحُ) الْقَوْلَانِ نَقَلَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَحَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ قَوْلُ الْمَنْعِ إلَى نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَعَزَاهُ الْمَحَامِلِيُّ إلَى الْأُمِّ وَعَزَاهُ الرُّويَانِيُّ إلَى عَامَّةِ كُتُبِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْجَوَازِ فَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ عَنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ وَآخَرُونَ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ مِقْلَاصٍ (قُلْتُ) وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْقَدِيمِ وَفَرَضَهُ فِي الْكَعْكِ الْمَدْقُوقِ بِالْكَعْكِ الْمَدْقُوقِ وَقَالَ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ قُوتِهِمْ وَزَادِهِمْ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ هَذِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ الرِّوَايَةِ الْمَنْسُوبَةِ لِحَرْمَلَةَ وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهَا فِي الْحَبِّ كَمَا قَالَ القاضى ولافى غَيْرِ الشَّعِيرِ وَأَمَّا رِوَايَةُ حَرْمَلَةَ وَنَقْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَاصِمٍ لَهَا عَنْ ابْنِ مِقْلَاصٍ فَإِنْ كَانَ ابْنُ مِقْلَاصٍ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مِقْلَاصٍ فَلَا تَنَافِيَ فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَمْ يُدْرِكْ الشَّافِعِيَّ فَلَعَلَّهُ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْ حَرْمَلَةَ هَذَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِابْنِ مِقْلَاصٍ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْمَذْكُورَ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ فِي طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيِّ وَنَسَبَ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ إلَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ الْمُرَادَ وَهُوَ الْأَقْرَبَ فَإِنَّهُ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ فَلَعَلَّهُ وَحَرْمَلَةَ كِلَاهُمَا رَوَيَاهُ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رِوَايَةَ ابْنِ مِقْلَاصٍ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ
بِالسَّوِيقِ وَجَعَلَهُمَا جِنْسَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخُبْزُ يُخَالِفُ الْحِنْطَةَ وَعَلَّلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْفُورَانِيُّ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ طَعَامٌ وَمِلْحٌ بِطَعَامٍ وَمِلْحٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ مَا فِيهِمَا مِنْ الْمِلْحِ فِي الْكَيْلِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْقَمْحِ وَفِيهِمَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ يَسِيرَةٌ وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَصَحُّ لَكِنَّهُ جَعَلَ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ الدَّقِيقَ بِالدَّقِيقِ لِخُرُوجِهِ نَفْسِهِ وَأَمَّا فِي عِلَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أينقض الرُّطَبُ إذَا جَفَّ) وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَمِمَّنْ صَحَّحَ ذَلِكَ المحاملى
في المجموع والماوردي ولولا أَنَّ الْوَجْهَ الْآخَرَ مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا لَكَانَ إغْفَالُهُ أَوْلَى لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ وَمُنَافَاةِ الْمَذْهَبِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ وَقَالَ الْقَفَّالُ يُحْتَمَلُ غَيْرُ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ قَوْلٌ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى إثْبَاتِ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ قَوْلٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ الشَّافِعِيِّ جِوَازُ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا دُقَّ الْخُبْزُ أَمَّا إذَا كَانَ جَافًّا غَيْرَ مَدْقُوقٍ فَلَا يَجُوزُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَأَغْرَبَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي فَقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ يَابِسِهِ بِيَابِسِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِلْحٌ وَهَذَا مَعَ غَرَابَتِهِ وَبُعْدِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَدْقُوقًا كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَكُونَ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ وَالْغَرَابَةُ فِي تَصْحِيحِهِ الْجَوَازُ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مِلْحٌ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ
وَبَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى التَّمْرِ فَالْفَارِقُ خُرُوجُهُ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ بِخِلَافِ التَّمْرِ أَمَّا إذَا كَانَ الْخُبْزَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ فَإِنَّهُ يجوز لانه قد تقدم الجواز في البنين الْمُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ فَفِي الْيَابِسِ أَوْلَى وَلَا يَضُرُّ مَا فِيهِمَا مِنْ الْمِلْحِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مقصود بالمقابلة ومنعه من التماثل ان فَرْضٌ غَيْرُ ضَارٍ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجِنْسُ مُتَّحِدًا عَلَى مَا تقدم من ملة الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْإِمَامُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النُّصُوصَ الَّتِي حَكَاهَا الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ وَابْنُ مِقْلَاصٍ وَالْكَرَابِيسِيّ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ على أنها لاتعد مِنْ مَتْنِ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا هِيَ تَرَدُّدَاتٌ جَرَتْ فِي الْقَدِيمِ وَهِيَ مَرْجُوعٌ عَنْهَا وَالْمَذْهَبُ مَا مَهَّدْنَاهُ قَبْلَ هَذَا.
(فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْجَرِيشِ أَوْ الْعَجِينِ أَوْ الْهَرِيسَةِ أَوْ الزلابية أو النشا أو الفتيت أو بشئ مما يتخذ منها ولا بيع شئ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَالْعَجِينِ بِالْعَجِينِ وَالنَّشَا بِالنَّشَا وَلَا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ كَالدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمْ كُلٌّ مِنْهُمْ بِبَعْضِهَا وَلَا الْحِنْطَةِ بِالْفَالُوذَجِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ الْعَجِينُ بِالْعَجِينِ لَا مُتَمَاثِلًا وَلَا مُتَفَاضِلًا لَا خِلَافَ بيهم فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْعَجِينِ بِالدَّقِيقِ إذَا طُبِخَ الْعَجِينُ وَصَارَ خُبْزًا جَازَ بَيْعُهُ عِنْدَ مَالِكٍ بِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ قَدْ كَمُلَتْ فيه وأخرجته
فِيمَا زَعَمَ أَصْحَابُهُ عَنْ جِنْسِهِ وَقَوْلُ أَبِي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله فِي بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْخُبْزِ كَقَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ جواز بيع العجين بالخبز وكذا اللحم النئ بِالْمَطْبُوخِ.
(فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْفَالُوذَجِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ إنَّ الْفَالُوذَجِ نَشَا وَعَسَلٌ وَدُهْنٌ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ طَعَامًا وَغَيْرَهُ بِطَعَامٍ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِهَذَا الْمِثَالِ بَلْ كُلُّ مَا عُمِلَ مِنْ الْمَأْكُولِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْمَأْكُولِ نقله أَبُو الطَّيِّبِ عَنْهُ فِي الصَّرْفِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالزَّلَابِيَةِ وَالْهَرِيسَةِ.
(فَرْعٌ)
نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشِّبْرِقِ بِالشِّبْرِقِ.
(فَرْعٌ)
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَجَائِزٌ يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَدَقِيقِ الْبُرِّ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَدَقِيقِ أَحَدِهِمَا بِسَوِيقِ الْآخَرِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي أَنَّ الْأُدْمَ أَجْنَاسٌ كَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ تَعْلِيلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَكَذَلِكَ خُبْزُ الْبُرِّ بِخُبْزِ الشَّعِيرِ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يُلَاحِظُوا مَا فِي الْخُبْزِ مِنْ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ فَيُخْرِجُوهُ عَلَى قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَفِي تَعْلِيقُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أن ذلك هو الصحيح وان فيه وجهان أنه لا يجوز.
قال الصنف رحمه الله تعالى (ولايجوز بيع أصله بعصيره كالسمسم بالشيرج والعنب بالعصير لانه إذا عصر الاصل نقص عن العصير الذى بيع به) .
(الشَّرْحُ) امْتِنَاعُ بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَكَذَلِكَ كُلُّ دُهْنٍ بِأَصْلِهِ وَالْعِنَبُ بعصيره سواء كان العصير مثل مافى الْأَصْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ وَأَصْلُ ذَلِكَ قَاعِدَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ وَذَلِكَ الْمَأْخَذُ ظَاهِرٌ فِي السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَفِي السِّمْسِمِ بِشَيْرَجٍ وَكُسْبٍ وَهُمَا مَقْصُودَانِ وَأَمَّا الْعِنَبُ فَالتُّفْلُ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَ الْعَصِيرِ فَإِنَّ السِّمْسِمَ فِيهِ شَيْرَجٌ وَكُسْبٌ وهما مقودان فيكون بيعه
بالشيرج من قاعد مُدِّ عَجْوَةٍ وَالْعِنَبُ كَذَلِكَ فِيهِ مَائِيَّةٌ وَغَيْرُهَا مَقْصُودَانِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَصِيرِ لَا يَبْقَى التُّفْلُ مَقْصُودًا وَالْمُصَنِّفُ عَلَّلَ بِمَعْنًى يَشْمَلُ مَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مُنْحَصِرًا فِي دُهْنِهِ وَعَصِيرِهِ وَلَا يَظْهَرُ هَذَا الْمَعْنَى كُلَّ الظُّهُورِ فِيمَا جزآه مَقْصُودَانِ بَلْ الْمَانِعُ تَخْرِيجُهُ عَلَى قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ بَيْعُ الْجَوْزِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مِنْ الدُّهْنِ وَاللُّبِّ وَالْكُسْبِ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ دُهْنِ الْجَوْزِ بِلُبِّهِ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ يَجُوزُ وهكذا دهن للوز بِلُبِّهِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَرَأَيْتُ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَلَطِ النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْتُهَا بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ وَقَدْ صَرَّحَ بِمَنْعِهِ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عن ابن أبى هريرة وغيره والحاوى وعله بِأَنَّ فِيهِ مَائِيَّةً فَالتَّمَاثُلُ مَعْدُومٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةِ وَغَيْرُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ الزَّيْتُونُ أَكْثَرَ مِنْ الزَّيْتِ قال وهذا
خَطَأٌ وَإِلَّا لَجَازَ بَيْعُ تَمْرٍ غَلِيظِ النَّوَى بِتَمْرٍ رَقِيقِ النَّوَى مُتَفَاضِلًا وَبَيْعُ طَحِينِ السِّمْسِمِ بطحين السمسم وفيهما الشيرج لا يَجُوزُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَبَيْعُ الْكُسْبِ إذَا كَانَ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ مِثْلَ كُسْبِ الْقُرْطُمِ جَازَ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنْ كَانَ يَأْكُلُهُ النَّاسُ جَازَ وكيل فأما موازنة وَفَصَّلَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ يَجُوزُ جَافًّا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ وَزْنًا وَلَا قَبْلَ الْجَفَافِ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْكَيْلُ وَأَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ النَّقْلَ عن أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ حُكِيَ عَنْهُ جَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَأَنَّهُ جَوَّزَ بَيْعُ الْكُسْبِ بِالْكُسْبِ وَزْنًا ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأُمُورٍ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْكَيْلُ وَيَخْتَلِفُ عَصْرُهُ فَرُبَّمَا بَقِيَ مِنْ دُهْنِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ وَأَنَّ الْكُسْبَ مَاءٌ وَمِلْحٌ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةُ وَأَلْزَمَهُ فِي ذَلِكَ بِمَا وَافَقَ عَلَيْهِ مِنْ امْتِنَاعِ بَيْعِ طَحِينِ السِّمْسِمِ بِمِثْلِهِ وَاَلَّذِي رأيته في تعليق الطبري عن ابن أبي هريرة ما حكيته أولا فحينئذ لايرد عَلَيْهِ إلَّا كَوْنُهُ فِيهِ مَاءٌ وَمِلْحٌ وَلَهُ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَاءَ يَزُولُ بِالْجَفَافِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْمِلْحِ لَا يَضُرُّ كَالْخُبْزِ
الْجَافِّ فَقَدْ اخْتَارَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَ الصِّحَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالرَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَحَّحَ فِي مَسْأَلَةِ الْخُبْزِ الْجَافِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَبَيْعُ التَّمْرِ بِعَصِيرِ الرُّطَبِ لَا يَجُوزُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فَكَذَلِكَ بِالْخَلِّ
مِنْ الرُّطَبِ (قُلْتُ) وَعَلَى قِيَاسَ ذَلِكَ بَيْعُ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ لَا يَجُوزُ قَالَ نصر وكذلك السمسم بالطحينة والطحينة بالشريج لَا يَجُوزُ.
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ كُسْبِ السمسم بالسمسم قاله الرافعى ولابيع دُهْنِ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الرافعي وذكر الامام وَذَكَرَ الْإِمَامُ إشْكَالًا وَطَرِيقَ حَلِّهِ أَمَّا الْإِشْكَالُ فَهُوَ أَنَّ السِّمْسِمَ جِنْسٌ فِي نَفْسِهِ لَا أنه دهن وكسب اللبن جِنْسٌ فِي نَفْسِهِ لَا أَنَّهُ سَمْنٌ وَمُخِيضٌ ولهذا جاز بيع السمسم بالسمسم وَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدُّهْنِ وَالْكُسْبِ بِالدُّهْنِ وَالْكُسْبِ وَبَيْعُ السَّمْنِ بِالدُّهْنِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَأَمَّا الْحَلُّ فَإِنَّهُ إذَا قُوبِلَ السِّمْسِمُ بِالسِّمْسِمِ وَاللَّبَنُ بِاللَّبَنِ فالعوضان
مُتَجَانِسَانِ فِي صِفَتِهِمَا النَّاجِزَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَقْدِيرِ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ وَتَصْوِيرِ مَا يَكُونُ حِينَئِذٍ وَإِذَا قُوبِلَ السِّمْسِمُ بِالدُّهْنِ فَلَا يُمْكِنُنَا جَعْلَ السِّمْسِمِ مُخَالِفًا لِلدُّهْنِ مَعَ اشْتِمَالِ السِّمْسِمِ عَلَى الدُّهْنِ وَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْمُخَالَفَةُ جَاءَتْ الْمُجَانَسَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُجَانَسَتَهُمَا فِي الدُّهْنِيَّةِ فَنَضْطَرُّ إلَى اعْتِبَارِهَا وَإِذَا اعْتَبَرْنَاهَا كَانَ كُلُّ بَيْعِ دُهْنٍ وَكُسْبٍ بِدُهْنٍ هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ وَأَلَمَّ الْمَاوَرْدِيُّ بشئ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا وَفِي النَّفْسِ وَقْفَةٌ مِنْ قَبُولِ هَذَا الْجَوَابِ وَمَا الضَّرُورَةُ الدَّاعِيَةُ إلَى تَقْدِيرٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَالْمَجْزُومِ بِهَا فِي الْمَذْهَبِ وَقَالَ رأيت في تعليق الطبري عن ابن أبي هُرَيْرَةَ بَعْدَ أَنْ قَالَ إنَّ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ لَا يَجُوزُ قَالَ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ بِالزَّيْتُونِ وَحَكَى الْكَرَابِيسِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ جَائِزٌ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَنْقُولَ الْكَرَابِيسِيِّ عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنَّمَا تَلَقَّوْا حِكَايَةَ الكرابيسى في
الدَّقِيقِ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الزَّيْتِ مَعَ الزَّيْتُونِ فَهُوَ جَارٍ فِي الشَّيْرَجِ مَعَ السِّمْسِمِ وكل دهن مع أصله ووافقنا في الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الشَّيْرَجُ بِالسِّمْسِمِ وَالزَّيْتُ وَالزَّيْتُونُ مَالِكَ وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ يقينا مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ أَقَلُّ مِمَّا أُعْطِيَ مِنْ الزَّيْتِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَصَحُّ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْعِنَبُ بِالْعَصِيرِ وَلَا بِالْخَلِّ وَالدِّبْسِ أَوْ النَّاطِفِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَمَا وَجَدْنَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ فَإِنَّ التَّمْرَ هُوَ الرُّطَبُ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّهُ يَابِسٌ
وَكَذَلِكَ العنب والزبيب بخلاف الزيت فانه شئ آخَرُ غَيْرُ الزَّيْتُونِ لَكِنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ خُرُوجَ اللَّبَنِ مِنْ الْغَنَمِ وَالتَّمْرِ مِنْ النَّخْلِ وَبَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ جَائِزٌ بِلَا خلاف.
(فرع)
حب البان بالسيخة وهى (1) نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَقَالَ لَا بَأْسَ بِحَبِّ الْبَانِ بِالْبَانِ الْمُطَيِّبِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا بَأْسَ بِالزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالدُّهْنِ بِالسِّمْسِمِ وَالْعَصِيرِ بِالْعِنَبِ وَاللَّبَنِ بِالسَّمْنِ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ جَائِزٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَمَّا دُهْنُ الْجَوْزِ بِدُهْنِ اللَّوْزِ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْأَدْهَانَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَبَيْعُ الْجَوْزِ بِلُبِّ اللَّوْزِ أَوْ بِدُهْنِ اللَّوْزِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ مَا جَزَمَ أَوَّلًا بِالْجَوَازِ كَمَا تَقَدَّمَ السَّاعَةَ وَالْخِلَافُ الَّذِي أشار إليه لاوجه لَهُ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَمَا قَالَهُ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَالْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ وَقَدْ وَقَعَ الْبَحْثُ مَعَهُ فيه ولايجوز بَيْعُ الْجَوْزِ بِلُبِّهِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحُكْمُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ حُكْمُ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ بَيْعُ الْعِنَبِ بِعَصِيرِهِ وَخَلِّهِ وَدِبْسِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يتخذ منه.
(1) بياض بالاصل فحرر
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(ويجوز بيع العصير بالعصير إذا لم تنعقد أجزاؤه لانه يدخر على صفته فجاز بيع بعضه ببعض كالزبيب بالزبيب) .
(الشرح) عصير الشئ وعصارته ما انحلت منه ويقال لعصير الْعِنَبِ الْمَعْصُورُ تَقُولُ عَصَرْتُ الْعِنَبَ أَعْصِرُهُ فَهُوَ مَعْصُورٌ وَعَصِيرٌ وَاعْتَصَرْتُهُ اسْتَخْرَجْتُ مَا فِيهِ وَقِيلَ عَصَرْتَهُ إذَا وَلِيتَ ذَلِكَ بِنَفْسِكَ وَاعْتَصَرْتُهُ إذَا عُصِرَ لَكَ خَاصَّةً حَكَى ذَلِكَ ابْنُ سِيدَهْ قَالَ الْأَصْحَابُ الْعَصِيرُ يَكُونُ مِنْ الْعِنَبِ وَالسَّفَرْجَلِ وَعَصِيرِ التُّفَّاحِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ كَعَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ الْقَصَبِ جَازَ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا مَطْبُوخًا وَنِيئًا وَكَيْفَ كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَكَذَلِكَ رَبُّ التَّمْرِ بِرَبِّ
الْعِنَبِ وَعَصِيرُ الرُّمَّانِ بِعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ وَعَصِيرُ التُّفَّاحِ بِعَصِيرِ اللَّوْزِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَصِيرَ أَجْنَاسٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَلِمَا حَكَى الرَّافِعِيُّ الْوَجْهَ الْبَعِيدَ فِي أَنَّ الْخُلُولَ وَالْأَدْهَانَ جِنْسٌ وَاحِدٌ قَالَ وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ مَعَ عَصِيرِ الرُّطَبِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَلَكِنْ هَذَا الْوَجْهُ إنْ ثَبَتَ فَهُوَ بَعِيدٌ مَرْدُودٌ وَهَذَا إنَّمَا نَذْكُرُهُ تَجْدِيدًا لِلْعَهْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قد يغفل عنه ومقصد المصنف رحمه الله تعالى في هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا لَيْسَ إلَّا الْجِنْسُ الْوَاحِدُ فَإِذَا بِيعَ الْعَصِيرُ بِالْعَصِيرِ مِنْ جِنْسِهِ مُتَمَاثِلَيْنِ كَعَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ وَعَصِيرِ التُّفَّاحِ بِعَصِيرِ التُّفَّاحِ وَعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ بِعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ وَعَصِيرِ الرُّمَّانِ بِعَصِيرِ الرُّمَّانِ وَعَصِيرِ الرُّطَبِ بِعَصِيرِ الرُّطَبِ وَعَصِيرِ قَصَبِ السُّكَّرِ بِعَصِيرِ قَصَبِ السُّكَّرِ وَعَصِيرِ سَائِرِ الثمار بجنسه (قلت) هذا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَصِيرَ الرُّطَبِ وَظَنِّي أن الرطب لاعصير لَهُ وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ فُرِضَ وَسَيَأْتِي تَنْبِيهٌ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلُولِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ
الْأَصْحَابِ فِي خَلِّ الرُّطَبِ مِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَا مَطْبُوخَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَطْبُوخًا فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَا نِيئَيْنِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ جَازَ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْقَاصِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَفَّالُ وَالْإِمَامُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ كَمَالَ مَنْفَعَتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِكُلِّ مَا يُرَادُ مِنْهُ مِنْ الدِّبْسِ وَالرَّبِّ وَغَيْرِهِمَا فَكَانَ كَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ الْعَصِيرَ ليس بحالة كمال والاصح عند الرافعى و (1) الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَيْعِ الْعَصِيرِ بِالْعَصِيرِ يَعْنِي عَصِيرَ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ كُنْتُ أَقُولُ قَبْلَ هَذَا إنَّهُ يَجُوزُ وَفِي الْآنَ عندي أنه لا لانهما ما اتفقنا في حال الكمال وكلام والقاضى هذا يجرى في جميع العصير لافرق بَيْنَ عَصِيرٍ وَعَصِيرٍ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي عَصِيرِ الرُّطَبِ بِعَصِيرِ الرُّطَبِ وَلَا مَاءَ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا كَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ كَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَهَكَذَا عَصِيرُ الثِّمَارِ مِنْ الرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ وَغَيْرِهِمَا وَمُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ عَصِيرَ الْعِنَبِ وَغَيْرَهُ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَوْ مَنْ وَافَقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ المزابنة الذى قبل كتاب الصلح ولايجوز بَيْعُ الْجُلْجُلَانِ بِالشِّبْرِقِ إلَى أَجَلٍ وَلَا يَدًا بيد وفسر الاصحاب وأهل اللغة الجلجان بِالسِّمْسِمِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ
أَنَّهُ ثَمَرَةُ الْكُزْبَرَةِ وَقَالَ أَبُو الْغَوْثِ هُوَ السِّمْسِمُ فِي قِشْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ وَأَمَّا الشِّبْرِقِ فَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ إنَّهُ نَبْتٌ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ رَطْبُ الضَّرِيعِ.
(فَرْعٌ)
إذَا بِيعَ الْعَصِيرُ بِالْعَصِيرِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي مِعْيَارِهِ الْكَيْلُ جَزَمَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ.
(فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله إذَا لَمْ تَنْعَقِدْ أَجْزَاؤُهُ يُفْهَمُ أَنَّهُ إذَا حُمِيَ بِالنَّارِ اللَّطِيفَةِ بِحَيْثُ لَا تَنْعَقِدُ أجزاؤه يجوز بيع بعضه ببعض.
(1) بياض بالاصل فحرر
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(ويجوز بيع الشيرج بالشيرج ومن أصحابنا من قال لا يجوز لانه يخالطه الماء والملح وذلك يمنع التماثل فمنع العقد والمذهب الاول لانه يدخر على جهته فجاز بيع بعضه ببعض كالعصير وأما الماء والملح فانه يحصل في الكسب ولا ينعصر لانه لو انعصر في الشيرج لبان عليه) .
(الشَّرْحُ) الشَّيْرَجُ بِكَسْرِ الشِّينِ.
(1)
وَالْكُسْبُ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَائِلُ مِنْ أصحابنا بأنه لا يجوز أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَصْرٌ المقدسي عن الاول المحاملى عَنْ الثَّانِي لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَدَّ الْأَصْحَابُ عليه بما ذكره المصنف وينوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَاءَ لَوْ كَانَ بَاقِيًا فِيهِ لَرَسَبَ إلَى قَرَارِ الظَّرْفِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الدُّهْنُ وَلَا يَصِحُّ بَقَاءُ الْمِلْحِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الدُّهْنِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ.
ثُمَّ إنَّ الْمُخَالِفَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرُهُ خَصَّصَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ بِالشَّيْرَجِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَدْهَانِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ الَّذِي عُلِّلَ بِهِ لَيْسَ فِي بَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ قَالَ الْإِمَامُ تَخْصِيصُ هَذَا بِالشَّيْرَجِ لَا مَعْنَى لَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ وَلَا يَجُوزُ إلانئ بنئ فان كان منه شئ لَا يُعْصَرُ إلَّا مَشُوبًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ صِنْفُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ لِأَنَّهُ لَا يدري ماحظ المشوب من حظ الشئ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ الَّذِي لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَالصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْإِمَامُ لو اعتصر من اللحم مؤه وتبقى من اللحم مالا يَنْعَصِرُ بِفِعْلِنَا فَالْكُلُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَيْسَ كَالدُّهْنِ وَالْكُسْبِ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ فِي السِّمْسِمِ دُهْنًا وَتُفْلًا فِي الْخِلْقَةِ وَاللَّحْمُ كُلُّهُ فِي الْخِلْقَةِ شئ واحد.
(1) بياض بالاصل فحرر
(فَرْعٌ)
جَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ دُهْنَ السِّمْسِمِ مَكِيلًا لانه يستخرج من أصله مَكِيلٍ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَكَذَلِكَ السمن وما تعرض لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ السَّمْنِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي فيهما خلاف ماقاله.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ دُهْنِ السِّمْسِمِ بِدُهْنِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ مُتَفَاضِلًا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْأَدْهَانَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسً قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنِّي أردت أُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الدُّهْنَ اخْتَصَّ بِاسْمِ الشَّيْرَجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجَزَمَ فِي التَّهْذِيبِ فِي ذَلِكَ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّعْ إلَّا عَلَى أَنَّ الْأَدْهَانَ أَجْنَاسٌ.
(فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْرَجِ بِالْكُسْبِ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ السَّمْنِ بِالْمَخِيضِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ بَيْعُ دُهْنِ السِّمْسِمِ بِكُسْبِهِ مُتَفَاضِلَيْنِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْفُورَانِيُّ يَجُوزُ بَيْعُ الدُّهْنِ بِالْكُسْبِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ فَإِنَّ كُسْبَ السِّمْسِمِ يُخَالِفُ جِنْسَ دُهْنِهِ وِفَاقًا كَمَا يُخَالِفُ الْمَخِيضُ السَّمْنَ وَكَذَلِكَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ مَعَ تعرضه للخلاف فقال يجوز بيع الدهن بالكسب لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لانهما لَا تَنْفَرِدُ عَنْ الدُّهْنِ وَإِنْ قَلَّ فَإِنْ كان فيها دهن فلا يجوز وان يَبْقَ فِيهَا الدُّهْنُ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا يَجُوزُ وَابْنُ الرِّفْعَةِ حَكَى عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجْهًا فِي مَنْعِ بَيْعِ كُسْبِ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَإِنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَدْهَانِ مَعَ كُسْبِهِ وَاسْتَبْعَدَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْكُسْبِ وَلَا بِالدُّهْنِ وبيع الدهن بالكسب جائز.
(فرع)
شَرْطُ جَوَازِ بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالشَّيْرَجِ أَنْ لَا يَكُونَ مَغْلِيًّا فَلَوْ أُغْلِيَ بِالنَّارِ لَمْ يَجُزْ بيعه بمثله ولابالنئ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ لَا يُبَاعُ مِنْهُ الْمَغْلِيُّ بِمِثْلِهِ ولا بالنئ ويباع الزيت النئ بِالشَّيْرَجِ الْمَطْبُوخِ يَدًا بِيَدٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الصَّيْمَرِيُّ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَدْهَانُ الْمُطَيِّبَةُ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالنَّيْلَوَفَرِ كُلُّهَا مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ السِّمْسِمِ فَإِذَا قُلْنَا يَجْرِي الرِّبَا فِيهَا جَازَ بَيْعُ بَعْضِهَا ببعض إذا ربى السمسم فيها استخراج دُهْنُهُ وَإِنْ اُسْتُخْرِجَ الدُّهْنُ ثُمَّ طُرِحَتْ أَوْرَاقُهَا فيه لم يجز.
(فرع)
لَا يَجُوزُ بَيْعُ طَحِينِ السِّمْسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي يُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَدْهَانُ بِطَحِينِهَا وَعَبَّرَ الْفُورَانِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ أَبْيَنَ فَقَالَ السِّمْسِمُ الْمَدْقُوقُ بِالسِّمْسِمِ الْمَدْقُوقِ لَا يَجُوزُ كَالدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ فَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُرَادُهُمْ بِطَحِينِ السِّمْسِمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الطَّحِينَةَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ كَبَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَهِيَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي حَالَةِ كَوْنِهَا حُبُوبًا كَالْأَقْوَاتِ.
(فَرْعٌ)
يَجُوزُ بَيْعُ كُسْبِ السِّمْسِمِ بِكُسْبِ السِّمْسِمِ وَزْنًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَلْطٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَلْطٌ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (قُلْتُ) أَمَّا إذَا كَانَ جَافًّا فَظَاهِرٌ وأما إذا كان رطبا فان كان فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ مَانِعًا مِنْ التَّمَاثُلِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ التَّمَاثُلِ يَجُوزُ وَأَمَّا كَوْنُ الْمِعْيَارِ فِيهِ الْوَزْنَ فَيُعَكِّرُهُ عَلَى مَا أَصَّلُوهُ مِنْ أَنَّ مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ مَكِيلٍ فَهُوَ مَكِيلٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ وَإِنَّهُ يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ.
(فَرْعٌ)
وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَصِيرِ بِخَلِّ الخمر لانهما يتساويا وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا مِنْ حَيْثُ الْحُمُوضَةُ وَالْحَلَاوَةُ فَلَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ كَالتَّمْرِ الطَّيِّبِ بِالتَّمْرِ غَيْرِ الطَّيِّبِ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَخَالَفَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَجَزَمَ بِالْمَنْعِ وَقَدْ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي أَكْثَرِهَا وَكَتَبَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا أَنَّهَا زيادة (فائدة) الملح مؤنثة تصغيرها ملحية قَالَهُ يَعْقُوبُ بْنُ السِّكِّيتِ فِي كِتَابِهِ وَنَقَلْتُهُ منه.
قال المصنف رحمه الله تعالى
(ويجوز بيع خل الخمر بخل الخمر لانه يدخر على جهته فجاز بيع بعضه ببعض كالزبيب بالزبيب ولايجوز بيع خل الخمر بخل الزبيب لان في خل الزبيب ماء وذلك يمنع من تماثل الخلين ولا
يجوز بيع خل الزبيب بخل الزبيب ولا بيع التمر بخل التمر لانا ان قلنا أن الماء فيه ربا لم يجز الجهل تماثل الماءين والجهل بتماثل الخلين وان قلنا لا ربا في الماء لم يجز للجهل بتماثل الخلين وان باع خل الزبيب بخل التمر فان قلنا ان في الماء ربا لم يجز للجهل بتماثل الماء فيهما وَإِنْ قُلْنَا لَا رِبَا فِي الْمَاءِ جَازَ لانهما جنسان فجاز بيع أحدهما بالآخر مع الجهل بالمقدار كالتمر بالزبيب والله أعلم) .
(الشَّرْحُ) الْكَلَامُ فِي الْخُلُولِ يَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا خَمْسَ مَسَائِلَ وَنُقَدِّمُ عَلَيْهَا أُمُورًا (أَحَدُهَا) أَنَّ الْخُلُولَ أَجْنَاسٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُخَرِّجُ قَوْلًا أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَامْتَنَعَ سَائِرُ الْأَصْحَابِ مِنْ تَخْرِيجِ هَذَا الْقَوْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ غَلَّطَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَالتَّفْرِيعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى هَذَا وَأَمَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَعْدَادِ الْمَسَائِلِ بَلْ كُلُّ خَلَّيْنِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أحدهما بالآخر وان لم يكن في شئ منهما ماء جاز متماثلا ولايجوز مُتَفَاضِلًا وَالْمُصَنَّفُ وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا فَرَّعُوا عَلَى الْمَشْهُورِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْخَلَّ يُتَّخَذُ مِنْ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ فَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا أَخَذْتَ كُلَّ صِنْفٍ مَعَ مِثْلِهِ وَمَعَ قَسِيمِهِ كَانَتْ الصُّوَرُ سِتًّا خَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَخَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَخَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلُّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَخَلُّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلُّ التَّمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا خَمْسًا وَتَرَكَ خَلَّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَزَادَ الرَّافِعِيُّ فِي الْخُلُولِ خَلَّ الرُّطَبِ فَصَارَتْ الْخُلُولُ أربعة والصور الحاصلة
من تركيها عَشْرَةٌ السِّتُّ الْمَذْكُورَةُ وَأَرْبَعٌ مِنْ خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ وَبِخَلِّ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَلَيْسَتْ الْخُلُولُ مُنْحَصِرَةً بَلْ يُتَّخَذُ الْخَلُّ أَيْضًا مِنْ الْقَصَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ الْجُمَّيْزِ وَمِنْ الْبُسْرِ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَتَأْتِي الصُّوَرُ أَضْعَافَ هذه وطريقك في عدها وَتَرْتِيبِهَا أَنْ تَأْخُذَ كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ نَفْسِهِ وَمَعَ مَا بَعْدَهُ وَلَكِنْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا غَرَضٌ وَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي خَلِّ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَنِسْبَةُ الرُّطَبِ إلَى التَّمْرِ كَنِسْبَةِ الزَّبِيبِ إلَى الْعِنَبِ لَكِنَّ الرُّطَبَ قَدْ يُتَّخَذُ خَلًّا بِغَيْرِ مَاءٍ فَيَخْتَلِفُ حُكْمُهُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَنِسْبَةُ الْجُمَّيْزِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَنِسْبَةِ الْعِنَبِ إلَى التَّمْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكْثِيرِ الصُّوَرِ وَنَشْرَحُ مَا ذَكَرُوهُ خَاصَّةً وَالْخَلُّ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا حُمِّضَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ (الْأَمْرُ
الثَّالِثُ) أَنَّ التَّمْرَ وَالرُّطَبَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْعِنَبُ وَالزَّبِيبُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْمَاءَ هَلْ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فِيهِ وَجْهَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) بَيْعُ خَلِّ الخمر بخل الْخَمْرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ الْعِنَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ والرافعي وغيرهم لانه لاماء فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ غَايَةُ يُبْسٍ يَقَعُ فِيهَا التفاوت وقد الفوارنى وابن داود وغيرهما ذلك بان لا يَكُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاءٌ وَذَلِكَ صَحِيحٌ لابد مِنْهُ وَإِنَّمَا سَكَتَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَنْهُ لِأَنَّ الغالب في خل العنب أنه لاماء فِيهِ وَقَدْ يُعْمَدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِيُسْرِعَ تَخَلُّلُهُ فَلِذَلِكَ التَّقْيِيدُ حَسَنٌ وَالْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلِلْعِنَبِ حَالَتَانِ لِلِادِّخَارِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَصِيرَ زَبِيبًا (وَالْأُخْرَى) أَنْ يَصِيرَ خَلًّا (المسألة الثانية) بيع خل الخمر بخل الزبيب لا يجوز كذلك قال المصنف والشيخ أبو حامد وأبو الطيب والمحاملى والماوردي وذلك
واضح لان الزبيب من جنس العنب والزبيب ماء فكأنه باع عنبا بعنب وماء وذلك لا يجوز لانتفاء التماثل ومع ذلك لا يحتاج إلى التعليل بقاعدة مد عجوة (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) بَيْعُ خَلِّ الْخَمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ بَيْعِ خَلِّ الْخَمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ لِأَنَّ التَّمْرَ وَالْعِنَبَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَقَدْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْأَجَلِ وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الْقَصَبِ لِأَنَّ أُصُولَهُ مُخْتَلِفَةٌ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِالْجَوَازِ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرَّافِعِيُّ فَإِنَّ خل العنب لاماء فيه وخل التمز وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَهُوَ جِنْسٌ آخَرُ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّ الْخُلُولَ أَجْنَاسٌ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ خَلَّ الْعِنَبِ وَخَلَّ التَّمْرِ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَالْقَوْلِ الْغَرِيبِ عِنْدَنَا فَكَأَنَّهُ بَاعَ عِنَبًا بِتَمْرٍ وَمَاءٍ وَهُوَ جَائِزٌ وَسَيَأْتِي فِي خَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ طَرِيقَةٌ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْجَمْعِ بين مختلفى الحكم وقياسه أن يأتي ههنا وَسَأَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ) بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ لَا يَجُوزُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَمَّا خَلُّ الزَّبِيبِ فَلَا خَيْرَ فِي بَيْعِهِ بِبَعْضٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمَاءَ يَقِلُّ فِيهِ وَيَكْثُرُ وَهَذَا تنبيه على العلة الثَّانِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا
الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءٌ قُلْنَا الْمَاءُ رِبَوِيٌّ أولا لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ وَالْمُمَاثَلَةَ فِيهِ مَجْهُولَةٌ وَكَذَلِكَ خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الا بالماء وليس كخل العنب بخل الْعِنَبِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السادسة لكن
الشيخ أبا محمد في السلسة جَزَمَ بِالْجَوَازِ فِي خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ وَكَذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ فَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا بَلْ كَانَ خَلُّ الرُّطَبِ بِغَيْرِ مَاءٍ وَإِنْ أَمْكَنَ كَمَا قَالَ أبو محمد وصار كخل العنب وان كان فِيهِ مَاءٌ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ) خَلُّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ بِجَوَازِهِ وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حُكْمًا وَبِنَاءً وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَلَّلَهُ الْمَحَامِلِيُّ بِمَا عَلَّلَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ بَيْعُ مَاءٍ وشئ بماء وشئ (فَإِنْ قُلْتَ) تَعْلِيلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ظَاهِرٌ وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِالْجَهْلِ بِتَمَاثُلِ الْمَاءَيْنِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمَاءَيْنِ لَوْ كَانَا مَعْلُومِي التَّسَاوِي صَحَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّ الماء ربوي فلا يجوز لقاعدة مدعجوة فَلَوْ عَلَّلَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كَانَ أَوْلَى عَلَى أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ وَارِدٌ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ وَهَذَا السُّؤَالُ الْمُلَقَّبُ فِي عِلْمِ النَّظَرِ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ بِدُونِ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةً (قُلْتُ) بَلْ مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى لان الجهل بالممائلة هي العلة لمعتبرة في البطلان المجمع عليها وقاعدة مدعجوة إنَّمَا بَطَلَتْ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا لَا (1) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (فَإِمَّا) أَنْ يَقُولَ بِذَلِكَ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ (وَإِمَّا) أَنْ يَعْتَرِفَ بِوُرُودِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ التَّأْثِيرَ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي قِيَاسِ الْعِلَّةِ أَمَّا فِي قِيَاسِ الدَّلَالَةِ فَلَا كَمَا ذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ النَّظَرِ وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ الَّذِي لَا يُدَّعَى فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ وَإِنَّمَا يُدَّعَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ دَلِيلٌ عَلَى الْحُكْمِ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا ظَاهِرٌ فِي الْقَلِيلِ فَالْأَوْلَى دَفْعُ السُّؤَالِ بِمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَوْ نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ سُؤَالُ الْعَكْسِ وَهُوَ وُجُودُ مِثْلِ الْحُكْمِ بِعِلَّةٍ
(1) بياض
بالاصل فحرر
أُخْرَى وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ وَيَمْنَعُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا الْمُصَنِّفُ مِنْ الْبِنَاءِ هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَدْ قيل شئ عن هذا وليس بشئ قال يعنى ذلك القائل وقول الشافعي ههنا فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَلَا بَأْسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا رِبَا فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْصَلْ وَإِلَّا فَلَيْسَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الرِّبَا لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ قُلْنَا لَا رِبَا فِي الْمَاءِ جَازَ إلَى آخِرِهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْخَلَّيْنِ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الْمَاءَيْنِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الطَّرِيقَ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ التَّعْلِيقِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الصَّوَابُ وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ اقْتَصَرُوا عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وهو أنه يجزو جَمْعُ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى جَوَازِ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَفِيهِ الْمَاءُ وَهُوَ يُعَضِّدُ جَزْمَ الْجُمْهُورِ بِالْجَوَازِ هُنَا لِأَنَّهُ لافرق بين أن يكون الماء في الطرفين فِي أَحَدِهِمَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْخِلَافَ يَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرَّافِعِيُّ (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِمَا مَاءً يَمْنَعُ التَّمَاثُلَ هَكَذَا علله الماوردى ولا خفاء بِهِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَسْأَلَةَ خَلِّ الْعِنَبِ وَخَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَحَكَمَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِيهِمَا وَعَلَّلَ بِأَنَّ فِي أَحَدِهِمَا مَاءً وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ خَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَأَهْمَلَ تَعْلِيلَ الثَّانِيَةِ فَرُبَّمَا يُطَالِعُهُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ فَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ عَائِدٌ إلَيْهِمَا وَأَنَّ خَلَّ الرُّطَبِ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَهُ لِأَنَّهُ لو كان كذلك لجاز خل الرطب بخلل الرُّطَبِ إلَّا أَنْ يُلَاحِظَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَحْكَامُ الَّتِي ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ
إنَّمَا تَتِمُّ إذَا فُرِضَ خَلُّ الرُّطَبِ فِيهِ مَاءٌ وَاَلَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّهُ فِيهِ مَاءٌ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَسَاوِيًا وَهَلْ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا أَوْ لَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْخُلُولَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ (قُلْتُ) قَوْلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَسَاوِيًا مَحْمُولٌ عَلَى
أَنَّ خَلَّ الرُّطَبِ لَا مَاءَ فِيهِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُلَاحِظْ الْجَمْعَ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَالْمَنْعُ مِنْ التَّفَاضُلِ خِلَافُ النَّصِّ فِي خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه نَصَّ عَلَى جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (إحْدَاهَا) أَنْ لَا يَكُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاءٌ فَيَصِحُّ (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ فَيَصِحُّ أَيْضًا (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ فِيهِمَا مَاءٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ فِي الْمَاءِ رِبًا أَمْ لَا (ان قلنا) فيه ربا لا يصح (قُلْتُ) وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ وَلَمْ يُلَاحَظْ الْجَمْعُ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْبَحْثِ مَعَ الْفُورَانِيِّ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَرْمُوزًا إلَيْهِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ قَالَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فِي الْخُلُولِ وَفِي الْمَاءِ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَقْصُودٍ اشكال سنشررحه فِي بَابِ الْأَلْبَانِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ خَلَّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ لَا يَجُوزُ الرُّويَانِيُّ لَكِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مَاءٌ يَجُوزُ (الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةُ) خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ يَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرَّافِعِيُّ والبغوى قَالَ الرَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْخَلَّيْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَنَّهُمَا جِنْسَانِ (قُلْتُ) وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَقِيَاسُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَالنَّوَوِيِّ أَنْ تَأْتِيَ تِلْكَ الطَّرِيقَةُ أَيْضًا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَأَمَّا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يُلَاحِظُ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِي خَلِّ الرُّطَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يتجه عنده (1) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الْعِنَبِ حَتَّى يَأْتِيَ فِيهِ الْبَحْثُ السَّابِقُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ إنَّمَا هُوَ إذَا جمع بين
(1) بياض بالاصل
عينين مستقلتين حتى يكون ذلك كالعقد فَرَتَّبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُقْتَضَاهُ وَكَذَلِكَ يَقُولُ الْأَصْحَابُ جَمَعَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ إنَّمَا الْخَلُّ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ فَهُوَ كَعَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ أَفْرَدْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ بِحُكْمٍ وَمَا فِيهِ مِنْ الْخَلِّ بِحُكْمٍ لَزِمَهُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَجْهُولٌ وَفِي سَائِرِ صورر الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ يُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا ويعطى كل واحد حكمه وههنا لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَاءِ وَحْدَهُ وَبَعْضَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْخَلِّ بَلْ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ مُقَابَلٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ مَجْمُوعِ الْخَلِّ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمَاءِ وغيره ويوؤل ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى رِبَوِيًّا رَأَى بَعْضَهُ وَلَمْ يَرَ بَعْضَهُ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَا
بَيْعِ الْغَائِبِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى قَوْلَيْ الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ لَا يُحْتَمَلُ تَخْرِيجُ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا رَأَى بَعْضَ الثَّوْبِ وَلَمْ يَرَ بَعْضَهُ فَحُكْمُ مَا رَأَى أَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ (1) الْخِيَارَ فِيهِ ثَابِتٌ فَرُبَّمَا يَخْتَارُ فَسْخَ الْمَبِيعِ فيما لم يرد اجازته فيما رَأْيٌ فَيُحْتَاجُ إلَى قَطْعِ الثَّوْبِ وَفِي ذَلِكَ اتلاف لما ليس من ماله والله أعلم.
وقد تقم بَحْثٌ فِي خَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَخَلِّ العنب عند الكلام في بيع المشور بالمشوب فليطالع هناك وكذلك فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا لَا رِبَا فِي الْمَاءِ قولين في ذلك (أصحهما) الجواز ولكنهما ليس الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ بَلْ هُمَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ وَالْغَرِيبُ فِي أَنَّ الْخُلُولَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَالْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَعْرُوفِ أَنَّ الْخُلُولَ أَجْنَاسٌ وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ كُلَّ خَلَّيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الْمَاءُ أَوْ لَا يَكُونَ فِيهِمَا أَوْ يَكُونَ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا الْمَاءُ فَإِنْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ قَطْعًا كَخَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الزبيب وان كانا
(1) بياض بالاصل فحرر
جِنْسَيْنِ كَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مَاءٌ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ جَازَ قَطْعًا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وان كانا جنسين جاز متفاضلين قطعا يد بِيَدٍ كَخَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَا فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ جَازَ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا بِشَرْطِ التَّقَابُضِ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِطَرِيقَةِ الْبَغَوِيِّ وَكُلُّ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ مَجْزُومٌ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا إذَا كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ وَفِيهِمَا الْمَاءُ كَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ والله أعلم.
وليس في المسائل العشرة مَسْأَلَةٌ جَائِزَةٌ قَطْعًا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إلَّا خَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَلَا فِي الْجِنْسَيْنِ إلَّا خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَبَقِيَّةُ ذَلِكَ إمَّا مُمْتَنِعٌ قَطْعًا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ وَإِمَّا مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْجِنْسَيْنِ إذَا كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا ماء وان شئب لَخَّصْتُهُ فَقُلْتُ كُلُّ خَلَّيْنِ لَا مَاءَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا مُتَمَاثِلًا فِي الْجِنْسِ
وَمُتَفَاضِلًا فِي الْجِنْسَيْنِ وَكُلُّ خَلَّيْنِ فِيهِمَا الْمَاءُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ قَطْعًا إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَعَلَى الْأَصَحِّ إنْ اخْتَلَفَ وَكُلُّ خَلَّيْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْمَاءُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ قَطْعًا وَيَجُوزُ إنْ اخْتَلَفَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكُلُّهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْمِعْيَارُ فِي الْخَلِّ الْكَيْلُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ مِنْ أَصْلٍ مَكِيلٍ (تَنْبِيهٌ) جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخُلُولِ الَّتِي فِيهَا مَا تَفَرَّعَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُحْرَزُ فِي الْإِنَاءِ مملوك وهذا الذى قطع به المارودى وَلَنَا وَجْهٌ مَذْكُورٌ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ وَإِنْ أُخِذَ فِي إنَاءٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمَاءَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يَجُوزُ مَنْعُهُ فَعَلَى
هَذَا كَيْفَ يَرِدُ الْبَيْعُ عَلَى الْخَلِّ وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ مَمْلُوكٍ وَغَيْرِ مَمْلُوكٍ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ امْتِنَاعُ بَيْعِ الْخَلِّ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرِدَ الْعَقْدُ عَلَى الْجَمِيعِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا عَلَى الْمَمْلُوكِ مِنْهُ وَيَكُونُ الْمَاءُ مُبَاحًا لِعَدَمِ تَمَيُّزِهِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا الوحه ضَعِيفًا فِي النَّقْلِ لَمْ يُفَرِّعُوا عَلَيْهِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ بَعْدَ ذِكْرِ الْخُلُولِ وَبَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَالنَّبِيذُ الَّذِي لَا يُسْكِرُ مِثْلُ الْخَلِّ.
(فَرْعٌ)
يَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِعَصِيرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ إذا صار خلا فهما متساويان فِي حَالِ الِادِّخَارِ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَجَزَمَ بِالْمَنْعِ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَجْهًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى (1) الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي أَنَّ بَيْعَ الْعَصِيرِ بِالْعَصِيرِ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا عَلَى حَالِهِ وَالْآخَرُ لَيْسَ عَلَى حَالَةِ الِادِّخَارِ عِنْدَهُ وَقَدْ عَلَّلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ وَخَلِّهِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ جِنْسٌ وَلَكِنْ حَالَتْ صِفَةُ الْعَصِيرِ فَكَانَ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ مَعَ الْعَارِضِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي لِإِفْرَاطِ التَّفَاوُتِ فِي الاسم والصفة والمقصود والنئ لَا يَكُونُ مَأْكُولًا فَلَا يَكُونُ رِبَوِيًّا فَإِذَا كَانَ تَحَوُّلُ الصِّفَاتِ يُؤَثِّرُ هَذَا التَّأْثِيرَ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ (قُلْتُ) وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَقَدْ بَحَثْتُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ
وَبَيَّنْتُ أَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَلَّ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَقَدْ تَابَعَ الْإِمَامَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي فِي الذَّخَائِرِ وَيُوَافِقُهُ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْخَلِّ بِالدِّبْسِ وَأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ المطبوخ بالنئ.
(1) بياض بالاصل فحرر
(فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ خَلُّ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَلَا خَلُّ عِنَبٍ بِعِنَبٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وقال ولا كل شئ بشئ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعِنَبِ بِخَلِّهِ وَلَا بِعَصِيرِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مِنْ الْخَلِّ وَالْعَصِيرِ وَالدِّبْسِ وَالشَّيْرَجِ وَالنَّاطِفِ وَغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ أَوْ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ بَيْعُ الْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ أَوْ بِدِبْسِ الرُّطَبِ قَالَ القاضى حسين الصحيح أَنَّهُ يَجُوزُ (قُلْتُ) وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ بَعِيدٌ جِدًّا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْخُلُولَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ ذَاكَ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الِاسْمِ وَالرُّطَبُ وَخَلُّ الْعِنَبِ لااشتراك بَيْنَهُمَا وَلَا أَحَدُهُمَا مُسْتَخْرَجٌ مِنْ الْآخَرِ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ وَكَذَلِكَ فِي الْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ الا أن يكون فيه ماء..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَلَا يَجُوزُ بيع شاة في ضرعها لبن بلبن شاة لان اللبن يدخل في البيع ويقابله قسط من الثمن والدليل عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ فِي مُقَابَلَةِ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ولان اللبن في الضرع كاللبن في الاناء وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لا يحلبن أحدكم شاة غيره بغير اذنه أيحب احدكم أن تؤتى خزانته فينتثل ما فيها فجعل اللبن كالمال في الخزانة فصار كما لو باع لبنا وشاة بلبن) .
(الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ الَّذِي فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ فِي مُقَابَلَةِ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ أَجِدْهُ بهذا اللفظ صريحا ولكنه يشير به الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى فِي بَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عليه وله الفاظ ورد بها أقر بها إلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وان سخطها ففي حلبتها صاع من التمر (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ يُفِيدُ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي حَلْبَتِهَا ظَاهِرٌ فِي مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ وَالْحَدِيثُ الْآخَرِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ إلَّا بِإِذْنِهِ أيحب أحدكم أن يؤتى مشربته فيكسر خِزَانَتُهُ فَيُنْتَثَلَ طَعَامُهُ فَإِنَّمَا يَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ لِطَعَامِهِمْ فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ) وَقَوْلُهُ يُنْتَثَلُ أَيْ يُسْتَخْرَجُ وَهُوَ - بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتِ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقٍ ثُمَّ ثاء مثلثة مفتوحتين يقال نثل مافى كنانته إذا صبها ونثرها وقد نثلت الْبِئْرَ نَثْلًا وَانْتَثَلْتُهَا إذَا اسْتَخْرَجْتُ تُرَابَهَا وَرُوِيَ ينقل بالقاف بدل الثاء الْمُثَلَّثَةِ أَيْ يَذْهَبُ وَيَنْقُلُ عَنْ الضَّرْعِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَكْثَرُ وَأَشْهُرُ وَهِيَ الَّتِي فَسَّرَهَا أَهْلُ الغريب والمشربة نضم الرَّاءِ وَفَتْحِهَا الْغَرْفَةُ وَجَمْعُهَا مَشَارِبُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ شاة أحدكم أن لفظ الشاة في شئ من الروايات.
وحكم الْمَسْأَلَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وَلَا خَيْرَ فِي شَاةٍ فِيهَا لَبَنٌ يُقْدَرُ عَلَى حَلْبِهِ بِلَبَنٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ فِي الشَّاةِ لَبَنًا لَا ادرى كم حصنه مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ بِهِ نَقْدًا وَإِنْ كَانَ نَسِيئَةً فَهُوَ أَفْسَدُ لِلْبَيْعِ وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلَبَنِ التَّصْرِيَةِ بَدَلًا وَإِنَّمَا اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ الْمَبِيعِ فِي قِشْرِهِ يَسْتَخْرِجُهُ صَاحِبُهُ إذَا شَاءَ وَلَيْسَ كَالْوَلَدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ هَذَا لَفْظُ الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا بَأْسَ بِلَبَنِ شَاةٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالدَّيْنُ مِنْهُمَا مَوْصُوفٌ فِي
الذِّمَّةِ وَصَرَّحَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ بِجَوَازِ ذلك نقدا ونسئا ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ اخْتَرْتَ لبن الشاة بالشاة وقدمها اللبن فيقال إن الشاة نفسها لاربا فِيهَا إنَّمَا تُؤْكَلُ بَعْدَ الذَّبْحِ أَوْ السَّلْخِ أَوْ الطَّبْخِ أَوْ التَّجْفِيفِ فَلَا تُنْسَبُ الْغَنَمُ إلَى أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةً إنَّمَا تُنْسَبُ إلَى أَنَّهَا حَيَوَانٌ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَأَنَّ بَيْعَ الشَّاةِ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنِ شَاةٍ بَاطِلٌ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي فِي الضَّرْعِ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ في الحمل قولان بدليل خبر المصراة ولولا أَنَّ اللَّبَنَ يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ لَمَا أَلْزَمَهُ رَدُّ بَدَلِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى
نَخْلَةً فَأَثْمَرَتْ فِي يَدِهِ أَوْ شَاةً فَحَمَلَتْ وَوَلَدَتْ ثُمَّ ردها ولان مافى الضرع مثل مافى الْخِزَانَةِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ به الاصحاب ههنا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ ذِكْرُ وَجْهٍ فِيهِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ وَمَعَ هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي امْتِنَاعِ بَيْعِ الشَّاةِ اللَّبُونِ بِاللَّبَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْأَصْحَابُ فَوَجَبَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ شَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ أَصْلًا لِأَنَّ اللَّبَنَ مَجْهُولٌ كَمَا لَوْ ضَمَّ إلَى الشَّاةِ لَبَنًا مُغَطًّى فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ هُنَاكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّاةِ وَاللَّبَنِ الْمَضْمُومِ إلَيْهَا مَقْصُودٌ بِالْبَيْعِ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ تَابِعٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ دُخُولِهِ إذَا أُطْلِقَ الْبَيْعُ فِي الشَّاةِ ويغتفر في التابع مالا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ صَحَّ بَيْعُهُ كَأَسَاسِ الحائط ورؤس الْجُذُوعِ وَطَيِّ الْبِئْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ جَعَلَهُ تَابِعًا فِي انْتِفَاءِ الْغَرَرِ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا فِي انْتِفَاءِ الرِّبَا كَالثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إذَا بِيعَتْ مَعَ أَصْلِهَا تَابِعَةً مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ
جَازَ وَلَوْ بَاعَ نَخْلَةً مُثْمِرَةً بِتَمْرٍ لَمْ يَصِحَّ فَكَانَ رِبًا فَتَبِعَتْ فِي انْتِفَاءِ الْغَرَرِ وَلَمْ تَتْبَعْ فِي انْتِفَاءِ الرِّبَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْحَيَوَانِ وَلَا يُشْبِهُ الْحَمْلَ لان الحمل لا يمكن استخراجه متى شاءوالفرق بَيْنَ اللَّبَنِ وَالْحَمْلِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْقَائِلِ بانه ليس له قسط من التمن أَنَّ اللَّبَنَ مَقْدُورٌ عَلَى تَنَاوُلِهِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ فَأَشْبَهَ الْجَوْزَ وَاللَّوْزَ فِي قِشْرِهِ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه بَيْعَ الشَّاةِ ذَاتِ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَهَكَذَا الْحُكْمُ إذَا ذُبِحَتْ هَذِهِ الشَّاةُ الَّتِي فِيهَا لَبَنٌ ثُمَّ بِيعَتْ بِلَبَنٍ وَهُوَ أَفْسَدُ لِأَنَّهُ بَيْعُ لَحْمٍ وَلَبَنٍ بِلَبَنٍ وَلَوْ بَاعَ الشَّاةَ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنِ إبِلٍ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ لَبَنِ الْغَنَمِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْأَلْبَانَ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) أَصْنَافٌ جَازَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ فَعَلَى هَذَا الصَّحِيحُ الْجَوَازُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا أجناس ولم يذكر الصميرى فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ غَيْرَهُ وَلِذَلِكَ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ بِلَبَنِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ الشَّاةَ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَقُلْنَا إنَّ الْأَلْبَانَ أَجْنَاسٌ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا رِبَوِيًّا بِشَعِيرٍ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ يَعْنِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَهُوَ فِي ذلك تابع للقاضى
حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ فَإِنَّ مَا يُقَابِلُ اللَّبَنَ من اللبن يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ (قُلْتُ) وَفِي التَّحْرِيمِ نَظَرٌ (1) فِي بَيْعِ خَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَفِي بَيْعِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ بِحُكْمِهِ إذْ اللَّبَنُ الَّذِي فِي الضَّرْعِ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ وَحْدَهُ فَلَوْ نَزَلَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ مَنْزِلَةَ عَقْدٍ مُسْتَقِلٍّ لاقتضى البطلان
(1) بياض بالاصل فحرر
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا الْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ صَحَّ الْعَقْدُ (وَالْحُكْمُ الثَّانِي) إذَا بَاعَ شَاةً غَيْرَ ذَاتِ لَبَنٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنْ لَا تَكُونَ وَلَدَتْ قَطُّ جَازَ الْبَيْعُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَيْضًا تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه نَقْدًا وَنَسِيئَةً وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي حَرْمَلَةَ فِي الَّتِي لَهَا لَبَنٌ قَدْ حُلِبَ وَلَمْ يُسْتَخْلَفْ بعد شئ مِنْهُ فَبَاعَهَا بِلَبَنِ شَاةٍ يَجُوزُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَبَنٌ يَجْتَمِعُ وَالْقَلِيلُ الَّذِي يَنِزُّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِالصِّحَّةِ فِي اللَّبُونِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وقت البيع أو كان نذرا لَا يُقْصَدُ حَلْبُ مِثْلِهِ لِقِلَّتِهِ قَالَ فَإِنَّ مِثْلَهُ لَيْسَ مَقْصُودًا وَالْحَيَوَانُ مُخَالِفٌ لِجِنْسِ اللَّبَنِ فَلْيَلْتَحِقْ بِبَيْعِ الْمَخِيضِ بِالزُّبْدِ مَعَ النَّظَرِ إلَى الرغوة وشبهه بعضهم بالدار الذى ذُهِّبَتْ وَاسْتُهْلِكَ الذَّهَبُ إذَا بِيعَتْ بِدَارٍ مِثْلِهَا أَوْ بِالذَّهَبِ يَجُوزُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فَإِنْ ذُبِحَتْ هَذِهِ الشَّاةُ وَسُلِخَتْ وَبِيعَتْ بِاللَّبَنِ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَحْمٌ لا شئ مَعَهُ بِلَبَنٍ وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ أَغْرَبَ الْجِيلِيُّ فَحَكَى فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا شَاذٌّ لَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُهُ مَا حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُصَرَّاةِ أَنَّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيٍ.
(فَرْعٌ)
كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ الَّتِي فِيهَا لَبَنٌ بِلَبَنٍ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِالزُّبْدِ وَلَا بِالسَّمْنِ وَلَا
بِالْمَصْلِ وَلَا بِالْأَقِطِ كَمَا لَا يَجُوزُ اللَّبَنُ بشئ مِنْ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَضْرَمِيُّ في كتاب الاكمال كما وَقَعَ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْإِجْمَالِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَلَوْ بَاعَ أَمَةً ذَاتَ لَبَنٍ بِلَبَنِ آدَمِيَّةٍ جَازَ بِخِلَافِ شَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنِ شَاةٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَبَنَ الشَّاةِ فِي الشَّرْعِ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ فلهذا لا يجوز عقد الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَلَبَنُ الْآدَمِيَّةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ العين بل هو كالمنفعة ولهذا جوزنا عَقْدَ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ وَالتَّعْلِيلُ حَسَنٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِي أَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيَّةِ هَلْ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْأَلْبَانِ (إذَا قُلْنَا) بِأَنَّ الْأَلْبَانَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَمْ لَا وَلَا يَرِدُ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ إذَا كَانَ مُنْفَصِلًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْأَعْيَانِ وَهُنَا الْأَلْبَانُ فِي الثَّدْيِ هُوَ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ بَلْ حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ فَلِذَلِكَ قَالَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَضُمَّ إلَى الْجَارِيَةِ عَيْنًا أُخْرَى وَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْفَرْعَ إلَّا في هذا الْكِتَابِ فَلَا أَدْرِي هَلْ الْفَرْقُ مِنْ كَلَامِهِ أَوْ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَيُعَضِّدُهُ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ في أن الجارية المصراة لايرد مَعَهَا بَدَلُ اللَّبَنِ وَفِيهِ وَجْهُ أَنَّهُ يَرِدُ فَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ الْوَجْهِ قَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالُ هُنَا بِامْتِنَاعِهَا بِلَبَنِ آدَمِيٍّ لِأَنَّهُ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ الْعَيْنِ وَإِنْ بَاعَهَا بِلَبَنِ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ وَمَا نَقَلَهُ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ النَّصِّ يَكُونُ الْجَوَازُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِي التَّصْرِيَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى أَنَّ الْأَلْبَانَ أجناس أولا (فَإِنْ جَعَلْنَاهَا) أَجْنَاسًا جَازَ (وَإِنْ جَعَلْنَاهَا) جِنْسًا فَيَتَخَرَّجُ عَلَى خِلَافٍ تَقَدَّمَ فِي أَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيِّ مِنْ جُمْلَتِهَا أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْنَا) لاجاز (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ جِنْسِهَا فَقِيَاسُ ذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَنْعُ (وَأَمَّا) التَّمَسُّكُ بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ فِي كونه يسللك بِهِ مَسْلَكُ الْمَنَافِعِ فَفِيهِ وَفِي تَسْوِيغِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحُكْمِ الثَّابِتِ في التصرية أولى والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(فان باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن ففيهه وجهان قال أبو الطيب بن سلمة يجوز كما يجوز بيع السمسم بالسمسم وان كان في كل واحد منهما شيرج وكما يجوز بيع دار بدار وان كان
في كل واحدة منهما بئر ماء وقال أكثر أصحابنا لا يجوز لانه جنس فيه ربا بيع بعضه ببعض ومع كل واحد منهما شئ مقصود فلم يجز كما لو باع نخلة مثمرة بنخلة مثمرة ويخالف السمسم لان الشيرج في السمسم كالمعدوم لانه لا يحصل إلا بطحن وعصر واللبن موجود في الضرع من غير فعل ويمكن أخذه من غير مشقة وأما الدار فان قلنا ان الماء يملك ويحرم فيه الربا فلا يجوز بيع احدى الدارين بالاخرى) .
(الشرح) والوجهان مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا كَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَنَسَبَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الثَّانِيَ إلَى عَامَّةِ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو العباس وأبو إسحق وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَسَبَهُ إلَى أَصْحَابِنَا وَقَالَ نَصْرٌ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي اللُّبَابِ وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِي وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَيْعَ شَاةٍ مَعَهَا لَبَنٌ فِي إنَاءٍ بِشَاةٍ مَعَهَا لَبَنٌ فِي إنَاءٍ وَوَافَقَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ عَلَى امْتِنَاعِ بَيْعِ الشَّاةِ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنٍ فَلِذَلِكَ شَبَّهَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي خَالَفَ فيها بالسمسم بِالسِّمْسِمِ وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَفَرَّقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ بِفَرْقَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ
الْأَصْحَابِ
(وَالثَّانِي)
هَذِهِ وَهُوَ أَنَّ السِّمْسِمَ إذَا بِيعَ بِالسِّمْسِمِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الشَّيْرَجُ فَأَمَّا التُّفْلُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَقَدْ وُجِدَتْ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا كَيْلًا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ التفل كالتمر إذَا كَانَ فِيهِمَا نَوًى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الشَّاةِ بِاللَّبَنِ فَإِنَّ الشَّاةَ مَقْصُودَةٌ وَاللَّبَنُ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَ لَبُونًا بِشَاةٍ لَبُونٍ وَهُمَا مُسْتَفْرَغَتَا الضَّرْعِ جَازَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ احْتِرَازًا عَنْ هَذَا وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكْ أَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُمْلَكُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ وَيَسْقُطُ التَّمَسُّكُ بِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ رِبَوِيٌّ مَنَعْنَا الْحُكْمَ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا لَا يُمْلَكُ صَحَّ بَيْعُ الدَّارِ بِالدَّارِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْبَيْعُ الْمَاءَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَإِذَا تَخَطَّى رَجُلٌ إلَى الْبِئْرِ وَاسْتَقَى مِنْهَا مَلَكَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ مَعَ عِصْيَانِهِ فِي دُخُولِهِ الدَّارَ بِغَيْرِ إذْنٍ (وَإِنْ قُلْنَا) يُمْلَكُ وَهُوَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ صَحَّ الْبَيْعُ وَتَنَاوَلَهُ (وَإِنْ
قُلْنَا) رِبَوِيٌّ امْتَنَعَ الْبَيْعُ فَعَلَى كُلِّ التَّقْدِيرِ احْتِجَاجُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ بِذَلِكَ سَاقِطٌ وَمَنْعُ بيع احدى الدارين المذكورتين بالاخرى على القول بِأَنَّ الْمَاءَ مَمْلُوكٌ رِبَوِيٌّ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ لَكِنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ قَالَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الْمُتَرْجَمِ عَنْهُ بباب الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الدَّارِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَفِي الْأُخْرَى بِمَاءٍ ظَاهِرٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بالشرط كَالطَّلْعِ الْمُؤَبَّرِ (قُلْتُ) وَمَتَى بَاعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَيْضًا فِي بَابِ بَيْعِ الثِّمَارِ وَبِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ فِي أَحَدِهِمَا وَفِي الْآخَرِ يَكُونُ مَجْهُولًا فِيهَا وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ
لِأَنَّهُ إلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ يَخْتَلِطُ بِهِ غَيْرُهُ وَمَتَى بَاعَ وَاشْتَرَطَ دُخُولَهُ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ لان الاختلاط ههنا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ صَرَّحَ بِحِكَايَةِ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَقَالَ القاضى حسين ان كان في موضع لاقيمة لِلْمَاءِ فِيهِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لِلْمَاءِ فِيهِ قِيمَةٌ وَلَمْ يُسَمِّيَا فِي الْعَقْدِ أَيْضًا يَجُوزُ وَإِنْ سَمَّيَا فِي الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لا يجوز ويصير كمسألة مدعجوة وَبَنَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ ذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ قَدَّمَهُ فِي بَيْعِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْبِئْرُ مُطْلَقًا فَصَلَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَاءِ قِيمَةٌ في ذلك المكان أولا فقال إن كان مما لاقيمة له يدخل في العقد وقيل لايدخل إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَيْتِ وَحَكَى عَنْ الْقَاضِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَنْدَرِجُ كَالثِّمَارِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ (وَإِذَا قُلْنَا) بِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ اُخْتُصَّ بِهِ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ يَخْتَصُّ بِهِ الْبَائِعُ وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ فِي الحلية بان الماء الظاهر عند البيع لايدخل يَعْنِي عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَكَذَا الْمَعْدِنَ الظَّاهِرَ كَالنَّفْطِ وَنَحْوِهِ وَمَا يَنْبُعُ بَعْدَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَاَلَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ الصِّحَّةُ تَبَعًا وَعَلَى هَذَا يَشْكُلُ الْفَرْقُ فَإِنَّ تَبَعِيَّةَ الْمَاءِ لِلدَّارِ كَتَبَعِيَّةِ اللَّبَنِ لِلشَّاةِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْضًا الصِّحَّةُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَاءَ الْكَائِنَ فِي الْبِئْرِ ليس مقصوداولا يَرْتَبِطُ بِهِ قَصْدٌ (وَقَوْلُهُ) الْكَائِنُ فِي الْبِئْرِ احْتِرَازٌ جَيِّدٌ فَإِنَّ مَاءَ الْبِئْرِ مِنْ حَيْثُ الجملة مقصود في الدار ولكن لاغرض فِي ذَلِكَ لِلْقَدْرِ الْكَائِنِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَمَعَ قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ الثاني هو القياس وانه لا ينقدح للجواز وجه في القياس لكن عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَمُعْتَمَدُهُ سُقُوطُ الْقَصْدِ إلَى الْمَاءِ الحاصل ثم أورد الامام سؤال وَانْفَصَلَ عَنْهُ أَمَّا السُّؤَالُ فَإِنَّ خَلَّ التَّمْرِ إذَا بِيعَ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَقُلْنَا إنَّ الْمَاءَ
رِبَوِيٌّ امْتَنَعَ الْبَيْعُ وَالْمَاءُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي الْخَلِّ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ وَانْفَصَلَ عَنْهُ بِأَنَّ
الْمَاءَ يُسْتَعْمَلُ عَلَى صِفَةِ الْخَلِّ حَتَّى كَأَنَّهُ انْقَلَبَ خَلًّا فَلَمْ يَخْرُجْ مِقْدَارُ الْمَاءِ عَنْ كَوْنِهِ مَقْصُودًا وَإِنْ كَانَ لَا يُقْصَدُ مَاءٌ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْبِئْرِ وَمَائِهَا.
وَقَدْ يُقَالُ كُلٌّ مِنْ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا مَقْصُودٌ بِخِلَافِ الْمَاءِ الْحَاصِلِ وَقْتَ الْعَقْدِ فِي الْبِئْرِ فَإِنَّهُ غير مقصود وقد تقدم في مسألة مدعجوة الكلام في شئ من ذلك وقال الماوردى إن قلنا لاربا فِي الْمَاءِ جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ قُلْنَا فِيهِ ربا فان كان الماء محرزا في الاحباب فَهُوَ مَمْلُوكٌ قَطْعًا وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ خَوْفَ التَّفَاضُلِ وَإِنْ كَانَ فِي الْآبَارِ فَبَعْضُ أَصْحَابِنَا يَزْعُمُ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ يَكُونُ مِلْكًا لِمَالِكِ الْبِئْرِ فَعَلَى هَذَا يَمْتَنِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِلْحًا فَيَجُوزُ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمِلْحَ غَيْرُ مَشْرُوبٍ وَلَا رِبَا فِيهِ وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْأَخْذِ والاجازة وَكَذَلِكَ مَاءُ الْعَيْنِ وَالنَّهْرِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِمَالِكِ الْبِئْرِ مَنْعُ غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي بِئْرِهِ أَوْ نَهْرِهِ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا ذَاتَ بِئْرٍ فَاسْتَعْمَلَ مَاءَهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ لَمْ يَلْزَمْهُ لِلْمَاءِ غُرْمٌ وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَزِمَهُ غُرْمُهُ كَمَا يُغَرَّمُ لَبَنَ الضَّرْعِ وَلِأَنَّ مُسْتَأْجِرَ الدَّارِ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَاءَ الْبِئْرِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ دَارٍ ذَاتِ بِئْرٍ فِيهَا بِدَارٍ ذَاتِ بِئْرٍ فِيهَا (قُلْتُ) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي صَحَّحُوهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَاءَ الْبِئْرِ وَاَللَّهُ أعلم.
وقال ابن الرافعة بَعْدَ حِكَايَتِهِ كَلَامَ الْقَاضِي فِي بَيْعِ الدَّارِ التى فيها البئر هذا لاشك فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْمَاءَ لايدخل فِي إطْلَاقِ الْعَقْدِ أَمَّا إذَا قُلْنَا يَدْخُلُ كَمَا هُوَ وَجْهٌ بَعِيدٌ فَهُوَ تَابِعٌ وَهَلْ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمَقْصُودِ أَمْ لَا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ لِلْإِمَامِ فِيمَا نَظَمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
نَعَمْ لَكَ أَنْ تَقُولَ الْجَزْمُ بصحة العقد مع عدم دخول مافى الْبِئْرِ مِنْ الْمَاءِ نَظَرٌ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ الا
مُخْتَلَطًا بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْجَمَّةِ بِمُفْرَدِهَا حَذَرًا مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إذَا بِيعَتْ الْجَمَّةُ لِلْبَائِعِ حَذَرًا مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ تُخُيِّلَ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَمْ يَمْنَعْ من تسليم عين المبيع وهو ههنا فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ فَلَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ (قُلْنَا) ذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ بَيْعِ الْأَصْلِ وَغَلَّةُ ثَمَرَةٍ تَكُونُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَتَأَتَّى تَسْلِيمُهَا إلَّا بَعْدَ اخْتِلَاطِهَا بِالثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ عَلَى مِلْكِ
الْمُشْتَرِي وَالْمَنْقُولُ فِيهَا عَدَمُ الصِّحَّةِ لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِأَنَّ الثِّمَارَ مَقْصُودُ الْأَشْجَارِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ ثَمَّ وَلَا كَذَلِكَ مَاءُ الْبِئْرِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَأَمَّا فِي بَيْعِ الْبِئْرِ فَفِيهِ وَقْفَةٌ فِي حَالِ كَوْنِ الْمَاءِ لَهُ قِيمَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ.
وَمَنْعُ بَيْعِ النَّخْلَةِ الْمُثْمِرَةِ مِنْ جِنْسِهَا بَاطِلٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ فلو كان على احداهما ثمرة ولا شئ عَلَى الْأُخْرَى جَازَ وَكَذَلِكَ الشَّاةُ الَّتِي فِيهَا لبن بالشاة التى لالبن فِيهَا صَرَّحَ بِهِمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مَذْبُوحَةً فَذَلِكَ يَمْتَنِعُ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ بَيْعُ حَيَوَانٍ بِلَحْمٍ (فَائِدَةٌ) عَرَفْتُ أَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ بْنَ سَلَمَةَ قَائِلٌ بِالْجَوَازِ فِي بَيْعِ الشَّاةِ بِالشَّاةِ وَالدَّارِ بِالدَّارِ وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ فَقَالَ فِي بَيْعِ الشَّاةِ اللَّبُونِ بِالشَّاةِ اللَّبُونِ وَفِي ضَرْعِهِمَا لَبَنٌ حَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الدَّارَيْنِ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهَا وَلَمْ يَنْسُبْ فِيهَا إلَى أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ شَيْئًا وَفِي الْوَسِيطِ ذَكَرَ لَفْظًا مُشْكِلًا فَقَالَ بَعْدَ
أَنْ جَزَمَ بِالْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ اللَّبُونِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارَيْنِ وَسَوَّى بِالْمَنْعِ فِيهِمَا وَاسْتَشْكَلَهُ الْفُضَلَاءُ وَتَأْوِيلُ كَلَامِهِ فِي الْوَسِيطِ وَغَايَةُ مظهر لِي فِي تَأْوِيلِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَنْعِ مَنْعَ الْحُكْمِ الْمُدَّعَى وَهُوَ الْبُطْلَانُ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاةِ اللَّبُونِ لَكِنْ لَا يَسْتَمِرُّ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارَيْنِ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحِ الْبُطْلَانِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَهْمٌ مِنْ نَاسِخٍ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْوَسِيطِ إنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ عَلَى أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ الشَّاةِ الَّتِي فِيهَا لَبَنٌ بِبَقَرَةٍ فِيهَا لَبَنٌ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ مَأْخَذُهُمَا أَنَّ الْأَلْبَانَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَبِالصِّحَّةِ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ في الكفاية كما تباع النخلة بالكرم وههنا بِلَبَنِ الْآدَمِيِّ (إنْ قُلْنَا) الْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ (وَإِنْ قُلْنَا) جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَبْنِيهِ عَلَى أَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيِّ مَعَهَا جِنْسٌ أَوْ جِنْسَانِ وَفِيهِ وَجْهَانِ تقدما.
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(ويجوز بيع اللبن الحليب بعضه ببعض لان عامة منافعه في هذه الحال فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر بالتمر ويجوز بيع اللبن الحليب بالرائب وهو الذى فيه حموضة لانه لبن خالص وانما تغير فهو كتمر طيب بتمر غير طيب ويجوز بيع الرائب بالرائب كما يجوز بيع تمر متغير بتمر متغير)
(الشَّرْحُ) الْحَلِيبُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي كِتَابِ السَّلَمِ مِنْ الْأُمِّ هُوَ مَا يحلب مِنْ سَاغِيَةٍ وَكَانَ مُنْتَهَى خَاصِّيَّةِ الْحَلِيبِ أَنْ تَقِلَّ حَلَاوَتُهُ وَذَلِكَ حِينَ يَنْتَقِلُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ اسْمِ الْحَلِيبِ وَالرَّائِبُ فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ قَلِيلُ حُمُوضَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله قَالَ الْإِمَامُ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ وَالرَّائِبُ الَّذِي خَثَرَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نَارٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْ وَلَا القيت فيه انفخة وَنَحْوُهَا (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ وَمَقْصُودُهُ فِي جَمِيعِهَا جَوَازُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَأَمَّا كَوْنُهُ مُتَمَاثِلًا أَوْ مُتَفَاضِلًا فَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ كَوْنِ الْأَلْبَانِ جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَجْنَاسًا وَوُجُوبُ التَّمَاثُلِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَالْمَقْصُودُ هُنَا جَوَازُ الْبَيْعِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الرُّطَبِ الَّذِي يُمْتَنَعُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَهِي إلَى جَفَافٍ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ مَنْفَعَتِهِ حَالَ كَوْنِهِ لَبَنًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه نَبَّهَ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ وَأَفْرَدَ لَهُ بَابًا وَذَكَرَ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى مَا يَكُونُ رطبا بما تقدم بيانه منه قَالَ الشَّافِعِيُّ هُنَاكَ وَجَعَلْنَا حُكْمَ رُطُوبَتِهِ حُكْمَ جُفُوفِهِ لِأَنَّا لِذَلِكَ نَجِدُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ لامنتقلا إلَّا بِنَقْلِ غَيْرِهِ فَقُلْنَا لَا بَأْسَ بِلَبَنٍ حليب حامض وكيف ما كان بلبن كيف ماكان حَلِيبًا أَوْ رَائِبًا أَوْ حَامِضًا وَلَا حَامِضًا بِحَلِيبٍ وَلَا حَلِيبًا بِرَائِبٍ مَا لَمْ يُخَالِطْهُ مَاءٌ فَإِذَا خَالَطَهُ مَاءٌ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وذكر
الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مَسْأَلَةَ الْحَامِضِ هُنَا وَهُوَ الْمَخِيضُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُفْرَدًا بِالذِّكْرِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَفْرَدَ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مُفْرَدَةٍ بِعِلَّةٍ فَذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِيبِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حَالَةُ الْكَمَالِ لِوُجُودِ غَايَةِ مَنَافِعِهِ كَالتَّمْرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّطَبِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ عَامَّةَ المنافع الرُّطَبِ فِي حَالِ كَوْنِهِ تَمْرًا وَتَنَاوُلُهُ فِي حالة الرطوبة يعد عجلة وَتَفَكُّهًا
(وَالثَّانِي)
قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّ الرُّطَبَ يَشْرَبُ مِنْ أُصُولِهِ وَيَجِفُّ بِنَفْسِهِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ اللَّبَنَ فِي حَالِ كَمَالِهِ وَالرُّطَبُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَيْهَا (وَالثَّالِثُ) فرق أبو اسحق أَنَّ الرُّطُوبَةَ فِي اللَّبَنِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَهِيَ الْحَافِظَةُ لِمَنْفَعَتِهِ بِخِلَافِ الرُّطَبِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْجَفَافِ كذلك وجاز بيع اللبن باللبن وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ مِنْهُمَا زُبْدٌ لِأَنَّ بَقَاءَ الزُّبْدِ فِيهِ مِنْ كَمَالِ مَنْفَعَتِهِ وَهُوَ أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ مَأْكُولٌ مَعَهُ بِخِلَافِ الشَّمْعِ فِي الْعَسَلِ.
قَالَ
الْإِمَامُ (فَإِنْ قِيلَ) اللَّبَنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى السَّمْنِ وَالْمَخِيضِ وَهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ (قُلْنَا) اللَّبَنُ يُعَدُّ جِنْسًا وَاحِدًا كَالسِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَفِيهِمَا الدُّهْنُ وَالتُّفْلُ وَكَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَفِيهِمَا الطَّعْمُ وَالنَّوَى قَالَ الْإِمَامُ وَأَوْقَعُ عِبَارَةٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّهْدِ وَاللَّبَنِ أَنَّ الشَّمْعَ غَيْرُ مُخَامِرٍ لِلْعَسَلِ في أصله فإن النحل ينسج البيوت من الشَّمْعِ الْمَحْضِ ثُمَّ يُلْقِي فِي خَلَلِهِ الْعَسَلَ الْمَحْضَ فَالْعَسَلُ مُتَمَيِّزٌ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ مُشْتَارُ العسل يخلطه بالشمع
بعض الخلظ بالتعاطي والضغط وليس اللبن كذلك وهو الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ الرَّائِبِ بِالْحَلِيبِ ذَكَرَ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ تَوَهُّمُ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ بما حصل فيه الغيير كَمَا أَنَّ التَّمْرَ الْمُتَغَيِّرَ لَا يَخْرُجُ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَكِنَّهُ لَمْ يُشَبِّهْهُ بِالرَّائِبِ وَإِنَّمَا قَالَ لَبَنًا حَلِيبًا بِلَبَنٍ قَدْ حَمُضَ وَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ يَجُوزُ وَجَزَمَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَسْأَلَةِ الرَّائِبِ بِالرَّائِبِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ جَوَازَ الْحَلِيبِ بِالرَّائِبِ وَالْحَامِضِ إذَا لَمْ يَكُنْ زُبْدُهُمَا مَمْخُوضًا لِأَنَّهُ بَيْعُ لَبَنٍ فِيهِ زُبْدُهُ بِلَبَنٍ فِيهِ زُبْدُهُ فَصَارَ كَبَيْعِ الْحَلِيبِ بِالْحَلِيبِ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُحَقِّقَ مَا الْمُرَادُ بِالرَّائِبِ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ جَزَمَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ بِالزُّبْدِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِالرَّائِبِ هُنَا مَا خَثَرَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نَارٍ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ.
(فَرْعٌ)
وَالْمِعْيَارُ فِي اللَّبَنِ الْكَيْلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي تَجْوِيزَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ جَمِيعًا (قُلْتُ) وَإِنَّمَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ كَانَ يُوزَنُ فَكَذَا وَإِنْ كَانَ يُكَالُ فَكَذَا وَهَذَا يَقْتَضِي الشَّكَّ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّرْ عِنْدَهُمْ مِعْيَارُهُ وَلَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ بِتَجْوِيزِ الْأَمْرَيْنِ هَكَذَا أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَكَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُبَاعُ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ كَيْلًا سَوَاءٌ كَانَا حَلِيبَيْنِ أَوْ رَائِبَيْنِ أَوْ حَامِضَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا عَدَا الرَّائِبَ وَأَمَّا الرَّائِبُ الْخَاثِرُ ففيه نظر لان الشافعي قال ففى اللبا ما يقتضى أن الْمِعْيَارَ فِيهِ الْوَزْنُ لَا الْكَيْلُ فَقَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللِّبَأِ إلَّا مِكْيَالًا مِنْ قَبْلِ تَكْبِيسِهِ وَتَجَافِيهِ
فِي الْمِكْيَالِ اللَّبَنُ الرَّائِبُ فِيهِ شِبْهٌ مِنْ اللِّبَأِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ عُقَدَ اللِّبَأِ أَكْثَرُ فَلِذَلِكَ يَتَجَافَى بِخِلَافِ الرَّائِبِ وَقَدْ تَعَرَّضَ الْإِمَامُ لِهَذَا الْإِشْكَالِ فَأَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا خثر الشئ كَانَ أَثْقَلَ وَاَلَّذِي يَحْوِيهِ الْمِكْيَالُ مِنْ
الْخَاثِرِ يَزِيدُ عَلَى الرَّقِيقِ مِنْ جِنْسِهِ بِالْوَزْنِ زِيَادَةً ظَاهِرَةً وَأَجَابَ بِأَنَّ مَنْعَ بَيْعِ الدِّبْسِ بِالدِّبْسِ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى التَّفَاوُتِ فِي الْوَزْنِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمِكْيَالِ فَإِنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ لَجَوَّزْنَا بَيْعَ الدِّبْسِ بِالدِّبْسِ إذَا كَانَ يُوزَنُ وَلَكِنَّا اعْتَمَدْنَا خُرُوجَ الدِّبْسِ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ وَأَمَّا الرَّائِبُ الْخَاثِرُ فَقَدْ قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِجَوَازِ بَيْعِهِ بِاللَّبَنِ وَجَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَيَتَّجِهُ فِي بَيْعِ بَعْضِهِ بِالْبَعْضِ أَنْ يُقَالَ الِانْعِقَادُ جَرَى فِي اللَّبَنِ عَلَى تَسَاوٍ وَلَا يَرْبُو في الاناء إذا انْعَقَدَ رَائِبًا وَلَا يَنْقُصُ فَإِنَّهُ طَبِيعَةٌ فِي نَفْسِ اللَّبَنِ عِقَادَهُ وَلَيْسَ مِنْ جِهَةِ ذَهَابِ جُزْءٍ وَبَقَاءِ جُزْءٍ فَأَمَّا بَيْعُ الْخَاثِرِ بِاللَّبَنِ فَإِنْ كَانَ يُوزَنُ فَيَظْهَرُ تَجْوِيزُهُ فَإِنْ كَانَ يُكَالُ فَبَيْعُ اللَّبَنِ الْحَلِيبِ بِالرَّائِبِ الْخَاثِرِ كَيْلًا فِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ فِي الْمَنْعِ وَوَجْهُ التَّجْوِيزِ تَشْبِيهُ الْخَاثِرِ بِالْحِنْطَةِ الصُّلْبَةِ الْمُغَلَّلَةِ تُبَاعُ بِالرِّخْوَةِ فَالْخَاثِرُ بِالْحَلِيبِ يُشْبِهُ الْحِنْطَةَ الصُّلْبَةِ بِالرَّخْوَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْإِمَامِ.
وَمِنْ هُنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي تَجْوِيزَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَأَنْتَ قَدْ سَمِعْتَ كَلَامَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَإِنَّمَا فِيهِ انه تردد ركانه لم يتحر عنه هل هو مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ مَكِيلٌ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيْعَ الرَّائِبِ بِالرَّائِبِ كَيْلًا جَائِزٌ جَزْمًا وَبَيْعَ الرَّائِبِ بِالْحَلِيبِ كَيْلًا جَائِزٌ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ وَعِنْدَ الِاحْتِمَالِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الرَّائِبِ بِالرَّائِبِ وَفِي الرائب
بِالْحَلِيبِ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي اللِّبَأِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ من انعقااد أَجْزَائِهِ عَلَى تَسَاوِيهِ وَمِنْ تَشْبِيهِهِ بِالْحِنْطَةِ الصُّلْبَةِ وَالرَّخْوَةِ مَمْنُوعٌ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ اللَّبَنُ الْخَاثِرُ يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ كَالسَّمْنِ الرَّائِبِ قَالَ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ وَكَأَنَّهُ تَبَعَ الرَّافِعِيَّ فِيمَا فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ.
(فَرْعٌ)
يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْحَلِيبِ بِالْجُبْنِ أَنْ يَكِيلَهُ وَلَا رَغْوَةَ فِيهِ فَلَوْ كَانَ فِيهِ رَغْوَةٌ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَسْكُنَ لِلْجَهْلِ بِالتَّمَاثُلِ وَحَقِيقَةِ التَّفَاضُلِ وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي السَّلَمِ أَنَّهُ إذَا أَسْلَفَ فِيهِ مَكِيلٌ فليس له أن يكيله برغوته لا تزيد فليست بلبن يبقى بقاء اللبن مَعَ أَنَّ بَيْعَ الْحَلِيبِ وَعَلَيْهِ الرَّغْوَةُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا كَيْلًا نَصَّ عَلَيْهِ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ لِلْجَهْلِ بِالْمَقْصُودِ فَأَمَّا وَزْنًا فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ الْهَرِيدُ بالهريد لا يجوز لتأثر لنار فِيهِ (قُلْتُ) وَالْهَرِيدُ (1) .
(فَرْعٌ)
وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخَاثِرِ بِالْحَلِيبِ وَالرَّائِبِ وَالْحَامِضِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الخاثر وغيره في الوزن والوزن لااعتبار بِهِ لِأَنَّ الْمِعْيَارَ فِيهِ الْكَيْلُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ.
(فرع)
قال الرافعى رضى الله عنه في الام لاخير فِي لَبَنٍ مَغْلِيٍّ بِلَبَنٍ عَلَى وَجْهِهِ لِأَنَّ الْإِغْلَاءَ يُنْقِصُ اللَّبَنَ وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَلَوْ كَانَ مُسَخَّنًا مِنْ غَيْرِ غَلَيَانٍ صَحَّ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ.
(فَرْعٌ)
شَرْطُ جَوَازِ بَيْعِ هَذَا اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مَاءٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ وَلَا بالخالص بلا خلاف.
(1) بياض بالاصل فحرر
(فَرْعٌ)
إذَا حُمِيَ اللَّبَنُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا تَأْخُذُ النَّارُ مِنْهُ فَلَا يُمْنَعُ بَيْعُ بَعْضِهِ ببعض قاله الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَصْرٌ وَيَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الغنم بلبن البقر متفاضلا على الصحيح.
والمشهور أَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْ لَبَنِ الصِّنْفِ الْآخَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْأَلْبَانَ جِنْسٌ فَلَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّنْ صرح بذلك هنا صاحب التهذيب.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَلَا يَجُوزُ بيع اللبن بما يتخذ منه من الزبد والسمن لان ذلك مستخرج منه فلا يجوز بيعه به كالشيرج بالسمسم ولايجوز بيعه بالمخيض لان المخيض لبن نزع منه الزبد والحليب لم ينزع منه
الزبد فإذا بيع أحدهما بالآخر تفاضل اللبان ولايجوز بيعه بالشيراز واللبأ والجبن لان أجزاءها قد انعقدت فلا يجوز بيعها باللبن كيلا لانهما يتفاضلان ولايجوز بيعها وزنا لان اللبن مكيل فلا يباع بجنسه وزنا) .
(الشَّرْحُ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْ اللَّبَنِ أَحَدَ عَشَرَ شَيْئًا كَذَا فِي النسخة وصوابه اثنى عَشَرَ الزُّبْدُ وَالسَّمْنُ وَالْمَخِيضُ وَاللِّبَأُ وَالْأَقِطُ وَالْمَصْلُ والجبن والسيرار وَالدَّجْنَيْنِ وَالْكَشْكُ وَالطَّيْنَحُ وَالْكَوَامِيخُ قَالَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ والكبح قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْقَوْلُ الْجَمَلِيُّ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَفِي التَّفْصِيلِ مَسَائِلُ فَنُورِدُهَا كَمَا أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) بَيْعُ اللَّبَنِ بِالزُّبْدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا خَيْرَ فِي زُبْدِ غَنَمٍ بلبن غنم لان
الزبد شئ مِنْ اللَّبَنِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ مَعْنَى ذَلِكَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِهِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كلام الشافعي ان الزبد شئ مِنْ اللَّبَنِ يَعْنِي فَإِذَا بَاعَهُ بِاللَّبَنِ وَاللَّبَنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الزُّبْدِ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ زُبْدًا بزبد متفاضلا وقال أبو اسحق لِأَنَّ فِي الزُّبْدِ شَيْئًا مِنْ اللَّبَنِ يَعْنِي فَيَكُونُ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ مُتَفَاضِلًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ ولم يذكر أبو اسحق ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِبَيْعِ اللَّبَنِ باللبن
(فَإِنْ قِيلَ) فَاللَّبَنُ بِاللَّبَنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زُبْدٌ فَهَلَّا امْتَنَعَ (فَالْجَوَابُ) عَنْهُ كَمَا قِيلَ فِي بَيْعِ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ فَإِنَّ الْجَوَابَ مَذْكُورٌ عَنْهُمَا مَعًا كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) بَيْعُ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ لَا يَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ الاصحاب منهم (1) والرافعي قال الشيخ أبو حامد والمحاملى وههنا يبطل تعليل ابى اسحق لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ لَجَازَ ههنا وهذا الالتزام نزل على ان ابا اسحق غَيْرُ مُخَالِفٍ فِي ذَلِكَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَكَانَ يجب
(1) بياض بالاصل فحرر
ان يقول اسحق ههنا إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ وَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ الْإِمَامُ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ اللَّبَنَ فِي حُكْمِ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا اخْتِلَاطَ فِيهِ فَجَوَّزُوا بَيْعَ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ جِنْسٌ وَاحِدٌ (قُلْنَا) هَذَا فِيهِ بعض الغموض من التَّعْلِيلِ وَلَكِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي مَعْنَاهُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ مَعَ تَجْوِيزِ بَيْعِ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَأَقْصَى الْمُمْكِنِ فِيهِ أَنَّ اللَّبَنَ إذَا قُوبِلَ بِالسَّمْنِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُخَالِفًا لِلسَّمْنِ فَإِنَّمَا يُجَانِسُهُ بِمَا فِيهِ مِنْ السَّمْنِ لَا بِصُورَتِهِ وَطَعْمِهِ وَإِذَا اعْتَبَرْنَا
السَّمْنَ اُنْتُظِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَبِيعُ سَمْنًا بِسَمْنٍ وَمَخِيضٍ فَأَمَّا اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ فَيُعْتَمَدُ تَجَانُسُ اللَّبَنِ فِي صِفَتِهِ النَّاجِزَةِ وَلَا ضَرُورَةَ تُحْوِجُ إلَى تَقْدِيرِ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ (قُلْتُ) وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي بَيْعِ السَّمْنِ بِالشَّيْرَجِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ مَا الضَّرُورَةُ الدَّاعِيَةُ إلَى تَقْدِيرِ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ عِنْدَ مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ لاحوج إلى جواب غير هذا (المسالة الثانية) بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْمَخِيضِ وَهُوَ الرَّدْغِ الَّذِي اُسْتُخْرِجَ مِنْهُ الزُّبْدُ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ وَالْمُصَنِّفُ أَفْرَدَهُ بالعلة التى ذكرها لانه مستعبد
أَنْ يُقَالُ إنَّ الْمَخِيضَ مُتَّخَذٌ مِنْ اللَّبَنِ بل ههو نفس اللن نزع منه الزبد لاسيما عَلَى الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ أَنَّهُ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ اللَّبَنِ وَجَمَعَ بِذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْرَجِ مَعَ السِّمْسِمِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يصح ان يقاالل فِي الْمَخِيضِ فَلِهَذَا أَفْرَدَهُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ صَنَعَ كَمَا صَنَعَ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ أَيْضًا وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكُسْبِ بِالسِّمْسِمِ وَإِنْ كان أبو اسحق فِي بَيْعِ اللَّبَنِ بِالزُّبْدِ لَا يَجْعَلُ لِلزُّبْدِ الْكَامِنِ فِي اللَّبَنِ حُكْمًا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُجَوِّزَ اللَّبَنَ بِالْمَخِيضِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي اللبن بلزبد فيرد عليه
هُنَا كَمَا وَرَدَ عَلَيْهِ فِي اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ (المسالة الرابعة) بيعه بالشيزارى وَهُوَ (1) وَاللِّبَأُ وَالْجُبْنُ وَالْعِلَّةُ فِي الثَّلَاثَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَلِكَ عَلَّلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وزاد هو وابو حامد ان الجبن انفحة وملح فيكون بيع لبن وشئ بِلَبَنٍ وَزَادَ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ النَّارَ قَدْ أَخَذَتْ مِنْهُ وَفِي مَعْنَاهَا بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْأَقِطِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ ولاخير في لبن غنم باقط مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْأَقِطَ لَبَنٌ مَعْقُودٌ فَإِذَا بعت اللبن بالاقط اجزت اللبن باللبن مجولا وَمُتَفَاضِلًا أَوْ جَمَعْتُهُمَا مَعًا فَإِذَا اخْتَلَفَ اللَّبَنُ وَالْأَقِطُ فَلَا بَأْسَ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ كَذَلِكَ وكذلك الطينخ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْ اللَّبَنِ لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ مَفْقُودَةٌ ومخالطة غيره فلا يجوز يبعها بِحَلِيبٍ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَفَصَّلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فقال ان لم تنعقد اجزاءه وانماا سُخِّنَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَالْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالسَّمْنِ أَوْ النَّارِ الْخَفِيفَةِ وَإِنْ طُبِخَ حتى انعقدت اجزاءه أَوْ اخْتَلَطَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ وَرَأَيْتُ في شرح الكفاية للصميرى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَلِيبِ بِاللِّبَأِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ فِي النُّسْخَةِ وَكَذَلِكَ الْأَقِطِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاللَّبَنِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَعَلَّلَ الْقَاضِي الرُّويَانِيُّ امْتِنَاعَ بَيْعِ اللبن باللبأ بان اصله الكيل واللبأ المعول للآكل لا يكال لان النار عقدت
(1) بياض بالاصل فحرر
أَجْزَاءَهُ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ وَعَلَّلَ فِي ذَلِكَ بالباقي بالجبن والمصل وشبهما وَكَذَلِكَ الْمَصْلُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاللَّبَنِ لِلْعِلَّةِ المذكورة وفيه اصح ملح ايضا قاله أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَصْلُ مَاءُ الْأَقِطِ عَلَى الْمَشْهُورِ عُصَارَةُ الْأَقِطِ حِينَ يُطْبَخَ ويعصر وقيل ماء اللبن النئ وَقِيلَ الْمَخِيضُ وَكَذَلِكَ الْكَشْكُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْحَشَائِشِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْكَشْكِ الَّذِي يُعْمَلُ فِي بِلَادِنَا فَإِنَّهُ يُدَشُّ الْقَمْحُ وَيُعْجَنُ بِاللَّبَنِ الْحَامِضِ أَوْ غَيْرِهِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ إطْلَاقُ الْكَشْكُ يعنى آخر شرهه ابْنُ الرِّفْعَةِ بِالْقَمْحِ الْمَهْرُوشِ الْمُزَالِ عَنْهُ الْقِشْرُ فَقَطْ الَّذِي يُعْمَلُ مِنْهُ طَعَامُ الْقَمْحِيَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ هُنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَعَدَمُ جَوَازِ الْجُبْنِ بِاللَّبَنِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ في باب بيع لآجال من الام ولاصحاب وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (فَائِدَةٌ) قال الاصمعي أو اللبنين اللِّبَأُ مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ.
(فَرْعٌ)
جَزَمَ ابْنُ أَبِي هريرة في التعليق بان الرائب بالزب جَائِزٌ قَالَ لِأَنَّ مَا فِيهِ تَابِعٌ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ الْحَلِيبِ بِالْحَلِيبِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَلْبَانِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ منهما ماء
قال أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا خَيْرَ فِي الْحَلِيبِ بِالْمَضْرُوبِ لِأَنَّ فِي الْمَضْرُوبِ مَاءٌ فَإِنْ كَانَ يُطْرَحُ فِيهِ بِالضَّرْبِ فَهَذَا مَعْنًى آخَرَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدُّوغِ بالحليب لا انه يؤدى لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَفَاضُلِ اللَّبَنَيْنِ وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْمَخِيضِ الَّذِي طُرِحَ فِيهِ مَاءٌ للضرب.
(تنبيه) بيع الشئ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ يَمْتَنِعُ فِي جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِاللَّبَنِ جَائِزٌ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَالْمَدَاخِلِ وَالصَّوَابِيِّ الْمَصْبُوغَةِ نَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ هَذَا الْأَصْلَ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إذَا اُتُّخِذَ مِنْهُ مَصُوغٌ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمُتَّخَذَ لَا يَسْتَحِيلُ بِالصِّيَاغَةِ بَلْ هُوَ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وما يتخذ من المطعومات يستحيل عن صفنه فإذا بيع باصله كيلا بكيلا حصل التفاضل بالنسبة إلى حالة الادخار..
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(واما بيع ما يتخذ منه بعضه ببعض فانه ان باع السمن بالسمن جاز لانه لا يخالطه غيره قال الشافعي رحمه الله والوزن فيه احوط وقال أبو اسحق يباع كيلا لان أصله الكيل) .
(الشَّرْحُ) يَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ بِالسَّمْنِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ والقاضى حسين والرافعي لما ذكره المصنف ولانه لَا يُدَّخَرُ وَلَا يَتَأَثَّرُ بِالنَّارِ وَأَطْلَقَ كَثِيرُونَ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَحْكُوا فِيهَا خِلَافًا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْجَامِدَ لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْكَيْلُ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي السَّمْنِ بِالسَّمْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَسَمْنِ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْغَنَمِ أَمَّا سَمْنُ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْبَقَرِ فَقَدْ حَكَيْنَا خِلَافًا في كون الاسمان جنسا أو اجناس فَعَلَى الْأَوَّلِ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ يَدًا بِيَدٍ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ أَيْ وَإِنْ كَانَ مُتَفَاضِلًا وَإِذَا بِيعَ السَّمْنُ بِالسَّمْنِ يُبَاعُ وَزْنًا عَلَى الصَّحِيحِ وَنَصُّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ مِنْ كِتَابِ الرِّسَالَةِ أَنَّ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ وَالزَّيْتَ وَالسُّكَّرَ مَوْزُونَاتٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ
الْحَدِيثِ إنَّ السَّمْنَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِالْوَزْنِ وَاسْتَدَلَّ هُوَ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِأَثَرٍ نَقَلَاهُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ فِي بَابِ جِمَاعِ السَّلَفِ فِي الْوَزْنِ لا بأس أن يسلف في شئ وزنا وان كان يُبَاعُ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا إذَا كان لا يتجافى في المكيال مثل الزيت الَّذِي هُوَ ذَائِبٌ إنْ كَانَ يُبَاعُ فِي الْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُ وَزْنًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يسلف فيه كيلا وان يُبَاعُ كَيْلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِيهِ وَزْنًا وَمِثْلُ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْآدَامِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ كَانَ يُبَاعُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قلنا الله أعلم.
أما الذي أدركنا المتبايعين به عليه فاما ماقل مِنْهُ فَيُبَاعُ كَيْلًا وَالْجُمْلَةُ الْكَبِيرَةُ تُبَاعُ وَزْنًا وَدَلَالَةُ الْأَخْبَارِ عَلَى مِثْلِ مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَيْهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَا آكُلُ سَمْنًا مَادَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ وَتُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ تَكُونَ كَيْلًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَفِي قَوْلِهِ وَتُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ تَكُونَ كَيْلًا نَظَرٌ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْآجَالِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَمَسَّكَ بِظَاهِرِهِ فِي أَنَّ السمن مكيل فانه قال ولايجوز اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَتَكَلَّمَ فِي أَجْنَاسِ الْأَلْبَانِ وَأَحْكَامِهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالسَّمْنُ مِثْلُ اللَّبَنِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ ومن جملتها
الْكَيْلُ لَكِنَّ تَصْرِيحَ الشَّافِعِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ وَمُبَيِّنٌ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ عَائِدٍ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفَصَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَائِبًا أَوْ جَامِدًا فَإِنْ كَانَ جَامِدًا يُبَاعُ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا يُبَاعُ كَيْلًا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ تَوَسُّطٌ بَيْنَ وَجْهَيْنِ أَطْلَقَهُمَا الْعِرَاقِيُّونَ فَحَكَوْا عَنْ الْمَنْصُوصِ أَنَّهُ يُوزَنُ وَعَنْ أبى اسحق أَنَّهُ يُكَالُ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ جَزَمَ فِي الذَّائِبِ بِالْكَيْلِ وَحَكَى فِي الْجَامِدِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدَهُمَا)
لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لان أصله الكيل
(والثانى)
يجوزه وَزْنًا لِأَنَّ الْوَزْنَ أَخْصَرُ وَالْكَيْلُ فِيهِ مُتَعَذَّرٌ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا خَيْرَ في سمن غنم بزبد غنم بِحَالٍ لِأَنَّ السَّمْنَ مِنْ الزُّبْدِ
يَقَعُ مُتَفَاضِلًا أَوْ مَجْهُولًا وَهُمَا مَكِيلَانِ أَوْ مَوْزُونَانِ فِي الْحَالِ الَّتِي يَتَبَايَعَانِ وَمِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ (فَائِدَةٌ) الْأَسْمَانُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ نَصُّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي تَفْرِيعِ الزَّيْتِ مِنْ الْعَسَلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ صَاحِبِ الرَّوْنَقِ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ سَمْنَ الْغَنَمِ وَسَمْنَ الْبَقَرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْأَلْبَانِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الرُّويَانِيُّ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا الالبان من جِنْسٌ وَاحِدٌ لَزِمَهُ أَنْ تَكُونَ الْأَسْمَانُ كَذَلِكَ
لِلِاتِّحَادِ فِي الِاسْمِ وَالْأَصْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الذَّخَائِرِ أَنَّ السَّمْنَ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْأَدْهَانِ فَلَا خِلَافَ أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا الْأَدْهَانُ جِنْسٌ أَوْ اجناس والله أعلم..قال المصنف رحمه الله.
(فان باع الزبد ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز بيع السمن بالسمن واللبن باللبن
(والثانى)
لا يجوز لان الزبد فيه لبن فيكون بيع لبن وزبد بلبن وزبد) .
(الشَّرْحُ) جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُمَا أَيْضًا عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِادِّخَارِ وَجَزَمَ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْجَوَازِ وَأَبُو الطَّيِّبِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالصَّيْمَرِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ حِكَايَةً عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ الْجَوَازُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ كما تقدم عن تعليقه لان مافى الزُّبْدِ مِنْ بَقَايَا اللَّبَنِ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَكَانَ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ وَبَيْعِ الْحَلِيبِ بِالْحَلِيبِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ حَكَاهُ الْقَاضِي أبو حامد المروزى عن
الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرُونَ إنَّمَا حَكَوْا ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ الْمَنْعُ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْمَخِيضِ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَشَبَّهَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بِبَيْعِ الشَّهْدِ بِالشَّهْدِ فَإِنَّ صِفَاتِ السَّمْنِ لَائِحَةٌ مِنْ الزُّبْدِ كَمَا الْعَسَلُ فِي الشَّهْدِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ فَإِنَّهُ فِي مُدْرِكِ الْجِنْسِ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ (فَإِنْ قُلْتَ) الرَّغْوَةُ الَّتِي فِي الزُّبْدِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ (قُلْتُ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً إلَّا أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي التَّمَاثُلِ وَالْجِنْسُ مُتَّحِدٌ فَيَصِيرُ كَبَيْعِ حِنْطَةٍ بِحِنْطَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى حَبَّاتٍ مِنْ الشَّعِيرِ تُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحَبَّاتُ مِنْ الشَّعِيرِ مَقْصُودَةً لِأَجْلِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ.
وَالْمُرَادُ بِالزُّبْدِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَزُبْدِ
الْغَنَمِ بِزُبْدِ الْغَنَمِ فَلَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَا فِي كُلِّ مِنْهُمَا مِنْ اللَّبَنِ وَالرَّغْوَةِ غَيْرُ مقصود والمماثلة غير واجبة.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بَاعَ المخيض بالمخيض نظرت فان لم يطرح فيه الماء جاز لانه بيع لبن بلبن وان طرح فيه ماء للضرب لم يجز لتفاضل المائين وتفاضل اللبنين) .
(الشَّرْحُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَخِيضَ لَبَنٌ نُزِعَ مِنْهُ الزُّبْدُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْيِيدِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَنْزُوعَ الزُّبْدِ فَإِذَا كَانَ زُبْدُهُ فِيهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَلَا يُبَاعُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِزُبْدٍ وَلَا سَمْنٍ.
أَمَّا الْمَنْزُوعُ الزُّبْدِ وَهُوَ الدُّوغُ فَيُبَاعُ بِالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ.
وَأَمَّا بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ جَازَ الْمُمَاثَلَةُ جَزَمَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمَالَ الْمُتَوَلِّي إلَى الْمَنْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى حَالَةِ الِادِّخَارِ وَلَا عَلَى حَالِ كَمَالِ الْمَنْفَعَةِ فَلْيَكُنْ كَبَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ فَإِنَّهُ مَجْهُولُ التَّسَاوِي حَالَةَ الْكَمَالِ وَإِنْ طُرِحَ فِيهِ مَاءٌ لِلضَّرْبِ وَهُوَ (1) لَمْ يَجُزْ جَزَمَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَلَا فَرْقَ فِيمَا فِيهِ مَاءٌ بَيْنَ أَنْ يُبَاعَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِالْخَالِصِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ فِي الْمَخِيضِ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَخِيضًا إلَّا بِإِخْرَاجِ زُبْدِهِ وَزُبْدُهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْمَاءِ وَلَا يَعْرِفُ الْمُشْتَرِي كَمْ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لِخَفَاءِ الْمَاءِ فِي اللَّبَنِ انْتَهَى.
وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَخِيضِ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ فِي الْمَخِيضِ مَا يُتَصَوَّرُ نَزْعُ الزُّبْدِ مِنْهُ بِغَيْرِ مَاءٍ صَحَّ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَلَزِمَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الصَّيْمَرِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَخِيضِ لِأَجْلِ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَّا أَنَّ طَرِيقَ إخْرَاجِ الزُّبْدِ بِغَيْرِ مَاءٍ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ فَيُنَزَّلُ كلام المصنف على ذلك.
(1) بياض بالاصل فحرر
(فَرْعٌ)
قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَأَمَّا مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْبَانِ الْمَعْقُودَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِكَوْنِ بَعْضِهِ أَشَدَّ انْعِقَادًا مِنْ بَعْضٍ وَلِمُخَالَطَةِ بَعْضِهِ لِلْمِلْحِ وَالْإِنْفَحَةِ (قُلْتُ) وَيَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُؤَثِّرُ فِي كَيْلِهِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ عَنْ قُرْبٍ.
(فَرْعٌ)
دُخُولُ الْمَاءِ فِي اللَّبَنِ مَانِعٌ لِبَيْعِهِ مُطْلَقًا بجنسه وبغيره للجهل والمقصود فَإِنَّ الْمَاءَ فِي اللَّبَنِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَمِقْدَارُهُ مَجْهُولٌ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْجَهْلِ بِمِقْدَارِ الْخَلِيطِ أَمَّا لَوْ شَاهَدَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي اللبن والماء وعلما مقدارهما ثم خلطاهما وَتَبَايَعَا فَلَا مَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ إذَا كَانَ البيع بنقد أو أشبهه أَمَّا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِلَبَنٍ مِثْلِهِ أَوْ خَالِصٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ جَازَ لِأَنَّ اللَّبَنَ مَكِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْحِنْطَةِ الْمَشُوبَةِ بِحَبَّاتٍ يَسِيرَةٍ مِنْ الشَّعِيرِ إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِهَا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنَّهُ قَيَّدَ الْمُخَالَطَ مِنْ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ بِكَوْنِهِ يُؤَثِّرُ فِي كَيْلِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ اللَّبَنَانِ جِنْسًا وَاحِدًا امْتَنَعَ لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَإِنْ كَانَا جنسين فسأفرد لهما فرعا هنا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا اخْتِصَاصِ لِهَذَا الْكَلَامِ بِالْمَخِيضِ بَلْ هُوَ جَارٍ فِي الْحَلِيبِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ اللَّبَنِ وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهِ إلَى الْمَخِيضِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُخَالِطُهُ الْمَاءُ غَالِبًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الْمَخِيضَ بَعْدَ إخْرَاجِ الزُّبْدِ مِنْهُ بِالزُّبْدِ أَوْ السَّمْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَلَا بَأْسَ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصْحَابِ نَصْرٌ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ لَبَنَ غَنَمٍ بِلَبَنِ بَقَرٍ وَفَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَنَّهُمَا جِنْسَانِ جَازَ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا بِشَرْطِ التَّقَابُضِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا مَشُوبًا بِالْمَاءِ وَكَانَ الْمَاءُ مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِالْمَقْصُودِ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا كَمَا فَرَضْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيرًا غَيْرَ مَقْصُودٍ صَحَّ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَبَّاتٌ مِنْ الْآخَرِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ بِأَثَرِهَا فِي الْكَيْلِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُقْصَدُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمَاءُ مَمْلُوكٌ رِبَوِيٌّ لَمْ يَجُزْ لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ (وَإِنْ قُلْنَا) مَمْلُوكٌ غَيْرُ رِبَوِيٍّ تَأْتِي فِيهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبَغَوِيّ في الحلول من التحريج على القولين
في الجمع بين مختلفي الحكم لِأَنَّ اللَّبَنَيْنِ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْمَاءَيْنِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمَاءُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ أَصْلًا فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلُولِ فَلْيُطَالَعْ التَّنْبِيهُ الَّذِي هُنَاكَ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ لَبَنُ الْغَنَمِ بِزُبْدِ الْبَقَرِ وَزُبْدُ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْبَقَرِ وَسَمْنُ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْبَقَرِ يَدًا بِيَدٍ قاله الصميرى وقد تقدم ذلك معرفا في مواضعه.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بَاعَ الجبن أو الاقط أو المصل أو اللبأ بعضه ببعض لم يجز لان أجزائها منعقدة ويختلف انعقادها ولان فيها ما يخالطه الملح والانفحة وذلك يمنع التماثل) .
(الشَّرْحُ) الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ جَزَمَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو حامد رأس العراقين وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ رَأْسُ الْمَرَاوِزَةِ وَغَيْرُهُمَا وَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى جَزَمَ بِهَا الْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وعلة انعقاد أجزائه
بالنار شاملة لجميعها اللبأ وَغَيْرُهُ وَكَذَلِكَ عِلَّةُ مُخَالَطَتِهَا لِغَيْرِهَا فَفِي الْجُبْنِ الْإِنْفَحَةُ وَفِي الْأَقِطِ الْمِلْحُ وَفِي الْمَصْلِ الدَّقِيقُ وأما اللبأ فليس فيه إلَّا التَّأَثُّرُ بِالنَّارِ وَكَذَلِكَ حَكَى الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ أَثَرَ النَّارِ قَرِيبٌ وَهُوَ مُشَبَّهٌ بِالسُّكَّرِ فِي الْمَعْقُودَاتِ وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ فِي بَيْعِ اللِّبَأِ بِاللِّبَأِ وَجْهَيْنِ كَمَا فِي السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ اللِّبَأِ يَحْتَاجُ إلَى قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَحْلُوبًا عَقِيبَ الْوِلَادَةِ بِحَسَبِ مَا نَعْرِفُهُ فِي بِلَادِنَا وَلَعَلَّ ذَلِكَ مُرَادُ الْإِمَامِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلُ الْحَلْبَةِ مِنْ الدَّرَّةِ الْأُولَى وَنَقَلَ الْعِجْلِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ دَقَّ الْمَصْلُ حَتَّى أَمْكَنَ كَيْلُهُ يجب أن يجوز بيع بعضه ببعض وبالبن ولعل مراده بالمصل مالا دَقِيقَ فِيهِ أَمَّا إذَا فُرِضَ فِيهِ الدَّقِيقُ فيتمتع وَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ الْجَوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ بَيْعَ الْمَصْلِ بِالْمَصْلِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهَا فَإِنْ دَقَّا جَمِيعًا حَتَّى أَمْكَنَ الْكَيْلُ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ بيع بعضه ببعض وبيعه بالبن أَيْضًا قَالَ وَهَذَا عِنْدِي إذَا لَمْ يُخَالِطْهُ مِلْحٌ فَإِنْ خَالَطَهُ مِلْحٌ فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِلَا خِلَافٍ وَادَّعَى الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَى امْتِنَاعِ بَيْعِ الْجُبْنِ بِالْجُبْنِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْجُبْنَ بِالْجُبْنِ لَا يَجُوزُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْعِلَّةِ الْمَانِعَةِ فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لِأَنَّ أصله الكيل وهو معتذر وَقَالَ غَيْرُهُ لِأَنَّ فِيهِ الْإِنْفَحَةَ يَجْمُدُ بِهَا تمنع مِنْ التَّمَاثُلِ فَعَلَى هَذَا لَوْ دَقَّ الْجُبْنُ حتى صار فتيا وَصَارَ نَاعِمًا جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ
سُرَيْجٍ لِإِمْكَانِ كَيْلِهِ وَلَمْ يَجُزْ على قوله غَيْرِهِ لِبَقَاءِ الْإِنْفَحَةِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْإِمَامُ وَأَجْمَعَ الْأَصْحَابُ
عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْأَقِطِ بِالْأَقِطِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُخْتَلِطًا بِمِلْحٍ كَثِيرٍ يَظْهَرُ لَهُ مِقْدَارٌ الْتَحَقَ بِبَيْعِ الْمُخْتَلَطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِلْحٌ فَهُوَ مَعْرُوضٌ عَلَى النَّارِ وَلِلنَّارِ فِيهِ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فَيَلْتَحِقُ الْكَلَامُ فِيهِ بِالْمُنْعَقِدِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَقْدُهُ بِالنَّارِ أَوْ الشَّمْسِ الْحَامِيَةِ (قُلْتُ) إذَا كَانَ عَقْدُهُ بِالشَّمْسِ الْحَامِيَةِ وَلَا مِلْحَ فِيهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْعَسَلِ إذَا شُمِّسَ كَذَلِكَ بِشَمْسِ الْحِجَازِ وَبَحَثَ وَقَالَ إنَّ النَّارَ تُؤَثِّرُ تَأْثِيرًا مُسْتَوِيًا فَهَلَّا قَالَ ذَلِكَ هُنَا وَجَوَّزَ عَلَى مَسَاقِهِ بَيْعَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَالْعَسَلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْمُنْعَقِدِ وَلَا فَرْقَ فِي سَبَبِهِ بَيْنَ النَّارِ وَالشَّمْسِ إذَا وُجِدَ الِانْعِقَادُ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي التَّصْفِيَةِ بدون الانعقاد.
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وأما بيع نوع منه بنوع آخر فانه ينظر فيه فان باع الزبد بالسمن لم يجز لان السمن مستخرج من الزبد فلا يجوز بيعه بما استخرج منه كالشيرج بالسمسم وان باع المخيض بالسمن فالمنصوص أنه يجوز لانه ليس في احدهما شئ من الآخر قال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبري رحمه الله هما كالجنسين فيجوز بيع احدهما بالآخر متفاضلا بلا خلاف وان باع الزبد بالمخيض فالمنصوص أنه يجوز وقال أبو إسحق لا يجوز لان في الزبد شيئا من المخيض فيكون بيع زبد ومخيض بمخيض وهذا لا يصلح لان الذى فيه من المخيض لا يظهر الا بالتصفية والنار فلم يكن له حكم وما سوى ذلك لا يجوز بيع نوع منه بنوع آخر لانه يؤدى إلى التفاضل) .
(الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) بَيْعُ الزُّبْدِ بِالسَّمْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا خَيْرَ فِي سَمْنِ غَنَمٍ بِزُبْدِ غَنَمٍ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذلك الصميرى والشيخ أبو الحامد وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وغيرهم لما ذكره المصنف ولتحقق المفاضلة سبب مَا فِيهِ مِنْ اللَّبَنِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السَّمْنَ قَلِيلٌ فَإِذَا كَانَ اللَّبَنُ الْمُخْتَلَطُ بِالزُّبْدِ يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ أَشْبَهَ التُّرَابَ الْمُخْتَلَطَ بِالْحِنْطَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ (وَأَمَّا) الْعِلَّةُ الْأُولَى
الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ السَّمْنَ حَاصِلٌ فِي الزُّبْدِ بِالْقَصْدِ حُصُولَ الدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ (وَأَمَّا) الشَّيْرَجُ فَكَامِنٌ فِي السِّمْسِمِ لَا ظَاهِرٌ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ السَّمْنَ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ الزُّبْدِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى (1) بِمَا هُوَ كَامِنٌ فيه فلا يَمْتَنِعَ بِمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ أَوْلَى وَهُوَ صَحِيحٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السَّمْنُ بِالْمَخِيضِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْجَوَازِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ النَّصِّ وَنَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ كِتَابِ الصَّرْفِ وَالْإِمْلَاءِ وَعَنْ الْمُزَنِيِّ هُنَا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي الصَّرْفِ فِي بَيْعِ الضَّمَانِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ الْمُخْتَصَرِ وَمَا أَظُنُّ فِيهِ خِلَافًا وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ لَمْ أَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْحُكْمِ الْمَنْقُولِ عَنْ النَّصِّ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوَازَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُتَفَاضِلًا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَاعَى شَرْطُ التَّمَاثُلِ وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ
(1) بياض بالاصل فحرر
ابْنُ الصَّبَّاغِ (فَإِنْ قِيلَ) أَلَيْسَ قُلْتُمْ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْرَجِ بِالْكُسْبِ وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسَيْنِ (قُلْنَا) الكسب لا ينفرد عن الشيرج ولابد أن يبقى معه شئ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فَإِنَّ الْمَخِيضَ لَا يَبْقَى فِيهِ سَمْنٌ ذَكَرَهُ مَعَ السَّمْنِ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ وَادَّعَى الْإِمَامُ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ الثالثة) الزبد بالمخيض المنصوص للشافعي أنه يجوز وقال أبو إسحق وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف فأما أبو إسحق فَإِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى تَعْلِيلِهِ السَّابِقِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيلِ فَكَيْفَ وافقه على هذا الحكم هنا وفى الحر أَنَّ أَبَا حَامِدٍ قَالَ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا ظنا منه لَا لَبَنَ فِي الزُّبْدِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ فَإِنَّ الزُّبْدَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ اللَّبَنِ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قَالَ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يكن فيه اللبن ظاهرا وذلك القدر يَسِيرٍ لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِالنَّارِ وَالتَّصْفِيَةِ فَلَا حُكْمَ لَهُ وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَذْهَبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزُّبْدِ السَّمْنُ وَالْمَخِيضُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ السَّمْنِ إذَا كَانَ مَنْزُوعَ الزُّبْدِ فَهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ فَيَجُوزُ مُتَفَاضِلًا انْتَهَى كَلَامُ الرُّويَانِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ أَيْضًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ
الْجُوَيْنِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ الْمَخِيضُ الَّذِي فِي الزُّبْدِ قَلِيلٌ فَلَا حُكْمَ لَهُ كَمَا لَوْ بَاعَ حِنْطَةً لاشعير فِيهَا بِحِنْطَةٍ فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ قَلِيلَةٌ قَالَ وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَ الْقَفَّالُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وحكى أبو الطيب عن أبى اسحق الموافقة في بيع السمن بالمخيض لانه لالبن فِيهِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الزبد أسضا لانه لاحكم لذلك إليه إذَا كَانَ لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِالتَّصْفِيَةِ بِالنَّارِ.
(فَرْعٌ)
إذَا بِيعَ الزُّبْدُ بِالْمَخِيضِ فَهُمَا جِنْسَانِ حَتَّى يَجُوزَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي السَّمْنِ بِالْمَخِيضِ وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ ردهم على أبى اسحق وَلَوْ كَانَ الزُّبْدُ وَالْمَخِيضُ جِنْسًا وَاحِدًا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى أَنْ يَغْتَفِرُوهُ لِقِلَّتِهِ وَلَمْ يَتَّجِهْ لابي اسحق مَا قَالَهُ وَلَيْسَ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ مُخَالَفَةً لِلنَّصِّ وَلَا لِلْأَصْحَابِ بَلْ زِيَادَةَ بَيَانٍ عَلَى مَا أَجْمَلُوهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ يَجُوزُ بَيْعُ المخيض بالزبد كبالسمن وَإِنْ كَانَ فِي الزُّبْدِ قَلِيلُ مَخِيضٍ وَفِي الْمَخِيضِ قَلِيلُ زُبْدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَيْنِ مُخْتَلِفَانِ فِي الْجِنْسِ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَفِي أَحَدِهِمَا قَلِيلُ قَصْلٍ أَوْ زَوَانٍ (قُلْتُ) يَعْنِي أَنَّ التَّمَاثُلَ لَيْسَ شَرْطًا فَالْخَلْطُ وَإِنْ مَنَعَ التَّمَاثُلَ فَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَلَا يَضُرُّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمَخِيضَ وَالسَّمْنَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لِتَبَايُنِ الصِّفَاتِ وَاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالْغَرَضِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أن ماقاله أَبُو الطَّيِّبِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْوَافِي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ قال شيخنا لا خلاف فيه أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ بِالْمَخِيضِ مُتَفَاضِلًا وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رحمه الله ذَكَرَ هَذَا إخْبَارًا عن ذلك لا انه مذهب له مخالف فِيهِ غَيْرَهُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله وَمَا سِوَى ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ كَذَلِكَ هُوَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي هَذَا الْفَصْلِ إلَّا بَيْعُ السَّمْنِ بالمخيض والزبد بالمخيض خلافا لابي اسحق وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ صَرَّحَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حسين (1) وهو أنه لا يجوز بيع شئ من تلاقط وَالْجُبْنِ وَالْمَصْلِ وَاللِّبَأِ بِالْآخَرِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَلَا بالزبد وبالسمن وَلَا بِالْمَخِيضِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ لَمَّا جوزوا بيع
(1) بياض بالاصل فحرر
الْمَخِيضِ بِالزُّبْدِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَإِذَا كَثُرَ الزُّبْدُ فَالرَّغْوَةُ قَدْ تَبْلُغُ مَبْلَغًا يُطْلَبُ مِثْلُهُ فِي جِنْسِ الْمَخِيضِ وَلَكِنَّ الْمَرْعِيَّ فِي الْبَابِ أَنَّ مَا يُمَيَّزُ مِنْ الزُّبْدِ فِي الْغَالِبِ تَبَدَّدَ وَلَا يُعْنَى بِجَمْعِهِ وَإِنْ كَثُرَ الزُّبْدُ فَهَذَا هُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ الرَّغْوَةُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ.
قَالَ الْإِمَامُ إذَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْأَقِطِ بِالْأَقِطِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِالْمَصْلِ فَإِنَّهُمَا مِنْ الْمَخِيضِ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الصِّفَاتِ تَفَاوُتًا يَخْتَلِفُ الْجِنْسُ بِهِ وَيَمْتَنِعُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْأَقِطِ وَالْمَصْلِ كَمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ الْعَصِيرِ بِالدِّبْسِ وَبَيْعُ الْجُبْنِ بِالْأَقِطِ مُمْتَنِعٌ قَالَ الْإِمَامُ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الاقط والمخيض والمصل والجبن حنس واحد (أما) المخيض والاقط والمصل فَكَمَا ذَكَرُوهُ (وَأَمَّا) الْجُبْنُ فَفِيهِ مَا يُجَانِسُ المخيض وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ اللَّبَنُ وَالْأَقِطُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ فِي اللَّبَنِ جِنْسُ الْأَقِطِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ بِالْمُشَاحَّةِ فِي الْعِبَارَةِ وَمَقْصُودُهُمْ مَا ذَكَرُوهُ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ جُبْنِ الْغَنَمِ بِجُبْنِ الْبَقَرِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مِثْلَ الْخِلَافِ فِي بَيْعِ خُبْزِ الْقَمْحِ بِخُبْزِ الشَّعِيرِ (إذَا قُلْنَا) الْأَدِقَّةُ أَجْنَاسٌ.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْأَلْبَانَ جِنْسٌ فَبَاعَ سَمْنَ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْإِبِلِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ وَلَيْسَ فِي لَبَنِ الْإِبِلِ سَمْنٌ يَتَمَيَّزُ بِالْمَخْضِ وَالْعِلَاجِ قَالَ الْإِمَامُ الظَّاهِرُ أَنَّا لَا نَجْعَلُ لَبَنَ الابل مشتملا على سمن تقديرا حتى يخالف هو بمثابة سمن الْبَقَرِ ثُمَّ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَوَرَاءَهُ احْتِمَالٌ فِي أَنَّ سَمْنَ الْبَقَرِ هَلْ يُخَالِفُ جِنْسَ لَبَنِ الْإِبِلِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى تَجَانُسِ الْأَلْبَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَالسَّبَبُ فيه انا حكمنا بتجانس الالبان لاجتماعهما فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى وَلَمْ يُقَدَّرْ فِي لَبَنِ الْإِبِلِ سَمْنًا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْإِمَامُ الْإِنْفَحَةُ الْوَجْهُ الْقَطْعُ بِطَهَارَتِهَا لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَهَارَةِ الْجُبْنِ وَهُوَ فِي الْغَالِبِ لَا يَخْلُو عَنْ الْإِنْفَحَةِ وَاَلَّذِي إلَيْهِ إشَارَةُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْإِنْفَحَةَ جِنْسٌ عَلَى حِيَالِهَا مُخَالِفٌ لِلَّبَنِ وَكُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ وَلَسْتُ أَدْرِي أَنَّهَا مِنْ الْمَطْعُومَاتِ وَحْدَهَا كَالْمِلْحِ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْمُمَاثَلَةُ فِي بَيْعِ بعضها
ببعض أم ليست من المطعومات.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَلَا يَجُوزُ بيع حيوان يؤكل لحمه بلحمه لما روى سعيد بن المسيب رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال لا يباع حى بميت وروى ابن عباس رضى الله عنه أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ فَقَالَ أعطوني بها لحما فقال أبو بكر لا يصلح هذا ولانه جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا بِيعَ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مثله فلم يجز كبيع الشيرج بالسمسم) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَوَاهُ أَبُو داود من طريق الزهيري عَنْ سَعِيدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وأبو داود أيضا من طريق زيد ابن أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بالحيوان هذا لفظ الشافعي عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي دَاوُد عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ وَرَأَيْتُ فِي مُوَطَّأِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ باللحم والمعنى واحد وكلا الحدثين أَعْنِي رِوَايَتَيْ الزُّهْرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلٌ
وَلَمْ يُسْنِدْهُ وَاحِدٌ عَنْ سَعِيدٍ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ (مِنْهَا) عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن أن أتباع الشاة باللحم رواه الحاكم بالمستدرك وقال رواية عَنْ آخِرِهِمْ أَئِمَّةٌ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِالْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ في الموطأ هذا كلام الحاكم ورواه البهيقى فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ ومن أثبت سماع الحسن بن سَمُرَةَ عَدَّهُ مَوْصُولًا وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ انْضَمَّ إلَى مُرْسَلِ سَعِيدٍ وَمَنْ سَيُذْكَرُ.
(وَمِنْهَا) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَرْوَانَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَصَوَابُهُ فِي الْمُوَطَّأِ عن ابن المسيب مرسلا وذكره البهيقى أَيْضًا فِي سُنَنِهِ الصَّغِيرِ وَحَكَمَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ غَلَطِ يَزِيدَ بْنِ مَرْوَانَ وَيَزِيدُ الْمَذْكُورُ تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَلَيْسَ هَذَا بِذَلِكَ الْمَعْرُوفِ (وَمِنْهَا) عَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ خَرَّجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتِ بْنِ زُهَيْرٍ
عَنْ نَافِعٍ وَثَابِتٌ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَا يُسْتَقَلُّ بِهِ ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ (قُلْتُ) وَفِي الْأَوَّلَيْنِ غُنْيَةٌ عَنْهُ وَأَمَّا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ صَحِيحٌ وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرِهِ عِنْدَ حَدِيثِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَقَالُوا إنَّمَا تَحَدَّثَ عَنْ صحيفة سمرة وقال الخطابى والحسن عن صحيفة مُخْتَلَفٌ فِي اتِّصَالِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ الْحَسَنُ عن صحيفة سمرة وَقَالَ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ وَقَالَ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ حَدِيثَ العقبة حسب وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ أَكْثَرَ الْحُفَّاظِ لَا يُثْبِتُونَ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ العقبة وقال ابن عبد البر لاأعلم حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ يَتَّصِلُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ وَأَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ مُرْسَلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَكَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى حَدِيثِ سَمُرَةَ هَذَا وَكَذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَخْذُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله بِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ لَا يَثْبُتُ
(فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً ولم يقل به الشافعي فان كان صحيح سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فَيَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِهِمَا (قُلْتُ) النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً عَارَضَهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرِ إلَى أَجَلٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ بَلْ عَضَّدَهُ مَرَاسِيلُ وَآثَارٌ وَعَمَلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَعَ ثُبُوتِ حَدِيثِ سَمُرَةَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكَلُّفِ تَقْدِيرِ التَّمَسُّكِ بِالْمُرْسَلِ وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه لَمَّا ذَكَرَ الْمُرْسَلَ فِي ذَلِكَ تَوَجَّهَ اعْتِرَاضٌ مِنْ الْخَصْمِ بِسَبَبِ مَا اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لا يحتج بالمرسل فلذلك يكلم الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَمُلَخَّصُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّ الْمُرْسَلَ غَيْرُ محتج به في الجملة وابن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا في المختصر وقال الامام أَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
رضي الله عنهما أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ نَقَلْتُ ذَلِكَ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ الْأُمِّ بِخَطِّ كَاتِبِ
الْوَزِيرِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ عَنْ مُسْلِمٍ وَهُوَ ابْنُ خَالِدٍ عن ابن جريج عن القاسم ابن أبى برة قال قدمت المدينة فوجدت جزورا قد حذرت أَجْزَاءً كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا بِعَنَاقٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَبْتَاعَ مِنْهَا جُزْءًا فَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَأُخْبِرْتُ عَنْهُ خَيْرًا.
السَّائِلُ عَنْ الرَّجُلِ هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي برة فِيمَا أَظُنُّ أَمَّا (حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ) فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَفْرُوضٌ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِجِنْسِهِ كَالْبَقَرِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِلَحْمِ الْغَنَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي مَنْعِهِ نَقْدًا ونسأ لِلْآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَأَرْبَعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَحْمَدَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ أَيْضًا وَهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ بشار وَخَارِجَةُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنْ صح ذلك فالسبعة قائلون به كذلك نَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مُطْلَقًا وَلِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ يَجُوزُ إذَا كَانَ اللَّحْمُ أَكْثَرَ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الْحَيَوَانِ فَيَكُونُ
فَاضِلُ اللَّحْمِ فِي مُقَابَلَةِ الْجِلْدِ وَالْعَظْمِ وَإِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَالَ الْمُزَنِيّ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نِسْبَةَ الْخِلَافِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الرويانى في الحلية ونقل عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَالِاخْتِيَارُ وَفِي اخْتِيَارِهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ عَنْهُ وَقَالَ إنَّ الْخَبَرَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالْإِرْشَادِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا حَكَيْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ ذَلِكَ مِنْ تَيْسِيرِ الْجَاهِلِيَّةِ (فَإِنْ قُلْتَ) إمَّا أَنْ يَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَوْ بِمُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فان تمسكتم بحديث سمرة فقد رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ فَلَيْسَ حُجَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وان تمسكتم بالمرسل بِالْمُرْسَلِ فَكَذَلِكَ الْأَثَرُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ (قُلْتُ) أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ فَلَهُ مُعَارِضٌ وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ وَكَوْنُ جَمَاعَةٍ رَوَوْهُ مَوْقُوفًا فَلِذَلِكَ لَمْ نقل بِهِ الشَّافِعِيُّ وَحَمْلُهُ إنْ صَحَّ عَلَى النَّسِيئَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ هُنَا
فَلَيْسَ لَهُ مُعَارِضٌ بَلْ لَهُ مَا يُعَضِّدُهُ مِنْ الْمَرَاسِيلِ وَالْآثَارِ وَقَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ
وَكَانَ الْقَاسِمُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَرِّمُونَ بَيْعَ اللحم عَاجِلًا وَآجِلًا يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ وَلَا يُرَخِّصُونَ فِيهِ قَالَ وَبِهَذَا نَأْخُذُ كَانَ اللَّحْمُ مُخْتَلِفًا أَوْ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ فَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَرَاسِيلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا مَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي الْقَدِيمِ يَحْتَجُّ بِهَا فَأَمَّا فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهَا وَلَكِنَّهُ قَالَ مَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ ونقل بعض النا س عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ تَتَّبَعْتُهَا فَوَجَدْتُهَا مُسْنَدَةً قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَمَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِخِلَافِ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إنَّ التَّابِعِينَ بِأَسْرِهِمْ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ إنْكَارُهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ إلَى رَأْسِ المائتين فانه تعرض بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه أَوَّلُ مَنْ أَبَى قَبُولَ الْمَرَاسِيلِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِهِ الَّتِي كَتَبَهَا إلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَبَبِ كِتَابَةِ السُّنَنِ وَأَمَّا الْمَرَاسِيلُ فَقَدْ كَانَ يَحْتَجُّ بِهَا الْعُلَمَاءُ فِيمَا مَضَى مِثْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِيُّ فَتَكَلَّمَ فِيهِ وَتَابَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ فَيُحْتَاجُ إلَى أَنْ يُذْكَرَ تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله عَدَمُ قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَنُقَّادِ الْأَثَرِ عَلَى مَا قاله الخطيب البغدادي بل كلهم ما يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَمِمَّنْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وابو زرعة الدارى وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَوَفَاتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى وَفَاةِ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالَفَ في ذلك ابا بكر قال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالظَّاهِرُ إذَا نُحِرَتْ جَزُورٌ وَحَضَرَهَا إمَامُ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أُنَاسٌ كثرون وَقَدْ قَالَ هَذَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فقد اعتضد هذا لمرسل
بحديث اسد مِنْ وَجْهٍ وَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَفُتْيَا أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ فَإِنَّ مَالِكًا رحمه الله رَوَى فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَقَالَ كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ النَّاسِ يَنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ وَكَانَ ذَلِكَ يُكْتَبُ فِي عُهُودِ الْعُمَّالِ فِي زَمَانِ أَبَانِ بن عثمان وهشام بن اسمعيل يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ كَانَ مَيْسِرُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ وَقَالَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه ليس المنقطع بشئ مَا عَدَا مُنْقَطِعَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَمَلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِهَا وَلَا تَكُونُ حُجَّةً وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْكِفَايَةِ فِي مَعْرِفَةِ أُصُولِ الرِّوَايَةِ وَنَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ اختلف الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ هَذَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِهِ أَنَّ مُرْسَلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حُجَّةٌ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَرَاسِيلَ سَعِيدٍ تُتُبِّعَتْ فَوُجِدَتْ كُلُّهَا مَسَانِيدَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُرْسَلِ سَعِيدٍ وَمُرْسَلِ غَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ وَإِنَّمَا رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ والتراجيح بالمراسل صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ قَالَ الْخَطِيبُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا لِأَنَّ فِي مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ (قُلْتُ) وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ وَتَلْخِيصُ مَا قَالَهُ فِيهَا أَنَّ الْمُنْقَطِعَ مُخْتَلِفٌ فَمَنْ شَاهَدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من التابعين
فَحَدَّثَ حَدِيثًا مُنْقَطِعًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اُعْتُبِرَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ أَنْ يُسْنِدَهُ غيره من الحفاظ المأمورين بمثل معنى ماروى أَوْ مُوَافَقَةُ مُرْسَلِ غَيْرِهِ وَهِيَ أَضْعَفُ مِنْ الْأُولَى أَوْ مُوَافَقَةُ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَقْوَامٍ من أهل العلم يفتون بمثل معنى ماروى فَإِذَا وُجِدَتْ الدَّلَائِلُ لِصِحَّةِ حَدِيثِهِ بِمَا وَصَفْتُ أَحْبَبْتُ أَنْ يُقْبَلَ مُرْسَلُهُ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْحُجَّةَ تَثْبُتُ بِهِ ثُبُوتَهَا بِالْمُتَّصِلِ فَأَمَّا مَنْ يُعَدُّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ كَثُرَتْ مُشَاهَدَتُهُمْ لِبَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا أَعْلَمُ وَاحِدًا مِنْهُمْ يُقْبَلُ مُرْسَلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَحْبَبْتُ أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ بَلْ إمَّا أَنْ
يظهر موجبها فيجب أولا فَيَحْرُمُ فَإِنْ كَانَ الْمُرْسَلُ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ شئ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً حَرُمَ الْعَمَلُ بِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْحُجَّةُ بِهِ ثُبُوتَهَا بِالْمُتَّصِلِ أَيْ لَا يَكُونُ مِثْلَ الْمُتَّصِلِ وَإِنْ كَانَتْ الْحُجَّةُ بِهِ ثَابِتَةً وَتَظْهَرُ فائدة ذلك فيما إذا عارضه فَيُقَدَّمُ الْمُتَّصِلُ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ لِمُجَرَّدِ اقْتِرَانِهِ بِمُرْسَلٍ آخَرَ أَوْ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ فُتْيَا أكثر أهل العلم ولا يرد معها أو يطلب دليل آخر مجرد كما لَمْ يَرِدْ أَصْلًا بَلْ يَجِبُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا يُعَارِضُهُ أَوْ يُوَافِقُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَدِلَّةِ كَالْقِيَاسِ وَشِبْهِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا يَتَرَجَّحُ مِنْ الظن والله أعلم
* وقال المارودي إنَّهُ حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَخَذَ بِمَرَاسِيلِ سَعِيدٍ فِي الْقَدِيمِ وَجَعَلَهَا بِانْفِرَادِهَا حُجَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ حَدِيثًا إلَّا وُجِدَ مُسْنَدًا وَلَا يَرْوِي أَخْبَارَ الْآحَادِ وَلَا يُحَدِّثُ إلَّا بِمَا سَمِعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ أَوْ عَضَّدَهُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ أَوْ رَوَاهُ مُنْتَشِرًا عِنْدَ الْكَافَّةِ أَوْ وَافَقَهُ فعل أهل العصر كونه إنما أخذ عن أكابر الصحابة ومراسليه سبرت
فَكَانَتْ مَأْخُوذَةً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ مُرْسَلَ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (قُلْتُ) وَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ رحمه الله مِنْ كَوْنِ سَعِيدٍ لَا يَرْوِي أَخْبَارَ الْآحَادِ وَوُجِدَتْ مَرَاسِيلُهُ كُلُّهَا مَسَانِيدَ فَلَا يُحَدِّثُ إلَّا بِمَا سَمِعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ أَوْ مُعْتَضِدًا أَوْ مُنْتَشِرًا أَوْ مُوَافِقًا فِعْلَ أَهْلِ الْعَصْرِ وَكَوْنُ مَرَاسِيلِهِ كُلِّهَا عُرِفَ أَنَّهَا عَنْ أبى هريرة رضى الله عنه لادليل على شئ مِنْ ذَلِكَ بَلْ هِيَ أُمُورٌ ضَعِيفَةٌ لَمْ يثبت شئ مِنْهَا فَلَا يُعْرَفُ بَلْ قَدْ رَوَى سَعِيدٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِيهِ الْمُسَيِّبِ فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْخَطِيبُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ المارودى إلَى الْجَدِيدِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْمُرَجِّحَاتِ لِلْمُرْسَلِ الَّتِي إذَا اُعْتُضِدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا صار هو مع (1) اُعْتُضِدَ بِهِ حُجَّةً عَلَى الْجَدِيدِ أَحَدُ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ قِيَاسٌ أَوْ قَوْلُ صَحَابِيٍّ أَوْ فِعْلُ صحابي أو قول للاكثرين أو ينتشر فِي النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَافِعٍ لَهُ أَوْ يعمل به أهل العصر أولا تُوجَدُ دَلَالَةٌ سِوَاهُ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كلام الشافعي المنقول من الرسالة أربع مرجحات (منها) مُوَافَقَةُ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَقْوَامٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُمَا فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ (وَمِنْهَا) اعْتِضَادُهُ بمسند أو مرسل آخر وليسا في الكلام الْمَاوَرْدِيُّ فَإِذَا جَمَعْتُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ كَانَتْ الْمُرَجِّحَاتُ تِسْعَةً ثُمَّ فِي بَعْضِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا مُشَاحَّةٌ (مِنْهَا) قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ دَلِيلٌ سِوَاهُ
كَأَنَّ الْمُرْسَلَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نفسه دليلا ولم يوجد دليل سواه كان المسألة لادليل فيها أصلا ولايجوز اثبات حكم بشئ لَا يَعْتَقِدُهُ دَلِيلًا لِأَنَّا لَمْ نَجْدِ غَيْرَهُ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَلِيلٌ وَفِي غَيْرِهَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ فَيَقُولُ إنَّهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ دَلِيلٌ غَيْرُهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا أَوْ مُخَالِفًا
(1) بياض بالاصل فحرر
إنْ كَانَ مُوَافِقًا فَالْحُكْمُ ثَابِتٌ بِلَا إشْكَالٍ ولاغرض فِي إسْنَادِهِ إلَى الْمُرْسَلِ مَعَ ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَحْدَهُ أَوْ إلَيْهِ مَعَ الْمُرْسَلِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَيْهِ أَوْ مَرْجُوحًا فَإِنْ كَانَ رَاجِحًا قُدِّمَ عَلَى الْمُرْسَلِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا لَمْ يُقَدَّمْ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي لِمَنْ يَعْمَلُ به عند الدليل مطلقا أن يعمل به ههنا لِرُجْحَانِهِ وَهُوَ يَصِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى خِلَافِهِ وَلَا يَنْفَعُ التَّعَلُّلُ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فِي أَنْ يُدْفَعَ بِأَدْنَى مُعَارِضٍ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا لِأَنَّ ذَلِكَ بَحْثٌ جَدَلِيٌّ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ (وَأَمَّا) اعْتِضَادُهُ بِمُسْنَدٍ فَإِذَا كَانَ الْمُسْنَدُ صَحِيحًا كَانَ الْعَمَلُ بِهِ لَا بِالْمُرْسَلِ (وَأَمَّا) اعْتِضَادُهُ بِمُرْسَلٍ آخَرَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُرْسَلُ حُجَّةً لَمْ يُفِدْ اقْتِرَانُهُ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلُهُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَالِانْتِشَارُ (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ فَإِنْ كَانَ قِيَاسًا صَحِيحًا فَهُوَ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى الْمُرْسَلِ وَلَا يَصِيرُ الْمُرْسَلُ بِهِ حُجَّةً كَمَا لَوْ اقْتَرَنَ بِالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ قِيَاسٌ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ التَّمْثِيلُ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ فَقَدْ انْضَمَّ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَغَايَةُ مَا يُتَخَيَّلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُلَاحِظْ فِي ذَلِكَ إلَّا قُوَّةَ الظَّنِّ فَإِنَّ الْمُرْسَلَ يُثِيرُ ظَنًّا ضَعِيفًا وَلَيْسَ كَالْقِيَاسِ الْفَاسِدِ وَمَا لَا يُثِيرُ ظَنًّا أَصْلًا فَإِذَا اقْتَرَنَ الْمُرْسَلُ الْمُثِيرُ لِلظَّنِّ بِأَمْرٍ مُقَوِّمٍ لِلظَّنِّ جَازَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَدٍّ يَتَمَسَّكُ بِهِ ثُمَّ ذَلِكَ الْحَدُّ لَيْسَ مِمَّا يُضْبَطُ بِعِبَارَةٍ شَامِلَةٍ بل هو موكول إلى نظر المجتهد وههنا تَتَفَاوَتُ رُتَبُ الْعُلَمَاءِ وَتُفَارِقُ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْجَامِدِينَ عَلَى أُمُورٍ كُلِّيَّةٍ يَطْرُدُونَهَا فِي كُلِّ وَرْدٍ وَصَدْرٍ وَإِنَّمَا جَمَدَ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِبُعْدِهِمْ عَنْ التَّكَيُّفِ بِفَهْمِ نَفَسِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَرَاتِبِ الظُّنُونِ وَمَا يَقْتَضِي نَفَسُ الشَّارِعِ فِي اعْتِبَارِهِ وَالْغَايَةُ وَهَذِهِ رُتْبَةٌ عَزِيزَةٌ سَبَقَ إلَيْهَا الْمُتَقَدِّمُونَ وَلَوْ حَاوَلَ مُحَاوِلٌ ضَبْطَ مَا يَحْصُلُ مِنْ اجْتِمَاعِ تِلْكَ الْأُمُورِ
بالموزانة بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ واخد مِنْ أَوَّلِ دَرَجَاتِ الْقِيَاسِ أَوْ خَبَرٍ لِذَلِكَ قياسا واه اعتبر وما نقص عنه الغى لَمْ يَكُنْ مُبْعَدًا لَكِنَّهُ لَيْسَ كَمَالَ الْمَعْنَى الْمُشَارِ إلَيْهِ بَلْ هُوَ غَايَةُ مَا تُحِيطُ بِهِ الْعِبَارَةُ لِمَنْ يَبْغِي ضَبْطَ ذَلِكَ بِقَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ وَيُؤْتِي اللَّهُ تَعَالَى وَرَاءَ ذَلِكَ لِبَعْضِ عِبَادِهِ مِنْ الْفَهْمِ مَا يَقْصُرُ عَنْهُ الْوَهْمُ وَمَنْ جَدَّ وَجَدَ وَمَنْ ذَاقَ اعْتَقَدَ (وَمَنْ لم يجعل الله له نورا فماله من نور) وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا بِيعَ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ بِيعَ الشَّيْرَجُ بِالسِّمْسِمِ وَكَانَ الشَّيْرَجُ الْمُفْرَدُ أَقَلَّ مِنْ الَّذِي فِي السِّمْسِمِ أَوْ مِثْلَهُ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ سَلَّمُوا امْتِنَاعَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَمَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَبَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَلَا يَسْتَمِرُّ هَذَا الِاحْتِجَاجُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ اللَّحْمَ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا وَهُوَ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ كَمَالِ الِادِّخَارِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ أَصْلُهُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَلَيْسَ الِامْتِنَاعُ فِيهِ لِكَوْنِ الدَّقِيقِ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ الْحِنْطَةِ مَجْهُولَ الْقَدْرِ بِدَلِيلِ أن الحنطة بالحنطة واحدهما أَجْوَدُ وَأَكْثَرُ دَقِيقًا مِنْ الْأُخْرَى جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي فِي الثَّانِي إلَى عَدَمِ التَّسَاوِي وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْمُرْسَلَ يُعْتَبَرُ بِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً بِمُجَرَّدِهِ وَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ مِنْ الْأُمِّ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حُجَّةٌ وَقَدْ نَظَرْتُ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ الصَّغِيرِ مِنْ الْأُمِّ فَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا لكن فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً قَوِيَّةً وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِتَعَسُّفٍ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال (لا يعلف الزبير مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ) ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ كَيْفَ قبلتم عن
ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُنْقَطِعًا وَلَمْ تَقْبَلُوهُ عَنْ غَيْرِهِ فَأَجَابَ فَقَالَ قُلْنَا لَا يُحْفَظُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ رَوَاهُ مُنْقَطِعًا إلَّا وَجَدْنَا مَا يَدُلُّ على تشديده وَلَا أَثَرَهُ عَنْ أَحَدٍ فِيمَا عَرَفْنَا عَنْهُ إلَّا ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ فَمَنْ كَانَ بِمِثْلِ حَالِهِ قَبِلْنَا مُنْقَطِعَهُ وَرَأَيْنَا غَيْرَهُ يُسَمِّي الْمَجْهُولَ وَيُسَمِّي مَنْ يَرْغَبْ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَيُرْسِلُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَلْقَ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُسْتَنْكَرَ الَّذِي لا يوجد له شئ يسدده ففرقنا بينهم لافتراق احاديثم وَلَمْ نُحَابِ أَحَدًا وَلَكِنَّا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِالدَّلَالَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ صِحَّةِ رِوَايَتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ
الشَّافِعِيُّ رِوَايَةً مِنْ جِهَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ إلَى سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ ذلك فالسنة ثابة عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بِمَا قُلْنَا وَلَيْسَ مَعَ السُّنَّةِ حُجَّةٌ وَلَا فِيهَا إلَّا اتِّبَاعًا مَعَ أَنَّهَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ مُبْتَدَأً وَمَخْرَجًا فَهَذَا مَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوِيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ قَائِمَةٌ بِذَلِكَ وَتَأْوِيلُهُ ممكن على بعد وليس كما توهمه بَعْضُ الضُّعَفَاءِ مِنْ أَنَّهُ تَتَبَّعَهَا فَوَجَدَهَا مُسْنَدَةً فَيَكُونُ الِاحْتِجَاجُ بِالْمُسْنَدِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَوَهُّمُ أَنَّ الْإِسْنَادَ حَاصِلٌ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمُرْسَلِ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَمَّا كَانَ حَالُ صَاحِبِهَا أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا مُسْنَدًا عَنْ ثِقَةٍ حُمِلَ هَذَا الْمُرْسَلُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ فَيُحْتَجُّ بِهِ لِذَلِكَ وَأَشَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ الصَّغِيرَ مِنْ الْقَدِيمِ وَإِنْ كَانَ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرَهُ قَالُوا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي آجَالِ الرَّاهِنِ وَعِتْقِهِ أَنَّهُ مِنْ الْقَدِيمِ قَالَ وَكَذَلِكَ نَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا قَبُولَ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إلَى الْقَدِيمِ.
قَالَ الْمُزَنِيّ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فَصِيلًا بِجَزُورٍ قَائِمِينَ جَازَ ولايجوز مذبوحين لانهما طعامان لا يحلان الامثلا بمثل وهذا اللحم وهذا حيوان
فهما مختلهان فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْقِيَاسِ إنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ مِمَّنْ يَكُونُ لِقَوْلِهِ اخْتِلَافٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَأْخُذُ بِهِ وندع القياس.
وقد قال الْمُزَنِيّ فِي هَذَا الْكَلَامَ إلَى الْجَوَازِ بِشَرْطَيْنِ أحدهما أن لا يَكُونَ الْحَدِيثُ ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ يَعْنِي مُخَالِفٌ لِأَبِي بَكْرٍ وَقَدْ احْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا الرِّبَا لِعَسُرَ كَالدَّرَاهِمِ مَعَ الطَّعَامِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَتُنَا وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ رِبًا أَجْوَزَ وَيُقَاسُ ذَلِكَ عَلَى بَيْعِ اللحم بالثوب وبالجلد وبانه لاعتبار بِاللَّحْمِ الَّذِي فِي الْحَيَوَانِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ لَمَا جَازَ وَلَكَانَ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالدَّرَاهِمِ أَيْضًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُذَكَّى فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَيْتَةِ فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى جواز بيعه دل على اعْتِبَارِهِ.
وَقَوْلُ الْمُزَنِيِّ بِمَنْ يَكُونُ لِقَوْلِهِ اخْتِلَافٌ قَالَ ابْنُ دَاوُد يَكُونُ مَعْنَاهُ مِمَّنْ يُعَدُّ خِلَافُهُ خِلَافًا حَتَّى يَثْبُتَ الِاخْتِلَافُ بِقَوْلِهِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ ثَبَتَ اعْتِمَادًا عَلَى تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الثَّوْبِ أَنَّ الثَّوْبَ وَالْجِلْدَ كُلٌّ
مِنْهُمَا لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ وَلَا فِيهِ رِبَوِيٌّ وَالْحَيَوَانُ فِيهِ رِبَوِيٌّ وَهُوَ الْمِلْحُ وَالْجِلْدُ فَيُشْبِهُ قِشْرَ الْفُسْتُقِ يَجُوزُ بيعه بلب الفستق ولا يحوز بَيْعُ الْفُسْتُقِ فِي قِشْرِهِ بِلُبِّهِ وَعَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ اللَّحْمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يُعْتَبَرُ أَنَّ ذلك إذَا بِيعَ بِغَيْرِ اللَّحْمِ أَمَّا إذَا بِيعَ بِاللَّحْمِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَسْئِلَةً يُمْكِنُ أَنْ نُورِدَهَا مِنْ جِهَةِ الْخَصْمِ وَأَجْوِبَتَهَا (مِنْهَا) حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه لَا يَقُولُ بِالْكَرَاهَةِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ لِلتَّحْرِيمِ (وَمِنْهَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي ذُبِحَ وَلَمْ يُسْلَخْ جِلْدُهُ وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاللَّحْمِ وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ لَا ينطلق عليه اسم حيوان (وَمِنْهَا) عَلَى أَثَرِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه حَمْلُ الْعَنَاقِ
عَلَى الْمَذْبُوحَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ (وَمِنْهَا) حَمْلُهُ على أن الحزور كَانَتْ لِلْمَسَاكِينِ فَنُحِرَتْ لِتُفَرَّقَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ بيعها وأجابو عَنْهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَعَنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا لَا يَصْلُحُ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذَا اللَّحْمِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ لَمْ يَخْفَ أَمْرُهَا عَلَى النَّاسِ وَأَنَّهُ لَا يحوز بَيْعُهَا وَقَدْ اعْتَرَضَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى الْخَصْمِ بأن المرسل عنده حجة وهندنا هل المرسل حُجَّةٌ فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى قَبُولِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْعَمَلِ بِهِ (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِلَحْمٍ ظَاهِرُهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِلَحْمٍ مِثْلِهِ فَالْمُمَاثَلَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقًا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِلَحْمِ حَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ المماثلة في الوصف الذى ذكره وهو كون يُؤْكَلُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِلَحْمِ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ لَمْ يذكره بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بَيْعَهُ بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ وَحِينَئِذٍ يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ صُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) بَيْعُهُ بِحَيَوَانٍ يُؤْكَلُ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا كَلَحْمِ الْجَزُورِ بِجَزُورٍ وَلَحْمِ شَاةٍ بِشَاةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) بَيْعُهُ بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ مِثْلَ لَحْمِ الْجَزُورِ بِالشَّاةِ (إنْ قُلْنَا) اللُّحْمَانِ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا (وَإِنْ قُلْنَا) أَصْنَافٌ فَطَرِيقَانِ (إحْدَاهُمَا) لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ فِيمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وهى
الصَّوَابُ لِمَا سَنَذْكُرُهُ (وَالثَّانِيَةُ) فِيهَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْفُورَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لِعُمُومِ السُّنَّةِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِعَدَمِ الرِّبَا فِيهِ وَقَاسَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ
مَذْهَبُ مَالِكٍ وأحمد وقال الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ (تَنْبِيهٌ) قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ إنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحَيَوَانَ أَجْنَاسٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ إذَا صَارَ لَحْمًا لِشُمُولِ اسْمِ اللَّحْمِ لِلْجَمِيعِ وَإِذَا كَانَ لَحْمٌ وَحَيَوَانٌ يَخْتَلِفُ أَصْلُ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْجَمِيعُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ جَزَمَ بِالْجَوَازِ قَالَ فِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ سُلَيْمٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الذى ذكرناه هُوَ فِي هَذَا يَعْنِي أَثَرَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَسُكُوتَ الْبَاقِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
* وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مُتَعَيِّنٌ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ صَرِيحًا فِي الْأُمِّ قَالَ وَلَا يُبَاعُ اللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ مِنْ صِنْفِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ
صِنْفِهِ وَلَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ فَإِنَّ الْمُرْسَلَ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا عُمِلَ بِهِ لِاعْتِضَادِهِ بِأَثَرِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَإِنَّمَا اُعْتُضِدَ بِهِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ فِي الْمَأْكُولِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لَكِنَّا نُعَدِّيهِ إلَى مَنْعِهِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلَا يُحْسِنُ أَنْ يَخْرُجَ مَوْرِدُ الْأَثَرِ الَّذِي يُقَوِّيهِ الِاعْتِضَادُ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ اللَّحْمِ بِالسَّمَكِ الْحَيِّ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ (قُلْتُ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّ حَيَّ السَّمَكِ فِي حُكْمِ مَيِّتِهِ (قُلْتُ) فَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِ مَيِّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ في حكم اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ (إنْ قُلْنَا) إنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ لم يجز والاجاز وَالرُّويَانِيُّ جَعَلَ الْوَجْهَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ السَّمَكُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ (فَإِنْ قُلْنَا) مِنْ جِنْسِهِ (1)(وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الرِّبَا وَقَالَ المارودي في جواز بيع الحيوان بالسمك وجهين مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي السَّمَكِ هَلْ هُوَ صِنْفٌ مِنْ اللَّحْمِ أَوْ لَا.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالسَّمَكِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي السَّمَكِ هَلْ هُوَ صِنْفٌ من اللحم أولا قال الرويانى اختيار الماسرخسى (ان قلنا) السمك (2) وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ قُلْنَا مِنْ سَائِرِ اللُّحُومِ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) جِنْسٌ آخر فقولان (قلت)
(1) بياض
بالاصل فحرر (2) كذا بالاصل فحرر
وَمُرَادُهُمَا بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ السَّمَكُ الْمَيِّتُ فَلَوْ بَاعَ حَيَوَانًا بِسَمَكٍ حَيٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ إنْ رَاعَيْنَا أَنَّ حَيَّ السَّمَكِ فِي حُكْمِ مَيْتِهِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ بَاعَ حَيَوَانًا بِلَحْمِ سَمَكٍ فَيُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ جَعَلْنَا السَّمَكَ الْحَيَّ كَالْحَيَوَانِ صَارَ ذَلِكَ كَبَيْعِ حَيَوَانٍ بِحَيَوَانٍ وَهُوَ جَائِزٌ وَصَوَّرَهَا الرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي لَحْمِ السَّمَكِ بِالشَّاةِ وَهُوَ أَبْيَنُ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَوَقَّفُ اللَّحْمُ عَلَى السَّمَكَةِ الْكَامِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً وَالْأَقْرَبُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ وَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ الْبُطْلَانُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي ذَلِكَ (إنْ قُلْنَا) إنَّ السَّمَكَ يُسَمَّى لَحْمًا فَإِنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ راعينا المعنى يخرج على الوجهين يَعْنِي فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ (وَإِنْ قُلْنَا) السَّمَكُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا جَازَ سَوَاءٌ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ أَوْ الْمَعْنَى وَهَذَا تَرْتِيبٌ حَسَنٌ أَعْنِي مَا سَلَكَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحِينَئِذٍ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ قول ابن أبى هريرة فال لانه لا يطلق عليه لحم أي لايدخل السَّمَكُ فِي اسْمِ اللَّحْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ والمراد بذلك والله أعلم ما قال أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنْ بَاعَ لَحْمًا بِسَمَكَةٍ حَيَّةٍ أَوْ لَحْمَ السَّمَكِ بِحَيَوَانٍ حَيٍّ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ اللُّحُومِ كَانَ كَلَحْمِ غَنَمٍ بِبَقَرٍ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ لِوُقُوعِ اسْمِ اللَّحْمِ وَالْحَيَوَانِ عَلَيْهِ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْعَظْمِ جَائِزٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ بِالْحَيَوَانِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَيْضًا قَالَ فِي اللُّبَابِ وَأَوْرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ اللَّبَنَ يُسَمَّى لَحْمًا روى أن نبيا شكى إلَى اللَّهِ تَعَالَى الضَّعْفَ فَأَوْحَى إلَيْهِ أَنْ كُلْ اللَّحْمَ بِاللَّحْمِ يَعْنِي اللَّحْمَ بِاللَّبَنِ وَقَالَ الشَّاعِرُ يُطْعِمُهَا اللَّحْمَ إذَا عَزَّ الشَّجَرْ
* وَالْخَيْلُ فِي إطْعَامِهَا اللَّحْمَ ضَرَرْ يَعْنِي أَنَّهُ يُطْعِمُهَا اللَّبَنَ عِنْدَ عِزَّةِ الْمَرْعَى وَأَجَابَ بِأَنَّ تَسْمِيَةَ العرب اللبن لحما استعارة ومجاز لاحقيقة أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّبَنِ متفاضلا ولا يحنث باللبن إذا حاف على اللحم..
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وفى بيع اللحم بحيوان لا يؤكل قولان
(أحدهما)
لا يجوز للخبر
(والثانى)
يجوز لانه ليس فيه مثله فجاز بيعه كاللحم بالثوب) .
(الشَّرْحُ) الْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَفَّالُ وَالْفُورَانِيُّ وَصَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الصَّرْفِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْقِيَاسُ الْجَوَازُ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ إنَّ قَوْلَ الْجَوَازِ قَالَهُ الرَّبِيعُ وَإِنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ هُوَ الصَّحِيحُ وكذلك قال البغوي في التعذيب ان الاصح
المنصوص في أكثر الكتب لا يجوز الخبر الظاهر (قُلْتُ) قَوْلُهُ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ يَعْنِي كُتُبَ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ مَنْصُوصًا فِي الْأُمِّ (1) مِنْ بَيْعِ الْآجَالِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله سَوَاءٌ كَانَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْقَفَّالِ الْمَنْعُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْمَنْعَ إشَارَةً إلَى تَرْجِيحِ الْقَفَّالِ وهو الذي جزم به الصميرى فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي إنَّهُ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي الصحة وجزم له فِي غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَلَا بَأْسَ مِنْ أَنْ يُبَاعَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْأَحْيَاءِ بِاللَّحْمِ الْمَوْضُوعِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ أَيْضًا وَقَدْ قِيلَ وَلَا يُبَاعُ لَحْمٌ بِحَيَوَانٍ مِمَّا يُؤْكَلُ وَمِمَّا لَا يُؤْكَلُ دَلِيلُ تَرْجِيحِهِ وَبَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ الْخَبَرُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ خَبَرُ سَعِيدٍ الْمُرْسَلُ عَلَى أَثَرِ أَبِي بَكْرٍ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ وَإِنَّمَا احْتَجَّ بِذَلِكَ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَثَرِ وَاَلَّذِي عَضَّدَهُ الْأَثَرُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الْعَنَاقِ بِلَحْمِ الْجَزُورِ وَهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُمَا فَتَبْقَى دَلَالَةُ الْمُرْسَلِ عَلَى غَيْرِ الْمَأْكُولِ مُجَرَّدَةً عَمَّا يُعَضِّدُهَا وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُتَمَسَّكَ بِدَلِيلٍ فِي بَعْضِ مَدْلُولِهِ تَعَاضُدٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ وَشِرَائِهِ الشَّاتَيْنِ بِدِينَارٍ وَبَيْعِهِ إحداهما بدينار وعمل فِي الْحُكْمِ الْمُوَافِقِ لِلْقِيَاسِ دُونَ الْمُخَالِفِ لَهُ لِمَا كَانَ مُرْسَلًا كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي
(1) بياض
بالاصل فحرر
مَوْضِعِهِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ إنَّ الِاعْتِضَادَ وَإِنْ امْتَنَعَ بِالْأَثَرِ فَهُوَ حَاصِلٌ بِأُمُورٍ أُخْرَى (مِنْهَا) قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَانْتِشَارُهُ فِي النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَافِعٍ وَالْقِيَاسُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَلِهَذَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِالْخَبَرِ عَلَى مَا تَمَهَّدَ أَوَّلًا وَإِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مَا ذكرته هناك فهو وارد عن الاعتضاد بالاكثر وَلَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَمُرَةَ وَلَوْ ثَبَتَ اتِّصَالُهُ وَصِحَّتُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ في بيع الشاة باللحم مَأْكُولَةٌ فَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ عُمُومٌ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْمَأْكُولِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ أَثَرَ أَبِي بَكْرٍ عَضَّدَهُ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ بِالْمَأْكُولِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي قَدْ يُتَخَيَّلُ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الرِّبَا مُنْدَفِعٌ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَعْنًى آخَرُ يُعَلَّلُ بِهِ فَكَانَ التَّمَسُّكُ بِعُمُومِ الْخَبَرِ أَوْلَى وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَكُونُ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ حَيٌّ بِمَيِّتٍ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَأْكُولِ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ لِهَذَا الْوَصْفِ مَعْنًى مُخَيَّلٌ وَقَالَ الشَّيْخُ أبو حامد فيما علق عنه البندنيجي إن الْأَقْيَسَ الْجَوَازُ وَبِالْمَنْعِ جَزَمَ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي الْعِلَّتَيْنِ وَبِمَا يَتْبَعُ حَمْلُهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّ دَلِيلَ الْمَسْأَلَةِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ
(وَالثَّانِي)
قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّ دليل المسألة (وَاعْلَمْ) أَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي أَشَارَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ فَعَلَيْهِ تُبْتَنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَغَيْرُهَا وَبَنَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ الْخِلَافَ فِي بَيْعِ الشَّاةِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ قَوْلِنَا الْأَصْلُ فِيهَا اتباع القياس أن لادليل فِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ الْقِيَاسِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ هَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَالْخَبَرُ
فيه على قياس أَوْ هُوَ تَعَبُّدٌ يُسْتَنَدُ فِيهِ إلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ مَعْنًى وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ تَعَبُّدًا امْتَنَعَ قياس غيره عليه والا اجاز ولابد هنا من ملاحضة أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النَّصَّ الْعَامَّ إذَا اُسْتُنْبِطَ مِنْهُ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ هَلْ يَجُوزُ فَإِنَّ الخبر هام فِي الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ وَالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطُ وَهُوَ مُلَاحَظَةُ الربا يقضتى تَخْصِيصُهُ بِالْمَأْكُولِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَلَهُ نَظَائِرُ (مِنْهَا) لَمْسُ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي إخْرَاجُهُ وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(فَرْعٌ)
لَا يُبَاعُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ وَالطَّيْرِ الْمَذْبُوحِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْغَائِبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ مُطْلَقًا قَبْلَ السَّلْخِ وَلَا الْجِلْدِ أَيْضًا وَلَوْ بَاعَ اللَّحْمَ مَعَ الْجِلْدِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَابِ بَيْعِ الثِّمَارِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ وَبَيْعُ الْأَكَارِعِ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقَاطِعَ معلومة وبيع رأسها ان كان متدليا بجلدة رَقِيقَةٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَحْمٌ كَثِيرٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَقَاطِعَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ السَّمَكِ الْحَيِّ بِالسَّمَكِ الْحَيِّ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) يَحِلُّ ابْتِلَاعُ السَّمَكِ حَيًّا فِي حَالِ صِغَرِهِ فَلَا يَجُوزُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَحِلُّ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَمِ بِالْغَنَمِ قَالَهُ يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن أَبِي عَصْرُونٍ فِي مَجْمُوعِهِ.
(فَرْعٌ)
عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِبَغْلٍ وَلَا بحمار ولا بعبد لافرق فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ قَالَهُ أَبُو حامد وأبو الطيب والصميرى وغيرهم.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ شَحْمَ الْغَنَمِ بِحُوتٍ حَيٍّ لم يجز قالة الصميرى وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحُوتِ الْحَيِّ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الشَّحْمَ كَاللَّحْمِ عَلَى الْأَصَحِّ.
(فَرْعٌ)
فِي بَيْعِ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ وَالطِّحَالِ وَالْقَلْبِ وَالْكَبِدِ وَالرِّئَةِ بِالْحَيَوَانِ وَبَيْعِ السَّنَامِ بِالْإِبِلِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِالْمَنْعِ فِي السَّنَامِ وَالْأَلْيَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُمَا مُخَرَّجَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْ الْقِيَاسِ فَفِي الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الشَّحْمَ وَجَمِيعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْحَيَوَانِ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ جَوَازَ بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْحَيَوَانِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَسْأَلَةِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَصَحُّ مَنْعَ بَيْعِ اللحم غَيْرِ الْمَأْكُولِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ تَصْحِيحِ الْمَنْعِ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَنْعِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَضَادٌّ (قُلْتُ) تَصْحِيحُ امْتِنَاعِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ لَا يَدُلُّ عَلَى
كَوْنِ الصَّحِيحِ مِنْ الْمُدْرَكَيْنِ التَّعَبُّدَ بَلْ نَقُولُ إنَّ الْحُكْمَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَلَكِنْ فُرِّقَ بَيْنَ إلْحَاقِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْمَنْصُوصِ وَبَيْنَ إخْرَاجِ بَعْضِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ قِيَاسٌ مَحْضٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ وُجُودُ شَرَائِطِ القياس لاغير (وَأَمَّا الثَّانِي) فَهُوَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ وَقَدْ تَجِدُ مَعْنًى مُخَيَّلًا يُمْكِنُ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَالْقِيَاسُ بِهِ لَا يَنْهَضُ فِي الْقُوَّةِ إلَى حيث يخص الْعُمُومُ فَإِنَّ دَلَالَةَ الْعُمُومِ عَلَى أَفْرَادِهِ
ظاهرة قوية بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا بِخِلَافِ إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ مَسْكُوتٍ عَنْهُ لَا مُعَارِضَ لِلْمَعْنَى فيه فيتبع اللَّحْمِ بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ تَعَارَضَ فِيهِ ظَاهِرُ الْعُمُومِ والمعنى المستنبط فتمسكنا بظاهر.
وبيع الشحم ونحوخ بِالْحَيَوَانِ وُجِدَ فِيهِ الْمَعْنَى بِدُونِ مُعَارِضٍ فَلِذَلِكَ اعمل المعنى فيه وليس تنصيص السارع عَلَى اللَّحْمِ نَافِيًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ وَقَالَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْعُ الْجِلْدِ بِالْحَيَوَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْبُوغًا وَإِنْ كَانَ مَدْبُوغًا فلامنع وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِجَوَازِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْجِلْدِ وَأَطْلَقَ وحكاه الرويانى عنه لانه لاربا فِي الْجِلْدِ ثُمَّ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَقِيلَ فِي غَيْرِ الْمَذْبُوحِ وَجْهَانِ وَقَالَ غَيْرُ الْحَاوِي إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْعَظْمِ أَيْضًا وَجْهًا وَاحِدًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ بَاعَ جِلْدَ الْمَذْبُوحِ مِنْ الشَّاةِ أَوْ الْوَبَرِ مِنْهُ بِالشَّاةِ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ يَجُوزُ وَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَالُ رِبًا
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْكُولٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاحُ أَكْلُهُ (قُلْتُ) هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ (وَقَوْلُهُ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاحُ أَكْلُهُ أَعْجَبُ (وَقَوْلُهُ) فِي الْوَبَرِ أَعْجَبُ فَإِنَّ الْجِلْدَ إنْ أَمْكَنَ تَمْشِيَةُ كَوْنِهِ رِبَوِيًّا فَفَرْضُهُ فِي جِلْدٍ يُؤْكَلُ وَالْوَبَرُ كَيْفَ يُمْكِنُ تَمْشِيَةُ ذَلِكَ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ اعْتِرَاضُ النَّوَوِيِّ على الرافعي اعتذاري عنه وذلك العذر لا يأتي ههنا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْقَاضِي فَأَمَّا إذَا بَاعَ جِلْدَ الْمُذَكَّاةِ بِالشَّاةِ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ يَجُوزُ وأن راعينا المعنى فوحهان أولى بأن
لَا يَجُوزَ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْتُ هَذَا الَّذِي قُلْتُهُ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى (فَإِنْ قُلْنَا) السَّمَكُ يُسَمَّى لَحْمًا وَإِنَّهُ مَعَ لُحُومِ الْبَرِّيَّةِ صِنْفٌ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ لَوْ اشْتَرَى الْحَيَوَانَ بِالرَّأْسِ وَالْكُرَاعِ لَمْ يَجُزْ بِحَالٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الرَّأْسُ وَالْكُرَاعُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ اللَّحْمِ كَانَ بَيْعُهَا بِالْحَيَوَانِ كَبَيْعِ الشَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ
وَسَائِرِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَدْ حَكَى هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهَا وَجْهَيْنِ فَمَا وَجْهُ الْجَزْمِ فِي الرَّأْسِ وَالْكُرَاعِ إلَّا أَنْ نَقُولَ إنَّ فِيهَا لَحْمًا فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ الْبَحْثِ هُنَا فَلْيُرَاجَعْ.
وَلَوْ بَاعَ الْأَلْيَةَ بِالْمَعْزِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ الصحيح أنه يَجُوزُ وَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى فَهُوَ مِثْلُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَا يَجُوزُ (إذَا قُلْنَا) الْأَلْيَةُ مَعَ اللَّحْمِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ بَاعَ الْأَلْيَةَ بِالضَّأْنِ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ بَاعَ الْأَلْيَةَ بِالْأَلْيَةِ وَاللَّحْمِ فَيَصِيرُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (قَاعِدَةٌ) وَهِيَ الَّتِي وَعَدْتُ بِذِكْرِهَا فِي آخِرِ الكلام قال الامام الذى يجب التنبه لَهُ فِي مَضْمُونِ هَذَا الْبَابِ وَأَمْثَالِهِ أَنَّ مِنْ الْأُصُولِ مَا يَسْتَنِدُ إلَى الْخَبَرِ أَوْ إلى ظاهر القرآن ولكن ليس القياس يتطرق إليه من طريقة الشَّرِيعَةِ فَلَا يُمْنَعُ التَّصَرُّفُ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِالْأَقْيِسَةِ الْجَلِيَّةِ إذَا كَانَ التَّنْزِيلُ مُتَّسِعًا لاينبو
نَظَرُ الْمُنْصِفِ عَنْهُ وَالشَّرْطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ صَدْرُ الْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ الْأَصْلِ الَّذِي فيه وأورد الظَّاهِرِ فَإِنْ لَمْ يَتَّجِهْ قِيَاسٌ مِنْ غَيْرِ مَوْرِدِ الظَّاهِرِ لَمْ يَجُزْ إزَالَةُ الظَّاهِرِ بِمَعْنًى يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ يَضْمَنُ تَخْصِيصَهُ وَقَصْرَهُ عَلَى بَعْضِ المسميات فأما مالا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مَعْنًى مُسْتَمِرٌّ صَائِرٌ إلَى السَّيْرِ فَالْأَصْلُ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِالظَّاهِرِ وَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْوَصْفِ وَلَكِنْ قَدْ يَلُوحُ مَعَ هَذَا مَقْصُودُ الشَّارِعِ بِجِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ فَيَتَعَيَّنُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَهَذَا لَهُ أَمْثِلَةٌ (مِنْهَا) آيَةُ الْمُلَامَسَةِ تَرِدُ وَنَصُّ الشافعي في لمس المحارم من جهة التعليل لاجريان لَهُ فِي الْأَحْدَاثِ النَّاقِضَةِ وَمَا لَا يَجْرِي القياس فيه إثباته فلا يكاد يجرى في نفيه الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه إلَى اتِّبَاعِ اسْمِ النساء وأصح قولية أن الطهارة لاتنتقض لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُلَامَسَةِ الْمُضَافَةِ إلَى النِّسَاءِ مَعَ سِيَاقِ الْأَحْدَاثِ يُشْعِرُ بِلَمْسِ اللَّوَاتِي يُقْصَدْنَ بِاللَّمْسِ فان لم يتحه مَعْنًى صَحِيحٌ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى التَّخْصِيصِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (ليس للقاتل من الميراث شئ) فالحرمان لاسبيل فيه للتعليل كما ذكرنا في الخلاف وإذا نسند مسلك التعليل اقتضى الحال المتعلق بِاللَّفْظِ فَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ نَصَّهُ فِي الْقَتْلِ قِصَاصًا فَوَجْهُ الْحِرْمَانِ التَّعَلُّقُ بِالظَّاهِرِ مَعَ حَسْمِ التَّعْلِيلِ وَوَجْهُ التَّوْرِيثِ التَّطَلُّعُ عَلَى مَقْصُودِ الشَّارِعِ وَلَيْسَ يَخْفَى أَنَّ مَقْصُودَهُ مُضَادَّةُ غَرَضِ الْمُسْتَعْجِلِ وَاَلَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْقَانُونَ فَمَنْ عَمَّمَ
تَعَلَّقَ بِقَوْلِ الشَّارِعِ وَمَنْ فَصَّلَ تَشَوَّفَ إلَى دَرْكِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ أَنَّ فِي الْحَيَوَانِ لَحْمًا وَمَنْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ نَقَلَ تَرَتُّبَ كَلَامِهِ فَيُقَرِّبُ بَعْضَ الْمَرَاتِبِ وَيُبْعِدُ بَعْضَهَا فَالْقَتْلُ قِصَاصًا أَقْرَبُ قَلِيلًا وَالْقَتْلُ حَدًّا سِيَّمَا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ بَعِيدٌ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَنْعُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْعَبْدِ وَلَوْ ادَّعَى الْعِلْمَ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُرَادَ الشَّارِعِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ (فائدة) قوله في بعض ألفاظ الْحَدِيثُ لَا يُبَاعُ حَيٌّ بِمَيِّتٍ الْمَيِّتُ فِي اللُّغَةِ مَنْ فَارَقَتْهُ الْحَيَاةُ فَيَشْمَلُ الْمَذْبُوحَ وَفِي الشَّرْعِ مَنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا قُوبِلَ بِالْحَيِّ تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَيِّتَ لَا يُبَاعُ بِحَيٍّ ولا بغيره وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى
.
(ويجوز بيع اللحم بجنسه إذا تناهى جفافه ونزع منه العظم لانه يدخر على هذه الصفة فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر وهل يجوز بيع بعضه ببعض قبل نزع العظم فيه وجهان قال أبو سعيد الاصطخري يجوزكما يجوز بيع التمر بالتمر وفيه النوى ومن أصحابنا من قال لا يجوز كما لا يجوز بيع العسل الذي فيه شمع بعضه ببعض ويخالف النوى في التمر فان فيه مصلحة له وليس في ترك العظم في اللحم مصلحة له)
(الشرح) تقدم الكلام في أنه يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بِالطَّرِيِّ وَشَرَعَ الْمُصَنِّفُ الْآنَ يَذْكُرُ حُكْمَهُ إذَا جَفَّ وَجَوَازُ بَيْعِهِ جافا وأشترط التَّنَاهِي فِي الْجَفَافِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ انْتِهَاءَ جَفَافِهِ بِأَنْ يُمَلَّحَ وَيَسِيلَ مَاؤُهُ قَالَ فَذَلِكَ انْتِهَاءُ جُفُوفِهِ فَإِذَا انْتَهَى بِيعَ رِطْلٌ بِرِطْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ مِنْ صِنْفٍ وقد تقدم شئ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا وَجَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إذَا نُزِعَ مِنْهُ الْعَظْمُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَمِمَّنْ نَفَى الْخِلَافَ فِيهِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ إذَا نُزِعَ مِنْهُ النَّوَى حَيْثُ لَا يَجُوزُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِأَنَّ التَّمْرَ إذَا نُزِعَ مِنْهُ النَّوَى يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّمَاثُلِ فِيهِ بِخِلَافِ اللَّحْمِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ التَّمَاثُلِ فِيهِ إذَا نُزِعَ مِنْهُ الْعَظْمُ يَكُونُ أمكن وبأن بقاء النوى في التمر مَصْلَحَتِهِ وَبَقَاءَ الْعَظْمِ فِي اللَّحْمِ مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِمَا فِي الْعَظْمِ مِنْ الْمُخِّ فَلَا يَصِلُ إلَيْهِ الْمِلْحُ ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ الاصحاب أطلقو الْجَوَازَ فِي ذَلِكَ
وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي اللَّحْمَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ الْمِلْحِ مَا يَظْهَرُ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ كَانَا مُمَلَّحَيْنِ بِالْمِلْحِ بِأَنْ ينثر عليهما الملح أو شئ مِنْ الْكُزْبَرَةِ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءُ الْمِلْحِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ.
أَمَّا بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ غَيْرُ مَنْزُوعِ الْعَظْمِ فَالْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ
وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَآخَرُونَ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَعَزَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْمَنْعَ إلى أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ مَعَ نَقْلِهِ الْجَوَازَ عَنْ الْإِصْطَخْرِيِّ وَزَعَمَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ الطَّبَرِيَّ نَسَبَ الْجَوَازَ إلَى أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقِهِ فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ عَلَى الْوَهْمِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالتَّوْجِيهُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَلْ بَقَاءُ الْعَظْمِ يَزِيدُهُ فَسَادًا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَمِمَّنْ صرح بتصحيحه المارودي فِي الْحَاوِي وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَالُوا إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وقال الامام ان إلَيْهِ مِثْلَ الْأَكْثَرِينَ وَخَالَفَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى خِلَافِ مَا قال أبو إسحق وَلَا يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِ التَّهْذِيبِ جَزْمٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ الْمَنْزُوعِ بِغَيْرِ الْمَنْزُوعِ وَلَا بِمِثْلِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ لِخُرُوجِهِ بِالنَّزْعِ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ وَاللَّحْمُ الْمُقَدَّدُ كَامِلٌ سَوَاءٌ نُزِعَ مِنْهُ الْعَظْمُ أَمْ لَمْ يُنْزَعْ وَمِمَّنْ وَافَقَ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ عَلَى تَصْحِيحِ الْجَوَازِ فِي ذَلِكَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشافيى وَقَاسَهُ عَلَى بَيْعِ التَّمْرِ مَعَ النَّوَى وَقَدْ فَرَّقَ بِأَنَّ بَقَاءَ النَّوَى مِنْ مَصْلَحَةِ التَّمْرِ وَلَيْسَ بَقَاءُ الْعَظْمِ مِنْ مَصْلَحَةِ اللَّحْمِ كَذَلِكَ وَهَذَا إنَّمَا جَرَّهُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ (وَأَمَّا) بَيْعُ الْجَافِّ بِالطَّرِيِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْزُوعَ الْعَظْمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَخِذِ بِالْجَنْبِ وَلَا نَظَرَ إلَى تَفَاوُتِ أَقْدَارِ الْعِظَامِ كَتَفَاوُتِ النَّوَى وَقَالَ الْإِمَامُ يَجِبُ أَنْ يَمْتَنِعَ بيع العضو الذى يجئ مِنْهُ مِقْدَارٌ صَالِحٌ مِنْ اللَّحْمِ بِعُضْوٍ لَمْ يقطع من لحمه شئ فَإِنَّ الْعَظْمَ الْبَاقِي فِي الْعُضْوِ لَا يَحْتَمِلُ فَإِنْ قَلَّ الْمِقْدَارُ الْمَقْطُوعُ بِحَيْثُ لَا يُبَالَى بِهِ فَلَا بَأْسَ وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُخْرِجَ الْعَظْمُ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ بِيعَ بِمَا فِيهِ الْعَظْمُ لَا يَجُوزُ.
(فَرْعٌ)
مَا ذَكَرَهُ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ شَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ جِلْدٌ أَمَّا لَوْ كَانَ عليه جلد قال المارودي إنْ كَانَ غَلِيظًا لَا يُؤْكَلُ مَعَهُ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ بِاللَّحْمِ أَيْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَيْعِ لَحْمٍ بِلَحْمٍ مَعَ جَهْلِ الْمُمَاثَلَةِ وَإِنْ كان رقيقا يؤكل كجلود الحدأ وَالدَّجَاجِ فَوَجْهَانِ كَالْعَظْمِ وَلُحُومِ الْحِيتَانِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا بَعْضِهِ بِبَعْضٍ طَرِيًّا وَلَا نَدِيًّا وَلَا مَمْلُوحًا لِأَنَّ الْمِلْحَ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ وَلَكِنْ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إذَا بَلَغَ غَايَةَ يُبْسِهِ غَيْرَ مَمْلُوحٍ فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُهَا فَيَجُوزُ طَرِيًّا وَيَابِسًا وَمَمْلُوحًا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحُوتِ بَعْضُهُ طَرِيًّا وَلَا نَدِيًّا وَلَا مُمَلَّحًا وَلَكِنْ يَجُوزُ إذَا بَلَغَ غَايَةَ يُبْسِهِ غَيْرَ مُمَلَّحٍ.
(فَرْعٌ)
لَوْ ضَمَّ عَظْمًا مِنْ عُضْوٍ آخَرَ إلَى لحم وباعه بلحم آخر فيه عظم اولا عَظْمَ فِيهِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ كَمَا لَوْ ضَمَّ النَّوَى إلى تمر وباع بتمر لا يجوز.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَلَا يَجُوزُ بيع بيض الدجاج بدجاجة في جوفها بيض لانه جنس فيه ربا بيع بما فيه مثله فلم يجز كبيع اللحم بالحيوان) .
(الشرح) الحكم المذكور جزم فيه القاضى وأبو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَنَقَلُوهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالُوا إنَّهُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ وأن الربا يجري في البيض.
قال المارودي إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِنْ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْحَمْلِ هَلْ يَكُونُ تَبَعًا أَوْ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْبَيْضَ كَالْحَمْلِ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّ الْحَمْلَ تَبَعٌ جَازَ بَيْعُ الدَّجَاجَةِ الَّتِي فِيهَا بَيْضٌ بِالْبَيْضِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْحَمْلَ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ بَيْعَ الْبَيْضِ بِالتَّبَعِ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ عَلَّلَ وَالِدِي رحمه الله القول الاول بأنه كالمستهلك مادام فِي جَوْفِهَا وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَيْضًا وَجْهَيْنِ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَلَيْسَ هَذَا دَاخِلًا فِيهِ قَالَ وَيُخَالِفُ اللَّبَنُ لِأَنَّ اللبن
يُمْكِنُ حَلْبُهُ فِي الْحَالِ وَالْبَيْضُ لَا يُمْكِنُ فَلَا يُقَابِلُهُ بِالْعِوَضِ كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَوَافَقَ
الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ إلَّا فِي تَعْبِيرِهِ عَنْ الْخِلَافِ بِالْوَجْهَيْنِ وَسَوَّى الرَّافِعِيُّ بَيْنَ بَيْعِ الْبَيْضِ بِالدَّجَاجِ وَبَيْعِ اللَّبَنِ بِالشَّاةِ وَبَيْعُ الْبَيْضِ بِالدَّجَاجِ الْخَالِي عَنْ الْبَيْضِ جَائِزٌ وَبَيَاضُ الْبَيْضِ وَصَفَارِهِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بيض الدجاج تنبيه على أن البيض جائو وهو الذى قاله الصميرى وَجَعَلَهُ كَالْأَلْبَانِ لِأَنَّهُ يُفَارِقُ بَائِضَهُ حَيًّا وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ بَيْضُ الطُّيُورِ أَجْنَاسٌ إنْ جَعَلْنَا اللحوم أجناسا وان جعلناها واحدا فهى أجناس أَيْضًا الْخِلَافَ كَذَلِكَ وَجَزَمَ بِأَنَّ بَيْضَ الطَّيْرِ لَيْسَ صِنْفًا مِنْ لَحْمِهِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ بَيْضَ السَّمَكِ هَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ لحم السمك لانه لا يُؤْكَلُ مَعَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي أَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ.
وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فِي جَوْفِهَا بَيْضٌ يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَوْفِهَا بَيْضٌ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِبَيْضِ الدَّجَاجِ وَهُوَ
كقولك ببيع الشاه التى لالبن فيها وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله أَنَّ بَيْعَ الْبَيْضِ بِالدَّجَاجَةِ كَبَيْعِ اللَّبَنِ بِالشَّاةِ فَيُفْهَمُ مِنْ جَمِيعِ تِلْكَ التَّفَاصِيلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى إعَادَةِ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْبَيْضَةِ بِالدَّجَاجِ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ بَيْضٌ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لِأَنَّ الْبَيْضَةَ لَمْ تَكُنْ حَيَّةً فَارَقَهَا وَقَصَدَ بِذَلِكَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّحْمِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ بالحيوان.
(فروع) نختم بها باب الربا الهيلج والبليج والاملج والقمونها وَسَائِرُ الْأَدْوِيَةِ رِبَوِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهَا مَطْعُومٌ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَطَعْمُهَا لِرَدِّ الصِّحَّةِ كَمَا أَنَّ طَعْمَ غَيْرِهَا لِحِفْظِ الصِّحَّةِ وَفِي التَّتِمَّةِ حِكَايَةُ وَجْهٍ فِي السَّقَمُونْيَا وَكُلِّ مَا يُهْلَكُ كَثِيرُهُ وَيُسْتَعْمَلُ قَلِيلُهُ وَالطِّينُ الْأَرْمَنِيُّ رِبَوِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِابْنِ كَجٍّ وَالْخُرَاسَانِيِّ لَيْسَ رِبَوِيًّا خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ نَقَلَهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَحَكَمَ السِّيرَافِيُّ حُكْمَ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالطَّفْلُ الْمِصْرِيُّ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ قَالَهُ نَصْرٌ وغيره.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْجَوَابِ عن اعتراض المالكية وقولهم إن كل شئ له طعم قال انا لا نعتبر حاله وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ مَا يُطْعَمُ غَالِبًا.
وَالِاعْتِبَارُ فِي الطعم بما يعد له في حال الاعتدال والرفاهية دون سني الازم وَالْمَجَاعَةِ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ.
(فَرْعٌ)
الرِّبَا يَجْرِي فِي دَارِ الْحَرْبِ جَرَيَانَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بْنُ الْحَسَنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ إنَّمَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُهَاجِرِينَ فَأَمَّا بَيْنَ الْحَرْبِيِّينَ وَبَيْنَ مُسْلِمِينَ لم يهاجرا أو أحداهما فَلَا رِبَا وَقَالَ إنَّ الذِّمِّيَّيْنِ إذَا تَعَاقَدَا عَقْدَ الرِّبَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فُسِخَ عَلَيْهِمَا فَالِاعْتِبَارُ عِنْدَهُ بِالدَّارِ وَعِنْدَنَا الِاعْتِبَارُ بِالْعَاقِدِ فَإِذَا أَرْبَى الَّذِي فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ مَعَ الذِّمِّيِّ لَمْ يُفْسَخْ كَذَا قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ وَهَكَذَا سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه بِحَدِيثِ مَكْحُولٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (لاربا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَبِأَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُبَاحَةٌ لِلْمُسْلِمِ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَالْعَقْدُ أَوْلَى وَدَلِيلُنَا عُمُومُ الْأَدِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلرِّبَا فَلِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الشِّرْكِ كَسَائِرِ الْفَوَاحِشِ وَالْمَعَاصِي وَلِأَنَّهُ
عَقْدٌ فَاسِدٌ فَلَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الْعُقُودُ عَلَيْهِ كَالنِّكَاحِ (قُلْتُ) وَهَذَا الِاسْتِدْلَال إنْ كَانَ أَبُو حنيفة يوافق على فساده وأما حديث (1) فَمُرْسَلٌ إنْ صَحَّ الْإِسْنَادُ إلَى مَكْحُولٍ ثُمَّ هُوَ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يَكُونَ نَهْيًا فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهِ تَحْرِيمَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ وَاعْتُضِدَ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِالْعُمُومَاتِ وَأَمَّا اسْتِبَاحَةُ أَمْوَالِهِمْ إذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَمَمْنُوعَةٌ فَكَذَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَلَوْ فُرِضَ ارْتِفَاعُ الْأَمَانِ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا دَخَلَ دار السلام يُسْتَبَاحُ مَالُهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا يُسْتَبَاحُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ثُمَّ لَيْسَ كُلُّ مَا اُسْتُبِيحَ بِغَيْرِ عَقْدٍ اُسْتُبِيحَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَالْفُرُوجِ تُسْتَبَاحُ بِالسَّبْيِ وَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ.
وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ على أنه لاربا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فَإِنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ غِلَاطٍ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ عِنْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَاجْتَمَعَ بِهِ فِي الْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ الْمَشْهُورَةِ دَلَّ كَلَامُ الْعَبَّاسِ عَلَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ حِينَئِذٍ ثُمَّ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ (وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الرِّبَا الَّذِي مِنْ بَعْدِ إسْلَامِهِ إلَى فَتْحِ مَكَّةَ فَلَوْ كَانَ الرِّبَا الَّذِي بَيْنَ المسلم والحربي موضوعا
(1) كذا بالاصل فحرر
لكان ربا العباس موضعا يَوْمَ أَسْلَمَ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ لَهُ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَبْلِ إسْلَامِهِ فَيَكْفِي حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ ثَمَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ اسْتَمَرَّ عَلَى الرِّبَا وَلَوْ اسلم اسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنْشَاءَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَتَقْرِيرَهَا مِنْ يَوْمئِذٍ.
(فَرْعٌ)
جَرَيَانُ الرِّبَا فِيمَا لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ ثَبَتَ الرِّبَا بِعِلَّةِ الْأَصْلِ أَوْ بِعِلَّةِ الِاشْتِبَاهِ فَمِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّمَا جَعَلَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ الرِّبَا بِعِلَّةِ الِاشْتِبَاهِ لِأَنَّهُ قَالَ وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا غَيْرَ مَا سُمِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ الْمَأْكُولِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا سَمَّى فَجَعَلَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الرِّبَا بَعْدَ الْأَصْلِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا وَمَا خَرَجَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فَقِيَاسُهُ عَلَى مَا يُؤْكَلُ ويكال أولى من قياسه على مالا يُكَالُ وَلَا يُؤْكَلُ فَجَعَلَهُ مُلْتَحِقًا بِالْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ الشَّبَهِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ تَرْجِيحًا لِلْعِلَّةِ (قُلْتُ) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْآخَرُونَ هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ
ان شاء الله وَمَقْصُودُهُ بِذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الْمَأْكُولَ الْمَوْزُونَ لَا يُقَاسُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِعِلَّةِ الْوَزْنِ بَلْ يُقَاسُ عَلَى الْمَأْكُولِ الْمَكِيلِ فَيَكُونُ الْوَزْنُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ مِنْ نَصِّهِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْآجَالِ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ بِأَنَّ فِي مَعْنَى مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ كُلَّ مَكِيلٍ وَمَشْرُوبٍ بِيعَ عَدَدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَانِ القولان حكاهما الماوردى وقال الرويانى قال الماسرخسى قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَا رَجَعَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه عَنْ عِلَّتِهِ فِي الْقَدِيمِ وَإِنَّمَا أَلْحَقَ الْمَطْعُومَاتِ مِنْ الْمَعْدُودَاتِ بِهَا مِنْ طَرِيقِ عليه الشبه المسألة عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فَأَفَادَ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ أَنَّ الْأَوَّلِينَ يَقُولُونَ بِعَدَمِ رُجُوعِ الشَّافِعِيِّ عَنْ عِلَّتِهِ في القديم بل ألحق بها شئ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ يَعْتَضِدُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَقِيبَ مَذْهَبِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَهَذَا صَحِيحٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْجَدِيدِ لِأَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْقَدِيمِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ يُشْتَرَطُ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَقَالَ ابن داود في الشرح الْمُخْتَصَرِ مُجِيبًا عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ مَا دَامَ يَجِدُ زِيَادَةَ تَقْرِيبٍ وَاجْتِمَاعٍ فِي الْمَعَانِي بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَالَ بذلك وحيث عَدَمِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ قَالَ بِعِلَّةِ الطَّعْمِ الْعَامِّ ان وجده فِي مِثْلِ الْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ بِالطَّعْمِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ (قُلْتُ) وَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِعِلَلٍ مُخْتَلِفَةٍ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَنَظِيرُهُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ الْمَطْعُومَاتِ الْمَكِيلَةَ مَقِيسَةٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ نَقِيسُ الْمَطْعُومَاتِ الْمَوْزُونَةَ عَلَى الْمَطْعُومَاتِ الْمَكِيلَةِ وَالْمَوْزُونَاتِ ثُمَّ نَقِيسُ الْمَطْعُومَاتِ النَّادِرَةِ عَلَى الْمَطْعُومَاتِ الْعَامَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَوْزُونَةٍ وَلَا مَكِيلَةٍ وانما رتبنا هذا الترتيب لان الشئ انما يقاس بالشئ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُشَابَهَةٌ كَثِيرَةٌ أَوْ مُشَابَهَةٌ باخص أوصافه إذا الْقِيَاسُ تَشْبِيهٌ وَتَمْثِيلٌ فَنَقِيسُ الْمَكِيلَاتِ غَيْرَ الْمَنْصُوصِ عليها لِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ ثُمَّ نَقِيسُ عليها الموازنات لانها تشبهها في أن كلا منها مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ (فَإِنْ قُلْتَ) وهذا الكلام الذى نقلتموه عن الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ الثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ مِنْهُ الْمَعْنَى الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ وَيُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ (قُلْتُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ إنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَعْنًى غَيْرَ الْمَعْنَى الَّذِي قِيسَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِثْلَ قِيَاسِ الْأُرْزِ عَلَى الْبُرِّ بِعِلَّةِ الطَّعْمِ
ثُمَّ يُسْتَنْبَطُ مِنْ الْأُرْزِ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْمَاءُ عَنْهُ فَيُقَاسَ عَلَيْهِ النَّيْلُوفَرُ فِيهِ وَجْهَانِ (مِنْ أَصْحَابِنَا) مَنْ قَالَ يَجُوزُ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَقَدْ بَصُرْتُ فِي التَّبْصِرَةِ جَوَازَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْخَطِيبِ الْمَنْعَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي يُلْحَقُ بِهَا الْأَصْلُ الْقَرِيبُ بِالْأَصْلِ الْبَعِيدِ إنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي يُلْحَقُ بِهَا الْفَرْعُ بِالْأَصْلِ الْقَرِيبِ أَمْكَنَ رَدُّ الْفَرْعِ إلَى الْأَصْلِ الْبَعِيدِ فَيَصِيرُ الْقَرِيبُ لَغْوًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا لَزِمَ تعليل الاصل القريب بعلتين (احدهما) عَدِيمَةُ الْأَثَرِ وَهِيَ الَّتِي لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي الْأَصْلِ الْبَعِيدِ وَيَمْتَنِعُ التَّعْلِيلُ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا التَّعْلِيلَ بعلتين مستنبطين أولا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَوِّيًا لِمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مِثَالُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَطِيبِ إنَّ ذِكْرَ الْقَرِيبِ يَكُونُ لَغْوًا مَمْنُوعٌ
بَلْ ذَلِكَ لِقُوَّةِ التَّقَارُبِ بَيْنَهُمَا الَّذِي هو المقصود في القياس فان مابين الْمَطْعُومِ النَّادِرِ الَّذِي لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وبين المطعوم غالبا لمكيل أَوْ الْمَوْزُونُ أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَطْعُومِ الْعَامِّ الَّذِي لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَكَانَ إلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى نَعَمْ مَا قَالَهُ ابْنُ الْخَطِيبِ يُقَرَّرُ فِي حَقِّ الْمُنَاظِرِ الَّذِي يَقْصِدُ دَفْعَ خَصْمِهِ بِأَقْرَبِ الطُّرُقِ وَمَا قُلْنَاهُ أَقْرَبُ الطرق إلَى طَرِيقَةِ الْمُنَاظِرِ الَّذِي يَقْصِدُ تَحْقِيقَ الْأَشْيَاءِ وَتَقْرِيبَ الْمَأْخَذِ مِمَّا أَمْكَنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ثُمَّ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ
وَابْنِ دَاوُد الشَّارِحِ لَهُ مَا يَقْتَضِي وُرُودَ هَذَا السُّؤَالِ عَلَيْهِ بَلْ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ أَلْحَقَ الْقَرِيبَ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِهِ ثُمَّ أَلْحَقَ الْبَعِيدَ بِهِمَا لَا بِالثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ وَحْدَهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْعِلَلَ لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً وَلَكِنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ وَالْمُسْتَنْبَطُ لَا يَدَّعِي الْعُبُورَ عَلَى الْعِلَّةِ قَطْعًا فَإِلْحَاقُ المطعوم المكيل بالمنصوص عليه لاشك أَنَّهُ أَقْوَى وَأَشَدُّ شَبَهًا فَيَكُونُ الظَّنُّ الْحَاصِلُ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ أَتَمَّ وَالْمَطْعُومُ غَيْرُ الْمَكِيلِ قَارٌّ فِيهِ وَصْفٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا وَإِنْ كَانَ قَدْ تَرَجَّحَ خِلَافُهُ فَكَذَلِكَ بَعْدُ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً لَمْ يَكُنْ لِهَذَا التَّرْتِيبِ مَعْنًى بَلْ حَيْثُ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ الْمَنْصُوصَةُ أُلْحِقَ بِالْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ فِيهِ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قِيلَ حَدُّ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا كُلُّ مَا يُبَاحُ تَنَاوُلُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى هَيْئَةِ مَا يُقْصَدُ تَنَاوُلُهُ تَغَذِّيًا أَوْ ائْتِدَامًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعَ لِأَنَّهَا تُقْصَدُ لِنَفْعِ الْبَدَنِ.
(فَرْعٌ)
مَا يَأْكُلُهُ بَنُو آدَمَ وَالْبَهَائِمُ جَمِيعًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ أَغْلَبُ حَالَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَكْلَ الْآدَمِيِّينَ فَفِيهِ الرِّبَا كَالشَّعِيرِ وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَكْلَ الْبَهَائِمِ فَلَا قَالَ الرُّويَانِيُّ كَالرَّطْبَةِ وَإِنْ اسْتَوَتْ حَالَتَاهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى وجهين (الصحيح) أن فيه الربا ولاربما فيما تأكله البهائم كالقرط والنوى والحشيش.
(فرع)
لاربا فِي الرَّيْحَانِ وَالنَّيْلُوفَرِ وَالنِّرْجِسِ وَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ إلَّا أن يذيب شئ مِنْهَا بِالسُّكَّرِ أَوْ الْعَسَلِ وَلَا فِي الْعُودِ وَالصَّنْدَلِ وَالْكَافُورِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَلَا الْعُصْفُرِ وَالْحِنَّاءِ ولافى القرطم عند الصيمري ولافى آس واذخر والخضروات الَّتِي تُؤْكَلُ فِي الرَّبِيعِ وَيَثْبُتُ الرِّبَا فِي الْأُتْرُجِّ وَاللَّيْمُونِ وَالنَّارِنْجِ وَاللِّبَانِ وَالْعِلْكِ وَالْمَصْطَكَى وَفِيهِ وَجْهٌ فِي الْمَجْرِ قَالَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ وَاللَّوْزُ وَالْمُرُّ وَالْحَبَّةُ الْخَضْرَاءُ وَالْبَلُّوطُ وَالْقِثَّاءُ وَحَبُّ
الْحَنْظَلِ والهيلج والبيلج والشراملج قاله الصيمري والدخن الجاروس والخردل والشونيز والشهرابح وَالْبُطَمُ وَالزَّنْجَبِيلُ الْمُرَبَّى وَالسَّقَمُونْيَا وَجْهٌ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرِبَوِيَّةٍ وَالطَّرِبُونَ وَالْجَزَرُ وَالثُّومُ وَالْبَصَلُ والدآه والهنسل وفى السقمويا وَنَحْوِهِ وَفِي مَاءِ الْوَرْدِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُرْطُمِ وَحَبِّ الْكَتَّانِ وَالصَّمْغِ وَبِزْرِ الْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَالسَّلْجَمِ والماء والادهان المطببة وَالْبُرْدِ وَدُهْنِ السَّمَكِ وَصِغَارِ السَّمَكِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَالطِّينِ الَّذِي يُؤْكَلُ تَفَكُّهًا وَهُوَ الْأَرْمَنِيُّ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ بَعْضُ مَيْلٍ إلَى أَنَّ دهن السَّمَكِ مَطْعُومٌ فِيهِ وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ إنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ رِبَوِيٌّ فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى الْعَادَةِ فِي انْصِرَافِهِ عَنْ الطَّعْمِ قَالَ وَهَذَا غَامِضٌ عَلَيْهِمْ قَالَ والوجه عندنا تخريج من هَذَا الْفَرْعِ عَلَى الْخِلَافِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَصْلِ الْمَأْكُولِ وَبَيْنَ الِانْصِرَافِ عَنْ الْأَصْلِ لِغَرَضِ الْعَادَةِ قَالَ الْإِمَامُ إنْ مَنَعْنَا بَلْعَ السَّمَكَةِ حَيَّةً فَلَيْسَ السَّمَكُ مَالَ رِبًا وَإِنْ جَوَّزْنَا بلعها فقد
تَرَدَّدَ شَيْخِي فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بأنه لا ربا فيها لانها لاتعد لِهَذَا وَفَرَّقَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَإِنَّ الصِّغَارَ هِيَ الَّتِي تُبْتَلَعُ فَلِذَلِكَ قَصَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْغَايَةِ الْخِلَافَ عَلَيْهَا وَجَزَمَ فِي الْكِبَارِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرِبَوِيَّةٍ وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي السَّمَكِ الصَّغِيرِ إذَا جَوَّزْنَا ابْتِلَاعَهُ وَفِي الْجَرَادِ الْحَيِّ بِجَرَيَانِ الرِّبَا فِيهِمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ جَرَادَةٌ بِجَرَادَةٍ يَعْنِي فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ وَرَأَيْتُ فِي الْحَاوِي مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي السَّمَكِ الْكِبَارِ أَيْضًا لِأَنَّ حَيَّ السَّمَكِ فِي حُكْمِ مَيِّتِهِ وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) كَمَا رَأَيْتُهُ فِي الْحَاوِي فِي الْقُرْطُمِ وَحَبِّ الْكَتَّانِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَكَذَلِكَ فِي الْبُذُورِ الْأَرْبَعَةِ وَفِي ماء الزنجيل وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الحاوى أن الاصح لاربا فِي الْقُرْطُمِ وَحَبَّ الْكَتَّانِ وَفِي الزَّنْجَبِيلِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَعِنْدِي الْأَصَحُّ فِي حَبِّ الْكَتَّانِ جريان الربا لانه يؤكل عادة وليست (1) وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّمْغَ رِبَوِيٌّ قال الصيمري لاربا في دهن القرطم والقرع والبان والمحلب ولآس لان أصولها لاربا فِيهَا (قُلْتُ) أَمَّا الْقُرْطُمُ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ المارودي أَنَّ الْأَصَحَّ كَوْنُهُ رِبَوِيًّا (وَأَمَّا) الْقَرْعُ فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ رِبَوِيٌّ عَلَى الْجَدِيدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَدُّهُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ مَا لَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ وَقَدْ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ صَرِيحًا وَهُوَ مُشْكِلٌ وَفِي الطِّينِ الَّذِي يُؤْكَلُ
تَفَكُّهًا تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ دُهْنُ الْبَنَفْسَجِ رِبَوِيٌّ وَفِي دُهْنِ الْوَرْدِ وَجْهَانِ
قَالَ الْإِمَامُ وَلَسْتُ أَفْهَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَعَلَّهُ لِأَنَّ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ يُتْرَكُ ضِنَةً بِخِلَافِ دُهْنِ الْوَرْدِ لَا يُتْرَكُ لِلضِّنَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مُرَادَهُ بِدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ الْمَعْلُوفُ الَّذِي يُطْبَقُ بِالسِّمْسِمِ وَيُعْصَرُ وَبِدُهْنِ الْوَرْدِ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الْوَرْدُ وَيَمْتَزِجُ بِهِ وَالْحَقُّ التَّسْوِيَةُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ قَوْلَ الْإِمَامِ وَلَسْتُ أَفْهَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا قَالَ لَا يَتَّجِهُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْعَادَةِ فَلَعَلَّ الْعَادَةَ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ وَعُرْفِ النَّاسِ فِيهِ أَنَّ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ يُؤْكَلُ أَوْ يَسْتَصْلِحُونَهُ لِلْأَكْلِ ثُمَّ يَتْرُكُونَ أَكْلَهُ ضِنَةً بِهِ فَلِهَذَا كَانَ رِبَوِيًّا عِنْدَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالْعَادَةُ فِي دُهْنِ الْوَرْدِ مُضْطَرِبَةٌ أَوْ لَيْسَ مَأْكُولًا عِنْدَ غَالِبِ النَّاسِ فَلِهَذَا تَرَدَّدَ فِيهِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَهَذَا الْخِلَافُ قَرِيبٌ مِنْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيمَا يَحْرُمُ على المحرم اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فَإِنَّا ذَكَرْنَا خِلَافًا فِي دُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَدُهْنِ الْوَرْدِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَتَّبَ الْخِلَافَ وفرق بعادة الناس.
قال الامام وَذَكَرَ الْإِمَامُ وَجْهَيْنِ فِي اللِّبَانِ وَدُهْنِهِ وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّ دُهْنَ اللِّبَانِ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ وَالظَّاهِرُ مَا قَالُوهُ.
(فَرْعٌ)
الْوَزْنُ عِنْدَنَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلرِّبَا فَيَجُوزُ عِنْدَنَا بَيْعُ رِطْلِ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْنِ وَثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ وَرِطْلِ نُحَاسٍ بِرِطْلَيْنِ وَحَيَوَانٍ بِحَيَوَانَيْنِ نقدا ونسئا ولا يشترط أن يكون بين الْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَيْنَ رَأْسِ السَّلَمِ تَفَاوُتٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ ثَوْبًا فِي ثَوْبٍ مِثْلِهِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ.
(فَرْعٌ)
هَلْ يَحْرُمُ أَكْلُ الطِّينِ قَالَ الرُّويَانِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَحْرُمُ الطِّينُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ طَبَرِسْتَانَ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الزُّجَاجِيِّ وَالْإِمَامَيْنِ جَدِّي وَوَالِدِي رحمهم الله وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَحْرُمُ وَلَكِنْ يُكْرَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَضُرَّ لِقِلَّتِهِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَضُرُّ فَهُوَ حَرَامٌ وَبِهِ أُفْتِي وَسَمِعْتُ الشَّيْخَ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ بِنَيْسَابُورَ يَقُولُ لَمْ يَصِحَّ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في تَحْرِيمِ قَلِيلِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي انْتَهَى كَلَامُ الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ.
وَذَكَرَ الْأَوَّلُونَ حَدِيثًا لَمْ أَسْتَحْسِنْ نَقْلَهُ لِنَكَارَتِهِ ثُمَّ بَدَا لِي
أَنْ أَقُولَهُ وَأُنَبِّهَ عَلَيْهِ قَالَ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ (أَكْلُ الطِّينِ حَرَامٌ عَلَى أُمَّتِي) وَرُوِيَ (إذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا أَلْهَمَهُ أَكْلَ الطِّينِ وَنَتْفَ اللِّحْيَةِ)(فَائِدَةٌ) أَرْبَعُ مَسَائِلَ خِلَافِيَّةٍ تَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْعُ كَفِّ حِنْطَةٍ بِكَفَّيْ حِنْطَةٍ وَسَفَرْجَلَةٍ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ وَالْجِصِّ بِالْجِصِّ مُتَفَاضِلًا وَالْحَدِيدِ بِالْحَدِيدِ متفاضلا والمسألتان الاولتان مُمْتَنِعَتَانِ عِنْدَنَا جَائِزَتَانِ عِنْدَهُ وَالْأُخْرَيَانِ بِالْعَكْسِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ فِي النَّقْدَيْنِ قِيَمُ الْوَزْنِ وَفِي الْأَرْبَعِ الْكَيْلُ فَيَتَعَدَّى إلَى كُلِّ مَوْزُونٍ وَمَكِيلٍ وَعِنْدَنَا الْعِلَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْأَشْيَاءِ غَالِبًا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِمَا وَفِي الاربعة (1) فَتَعَدَّتْ إلَى الْمَطْعُومِ دُونَ الْمَكِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الشَّعِيرُ فِي سُنْبُلِهِ لَا يُقَدَّرُ فَإِذَا فرعنا على القديم الْوَجْهُ عِنْدِي مَنْعُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُقَدَّرُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى حاله هذه وليس كالجوز مادام صحيحا وهذا تفريعا
(1) كذا بالاصل فحرر
* على القديم وأما الجديد فكل مطعوم وان كان لايقر يَمْتَنِعُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَدَدًا وَهَلْ يَجُوزُ وزنا فيه وجها
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ هُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ (الْأَصَحُّ) كَمَا قَالَ الْإِمَامُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَلَوْ خِيفَ فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ
(فَوَائِدُ) قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ رضي الله عنه أَنَّ الْخِلَافَ فِي عِلَّةِ الرِّبَا عَلَى مَذَاهِبَ وَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْقَوْلِ فِي النَّقْدَيْنِ وَالْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَالْأَرْبَعَةُ مُجْتَمِعَةٌ فِي مَقْصُودِ الطَّعْمِ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ عِنْدَنَا وَالنَّقْدَانِ مجتمعان في جوهر النقدية لان التبرليس نقدافى عَيْنِهِ وَكَذَلِكَ الْحُلِيَّ وَالْأَوَانِي فَإِنَّ الرِّبَا جَارٍ فِيهَا لِنَصِّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ يَعُمُّ الْمَطْبُوعَ وَغَيْرَ الْمَطْبُوعِ.
وَعِبَارَةُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي ذَلِكَ أَحْسَنُ قَالَ لخصت منها عبارة جامعة للكل وهوأن الْعِلَّةَ فِي النَّقْدَيْنِ جَوْهَرٌ
يُطْبَعُ مِنْهُ قِيَمُ الْأَشْيَاءِ.
قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِي إنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَيْسَا بِمُعَلَّلَيْنِ وَالرِّبَا فِيهِمَا لِعَيْنِهِمَا لَا لِعِلَّةٍ فِيهِمَا وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه بِالثَّمَنِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ لَا تَعْدُوهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرِّبَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَزَادَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ رِبًا رَابِعًا وَهُوَ كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا (فَائِدَةٌ) تَعَلَّقَ مَنْ قَالَ إنَّ الْعِلَّةَ الْوَزْنُ فِي الْمَوْزُونِ وَالْكَيْلُ فِي الْمَكِيلِ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا على خيبر فجاءهم بتمر خبيث فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ
وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلُ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ وكذلك التمر ان قالول أَرَادَ الْمَوْزُونَ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ اسْتِوَاءُ الْوَزْنِ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي بَيَّنَ الرِّبَا فِيهَا فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ وَوَرَدَ فِي رِوَايَةٍ وَكَذَلِكَ كل مايمال أَوْ يُوزَنُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ اه.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَا وُزِنَ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَمَا كِيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عن الربيع هكذا وهو ابن صبح هَكَذَا وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ فَرَوَوْهُ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِلَفْظٍ غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ.
وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ مَقْصُورٌ وَعَنْ الْقَلَعِيِّ أَنَّهُ يُفْتَحُ وَيُمَدُّ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الرِّبَا فِي الشَّرْعِ أَخْذُ مَالٍ مَخْصُوصٍ بِغَيْرِ مَالٍ بِإِزَائِهِ وَلَا تَقَرُّبَ إلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى وَلَا إلَى الْخَلْقِ قَالَ فَأَخْرَجْنَا بِخُصُوصِ مَا لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا بِلَا تَقَرُّبٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الصَّدَقَةَ وَإِلَى الْخَلْقِ الْهَدِيَّةَ وَالْهِبَةَ (قُلْتُ) وَهَذَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْقِمَارُ بَلْ هَذَا هو حد القمار فانهم ذكرو الْفَرْقَ بَيْنَ الْقِمَارِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْقِمَارَ (1) وَإِنَّمَا الْحَدُّ الصَّحِيحُ لِلرِّبَا فِي الشَّرْعِ مَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ كَتَبْتُهُ فِي غير هذا.
والجاروس - بِالْجِيمِ - وَالسِّينِ - الْمُهْمَلَةِ الْحَبُّ الَّذِي يُعْصَرُ مِثْلُ الدَّخَنِ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الدَّخَنِ فِي جَمِيعِ أحواله وهو ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ وَهُوَ مُعْرَبٌ كَاوَرْسَ حَكَى ذَلِكَ عن مجمع البحرين الفرغالى (فَائِدَةٌ) اُشْتُهِرَ عَنْ مَذْهَبِنَا التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا تَعْلِيلُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ بِالنَّقْدِيَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ إنْ كان كلام الشارع
(1) كذا بالاصل فحرر
نَصًّا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فَلَا يُرَى لِلْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَقْعًا وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ عَنْ الْحُكْمِ بِفَسَادِهَا وانما تفيد إذَا كَانَ قَوْلُ الشَّارِعِ ظَاهِرًا يَتَأَتَّى تَأْوِيلُهُ وَيُمْكِنُ تَقْدِيرُ حَمْلِهِ عَلَى الْكَثِيرِ مَثَلًا دُونَ الْقَلِيلِ فَإِذَا سُحِبَتْ عَلَيْهِ تَوَافَقَ الظَّاهِرُ عِصْمَتَهُ مِنْ التَّخْصِيصِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى لَا تَنْزِلُ مَرْتَبَتُهَا عَنْ الْمُسْتَنْبَطَةِ الْقَاصِرَةِ ثُمَّ فِيهِ رَيْبٌ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ كَانَ مُتَعَرِّضًا لِلتَّأْوِيلِ وَلَوْ أُوِّلَ لخرح بَعْضُ الْمُسَمَّيَاتِ وَلَأُزِيلَ الظَّاهِرُ إلَى مَا هُوَ نص فيه العلة فِي مَحَلِّ الظَّاهِرِ كَأَنَّهَا ثَابِتُهُ فِي مُقْتَضَى النَّصِّ مِنْهُ مُتَعَدِّيَةٌ إلَى مَا اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِيهِ عَاصِمَةٌ لَهُ عَنْ التَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ فَكَانَ ذَلِكَ إفَادَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا حَقِيقِيًّا وَلَا يَتَّجِهُ غَيْرُ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ ثُمَّ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ) الْحَدِيثُ نَصٌّ أَوْ ظَاهِرٌ فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ نَصٌّ بَطَلَ التَّعْلِيلُ بِالنَّقْدِيَّةِ وَإِنْ كَانَ ظاهرا وان كان ظاهرا فالامة مجتمعة عَلَى إجْرَائِهِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَقَدْ صَارَ بِقَرِينَةِ الْإِجْمَاعِ نَصًّا (قُلْتُ) أَمَّا الْحَظُّ الْأُصُولِيُّ فَقَدْ وَفَّيْنَا بِهِ وَالْأُصُولُ لَا تَصِحُّ عَلَى الْفُرُوعِ فَإِنْ تَخَلَّفَتْ مَسْأَلَةٌ فَلْيُمْتَحَنْ بِحَقِيقَةِ الْأُصُولِ فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلْيُطْرَحْ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْأَنْبَارِيُّ الشَّارِحُ وَقَالَ إنَّ الْقَاصِرَةَ مُقَيَّدَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً مِنْ ظَاهِرٍ أَوْ مِنْ نَصٍّ وَقَوْلُ الْإِمَامِ يَلْزَمُ
مِنْهُ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلتَّخْصِيصِ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْقَاصِرَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَرَقِّيَةً فِي الرجحان عن رتبتها وهذا غير ما يهيؤا لَأَنْ تَكُونَ مُعَارَضَةً لِلْمُتَعَدِّيَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَاصِرَةَ مُقَيَّدَةٌ مُطْلَقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنْ قَوَاعِدِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ الْوُقُوفَ عَلَى حِكْمَةِ النَّصِّ وَكَوْنَ حكمها متعد إلَى غَيْرِهَا وَأَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ مَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَعْنَى فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَيْهِ فَهَذِهِ ثَلَاثُ فوائذ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ فِي مَنْعِهَا التَّخْصِيصَ فِي الظَّاهِرِ فَائِدَةٌ أُخْرَى جَلِيلَةٌ لَكِنَّا نَقُولُ لَا تَنْحَصِرُ الْفَائِدَةُ فِيهَا (وَقَوْلُهُ) إنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى إجْرَائِهِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَصَارَ كَالنَّصِّ (يُمْكِنُ) أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَلِيلَ إذَا انْتَهَى فِي الْقِلَّةِ إلَى حَدٍّ لَا يُوزَنُ لَا تُجْمِعُ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ يُخَالِفُ فِيهِ كَمُخَالَفَتِهِ فِي بَيْعِ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ بَيْعُ دُرَّةٍ بِدُرَّةٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَذَا قَالَ الْفَرْغَانِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مِنْ كُتُبِهِمْ فَيُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْعِلَّةِ وَهِيَ جِنْسُ الْأَثْمَانِ فِي ذَلِكَ وَمُنِعَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ فِيهِ وَتَحْصِيلُ الفائدة التى حاولها
الامام والا فآخر كلامه الْمَذْكُورِ فِي الْبُرْهَانِ يُشِيرُ إلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِعَدَمِ الْجَرَيَانِ عَلَى الْقَانُونِ الَّذِي مَهَّدَهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَرَى أَنْ يُضِيفَ الْحُكْمَ إلَى الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَهِيَ الْوَزْنُ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْوَزْنِ بَاطِلٌ بِوُجُوهٍ تَخُصُّهُ (مِنْهَا) أَنَّهُ طَرْدٌ لَا مُنَاسَبَةَ
فِيهِ (وَمِنْهَا) جَوَازُ إسْلَامِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الموزونات فَلَيْسَ بُطْلَانُ الْمُتَعَدِّيَةِ هُنَا بِمُعَارَضَةِ الْقَاصِرَةِ لَهَا (وَأَمَّا) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ يُرَجِّحُ الْقَاصِرَةَ عَلَى الْمُتَعَدِّيَةِ لِمُعَارَضَةِ النَّصِّ لها وَالْجُمْهُورُ يُرَجِّحُونَ الْمُتَعَدِّيَةَ وَامْتَنَعَ آخَرُونَ مِنْ التَّرْجِيحِ مِنْ جِهَةِ التَّعَدِّي وَالْقُصُورِ قَالَ الْأَنْبَارِيُّ وَهُوَ الصيحيح وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ الْعِلَلُ بِقُوَّتِهَا فِي نَفْسِهَا وَاضْطَرَبَ كَلَامُ الْإِمَامِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَتَارَةً يَمِيلُ إلَى التَّعَبُّدِ وَإِبْطَالِ التَّعْلِيلِ وَأَخْذِ الرِّبَا فِي كُلِّ الْمَطْعُومَاتِ مِنْ قَوْلِهِ (لَا تبيعوا الطعام بالطعام) وَتَارَةً يَمِيلُ إلَى الْقِيَاسِ وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ مُضْطَرِبٌ وَكَأَنَّهُ شَوَّشَ عَلَيْهِ عَدَمُ ظُهُورِ فَائِدَةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ أَبْدَيْنَاهُ في محل الاخلاف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله وَعَنْ الْأَوْدَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ تَابَعَ ابْنَ سِيرِينَ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ الْجِنْسِيَّةُ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ مَالٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْأَوْدَنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يُشْتَرَطُ الطَّعْمُ انْتَهَى مَا قَالَاهُ وَأَنَا أَخْشَى أَنْ يَكُونَ غَلَطًا فَإِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الجنسية والطعم شرطها وجعل ذلك مقابلا لم قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ الطعم والجنس محلها
والشرط عدم التساوى والمعلول فَسَادُ الْعَقْدِ وَلِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ وَالشَّرْطُ عَدَمُ التَّسَاوِي وَالْمَعْلُولُ الْفَضْلُ فَلَعَلَّ مَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ اقْتَصَرَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ الْجِنْسَ عِلَّةٌ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ تَوَهَّمَ مَنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ بِمُجَرَّدِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّعْمُ وَأَنَّهُ موافق لابن سيرين والله تعالى أعلم.
(باب بيع الاصول والثمار)
الاصول ههنا الْمُرَادُ بِهَا الْأَشْجَارُ وَكُلُّ مَا يُثْمِرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ إنَّ اسْمَ الْأَصْلِ يَشْمَلُ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ مَعًا وَالثِّمَارُ.
وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْبَابِ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
بَيَانُ حُكْمِ الْأُصُولِ إذَا بِيعَتْ فِيمَا يَكُونُ تَابِعًا لَهَا وَفِيمَا لَا يَكُونُ وَفِي حُكْمِ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ النَّظَرُ وَقَدْ بَوَّبَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه عَلَى ذَلِكَ فِي الْأُمِّ بَابَ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ فَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ حَلَّهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَيْعُ الْأُصُولِ
(وَالثَّانِي)
الْكَلَامُ فِي الثِّمَارِ إذَا بِيعَتْ وَمَا يختص بها من الشروط التى لا تشترط في غيرها من الْمَبِيعَاتِ فَإِنَّ شُرُوطَ الْمَبِيعِ (مِنْهَا) مَا هُوَ عام وهى الخمسة التى ذكرها فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (وَمِنْهَا) مَا يختص بالربوبات وَأَفْرَدَ لَهُ بَابَ الرِّبَا
وَقَدَّمَهُ عَلَى هَذَا الْبَابِ لِعُمُومِهِ لِإِمْكَانِهِ فِي كل وقت وشدة خطره لقيام الاجماع على (وَمِنْهَا) مَا يَخْتَصُّ بِالثِّمَارِ فَأَفْرَدَهُ فِي هَذَا الباب وبدت علة الشافعي بأن الْوَقْتُ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ وَجَعَلَهُ عَقِيبَ بَابِ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ فَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ الْأُصُولِ فِي بَابٍ وَاحِدٍ لِتَعَلُّقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَقَدَّمَ الْأُصُولَ عَلَى الثِّمَارِ تَأَسِّيًا بِالشَّافِعِيِّ وَلِأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ طَبْعًا وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَابِ بَيْعُ الثِّمَارِ لِبَيَانِ شَرْطِهِ فَلَعَلَّهُ قَدَّمَ بَيْعَ الْأُصُولِ فِي مُخْتَصَرِ التَّفْرِيعِ بَعْدَهُ بِمَقْصُودِ الْبَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَقَعْ الْكَلَامُ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ مُخْتَصَرًا بَلْ طَالَ أَكْثَرَ مِنْ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ بَلْ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ تَبْوِيبِ الشَّافِعِيِّ وَهُمَا مَقْصُودَانِ وَاسْتَلْزَمَ الْكَلَامُ فِي الْأُصُولِ الْكَلَامَ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ بَيْعَ الْأُصُولِ قَدْ يَكُونُ مُسْتَقِلًّا وَقَدْ يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بَعْدَ أَنْ قَالَ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ قَالَ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ إلَى آخِرِهِ فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَبَعِيَّةَ الثِّمَارِ لِلْأُصُولِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إفْرَادُ الْأُصُولِ بِالْعَقْدِ بَلْ يَشْمَلُ صُورَةَ إفْرَادِهَا وَصُورَةَ مَا إذَا كَانَتْ تَابِعَةً لِلْأَرْضِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَابِعَةً فَيَدُلُّ عَلَى الصُّورَةِ الْأُخْرَى بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَاسْتُطْرِدَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُهَذَّبِ إلَى مَا يَتْبَعُ لَفْظَ الْأَرْضِ أَوْ نَحْوِهَا من
غَيْرِ الثِّمَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي هِيَ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى الثِّمَارِ كالزروع والخوابى وَالْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَعَرَّضَ الشَّافِعِيُّ فِي مَسَائِلِ الْبَابِ إلَيْهَا وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ فِي بَيْعِ الارض لانه مستلزم لبيع الاصول المستلزم لبيع الثِّمَارَ وَهُوَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَذْكُورٌ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ وَلَا يُسْتَنْكَرُ كَوْنُ الدَّاخِلِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ يُسَمَّى مَبِيعًا لِأَنَّهُ إنَّمَا انْتَقَلَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَأَيْتُ التَّرْجَمَةَ الْأُولَى
وَهِيَ أَنَّ بَيْعَ الْأُصُولِ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ بِشْرِي الْمِصْرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمُخْتَصَرِ الْمُنَبِّهِ مِنْ عِلْمِ الشافعي.
قال المصنف رحمه الله.
(إذا باع أرضا وفيها بناء أو غراس نظرت فان اقل بعتك هذه الارض بحقوقها دخل فيها البناء والغراس لانه من حقوقها وان لم يقل بحقوقها فقد قال في البيع يدخل وقال في الرهن لا يدخل واختلف أصحابنا فيه على ثلاث طرق (فمنهم) من قال لا يدخل في البيع لان الارض ليست بعبارة عن الغراس والبناء وتأول قوله في البيع عليه إذا قال بحقوقها (ومنهم) من نقل جوابه في الرهن إلى لبيع وجوابه في البيع إلى الرهن وجعلهما على قولين
(أحدهما)
لا يدخل في الجميع لان الارض اسم للعرصة
دون ما فيها من الغراس والبناء
(والثانى)
يدخل لانه متصل بها فدخل في العقد عليها كسائر أجزاء الارض (ومنهم) من قال في البيع يدخل وفى الرهن لا يدخل لان البيع عقد قوى يزيل الملك فدخل فيه الغراس والبناء والرهن عقد ضعيف لا يزيل الملك فلم يدخل فيه الغراس والبناء) .
(الشَّرْحُ) الْأَرْضُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ اسْمُ جِنْسٍ لَمْ يَأْتِ وَاحِدُهُ بِالْهَاءِ وَالْغِرَاسُ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّجَرِ يُقَالُ غَرَسْتُ الشَّجَرَ أَغْرِسُهُ وَيُقَالُ لِلنَّخْلَةِ أَوَّلَ ما تنبت غريسة اله الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ الْعَرْصَةَ أَوْ السَّاحَةَ أَوْ الْبُقْعَةَ وَكَانَ فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ غِرَاسٌ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَالَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِمَا فِيهَا أَوْ مَعَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ حُدُودُهَا أَوْ حَوَتْهُ أَقْطَارُهَا وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَصَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِيهِ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ إيرَادُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَكِنَّ الْإِمَامَ حَكَى أَنَّ مِنْ أَئِمَّتِنَا مَنْ قَالَ لَا يَدْخُلُ مُحْتَجًّا بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَبْلَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِشْكَالِ أَنَّ اسْمَ الْحُقُوقِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الطَّرِيقِ وَمَجَارِي الْمَاءِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَرَأَى الْإِمَامُ أَنَّ هَذَا أَقْيَسُ وَهُوَ كَمَا رأى الا أن يثبت عرف عا بِاسْتِتْبَاعِ الْأَرْضِ لِلشَّجَرِ أَوْ
بِدُخُولِهَا تَحْتَ اسْمِ الْحُقُوقِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَقَدْ رَأَيْتُ ابْنَ حَزْمٍ الظَّاهِرِيَّ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي كِتَابِهِ الْمُحَلَّى
عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَهِيَ لَهُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ قائم أو شجر ثابت وهذه دعوى مُنْكَرَةٌ وَهِيَ بِإِطْلَاقِهَا تَشْمَلُ مَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا وَلَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ بَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الثَّانِي وَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَمْ يَبْلُغْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شئ عن العلماء المتقدمين بل مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ اسْتِتْبَاعُ الْأَرْضِ لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ صَنَعُوا كَصُنْعِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَعَلَّهُمْ تَبِعُوهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ كَمَا ادَّعَاهُ ابن حزم فلاشك أن للنظر فيها مجالا والا فيلغو مَا أَثْبَتَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ التَّخْرِيجِ وَلَا تَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ بِذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ كَمَا نَقُولُهُ فِيمَا بَعْدُ وَقَالَهُ الْإِمَامُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا فَقَدْ اختلف الاصحاب على طرق (احداهما) أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الرَّهْنِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَرْضِ لَا يَشْمَلُ ذَلِكَ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَلَا دَلِيلَ على تبعيتها لهامن عُرْفٍ وَلَا غَيْرِهِ فَلَا وَجْهَ لِلدُّخُولِ وَهَذَا هو القياس وهى طريقة أبى العباس
ابن سُرَيْجٍ لَكِنَّهَا خِلَافُ ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَكُلُّ أَرْضٍ بِيعَتْ فَلِلْمُشْتَرِي جَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَأَصْلٍ فَاحْتَاجَ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا (وَقَوْلَهُ) فِي الرَّهْنِ عَلَى مَا إذَا أَطْلَقَ لَكِنْ يَتَوَجَّهُ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ الْإِشْكَالِ مَا أَوْرَدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ينبغى أن لايدخل وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ عِنْدَ الاطلاق ينبغى أن لايدخل ولو قال بحقوقهما لِأَنَّ اسْمَ الْحُقُوقِ لَا يَشْمَلُهُ وَإِنَّمَا يَشْمَلُ الممر ومسيل الماء ومطروح الْقُمَامَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَهُوَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُخَالِفَةً لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلِمَا نقلناه عن مذهبي أبى حيفة وَمَالِكٍ وَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ إنْ ثَبَتَتْ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ جَعَلَ الْإِمَامُ الغزالي فِي الْوَسِيطِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ هِيَ الْأَصَحَّ وَشَذَّا فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ وَلَعَمْرِي إن لم يَثْبُتَ إجْمَاعٌ أَوْ نَصٌّ فَالْحَقُّ مَا قَالَاهُ وقد جهدت
فِي تَطَلُّبِ نَفْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ أَجِدْ إلَّا نَصَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُثْمِرَةً فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَالْأَصْحَابُ يُفَرِّقُونَ بِأَنَّ البناء والغراس يراد للتأييد بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَقَدْ يَحْتَجُّونَ بِهِ لِأَنَّهُ اقْتَضَى بِمَفْهُومِهِ دُخُولَ الثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَشْمَلُهَا اسْمُ النَّخْلَةِ وَلَكِنْ لِاتِّصَالِهَا بِهَا
وَالْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ كَذَلِكَ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ نَقْلُ جَوَابِهِ مِنْ الْبَيْعِ إلَى الرَّهْنِ وَمِنْ الرَّهْنِ إلَى الْبَيْعِ وَتَخْرِيجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ بِمَنْزِلَةِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَأَجْزَاءُ الارض تدخل عند الاطلاق فكدلك هَذِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْأَرْضَ مَبِيعَةٌ وَمَرْهُونَةٌ دُونَ مَا فِيهَا لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الِاسْمِ وَهَاتَانِ الطَّرِيقَتَانِ مُشْتَرَكَتَانِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَإِيرَادُ الْحَنَابِلَةِ فِي كُتُبِهِمْ يُوَافِقُ
هذه الطريقة الثانية فانهم طروا وَجْهَيْنِ وَالْقَوْلُ الْمَنْصُوصُ مَعَ الْمُخَرَّجِ وَقَدْ يُسَمَّيَانِ وَجْهَيْنِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَأَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ وَادَّعَى الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهَا أَصَحُّ الطُّرُقِ وان أصح القولين منها أنها تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ فِي التَّحْرِيرِ قَالَ إنَّ أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ دُخُولُهُ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا إذَا أَطْلَقَ بَيْعَ الْأَرْضِ تَبِعَهَا مَا فِيهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَإِذَا أَطْلَقَ رَهْنَهَا لَمْ يَتْبَعْهَا وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ أَقْوَى لِأَنَّهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ فَجَازَ أَنْ يُسْتَتْبَعَ وَالرَّهْنُ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَاسْتِيثَاقٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْمَنَافِعَ الْحَادِثَةَ لَمَّا كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي كَذَلِكَ الْمَوْجُودُ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْحَادِثَةَ لَا تَدْخُلُ وَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ الْحَادِثَةُ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا تَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ
منقولة عن أبى أسحق الْمَرْوَزِيِّ وَنَقَلَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ إنَّهَا الصَّحِيحَةُ وَقَدْ تُعْزَى لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَاعْتَرَضَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْفَرْقِ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ الِاسْمُ يَعْنِي فَلَا مَعْنَى لِلْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَمِمَّنْ ضَعَّفَ هَذَا الْفَرْقَ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ قَالَ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا تَظْهَرُ قُوَّتُهُ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ ورد عليه أما مالا يتناوله فلا يؤثر فيه ولهذا إذ شرط أن لايدخل الْغِرَاسُ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَدْخُلْ وَإِذَا قَالَ فِي الرَّهْنِ بِحُقُوقِهَا دَخَلَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ الْفَرْقُ الثَّانِي لَاغٍ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ الْحَادِثَةَ تَبِعَتْهَا لِكَوْنِهَا حَادِثَةً فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَا كَذَلِكَ الْحَاصِلَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَرَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا وَالثَّمَرَةَ الْحَاصِلَةَ الْمُؤَبَّرَةَ
عِنْدَ الْبَيْعِ لَا تَدْخُلُ قَوْلًا واحدا واعترض أبو العباس الغزارى عَلَى الْفَرْقِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا قَوِيَ
وَأَزَالَ الْمِلْكَ وَجَبَ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ إلَّا فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ تَقْلِيلًا لِضَرَرِ الْبَائِعِ بِتَفْوِيتِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ مُقْتَضَى الْفَرْقِ عَكْسَ الْمُدَّعَى وَأَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فَرْقًا وَاغْتَبَطَ بِهِ بِحَيْثُ إنَّهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ حَذَرًا مِنْ اخْتِرَامِ الْمَنِيَّةِ قَبْلَ الْوُصُولِ فِي الشَّرْحِ إلَيْهِ ثُمَّ لَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ هُنَا ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْأَرْضِ يَشْمَلُ الْأُسَّ وَالْمَغْرِسَ فَلَوْ بَقِيَ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ لِلْبَائِعِ لَخَلَا الْأُسُّ وَالْمَغْرِسُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُمَا مُسْتَثْنَاةً لَا إلَى غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ وَلَا تَبْقِيَتُهُ بِأُجْرَةٍ لِأَنَّهُ حِينَ أَحْدَثَهُ أَحْدَثَهُ فِي مِلْكِهِ فَإِذَا كَانَ الْأُسُّ وَالْمَغْرِسُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُفْرَدًا بِاتِّفَاقٍ فَوَجَبَ إذَا ضُمَّ إلَى مَبِيعٍ خَلَا عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَبْطُلَ فِي الْجَمِيعِ لِلْجَهَالَةِ بِالثَّمَنِ فَلَمَّا أَفْضَى مَحْذُورُ الْإِخْرَاجِ إلَى هَذَا حُكِمَ بِالِانْدِرَاجِ حِرْصًا عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ كَمَا أدرج
الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ اسْمُ الشاة والجارية طلب لِلتَّصْحِيحِ وَحَذَرًا مِنْ الْإِبْطَالِ بَلْ لِلْحَمْلِ غَايَةٌ تنتظر ومع ذلك أدرج ولا غاية ههنا تُنْتَظَرُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الرَّهْنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِهِ حَتَّى يَكُونَ اسْتِيفَاءَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مُخْرِجًا لِلْعَقْدِ عَنْ وَضْعِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُ هَذَا الْمَحْذُورَ مَانِعًا مِنْ دُخُولِ الْمَغْرِسِ وَالْأُسِّ وَيُحْمَلُ الْبَيْعُ عَلَى مَا سِوَاهُمَا طَلَبًا لِلتَّصْحِيحِ وَأَجَابَ بِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْمَجْمُوعَ وَهَذَا يَضْعُفُ عَنْهُ فَلَمْ يُمْكِنْ إبْطَالُهُ بِهِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْبِنَاءِ والشجر يحتمل أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْمَغْرِسِ وَالْأُسِّ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ خَلَا الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ أَنَّ الْمَغْرِسَ وَالْأُسَّ هَلْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي بيع البناء والغراس وذكرهما القاضى حسين ورتبتهما على بيع
الْغِرَاسِ (إنْ قُلْنَا) يَسْتَتْبِعُ الْمَغْرِسَ فَهَهُنَا أَوْلَى والا فوجهان (والفرق) أن اللفظ ههنا تَوَجَّهَ نَحْوَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فَقَوِيَ عَلَى التَّبَعِيَّةِ بِخِلَافِهِ فِيمَا يُتْلَفُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى فَقَدْ ظَهَرَ
مِمَّا قَالَهُ أَنَّ لِلْمَانِعِ أَنْ يَمْنَعَ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ لُزُومَ الْمَحْذُورِ الْمَذْكُورِ (الثَّانِي) أَنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُهُ مِنْ السَّوْقِ إلَى تَصْحِيحِ العقود ادراج شئ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ لَا لَفْظًا ولا عرفا والحمل انما دخل لا قتضاء الْعُرْفِ لَهُ وَأَمَّا هُنَا فَإِنْ أَدْخَلْنَا الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ أَدْخَلْنَا مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْعَاقِدِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَإِنْ أَخْرَجْنَاهُ وَأَدْخَلْنَا الْمَغْرِسَ لَزِمَ الْمَحْذُورُ الَّذِي أَبْدَاهُ عَلَى رَأْيِهِ وَإِنْ أَخْرَجْنَا الْمَغْرِسَ خَالَفْنَا لَفْظَ الْعَقْدِ وَشُمُولَهُ له فلم سبق إلَّا إفْسَادُ الْعَقْدِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ إفْسَادَ الْعَقْدِ أَيْضًا مَحْذُورٌ وَلَمْ يَصِرْ إلَيْهِ صَائِرٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا
النَّظَرُ فِي أَخَفِّ الْمَحْذُورَاتِ الثَّلَاثَةِ يُلْتَزَمُ وَالْحُكْمُ بادخال البناء والغراس حكم باثبات أمر زَائِدٍ عَلَى مَدْلُولِ لَفْظِ الْعَاقِدِ لَمْ يَتَعَرَّضْ له باثبات ولا نفى فليس فيه مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ نَفْيُ مَا يَقْتَضِيهِ أَوْ إثْبَاتُ ما ينفيه أما اثبات شئ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ اللَّفْظُ بِإِثْبَاتٍ وَلَا نَفْيٍ فَلَا يُقَالُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ وَلَا مُوَافَقَةٌ أَمَّا الْحُكْمُ بِإِخْرَاجِ الْمَغْرِسِ وَالْأُسِّ فَهُوَ إخْرَاجٌ لِبَعْضِ ما تناوله فكان مخالفا له فكان الاولى أَوْلَى وَهُوَ الْحُكْمُ بِتَبَعِيَّةِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ هَذَا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُ الْأُسِّ وَالْمَغْرِسِ مَعَ إخْرَاجِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ بِمَا أَبْدَاهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأُسَّ وَالْمَغْرِسَ كُلٌّ مِنْهُمَا قابل للانتفاع به في الجملة بحف سَرَبٍ مِنْ تَحْتِ الْبِنَاءِ وَأَخْذِ تُرَابِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَوَضْعِ بَدَلِهِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَمْ تُعْدَمْ الْمَنْفَعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ أَلَا ترى أن القاضي حسين قال في فتاويه انه إذا باع عشرة أَذْرُعٍ مِنْ أَرْضٍ عُمْقًا فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ صَحَّ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِأَرْضِهِ مَا جَاوَزَ عَشْرَ أَذْرُعٍ عُمْقًا بِأَنْ يَحْفِرَ تَحْتَ عَشْرِ أَذْرُعٍ بِئْرًا أَوْ مَبْنِيًّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ إنَّ الْأُسَّ وَالْمَغْرِسَ إذَا كَانَا بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَصِحُّ بيعه باتفاق بناه عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مَسْأَلَةً وَقَدْ عَرَفْتُ الْمَنْعَ الْمُتَّجِهَ عَلَيْهَا وَيَنْبَغِي إذَا تَمَّ مَا قُلْنَاهُ فِي الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَكَانُ مَرْئِيًّا قَبْلَ ذَلِكَ الرُّؤْيَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ قُلْتَ) إنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ لِوُجُوبِ بَقَاءِ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ
(قُلْتُ) الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ صِحَّةُ تَسْلِيمِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ مَعَ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِيهَا وَالْوَجْهُ الْآخَرُ الْقَائِلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَسْلِيمِهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ لِشَبَهِهَا بِالدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تَفْرِيغَ الدَّارِ مُمْكِنٌ فِي الْحَالِ
وَهَذَا الْوَجْهُ فِي الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ لَا يَأْتِي فِي الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ لِأَنَّ الزَّرْعَ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ فَأَشْبَهَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ الْأَمْتِعَةَ الَّتِي يُمْكِنُ نَقْلُهَا بِخِلَافِ الشَّجَرِ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ إذَا كَانَ الْغِرَاسُ بَاقِيًا لِلْبَائِعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَاسْتَثْنَى الْأَشْجَارَ بَقِيَتْ الْأَشْجَارُ عَلَى ماهي عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ الْقَطْعَ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلدَّوَامِ وصرح الغزلى أَيْضًا فِي الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَفْرِيغُ الارض المبيعة عن الشجر عندما تَكَلَّمَ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى شَجَرٍ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّفْرِيغُ فَالتَّسْلِيمُ مُمْكِنٌ عَلَى حَالِهَا فَصَحَّ الْبَيْعُ إذَا وُجِدَتْ الْمَنْفَعَةُ وَالرُّؤْيَةُ وَقَدْ عَرَفْتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ مُسَاعِدٌ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَلْعُ الشجر لو بقيناه عَلَى مِلْكِهِ عَلَى أَنِّي وَجَدْتُ النُّسَخَ مِنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ بِذَلِكَ مُخْتَلِفَةً وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَفْرِيغُ الْأَرْضِ بِإِسْقَاطِ لَا فَكَأَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ نَاسِخٍ وَقَدْ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ بِإِثْبَاتِ لَا وَكَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الفتاوي إذَا بَاعَ الدَّارَ دُونَ النَّخْلَةِ الَّتِي فِيهَا وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاجْتِيَازِ إلَيْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ البيع وهذا صريح في مخالفة ماقاله ابن الرفعة من الحكم بعدم الصحة
على تقدير دُخُولِ الشَّجَرِ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْمُطَارَحَاتِ إنَّهُ إذَا بَاعَ دَارًا فِيهَا نَخْلَةٌ دُونَ النَّخْلَةِ وَشَرَطَ دُخُولَ مَنْبَتِهَا فِي الْبَيْعِ صَحَّ وَيَسْتَحِقُّ تَبْقِيَةَ الشَّجَرَةِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ فَإِنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الدَّارِ تَمَلُّكَ الشَّجَرَةِ بِقِيمَتِهَا أَوْ قَلْعِهَا بِالْتِزَامِ النُّقْصَانِ كَانَ لَهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا تَلْزَمُهُ الاجرة بتبقيته فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّا يَبْقَى بِأُجْرَةٍ لَكَانَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأُجْرَةِ يُلْزَمُ بِالْقَلْعِ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُلْزَمُ بِالْقَلْعِ اسْتَلْزَمَ عَدَمَ الْأُجْرَةِ نَعَمْ فِي عَكْسِ ذَلِكَ وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ الرَّطْبَةَ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ قلنا انه لايدخل الْمَغْرِسُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ قَلْعُ الشَّجَرَةِ مَجَّانًا وَهَلْ يجب عليه بقاؤها مَا أَرَادَ الْمُشْتَرِيَ أَمْ لَهُ قَلْعُهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ وَيَغْرَمُ مَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ كَالْعَارِيَّةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْأَوَّلُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِجَرَيَانِ الْوَجْهِ الْآخَرِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ وَيُقَالَ أَنَّا فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ قَصَرْنَا الْحُكْمَ على مادل عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَبِيعِ فَفِي بَيْعِ الشَّجَرَةِ لَا يُسْتَتْبَعُ حَقُّ الْإِبْقَاءِ فَكَانَ لَهُ الْقَلْعُ عَلَى وجه وفى بيع الْأَرْضِ كَانَ حَقُّ الْإِبْقَاءِ ثَابِتًا فَلَا يُزَالُ بِالْبَيْعِ فَهَذَا فَرْقٌ جُمِعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أُلْغِيَتْ هَذِهِ الْفُرُوقُ
كُلُّهَا فَمَا وَجْهُ الْمَذْهَبِ (قُلْتُ) الرَّاجِحُ عِنْدِي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ إجْمَاعٌ عَلَى الدُّخُولِ فَيَتَعَيَّنُ اتِّبَاعُهُ وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ فَالْقِيَاسُ مَا قَدَّمْتُهُ وَقَدْ يُعْتَضَدُ الدُّخُولُ بِأُمُورٍ لَيْسَتْ بِالْوَاضِحَةِ (مِنْهَا) الثِّمَارُ إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ دَاخِلَةٌ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ
بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْمَفْهُومُ عَلَى اسْتِتْبَاعِ الشَّجَرَةِ لِلثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ وَلَيْسَتْ بَاقِيَةً عَلَى الشَّجَرَةِ دَائِمًا فَاسْتِتْبَاعُ الْأَرْضِ لِلشَّجَرِ وَهُوَ بَاقٍ فِيهَا دَائِمًا أَوْلَى وَفِي طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ مولى بن عمر (ايما نخل بيعت لم يذكر الثمر فالثمر لِلَّذِي أَبَّرَهَا) وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحَرْثُ فَالْحَرْثُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ (1)(وَمِنْهَا) أَنَّ الْأَرْضَ تُطْلَقُ كَثِيرًا وَيُرَادُ بِهَا الْأَرْضُ مَعَ مَا فِيهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنِّي أثبت أرضا بخيبر لم أصب مالاقط أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ الْأَرْضَ وَحْدَهَا بَلْ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (حَبِّسْ الْأَصْلَ وَسَبِّلْ الثَّمَرَةِ) فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ الِاسْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمِيعِ كَثِيرًا فَإِنْ وَصَلَ إلَى حَدِّ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ سُكُوتِ الْبَائِعِ عَنْ اسْتِثْنَائِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ إخْرَاجَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ مَعَ كُرْهِ اسْتِعْمَالِ الْأَرْضِ مَعَ دُخُولِهِمَا لَنَصَّ عَلَى الْإِخْرَاجِ فَلَمَّا لم ينص على ذلك دل أَنَّ مُرَادَهُ الشُّمُولُ مَعَ كَوْنِ الْبَائِعِ مُعْرِضًا عَنْ الْبَيْعِ وَقَاطِعًا أَطْمَاعَهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الثَّمَرَةَ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ شَبِيهَةٌ بِالْجُزْءِ الْحَقِيقِيِّ فَهِيَ كَالْحَمْلِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَالْأَصْحَابُ وَمَنْ يُوَافِقُهُمْ يُحَاوِلُونَ تَشْبِيهَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ لِكَوْنِهِمَا مُرَادَيْنِ لِلْبَقَاءِ وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِهَذَا الْوَصْفِ مَعَ الْمُفَارَقَةِ فِي أُمُورٍ أُخْرَى نَظَرٌ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَإِنَّ الْكَثْرَةَ مَمْنُوعَةٌ (وَأَمَّا) الْإِطْلَاقُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ فَلَا يَمْتَنِعُ وَمَعَ مَيْلِي في البحث كما
(1) بياض بالاصل فحرر
رأيت إلى موافقة الامام الغزالي لاأقدم عَلَى الْجَزْمِ بِهِ مَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدِي أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ
ذَهَبَ إلَيْهِ وَلَا أَسْتَحْضِرُ الْآنَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْلًا بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مَيْلٌ إلَى مَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ دُخُولُهَا وَأَبْهَمَ وَأَنَّ أَصَحَّ الطُّرُقِ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ فَهَذَا آخِرُ كَلَامِنَا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةٌ رَابِعَةٌ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ وَفِي دُخُولِهِمَا فِي الرَّهْنِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الحسن الجوزى مَعَ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَشْهَدُ لَهَا أَنَّ الْحَمْلَ وَالثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ تَنْدَرِجُ فِي الْبَيْعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي انْدِرَاجِ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ قَوْلَانِ (الْمَنْصُوصُ) مِنْهُمَا فِي الْأُمِّ كما قال البندنيجى في الثمرة عدم التبعية (وفى القديم) نص على التبعية ثم أغرب الجوزى فَجَعَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي الرَّهْنِ فِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ جميعا معللا على أخد الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الرَّهْنَ وَالْبَيْعَ سَوَاءٌ وَفِيهِمَا قولان ومقتضى كلام الجوزى هَذَا إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي دُخُولِ الْبِنَاءِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَرَهْنِهَا وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَرْضِ.
(فَرْعٌ)
فَأَمَّا إذَا بَاعَهُ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الْأَرْضِ فَبَيَاضُ الْأَرْضِ الَّذِي بَيْنَ الْبِنَاءِ والشجر لايدخل فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ وَالْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ فَرْعٌ وَالْأَصْلُ يَسْتَتْبِعُ الْفَرْعَ وَقَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إنْ كَانَ مابين الْمَغَارِسِ لَا يَتَأَتَّى إفْرَادُهَا بِالِانْتِفَاعِ إلَّا عَلَى
سبيل التبعية للاشجار فوجهان (وأما) ماكان من الارض قرار لِلشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ فَفِي دُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِلْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا فِي قَرَارِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ مَعًا وَسَيَأْتِي حِكَايَتُهُمَا فِي الشَّجَرِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(فَرْعٌ)
مِنْ الشَّجَرِ مَا يُغْرَسُ بَذْرُهُ فِي مَحَلٍّ فَإِذَا أَطْلَعَ يُنْقَلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَيُغْرَسُ فِيهِ وَيُسَمَّى شَتْلًا وَيُقَالُ إنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ وَرُبَّمَا لَوْ بَقِيَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَفِعْ كَمَا لَوْ نُقِلَ فَهَذَا النَّوْعُ لَمْ يُوضَعْ فِي مَكَانِهِ الْأَوَّلِ لِلدَّوَامِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الشَّجَرِ الْمَوْضُوعِ لِلدَّوَامِ فَيَكُونُ تَابِعًا لِلْأَرْضِ أَوْ يَكُونُ كَالزَّرْعِ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ يُنْقَلُ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْأَرْضِ إلَى بَعْضٍ فَيَدْخُلُ وَإِنْ كَانَ يُنْقَلُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى وَلَا بَقَاءَ لَهُ فِي تِلْكَ
الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ فَلَا يَدْخُلُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
حُكْمُ الْهِبَةِ حُكْمُ الْبَيْعِ لِأَنَّهَا تُزِيلُ الْمِلْكَ فَفِيهَا وَفِي الرَّهْنِ الطُّرُقُ الْمُتَقَدِّمَةُ ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ.
(فرع)
إذا باع الارض وفيها شئ يَابِسٌ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ كَغَيْرِهِ أَوْ لايدخل لانه لايراد لِلدَّوَامِ وَلِهَذَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ الْيَابِسَةَ لَا يَجِبُ تَبْقِيَتُهَا لَمْ أَرَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْجَزْمُ بِالثَّانِي ثُمَّ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحِجَارَةِ الْمُودَعَةِ فِي الْأَرْضِ إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِهَا فِي وُجُوبِ التَّفْرِيغِ وَالتَّسْوِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْحِجَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَيَنْبَغِي أَنْ تُسْتَثْنَى الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ من مطلق قولهم انه إذ باع أرضا ودخل الشجر كما في العبارة كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِ الْغِرَاسِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْغِرَاسَ لَا يَشْمَلُ عُرْفًا إلَّا الرَّطْبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
جَزَمَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ بِدُخُولِ الْمُسَنَّاةِ وَالسَّوَاقِي وَمَا بنى طوقها ومسار بها مِنْ آجُرٍّ وَحَجَرٍ وَمَا صَغُرَ مِنْ الْآكَامِ والتلال الجارية مَجْرَى الْأَرْضِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَجَعَلَ مَحَلَّ الطُّرُقِ فِي الْبِنَاءِ مِنْ قَصْرٍ وَغَيْرِهِ وَالْغِرَاسُ مِنْ نَخْلٍ وَغَيْرِهِ وَهَذَا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ بَلْ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا ثَبَتَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ فكذلك كل ماكان فِي الْأَرْضِ مُتَّصِلًا بِهَا مِنْ مُسَنَّاتِهَا سَوَاءٌ كَانَ آجُرًّا أَوْ حِجَارَةً أَوْ تُرَابًا وَكَذَا تِلَالُ التُّرَابِ الَّتِي تُسَمَّى بِالْبَصْرَةِ جِبَالًا وَخَوْخَاتُهَا وبيدرها والحائط الذى يحظرها وَسَوَاقِيهَا الَّتِي تُشْرِبُ الْأَرْضَ
وَأَنْهَارُهَا الَّتِي فِيهَا وَعَيْنُ الْمَاءِ إنْ كَانَتْ فِيهَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا تَدْخُلُ مَسَائِلُ الماء في بيع الارض ولا يدخل فيه سَرَبِهَا مِنْ النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ الْمَمْلُوكَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَوْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ هَذَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَسَايِلِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْأَرْضِ الَّتِي يَصِلُ مِنْهَا الْمَاءُ إلَى الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ وَكَذَلِكَ الْقَنَاةُ وَالنَّهْرُ (أَمَّا) الدَّاخِلَةُ فِيهَا فَإِنَّهُ لاشك فِي دُخُولِ أَرْضِ النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَالْمَسِيلِ (وَأَمَّا) بِنَاؤُهَا فَيَدْخُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجِبُ أَيْضًا تَأْوِيلُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي النَّهْرِ وَالْعَيْنِ فَإِنَّ أَرْضَهُمَا دَاخِلَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجْرِي
الْخِلَافُ فِيهِمَا إلَّا فِي الْبِنَاءِ إنْ كَانَ ثُمَّ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ حَكَى وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذِكْرُ الْحُقُوقِ يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لايدخل النَّخْلُ الْمَقْطُوعُ وَالشَّجَرُ الْمَقْطُوعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إذَا كَانَا فِي الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ مَا فِيهَا مِنْ عَلَفٍ مَخْزُونٍ وَتَمْرٍ مَلْقُوطٍ وَتُرَابٍ مَنْقُولٍ وَسَمَادٍ مَحْمُولٍ فكل ذلك للبائع لايدخل إلَّا بِالشَّرْطِ أَوْ يَكُونُ التُّرَابُ وَالسَّمَادُ قَدْ بُسِطَ عَلَى الْأَرْضِ وَاسْتُعْمِلَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ دُولَابٌ لِلْمَاءِ فَفِيهِ ثلاثة أوجه (احدهما) لايدخل فِي الْبَيْعِ كَبَكْرَةِ الدُّولَابِ وَخَشَبَةِ الزُّرْقُوقِ وَالْحَبْلِ وَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه
(وَالثَّانِي)
يَدْخُلُ لِاتِّصَالِهِ بِهَا (وَالثَّالِثُ) ان كان دولابا
صَغِيرًا يُمْكِنُ نَقْلُهُ صَحِيحًا عَلَى حَالِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَّا بِتَفْصِيلِ بَعْضِهِ عَنْ بعض ومشقة كبيرة دخل فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لِلِاسْتِدَامَةِ وَالْبَقَاءِ فَأَشْبَهَ الشجر والبناء حكى ذلك المارودي وَإِنْ كَانَ فِيهَا رَحَا الْمَاءِ وَقُلْنَا يَدْخُلُ الْبِنَاءُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ دَخَلَ فِيهِ بَيْتُ الرَّحَا وَبِنَاؤُهُ وَهَلْ يَدْخُلُ الرَّحَا فِي الْبَيْعِ فيه ثلاثة أوجه (قيل) لايدخل شئ منه في البيع لاعلوا وَلَا سُفْلًا كَخَشَبَةِ الزُّرْقُوقِ (وَقِيلَ) يَدْخُلُ عُلْوًا وَسُفْلًا لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْمَنَافِعِ (وَقِيلَ) يَدْخُلُ السُّفْلِيُّ وَلَا يَدْخُلُ الْعُلْوِيُّ حَكَى هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثلاثة المارودي وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِيفَاءِ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْإِيضَاحِ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَبْنِيًّا أَوْ فِي حُكْمِ الْبِنَاءِ دَخَلَ وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فَيَصِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ أربعة أوجه قال المارودي وأما دولاب الرحا الذى يديره الماء فهو تابع لِلرَّحَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِدُخُولِهِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِخُرُوجِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِالسُّفْلِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْعُلْوِ هذا كلام المارودي وان قال بعتك هذا البستان أو المحرف أَوْ هَذِهِ الْجَنَّةَ دَخَلَ فِيهِ الْأَشْجَارُ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ وَفِي الْعَرِيشِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَيْهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يدخل في البيع
(والثانى)
لايدخل..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(فَإِنْ قَالَ بعتك هذه القرية بحقوقها لم تدخل فيها المزارع لان القرية اسم للابنية دون المزارع) .
(الشرح) القرية (1) أما الاحكام (2) قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْقَرْيَةَ
وَأَطْلَقَ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ الْأَبْنِيَةُ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَسَاكِنِ وَالدَّكَاكِينُ وَالْحَمَّامَاتُ وَالسَّاحَاتُ وَالْأَرْضُونَ الَّتِي يُحِيطُ بِهَا السُّورُ وَالْحِصْنُ الَّذِي عَلَيْهَا وَهُوَ السور والسور المحيط بها وَالدُّرُوبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُورٌ فَيَدْخُلُ مِنْ
(1 و 2) بياض بالاصل فحرر
الْأَرْضِ مَا اخْتَلَطَ بِبُنْيَانِهَا وَمَسَاكِنِهَا وَمَا كَانَ مِنْ أَفْنِيَةِ الْمَسَاكِنِ وَحُقُوقِهَا وَفِي الْأَشْجَارِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي دُخُولِ الْأَشْجَارِ تَحْتَ اسْمِ الْأَرْضِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَخَالَفَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ هُنَا اخْتِيَارَهَا فَاخْتَارَا فِي هَذِهِ دُخُولَ الْأَشْجَارِ تَحْتَ اسْمِ الْقَرْيَةِ وَإِنْ اخْتَارَا فِي اسْمِ الْأَرْضِ عَدَمَ الدُّخُولِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَفْهَمُونَ مِنْ اسْمِ الْقَرْيَةِ جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ وكذلك جزم المارودي بدخول مافى خِلَالِ الْمَسَاكِنِ مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَهُوَ الْحَقُّ وَاسْتَبْعَدَ الْإِمَامُ تَرَدُّدَ الْعِرَاقِيِّينَ فِي دُخُولِ الْأَشْجَارِ وَرَأْيِي أَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي أَشْجَارِ الدَّارِ لِأَنَّ الْأَشْجَارَ مَأْلُوفَةٌ فِي الْقُرَى وَلَا تَسْتَجِدُّ الْقَرْيَةُ بِالْأَشْجَارِ اسْمًا وَالدَّارُ تَسْتَجِدُّ اسم البستان والاعدل ماقاله المارودي مِنْ دُخُولِ الْأَشْجَارِ الْمُتَخَلِّلَةِ لِلْمَسَاكِنِ (وَأَمَّا) الْبَسَاتِينُ الْخَارِجَةُ عَنْ الْقَرْيَةِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ دُخُولُهَا فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِاسْتِتْبَاعِهَا الْأَشْجَارَ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْأَشْجَارِ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَغَيْرُهُ يُفِيدُ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ الْقَرْيَةِ وصلاحيتها للتبعية وجزم المارودي بعدم دخولها وهذا الذى قاله المارودي مِنْ دُخُولِ الْأَشْجَارِ الْمُتَخَلِّلَةِ دُونَ الْخَارِجَةِ تَوَسُّطٌ وَهُوَ وَجْهٌ ثَالِثٌ إنْ صَحَّ أَنَّ الْخِلَافَ الْأَوَّلَ فِي الْجَمِيعِ (وَأَمَّا) الْمَزَارِعُ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لايدخل الْقَرْيَةَ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِ الْمَزَارِعِ وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ يَنْبَغِي تَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا فِي الْقَصْرِ وَلَكِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ مُنْدَفِعٌ فَإِنَّ الْمُدْرَكَ فِي الرُّخْصَةِ خُرُوجُهُ عَنْ حُكْمِ الْإِقَامَةِ فَمَا دَامَ فِي حُقُوقِ الْبَلَدِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَإِنْ كان خارجا عن البلد والمبيع ههنا الِاسْمُ وَالْقَرْيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَمِيعِ وَالْمَزَارِعُ لَيْسَ بِدَاخِلَةٍ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَبْنِيَةِ وَمَا أَحَاطَتْ بِهِ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْمَزَارِعَ تَدْخُلُ وَهُوَ غَرِيبٌ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ ضِيَاعُهَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ هَذَا إذَا أَطْلَقَ (أَمَّا) إذَا قَالَ
بِحُقُوقِهَا فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَدْخُلُ الْمَزَارِعُ أيضا بل لابد مِنْ النَّصِّ عَلَى الْمَزَارِعِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّ حُقُوقَهَا مَا فِيهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْبُيُوتِ وَالطُّرُقِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَاضِي ابْنِ كَجٍّ دُخُولَ الْمَزَارِعِ فِيمَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا وَقَالَ عَنْهُ وَعَمَّا قَالَهُ في النهاية إنهما غريبان وقال ابن الرافعة إنَّهُ يُمْكِنُ تَنْزِيلُ قَوْلِ الْإِمَامِ بِدُخُولِهَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ دَاخِلَةً فِي الْقَرْيَةِ تَوْفِيقًا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ (أَمَّا) لَوْ سَمَّى الْمَزَارِعَ دَخَلَتْ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ الْقَرْيَةَ بِأَرْضِهَا أَيْضًا دَخَلَتْ الْمَزَارِعُ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْمَزَارِعِ الْأَرْضُونَ الَّتِي تُزْرَعُ فِيهَا الْخَارِجَةُ عَنْ الْقَرْيَةِ (أَمَّا) الزَّرْعُ نَفْسُهُ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَقَاءٌ فَالْحُكْمُ فِي تَبَعِيَّةِ هَذَا كَالْحُكْمِ فِي تَبَعِيَّتِهِ عِنْدَ بَيْعِ الْأَرْضِ وَهُوَ فِيهَا وَسَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجَزَمُوا يَعْنِي الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا دَخَلَ الشَّجَرُ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَقَدْ عَرَفْتُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافًا فِي هَذَا فِي الْأَرْضِ فَلَا يُمْكِنُ مَجِيئُهُ هُنَا لِأَنَّ الْقَائِلَ بِهَذَا فِي الْأَرْضِ جَازِمٌ بِدُخُولِ الْأَشْجَارِ فِي اسْمِ الْقَرْيَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِذِكْرِ الْحُقُوقِ (قُلْتُ) وَالْخِلَافُ فِي الْأَرْضِ نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا وَمَالَ إلَيْهِ وَسَبَقَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إلَى ذَلِكَ وَالْإِمَامُ هُنَا قَدْ اخْتَارَ دُخُولَ الْأَشْجَارِ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْخِلَافُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ الْإِمَامُ الْخِلَافَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَتَّى يُحْكَمَ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْرَفَ هَلْ هُوَ جَازِمٌ بِدُخُولِ الْأَشْجَارِ فِي الْقَرْيَةِ أولا وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى كَلَامٍ فِي مَسْأَلَةِ الْقَرْيَةِ حَتَّى أَعْرِفَ هَلْ هُوَ من الجازمين بذلك كالامام أولا لكن مانبه عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَيِّدٌ فِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُنَا إثْبَاتُ خِلَافٍ هُنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ المخالف هناك
جَازِمًا هُنَا كَالْإِمَامِ فَمَتَى لَمْ نَتَحَقَّقْ مِنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ الْخِلَافِ مَعَ الشَّكِّ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي اسْمِ الْقَرْيَةِ جَارٍ فِي اسْمِ الدَّسْكَرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ والدسكرة بناء كالقصر حوله بيوت.
قال المصنف رحمه الله.
(وان قال بعتك هذه الدار دخل فيها ما اتصل من الرفوف المسمرة والخوابى والاجاجين المدفونة فيها للانتفاع بها وان كان فيها رحا مبينة دخل الحجر السفلانى في بيعها لانه متصب بها وفى الفوقاني وجهان أحدهما أنه يدخل وهو الصحيح لانه ينصب هكذا فدخل فيه كالباب والثانى لايدخل لانه منفصل عن المبيع ويدخل الفلق المسمر في الباب وفى المفتاح وجهان أحدهما يدخل فيه لانه من مصلحته فلا ينفرد عنه والثانى لايدخل لانه منفصل فلم يدخل فيه كالدواء والبكرة وان كان في الدار شجرة فعلى الطرق الثلاثة التى ذكرناها في الارض.
(الشَّرْحُ) الْخَوَابِي وَالْأَجَاجِينُ بِجِيمَيْنِ وَهِيَ الْأَوَانِي الَّتِي تُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ قَالَ ابْنُ مَعْنٍ وَتُسَمَّى الْمَرَاحِضُ وَالْمَقْصُودُ هُنَا كُلُّ مَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ لِلصَّبْغِ أَوْ الدَّبْغِ أَوْ الْعَجْنِ أَوْ لاخراج الشيرج من كسب السمسم ونحو ذلك والفلق (1) وَالْبَكَرَةُ (2) أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ الْأَرْضُ وَالْأَبْنِيَةُ عَلَى تَنَوُّعِهَا سُفْلَهَا وَعُلْوَهَا حَتَّى يَدْخُلَ الْحَمَّامُ الْمَعْدُودُ مِنْ مَرَافِقِهَا وَحُكِيَ عَنْ نَصِّهِ أن الحمام لايدخل وَحَمَلَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى حَمَّامَاتِ الْحِجَازِ وَهِيَ بُيُوتٌ من خشب تنقل في الاسفار فما الْحَمَّامَاتُ الْمَبْنِيَّةُ مِنْ الطِّينِ وَالْآجُرِّ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ وَحَكَوْا أَنَّ الرَّبِيعَ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ وَفَصَّلَ الْغَزَالِيُّ فِي الْحَمَّامِ فَقَالَ إنْ كَانَ لا يستقل دون الدار
(1 و 2) بياض بالاصل فحرر
انْدَرَجَ وَإِنْ اسْتَقَلَّ فَهُوَ مِنْ الدَّارِ كَالْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ كَالْبِنَاءِ مِنْ الْبُسْتَانِ يَعْنِي فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَاخْتَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أن الحمام الخشب الذى لا ينقل لايدخل لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَمَا كَانَ مِمَّا يَجِبُ مِنْ الْبُنْيَانِ مِثْلُ الْبِنَاءِ بِالْخَشَبِ فَإِنَّ هَذَا مُتَمَيِّزٌ كَالنَّبَاتِ وَالْحَدِيدِ فَهُوَ لِبَائِعِهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهُ الْمُشْتَرِي فِي صَفْقَةِ الْبَيْعِ وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ تعرض له وانه فقه ظاهر لان ماكان مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إذَا أُثْبِتَ فِيهَا وَإِذَا تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ كَاللَّبِنِ يُجْعَلُ أَجْزَاءً أَوْ لَمْ يتعير كَالْأَحْجَارِ وَاللَّبِنُ يَقْرُبُ أَنْ يَتْبَعَهَا كَمَا لَوْ كَانَ مُتَّصِلًا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ خَشَبٍ وَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ الاخضر يتبع في بيع
الارض لكنه لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْهَا وَإِنَّمَا تَبِعَهَا لِأَنَّهُ صَارَ كَالْجُزْءِ الْمُتَّصِلِ بِهَا وَلِهَذَا يَنْمُو بِهَا بِخِلَافِ الْبِنَاءِ (قُلْتُ) وَقَدْ رَأَيْتُ النَّصَّ الْمَذْكُورَ فِي الام في باب تمرالحائط يُبَاعُ أَصْلُهُ وَلَكِنِّي لَمْ أَعْرِفْ مَا مَعْنَى قوله بحب مِنْ الْبُنْيَانِ وَلَا ضَبْطَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَيْضًا عني بحب غير أنه ءذا كَانَتْ الْحَمَّامُ كُلُّهَا مِنْ خَشَبٍ وَهِيَ مُثَبَّتَةٌ فِي الدَّارِ لَا تُنْقَلُ وَلَا تُحَوَّلُ كَانَتْ كالسور الخشب المسمرة التى لاتحول وَفِي دُخُولِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الدُّخُولُ كَمَا سَيَأْتِي وإذا كان كذلك فيكون ماقاله ابْنُ الرِّفْعَةِ مُوَافِقًا لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ مِمَّا انفرد به عن الاصحاب كما ظن لكن مَأْخَذَ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ غَيْرُ الْمَأْخَذِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ فِي كُلِّ مُتَّصِلٍ مُثَبَّتٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَكَذَلِكَ طَرَدُوهُ فِي صندوق رأس البئر وهى الحرزة الَّتِي عَلَى فُوَّهَتِهَا وَالْغَالِبُ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ حجر أو رخام وكذلك طردوه في معدن الْجَيَّارِ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ فَخَّارٍ فَهُوَ كَالْآجُرِّ الَّذِي جَعَلَهُ هُوَ مِنْ جِنْسِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَشَبِ وَكَذَلِكَ حَجَرُ الرَّحَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا
سَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ حَتَّى لَوْ فَرَضْنَا حَمَّامًا مِنْ حَجَرٍ وَهِيَ مُثَبَّتَةٌ فِي الدَّارِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ تُنْقَلَ وَهِيَ عَلَى حَالِهَا وَيُنْتَفَعُ بِهَا اقتصى أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه إنَّمَا ذَكَرَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأَرْضِ وَالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ اعْتِبَارُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إنَّمَا يَتِمُّ فِيهَا وَالْكَلَامُ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدَّارَ فِي الْعُرْفِ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى أَجْنَاسٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِ مَا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ تَحْتَ اسْمِ الْأَرْضِ الْقَوْلُ بِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الدَّارِ وَالتَّحْقِيقُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ إلْحَاقِهَا بِالسَّرِيرِ وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَمَّامِ (وَأَمَّا) الْآلَاتُ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) مَا أُثْبِتَ تَتِمَّةً لِلدَّارِ لِيَدُومَ فِيهَا وَيَبْقَى كَالسُّقُوفِ وَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ وَمَا عَلَيْهَا مُتَّصِلًا بِهَا مِنْ الْأَغَالِيقِ وَالْحِلَقِ وَالسَّلَاسِلِ وَالضِّبَابِ وَالْجَنَاحِ وَالدَّرَجِ وَالْمَرَاقِي الْمَعْقُودِ مِنْ الْآجُرِّ وَالْجِصِّ وغيره (والآخر) الْمَغْرُوسُ فِي الدَّارِ وَالْبَلَاطُ وَالطَّوَابِيقُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّارِ (الثَّانِي) مَا هُوَ مُثَبَّتٌ فِيهَا مُتَّصِلٌ بِهَا وَلَكِنْ لاعلى هَذَا الْوَجْهِ كَالرُّفُوفِ الْمُتَّصِلَةِ وَهِيَ الْمُسَمَّرَةُ أَوْ التي اطرافها في البناء والخوابى وأحدثها خَابِيَةٌ وَهِيَ الزِّيرُ عِنْدَ أَهْلِ مِصْرَ وَالْأَجَاجِينُ
وَالدِّنَانُ الْمَبْنِيَّةُ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فِي تَرْكِ الْمَاءِ فِيهَا أَوْ غَسْلِ الثِّيَابِ وَالسَّلَالِمُ الْمُسَمَّرَةُ وَالْأَوْتَادُ الْمُثَبَّتَةُ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْأَرْضِ وَالْجُدْرَانُ وَالتَّحْتَانِيُّ مِنْ حَجَرِ الرَّحَا الْمُثَبَّتَةِ وَخَشَبُ الْقَصَّارِ وَمِعْجَنُ الْخَبَّازِ وَالسُّرُرُ الْمُسَمَّرَةُ وَالدَّرَابْزِينُ وَصُنْدُوقُ رَأْسِ الْبِئْرِ وَصُنْدُوقُ الطَّحَّانِ وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تَدْخُلُ لِثَبَاتِهَا وَاتِّصَالِهَا (وَالثَّانِي) لَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا إنَّمَا أثبتت لسهولة الارتفاق بها كيلا تَتَزَعْزَعَ وَتَتَحَرَّكَ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ وَعِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ المعلاق مِنْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي فِيهِ وَجْهَانِ وَجَعَلَهُ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ به بعد
الانفصال والاكثرون عدوا الاعاليق مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حِجَارَةِ رَحَا الْمَاءِ عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي وَغَيْرِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَمَحَلُّهَا هُنَاكَ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَفَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحِبَابِ الْمَدْفُونَةِ فَقَالَ إنْ كَانَ دَفْنُهَا اسْتِيدَاعًا لَهَا فِي الْأَرْضِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ دَفْنُهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ كَحِبَابِ الزَّيَّاتِينَ وَالْبَزَّارِينَ وَالدَّهَّانِينَ دَخَلَتْ وَهَذَا جزم منه بأحد الوجهين المتقدمين كيلا يَتَزَعْزَعَ وَيَتَحَرَّكَ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) الْمَنْقُولَاتُ كَالدَّلْوِ وَالرَّشَا وَالْمَجَارِفِ وَالسُّرُرِ وَالرُّفُوفِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الْأَوْتَادِ وَالسَّلَالِيمِ الَّتِي لَمْ تُسَمَّرْ وَلَمْ تُطَيَّنْ وَالْأَقْفَالُ وَالْكُنُوزُ وَالدَّفَائِنُ وَالصَّنَادِيقُ وَالْمَتَاعُ وَرَحَا الْيَدِ الَّتِي تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ وَالْخَزَائِنُ الْمُنْفَصِلَةُ وَأَقْفَالُهَا وَمَفَاتِيحُهَا وَالْأَبْوَابُ الْمَقْلُوعَةُ وَالْحِجَارَةُ الْمَدْفُونَةُ وَالْآجُرُّ الَّذِي دُفِنَ لِيُخْرَجَ وَيُسْتَعْمَلَ وَكَذَا كُلُّ مَا فُصِلَ مِنْ آلَةِ الْبِنَاءِ مِنْ آجُرٍّ وَخَشَبٍ فَلَمْ تُسْتَعْمَلْ أَوْ كَانَ أَبْوَابًا وَلَمْ تُنْصَبْ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِأَنَّ الْبَكَرَةَ كَالدَّلْوِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْبَكَرَةِ وَجْهَيْنِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّ الْبَكَرَةَ كالمتصل وليست كالدلو فلا يدخل شئ مِنْهَا فِي الْبَيْعِ جَزْمًا وَفِي حَجَرِ الرَّحَا الْفَوْقَانِيِّ إذَا كَانَ الرَّحَا مَبْنِيًّا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ أَبِي الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الدُّخُولَ وَمُقَابَلَةَ قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُمَا مُفَرَّعَانِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ التَّحْتَانِيَّ يَدْخُلُ (أَمَّا إنْ قُلْنَا) بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِ فَفِي الْفَوْقَانِيِّ أَوْلَى وَالْأَقْيَسُ عِنْدَ الْإِمَامِ أن لايدخل واحد منهما وفى مفتاح المعلاق المثبت وجهان
(أحدهما)
أنه لايدخل كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَيُحْكَى عَنْ صَاحِبِ التلخيص وأبى اسحق المروزى أنه يدخل لانه من توابع المعلاق الْمُثَبِّتِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَكَذَا كُلُّ مَا كان متفصلا
لا يمكن الانتفاع بِهِ إلَّا مَعَ مُتَّصِلٍ بِالدَّارِ فِيهِ وَجْهَانِ وَرَتَّبَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمِفْتَاحِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُتَّصِلِ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَفِي أَلْوَاحِ الدَّكَاكِينِ مِثْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا أَبْوَابٌ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ تُنْقَلُ وَتُرَدُّ وَقِيلَ تَدْخُلُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا كَالْجُزْءِ مِنْهَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّتِمَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ الدُّخُولَ وَهَذَا مَيْلٌ مِنْهُ إلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي حَكَاهَا الرُّويَانِيُّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا وَجَزَمَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ بِعَدَمِ دُخُولِ شَرِيحَةِ الدُّكَّانِ وَدَرَابَاتِهَا إلَّا مَا كَانَ مِنْ الدَّرَابَاتِ مُسَمَّرًا وَالْبَغَوِيُّ صَحَّحَ الدُّخُولَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَلَوْ جَعَلَ فِي الدَّارِ مَدْبَغَةً وَفِيهَا أَجَاجِينُ مَبْنِيَّةٌ فَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ فَفِي دُخُولِ الْأَجَاجِينِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهَا حَيْثُ لَا تَكُونُ الدَّارُ مدبغة فالدخول ههنا أَوْلَى وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْمَدْبَغَةَ دَخَلَتْ الْأَجَاجِينُ قَطْعًا فَإِنَّ لَفْظَ الْمَدْبَغَةِ وَالْمَصْبَغَةِ مُتَضَمِّنَيْنِ لِلْأَجَاجِينِ الْمَبْنِيَّةِ فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ وَمَرَاقِي الْخَشَبِ إذَا أُثْبِتَتْ إثْبَاتُ تَخْلِيدٍ فَهِيَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَرْقَى الْآجُرِّ وَالْجِصِّ بِخِلَافِ السَّلَالِيمِ وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّ فِي أَصْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْخِلَافَ فِي تَجْوِيزِ الصَّلَاةِ إلَى الْعَصَا الْمَغْرُوزَةِ فِي سَطْحِ الْكَعْبَةِ إنْ جَوَّزْنَا فَقَدْ عَدَدْنَاهَا مِنْ الْبِنَاءِ فَتَدْخُلُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ اسْمِ الدَّارِ وَالْمَدْبَغَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَأْخَذَ الدُّخُولِ عَلَى هذا ما يشير إليه اللفظ فتزل ذَلِكَ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ وَالدُّخُولِ وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ التَّنُّورُ وَعَبَّرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ هَذَا التَّقْسِيمِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ مَا يَكُونُ فِي الدَّارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ مُتَّصِلٍ وَمُنْفَصِلٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَنْفَعَةِ الْمُتَّصِلِ وَمُنْفَصِلٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُتَّصِلِ فالاول يدخل والثانى لايدخل وَالثَّالِثُ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْحَجَرِ الْفَوْقَانِيِّ مِنْ الرَّحَا وَالْمِفْتَاحِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِدُخُولِ الْحَجَرِ الْفَوْقَانِيِّ الْقِيَاسَ عَلَى الْأَبْوَابِ مَعَ أَنَّ الْأَبْوَابَ قَائِمَةٌ فِي الدَّوْرَاتِ غَيْرِ مَغْرُوزَةٍ فِيهَا وَالْقَائِلُ الْآخَرُ يُفَرِّقُ بِأَنَّ الْأَبْوَابَ الْبَقَاءُ مُحِيطٌ بِهَا وَإِنَّمَا تَثْبُتُ مُنْفَصِلَةً لِيُمْكِنَ رَدُّهَا وَفَتْحُهَا.
(فرع)
ذكر الامام أن هذا الخوف الْمَذْكُورَ فِي الْأَجَاجِينِ الْمُثَبَّتَةِ وَالْحَجَرُ الْأَسْفَلُ مِنْ الرَّحَا وَالسَّلَالِيمِ الْمُسَمَّرَةِ يَجْرِي فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي دُخُولِ الرَّحَا مُرَتَّبًا وَمِنْ ذَلِكَ يَأْتِي فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى النَّصِّ فِي أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ يَدْخُلَانِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ فَلَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْ الْحَجَرَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا مِنْهُ رحمه الله إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي دُخُولِ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَجْرِ لِذَلِكَ ذِكْرٌ وَإِنَّمَا كَلَامُنَا وَحِكَايَةُ الْأَصْحَابِ لاوجه فِي ذَلِكَ فِي دُخُولِهَا تَحْتَ اسْمِ الدَّارِ وَحِينَئِذٍ فَيَتَّجِهُ الْخِلَافُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ تَنْدَرِجُ فِي بَيْعِ الدَّارِ إلَّا عَلَى مَا قَالَهُ الجوزى وَذَلِكَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْمِيزَابُ عَدَّهُ صَاحِبُ الْحَاوِي مِمَّا يَدْخُلُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِالْأَبْوَابِ وَالضِّبَابِ فَيَدْخُلُ جَزْمًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِالرُّفُوفِ الْمُتَّصِلَةِ فَيَجْرِي فِيهَا الْوَجْهَانِ وَيَكُونُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ فِي دُخُولِهَا وَيَدْخُلُ الِاخْتِصَاصُ الَّتِي عَلَى السطح قاله صاحب التتمة.
(فَرْعٌ)
إذَا كَانَ فِي الدَّارِ بِئْرٌ دَخَلَتْ لَبِنُهَا وَآجُرُهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي الْبِئْرِ وَسَيَأْتِي الكلام في الماء أو صهريج دخل الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ بِنَائِهَا فَهُوَ كَالْخَزَائِنِ وَالسُّقُوفِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَلَوْ كَانَ وَرَاءَ الدَّارِ بُسْتَانٌ مُتَّصِلٌ بِالدَّارِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا لِأَنَّ اسْمَ الْحُقُوقِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْبُسْتَانِ الْمُتَّصِلِ بِالدَّارِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
(فَرْعٌ)
وَأَمَّا حَرِيمُ الدَّارِ فَإِنْ كَانَتْ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ دَخَلَ وَلَوْ كَانَ فِي الْحَرِيمِ أَشْجَارٌ فَفِي دُخُولِهَا الْخِلَافُ فِي دُخُولِ الْأَشْجَارِ فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَتْ فِي سِكَّةٍ نَافِذَةٍ أَوْ فِي طَرِيقِ الشَّارِعِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَرِيمُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ بل لاحريم لمثل هذه الدارعلى مَا سَنَذْكُرُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّ الْأَشْجَارَ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ وَفِي غَيْرِ النَّافِذِ إنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ لَمْ تَدْخُلْ وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا دَخَلَتْ لِأَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ وَمَا فِيهَا مِنْ جُمْلَةِ حُقُوقِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَرِيمَ في السكة غير النافذ لايدخل إلَّا بِالتَّنْصِيصِ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ إنَّ بِئْرَ الْمَطَرِ
إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ خَارِجَ الدَّارِ لَمْ تَدْخُلْ في البيع ولا شرط وَهَذَا يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّتِمَّةِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (قُلْتُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ ثُمَّ يُكْتَبُ بَعْدَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الرفعة صحيح وليس اعتراض عَلَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُمْ أَنَّهُ حَيْثُ ثَبَتَ الْحَرِيمُ هَلْ يَدْخُلُ هُوَ وَأَشْجَارُهُ فِي بيع الدار أم لا ولاشك أن الحريم ثابت في السكة المسندة إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا تِلْكَ الدَّارُ وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي فَرَضَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ يَدْخُلُ حَرِيمُ الدَّارِ فِي بَيْعِ الدَّارِ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ حَرِيمُ الْقَرْيَةِ فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اتَّصَلَ بِالدَّارِ حُجْرَةٌ أَوْ سَاحَةٌ أَوْ رَحْبَةٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ لِخُرُوجِ ذَلِكَ عَنْ حُدُودِ الدار التى لا تمتاز عَنْ غَيْرِهَا إلَّا بِهَا وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إلَّا بِذِكْرِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةُ حُدُودٍ فِي الْغَالِبِ فَإِنْ اسْتَوْفَى ذِكْرَهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ ذَكَرَ حَدًّا أَوْ حَدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ
ذَكَرَ ثَلَاثَةً فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَا تَتَمَيَّزُ بالثلاثة بطل وان تميزت فالصحيح وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ بَاطِلٌ (قُلْتُ) وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْحُدُودِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مَعْلُومَةً نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الصِّحَّةُ إذَا ذَكَرَ مَا يُمَيِّزُهَا وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْتِبَاسِهَا بِغَيْرِهَا وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَتْبَعَهَا الْحُجْرَةُ وَالسَّاحَةُ وَالرَّحْبَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِهَا لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ (وَأَمَّا) إذَا ذَكَرَ الْحُدُودَ وَخَرَجَتْ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ الْحُدُودِ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْحُدُودِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةُ إذَا أُطْلِقَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُدُودِ وَتَمَيَّزَتْ وَحُكِيَ مَعَ ذَلِكَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(فَرْعٌ)
حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا إذَا اتَّصَلَ بِالدَّارِ سَابَاطٌ عَلَى حَائِطٍ مِنْ حُدُودِهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يدخل كالجناح
(والثانى)
لايدخل الا بشرط كالحجرة والساحة (والثالث) وهو تخريج أبى الفياض إنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْ السَّابَاطِ مطروحا على حائط لغيره هذه الدار لم يدخل قال ابن عصرون وهو أصحهما وَأَطْلَقَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ عَدَمَ دُخُولِ الساباط وذا بَاعَ دَارًا عَلَى بَابِهَا ظُلَّةٌ مُثَبَّتَةٌ عَلَى جِدَارِهَا دَخَلَ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الدَّارِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ صَاحِبُ
الْعُدَّةِ وَقَالَ لَنَا إنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الدَّارِ وَإِذَا دَخَلَ الْمِيزَابُ فِيهِ فَهَذَا أَوْلَى.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَغَالِيقَ تَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ وَالْمَفْهُومُ مَا كَانَ مُسَمَّرًا كَالنُّصُبِ الْمَعْهُودَةِ وَالدُّوَّارِ الْمُسَمَّى بِالْكَيْلُونِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ أَقْفَالَ الْخَزَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ وَمَفَاتِيحَهَا وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْخَزَائِنَ
الْمُنْفَصِلَةَ لَا تَدْخُلُ فَهِيَ أَوْلَى أَمَّا الْأَقْفَالُ الْحَدِيدُ الْمَعْهُودَةُ عَلَى الْأَبْوَابِ الْمُثَبَّتَةِ فَلَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا مَنْقُولَةٌ كَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهَا عَلَى الِاطِّرَادِ (تَنْبِيهٌ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ الْمُخْتَصَرَاتِ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِفْتَاحَ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ (وَالصَّوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مِفْتَاحِ الغلق المثبت كالضبة والدوار كا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ (أَمَّا) مِفْتَاحُ الْغَلْقِ الْمَنْقُولُ كَالْأَقْفَالِ الْحَدِيدِ الَّذِي يُنْقَلُ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْقُفْلِ فَلَا يَدْخُلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ لَا خِلَافَ في ذلك.
(فرع)
تقدم عن أبي الحسين الجوزى أَنَّهُ إذَا رَهَنَ أَرْضًا أَوْ دَارًا فَفِي دُخُولِ الْبِنَاءِ قَوْلَانِ وَنَبَّهْتُ هُنَاكَ عَلَى غَرَابَتِهِ وَأَنَّهُ عَلَى مَسَافَةٍ تَقْتَضِي جَرَيَانَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ زَالَ الْحُكْمُ بِتَبَعِيَّةِ أكثر ما ذكرناه لانه اذالم يَدْخُلْ الْبِنَاءُ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا لَا يَشْهَدُ له عرف وأما اللغة (1) .
(فرع)
وأما الشَّجَرُ فَفِي دُخُولِهَا فِي بَيْعِ الدَّارِ الطُّرُقُ الثَّلَاثُ الَّتِي مَرَّتْ فِي دُخُولِهَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ دُخُولُ الشَّجَرِ هُنَا أَوْلَى مِنْ دُخُولِهِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا حَوَاهُ بِنَاؤُهُ مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ وَحَكَى الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ إنْ بَلَغَتْ الْأَشْجَارُ مَبْلَغَهَا تَجُوزُ تَسْمِيَةُ الدَّارِ بُسْتَانًا لَهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي اسْمِ الدَّارِ والا دخلت مالا وهذا
(1) كذا بالاصل فحرر
أعدل الوجوه وهذا منهما بناء على ماختاراه أَنَّ الشَّجَرَةَ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمَا وَإِلَّا فَمَتَى قِيلَ بِالتَّبَعِيَّةِ فِي الْأَرْضِ فَفِي الدَّارِ أَوْلَى وَاقْتَضَى كَلَامُ الْإِمَامِ فِي الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى اتِّبَاعِ الِاسْمِ أَيْ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ لايدخل فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَمَا قَالَهُ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِي الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ كَلَامَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الطُّرُقُ الْجَارِيَةُ فِي اسْتِتْبَاعِ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ جَارِيَةً فِي اسْتِتْبَاعِ الدَّارِ لِلشَّجَرِ فَعَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِتْبَاعِ يَدْخُلُ الشجر ههنا وَكَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِتْبَاعِ مِنْ طَرِيقَةِ طَرْدِ الْخِلَافِ (وَأَمَّا) عَلَى طَرِيقَةِ تَقَدُّمِ الِاسْتِتْبَاعِ أَوْ عَلَى الْقَوْلِ الْمُوَافِقِ لَهَا مِنْ طَرِيقَةِ الْخِلَافِ فَتُجْرَى الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْإِمَامُ فِي استتباع الدار الشجر ومنشأها التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَشْمَلُهَا لَا أَنَّهَا تَدْخُلُ تَابِعَةً فَإِنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى خِلَافِهِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا زِيَادَةٌ عَلَى مَا نَقَلُوهُ وَتَفْصِيلٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ وَهُوَ حَسَنٌ وَكَيْفَمَا قُدِّرَ فَالْأَصَحُّ مِنْ الْمَذْهَبِ الدُّخُولُ عَلَى غَيْرِ طَرِيقَةِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ تَفَاوُتٌ لَطِيفٌ فَعِبَارَةُ الْإِمَامِ مَا قَدَّمْتُهَا وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يمكن تسمية ذلك دون الدار بستانا لم يَنْدَرِجُ وَإِلَّا فَيَنْدَرِجُ وَأَوَّلَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ يُسَمَّى دُونَ الدَّارِ بُسْتَانًا وَتَكُونُ السدار دَاخِلَةً تَحْتَ اسْمِهِ وَحِينَئِذٍ يُوَافِقُ عِبَارَةَ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْبَابُ إذَا كَانَ مَغْلُوقًا لايدخل فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَكَذَلِكَ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْخَشَبِ وَالْآجُرِّ وَغَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ أَيْضًا.
(فَرْعٌ)
بَاعَ سَفِينَةً قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مَا كَانَ مِنْ الْبِنَاءِ مُتَّصِلًا وَفِي دخول مالا يستغنى عنه من آلتها المنفصلة وجهان يعني المتقدمين عن أبي اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي حجري الرحا ودخولهما تحت اسم الدار (وأما) لو قال بعتك هَذِهِ الطَّاحُونَةَ قَالَ الْإِمَامُ فَالْحَجَرُ الْأَسْفَلُ يَدْخُلُ لَا مَحَالَةَ وَفِي دُخُولِ الْحَجَرِ الْأَعْلَى خِلَافٌ (وَالْأَظْهَرُ) دُخُولُهُ لِأَنَّ تَعَرُّضَهُ بِاسْمِهَا لِلطَّحْنِ وَالطَّحْنُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْحَجَرِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ وَلِأَجْلِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْإِمَامِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ إنَّهُ لَا خلاف في اندارجها تَحْتَ اسْمِ الطَّاحُونَةِ أَيْ لَا خِلَافَ
بِهِ احْتِفَالٌ وَفِي الْبَسِيطِ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ.
(فَرْعٌ)
إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْحَانُوتَ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ دَخَلَ فِي بيعها الدر وندو العلج ولا يدخل في بيعها الدرايات لِأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا فَهِيَ كَالرُّفُوفِ الَّتِي لَمْ تُسَمَّرْ قَالَ يَعْنِي الصَّيْمَرِيَّ (وَأَمَّا) الشَّرَائِحُ فَقَدْ قِيلَ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَقِيلَ لَا تَدْخُلُ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهَا إنْ كَانَتْ كَالْمَبْنَى دَخَلَتْ وَإِلَّا لَمْ تَدْخُلْ قَالَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْصُوبٍ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا فَقَدْ قِيلَ يَدْخُلُ كَالْبَابِ الْمَنْصُوبِ وَقِيلَ لايدخل كَالرُّفُوفِ الَّتِي لَمْ تُسَمَّرْ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ حكاية الوجهين في الدراديب (وَأَمَّا) الْمُتَّصِلُ بِالْحَائِطِ مِنْ الْخَشَبَةِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا لِاتِّصَالِهِ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فروع) جَرَتْ عَادَةُ الْأَصْحَابِ بِذِكْرِهَا فِي هَذَا الْبَابِ.
لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ وَفِي أُذُنِهِ حَلَقٌ أَوْ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ أَوْ فِي رِجْلِهِ حِذَاءٌ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَبْدِ وَهَلْ تَدْخُلُ
ثِيَابُهُ الَّتِي عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى جميع الفقهاء لا لانه لايدخل شئ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ.
قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَكِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالْعَفْوِ عَنْهَا فِيمَا بَيْنَ التُّجَّارِ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَدْخُلُ ذَلِكَ في مطلق البيع (وَالثَّالِثُ) يَدْخُلُ قَدْرَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ لِلضَّرُورَةِ كَنَعْلِ الدَّابَّةِ وَإِنْ بَاعَ دَابَّةً وَعَلَيْهَا سَرْجٌ وَلِجَامٌ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْمِقْوَدُ وَالْحَبْلُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْمِقْوَدُ وَالْحَبْلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ قَدْرَ مَا تُسْتَرُ بِهِ الْعَوْرَةُ وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ النِّعَالُ الْمُسَمَّرَةُ فِي أَرْجُلِهَا لِأَنَّهَا كَالْمُتَّصِلَةِ بِخِلَافِ الْقُرْطِ فِي الْأُذُنِ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّ النَّعْلَ يُسْتَدَامُ وَالْقُرْطَ لَا يُسْتَدَامُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ بَاعَ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا لُؤْلُؤَةً أَوْ جَوْهَرَةً لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ اللُّؤْلُؤَةُ أَوْ الْجَوْهَرَةُ فِيهَا أَثَرُ مِلْكٍ مِنْ ثَقْبٍ أَوْ صَنْعَةٍ فَهِيَ لُقَطَةٌ والا فهى ملك الصياد كما يملك من ما يأخذه من المعدة فَإِنَّ السَّمَكَةَ قَدْ تَمُرُّ بِمَعَادِنِ اللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ وَرُبَّمَا ابْتَلَعَتْ شَيْئًا مِنْهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
وَإِنْ بَاعَ طَيْرًا فَوَجَدَ فِي جَوْفِهِ جَرَادًا أَوْ سَمَكًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِنْ أَغْذِيَتِهِ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ فَهُوَ كَالْحَبِّ فِي بَطْنِ الشَّاةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ وَجَدَ
فِي جَوْفِهَا حَمَامًا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ ابْتَاعَ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا سَمَكَةً جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ السَّمَكَ قَدْ يَتَغَذَّى بِالسَّمَكِ وَحَكَى صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) هذا
(والثانى)
لايدخل بَلْ هُوَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ صَغِيرًا دَخَلَ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَمْ يَدْخُلْ قَالَ فِي
الِاسْتِقْصَاءِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ (وَالصَّحِيحُ) أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ هَذَا الْحُوتُ مِمَّا يَأْكُلُ الْحِيتَانَ دَخَلَ فِي بَيْعِهِ كَمَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الطَّيْرِ الَّذِي يَأْكُلُ الْحِيتَانَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لا يأكل لم يدخل الْحِيتَانَ لَمْ يَدْخُلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُؤْكَلُ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ الْمَوْجُودُ فِي جَوْفِ الطَّائِرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ بَعْدَ الْغَسْلِ لِتَنَجُّسِهَا بِمَا فِي جَوْفِ الطَّائِرِ فَلَوْ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ جَوْفِ الْحُوتِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ لِأَنَّ مَا فِي جَوْفِ الْحُوتِ لَيْسَ بِنَجَسٍ وَمَا فِي جَوْفِ الطَّائِرِ نَجَسٌ (قُلْتُ) وَمَا فِي جَوْفِ السَّمَكِ وَجْهَانِ (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ النَّجَاسَةُ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ الْغَسْلُ فِيهِمَا وَإِنْ بَاعَ دَجَاجَةً وَفِي جَوْفِهَا بَيْضٌ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ الْأَصْلِ فَهُوَ كَالْحَمْلِ قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ.
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ حُقُوقُ الدَّارِ الْخَارِجَةُ مِنْهَا لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بها وبهذا قَالَ الشَّرْطِيُّونَ وَكُلُّ حَقٍّ هُوَ لَهَا خَارِجٌ مِنْهَا احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِهِ وَحُكِيَ عَنْ زُفَرَ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ آلَةٌ وَقُمَاشٌ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّرْطِيُّونَ وَكُلُّ حَقٍّ هُوَ لَهَا وَمِنْهَا احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَرَدَّ صَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى زُفَرَ بِأَنَّهُ لَوْ دخل ذلك لدخل مافى الدَّارِ مِنْ عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَطَعَامٍ وَمَا أَحَدٌ قَالَ هَذَا.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ حُكِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ فِي يده.
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وأما الماء الذى في البئر فاختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحق الماء غير مملوك لانه لو كان مملوكا لصاحب الدار لما جاز للمستأجر شربه لانه اتلاف عين فلا يستحق بالاجارة كثمرة النخل
والواجب أن لا يجوز للمشتري رد الدار بالعيب بعد شربه كما لا يجوز رد النخل بعد أكل ثمرته فعلى هذا لايدخل في بيع الدار غير أن المشتري أحق به لثبوت يده على الدار وقال أبو علي ابن أبى هريرة هو مملوك لمالك الدار وهو المنصوص في القديم وفى كتاب حرملة لانه من ماء الارض فكان لمالك الارض كالحشيش فإذا باع الدار فان الماء الظاهر للبائع لايدخل في بيع الدار من غير شرط وما يظهر بعد العقد فهو للمشتري فعلى هذا لا يصح البيع حتى يشترط أن الظاهر من الماء للمشتري لانه إذا لم يشترط اختلط ماء البائع بماء المشتري فينفسخ البيع.
(الشَّرْحُ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ بِنَاءَ الْبِئْرِ وَالصِّهْرِيجِ يدخلان في بيع الدار فاما الَّذِي فِي الْبِئْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْبِئْرِ هَلْ يُمْلَكُ أَوْ لَا عَلَى وجهين
(أحدهما)
وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مملوك لانه يجري تحت الارض ويجئ إلَى مِلْكِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي يَجْرِي فِي النَّهْرِ إلَى مِلْكِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِمَا ذكره المصنف أيضا وقياسه على تمر النَّخْلِ يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ يَعْنِي فَلَمَّا جاز للمستأجر شربه وجاز ردها بالعين بَعْدَ شُرْبِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَوْ أَنَّ دَاخِلًا دَخَلَ وَأَخَذَهُ مَلَكَهُ وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرِهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ رَدُّهَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ اخْتِيَارُ أبى على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا يَنْبُعُ فِي أَرْضِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ كَلَبَنِ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْحَشِيشِ النَّابِتِ وَنُقِلَ هَذَا عَنْ نَصِّهِ فِي
الْقَدِيمِ وَعَنْ كِتَابِ حَرْمَلَةَ وَإِنَّمَا جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَأْذُونِ لَهُ بِالْعُرْفِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي غُرْمُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ مَوْضُوعٌ عَلَى التوسعة ومحل الوجهين فيهما إذا كان الْبِئْرُ مَمْلُوكَةً أَمَّا إذَا قَصَدَ بِحَفْرِهَا الِاسْتِقَاءَ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّمَلُّكَ فَالْمَاءُ الْمُجْتَمِعُ فِيهَا لَا يَكُونُ مِلْكًا بِالِاتِّفَاقِ لِلْأَصْحَابِ.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ لَا يَمْلِكُ لَمْ يَدْخُلْ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَكُلُّ مَنْ اسْتَقَاهُ وَحَازَهُ مَلَكَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مَمْلُوكٌ لَمْ يَدْخُلْ الْمَوْجُودُ مِنْهُ فِي
الْبَيْعِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ كَالثَّمَرَةِ الظَّاهِرَةِ وَمَا ظَهَرَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبِئْرِ أَوْ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْبِئْرُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمَوْجُودَ عِنْدَ الْعَقْدِ للمشترى لانه لو لم يشترط كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَيَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْعَقْدُ بَاطِلًا مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ يُشْبِهُ مَا إذَا بَاعَ شَجَرَةً وَعَلَيْهَا حِمْلُ ثَمَرَةٍ مُؤَبَّرَةٍ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَحْدُثُ حَمْلٌ آخَرُ وَيَتَلَاحَقُ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ إمْكَانِ قَطْعِ الْأَوَّلِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَتْبَعَ الْمَاءَ الْبِئْرَ وَجَعَلَهُ كَالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَرِيبٌ جِدًّا وَمَعَ غَرَابَتِهِ صَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَإِنْ جَهِلَ الْمِقْدَارَ مِنْهُ كَمَا يَدْخُلُ الْحِمْلُ تَبَعًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُرْشِدِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَشْهُورِ فَالْفَرْقُ يَقْتَضِيهِ فَلْيُلَخَّصْ مِنْ هَذَا أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا أُطْلِقَ فِي الْبِئْرِ وَالدَّارِ الَّتِي فِيهَا لَا يَسْتَتْبِعُ الْمَاءَ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَالْبَاطِلُ لَا يَسْتَتْبِعُ وَصَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي اسحق لَكِنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي البيع فإذا شرط دخوله على قول أبى هريرة كان ذلك بالشرط لا بِالتَّبَعِيَّةِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَطَعُوا بِهِ قال الامام ولست أرى قياسا ولا توفيقا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ وَلَكِنَّ الْعَادَةَ عَامَّةٌ فِي الْمُسَامَحَةِ بِهِ فَإِنْ تَنَاقَلَتْ (1) نَاظَرَ عَنْ هَذَا فَكَذَلِكَ وَالْإِمَامُ لَمْ يُخَالِفْهُمْ فِي الْحُكْمِ كَمَا تَرَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَجْهُ الَّذِي نَقَلَهُ هُوَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ بَيْعِ الْكِلَابِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَاءِ الْبِئْرِ وَحْدَهُ بِاتِّفَاقٍ قَالَ الْإِمَامُ وَالْمَاءُ الْجَارِي أَوْلَى بِالْفَسَادِ (فَإِنْ قُلْتُ) كَيْفَ صَحَّ اشْتِرَاطُهُ وَهُوَ لَوْ بَاعَ مَاءَ الْبِئْرِ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ أما على قول أبى اسحق فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلِأَنَّهُ لَا يمكن تسليمه كما في مسألة الثمار ولايجوز أَنْ يَبِيعَهُ جُمْلَةَ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ وَاَلَّذِي سَيَحْدُثُ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ مَعْدُومٌ وَكَذَلِكَ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَاءِ الْبِئْرِ (قُلْتُ) صَحِيحٌ أَنَّ بَيْعَ مَاءِ الْبِئْرِ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ جَزْمًا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِيمَا إذَا بَاعَهُ مَعَ الْبِئْرِ أَوْ الدَّارِ لِأَنَّ الْحَادِثَ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحْصُلُ اخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ فَقَدْ أَمِنَّا مِنْ الْفَسَادِ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْبِئْرِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ كَمَا قُلْنَا فِي الدَّارِ وَقَدْ اعْتَرَضَ زَيْنُ الدِّينِ الْحَلَبِيِّ شَيْخُ صَاحِبِ الْوَافِي عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ اخْتِلَاطُ
مَاءِ الْبَائِعِ بِمَاءِ الْمُشْتَرِي فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِأَنَّ الْمَاءَ الظَّاهِرَ لَيْسَ يمنع فاختلاطه بماء المشتري لا يوجب
(1) كذا بالاصل فحرر
الْفَسْخَ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْوَافِي بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُجْتَمِعَ حَالَةَ الْعَقْدِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ فَيَكُونُ مَبِيعًا فَإِذَا اخْتَلَطَ بِمَاءِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي قَدْرِ ذَلِكَ الْمَاءِ الْمَبِيعِ لِاخْتِلَاطِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ فَكَانَ كَالتَّالِفِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ فِي أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ الْمَبِيعَيْنِ هَلْ يَكُونُ كَالتَّعَذُّرِ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يَبْطُلَ فِي الْجَمِيعِ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِي كتاب البيوع اه مَا أَجَابَ بِهِ وَأَنَا أَقُولُ إنَّ اخْتِلَاطَ الْمَاءَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَاخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ بِالْمَوْجُودَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ هُوَ الشَّجَرَةُ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ بِغَيْرِهَا (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الِانْفِسَاخُ وَإِذَا ثَبَتَ هُنَاكَ أَنَّ اخْتِلَاطَ الثَّمَرَةِ حَيْثُ تَكُونُ الشَّجَرَةُ مَبِيعَةً كَاخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ حَيْثُ تَكُونُ نَفْسُهَا مَبِيعَةً وَالثَّمَرَةُ هُنَاكَ إذَا عُلِمَ تَلَاحُقُهَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَحَيْثُ تَكُونُ الشَّجَرَةُ مَبِيعَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ يُعْلَمُ تَلَاحُقُهَا بِغَيْرِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْمَاءِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَصَحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِالِانْفِسَاخِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ ثُمَّ يَنْفَسِخُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِلَاطِ وَلَكِنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمْنَا أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ انْعَقَدَ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يَفْسَخُهُ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِهِ مِنْ أَصْلِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ وَهَذَا التَّصْوِيرُ صَحِيحٌ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ وعند الاصحاب
فِيمَا إذَا كَانَ اخْتِلَاطُ الثِّمَارِ مَعْلُومًا بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَاطُ نَادِرًا ثُمَّ وَقَعَ وَأَمَّا مَا أَجَابَ بِهِ صَاحِبُ الْوَافِي فَلَا يَتَّجِهُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ إنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ فِي الْبَاقِي وَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ عَدَمَ الْبُطْلَانِ فَكَيْفَ يُخَرَّجُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا الَّذِي جَزَمَ فِيهِ بِالِانْفِسَاخِ هَذَا فِيمَا هُوَ جُزْءٌ كَأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ أَمَّا الْمَاءُ الْمَوْجُودُ
الْكَائِنُ فِي الْأَرْضِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الجزء بل هو وصف متعذرة أَوْ يَبْلُغُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ الْخِيَارَ وَلَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ جَزْمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
وَأَمَّا الْعُيُونُ الْمُسْتَنْبَعَةُ وَالْأَوْدِيَةُ وَالْعَيْنُ فَفِي تَمَلُّكِ مَائِهَا أَيْضًا وَجْهَانِ وقرارها مملوك ولا يجوز بيع مائها لم تَقَدَّمَ بِلَا خِلَافٍ لِاخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ ويجوز بيع قَرَارُ الْعَيْنِ أَوْ سَهْمٌ مِنْهَا وَيَكُونُ لِمُشْتَرِي ذَلِكَ حَقٌّ فِي الْمَاءِ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى الْأَصْلِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ سَهْمًا مِنْ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً أَوْ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا مِنْ الْمَاءِ لِأَنَّ الزَّمَانَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَالْمَاءُ الَّذِي فِي الْعُيُونِ وَالْآبَارِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ بَاعَ الْعَيْنَ قَالَ الْأَصْحَابُ وَالْحِيلَةُ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَاءَ الْعَيْنِ أَوْ سَهْمًا مِنْهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَيْنَ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا فَيَكُونُ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَاءِ عَلَى مِلْكِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ عَلَى قول أبى اسحق قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا
وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرُوا فِي بَيْعِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا بِئْرٌ مَا إذَا اشْتَرَى الْعَيْنَ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا (إذَا قُلْنَا) الْمَاءُ مَمْلُوكٌ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَعَ الْعَيْنِ الْمَاءَ الظَّاهِرَ وَقْتَ الْبَيْعِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ مَاءُ الْمُشْتَرِي بِمَاءِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَا تَكْفِي الرُّؤْيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ لِأَنَّهَا رُؤْيَةٌ لِلْمَاءِ الْحَادِثِ وَقْتَ الرُّؤْيَةِ لَا لِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَلَوْ بَاعَ الْعَيْنَ وَالْمَاءَ الَّذِي فِيهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْلُومٌ وَمَجْهُولٌ هَكَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ الْمَاءَ الْحَاصِلَ فِيهَا فَهُوَ كَبَيْعِ الْبِئْرِ وَمَائِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ الْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ لَكِنْ بِغَيْرِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بَلْ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْجُودٌ وَمَعْدُومٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ إذَا كَانَ الْحَادِثُ تَابِعًا وَإِنْ أَرَادَ الْمَاءَ الْمَوْجُودَ وَأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَهُ فَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي مَاءِ الْبِئْرِ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْبَابَيْنِ الْعِلْمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَاعَ مِائَةَ منا مِنْ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْبِئْرِ وَقُلْنَا الْمَاءُ مَمْلُوكٌ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ فِي النهاية على ما إذا رأى المودجا مِنْ لَبَنِ الضَّرْعِ (1) لِأَنَّ بَعْضَهُ مَرْئِيٌّ وَبَعْضَهُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمِقْدَارُ الْمَبِيعُ من ماء البئر يعتقد بالتزايد فِيهِ كَمَا فِي لَبَنِ الضَّرْعِ وَلَوْ بَاعَ مائة منا مِنْ مَاءِ نَهْرٍ كَانَ مَمْنُوعًا وَجْهًا وَاحِدًا وَلَوْ بَاعَ مِنْ النَّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمَاءِ صَحَّ وَالْقَوْلُ فِي الْمَاءِ كَمَا
تَقَدَّمَ فِي الْبِئْرِ وَإِنْ بَاعَ النَّهْرَ مَعَ مَائِهِ الجاري فيه وقلنا الماء غير مملوك وغير مملوك مَجْهُولٍ وَإِنْ قُلْنَا مَمْلُوكٌ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ مَجْهُولٍ وَمَعْلُومٍ وَالْأَصَحُّ فِي مِثْلِهِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ في الجميع.
(1) بياض بالاصل فحرر
(فَرْعٌ)
عَنْ الْإِمَامِ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ نَهْرٌ فَالْكَلَامُ فِي مَائِهِ كَالْكَلَامِ فِي مَاءِ الْبِئْرِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ إذا كان واقفا فيه دون مَا إذَا كَانَ جَارِيًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قُلْتُ) وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَارِيَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جَزْمًا.
(فَرْعٌ)
وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيُجْعَلُ فِي صِهْرِيجٍ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ فَقَدْ قَالَ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ رحمه الله فعندي أنه يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَلَا فِي الْإِجَارَةِ إلَّا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ قَالَ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ مِنْ الزَّيْتِ وَغَيْرِهِ إذَا خُلِطَ فِيهِ.
(فَرْعٌ)
الْمِيَاهُ الْجَارِيَةُ فِي الْأَنْهَارِ كَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وَجَيْحُونَ وَالنِّيلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَنْهَارِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا تَنْبُعُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً كَالْجِبَالِ وَالشِّعَابِ وَمَنْ اسْتَقَى شَيْئًا مِنْهَا وَحَازَهُ مَلَكَهُ وَإِذَا جَرَى مَاءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَنْهَارِ إلَى مِلْكِ إنْسَانٍ كَمَاءِ الْمَدِّ يَدْخُلُ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا بِالْحِيَازَةِ بَلْ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ وَإِذَا حَفَرُوا أَنْهَارًا فَأَجْرَوْا فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْأَنْهَارِ مَاءً فَلَيْسَ أَيْضًا بِمَمْلُوكٍ وَلِهَذَا يَحِلُّ لِلْعَطْشَانِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِ النَّهْرِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ باع مقدارا من ماء نهر جَارٍ أَرْضُهُ مَمْلُوكَةٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنْزِيلُ الْعَقْدِ عَلَى مُعَيَّنٍ فِيهِ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا مَا يَقَعُ فِي أَرْضِهِ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ مَاءَ الْبِئْرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ لِأَنَّهُ نَمَاءُ أَرْضِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِنَمَاءِ أَرْضِهِ وَإِنَّمَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ كَمَا لَوْ يُوجَدُ فِي أَرْضِهِ صَيْدٌ (قُلْتُ) وهذا ما لم تحصل حيازته (أَمَّا) إذَا أَخَذَهُ وَحَازَهُ مَلَكَهُ وَفِي الْبَيَانِ أَنَّ أَصْحَابَنَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ احْتَازَ مَاءً مِنْ نَهْرٍ عَظِيمٍ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَيْهِ أنه
لا يختص بشركة في هذا النهر قال وَإِنْ أَتْلَفَ رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ مَاءً فَهَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (قُلْتُ) وَهَذَا الْخِلَافُ عَلَى إطْلَاقِهِ يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْمَاءَ مِثْلِيٌّ أَوْ مُتَقَوِّمٌ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ فِي مَفَازَةٍ ثُمَّ غَرِمَهُ فِي الْبَلَدِ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَالْبِئْرُ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ بِأَنْ قَصَدَ حَافِرَهُ فِي الْمَوَاتِ الِاسْتِقَاءَ مِنْهُ وَعَدَمَ تَمَلُّكِهِ فَمَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لَا يُمْلَكُ قَوْلًا وَاحِدًا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ.
(فَرْعٌ)
فَأَمَّا مَا تَوَلَّدَ فِي أَنْهَارِ الْأَرْضِ وَعُيُونِهَا مِنْ السَّمَكِ فَلَا يُمْلَكُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وجه أبى إسحق وَوَجْهُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا بِالْحِيَازَةِ كَمَا لَا يُمْلَكُ مَا فَرَّخَ مِنْ الصَّيْدِ فِي أَرْضِهِ إلَّا بِأَخْذِهِ وَإِنَّمَا لَهُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ دُخُولِ أَرْضِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ أَخَذُوهُ مَلَكُوهُ دُونَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ ذَاكَ التَّعَلُّقُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ جَمِيعَ حَقِّي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَهُوَ عَشْرَةُ أَسْهُمٍ مِنْ عِشْرِينَ سَهْمًا وَكَانَ حَقُّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ (قُلْتُ) وَقَدْ يَتَخَيَّلُ أَنَّ ذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ فَخَرَجَتْ أَكْثَرَ وَلَيْسَتْ مِثْلَهَا فَإِنَّ الصُّبْرَةَ الْمُشَاهَدَةَ يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ الْأَعْظَمُ بِعَيْنِهَا كُلِّهَا وَفِي الْجُزْءِ الْمُشَاعِ يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ الْأَعْظَمُ بِمَا يُذْكَرُ مِنْ مِقْدَارِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أبى إسحق هَلْ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي يَقُولُ أَنْ لَا يَمْلِكَ قَطُّ لَا بِالْإِجَارَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا أَوْ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ هُوَ غَيْرُهُ ومذهب أبى اسحق فِي مَاءِ الْبِئْرِ خَاصَّةً قَبْلَ الْإِجَارَةِ وَهُوَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا
فِي مِلْكِهِ فَاجْتَمَعَ فِيهَا مَاءٌ هَلْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْمَاءَ بِمُجَرَّدِ كَيْنُونَتِهِ فِي الْبِئْرِ أَمْ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَحْتَازَهُ بِإِنَاءٍ أَوْ ظَرْفٍ وجهان مشهوران (قال) أبو إسحق لا (قال) ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَعَمْ وَلَا خِلَافَ عِنْدَهُمَا أنه يملك بالاجازة (وَأَمَّا) ذَلِكَ الْوَجْهُ الْبَعِيدُ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ قَطُّ بِالْإِجَارَةِ وَلَا غيرها فهو مهجور غير مشهور قال لَمْ أَرَ أَحَدًا حَكَاهُ سِوَاهُ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُونَ فِي
الطَّرِيقَتَيْنِ وفرعوا عليهما.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ كَانَ في الارض معدن باطن كمعدن الذهب والفضة دخل في البيع لانه من أجزاء الارض وان كان معدنا ظاهرا كالنفط والقار فهو كالماء مملوك في قول ابن أبى هريرة وغير مملوك في قول أبى اسحق والحكم في دخوله في البيع على ما بيناه في الماء وان باع أرضا وفيها ركاز أو حجارة مدفونة لم تدخل في البيع لانها ليست من أجزاء الارض ولا هي متصلة بها فلم تدخل في بيعها) .
(الشرح) النفط (1) وَالْقَارُ (2)(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) الْمَعْدِنُ عَلَى قِسْمَيْنِ بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ جَامِدٌ وَذَائِبٌ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) الْبَاطِنُ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ أَيْ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ عَنْ الْأَرْضِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَسَمَّاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ مَعَادِنَ الْجَامِدَاتِ فَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ جَزْمًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ولا فرق بين
(1 و 2) بياض بالصل فحرر
الْمَعْدِنِ الْمَذْكُورِ وَبَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّ بعض الاجزاء أفخر من بَعْضٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَعْدِنِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَلَا مَعْدِنِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ مَعْدِنِ الذَّهَبِ أَوْ مَعْدِنِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ فِيهِ قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ بَيْعٍ وَصَرْفٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) الْمَعْدِنُ الظَّاهِرُ أَيْ الْمُتَمَيِّزُ عَنْ الْأَرْضِ وَهِيَ أَعْيُنٌ لِلْمَائِعِ كَالنِّفْطِ وَالْقَارِ وَالْمُومْيَا وَالْمِلْحِ وَالْكِبْرِيتِ وَالزِّئْبَقِ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَاءِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِ مَعَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْمَاءِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْإِمَامِ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا مَعْدِنٌ فَمَا يَتَجَدَّدُ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي وَمَا كَانَ مُجْتَمِعًا فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَلَا تَرَدُّدَ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا يُمْلَكُ (قُلْت) فَإِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَمْلِكُ أَصْلًا وَلَا بِالْحِيَازَةِ كَمَا هُوَ وَجْهٌ بَعِيدٌ حَكَاهُ هُوَ فصحيح ان ذلك
الوجه لاجريان لَهُ فِي الْمَعْدِنِ لَكِنْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ في مسألتنا لان الكلام مادام فِي مَقَرِّهِ قَبْلَ الْحَوْزِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ لا يملك مادام في البئر فالمعدن كذلك عند أبى اسحق الْقَائِلِ بِذَلِكَ فِي الْمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَغَيْرُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْمَعْدِنِ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي بَيْعِ الدَّارِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْمَعْدِنِ وَفِي الدَّارِ فَرَضَ الْغَزَالِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَسِيطِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا بَاعَ أَرْضًا فِيهَا رِكَازٌ أَيْ كَنْزٌ مَدْفُونٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ حِجَارَةٍ مَدْفُونَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ
مِنْ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ مِنْ دَفِينِ الْإِسْلَامِ لايدخل فِي الْبَيْعِ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُهُ إذَا وَجَدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَلَا مِنْ نَمَائِهَا وَلَا مُتَّصِلًا بِهَا فَلَمْ يَدْخُلْ كَمَتَاعِ الْبَيْتِ وَالطَّعَامِ الَّذِي فِيهِ (وَالظَّاهِرُ) أَنَّهُ لِمَنْ مُلِكَتْ مِنْهُ الدَّارُ فَإِذَا ادَّعَاهُ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَهُوَ لِمَنْ مَلَكَهُ الْبَائِعُ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا أَبَدًا.
هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الاصحاب (المسألة الثانية) الْأَحْجَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مخلوقا فِي الْأَرْضِ فَتَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا يَدْخُلُ قَرَارُ الْأَرْضِ وَطِينُهَا ثُمَّ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَضُرَّ بِالزَّرْعِ وَالْغَرْسِ جميعا فهى عَيْبٌ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُقْصَدُ لِذَلِكَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَإِنَّمَا هُوَ فَوَاتُ فَضِيلَةٍ وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فِي كَوْنِ ذَلِكَ عَيْبًا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَبِيعَةً بِغَيْرِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَلَوْ اشْتَرَاهَا لِلْبِنَاءِ فَهِيَ أَصْلَحُ لَهُ فَلَا خِيَارَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ الزَّرْعَ وَإِلَّا فَالْبَيْعُ لَا يُعَيَّنُ جِهَةُ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ وَلَيْسَ كَالْإِجَارَةِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) يَضُرُّ بِالْغِرَاسِ دُونَ الزَّرْعِ لِوُصُولِ عُرُوقِ الْغِرَاسِ إلَيْهَا دُونَ الزَّرْعِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَيْبٌ
(وَالثَّانِي)
وَيُحْكَى عن أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَا خِيَارَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْغَرْسِ دُونَ الزَّرْعِ أَوْ الزَّرْعِ دُونَ الْغَرْسِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَيْبًا لِكَمَالِ الْمَنْفَعَةِ بِأَحَدِهِمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْغَرْسِ دُونَ الزَّرْعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدِي أَنْ يُنْظَرَ فِي أَرْضِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ مُرْصَدَةً لِلزَّرْعِ أَوْ بَعْضُهَا لِلْغَرْسِ وَبَعْضُهَا لِلزَّرْعِ فَلَيْسَ هَذَا بِعَيْبٍ وَإِنْ كَانَتْ مُرْصَدَةً لِلْغَرْسِ فَهَذَا عَيْبٌ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُعْتَادَ يَجْرِي مَجْرَى الشَّرْطِ قَالَ وَلَعَلَّ اخْتِلَافَ الْوَجْهَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فلا يكون
فِي الْجَوَابِ اخْتِلَافٌ لَكِنْ ذَكَرْتُ مَا عَلَيَّ وَبَيَّنْتُ مَا اقْتَضَتْهُ الدَّلَالَةُ عِنْدِي (قُلْتُ) وَهَذَا حَسَنٌ وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ فِيهِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعَدٍّ لِلزَّرْعِ وَلَا لِلْغَرْسِ كَالْأَرَاضِيِ بَيْنَ الْبُنْيَانِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَيَكُونُ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ جَمِيعًا فِيهَا لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلِذَلِكَ شَرَطْنَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِلْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَاسْتَثْنَى هُوَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَبِيعَةً لِغَيْرِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا تَكُونَ مُضِرَّةً بِالْغِرَاسِ وَلَا بِالزَّرْعِ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَجْهِ الارض فليس هذا بعيب ولاخيار لِلْمُشْتَرِي (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ أَحْوَالِ الْحِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً فِي الْأَرْضِ كَاَلَّتِي تَكُونُ فِي أثاثات الْجِدَارَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلِاسْتِدَامَةِ وَهَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ يَسْتَتْبِعُ الْبِنَاءَ وَالطُّرُقُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي ذَلِكَ جَارِيَةٌ فِيهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبِنَاءُ مُنْهَدِمًا أَوْ كَانَتْ فِي طَيِّ بِئْرٍ خَرَابٍ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الدُّخُولِ (وَأَمَّا) كَوْنُهَا عَيْبًا فَقَدْ جعلها الرافعى (1) فِي كَوْنِهَا عَيْبًا إذَا كَانَتْ مُضِرَّةً بِالْغِرَاسِ والزرع كالمخلوقة (وَأَمَّا) الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ الْغَالِبَ فِيمَا بُنِيَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ حَجَرٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُضِرٍّ بِزَرْعٍ وَلَا غَرْسٍ لِأَنَّ الْعُرُوقَ جَارِيَةٌ فِي مُسْنَاةِ الْأَرْضِ وَمَشَارِبِهَا قَالَ فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَا خِيَارَ وَإِنْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً بِخِلَافِ الْعُرْفِ فِي مَوْضِعٍ مُضِرٍّ بِالزَّرْعِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عَلَى مَا مَضَى إلَّا أَنْ يَسْهُلَ قَلْعُهَا لقصر المدة وقلة المؤنة فلا خيار (2) أثبتنا
(1 و 2) بياض بالاصل فحرر
الْخِيَارَ فَاخْتَارَ إتْمَامَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَمْسِكُ الْأَرْضَ وَالْحِجَارَةَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ مَدْفُونَةً فِيهَا كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ كَانَ عَادَةَ أَهْلِ الْحِجَازِ يَنْحِتُونَ الْأَحْجَارَ وَيَدْفِنُونَهَا إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَلَا خِلَافَ انها لا تدخل في بيع كَالْكُنُوزِ وَالْأَقْمِشَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَعْدِنِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا هِيَ مُتَّصِلَةٌ بِهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ ثُمَّ لَا يَخْلُو الْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَالِ أَوْ جَاهِلًا إنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ لَهُ
فِي فَسْخِ الْعَقْدِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِقَلْعِ التَّابِعِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ خَالِيَةً عَنْ غِرَاسٍ وَبِنَاءٍ أَوْ غَيْرَ خَالِيَةٍ وَدَخَلَ فِي الْعَقْدِ إمَّا تَبَعًا أَوْ مَعَ التَّصْرِيحِ وَلِلْبَائِعِ النَّقْلُ وَإِنْ أَضَرَّ بِالْمُشْتَرِي بِأَنْ كَانَ تَنْقُصُ قِيمَةُ الْأَرْضِ أَوْ الْغِرَاسِ أَوْ الزَّرْعِ الدَّاخِلِ فِي الْعَقْدِ أَوْ الَّذِي أَحْدَثَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ وَإِنْ أَبَى الْبَائِعُ الْقَلْعَ فَلِلْمُشْتَرِي إجْبَارُهُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ تَبْقِيَتُهَا تَضُرُّ أولا.
وفى الوسيط حكاية وجهه أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى البقل وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ فِيمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي إجْبَارَ الْبَائِعِ عَلَى الْقَلْعِ وَالنَّقْلِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ وَلَا أُجْرَةَ لِلْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْقَلْعِ وَالنَّقْلِ وَإِنْ طَالَتْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دارا فيها أقمشة وهو عالم بها لاأجرة لَهُ فِي مُدَّةِ النَّقْلِ وَالتَّفْرِيغِ وَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ إذَا نَقَلَ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْحِجَارَةِ فَلِلْحِجَارَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الضَّرَرِ فِي قَلْعِهَا وَتَرْكِهَا أَحْوَالٌ أَرْبَعَةٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ لِبُعْدِهَا عَنْ عُرُوقِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَقَلْعُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ لِأَنَّهُ
لم يحصل في الارض غراس ولازرع فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ النَّقْلُ وَلِلْمُشْتَرِي إجْبَارُهُ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَالْخِيَرَةُ لِلْبَائِعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ الْأَصْحَابُ فَلَوْ سَمَحَ بِهَا لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مَحْضَةٌ وَالرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ فِي نَفْيِ الضَّرَرِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَالْمَاوَرْدِيُّ أراد بالضرر ضرر الزَّرْعَ وَالْغِرَاسَ فَلِذَلِكَ قَالَ مَا نَذْكُرهُ مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَلَعَهَا فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحِجَارَةِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْقَلْعِ لان علمه بها يجعل قلعها مستثنى كتقبية ثَمَرَةِ الْبَائِعِ عَلَى نَخْلِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالَمٍ بِالْحِجَارَةِ فَإِنْ كَانَ زَمَانُ الْقَلْعِ يَسِيرًا لَا يَكُونُ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ كَيَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كَيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرَ قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَفْوِيتِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي مَنْفَعَةَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَإِصْلَاحُ حُفَرِهَا بِقَلْعِ الْحِجَارَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالثَّانِيَةُ) عَلَى وَجْهَيْنِ فِي التَّتِمَّةِ ولا خيار وان للمسترى كَمَا لَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَجَبَ الْأَرْشُ وَلَا خِيَارَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَفِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ كَمَا بَعْدَ
الْقَبْضِ
(وَالثَّانِي)
وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُفَوَّتَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِيَدِ الْبَائِعِ عَلَى الْأَرْضِ أَخْذًا مِنْ أَنَّ جِنَايَتَهُ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ (فَأَمَّا) تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ
وَإِصْلَاحُ حُفَرِهَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَجْهًا وَاحِدًا لَكِنْ يَجِبُ بِذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا مُضِرًّا لِقُرْبِهَا مِنْ عُرُوقِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَقَلْعُهَا مُضِرٌّ لِمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ غِرَاسٍ وَزَرْعٍ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحِجَارَةِ وَبِضَرَرِهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي الْفَسْخِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الْقَلْعِ وَإِنْ كان جاهلا اما بالحجارة واما بضررها اما فِي الْقَلْعِ وَإِمَّا فِي التَّرْكِ فَلَهُ الْخِيَارُ هَكَذَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ سَوَاءٌ جَهِلَ أَصْلَ الْأَحْجَارِ أَوْ كَوْنَ قَلْعِهَا مُضِرًّا فَأَغْفَلَ قِسْمًا آخَرَ لَمْ يَشْمَلْهُ كَلَامُهُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْأَحْجَارِ وبكون قَلْعُهَا مُضِرًّا وَلَكِنْ جَهِلَ كَوْنَ تَرْكِهَا مُضِرًّا فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وليس كذلك لانه لافرق بَيْنَ ضَرَرِ التَّرْكِ وَضَرَرِ الْقَلْعِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يَطْمَعُ فِي أَنَّ الْبَائِعَ يَتْرُكُهَا فَلَا يَحْصُلُ ضَرَرٌ.
إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِأَنْ يَتْرُكَ الْبَائِعُ الْأَحْجَارَ لِمَا فِي بَقَائِهَا مِنْ الضرر وهل يسقط الخيار بأن يقول للمشترك لَا تَفْسَخْ لِأَغْرَمَ لَكَ أُجْرَةَ مُدَّةِ النَّقْلِ فيه فِيهِ وَجْهَانِ عَنْ رِوَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ (أَصَحُّهُمَا) عند الامام والرافعي لاكما لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لَا تَفْسَخْ لِأَغْرَمَ لَكَ الارش ثم ان فسخ رجع بالثمن والافعلى الْبَائِعِ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ النَّقْلُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ قبل القبض لا تجب التسوية وجها واحد بَلْ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ ههنا هو
وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ (أَمَّا) بَعْدَ الْقَبْضِ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وَجْهَيْنِ فِي التَّتِمَّةِ وَفِي أُجْرَةِ النَّقْلِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَهُوَ قَوْلُ أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ عَلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَجِبُ أَوْ بَعْدَهُ فَيَجِبُ (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهَا لَا تَجِبُ مُطْلَقًا وَالْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ وَالتَّسْوِيَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ والذى قبله
وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ لَمْ يَتَكَلَّمْ الرَّافِعِيُّ عَلَيْهِ إلَّا فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ هَكَذَا وَمَنْ جُمْلَةِ أَقْسَامِ مَا فَرَضَهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحِجَارَةِ جَاهِلًا بِضَرَرِهَا مَعَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَطْلَقَ أَوَّلًا أَيْضًا أَنَّهُ مَتَى كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا أُجْرَةَ وَقَدْ يَقَعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ الْتِبَاسٌ فَالصَّوَابُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَتَحْرِيرِ حَمْلِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ مَا قَالَهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ جَعَلَا مَحَلَّهُ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْحِجَارَةِ وَبِضَرَرِهَا
فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحِجَارَةِ غَيْرَ عَالَمٍ بِضَرَرِهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْفَسْخُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالضَّرَرِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَإِنْ أَقَامَ لِعِلْمِهِ بِالْحِجَارَةِ وَإِنَّ الْعِلْمَ بِهَا يَجْعَلُ زَمَانَ قَلْعِهَا مُسْتَثْنًى وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْقِسْمِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّلَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحِجَارَةِ يُمْنَعُ إيجَابُ الْأُجْرَةِ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَزَمَانِ تَفْرِيغِ الدَّارِ مِنْ الْقُمَاشِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ لَوْ
بَقِيَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ التَّسْوِيَةِ نُقْصَانٌ وَعَيْبٌ وَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَسَلَكَا بِالْأَرْشِ مَسْلَكَ الْأُجْرَةِ وَلَمْ يَسْلُكَا وَلَا مَنْ وَافَقَهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ بِالتَّسْوِيَةِ مَسْلَكَ الْأُجْرَةِ بَلْ أَوْجَبُوهَا مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ أَطْلَقَ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَوْجَبَ التَّسْوِيَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يُوجِبْ الْأُجْرَةَ كَمَا فَعَلَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ إن المنافع
والاوصاف لا يقابلها شئ مِنْ الثَّمَنِ فَلِذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَقَطْ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَلَمْ يَضْمَنْ تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ جناية البائع كالآفة السماية (وَأَمَّا) الْحَفْرُ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ أَذْهَبَ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ التُّرَابَ بَعْضُ الْأَرْضِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ خَيَالٌ ضَعِيفٌ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ لِأَنَّ التُّرَابَ الَّذِي كَانَ فِي مَوْضِعِ الْحَفْرِ كَانَ قَدْ بَانَ وَسَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ الْأَجْزَاءِ فَيَنْبَغِي انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ
وان كان باقيا قد زاله عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَيْبٌ فَرَدَّهُ مِنْ بَابِ إزالة المعيب وَلَا يَلْزَمُهُ وَإِيجَابُ عَيْنٍ أُخْرَى
يُسَوَّى بِهَا الْحَفْرُ أَبْعَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَرْشَ كَالْأُجْرَةِ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ حَكَى فِي الْأَرْشِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي فِي الْأُجْرَةِ وَقَدْ جَعَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ حُكْمَ التَّسْوِيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَبْنِيًّا عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ يَجِبْ وَهَذَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ
وَهُوَ الصَّوَابُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْقَدْرِ الْمُتَّصِلِ بِمِلْكِهِ لَمْ يَتِمَّ كَمَا يَقُولُهُ فوضع الْجَوَائِحِ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ أَطْلَقَ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي النَّفْسِ صِحَّتُهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَالْإِجْبَارِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النص وقول الجمهور ولانظر إلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَهُ فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِلَا خِلَافٍ وَعَقِبَ الطَّلَبِ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ رضي الله عنهم الْمُطْلِقِينَ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ لَمْ يُبَيِّنُوا
مَا إذَا كَانَتْ مَوَاضِعُ الْأَحْجَارِ تَحْتَاجُ فِي تَسْوِيَتِهَا إلَى تُرَابٍ آخَرَ هَلْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ إحْضَارُهُ مِنْ خَارِجٍ أَوْ تَسْوِيَتُهَا بِبَقِيَّةِ الْأَرْضِ أَوْ يُعِيدُ إلَى تِلْكَ الْحُفَرِ التُّرَابَ الَّذِي أُخِذَ مِنْهَا بِالْقَلْعِ خَاصَّةً وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ سَدَّهَا كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمُتَقَدِّمُ لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ التَّسْوِيَةِ هذا القسم الآخر فانه لاتسوية فيه لاسيما إذَا كَانَ مَوَاضِعُ الْحِجَارَةِ حُفَرًا كِبَارًا وَالتُّرَابُ الَّذِي فَوْقَ الْحِجَارَةِ يَسِيرٌ فَإِذَا قُلِعَتْ الْحِجَارَةُ بَقِيَ مَوْضِعُهَا حُفَرًا لَا يَسُدُّهُ ذَلِكَ التُّرَابُ الَّذِي فَوْقَهَا وَلَا تَتَسَاوَى بِبَقِيَّةِ الْأَرْضِ فَحَمْلُ التَّسْوِيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ بُعْدٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ إرَادَتِهِ يَتَّجِهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَفَاءً بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَتَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِنَقْلِ التُّرَابِ عَنْ مَحَلِّهِ بِالْقَلْعِ عَيْبٌ فِي الْأَرْضِ أو حصل
وَلَكِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ عَيْنِ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ عَلَى حَالِهَا وَعَلَى هَذَا لَوْ عُدِمَ ذَلِكَ التُّرَابُ الْمَنْقُولُ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَانَ لَهُ قِيمَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ المراد القسم الثاني وهو أن تَسْوِيَتُهُ بِبَقِيَّةِ الْأَرْضِ فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ إعَادَةُ الْمَبِيعِ إلَى مَا كَانَ
بَلْ يَتَغَيَّرُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ التَّسْوِيَةَ بِالتُّرَابِ المقلوع قان لَمْ يَكْفِ فَبِتُرَابٍ جَدِيدٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَتَّجِهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِهِ لِأَنَّ إلْزَامَ الْبَائِعِ بِتُرَابٍ جَدِيدٍ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَى مِثْلِهِ مَعَ إجَازَةِ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ بَعِيدٌ بَلْ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبَائِعَ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ التَّسْلِيمِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ قَلْعُ الْأَحْجَارِ وَإِزَالَةُ التُّرَابِ اللَّازِمِ ثُمَّ إعَادَتُهُ عَلَى مَا كَانَ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ زِيَادَةُ عَيْبٍ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ حَصَلَ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَجْبَرَ الْبَائِعَ عَلَى الْقَلْعِ بَعْدَ اطلاعه على الاحجار وعلمه بالحال فلا شئ لَهُ غَيْرَ رَدِّ التُّرَابِ لِأَنَّ إجْبَارَهُ عَلَى الْقَلْعِ رِضًا بِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ مِنْ الْعَيْبِ وَإِنْ جَهِلَ الْحَالَ فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَجَازَ وَجَبَ التُّرَابُ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَانَ ذَلِكَ مَعَ جَهْلِ الْمُشْتَرِي بِالْحَالِ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَضَمَّنْهُ وَجَهْلُ الْمُشْتَرِي أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ فَإِذَا أَسْقَطَهُ بِالْإِجَازَةِ لَمْ يبق له شئ آخَرُ ثُمَّ التَّعَيُّبُ الْحَاصِلُ مِنْ الْقَلْعِ إنْ فُرِضَ غَايَتُهُ أَنْ يُجْعَلَ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَعَيْبٍ حَاصِلٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي قَدْ رَضِيَ به لما ألزمه الْبَائِعَ بِالْقَلْعِ الَّذِي ذَلِكَ التَّعَيُّبُ مِنْ لَوَازِمِهِ فلا شئ له سواء
كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَأْخَذُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي قَوْلِهِمْ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ لَا تَجِبُ مُطْلَقًا قَبْلَ القبض وبعده لكنه خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَحِينَئِذٍ اخْتَارَ طَرِيقَةً مُفَصَّلَةً وَهِيَ أَنَّ إعَادَةَ التُّرَابِ الزائل بالقلع واجبة والزائد عَلَى ذَلِكَ إنْ وَقَعَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَحَصَلَ بِهِ عَيْبٌ خَرَجَ عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهَا كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى القطع في يد المشترى بالسرقة السابقة فِي يَدِ الْبَائِعِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ إنْ وَقَعَ بِغَيْرِ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ وَقَعَ بِمُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ نَظَرٌ وَفِي مَأْخَذِ الْخِلَافِ فِي الْأَرْشِ وَلُزُومِ التَّسْوِيَةِ مَزِيدُ كَلَامٍ مَذْكُورٍ فِي الْغَصْبِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لِذَلِكَ الزَّمَانِ أُجْرَةٌ وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَى جميع الاحوال ليس البائع اقدار الْحِجَارَةِ فِي الْأَرْضِ إنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى البيع (الحالة الثالثة) أَنْ لَا يَكُونَ فِي قَلْعِهَا ضَرَرٌ وَيَكُونَ فِي تَرْكِهَا ضَرَرٌ فَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِالْقَلْعِ وَالنَّقْلِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَلَحِقَ سَقْفَهَا خَلَلٌ يَسِيرٌ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فِي الْحَالِ أَوْ كَانَتْ مُنْسَدَّةَ الْبَالُوعَةِ فقال أنا أصلحه وأنقيها لاخيار للمشتري (قلت) وههنا أولى بعد الخيار لان
البائع مأخود بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَهُنَاكَ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ الْإِصْلَاحُ وَإِزَالَةُ الْخَلَلِ ثُمَّ إنَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى عادته
لَمَّا فَسَّرَ الضَّرَرَ بِضَرَرِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ قَالَ ثُمَّ الْقَوْلُ فِي الْأُجْرَةِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ عَلَى مَا مَضَى فَإِنْ أَطْلَقْتُ الْكَلَامَ كَمَا صَنَعَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْحَالَةَ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسَنَشْرَحُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْحَالَةُ الرابعة) أن يكون في قلعها ضرر ولايكون فِي تَرْكِهَا ضَرَرٌ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا كَانَ جاهلا فان أجاز نفى الاجرة ولارش مَا مَرَّ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِأَنْ يَقُولَ أَقْلَعُ وَأَغْرَمُ الْأُجْرَةَ أَوْ أَرْشَ النَّقْصِ قَالَ صاحب التهذيب ويجئ فِيهِ مِثْلُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْأَحْجَارِ فِي الْأَرْضِ سَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي إبْقَاءً لِلْعَقْدِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ تَرَكْتُهَا فَهَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ أَوْ مُجَرَّدُ إعْرَاضٍ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ فِيهِ وجهان حكاهما الرافعي وهما كالوجيهن فِي تَرْكِ النَّعْلِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَرْدُودَةِ بِالْعَيْبِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِيَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكٍ حاصل (وأظهرهما) أنه قطع للخصومة لاغير وبالاول أجاب الماوردى وينبني على الوجهين مالو قلعها يوما ما أو بدى لِلْبَائِعِ فِي تَرْكِهَا هَلْ يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيَعُودُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ لَا رُجُوعَ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالتَّرْكِ إلَّا إذَا جَرَتْ حَالَةٌ يزول فيها المعنى المتقضى للترك قال الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْإِبْرَاءِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبُولُ وداعي الامام
أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ قَالَ وُهِبْتُهَا مِنْكَ فَإِنْ رَآهَا قَبْلُ وَوُجِدَتْ شَرَائِطُ الْهِبَةِ حَصَلَ الْمِلْكُ وَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ الْخِلَافَ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْهِبَةِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ دَفْعُ الْفَسْخِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ شَرَائِطُ الْهِبَةِ فَفِي صِحَّتِهَا لِلضَّرُورَةِ (وَجْهَانِ) إنْ صَحَّحْنَاهَا فَفِي إفَادَةِ الْمِلْكِ مَا ذَكَرْنَا فِي التَّرْكِ قَالَ أَكْثَرَ هَذَا الْكَلَامِ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ رضي الله عنهما وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلًا وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْبَائِعُ إذَا قَالَ وَهَبْتُ الْحِجَارَةَ فَفِي إجْبَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهَا وجها مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ ثَمَرَةً فحدث ثَمَرَةٌ أُخْرَى وَاخْتَلَطَتْ بِالْأُولَى فَوَهَبَهَا هَلْ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا فِيهِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) لَا يُجْبَرُ فَلِأَنَّهَا هِبَةٌ مَجْهُولَةٌ فَلَا تَصِحُّ وَأَيْضًا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ مِلْكِ غَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يُجْبَرُ لِأَنَّ بِقَبُولِهَا يَزُولُ
الضَّرَرُ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْبَرُ فَعَلَى الْبَائِعِ نَقْلُهَا فَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْأَحْجَارِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَامَ فَهَلْ لِلْبَائِعِ الْقَطْعُ نَظَرَ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْضَاءَ أَوْ مَغْرُوسَةً بِغَرْسٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ مُتَأَخِّرٍ فَلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ الْحُكْمُ فِيهِ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِنْ كَانَتْ مَزْرُوعَةً بِزَرْعِ الْمُشْتَرِي قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى الْبَائِعِ تَرْكُ الاحجار إلى انقضاء مدة الرزع لِأَنَّهُ زَرْعٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِهِ قَلَّمَا يُقْلَعُ قَبْلَ حَصَادِهِ فَإِذَا حَصَدَ الْمُشْتَرِي زَرْعَهُ قَلَعَ الْبَائِعُ حِينَئِذٍ حِجَارَتَهُ وَلَزِمَهُ أُجْرَةُ الْحِجَارَةِ بَعْدَ القبض
وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَقَالَ إذَا كَانَ فَوْقَ الْأَحْجَارِ زَرْعٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فانه يترك إلى أو ان الْحَصَادِ لِأَنَّ لَهُ غَايَةً بِخِلَافِ الْغِرَاسِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغِرَاسِ.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ أَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ يَسِيرٌ يمكن تداركه عن قرب أنه لاخيار للمشترى ومحل ذلك على ما يتقضيه كَلَامُهُ إذَا بَادَرَ الْبَائِعُ إلَيْهِ فَلَوْ تَقَاعَدَ عَنْهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَدْ يُقَالُ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ تَبَعًا لِظَاهِرِ النَّصِّ يَعْنِي فِي وُجُوبِ تَسْوِيَةِ الْأَرْضِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُحَافَظَةً عَلَى إتْمَامِ الْعَقْدِ.
(فَرْعٌ)
فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَأَمَّا الْغِرَاسُ الَّذِي وَعَدْتُ بِذِكْرِ حُكْمِهِ إذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ فِيهَا زَرْعٌ وَكَانَ فِيهَا غِرَاسٌ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ قَلْعَ حِجَارَتِهِ مُطْلَقًا ثُمَّ لَا يخلوا إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَرْسُ مُتَقَدِّمًا عَلَى البيع قد دخل وما أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي اسْتَجَدَّهُ فَإِنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا فان قلعها بعد القبض فعيله الْأُجْرَةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَرْشُ النَّقْصِ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَتَعَيُّبُ الْأَشْجَارِ بِالْأَحْجَارِ
كَتَعَيُّبِ الْأَرْضِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّسْوِيَةُ وَلَا أَرْشُ النَّقْصِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ مَرَّ فِي مِثْلِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ وفي الاجرة وجهان (اصحهما) لا ولو سمع الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْأَحْجَارِ وَكَانَ الْقَلْعُ وَالتَّرْكُ يَضُرَّانِ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَحَامِلِيُّ (أَصَحُّهُمَا) الثُّبُوتُ لِأَنَّهُ ابْتَاعَ أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا غِرَاسًا فَإِذَا خَرَجَتْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَقَدْ لَحِقَهُ نَقْصٌ
وَضَرَرٌ هَكَذَا قَالَ وَفِي نَظِيرِهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْضَاءَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَنَا خِلَافٌ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ وَقَالَ الْإِمَامُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ دُونَ التَّرْكِ وَسَمَحَ الْبَائِعُ بِالتَّرْكِ حَتَّى لايتعيب الْغِرَاسُ بِالْقَلْعِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ أَحْدَثَهُ الْمُشْتَرِي بعد الشراء
فان احدثه عالما بالاحجار فللبائع قلع الْأَحْجَارِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قَلْعِ الْغِرَاسِ وَسَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَحْدَثَهُ جَاهِلًا فَفِي ثُبُوتِ الخيار وجهان (وجه) الثبوت ان الضَّرَرَ نَاشِئٌ مِنْ إيدَاعِهِ الْأَحْجَارَ فِي الْأَرْضِ (والاصح) ان لَا يَثْبُتُ لِرُجُوعِ الضَّرَرِ إلَى غَيْرِ الْمَبِيعِ وَبَنَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ثُمَّ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى وَاخْتَلَطَتْ بِالْمَبِيعَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ كَانَ قَلْعُهَا يَضُرُّ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ وَسَمَحَ الْبَائِعُ بِالْحِجَارَةِ لِلْمُشْتَرِي أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهَا ولاخيار لَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْحِجَارَةِ أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يُورِثْ الْغَرْسُ وَقَلْعُ الْمَغْرُوسِ نُقْصَانًا فِي الْأَرْضِ فَلَهُ الْقَلْعُ وَالْفَسْخُ وَإِنْ أَوْرَثَ الْقَلْعُ أَوْ الْغَرْسُ نُقْصَانًا فَلَا خِيَارَ فِي الفسخ ذلا يَجُوزُ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ نَاقِصًا وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَإِذَا قَلَعَ الْبَائِعُ
الْأَحْجَارَ فَانْتَقَصَ الْغِرَاسُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ بِلَا خلاف هذا ماقاله الرافعي وقال المحاملى لافرق بَيْنَ أَنْ يَغْرِسَ الْبَائِعُ وَيَبِيعَ أَوْ يَبِيعَ بلاغراس ثُمَّ يَغْرِسُ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ اسْتَحْدَثَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ فَهَذَا لَا يكون الابعد القبض فليزمه يَعْنِي الْبَائِعَ الْأُجْرَةُ وَنَقْصُ الْغَرْسِ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ والتفصيل الذي قاله الرافعي أولى ما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الزَّرْعِ فكان ذلك محمول على الغالب والا فيكن أَنْ يَحْصُلَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا غَرْسٌ أَوْ زَرْعٌ وَحِينَئِذٍ يَعُودُ الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ وَجَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَخْتَلِفُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَأَمَّا أَرْشُ نَقْصِ الْغِرَاسِ هُنَا فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لِأَنَّ الْغِرَاسَ
لَيْسَ بِمَبِيعٍ حَتَّى يَخْرُجَ عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الرابعة والرافعي ذكرها ذكر مالا اختصاص له بها ولاشك أَنَّهَا قَدْ تَأْتِي
فِي غَيْرِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يُجْبِرْ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى الْقَلْعِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَوْ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّ الْقَلْعَ يَكُونُ جَائِزًا لِلْبَائِعِ وَيَأْتِي فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا ذُكِرَ هَهُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
تكلم الامام وقبله القاضي حسين في أنه لم أَوْجَبُوا تَسْوِيَةَ الْحَفْرِ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى الْغَاصِبِ إذَا حَفَرَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَمْ يُوجِبُوا عَلَى مَنْ هَدَمَ الْجِدَارَ أَنْ يُعِيدَهُ وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا الْأَرْشَ وَأَجَابَا عَنْهُ بِأَنَّ طَمَّ الْحَفْرِ لَا يَكَادُ يَتَفَاوَتُ وَبُنْيَانُ الْأَبْنِيَةِ يَخْتَلِفُ وَيَتَفَاوَتُ فشبه ذلك بذوات الامثال
وهذا بذوات الفيم حَتَّى لَوْ رَفَعَ لَبِنَةً أَوْ لَبِنَتَيْنِ مِنْ رَأْسِ الْجِدَارِ وَأَمْكَنَ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ فِي الْهَيْئَةِ كَانَ ذَلِكَ كَطَمِّ الْحَفْرِ.
(فَرْعٌ)
ذكره المحاملى هنا قال أبو إسحق إذَا بَاعَ عَبْدًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ آبِقٌ وَقَالَ الْبَائِعُ أَنَا أُحْضِرُهُ السَّاعَةَ وَأَحْضَرَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ (قُلْتُ) وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ مَا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الْإِبَاقَ ثُمَّ أَبِقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا أَمْكَنَهُ رَدُّهُ عَنْ قُرْبٍ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ.
(فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ كَالضَّابِطِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَهْمَا فُرِضَ ضَرَرٌ لَا يَنْدَفِعُ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا فَلَا خِيَارَ وَلَا أَرْشَ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا ثَبَتَ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَرَادَ وَأَرَادَ إلْزَامَ الْبَائِعِ أَرْشَ النَّقْصِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْحَجَرِ وَكَانَ الضَّرَرُ فِي تَرْكِهِ وَنَقْلِهِ فَفِي الْأَرْشِ الْأَوْجَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجِدُ خَلَاصَهَا بالفسخ فهو كالطلاعه حَالَةَ الْعَقْدِ وَأَنَّ النَّقْصَ ظَهَرَ بَعْدَ الْعَقْدِ بِفِعْلٍ مَنْشَؤُهُ الْبَائِعُ إمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بعده مستند إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ كَقَتْلِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ
تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْحَجَرِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّرْكُ وَلَكِنْ لَوْ فَعَلَ وَظَهَرَ الضَّرَرُ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي تَغْرِيمِ الْبَائِعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ بِتَغْرِيمِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ ثُمَّ يَنْتَظِمُ عَلَى هَذَا تَعَطُّلُ الْمَنَافِعِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِي رقبة المبيع وقد ذكر والخلاف في الاجرة فما لوجه تَرَتُّبِهَا وَالْفَرْقُ لَائِحٌ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ مَعْقُودًا عَلَيْهَا وَلَوْ قِيلَ الْقَدْرُ الَّذِي يُفْرِغُ الْبَائِعُ فِيهِ الْمَبِيعَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَالْمَبِيعُ كُلُّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُشْتَرِي با جزائه وَصِفَاتِهِ.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْأُجْرَةِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَجِبُ بَعْدَهُ وان ذلك قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ عَلَى مَا نَقَلَ أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي البحر قال الماسرخسى قال اسحق فِي بَغْدَادَ قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى مِصْرَ لَهُ الْأُجْرَةُ يَعْنِي قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ عِنْدِي لِأَنَّهُ نُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ مَعَ الْأَرْشِ فَإِذَا نَصَّ فِي الْأَرْشِ فَالْأُجْرَةُ مِثْلُهُ وَبَنَى الْقَفَّالُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ أَوْ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ عِنْدَ وُجُودِ شُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَنَّ الْأُجْرَةَ وَالْأَرْشَ يُفْصَلُ فِيهِمَا بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي بِنَقْصِ الْأَرْضِ بِالْقَلْعِ تقدم عن الماوردى فما قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَثْبُتُ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ ان كان بعد انقبض فَيَثْبُتُ أَيْضًا لِأَنَّ سَبَبَهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْقَبْضِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْإِمْسَاكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الْمَذْكُورَةُ مُشْتَمِلَةً عَلَى شَجَرٍ دَاخِلٍ فِي الْبَيْعِ وَكَانَ قَلْعُ الْحِجَارَةِ يَضُرُّ وَتَرْكُهَا يَضُرُّ فَالْحُكْمُ فِي التَّسْوِيَةِ وَالْأُجْرَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَفِي أَرْشِ النَّقْصِ طُرُقٌ حَكَاهَا الروياني (أحدها) لاارش لانه رضى بالنقص وقال أبو إسحق هُوَ كَالْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَلْزَمْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَزِمَ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ بَعْدَ الْقَبْضِ يَلْزَمُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَبْلَهُ قَوْلَانِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ فِيهِ وَجْهَانِ قبل القبض وبعد وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ.
(فَرْعُ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ فَلَوْ كَانَ قَلْعُ الْأَشْجَارِ يَضُرُّ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ وَاخْتَارَ الْبَائِعُ التَّرْكَ لاخيار لِلْمُشْتَرِي وَهَلْ تُمْلَكُ بِالتَّرْكِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ الْقَفَّالُ لَوْ قَلَعَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ الْأَحْجَارَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ لِلْبَائِعِ قَلْعُ الْأَحْجَارِ وَجْهَانِ مبنيان على مالو أَتْلَفَ حِنْطَةً فَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهَا فَغَرِمَ الْمِثْلَ ثُمَّ وُجِدَ الْمِثْلُ هَلْ لَهُ رَدُّ الْقِيمَةِ وَمُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ وَجْهَانِ وَإِنْ اخْتَارَ الْقَلْعَ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَبِيعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أن يقول له البائع أن أُعْطِيكَ أَرْشَ النَّقْصِ أَوْ لَمْ يَقُلْ وَلَيْسَ كَمَا إذَا اخْتَارَ التَّرْكَ فَإِنَّهُ لَا نَقَصَ فِي التَّرْكِ فَإِنْ
اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْإِمْسَاكَ فَالْحُكْمُ فِي التَّسْوِيَةِ وَالْأُجْرَةِ وَأَرْشِ النَّقْصِ عَلَى مَا مَضَى.
(فَرْعٌ)
إذَا غَرَسَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْحِجَارَةِ سَقَطَ رَدُّهُ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ إنْ كان قلع الاحجار وتركها مضران فَلِلْبَائِعِ الْقَلْعُ وَلِلْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةُ بِهِ ثُمَّ إذَا قَلَعَ قَالَ الرُّويَانِيُّ يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَرْشُ النَّقْصِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ حَوَّلَ مِلْكَهُ عَنْ الْأَرْضِ بِإِدْخَالِ النَّقْصِ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الرُّويَانِيِّ نَقْصَ الْأَرْضِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ نَقْصَ الْغِرَاسِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ نَقْصَهُ وَذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْغَرْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ قَلْعُهَا يَضُرُّ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ فَإِنْ اخْتَارَ الْقَلْعَ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْكَلَامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ إلَّا الْغِرَاسَ فَإِنَّهُ قَالَ عَقِيبَ ذَلِكَ وَكَيْفِيَّةُ التَّقْوِيمِ أَنْ يُقَالَ كَمْ يُسَاوِي هَذَا الشَّجَرُ وَلَا نَقْصَ فَيُقَالُ مِائَةٌ فَيُقَالُ وَكَمْ يُسَاوِي وَبِهِ هَذَا النَّقْصُ
فَيُقَالُ تِسْعُونَ فَيَقُولُ نَقَصَ الْعُشْرُ فَتَلْزَمُ حِصَّتُهُ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِنْ اخْتَارَ الْبَائِعُ التَّرْكَ فَهَلْ يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ زَرَعَ فِيهَا زرعا وباعها مع الزرى وتحتها أشجار يَعْنِي وَالْمُشْتَرِي جَاهِلٌ بِهَا فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْلَعَ الْأَحْجَارَ مَا لَمْ يُحْصَدْ الزَّرْعُ إذَا كَانَ قَلْعُهَا يَضُرُّ بِالزَّرْعِ وَإِنَّ الزَّرْعَ يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ فَالضَّرَرُ يَخْتَصُّ بِهِ وَالْخِيَارُ إلَيْهِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيمَا نَقَلَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ إنَّ الْعِرَاقِيِّينَ نَقَلُوا أَنَّهُ يجب على الغاصب أرش نقصان الحفر يريد بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ وَمَعْنَاهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ دُونَ تَسْوِيَةِ الْحَفْرِ فِيهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ دُونَ أَرْشِ النَّقْصِ ومنهم من فرق بعد وان الْغَاصِبِ فَيَلْزَمُهُ الْأَرْشُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَيَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ.
(فَرْعٌ)
زَرَعَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ تَحْتَهَا حِجَارَةً وَفِي قَلْعِهَا هَلَاكُ الزَّرْعِ لَمْ يُمَكَّنْ الْبَائِعُ مِنْ قَلْعِهَا لِأَنَّ لِلزَّرْعِ غَايَةً فَيُؤْمَرُ بِالتَّوَقُّفِ بِخِلَافِ الْغِرَاسِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَكَذَلِكَ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْحِجَارَةِ وَتَرَكَ الْبَائِعُ الْقَلْعَ ثُمَّ أَرَادَهُ بَعْدَ زَرْعِ
الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَحْصُدَهُ الْمُشْتَرِي كَمَا حَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يُسَوِّي فِي الْحَالَتَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغِرَاسِ.
(فَرْعٌ)
شَبَّهَ الْمُتَوَلِّي الْخِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ إذَا اشْتَرَى الارض وغرسها بعد الشراء ثم ظهر فيما أحجار بما إذا باع الشجرة وبقى لنفسه الثمرة فحدثت ثمرة أخرى واختلطت بِهَا فَمَنْ قَالَ هُنَاكَ يَجْعَلُ الْحَادِثَةَ كَالْمَبِيعَةِ فِي حُكْمِ الِاخْتِلَاطِ قَالَ هَهُنَا إنَّ الضَّرَرَ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي الْغِرَاسِ الْحَادِثِ كَالضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي الْأَشْجَارِ الْمُشْتَرَاةِ يَعْنِي لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا فَجَعَلْنَا الضَّرَرَ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ كَالضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ قَالَ وَأَصْلُ المسألتين إذا اشترى جارية فوطئها ثم استحقت فَغَرِمَ الْمَهْرَ هَلْ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى الْبَائِعِ أَمْ لَا فَعَلَى قَوْلٍ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ ضَمِنَ له سلامة الوطئ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَكَذَا هُنَا ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ غِرَاسِهِ وَالثِّمَارِ الْحَادِثَةِ فَجَعَلْنَا الْخَلَلَ الْحَاصِلَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْخَلَلِ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ وَفَرَضَ الْمُتَوَلِّي الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ قَلْعُهَا يَضُرُّ بِالْغِرَاسِ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ الْخِلَافِ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي المسلسل لَمَّا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْبَائِعِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي مَضَتْ فِي نَقْلِ الْحِجَارَةِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ وكجناية الاجنبي
قَالَ فَإِنْ قِيلَ الْقَبْضُ هُنَا حَاصِلٌ وَالْمَذْهَبُ لَا يَخْتَلِفُ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ قَبْلَ الْقَبْضِ (قُلْنَا) الْبَائِعُ إذَا سَلَّمَ الْأَرْضَ وَفِيهَا حِجَارَةٌ مُسْتَوْدَعَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ كَمَالِ صِفَةِ الْقَبْضِ فَلِذَلِكَ أَلْحَقْنَاهَا بِالْحَالَةِ الْأُولَى وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ قَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ولكني أجبت نَقْلَهُ مِنْ كَلَامِهِ.
(فَرْعٌ)
مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَوْ كَانَ الْغِرَاسُ دَاخِلًا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَنَقْلُ الْحِجَارَةِ مُضِرٌّ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ وَإِضْرَارِ الْغِرَاسِ وَنَحْوِهِ إنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ النَّقْلُ وَفَاءً بِمُوجَبِ الْبَيْعِ وَقِيَامًا بِتَسْلِيمِ الْأَرْضِ وَالْأَشْجَارِ لَهُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله لَوْ بَاعَ دَارًا فِي طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ دَخَلَ حَرِيمُهَا فِي الْبَيْعِ وَفِي دُخُولِ الْأَشْجَارِ الْخِلَافُ الَّذِي سَبَقَ وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ لَمْ يَدْخُلْ الْحَرِيمُ وَالْأَشْجَارُ فِي الْبَيْعِ بَلْ لَا حَرِيمَ لِمِثْلِ هَذِهِ الدَّارِ كذا ذكرها الرافعى (1) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْبُسْتَانَ أَوْ الْبَاحَةَ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ الْأَرْضُ وَالْأَشْجَارُ وَالْغِرَاسُ وَكُلُّ ماله مِنْ النَّبَاتِ أَصْلٌ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ وَفِي دُخُولِ الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ مَا سَبَقَ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ الْأَرْضِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الدُّخُولِ جَرْيًا عَلَى قاعدته (وأما) على المذهب فانه يدخل ولو قِيلَ بِالْجَزْمِ بِالدُّخُولِ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَإِنَّ الْبُسْتَانَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَخْلُو عَنْ الْبِنَاءِ ولكنه
(1) بياض بالاصل
إذَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ تَنَاوَلَ اسْمُهُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَهُوَ كَالِاحْتِمَالِ الَّذِي فِي دُخُولِ الشَّجَرِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَهُوَ هَهُنَا أَقْوَى لِأَنَّ اشْتِمَالَ الْبَسَاتِينِ عَلَى الْبِنَاءِ أَكْثَرُ مِنْ اشْتِمَالِ الدُّورِ عَلَى الْأَشْجَارِ غَالِبًا وَيَنْدُرُ أَنْ يَكُونَ بستان لابناء فيه وجزم الرفعي بدخول الحائط ولاوجه لِذَلِكَ بَلْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَبْنِيَةِ فَالْجَزْمُ فِيهَا مَعَ طَرْدِ الْخِلَافِ فِي غَيْرِهَا غَيْرُ مُتَّجَهٍ وَلَا مُسَاعِدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ هَذَا وَالْمَاوَرْدِيُّ أَطْلَقَ طَرْدَ الْخِلَافِ فِي الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْجِدَارَ الْمُحِيطَ عَلَى الطُّرُقِ وَأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ يَدْخُلُ الْجِدَارُ الْمُحِيطُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدِي وَجَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِدُخُولِ الْبِنَاءِ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ مَعَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي دُخُولِ النَّخْلَةِ وَالشَّجَرَةِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَذَلِكَ يَشْهَدُ لِمَا قُلْتُهُ الْآنَ مِنْ الْفَرْقِ وَتَقْوِيَةِ الْجَزْمِ بِالدُّخُولِ فِي الْبُسْتَانِ وَهُوَ الذي يقتضيه العرف لاسيما فِي بِلَادِنَا هَذِهِ الَّتِي الْغَالِبُ عَلَى بَسَاتِينِهَا أَنْ تُتَّخَذَ عَلَيْهَا الْحَوَائِطُ وَالْإِغْلَاقُ لِشِبْهِ الْمَسَاكِنِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْبِنَاءُ عِنْدِي بِالْإِضَافَةِ إلَى الْبُسْتَانِ كَالشَّجَرَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الدَّارِ فَقَدْ تَلَخَّصَ فِي دُخُولِ الْأَبْنِيَةِ فِي الْبُسْتَانِ طُرُقٌ (إحْدَاهَا) أَنَّ الْجِدَارَ الْمُحِيطَ يَدْخُلُ جَزْمًا وَفِيمَا عَدَاهُ الطُّرُقُ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ وَضَعَّفَهُ الرُّويَانِيُّ (وَالثَّانِيَةُ) إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ وَهِيَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّالِثَةُ) الْجَزْمُ بِدُخُولِ الْجَمِيعِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَهِيَ الَّتِي اقْتَضَى كَلَامِي أَوَّلًا الْمِيلَ إلَيْهَا وَلَيْسَ لَنَا طَرِيقَةٌ جازمة
بِعَدَمِ دُخُولِ الْأَبْنِيَةِ هُنَا مَعَ التَّرَدُّدِ فِي دخولها تحت اسم الارض هذا مالا يُمْكِنُ وَلَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِي دُخُولِ الْأَبْنِيَةِ تَحْتَ اسْمِ الْبُسْتَانِ وَالْبَاحَةِ وَالْكَرْمِ (ثَالِثُهَا) يَدْخُلُ الْمُحِيطُ دُونَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى هَيْئَةِ الْجِدَارِ الْمَوْضُوعِ لِلْحِفْظِ وَالْإِحَاطَةِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرُوا أَنَّ لَفْظَ الْكَرْمِ كَلَفْظِ الْبُسْتَانِ لَكِنَّ الْعَادَةَ فِي نَوَاحِينَا إخْرَاجُ الْحَائِطِ عَنْ مُسَمَّى الْكَرْمِ وَإِدْخَالُهُ فِي مُسَمَّى الْبُسْتَانِ وَلَكِنْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَى مَا اسْتَمَرَّ الِاصْطِلَاحُ بِهِ وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ هَذَا (1) كَالْعَامِّ وَأَنَّهُ إنْ صَحَّ يَكُونُ وجها رابعا يعني (2) الكرم والبستان (3) وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ حَادِثَةً لَمْ تَدْخُلْ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي وَفِي الْعَرِيشِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا بالكرم (4) اللُّزُومِ تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ رَجَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ دُخُولَهُ وَجَعَلَ فِي الْوَسِيطِ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الْكَرْمِ وَالْإِمَامُ نَقَلَهُ فِي لَفْظِ الْبُسْتَانِ وَالْبَاحَةِ وَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَرَيَانِهِ فِي الْكَرْمِ أَيْضًا وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الْعَرِيشِ الَّذِي يُنْقَلُ فَإِنَّهُ قَالَ وَالْوَجْهُ عِنْدَنَا الْقَطْعُ بِدُخُولِهَا تَنْزِيلًا عَلَى الْمَفْهُومِ مِنْ اسْمِ (5) أَوْ الْبُسْتَانِ فِي مُطْلَقِ الْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُنَظِّمُ مع الكرم عريشه وان كان مجلد قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تُفْهِمُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَرِيشُ يُنْقَلُ (أما) إذا كانت تراد للدوام (6) فِي بِلَادِنَا فَلَا يَأْتِي فِيهَا التَّرَدُّدُ قَالَ الرافعي ولو قال هذه الدار
(من 1 إلى 6) بياض بالاصل
بُسْتَانٌ دَخَلَتْ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ جَمِيعًا وَلَوْ قَالَ هذا الحائط بستان أو هذا الْمَحُوطَةُ دَخَلَ الْحَائِطُ الْمُحِيطُ وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَشْجَارِ وَفِي الْبِنَاءِ الَّذِي فِي وَسَطِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَهَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ فِيمَا إذَا قَالَ حَائِطٌ بُسْتَانٌ وَفِي لَفْظِهِمَا قَلَقٌ وَالْمُرَادُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الحائط البستان هذه الْعِبَارَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَتَّضِحُ فِي لفظه الْمَحُوطَةِ فَرْقٌ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ فَلْيَدْخُلَا أَوْ لِيَكُونَا عَلَى الْخِلَافِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ صَحِيحٌ إنْ كَانَتْ الْحَوْطَةُ بِغَيْرِ مِيمٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي كَلَامِهِمْ بِالْمِيمِ فَالْإِشَارَةُ تَكُونُ لِلْمِيمِ وَهُوَ الْبُسْتَانُ فَكَأَنَّهُ نَطَقَ بِهِ وَعِنْدَ نُطْقِهِ تَدْخُلُ الْأَرْضُ وَالْأَشْجَارُ
وَالْبِنَاءُ الْمُحِيطُ وَفِي دُخُولِ مَا فِيهِ مِنْ الْبِنَاءِ الْخِلَافُ عِنْدَهُ فَلِذَلِكَ أَلْحَقَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بِالْبُسْتَانِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ بِالْمِيمِ وَإِخْرَاجُ الْبِنَاءِ عَنْهَا بَعِيدٌ وَإِنْ أُخْرِجَ فِيمَا إذَا نُطِقَ بِاسْمِ الْبُسْتَانِ فَإِنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْجَمِيعِ وَتَخْصِيصُهَا بِالْمِيمِ دُونَ غَيْرِهِ لَمْ يَقْتَضِهِ دَلِيلٌ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ قَطْعًا بِخِلَافِ الْبُسْتَانِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهَا خَارِجَةً مِنْهُ لِأَنَّ اسم البستان
صَادِقٌ بِدُونِهَا نَعَمْ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فَلْيَدْخُلَا أَوْ ليكونا على الخلاف لاوجه لِلتَّرَدُّدِ فِي ذَلِكَ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِدُخُولِهَا (وَأَمَّا) لَفْظُ الْحَوْطَةِ بِغَيْرِ مِيمٍ فَلَمْ أَرَهُ فِي كِتَابٍ غَيْرَ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَا أَعْلَمُ مَعْنَاهُ فَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِلْبُسْتَانِ فَيَتَّجِهُ كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَلَا يَسْتَقِيمُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِلْحَائِطِ الدَّائِرِ عَلَى الْبُسْتَانِ فيتجه أن لايدخل الْبِنَاءُ وَلَا الشَّجَرُ جَمِيعًا (وَالْأَقْرَبُ) أَنَّ حَذْفَ الْمِيمِ تَصْحِيفٌ وَأَنَّ اللَّفْظَ بِالْمِيمِ كَمَا هُوَ فِي الْكُتُبِ وَأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ فِي لَفْظِ الْبُسْتَانِ وَالْحَائِطُ بِمَعْنَاهُ وَأَنَّهُ لَا يَتَّجِهُ فَرْقٌ فِيهَا بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَرَدَّدَ بَلْ يَنْبَغِي دُخُولُ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ لِوُجُودِ الْإِشَارَةِ إلَى الْجَمِيعِ وَعَدَمِ مَا يتقضى اخراج شئ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْمَحُوطَ دَخَلَ فِيهِ الْحِيطَانُ وَالْأَرْضُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ غِرَاسٌ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ (قُلْتُ) وَهَذَا عَكْسُ مَا قاله صاحب التهذيب وخلافت مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا وَبَعِيدٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لَا وَجْهَ لَهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى وأعلم.
(فَرْعٌ)
قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ إنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الدُّخُولِ يَعْنِي بِهِ الْأَظْهَرَ مِنْ الطُّرُقِ فَإِنَّهُ فِي الْوَسِيطِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي اسْمِ الْأَرْضِ (وَأَصَحُّ) الطُّرُقِ عِنْدَهُ فِي اسْمِ الْأَرْضِ عَدَمُ الدُّخُولِ كَمَا تَقَدَّمَ فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ هُنَا الْأَظْهَرُ مِنْ الطُّرُقِ وَالْعِجْلِيُّ قَالَ إنَّ مَعْنَاهُ الْأَظْهَرُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ تَسْوِيَةُ الْإِمَامِ بَيْنَ الْبِنَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبُسْتَانِ وَالشَّجَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّارِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي اسْتِتْبَاعِ الدَّارِ لِلشَّجَرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْإِمَامِ فِيهَا أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْأَرْضِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ أَيْ إنْ قُلْنَا الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ دَاخِلَانِ فِي الْأَرْضِ فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ قلنا)
لايدخل فَهَهُنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَيَكُونُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ الْأَظْهَرَ أي من هذه الاوجه ولاشك ان ما قاله الامام نفيه.
لكن الْغَزَالِيَّ صَرَّحَ فِي الْوَسِيطِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي الْأَرْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونَ الْأَظْهَرَ مِنْ الطُّرُقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبُسْتَانِ كَمَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَتْ التَّسْوِيَةُ مُتَّجِهَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اسْتِتْبَاعِ الدَّارِ الْأَشْجَارَ بَحْثٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ مِثْلُهُ هُنَا فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ وَتَكُونُ مُفَرَّعَةً عَلَى الْقَوْلِ بِاتِّبَاعِ الِاسْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ هُنَاكَ وان
لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ هُنَا لَكِنَّ تَسْوِيَتَهُ بَيْنَ المسألتين يقتضيه ولو ككان فِي الْبُسْتَانِ مَاءٌ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ فيه وجهان حكاهما القاضى حسين.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بَاعَ نخلا وعليها طلع غير مؤبر دخل في بيع النخل وان كان مؤبرا لم يدخل لما روى ابْنِ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع فجعلها للبائع بشرط أن تكون مؤبرة فدل على أنها إذا لم تكن مؤبرة فهى للمبتاع ولان ثمرة النخل كالحمل لانه نماء كامن لظهوره غاية كالحمل.
ثم الحمل الكامن يتتع الاصل في البيع والحمل الظاهر لايتيع فكذلك الثمرة.
قال الشافعي رحمه الله وما شقق فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ فهو كالمؤبر) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَفْظُهُمَا (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ (مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ) وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لَهُ (أَيُّمَا نَخْلٍ اُشْتُرِيَ أُصُولُهَا وَقَدْ أُبِّرَتْ فَإِنَّ ثَمَرَتَهَا لِلَّذِي أَبَّرَهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الَّذِي اشْتَرَاهَا (وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا (أَيُّمَا امْرِئٍ أَبَّرَ نَخْلًا ثُمَّ بَاعَ أَصْلَهَا فَلِلَّذِي أَبَّرَ ثَمَرُ النَّخْلِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المبتاع) ورواه الشافعي رضى الله عنه عن ابن عيينية عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ وَأَحْسَنِهَا كُلُّهُ أَئِمَّةٌ عُلَمَاءُ وَلَفْظُهُ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ لَكِنَّهُ قَالَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ بِغَيْرِ هَاءٍ وَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَالْمَالُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَجَمَاعَةُ الْحُفَّاظِ يَقُولُونَ هَكَذَا بِغَيْرِ هَاءٍ فِي
الْمَوْضِعَيْنِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ سَائِرَ ذَلِكَ فَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اشْتِرَاطِ نِصْفِ الثمرة أَوْ جُزْءٍ مِنْهَا وَكَذَلِكَ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَسَأَتَعَرَّضُ لِهَذَا فِي فَرْعٍ آخِرَ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى إسْقَاطِ الْهَاءِ مِنْ لَفْظِ الحديث ولم أقف عليها في شئ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ نَمَاءٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْكَنْزِ وَالْحِجَارَةِ الْمَدْفُونَةِ وَالْبُذُورِ (وَقَوْلُهُ) كَامِنٌ
احْتِرَازٌ مِنْ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ المؤبر كذلك وان التِّينِ وَالْعِنَبِ وَنَحْوِهِ (وَقَوْلُهُ) لِظُهُورِهِ غَايَةٌ احْتِرَازٌ من الجوز واللوز والرمان والموز والرانج لانه لاغاية لِخُرُوجِهِ مِنْ قِشْرِهِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِكَسْرِهِ فَالرُّمَّانُ وَالْمَوْزُ لِلْبَائِعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالرَّانِجُ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فَالثَّمَرَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ دُونِ الْأَشْيَاءِ لَا تَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ فَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِنَا لَيْسَ لِظُهُورِهِ غَايَةٌ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَنْ بَاعَ وَفِي بَعْضِهَا مَنْ اشْتَرَى وَكُلُّهَا صَحِيحٌ سَنَدًا وَمَعْنًى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ ثَابِتٌ صَحِيحٌ (وَقَوْلُهُ) أُبِّرَتْ يَجُوزُ تَشْدِيدُهُ وَتَخْفِيفُهُ يُقَالُ أَبَرَ النَّخْلَ مُخَفَّفًا يَأْبُرُهَا أَبْرًا وَالتَّأْبِيرُ هُوَ التَّلْقِيحُ وَهُوَ أَنْ يَنْتَظِرَ النَّخْلَةَ حَتَّى إذَا انْشَقَّ طَلْعُهَا وَظَهَرَ ما في بطنه وضع فيه شئ مِنْ طَلْعِ الْفُحَّالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ تشقق تؤخذ شئ مِنْ طَلْعِ الذَّكَرِ فَيُدْخَلَ بَيْنَ ظَهْرَانِي طَلْعِ الْإِنَاثِ فَيَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى صَلَاحًا لها وهذه الْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ وَقَدْ يُؤْخَذُ سَعَفُ
الْفُحَّالِ فَيُضْرَبُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبُسْتَانِ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيَاحِ فَيَحْمِلُ الرِّيحُ أَجْزَاءَ الْفُحَّالِ إلى سائر النخيل فَيَمْنَعُهُ التَّسَاقُطَ وَفِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ مَا يُوهِمُ أَنَّ التَّشَقُّقَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى التَّأْبِيرِ وَسَنُبَيِّنُ لَكَ فِيمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَبَيْعُ الشَّجَرِ إنْ كَانَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ مُطْلَقًا رَطْبًا وَيَابِسًا وَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْقَلْعِ فَإِطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي الْجَوَازَ أَيْضًا وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ إنْ كَانَ كَالْفُجْلِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ أَسْفَلَهُ غَائِبٌ وَإِنْ كَانَ كَشَجَرِ الْعُصْفُرِ وَمَا حُفِرَ مِنْ التُّرَابِ جَازَ لِأَنَّ الْغَائِبَ مِنْهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَأَطْلَقَ الصَّيْمَرِيُّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَغَيْرُهُ صَرَّحَ بِجَوَازِ شَرْطِ الْقَلْعِ وَيُجْعَلُ الْمَجْهُولُ تَبَعًا وَإِنْ بَاعَ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ رَطْبَةً وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ
الْقَطْعُ مِنْ الْبَابِ وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً قَالَ الْمُتَوَلِّي فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِنْ أُطْلِقَ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَعَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ الصَّيْمَرِيِّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ.
إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يَنْدَرِجُ فِي
مُطْلَقِ بَيْعِ الشَّجَرَةِ أَغْصَانُهَا لِأَنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّجَرَةِ فَإِنْ كَانَ الْغُصْنُ يَابِسًا وَالشَّجَرَةُ رطبة فالمشهور لايدخل لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ الْقَطْعُ كَمَا فِي الثِّمَارِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ كَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْ إذَا بِيعَتْ وَقَدْ اُسْتُحِقَّ الْجَزُّ وَيَدْخُلُ الْعِرْقُ أيضا في مطلق بيع الشجرة وكدا الْأَوْرَاقُ وَفِي وَرَقِ التُّوتِ وَنَحْوِهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَفِي أَغْصَانِ الْخِلَافِ التي تقطع أغصانه ويثرك ياقه فإذا باع شجرته فالاغسان لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ (أَمَّا) الْخِلَافُ الَّذِي يُقْطَعُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَهُوَ كَالْقَصَبِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ لِلْبَائِعِ وَفِي أُصُولِهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي أُصُولِ الْبَقْلِ قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ هنا انها تدخل أغصاها في البيغ بِلَا خِلَافٍ وَفِي كِتَابِ الرَّهْنِ حَكَى فِيهَا خِلَافًا وَفِي كِتَابِ الْوَقْفِ قَالَ إنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْخِلَافَ نَوْعَانِ (نَوْعٌ) يُقْطَعُ كل سنة من وجه الأرض فهو كالقصب (وَنَوْعٌ) يَبْقَى وَتُقْطَعُ أَغْصَانُهُ فَفِي دُخُولِ أَغْصَانِهِ في بيعه
خِلَافٌ (الْأَصَحُّ) الدُّخُولُ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الشَّجَرَةِ الْكَرْمُ الَّذِي عَلَيْهَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ يَابِسَةً ثَابِتَةً فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَفْرِيغُ الْأَرْضِ عَنْهَا لِلْعَادَةِ وَلَا يَدْخُلُ مُغْرَسُهَا فِي الْعَقْدِ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحُكْمُهَا حُكْمُ سائر المنقولات ولا يشترط فيه القطع قال الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ فَلَوْ شَرَطَ إبْقَاءَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَشَرَطَ عَدَمَ الْقَطْعِ عِنْدَ الْجُذَاذِ وَلَوْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ وَتَدْخُلُ الْعُرُوقُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً تَبَعًا كَذَا قَالَهُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّخْلَةِ بِشَرْطِ الْقَلْعِ لِأَنَّ أَسْفَلَهَا غَائِبٌ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ بَلْ تُقْطَعُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ.
وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ رَطْبَةً فَبَاعَهَا بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ أَوْ بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ اُتُّبِعَ الشَّرْطُ وَفِيهِ عِنْدَ شَرْطِ الْقَلْعِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَلَا يَجِبُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْقَلْعَ قَالَهُ في الفتوى وَلَوْ أَطْلَقَ جَازَ الْإِبْقَاءُ أَيْضًا لِلْعَادَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِنَاءً اسْتَحَقَّ إبْقَاءَهُ وَلَيْسَ
كالزرع حيث يشترط القلع لان الشجرة تراد للبقاء ولايجوز لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْلَعَهَا عَلَى شَرْطِ أَنْ يَغْرَمَ ما ينقصه القلع قال الامام وهو مما لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ بِنَاءً مُطْلَقًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَهَلْ يَدْخُلُ الْمُغْرَسُ فِي الْبَيْعِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَيُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَعَمْ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ لا إلى غاية وذلك لا يكون الاعلى سَبِيلِ الْمِلْكِ وَلَا وَجْهَ لِتَمَلُّكِهِ إلَّا دُخُولُهُ فِي الْبَيْعِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا نَعَمْ لِأَنَّ اسْمَ الشَّجَرَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَقَدْ يَسْتَحِقُّ غَيْرُ الْمَالِكِ الْمَنْفَعَةَ لَا إلَى غَايَةٍ كَمَا لَوْ أَعَارَ جِدَارَهُ لِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي دُخُولِ الْأُسِّ فِي بَيْعِ الْبِنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْإِمَامُ وَلَيْسَ هَذَا كَالْخِلَافِ فِي اسْتِتْبَاعِ الْأَرْضِ أَشْجَارَهَا فَإِنَّ الْفَرْعَ لَا يستتبع الاصل ولكنه من جهة استحقاق لامحمل لَهُ إلَّا الْمِلْكُ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إجَارَةً لِلتَّأْبِيدِ وَلَا عَارِيَّةً لِعَدَمِ جَوَازِ الرُّجُوعِ وَإِنْ بَذَلَ أَرْشَ النَّقْصِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جَعْلُهُ مَبِيعًا تَبَعًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَوْ انْقَلَعَتْ الشَّجَرَةُ أَوْ قَلَعَهَا الْمَالِكُ كَانَ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ بَدَلَهَا
وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُغْرَسَ وَعَلَى الثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ يَكُونُ مِلْكُهُ لِذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَخْرُجُ فِيهِ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
إجَارَةٌ كَمَا قِيلَ بِمِثْلِهِ فِي الصُّلْحِ وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ لِأَنَّ هَذَا يَقَعُ ضِمْنًا مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الْجَمْعِ وَهَذَا الْوَجْهُ يَتَخَرَّجُ مِنْ قَوْلِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَلْعِ وَغَرَامَةِ الْأَرْشِ عَلَى مَا يَفْرَغُ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِيمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إنَّ لَهُ الْقَلْعَ وَغَرَامَةَ مَا يُنْقِصُهُ الْقَلْعُ كَمَا يَغْرَمُ الْمُسْتَعِيرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَعَلَى الْمُعِيرِ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقٌ عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةِ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ وبه يتم ما أبتديته تَخْرِيجًا وَهَلْ يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ أَوْ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَارِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ (إنْ قُلْنَا) الْإِبْقَاءُ يُسْتَحَقُّ كَالْعَارِيَّةِ فَكَالْعَارِيَّةِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَالْخِلَافُ فِي دُخُولِ الْمُغْرَسِ وَالْأُسِّ فِي الْبَيْعِ مثل مَذْكُورٌ فِي الْإِقْرَارِ بِهِمَا وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِبَائِعِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فَلَا يُتَخَيَّلُ فِيهَا مِلْكُ الْأَرْضِ فَإِنْ جَهِلَ الْمُشْتَرِي الْحَالَ وَقُلْنَا بِدُخُولِهَا فِي الْبَيْعِ لَوْ كَانَتْ لِلْبَائِعِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يَثْبُتُ
الْخِيَارُ كَمَا إذَا قُلْنَا الْحَمْلُ يُقَابَلُ بِالثَّمَنِ ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا حَمْلَ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ تَبَعًا لَا
مَقْصُودًا وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِبْقَاءُ مُسْتَحَقًّا لَهُ لطريق بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَمَّا) إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الا (1) الْإِبْقَاءَ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذلك تفريع على أن لَا يُمْلَكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْإِبْقَاءَ وجريان مثله ذلك على قول المالك قابل ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاَلَّذِي تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ نَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ أَنْ يَبِيعَ الْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ مُسْتَأْجِرٌ مَعَهُ وَلَمْ تَنْقَضِ مُدَّةُ إجَارَتِهِ وَعَلِمَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ذَلِكَ فَهَلْ نَقُولُ يَسْتَحِقُّ الابقاء في بقية مُدَّةِ إجَارَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُ وَلَمْ يُدْخِلْهَا فِي الْعَقْدِ أَوْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَمَا يَسْتَحِقُّهَا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ فِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ قَالَ وَالْأَشْبَهُ الثَّانِي وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ قَدْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا دُونَ رَقَبَتِهَا وَجَازَ لَهُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ فِيهَا ثُمَّ بَاعَ ذَلِكَ فَيُشْبِهُ أَنْ تُلْحَقَ هَذِهِ بِمَا إذَا كَانَ مَالِكًا لِلْأَرْضِ حَتَّى لَا تستحق عليه أجرة لافي حَالِ حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِ (إذَا قُلْنَا) لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِمَوْتِهِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا تَنْتَهِي بِمَوْتِهِ حَتَّى لَا تَنْتَقِلَ الْمَنْفَعَةُ لِوَارِثِهِ كَمَا هُوَ مَحْكِيٌّ فِي الْإِبَانَةِ وَالْبَحْرِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ أعلم.
وهذه الاحكام
(1) بياض بالاصل
كلها جارية في جميع الشجر لافرق بَيْنَ النَّخْلِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ دُخُولَ الْمُغْرَسِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ وَرَأَى الْقَوْلَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تَكُونُ كَثِيرَةَ الشَّجَرِ فَتَشْتَبِكُ عُرُوقُهَا فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ فَلَا يَبْقَى لِلْأَرْضِ بَيَاضٌ عَلَى ظَاهِرِهَا لِتَقَارُبِ الْأَشْجَارِ وَلَا فِي بَطْنِهَا لِاشْتِبَاكِ الْعُرُوقِ وَإِثْبَاتُهَا يُفْضِي إلَى أَنْ يَمْلِكَ مُشْتَرِي الْغِرَاسِ بِشِرَائِهِ جَمِيعَ الْأَرْضِ أَوْ مُعْظَمَهَا وَأَيْضًا فَإِمَّا أَنْ يَمْلِكَهُ نَازِلًا فِي طَبَقَاتِ الْأَرْضِ عَلَى مُسَامَتَةِ الْعُرُوقِ وَفِي جِهَةِ الْعُلُوِّ إلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَلَى مُسَامَتَةِ الْعُرُوقِ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَمْلِكُ مِنْ الْأَرْضِ مَا يَسْتُرُ الْعُرُوقَ وَالْبَحْثُ بِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِإِفْضَائِهِ إلَى مِلْكِ الْأَرْضِ بِانْتِشَارِ الْعُرُوقِ (وَالثَّانِي) بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَنْعِ مَالِكٍ مِنْ بَيْعِ أَرْضِهِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ
الْغِرَاسِ لِأَنَّ مَالِكَ الْغِرَاسِ قَدْ مَلَكَ جُمْلَةً مِنْ أَجْزَائِهَا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ فقد أدى إلى فساده تفريعه على فساد وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا مَلَكَ شَجَرَةً صَغِيرَةً وَمَلَكَ مُغْرَسَهَا فَلَا شَكَّ فِي صِغَرِ الْمُغْرَسِ الْآنَ لِصِغَرِ الشَّجَرَةِ وَقِلَّةِ عُرُوقِهَا فَإِذَا ابتلت الشجرة رسقيت انتشرت عُرُوقُهَا وَامْتَدَّتْ إلَى مَوَاضِعَ لَمْ تَكُنْ مُمْتَدَّةً إليها وقت الشراء ولابعده بِأَشْهُرٍ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِمَوَاضِعَ مِنْ الْأَرْضِ وَكُلَّمَا امْتَدَّ عِرْقٌ شِبْرًا أَوْ فِتْرًا فِي جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ مَلَكَهُ مِلْكًا مُتَجَدِّدًا وَهَذَا بِدْعٌ فِي الشَّرْعِ لَا يَصِيرُ إلَيْهِ بِجَعْلٍ انْتَهَى مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَهُوَ بَحْثٌ جَيِّدٌ.
إذَا عَرَفْتُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَإِذَا بَاعَ نَخْلًا دَخَلَ جَرِيدُهَا وسعفها
وَخُوصُهَا لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ (وَأَمَّا) الطَّلْعُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ دَخَلَ وَإِنْ كَانَ مُؤَبَّرًا لَمْ يَدْخُلْ لِلْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي بِمَنْطُوقِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ بِمَفْهُومِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ جَعَلَهُ مَفْهُومَ الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ فَهِمَهُ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ ويحتمل أن يكون من مَفْهُومَ الصِّفَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ التَّأْبِيرَ صِفَةً لِلنَّخْلِ وَكَذَلِكَ جَعَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرُهُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَمْثِلَةِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ لَنَا مِنْ الحديث أدلة ثلاثة (أحدها) دليل الخطاب هو دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلْعَ لَهُ وَصْفَانِ مُؤَبَّرٌ وَغَيْرُ مُؤَبَّرٍ فَلَمَّا جَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ مُؤَبَّرًا لِلْبَائِعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ لِلْمُشْتَرِي كَمَا نَقُولُهُ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ (وَالثَّانِي) إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ يُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ) فَجَعَلَهَا لِلْبَائِعِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُؤَبَّرَةً فَعُلِمَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ فَلَيْسَتْ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَمَنْ قَالَ إنَّهَا لِلْبَائِعِ فِي الْحَالَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَهَا لِلْبَائِعِ إذَا أُبِّرَتْ بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا هُوَ لَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ (الثَّانِي) أَنَّهُ أَعْنِي الْمُخَالِفَ جَعَلَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْبَائِعِ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ (وَالدَّلِيلُ الثَّالِثُ) مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إما أن يكون ذكر التأبير بينها عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ للبائع
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِتَعْيِينِ أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ لا يكون للبائع لاسبيل إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُؤَبَّرَ بَائِنٌ ظَاهِرٌ وَغَيْرُ الْمُؤَبَّرِ كَامِنٌ مُسْتَتِرٌ وَمَا كَانَ مُسْتَتِرًا فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّبَعِيَّةِ مِنْ الظَّاهِرِ بِدَلِيلِ الْحَمْلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ أَنْ
لَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ عِنْدَ عَدَمِ التَّأْبِيرِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أبو حامد عن الشافعي من الاستدلال مَوْجُودٌ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا حَدَّ قَالَ (إذَا أُبِّرَ فَثَمَرُهُ لِلْبَائِعِ) فَقَدْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّ حُكْمَهُ إذَا لَمْ يُؤَبَّرْ غَيْرُ حُكْمِهِ إذَا أُبِّرَ وَلَا يَكُونُ مَا فِيهِ إلَّا لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي لَا لِغَيْرِهِمَا وَلَا مَوْقُوفًا فَمَنْ بَاعَ حَائِطًا لَمْ يُؤَبَّرْ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ شَرْطٍ اسْتِدْلَالًا مَوْجُودًا بِالسُّنَّةِ وَقَالَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِمْلَاءِ أَيْضًا وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْإِبَارَ حَدَّ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فَقَدْ جَعَلَ مَا قَبْلَهُ حَدَّ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَهُ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَكِلَا الْمَفْهُومَيْنِ حُجَّةٌ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِالْوَجْهِ الثَّانِي جَعْلَهُ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ بَلْ إنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِيهِ بُعْدٌ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا أَنَّ اللَّفْظَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ شَرْطًا وَالْمُخَالِفُ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَهَذَا الَّذِي أَرَادُوهُ والله أعلم وَهُوَ بِهَذَا التَّقْدِيرِ صَحِيحٌ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْزِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ (وَأَمَّا) الْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْمَفْهُومِ وَهُوَ صَالِحٌ لَأَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ فِي كُلِّ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ لَكِنْ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَلْفُوظِ بِهِ وَكَأَنَّهُ اسْتَقَرَّ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ إذَا خُصَّ الْمَذْكُورُ بِالذِّكْرِ اقْتَضَى هَذَا قِيَامَ قَوْلٍ آخَرَ لَهُ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ الحكم عما عداه انتقاء ظَاهِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْمَفْهُومَ مُسْتَنِدًا إلَى الْبَحْثِ عَنْ طَلَبِ فَوَائِدِ التَّخْصِيصِ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ مَاشٍ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى وَلِذَلِكَ نَسَبَ الدَّلَالَةَ إلَى اللَّفْظِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ يُشْعِرُ بِذَلِكَ لَكِنَّ الْأَنْبَارِيَّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ نَقَلَ عن الشافعي أن اختياره الثَّانِي مُسْتَمِرٌّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى مُرَادِ الْأَصْحَابِ بِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ من
مَفْهُومِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ أَقْوَى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُنْكِرِينَ لِمَفْهُومِ الصِّفَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ يُتَّجَهُ عِنْدَ مَنْ يَرَى الْمَفْهُومَ حُجَّةً وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ فَقَالَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ وَنَسَبَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَى مَالِكٍ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ هُنَا وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ (وَأَمَّا) الْخَصْمُ الْمُنْكِرُ لِكُلٍّ مِنْ
الْمَفْهُومَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ عليه بدفع مخالفيه في الاصل وكذلك بعد أَصْحَابِنَا مِمَّنْ أَنْكَرَ الْمَفْهُومَيْنِ مَعًا فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ التَّمَسُّكُ فِي هَذَا الْفَرْعِ بِهِ لَكِنَّ الْخَصْمَ فِي إلْحَاقِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ بِالْمُؤَبَّرَةِ يَحْتَاجُ إلَى قِيَاسٍ وَلَنْ يَجِدَهُ وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ وَجَبَ كَوْنُهَا لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لِلشَّجَرَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ بِذَلِكَ مَنْ يُنْكِرُ الْمَفْهُومَ وَالْقِيَاسَ كَدَاوُد (فَإِنْ قُلْتُ) بَلْ يَجِبُ كَوْنُهَا لِلْبَائِعِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وبقائها على ملكه (قلت) لابد فِي إدْرَاجِهَا فِي الْبَيْعِ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ عُرْفٍ عِنْدَ مَنْ يُنْكِرُ الْقِيَاسَ وَاعْتَضَدَ الْأَصْحَابُ بما رواه الشافعي رضى الله عنه عن سعيد بن سالم عن ابان جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حائطا مثمرا ولم يشترط المبتاع التمر وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْبَائِعُ وَلَمْ يَذْكُرَاهُ فَلَمَّا ثَبَتَ البيع اختلفا في التمر وَاحْتَكَمَا فِيهِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقضى بالتمر لِلَّذِي لَقَّحَ النَّخْلَ الْبَائِعِ وَهَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ عَطَاءٍ فَفِيهِ اعْتِضَادٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَصَرْحَ مِنْ الْأَوَّلِ بِكَثِيرٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ الْبَائِعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِاَلَّذِي لَقَّحَ الْمَعْهُودَ لَا الْعُمُومَ وَحِينَئِذٍ يَعُودُ إلَى أَنَّ ذِكْرَ الصِّفَةِ هَلْ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ هَذَا بِحَسَبِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهَا فِيهِ عُمُومٌ بِحَيْثُ أَثِقُ بِصِحَّتِهِ وَرَوَى ابْنُ ماجه وعبد الله بن أحمد ابن حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بتمر النخل لمن أبرها إلار أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَإِنَّ مَالَ الْمَمْلُوكِ لِمَنْ باعه إلا أن يشتطر الْبَائِعُ) فَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ فَفِي سَنَدِهَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ ابْنُ معين ليس بثقة فالحديث نسبه ضَعِيفٌ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَلَفْظُهُ (فَجَعَلَ الثَّمَرَ لِمَنْ
أبرها) وقال ذكر هذا الحديث أبو إسحق في الشرح وأبو علي الطبري في المحر وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ السَّاجِيّ قَالَ وَهَذَا نَصٌّ وَلَيْسَتْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ زِيَادَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ اشْتِرَاطٌ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ فِيهَا بالوصف ودلالته على أن ذلك (1) وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْشَدَ قَوْلَ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ حَرَّمَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُلُوكِ الْجَاهِلِيَّةِ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ لَهُ جَذَذْت جَنَى نَخْلَتِي ظَالِمًا
* وَكَانَ الثِّمَارُ لِمَنْ قد أبرا
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الثِّمَارُ لِمَنْ قَدْ أَبَّرَ) وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إثْبَاتًا لِهَذَا الْحُكْمِ كَمَا أَنْشَدَ قَوْلَ الْأَعْشَى.
وَهُوَ سِرٌّ غَالِبٌ لِمَنْ غَلَبَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وَهُوَ سِرٌّ غَالِبٌ لمن غلب.
تثبيتا لهذا القول وهذه الوجود ذكرناها على جهة الاستئاس والاعتضاد لاأنه يَقُومُ بِهَا بِمُفْرَدِهَا حُجَّةٌ وَالْحُجَّةُ مَا تَقَدَّمَ وَلَهُ تَتِمَّةٌ تَأْتِي فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ.
وَافَقَنَا عَلَى دُخُولِ الطَّلْعِ وَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَبَعْدَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَالطَّبَرِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَدْخُلُ الطَّلْعُ فِي بَيْعِ النَّخْلِ بِكُلِّ حال وقال أبو حنيفة رضى الله عنه والكوفيون والاوزاعي لايدخل بِكُلِّ حَالٍ مُؤَبَّرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ الا بالشرط فاخذ أبو حنيفة رضى الله عنه بِالْمَنْطُوقِ دُونَ الْمَفْهُومِ وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بِالْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ مَعًا وَلَمْ يَأْخُذْ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِالْمَنْطُوقِ وَلَا بِالْمَفْهُومِ وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَهُ بِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَأَشْبَهَ السَّقْفَ وَالْأَغْصَانَ وَالصُّوفَ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا رحمهم الله بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا دَخَلَتْ لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ وَلَيْسَتْ بِنَمَاءٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الحيوان يولد وعليه الصوف والنماء مالا يَكُونُ أَصْلًا (وَأَمَّا) الثَّمَرَةُ فَإِنَّهَا نَمَاءٌ (وَرَدُّوا) هَذَا الْقَوْلَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّنَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ (واحتحت) الحنفية ومن وافقهم بأنها ثمرة
(1) بياض بالاصل
* بَرَزَتْ عَنْ شَجَرِهَا وَبِأَنَّهَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْعَقْدِ فَلَمْ تَتْبَعْ الْأَصْلَ كَالْمُؤَبَّرَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى طَلْعِ الْفُحَّالِ وَبِأَنَّهَا نَمَاءٌ لَهَا حَالٌ إذَا انْتَهَتْ إلَيْهِ أُخِذَتْ فَلَمْ تَتْبَعْ الْأَصْلَ كَالزَّرْعِ فِي الارض وبان الزرع لايتبع الْأَرْضَ فِي حَالَةِ ظُهُورِهِ وَلَا فِي حَالَةِ كُمُونِهِ فَكَذَلِكَ الطَّلْعُ وَبِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ مَنْ شَرَطَ التَّأْبِيرَ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ حَتَّى انْتَهَتْ وَصَارَتْ بَلَحًا أَوْ بُسْرًا ثُمَّ بِيعَ النَّخْلُ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَدْخُلُ فِيهِ قَالُوا فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذِكْرِ التَّأْبِيرِ ظهور الثمرة وبان الطلع لايتبع فِي الرَّهْنِ فَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ كَالْمُؤَبَّرَةِ (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ بَعْدَ التَّمَسُّكِ بِالْحَدِيثِ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ كَوْنِهَا بَرَزَتْ عَنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا فِي غِلَافِهَا (وَعَنْ) الثَّانِي بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ جَوَازَ إفْرَادِهَا بالعقد على رأى أبي إسحق الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُغَيَّبٌ فِيمَا لَا يُدَّخَرُ
فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَوْزِ فِي الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَجَوَازُ الْإِفْرَادِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّبَعِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَاعَ دَارًا فِيهَا نَخْلَةٌ دَخَلَتْ النَّخْلَةُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَيَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ (وَعَنْ) الثَّالِثِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ طَلْعَ الْفُحَّالِ كَطَلْعِ الْإِنَاثِ وَلَوْ سَلِمَ فَالْفَرْقُ أَنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَا فِي جَوْفِهِ وَطَلْعُ الْفُحَّالِ هُوَ الْمَقْصُودُ عَلَى وَجْهِهِ (وَعَنْ الرَّابِعِ) بِأَنَّ الزَّرْعَ نماء بَرَزَ عَنْ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ (وَعَنْ الْخَامِسِ) بِأَنَّ الزَّرْعَ لَيْسَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتْبَعْ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهَا مُسْتَتِرَةٌ فِي الشَّجَرَةِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ السَّادِسِ أَنَّهَا قَبْلَ التَّشَقُّقِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ المقصودة مستترة في الكلام فَحَيْثُ ظَهَرَتْ عَنْ الْكِمَامِ إمَّا بِالتَّأْبِيرِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَانَتْ لِلْبَائِعِ فَمَنْ جَعَلَهَا لِلْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ تَأْبِيرٍ وَلَا ظُهُورٍ كَانَ مُخَالِفًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ (وَعَنْ السَّابِعِ) مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه قَالَ فِي الْقَدِيمِ يَدْخُلُ الطَّلْعُ فِي الرَّهْنِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الرَّهْنَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَالْبَيْعُ يُزِيلُ الْمِلْكَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْمُؤَبَّرَةِ أَنَّهَا أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ وَشَبَهًا مِنْ الْجَنِينِ فَتَعَارَضَا وَبَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ مِلْكُ الْبَائِعِ وَلَا كَذَلِكَ الْكَامِنَةُ (تَتِمَّةٌ) اسْتِدْلَالُ الْأَصْحَابِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله وَلِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ كَالْحَمْلِ إلَى آخِرِهِ هُوَ مِنْ كلام القاضى
أَبِي الطَّيِّبِ وَلِذَلِكَ الْأَصْحَابُ قَاسُوهُ عَلَى الْحَمْلِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَتَقَدَّمَتْ الِاحْتِرَازَاتُ الَّتِي فِيهِ لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ وَتُخَالِفُ الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ الْجَنِينَ فِي أَنَّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَلَيْسَتْ لِلْجَنِينِ لِأَنَّهُ غير ظاهر ولولا مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ لَمَا كَانَ الثَّمَرُ مِثْلَ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ يُقْدَرُ عَلَى قَطْعِهِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَجَرِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُبَاحًا مِنْهُ وَالْجَنِينُ لَا يُقْدَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ حَتَّى يُقَدِّرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَلَا يُبَاحُ لِأَحَدٍ إخْرَاجُهُ وَإِنَّمَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا حَيْثُ اجْتَمَعَا فِي بَعْضِ حُكْمِهِمَا بِأَنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ فِي الثَّمَرِ لَمْ يُؤَبَّرْ بِمَعْنَى الْجَنِينِ فِي الاجماع فجمعنا بينهما خيرا لاقياسا إذا وَجَدْنَا حُكْمَ السُّنَّةِ فِي الثَّمَرِ لَمْ يُؤَبَّرْ كحكم الاجماع في جنيين الْأَمَةِ وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا فِيهِ تَمْثِيلًا لِيَفْقَهَهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَاجُ إلى ان يقاس على شئ بل الاشياء تكون له تبعا هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الثَّمَرَةِ وَالْحَمْلِ وَالِاعْتِمَادُ
فِي ذَلِكَ عَلَى الْحَدِيثِ وَحْدَهُ وَكَمَا دَلَّ الْإِجْمَاعُ في الحمل على الفرق بين قَبْلَ ظُهُورِهِ وَمَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ دَلَّتْ السُّنَّةُ فِي الثَّمَرَةِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَمَا بَعْدَهُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الموضع صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ من الثمن على غير الاصح عن الْأَصْحَابِ وَالْأَصْحَابُ ذَكَرُوا فِي أَنَّ الثَّمَرَةَ هَلْ يُقَابِلُهَا قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ طَرِيقَيْنِ (إحْدَاهُمَا) الْقَطْعُ بِالْمُقَابَلَةِ كَمَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِيَةُ) تَخْرِيجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْحَمْلِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا النَّصَّ وَرَجَّحَهَا الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَقَصَدَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بِذَلِكَ تَشْبِيهَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ بِالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى فَصْلِ الثَّمَرَةِ عَنْ الشَّجَرَةِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَالْأَصْحَابُ قَاسُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى هَذَا الْفَرْقِ وَذَكَرُوا اعْتِرَاضَاتٍ على
الْقِيَاسِ وَانْفَصَلُوا عَنْهَا (أَمَّا) الِاعْتِرَاضَاتُ فَإِنَّ الْمَعْنَى فِي الْحَمْلِ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ فَلِذَلِكَ كَانَ تَبَعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّمَرَةُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْعَقْدِ عَلَى رَأْيِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ طَائِفَةٍ وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَلَيْسَ إيَّاهُ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّلْعُ كَالْحَمْلِ لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ قَدْ ظَهَرَتْ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصْلِ وَبِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ لِنَفْسِهِ وَيَجُوزُ لَهُ اسْتِثْنَاءُ الطَّلْعِ لِنَفْسِهِ وَانْفَصَلُوا عَنْ الْأَوَّلِ بِأَبْوَابِ الدَّارِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْعَقْدِ وَمَعَ ذَلِكَ تَتْبَعُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عَلَى الْحَمْلِ وَجَازَ عَلَى الثَّمَرَةِ لِأَنَّ الْحَمْلَ جَارٍ مَجْرَى أَبْعَاضِ الْأُمِّ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عَلَى أَبْعَاضِهَا لَمْ يَجُزْ عَلَى حَمْلِهَا وَالثَّمَرَةُ قَبْلَ التَّأْبِيرِ تَجْرِي مَجْرَى أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا جَازَ الْعَقْدُ عَلَى أَغْصَانِهَا جَازَ عَلَى ثَمَرِهَا (وَعَنْ الثَّانِي) بِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَامِنَةً فِي الطَّلْعِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الحمل لاأصل لَهَا غَيْرُهُ فَأَمَّا إذَا ظَهَرَتْ مِنْ الطَّلْعِ فَقَدْ أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ عَنْ الْأُمِّ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ كَالْوَلَدِ وَأَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْجَنِينِ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصْلِ كَاتِّصَالِ الْجَنِينِ بِالْأُمِّ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَعَارَضَا وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ كَمَا كَانَتْ (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اسْتِثْنَاءُ السَّقْفِ وَالْأَغْصَانِ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَسْتَثْنِ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ (فَائِدَةٌ) كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله الْمُتَقَدِّمُ كَالصَّرِيحِ فِي إفَادَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى دُخُولِ الْحَمْلِ في بيع
الْأُمِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ الْأَمَةِ وَاسْتِثْنَاءَ مَا فِي بَطْنِهَا وَلَيْسَ مُجَرَّدُ
ذَلِكَ مُصَادِمًا لِلْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنَّ ابْنَ الْمُغَلِّسِ الظَّاهِرِيَّ قَالَ عَنْ أَصْحَابِهِمْ إنَّ تَبَعِيَّةَ الْحَمْلِ لِلْأُمِّ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّ النَّظَرَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ غَيْرُهَا وَلَيْسَ كَعُضْوٍ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ فَنِسْبَةُ ابْنِ الْمُغَلِّسِ ذَلِكَ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ يُشْعِرُ بِخِلَافٍ إذْ إنَّهُ رَأَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعًا وَمَحَلُّ الْجَزْمِ فِي دُخُولِ الْحَمْلِ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِرَبِّ الْحَيَوَانِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ قد وجد باختياره قال بان الرِّفْعَةِ وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ تَمْلِيكٍ جَرَى بِالِاخْتِيَارِ مِنْ الْمَالِكِ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ وَفِي معنى ذلك وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ فلس وهل الاستتباع في هذا لاجل رضاه بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الْأُمِّ عَنْهُ الْقَائِمُ فِيهِ مقامه وكيله أو وليله وَكَذَا عِنْدَ بَيْعِهِ عَلَيْهِ قَهْرًا أَوْ لِأَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فِيهَا عَنْهُ إلَّا بِعِوَضٍ فِيهِ مَعْنَيَانِ تُخَرَّجُ عَلَيْهِمَا مَسَائِلُ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ فِي بَابِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ (مِنْهَا) لَوْ وهبها حيث لاثواب وَهِيَ حَامِلٌ لَا يَتْبَعُهَا الْحَمْلُ الْجَدِيدُ كَمَا قَالَ لَا وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا كَمَا فِي البيع ومثلها جار فيما لورهن الْجَارِيَةَ الْحَامِلَ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رَاضٍ بِخُرُوجِ الْمِلْكِ فِي الْأُولَى وَبِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي الثَّانِيَةِ لَكِنْ لَا بِعِوَضٍ أُجْرِيَا أَيْضًا فِيمَا لَوْ رَهْنَهَا حَائِلًا فَحَمَلَتْ (وَمِنْهَا) لَوْ خَرَجَتْ عَنْ ملكه
بِعِوَضٍ لَكِنْ لَا بِرِضَاهُ كَمَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ عِوَضَهَا بِعَيْبٍ وَكَانَتْ قَدْ حَمَلَتْ فِي يَدِهِ أَوْ رَجَعَ فِيهَا بَائِعُهَا عِنْدَ فَلَسِهِ وَهِيَ حَامِلٌ وَقَدْ كَانَتْ حَائِلًا عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ لَهَا هَلْ يَتْبَعُهَا الْحَمْلُ قَوْلَانِ (قُلْتُ) قَضِيَّةُ الْمَأْخَذَيْنِ أَنَّ الْأَبَ لَوْ رَجَعَ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي وَهَبَهَا لِابْنِهِ وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ حَمَلَتْ أن لا يتبعها الحمل قولا واحد لِأَنَّهُ لَا عِوَضَ وَلَا رِضَاءَ مَعَ ذَلِكَ فَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ فِي التَّبَعِيَّةِ قَوْلَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْفَرْقُ أَنَّ عُقُودَ الْإِجْبَارِ بِالْعِوَضِ تَسْتَدْعِي بُعْدَ الْمَبِيعِ عَنْ الْغَيْرِ وَلَوْ نَفَّذْنَا الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ عَلَى الْجَارِيَةِ دُونَ الْحَمْلِ لَجَرَّ ذَلِكَ عُسْرًا وَمَا يَجْرِي مِنْ الِارْتِدَادِ فَهَذَا لَيْسَ فِي حُكْمِ الْعُقُودِ فَجَرَى الْأَمْرُ فِي التَّبَعِيَّةِ عَلَى التَّرَدُّدِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ نَقُولُ الحمل لايتبع الْأُمَّ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أن الرد صحيح لايمنع مِنْهُ كَمَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ إفْضَاؤُهُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ عَلَى رَأْيٍ وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ حِينَ الْبَيْعِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْبَائِعِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يَنْدَرِجُ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ وَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يُرَتَّبَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ (إنْ قلنا) يصح فههنا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ قَالَ إذَا كَانَ مُتَزَوِّجًا بِأَمَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَأَوْصَى لَهُ بِحَمْلِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ عَلَى وَجْهٍ
يَعْنِي لِأَنَّهُ صَارَ جَدًّا قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِثْلُ الْوَجْهِ فِي بَيْعِهَا مِنْهُ إذَا أَوْصَى لَهُ بِحَمْلِهَا مَذْكُورٌ فِيمَا إذَا بَاعَهَا مِنْ مَالِكِ الْحَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَاعِدَةٌ) الْعُقُودُ الَّتِي يُمْلَكُ بِهَا النَّخْلُ وَالثَّمَرُ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمُرَاضَاةِ كَالْبَيْعِ وَالصُّلْحِ وَالصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِجَارَةِ كَمَا إذَا أَجَرَ دَارِهِ مُدَّةً بِنَخْلَةٍ مُطْلَقَةٍ فَهَذِهِ الْعُقُودُ تَتْبَعُهَا الثَّمَرَةُ غَيْرُ المؤبرة ولا تتبعها المؤبرة (الضرب الثَّانِي) مَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمُرَاضَاةِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ نَخْلًا فَأَطْلَعَتْ فِي يد المشترى ثم أفلس فَرَجَعَ الْبَائِعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ فَهَلْ تَكُونُ الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ تَبَعًا لَهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرُّويَانِيِّ التَّبَعِيَّةُ وَكَمَا إذَا رَهَنَ نَخْلًا فَأَطْلَعَتْ فَحَلَّ الدَّيْنُ وَالطَّلْعُ لَمْ يؤبر فيبع الْمَرْهُونُ جَبْرًا مِنْ غَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ هَلْ يدخل الطلع في البيع أم لافيه وَجْهَانِ وَقَطَعَ الرُّويَانِيُّ هُنَا بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ الرِّضَا بِهَذَا الْبَيْعِ عِنْدَ الرَّهْنِ وَقَدْ أَطْلَقُوا عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَنَّهُمَا مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمُرَاضَاةِ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي إطْلَاقِ الْعَقْدِ عَلَى الرُّجُوعِ فِي الْفَلَسِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَمَنْ عَدَّ ذَلِكَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ أَرَادَ بِهِ الْبَيْعَ الَّذِي يُرَتَّبُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَحَكَى الْجُرْجَانِيُّ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا فِي بَيْعِ نَخِيلِ الْمُفْلِسِ فِي دَيْنِهِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) عَقْدٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُرَاضَاةِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ هَلْ تَكُونُ الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ تَبَعًا لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ ومثل أن يهب نخلا لوله فَيُطْلِعَ فَيَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ هَلْ يَتْبَعُ الطَّلْعُ النَّخْلَ عَلَى وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) مِنْ الْمَذْهَبِ مَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا أَنَّ الْوَالِدَ لَا يَسْتَرْجِعُ الثَّمَرَةَ وَعُدَّ هَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا مِنْ هَذَا الضَّرْبِ اعْتِبَارًا بِالْعَقْدِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعُدَّ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي كُلِّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِي الضَّرْبَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَصْلُهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ إذَا رَهَنَهُ نَخْلًا عَلَيْهَا طَلْعٌ لَمْ يُؤَبَّرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ أَمْ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ لايدخل لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَكَانَ يَقُولُ في القديم يدخل على الطريق الْبَيْعِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ (الضَّرْبُ الرَّابِعُ) مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَلَمْ يَكُنْ مَأْخُوذًا عَلَى وَجْهِ الْمُرَاضَاةِ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا اسْتَرْجَعَ بِهِ نِصْفَ الْمَهْرِ وكان قد أصدقها نخلا لاطلع عَلَيْهَا ثُمَّ أَطْلَعَتْ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ
التَّأْبِيرِ وَقَبْلَ الدخول فههنا لاتتبع الثَّمَرَةُ الشَّجَرَةَ وَلَا تَرْجِعُ إلَى الزَّوْجِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَيْسَ لَنَا موضع لايتبع الطَّلْعُ قَبْلَ الْإِبَارِ الْأَصْلَ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي قَوْلًا وَاحِدًا وَتَعْلِيلُهُ أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا كَانَ زَائِدًا زِيَادَةً مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ وَالصَّنْعَةِ لَا يَرْجِعُ بِهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ أَصْدَقَهَا فَإِذَا لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ فَلَأَنْ لَا يرجع
بِالطَّلْعِ أَوْلَى فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ النَّخْلَةِ دُونَ الطَّلْعِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيَتْرُكُ الطَّلْعَ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ هذا لقسم الوالد إذا رجع فيما وهبه لولده لم يَكُنْ لِلْوَالِدِ اسْتِرْجَاعُ الثَّمَرَةِ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفَهِمَ عَنْهُ الرُّويَانِيُّ الْقَطْعَ بِذَلِكَ فَقَالَ وَفِي الْحَاوِي وَعَلَى هَذَا الْوَالِدُ لَا يَسْتَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ مِنْ الْوَلَدِ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا مُعَاوَضَةَ وَلَا تَرَاضٍ.
(فرع)
قال صاحب التلخيص في ما شَذَّ عَنْ أُصُولِ الْكُوفِيِّينَ يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ إنَّهُ إنْ رَهَنَ أَرْضًا أَوْ أَقَرَّ بِهَا دَخَلَتْ الثِّمَارُ يَعْنِي عِنْدَهُمْ وَهَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ فِي كونهم يقولون لايدخل فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي غَيْرِهِ إلَّا فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
(فَرْعٌ)
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَمَا تَشَقَّقَ فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ فهو كالمؤبر فَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَإِنْ لَمْ يكن بلفظه والقياس الجلى خاهر فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَظْهَرَ بِعِلَاجٍ أَوْ بِغَيْرِ عِلَاجٍ أَوْ تُشَقَّقَ بِالرِّيَاحِ اللَّوَاقِحِ وَهُوَ أَنْ يكون فحول النَّخْلِ فِي نَاحِيَةِ الصَّبَا فَتَهُبَّ فِي وَقْتِ الابار فان الابار تتأثر براوئح طَلْعِ الْفُحُولِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَلْ ظُهُورُهَا بِنَفْسِهَا أَوْلَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ الْإِبَارُ فِي النَّخْلِ إذَا انْشَقَّ الْخُفُّ وَبَدَتْ الثَّمَرَةُ فَهُوَ وَقْتُ الْإِبَارِ أبر أو ام يُؤَبَّرْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَنْوَاعِ النَّخْلِ مَا يَكُونُ تَرْكُ تَلْقِيحِهِ أَصَحَّ لِلثَّمَرَةِ وَمَنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ الْمَذْكُورِ يُسْتَفَادُ أَنَّ التَّأْبِيرَ اسْمٌ لِوَضْعِ طَلْعِ الْفُحَّالِ فِي الْإِنَاثِ بعد تشققها لا لنفس التَّشَقُّقِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ وَقْتَ التَّأْبِيرِ قَائِمٌ مَقَامَ التَّأْبِيرِ وَإِنَّ وَضْعَ الْكُشِّ بَعْدَ تَشَقُّقِ الثَّمَرَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي سَلَامَةِ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالتَّبَعِيَّةُ فِي الْمَبِيعِ وَعَدَمُهَا مَنُوطَةٌ بِالتَّشَقُّقِ لَا بِوَضْعِ طَلْعِ الْفُحَّالِ فِيهَا فَيَكُونُ ذِكْرُ التَّأْبِيرِ غَالِبًا وَالنَّخْلُ تَارَةً
يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ فَيُلَقَّحُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَارَةً يَبْلُغُ أَوَانَ التَّشَقُّقِ وَلَمْ يَتَشَقَّقْ بَعْدُ وَيُشَقَّقُ وَيُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا مَعْنَاهُ إنَّا إنَّمَا اتَّبَعْنَا الْمَعْنَى هُنَا وَلَمْ نَتَّبِعْ اللَّفْظَ وَلَا أَجْرَيْنَا فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّ الْمَعْنَى قَوِيَ بِأَصْلِ بَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يُعَارَضُ ذَلِكَ بِأَنَّ تركه التأبير عند إمكانه كالاعراض فنجعل تَابِعَةً لِمُقْتَضَى مَفْهُومِ الْحَدِيثِ لِضَعْفِ عُمُومِ الْمَفْهُومِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْحَائِطَ إذَا تَشَقَّقَ طَلْعُ إنَاثِهِ فَأُخِّرَ إبَارُهُ وَقَدْ أُبِّرَ غَيْرُهُ مِمَّنْ حَالُهُ مِثْلُ حَالِهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا أُبِّرَ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَلَيْهِ وَقْتُ الْإِبَارِ وَظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ بَعْدَ تَغَيُّبِهَا فِي الْخُفِّ وَمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ ثَمَرَةُ النخل بغير ابار لم يحل اشترطها أَصْلًا وَجَمَدَ جُمُودًا عَجِيبًا فَقَالَ لَا يَجُوزُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ
إلَّا الِاشْتِرَاطُ فَقَطْ (وَأَمَّا) الْبَيْعُ فَلَا حَتَّى يَصِيرَ زَهْوًا فَإِذَا هُوَ صَارَ زَهْوًا جَازَ فِيهِ الِاشْتِرَاطُ وَالْبَيْعُ مَعَ الْأُصُولِ وَدُونِهَا وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا فِي النَّخْلِ الْمَأْبُورِ خَاصَّةً وَلَمْ يُطْرِدْهُ فِي غَيْرِ النَّخْلِ مِنْ الشَّجَرِ وَلَا فِي النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ وَهَذَا جُمُودٌ عَجِيبٌ يُنْكِرُهُ الْفَهْمُ وَعَدَمُ طَرْدِهِ إيَّاهُ فِي النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ النَّخْلَ اسْمُ جَمْعٍ وَلِمُخَالِفِيهِ أَنْ يَقُولُوا إنَّهُ اسْمُ جنس فان العرب لم تلزمه تاء التائنيث قال الله تعالى (اعجاز نخل من منقعر) وَإِذَا كَانَ اسْمَ جِنْسٍ شَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ كَتَمْرٍ وَسَائِرُ مَا مُؤَنَّثُهُ بِالتَّاءِ مِمَّا لَمْ تلزمه العرب كالتخم البهم بخلاف الرطب فانهم قالوا هُوَ الرُّطَبُ كَمَا لَمْ تَلْتَزِمْ فِيهِ الْعَرَبُ التأنيث يصح أن يكون اسم جنس النخل مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ أَيْ كُلُّ الثَّمَرَةِ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ كُلَّهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَأَيِّ جُزْءٍ كَانَ مَعْلُومًا فلا تكون كلها للبائع بل على جسب الشَّرْطِ وَالْعُمُومُ فِي الْأَوَّلِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِضَافَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَثَمَرَتُهَا وَالْإِطْلَاقُ فِي الثَّانِي مَأْخُوذٌ مِنْ عَدَمِ الْهَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ أَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ القاسم لا يجوز ان يشرط بَعْضُهَا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد وَفِي مَالِ العبد لا يجوز الان يَشْتَرِطَهُ كُلَّهُ أَوْ يَدَعَهُ كُلَّهُ.
(فَرْعٌ)
هَذَا الاشتراط هل حكمه حكم البيع أولا قَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ
فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ عِنْدَهُ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا اشْتَرَطَهَا مُشْتَرِي الْأَصْلِ أَوْ اشْتَرَاهَا بعد أنها لاحصة لَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ أُجِيحَتْ كُلُّهَا كَانَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَتَمَسَّكَ ابْنُ حَزْمٍ فِي أَنَّ هذا الاشتراط ليس يبيع بِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ وَحَمَلَ هَذَا عَلَى عُمُومِهِ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ بَيْعٌ يَحْتَاجُونَ إلَى تَخْصِيصِ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ تَأْوِيلِهِ عَلَى بَيْعِهَا وَحْدِهَا.
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ تَسْلِيمُ الشَّجَرَةِ مَعَ كَوْنِ الثِّمَارِ الْمُؤَبَّرَةِ عَلَيْهَا لِلْبَائِعِ وَقَالَ أَبُو حنيفة رضى الله عيه لا يحصل الا بعد قطع الفثمار وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْفَرْعِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِالزَّرْعِ عَلَى وَجْهٍ مَنْفَعَةَ الشَّجَرَةِ تَافِهَةٌ.
(فَرْعٌ)
فَأَمَّا غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ اشْتَرَطَهَا الْبَائِعُ فَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ إفْرَادِهَا فِي الْبَيْعِ فان ذلك بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ وَهَذَا اسْتَجَدَّ فَيَصِحُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ نَزَّلَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةَ الثَّمَرَةِ فِي نَخْلِهِ
حِينَ بَاعَهَا إيَّاهُ إذَا كَانَ اسْتَثْنَاهَا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا فَإِنْ اسْتَثْنَى عَلَى أَنْ يُقِرَّهَا فلا خير الْبَيْعِ لِأَنَّهُ بَاعَهُ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ مُفْرَدَةً إلَى وَقْتٍ قَدْ تَأْتِي عَلَيْهَا الْآفَةُ قَبْلَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَاسْتَثْنَى الثَّمَرَةَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَيْسَ يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا شُرِطَ الْقَطْعُ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا (قُلْتُ) قَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِفَ عَلَى الزَّوَالِ هَلْ يُجْعَلُ كَالزَّائِلِ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ بِالْبَيْعِ قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى زَوَالِهَا عَنْ الْبَائِعِ وَبِالِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَيْهِ فَأَشْبَهَتْ الدَّاخِلَةَ فِي مِلْكِهِ ابْتِدَاءً فَلِذَلِكَ شُرِطَ شَرْطُ قَلْعِهَا وَالْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْمَرَاوِزَةِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَجَعَلُوا هَذِهِ قَاعِدَةً أَنَّ مَا أَشْرَفَ عَلَى الزَّوَالِ هَلْ يُعْطَى حُكْمُ الزَّائِلِ وَخَرَّجُوا عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ (مِنْهَا) إذَا بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا لِنَفْسِهِ سَنَةً هَلْ يَصِحُّ كَمَا لَوْ باعها ثم استأجرها اولا يَصِحُّ فِيهِ الْوَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ يَصِحُّ فَهَهُنَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي الْحَالِ وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ لَا يَصِحُّ فَهَهُنَا يَصِحُّ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي الْحَالِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَمِنْهَا) إذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ جِنَايَةً تَسْتَغْرِقُ قيمته ثم مات الشيد وَلَمْ يَخْلُفْ غَيْرَهُ فَفَدَاهُ الْوَرَثَةُ حَكَمْنَا بِنُفُوذِ الْعِتْقِ وَفِي الْوَلَاءِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) الْمُشْرِفُ
كَالزَّائِلِ الْعَائِدِ فَالْوَلَاءُ لِلْوَرَثَةِ وَإِلَّا فَلِلْمُتَوَفَّى وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَوِّلُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ مُطْلَقًا ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ الْمُشْتَرِي الطَّلْعَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِظَاهِرِ النَّصِّ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى مَا حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْهُ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْعِرَاقِيِّينَ جَازِمُونَ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ وَأَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ كِتَابِ الصَّرْفِ خَطَأٌ فِي النَّقْلِ لِأَنَّ حَرْمَلَةَ نَقَلَ إذَا كَانَ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا فَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ يُقِرَّهَا فَلَا خَيْرَ فِي الْبَيْعِ فَوَقَعَ الْخَطَأُ فِي النَّقْلِ مِنْ قَوْلِهِ اشْتَرَى إلَى قَوْلِهِ اسْتَثْنَى وَوَافَقَهُمْ الْقَفَّالُ عَلَى هَذَا وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا صحيح خِلَافَ ظَاهِرِ النَّصِّ وَحَمَلَهُ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا بَاعَ النَّخْلَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ فَكَانَتْ الْأُصُولُ وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَى الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ مِنْهُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَكِنَّا نَعُودُ إلَى الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ بَيْعِ الثِّمَارِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِذَلِكَ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي فَيَنْبَغِي إذَا شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ لَا يَصِحُّ كَالْحَمْلِ كَمَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ لَا يَصِحُّ هَهُنَا فَمَا وَجْهُ جَزْمِ الْأَصْحَابِ بِصِحَّتِهِ وَنَظَرِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ أَمْ لَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْحَمْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافٌ فِي جَوَازِ إفْرَادِهَا بِالْبَيْعِ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ اسْتِثْنَائِهَا وَإِنْ قلنا بقول ابي اسحق المروزي وهو ان لَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ فَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا مُغَيَّبٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِثْنَاؤُهَا فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَثْنَى مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ إنْ شَرَطَهَا الْبَائِعُ لَمْ يَجُزْ وَكَأَنَّ الْمُشْتَرِي بَاعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى الثَّمَرَةَ يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ فَأُطْلِقَ قَالَ الْإِمَامُ دَلَّ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَاطِلٌ وَالثَّمَرَةَ لِلْمُشْتَرِي قَالَ وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا وَأَنَّ صَرْفَ الثَّمَرَةِ إلَيْهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِاسْتِثْنَائِهِ مُحَالٌ عِنْدِي فَالْوَجْهُ عَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُطْلَقِ شَرْطًا فَاسِدًا مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ فِي الْأَشْجَارِ وَيَكُونُ كَاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا تَفْرِيعًا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى نِصْفَ الثَّمَرَةِ فَسَدَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَقِيَتْ الثِّمَارُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْبَائِعِ بِالِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الامام فان لم نشترط التَّقْيِيدُ يَعْنِي بِشَرْطِ
الْقَطْعِ رَأَيْنَا الْإِبْقَاءَ وَإِنْ شرطنا أو جبنا الْوَفَاءَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الثِّمَارَ الْمُؤَبَّرَةَ إذَا بَقِيَتْ وَلَمْ يَبْدُ الصَّلَاحُ فِيهَا لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ قَطْعُهَا وَإِنْ كَانَ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا إذَا أُفْرِدَتْ شَرْطُ قَطْعِهَا (قُلْتُ) لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرِفْ عَلَى الزَّوَالِ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهَا بِخِلَافِ مَا قبل التأبير وكيف ما قدر فظاهر المذهب ان لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ شَرْطُ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى الْبَائِعُ نِصْفَ الثَّمَرَةِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ بِهِ وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
وُجُوبُ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ (وَالْأَصَحُّ) خِلَافُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ قَرِيبًا (وَالثَّانِي) أَنَّ امْتِنَاعَ الْقَطْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ الْقِسْمَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَيْعِ نِصْفِ الثَّمَرَةِ شَائِعًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذِهِ الْمُؤَبَّرَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ لِتَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ فِي الْأُصُولِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَيْسَ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ إنْ أَجَازَ يُجِيزُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَتَقَسَّطُ عَلَى الْأَطْرَافِ وَيَتَقَسَّطُ عَلَى الثَّمَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً وَاشْتَرَطَهَا الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ ثُمَّ تَلِفَتْ وَعَنْ الْبُوَيْطِيِّ قَوْلٌ آخَرُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَ تَلَفَ الثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه عَلَى خِلَافِهِ
(فَرْعٌ)
بَاعَ نَخْلَةً مُطْلِعَةً وَلَمْ يَقُلْ لِلْمُشْتَرِي إنَّهَا مُؤَبَّرَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِتَأْبِيرِهَا ثُمَّ عَلِمَ كَانَ الْخِيَارُ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وعللوه بأن له بَقَاءَ الثَّمَرَةِ رُبَّمَا أَضَرَّ بِالشَّجَرَةِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ مِنْ الْأَشْجَارِ مَا يَحْمِلُ سَنَةً وَلَا يَحْمِلُ سَنَةً أَوْ يُقِلُّ فِي سَنَةٍ وَيُكْثِرُ فِي سَنَةٍ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ وَرُبَّمَا يَتَأَذَّى بِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ
وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ قَدَحَ فِي الزَّرْعِ عَلَى وَجْهٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ تَافِهَةٌ بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ الطَّلْعِ فِي قِشْرِهِ مُفْرَدًا مَقْطُوعًا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى النَّخْلِ بِشَرْطِ القطع فيه وجهان (قال) أبو إسحق لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الطَّلْعِ مَا فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ (وَقَالَ) ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَصِحُّ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَأْكُولٌ وَالْمَأْكُولُ إذَا اسْتَتَرَ بَعْضُهُ ببعض جَازَ بَيْعُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ وَالثَّانِي أَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي الطَّبَرِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ معظم الاصحاب ذهبوا إليه وان صاحب التفريب حَكَى فِيهِ قَوْلَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَبِي حامد أنه اختار قول أبي اسحق ثُمَّ الْمُجَوِّزُونَ لِذَلِكَ إنَّمَا يُجَوِّزُونَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إذَا كَانَ عَلَى النَّخْلِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَشَرَحَهَا النَّوَوِيُّ هُنَاكَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَقْتَ التَّأْبِيرِ لَا يَكُونُ لِوُجُودِ التَّأْبِيرِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَمَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ لَا بِوَقْتِ الْوِلَادَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَنَذْكُرُ تَأْوِيلَهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إذَا شُقِّقَ الطَّلْعُ قَبْلَ أَوَانِ تَشَقُّقِهِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ شُقِّقَ فِي أَوَانِهِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَتَشَقَّقْ بنفسه ولا شقق في أو انه فَهَلْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ إقَامَةٌ لِوَقْتِ التَّشَقُّقِ مَقَامَ التشقق أولا فِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ (قُلْتُ) وَهَذَا الِاحْتِمَالُ بَاطِلٌ والحكم كما مر مع الظهور وجودا وعدما.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا أُبِّرَ الطلع وحكمنا ببقائه للبائع فجزم الْكِمَامُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى النَّخْلَةِ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَسِيطِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الشَّجَرَةِ.
(فَرْعٌ)
بَاعَ نَخْلَةً لَمْ يَخْرُجْ طَلْعُهَا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ طَلْعُهَا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ اسْتَثْنَاهُ الْبَائِعُ بَطَلَ الْبَيْعُ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي.
(فَرْعٌ)
لَوْ شَرَطَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْمُشْتَرِي قَالَ فِي التَّتِمَّةِ كَانَ تَأْكِيدًا وَلَكَ أَنْ تَقُولَ يَصِيرُ كَشَرْطِ الْحَمْلِ إذَا صَرَّحَ بِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ قَالُوا فِيهَا يَصِحُّ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ الْمَذْكُورُ فِيهَا وَهُوَ هُنَا أَقْوَى لِأَنَّ الْمُؤَبَّرَةَ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِمُفْرَدِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ وَغَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ لَنَا فِي بَيْعِهَا مُفْرَدَةً خِلَافٌ فَمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ يُوجِبُ إلْحَاقَهَا بِالْحَمْلِ فَإِذَا صَرَّحَ بِدُخُولِهَا كَانَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِدُخُولِ الْحَمْلِ وَفِيهِ خِلَافٌ (والاصح) عند الرافعي بطلانه والله أعلم.
(فرع)
ذَكَرَهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَنَقَلَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْهُ (أَحَدُهُمَا) اشْتَرَى نَخْلَةً فَأَثْمَرَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي ولايكون شئ مِنْ الثَّمَنِ مُقَابِلًا لَهَا وَهِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ سَلَّمَهَا اسْتَقَرَّ الْبَيْعُ فِي النَّخْلَةِ وَخَرَجَتْ الثَّمَرَةُ مِنْ أَمَانَتِهِ وَإِنْ تَلِفَتَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي النَّخْلَةِ وَعَلَيْهِ رَدُّ ثَمَنِهَا ولا شئ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الثَّمَرَةِ وَإِنْ تَلِفَتْ الثَّمَرَةُ سَلَّمَ النَّخْلَةَ وَأَخَذَ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَإِنْ سَلِمَتْ الثَّمَرَةُ وَتَلِفَتْ النَّخْلَةُ سَقَطَ جَمِيعُ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي وأخذ الثمرة ولا شئ لِلْبَائِعِ (الثَّانِي) اشْتَرَى أَرْضًا عَلَيْهَا نَخِيلٌ مُؤَبَّرَةٌ وَاشْتُرِطَ كُلُّ ذَلِكَ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْجَمِيعِ مُتَسَاوِيَةً فَحَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّمَهَا فَالثَّمَرَةُ الْحَادِثَةُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَكَلَ الْبَائِعُ الثَّمَرَتَيْنِ جَمِيعًا كَانَ عَاصِيًا فِيهِمَا وَعَلَيْهِ بَدَلُ الثَّمَرَةِ الْخَارِجَةِ إنْ كَانَ أَكَلَهَا رُطَبًا فَثَمَنُهُ وَإِنْ كَانَ أَكَلَهَا تَمْرًا فَمِثْلُهُ وَأَمَّا الْخَارِجَةُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِأَجْلِهَا فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ أَجَازَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ أَجَازَ فِي الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ بِحِصَّتِهِمَا مِنْ الثَّمَنِ (وَإِنْ قُلْنَا) كَالْأَجْنَبِيِّ أَعْطَاهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ ثُمَّ غَرَّمَهُ بَدَلَ الثَّمَرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ الْمُنْكَرِينَ لِهَذَا الْمَفْهُومِ وَلَكِنَّهُ فِي كُتُبِهِ الْخِلَافِيَّةِ كَالتَّحْضِيرِ بَالَغَ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ وَتَقْرِيرِهِ وَأَنَّ عُرْفَ الْعَرَبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَفْهَمَ أُمُورًا تَكَادُ تَزِيدُ فَوَائِدُهَا عَلَى مُوجَبِ الْأَوْضَاعِ وَأَنَّ الْإِشْكَالَ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَالْبَقَاءُ عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ فِيهِ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ التَّخْصِيصِ أَمَّا بَعْدَ التَّخْصِيصِ ارْتَفَعَ
الْإِشْكَالُ وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا بِدَلِيلٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ وَبَيْنَ مَفْهُومِ
اللَّقَبِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَى الْمُخْتَارِ أَنَّ التَّخْصِيصَ هُوَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَعْمَلُ عُرْفًا لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِطَرِيقِ الْإِيجَازِ وَمَعْنَى التَّخْصِيصِ إيقَاعُ الْخُصُوصِ بِقَطْعِ بَعْضِ الْجُمْلَةِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَالْجُمْلَةُ إمَّا أَنْ تَتَمَثَّلَ فِي الذِّكْرِ بِقَوْلِهِ من باع نخلة فانها تتناول المؤبر وغير المؤبر فَإِذَا اسْتَدْرَكَ وَقَالَ بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ كَانَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا وَقَطْعًا عَنْ جُمْلَةٍ وَإِمَّا أَنْ تَتَمَثَّلَ فِي الْوَهْمِ بِأَنْ يَكُونَ ذِكْرُ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ مُذَكِّرًا لِلْآخَرِ الْمَقْطُوعِ عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ كَقَوْلِهِ الثيب أحق فانه قطع عن البكر إذا الثِّيَابَةُ وَالْبَكَارَةُ صِفَتَانِ يَتَقَاطَعَانِ عَلَى التَّعَاقُبِ وُضِعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِفَصْلِ قِسْمٍ عَنْ قِسْمٍ وَالْعَلْفُ أَيْضًا كَذَلِكَ مَعَ إثْبَاتِ الثِّيَابَةِ بِذِكْرِ الثيابة والسوم بالضرورة واليوم في قوله (وأتموا الصيام إلى الليل) والتأثير نَفْيُ الْبَكَارَةِ وَالْعَلْفِ وَاللَّيْلِ وَالِاسْتِتَارِ وَلَيْسَ فِي إثْبَاتِ الْبُرِّ نَفْيُ الزَّعْفَرَانِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالْفَوَاكِهِ وَغَيْرِهَا أولا اتِّصَالَ بَيْنَ الْبُرِّ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَكُونَ ذِكْرُهُ قَطْعًا لِذَلِكَ الِاتِّصَالِ نَعَمْ قَدْ يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ بِقَرِينَةٍ تَنْضَمُّ إلَى الذِّكْرِ الْقَاصِرِ فَأَمَّا مُجَرَّدُ الذِّكْرِ فَلَا يَدُلُّ وَالتَّخْصِيصُ دَلِيلٌ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ دَلِيلًا إلَّا بِقَرِينَةٍ فَلْيُدْرَكْ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ رحمه الله مِنْ نَفِيسِ الْكَلَامِ لِمَنْ أَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ وَفَهِمَ بِذَوْقِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ فَيَعْلَمُ بِهَذَا الْكَلَامِ السَّبَبَ فِي ذلك (أما) مَنْ لَمْ يَشْهَدْ ذَوْقُهُ لِلتَّفْرِقَةِ قَالَ فَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ لَا يُكَلَّمَ وَمُرَادُهُ بِالْعُرْفِ عُرْفُ المحاورة في كلام العرب لاعرف طَارِئٌ بَعْدَهُمْ وَهَذَا السِّرُّ هُوَ الْمُوجِبُ لِكَوْنِنَا لم نقل بمفهوم قوله (فان خفتم أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت به) وَمَفْهُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (أَيُّمَا امرأة نكحت نفسها بغير إذنها فنكاحها باطل)(أما) الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَتَّفِقُ إلَّا فِي حَالَةِ الشِّقَاقِ وَيَسْتَحِيلُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ وُقُوعُهُ فِي حَالَةِ الْمُصَافَاةِ وَمَا لَا يَقَعُ عُرْفًا فَلَيْسَ مِنْ غَرَضِ الشَّرْعِ بَيَانُهُ فَقَدْ اسْتَوْعَبَ الشَّارِعُ كُلَّ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَلَمْ يَقَعْ الْبَعْضُ عَنْ الْبَعْضِ وَذِكْرُهُ اللُّحُوقَ ذِكْرُهُ لِمَحَلِّ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ وَهُوَ كُلُّ مَحَلِّ الْحَاجَةِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ إمَّا أَنْ تُفَوِّضَ أَمَرَهَا لِلْوَلِيِّ لِحَيَائِهَا أَوْ تَسْتَقِلَّ لِزَوَالِ حَيَائِهَا (أَمَّا) الْمُبَاشَرَةُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَلَا تَقَعُ فِي الْعَادَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ مَحَلِّ الْبَيَانِ فِي غَرَضِهِ وَاَللَّهُ أعلم
(فائدة أخرى) في التأثير عن جابر عن عبد الله رضى الله عنه قَالَ (أَبْصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ فَقَالَ مَا لِلنَّاسِ قَالُوا يلقحون فقال لالقاح أولا أَدْرِي اللِّقَاحَ شَيْئًا فَقَالَ فَتَرَكُوا اللِّقَاحَ
فَخَرَجَ تمر النَّاسِ شِيصًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا شَأْنُهُ قَالُوا كُنْتَ نَهَيْتَ عَنْ اللِّقَاحِ فَقَالَ مَا أَنَا بِزَارِعٍ وَلَا صَاحِبِ نَخْلٍ لَقِّحُوا) أَوْرَدَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَازِمِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِتَضَمُّنِهِ النَّهْيَ عَنْ اللِّقَاحِ ثُمَّ الْإِذْنَ فيه ونقل عن بعضهم أن قوله لالقاح صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ وَأَنَّ لِلشَّارِعِ أَنْ يَتَحَكَّمَ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ كَيْفَ أَرَادَ وَلِهَذَا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُنْتَ نَهَيْتَ عَنْ اللِّقَاحِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَمَالَ الْحَازِمِيُّ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَلِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (إنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنَّنِي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ) ثُمَّ قَالَ الْحَازِمِيُّ وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ وَلِذَلِكَ أَبْقَيْنَا يعني في الناسخ والمنسوخ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بَاعَ فحالا وعليه طلع يتشقق ففيه وجهان أحدهما أنه لايدخل في بيع الاصل لان جميع الطلع مقصود مأكول وهو ظاهر فلم يتبع الاصل كالتين والثاني أنه يدخل في بيع الاصل وهو الصحيح لانه طلع لم يتشقق فدخل في بيع الاصل كطلع الاناث وما قاله الاول لا يصح لان المقصود ما فيه وهو الكش الذي يلقح به الاناث وهو غير ظاهر فدخل في بيع الاصل كطلع الاناث)(الشَّرْحُ) الْفُحَّالُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَآخِرُهُ لَامٌ ذَكَرُ النَّخْلِ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ الْفُحَّالُ فُحَّالُ النَّخْلِ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ ذُكُورِهِ فَحْلًا لِإِنَاثِهِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَهُوَ فحال النخل ولايقال فَحْلٌ (1) وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا فُحُولٌ فَقَالَ هَذَا الْمُعْتَرِضُ إنَّ هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي النَّخْلِ فَحْلٌ وَلَا فِي جَمْعِهِ فُحُولٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ فُحَّالٌ وَجَمْعُهُ فَحَاحِيلُ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الشعر.
قال الشاعر تأبدي ياخيرة العسل
* بابدى من جيد فسلي
* إذْ ضَنَّ أَهْلُ النَّخْلِ بِالْفُحُولِ وَالْكُشُّ بِضَمِّ الْكَافِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ مَا فِي بُطُونِ طَلْعِ الْفُحَّالِ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهَا طَلْعُ الْإِنَاثِ
(1) بياض بالاصل
(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ فِي النَّخْلِ فُحُولٌ فَإِمَّا أَنْ تُفْرَدَ الْفُحُولُ بِالْبَيْعِ وَإِمَّا
أَنْ يَبِيعَهُمَا مَعًا فَإِنْ أَفْرَدَ الْفُحُولَ بِالْبَيْعِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تشقق شئ من طلعها أولا فان تشقق شئ من طلعها فالمثرة لِلْبَائِعِ بِلَا شُبْهَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَقَّقَ شئ ثمن طلعها (فأحد) الوجهين أنه للمشترى هو الصَّحِيحُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ (وَمِنْ أَصْحَابِنَا) مَنْ قَالَ لِلْبَائِعِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ ظُهُورَ طَلْعِ الْفُحَّالِ بِمَنْزِلَةِ تَشَقُّقِ طَلْعِ الْإِنَاثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ثَمَرَةٌ غَيْرَهُ بِخِلَافِ طَلْعِ الْإِنَاثِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِي جَوْفِهِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ بِالتَّشَقُّقِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيِّ فِي التَّحْرِيرِ وَرَدَّ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ طَلْعِ الْفُحَّالِ لَيْسَ هُوَ الْأَكْلَ بَلْ الْكُشُّ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَهُوَ كَالْإِنَاثِ فِي التَّشَقُّقِ سَوَاءٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مُخْرِجَانِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي طَلْعِ الْإِنَاثِ هَلْ يُقَاسُ عَلَى الْحَمْلِ قِيَاسَ تَحْقِيقٍ أَوْ قِيَاسَ تَقْرِيبٍ قَالَ بَعْضُهُمْ قِيَاسُ تَحْقِيقٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ طَلْعُ الْفُحَّالِ مُؤَبَّرًا إلَّا بِالتَّشَقُّقِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ قِيَاسُ تَقْرِيبٍ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ طلع الفحال مؤبرا اعتبارا بالعرف اه ولو كان قد تشقق شئ مِنْ طَلْعِ الْإِنَاثِ وَأُفْرِدَ الذُّكُورُ بِالْبَيْعِ وَهِيَ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ الْآتِيَيْنِ فِيمَا إذَا أُفْرِدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَأَمَّا إذَا جَمَعَ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ الفحول والاناث فان كان قد تشقق شئ مِنْ طَلْعِ الْإِنَاثِ فَطَلْعُ الْكُلِّ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اتِّفَاقًا (أَمَّا) عَلَى الصَّحِيحِ فَلِأَنَّ الْكُلَّ كَطَلْعِ الْإِنَاثِ وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ فَإِنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ تَشَقَّقَ وَطَلْعُ الْفُحَّالِ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَقَدْ جَزَمُوا عَلَى الصَّحِيحِ هَهُنَا أَنَّ طَلْعَ الْفُحُولِ يَتْبَعُ طَلْعَ الْإِنَاثِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا وَجْهٌ بِأَنَّ طَلْعَ الْفُحَّالِ لِلْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ لَا يستتبع لآخر كَمَا سَنَحْكِيهِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ فِي القسم الآخر لغير المشتقق فِيهِ فَهُوَ كَجِنْسٍ آخَرَ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ كالصريح بجريان الخلاف وقال الجوزى إذَا كَانَ فِيهَا فُحُولٌ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ إنَّمَا جُعِلَتْ الْفُحُولُ تَابِعَةً لانها للاقل فالنادر يدخل في الغاصب وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ طَلْعِ الْفُحَّالِ أَكْلُهُ غَالِبًا فاستوى المؤبر منه وغيره إذا تشقق شئ مِنْ الْإِنَاثِ فَبَاقِي الْحَائِطِ وَذُكُورِهِ وَإِنَاثِهِ
تبع له وإذا تشقق شئ مِنْ الذُّكُورِ فَسَائِرُ مَا بَقِيَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ تَابِعٌ فَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا حَفْصٍ وَهُوَ ابْنُ الْوَكِيلِ هُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّ طلع الفحال للبائع بكل حال وانه عل تَبَعِيَّتَهَا لِلْإِنَاثِ عِنْدَ
الِاجْتِمَاعِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَبِعِلَّةٍ أخرى وهى النذرة غير أن التعليل بالنذور إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ غَالِبًا فَلَوْ فُرِضَ كَثْرَةُ الْفُحُولِ زَالَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ وان لم يتشقق شئ منها أصلا لامن طَلْعِ الْإِنَاثِ وَلَا مِنْ طَلْعِ الْفُحُولِ فَعَلَى الصَّحِيحِ الْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ طَلْعُ الْإِنَاثِ لِلْمُشْتَرِي وَالْفُحَّالُ لِلْبَائِعِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ على هذه الْوَجْهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا فِي طَلْعِ الْإِنَاثِ إذَا كَانَ مِنْ صِنْفَيْنِ وَتَشَقَّقَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ جعل ثبعية الْإِنَاثِ لِلذُّكُورِ كَاسْتِتْبَاعِ النَّوْعِ النَّوْعَ وَكَذَلِكَ حَكَى الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ لايتبع طَلْعَ الْفُحُولِ وَإِنْ كَانَ طَلْعُ الْفُحُولِ يَتْبَعُ طَلْعَ الْإِنَاثِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الْفُحُولُ وَالْإِنَاثُ كَالْجِنْسَيْنِ فَلَا يُجْعَلُ الْإِنَاثُ تَبَعًا لَهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَقَّقَ شئ مِنْ طَلْعِ الْفُحُولِ فَقَطْ فَعَلَى الصَّحِيحِ الطَّلْعُ كُلُّهُ لِلْبَائِعِ وَحَكَى فِي الْحَاوِي وَجْهًا وَصَحَّحَهُ ان طلع الاناث لايتبع طَلْعَ الذُّكُورِ وَإِنْ كَانَ طَلْعُ الذُّكُورِ يَتْبَعُ طَلْعَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الثِّمَارِ طَلْعُ الْإِنَاثِ وَطَلْعُ الذُّكُورِ يُقْصَدُ لِتَلْقِيحِهِ لَا لِنَفْسِهِ وَهَذَا الوجه وهو الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه كَمَا سَأُبَيِّنُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ طَلْعُ الْفُحُولِ لِلْبَائِعِ بِالظُّهُورِ وَطَلْعُ الْإِنَاثِ لِلْمُشْتَرِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ أَيْضًا لِلْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ يَسْتَتْبِعُ الْآخَرَ عَلَى قِيَاسِ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إلَّا أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّ الذُّكُورَ مَعَ الْإِنَاثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْجِنْسَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا فُحُولٌ بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ الْإِنَاثُ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إذَا بَاعَ الْفُحُولَ وَالْإِنَاثَ جَمِيعًا وَقَدْ أُبِّرَتْ الْإِنَاثُ فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَيْنَا الِاتِّفَاقَ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ وَأَبَدَيْنَا فِيهَا احْتِمَالَ وَجْهٍ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمَنْ بَاعَ أَصْلَ فَحْلِ نَخْلٍ أَوْ فُحُولٍ بَعْدَ أن تؤبر أناث النخل فتمرها لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَهَذَا يُشْبِهُ عبارة
الْمُخْتَصَرِ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَ عِبَارَةِ الْأُمِّ تَصْدُقُ عَلَى مَا إذَا بَاعَ الْأَصْلَ وَحْدَهُ بَعْدَ تَأْبِيرِ الْإِنَاثِ وَهَذَا لَا يَسْتَمِرُّ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ إذَا أَفْرَدَ مَا لَمْ يؤبر يجوز إذا كان تأبر شئ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَمَفْهُومُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْفَحْلَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ يَكُونُ طَلْعُهُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا ادَّعَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّهُ
الْمَنْصُوصُ وَفِي ظَاهِرِهِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ يشمل ما إذا تأبر هو قبل تتأبر أن الْإِنَاثُ وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ أَبْيَنُ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا قَبْلَ أَنْ تُؤَبَّرَ إنَاثُ النَّخْلِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا النَّصُّ يقتضي أن ثمرة الاناث لاتتبع ثَمَرَةَ الْفُحُولِ عَلَى خِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الاصحاب أنه إذا تشقق شئ مِنْ طَلْعِ الْفُحُولِ يَكُونُ الطَّلْعُ كُلُّهُ لِلْبَائِعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَشْهَدُ لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي أَبْدَيْته فِيهِ هذان كان قول الشافعي نخلا بالنون والحاء الْمُعْجَمَةِ وَإِنْ كَانَ بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَأَشَذَّ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْفُحَّالَ إذَا أُفْرِدَ بِالْبَيْعِ وَقَدْ أُبِّرَ وَلَمْ تُؤَبَّرْ الْإِنَاثُ أَنَّ طَلْعَهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ نَعْلَمُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا جَوَّزْتُ هَذَا الِاحْتِمَالَ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ بَاعَ فَحْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ الْإِنَاثُ فَقَسِيمُهُ مَنْ بَاعَ فَحْلًا قَبْلَ أَنْ يُؤَبَّرَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى وأعلم يؤيد مَا قُلْتُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ أَيْضًا فِي المختصر ولو تشقق طلع أناثه أو شئ مِنْهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ نَخْلُهُ فَمَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِتَشَقُّقِ طَلْعِ الذُّكُورِ (فَائِدَةٌ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَيْنِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَمْ يَنْسِبْ شَيْئًا مِنْهُمَا إلَى النَّصِّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي التَّنْبِيهِ قَالَ وَقِيلَ إنَّ ثَمَرَةَ الْفُحَّالِ لِلْبَائِعِ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّنْبِيهَ مَأْخُوذٌ مِنْ طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمُهَذَّبَ مِنْ طَرِيقَةِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ فَسَيَأْتِي فِي تَقْسِيمِ الشجر تَبِعَ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَلَمْ يَتْبَعْ أَبَا الطيب لكن ذلك في صنعة النصنيف لافي النَّقْلِ وَفِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَأْتِي كَلَامٌ فِي مُخَالَفَتِهِ أَبَا حَامِدٍ أَوْ مُوَافَقَتِهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أنه لم يلتزم متعابة طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كِتَابٍ مِنْهُمَا نَعَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَكْثَرِ فَرُبَّمَا وَيَتْرُكُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِمَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ وَلَمْ أَقِفْ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْفُحَّالِ إلَّا
مَا حَكَيْتُهُ عَنْ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَقَفَا عَلَى نَصٍّ آخَرَ أَصْرَحَ مِنْهُمَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا أَخَذَاهُ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا أَخَذَ طَلْعَ الْفُحَّالِ جَازَ بَيْعُهُ فِي قشره لانه من مصلحته وكان أبو إسحق يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَصِيرَ بَارِزًا قَالَ وليس هذا بصحيح ونسب الامام والاول إلَى مُعْظَمِ أَصْحَابِنَا
وَذُكِرَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَأَنَّهُ بَنَاهُمَا عَلَى بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا مَقْدَحٌ حَسَنٌ (فَائِدَةٌ أُخْرَى) ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي خُصُوصِ مَسْأَلَةِ الْفُحَّالِ نَصٌّ لِلشَّافِعِيِّ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ إطْلَاقِهِ أَنَّ الْإِبَارَ حَدٌّ لِمِلْكِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْإِبَارَ عِبَارَةٌ عَنْ إصْلَاحِ طَلْعِ الْإِنَاثِ بَعْدَ تَشَقُّقِهِ أو شققه بِالْكُشِّ الَّذِي فِي طَلْعِ الْفُحَّالِ فَلَا إبَارَ فِي الْفُحَّالِ فَلَا دُخُولَ لَهُ فِي هَذَا وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ عَلَى نَصِّ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى التَّأْبِيرِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِنَاثِ عَلَى مَا سَبَقَ وَجَعْلُ التَّشَقُّقِ فِي مَعْنَاهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مِنْ إلْحَاقِ الْفُقَهَاءِ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَهُوَ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ أولى (فرع)
باع فحالا لاطلع عَلَيْهِ ثُمَّ أَطْلَعَ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ كَطَلْعِ الْإِنَاثِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ كَالْمُؤَبَّرَةِ وَقُلْنَا إنَّهُ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ أَوْ مَوْقُوفٌ فَهُوَ أَيْضًا لِلْمُشْتَرِي (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ حَدَثَ والبيع على ملكه..قال المصنف رحمه الله.
(وان بَاعَ حَائِطًا أُبِّرَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ جُعِلَ الجميع كالمؤبر فيكون الجميع للبائع لانا لو قلنا ان ما أبر للبائع وما لم يؤبر للمشترى أدى إلى سوء المشاركة واختلاف الايدى فجعل ما لم يؤبر تبعا للمؤبر لان الباطن يتبع الظاهر ولم يجعل ما أبر تابعا لما لم يؤبر لان الظاهر لايتبع الباطن ولهذا جعلنا أساس الدار تابعا لظاهرها في تصحيح البيع ولم نجعل ظاهرها تابعا للباطن في إفساد البيع) .
(الشَّرْحُ) الْحَائِطُ وَهُوَ الْبُسْتَانُ مِنْ النَّخِيلِ (1)(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسْأَلَتَانِ (الْأُولَى) إذَا بَاعَ حَائِطًا أُبِّرَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ جُعِلَ الْجَمِيعُ كَالْمُؤَبَّرِ وَجُعِلَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَابِعًا لِمَا أُبِّرَ (أَمَّا) إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا فَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَاسْتَدَلُّوا هُمْ وَغَيْرُهُمْ لِذَلِكَ بِأَنَّ تَأْبِيرَ الْبَعْضِ يُحَصِّلُ لِلنَّخْلِ اسْمَ التَّأْبِيرِ فَيَشْمَلُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَصْلُ الابار أن يكون في شئ مِنْهُ الْإِبَارُ فَيَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ أَنَّهُ قَدْ أبر كما لو بدا صلاح شئ مِنْهُ وَفِيمَا ذَكَرُوهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ التَّأْبِيرِ عَلَى الْجَمِيعِ بِتَأْبِيرِ بَعْضِهَا تَوَقُّفٌ لَا يَخْفَى لاسيما على ما يوقله أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَكْفِي تَأْبِيرُ
نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْبُسْتَانِ بَلْ طَلْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَصِيرُ الْبَاقِي تَبَعًا فَدَعْوَى إطْلَاقِ التَّأْبِيرِ عَلَى الْجَمِيعِ حَقِيقَةً فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ كَانَ صَرِيحًا في المطلوب لكني لم أجده في شئ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا فِيهَا كُلِّهَا جُعِلَ التَّأْبِيرُ صِفَةً لِلنَّخْلِ الْمَبِيعَةِ وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَمِيعِ وَاللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ لَمْ يَذْكُرْهُ بِإِسْنَادٍ بَلْ أَتَى بِهِ فِي ضِمْنِ اسْتِدْلَالٍ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَتَثَبَّتْ فِيهِ نَعَمْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُوجَدَ التَّأْبِيرُ فِي كُلِّ طَلْعِ النَّخْلَةِ بَلْ متى وجد في شئ مِنْهَا صَحَّ أَنَّهَا أُبِّرَتْ فَيَكُونُ جَمِيعُ ثَمَرَتِهَا لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ اسْتِدْلَالًا بِالْحَدِيثِ وَيُعَضِّدُ الْأَصْحَابَ وَغَيْرَهُمْ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِتَأْبِيرِ الْبَعْضِ أَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَأْبِيرِ جَمِيعِ النَّخْلِ بَلْ يَكْتَفُونَ بِتَأْبِيرِ بعضها واستدل أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَزَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِالِاسْتِشْهَادِ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وأجابوا عنه وهو أنه هل لاجعل مَا أُبِّرَ تَابِعًا لِمَا لَمْ يُؤَبَّرْ فِي دُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْبَاطِنَ تَبَعٌ لِلظَّاهِرِ وَلَيْسَ الظَّاهِرُ تَبَعًا لِلْبَاطِنِ فَإِنَّ مَا بَطَنَ مِنْ أَسَاسِ الحائط ورؤس الْأَجْذَاعِ تَبَعٌ لِمَا ظَهَرَ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ مَنْطُوقِ الْحَدِيثِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ عَلَى الْأَوَّلِ إنَّ الْحُكْمَ بِتَبَعِيَّةِ الْأَسَاسِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَا كَذَلِكَ الثِّمَارُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الْمُؤَبَّرَةُ لِلْبَائِعِ وَغَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْمُشْتَرِي اُتُّبِعَ شَرْطُهُ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا مؤبرة
(1) بياض بالاصل
وَشَرَطَ بَعْضَهَا اُتُّبِعَ شَرْطُهُ وَسُوءُ الْمُشَارَكَةِ مَوْجُودٌ فَكَأَنَّهُمَا رَضِيَا بِهِ وَأَوْرَدَاهُ الْعَقْدَ عَلَيْهِ وَكُلُّ عَقْدٍ فِيهِ مُشَارَكَةٌ فَهُوَ مَظِنَّةُ الضَّرَرِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ كَثِيرٌ مِنْ الْعُقُودِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمُشَارَكَةِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِهَا بِمَنْزِلَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي جَمِيعِهَا فَكَذَلِكَ التَّأْبِيرُ وَلَكَ أَنْ تُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّ الثَّمَرَةَ مَتَى تُرِكَتْ حَتَّى يُوجَدَ الصَّلَاحُ فِي جَمِيعِهَا أَدَّى إلَى أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُهَا بِحَالٍ فَإِنَّهُ إلَى أَنْ يَتَكَامَلَ فِيهَا يَتَسَاقَطُ الْأَوَّلُ فَيُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الثَّمَرَةِ وَتَأَذِّي مَالِكِهَا وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودًا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ إشَارَةٌ إلَى الدَّلِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَدَلَّ بِهِمَا الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) إذَا كَانَ الْحَائِطُ أَنْوَاعًا
فَالْمَذْهَبُ أَيْضًا أَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَابِعٌ لِمَا أُبِّرَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ إذَا بِيعَتْ رَقَبَةُ الْحَائِطِ وَقَدْ أبر شئ من نخلة فثمرة تلك النخل فِي عَامِهِ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَلَوْ كَانَ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ وَلَمْ يُطْلِعْ لِأَنَّ حُكْمَ ثَمَرَةِ ذَلِكَ النَّخْلِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ حُكْمٌ وَاحِدٌ كَمَا يَكُونُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَلَمْ يُؤَبَّرْ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَيُخَالِفُ الْجَارِيَةَ الْحَامِلَ بِوَلَدَيْنِ وَضَعَتْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ وَضْعِ الْآخَرِ لَا يُجْعَلُ تَبَعًا لِلْمَوْلُودِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأُمِّ فَيُفْرَدُ كُلُّ وَاحِدٍ بِحُكْمِهِ وَالطَّلْعُ بَعْدَ التَّأْبِيرِ مُتَّصِلٌ بِالشَّجَرَةِ هَذَا الْفَرْقُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ يَكُونُ بَعْضُ طَلْعِهَا مُؤَبَّرًا وَبَعْضُهَا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ النَّخِيلِ مُؤَبَّرًا وَبَعْضُهَا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَغْنَامِ يَبِيعُهَا وَقَدْ نَتَجَ بَعْضُهَا يَبْقَى نَتَاجُهَا لِلْبَائِعِ وَاَلَّتِي لَمْ تُنْتَجْ يَدْخُلُ حُكْمُهَا فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ نِتَاجَ الْأَغْنَامِ لَا يَتَّفِقُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْوَاحِدِ مِنْ النَّخِيلِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ لَا يَكُونُ تَأْبِيرًا إلَّا فِي نَوْعِهِ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ يَخْتَلِفُ إدْرَاكُهَا وَتَتَفَاوَتُ وَالنَّوْعُ الْوَاحِدُ لَا يَتَفَاوَتُ وَرَدَّ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ وَافَقَ الْأَصْحَابَ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنَّهُ شَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَطْلَعَ حَتَّى يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمُؤَبَّرِ وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ (أَمَّا) مَا ظَهَرَ مِنْ الطَّلْعِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَالَ بِأَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِي مِلْكِهِ وَغَلَّطُوهُ فِي ذَلِكَ بِالنَّصِّ الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ آنِفًا وَحُكْمُهُ بِأَنَّ ثَمَرَةَ ذَلِكَ الْعَامِ لِلْبَائِعِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ وَلَمْ يُطْلِعْ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ هُنَا لِتَعَلُّقِهِ بِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِمُ بِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ نَخْلًا وَفِيهِ ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّ ثَمَرَةَ جَمِيعِ ذَلِكَ الْعَامِ لِلْبَائِعِ (وَالثَّانِي) قَوْلُ ابن خيران ليس للبائع
* الا المؤبرو (الثالث) قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْمُؤَبَّرَ وَالْمُطْلِعَةُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَلِلْمُشْتَرِي مَا أَطْلَعَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِإِفْرَادِ الْمُؤَبَّرِ بِحُكْمِهِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّهُ إذَا أُبِّرَ أَكْثَرُ الْحَائِطِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ حَتَّى يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَإِنْ كَانَ الْمُؤَبَّرُ أَقَلَّهُ فَكُلُّهُ لِلْمُبْتَاعِ وَاضْطَرَبُوا إذَا أُبِّرَ نِصْفُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ مُفْرَدًا فَيَكُونَ لِلْبَائِعِ.
(فَرْعٌ)
هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ أَمَّا إذَا أَفْرَدَ غير المؤبر بالبيع فيسأتي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا كان له حائطان فابر أحدهما دون الاخرى وَبَاعَهُمَا فَإِنَّ الْمُؤَبَّرَ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَتْبَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي جَزَمَ به القاضي أبو الطيب والماوردي الروياني كَمَا فَرَّقْنَا فِي الشُّفْعَةِ بَيْنَ مَا قُسِّمَ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُقَسَّمْ وَقَاسَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي أَحَدِ الْحَائِطَيْنِ لَا يَسْتَتْبِعُ الْآخَرَ وفيه وجه آخر ان البستان يَتْبَعُ الْآخَرَ وَجَعَلَ الرَّافِعِيُّ الْخِلَافَ فِي الْبُسْتَانَيْنِ مرتب عَلَى الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ فَحَيْثُ قُلْنَا فِي الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُؤَبَّرِ وَغَيْرِ الْمُؤَبَّرِ يُفْرَدُ بِحُكْمِهِ فَهَهُنَا أَوْلَى وَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ يَتْبَعُ فَهَهُنَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) إن كان بستان يفرد حكمه الفرق أَنَّ لِاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ تَأْثِيرًا فِي وَقْتِ التَّأْبِيرِ فَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رحمه الله جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْبُسْتَانَيْنِ فِي صُوَرٍ (إحْدَاهَا) عِنْدَ اتِّحَادِ النوع
وَالصَّفْقَةِ (وَالثَّانِيَةُ) عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَالثَّالِثَةُ) عِنْدَ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ إذَا أُفْرِدَ الْبُسْتَانُ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَمَا لَوْ أُفْرِدَ غَيْرُ الْمُؤَبَّرِ فِي الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ وَلَنَا فِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يتبع فعلى الوجه الآخر مقتضى كلام الرافعي أَنْ يَأْتِيَ فِي الْبُسْتَانَيْنِ خِلَافٌ إذَا أُفْرِدَ غَيْرُ الْمُؤَبَّرِ بِالْبَيْعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي عَلَى الصورتين الاولتين مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ جَرَيَانِ خِلَافٍ عِنْدَ اتِّحَادِ النَّوْعِ وَالصَّفْقَةِ مَوْجُودٌ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ القاضي حسين حَكَى عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ فَغَرِيبٌ وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فيه بعدم التبعية وجعل محل الوجهين فيما إذا كان الصنف واحد فَأَمَّا إذَا أُفْرِدَ الْبُسْتَانُ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ فَأَغْرَبُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الرَّافِعِيِّ لَكِنَّهُ يُشْبِهُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ أَمْنُهَا مِنْ الْعَاهَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ حَاصِلٌ بِدُخُولِ وَقْتِهِ وَإِنْ لَمْ تَشْمَلْهُ صَفْقَةٌ وَالْمَطْلُوبُ تَأْثِيرُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ أَوْ بَعْضُهُ بَارِزًا وَهُوَ مَفْقُودٌ هَهُنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ولافرق بين أن يكون البستانان مثلا صفين أَوْ مُتَبَاعِدَيْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا فِي إقْلِيمٍ وَاحِدٍ بَلْ فِي مَكَان طَبْعُهُ وَاحِدٌ وَمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَائِطَيْنِ مَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُثْمِرًا
غَيْرَ الْآخَرِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَحُوطًا فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ حَائِطَانِ فِيهِمَا نَخِيلٌ أَوْ قِطْعَتَانِ مِنْ الْأَرْضِ فِيهِمَا نَخِيلٌ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُضْبَطَ ذَلِكَ بِضَابِطٍ فَإِنَّ قِطْعَتَيْ الْأَرْضِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ كَالْأَرْضِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي لَهَا جَانِبَانِ وَجَعَلَ التَّأْبِيرَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ بَاعَ الْجَمِيعَ فَإِنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَابِعٌ لِمَا أُبِّرَ فَإِذَا كان الارضان غير متجاورتين كانا لذلك فَيَنْبَغِي أَنْ يُضْبَطَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَوْعٌ مِنْ التَّمْيِيزِ حَتَّى يُعَدَّا فِي الْعُرْفِ مَكَانَيْنِ وَلَا يُعَدَّانِ مَكَانًا وَاحِدًا وَأَسْبَابُ ذَلِكَ إمَّا حَاجِزٌ بَيْنَهُمَا وَإِمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّ مِنْ الْأَرَاضِي مَا هِيَ قِطْعَةٌ مُتَجَاوِرَةٌ وَيَحْكُمُ أَهْلُ الْعُرْفِ بأنها أراضي لاأرض وَاحِدَةٌ لِنَوْعٍ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَهَا (وَأَمَّا) الْقِطْعَةُ الواحدة إذا أبر جانب مِنْهَا دُونَ جَانِبٍ ثُمَّ بَاعَ الْجَمِيعَ حَصَلَتْ التَّبَعِيَّةُ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَاوِي قَالَ (1) وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْحَاجِزُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَصْدُقَ عَلَيْهِمَا اسْمُ الِانْفِرَادِ وَهُوَ إشارة إلى ما قلناه.
(1) بياض بالاصل
(فَرْعٌ)
هَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلى هنا أن المؤبر لايتبع النخلة المبيعة وغير المؤبر يتبع لافرق فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ النَّخِيلَ دُونَ الْبُسْتَانِ أَوْ مَعَهُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَاضِحَاتِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْعُدَّةِ صَرَّحَ بِهِ فَذَكَرْتُهُ تَبَعًا لَهُ وَرَغْبَةً فِي الْإِيضَاحِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلم..قال المصنف رحمه الله.
(وان كان له حائط أطلع بعضه دون بعض فابر المطلع ثم باع الحائط ثم أطلع الباقي ففيه وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ ما أطلع في ملك المشترى لايتبع المؤبر بل يكون للمشترى لانه حادث في ملكه فلا يصير للبائع والثاني أنه يتبع المؤبر فيكون للبائع لانه من ثمرة عامه فجعل تابعا له كالطلع الظاهر في حال العقد فان أبر بعض الحائط دون بعض ثم أفرد الذي لم يؤبر بالبيع ففي طلعه وجهان أحدهما أنه للبائع لانا جعلناه في الحكم كالمؤبر بدليل أنه لو باع الجميع كان للبائع فَصَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ بَعْضَ الْمُؤَبَّرِ بِالْبَيْعِ والثاني أنه للمشتري لانه إنما جعل كالمؤبر إذا بيع معه فيصير تابعا له فاما إذا أفرده فليس بتابع للمؤبر فتبع أصله) .
(الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا بَاعَ جَمِيعَ نَخْلِ الْبُسْتَانِ وَقَدْ أَبَّرَ بَعْضَهَا وَبَعْضُهَا لَمْ يُطْلِعْ بَعْدُ فَأَطْلَعَ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي ذلك الْمُشْتَرِي فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الْمُؤَبَّرَ لِلْبَائِعِ وَأَنَّ مَا كَانَ وَقْتَ الْعَقْدِ مُطْلِعًا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ تَابِعٌ لَهُ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ أَيْضًا (أَمَّا) مَا أَطْلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ الْعَامِ الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ ذَلِكَ العلم فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَادَّعَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّ مَا أَطْلَعَ فِي مِلْكِ المشترى لايتبع الْمُؤَبَّرَ بَلْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي كَحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ صَحَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَيْضًا هَذَا الْوَجْهَ عند الكلام في اختلاط ثمرة النخلة الْمَبِيعَةِ بِثَمَرَةِ الْبَائِعِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حامد الاسفراييني وقال أَنَّهُ يَتْبَعُ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ خَوْفًا مِنْ سُوءِ المشاركة كمانا جَعَلْنَا مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَبَعًا لِمَا أُبِّرَ خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَوَافَقَ أَبَا حَامِدٍ عَلَى تَصْحِيحِ هَذَا الْوَجْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ مُنْتَصِرًا لِقَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ فِيهِ بِالشَّرْطِ فَجَازَ أَنْ يَصِيرَ تَبَعًا لِمَا قَدْ اسْتَثْنَاهُ
الْعَقْدُ قَالَ وَلَوْ كَانَ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ صَحِيحًا كان بيع عالم يُخْلَقْ تَبَعًا لِمَا خُلِقَ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ تَبَعًا لِمَا بَدَا صَلَاحُهُ قَالَ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وَهَاءِ قَوْلِهِ وَفَسَادِ تَعْلِيلِهِ يَعْنِي أَبَا حَامِدٍ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي انْتَصَرَ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الصَّرِيحِ وَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ لِلنَّصِّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْبَائِعِ وَثَمَرَتُهَا تَشْمَلُ مَا كَانَ مُطْلِعًا حِينَ الْعَقْدِ وَمَا لَمْ يَكُنْ خَرَجْنَا عَنْهُ فِي ثَمَرَةِ الْعَامِ الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلٍ فَيَنْبَغِي فِيمَا عَدَاهُ عَلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ فَثَمَرَتُهَا لَا يَشْمَلُ إلَّا الثَّمَرَةَ الْمَوْجُودَةَ وَهِيَ الْمُطْلِعَةُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لَكِنَّ سُوءَ الْمُشَارَكَةِ حَاصِلٌ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ وَمَا أَلْزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ تَبَعٌ لِمَا خُلِقَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ كلما يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ (وَقَوْلُهُ) إنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَرَّعَهُ عَلَى رَأْيِهِ وَرَأْيِ غَيْرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عن أبي إسحاق أن لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ وَفِي التَّتِمَّةِ ذِكْرُ نَظِيرٍ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اُسْتُنْبِطَ هَذَا الْوَجْهُ مِنْهَا وَهِيَ جَارِيَةُ الْمُكَاتَبِ إذَا أتت بولد من أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَالْآخَرُ بَعْدَهَا قَالَ نَصَّ أَنَّ الْوَلَدَيْنِ لِلسَّيِّدِ فَاسْتُنْبِطَ مِنْهَا هَذَا الْوَجْهُ وَوَجْهٌ فِي الْجَارِيَةِ إذَا
كَانَتْ حُبْلَى بِوَلَدَيْنِ فَوَضَعَتْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ بَاعَهَا فَالْوَلَدُ الَّذِي فِي الْبَطْنِ يَبْقَى لِلْبَائِعِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَرَأَى أَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ وَأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ لِلْمُشْتَرِي وَعَنْ الْخُضَرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَحْكِي فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا نُسِبَ إلَى النَّصِّ (وَالثَّانِي) مَا رَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ الصَّوَابُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ بَعْضَ الْوَلَدِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ كُلُّهُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ فَسَتَعْرِفُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ ما لم ينفصل منه شئ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُنْفَصِلِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمُقَابَلَتِهِ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ وُجُودُهُ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى ثُمَّ إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ الْحَمْلَ لِلْبَائِعِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِفَسَادِ الْبَيْعِ فِي الْأُمِّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوْ يَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لان هذا شبيه ببيع الجارية الحامل يجوز مِنْ حَيْثُ إنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَسْتَثْنِهِ وَإِنَّمَا الشَّرْعُ اسْتَثْنَاهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ يَعْنِي الْإِمَامَ فِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِيهِ الصِّحَّةُ أَوْ الْبُطْلَانُ (قُلْتُ) وَتَخْرِيجُهُ عَلَى بَيْعِ الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ بِحُرٍّ حَسَنٌ مُتَعَيَّنٌ وَحُكْمُهُ وَالتَّصْحِيحُ فِيهِ مَعْلُومٌ
فِي مَوْضِعِهِ وَلَقَدْ تَعَجَّبْتُ مِنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ مَا أَطْلَعَ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ غَيْرَهُ وَالْمَوْجُودُ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَنْقُولُ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَبَّرَ بَعْضَ الْحَائِطِ دُونَ بَعْضٍ فَأَفْرَدَ الْمُؤَبَّرَ بِالْبَيْعِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ ثَمَرَتَهُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ أَفْرَدَ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَقْلًا وَتَعْلِيلًا وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَقَوْلُهُ) فَصَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ بَعْضَ الْمُؤَبَّرِ بِالْبَيْعِ يَعْنِي إذَا ثَبَتَ بِهَذَا الْبَيْعِ حُكْمُ التَّأْبِيرِ صَارَ كَالْمُؤَبَّرِ فَإِذَا أَفْرَدَهُ بِالْبَيْعِ صَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ الْمُؤَبَّرَ بِالْبَيْعِ وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ الْحَائِطِ فَأَفْرَدَ بِالْعَقْدِ الثَّمَرَةَ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فِيهَا فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّ الطَّلْعَ لِلْمُشْتَرِي وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ هُنَا يَتْبَعُ الْمُؤَبَّرَ يَقُولُ دُخُولُ وَقْتِ التَّأْبِيرِ كَالتَّأْبِيرِ نَفْسِهِ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَقُولُ إنَّ وَقْتَ التأبير كالتأبير نفسه كذلك كَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَقَدْ يُوهِمُ ذَلِكَ أن هذا القائل يكتفي بحضور الوقت أَنْ يَحْصُلُ تَأْبِيرٌ أَصْلًا وَلَمْ أَعْلَمْ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا مُرَادُ الْإِمَامِ وَمَنْ أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ إذَا حَصَلَ تَأْبِيرٌ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ ولم يحصل في المبيع
وقد تقدم فيى ذلك كلام وجزم الفورانى بأنه إذ أَفْرَدَ النَّوْعَ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ أَنَّهُ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُؤَبَّرِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ مِنْ نَوْعٍ واحد ويمكن أن يكونا مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّأْبِيرَ فِي أَحَدِ النَّوْعَيْنِ تَأْبِيرٌ فِي الْآخَرِ وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِذِكْرِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَفْرَدَ الصِّنْفَ الَّذِي لَيْسَ بِمُؤَبَّرٍ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَرَى تَبَعِيَّةَ النَّوْعِ لِلنَّوْعِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَيَصِحُّ إبْقَاءُ الوجهين في كلام المصنف على اطلاقهما..قال الْمُصَنِّفِ رحمه الله.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله والكرسف إذا بيع أصله كالنخل وأراد به كرسف الحجاز فانه شجر يحمل في كل سنة وتجرج ثمرته في كمام وتتشقق عنه كالنخل فان باع وقد تشقق جوزه فهو للبائع وان لم يتشقق فهو للمعترى وان تشقق بعضه دون بعض جعل الجميع للبائع كالنخل وأما ما لا يحمل الاسنة وهو قطن العراق وخراسان فهو كالرزع ويجئ حكمه ان شاء الله تعالى) .
(الشَّرْحُ) الْكُرْسُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ الْقُطْنُ وَيُقَالُ لَهُ الكرسف البرسف وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ مِنْهُ مَا يَبْقَى فِي الارض سنين ويحمل كان سَنَةٍ مِثْلَ كُرْسُفِ الْحِجَازِ وَأَبْيَنَ وَتِهَامَةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبِلَادِ الْحَارَّةِ فَهُوَ شَجَرٌ شَبِيهٌ بِالنَّخْلِ وَيَتَشَقَّقُ الْجَوْزُ فَيُؤْخَذُ الْقُطْنُ مِنْهُ وَيُتْرَكُ الْقِشْرُ عَلَى الشَّجَرِ كَمَا يَتْرُكُ كِمَامُ الطَّلْعِ عَلَى الشَّجَرِ وَقِيلَ إنَّ بَعْضَهُمْ شَاهَدَهُ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُعْضَدُ عَلَيْهِ كما بعضد عَلَى الشَّجَرِ وَقَدْ عَدَّهُ الْأَصْحَابُ مَعَ النِّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْمُصَنِّفُ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ وَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّ فيما وجها كما سيأتي بالحاقهما بالذرع وَأَمَّا الْكُرْسُفُ الْمَذْكُورُ فَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إلْحَاقِهِ بِالنَّخْلِ عَلَى أَنَّ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ مع النرجس والبنفسج مالا خِلَافَ فِيهِ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْكُرْسُفَ كَأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالشَّجَرِ مِنْهُ فَلِذَلِكَ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ قَالَ وَالْكُرْسُفُ إذَا بِيعَ أَصْلُهُ كَالنَّخْلِ قَالَ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْكُرْسُفِ إنَّهُ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ كَانَ تَابِعًا لَهَا وَإِنْ أَفْرَدَهُ بِالْبَيْعِ جَازَ مُطْلَقًا وَلَا يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ وَإِذَا بَاعَهُ مُفْرَدًا أَوْ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ بَاعَ الْأَرْضَ فَدَخَلَ فِي بَيْعِهَا وَكَانَ فِيهِ جَوْزٌ فان كان
قد تشتقق منه شئ كَانَ الْكُلُّ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي وان لم يتشقق منه شئ فالكل المبتاع إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ كَثَمَرَةِ النَّخْلِ سَوَاءٌ فَالتَّشَقُّقُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ التَّأْبِيرِ فِي النَّخْلِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَوْ تَشَقَّقَ بَعْضُهُ كَانَ الْجَمِيعُ لِلْبَائِعِ وَالْأَصْحَابُ مُسَاعِدُونَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَافَقَ فِي أَنَّ الْكُرْسُفَ فِي ذَلِكَ كَالنَّخْلِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْوَرْدِ وَغَيْرِهِ
(النوع الثاني) مالا يحمل الاسنة وَاحِدَةً وَهُوَ قُطْنُ بَغْدَادَ وَخُرَاسَانَ لَا يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّرْعِ إنْ بَاعَ الْأَرْضَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ كَالزَّرْعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُشْتَرِي فَيَصِحُّ شَرْطُهُ مَا لَمْ يَكُنْ جَوْزًا مُنْعَقِدًا غَيْرَ مُتَشَقِّقٍ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ اشْتَدَّ فَإِنْ اشْتَدَّ وَقَوِيَ وَلَمْ يَتَشَقَّقْ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَصْلًا مُفْرَدًا ولامع الْأَرْضِ سَوَاءٌ ظَهَرَ بَعْضُهُ أَمْ لَمْ يَظْهَرْ شئ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مُغَيَّبٌ فَهُوَ مَجْهُولٌ كَالسُّنْبُلِ فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ بَطَلَ فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ فِي الزَّرْعِ مَعَ الْأَرْضِ سَوَاءٌ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِنْ بَاعَهُ وَحْدَهُ فَإِنْ كَانَ حَشِيشًا لَمْ يَنْعَقِدْ جَوْزُهُ أَوْ انْعَقَدَ وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهِ قُطْنٌ جَازَ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عُقِدَ جَوْزُهُ وَاسْتَحْكَمَ قُطْنُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْقُطْنُ وَهُوَ مُغَيَّبٌ كَالسُّنْبُلِ فَعَلَى هَذَا إنْ بَاعَهُ مُفْرَدًا بَطَلَ وَإِنْ بَاعَهُ مع الأرض بطل فيه وفي الأرض قولا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ نَقْلًا وَفِيمَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ مُوَافَقَةٌ لِبَعْضِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَإِنْ تَشَقَّقَ وَظَهَرَ الْقُطْنُ صَحَّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَمَعَ الْأَرْضِ وَجَازَ لِمُشْتَرِي الْأَرْضِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ وَهَلْ يَدْخُلُ الْقُطْنُ فِي الْبَيْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ يَدْخُلُ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ لَا تَدْخُلُ فِي بيع الشجرة لان الشجرة مقصود كَثِمَارِ سَائِرِ الْأَعْوَامِ وَلَا مَقْصُودَ هُنَا سِوَى الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ يَبْقَى لِلْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَشَبَّهَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا الْخِلَافَ بِالْخِلَافِ فِيمَا إذَا رَهَنَ خريطة لاقمة لها وكان فيها شئ لَهُ قِيمَةٌ هَلْ يَتْبَعُ اللَّفْظَ دُونَ مَا فِيهَا أَوْ يَجْعَلُ الْمَرْهُونَ مَا فِيهَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ عَادَةً وَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْأَوَّلُ قُلْتُ وَإِنْ لَمْ يَتَشَقَّقْ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَصِحُّ فِي الْأَصْلِ وَلَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بَنَى عَلَى أَصْلِهِ قَالَ
ابْنُ دَاوُد فَعَلَى قَوْلِ اشْتِرَاطِ التَّشَقُّقِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّهِ فَلَوْ تَشَقَّقَ بَعْضُهُ لَمْ يَصِحَّ الافيه بِخِلَافِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَكُرْسُفِ الْحِجَازِ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ منه (1) وَفِي الْبَيَانِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ مَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ وَإِنْ تَشَقَّقَ جَوْزُهُ كَالطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى غَلَطٍ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِي وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي ذَكَرْتهَا هِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ انه إذا تناهى
(1) بياض بالاصل
نهايته ولايكون لَهُ نَمَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي آخِرِ الْخَرِيفِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَيُكَلَّفُ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ عَنْهُ عَلَى حَسَبِ الْعُرْفِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَمْلِ لَا يَتْبَعُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَشَقِّقًا أَمْ غَيْرَ مُتَشَقِّقٍ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الثَّمَرَةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبَائِعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِيهِ تَنْبِيهٌ وعليه استدراك أما التنبيه فأن اُسْتُفِيدَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَنَاهَى وَلَا يُتَوَقَّعُ لَهُ نَمَاءٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا فِي شَجَرِ الْبِطِّيخِ إذَا خَافَ اخْتِلَاطَهُ أَمَّا بَيْعُهُ مَعَ الْأَرْضِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى ذَلِكَ (وَأَمَّا) الاستدراك فأن أصول هذا الوع مِنْ الْكُرْسُفِ لَا تُقْصَدُ وَحْدَهَا بِدُونِ حَمْلِهَا وَلَا يَشْتَرِيهَا أَحَدٌ إلَّا وَالْمَقْصُودُ حَمْلُهَا فَقَوْلُهُ ان حملها لايتبع لِأَنَّ الشَّجَرَةَ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ تَعْلِيلُهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بنبغي أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا عَنَى أَنَّهُ يَشْتَرِي الْأُصُولَ فَقَطْ أَمَّا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْقُطْنَ وَهَذَا الزَّرْعَ دَخَلَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَيْسَ دُخُولُهُ تَبَعًا وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمُ مُنَزَّلٌ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ فَأَمَّا بَيْعُ ثَمَرِهِ فَإِنْ تَشَقَّقَ وَبَاعَ مَا تَشَقَّقَ مِنْهُ صَحَّ وَيُؤْمَرُ بِالِالْتِقَاطِ عَلَى الْعَادَةِ فَلَوْ تَأَخَّرَ الِالْتِقَاطُ حَتَّى تَشَقَّقَ غَيْرُهَا وَاخْتَلَطَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَقُّقٌ وَلَا انْعَقَدَ الْقُطْنُ فَبَاعَهُ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ لَمْ يَصِحَّ كَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَأَمَّا إنْ انْعَقَدَ الْقُطْنُ وَلَمْ يَتَشَقَّقْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحِنْطَةِ فِي السُّنْبُلِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ قَالَ فَلَوْ بَاعَ الْجَوْزَ مَعَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ التشقق بشرط القطن فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ وَالشَّجَرَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهَا فَهِيَ تَابِعَةٌ فَلَا يُجْعَل لَهَا حُكْمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْجَوْزِ قَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ إذَا أَبْطَلْنَا فَفِي الشَّجَرَةِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ قُطْنَ
الْعِرَاقِ كَقُطْنِ الْحِجَازِ يَبْقَى سِنِينَ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ يَرْجِعُ إلى المشاهدة والفقة قد تبين..قال المصنف رحمه الله.
(وان باع شجرا غير النخل والكرسف لم يخل اما أن يقصد منه الورد أو الورق أو الثمرة فان كان يقصد منه الورد فان كان ورده يخرج في كمام ثم ينفتح منه كالور فهو كالنخيل فان كان في الكمام تبع الاصل في البيع كالطلع الذي لم يؤبر وان كان خارجا من الكمام لم يتبع الاصل كالطلع المؤبر
وان كان لاكمام له كالياسمين كان مَا ظَهَرَ مِنْهُ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ للمشترى وان كان مما يقصد منه الورق كالتوت ففيه وجهان أحدهما انه ان لم ينفتح فهو للمشترى وان تفتح فهو للبائع لان الورق من هذا كالثمر من سائر الاشجار والثاني انه للمشترى تفتح أولم يتفتح لانه بمنزلة الاغصان من سائر الاشجار وليس كالثمر لان ثمرة التوت ما يؤكل منه) .
(الشَّرْحُ) الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ مَا يُلْحَقُ مِنْ الْأَشْجَارِ بِالنَّخْلِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ النَّخْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَأَتْبَعَهُ بِالْكُرْسُفِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِهِ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُخَالِفُ الثِّمَارَ مِنْ الْأَعْنَابِ وَغَيْرِهَا النَّخْلُ وَانْدَفَعَ فِي بَيَانِ مَا يَكُونُ فِي مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ وَشَرَحَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ فَقَسَّمُوا الشَّجَرَ النَّابِتَ الَّذِي لَهُ حَمْلٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَى أَقْسَامٍ وَأَحْسَنُ تَقْسِيمٍ فِيهَا مَا سَلَكَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّ الشَّجَرَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ وَمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرَقُ وَمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الثَّمَرَةُ وَاَلَّذِي يُقْصَدُ مِنْهُ الثَّمَرَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي سَتَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْخَامِسُ مَا يَظْهَرُ فِي كِمَامٍ ثُمَّ تَتَشَقَّقُ عَنْهُ الْكِمَامُ فَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فَتَقْوَى بَعْدَ ذَلِكَ وَتَشْتَدُّ وهى ثمرة النخل والمصنف لم يذكر هَذَا الْقِسْمِ لِأَنَّهُ جَعَلَ تَقْسِيمَهُ فِيمَا سِوَى النخل والكرسف فلا تأتى الاربعة كما ذكل وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ جَعَلَ الْأَقْسَامَ كُلَّهَا خَمْسَةً فَلَمْ يَأْتِ فِي تَقْسِيمِهِ مِنْ الْحُسْنِ وَالْبَيَانِ مَا فِي تَقْسِيمِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فَلِذَلِكَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هَهُنَا ضَرْبَيْنِ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا يَخْرُجُ فِي وَرَقٍ أَخْضَرَ لَا يشاهد منه شئ ثم بعد ذلك ينفتح فَيُشَاهَدُ مَا تَحْتَهُ كَأَنْوَاعِ الْوَرْدِ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَخْضَرِ وَالنِّرْجِسِ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَفَتَّحَ مِنْهُ شئ عِنْدَ الْبَيْعِ فَجَمِيعُهُ
لِلْبَائِعِ مَا تَفَتَّحَ وَمَا لم ينفتح هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ مَا تَفَتَّحَ يكون للبائع وما لم ينفتح يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّ مَا لَمْ يَتَفَتَّحْ مِنْهُ شئ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي كَالطَّلْعِ حَرْفًا بِحَرْفٍ هَكَذَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ إنَّهُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي كِمَامِهِ وَإِنَّ ذَلِكَ
ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه (قُلْتُ) وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ أَبِي حَامِدٍ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهَا وَهْمٌ فَإِنَّ الَّذِي فِي تَعْلِيقِهِ الْجَزْمُ بِالتَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ الْتَبَسَ عَلَى الْحَاكِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا نَوْرٌ وَوَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ مَعَ ذَلِكَ لَكِنْ لما رَأَيْتُهَا وَلَا الْأَئِمَّةُ نَقَلُوا ذَلِكَ (قُلْتُ) لَعَلَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ اخْتَلَفَ كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ.
وَيَدْخُلُ شَجَرُ هَذَا النَّوْعِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَسَائِرِ الْأَشْجَارِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي إنَّ الْوَرْدَ إذَا تَفَتَّحَ بَعْضُهُ فَاَلَّذِي تَفَتَّحَ لِلْبَائِعِ وَاَلَّذِي لَمْ يَتَفَتَّحْ لِلْمُشْتَرِي بخلاف مالو بَاعَ نَخْلَةً تَشَقَّقَ بَعْضُ ثَمَرِهَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ مَا تَفَتَّحَ مِنْ الْوَرْدِ يُجْتَنَى وَلَا يُتْرَكُ فان يَتَنَاثَرُ وَيُقْتَلُ فَلَا يَتَلَاحَقُ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ فانها لاتجتني حَتَّى تَتَلَاحَقَ وَكَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيِّ وَالْمُصَنِّفِ في التنبيه وابن سراقة في بيان مالا يَسَعُ جَهْلُهُ مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ (النَّوْعُ الثَّانِي) مِنْ هَذَا الضَّرْبِ مَا يَبْرُزُ بِنَفْسِهِ لَا يَحُولُ دُونَهُ حَائِلٌ إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى جِهَتِهِ ثُمَّ يَتَفَتَّحُ كَالْيَاسِمِينِ فَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ منه شئ فالجميع للبائع وان لم يظهر منه شئ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَالظُّهُورُ فِي هَذَا النَّوْعِ بِمَنْزِلَةِ التَّفَتُّحِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَسَلَكَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُنَا فِي الْيَاسَمِينِ خَاصَّةٌ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ الْجُرْجَانِيِّ يُوَافِقَانِ بِظَاهِرِهِمَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي الْوَرْدِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْيَاسَمِينَ كَالْوَرْدِ وَأَنَّ ظُهُورَ بَعْضِهِ كَظُهُورِ كُلِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ عِبَارَتُهُ فِي المهذب على ذلك لا على ماقاله صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَطْلَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي النَّوْعَيْنِ أَنَّهُ إنْ تَفَتَّحَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَتَّحْ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ لَكِنْ بِلَفْظِ الظُّهُورِ لَمَّا قَالَ أو بورا تفتح كالورد والياسمين فان كان ظهر ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ أَرَادَ
بِالظُّهُورِ التَّفَتُّحَ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَإِنْ أَرَادَ الْبُرُوزَ وَإِنْ كَانَ فِي الْكِمَامِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يَتَعَسَّفَ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الظُّهُورُ وَذَلِكَ فِي الْوَرْدِ وَمَا يَخْرُجُ فِي كِمَامٍ بِالتَّفَتُّحِ وَبِالْيَاسِمِينِ وَمَا يَخْرُجُ فِي غَيْرِ كِمَامٍ بِنَفْسِ الْخُرُوجِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ وَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَلِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ التَّفَتُّحَ فِيمَا لَا كِمَامَ لَهُ فَلَا مَعْنَى لَهُ وَقَالَ الروياني
إن البنفسج كالورد وعد جماعة البنفسج والنشرين مِنْ جِنْسِ الْيَاسَمِينِ وَأَلْحَقَ سُلَيْمٌ فِيمَا نُقِلَ عنه النشرين بالورد قال الفرارى وَالْمُشَاهَدُ فِي بِلَادِنَا خُرُوجُهُ فِي كِمَامٍ يَتَفَتَّحُ عَنْهُ كَالْوَرْدِ يَعْنِي الْيَاسَمِينَ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ كِمَامَ الْوَرْدِ قَبْلَ حُصُولِ الْوَرْدِ فِيهَا وَكَذَا الْجَوْزُ قَبْلَ الْقُطْنِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ لِأَنَّ الْوَرْدَ وَالْقُطْنَ لَيْسَا بِمَقْصُودَيْنِ مِنْهُمَا فَصَارَا مَقْصُودَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا لِعَلَفِ الدَّوَابِّ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرَقُ كَالتُّوتِ وَشَجَرِهِ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْفِرْصَادِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ قد ظهر من الورق شئ فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي هَكَذَا عِبَارَةُ الشَّيْخِ أبي حامد والشيخ في عبارته بالتفتح وعده تَابِعٌ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ قَالَ كَذَلِكَ وَزَادَ فَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا بَاعَ أَصْلَ التُّوتِ وَقَدْ خَرَجَ وَرَقُهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِمَا فِي اعْتِبَارِ التَّفَتُّحِ فِي الْيَاسَمِينِ وَإِنْ اسْتَبْعَدْت حُصُولَ التَّفَتُّحِ فِي ورق التوت فيسأتي فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ مَا يُثْبِتُهُ وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ يَخْبُرُ ذَلِكَ وَأَنَّ وَرَقَ التُّوتِ يَخْرُجُ مُنْعَقِدًا لَمْ يَتَفَتَّحْ (فَائِدَةٌ) الْيَاسَمِينُ بِكَسْرِ السِّينِ وَالْأَشْهَرُ جَعْلُ النُّونِ حَرْفَ إعْرَابِهِ وَفِيهِ لُغَةٌ أَنَّهُ يُعْرَبُ إعْرَابَ قَائِمِينَ بِالْوَاوِ وَالْيَاءِ وَالنُّونِ بِيَاءَيْنِ مُثَنَّاتَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ لُغَةٌ إنَّ الْأُولَى مُثَنَّاةٌ وَالثَّانِيَةَ مُثَلَّثَةٌ وَأَنْكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ وَنَسَبَهَا ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي أَدَبِ الْكَاتِبِ إلَى الْفُرْسِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي بِكُلِّ حَالٍ وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ إلَى الْجَمَاهِيرِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ إلَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ وَرَقٌ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَوْرَاقِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنَعَ صَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ أَنْ تَكُونَ ثَمَرَةُ التُّوتِ مُنْحَصِرَةً فِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَرِ بَلْ ثَمَرَتُهُ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ مِنْ الثَّمَرَةِ الْحُلْوَةِ وَالْمُرَّةِ وَجَعَلَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ
فِي أَوَانِ الرَّبِيعِ أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَالْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَسَائِرِ الْأَوْرَاقِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ جزم به المارودى وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ شَامِيًّا يُقْصَدُ ثَمَرُهُ دُونَ وَرَقِهِ فَلَا اعْتِبَارَ بِظُهُورِ وَرَقِهِ وان كان يقصد وقفانه يبدو في عقده ثم يفتح عَنْهَا فَإِنْ كَانَ فِي عُقَدِهِ تَبِعَ الْأَصْلَ وَإِنْ انْشَقَّتْ الْعُقْدَةُ وَظَهَرَ وَرَقُهَا لَمْ يَتْبَعْ الْأَصْلَ وَهُوَ لِلْبَائِعِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ قَرِيبٌ من قول أبي اسحق وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخِلَافَ مُنَزَّلٌ عَلَى هَذَا التفصيل وأن لَا مَعْنَى لِذَلِكَ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ قد
حَكَاهُ (قُلْتُ) وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ بَلْ كُلُّ الْأَصْحَابِ ذَكَرُوا الْخِلَافَ وَلَمْ أَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ لِغَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ مُتَّجَهًا فَإِنَّ النَّوْعَ الَّذِي يُقْصَدُ ثَمَرُهُ وَلَا يُقْصَدُ وَرَقُهُ كَالْأَحْمَرِ فِيمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ لَا يُطْعَمُ وَرَقُهُ لِلَّدُودِ الْمَقْصُودِ ثَمَرُهُ فَهَذَا وَرَقُهُ كَوَرَقِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ أَمَّا التُّوتُ الابيض الذي يقصد منه الورق لطعمه الذود فَيَتَّجِهُ فِيهِ الْخِلَافُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَلْتَحِقُ بِالْأَوَّلِ وَرَقُ الذَّكَرِ مِنْ الْأَبْيَضِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِتَرْبِيَةِ الدُّودِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْخِلَافُ الذي يقطع أغصانه ويترك ساقه وطوله تقطع الْأَغْصَانُ مِنْ جَوَانِبِهِ فَحَسْبُ إذَا بَاعَ شَجَرَتَهُ قال القاضي الحسين وَالْأَغْصَانُ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الثِّمَارِ فِي سَائِرِ الْأَشْجَارِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الماوردى والروياني الحناء وَرَقُهُ أَيْضًا وَيَبْدُو وَرَقُهُ بَعْدَ تَقْدِيحِ أَغْصَانِهِ من غير أن يكون في عقدة تنفتح عَنْهُ فَإِذَا بَدَا وَرَقُهُ بَعْدَ التَّقْدِيحِ ثُمَّ بَاعَ شَجَرَهُ كَانَ فِي حُكْمِ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ شَجَرُ الْحِنَّاءِ والجوز والهرنس لانص فِيهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالتُّوتِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِالْوَرَقِ إذَا ظهرت وجها واحدا لانه لاثمره لِهَذِهِ الْأَشْجَارِ غَيْرُ الْوَرَقِ.
(فَرْعٌ)
شَجَرُ النَّبْقِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْمَذْهَبُ كَسَائِرِ الْأَشْجَارِ يَتْبَعُهَا وَرَقُهَا وَقِيلَ إنَّهَا كَالتُّوتِ لِأَنَّ فِي وَرَقِهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ يُغْسَلُ بِهَا الرَّأْسُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَصَحَّ فِي بِلَادِنَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالثَّمَرَةِ وَلَهُ طَوَاحِينُ مُعَدَّةٌ لِطَحْنِهِ وَمَوْضِعٌ يُبَاعُ فِيهِ بِأَبْلَغِ ثَمَنٍ لِكَثْرَتِهِ وَفَرَّقَ عَلَى
الْقَوْلِ الْآخَرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَقِ التُّوتِ بِأَنَّ مَنْفَعَةَ غَسْلِ الرَّأْسِ تَافِهَةٌ وَغَيْرُهُ فِي الْمَعْنَى يُشَارِكُهَا فَإِنَّهَا تُغْسَلُ بِالْخِطْمِيِّ وَالطِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ وَرَقِ الْفِرْصَادِ فَإِنَّهُ كل مقصوده..قال المصنف رحمه الله.
(وان كان مما يقصد منه الثمرة فهو على أربعة أضرب أحدها متا تخرج ثمرته ظاهرة من غير كمام كالتين والعنب فما ظهر منه فهو للبائع لايدخل في البيع من غير شرط وما يظهر بعد العقد فهو للمشترى لان الظاهر منه كالطلع المؤبر والباطن منه كالطلع الذي لم يؤبر) .
(الشَّرْحُ) بَدَأَ فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنْ أَقْسَامِ الشَّجَرِ وَجَعَلَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مِنْهَا ضَرْبًا خَامِسًا لَمْ يَدْخُلْ فِي تَقْسِيمِهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ النَّخْلُ وَالْكُرْسُفُ لِإِفْرَادِهِ إيَّاهُمَا بِالذِّكْرِ وَجَعْلِهِ مَوْرِدَ التَّقْسِيمِ فِيمَا سِوَاهُمَا.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَهَذَا الضَّرْبُ الَّذِي يُقْصَدُ مِنْهُ الثَّمَرَةُ مِمَّا سِوَى النَّخْلِ وَالْكُرْسُفِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) مَا تَخْرُجُ ثمرته ظاهرة من غير كما لاورق دُونَهَا وَلَا حَائِلَ مِثْلَ التِّينِ وَالْعِنَبِ فَإِذَا بَاعَ أَصْلَ التِّينِ وَالْعِنَبِ فَإِنْ كَانَ قَدْ خَرَجَتْ الثَّمَرَةُ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ خَرَجَتْ وَإِنَّمَا خَرَجَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَيَكُونُ خُرُوجُ هَذِهِ الثَّمَرَةِ بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ مِنْ الطَّلْعِ وَظُهُورُ الْقُطْنِ مِنْ الْجَوْزِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَظُنُّ التُّوتَ الشَّامِيَّ مِثْلَهُ أَيْ مِثْلَ التِّينِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَإِنَّ ثَمَرَةَ التُّوتِ تَخْرُجُ بَارِزَةً مِنْ غَيْرِ كِمَامٍ وَأَظُنَّ مراده بالشامي التوت الاحمر المرفأن المقصود منه ثمرته لاورقه بخلاف التوت الذي قصد وَرَقُهُ لِتَرْبِيَةِ الدُّودِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي الثَّمَرَةِ وَاحِدًا وَقَدْ حَكَى عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَبِ عِنْدِي أَنَّ لَهُ وَرْدًا ثُمَّ يَنْعَقِدُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَعْنِي الَّذِي مَعْنَاهُ أَنَّ سَائِرَ الثِّمَارِ مِنْ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ تَخْرُجُ ثَمَرَتُهَا وَعَلَيْهَا وَرْدٌ وَهُوَ يُشَاهَدُ مِنْ بَيْنِ ذَلِكَ الْوَرْدِ ويرى ويتساقط عنها النور ويبقى الثمر فتكبر ولا كذلك لانخل فَإِنَّهَا لَا تُرَى مِنْ دَاخِلِ الْكِمَامِ وَهَذَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ كِمَامَ ثَمَرَةِ النَّخْلِ شَامِلٌ لِحَبَّاتٍ مِنْهُ وَكِمَامُ الْعِنَبِ شَامِلٌ لِكُلِّ حَبَّةٍ وَكَذَا كِمَامُ غَيْرِهِ مِنْ الثِّمَارِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَثَرٌ يَظْهَرُ لَكَ فِي بَيْعِ ماله قشران كالجوز وللوز وَقَدْ عَلَّلَ جَعْلَ الْعِنَبِ لِلْبَائِعِ بِأَنَّ اشْتِمَالَ
كُلِّ حَبَّةٍ عَلَى كِمَامٍ يُزَايِلُهَا كَاشْتِمَالِ كُلِّ حَبَّةٍ مِنْ حَبَّاتِ ثَمَرِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ فَكَذَا الْعِنَبُ يَكُونُ لَهُ وَالْمَاوَرْدِيُّ يَزْعُمُ أَنَّ الْعِنَبَ نَوْعَانِ مِنْهُ مَا يُورِدُ ثُمَّ يَنْعَقِدُ وَمِنْهُ مَا يَبْدُو مُنْعَقِدًا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ لَهُ نَوْرًا يَقُولُ إنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الرُّؤْيَةِ فَكَانَ كَالْمَعْدُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الضَّرْبِ وَالضَّرْبِ الَّذِي بَعْدَهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا يَظْهَرُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ تَابِعًا لِمَا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ ظُهُورُ بَعْضِهِ كَظُهُورِ كُلِّهِ كَالنَّخْلِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي هَذَا الضَّرْبِ الَّذِي بَعْدَهُ لَمْ أَجِدْ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ مَا يُخَالِفُهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَنْهُ فِي الْوَرْدِ وَالتِّينِ وَالْعِنَبِ وَقَالَ إنَّ الصُّورَةَ الْأَخِيرَةَ يَعْنِي التِّينَ وَالْعِنَبَ مَحَلُّ التَّوَقُّفِ قَالَ صَاحِبُ الوافي ولو أُجْرِيَ الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ الطَّلْعِ بَعْدَ مَا تَأَبَّرَ مِنْهُ الْبَعْضُ
يَكُونُ لِلْبَائِعِ كَالطَّلْعِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ فَيَكُونُ أَيْضًا مَا يَحْدُثُ مِنْ التِّينِ لِلْبَائِعِ تَابِعًا لِمَا ظَهَرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي حُكْمِ الْمُؤَبَّرِ مِنْ ثَمَرَةِ النَّخْلِ كَانَ له اتجاه ظاهر ولم أجد للاصحاب نصافيه غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَإِنْ يَكُنْ فَرْقٌ فمن حيث ان ظهور الشئ بعد الشئ فِي التِّينِ مُعْتَادٌ ثُمَّ حِينَ بُلُوغِ التِّينِ يُؤْخَذُ فَاَلَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَهُ لَا يَخْتَلِطُ بِهِ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ بِخِلَافِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ فَإِنَّهَا تُتْرَكُ إلَى الْجُذَاذِ فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فِي الْبُلُوغِ فَيَخْتَلِطُ وَلَا يَتَمَيَّزُ فَاحْتَجْنَا أَنْ نَجْعَلَهُ تَابِعًا وَفِي هَذِهِ المسألة لا حاجة إلى ذلك (قلت) وهذا اعْتِرَاضٌ وَجَوَابٌ جَيِّدَانِ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لم ينفرد بذلك الفرق الْمَذْكُورُ يُعَضِّدُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْوَرْدَ وَالْيَاسِمِينَ يُسْرِعُ فِيهِ التَّلَاحُقُ وَلَا يَتَمَيَّزُ فَيُفْضِي إلَى الْمَحْذُورِ بِخِلَافِ التِّينِ وَالْعِنَبِ فَإِنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمَا بين والله أعلم..قال المصنف رحمه الله.
(والثاني) يخرج في كمام لا يزال عنه الاعند الاكل كالرمان والموز فهو للبائع لان كمامه من مصلحته فهو كاجزاء الثمرة) .
(الشَّرْحُ) هَذَا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الضَّرْبِ الثَّالِثِ الَّذِي يَكُونُ الْمَقْصُودُ فِيهِ الثَّمَرَةَ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ
حُكْمًا وَتَعْلِيلًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا بَاعَ لاجل أرضا فيها شجر رمان ولوز وجوز الارنج وَغَيْرِهَا مِمَّا دُونَهُ قِشْرٌ يُوَارِيهِ أَوْ ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ وذلك ان قشر هذا لا تشقق عَمَّا فِي أَجْوَافِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الرُّمَّانِ وَالْمَوْزِ وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ كِمَامَهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) تُقَشَّرُ نَفْسُ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يُدَّخَرُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَالتِّينِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحٌ بِإِطْلَاقِ الشَّجَرِ عَلَى شَجَرِ الْمَوْزِ وَسَيَأْتِي تَعَرُّضٌ لِحُكْمِهِ فِي فَصْلِ النَّبَاتِ غَيْرِ الشَّجَرِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِيهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلِأَجْلِهِ قِيلَ إنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عليه وأما الجوز واللوز والرانج ففه نِزَاعٌ فَلِذَلِكَ أَخَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَعَلَهُ مِنْ الضَّرْبِ الثالث..قال المصنف رحمه الله.
(والثالث ما يخرج وعليه قشرتان كالجوز واللوز والرانج فالمنصوص أنه كالرمان لايدخل في بيع الاصل لان قشره لا يتشقق عنه كما لا يتشقق قشر الرمان ومن أصحابنا من قال هو كثمرة النخل الذي لم يؤبر لانه لا يترك في القشر الاعلى كما لا تترك الثمرة في الطلع) .
(الشَّرْحُ) الرَّانِجُ بِرَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ بَعْدَ الْأَلْفِ مكسورة وجيم وهو الجوز الهندي وهو النار جيل إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَهَذَا الضَّرْبُ وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّالِثِ فَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالرَّانِجُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَهُ مَعَ الرُّمَّانِ وَحَكَمَ فِي الْجَمِيعِ بِأَنَّهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَبِذَلِكَ قَطَعَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لِأَنَّ قُشُورَهُ لاتزول في الغالب إلا عِنْدَ الْقِطْفِ وَبَعْدَ الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا مِنْ الثَّمَرَةِ بِخِلَافِ الْكِمَامِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ مِنْ الشَّجَرَةِ وَيُتْرَكُ الْكِمَامُ عِنْدَ الْقَطْعِ عَلَى الْأَشْجَارِ وَنُزُلُ السَّعَفِ وَالْكَرَانِيفِ وَقُشُورُ الْجَوْزِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد (أما) الذي لاإشكال فِيهِ فَالرُّمَّانُ وَالْمَوْزُ وَقَالَ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَتَشَقَّقْ الْقِشْرَةُ الْأُولَى فَهُوَ لِلْبَائِعِ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الرُّمَّانِ إذَا ظَهَرَتْ الْقِشْرَةُ الَّتِي تَلِي اللُّبَّ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ جَعَلَ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ هُوَ الْمُخَالِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَغَلِطَ الشَّيْخُ أبو حامد فقال الجوز يتشقق فشره الْفَوْقَانِيُّ عَنْهُ وَيَسْقُطُ
وَيَظْهَرُ السُّفْلَانِيُّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَقَّقَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ تَشَقَّقَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا خِلَافُ نَصِّهِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه قَالَ تَشَقُّقُ الْقِشْرَةِ مِنْ هَذَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ إذَا كان على رؤس الشَّجَرِ لِأَنَّهُ كَتَشَقُّقِ الرُّمَّانِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ صَلَاحُهُ وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْحَامِلَ لِلْمُصَنَّفِ عَلَى نِسْبَةِ الْخِلَافِ إلَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ مُبْهَمًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي بِمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْأَقْيَسُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّيْخُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه أَنَّ حُكْمَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ قِشْرَةٌ عُلْيَا وَسُفْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْحِجَازِ شَجَرُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فَحَمَلَ أَمْرَهُ عَلَى أَنَّ لَهُ قِشْرَةً وَاحِدَةً وَأَجْرَاهُ مَجْرَى الرُّمَّانِ وَالْمَوْزِ أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ إذَا زَالَتْ عَنْهُ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا وَبَقِيَتْ السُّفْلَى وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ هذا أنه قال دونه حائل لا يزل عَنْهُ إلَّا فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى أَكْلِهِ وَهَذَا صِفَةُ الْقِشْرَةِ السُّفْلَى دُونَ الْعُلْيَا (قُلْتُ) أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَبَعِيدٌ لِأَنَّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي بَابِ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ وَكَذَلِكَ فِي الْأُمِّ وَهُوَ بَعْدَ الموضع بشئ يسير أن على الجوز قشرتان وَاحِدَةٌ فَوْقَ الْقِشْرَةِ الَّتِي يَدْفَعُهَا النَّاسُ عَلَيْهِ ولايجوز بَيْعُهُ وَعَلَيْهِ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُدْفَعَ بِدُونِ الْعُلْيَا وَكَذَلِكَ الرَّانِجُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ حَالَ الْجَوْزِ وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي فَهُوَ قريب ولاياباه كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ فِي الْأُمِّ وَذَلِكَ أَنَّ قِشْرَ هَذَا لَا يَنْشَقُّ عَمَّا فِي أَجْوَافِهِ وَصَلَاحُهُ فِي بَقَائِهِ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ الْقِشْرَةَ الْعُلْيَا دُونَ السُّفْلَى بَلْ تَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه بِأَنَّ صَلَاحَهُ فِي بَقَائِهِ يُفْهِمُ أَنَّ مَا لَيْسَ صَلَاحُهُ فِي بَقَائِهِ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ إلَّا إذَا زَالَ عَنْهُ وَقِشْرَةُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ الْعُلْيَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنْ كَانَتْ تُشَقَّقُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى الشَّجَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَتَغْلِيطُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لَكِنِّي أَقُولُ إنَّ تَشَقُّقَ الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا مِنْ عَلَى الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ يُبْسِهِ وَنِهَايَتِهِ وَكَثِيرًا مَا يُؤْخَذُ مِنْ على الشجر مَعَ قِشْرَتِهِ كَاللَّوْزِ الْعَاقِدِ وَالرَّانِج أَيْضًا كَثِيرًا مَا يُؤْخَذُ فِي قِشْرَتِهِ بَعْدَ نِهَايَتِهِ بَلْ العادة مطردة في كل ماله قِشْرَانِ فَلَيْسَ هُوَ كَثَمَرَةِ النَّخْلِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ النَّصِّ وَإِنْ كَانَ لِلتَّأْوِيلِ فِيهِ مُحْتَمَلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّوْزَ إذَا كَانَ أَخْضَرَ صَغِيرًا يُؤْكَلُ فِي قِشْرَتِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ تِلْكَ الْقِشْرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ كَاللُّبِّ سَوَاءٌ مَعَ ذَلِكَ الْمَنْصُوصِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَصْلِ فَكَأَنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالطَّلْعِ فِي اللَّوْزِ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ كُلُّهُ وَلَا يَنْقَطِعُ مِنْ التَّبَعِيَّةِ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ اللَّوْزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ نقل إما الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَذَكَرَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ خِلَافَهُ وَكَأَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ عَرَفْتُ كَلَامَهُمْ وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى أَبِي حامد أنه يقول بأن ماله نَوْرٌ يَكُونُ لِلْبَائِعِ بِخُرُوجِ نَوْرِهِ وَهَذَا مِنْهُ فَإِذَا انْعَقَدَ كَانَ لِلْبَائِعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى قَالَ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ إنَّ ذَلِكَ قَالَهُ فِي ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ فِي جَوْفِ نَوْرٍ والجوز ليس كذلك فان البند نيجى قَالَ إنَّهُ يُورِدُ أَوَّلًا وَرْدًا لَا تَخْرُجُ الثَّمَرَةُ مِنْ جَوْفِهِ بَلْ يَذْهَبُ الْوَرْدُ وَيَنْعَقِدُ بَعْدَ ذَهَابِهِ ثَمَرَةٌ كَهَيْئَةِ التِّينِ أَوَّلَ مَا يُطْلِعُ وَسَيَأْتِي فِي الضَّرْبِ الرَّابِعِ كَلَامٌ عَنْ البند نيجى يتعلق بهذا الضرب في اللوز..
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(والرابع ما يكون في نور يتناثر عنه النور كالتفاح والكمثرى فاختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحق والقاضي أبو حامد هو كثمرة النخل إن تناثر عنه النور فهو للبائع وان لم يتناثر عنه فهو للمشترى وهو ظاهر قوله في البويطي واختيار شَيْخِنَا الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ رحمه الله لِأَنَّ استتارها بالنور كاستتار الثمر في الطلع وتناثر النور عنها كتشقق الطلع عن الثمرة فكان في الحكم مثلها وقال الشيخ أبو حامد الاسفراييني هو للبائع وان لم يتناثر النور عنها لان الثمرة قد ظهرت بالخروج من الشجر واستتارها بالنور
كاستتار ثَمَرَةِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ القشر الابيض ثم ثمرة النخل بعد خروجها من الطلع للبائع مع استتارها بالقشر الابيض فكذلك هذه الثمرة للبائع مع استتارها بالنور) .
(الشَّرْحُ) النَّوْرُ الزَّهْرُ عَلَى أَيِّ لَوْنٍ كَانَ وَقِيلَ النَّوْرُ مَا كَانَ أَبْيَضَ وَالزَّهْرُ مَا كان أصفر والكمثرى (1)(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَإِذَا بَاعَ أَصْلَ التُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى والسفر جل وَالْإِجَّاصِ وَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِمَّا يَخْرُجُ فِي نَوْرٍ ثُمَّ يَتَنَاثَرُ عَنْهُ النَّوْرُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْأَصْلَ وَقَدْ خَرَجَ
وَرْدُهَا وَتَنَاثَرَ وَظَهَرَتْ الثَّمَرَةُ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاثَرْ وَرْدُهَا ولم تظهر الثمرة ولا بعضها فهي للمشترى لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مُغَيَّبَةٌ فِي الْوَرْدِ وَتَظْهَرُ بَعْدَ ثناثره فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَثَمَرَةِ النَّخْلِ فِي التَّأْبِيرِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَفِ قَبْلَ بَابِ الْوَدِيعَةِ وَحُكْمُ الْإِبَارِ فِي التُّفَّاحِ وَاللَّوْزِ وَالْفِرْسِكِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ وَتَحَبَّبَ وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ فِي الشَّرْحِ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي تَعْلِيقِهِ وَغَلِطَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ فَقَالَ ظُهُورُ الْوَرْدِ بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه قَالَ حُكْمُ كُلِّ ثَمَرَةٍ خَرَجَتْ بَارِزَةً تُرَى فِي أَوَّلِ مَا تَخْرُجُ كَمَا تُرَى فِي آخِرِهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى ثَمَرَةِ النَّخْلِ بَارِزًا مِنْ الطَّلْعِ وَغَلِطَ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا أراد به مالا وَرْدَ لَهُ مِثْلَ الْعِنَبِ وَالتِّينِ لِأَنَّ هَذَا هو الذي يخرج بارزا وأماما يَخْرُجُ فِي الْوَرْدِ فَلَيْسَ بِبَارِزٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي جَوْفِ الْوَرْدِ وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ وَذَكَرْتُ لَفْظَهُ فَسَقَطَ قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّرْفِ قَالَ مَا كَانَ مِنْ الثمر يطلع كما هو لام كِمَامَ عَلَيْهِ أَوْ يَطْلُعُ عَلَيْهِ كِمَامٌ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ كِمَامُهُ فَطُلُوعُهُ كَإِبَارِ النَّخْلِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَهَذَا إنَّمَا يُرَدُّ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ بِمَفْهُومِهِ فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مالا كِمَامَ عَلَيْهِ كَالتِّينِ وَالْعِنَبِ أَوْ عَلَيْهِ كِمَامٌ لَا تَسْقُطُ كَالْمَوْزِ وَالرُّمَّانِ فَالطُّلُوعُ فِي الْقِسْمَيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّأْبِيرِ أَمَّا كَوْنُ الطُّلُوعِ فِي غَيْرِهِمَا لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ التَّأْبِيرِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمَنْطُوقِ بَلْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَدُلُّ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لاطلاقه أن مالا كِمَامَ عَلَيْهِ يَكُونُ طُلُوعُهُ كَالتَّأْبِيرِ وَاَلَّذِي يَخْرُجُ في نور لاكمام عله وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِالنَّوْرِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا يبعده قوله كما هو فانه يشعر لانه لا شئ عَلَيْهِ مِنْ كِمَامٍ وَلَا غَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي تَعْلِيقِهِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَقَالَ إنَّ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شيوخ أصحابنا أبو إسحق وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا لِلْمُبْتَاعِ وَلَوْلَا أَنَّى لَا أُحِبُّ مُخَالَفَةً كَانَ ظاهر
(1) بياض بالاصل
الْمَذْهَبِ وَالْأَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ أَنَّ الْأَنْوَارَ إذَا ظَهَرَتْ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ كَالطَّلْعِ إذَا تَشَقَّقَ أَوْ أُبِّرَ وَذَكَرَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه الَّذِي تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا مَعْنَى السُّنَّةِ فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام
(مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) لَمَّا جَعَلَ ثَمَرَةَ النَّخْلِ لِلْبَائِعِ إذَا ظَهَرَ عِنْدَ الطَّلْعِ وَذَلِكَ الظَّاهِرُ نَوْرٌ يَتَفَتَّحُ فَإِذَا تَنَاثَرَ انْعَقَدَتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَهُ كَانَتْ الْأَنْوَارُ كَالطَّلْعِ لِأَنَّ النَّوْرَ يَتَنَاثَرُ ثُمَّ تَنْعَقِدُ الثَّمَرَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى كلامه والحق ان لاحجة لَهُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه إنَّمَا حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الثَّمَرَةِ الَّتِي تَخْرُجُ بَارِزَةً تُرَى فِي أَوَّلِهَا كَمَا تُرَى فِي آخِرِهَا وَمَا يَخْرُجُ فِي نَوْرٍ لَيْسَ يُرَى فِي أَوَّلِهِ كَمَا يُرَى فِي آخِرِهِ فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَوْ يُقَالُ إنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِيهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَهُ مِنْ اسْتِتَارِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْقِشْرِ الْأَبْيَضِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى تَحْقِيقِ مَنَاطٍ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ يَقُولُ إنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ بِالتَّأْبِيرِ لَا تَظْهَرُ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ مَا يَجْرِي مَجْرَى وَرْدِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ لِأَنَّهُ إذَا تَشَقَّقَ الطَّلْعُ ظَهَرَ مَا فِيهِ مِثْلُ اللِّيفِ وَفِيهِ حَبٌّ صِغَارٌ مِثْل الذُّرَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الثَّمَرَةَ وَإِنَّمَا الثَّمَرَةُ فِي جَوْفِ ذَلِكَ الْحَبِّ تُرَى مِثْلَ الشَّعْرَةِ كَمَا تُرَى ثَمَرَةُ سَائِرِ الْأَشْجَارِ مِنْ بَيْنِ الْوَرْدِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ أَنَّ ثَمَرَةَ هَذَا الضَّرْبِ الَّذِي تحن فِيهِ تُرَى مِنْ بَيْنِ الْوَرْدِ وَأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ مِثْلُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَعَهُ وَإِلَّا فَالْحَقُّ مَعَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَهَذَا لَيْسَ اخْتِلَافًا فِي فِقْهٍ بَلْ يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ مَحْسُوسٍ وَمِثْلُهُ يَقْطَعُ بِإِدْرَاكِ الصَّوَابِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُشَاهَدَةُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الِاسْتِتَارِ بِالْقِشْرِ الْأَبْيَضِ وَبِالنَّوْرِ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا مُسْتَتِرَةٌ كُلُّهَا وَذَلِكَ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إلْحَاقِهَا قَبْلَ التَّأْبِيرِ بِالْحَمْلِ لِاسْتِتَارِهَا وَبَعْدَ التَّأْبِيرِ بِالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ لِظُهُورِهَا وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي هَكَذَا لِلْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ ويشعر به كلامه في الشرح قال ان الآخر أرحج عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ الْكَرْخِيِّ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَجَعَلَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ تَنَاثُرَ النَّوْرِ كاتقدم وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَصْحَابِ إنَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ أَوَّلًا نَوْرًا ثُمَّ يَتَشَقَّقُ ثُمَّ يَتَنَاثَرُ ذَلِكَ ثُمَّ تَنْعَقِدُ الْحَبَّاتُ كَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالتُّفَّاحِ وَنَحْوِهَا قَالَ فَمَا لَمْ تَنْعَقِدْ الْحَبَّاتُ فِيهِ يَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ وَإِذَا انْعَقَدَتْ حَبَّاتُهُ لايتبع الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَلَا يَدْخُلُ إلَّا بالشرط وكان القاضي أخذ ذلك عن الفقال فَإِنَّ الرُّويَانِيَّ حَكَى عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ إذَا تَحَبَّبَتْ ثِمَارُهَا فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ النَّوْرُ بَاقِيًا عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَتَحَبَّبْ فَالنَّوْرُ كَالْوَرَقِ.
هذه عبارته
ويجئ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّهَا لِلْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ (وَالثَّانِي) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالتَّحَبُّبِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِتَنَاثُرِ النَّوْرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي الْبُوَيْطِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ النَّوْرِ وَتَحَبَّبَ وَقَدْ يُقَالُ ظَاهِرُ النَّصِّ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّحَبُّبَ يَكُونُ قَبْلَ التَّنَاثُرِ فَذِكْرُ التَّنَاثُرِ يُغْنِي عَنْهُ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ رضي الله عنه وَكَذَلِكَ قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي إنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بتناثر النور على الاصبح وَذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ الْمَحَامِلِيَّ فِي الْمَجْمُوعِ ذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَنْ أَبِي حَامِدٍ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي التَّعْلِيقِ الْأَخِيرِ عَنْهُ وَهَذَا عَجَبٌ مِنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ فَإِنَّ شَيْخَهُ أَبَا الطَّيِّبِ ذَكَرَهَا عَنْهُ فَكَانَ ذِكْرُهَا مِنْ جِهَتِهِ أَوْلَى وَهِيَ فِي التَّعْلِيقَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا وَأَمَّا عَدَمُ ذِكْرِهَا فِي التَّعْلِيقَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَا يَدُلُّ (تَنْبِيهٌ آخَرُ) أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَعَلُوا الْمِشْمِشَ وَالتُّفَّاحَ وَالْخَوْخَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَتَكَلَّمُوا فِيهَا كَلَامًا وَاحِدًا كَمَا تَقَدَّمَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ سَلَكَ طَرِيقَةً أُخْرَى فَجَزَمَ بِأَنَّ الْخَوْخَ وَالْمِشْمِشَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا الْأَزْهَارُ مُحْتَوِيَةٌ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ وَالتُّفَّاحُ وَالْكُمَّثْرَى وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا لَا تَحْتَوِي أَزْهَارُهُ عَلَى الثِّمَارِ وَلَكِنَّهَا تَطْلُعُ وَالثَّمَرَةُ دونها قال فمما كَانَ كَذَلِكَ مَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى أَنَّهُ لِلْبَائِعِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الِانْعِقَادِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْإِمَامُ مُخَالِفَةٌ لِمَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ فَإِنَّهُ جَعَلَ حُكْمَ الْإِبَارِ فِي التُّفَّاحِ وَالْفِرْسِكِ شَيْئًا وَاحِدًا وَالْفِرْسِكُ هُوَ الْخَوْخُ وَالْإِمَامُ قَدْ جَعَلَ حُكْمَهُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ التُّفَّاحِ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ نَقَلَ مِثْلَ الْعِرَاقِيِّينَ إلَى أَنَّهُ لِلْبَائِعِ وَالْعِرَاقِيُّونَ كَمَا رَأَيْتُ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ تَنَاثُرِ النَّوْرِ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَلَعَلَّ الْإِمَامَ رَأَى كَلَامَ أَبِي حَامِدٍ فَنَسَبَ ذَلِكَ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْجَوْزِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْكَرْمَ نَوْعَانِ نَوْعٌ مِنْهُ يَبْدُو مِنْهُ أنوار ثم ينعقد ومعه بما يَبْدُو حَبًّا مُنْعَقِدًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذلك وعد الماوردى الرمان واللوز مع ذي النَّوْرِ قَالَ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالْمُشَاهَدُ فِي بِلَادِنَا خِلَافُ ذَلِكَ فِي الرُّمَّانِ فَإِنَّ نَوْرَهُ لَا يَكُونُ سَابِقًا لَهُ فِي أَوَّلِ الظُّهُورِ وَأَمَّا اللَّوْزُ فَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَنَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الرُّمَّانَ وَاللَّوْزَ مِمَّا يَخْرُجُ فِي نَوْرٍ يَتَنَاثَرُ عَنْهُ النَّوْرُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ
مِنْ الْحُكْمِ فِيمَا إذَا بِيعَ الْأَصْلُ بَعْدَ تَنَاثُرِ النَّوْرِ عَنْهُ فَإِنْ بِيعَ قَبْلَهُ عَادَ الْكَلَامُ السَّابِقُ فِيهِ يَعْنِي إمَّا أَنْ
يُبَاعَ بَعْدَ الِانْعِقَادِ أَوْ بَعْدَ التَّنَاثُرِ فَكَلَامُ الرافعى موافق للمارودى فِي أَنَّ الرُّمَّانَ لَهُ نَوْرٌ وَلَعَلَّهُ نَوْعَانِ كَالْكَرْمِ وَأَطْلَقَ الْمُتَوَلِّي الْقَوْلَ بِأَنَّ الْعِنَبَ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّخِيلِ قَالَ وَإِنْ كَانَ عَلَى حَبِّهِ قشر لطيف يتفتق عنها وَيَخْرُجُ مِنْهَا نَوْرٌ لَطِيفٌ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ النَّخِيلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَقَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْبَائِعِ وَهَذَا مُلَاحَظَةٌ مِنْهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي لَحَظَهُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا مَضَى وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ مَالَ إلَى مُوَافَقَتِهِ فِيهِ أَيْضًا وَقَالَ إنَّ ثَمَرَةَ هَذِهِ الْأَشْجَارِ تَكُونُ تَحْتَ غِطَاءٍ وَيُفَارِقُهَا وَيَخْرُجُ مِنْ تَحْتِهَا النَّوْرُ وَالثَّمَرَةُ وَالنَّوْرُ عَلَى رَأْسِ الثَّمَرَةِ لَكِنَّهُ قَسَمَهُ قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَكُونُ لَهُ نَوْرٌ بِغَيْرِ كِمَامٍ كَالتُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى وَالسَّفَرْجَلِ وَهُوَ الَّذِي حَكَى كَلَامَ أَبِي حَامِدٍ فِيهِ وَمَالَ إلى موافقته وقسم على ثمرها نور بغير وتكون الثمرة بين كمام كالنجوز وَاللَّوْزِ وَالْمِشْمِشِ وَالْإِجَّاصِ قَالَ فَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْكِمَامِ وَيَتَنَاثَرَ نَوْرُهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّلْعِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَرِيبٌ مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْإِمَامِ.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ المحكي عن البويطى عن اللَّوْزِ مَعَ التُّفَّاحِ وَالْفِرْسِكِ فَاعْتَرَضَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ اللَّوْزَ كَالْجَوْزِ قَالَ وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُمْ فِيهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ (فَإِنْ قُلْتُ) هَلْ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ جَوَابٌ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ يَقُولُ اللَّوْزُ نَوْعَانِ مِنْهُ مَا يَنْشَقُّ عَنْهُ قِشْرُهُ الْأَعْلَى عَلَى الشَّجَرِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأُمِّ ومنه مالا يَنْشَقُّ قِشْرُهُ عَلَى الشَّجَرِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَشَاهِدُ ذَلِكَ أَنَّا نَجِدُ الْفُولَ وَغَيْرَهُ كَالْفَرْكِ لَا يُمْكِنُ إزَالَةُ قِشْرِهِ عَنْهُ دُونَ الْأَسْفَلِ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ الْفَرْكِ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ أَصْلًا عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ وَظَهَرَ مَا فِي ثَمَرَةِ الْعَامِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَفِيمَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَجْهَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي التَّأْبِيرِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ يُشِيرُ إلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ عَنْ ابن أبى هريرة وغيره وأنه لافرق في ذلك بين النخل وغيره
* قال المصنف رحمه الله.
(وان باع أرضا وفيها نبات غير الشجر فان كان مما له أصل يحمل مرة بعد أخرى كالرطبة والبنفسج النرجس والنعنع والهندبا والبطيخ والقثاء دخل الاصل في البيع وما ظهر منه للبائع وما لم يظهر
فهو للمشترى كالاشجار وان كان مما لا يحمل إلا مرة كالحنطة والشعير لم يدخل في بيع الاصل لانه نماء ظاهر لايراد للبقاء فلم يدخل في بيع الاصل كالطلع المؤبر) .
(الشَّرْحُ) الرَّطْبَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْبُرْدِيِّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْغَنَائِمِ بِضَمِّ الرَّاءِ وهو غلط وهو القضب وهو القتب.
(أما) الاحكام فقال أصحابنا الزرع النبات اسْمٌ لِكُلِّ مَا يَنْبُتُ مِنْ الْأَرْضِ وَيَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ أَصْلٌ وَغَيْرُ أَصْلٍ فَالْأَصْلُ ضَرْبَانِ شَجَرٌ وَغَيْرُ شَجَرٍ فَغَيْرُ الْأَصْلِ هُوَ الزَّرْعُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى النَّبَاتُ ضَرْبَانِ شَجَرٌ وَغَيْرُ شَجَرٍ فَالشَّجَرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ أَوْ الْوَرَقُ أَوْ الثَّمَرُ وَقَدْ مَضَى حُكْمُهَا وَأَقْسَامُهَا وَالنَّخْلُ وَالْكُرْسُفُ دَاخِلَانِ فِي التَّقْسِيمِ وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ أَفْرَدَهُمَا بِالذِّكْرِ أَوَّلًا وَغَيْرُ الشَّجَرِ ضَرْبَانِ أَصْلٌ وَغَيْرُ أَصْلٍ وَلِهَذَيْنِ الضَّرْبَيْنِ عَقَدَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْفَصْلَ فَالضَّرْبُ (الْأَوَّلُ) الْأَصْلُ وَهُوَ مَا يَحْمِلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى
(وَالثَّانِي)
هُوَ الزَّرْعُ هَكَذَا قَسَّمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ الزَّرْعِ مَخْصُوصٌ بِمَا لَا يَحْمِلُ إلَّا مَرَّةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ إيرَادُ جَمَاعَةٍ وَجَعَلَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله الزرع ضربين فجعل ماله ثَمَرَةٌ يَحْمِلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ضَرْبًا مِنْ الزَّرْعِ كَالْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ وَجَعَلَ الرَّطْبَةَ وَالنُّعْنُعَ وَالْهُنْدَبَا خَارِجًا عَنْ الزَّرْعِ دَاخِلًا تَحْتَ اسْمِ الْأُصُولِ حَيْثُ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَأُصُولُ الْبُقُولِ كَالْأَشْجَارِ وَجَعَلَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ اسْمَ الزَّرْعِ صَادِقًا عَلَى الثَّلَاثَةِ الاضرب ما يثمر مرارا كالنرجس وما تيجذ مرارا كالنعنع وما لايجذ مِرَارًا وَلَيْسَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ كَالْحِنْطَةِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الزَّرْعَ عَلَى الضَّرْبَيْنِ الْأَوَّلِينَ فَهُوَ أَقْرَبُ مِمَّا سَلَكَهُ الرَّافِعِيُّ فِي إطْلَاقِهِ الزَّرْعَ عَلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَإِنَّهُ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ صَادِقٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَبِحَسَبِ الْعُرْفِ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَصْدُقُ عِنْدَ الاطلاق الاعلى الْأَخِيرِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ أَوْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ (وَأَمَّا) الْمَعْنَى وَالْأَحْكَامُ فَالْأَضْرُبُ الثَّلَاثَةُ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَالْمُصَنَّف لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الزَّرْعِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ النَّبَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ لَكِنَّهُ جَعَلَهَا فِي الْحُكْمِ قِسْمَيْنِ وَجَعَلَ الرَّطْبَةَ وَالْبَنَفْسَجَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّ حُكْمَهَا مُتَّحِدٌ فَأَمَّا فِي دُخُولِ الْأَصْلِ فَصَحِيحٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَأَمَّا فِي كَوْنِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ لِلْبَائِعِ وما يَظْهَرْ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ فَالْبَنَفْسَجُ مَا ظَهَرَ مِنْ ثَمَرَتِهِ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ ثَمَرَتِهِ
لِلْمُشْتَرِي وَأَمَّا أَصْلُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّجَرِ وَالرَّطْبَةُ لَيْسَ لَهَا ثَمَرَةٌ فَمَا ظَهَرَ مِنْهَا نَفْسِهَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُشْتَرِي وَلَمْ يُبَيِّنْ فَلِذَلِكَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَسَّمَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَى قِسْمَيْنِ فَيَكُونُ مَجْمُوعُ الْأَقْسَامِ ثَلَاثَةً كَمَا ذَكَرَهَا الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ لَمْ نُطْلِقْ اسْمَ الزَّرْعِ عَلَى جَمِيعِهَا (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) الْأَصْلُ الَّذِي لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ كَالْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَعَدَّ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ
مِنْ ذَلِكَ الْمَوْزَ وَالْكُرْسُفَ الْحِجَازِيَّ فَأَمَّا الْكُرْسُفُ الْحِجَازِيُّ فَقَدْ أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ بِالذِّكْرِ فِيمَا مَضَى وَأَمَّا الْمَوْزُ فَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّجَرِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَإِنَّهُ شَجَرٌ لُغَةً وَعُرْفًا وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي النَّبَاتِ الَّذِي لَا يُسَمَّى شَجَرًا فَلَا يَحْسُنُ عَدُّ الْمَوْزِ فِيهِ.
إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَحُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّ ثَمَرَتَهُ الظَّاهِرَةَ حَالَ الْبَيْعِ تَبْقَى لِلْبَائِعِ وَالْأَمْثِلَةُ الْمَذْكُورَةُ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهَا مَا لَا تَخْرُجُ ثَمَرَتُهُ إلَّا ظَاهِرَةً كَالْبَنَفْسَجِ فَإِنَّ وَرْدَهُ أَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِالْيَاسَمِينِ لَيْسَ فِي كِمَامٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ مِنْ وَرْدِهِ شئ فَوَرْدُ تِلْكَ السَّنَةِ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ وَالْبَاذِنْجَانُ إذْ لافرق بَيْنَهُمَا وَأَمَّا النِّرْجِسُ فَإِنَّهُ كَالْوَرْدِ الْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ يَخْرُجُ عَنْهُ أَوْرَاقٌ خُضْرٌ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ شئ ثم ينفتح فان كان قد تفتح منه شئ فان ثمرة هذا العالم لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَأَمَّا أُصُولُهُ فَفِيهَا الطُّرُقُ السَّابِقَةُ فِي الْأَشْجَارِ حَرْفًا بِحَرْفٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَمَا بَطَنَ فَحِينَئِذٍ حُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ فِي تَبَعِيَّةِ الْأُصُولِ لِلْأَرْضِ وَفِي حُكْمِ الثِّمَارِ حُكْمُ سَائِرِ الْأَشْجَارِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا فِي النِّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ أَنَّهُمَا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَنَفْسَجِ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ ضَعَّفَ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ فِي النِّرْجِسِ وَقَالَ هَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ النِّرْجِسَ فَإِنَّ النِّرْجِسَ لَهُ أَصْلٌ يَبْقَى عِشْرِينَ سَنَةً وَإِنَّمَا يُحَوَّل مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ فِي كُلِّ سَبْعِ سِنِينَ لِمَصْلَحَتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ أَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ صَحِيحٌ وَلَيْسَ كَبَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ زَرْعًا يُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) وَهُوَ بَعْضُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْأَصْلُ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ وَلَكِنَّهُ يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أخرى كالسداب وَالْكُرَّاثِ وَالنُّعْنُعِ وَالْهُنْدَبَا وَالطَّرْخُونِ وَالْكَرَفْسِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وأشحار الْخِلَافِ الَّتِي تُقْطَعُ مِنْ الْأَرْضِ كُلَّ مَرَّةٍ وَالرَّطْبِ وَهِيَ الْقَضْبُ
وَيُسَمِّيهَا أَهْلُ الشَّامِ الْغُصَّةُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَتِّ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ الْقُرْطُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الْقَتُّ الَّذِي تُسَمِّيهِ أَهْلُ العودى (1) وقد عطف المصنف القضب على الفت فَيَقْتَضِي أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ يَدُلُّ عَلَى أن الغصب والقت والقرط والرطبة شئ وَاحِدٌ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَكِنَّهُ بِلُغَةِ الْعِرَاقِ الرَّطْبَةُ وَبِلُغَةِ أَهْلِ بِلَادِنَا الْقُرْطُ وَبِلُغَةِ الشَّامِ الْغُصَّةُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْقَتَّ والرطبة شئ واحد وان القرط الذي ببلادنا شئ آخَرُ وَالرَّطْبَةُ تُوجَدُ أَيْضًا فِي صَعِيدِ بِلَادِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَفِي هَذَا الْقِسْمِ إذَا بَاعَ الارض وفيها شئ مِنْ ذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى الْأَرْضِ فَالْجُذَّةُ الظَّاهِرَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لانها ظاهرة في الحال
(1) كذا بالاصل
لاتراد لِلْبَقَاءِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ كالثمرة المؤبرة وفي دخول أصولها الكامتة فِي الْأَرْضِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْخِلَافُ الَّذِي في الاشجار هكذا ذكره العراقيون والصيد لانى وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ الْقَطْعُ بِالدُّخُولِ هُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّجَرِ أَنَّ هَذِهِ كَامِنَةٌ فِي الْأَرْضِ نَازِلَةٌ مَنْزِلَةَ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الْأَشْجَارِ فَإِنَّهَا بَادِيَةٌ ظَاهِرَةٌ مُفَارِقَةٌ لِلْأَرْضِ فِي صِفَتِهَا هَكَذَا حُكِيَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَالشَّرْحِ وَوَقَعَ فِي الْوَسِيطِ أَنَّ الشَّيْخَ أبا محمد قطع بانه كالدرع يَعْنِي فَلَا يَدْخُلُ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ الشَّيْخِ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّجَرِ إنَّ مُدَّةَ إبْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ قَدْ تُعْلَمُ فَلَا يَكُونُ مراد لِلدَّوَامِ بِخِلَافِ الشَّجَرِ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ أَنَّهُمَا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَيْنِ وَبِطَرِيقَةٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْبِطِّيخِ وَمَا يُوجَدُ مرة بعد أخرى لكن في علم وَاحِدٍ أَنَّهُ كَالزَّرْعِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ قَالَ فَقَدْ يَحْصُلُ لِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (قُلْتُ) يَعْنِي ثَلَاثَ طُرُقٍ الْقَطْعُ بِالدُّخُولِ وَالْقَطْعُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَإِجْرَاءُ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
لَكِنَّ شَرْطَ إثْبَاتِ هَذِهِ الطُّرُقِ أَنْ تَتَحَقَّقَ نِسْبَةُ الطَّرِيقَةِ الَّتِي فِي الْوَسِيطِ إلَى قَائِلٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ وَهْمُ نَاسِخٍ لِمُخَالَفَتِهَا مَا فِي الْبَسِيطِ وَالنِّهَايَةِ وَقَدْ رَأَى الْإِمَامُ أَنَّ الْقِيَاسَ طَرِيقَةُ إجْرَاءِ الْقَوْلَيْنِ وَخَالَفَ مَا نَقَلَهُ عَنْ وَالِدِهِ قال اذلا يَلُوحُ فَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْغِرَاسِ وَالْأَبْنِيَةِ وَقَوْلُ ابن الرفعة بأن مدت بَقَاءِ أُصُولِهَا قَدْ تُعْلَمُ إنْ سَلِمَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَشْجَارِ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ تَارَةً تَطُولُ مُدَّتُهُ
وَتَارَةً تَقْصُرُ نَعَمْ مُقْتَضَى الْوَجْهِ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ أَنَّهُ يُثْبِتُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَا عِنْدِي إلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَنْ جَعَلَهَا كَالزَّرْعِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّ الْأُصُولَ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَالْخَيْرَاتُ كُلُّهَا عَلَى مِلْكِهِ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْحَادِثَةُ وَالْكَلَامُ فِي وُجُوبِ تَبْقِيَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَشْجَارِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْأُصُولَ دَاخِلَةٌ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى نَفْسِهِ قَطْعَ مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي والقاضي حسين أن البائع يطالب في جذها الْحَالِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَبْلُغَ أو ان الْجُذَاذِ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُؤَدِّي إلَى الِاخْتِلَاطِ وَسَكَتُوا عَنْ وُجُوبِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِي الْعَقْدِ بَلْ زَادَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَحَكَى وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْتَظِرُ بِهِ تَنَاهِيَ جُذَاذِهِ
(أَحَدُهُمَا)
يُنْظَرُ فَإِذَا بَلَغَ الْحَدَّ الَّذِي جَرَتْ
الْعَادَةُ بِجُذَاذِهِ عَلَيْهِ فَقَدْ انْتَهَى مِلْكُ الْبَائِعِ مَا بَعْدَ تِلْكَ الْجَذَّةِ بِكَمَالِهَا لِلْمُشْتَرِي قَالَ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا أَطْلَعَ مِنْ ثِمَارِ النَّخْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِمَا أَطْلَعَ مِنْهَا وَأُبِّرَ وَالْوَجْهُ (الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ بِهِ كَمَالَ جُذَاذِهِ بَلْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي غَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو إسحاق المروزى ويؤمر بِجُذَاذِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَكْمَلْ وَيَكُونُ الْأَصْلُ الْبَاقِي وَمَا يُسْتَخْلَفُ طُلُوعُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ تَابِعًا لِلْأَصْلِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا أَطْلَعَ مِنْ ثِمَارِ النَّخْلِ مِنْ بَعْدِ الْعَقْدِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِمَا أَطْلَعَ مِنْهَا وأبرو هذا الْبِنَاءُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي أَنْ يكون الصحيح على طريقة أبي حامد الاسفرايني وَالرَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَلْعَ لَا يَجِبُ عَقِيبَ الْعَقْدِ حَتَّى تَتَكَامَلَ تِلْكَ الْجَذَّةُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أن ما طلع بَعْدَ الْبَيْعِ تَابِعٌ لِمَا أُبِّرَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَلْزَمُ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ أَنْ يَقُولَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا أَنْ يَسْلَمَ الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ بِأَنَّ لِلطَّلْعِ حَدًّا وَهُوَ نِهَايَةُ ذَلِكَ الْحَمْلِ الَّذِي أَطْلَعَ بَعْضُهُ وَأُبِّرَ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالتَّلَاحُقِ فِيهِ بِخِلَافِ الرَّطْبَةِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا كَالْحَمْلِ الْوَاحِدِ وَقَدْ نَصَّ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ لَكِنْ فِي التَّبَعِيَّةِ فَقَالَ إنَّ لِلطَّلْعِ حَدًّا يَنْتَهِي إلَيْهِ وَلَيْسَ لِلرَّطْبَةِ حَدٌّ هَذَا فَرْقُ الْأَصْحَابِ وَفَرَّقَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بِفَرْقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمُشْتَرِي في قطع الثمرة والبائع مَنْفَعَةٌ فِي قَطْعِهَا وَالرَّطْبَةُ فِي قَطْعِهَا فَائِدَةٌ
وللمشترى وَفِي تَرْكِهَا فَائِدَةٌ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ انْتَهَى وَمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ لَمْ يُلَاحِظُوا فِيهِ الْوَجْهَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّهُ يُنْتَظَرُ بِهِ تَنَاهِي جُذَاذِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ أَصْلًا هُوَ بِتَعْلِيلِهِ مُصَادِمٌ لِقَوْلِ أَبِي حَامِدٍ إنَّهُ لَيْسَ للرطبة جد تُوجَدُ عَلَيْهِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الا ماكان ظَاهِرًا فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَأَمَّا كَوْنُهُ يُشْتَرَطُ شَرْطُهُ فِي الْعَقْدِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَطْعُ وَاجِبًا بمقتضى العقد فلا حاجة إلى شرطه فأنا انما يشترط الفطع فِي الثِّمَارِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ فِيهَا الْإِبْقَاءُ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الرُّويَانِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ مُطْلَقًا وَهُنَاكَ بَيْتٌ ظاهر فهو للبائع بالاطلاق الْعَقْدِ وَعَلَى الْبَائِعِ نَقْلُهُ فِي الْحَالِ وَهَكَذَا عِبَارَةُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لابد من شرط القطع كما أنه لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا تَتَلَاحَقُ وَتَخْتَلِطُ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ اخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ وَبَيْنَ اخْتِلَاطِ ثَمَرَةِ الْمَبِيعِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحُكْمَ مُطَّرِدٌ فِيمَا إذَا بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ وَاخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا عَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الثَّمَرَةَ هِيَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ كُلُّ الْمَقْصُودِ وَأَمَّا أَصْلُ الرَّطْبَةِ الْمَوْجُودُ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ هُوَ كُلَّ الْمَقْصُودِ من
الْأَرْضِ وَلَا مُعْظَمَهُ وَسَأَجْمَعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ جُمْلَةً فِي آخِرِ الْبَابِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا بَاعَ ثَمَرَةً يَعْلَمُ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا وَقَدْ انْتَظَمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَجِبُ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي العقد وهو ماقاله الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَلَا يُكَلَّفُ بِهِ إلَّا أَنْ تَتَكَامَلَ الْجَذَّةُ فَتَكُونُ كُلُّهَا لِلْبَائِعِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْبَائِعَ يُكَلَّفُ الْقَطْعَ حَالَ الْعَقْدِ وَلَا نَقُولُ إنَّ شَرْطَ ذَلِكَ وَاجِبٌ في العقد وهو متقضى كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ فَإِنْ لَمْ يَجُذَّ الْبَائِعُ حَتَّى زَادَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَاخْتَلَطَتْ فَيُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الِاخْتِلَاطِ قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
بَنَى الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا مَا إذَا كَانَ الزَّرْعُ بَذْرًا لَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ قَالَ فَمَنْ انْتَظَرَ بِهَا تَنَاهِي الْجُذَاذِ جَعَلَ مَا يَنْبُتُ مِنْ هَذَا الْبَذْرِ أَوَّلَ جَذَّةٍ لِلْبَائِعِ وَمَنْ لَمْ يَنْتَظِرْ بِهِ التَّنَاهِي وَجَعَلَ حَقَّ الْبَائِعِ مَقْصُورًا عَلَى مَا ظَهَرَ جَعَلَ الْبَذْرَ وَجَمِيعَ مَا يَظْهَرُ مِنْ نَبَاتِهِ لِلْمُشْتَرِي وَلَكَ أَنْ تَقُولَ الْمُوجِبُ لِانْتِظَارِ تَنَاهِي الْجُذَاذِ كَوْنُهُ مَلَكَ الظَّاهِرَ وَتَبَعِيَّةُ الْبَاطِنِ مِنْ تِلْكَ الْجَذَّةِ لِلظَّاهِرِ مِنْهَا وَهَذَا الْمَعْنَى
مَفْقُودٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ مِنْهَا فَيَنْبَنِي الْجَزْمُ بِأَنَّهَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي كَالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ لَكِنَّ هَذَا الْوَجْهَ مَعَ بُعْدِهِ وَغَرَابَتِهِ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشافعي في الام إذ قال وان الْبَائِعُ قَدْ أَعْلَمَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّ لَهُ فِي الارض التي ابتاعها بذرا سماه لايدخل فِي بَيْعِهِ فَاشْتَرَى عَلَى ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ للمشترى وعليه أن يدعه حتى بصرم فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْبُتُ مِنْ الزَّرْعِ تَرَكَهُ حَتَّى تَصَرُّمِهِ ثُمَّ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَصْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ قَلْعُهُ وَلَا قَطْعُهُ وَإِنْ عَجَّلَ الْبَائِعُ فَفَعَلَهُ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ لَمْ يَكُنْ له أن يدعه يستخلف وهود لِمَنْ وَجَدَ ثَمَرَةً غَضَّةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ أُخْرَى حَتَّى يَبْلُغَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ إلَّا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فَيُعَجِّلُهَا وَلَا يَتَحَوَّلُ حَقُّهُ فِي غَيْرِهَا بِحَالٍ وَلِذَلِكَ إطْلَاقُ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَالْجَذَّةُ الْأُولَى لِلْبَائِعِ يَشْمَلُ بِعُمُومِهِ مَا إذَا كَانَ منها شئ ظَاهِرٌ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَظَنُّ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِذَلِكَ مِنْ الْأَصْحَابِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ كَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ على الخلاف الذى حكاه الماوردى فإذا نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَإِطْلَاقُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ مُوَافِقٌ لِلْوَجْهِ الذي حكاه المارودى وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَحْمِلَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ وَاسْتَثْنَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ الْأُصُولُ وَكُلُّ جَذَّةٍ تَحْصُلُ لَهُ وَقَدْ صرح الشافعي بعدم ذلك وانه ليس إلَّا الْجَذَّةُ الْأُولَى فَإِنْ تَعَسَّفَ مُتَعَسِّفٌ وَحَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَنَّ الْجَذَّةَ الْأُولَى لَهُ فَفِيهِ نَظَرٌ
يحتمل أن يقال بالصحة كلو اسْتَثْنَى الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْفَسَادِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَيَّزُ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الشَّجَرِ مَعَ الثَّمَرِ فانها مُتَمَيِّزَانِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْبَذْرَ وَجَمِيعَ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْمُشْتَرَى وَمِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا نتكرر ثَمَرَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا الْبُقُولُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ جَذِّهَا فَلَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ منها شئ ظَاهِرٌ يُقَالُ إنَّهُ لِلْبَائِعِ وَمَا فِي بَطْنِهَا مِنْ الْعُرُوقِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ وَذَلِكَ بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَالطُّرُقُ الْجَارِيَةُ فِيهِ وفي أصول البقول إذا كان منها شئ ظَاهِرٌ جَارِيَةٌ هُنَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَأَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْبَذْرِ وَتَكَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا آنِفًا فَالْقِيَاسُ إجْرَاؤُهُمَا هُنَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ ثم شئ ظَاهِرٌ يَسْتَتْبِعُ مَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ.
(فَرْعٌ)
إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ أَشْجَارُ خِلَافٍ يُقْطَعُ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ كُلَّ مُدَّةٍ قَالَ صَاحِبُ
التَّهْذِيبِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ حُكْمُهَا حُكْمُ الْقَصَبِ وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْقِسْمِ الثَّانِي الَّذِي فَرَغْنَا مِنْهُ (أَمَّا) إذَا كَانَ فِيهَا جُذُوعُ خِلَافٍ عَلَيْهَا قَوَائِمُ فهى منزلة أَغْصَانِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَطْعِ فِيمَا كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ الْبُقُولِ (أَمَّا) عَلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ رضي الله عنه مِنْ وُجُوبِ شَرْطِ الْقَطْعِ (أَمَّا) عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ ثُمَّ الرافعي عنه أنه لافرق بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا ظَهَرَ قَدْ بَلَغَ أو ان الْجَذِّ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَأَطْلَقَا ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيعٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا الْوَجْهَ الثاني الذي ذكره الماوردي واستثنا مِنْ ذَلِكَ الْقَصَبَ فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ قَطْعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا ظَهَرَ قَدْرًا يُنْتَفَعُ بِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْلُهُ وَتَحْوِيلُهُ إلَى وَقْتِ قَطْعِهِ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ زَمَانُ الشِّتَاءِ فَإِنَّهُ إنْ قُطِعَ قَبْلَ ذَلِكَ الوقت تلف ولا يصلح لشئ وَكَذَلِكَ الرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ قَالَا إنَّ الْبَائِعَ يُمَكَّنُ حَتَّى يَقْطَعَهُ إذَا جَاءَ وَقْتُهُ لِأَنَّ لَهُ وَقْتًا يُقْطَعُ فِيهِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إشْكَالًا عَلَى الرَّافِعِيِّ إنَّهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ يَجِبُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عاما فيما ينتفع به ومالا يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ عَامًّا فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهُ فِيمَا ينتفع به فلا وجه لاستثناء الغصب وحده بل كل مالا يُنْتَفَعُ بِهِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَعِيدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إنَّمَا يَجُوزُ بيعها بشرط
الْقَطْعِ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) ذَاكَ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ شَرْطٌ فِي المبيع وَالْمَقْطُوعُ هُنَا غَيْرُ مَبِيعٍ (قُلْتُ) لَكِنَّهُ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ فَيَمْتَنِعُ شَرْطُهُ لِذَلِكَ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا يَجِبُ قَطْعُهُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى أَصْلِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهُ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ قَطْعِهِ وَفَوَاتُ مَالِيَّتِهِ مُقَابِلٌ لِمَا يَحْصُلُ لِلْبَائِعِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي اغْتِفَارِ ذَلِكَ بِإِزَائِهِ وَهَذَا الْإِشْكَالُ (الثَّانِي) بِعَيْنِهِ لَازِمٌ لِصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَالشَّيْخِ أبي حامد لكن الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَصْرِيحٌ بِقَصْرِ ذَلِكَ عَلَى الْقَصَبِ فَلَعَلَّهُ يَقُولُ بِهِ في كل مالا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا قُطِعَ بِخِلَافِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّرْعِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَبِي حامد المتقدم جواب عن ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ لِلْقَصَبِ وَقْتًا يُقْطَعُ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَشْبِيهَهُ بِالزَّرْعِ الَّذِي يَجِبُ إبْقَاؤُهُ لِمَا قَدَّمَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْفَرْقِ مِنْ الْمَعْنَى
أَنَّ لَهُ وَقْتَ نِهَايَةٍ وَالرَّطْبَةُ لَيْسَ لَهَا وَقْتُ نِهَايَةٍ لَكِنَّ ذَلِكَ بَعِيدٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّطْبَةِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ لَهُ وَقْتٌ يُؤْخَذُ فِيهِ فِي الْعَادَةِ وَيَزِيدُ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الزُّرُوعِ الَّتِي بَعْدَ وَقْتِ أَخْذِهَا لَا تَزِيدُ شَيْئًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
مِنْ الْبُقُولِ مَا يَبْقَى أَصْلُهُ سِنِينَ وَهُوَ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْأَحْكَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَمِنْهُ مَا يَبْقَى سنة واحدة يجئ مُدَّةً بَعْدَ مُدَّةٍ فِي السَّنَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حُكْمُ هَذَا عِنْدِي حُكْمُ الزَّرْعِ كُلُّهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ فَهَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يُثْمِرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لَكِنْ فِي عَامٍّ وَاحِدٍ كَالْبِطِّيخِ وَالْخِيَارِ وَالْقِثَّاءِ ذَكَرَ فِيهَا وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الشَّجَرِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ مِنْ ثَمَرَتِهِ مَا قَدْ ظَهَرَ وَلِلْمُشْتَرِي الْأَصْلُ وَمَا يَظْهَرُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الزَّرْعِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ أَصْلُهُ وَثَمَرُهُ لِأَنَّهُ زَرْعُ عَامٍ وَاحِدٍ وَإِنْ تَفَرَّقَ لِقَاطُ ثَمَرِهِ وَالشَّجَرُ مَا بَقِيَ أَعْوَامًا وَأُلْحِقَ بِهِ مَا بَقِيَ أَعْوَامًا كَالْعَلَفِ وَلَمْ يُلْحَقْ بِهِ مَا بَقِيَ عَامًا وَاحِدًا وَالرُّويَانِيُّ جَزَمَ الْقَوْلَ فِيمَا يُجَذُّ دَفْعَةً بَعْدَ أُخْرَى بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا يَبْقَى مُدَّةً يَسِيرَةً كَالْهِنْدَبَا وَالْجِرْجِيرِ وَمَا يَبْقَى سِنِينَ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَحَكَى مَعَ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
ظَهَرَ لَكَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَقْسَامَ فِيمَا لَا يُؤْخَذُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ) أَصْلٌ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ وأصله يبقى سنين في الارض (الثاني) أَصْلٌ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ يَبْقَى عَامًا وَاحِدًا (الثَّالِثُ) أَصْلٌ
لَهُ ثَمَرَةٌ لَكِنَّهُ يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَيَبْقَى أَصْلُهُ سِنِينَ فِي الْأَرْضِ (الرَّابِعُ) أَصْلٌ يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْخِلَافِ يَأْتِي فِيهِ إذْ لافرق بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَبِذَلِكَ تُعْرَفُ مَرَاتِبُ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَالْبَنَفْسَجُ وَالنَّرْجِسُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَالنُّعْنُعُ وَالْهُنْدَبَا وَالرَّطْبَةُ مِنْهُ مَا يَبْقَى سِنِينَ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَمِنْهُ مَا يَبْقَى سَنَةً وَاحِدَةً كَقُرْطِ بِلَادِنَا وَكَثِيرٍ مِنْ بُقُولِهَا فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ
وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْمَوْزُ أَصْلُهُ لَا يَحْمِلُ إلَّا سَنَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَمُوتُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَكَانَهُ فَرْخًا يَحْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا شَجَرُ مَوْزٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ ثَمَرٌ يَكُونُ الثَّمَرُ لِلْبَائِعِ فَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْكَلَامُ هَهُنَا فِي أن أصل الموزنفسه هَلْ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا يَدْخُلُ الشجر أولا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ عَدَّهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ الْأُصُولَ تُدْرَجُ عَلَى أَصَحِّ الطُّرُقِ كَالشَّجَرِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ اسْمَ الشَّجَرِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ أَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَهُ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْأَصْلَ الْمَوْجُودَ وَقْتَ العقد لايدخل فِي الْبَيْعِ كَالزَّرْعِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ سَنَةٍ وَالْفَرْخُ الَّذِي يُسْتَخْلَفُ كَالشَّجَرِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ (قُلْتُ) وَقَوْلُهُ إنَّ الْفَرْخَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إنْ فُرِضَ فِي فَرْخٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا مَعْنَى لِتَشْبِيهِهِ بِالشَّجَرِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ دَخَلَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ بَلْ ذَلِكَ كَسَائِرِ مَا يَحْدُثُ يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا بِحُكْمِ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ فُرِضَ فِي فَرْخٍ يَكُونُ حَاصِلًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ يقال ينبغي على قوله أن لايدخل لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ كَالزَّرْعِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بَعْدَ ذِكْرِ بَيْعِ الْأَرْضِ وَفِيهَا الْقَصَبُ إذَا بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا مَوْزٌ قَدْ خَرَجَ فَلَهُ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَوْزِ قَبْلَ بَيْعِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَا خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ الشَّجَرِ الَّذِي تَحْتَ الْمَوْزِ وَذَلِكَ أَنَّ شَجَرَ الْمَوْزِ عِنْدَنَا يَحْمِلُ مَرَّةً وَيَنْبُتُ إلَى جَنْبِهَا أَرْبَعٌ فَيُقْطَعُ وَيَخْرُجُ فِي الَّذِي حَوْلَهَا وَهَذَا الْكَلَامُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ ثَمَرَ الْمَوْزِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا صَحِيحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنْ سَأَلْتَ عَنْ حُكْمِ الشَّجَرَةِ نَفْسِهَا عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ مُرَادُهُ بِهِ الشَّجَرَةَ نَفْسَهَا وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَمَا نَبَتَ مِنْ فِرَاخِهَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدِي هَذَا الِاحْتِمَالُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ لَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْفَرْخَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي لِقَوْلِهِ إنَّ مَا خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى لَيْسَ لِلْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْفَرْخَ فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ثَمَرَتَهُ فَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الثَّمَرَةِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ لَهُ وهذا لاشك فِيهِ فِي أَنَّ الْفَرْخَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ
أَصْلَ شَجَرِ الْمَوْزِ الَّذِي هُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي الْأَرْضِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا لِأَنَّ الْفَرْخَ الَّذِي حكمنا بكونه للمشترى يثبت مِنْهُ (وَأَمَّا) الْفَرْخُ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُهُمَا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ فَلَهُ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَوْزِ قَبْلَ بَيْعِهِ إنْ كَانَ مُرَادُهُ الثَّمَرَةَ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الشَّجَرَةَ نَفْسَهَا فَيَشْمَلُ الْأُمَّ وَفِرَاخَهَا وكلام الجوزي يَشْهَدُ لِلتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَعْرِضِ نَقْلِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ بَاعَهُ أَرْضًا وَفِيهَا موز للبائع ما خرج من الموز وليس له مايخرج بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا مَا لَا تُخْرِجُ أَوْلَادُهُ الَّتِي إلَى جَنْبِهِ فَقَوْلُهُ وَلَا مَا تُخْرِجُ أَوْلَادُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الثَّمَرَةِ فان الحقنا ذلك بالرطبة اقتضى أن لايدخل شئ بما ظَهَرَ فِي الْبَيْعِ لَا الْأُمُّ وَلَا فِرَاخُهَا كَمَا ذَلِكَ مُقْتَضَى هَذَا الِاحْتِمَالِ وَلِذَلِكَ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهِ جَزْمًا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ وَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِالشَّجَرِ اقْتَضَى دُخُولَهُمَا وَقَدْ يُقَالُ تَلْحَقُ الْأُمُّ بِالرَّطْبَةِ لِقُرْبِ قَطْعِهَا وَأَمَّا الْفَرْخُ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بَقَاؤُهُ حَتَّى تُقْطَعَ الْأُمُّ وَيَكْبُرَ وَتَحْدُثَ ثَمَرَتُهُ بَعْدَ ذلك فكذلك يقول ان الفرخ يدخل لشبه بِالشَّجَرِ فِي كَوْنِهِ مَقْصُودَ الْبَقَاءِ وَالْأُمُّ لَا تَدْخُلُ كَمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ فَنَظَرْتُ في هذه الاحتمالات الثلاث أيها أرجح فوجنت أَرْجَحَهَا عَلَى مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ الْأُمُّ وَالْفِرَاخُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنَّ الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَالِ الْمَوْزِ مِمَّنْ لَهُ فِيهِ مَعْرِفَةٌ يُخَالِفُ حَالَ الرَّطْبَةِ فَإِنَّ شَجَرَةَ الْمَوْزِ يَنْبُتُ إلَى جَانِبِهَا مِنْ أَصْلِهَا فِرَاخٌ فَإِذَا تَكَامَلَ حَمْلُ الشَّجَرَةِ الْأَصْلِيَّةِ قُطِعَ عُرْجُونُ الْمَوْزِ مع شئ مِنْ رَأْسِ الشَّجَرَةِ وَيَبْقَى بَقِيَّتُهَا لِأَجْلِ تَرْبِيَةِ الْفَرْخِ وَإِنَّهُ مَتَى قُطِعَتْ كُلُّهَا يَمُوتُ الْفَرْخُ فَتُبْقَى لِأَجَلِهِ حَتَّى يَتَكَامَلَ الْفَرْخُ وَتَجِفَّ هِيَ وَتَتَسَاقَطَ بِنَفْسِهَا إلَى الْأَرْضِ فَيَخْلُفَهَا ذَلِكَ الْفَرْخُ ويطرح الموز وهكذا على الترتيب لابد من بقاء الام لتربية أولادها ولا يبقون من أولادها الا واحدا وَيُقْطَعُ الْبَاقِي لِئَلَّا يَضُرَّ بِأُمِّهِ وَيَشْرَبَ مَاءَهَا.
فإذا علمت
أَنَّ شَجَرَةَ الْمَوْزِ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهَا مِنْ أَصْلِهَا لِإِفْسَادِ فَرْخِهَا وَأَنَّ فَرْخَهَا لَا يُنْتِجُ بِدُونِهَا ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّطْبَةِ فَإِنَّهُ لَوْ قُلْنَا لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْطَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَوْزِ وَيُبْقِي الْجَذْرَ فِي الْأَرْضِ وحده لم ينبت بعد ذلك منه شئ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بعدم دخولها في البيع لذلك لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي الْأُمِّ وَدُخُولِ الْفَرْخِ لِأَنَّهُ كَأَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ قَطْعُ الام فيتلف الفرخ فلا بدمن
إبْقَائِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْفَرْخِ الَّذِي يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ تَوَسُّعًا فِي الْعِبَارَةِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْفَرْخَ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقِيمُ سَنَةً بَلْ تَارَةً تَكُونُ إقَامَتُهُ شَهْرَيْنِ وَتَارَةً أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَعَلَّ مُرَادَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالسَّنَةِ الْمُدَّةُ الَّتِي تَبْقَى فِيهَا كَمَا يُقَالُ سنة الزرع وان كان لايراد حود كَامِلٌ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمَوْزَ نَوْعٌ غَرِيبٌ لَمْ يَشْمَلْهُ التَّقْسِيمُ لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا ثَابِتًا ولا يحمل الامرة ويستمر جذره في الارض سنين ولايجذ كَالرَّطْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ جَزَرٌ أَوْ سِلْقٌ أَوْ ثُومٌ أَوْ فجل أو بصل قال صاحب التهذيب لايدخل شئ مِنْهَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ يَعْنِي وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ التَّقْسِيمِ الَّذِي سَيَأْتِي وَهُوَ الزَّرْعُ الذي لا يحمل الامرة وَكَذَلِكَ الرَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْبَصَلَ وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا جَزَرٌ أَوْ فُجْلٌ بِجَزَرِهَا وَفُجْلِهَا نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْإِفْصَاحِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
لَا يَجُوزُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ تَبَعًا.
(فَرْعٌ)
هَذِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ كُلُّهَا فِيمَا إذَا أَطْلَقَ الْبَيْعَ أَمَّا لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ وَشَرَطَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَحْصُدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْبُقُولِ فَلِلْمُشْتَرِي الْفُرُوعُ وَالْعُرُوقُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ حَيْثُ يَقُولُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لايدخل مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَبَيْنَ الشَّجَرِ بِأَنَّ هَذِهِ لاتراد لِلدَّوَامِ وَهِيَ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ فَصَارَتْ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَالشَّجَرَةُ تُرَادُ لِلدَّوَامِ فَاسْتَوَى فَرْعُهَا وَأَصْلُهَا وَصَارَ الْجَمِيعُ لِلْمُشْتَرِي (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ التَّقْسِيمِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا ما لا يحمل الامرة كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْبَاقِلَا وَالْكَتَّانَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْأَرْضِ إلَّا بِالشَّرْطِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالطَّلْعُ الْمُؤَبَّرُ الَّذِي جَعَلَهُ مَقِيسًا عَلَيْهِ ثَبَتَ حُكْمُهُ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ)(1) وَقَوْلُهُ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ احْتِرَازٌ مِنْ الطلع الذي لم يؤبر (وقوله) لايراد لِلْبَقَاءِ احْتِرَازٌ مِنْ الْغِرَاسِ إذَا قُلْنَا يَدْخُلُ في بيع الارض على ظاهر المذهب
(1) بياض بالاصل
وَالرَّافِعِيُّ رحمه الله اقْتَصَرَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) الثَّمَرَةُ قبل التأبير مستبقاة لكامل المنفعة لم تجنى وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ فَهَلَّا كَانَ الزَّرْعُ مِثْلَهَا (قِيلَ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّمَرَةَ حَادِثَةٌ مِنْ خِلْقَةِ
الْأَصْلِ الْمَبِيعِ وَالزَّرْعُ مُسْتَوْدَعٌ فِي الْأَرْضِ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَرْضَ يَدْخُلُ فِيهَا الْمَعْدِنُ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا الرِّكَازُ لِأَنَّهُ مُسْتَوْدَعٌ فِيهَا
* وَاعْلَمْ أَنَّ التَّرْجَمَةَ عَنْ هَذَا الْقِسْمِ تَشْمَلُ الموز لانه نبات لا يحمل الامرة وَاحِدَةً لَكِنْ لَا قَائِلَ بِأَنَّ جَذْرَهُ الثَّابِتَ في الارض لايدخل بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ بِهَذَا الْقِسْمِ مالا يحمل الامرة ولس لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ الْمَوْزُ فَإِنَّ لَهُ أَصْلًا ثَابِتًا مِنْهُ تَنْبُتُ الْفِرَاخُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي القسيم الْحَاضِرِ النَّبَاتُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ ثابت في الارض أولا فَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ يَحْمِلُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْمَوْزِ أَوْ مَرَّاتٍ فَأَمَّا فِي عَامٍ وَاحِدٍ كَالْبِطِّيخِ أَوْ فِي أَكْثَرَ كَالرَّطْبَةِ وَسَائِرِ مَا يجذ ويثمر مرات والذي لابقاء لاصله هو الزرع كالحنطة وَالشَّعِيرُ وَشِبْهُهُمَا أَوْ نَقُولُ النَّابِتُ إمَّا أَنْ يُثْمِرَ وَيُجَذَّ مَرَّاتٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَالْأَوَّلُ إمَّا فِي عَامٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَعْوَامٍ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَبْقَى أَصْلُهُ كَالْمَوْزِ أَوْ لا يبقى كالحنطة والشعير..قال المصنف رحمه الله.
(وفي بيع الارض طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ لانها في يد البائع إلى إلى ان يحصد الزرع فكان في بيعها قولان كالارض المستأجرة ومنهم من قال يصح بيع الارض قولا واحدا لان المبيع في يد المشترى وانما يدخل البئع للسقي أو الحصاد فجاز بيعه قولا واحدا كالامة المزوجة) .
(الشَّرْحُ) الطَّرِيقَانِ مَشْهُورَانِ وَالْأُولَى مَنْسُوبَةٌ إلَى أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الَّتِي صَحَّحَهَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَاسُوهَا عَلَى بَيْعِ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِأَمْتِعَةِ الْبَائِعِ وَعَلَى بَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجَرِ حَائِلَةٌ بِكُلِّ حَالٍ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَجَّرَ أَمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا بَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ بَاعَهَا صَحَّ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ الْأَصْحَابَ فَرَّقُوا بِفَرْقَيْنِ آخَرَيْنِ لَا يتصحان لَمْ نَذْكُرْهُمَا وَرَدَّ الْجُمْهُورُ طَرِيقَةَ التَّخْرِيجِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَعْنَى تِلْكَ الصُّورَةِ لَوَجَبَ الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ لِأَنَّ مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ مَجْهُولَةٌ أَلَا تَرَى أَنْ بَيْعَ الدَّارِ الَّتِي اسْتَحَقَّتْ الْمُعْتَدَّةُ سُكْنَاهَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مَعْلُومَةً كَالْأَشْهُرِ فِيهَا قَوْلَانِ وَإِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً كَالْحَمْلِ وَالْإِقْرَاءِ بَطَلَ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ سُؤَالًا قَدْ يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى هَذَا وهو أن لابي إسحق
أَنْ يَقُولَ مُدَّةُ الزَّرْعِ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ يَقِينًا فَالْعُرْفُ الْغَالِبُ يَضْبِطُهَا فَإِنْ فُرِضَ مُخَالِفٌ فَنَادِرٌ وَزَمَنُهُ يَسِيرٌ مُغْتَفَرٌ وَالْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لَيْسَ لِمَا ذُكِرَ بَلْ لِأَنَّهَا قَدْ تَمُوتُ فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ عَائِدَةً لِلْمُشْتَرِي وَلِهَذَا نَقُولُ عَلَى طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ وَهَذَا السُّؤَالُ مُنْدَفِعٌ بِمَنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ فِي الْأَقْرَاءِ وَالْحَمْلِ فانه لا يصح بيع الدار التي اسحتقت سُكْنَاهَا لِلْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَضْبِطُهَا فَلَمَّا لَمْ يُغْتَفَرْ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَا يُغْتَفَرُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ الزَّرْعِ (وَقَوْلُهُ) إنَّ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لَيْسَ لِمَا ذُكِرَ إلَى آخِرِهِ لَا يَحْسُنُ فَإِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هو في القطع بالفساد ولايجوز أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ وَإِلَّا لَقَطَعْنَا بِالْفَسَادِ فِي دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فمستند القطع بالفساد في دار المعتدة الاقراء وَالْحَمْلِ وَعَدَمِ إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الجهالة (أما) قَوْلُهُ إنَّ الْمَنَافِعَ تَكُونُ عَائِدَةً لِلْمُشْتَرِي فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي تَوْجِيهِ الطَّرِيقَةِ الْقَاطِعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ الْمُعْتَدِّ فِيهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَتْ كَانَتْ مَنَافِعُهَا لِلزَّوْجِ فَيَكُونُ إذَا بَاعَهَا كَمَنْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَالظَّاهِرُ فِيهِ الْبُطْلَانُ وَاَلَّذِي يَلِيقُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ إذَا صَحَّحْنَا بَيْعَهَا أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ مُطَلِّقًا أَوْ وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا فَإِذَا مَاتَتْ الْمُعْتَدَّةُ بَقِيَتْ مَنَافِعُ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ مِنْ الْأَشْهُرِ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ وَرَثَتِهِ وَلَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لَوْ نَزَّلْنَا اسْتِحْقَاقَ الْمُعْتَدَّةِ مَنْزِلَةَ اسْتِحْقَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ فحينئذ يجئ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إذَا عَرَضَ مَا يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ هَلْ تَكُونُ مَنْفَعَةُ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ فِيهِ وَجْهَانِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَإِنْ قُلْتَ) إلْحَاقُ بَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ بِالدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِإِمْكَانِ الِاشْتِغَالِ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَوُجُوبُ ذَلِكَ فَالْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ مُدَّةِ بَقَاءِ الزَّرْعِ وَإِلْحَاقُهَا بِالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَّجَهٍ لان الامة المزوجة يمكن تسليما الْآنَ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ فَإِنَّ التَّخْلِيَةَ التَّامَّةَ مَعَ وُجُوبِ إبْقَاءِ الزَّرْعِ غير حاصلة فوجب اما القطع بالبطلان الحاقا بِدَارِ الْمُعْتَدَّةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِمَّا إجْرَاءُ الْخِلَافِ إلْحَاقًا بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ (قُلْتُ) شَرْطُ إلْحَاقِ مَسْأَلَةٍ بِأُخْرَى اشْتِرَاكُهُمَا فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِ الْفَارِقِ وَلَا يَكْفِي الِاشْتِرَاكُ فِيمَا لَيْسَ مَنَاطَ الْحُكْمِ فِي الاصل ولاشك أَنَّ بَيْنَ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا مِنْ جِهَةِ عَدَمِ حُصُولِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُشْتَرِي عَقِيبَ العقد ولما
اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ دَلَّ على أن ذلك غير مقتضى لِإِبْطَالِ الْبَيْعِ وَأَنْ مَأْخَذَ الْبُطْلَانِ لَيْسَ هُوَ عَدَمَ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُشْتَرِي بَلْ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَيْنِ لِثُبُوتِ يَدِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْمُسْتَأْجِرِ الحائلتين بين المشترى وبينها وأما الارض المرزوعة وَالدَّارُ الْمَشْحُونَةُ وَالْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ فَثَلَاثَتُهَا مُشْتَرِكَةٌ فِي انه لايد حَائِلَةٌ فَالْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ إذًا أُجْرِيَ فِيهِ لِعَدَمِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ وَالْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ لَهَا شَبَهٌ مِنْ كُلٍّ مِنْ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ وَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ تُشْبِهُ الدَّارَ الْمَشْحُونَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَمَدًا يُنْتَظَرُ وَيَفْتَرِقَانِ فِي الِاشْتِغَالِ بِالتَّسْلِيمِ عَقِيبَ الْبَيْعِ فِي الدَّارِ دُونَ الْأَرْضِ وَتُشْبِهُ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ فِي أَنْ كُلًّا مِنْهُمَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ اسْتِيفَاءُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا يَجِبُ إزَالَتُهَا عَقِيبَ الْعَقْدِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ الزَّرْعَ لَهُ غَايَةٌ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ قِيَاسُهَا عَلَيْهَا وَقِيَاسُهَا عَلَى الْأَمَةِ أَرْجَحُ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ فِي مُدَّةِ التَّفْرِيغِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ تَفْرِيغُهَا فَلَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْأَرْضِ المزوعة فان منفعتها غَيْرُ مُسْتَحَقَّتَيْنِ لِلْمُشْتَرِي مُدَّةَ بَقَائِهِمَا وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا حَكَى فِي صِحَّةِ بَيْعِ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ خِلَافًا وَذَكَرُوا الطَّرِيقِينَ فِي الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ قال الامام ولاشك أن القياس يقتضى التسوية بينهما اذلا فَرْقَ وَيُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَخْصِيصِ الْخِلَافِ بِالْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ وَحَكَى الْإِمَامُ فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّ الدَّارَ مَشْحُونَةٌ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَجْهَانِ وَالْمَذْهَبُ ثُبُوتُهُ أَمَّا الْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ جَزْمًا عِنْدَ الْجَهْلِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ تَسْلِيمَهَا يُمْكِنُ أَمْ لَا لِعَدَمِ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْبَائِعُ قَلْعَ الزَّرْعِ وَيَكُونُ غَيْرَ ضَارٍّ بِالْأَرْضِ فَلَا خِيَارَ كَمَا سَيَأْتِي الْوَجْهُ الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ وَأَنَّ الغاصب فِي الْعَادَةِ اشْتِمَالُ الدَّارِ عَلَى أَمْتِعَةٍ ثُمَّ إنَّهَا تُفَرَّغُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(التَّفْرِيعُ) بَائِعُ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَحْكُمُ بِصَيْرُورَتِهَا فِي يَدِهِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ كَالدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ نَعَمْ لِحُصُولِ التَّسْلِيمِ فِي الرَّقَبَةِ وَهِيَ الْمَبِيعَةُ وَأَمَّا الدَّارُ الْمَشْحُونَةُ فَالتَّسْلِيمُ فِيهَا مُتَأَتٍّ فِي الْحَالِ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُوَ إلَى التَّخْلِيَةِ قَبْلَهُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَوْرَدَ فيها وجهان أَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ
وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ وَادَّعَى أَنَّ ظاهر المذهب ثبوت اليد فيهما وَحَكَاهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَيْضًا وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي البسيط وجهان ان اليد ثثبت فِي الدَّارِ وَلَا تَثْبُتُ فِي الْأَرْضِ فَيَجْتَمِعُ مِنْ نَقْلِهِ وَنَقْلِ الْإِمَامِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَحْكِيِّ فِي الْبَسِيطِ أَنَّ التشاغل بالتفريغ ممكن فنزل الممكن الذي لاعسر فِيهِ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ هُوَ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ فَلَا يَصِحُّ إبْطَالُ مَذْهَبِهِ يَعْنِي فِي الْبَيْعِ إلَّا بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ الْقَبْضِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي صِحَّةِ تَسْلِيمِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ يُؤْخَذَانِ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي تعليل الطريقة الاولى أنه فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِي تَعْلِيلِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ يَقُولُ الْفَقِيهُ هَذَانِ التَّعْلِيلَانِ مُتَصَادِمَانِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ إذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ زِيَادَةٌ كَمَا في هذه السورة فَإِنَّ فِي تَعْلِيلِ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ مَا يُنَبِّهُ عَلَى دَفْعِ خَيَالِ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْعَيْنُ وَالْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَدُخُولُ الْبَائِعِ لِأَجْلِ السَّقْيِ وَالْحَصَادِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بالزرع خاصة لايمنع ثُبُوتَ الْيَدِ عَلَى الْعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) من قال بصحة تسليمها مزروعة لاشك أَنَّهُ يَقُولُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ بِتَخْرِيجِهَا عَلَى الْعَيْنِ المستأجرة كما قال أبو إسحق وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْزِمَ بِالصِّحَّةِ وَيُفَرَّقُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ عَلَيْهَا يَدٌ حَائِلَةٌ والارض المزورعة فِي يَدِ بَائِعِهَا لَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الزَّرْعُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَهُوَ مُسْتَحَقُّ الْإِبْقَاءِ فَيُسَاوِي يَدَ الْإِجَارَةِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ انْقَلَعَ الزَّرْعُ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِحَاجَةٍ أَوْ جَذَّهُ الْبَائِعُ قَبْلَ وَقْتِ حَصَادِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِبْقَاءُ الْأَرْضِ مَا بَقِيَ مُدَّةَ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يستحق من الارض ما كان صلاحا لِذَلِكَ الزَّرْعِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا لَوْ جُذَّ قَبْلَ حَصَادِهِ قَوِيَ أَصْلُهُ وَاسْتَخْلَفَ وَفَرَّخَ كَالدُّخْنِ
فَجَذَّهُ قَبْلَ حَصَادِهِ كَانَ لَهُ اسْتِبْقَاءُ الْأَصْلِ الْبَاقِي إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الزَّرْعِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاءُ مَا اسْتَخْلَفَ فرخ بَعْدَ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ الزَّرْعِ وَعَلَى الْبَائِعِ قَلْعُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي كَمَا يَمْلِكُ أَصْلَ الْقَتِّ الَّذِي يُجَذُّ مَرَّةً لِأَنَّ الْقَتَّ أَصْلٌ ثَابِتٌ وَالزَّرْعَ فَرْعٌ زَائِلٌ وَاسْتِخْلَافُ بَعْضِهِ نَادِرٌ
قَالَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ كل زرع لايدخل في البيع لايدخل وان قال بعث الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا يُحْكَى ذَلِكَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْتُهُ لِمَنْصُورٍ التَّمِيمِيِّ فِي الْمُسْتَعْمَلِ أَيْضًا (قُلْتُ) وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِمَزَارِعِهَا دَخَلَتْ الْمَزَارِعُ وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا لَمْ تَدْخُلْ الْمَزَارِعُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) فِي الْأَرْضِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِيهَا.
(فَرْعٌ)
عِنْدَنَا لَا يُؤْمَرُ الْبَائِعُ بقطع الزرع الذي لَهُ إبْقَاؤُهُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فَعِنْدَهُ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْقَطْعَ وَعِنْدَنَا هِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْبَائِعِ فَلِذَلِكَ لَمْ نُوجِبْهُ وَأَوْجَبْنَا الْإِبْقَاءَ وعند وقت الحصاد يؤمر بالقطع والتفريغ ويحبر البائع عليه وعليه تسوية الارض وعليه قلع الْعُرُوقِ الَّتِي يَضُرُّ بَقَاؤُهَا بِالْأَرْضِ كَعُرُوقِ الذُّرَةِ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ المبيعة أمتعة لايستع لَهَا بَابُ الدَّارِ يُنْقَضُ وَعَلَى الْبَائِعِ ضَمَانُهُ هكذا ذَكَرُوهُ وَجَزَمُوا بِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَسَيَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ مَذْكُورٌ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا (وَأَمَّا) ضَمَانُ النُّقْصَانِ فِي بَابِ الدَّارِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي مَوْضِعِ الْحِجَارَةِ إنْ أَمْكَنَ تَقْوِيمُ مَا نقص من قمية مَا انْهَدَمَ لَزِمَ الْبَائِعَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ حَلْقَةِ الْبَابِ وَقَالَ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ بِنَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ.
(فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالزَّرْعِ بِأَنْ كَانَ رَأَى الْأَرْضَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَبِهَا زَرْعٌ وَلَمْ يَرَهَا حِينَ الْعَقْدِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الزَّرْعَ عَيْبٌ يَمْنَعُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَرَّ فَلِلْبَائِعِ تَرْكُ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إلَى وَقْتِ حَصَادِهِ كَمَا نَقُولُهُ فِي الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى فلو رضى البائع بتسليم الزرع فَلَا خِيَارَ لَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَطْرَأْ مَا يَقْتَضِي تَأَخُّرَ الزَّرْعِ عَنْ وَقْتِ الْحَصَادِ الْمُعْتَادِ وَلَوْ طَرَأَ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَفِيهِ كَلَامٌ أَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِي فَرْعِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ.
(فَرْعٌ)
فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا
فَلَا أُجْرَةَ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَوَجْهَانِ عَنْ رِوَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُعْظَمُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ وَتَقَعُ تِلْكَ الْمُدَّةُ مُسْتَثْنَاةً كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا مَشْحُونَةً بِأَقْمِشَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الْأُجْرَةَ لِمُدَّةِ التَّفْرِيغِ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَخِلَافُهُ (والاظهر) عند الغزالي والجرجاني والوجوب وجعل الامام محل الخلاف فِيمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّمَا تجب الاجرة إذا زرعها بقعد الْإِجَارَةِ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُنَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ثُمَّ هَهُنَا كَلَامَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ هذا الخلاف هل محله إذا كتفينا بالتخيلة وجعلناها قبضا أراد الم نَكْتَفِ بِهَا أَوْ هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ قَالَ ولاشبه أَنْ يُقَالَ إنْ اكْتَفَيْنَا بِهَا فَالْخِلَافُ مُتَوَجِّهٌ وَإِنْ لَمْ نَكْتَفِ بِهَا (فَإِنْ قُلْنَا) الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ أَوْ اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ قُلْنَا) تَجِبُ فَهَهُنَا وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا انْتَفَعَ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ إقْبَاضِهِ هَلْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ أَمْ لَا وَفِيهِ خِلَافٌ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا لَمْ تَجِبْ هُنَا (وَإِنْ قُلْنَا) نَعَمْ وَجَبَتْ وَلَا نَنْظُرُ إلَى أَنَّهُ ثَمَّ مُتَعَدٍّ وَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُ هَهُنَا لِأَنَّ بَابَ الضَّمَانِ لَا يَخْتَلِفُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ لَوْلَا تَعْلِيلُ الْإِمَامِ يَعْنِي تَعْلِيلَهُ وَجْهَ عدم إيجاب الاجرة بقدرة المشترى عل الْفَسْخِ لَوْلَا هَذَا التَّعْلِيلُ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ الوجهان في الرجوع بالاجرة إنما هو قبل التخيلة أَوْ بَعْدَهَا وَقُلْنَا إنَّهَا لَا تَكْفِي وَيَكُونَانِ مبنبين عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ فَإِنْ قُلْنَا كَالْأَجْنَبِيِّ ضَمِنَ الْأُجْرَةَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْإِمَامُ وَلِلْخِلَافِ نَظَائِرُ فِي الْحِجَارَةِ (قُلْتُ) وَالْأَشْبَهَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ مُطْلَقٌ فِيمَا إذَا اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ وَفِيمَا إذَا لَمْ نَكْتَفِ بِهَا وَمَأْخَذُهُ أَنَّ تَفْوِيتَ الْمَنَافِعِ هَلْ هُوَ كَالْعَيْبِ أَمْ لَا بَلْ الْمَنَافِعُ مُسْتَقِلَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْمَبِيعِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْلِيلُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَجْهَ الْوُجُوبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي ضَمِنَا مطلقا ولا أثر للاجازة فِي إسْقَاطِهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أن نقول يكتفي بالتخلية أولا وَهَذَا يُوَافِقُ الْوَجْهُ الَّذِي يَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ جعلنا تفويت المنافع بمنزلة التعبيب اكْتَفَتْ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ أَوْ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ (إنْ قُلْنَا) كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ ضَمِنَهَا مُطْلَقًا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ وَجَعَلْنَاهَا قَبْضًا أَوْ إذَا لَمْ نكتف به أَوْ هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ فَإِنْ لَمْ نَكْتَفِ بِهَا فَكَذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَا يُوجِبُ
الْأُجْرَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ مُطْلَقًا وَإِنْ اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الزَّرْعَ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ حَاصِلٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِالْإِجَارَةِ رَضِيَ بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ له أجرة كما ورضى بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ فَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ جَارٍ مُطْلَقًا إمَّا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا إذَا لَمْ يُكْتَفَ بِهَا فَمَأْخَذُ الْوُجُوبِ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
إلْحَاقُ الْبَائِعِ بِالْأَجْنَبِيِّ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْمَقْصُودِ فَلَيْسَ تَفْوِيتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَمَأْخَذُ عَدَمِ الْوُجُوبِ جَعْلَهَا عَيْبًا وَإِلْحَاقُ تَعْيِيبِ الْبَائِعِ بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ (وَأَمَّا) بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَالِاكْتِفَاءِ بِهَا فَمَأْخَذُ الْوُجُوبُ أَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَمَيِّزَةٌ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ إلْحَاقُ الْبَائِعِ بِالْأَجْنَبِيِّ وَمَأْخَذُ الْإِسْقَاطِ جَعْلُ تَعْيِيبِ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فَإِذَا أَجَازَ الْمُشْتَرِي سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْأَرْشِ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ كَذَلِكَ هُنَا إذَا أَجَازَ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَقَدِّمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) مُقْتَضَى مَا ذَكَرْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ عَدَمَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ وَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ يَخْرُجُ عَلَى جِنَايَتِهِ إنْ جَعَلْنَاهَا كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ تَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَتْ فَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الاصح في مسألتنا أنه لا يجب الاجرة لافي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ وَلَا فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَعَدَمُ وُجُوبِهَا قَبْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا (قُلْتُ) أَمَّا الْغَزَالِيُّ فَإِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ تَصْحِيحُهُ هُنَا الْوُجُوبَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُوَافِقٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ (وَأَمَّا) مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ مِنْ تَصْحِيحِ الْوُجُوبِ بَعْدَ الْقَبْضِ دُونَ مَا قَبْلَهُ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنَّهُ هُنَا إذَا رَضِيَ بِالزَّرْعِ يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ فَالرِّضَا بِالزَّرْعِ رِضًا بِالْإِبْقَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ (وَأَمَّا) الْحِجَارَةُ فَإِنَّهُ إذَا رَضِيَ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهَا بَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَلْعِهَا لَكِنْ لَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ مُدَّةَ الْقَلْعِ أَيْضًا قَدْ رَضِيَ بِهَا كَمَا أَنْ مُدَّةَ قَلْعِ الزَّرْعِ عِنْدَ أَوَانِهِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ رِضَاهُ وَإِنْ كَانَ الْقَلْعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاجِبًا فكان ينبغي أن لا تحب لَهَا أُجْرَةٌ إلَّا إذَا زَادَ وَأَخَّرَ الْبَائِعُ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) مَا حَكَيْتُهُ فِي مَأْخَذِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ مِنْ أَنَّ الْمَنَافِعَ متميزة
عن المعقود عليه كذلك قاله الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا انْتَفَعَ بِالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْرِيجٍ عَلَى أَنَّ جِنَايَتَهُ كجناية الاجنبي أولا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُوَ طَرِيقَةُ التَّخْرِيجِ خَاصَّةً وَمَا ذَكَرُوهُ هَهُنَا يَقْتَضِي طَرِيقَةً أُخْرَى كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ وَالْكَلَامَ فِيهَا مَحَلُّهُ إذَا وَرَدَ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ مِنْ جُزْءٍ أَوْ صِفَةٍ (أَمَّا) الْمَنَافِعُ فَلِلتَّرَدُّدِ فِي إلْحَاقِهَا بِجُزْءِ المبيع أو صفته مجال ظَاهِرٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَيَكُونُ فِي اسْتِعْمَالِ البائع المبيع طريقان
(أحدهما)
وجوب الاجرة (والثانية) تَخْرِيجُهَا عَلَى جِنَايَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
وَهُوَ الْكَلَامُ الثَّانِي تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ جَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ (أَمَّا) فِي حَالَةِ الْعِلْمِ فَلَا تَجِبُ قَطْعًا وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي الْخِيَارِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي حَالَةِ الْجَهْلِ (أَمَّا) فِي حَالَةِ الْعِلْمِ فَلَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَطْرَأْ أَمْرٌ يَقْتَضِي تَأَخُّرَ الزَّرْعِ عَنْ وَقْتِ حَصَادِهِ الْمُعْتَادِ فَإِنَّ التَّبْقِيَةَ إنَّمَا وَطَنَ الْمُشْتَرِي نَفْسُهُ عَلَيْهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ (أَمَّا) إذَا تَأَخَّرَ عَنْ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَيَكُونُ إذَا أَجَازَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ الْخِلَافُ السَّالِفُ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ عَيْبًا بِالْمَبِيعِ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ فَلَا خِيَارَ فَلَوْ زَادَ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ قَالَ وَاطَلَاقُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه يَقْتَضِي تَرْكَهُ إلَى الْحَصَادِ سَوَاءٌ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ أَمْ لَمْ يَتَأَخَّرْ ومراده بالحصاد أول أوقاته لاحقيقة الْحَصَادِ.
(فَرْعٌ)
مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْإِبْقَاءِ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ مَحَلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ اشْتِرَاطِ التَّبْقِيَةِ إلَيْهِ فَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ قَلْعَ الزَّرْعِ وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُنَا فَفِي وُجُوبُ الْبَقَاءِ بِهَذَا الشَّرْطِ تَرَدُّدٌ حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ وَوَجْهُ وُجُوبِ الْوَفَاءِ ظَاهِرٌ (وَأَمَّا) وَجْهُ عَدَمِ الْوُجُوبِ (1)(فَرْعٌ)
يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ تَقَدُّمُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْعَقْدِ فَإِنَّ مَوْضِعَ مَنَابِتِ الزَّرْعِ غَيْرُ مَرْئِيٍّ حَالَةَ الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ قِيلَ فِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ أَنْ يَكُونَ رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا أَدْرَكَ الزَّرْعَ فَعَلَيْهِ الْحَصْدُ وَالنَّقْلُ إلَى مَكَان آخَرَ فَإِنْ
أَرَادَ أَنْ يَدْرُسَ الزَّرْعَ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَيُنَقِّيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِالرِّضَا وَإِنْ كَانَ تَلْحَقُهُ بِالنَّقْلِ إلَى مَكَان مَشَقَّةٌ والله أعلم.
(1) بياض بالاصل
(فَرْعٌ)
إذَا شُرِطَ دُخُولُ الزَّرْعِ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ بَقْلًا أَوْ قَصِيلًا لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ الْحَصَادِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَلَا يَلْزَمُ فِي الزَّرْعِ شَرْطُ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَصَارَ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا إذَا بِيعَتْ مَعَ مَحَلِّهَا وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الثِّمَارِ وَفِيهَا بَحْثٌ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ اشْتَدَّ وَاسْتَحْصَدَ فَإِنْ كَانَ مُشَاهَدَ الْحَبِّ كَالشَّعِيرِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشَاهَدٍ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ فَفِي بَيْعِهِ مُفْرَدًا قَوْلَانِ فَإِنْ جَوَّزْنَا فَبَيْعُهُ مَعَ الْأَرْضِ أَوْلَى وَإِنْ مَنَعْنَا فَفِي بَيْعِهِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ كَأَسَاسِ الْبُنْيَانِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فَإِذَا بطل ففي بطلانه في الارض قولا واحدا لِلْجَهْلِ بِالْحِصَّةِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي تَعْلِيلِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى أَرْضًا رَآهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَرَهَا حِينَ الْبَيْعِ فَوَجَدَ فِيهَا زَرْعًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ (تَنْبِيهٌ) مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ بِزَرْعٍ يُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَهِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا أَمَّا الْمَزْرُوعَةُ بِزَرْعٍ يُحْصَدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْبُقُولِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ قولا واحدا قاله صاحب التتمة وهو اظهر لِأَنَّهَا كَالشَّجَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ لِذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ ذِكْرَ الْمُصَنِّفِ لَهَا بَعْدَ تَقَدُّمِ الْقِسْمَيْنِ مُقْتَضٍ لِشُمُولِ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَوْلُهُ حَتَّى يُحْصِدَ يُقَالُ أَحَصَدَ الزَّرْعُ أَيْ بَلَغَ أَوَانَ الْحَصَادِ فَقَالَ ابْنُ دَاوُد فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ فَهُوَ لِلْبَائِعِ حَتَّى يُحْصِدَ بِكَسْرِ الصَّادِ وَقَالَ إنَّهُ أَفْصَحُ وَأَصَحُّ فِي الْمَعْنَى مِنْ فَتْحِهَا لِأَنَّهُ إذا بلغ أو ان الْحَصَادِ جُذَّ (1) عَلَى حَصْدِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ظَاهِرٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا والحكم ببقاء مللك الْبَائِعِ مُسْتَمِرٌّ إلَى وُجُودِ الْحَصَادِ فَيَصِحُّ أَنْ يقال بضم الياء وفتح الصاد ويصح بفنح الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَيْ حِينَ يَحْصُدَ الْبَائِعُ الزَّرْعَ وَلَا يَصِحُّ حَتَّى يُحْصِدَ
بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ هُنَا أَيْ حَتَّى يَبْلُغَ أَوَانَ الحصاد لان يده لاتزول بِذَلِكَ فَالْيَدُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْبَائِعِ إلَى إحْصَادِ الزَّرْعِ وَيَدُ الْبَائِعِ ثَابِتَةٌ إلَى الْحَصَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(1) بياض بالاصل
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بَاعَ أرضا فيها بذر لم يدخل البذر في البيع لانه مودع في الارض فلم يدخل في بيعها كالركاز فان باع الارض مع البذر ففيه وجهان أحدهما أنه يصح تبعا للارض والثاني لا يصح وهو المذهب لانه لا يجوز بينه منفردا فلم يجز بيعه مع الارض) .
(الشَّرْحُ) فَصَّلَ الْأَصْحَابُ فِي الْبَذْرِ مِثْلَ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي النَّبَاتِ فَقَالُوا الْبَذْرُ الَّذِي لَا تفاوت لنباته ويوجد دفعة واحدة لايدخل في بيع الارض ويبقى إلى أو ان الحصاد وللمشترى الخياران كَانَ جَاهِلًا بِهِ فَإِنْ أَجَازَ أَخَذَ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ النَّقْصَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ بِتَرْكِ الزَّرْعِ إلَى الْحَصَادِ لَا يُقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَإِنْ تَرَكَهُ الْبَائِعُ لَهُ سَقَطَ خِيَارَهُ وَعَلَيْهِ الْقَبُولُ وَلَوْ قَالَ آخُذُهُ وَأُفَرِّغُ الْأَرْضَ سَقَطَ خِيَارُهُ أَيْضًا إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَفَعَلَهُ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفَوِّتُ عَلَيْهِ الْأَرْضَ وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالْبَذْرِ فلا خيار له وعليه ترك إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ وَالْبَذْرُ الَّذِي يَدُومُ نَبَاتُهُ كَنَوَى النَّخْلِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَبَذْرِ الْكُرَّاثِ وَالرَّطْبَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبُقُولِ حُكْمُهُ فِي الدُّخُولِ تَحْتَ بَيْعِ الْأَرْضِ حُكْمُ الْأَشْجَارِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رحمه الله وَغَيْرُهُمْ وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْبَذْرَ الَّذِي يدوم حكمه حكم الشجر (فان قلنا) الشجر لايدخل صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ بَذْرِ الزَّرْعِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالَةِ الْجَهْلِ وَالْعِلْمِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَلْعُهُ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فَلَا خيار وان كان مصرا أَوْ يَمْضِي فِيهِ مُدَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تملك بعد بذلك بيحث يَكُونُ غَرْسُهَا نَقْصًا فِيهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَأَطْلَقَ أَمَّا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ الْبَذْرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَذْرِ الَّذِي حَكَمْنَا بِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَانَ تَأْكِيدًا وَلَك أَنْ تَقُولَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ
الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ البذر الذي لايدخل وَهُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أحدهما)
يصح في تبعا كالحمل وَادَّعَى هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ فَقَالَ لَوْ بَاعَ زَرْعًا مَعَ أَرْضٍ خَرَجَ أولم يَخْرُجْ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ فِي الْبَذْرِ لِلْجَهَالَةِ وَلِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مَعَ الْأَرْضِ كَالرِّكَازِ وَيُخَالِفُ الْحَمْلَ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الام في المطلق وهولاء أَوَّلُوا نَصَّهُ فِي التَّفْلِيسِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ خرج السنبل أولم يَخْرُجْ فَعَلَى هَذَا إذَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي البذر ففي بطلانه في الارض طريقان (احدهما) أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ
الصَّفْقَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِي إيرَادُ الْمَاوَرْدِيُّ تَرْجِيحَهَا وَجَزَمَ بِهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّهُ يختر بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْأَرْضِ وَيَقْتَضِي إيرَادُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ تَرْجِيحَهَا وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ وَهِيَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ في أنه يختر بِالْقِسْطِ وَجَعَلَ الرُّويَانِيُّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَجْهَلْ جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ فَإِنْ جَهِلَهُمَا لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجْرِي مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ فَعِلَّةُ الْخِلَافِ هُنَا مُطْلَقًا عَلَى أَنَّ أَبَا الْفُتُوحِ الْعِجْلِيَّ أَفَادَ أَنْ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِالصِّحَّةِ هَهُنَا وَإِنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَيَكُونُ مَحَلُّ الْخِلَافِ تَفْرِيعًا عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ (أَمَّا) عَلَى تَجْوِيزِ بَيْعِ الْغَائِبِ قَالَ فَلَا يَبْعُدُ الْحُكْمُ بصحة البيع (قلت) ولابد فِيهِ مِنْ مُلَاحَظَةِ التَّبَعِيَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ الْبَذْرَ وَحْدَهُ وَهُوَ مُسْتَتِرٌ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَكَذَا بَعْضُ مَنْ أَجَازَهُ وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَكَلَّمُوا فِي بَيْعِ الثِّمَارِ الْمُسْتَتِرَةِ وَالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْمَنْعَ فيها مفرع عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ (أَمَّا) إذَا جَوَّزْنَاهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَحَمَلَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ الْوَجِيزِ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْفَتَاوَى فِي السُّؤَالِ التاسع والعشرين في بيع السلجم والجرز فِي الْأَرْضِ قَالَ إنَّهُ إنْ قَضَى بِبُطْلَانِ بيع الغائب فلا شك الْبُطْلَانِ وَإِنْ قَضَى بِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ اتَّجَهَ ظَاهِرًا إبْطَالُ هَذَا لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ الا بتقليب الارض وهو تغير لعين المبيع فيضا هي بَيْعَ الْجِلْدِ قَبْلَ السَّلْخِ لِيُسَلَّمَ بِالسَّلْخِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَعَلَّلَ بِأَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ يُمْكِنُ رَدُّ الْمَبِيعِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِصِفَتِهِ وَهَهُنَا لَا يُمْكِنُ وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّ إطْلَاقَ المصنف مراده منه البذر الذي لانبات لِأَصْلِهِ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ
رضي الله عنه فِي الامام أَطْلَقَ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَمُرَادُهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِمَّا يُصْرَمُ فَصَرَمَهُ الْبَائِعُ كَانَ للمشترى اصله ولم يكن للبائع قعله وَلَا قَطْعُهُ وَإِنْ عَجَّلَ الْبَائِعُ فَقَلَعَهُ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهُ لِيَسْتَخْلِفَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَحْثٌ فِي الْغِرَاسِ الَّذِي يَشْتَدُّ وَهُوَ يَعُودُ هَهُنَا فِي الْبَذْرِ الَّذِي وُضِعَ لِذَلِكَ وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ الدَّوَامُ فِي مَحَلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَاعَ الْبَذْرَ وحده جزم صاحب التتمة بالبطلان
* قال المصنف رحمه الله.
(إذا باع أصلا وعليه ثمرة للبائع لم يكلف قطع الثمرة إلى أوان الجذاذ فان كان مما يقطع بسرا كالبسر الحيسواني والقرشي لم يكلف قطعه إلى أن يصيرا بسرا وان كان مما لا يقطع الا رطبا لم
يكلف قعطه إلى أن يصير رطبا لان نقل المبيع على حسب العادة ولهذا إذا اشترى بالليل متاعا لم يكلف نقله حتى يصبح وان اشتراه في المطر لم يكلف نقله حتى يسكن المطر والعادة في قطع الثمار ما ذكرناه فلا يكلف القطع قبله.
(الشَّرْحُ) الْأَصْلُ الْمُرَادُ بِهِ الشَّجَرَةُ وَالْجِذَاذُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا حَكَاهُمَا ابْنُ قُتَيْبَةَ وَأَوَانُ الْجِذَاذِ بِكَسْرِ الْجِيمِ زَمَانُ صَرْمِ النَّخِيلِ إذَا يَبِسَ ثَمَرُهَا وَالْجِذَاذُ الْقَطْعُ يُقَال الْجِذَاذُ وَالصِّرَامُ فِي النخل القطاف فِي الْكَرْمِ وَاللُّقَاطُ فِيمَا يَتَنَاثَرُ كَالْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى وَغَيْرِهِ فَيُلْتَقَطُ وَالْجِيسْوَانُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيَاءٌ تَحْتَهَا نقطنان وَآخِرُهُ نُونٌ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ قَالَ ابْنُ بَاطِيشٍ وَابْنُ التُّودِيِّ جِنْسٌ مِنْ الْبُسْرِ أَسْوَدُ اللَّوْنِ وَالْقُرَشِ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ قَالَ ابْنُ بَاطِيشٍ هُوَ الْأَحْمَرُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَا يُقْطَعُ إلَّا بُسْرًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا اشْتَرَى نَخْلًا وَعَلَيْهِ ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ أَوْ كُرْسُفًا وَعَلَيْهِ قُطْنٌ لِلْبَائِعِ أَوْ شَجَرًا وَعَلَيْهِ ثَمَرَةٌ أَوْ وَرْدًا أَوْ رَدَّ لِلْبَائِعِ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ لِلْبَائِعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَطْعِ الثَّمَرَةِ وَالْوِرْدِ وَالزَّرْعِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَالْحَصَادِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ تَبْقِيَتُهَا فَإِنْ كَانَ غَيْبًا فَعَلَيْهِ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَنْ يَسْوَدَّ وَتَدُورَ الْحَلَاوَةُ فِيهِ وَيُقْطَعُ فِي الْعَادَةِ (فَأَمَّا) إذَا عَقَدَ وَحَصَلَ فِيهِ قَلِيلُ حَلَاوَةٍ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِقَطْعِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَإِنْ كَانَ رُطَبًا فَعَلَيْهِ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَنْ يَرْطُبَ وَيَتَكَامَلَ نُضْجُهُ ثُمَّ يُقْطَعَ وَإِنْ كَانَ بُسْرًا فَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ بُسْرًا طُولِبَ بِقَطْعِهِ بُسْرًا بَعْدَ نُضْجِهِ وَاسْتِكْمَالِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ
أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ حَتَّى يَتَكَامَلَ ويستحكم لكون ذلك اصلح له فيأخذه شيا فشيا كَمَا إذَا بَاعَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ هِيَ أحرز لَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي تَرْكُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي السَّقْيُ لِأَجْلِ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ تَرْكُهَا وَالْبَائِعُ يَسْقِي وَحُكْمُ جَمِيعِ الثِّمَارِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ ثَمَرَةِ النَّخِيلِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ قَالَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ رحمه الله في الكافي وكذلك الورد يعني بترك إلَى أَوَانِ أَخْذِهِ وَوَافَقَنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الْقَطْعُ وَيَجُوزُ لَهُ التَّبْقِيَةُ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فِي الْحَالِ.
دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَكَذَا لَوْ زَرَعَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ فَاسْتَحَقَّهَا الشَّفِيعُ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي عَلَى قَطْعِ الزَّرْعِ وَنَقْلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ أَوَانَ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْعَادَةِ فِي نَقْلِهِ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْتَقَضُ بِمَنْ جَذَّ ثَمَرَةً وَتَرَكَهَا فِي الْأَرْضِ تُشَمِّسُهَا ثُمَّ بَاعَ الْأَرْضَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ نَقْلُهَا قَبْلَ جَفَافِهَا وَإِنْ كَانَتْ العادة نقلها بعد جفافها (قلنا) لاعادة لذلك
فِي أَرْضٍ بِعَيْنِهَا بَلْ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهَا فِي غَيْرِهَا كَمَا نَقُولُ فِي الزَّرْعِ لَا يَجِبُ نَقْلُهُ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ وَلَوْ حَصَدَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ بَاعَهَا وَجَبَ نَقْلُهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ نَقْلَ الْمَبِيعِ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ إنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ وَرَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ وَإِنَّ إبْقَاءَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ انْتِفَاعٌ بِالنَّخْلِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْعَادَةِ وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى دَارًا مَمْلُوءَةً طَعَامًا إنَّمَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ نَقْلُهُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْمَعَ الْآنَ كُلَّ حَمَّالٍ فِي الْبَلَدِ وَيَنْقُلَ الطَّعَامَ عَنْهَا وَأَجَابُوا عَنْ كَوْنِ ذَلِكَ انْتِفَاعًا بِالنَّخْلِ وان يُشْبِهُ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ إنَّمَا يَبْطُلُ إذَا وَقَعَ بِالشَّرْطِ أَمَّا مَا وَقَعَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عُرْفًا فَلَا بِدَلِيلِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْإِبْقَاءَ إذا بقيت الثمرة للبائع بالتأبير اما إذ صَارَتْ لَهُ بِالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ فَعَلَى الْبَائِعِ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا شَرَطْنَا الْقَطْعَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ وَأَيَّدَ بَعْضُهُمْ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِالشَّرْطِ مُبْطِلٌ بِخِلَافِهِ بِالشَّرْعِ وَهَذَا التَّأْيِيدُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَا إنَّمَا اقْتَضَى بَقَاءَ الثَّمَرَةِ لِلْبَائِعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا وَاسْتَثْنَى الْبِنَاءَ الَّذِي فِيهَا كَانَ لَهُ إبْقَاؤُهُ بِالشَّرْعِ وَلَا نَقُولُ إنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ لِلْمَنْفَعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا حَصَدَ الزَّرْعَ فَإِنْ بَقِيَ لَهُ أُصُولٌ لَا تَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَأُصُولِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لم يلزمه نقلها لانه لاضرر عَلَى الْمُشْتَرِي فِي تَرْكِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَعُرُوقِ الذُّرَةِ وَالْقُطْنِ لَزِمَهُ نَقْلُهَا مِنْ الْأَرْضِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبَ مُطْلَقًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَإِذَا نَقَلَهَا فَإِنْ حَصَلَ فِي الْأَرْضِ بِنَقْلِهَا حُفَرٌ لَزِمَهُ تَسْوِيَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ حِجَارَةٌ مَدْفُونَةٌ فَنَقَلَهَا وَيُخَالِفُ مَنْ غَصَبَ فَصِيلًا وَأَدْخَلَهُ دَارًا ثُمَّ كَبِرَ الْفَصِيلُ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الْبَابِ لَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْفَصِيلِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُتَعَدٍّ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ حَبٌّ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ إلَّا بِأَنْ يوسع الباب بنقض شئ مِنْ الْحَائِطِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ مَا نَقَصَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ بِنَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ هَهُنَا وَقَدْ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِنَاءُ ذَلِكَ وَرَدُّهُ إلَى حَالَتِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ دَارًا وَفِيهَا قُمَاشٌ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِنَقْضِ الْبَابِ
وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِطَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُمْ يَخْتَارُونَ وُجُوبَ إعَادَةِ الْجِدَارِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ هُنَا كُلُّ مَنْ حَصَلَ مِلْكُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَاحْتِيجَ فِي تَخْلِيصِهِ إلَى مُؤْنَةٍ فَإِنْ كَانَ حَصَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِ الْمِلْكِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَى من يتخلص ملكه مثل مسألة الزرع والحب والخابية والصدوق فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِ الْمِلْكِ مِثْلُ أَنْ يَغْصِبَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى حَبٍّ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْبَابِ أَوْ عَلَى عِجْلٍ صَغِيرٍ فَكَبِرَ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهِ إلَّا بِهَدْمِ الْبَابِ فَإِنَّ الْبَابَ يُهْدَمُ وَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الْمَتَاعِ بِنَاؤُهُ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إذَا هَرَبَتْ دَابَّتُهُ فَدَخَلَتْ دَارَ رَجُلٍ ولا يمكن إخراجها إلا بنقض شئ من الدار يغرم النقص صاحب الدابة قاله الرُّويَانِيُّ وَإِذَا وَقَعَ دِينَارٌ فِي مَحْبَرَةٍ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِكَسْرِهَا كُسِرَتْ وَيَجِبُ ضَمَانُهَا عَلَى صَاحِبِ الدِّينَارِ نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ أَصَابَتْ الثِّمَارَ آفَةٌ وَصَارَتْ بِحَيْثُ لَا تَنْمُو فَهَلْ لِلْبَائِعِ تَبْقِيَتُهَا وَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي تَبْقِيَتِهَا أَمْ لِلْمُشْتَرِي إجْبَارُهُ عَلَى قَطْعِهَا.
قَالَ الْإِمَامُ ذَكَرَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ قَوْلَيْنِ وَلَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ شَيْئًا مِنْهُمَا وَقَالَ ابن الرافعة إنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي النَّفْسِ صِحَّتُهُ قَوْلُ الْإِجْبَارِ لِأَنَّهُ انْكَشَفَ الْحَالُ عَمَّا لَوْ قَارَنَ الْعَقْدَ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّبْقِيَةَ لِأَجْلِهِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ الشَّجَرَ بَعْدَ حُصُولِ الْآفَةِ بِالثِّمَارِ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّبْقِيَةَ قَالَ
لَكِنَّ نَصَّهُ فِي الْأُمِّ على خلافه ولو انقطع الماء فلا شئ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا أُصِيبَ بِهِ الْبَائِعُ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه نَقَلَهُ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ بُشْرَى.
(فرع)
لايمنع الْبَائِعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحَائِطِ لِلسَّقْيِ فَإِنْ لم يأمنه المشترى يصنب الْحَاكِمُ أَمِينًا يَسْقِيهَا وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْبَائِعِ.
قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ وَكَلَامُ الْخُوَارِزْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَةَ لَا تَصِيرُ مُسَلَّمَةً حَتَّى تُفَرَّغَ مِنْ الثَّمَرَةِ قَالَ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ مَمْلُوءَةً بِالْأَثْقَالِ لَا يَجْرِي تَفْرِيغُهَا حَتَّى تَبْلُغَ الشَّطَّ وَمُرَادُهُ بِهَذَا أَنَّ التَّسْلِيمَ يَكُونُ عَلَى الْعَادَةِ.
(فَرْعٌ)
وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أُجْرَةَ الْأَرْضِ فِي مُدَّةِ إقَامَةِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَرْضَ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ فِي تلك المدة فلا يستحق لما أُجْرَةً.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ النَّخْلَةَ وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُصَرِّحُ بِالْجَوَازِ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ لَكِنَّ الْإِمَامَ حَكَى فِي بَابِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا بَاعَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً بِشَرْطِ قَطْعِ الزَّرْعِ
تَرَدُّدًا فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ وَيَجِبُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ طَرْدُ التَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ فِي الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ قَطْعِهَا لِأَنَّ فِيهِ تَنْقِيصَ مَالِيَّتِهَا لَمْ يَبْعُدْ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(فَإِنْ أَصَابَ النخل عطش وخاف أن تشرب الثمرة الماء من أصل النخل فيهلك ففيه قولان
(أحدهما)
لا يكلف البائع قطع الثمرة لان المشترى دخل في العقد على أن يترك الثمار إلى الجذاذ فلزمه تركه (والثاني) أنه يكلف قطعه لان المشترى إنما رضى بذلك إذا لم يضر به فإذا أضر به لم يلزمه تركه فان احتاج أحدهما إلى سقى ماله وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ جَازَ لَهُ أن يسقيه لان اصلاح لما له من غير اضرار باحد فجاز وان كان على الآخر ضرر في السقي وتشاحا ففيه وجهان.
قال أبو إسحق يفسخ العقد لانه ليس أحدهما بأولى من الآخر في الاضرار فوجب أن يفسخ.
وقال أبو على بن أبي هريرة يجبر الممتنع منهما لانه حين دخل في العقد رضى بدخول الضرر عليه لانه يعلم أنه لابد من السقى ويجب أجرة السقى على من يسقى لان منفعته تحصل له) .
(الشَّرْحُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا بَقِيَتْ لِلْبَائِعِ لَا يُكَلَّفُ قَطْعَهَا إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَمِنْ ضَرُورَةِ
ذَلِكَ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ سَقْيِهَا فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَمْكِينُهُ وَقَدْ لَا يَسْقِي الْبَائِعُ فَيَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي الضَّرَرُ وَقَدْ يَحْصُلُ الضَّرَرُ مِنْ السَّقْيِ أَيْضًا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا عَطِشَتْ النخل وكان قد باعها وهى مؤبرة وبقينا الثِّمَارَ لِلْبَائِعِ فَعَطِشَتْ النَّخِيلُ وَانْقَطَعَ الْمَاءُ وَلَمْ يتمكن من سقيها وكان تركها عل الْأُصُولِ يَضُرُّ بِالْأُصُولِ وَلَا يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ فَإِنْ كان الضرر ويسيرا أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطيب وغيره ونص عليه الشافعي فرضى اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِأَنْ كَانَ يُخَافُ عَلَى الْأُصُولِ الْجَفَافُ أَوْ نُقْصَانُ حَمْلِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَعَلَى ذَلِكَ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ فِي الْأُمِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَحَكَاهُمَا الْأَصْحَابُ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ نَقْلًا وَتَعْلِيلًا وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَفِيهَا قَوْلَانِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْإِجْبَارِ وَلَمْ أَرَهُ ذَكَرَ الْقَوْلَ الْآخَرَ فَتَأَمَّلْتُ كَلَامَهُ إلَى آخِرِهِ تَأَمُّلًا كَثِيرًا فَلَمْ أَفْهَمْ الثَّانِيَ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ إمَّا لِوُضُوحِهِ أَوْ لِضَعْفِهِ (وَالْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ) الثَّانِي الْقَائِلُ بِالْإِجْبَارِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَالنَّوَوِيُّ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّ ضَرَرَ الْأُصُولِ أَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ
مَسْأَلَةَ السَّقْيِ وَقَسَّمَهَا تَقْسِيمًا حَسَنًا وَهِيَ أَنَّ السَّقْيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا أَوْ مُتَعَذِّرًا فَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا فَإِمَّا لِإِعْوَازِ الْمَاءِ أَوْ لِفَسَادِ آلَتِهِ فَإِنْ كَانَ لِإِعْوَازِ الْمَاءِ سَقَطَ حُكْمُ السَّقْيِ ثُمَّ نَزَّلَ الثَّمَرَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ وَالنَّخْلِ جَمِيعًا فَقَطْعُ الثَّمَرَةِ وَاجِبٌ وَلِصَاحِبِ النَّخْلِ إجْبَارُهُ لِأَنَّ تَرْكَهَا مَضَرَّةٌ لِلنَّخْلِ بِلَا مَنْفَعَةٍ لَهُ (الثاني) أَنْ لَا يَضُرَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَلَهُ تَرْكُ الثَّمَرَةِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ (الثَّالِثُ) أَنْ يَضُرَّ بِالثَّمَرَةِ دُونَ النَّخْلِ الْمُثْمِرَةِ فَالْخِيَارُ (الرَّابِعُ) أَنْ يَضُرَّ بِالنَّخْلِ دُونَ الثَّمَرَةِ فَقَوْلَانِ وَهَذَا الضَّرْبُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَإِنْ كَانَ تَعَذُّرُ السَّقْيِ لِفَسَادِ الْآلَةِ أَوْ الْمَجَارِي أَوْ طَمِّ الْآبَارِ فَأَيُّهُمَا لَحِقَهُ بِتَأْخِيرِ السَّقْيِ ضَرَرٌ كَانَ لَهُ إصْلَاحُ مَا يُوصِلُهُ إلَى الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِالنَّخْلِ وَجَبَ عَلَى مُشْتَرِي النَّخْلِ أَنْ يُزِيلَ الضَّرَرَ عَنْ نَخْلِهِ وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ الثَّمَرَةِ عَلَى قَطْعِ ثَمَرَتِهِ وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِالثَّمَرَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ أَوْ يَقْطَعُهَا وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِهِمَا جَمِيعًا لَزِمَ صَاحِبَ الثَّمَرَةِ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ إلَى قَطْعِ ثَمَرَتِهِ فَيَسْقُطَ عَنْهُ (وَأَمَّا) إنْ كَانَ السَّقْيُ مُمْكِنًا فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ نَافِعًا لَهُمَا (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ ضَارًّا لَهُمَا (وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ ضَارًّا لِأَحَدِهِمَا
دُونَ الْآخَرِ ونذكر ذَلِكَ مُفَصَّلًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا احْتَاجَ أَحَدُهُمَا إلى سقى ماله وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِيهَا صُورَتَانِ (احدهما) أن يكون المحتاج البائع (الثانية) أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَاجُ الْمُشْتَرِيَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ لَهُ نَفْعٌ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ ذَكَرَا مَا إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَفْعٌ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ السَّقْيِ عَلَى السَّقْيِ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَسْقِيَ وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْقِيَ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُمَكِّنَهُ وَمُؤْنَةُ السَّقْيِ عَلَى الْبَائِعِ لِمَا فِيهِ من صلاح ثمرته وان كان لنخل المتشرى فِيهِ صَلَاحٌ إلَّا أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ حَالِ السَّقْيِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَالنَّخْلُ تَبَعٌ فَلَوْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ السَّقْيِ لَمْ يُجْبَرْ وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَرَدْتَ سَقْيَ نَخْلِكَ فَاسْقِهِ وَلَا نُجْبِرَك عَلَيْهِ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَشْمَلُ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ واحد لا يختلف وانما يختلف التصوير فيجئ صُوَرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثًا أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَائِعُ وَلَا يَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْتَفِعَ أَوْ يَنْتَفِعَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ وَلَا يَنْتَفِعَ أَوْ يَنْتَفِعَا جَمِيعًا وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَائِعَ لَا يُجْبَرُ عَلَى السَّقْيِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَقْسَامِ الَّتِي أَطْلَقُوهَا أَمَّا إذَا كَانَ السَّقْيُ نَافِعًا لَهُمَا وَكَانَ تَرْكُهُ ضَارًّا بالمشترى
لِامْتِصَاصِ الثِّمَارِ رُطُوبَةَ الْأَشْجَارِ وَقَدْ جَزَمَ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي حَالِ إمْكَانِ السَّقْيِ بِأَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَسْقِيَ وَإِمَّا أَنْ يَقْطَعَ الثِّمَارَ إذَا كَانَ يَضُرُّ بَقَاؤُهَا وَجَعَلَ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا فِيمَا إذَا كَانَ السَّقْيُ مُتَعَذِّرًا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ قَطْعَ الثَّمَرَةِ بِأَنَّهَا تُنْتَفَعُ بِالتَّبْقِيَةِ وَإِنَّمَا عَلَى الْبَائِعِ أَنْ لَا يترك مجهودا يقدر عليه فإذا انْقَطَعَ الْمَاءُ فَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَحَقُّ التَّبْقِيَةِ قائم له وهذا قَالَهُ الْإِمَامُ حَسَنٌ يَجِبُ تَنْزِيلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْقَوْلَيْنِ يُشِيرَانِ إلَى أَنَّ الْمُرَاعَى جَانِبُ الْبَائِعِ أَوْ جَانِبُ الْمُشْتَرِي قَالَ وَلَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ لِاسْتِوَاءِ الْحَقَّيْنِ يَعْنِي كَمَا يقوله أبو إسحق فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ كما سيأتي قال ولابد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ثُمَّ مُوجَبُ اسْتِوَاءِ الْحَقَّيْنِ الْفَسْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ مَنَعَهُ أُجْبِرَ عَلَى تَمْكِينِهِ وَهَذَا مُرَادُ الرُّويَانِيِّ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ السَّقْيُ يَنْفَعُهُمَا فَأَيَّهُمَا طَلَبَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ
مِنْ الامتناع فِيمَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ أَيْ أُجْبِرَ عَلَى التمكين منه لاعلى أَنْ يَسْقِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا احْتَاجَ أَحَدُهُمَا إلَى السَّقْيِ وَكَانَ عَلَى الْآخَرِ ضرر وفيها صورتان (أحداهما) أَنْ يَكُونَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِالنَّخْلِ وَيَنْفَعُ الثَّمَرَةَ فاراد البائع السقى فوجهان قال أبو إسحق يقال للشمترى اسْمَحْ لِلْبَائِعِ بِالسَّقْيِ فَإِنْ سَمَحَ فَذَاكَ وَإِلَّا قُلْنَا لِلْبَائِعِ اسْمَحْ بِتَرْكِ السَّقْيِ فَإِنْ سَمَحَ فَذَاكَ وَإِنْ أَبَى فَسَخْنَا الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْقِيَ وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا ثَالِثًا بِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ أُلْزِمَ تَسْلِيمَ الشَّجَرَةِ عَلَى كَمَالِهَا قَالَ وحقيقة الاوجه تؤول إلَى أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَرْعَى جَانِبَ الْمُشْتَرِي وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْعَى جَانِبَ الْبَائِعِ وَأَبُو إسحق لَا يُقَدِّمُ أَحَدَ الْحَقَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ وَيَنْفَعُ الشجرة فاراد المشترى السقي قال أبو إسحق يُقَالُ لِلْبَائِعِ اسْمَحْ فِي أَنْ يَسْقِيَ الْمُشْتَرِي فان سمح فذاك والا قلنا لِلْمُشْتَرِي اسْمَحْ فِي تَرْكِ الْبَائِعِ فَإِنْ سَمَحَ فَذَاكَ وَإِنْ أَبَى فَسَخْنَا الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ وَأَوْجَبَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ عَلَى أَنْ لَا يَضُرَّ بِغَيْرِهِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ وَيَكُونُ بَيِّنًا لِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْبَائِعِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى السَّقْيِ أَوْ تَرْكِهِ جَازَ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ يَخُصُّ الْمُصَنِّفُ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَى مَنْ يَسْقِي مِنْ كَلَامِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا مُرَادُهُ بِمَنْ يَسْقِي الْبَائِعُ
فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَتَجِبُ أُجْرَةُ السَّقْيِ عَلَى مَنْ يَسْقِي كَلَامًا مُبْتَدَأً غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي حَيْثُ أَوْجَبْنَا السَّقْيَ فهو على من ينتفع له لاكمن بَاعَ ثَمَرَةً بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ يَسْقِي وَالْمَنْفَعَةُ لِلْمُشْتَرِي وَيَشْمَلُ ذَلِكَ مَا إذَا سَقَى الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ هُمَا جَمِيعًا فَتَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَلَّذِي يَسْقِي فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ الْمُطَالَبُ الَّذِي أَجْبَرْنَا الْمُمْتَنِعَ لِأَجْلِهِ وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ إجْبَارُهُ عَلَى تَمْكِينِ الْآخَرِ مِنْ السَّقْيِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السَّقْيِ تَحْصُلُ لَهُ تَعْلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي الطَّرَفَيْنِ وَقَدْ فَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ إنَّ لِصَاحِبِ الثَّمَرَةِ مَنْعَهُ فَإِذَا مَنَعَهُ كَانَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ فَسْخُ الْبَيْعِ فَفَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا آخَرَ قَالَ وَبِذَلِكَ يَكْمُلُ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) إنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَسَخَهُ الْحَاكِمُ
(وَرَابِعُهَا) الْأَمْرُ كذلك إلا أن المتولي الفسخ الْبَائِعُ إنْ أَرَادَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَتَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ لِوُضُوحِهَا وَلَا خِلَافَ فِيهَا وَهِيَ إذَا كَانَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ وَالنَّخْلِ جَمِيعًا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَنْعُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ الضَّرَرَ عَلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ فَهُوَ سَفَهٌ وَتَضْيِيعٌ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ النَّخْلِ (أَمَّا) النَّخْلُ فَيَنْفَعُهُ السَّقْيُ أَبَدًا فَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّمَرَةِ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ الْمَاءَ الَّذِي كُنْتُ أَسْتَحِقُّهُ لِسَقْيِ ثَمَرَتِي فَأَسْقِيَ بِهِ غَيْرَهَا مِنْ الثِّمَارِ أَوْ الزُّرُوعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَهَكَذَا لَوْ أَخَذَ ثَمَرَتَهُ قَبْلَ وَقْتِ جِذَاذِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ إلَى وَقْتِ الْجِذَاذِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْمَاءِ مَا فِيهِ صَلَاحُ تِلْكَ الثَّمَرَةِ دُونَ غَيْرِهَا فَقَدْ كَمَلَتْ الْمَسَائِلُ الَّتِي فِي أَحْوَالِ السَّقْيِ سِتًّا شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خَمْسًا وَتَرَكَ وَاحِدَةً وَمَسَائِلُ تَرْكِ السَّقْيِ سَبْعًا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَاحِدَةً وَتَرَكَ سِتًّا وَكُلُّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا هَلَّا قُلْتُمْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ السَّقْيُ عَلَى الْمُشْتَرِي (1) صَاحِبُ الشَّجَرَةِ كَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً منفردة على الاصل بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَرَةِ كَامِلَةً وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالسَّقْيِ وَهَهُنَا الْوَاجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ النَّخْلِ وَقَدْ سَلَّمَهَا وَلَمْ يَمْلِكْ الثَّمَرَةَ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ بِخِلَافِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ نَقُولُ بِإِجْبَارِ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ أَيْ فِي حَالِ انْتِفَاعِ الثمرة بالسقى.
(فَرْعٌ)
حَيْثُ جَعَلْنَا لِلْبَائِعِ السَّقْيَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَسْقِيَ الْقَدْرَ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ أَكْثَرَ مِنْ الْمَعْهُودِ بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ النَّخْلِ فَإِنَّهُ كَمَا يَحْصُلُ الضَّرَرُ بِالْعَطَشِ الْمُفْرِطِ يَحْصُلُ بِالرَّيِّ الْمُفْرِطِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ سَقْيَةٌ وَقَالَ الْبَائِعُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَيَّامٍ سَقْيَةٌ فَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِ السَّقْيِ بَلْ تُسَلَّمُ الثَّمَرَةُ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ غَيْرَ أَنَّهَا لَوْ سُقِيَتْ لَظَهَرَتْ زِيَادَةٌ عَظِيمَةٌ وَالشَّجَرُ يَتَضَرَّرُ بِهَا قَالَ الْإِمَامُ فَهَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ عِنْدِي يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُمْنَعُ الْبَائِعُ فَإِنَّ الزِّيَادَاتِ لَا تَنْضَبِطُ فَالْمَرْعِيُّ الِاقْتِصَادُ وَيَجُوزُ أَنْ يقال له أَنْ يَسْقِيَ لِمَكَانِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُرَاعِي جَانِبَهُ وَهَذَا بَيِّنٌ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ المتقدم عن أبي اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إذَا كَانَ السَّقْيُ يَضُرُّ أَحَدَهُمَا فِعْلُهُ
وَيَضُرُّ الْآخَرَ تَرْكُهُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَتَعَارَضْ ضَرَرَانِ وَإِنَّمَا ضَرَرٌ وَزِيَادَةُ نَفْعٍ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُ اجْتِنَابِ الضَّرَرِ وَمَنْعُ الْبَائِعِ مِنْ السَّقْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ احْتِمَالَ الْإِمَامِ مَتَى كَانَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِوَاحِدٍ وَتَرْكُهُ يَمْنَعُ حُصُولَ زِيَادَةٍ لِلْآخَرِ وَذَلِكَ يَشْمَلُ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ وَعَكْسَهَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا هَلْ يَلْحَقُ ذَلِكَ بِتَقَابُلِ الضَّرَرِ فِيهِ احْتِمَالَانِ وَلَمْ أَرَهُمَا فِي النِّهَايَةِ إلَّا فِي الْحَالَةِ الْوَاحِدَةِ وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَجْهَيْنِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ على أحد الاحتمالين بأتي الخلاف السابق بين أبي اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ يَتَعَيَّنُ السَّقْيُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ أَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ هَلْ مَحِلُّهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ السَّقْيُ مُتَعَذِّرًا أَوْ مُطْلَقًا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَالْإِمَامِ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَجَزَمَ فِي حَالَةِ الْإِمْكَانِ بِوُجُوبِ السَّقْيِ أَوْ الْقَطْعِ عَلَى الْبَائِعِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الثَّانِيَ لَكِنَّهُ فِي حَالَةِ انْقِطَاعِ الْمَاءِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَامَكَانِ غَيْرِهِ وَرَأَى ابْنُ الرِّفْعَةِ كَذَلِكَ تَنْزِيلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى حَالَةِ إمْكَانِ السَّقْيِ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ الْمُعْتَادِ وَتَنْزِيلَ الْجَزْمِ بِوُجُوبِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا إذَا كَانَ السَّقْيُ مُمْكِنًا بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَاسْتَنْبَطَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ أَخَذَ صَاحِبُهُ بِقَطْعِهِ إلَّا أَنْ يَسْقِيَهُ مُتَطَوِّعًا أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ إمْكَانِ السَّقْيِ الْقَطْعُ عَيْنًا وَلَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِالسَّقْيِ إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمَوْلَى فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ السَّقْيُ بِحَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ تَعَيَّنَ وُجُوبُ الْقَطْعِ لانه لامسقط له ولاجرم كَانَ هُوَ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ
فِيمَا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ نَفْعٌ فِي تَرْكِ الثَّمَرَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ الْقَطْعُ قَوْلًا وَاحِدًا كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ.
(فَرْعٌ)
ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجِبُ السَّقْيُ بِالْمَاءِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَسْقِي مِنْهُ تِلْكَ الْأَشْجَارَ وَلَوْ كَانَ مِلْكَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ كَانَ مِنْ بِئْرٍ دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ وَقُلْنَا بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَاءَهَا كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَمَّا كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْبَائِعِ لِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ اُغْتُفِرَ بخلاف مالو شَرَطَ لِنَفْسِهِ انْتِفَاعًا بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ السَّقْيِ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ وَشَرَطَهَا الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قُلْتُ) لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّ شَرْطَهُ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِنَفْسِهِ يُصَيِّرُهَا بِمَنْزِلَةِ
الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ وجوب السقى بالشرع ووجوب الْإِبْقَاءِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا إذَا شَرَطَ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَمِنْ كَوْنِ السَّقْيِ وَاجِبًا مِنْ الْمَاءِ الْمُعْتَادِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي يُسْتَفَادُ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَجِبُ أُجْرَةُ السَّقْيِ عَلَى من يسقي ولم يقل وتجب مُؤْنَةُ السَّقْيِ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْنَةِ وَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَفِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْقِي بِهَا الْأُجْرَةُ فِي نَقْلِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ نَعَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الآلات التى يستقى بها المشترى وانما يلزم بالتمكين مِنْ الْمَاءِ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
أَمَّا الْأَرْجَحُ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ قَوْلَ الفسخ كما هو قول أبى اسحق وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ مُرَاعَاةَ جَانِبِ الْمُشْتَرِي وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا كَانَ لَا يُصْلِحُهَا إلَّا السَّقْيُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَخْلِيَةُ الْبَائِعِ وَمَا يَكْفِي مِنْ السَّقْيِ فَهَذَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُوَافِقٌ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي إجْبَارِ الْمُشْتَرِي فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَكْسِهَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَقُولُ بِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْبَائِعِ مُطْلَقًا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الوجيز.
قال المصنف رحمه الله.
(لا يجوز بيع الثمار والزرع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع لما روى ابْنِ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو وصلاحها وروى ابن عمر رضي الله عنه أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بيع ثمرة النخل حتى تزهى والسنبل والزرع حتى يبيض ويأمن العاهة وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا يُنْقَلُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ ولهذا لو اشترى بالليل متاعا لم يكلف نقله حتى يصبح والعادة في الثمار تركها
إلى أوان الجذاذ فإذا باعها قبل بدو الصلاح لم يأمن أن يصيبها عاهة فتتلف وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ وان باعها بشرط القطع جاز لانه يأخذ قبل أن يتلف فيأمن الغرر وإن باع الثمرة مع الاصل والزرع مع الارض قبل بدو الصلاح جاز لان حكم الغرر يسقط مع الاصل كَالْغَرَرِ فِي الْحَمْلِ يُسْقِطُ حُكْمَهُ إذَا بِيعَ مع الاصل وان باع الثمرة ممن يملك الاصل أو الزرع ممن يملك الارض ففيه وجهان أحدهما يصح لانه يحصل لمالك الاصل فجاز كما لو باعها مع الشجر والارض والثاني لا يصح لانه افرده بالبيع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع فاشبه إذا باعها من غير مالك الاصل) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما الْأَوَّلُ رَوَاهُ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ الثَّمَرَةُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا) زَادَ مُسْلِمٌ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الرَّاوِي فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ مَتَى ذَلِكَ قَالَ طُلُوعُ الثُّرَيَّا وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ الْمَذْكُورُ (وَمِنْهَا) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَزْهُوَ قَالَ الرَّاوِي فَقُلْنَا لانس مازهوها قَالَ تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ قَالَ أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ الله الثمرة بم يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ كَثُرَ الزَّهْوُ فِي الْحَدِيثِ يُقَالُ زَهَا النَّخْلُ يَزْهُو قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَكَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ يَزْهُوَ وَالصَّوَابُ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُزْهِي وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ اللُّغَتَيْنِ قَدْ جَاءَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ زَهَا النَّخْلُ إذَا طَالَ واكتهل وهذا القول مخلف لما جاء في الحديث من تقسير أَنَسٍ الْعَارِفِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الشَّافِعِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِي قَالَ حَتَّى تَحْمَرَّ) وَالزَّهْوُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَذَكَرَ ابْنُ مَعِينٍ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ يَضُمُّونَ الزَّايَ وَهُوَ غَرِيبٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَلَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَ بِالثَّمَرِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ يَبْدُوَ أَيْ يَظْهَرَ يُقَالُ بَدَا يَبْدُو مِثْلَ دَعَا يَدْعُو فَأَمَّا بَدَأَ يَبْدَأُ بِالْهَمْزِ فَمِنْ الِابْتِدَاءِ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (نَهَى أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى يُشْقَحَ قِيلَ وَمَا يُشْقَحُ قَالَ تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ ويؤكل منها) رواه البخاري
مسلم رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ يُشْقَحُ بِضَمِّ الْيَاءِ المثناة من تحت واسكان الشين المعجة وَبَعْدَ الْقَافِ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَيُرْوَى بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ يُقَالُ أَشْقَحَ وَشَقِحَ وَرُوِيَ يُشْقَهُ بِإِبْدَالِ الْحَاءِ هَاءً وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ وَالْإِشْقَاهُ أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى يُطْعَمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَتَّى يَطِيبَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل يَأْكُلَ مِنْهُ أَوْ يُؤْكَلَ وَحَتَّى يُوزَنَ قَالَ فَقُلْتُ مَا يُوزَنُ فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرَزَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَبُّ الطَّعَامُ وَاشْتِدَادُهُ قُوَّتُهُ وَصَلَابَتُهُ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ مِنْ رِوَايَةِ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تَمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَعَنْ عَمْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَلْفَاظُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُخْتَلِفَةٌ وَمَعَانِيهَا مُتَّفِقَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَهَا فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَنَقَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرُّوَاةِ مَا سَمِعَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَفْظًا فِي وَقْتٍ وَنَقَلَهُ الرُّوَاةُ بِالْمَعْنَى وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ فَإِذَا جَذَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيَهُمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ إنَّهُ أَصَابَ الثمر الذمان أصابه مراص أَصَابَهُ قُشَامٌ عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ (إمَّا لَا فَلَا تبايعوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ الذَّمَانُ بِفَتْحِ الذَّالِ وتخفيف الميم عفن يصيب النخل فيسود فينشق أول ما يبدو فيها مِنْ عَفَنٍ وَسَوَادٍ وَالْمُرَاضُ بِضَمِّ الْمِيمِ دَاءٌ يقع في المثرة فَتَهْلِكُ وَالْقُشَامُ بِضَمِّ الْقَافِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَنْ يُنْتَقَصَ ثَمَرُ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ بَلَحًا (وَقَوْلُهُ) إمَّا لَا أَيْ إنْ لَمْ تَفْعَلُوا هَذَا فَلْيَكُنْ هَذَا وَأَصْلُهَا إنْ الشَّرْطِيَّةُ زِيدَتْ عليها ما وأدغمت فيها وأذخلت عَلَى لَا النَّافِيَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ حَدِيثَ زيد هذا يدل على أن النَّهْيَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إمَّا لَا وَلِقَوْلِ الرَّاوِي كَالْمَشُورَةِ لَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ يدل على أنه ليس بمحتم وَالتَّمَسُّكُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاوِي كَالْمَشُورَةِ لَيْسَ بالقوى فان كل أوامره صلى االه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَوَاهِيهِ لِمَصَالِحِهِمْ الْأُخْرَوِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَأَمَّا التمسك بقوله اما لا فلانه يقتضى أَنَّ النَّهْيَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ وَهُوَ الَّذِي نقدره محذوفا والذي نقدره محذوفا وَاَلَّذِي يَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ
إن لا ترجعوا عَنْ الْخُصُومَةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُ صُورَةَ التَّعْلِيقِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّعْلِيقَ فَإِنَّ رُجُوعَهُمْ عَنْ الْخُصُومَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ لَا يُعْلَمُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى الْحُكْمُ مَوْقُوفًا على ذلك فالمراد والله أعلم أنه أَنْشَأَ النَّهْيَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى إذْ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِلتَّعْلِيلِ وَمِمَّا يُرْشِدُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ حَتْمٌ قَوْلُهُ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ فَإِنَّهُ تَأْكِيدٌ لِلْمَنْعِ وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ القشيرى أكثر الامة على أن هذا النَّهْيَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ (أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَةَ فَبِمَ بأخذ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ بَيَانُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رحمه الله والدراوردي وَخَالَفَهُمَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ فَجَعَلَاهُ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ وَإِتْقَانُ مَالِكٍ رحمه الله وَضَبْطُهُ مَعَ كَوْنِهِ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وبكون أَنَسٌ قَالَهُ مِنْ كَلَامِهِ لَمْ يَأْتِ فِيهِ بِالرَّفْعِ وَأَنَّ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَوَى عَنْهُ كَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَيَثْبُتُ كَوْنُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ شَارِحِي التَّنْبِيهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه انْفَرَدَ عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ بِرَفْعِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ وَرَوَاهُ مَعَ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ كَمَا رَأَيْتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ قَسَّمَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بَيْعَ الثَّمَرَةِ إلَى قِسْمَيْنِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تُبَاعَ مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ الْأَشْجَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَبَيْعُ الثَّمَرَةِ حِينَئِذٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أقسام وهذ التَّقْسِيمُ أَحْسَنُ وَإِنْ شِئْتَ تَقُولُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تُبَاعَ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَبَيْعُهَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ (الثَّانِي) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ بِالْقَطْعِ يَزُولُ الْمَحْذُورُ مِنْ الْآفَةِ وَالْعَاهَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ في كتابه المحكى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى مَنْعَ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا جُمْلَةً لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَالشَّافِعِيُّ رضي الله عنه أَخَذَ جَوَازَ بَيْعِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) كَذَلِكَ قَالَ فِي الْأُمِّ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ
الَّتِي تُقْطَعُ لِآفَةٍ تَأَتِّي عَلَيْهَا فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ مَا يُتْرَكُ مُدَّةً تَكُونَ فِيهَا الْآفَةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ وَأَمَّا هَذِهِ العلة فمنصوصة ولاشك أن استفادة التعليل منه هَذَا الْكَلَامِ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى دَرَجَاتِ الْإِيمَاءِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَدِلَّةِ الْعِلَّةِ وَلَعَلَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَحِمَهُ
اللَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ فَلَعَلَّهُ لِذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ لَكِنْ فِي الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (مِنْهَا) قَوْلُهُ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ (وَمِنْهَا) قَوْلُهُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا يَعْنِي أَنَّهَا بَعْدَ الصَّلَاحِ تَأْمَنُ مِنْ الْعَاهَاتِ وَالْجَوَائِحِ غَالِبًا لِكِبَرِهَا وَغِلَظِ نَوَاهَا وَقَبْلَ الصَّلَاحِ تُسْرِعُ إلَيْهَا الْعَاهَاتُ لِضَعْفِهَا فَإِذَا تَلِفَتْ لم يبق شئ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ فَإِذَا شَرَطَ الْقَطْعَ عُرِفَ أَنَّ غَرَضَهُ هُوَ الْحِصْرِمُ وَهُوَ حَاصِلٌ وَقِيلَ مَعْنًى آخَرُ ضَعِيفٌ نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَهُوَ أَنَّهَا قَبْلَ بدو الصلاح (1) أجزائها كِبَرًا ظَاهِرًا مِنْ أَجْزَاءِ الشَّجَرَةِ وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ فَلَوْ سَمَحَ الْبَائِعُ بَعْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ عَلَى المشترى بترك الثمرة إلى بد والصلاح جاز لو طَالَبَهُ بِالْقَطْعِ لَزِمَهُ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ كَكِبَرِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَتَعُودُ الثَّمَرَةُ إلَى الْبَائِعِ وَقَدْ يَقْوَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَرَرَ إنَّمَا يَنْتَفِي بِأَخْذِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ قَبْلَ أَنْ يَتْلَفَ فَمَتَى لَمْ يُؤْخَذْ وَإِنْ كَانَ بِتَرَاضِيهِمَا فَالْغَرَرُ بَاقٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى عَدَمِ شَرْطِ الْقَطْعِ لَمْ يَصِحَّ وَطَرِيقُ الِانْفِصَالِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْمَحْذُورَ آفَةٌ تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَأْمُونٌ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ الْمُسْتَحَقَّ فِيهَا التَّسْلِيمُ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى إبْقَائِهَا وَحَصَلَتْ آفَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مَانِعَةً مِنْ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ أَوْ شَرَطَ التَّبْقِيَةَ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ المستحق بالعقد هو وقت الجذاذ فالآفة الحاصلة قَبْلَهُ مَانِعَةٌ مِنْهُ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ المتقدمين ما يشبه قولنا يحيى ابن أَبِي كَثِيرٍ الْيَمَانِيُّ التَّابِعِيُّ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ لِلْعَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ إذَا كَانَ يَحْصُدُهُ مِنْ مكانه فان عفل عَنْهُ حَتَّى يَصِيرَ طَعَامًا فَلَا بَأْسَ بِهِ.
(1) بياض بالاصل
(فَرْعٌ)
قَالَ فِي التَّتِمَّةِ إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ كالحصرم واللوز والبلح والمشمش فاما مالا مَنْفَعَةَ فِيهِ كَالْجَوْزِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْكُمَّثْرَى فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ
أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ فَرَّعَ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ فَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالْقَطْعِ فَلَمْ يَقْطَعْ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ.
(فَرْعٌ)
التَّسْلِيمُ فِي ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا هُوَ تَسْلِيمُ الثِّمَارِ فَتَكُونُ مُؤْنَةُ الْقَطْعِ عَلَى المشترى اولا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ فَتَكُونُ مُؤْنَةُ الْقَطْعِ عَلَى الْبَائِعِ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ الثَّانِي وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا لَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَطْعِهَا هَلْ يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ وَضْعِ الْجَوَائِحِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَبِيعَهَا مُطْلَقًا لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ للاحاديث وبه قال مالك وأحمد وإسحق وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه البيع جائز صحيح ويؤخذ الْمُشْتَرِي بِقَطْعِهَا فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي الْقَطْعَ لِأَنَّ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ التَّسْلِيمَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَالتَّسْلِيمُ لايتم إلَّا بِالْقَطْعِ وَعِنْدَنَا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ فَنَحْنُ نُخَالِفُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْأَصْلِ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التبقية لابعد الصَّلَاحِ وَلَا قَبْلَهُ وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ يَصِحُّ فِيهِمَا والاطلاق كشرط القذع وَنَحْنُ نَقُولُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ يَصِحُّ فِي الْحَالَيْنِ وبشرط التبقية يصح بعده ولا يصح وَالْإِطْلَاقُ كَشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ حَمْلَ الْعَقْدِ على الصحة اولى فينبغي ان تَنْزِيلُهُ عَلَى الْقَطْعِ لِيَصِحَّ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهَا وَعَلَى مَا شُرِطَ قَطْعُهَا وَعَلَى رَهْنِهَا وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ مُطْلَقًا فلا يكون تنزيلا على شرط التبقية لا طلاقه وَلَا عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لِلْإِجْمَاعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْخَصْمِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَأَيْضًا أَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَالْمَعْهُودُ مِنْ الْبَيْعِ إطْلَاقُ الْعَقْدِ دُونَ تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ فَصَارَ النَّهْيُ بِالْعُرْفِ مُتَوَجِّهًا إلَى الْمُطْلَقِ دُونَ الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الثِّمَارِ أَنْ تُؤْخَذَ وَقْتَ الْجِذَاذِ فَصَارَ الْمُطْلَقُ كَالْمَشْرُوطِ التَّبْقِيَةُ وَالتَّسْلِيمُ الْوَاجِبُ فِي الْعَقْدِ فِي كُلِّ شئ بِحَسَبِهِ وَلَيْسَ التَّسْلِيمُ بِالْقَطْعِ وَالتَّحْوِيلِ وَإِنَّمَا هُوَ بِرَفْعِ الْيَدِ وَالتَّمْكِينِ وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَقْدِ وَحَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ ثُمَّ يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَقَدْ يَتَقَيَّدُ الْمُطْلَقُ إذَا كَانَ هُنَاكَ عُرْفٌ يُقَيِّدُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ الْقَيْدُ إمَّا فِي التَّصْحِيحِ وَإِمَّا فِي الْإِفْسَادِ
وَلَيْسَ ذَلِكَ سَعْيًا فِي التَّصْحِيحِ وَلَا فِي الْإِفْسَادِ بَلْ هُوَ وَاقِعٌ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَيْدِ (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهَا فَلَا يَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ يَدْفَعُ النَّصَّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ مَا بَدَا صَلَاحُهُ يُخَامِرُ الْعَاهَةَ وَالْقِيَاسُ
عَلَى الْمَشْرُوطِ الْقَطْعُ مَرْدُودٌ بِتَقْدِيرِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ وَالْقِيَاسَ عَلَى الرَّهْنِ فَجَوَابُهُ أَنَّ لَنَا فِي رَهْنِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ قَوْلَيْنِ فان جوزنا فلان الرهن والهبة والوصية لاضرر في عقدها قبل بدو الصلاح لانه لاعوض فِي مُقَابَلَتِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا إذَا تَلِفَتْ ضَاعَ الثَّمَنُ ثُمَّ اعْتَرَضُوا بِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ راوية زيد ابن ثَابِتٍ وَقَوْلِهِ إنَّ النَّهْيَ كَانَ كَالْمَشُورَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا أَيْضًا عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ تَأْوِيلَ الرَّاوِي مَرْجُوعٌ إلَيْهِ إذَا احْتَمَلَ الْخَبَرُ أَمْرَيْنِ وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كتفسير التفرق في خيار المتبايعين وكقوله إلاها وَهَا تَفْسِيرُ عُمَرَ لَهُ (أَمَّا) فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ فَلَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ ظَاهِرَ راوية زَيْدٍ وَقَوْلِهِ إنَّهُ حَضَرَ تَقَاضِيَهُمْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَقَعَ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَلَا يُقَالُ وقت التقاضى بعد مدة إذَا كَانَ مَشْرُوطًا وَهَذَا الظَّاهِرُ مَشْرُوطٌ بِالْإِجْمَاعِ لانه متى شرط التبقية بطل ثم لاوجة لِتَمَسُّكِ الْحَنَفِيَّةِ بِهِ لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ شَرْطَ التَّبْقِيَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ كَمَا يَمْنَعُونَهُ قَبْلَهُ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ وَحَمَلَ الْغَزَالِيُّ فِي التَّحْصِينِ الْمَشُورَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى تَعَرُّفِ أَحْوَالِ الثَّمَرَةِ وَنَجَاتِهَا مِنْ الْعَاهَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالزَّهْوِ فَلَمَّا عَرَفَ الْعِلَّةَ بِالْمَشُورَةِ أَثْبَتَ حُكْمَ الشَّرْعِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّةِ كَمَا قَالَ لِلسَّائِلِ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ) وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَالَةَ الِاحْتِيَاجِ قَالَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ أَخْذِ الْمَالِ مَعَ تَوَقُّعِ الْهَلَاكِ على قُرْبٍ (قُلْتُ) وَقَدْ قَدَّمْتُ مَا يُرَجِّحُ تَأْوِيلَهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَمْوَالِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا فَيَتَبَيَّنَ الْأَحْمَرَ مِنْ الْأَصْفَرِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْ الثَّمَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ لِأَنَّهَا الْمُعْتَادُ فَلَوْ كَانَ فِي البلاد الشديدة الْبَرْدِ كَرْمٌ لَا تَنْتَهِي ثِمَارُهَا إلَى الْحَلَاوَةِ وَاعْتَادَ أَهْلُهَا قَطْعَ الْحِصْرِمِ فَفِي بَيْعِهَا وَجْهَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غير شرط القطع تنزيلا لعادتهم الْخَاصَّةِ مَنْزِلَةَ الْعَادَاتِ الْعَامَّةِ فَيَكُونُ الْمَعْهُودُ كَالْمَشْرُوطِ وَامْتَنَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَوْا تَوَاطُؤَ قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ بِمَثَابَةِ الْعَادَاتِ الْعَامَّةِ وَهَذَا الْخِلَافُ يجرى فيما
إذَا جَرَتْ عَادَةُ قَوْمٍ بِانْتِفَاعِ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَرْهُونِ وَالْقَفَّالُ يَرَى اطِّرَادَ الْعَادَةِ فِيهِ كَشَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ فَيَفْسُدُ
الرَّهْنُ وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى تَخْرِيجِ ذَلِكَ عَلَى مَهْرِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ مِنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ إعْمَالَ التَّوَاطُؤِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ إلْغَاءُ صَرِيحِ اللُّغَةِ الثَّابِتَةِ فَقَدْ لَا يُحْتَمَلُ وَمِنْ نَظَائِرِ ذلك ما إذا جَرَتْ عَادَةُ شَخْصٍ بِأَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ مِمَّا اسْتَقْرَضَ فَالْمَذْهَبُ جَوَازُ إقْرَاضِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَهَذِهِ مَسَائِلُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةُ الْمَأْخَذِ وَالْمُخَالِفُ فِي بَعْضِهَا لعله يخلف فِي الْبَاقِي وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُ فِي نَقْلِ مَسْأَلَةِ الْحِصْرِمِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَمَسْأَلَةِ الرَّهْنِ على الْقَفَّالِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالرَّافِعِيُّ نَقَلَ مَسْأَلَةَ الْحِصْرِمِ عَنْ الْقَفَّالِ (فَإِمَّا) لِنِسْبَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَيْهِ (وَإِمَّا) لِنَقْلٍ خَاصٍّ عِنْدَهُ وَفِي الْوَسِيطِ نَسَبَهُ إلَى الْمَنْعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْقَفَّالِ ونسبه إلى ابْنُ أَبِي الدَّمِ إلَى الْخَلَلِ وَالتَّهَافُتِ (أَمَّا) الْخَلَلُ فَلِمَا ذَكَرْتُهُ (وَأَمَّا) التَّهَافُتُ فَفِي قَوْلِهِ الْمَنْعُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ خَالَفَ مَنْ أَبْطَلَ فِي مسألة الحصرم وخالف من صحيح فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مُبَايِنٌ لِكَلَامِ الْقَفَّالِ لِأَنَّ الْقَفَّالَ اعْتَبَرَ الْعَادَةَ وَحْدَهَا وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ اعْتَبَرَ الْعَادَةَ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ لَا يَنْتَهِي إلى الحلاوة فقد يحتمل ذلك حالة كما له حَتَّى لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِقَطْعِ الْعِنَبِ الَّذِي يجئ مِنْهُ عِنَبٌ حِصْرِمٌ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَفَّالِ بِدُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَمِنْ ذَلِكَ يَخْرُجُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِصْرِمِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ النَّاقِلِينَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْعَادَةَ وَإِنَّمَا فَرَضْنَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعْتَادُ قَطْعُهُ حِصْرِمًا (أَمَّا) أَنَّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ فِي الْحُكْمِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ وَمَنْعُ الْقَفَّالِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَنْعِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَمَنْعِ وُجُوبِ التَّبْقِيَةِ فِي الْحِصْرِمِ وَحَمْلِ الْحِصْرِمِ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهُ لِقَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ إنَّ الْحِصْرِمَ أَوَّلُ الْعِنَبِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا حَمْلٌ حَسَنٌ أَيْضًا لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّ الْحِصْرِمَ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ مَعْنَاهُ أَوَّلُ الثَّمَرَةِ الَّتِي نِهَايَتُهَا عِنَبٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا أُمُورًا أَرْبَعَةً يَجِبُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهَا (أَحَدُهَا) الْعُرْفُ (وَالثَّانِي) الْعَادَةُ وَيَنْقَسِمُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى عَامٍّ وَخَاصٍّ وَالْعُرْفُ غَيْرُ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعُرْفِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَبَادُرِ الذِّهْنِ مِنْ لَفْظٍ إلَى مَعْنًى مِنْ اللَّفْظِ كَمَا تَقُولُ الدَّابَّةُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ عَامَّةٌ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْجَوْهَرُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ خَاصَّةٌ فِي الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَادَةِ مَا هُوَ مَأْلُوفٌ مِنْ الْأَفْعَالِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَهَذَانِ قِسْمَانِ مُتَغَايِرَانِ الْعَادَةُ وَالْعُرْفُ وَقَدْ تُجْعَلُ الْعَادَةُ أَعَمُّ وَتُقْسَمُ إلَى عَادَةٍ قَوْلِيَّةٍ وَهِيَ مَا سَمَّيْنَاهُ بِالْعُرْفِ وَعَادَةٍ فِعْلِيَّةٍ وَهِيَ مُقَابِلُهُ وَقَدْ يُطْلَقُ الْعُرْفُ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْأَمْرَانِ الْآخَرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُطْلَقُ فِي الْعُقُودِ وَفِي تَقْيِيدِ مُطْلَقِهَا وَتَفْسِيرِ مُجْمَلِهَا (وَالثَّانِي) مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُجْعَلُ كَأَنَّهَا شُرِطَتْ فِي الْعَقْدِ وَهَذَانِ أَمْرَانِ مُغَايِرَانِ أَيْضًا فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ إلَى تَنْزِيلِ لَفْظٍ مُطْلَقٍ جَرَى فِي الْعَقْدِ عَلَى مَعْنًى كَحَمْلِ الدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ الْمُتَعَارَفِ فِي الْبَلَدِ وَحَمْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى السَّلِيمِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دُونَ الْمَعِيبِ وَالثَّانِي يَرْجِعُ إلَى تقدير شرط مضموم إلَى الْعَقْدِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَاعْتِبَارُ الْعُرْفِ الْعَامِّ لاشك فِيهِ فِي تَقْيِيدِ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي دَابَّةً لَمْ يَشْتَرِ إلَّا ذَوَاتَ الْأَرْبَعِ وَالْعُرْفُ الْخَاصُّ كَالِاصْطِلَاحِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ أَلْفَيْنِ فِي مَهْرِ السِّرِّ وَمَهْرِ الْعَلَانِيَةِ (وَأَمَّا) الْعَوَائِدُ الْفِعْلِيَّةُ فَإِنْ كَانَتْ خَاصَّةً فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَإِنْ عَمَّتْ وَاطَّرَدَتْ فَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اعْتِمَادِهَا وَذَكَرُوا لَهَا أَمْثِلَةً (مِنْهَا) تَنْزِيلُ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فِي الْعُقُودِ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ وَهَذَا إنْ قَدَّمْتُهُ فِي قِسْمِ الْعُرْفِ فان هذه العادة أوجب اطاردها فَهْمُ أَهْلِ الْعُرْفِ ذَلِكَ النَّقْدَ مِنْ اللَّفْظِ فَالرُّجُوعِ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ مِنْ اللَّفْظِ إلَى الْعَادَةِ (وَمِنْهَا) أَنَّا لَا نُخْرِجُ الْمُتَكَارِسَ إلَى ذِكْرِ الْمَنَازِلِ وَتَفْصِيلِ كَيْفِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وَهَذَا مِثَالٌ صَحِيحٌ وَهِيَ مِنْ قِسْمِ مَا يَرْجِعُ إلَى تَقْدِيرِ شَرْطٍ مَضْمُومٍ إلَى الْعَقْدِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَحْوَالِ الْعُقُودِ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ كَالتَّسْلِيمِ وَالْقَطْعِ وَالتَّبْقِيَةِ كَبَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْبَهِيمَةِ الْمُكْرَاةِ وَالْمِقْدَارِ الَّذِي يُطْوَى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَوُجُوبِ تَسْلِيمِ الْإِكَافِ وَالثَّفْرُ وَاللِّجَامِ وَجَمِيعِ الادوات عند استئجار الدابة وضابطه لما غَلَبَ عَلَى وَجْهٍ يَسْبِقُ مُقْتَضَاهُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى الْفَهْمِ سَبَقَ الْمَنْطُوقَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يُعَدُّ التَّعَرُّضُ لَهُ مُسْتَقْصِيًا مُشْتَغِلًا بِمَا لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ وَكَثِيرًا مَا يُسَمِّي الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ عُرْفًا لِعُمُومِهِ وَلِأَنَّ فَهْمَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ صَارَ فِي الْعُرْفِ لِمَفْهُومِ اللَّفْظِ فَالْتَحَقَ بِالْعَادَةِ الْقَوْلِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ وَكُلُّ مَا يَتَّضِحُ فِيهِ اطِّرَادُ الْعَادَةِ فَهُوَ الْحُكْمُ وَمُضْمَرُهُ كَالْمَذْكُورِ صَرِيحًا وَكُلُّ مَا يَتَعَارَضُ لِلظُّنُونِ بَعْضَ التَّعَارُضِ فِي حُكْمِ الْعَادَةِ فِيهِ فَهُوَ مَثَارُ الْخِلَافِ يَعْنِي ما تتعارض الظنون في اطراده واما مالا يَطَّرِدُ جَزْمًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَقَدْ أَطْلَقَ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ الْعَادَةَ الْفِعْلِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ فَلَا تُخَصِّصُ عاما ولا تفيد مُطْلَقًا كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَلُبْسِ الْكَتَّانِ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا الْقَمْحَ وَلَا يَلْبَسَ إلَّا الْحَرِيرَ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ وَنَاقِلٌ لِلَّفْظِ وَالْفِعْلُ لَا يُنْقَلُ وَلَا ينسخ
وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّغَةِ وَإِطْلَاقُهُمْ فِي ذلك صحيح وَمَا قَدَّمْنَاهُ غَيْرُ مُعَارِضٍ لَهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
ثُمَّ أَشَارَ الْإِمَامُ أَيْضًا إلَى تَخْرِيجِ مَسْأَلَةِ قَطْعِ الْعِنَبِ حِصْرِمًا عَلَى خِلَافِ الاصحاب في أن الشئ النَّادِرَ إذَا اطَّرَدَ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ فِي بَعْضِ الْأَصْقَاعِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ الْعَامِّ فَيُعْفَى عَنْهُ وَقَطْفُ الْعِنَبِ حِصْرِمًا فِي غَايَةِ النُّدُورِ فَإِنْ فرط اطِّرَادُ عَادَةِ بُقْعَةٍ بِهِ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ النُّدُورِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صلاحها على شجرة مقلوعة
* قال الروياني لانص فِيهِ (قَالَ) وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا مِنْ دُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّهَا لَا تَنْمُو وَلَا تَأْخُذُ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّجَرَةِ لَوْ بَقِيَتْ عَلَيْهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا (قُلْتُ) وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَاسْتَضْعَفْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ لَا يُخْشَى عَلَيْهَا الْعَاهَةُ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ لِأَجْلِهَا فَإِنَّ هَذِهِ لَا يَجِبُ تَبْقِيَتُهَا عَلَى الشَّجَرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لِي.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَجِبُ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا الْخُوَارِزْمِيُّ وَعَلَّلَهُ بان العقد يحمل على العادة فِيهِ الْقَطْعُ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا بِيعَتْ الثِّمَارُ مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَشْجَارِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَقَطَعَ مِنْهَا شيئا قال الشافعي فيما نقله أحمد ابن بُشْرَى مِنْ نُصُوصِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ رده ولا أعلم له مِثْلًا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيمَتُهُ (قُلْتُ) وَمِنْ هُنَا أُسْنِدَتْ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ أَنَّ الْمَبِيعَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَالَ إنَّهُ يضمن بالقيمة واطلاق صاحب التنبيه يقتضيه فهذا النَّصِّ اسْتَفَدْنَا أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى ذَلِكَ بِشَرْطِ الْقَطْعَ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ حَتَّى بَدَا الصَّلَاحُ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَلِلْبَائِعِ الْإِجْبَارُ عَلَى الْقَطْعِ كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ تَجِبُ فِيهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لايجاب إلَى ذَلِكَ بَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ بِمُجَرَّدِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِهَا وَبَطَلَ الْبَيْعُ رَوَاهُ الْقَفَّالُ عَنْ الشَّافِعِيِّ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَانْهَالَتْ عَلَيْهَا حِنْطَةٌ أُخْرَى.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ وَهُوَ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَلْيَكُنْ الْبُطْلَانُ إنْ قِيلَ بِهِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ قَالَ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا فَضَلَ عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ يَجِبُ قَطْعُهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ فِيهِ
وَهُوَ لَا يُمْكِنُ فَلِذَلِكَ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ بَعْضِ الثِّمَارِ مَشَاعًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِمَا في ذلك من تعيير عَيْنِ الْمَبِيعِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إذَا بِيعَتْ الثِّمَارُ مَعَ الْأَشْجَارِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقَلَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّهِ فِي الرِّسَالَةِ وَقَدْ رَأَيْتُهَا فِي الْأُمِّ أَيْضًا فِي بَابِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ بَيْعَ الثَّمَرَةِ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا مَعَ الْحَائِطِ وَجَعَلْتُمْ لَهَا حصة من الثمن ولم يجيزوها عَلَى الِانْفِرَادِ (قِيلَ) بِمَا وَصَفْنَا مِنْ السُّنَّةِ وَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِالسُّنَّةِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لان أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَوَازَ بَيْعِ الدَّارِ بِطُرُقِهَا ومسيل مأنها وَأَفْنِيَتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثمرة التي لم يبد صلاحها تتبع في البيع ولو بيع شئ مِنْ هَذَا عَلَى الِانْفِرَادِ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يُبَاعُ بِجُمْلَةِ جَوَارِحِهِ وَلَوْ أُفْرِدَ بَعْضُهَا لَمْ يَجُزْ فَوَافَقَ فِي هَذَا وَخَالَفَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ بَعْضِ جَوَارِحِهِ مَعَ الْقَطْعِ أَيْضًا.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ يَعْنِي فِي الثَّمَرَةِ إذَا بِيعَتْ مَعَ الْأَصْلِ شَرْطًا لَقَالَ يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ الْقَطْعَ وَفِيهِ مَعْنًى وَهُوَ أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصْلِ فَعُفِيَ عَنْ الْغَرَرِ فِيهَا كَأَسَاسَاتِ الدَّارِ وَأُصُولِ الْجُذُوعِ وَطَيِّ الْآبَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى فَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَيْضًا وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْأَصْلَ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْعَاهَةِ وَالثَّمَرَةُ تَابِعَةٌ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ عَدَلَ عَنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى الْحَمْلِ وَكَأَنَّهُ لَحَظَ فِي ذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ أَجْزَاءٌ مِنْ الْمَبِيعِ حَقِيقَةً وَالثَّمَرَةُ وَالْحَمْلُ كُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِجُزْءٍ حَقِيقِيٍّ فَكَانَ قِيَاسُهَا عَلَيْهِ أَوْلَى وَلَكَ أَنْ تَقُولَ أَمَّا قِيَاسُهَا عَلَى الْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا إذَا بِيعَتْ الْأُمُّ وَدَخَلَ الْحَمْلُ تَبَعًا فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا إذَا صَرَّحَ بِدُخُولِهِ حَتَّى يَكُونَ كَمَسْأَلَتِنَا هُنَا فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الصِّحَّةُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ أَنَّ قَوْلَ الصِّحَّةِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ لِلْحَمْلِ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ
قِسْطٌ (وَأَمَّا) قِيَاسُهَا عَلَى الْأَسَاسِ فَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَأَسَاسِهَا لَكِنَّهُمْ أَجْرَوْا خِلَافًا فِي بَيْعِ الْجُبَّةِ وَحَشْوِهَا فَطَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَطَرِيقَةٌ مُجْرِيَةٌ لِلْخِلَافِ فَهَلَّا جَرَى فِي الثَّمَرَةِ مِثْلُ هَاتَيْنِ الطَّرِيقِينَ (فَإِنْ قُلْتَ) مَأْخَذُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ وَحَمْلِهَا وَالْجُبَّةِ وَحَشْوِهَا أَنَّهُ جَعَلَ الْمَجْهُولَ مَبِيعًا مَعَ الْمَعْلُومِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَمْلِ وَالْحَشْوِ يَمْتَنِعُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَالثَّمَرَةُ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَلَكِنْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ هَذَا الشَّرْطِ عِنْدَمَا تُبَاعُ وَحْدَهَا إيجَابُهُ إذَا بِيعَتْ مَعَ غَيْرِهَا وَلَا مِنْ الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ في مسألة الحمل الجبة الْقَوْلُ بِهِ هُنَا (قُلْتُ) يَرُدُّ ذَلِكَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه الَّذِي قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا بِجَوَازِ بَيْعِ الدَّارِ بِطُرُقِهَا وَمَسِيلِ مَائِهَا وَأَفْنِيَتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثَّمَرَةِ التي لم يبد صلاحها تتبع في البيع فَهَذَا النَّصُّ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي الْجَمِيعِ وَأَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا يَصِحُّ وَهُوَ رَأْيُ أَبِي زَيْدٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إذَا امْتَنَعَ الْبَيْعُ فِيهَا مُطْلَقًا وَهِيَ مُنْفَرِدَةٌ صَارَتْ غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلْبَيْعِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَقْصُودًا مَعَ غَيْرِهِ كَالْحَمْلِ وَكَيْفَمَا قَدَرَ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ عَلَى الْحَمْلِ إلَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا (وَالْمَشْهُورُ) خِلَافُهُ فَكَيْفَ سَاغَ لِلْمُصَنَّفِ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ.
وَمِمَّنْ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْحَمْلِ الرَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْإِشْكَالُ عَلَيْهِ أَشَدُّ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ بَيْعَ الْأُمِّ وَحَمْلَهَا لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ (وَأَمَّا) الْمُصَنِّفُ فَلَعَلَّهُ يَرَى الصِّحَّةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ قَالَ إنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا وَالْجُبَّةِ وَقُطْنِهَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْحَشْوَ قُطْنٌ وَقَالَ إنَّ مَسْأَلَةَ الْحَمْلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ لَا يَعْنِي إنْ قُلْنَا لَهُ قِسْطٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ وَيَتَّفِقُ وُجُودُهُ وَاسْتَشْهَدَ لِلصِّحَّةِ فِي بيع الشاة ولبها بِبَيْعِ الدَّارِ وَحُقُوقِهَا وَالْجَوْزِ وَلُبِّهِ وَالرُّمَّانِ وَحَبِّهِ عَلَى أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إنَّهُ يَجُوزُ تَخْرِيجُهُمَا أَعَنَى الْجَوْزَ وَلُبَّهُ وَالرُّمَّانَ وَحَبَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فَبِالْجُمْلَةِ الرَّافِعِيُّ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الْحَمْلِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ مِمَّنْ يَرَى الصِّحَّةَ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ يَعْضُدُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ وَيُقَوِّي الْإِشْكَالَ عَلَى الْقِيَاس عَلَيْهِ وَقَدْ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ
لِخَفَاءِ مَأْخَذِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ انْتِفَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنْ الْإِمَامِ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَهُوَ امْتِصَاصُهَا مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِيمَا إذَا بَاعَهَا مَعَهَا أَوْ نَقُولُ بِأَنَّهَا إذَا بَاعَهَا مَعَ الشجر حَصَلَ تَسْلِيمُهَا تَامًّا فَحَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ الْعَاهَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِكُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِ بَيْعِهَا وَحْدَهَا مَعْقُودٌ فِي بَيْعِهَا مَعَ الشَّجَرَةِ فَتَعْلِيلُ الصِّحَّةِ بِهَذَا الْمَأْخَذِ أَسْلَمُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِمَا عَرَفْتَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُ مَا حَكَيْتُهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِمَسِيلِهَا وَأَفْنِيَتِهَا وَطُرُقِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَكَيْفَ يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى أَمَاكِنَ لَمْ يَرَهَا الْعَاقِدُ (قُلْتُ) يُغْتَفَرُ ذَلِكَ تَبَعًا كَالْأَسَاسِ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ مَا دَخَلَ فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ وَكَانَ جزأ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مَعَهُ كَحَشْوِ الْجُبَّةِ وَالْأَسَاسِ وَمَا كَانَ خَارِجًا عَنْ مُسَمَّاهُ وَلَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْهُ ظَاهِرُ النَّصِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَسِيلَ وَالطُّرُقَ خَارِجَةٌ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَالْحَمْلُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَالْجُزْءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ فِيهِ وَإِنْ صَحَّ في تبلك تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ وَلِهَذَا قال الشافعي في كتاب الصرف ولاخير في أن يبيع الرجل الدابة ويشترط عقابها هَذَا كُلُّهُ إذَا جَعَلَهُ مَقْصُودًا بِأَنْ قَالَ بعنك النَّخْلَةَ وَثَمَرَتَهَا أَوْ الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) مَا ادَّعَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ النَّخْلَةَ بِشَرْطِ أَنَّ ثَمَرَتَهَا لَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ صحيح لاشك فيه للحديث ما إذَا أَتَى بِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ النَّخْلَةَ وَثَمَرَتَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ المالكية لكن مذهب مالك أنه لاحصة لِلثَّمَرَةِ مِنْ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ مَذْهَبُهُ إذَا اشْتَرَاهَا مُشْتَرِي النَّخْلَةِ بَعْدَ شِرَاءِ النَّخْلَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مَعَ الْأُصُولِ وَلَا فِيهَا إلَّا بِالِاشْتِرَاطِ فَقَطْ أَخْذًا بِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَلِلْأَوَّلِينَ أَنْ يَقُولُوا إنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِدْخَالِهَا بِالشَّرْطِ إلَّا إدْخَالُهَا فِي الْبَيْعِ وَإِلَّا فَهِيَ لَا تَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَمَتَى أَدْخَلَهَا فِي الْبَيْعِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ فَقَدْ صَارَتْ مَبِيعَةً مَعَ الشَّجَرِ نَعَمْ هل تقابل بقسط من الثمن أولا جَزَمَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ هُنَا بِأَنَّهَا تُقَابَلُ بِقِسْطٍ وَقَالَ فِي الْحَمْلِ هُنَا إنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يقابل أيضا.
(فَرْعٌ)
هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الْأُصُولِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ القطع لا خلاف في المذهب فيه أَعْلَمْهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله بَلْ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ وَسَبَقَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ إنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ بَطَلَ (قُلْتُ) يُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَصْلَ فَإِنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِيهِ حَجْرٌ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ يُعَيِّنُ مَا قَالَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وُجُوبُهُ وَعَلَّلَ الْخُوَارِزْمِيُّ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ يَضُرُّ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ مُقْتَضَاهُ الْإِبْقَاءُ ثُمَّ استشكله بأن ما يحمل على مُطْلَقُ الْعَقْدِ مِنْ الْعَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَصِيرُ قَضِيَّةً لَازِمَةً كَالْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْحُلُولِ وَالنَّقْدِ الْغَالِبِ ثُمَّ لَوْ عَيَّنَ نَقْدًا لَا أَجَلًا صَحَّ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِيمَا إذَا شَرَطَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ أَنْ لَا يَكْسُوَهُ إلَّا كَذَا أَنْ يَصِحَّ وَيُلْغَى الشَّرْطُ وَهَهُنَا الْقَبْضُ بِالتَّخْلِيَةِ بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ تَحْصُلُ فِي الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ مَعًا إذْ الثَّمَرَةُ تَابِعَةٌ لِلشَّجَرَةِ فِي التَّسْلِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ بَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يشمل مااذا بَدَتْ مِنْ أَكْمَامِهَا وَكَانَتْ مَرْئِيَّةً وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَفْتُ عَلَى كلامهم من الاصحاب أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِمَسِيلِهَا وَطُرُقِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّلْعِ فِي قِشْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (أَمَّا) إذَا مَنَعْنَاهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا تَبَعًا كَمَا سَقَطَ شرط القطع ويحتمل أن لاكما لَوْ بَاعَهَا مَعَهَا بَعْدَ الصَّلَاحِ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا مِنْ مَالِكِ الْأَشْجَارِ بِأَنْ كَانَ يَمْلِكُ أَصْلَهَا بِبَيْعٍ مُتَقَدِّمٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى لَهُ بِثَمَرَةٍ وَمَاتَ الْمُوصِي فَمَلَكَهَا وَبَقِيَتْ الْأُصُولُ لِلْوَرَثَةِ إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ مَالِكِ الْأُصُولِ هَلْ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَادَّعَى ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى تَرْجِيحِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ ثِمَارَ نَفْسِهِ عَنْ أَشْجَارِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ شُرَطَ الْقَطْعُ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزُّرُوعِ وَاعْتَرَضَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذكره المصنف بالفرق بانه إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ مُتَوَقَّعَةً
مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (وَأَمَّا) إذَا بَاعَهَا مَعَ الشَّجَرَةِ فَعَلَى تَقْدِيرِ تَلَفِ الثَّمَرَةِ يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ فَلَا يَكُونُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالْجُمْهُورِ عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذا جمعها عقد واحد أن العقد إذا جمعها كَانَتْ الثَّمَرَةُ تَابِعَةً مُعْفًى عَنْ الْغَرَرِ فِيهَا كَالْأَسَاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُفْرِدَتْ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ مَعَ تَصْحِيحِهِ لِهَذَا الْوَجْهِ إنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ المذهب وقال في أيجابه ان أَعْنِي أَظْهَرَ الْقَوْلَيْنِ (1) هُوَ الْقِيَاسُ وَفِي هَذَا الكلام أن الخلاف قولان لاوجهان.
(فَرْعٌ)
عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَذَا الشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي تَعْلِيلِهِ (2) وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ وَأَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ نَظَرًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ بَعْضُهُمْ وَيُمْكِنُ بِنَاءُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ فِي مَنْعِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إنْ عَلَّلَ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَخْذُ الثَّمَرَةِ بِتَقْدِيرِ التَّلَفِ بِغَيْرِ عِوَضٍ اقْتَضَى الْبُطْلَانَ هُنَا وَإِنْ عَلَّلَ بِأَنَّ توقع التلف قبل الجذاذ يمنع تحقق التَّسْلِيمِ اقْتَضَى الصِّحَّةَ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُتَحَقِّقٌ فَإِنَّ الاصل في ملك المشترى فلا علقة لِغَيْرِهِ فِي الْمَبِيعِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْوَجْهِ إنَّ سَبَبَ التَّصْحِيحِ فِي بَيْعِهِمَا مَعًا أَنَّ الْأَصْلَ الشَّجَرُ وَالثِّمَارُ فِيهَا وَإِنْ ذُكِرَتْ تَابِعَةً لَهَا فَلَا يَضُرُّ تَعَرُّضُ الْعَاهَةِ لَهَا وَلَا كَذَلِكَ إذَا بِيعَتْ مُنْفَرِدَةً قَالَ وَهَذَا الْقَائِلُ تَخَيَّرَ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّسْلِيمَ لَا يحصل بذلك والالم يَصِحَّ لَهُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّوْجِيهِ وَهُوَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إنَّ مَنْ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ وَنَحْوُهَا إذَا ابْتَاعَهَا وَوَفَّرَ الثمن لابد مِنْ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ لِيَحْصُلَ الْقَبْضُ وَفَارَقَ مَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ النَّخْلِ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّخْلِ شَمِلَهُمَا وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيِّ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَقْيَسُ وَمَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْقِيَاسِ فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلْنَرْجِعْ إلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ) وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ شَمِلَ قِسْمَيْنِ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ الْمُجْمَعُ عَلَى بُطْلَانِهِ وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ الَّذِي خَالَفَنَا فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْقِسْمَيْنِ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا يُنْقَلُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ إلَى قَوْلِهِ وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ وَبَيَانُهُ فِي ذكر حججنا وحجج
*
(1 و 2) بياض
بالاصل
الْخَصْمِ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ هُوَ الْقِسْمُ الَّذِي تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ ثَانِيًا وَادَّعَى جَمَاعَةٌ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَتَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) لابد يأخذه قبل أن يتلف يَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ وَإِلَّا فَقَدْ يَتَرَاضَيَانِ عَلَى بَقَائِهِ وقد تقدم ان يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَنَا (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ الْأَصْلِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَمْ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّ حُكْمَ الْغَرَرِ يُسْقِطُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْغَرَرَ لَا يَنْتَفِي وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ شَرْعًا (وَقَوْلُهُ) كَالْغَرَرِ فِي الْحَمْلِ يُسْقِطُ حُكْمَهُ إذَا بِيعَ مَعَ الْأَصْلِ ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَارُ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (وَالْأَصَحُّ) فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَصْلَ إلَى آخِرِهِ هُوَ هَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي شَرَحْتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي الْقِسْمُ الْآخَرُ الَّذِي بَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ بَيْعِ الثِّمَارِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَأَطْلَقَ ثُمَّ بَاعَ مِنْ مُشْتَرِيهَا النَّخْلَ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ بَيْعُهُ النَّخْلَ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بَلْ هُوَ مُقِرٌّ عَلَى بُطْلَانِهِ وَأَبْدَى الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ تَخْرِيجَ وَجْهٍ فِيهِ مِمَّا إذَا زَارَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ بَيْنَ النَّخِيلِ ثُمَّ سَاقَاهُ عَلَيْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَبَيَّنُ بِالْمُسَاقَاةِ بَعْدَهَا صِحَّةُ الْمُزَارَعَةِ عَلَى بُعْدٍ مِنْ اسْتِبْعَادِهِ لِهَذَا الْوَجْهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْوَجْهِ صِحَّةٌ وَثُبُوتٌ فَلَا بُدَّ مِنْ طَرْدِهِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ إذا تقدمت واستأجر عَنْهُ بَيْعَ الْأَشْجَارِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الثِّمَارِ (وَأَمَّا) الزُّرُوعُ فَقَدْ أَدْرَجَهَا الْمُصَنِّفُ مَعَ الثمار وأجراهما مجرى واحد وَالْأَقْسَامُ الَّتِي فِي الثِّمَارِ عَائِدَةٌ بِعَيْنِهَا فِي الزُّرُوعِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا مُفْرَدَةً عَنْ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَرْضِ قَبْلَ الِاشْتِدَادِ فَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَوْ مُطْلَقًا بَطَلَ للحديث وهو قوله (وعن السنبل حيت يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ) وَقِيَاسُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَجْوِيزِهِ الْبَيْعَ فِي الثِّمَارِ مُطْلَقًا أَنْ يُجَوِّزَهُ فِي الزُّرُوعِ أَيْضًا وَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثِّمَارِ وَخَالَفَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى كَمَا خَالَفَا هُنَاكَ فَقَالَا لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَاتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءُ الْمَشْهُورُونَ وَسُفْيَانُ وابن أبي ليلى أيضا على أنه لافرق في الزرع في
السنبل والفصيل يمتنع بيع الفصيل مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَخَالَفَ ابْنُ حَزْمٍ الظاهري فجوزوه تمسكا
بِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ السُّنْبُلِ قَالَ ولم يأت في منع بيع الزرع مذ يَنْبُتُ إلَى أَنْ يُسَنْبِلَ نَصٌّ أَصْلًا وَرُوِيَ عن أبي إسحق الشَّيْبَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ عَنْ بَيْعِ الْقَصِيلِ فَقَالَ لَا بَأْسَ فَقُلْتُ إنَّهُ سُنْبُلٌ فَكَرِهَهُ قَالَ وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ حُكْمَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ مَعَ الْمُصَنِّفِ فِي الزَّرْعِ الماوردى والرافعي وغيرهما.
ولو باع الفت أَوْ الْقَصِيلَ بِشَرْطِ أَنَّهُ يَرْعَى دَوَابَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُجْعَلُ هَذَا كَشَرْطِ الْقَطْعِ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ.
(وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ اتَّفَقُوا فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى اشْتِرَاطِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ (أَمَّا) الْبَقْلُ إنْ بِيعَ مَعَ الْأُصُولِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ وَإِنْ بِيعَ دُونَ الْأُصُولِ يَنْزِلُ عَلَى الْقَطْعِ قَالَ ابن أبي الدم يريد به أنه لابد من شرط القطع قال الامام لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيهِ وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ يحيى في محيطه إنه لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْبَسِيطِ فِي الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ فِي الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يُشْتَرَطُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فِي هَذَا بَلْ مَتَى أطلق نزل العقد على شرط القطع خوف مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ وَلَفْظُ الشَّيْخِ فِي الْوَسِيطِ يُشْعِرُ بِهِ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ مَا ذَكَرْتُهُ هَذَا كَلَامُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الْأَشْبَهَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذلك لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي يُجَذُّ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ أَنْ يَنْتَهِيَ فَيَجُوزُ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وعليه ويحمل كَلَامُ الْغَزَالِيِّ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ مَا بَدَا صَلَاحُهُ فَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا لا يجوز أن يباع لقرط الاجذة وَاحِدَةً عِنْد بُلُوغِ الْجِذَاذِ وَيَأْخُذُ صَاحِبُهُ فِي جذاذ عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ وَقَالَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنَّهُ إذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ أَيَّامًا وَقَطْعُهُ مُمْكِنٌ فِي أَوَّلٍ مِنْهَا كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَدَعَ الْفَضْلَ الَّذِي لَهُ بِلَا ثَمَنٍ أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ (قُلْتُ) وَهَذَا حَمْلٌ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَمُرَادُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ مَا سَيَأْتِي عَنْهُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَأَنَّهُ جَعَلَ لِذَلِكَ النَّوْعِ حَالَةَ إصْلَاحٍ وَلَكِنَّ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي اعْتَضَدَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ تَرْكَهُ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَاطٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ يَكُونُ هَذَا نَوْعًا مِمَّا بَدَا صَلَاحُهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ التَّبْقِيَةِ وَيَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ
الْقَطْعِ وَالْإِطْلَاقِ لَكِنْ يَكُونُ هَذَا فِيمَا يُعْتَادُ جَذُّهُ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ صَلَاحًا فِيهِ (أَمَّا) الزَّرْعُ الَّذِي يُعْتَادُ إبْقَاؤُهُ فَمَتَى بَاعَهُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَسَدَ سَوَاءٌ كَانَ بَقْلًا أَوْ قَصِيلًا أَوْ سُنْبُلًا مَا لَمْ يَشْتَدَّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
أيضا لا يجوز بيع القصيل الاعلى أَنْ يَقْطَعَ مَكَانَهُ مِمَّا يَسْتَخْلِفُ أَوْ لَا يستخلف ولا يزيد وهذا الص يُحْمَلُ عَلَى مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَلَا ينافي ماقاله ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي نَتَكَلَّمُ فيه هنا (وأما) الول الَّذِي يَكُونُ وَصَلَ إلَى حَالَةِ صَلَاحٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي بَيْعِ مَا بَدَا صَلَاحُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ لَا يُبَاعَ الزَّرْعُ مَعَ الْأَرْضِ فَيَجُوزَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا مَرَّ فِي الثِّمَارِ مَعَ الْأَشْجَارِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ الْمُصَنِّفِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَبَقِيَّةُ لاصحاب وَالْمَبَاحِثُ الْمُتَقَدِّمَةُ هُنَاكَ عَائِدَةٌ هُنَا (تَنْبِيهٌ) إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ بَيْعِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ مَعَ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يَتَسَنْبَلْ بَعْدُ أَوْ تَسَنْبَلَ وَلَمْ يَشْتَدَّ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْحَبُّ الَّذِي فِي السُّنْبُلِ غَيْرِ الْمُشْتَدِّ مَرْئِيًّا كَالشَّعِيرِ أَوْ غَيْرَ مَرْئِيٍّ كَالْحِنْطَةِ وَإِنَّمَا فَصَلُوا بَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فان كانت التبعية تَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ فِي ذَلِكَ فَيَنْبَغِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الثِّمَارِ أَيْضًا (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) إذَا بَاعَ الزَّرْعَ وَحْدَهُ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ فَهُوَ كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بِالْجَوَازِ وَذَكَرَ هَهُنَا الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الزَّرْعِ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالرُّويَانِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَمُقْتَضَى نَصِّهِ الَّذِي نَقَلُوهُ عَنْ الرَّهْنِ أَيْضًا يَدُلُّ لَهُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَقْتَصِرُونَ عَلَى حُكْمِ الثِّمَارِ وَكَأَنَّهُمْ مُكْتَفُونَ بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ حُكْمِ الزَّرْعِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فَعَلَى قَوْلِنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لَوْ شَرَطَ فِيهِ الْقَطْعَ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي.
(فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا إذَا بَاعَ الزَّرْعَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَرْضَ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ صَاحِبِ الْأَصْلِ فَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ الْمَالِكُ فَلَوْ بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ مُسْتَأْجَرِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ يُفْرَضُ فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا وَبَاعَ الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَرَاضَيَا عَلَى إبْقَائِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مُطْلَقًا هَلْ يَكُونُ
كَالْمَالِكِ أَوْ لَوْ كَانَ الْمَالِكُ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلْمَنْفَعَةِ بِأَنْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً مَثَلًا هَلْ يَسْتَمِرُّ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْمَالِكَ فِي هذا الوقت لايد لَهُ وَلَا مَنْفَعَةَ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَأَمَّا) الثَّمَرَةُ فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا الْبَابِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ بالارض لانه يَصِحُّ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُ الْقَطْعِ قَالَهُ الْقَاضِي حسين وصاحب التتمة الخوارزمي وَهُوَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَعَلَى قِيَاسِهِ إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ بِالشَّجَرَةِ.
(فَرْعٌ)
قَدْ تَقَدَّمَتْ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي المنع عن بيع الثمار قيل بُدُوِّ الصَّلَاحِ (وَمِنْهَا) مَا هُوَ مُطْلَقٌ (وَمِنْهَا) مَا هُوَ وَارِدٌ فِي النَّخْلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ جَمِيعَ الثِّمَارِ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ وَأَنَّهُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَطَابَ أَوَّلُهُ حَلَّ بيعه.
(فرع)
لافرق فِي الثِّمَارِ بَيْنَ مَا يُجَذُّ كَالْبَلَحِ وَالْبُسْرِ أَوْ يُقْطَفُ كَالْحِصْرِمِ وَالْعِنَبِ أَوْ يُجْمَعُ كَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَكَذَلِكَ التُّفَّاحُ وَالْكُمَّثْرَى وَالْخَوْخُ والجوز واللوز والرانج كلها تجرى فِيهَا الْأَقْسَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْآتِيَةُ فِي بَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَعْدَهُ وَمُنْفَرِدَةً وَتَابِعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْفُجْلُ الْمَغْرُوسُ فِي الْأَرْضِ وَالسَّلْجَمُ وَالْجَزَرُ وَالسَّلْقُ إذَا اشْتَرَى وَرَقَهُ فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ جَازَ أَوْ التَّبْقِيَةَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ اشْتَرَى أَصْلَهُ الْمَغْرُوسَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ قُلْنَا بَيْعُ الْغَائِبِ بَاطِلٌ أَوْ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ عَلَى صِفَتِهِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمَا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا بَاعَ أَصْلَ الْكُرَّاثِ مَعَ الْكُرَّاثِ صَحَّ الْعَقْدُ وَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَلَوْ بَاعَ الْعُرُوقَ بِدُونِ الْكُرَّاثِ لَمْ يَصِحَّ وَيَكُونُ بَيْعَ الْغَائِبِ وَبَيْعَ الْمَجْهُولِ وَلَوْ بَاعَ الْقَصَبَ الْفَارِسِيَّ وَمَا يَتَكَرَّرُ قَطْعُهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْكُرَّاثِ وَقَالَ فِي الْجَوْزِ وَنَحْوِهِ إذا كان الارض ويكن بعضه ظاهر مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالصُّبْرَةِ إذَا رَأَى ظَاهِرَهَا دُونَ بَاطِنِهَا وَسَيَأْتِي عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْبُقُولَ الَّتِي تَتَزَايَدُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ لَهَا حَالَةُ كَمَالِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ في المولدات باع نصف ثمرة على رؤس النَّخْلِ قَبْلَ زُهُوِّ الثَّمَرَةِ فَالْبَيْعُ
بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْسَمَ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ نِصْفَ زَرْعِهِ بَقْلًا وَكَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزَّرْعِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ جَمِيعًا وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى نِصْفِ الزَّرْعِ وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ آخِرَ مَسْأَلَةٍ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَفْتَقِرُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ مُشَاعًا إلَّا بِقَطْعِ
الْكُلِّ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِنُقْصَانِ عَيْنِ الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ مااذا بَاعَ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ سَيْفٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ وَعَلَيْهَا سَقْفُ دَارٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِهَدْمِ الدَّارِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ قَطْعَ النِّصْفِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِقَطْعِ الْكُلِّ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ بِتَقْدِيرِ دَوَامِ الْإِشَاعَةِ وَامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ (أَمَّا) إذَا جَوَّزْنَا قِسْمَةَ الثِّمَارِ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا إفْرَازٌ فَيُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الْكُلِّ بِأَنْ يُقْسَمَ أولا فَلْيَكُنْ مَنْعُ الْقَوْلِ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ لَا مُطْلَقًا وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ ابن الحداد قال القاضي أبو الطيب وهو الصَّحِيحُ (قُلْتُ) قَدْ قَدَّمْتُ فِي بَابِ الرِّبَا فِي جَوَازِ قِسْمَةِ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لَا يَجُوزُ قَطْعًا وَفِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَهِيَ الَّتِي رَجَّحَهَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْمَحَامِلِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا إفْرَازٌ (وَالثَّانِي) تَخْرِيجُهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بيع ومحل الطرق الثلاث على مانبه عَلَيْهِ الْمَحَامِلِيُّ مَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (أَمَّا) قبل بدو لاصلاح فَلَا يَجُوزُ جَزْمًا وَإِنْ كَانَ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا وَفُتِيَا ابْنِ الْحَدَّادِ هُنَا وَمَنْ وَافَقَهُ صَحِيحَةٌ فِي غَيْرِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ جَزْمًا وَفِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ إمَّا جَزْمًا عَلَى مَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِمَّا عَلَى الْأَصَحِّ إذَا جَعَلْنَا الْخِلَافَ مُطْلَقًا وَمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ تَخْرِيجِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا أَمَّا الْأَصَحُّ عِنْدَهُ فِي الْقِسْمَةِ وَقَدْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ قِسْمَةَ ذَلِكَ تبع فيكون الاصح عنده على متقضي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهَا وَإِنْ كَانَ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ حَكَى اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ فِي قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى مَا أَفْهَمَهُ نَقْلُ الرَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ مِنْ آخِرِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي ادَّعَاهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْبُطْلَانِ وَأَنَّ ابْنَ الْحَدَّادِ عَلَّلَهُ بِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ فِي التَّعْلِيلِ وَأَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ
الصَّحِيحُ مَا عَلَّلَ بِهِ ابْنُ الْحَدَّادِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ فَالتَّصْحِيحُ حِينَئِذٍ فِي التَّعْلِيلِ وَلَا خِلَافَ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي بَابِ بيع الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ إنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ القوم حائط فيه التمر لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَأَرَادُوا اقْتِسَامَهُ فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ بِالثَّمَرَةِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لَوْ بَدَا صَلَاحُهَا لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لِلنَّخْلِ وَالْأَرْضِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ وَلِلثَّمَرَةِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ فتقع الثمرة مجهوله لابخرص وَلَا تَبَعٍ وَلَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ إلَّا أَنْ يَقْتَسِمَا الْأَصْلَ وَتَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا إنْ كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ أَوْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ
غَيْرَ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا بِالْخَرْصِ قَسْمًا مُنْفَرِدًا وَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَقْتَسِمَا الثَّمَرَةَ مَعَ النَّخْلِ اقْتَسَمَاهَا بِبَيْعٍ مِنْ الْبُيُوعِ فَيُقَوِّمَا كُلَّ سَهْمٍ بِأَرْضِهِ وَشَجَرِهِ وَثَمَرِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهَذَا الْبَيْعِ لَا بِقُرْعَةٍ وَإِذَا اخْتَلَفَ فَكَانَ نَخْلًا وَكَرْمًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يقسم احداهما بِالْآخَرِ وَفِيهِمَا ثَمَرَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَفَاضُلِ الثمرة بالمثرة تُخَالِفُهَا رِبًا فِي يَدٍ بِيَدٍ انْتَهَى فَهَذَا نَصٌّ فِي امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَأَوَّلُهُ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَيْضًا لَكِنَّ قَوْلَهُ غَيْرَ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا بِالْخَرْصِ قَسْمًا مُنْفَرِدًا يَقْتَضِي جَوَازَ قَسْمِهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَاعْلَمْ) أَنَّ ابْنَ الْحَدَّادِ عَلَّلَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ بِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ كَمَا رَأَيْتَ وَغَلَّطَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي التَّعْلِيلِ وَقَالَ لَيْسَ الْعِلَّةُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِسْمَتُهَا فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ قُلْنَا قِسْمَتُهَا صَحِيحَةٌ وَإِنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَطْعِ لَا يَصِحُّ فِيهَا لِأَنَّ نِصْفَهَا مُشَاعًا لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالتَّعْلِيلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ كَذَلِكَ قَالَ فِي الصُّلْحِ لَوْ كَانَ الزَّرْعُ بين الرجلين وصالح أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الزَّرْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ أَخْضَرَ وَلَا يُجْبِرُ شَرِيكَهُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ منه شيئا ومتقضى هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ عِلَّةَ ابْنِ الْحَدَّادِ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ وَأَنَّ الْقَائِلَ الْآخَرَ خَالَفَهُ فِي التَّعْلِيلِ وَعَمَّمَ الْحُكْمَ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الثِّمَارِ صَحَّ بَيْعُهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ يَصِحُّ فِيهِ فَيَبِيعُ نِصْفَ الثَّمَرَةِ أو نصف الزرع بشرط القطع لم يُطَالِبُهُ بِالْقِسْمَةِ فِي الْحَالِ فَيُقَاسِمُهُ ثُمَّ يَقْطَعُهُ (وَأَمَّا) إذَا قُلْنَا لَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ فَبَاعَ نِصْفَهَا بِشَرْطِ قَطْعِ الْجَمِيعِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَطْعِ مَا لَمْ يَبِعْ وَالشَّرْطُ فِيهِ لَا يَصِحُّ وَلَا
يُمْكِنُ قَطْعُ الْمَبِيعِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ مُشَاعٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ امْتِنَاعُ الْقِسْمَةِ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الثِّمَارَ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهَا وَكَفَى بِهَذَا النَّصِّ الَّذِي فِي الصُّلْحِ دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ قِسْمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِجَوَازِ بَيْعِهَا غَيْرَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَمَا أَفْهَمُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ التَّمَسُّكُ بِمَفْهُومِ ذَلِكَ عَلَى إثْبَاتِ خِلَافٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِهِ عَلَى امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ والجزم بامتناع البيع ههنا وكيف ما قَدَرَ فَالْمَنْعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمَّا
أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحَ أَوْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِهِ وَإِذَا نَظَرْتَ إلَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ بِمُجَرَّدِهِ وَمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا جَوَّزْنَا قِسْمَةَ الثِّمَارِ الرَّطْبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا إفْرَازٌ وَمَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ تَخْرِيجَهَا عَلَى ذَلِكَ هو الصحيح وفي ذهنك أن قسمته الْمُمَاثِلَاتِ إفْرَازٌ تَوَهَّمْتَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحِيحَ الْجَوَازُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الزَّرْعُ لَا يَجُوزُ جَزْمًا لِأَنَّهُ لَا تجوز قمسته خرصا جزما الثمار غَيْرُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبُ كَذَلِكَ وَالرُّطَبُ وَالْعِنَبُ يَجْرِي فِيهِمَا الْخَرْصُ وَفِي قِسْمَتِهِمَا خَرْصًا خِلَافٌ الْمَنْقُولُ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ الْجَوَازُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهَا بَيْعٌ فَيَكُونُ الْأَظْهَرُ امْتِنَاعَ الْبَيْعِ فِي ذلك العجب مِنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ كَيْفَ صَرَّحَ هُنَا يبيع الزَّرْعِ عَلَى قِسْمَتِهِ مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ قِسْمَةُ غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ خَرْصًا وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ تَجُوزُ قِسْمَتُهُ خَرْصًا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ لَنَا وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّ الْخَرْصَ يَجْرِي فِي غَيْرِ الرطب والعنب فيجئ عَلَى مُقْتَضَاهُ خِلَافٌ فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ خَرْصًا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْأَصْحَابُ قَالُوا فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ إنَّ بِيعَ بَعْضِ الثِّمَارِ مُشَاعًا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ (قُلْتُ) صَحِيحٌ لِأَنَّ التَّبْقِيَةَ تَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ تَبْقِيَةَ الْبَاقِي إذَا لم تجز القمسة بِالْخَرْصِ وَلَيْسَ فِيهَا تَغْيِيرُ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَوْ بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مَعَ نِصْفِ النَّخْلِ صَحَّ وَكَانَتْ الثِّمَارُ تَابِعَةٌ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا إذَا بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مَعَ جَمِيعِ الشَّجَرَةِ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فَلَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ فِي ذَلِكَ اُحْتُمِلَ
أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُهُ فِي بَيْعِ كُلِّ الثَّمَرَةِ مَعَ كُلِّ الْأَصْلِ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى بِالْفَسَادِ لِأَجْلِ امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ أو الارض لواحد والثمرة أو الرزع لِآخَرَ فَبَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ النَّخْلِ أَوْ نِصْفَ الزَّرْعِ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا مِنْ صَاحِبِ الْأَصْلِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزَّرْعِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الثَّمَرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وان الاصح الاشتراط فيجئ عيه أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الثِّمَارُ وَالْأَشْجَارُ أَوْ الزُّرُوعُ وَالْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرَةِ لَمْ يَصِحَّ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ إنْ اشْتَرَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ لَا مُطْلَقًا وَلَا بِشَرْطِ القطع على أالاصح فَأَشْعَرَ بِخِلَافٍ وَلَعَلَّهُ الَّذِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَيْعِ نِصْفِ
الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ مَشَاعًا عَلَى قَوْلِنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ وَلَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَوْ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنْ بَاعَهُ مُطْلَقًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ لِأَنَّ جُمْلَةَ الثِّمَارِ أَوْ الزَّرْعِ تَصِيرُ لِلْمُشْتَرِي وَجُمْلَةَ الشَّجَرِ أَوْ الْأَرْضِ تَصِيرُ لِلْآخَرِ وَعَلَى مُشْتَرِي الثَّمَرَةِ أَوْ الزَّرْعِ قَطْعُ الْكُلِّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ قَطْعَ النِّصْفِ الْمُشْتَرَى بِالشَّرْطِ وَالْتَزَمَ تَفْرِيغَ الْأَشْجَارِ وَالْأَرْضِ لِصَاحِبِهِ وَبَيْعُ الشَّجَرَةِ أَوْ الْأَرْضِ عَلَى أَنْ يُفَرِّغَهَا لِلْمُشْتَرِي جَائِزٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزُّرُوعِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الثِّمَارِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ أَوْ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالثَّمَرَةُ أَوْ الزَّرْعُ لِاثْنَيْنِ فَاشْتَرَى صَاحِبُ الشَّجَرَةِ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ بِنِصْفِ الشَّجَرَةِ أَوْ اشْتَرَى صَاحِبُ الْأَرْضِ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنِصْفِ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ إذَا بَاعَ الْكُلَّ مِنْ صَاحِبِ الْأَصْلِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَأَمَّا إذَا بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ أَوْ نِصْفَ الزَّرْعِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَرْضِ فَيُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي لَوْ كَانَ الزَّرْعُ لَهُمَا وَالْأَرْضُ لاحدهما فباع أحدهما نصيبه من الزرع البقل مِنْ صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ لَا مُطْلَقًا وَلَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِاثْنَيْنِ وَالزَّرْعُ لِوَاحِدٍ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَالْحُكْمُ وَاضِحٌ وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ فَيُخَرَّجُ
عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ بَاعَ الْكُلَّ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ بَاعَ النِّصْفَ مِنْ أَحَدِهِمَا يُخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إنْ قُلْنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ لِوَاحِدٍ وَالْأَرْضُ لِآخَرَ فَبَاعَ الزَّرْعَ بِالْأَرْضِ فَقَدْ تَقَدَّمَ وَلَوْ بَاعَ صَاحِبُ الزَّرْعِ زَرْعَهُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِنِصْفِ أَرْضِهِ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ إذَا بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ مَالِكِ الارض بشرط القطع فالقعد صَحِيحٌ وَيُشْتَرَطُ الْقَطْعُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ كُلَّ الزَّرْعِ مَبِيعٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِي النِّصْفِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ وَلَا يُمْكِنُ إفْرَازُ النِّصْفِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِيهِ لان النصف لايعرف إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَلَوْ اشْتَرَى جَمِيعَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الزَّرْعِ فِيهَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَإِطْلَاقُ صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ نِصْفِ الزَّرْعِ مَشَاعًا يَشْمَلُهُ وَلَوْ بَاعَ جَمِيعَ الزَّرْعِ مَعَ نِصْفِ الْأَرْضِ قَالَ فِي التَّتِمَّة لَا يَجُوزُ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي هُوَ مَبِيعٌ مَعَ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ فِيهِ وَالنِّصْفَ الَّذِي هُوَ مَبِيعٌ دُونَ
الارض لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَشَرْطُ الْقَطْعِ فِي النِّصْفِ لَا يُمْكِنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ اسْتَثْنَى نِصْفَ الثمرة غير المؤبرة فقد فِي مَوْضِعِهِ.
(فَرْعٌ)
رَأَيْتُ فِي الْمُطَارَحَاتِ لِابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ إنْ بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ مَشَاعًا مَعَ جَمِيعِ الْأَرْضِ جَازَ فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ بَعْضِ الْأَرْضِ أَوْ دُونَ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ فِي النُّسْخَةِ.
(فَرْعٌ)
فِي رَهْنِ الثَّمَرَةِ وَهِبَتِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ خِلَافٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ إنْ يَسَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ.
(فَرْعٌ)
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ نَصِّهِ وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ نِصْفِ الثَّمَرَةِ جُزَافًا قَالَ أَحْمَدُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.
(فَرْعٌ)
الْبِطِّيخُ لَهُ أَحْوَالٌ (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يبيعه مع الارض فيتسغني عَنْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَتَكُونَ الْأَرْضُ كَالشَّجَرَةِ (وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يُفْرِدَ أُصُولَ الْبِطِّيخِ بِالْبَيْعِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمْ يَجُوزُ وَلَا حَاجَةَ إلَى شرط القطع إذ لَمْ يَخَفْ الِاخْتِلَاطَ ثُمَّ الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ يَبْقَى لِلْبَائِعِ وَمَا يَحْدُثُ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ عَلَى مَا إذَا أَطْلَعَتْ النَّخْلَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَانَ بَعْضُ ثَمَرَتِهَا مُؤَبَّرَةً حِينَ الْبَيْعِ لِأَجْلِ
أَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ حَمْلًا وَاحِدًا وَهَذِهِ بُطُونٌ وَإِنْ خِيفَ اخْتِلَاطُ الْحَمْلَيْنِ فلابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنْ شُرِطَ فَلَمْ يُتَّفَقْ حتى وقع الاختلاط فطريقان سنذكر هما فِي نَظِيرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ باع الاصول قبل خروج الحمل فلابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ الْقَلْعِ كَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فَإِذَا شَرَطَهُ ثُمَّ اتَّفَقَ بَقَاؤُهُ حَتَّى خَرَجَ الْحَمْلُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ الِانْتِفَاعُ الْمَقْصُودُ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَبِيعَ الْبِطِّيخَ مَعَ أُصُولِهِ مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَرْضِ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الصحة وقال الامام والغزالي والمتولي لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْبِطِّيخَ مَعَ أُصُولِهِ مُتَعَرِّضٌ لِلْعَاهَةِ بِخِلَافِ الشَّجَرِ مَعَ الثَّمَرَةِ وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ هَذَا مِنْ تَفَقُّهِ الْإِمَامِ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ وَاعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى فَهْمِهِ لِكَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرَّافِعِيُّ أَبْدَى ذَلِكَ تَخْرِيجًا فَقَالَ قَضِيَّةُ مَا نَقَلْنَاهُ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَحْدَهَا إذَا لَمْ يَخَفْ الِاخْتِلَاطَ انه لا حاجة لشرط الفطع فَلْيُعْلَمْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَاوِ وَكَذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مُتَعَيِّنٌ إمَّا أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْ بِالْمَنْعِ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) مُقْتَضَى
كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْفُورَانِيِّ وَالْإِمَامِ يَلْزَمُهُ الْفَرْقُ بين بيع الاصول وحدها وبيع الْأُصُولِ وَحْدَهَا وَبَيْعِ الْأُصُولِ مَعَ الْبِطِّيخِ حَيْثُ قَالَ بِالصِّحَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَمَنَعَ فِي الثَّانِي وكيف ما قُدِّرَ فَالصَّحِيحُ مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ من اطلاق الصحة في المواضعين وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي ذَلِكَ (الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) أَنَّ يَبِيعَ الْبِطِّيخَ وَحْدَهُ دُونَ أُصُولِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ بَدَا الصَّلَاحُ فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ يُخَافُ خُرُوجُ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ من شرط القطع فان شرط فلم يطقع فَفِي الِانْفِسَاخِ لِلْبَيْعِ قَوْلَانِ يَأْتِي نَظِيرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الِاخْتِلَاطَ إذَا حَصَلَ يَبْطُلُ الْبَيْعُ أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَبْطُلُ فَيَصِحُّ هَهُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ تَوَقُّعِ التَّلَفِ أَنَّ الْمَالِيَّةَ هُنَاكَ تَذْهَبُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهَا الْخَبَرُ وَلَا كَذَلِكَ هَهُنَا وَإِنْ كَانَ لَا يُخَافُ خُرُوجُ غَيْرِهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَالْبَاذِنْجَانُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَنَحْوُهُ كَالْبِطِّيخِ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بدا صلاحها جاز بيعها بشرط القطع لحديث ابن عمر رضى الله عنه ولانه إذا جاز بيعه
بشرط القطع قبل بدو الصلاح فلان يجوز بعد بدو الصلاح أولى ويجوز بيعها مطلقا للخبر ولانه أمن من العاهة فجاز بيعتها مطلقا كسائر الاموال ويجوز بيعها بشرط التبقية إلى الجذاذ للخبر ولان اطلاق البيع يقتضي التبقية إلى أوان الجذاذ فإذا شرط التبقية فقد شرط ما يقتضيه الاطلاق فجاز) .
(الشَّرْحُ) الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ الثَّانِي أَنْ يَبِيعَ الثِّمَارِ بَعْدَ
بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَسَّمَهُ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَالتَّبْقِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ إلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ لِأَحْكَامٍ تَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَهَذَا جَائِزٌ إجْمَاعًا وَمِمَّنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُسْتَنَدُهُ أَمَّا مَفْهُومُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَشِبْهِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَإِنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهَا عِنْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَأَمَّا زَوَالُ الْحَالَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّحْرِيمِ فَيَرْجِعُ إلَى أَصْلِ حِلِّ الْبَيْعِ عِنْدَ مَنْ لَا يقول بالمفهوم وهذا لابد مِنْ الِاعْتِضَادِ بِهِ فَإِنَّ فِي التَّمَسُّكِ بِالْمَفْهُومِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بَحْثًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ المفهوم له عموم أولا قَالَ شَارِحُ الْبُرْهَانُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إنْ اسْتَنَدَ الْمَفْهُومُ إلَى طَلَبِ فَوَائِدِ التَّخْصِيصِ لَمْ يَعُمَّ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ عَمَّ وَعَزَى الْأَوَّلَ إلَى الشَّافِعِيِّ لَكِنَّا قَدَّمْنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنْ صَحَّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ اُتُّجِهَ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْخَبَرِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَلَا احْتِيَاجَ إلَى الِاعْتِضَادِ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ هَلْ إذَا شُرِطَ الْقَطْعُ يَجِبُ قَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَجِبُ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى التَّرْكِ جَازَ وَكَذَلِكَ يَأْتِي هَهُنَا بطريق أولى قال الامام ولاشك ان هذه يَعْنِي جَوَازَ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطَّرِدٌ فِي ابْتِيَاعِ الشَّجَرَةِ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ الْمَغْرِسِ وَابْتِيَاعُ الْبِنَاءِ كَذَلِكَ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَبِيعَهَا مُطْلَقًا فَيَجُوزَ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِلْخَبَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ وَبِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ الله عنه
وَالْأَصْحَابُ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْمُشْتَرِي تَرْكُهَا إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه يَجِبُ عَلَى
الْمُشْتَرِي قَطْعُهَا فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ وَإِطْلَاقُهُ عِنْدَنَا يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ بِالْعُرْفِ وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ مُطْلَقًا يُوجِبُ تَبْقِيَتَهَا إلَى أَوَانِ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ لَمْ تَكُنْ تُعَرَّضُ لِلْجَائِحَةِ والتلف وقال الحنيفة إنَّ هَذَا كَمَنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ ولم يتعرض لدراهم ولا لدنانير وكانت قميته فِي الْعُرْفِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالْعُرْفُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَاقِدَ لَا يَشْتَرِيهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَمَعَ ذَلِكَ الْعَقْدُ بَاطِلٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ فِي الْعُرْفِ من أطلق الالف اتكالا على العرف يُنْسَبُ إلَى الْجَهْلِ وَمَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِبْقَاءِ وَطَمِعَ فِي الْإِبْقَاءِ لَا يُنْسَبُ إلَى الْجَهْلِ وَلَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا بِتَرْكِهِ (الْحَالَةُ الثالة) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَيَصِحَّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ تَمَسُّكًا بِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي مُقْتَضَى هذا العقد الخاص التبقية وَعَنْ الثَّانِي بِمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلِلْبَائِعِ فِيهَا مَتَاعٌ فَإِنَّهُ يَنْقُلُهُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ وَتَمَسَّكَ الْمُصَنِّفُ وَأَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ وَمَفْهُومِ الاغية فيه وقد تقدم ما في ذلك لاسيما وَأَبُو حَنِيفَةَ يُنْكِرُ مَفْهُومَ الْغَايَةِ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ بَعْضُ الْمُنْكَرِينَ لِلْمَفْهُومِ وَالتَّمَسُّكُ بِالْقِيَاسِ مَبْنِيٌّ عَلَى اقْتِضَاءِ الْعُرْفِ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا جَازَ بَيْعُهَا وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَنْعَ الذي كان
قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَرْتَفِعُ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَوَاضِعِهَا فَالشَّعِيرُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ فِي سُنْبُلِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَمَرَةٍ بَارِزَةٍ كَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى أَوْ زَرْعٍ بَارِزٍ حَبُّهُ فِي غَيْرِ كِمَامٍ كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مَسْتُورًا بِقِشْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَصْلَحَتُهُ فِي بَقَائِهِ فِيهَا كَالرُّمَّانِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْأُرْزِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَأَمَّا مَا عَلَيْهِ قِشْرَةٌ يَتَحَفَّظُ بِغَيْرِهَا كالقطن والسمسم والعدس أو قشرتان أو كَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَالْجَوْزِ وَإِمَّا كَالْبَاقِلَّاءِ وَاللَّوْزِ وَالرُّطَبِ فَلَا يَجُوزُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْعَ الْبَاقِلَاءِ وَبَيْعَ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ شَرْحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى بِقَوْلِي إنَّ الْمَنْعَ الْأَوَّلَ ارْتَفَعَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ جَوَابٌ عَلَى تَمَسُّكِ الْخَصْمِ بالمفهوم ون قُلْنَا إنَّ لَهُ عُمُومًا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي
ارْتِفَاعَ ذَلِكَ النَّهْيِ أَمَّا ارْتِفَاعُ النَّهْيِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا كَقَوْلِهِ (أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ) فَهِيَ إذَا وَضَعَتْ يَرْتَفِعُ النَّهْيُ الَّذِي لاجل النسب يبقى النَّهْيُ لِأَجْلِ الْأَذَى حَتَّى تَغْتَسِلَ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْعُ الزَّرْعِ وَحْدَهُ إنْ كَانَ بَذْرًا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَصِيلًا جَازَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ بَارِزًا كَانَ كالشعير والجاروش وَالدُّخْنِ أَوْ مُتَسَنْبِلًا فِي كِمَامٍ فَقَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ فَإِنْ بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ الزَّرْعِ فَإِنْ كَانَ أَخْضَرَ صَحَّ فِيهِمَا أَوْ مُشْتَدَّ الْحَبَّاتِ بَارِزًا فَكَذَلِكَ أَوْ مُسْتَتِرًا فَإِنْ أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ فِيهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ بَطَلَ هَهُنَا فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ صَحَّحْنَا فِيهِ مفردا وَلَكِنْ نُثْبِتُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فَهَهُنَا قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ.
(فَرْعٌ)
قَصَبُ السُّكْرِ صَلَاحُهُ فِي بَقَائِهِ فِي قِشْرِهِ كَالْجَوْزِ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ وَقَدْ صَرَّحَ
الْمَاوَرْدِيُّ بِجِوَازِ بَيْعِهِ إذَا بَدَتْ فِيهِ الْحَلَاوَةُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْلَا جَوَازُ بَيْعِهِ فِي قِشْرِهِ لَمَا جَازَ بَيْعُهُ عِنْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَيَبْقَى إلَى أَوَانِ قَطْعِهِ.
(فَرْعٌ)
الْكَتَّانُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهِ لِأَنَّ مَا يُغْزَلُ مِنْهُ ظَاهِرٌ مَرْئِيٌّ وَالشَّاشُ فِي بَاطِنِهِ كَالنَّوَى فِي التَّمْرَ وَنَحْوِهِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالنَّوَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْبَقْلُ إذَا بِيعَ مَعَ الْأُصُولِ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يشترط القطع فان لَا يَتَعَرَّضُ لِعَاهَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَتِّ وَالْبُقُولِ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ الْقَطْعِ سَوَاءٌ كان مما يجذ مرار أو لا يجذ الامرة وَاحِدَةً غَيْرَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَا يُجَذُّ مِرَارًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَا يَجُوزُ قَلْعُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْأَصْلَ وَمَا لَمْ يُجَذَّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَجُوزُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا بَاعَ أَصْلَ الْكُرَّاثِ مَعَ الْكُرَّاثِ صَحَّ وَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَلَوْ بَاعَ الْعُرُوقَ بِدُونِ الْكُرَّاثِ لَمْ يَصِحَّ وَيَكُونُ بَيْعَ الْغَائِبِ وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ الَّتِي فِيهَا الْكُرَّاثُ أَوْ الرَّطْبَةُ فَأُصُولُهَا تَدْخُلُ في العقد كالصول الاشجار وما ظهر لايدخل وَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِجَذِّهِ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ الْقَصَبُ الفارسي وما يتكرر قطعه حكمه حكم الكراث وَالْفَرْقُ عَلَى رَأْيِ الْغَزَالِيِّ بَيْنَ الْبَقْلِ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأُصُولِهِ إلَّا بِدُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَبَيْنَ
الْبِطِّيخِ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ أُصُولِهِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ أُصُولِ الْبِطِّيخِ هُوَ الَّذِي تَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ دُونَ مَا بَطَنَ مِنْ عُرُوقِهِ وَلِهَذَا إذَا قُطِعَ الظَّاهِرُ لَمْ يُخَلِّفْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْآفَةُ مُتَعَرِّضَةٌ لما
* ظَهَرَ مِنْ أُصُولِهِ كَتَعَرُّضِهَا لِنَفْسِ الْبِطِّيخِ وَلِهَذَا يؤثر فيها الحر والصقيع ونحوها كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْبِطِّيخِ فَلِذَلِكَ اسْتَوَيَا فِي الحم وَلَا كَذَلِكَ مَا يُخَلِّفُ مِنْ أُصُولِ الْبُقُولِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ الَّذِي فِي الْأَرْضِ وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ تِلْكَ الْآفَاتِ الَّتِي تُخْشَى عَلَى أُصُولِ الْبِطِّيخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ بِيعَ الْبَقْلُ دُونَ الْأُصُولِ قَالَ الْغَزَالِيُّ يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ يَعْنِي لان العرف يقتضيه ولايحتاج إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فَإِنَّ الْعُرْفَ فِيهِ الْإِبْقَاءُ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَطْعُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ رَأَى التَّسْوِيَةَ فِي ذَلِكَ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي كَلَامِهِ بِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي يُجَذُّ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ انْتَهَى جَازَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
(فَرْعٌ)
فَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مَعَ الْأُصُولِ وَالزَّرْعَ بَعْدَ أَنْ اشْتَدَّ حَبُّهُ مَعَ الْأَرْضِ نَظَرْتُ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ ظَاهِرَةً أَوْ كَانَ الزَّرْعُ كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَنَحْوِهَا وَالْقُطْنِ إذَا ظَهَرَ جَمِيعُهُ جَازَ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مُشَاهَدٌ وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرَّانِجِ فِي قِشْرِهِ وَكَانَ الْحَبُّ غَيْرَ ظَاهِرٍ كَالْحِنْطَةِ وَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَمَا أَشْبَهَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ بَيْعُهَا مُفْرَدًا جَازَ مَعَ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَجُوزُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِيهَا لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَجْهُولٌ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الشَّجَرَةِ وَالْأَرْضِ يُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تُفَرَّقُ أَوْ تُفَرَّقُ ولكن يجوز بالقسط بطل في الجميع (وَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ بِكُلِّ الثَّمَنِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَمْسِكَ الْأَصْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ مَا دَفَعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا التَّفْصِيلُ كُلُّهُ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَافَقَنَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ فَأَشْبَهَ اشْتِرَاطَ تَرْكِ الْقُمَاشِ فِي الدَّارِ
(قُلْنَا) الشَّجَرَةُ لَا تؤجر ولا أجرة لها بخلاف الدار.
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ أَنْ يَطِيبَ أَكْلُهَا فان كان رطبا بان يحمر أو يصفر وإن كان عنبا أسود بان يتموه وإن كان أبيض بأن يرق ويحلو وان كان زرعا بان يشتد وان كان بطيخا بأن يبدو فيه النضج وان كان قثاء بأن يكبر بحيث يؤخذ ويؤكل والدليل عليه ماروى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى بسود وعن الثمرة حتى تزهي)(وروى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهْي عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تطعم)) .
(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ وَفِي رِوَايَةٍ ثَمَرِ النَّخْلِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْهُ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا يَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْجَمِيعَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ قَدَّمَ ذِكْرَ الثَّمَرَةِ عَلَى الْحَبِّ وَالْعِنَبِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَفْظُهُمَا عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطِيبَ وَعِنْدَهُمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ رضي الله عنه (أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشْقَحَ فَقِيلَ وَمَا تُشْقَحُ قَالَ تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْهَا) وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ (وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُطْعَمَ) كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فإذا أردت عز وحديث جَابِرٍ الَّذِي فِي الْكِتَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قُلْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ يَتَمَوَّهُ قَالَ ابْنُ أَبِي
عَصْرُونٍ يَدُورُ فِيهَا الْمَاءُ الْحُلْوُ وَيَصْفُو لَوْنُهَا وَقَوْلُهُ يَشْتَدُّ أَيْ يَصْلُبُ وَيَقْوَى وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ حَتَّى يُطْعِمَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَبَطَهُ ابْنُ الْبَدْرِيِّ أَنَّهُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ أَيْضًا وَهِيَ خَطَأٌ قَالَ مَعْنَاهُ حَتَّى تَصِيرَ طُعْمًا وَقِيلَ تَبْلُغُ حِينَ تُطْعَمُ وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ) وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ لِأَنَّ وَقْتَ اشْتِدَادِهِ وَقْتُ مَبَادِي بَيَاضِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرِ بِطُلُوعِ الثُّرَيَّا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ أَنْ يُوجَدَ فِي الثَّمَرَةِ مَا يُؤْكَلُ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّ بُدُوَّ
الصَّلَاحِ بِقُوَّةِ الثَّمَرَةِ وَاشْتِدَادِهَا وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ مُحَقَّقٍ يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَكَانَ ابْنُ عمر نما أَطْلَقَ طُلُوعَ الثُّرَيَّا لِأَنَّهُ أَوَانُ طِيبِ الثَّمَرَةِ غَالِبًا عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَبَايُنُ الْأَلْفَاظِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ اخْتِلَافٍ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ يَرْجِعُ إلَى تَغَيُّرِ صِفَةٍ فِي الثَّمَرَةِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ وَهُوَ عَلَى اختلافه راجع إلى شئ وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ طِيبُ الْأَكْلِ وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ اعْتَبَرَ الِاشْتِدَادَ فِي الْحَبِّ وَالِاسْوِدَادَ فِي الْعِنَبِ وَالزَّهْوَ فِي الثَّمَرَةِ وَحَدِيثَ جَابِرٍ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الطَّعْمِ فِي الثَّمَرَةِ وَهِيَ تَشْمَلُ الْعِنَبَ وَغَيْرَهُ فَيَكُونُ اعْتِبَارَ الِاسْوِدَادِ وَشَبَهِهِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلطَّعْمِ لَا لِعَيْنِهِ فَلِذَلِكَ
قَالَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى تَطِيبَ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَا يَصِحُّ ضَبْطُهُ بِطُلُوعِ الثُّرَيَّا لِأَنَّ مِنْ الْبِلَادِ مَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرِ أَوْ يَتَقَدَّمُ بَلْ الْبَلَدُ الْوَاحِدُ قَدْ يَتَعَجَّلُ فِي عَامٍ لِاشْتِدَادِ الْحَرِّ وَدَوَامِهِ وَيَتَأَخَّرُ فِي آخَرَ لِاشْتِدَادِ الْبَرْدِ وَدَوَامِهِ وَطُلُوعُ الثُّرَيَّا لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّهَا تَطْلُعُ بَعْدَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ بشنس قالوا وكذلك اعتباره بالا كل لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ثِمَارَ النَّخْلِ تُؤْكَلُ طَلْعًا وبلحا والكرم يؤكل حصر ما وليس ذلك صلا حاله وَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ بِالْقُوَّةِ لِأَنَّ قُوَّةَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ صَلَاحِهَا وَإِذَا صَلُحَتْ لَانَتْ وَنَضِجَتْ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه إلَى اخْتِلَافِ بدو الصلاح في اجناس الثمار بقوله.
وللحرير نُضْجٌ كَنُضْجِ الرُّطَبِ فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ فِيهِ حل بيع حريره.
وَالْقِثَّاءُ تُؤْكَلُ صِغَارًا طَيِّبًا فَبُدُوِّ صَلَاحِهِ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ أَوْ عِظَمُ بَعْضِهِ (وَاعْتَرَضَ) عَلَيْهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد بِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه أَرَادَ أَنْ يعلمنا أنه يحب القصاء فَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ أَوْ أَنْ يُعْلِمَنَا المحسوسات ولايجوز أَنْ يُعْلِمَ النَّاسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ ضَرُورَةً (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَصَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا طَعْمُهُ فِي الِابْتِدَاءِ مُخَالِفٌ لِمَا يَكُونُ فِي النِّهَايَةِ وَأَنَّ الْقِثَّاءَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي ابْتِدَائِهِ وَصِغَرِهِ طَعْمُهُ كَطَعْمِهِ فِي حَالِ كِبَرِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الثِّمَارِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي ابْتِدَائِهَا حَامِضَةً أَوْ مُرَّةً ثم تصير حلو وأكثر الاصحاب ل يذكروا البدو الصَّلَاحِ ضَابِطًا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ بَلْ جَعَلُوهُ مُخْتَلِفًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وجلمة الثِّمَارِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَا يَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ بِاللَّوْنِ وَذَلِكَ فِي النَّخْلِ بالاحمرار والاصفرار وفي الكرم
بالحمرة أالسواد أو الصفاء وَالْبَيَاضِ (وَأَمَّا) الْفَوَاكِهُ الْمُتَلَوِّنَةُ (فَمِنْهَا) مَا يَكُونُ صَلَاحُهُ بِالصُّفْرَةِ كَالْمِشْمِشِ (وَمِنْهَا)
مَا يَكُونُ بِالْبَيَاضِ كَالتُّفَّاحِ (قُلْت) وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا يَتَلَوَّنُ عِنْدَ الْإِدْرَاكِ بِلَوْنٍ يُخَالِفُ اللَّوْنَ السَّابِقَ وَجَعَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَوْعًا مِنْ التُّفَّاحِ يَكُونُ أَخْضَرَ فِي حَالِ كَمَالِهِ كَمَا يَكُونُ فِي صِغَرِهِ قَالَ فَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ بِطِيبِ طَعْمِهِ وَحَلَاوَتِهِ وَكَذَلِكَ جَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْعِنَبَ الْأَبْيَضَ وَمَا قَالَاهُ ظَاهِرٌ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِالطَّعْمِ فَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْحَلَاوَةِ كَقَصَبِ السُّكَّرِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْحُمُوضَةِ كَالرُّمَّانِ فَإِذَا زَالَتْ الْمَرَارَةُ بِالْحُمُوضَةِ أَوْ الْحَلَاوَةُ فَقَدْ بَدَا صَلَاحُهُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا بدو صلاحه بالنضج كلنين والبطبخ فإذا لانت صلاحبته بَدَا صَلَاحُهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ طيب أو الحلاوة العبارات الثَّلَاثُ مُتَقَارِبَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي البطيخ الخيار والباذنجان حكمهما حم البطيخ الا في شئ واد وَهُوَ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِيهِمَا لَيْسَ أَنْ يكبر ويتناهي لانهما لا يؤكلان في تبلك الْحَالَةِ وَلَكِنْ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْحَدِّ الَّذِي يُقْصَدُ تَنَاوُلُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِذَا كَانَ فِي جُمْلَةِ الصَّفْقَةِ وَاحِدَةٌ قَدْ بَلَغَتْ الْحَدَّ فَهُوَ وَقْتُ إبَاحَةِ بَيْعِهِ (الرابع) ما بدا صَلَاحِهِ بِالْقُوَّةِ وَالِاشْتِدَادِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَإِذَا بَدَتْ قوته واشتد بدا صلاحه (الخامس) ما بدا صلاحه بالطول والامتلاء كالعلف والبقول القصب فَإِذَا تَنَاهَى طُولُهُ وَامْتِلَاؤُهُ إلَى الْحَدِّ الَّذِي يُجَذُّ عَلَيْهِ بَدَا صَلَاحُهُ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وسنذكر في آخر الكلام في عا عَنْ الْإِمَامِ فِي الْقُرْطِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْبُقُولِ يُخَالِفُ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْلَى لِمَا سَنَذْكُرُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي إجَازَتِهِ بَيْعَ الْبُقُولِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ تابع للصميمرى وقال ابن الرفعة متعذرا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ إنَّ
الْقَصَبَ إذَا انْتَهَى إلَى تِلْكَ الْحَالِ لَا يَبْقَى عُرْفًا بَلْ الْعُرْفُ قَطْعُهُ فَاكْتَفَى بِهِ كما اكتفى به في التبيقة فِي الثَّمَرَةِ لِعَدَمٍ (1) وَهَذَا الِاعْتِذَارُ يَقْتَضِي أَنَّ القطع واجب وانا يُتْرَكُ شَرْطُهُ اكْتِفَاءً بِالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ انْتَهَى بَعْضُهُ إلَى هَذَا الْحَالِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَاسْتَحَقَّ التَّبْقِيَةَ فِي الْبَاقِي إلَى أَوَانِ قَطْعِهِ (السَّادِسُ) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِالْعِظَمِ والكبر كالفثاء وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ (السَّابِعُ) مَا بُدُوُّ
صَلَاحِهِ بِانْشِقَاقِ كِمَامِهِ كَالْقُطْنِ وَالْجَوْزِ فَإِذَا تَشَقَّقَ جَوْزُ الْقُطْنِ وَسَقَطَتْ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا عَنْ جَوْزِ الْأَكْلِ بَدَا صَلَاحُهُ وَمَقْصُودُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا تشقق بعضه جاز بيع المشقق مِنْهُ وَغَيْرِ الْمُشَقِّقِ إذَا نَظَمَهُمَا الْعَقْدُ وَغَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ قَبْلَ التَّشَقُّقِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِانْتِشَارِهِ وَإِنَّمَا سَبَقَ الْكَلَامُ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ (الثاني) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِانْفِتَاحِهِ وَانْتِشَارِهِ كَالْوَرْدِ وَالنَّيْلُوفَرِ فإذا تفتح المنضم منه واتشر فَقَدْ بَدَا صَلَاحُهُ وَوَرَقُ التُّوتِ بُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَصِيرَ كَأَرْجُلِ الْبَطِّ هَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَنْ تَنْتَهِيَ الثَّمَرَةُ أَوْ بَعْضُهَا إلَى أَدْنَى أَحْوَالِ كما لها هَكَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا مَا فِي ضِمْنِهِ مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا نَقَلَهُ فِي وَرَقِ التُّوتِ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ بَيْعَ أَوْرَاقِ الْفِرْصَادِ قَبْلَ تَنَاهِيهَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَلِذَلِكَ رَأَى الرَّافِعِيُّ أَنْ يَضْبِطَ حَالَةَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِصَيْرُورَتِهَا إلَى الصِّفَةِ الَّتِي تُطْلَبُ غَالِبًا لِكَوْنِهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلضَّابِطِ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ أَسْلَمُ مِنْ ضَابِطِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ الْكَمَالَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الرِّبَا لَيْسَ مُرَادًا هَهُنَا وَاعْتِبَارُ الْمَاوَرْدِيُّ أَدْنَى الْأَحْوَالِ أحسن
(1) بياض بالاصل
مِنْ عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَكُونُ الصِّفَةُ المقصودة منه قالبا نِهَايَةَ تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ وَسَطَهَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ إلَّا أَوَّلُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ هَذَا اللَّفْظُ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ لِيَصِيرَ الضابط أو وضح مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ بِدُونِهَا فَإِنَّ اللَّفْظَ مُنَزَّلٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي جَامِعِهِ قَدْ قِيلَ وَرَقُ التُّوتِ يُبَاعُ إذَا خَرَجَ مِنْ كِمَامِهِ وَبِهِ يَبْدُو صَلَاحُهُ ثُمَّ نَقَلَ قَوْلَ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بِمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ أَنْ يَطِيبَ أَكْلُهَا غَيْرُ شَامِلٍ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إذْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَرَقِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ مُصَرِّحٌ بِاعْتِبَارِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الْحِنَّاءِ وَالْكُرْسُفِ وَالْقَصَبِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَرِدُ عَلَيْهِ الْقِثَّاءُ وَنَحْوُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ ابْتِدَاءُ أَكْلِهِ الْمُعْتَادِ (فَإِنْ قِيلَ) الْبُسْرُ لَيْسَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُؤْكَلَ فِي أَوَّلِ احْمِرَارِهِ أَوْ اصْفِرَارِهِ بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى تَنَاهِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ أَنْ يَحْمَرَّ وَيَصْفَرَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَيْنَ الْإِدْرَاكِ وَأَوَانِ الْقِطَافِ
قَرِيبٌ مِنْ شَهْرَيْنِ يَعْنِي فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْغَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ فِي الطِّيبِ (فَالْجَوَابُ) مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ مَا الَّذِي أَوْجَبَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقِثَّاءِ وَالثِّمَارِ وَأَجَابَ بِأَنْ لافرق فَإِنَّ الزَّهْوَ إذَا ابْتَدَأَ النَّاسُ فِي الْأَكْلِ وَقَدْ يَعْقُبُ تَأَخُّرَ الْمَطْعَمِ إلَى تَمَامِ الْإِدْرَاكِ كَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْقِثَّاءِ فَإِنَّ الصِّغَارَ مِنْهُ تُبْتَدَرُ وَلَكِنَّ عُمُومَ الْأَكْلِ يَتَأَخَّرُ وَاَلَّذِي يَتَنَاهَى صِغَرُهُ لَا يُؤْكَلُ قَصْدًا إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى شُذُوذٍ فَرَجَعَ الْحَاصِلُ إلَى طِيبِ الْأَكْلِ وَابْتِدَاءِ الِاعْتِيَادِ فِيهِ فَعَلَامَةُ ذَلِكَ فِي الْمُتَلَوِّنَاتِ التَّلَوُّنُ إلَى جِهَةِ الْإِدْرَاكِ وَفِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ الْقُوَّةُ وَجَرَيَانُ الْحَلَاوَةِ فَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ أَصْلًا كَالْقِثَّاءِ فِي حَالِ تَنَاهِي صِغَرِهِ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ والذي
يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ بَدَا صَلَاحُهُ وَلِلْأَكْلِ فِي الْعَادَةِ مَرَاتِبُ ابْتِدَاءٌ وَوَسَطٌ وَانْتِهَاءٌ وَالْمُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْبُسْرِ بِالِاحْمِرَارِ دُونَ الْقِثَّاءِ في صغره وداخال الْمُصَنِّفِ الزَّرْعَ فِي أَصْنَافِ الثَّمَرِ يَشْهَدُ لَهُ قوله اللَّهِ تَعَالَى (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حقه يوم حصاده) وكل ما ذكره الْمُصَنِّفُ وَاضِحٌ مِمَّا ذَكَرْتُهُ إلَّا قَوْلَهُ إنَّ صَلَاحَ الْعِنَبِ الْأَسْوَدِ بِأَنْ يَتَمَوَّهَ وَاَلَّذِي حَكَيْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ صَلَاحَ الْعِنَبِ الْأَسْوَدِ بِاسْوِدَادِهِ وَفِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي الْكَرْمِ بِالتَّمَوُّهِ إلَى الْحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقِثَّاءِ حَيْثُ يُؤْخَذُ وَيُؤْكَلُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ إمْكَانَ الْأَكْلِ مَوْجُودٌ فِيهِ مِنْ قَبْلُ وَلَكِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ للا كل فِي الْعَادَةِ وَفِي مَعْنَى الْقِثَّاءِ الْخِيَارُ وَالْبَاذِنْجَانُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَفِي الرُّمَّانِ بِالْحُمُوضَةِ أَوْ الْحَلَاوَةِ وَزَوَالِ الْمَرَارَةِ وَفِي الْوَرْدِ الِانْفِتَاحُ وَالِانْتِشَارُ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ أَوْرَاقَ الْفِرْصَادِ مَعَ الْأَغْصَانِ فَإِنْ بَلَغَ نِهَايَتَهُ جَازَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَقَاطِعُ مَعْلُومَةً فذاك والا بان يترك على الشحر سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْقَطْعِ وَيُعَلِّمْ عَلَيْهِ عَلَامَةً وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْأَوْرَاقَ وَحْدَهَا قَبْلَ نِهَايَتِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَكِنْ لَا تُقْطَعُ الْأَغْصَانُ مَعَهَا قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذا بدا صلاح ما خرج ما الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُ تَبَعًا لِمَا خُلِقَ وَوَجَبَ إفْرَادُ الْعَقْدِ بِالْمَوْجُودِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ تَبَعًا لِمَا خُلِقَ لِأَنَّ
الْحَادِثَ يَخْتَلِطُ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى بَيْعِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ تَبَعًا وَهِيَ دَعْوَى مَمْنُوعَةٌ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَطَرِيقُ تَحْصِيلِ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ هَذَا الشَّجَرَ مَعَ ثَمَرَتِهِ وَبِدُونِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَيَسْتَأْجِرَ مِنْهُ الْأَرْضَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَلَا يَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ بِالْقَطْعِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه ولا يجوز ان يستثني من الثَّمَرَةَ مُدًّا وَقَسَمَ الْأَصْحَابُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْبَيْعِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَعْلُومًا وَالْمَبِيعُ بَعْدَهُ مَعْلُومًا وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ مشاع ومحرز فالمحرز بعنك ثَمَرَةَ هَذِهِ الْحَائِطِ إلَّا ثَمَرَةَ هَذِهِ النَّخَلَاتِ الْعَشْرِ بِعَيْنِهَا فَهَذَا جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمَشَاعُ بِعْتُكَ ثمرة هذه الحائط الاربعها صَحِيحٌ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمَبِيعُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا مَشَاعًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ عَلَى شَرْطِ الشَّرِكَةِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَجْهُولًا والمبيع بعده مجهولا وهو ضربان مشاع ومخدود فالمشاع كقوله بعنك هذا الثمرة الاقوت سَنَتِي أَوْ قُوتَ غِلْمَانِي بَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَمَا ورد من ذلك على ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا وَالْمُحَدَّدُ كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ إلَّا عَشْرَ نَخَلَاتٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهَا فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ قدر ثالث الثَّمَرَةِ فَمَا دُونَ جَازَ وَكَانَ لَهُ عَشْرُ نخلات وسط (والقسم الثالث) ان يكون الاستثاء مَعْلُومًا وَالْمَبِيعُ بَعْدَهُ مَجْهُولًا كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ الثَّمَرَةَ إلَّا صَاعًا مِنْهَا فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ مَالِكٌ جَائِزٌ (وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَجْهُولًا وَالْمَبِيعُ مَعْلُومًا كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الثَّمَرَةِ مِائَةَ صَاعٍ وَالْبَاقِي لِي فَإِنْ عَلِمَا أَنَّ فِيهَا مِائَةَ صَاعٍ فَصَاعِدًا صَحَّ إنْ أَمْكَنَ كَيْلُ الثَّمَرَةِ وَبَطَلَ إنْ لَمْ يُمْكِنْ كَيْلُهَا وَلَا يَصِحُّ الْخَرْصُ فِيهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْخَرْصِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ
تَخْمِينٌ وَحَدْسٌ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الْمَسَاكِينَ لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ (قُلْتُ) الصَّحِيحُ فِي الْعَرَايَا أَنَّهُ لا يختص بامساكين وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ مِائَةَ صَاعٍ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِلْجَهْلِ بِوُجُودِ الْمَبِيعِ فَلَوْ كِيلَتْ مِنْ بَعْدُ فَكَانَتْ مِائَةَ صَاعٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بَعْدَ فساده قال ذلك المارودى وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ الْفَرْعَ وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبُوا هَذِهِ الْأَقْسَامَ مَبْسُوطَةً كَاسْتِيعَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ ثَمَرَةَ حَائِطٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا مِنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ
يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا لِأَنَّ مَا يَخُصُّ أَلْفًا مِنْهَا هُوَ رُبُعُ الثَّمَرَةِ فَإِنْ قَالَ إلَّا مَا يَخُصُّ قِيمَةَ أَلْفٍ مِنْهَا بِسِعْرِ الْيَوْمِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ هَكَذَا فَرَضَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْمَسْأَلَةَ وَهُوَ غير ظاهر وقال الْمَاوَرْدِيُّ فِيهَا إنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِسِعْرِ مَا بَاعَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ بِسِعْرِ يَوْمِهِ لَمْ يَجُزْ وَمُرَادُهُ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَكَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ أَبْيَنُ وَأَحْسَنُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ إلَّا مَكُّوكًا جاز لانهما معلومان قاله الرويانى.
(فرع)
قالف بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذَا النَّخْلِ إلَّا النَّوْعَ الْمَعْقِلِيَّ فان شاهد المعقلى المستثني وعلم قدره صتح البيع وان جهلاه فسد قاله المارودى.
(فَرْعٌ)
بَاعَ شَاهً وَاسْتَثْنَى سَوَاقِطَهَا قَالَ فِي الصرف لا يصح وكذا إذَا قَالَ إلَّا رَأْسَهَا وَيَدَيْهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ لِمُسَافِرٍ أَوْ لِحَاضِرٍ أَوْ يَكُونَا حَاضِرَيْنِ أَوْ مُسَافِرَيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ يَجُوزُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.
(فرع)
باع قطنا واستثنى حبه أوسمسما وَاسْتَثْنَى كُسْبَهُ أَوْ شَاةً وَاسْتَثْنَى جِلْدَهَا كَانَ الْبَيْعُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَاطِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فرع)
بيع الثمرة وفيها قدر مذكور في (1) وَلَكِنْ يُذْكَرُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَكَانِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ الثَّمَرَةَ إلَّا مِقْدَارَ الزَّكَاةِ يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ نَذْكُرَ قَدْرَ الزَّكَاةِ فِي الْبَيْعِ أَهُوَ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْتَفَى بِالْعِلْمِ بِهِ شَرْعًا عَنْ ذِكْرِهِ وَرَدَّهُ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يدفع قدر الزكاة من غير بلك الثَّمَرَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحِلُّ مَحَلَّ الْبَائِعِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ رُطَبًا فَفِيمَا يُطْلَبُ بِهِ مِنْ حَقِّ الزَّكَاةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْعُشْرُ تَمْرًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجْبُرُ لَهُ دَفْعُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ ضَمَانًا لِعُشْرِهَا تَمْرًا
(وَالثَّانِي)
يُطَالَبُ بِقِيمَةِ عُشْرِهَا رُطَبًا عَلَى الْوَجْهِ الذى يمنع الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا إنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ عُشْرِهَا رُطَبًا عَنْ قِيمَةِ عُشْرِهَا تَمْرًا فَفِي الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ يُفْصَلُ مَا بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ
فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُرْجَعُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ لِزَوَالِ يَدِهِ عَنْ عَيْنٍ قَالَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا أَمَرَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
الزَّرْعُ الَّذِي يُخَلِّفُ كَالْقُرْطِ وَمَا فِي معناه من البقول يكون متزايدا أبدا لاوقوف لَهُ فَإِذَا بِيعَ مِنْهُ جَذَّةٌ فَلَا بُدَّ من الْقَطْعِ وَلَا يُنْظَرُ فِي هَذَا الْقِسْمِ إلَى ما يقع في زمن العاهات دون
(1) بياض بالاصل
وَلَا إلَى طِيبِ الْأَكْلِ لِأَجْلِ الِاخْتِلَاطِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ مَا يُخَالِفُهُ وقول الامام انها لا تزال لتزايده يُمْنَعُ فَإِنْ فَرَضَ كَذَلِكَ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ الَّذِي يُعْلَمُ اخْتِلَاطُهَا.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ الَّذِي لَا يُخَلِّفُ إمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصلاح وإما قبله شرط القطع وقد ضننث تَبْقِيَتَهُ إمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَإِمَّا قَبْلَهُ بِاتِّفَاقِهِمَا فَالزِّيَادَةُ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الزَّرْعِ لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ كَنُمُوِّ الثَّمَرَةِ إلَى وَقْتِ اتِّفَاقِ الْقَطْعِ وَلَيْسَتْ كَزِيَادَةِ الزَّرْعِ الْمُخَلِّفِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَالزَّرْعُ الَّذِي لَا يُخَلِّفُ لَوْ قُطِعَ يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي ظَاهِرَهُ وَعُرُوقَهُ الْمُسْتَتِرَةَ بِالْأَرْضِ قَالَهُ الْإِمَامُ (قُلْتُ) فيجئ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حُصِدَ وَكَانَتْ عُرُوقُهُ تَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَالذُّرَةِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَلْعُهَا وَتَسْوِيَةُ الْحُفَرِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِهَا كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ إذَا اشْتَرَى الْأَرْضَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ لَمْ يَجِبْ كما تقدم أيضا وسنذكر في مسألتة اخْتِلَاطِ الرَّطْبَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ مَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ هُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى
.
(فان وجديد والصلاح في بعض الجنس من حائط جاز بيع الجنس كله في ذلك الحائط لانا لو قلنا لا يجوز
الافيما بدا صلاحه فيه أدى إلى المشقة والضرر بسوء المشاركة وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَمْ يَبْدُ فيه الصلاح من جنس آخر ولا ما لم يبد فيه الصلاح في ذلك الجنس من حائط آخر لان المنع من ذلك لا يؤدي إلى الضرر بسوء المشاركة فان بدا الصلاح في بعض الجنس في حائط فباع منه ما لم يبد فيه الصلاح
مفردا من غير شرط القطع ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز لانا جعلناه في حكم ما بدا فيه الصلاح فجاز افراده بالبيع (والثاني) لا يجوز لانه انما جعل في حكم ما بدا فيه الصلاح تبعا لما بدا فيه الصلاح وما أجيز بيعه تبعا لغيره لم بجز افراده بالبيع كالحمل) .
(الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ ثَلَاثُ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ الثَّمَرَةِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بان الثمار لاتطيب دَفْعَةً وَاحِدَةً رِفْقًا بِالْعِبَادِ فَإِنَّهَا لَوْ طَابَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يَكْمُلْ تَفَكُّهُهُمْ بِهَا وَإِنَّمَا تَطِيبُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَوْ اُشْتُرِطَ فِي كُلِّ مَا يُبَاعُ طِيبُهُ فِي نَفْسِهِ لَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَإِنَّ الْعَذْقَ الْوَاحِدَ يَطِيبُ بَعْضُهُ دُونَ بعض وإلى ان الاخير بتساقط الْأَوَّلُ فَكَانَ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يُبَاعَ وَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ حَبَّةً حَبَّةً وَفِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السمحة) وذكر
الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ عَنْ عَطَاءٍ فِي الْحَائِطِ تَكُونُ فِيهِ النَّخْلَةُ فَتُزْهِي والحائط بلخ قال حسبه إذا كل منه فلبيع ولا أعلم؟ ؟ العلماء خلافا في انه لاشتراط الصَّلَاحُ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مقدار ما يضبطونه به ومذهبنا ان يَكْفِي بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ فِي بُسْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ غَيْرَ النَّخْلِ مِنْ الشَّجَرِ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّخْلِ.
إذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ الثَّمَرَةِ دُونَ بَعْضٍ نُظِرَ إنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَمْ يَكُنْ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ صَلَاحًا فِي الْجِنْسِ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَجَبَ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي الْجِنْسِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ فِيهِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَجُوزُ وَيَكُونُ ذَلِكَ صَلَاحًا لِجَمِيعِ أَجْنَاسِ الثِّمَارِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ.
وان اتجد الْجِنْسُ وَالنَّوْعُ وَالْبُسْتَانُ وَالصَّفْقَةُ وَالْمِلْكُ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اختلف شئ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَفِيهِ صُوَرٌ (الْأُولَى) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ كَالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ فَيَبِيعَ النَّوْعَ الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ وَالنَّوْعَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ جِنْسِهِ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ كَالْوَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ فِي التَّأْبِيرِ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ التَّبَعِيَّةُ وَأَنَّ حُكْمَهُ وَحُكْمَ التَّأْبِيرِ
وَاحِدٌ وَذَلِكَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْهُمَا وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَا حَكَاهُ أَحْمَدُ بْنُ بُشْرَى عَنْ الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ إذَا كَانَ فِي حَائِطٍ بَرْنِيُّ وَعَجْوَةٌ وصيحاني فبدا صلاح جنس جَازَ بَيْعُ الْجَمِيعِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فِي الصَّرْفِ فان كان نخلا وعنبا أو غيره وبد اصلاح صِنْفٍ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِحَالِهِ فَلَا يُنَافِيهِ فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا يُفْرِدَهُ بِالْبَيْعِ وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَبِيعَ الْأَصْنَافَ جملة فهذا النَّصُّ الْمَنْقُولُ عَنْ الْإِمْلَاءِ صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ إنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي الْجَامِعِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ أَنَّ الصَّلَاحَ إذَا بَدَا في الثمرة الصينية فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بُدُوًّا لَهُ فِي الثَّمَرَةِ الشَّتْوِيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي النَّوْعَيْنِ مِثْلُهُ سَوَاءٌ (قُلْتُ) ولا حجة في هذان لِأَنَّ الثَّمَرَةَ الشَّتْوِيَّةَ وَالصَّيْفِيَّةَ يَخْتَلِفَانِ فِي الْوَقْتِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا بَعِيدًا وَالنَّوْعَانِ مِنْ الثَّمَرَةِ الْوَاحِدَةِ متقاربان غالبا نهم إنْ فُرِضَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا شَتْوِيٌّ وَالْآخَرُ صَيْفِيٌّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّا إنَّمَا نَعْتَبِرُ بُدُوَّ الصَّلَاحِ لِكَوْنِهِ وَقْتًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِيهِ أَمْنُهَا من العاهة ولاشك أَنَّ بَيْنَ صَلَاحِ الشِّتْوِيَّةِ وَالصَّيْفِيَّةِ مِنْ الزَّمَانِ مالا
يُوثَقُ بِذَلِكَ فِيهِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَالَهُ قَالَ وَصَلَاحُ الثَّمَرَةِ إذَا احْمَرَّتْ أَوْ اصْفَرَّتْ فِي الْحَائِطِ نَخْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ شِتْوِيًّا وَبَعْضُهُ صَيْفِيًّا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حياله وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى الْجِنْسَيْنِ فَبَعِيدٌ وَإِذَا كَانَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَلَا وَجْهَ حِينَئِذٍ بِأَنْ يُقَالَ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ تَابِعٌ لِبَعْضٍ وَإِنْ كان بعضها شتويا وبعضها صيفيا لمختلفة نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ شَاهِدٌ لِأَنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ يُؤَثِّرُ فِي قَطْعِ التَّبَعِيَّةِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُفَرَّقُ فِي الْأَنْوَاعِ بَيْنَ مَا يَتَقَارَبُ إدْرَاكُهَا فَيُحْكَمُ فِيهَا بِالتَّبَعِيَّةِ وَبَيْنَ مَا يَتَأَخَّرُ فَلَا يُحْكَمُ بَلْ لَا يُنْظَرُ إلَى اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ بَلْ إلَى تَفَاوُتِ الزَّمَانِ حَتَّى لَوْ كَانَ نَوْعٌ وَاحِدٌ مَعْقِلِيٌّ مَثَلًا مِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الصَّيْفِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ لَا يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ فِي الصَّلَاحِ فَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ
الْمَذْكُورِ وَالْمَعْنَى وَالْفِقْهُ يَقْتَضِيهِ كَانَ الْمَقْصُودُ هُنَا الْأَمْنَ مِنْ الْعَاهَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَنْوَاعِ لَا أثر له وان اختلف الزمن مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَإِلْحَاقُهُ بِالتَّأْبِيرِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِاخْتِلَافِ الْمُدْرَكِ فِي التَّأْبِيرِ وَالْقَوْلُ بان اختلاف الانواع مؤبر مُطْلَقًا مُخَالِفٌ لِنَصِّهِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْإِمْلَاءِ وَهَذَا الَّذِي قُلْتُهُ يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا ثَالِثًا وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ النُّصُوصِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَيُمْكِنُ
أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّيْفِيِّ وَالشِّتْوِيِّ عَلَى الْجِنْسَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَدْفَعُهُ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَإِذَا كَانَ في البستان جنسان يتباعد ادراكهما كالصبفي والشتوى وبدا صلاح السبقي لَا يَتْبَعُهُ الشِّتْوِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ اخْتَارَ فِيمَا إذَا أُبِّرَ بَعْضُ الْأَنْوَاعِ دُونَ بَعْضٍ أَنَّ غَيْرَ المؤبر لايتبع الْمُؤَبَّرَ وَاخْتَارَ أَنَّ النَّوْعَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ يَتْبَعُ الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَدْ قَدَّمْتُ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّأْبِيرِ وَبُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاخْتِلَافِ مَأْخَذَيْهِمَا فَلِذَلِكَ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي مَسْأَلَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ تُضَمُّ إل مَا بَدَا صَلَاحُهُ فِي الزَّكَاةِ فَمَتَى وُجِدَ مِنْهَا وَسْقَانِ وَنِصْفٌ وَمِنْ هَذِهِ الَّتِي بَدَا صَلَاحُهَا وَسْقَانِ وَنِصْفٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ يُنْتَقَضُ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مِنْ الثَّمَرَةِ الشِّتْوِيَّةِ مَعَ الصيفية فانها لاتتبعها فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَإِنْ كَانَتْ تُضَمُّ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ فَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى يقتضي أنه لافرق بين أن يختلف النوع أولا ولا فرق بين أن يختلف الزمان أولا وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَمْ يَبْدُ فِيهِ الصَّلَاحُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ قَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَأَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ خَالَفَ فِيهِ وَرَدُّوا عليه بأنه
يَلْزَمُهُ بَيْعُ الْعِنَبِ قَبْلَ أَنْ يَسْوَدَّ وَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ البستان كما إذا بدل الصلاح في جنس في بُسْتَانٌ آخَرُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ لَمْ يَبْدُ فِيهِ الصَّلَاحُ فَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَأَنَّ صَلَاحَ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ صَلَاحًا لِلْآخَرِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمِيعُ الْعِرَاقِيِّينَ وَمَالَ الْإِمَامُ إلَى خِلَافِ مَا قَالُوهُ
سِيَّمَا إذَا لَمْ يَتَبَاعَدْ وليس بينهما الاجدار وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَثْبَتَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ أَخْذًا مِنْ تَفَقُّهِ الْإِمَامِ وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ نص الشافعي يشهد لما قاله العرقيون فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ وَالْحَوَائِطُ تَخْتَلِفُ بِتِهَامَةَ وجد وَالسَّقِيفِ فَيَسْتَأْخِرُ إبَارُ كُلِّ بَلَدٍ بِقَدْرِ حَرِّهَا وَبَرْدِهَا وَمَا قَدَّرَ اللَّهُ مِنْ إبَانِهَا فَمَنْ بَاعَ حَائِطًا مِنْهَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَثَمَرَتُهُ لِلْمُبْتَاعِ وَإِنْ أُبِّرَ غَيْرُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِهِ لَا بغيره ولذلك لا يباع منها شئ حتى يبدو صلاحه وان بد اصلاح غيره وسواء كان نخل المؤجل قليلا أم كثيرا إذا كان في خطار واحدة وبقعة واحدة في غير خطار فبد اصلاح وَاحِدَةٍ مِنْهُ حَلَّ بَيْعُهُ وَلَوْ كَانَ إلَى جَنْبِهِ حَائِطٌ آخَرُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَبَدَا صلاح حائط غيره الذي هوالى جَنْبِهِ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِ حَائِطِهِ بِحُلُولِ بَيْعِ الَّذِي إلَى جَنْبِهِ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَهُوَ صَرِيحٌ بِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ إذَا اخْتَلَفَ الْبُسْتَانُ وَالْمِلْكُ وَظَاهِرٌ فِي عَدَمِ التَّبَعِيَّةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْبُسْتَانِ وَحْدَهُ وَإِنْ
كَانَ قَدْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ حَائِطُ غَيْرِهِ ففي كلامه المذكور موضع تُرْشِدُ إلَى اطِّرَادِ الْحُكْمِ فِي حَائِطِهِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ فَبَاعَهَا فَيَجِبُ اشتراعها فَيَجِبُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فِي الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَإِنْ بَاعَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَطَلَ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَفِي الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَأَمَّا إذَا أَفْرَدَ الْبُسْتَانَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِالْبَيْعِ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي الَّذِي إلَى جَانِبِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ رحمه الله يَقْتَضِي جَرَيَانَ خِلَافٍ فِيهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِالْجَزْمِ بِخِلَافِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ رَأَى الطُّرُقَ مُتَّفِقَةً عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ اعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْبُسْتَانِ (الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ تَخْتَلِفَ الصَّفْقَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْبَوَاقِي كَمَا إذَا بَدَا الصلاح في نوع فباع مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ القطع ففيه وجهان مشهوران في طريقتي العرقيين وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَرَتَّبَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا جَمَعَ النَّوْعَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً (وَإِنْ قُلْنَا) هُنَاكَ لَا يَسْتَتْبِعُ فَهَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهِ وَجْهَانِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا وَهَذَا بِكَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ نَظَرًا لِتَفْصِيلِ الثمن
وَجَوَّزَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَجْهٌ بِالْجَزْمِ بِالصِّحَّةِ كَمَا هُوَ وَجْهٌ أَيْضًا فِيمَا إذا قال بعت هذا بدرهم أجرتك هذا بآخر فقال المخاطب قبلتهما نظار إلَى الْجَمْعِ فِي الْقَبُولِ (الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْمِلْكُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْبُسْتَانِ قِيلَ يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَبْدُ الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ لِأَجْلِ اتِّحَادِ الْبُسْتَانِ فَإِنَّ طِبَاعَهُ وَاحِدَةٌ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ لَا يَجُوزُ نَظَرًا إلَيْهِ فِي نَفْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَدْ عَلِمْتَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَجْلِ إفْرَادِ ما لم يبد صلاحه بالمبيع والمالك واحد فههنا أولى بعد الصِّحَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيَاسُ ذِكْرِ الْوَجْهَيْنِ هَهُنَا عِنْدَ اتِّحَادِ الْبُسْتَانِ وَاخْتِلَافِ الْمِلْكِ أَنْ يَكُونَا فِي التَّأْبِيرِ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ اتِّحَادُ الْمِلْكِ (الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالنَّوْعُ مَعَ اتِّحَادِ الْبَوَاقِي فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ ولم أره لغيره وكيف ما كَانَ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْبُسْتَانِ فَعِنْدَ تَعَدُّدِ الْبُسْتَانِ وَالنَّوْعِ أَوْلَى (الصُّورَةُ السَّادِسَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالنَّوْعُ وَالصَّفْقَةُ فَيُفْرَدُ النَّوْعُ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ أَحَدِ الْبُسْتَانَيْنِ اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ مِنْ الْبُسْتَانِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْهُ
فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إثْبَاتُ خِلَافٍ فِيهِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عُلَمَاؤُنَا فِيهِ فَلَا يقال الوقت وقت بد الصلاح فتجعل الثمار المبيعة كأنها مزهبة هذا الا قَائِلَ بِهِ وَكَأَنَّهُ أَوْجَبُ لِلرَّافِعِيِّ ذَلِكَ إجْمَالُ الْكَلَامِ وَعَدَمُ إفْرَادِ كُلِّ صُورَةٍ بِالذِّكْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الصُّورَةُ السَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَتَتَعَدَّدَ الصَّفْقَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْبَوَاقِي وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي آخِرِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَهَذِهِ سَبْعُ صُوَرٍ وَقَبْلَهَا صُورَتَانِ وَإِذَا اتَّحَدَ الْجَمِيعُ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ فتصير تسعا (وأعلم) ان الصورة الممكنة من الاختلاف في ذلك ستة عشر هَذِهِ التِّسْعُ الْمَذْكُورَةُ وَسَبْعٌ أُخْرَى وَهِيَ الْعَاشِرَةُ (الاولى) ان يتحد الجميع (الثانية) ان يخلف الْجِنْسُ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ (الرَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ (الْخَامِسَةُ) أَنْ تَخْتَلِفَ الصَّفْقَةُ (السَّادِسَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْمِلْكُ (السَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ وَالْبُسْتَانُ وَهَذِهِ السَّبْعُ تَقَدَّمَتْ (الثَّامِنَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ وَالصَّفْقَةُ فَيَبِيعُ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ نَوْعًا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مُنْفَرِدًا اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي نَوْعٍ آخَرَ عِنْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَحْدَهَا عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ فَهَهُنَا أَوْلَى وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْرَى فِيهَا خِلَافٌ إذَا جَعَلْنَا النَّوْعَيْنِ كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْفُورَانِيَّ جَزَمَ بِأَنَّهُ
لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُؤَبَّرِ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التأبير بحث في اثبات الخلاف فلينظر هُنَاكَ (التَّاسِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ وَالْمِلْكُ مَعَ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ كَمَا إذَا بَاعَ عَنْ نَفْسِهِ نَوْعًا وَعَنْ مُوَكِّلِهِ نَوْعًا فِي بُسْتَانٍ وَاحِدٍ بَدَا صَلَاحُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُ الْآخَرِ وقلنا ان الصفقة لاتعدد وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَبِيعٌ يَصِحُّ فهل يصح من غغير شَرْطِ الْقَطْعِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ أولا اعْتِمَادًا عَلَى تَعَدُّدِ الْمِلْكِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا (الْعَاشِرَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالصَّفْقَةُ فَيُفْرِدُ الشَّخْصُ مِنْ بُسْتَانٍ لَهُ بَيْعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ بُسْتَانٍ لَهُ آخَرَ وَقَدْ نقدم (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالْمِلْكُ فَيَبِيعَ شَخْصٌ عَنْ نَفْسِهِ نَوْعًا مِنْ بُسْتَانِهِ وَعَنْ مُوَكِّلِهِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ بُسْتَانٍ آخَرَ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرَ وَفَرَّعْنَا عَلَى صِحَّةِ مِثْلِ هَذَا الْبَيْعِ فَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) أَنْ تخلف الصَّفْقَةُ وَالْمِلْكُ فَيَبِيعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ اعتمادا على بدو الصلاح في ملك غره مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَتَّحِدَ النَّوْعُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّلَاثَةِ فَيُفْرِدَ نَوْعًا اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْ بستان غيره
فَإِنْ صَحَّ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي إفْرَادِ أَحَدِ الْبُسْتَانَيْنِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَتَّحِدَ الْبُسْتَانُ مَعَ اخْتِلَافِ الثالاثة فَيَبِيعَ نَوْعًا اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ البستان ولا يبعد مجئ خِلَافٍ فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) أَنْ تَتَّحِدَ الصَّفْقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّلَاثَةِ (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَتَّحِدَ الْمِلْكُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ أَرَ فِيهِمَا نَقْلًا وَلَا يَخْفَى تَخْرِيجُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَذْهَبُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ إلَّا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْجَمِيعُ فَيَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ أَوْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ فَقَطْ وَفِي التَّصْحِيحِ خِلَافٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَقِيَّةُ الصور كلها لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ إمَّا جَزْمًا أَوْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا هَلْ هُوَ لِسُوءِ الْمُشَارَكَةِ أَوْ لِعُسْرِ التَّمْيِيزِ كَلَامُ الجمهور يقتضي الاول ولافرق فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إذَا تَكَلَّمُوا إنَّمَا يَذْكُرُونَ الْبُسْتَانَ وَالثِّمَارَ فَلَيْسَ إلَّا عَلَى جِهَةِ ذِكْرِ
بَعْضِ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ إنَّهُ إذَا اشْتَدَّ بَعْضُ السَّنَابِلِ كَانَ كَالثِّمَارِ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِهَا لَكِنَّهُ فَرَضَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا تسنبل جميع الحب والظاهران ذَلِكَ مِنْهُ لَيْسَ عَلَى
سبيل الاشتراط فانه لوتسنبل بَعْضُ الْحَبّ وَاشْتَدَّ وَبَعْضُهُ إلَى الْآنَ بَقْلٌ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَبِيعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الْبَيْعِ هَلْ يَبِيعُ الْمُؤَبَّرَ حَالَةَ الْبَيْعِ.
وَلَوْ بَاعَ الْبِطِّيخَ عَلَى أُصُولِهِ بَعْدَ بُدُوِّ النُّضْجِ وَالْإِدْرَاكِ جَازَ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ كَالثِّمَارِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ بِطِّيخَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي زَرَعَ فِيهَا الْبِطِّيخَ وَبَاعَ الْجَمِيعَ جَازَ وَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ كُلُّ مَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ ثَمَرِهِ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَلْتَحِقَ الصِّغَارُ بِالْكِبَارِ قاله صاحب التتمة.
ولايجوز بَيْعُ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ فِي الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِهِ وَجَهَالَتِهِ وَيُخَالِفُ الْغَائِبَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْقَلْعِ وَذَلِكَ عَيْبٌ فِيهِ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَيَصِحُّ بَيْعُ القبيط فِي الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَلَغَ الْحَدَّ الَّذِي يُقْصَدُ تَنَاوُلُهُ فِيهِ وَإِنْ بلغه فيجوز مطلقا وبشرط التبقية يترك حتى تلتحق الصغار الكبار كَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا الْمُسْتَتِرُ بِالْأَرْضِ عُرُوقُهُ وَهِيَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ.
وَالسَّلْجَمُ إنْ كَانَ المعظم منه ظاهر افكالقبيط وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ فَكَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ أَيْضًا.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ ثَمَرَةِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا عَنْ
الْأَصْلِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِ الْجِنْسِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي ذَلِكَ الْقَدَّاحِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حكمها قاله في الاسنقصاء.
(فرع)
ولايجوز في شئ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ مَا ظَهَرَ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الْوَرْدِ وَمَا يَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ في سننه وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ يجوز.
(فرع)
لا خلاف انه لابد من وجود الصلاح في شئ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وَقْتَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ كَافٍ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ في اقامة وقت التأبير مقام التأبير ونهت عَلَى ذَلِكَ
لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ الْوَقْتِ انه لا يشترط وجو الصَّلَاحِ بَعْدَ حُضُورِ وَقْتِهِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِأَنَّ الْعَادَةَ ان الوقت إذا حضر فلابد أَنْ يُوجَدَ فِي بَعْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إذَا كَانَ بُسْتَانَانِ فِيهِمَا زَرْعٌ وَاحِدٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ صَلَاحًا فِي الْآخَرِ وَيَصِحُّ إفْرَادُ هذا بالبيع دُونَ الْآخَرِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ هَذَا قَوْلُ الْعَبْدَرِيِّ فِي الْكِفَايَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ بَيَانًا لِحُكْمٍ مِثْلِهِ فِي النَّخْلِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّخْلَ أَيْضًا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمُوَافِقُ لِطَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي الزَّرْعِ بِخُصُوصِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى فرق والله أعلم.
(فرع)
قد تَفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ وَقْتِ التَّأْبِيرِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ التَّأْبِيرِ نَفْسِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اتَّحَدَ النَّوْعُ وَاخْتَلَفَتْ الصَّفْقَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ مَعَ حُصُولِ التَّأْبِيرِ فِي الْجُمْلَةِ أَمَّا اعْتِبَارُ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ تَأْبِيرٍ أَصْلًا فَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَكَذَلِكَ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(إذا ابتاع زرعا أو ثمرة بعد بدو الصلاح لم يكلف قطعه قبل أوان الحصاد والجذاذ لان العادة فيها تركها إلى الحصاد والجذاذ فلم يكلف نقله قبله كما نقول فيمن اشترى متاعا بالليل أنه لا يكلف نقله الا بالنهار فان احتاجت الثمرة أو الزرع إلى السقى يلزم البائع ذلك لانه يجب عليه تسليمها في حال الجذاذ والحصاد وذلك لا يحصل الا بالسقي فلزمه) .
(الشَّرْحُ) اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ التَّخْلِيَةُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ فِي الزُّرُوعِ والجذاذ في الثمر وَالْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه لِأَنَّهُ يَقُولُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ مُطْلَقًا يَنْزِلُ عَلَى الْقَطْعِ وَيَجِبُ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ قَرِيبًا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبَيَّنَّا أَيْضًا فِيمَا تَقَدَّمَ مَا يُعْتَبَرُ من العادة مالا يُعْتَبَرُ مِنْ الْعَادَةِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِمَّا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ هُنَا أَنَّ مُوجَبَ الشَّرْعِ تَفْرِيغُ مِلْكِ الْبَائِعِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ أَصْلَ التَّفْرِيغِ مَقُولٌ بِهِ وَكَيْفِيَّتُهُ تُتَلَقَّى مِنْ الْعُرْفِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا أَوْ مَتَاعًا بِاللَّيْلِ لَا يُكَلَّفُ نَقْلَهُ إلَّا فِي النَّهَارِ وَأَمَّا السَّقْيُ فَجُمْهُورُ
جَمَاعَاتِ الْأَصْحَابِ أَوْجَبَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَجَعَلُوهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَقَطَعَ بِذَلِكَ جَمَاعَاتٌ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ (وَالثَّانِي) على البائع لان مُتَّصِلٌ بِمِلْكِهِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ وجهان بناء على مالو أَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ (إنْ قُلْنَا) يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَالسَّقْيُ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَالسَّقْيُ عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَكَذَلِكَ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ السَّقْيِ عَلَى الْبَائِعِ وَجَعَلَ أَصْلَهُمَا الْقَوْلَيْنِ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْجَدِيدَ أَنَّهَا مِنْ ضمان المشترى
والمذهب ان السقى عل الْبَائِعِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلْقَدِيمِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ وُجُوبَ السَّقْيِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إذَا بَاعَهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ (أَمَّا) إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ بَعْدَ الصَّلَاحِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ حَكَوْا طَرِيقَةً قَاطِعَةً عَنْ الْقَفَّالِ فِيمَا إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَالُوا إذْ لَا يجب السقى على الْبَائِعِ هُنَا فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا وَعَدَمُ رَدِّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ لَكِنْ لَنَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى هُنَاكَ قَاطِعَةٌ بِأَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَطَرِيقَةٌ وَهِيَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ أَنَّهَا عَلَى الفولين فيحتمل ان يكون أصحاب هاتين الطريقين يُوجِبُونَ السَّقْيَ أَيْضًا وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ الْإِبْقَاءَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صُورَةُ شَرْطِ الْقَطْعِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ وُجُوبِ السَّقْيِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ بِهَذَا لِأَنَّهُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَطْعِ فَكَيْفَ نُوجِبُ عَلَيْهِ السَّقْيُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّقْيُ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْقَطْعِ إذَا خِيفَ مِنْ تَرْكِهِ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ وَهَذَا بَعِيدٌ أَيْضًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى حَيَوَانًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ طَلَبِهِ بِالتَّسْلِيمِ الْقِيَامُ بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ نَصْبُ النَّاطُورِ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ.
(فَرْعٌ)
إلَى مَتَى يَنْتَهِي الزَّمَانُ الَّذِي يَجِبُ فيه السقي يجئ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِمَا على ما سنحكيه في مسألة وضع الحوائح ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ (وَالثَّانِي) يَتَأَخَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا لَا يُنْسَبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إلَى تَوَانٍ بِتَرْكِ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ (وَالثَّالِثُ) بِنَفْسِ الْجُذَاذِ وَهَذَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِي السَّقْيِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مُبَيَّنًا هُنَاكَ.
(فَرْعٌ)
لَوْ شَرَطَ السَّقْيَ عَلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّ السَّقْيَ مَجْهُولٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ السَّقْيَ مَجْهُولٌ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ مَعْلُومًا ابطلناه أيضا من قبل انه بيع وجارة فِي أَوْلَى قَوْلَيْهِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ عِلَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ وَالْجُذَاذُ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ (قُلْتُ) وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ يُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي نِهَايَةِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ هَلْ هُوَ بِوَقْتِ الْجُذَاذِ أَوْ بِنَفْسِ الْجُذَاذِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَعَلَى البائع لانها لا تصير مسلم إلَّا بِهِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ في السلسة إذا اشترى ثمرة علي رؤس الشجر بعد بدو الصلاح فتركها عليها لى أَوَانِ الْجُذَاذِ فَانْقَطَعَ مَاءُ الْوَادِي فَإِنْ ضَرَّ بَقَاءُ الثَّمَرَةِ بِالشَّجَرَةِ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ الشَّجَرَةِ عَلَى تَرْكِ الثَّمَرَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَشْجَارِ ضَرَرٌ فِي التَّبْقِيَةِ وَلَا لِلثِّمَارِ نَفْعٌ فِي التَّبْقِيَةِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الثِّمَارِ بِالْقَطْعِ وَلَوْ تُرِكَتْ عَلَى الْأَشْجَارِ لَمْ تَزِدْ عَلَى حَالِهَا وَلَوْ قُطِعَتْ لَمْ يُنْقِصْ الْقَطْعُ شَيْئًا مِنْ قِيمَتِهَا فَطَالَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِقَطْعِهَا فهل يجبر على القطع فعلى قولين بنبنيان على ما إذا أسلم في شئ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَجَاءَ بِهِ قَبْلَ الْمَحَلِّ وليس في قبضه مزية فهل يجبر عل قَبُولِهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَطْعِ الثمرة هنا والا فيجبر وهذ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ وَعَلَى مَا إذَا عَلِمَ عَدَمَ عَوْدِ الْمَاءِ وَعَدَمَ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ (أَمَّا) إذَا تَوَقَّعَ النَّفْعَ فَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى القطع ومن
هُنَا أَيْضًا نَأْخُذُ أَنَّ مُجَرَّدَ انْقِطَاعٍ مِنْ غير حصول عيب ولاضرر لَا يُثْبِتُ خِيَارًا لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّ مَا سَيَأْتِي من كلا الصيد لاني فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا بَاعَ أَصْلًا وَعَلَيْهِ ثَمَرَةً لِلْبَائِعِ.
(فَرْعٌ)
قَرِيبُ مِنْ هَذَا فِيمَا إذا أصابت الثمار آفة بحيث لانمو أَوْ لَا فَائِدَةَ فِي تَبْقِيَتِهَا هَلْ لِلْبَائِعِ تَبْقِيَتُهَا.
(فَرْعٌ)
بَاعَ الْجَمْدَ فِي الْمُجْمِدِ وَكَانَ طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَعُمْقُهُ مَعْلُومًا صَحَّ وَيُسَلَّمُ بِحَسْبِ الامكان وفيه
وجه ان يلزمه تسليما عَلَى الْعَادَةِ بِأَخْذِ الْجَمْدِ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ وَقْرًا أَوْ وَقْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَقَاسَهُ عَلَى الدَّارِ وَالسَّفِينَةِ الْمَشْحُونَتَيْنِ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ (الْأَصَحُّ) عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَفْرِيغُهَا فِي الْحَالِ بَلْ عَلَى مَرِّ الايام على عادة تفريغ المجامد فعلى ماقاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَدْ يُورِدُ هَذَا الْفَرْعُ اعْتِرَاضًا عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْقَاضِي وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى حِمْلَ حَطَبٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي موضع البيع ولا يلزمه حمله لاى بَيْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ قَدْ تَقْضِي بِذَلِكَ.
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وإذا اشترى ثمرة علي الشجر فلم يأخذ حتى حدث ثمرة أخرى واخنلطت ولم تتميز أو اشترى حنطة فلم يقبض حتى انثالت عليها حنطة أخري ففيه قولان (أحدهمام) ينفسخ البيع وهو الصحيح لانه تعذر التسليم المستحق بالعقد فان البائع لا يلزمه تسليم ما اختلط به من ماله فان رضى البائع بتسليم ماله لم يلزم المشترى قبوله وإذا تعذر تسليم المعقود عليه بطل العقد كما لو تلف المبيع (والثاني) لا ينفسخ لان المبيع باق وانما انضاف إليه زيادة فصار كما لو باع عبدا فسن أو شجرة فكبرت فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ قُلْنَا لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ فسخ العقد) .
(الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِحُكْمِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ اخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ عَلَى مَرَاتِبَ (الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى) وَعَلَيْهَا اقْتَصَرْتُ فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ كَلَامِ المصنف ان تكون الثمرة مبيعة فنخلط بغيرها وذلك اما فيما يحمل حملا واحد أو كان قَدْ اشْتَرَى مَا ظَهَرَ مِنْهَا إمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ ثُمَّ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى فَإِنَّ الثَّمَرَةَ الْحَادِثَةَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَلْقُطَ الْمُشْتَرِي ثَمَرَهُ وَاخْتَلَطَتْ الْحَادِثَةُ بِالثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ فَإِنْ كَانَتْ تَتَمَيَّزُ بِالْكِبَرِ والصغر أو نحو هما فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي الْمُتَقَدِّمَةَ وَلِلْبَائِعِ الْحَادِثَةَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رضي الله عنهم مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ والخراسانيين.
وان لم تتميز أو اشريت حِنْطَةً فَلَمْ تُقْبَضْ حَتَّى انْثَالَتْ عَلَيْهَا حِنْطَةٌ أُخْرَى وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غَيْرَ مَعْلُومَةِ الْقَدْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَفِيهِ قَوْلَانِ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى حِكَايَتِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لما ذكره المصنف والمراد بالتسليم الستحق مَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ وَأَمَّا التَّسْلِيمُ فِي ضِمْنِ الْجَمِيعِ فَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ وَلَوْ سَمَحَ بِهِ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهَا كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ وَعَيَّنَ أُخْرَى وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُشْتَرِي لَا يُجْبِرُ الْمُبْتَاعَ عَلَى الْقَبْضِ نَقُولُ الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ رحمه الله فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ إنَّمَا أَسْمَحُ بِحَقِّي فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَالْقَوْلُ (الثَّانِي) نَقَلَهُ الرَّبِيعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَكَذَلِكَ الْجُرْجَانِيُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فَإِذَا سَمَحَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِهِ كَانَ كَزَوَالِ الْعَيْبِ فَيَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي قَالَ هَؤُلَاءِ وَالتَّسْلِيمُ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ فَإِنَّهُ يَقْبِضُهُ أَكْمَلَ مَا كَانَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ جَيِّدٍ فاعطى أجود مما ذكروه وارادأ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ قَبُولُهُ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ فِي الْعَيْنِ الْمَضْمُومَةِ إلَى الْمَبِيعِ إذَا كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله ان الصحيح
الْأَوَّلُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّاشِيُّ وابن ألي عَصْرُونٍ وَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ حِكَايَةُ قَوْلٍ ثَالِثٍ ان العقد لا ينفسخ ولاخيار وَيُجْعَلُ الِاخْتِلَاطُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالِاخْتِلَاطِ بَعْدَهُ وَاسْتَبْعَدَهُ الامام وحكاه الجوزي عن أبي سلمة والمروزي وَحَكَى الرُّويَانِيُّ طَرِيقَةً أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَهَا دَلِيلَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ قَالَ وَهَذَا أَوَضَحُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيلِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقَبْضَ فِي الثِّمَارِ بِالتَّخْلِيَةِ لَكِنْ وَإِنْ قُلْنَا قَبْضُهَا بِالتَّخْلِيَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَبْضٍ تَامٍّ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَجِبُ عَلَيْهِ سَقْيُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَالتَّسْلِيمُ التَّامُّ إنَّمَا هُوَ حِينَ الْجُذَاذِ وَشَبَّهَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ رِضَى الْبَائِعِ بِتَرْكِ حقه بالاعراض عَنْ النَّعْلِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى دَابَّةً وَنَعَلَهَا ثما اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَالَ الْإِمَامُ وَمَسْأَلَةُ النَّعْلِ لَيْسَتْ خَالِيَةً عَنْ خِلَافٍ وَهَذِهِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا أَوْلَى بِالْخِلَافِ مِنْ تِلْكَ فَإِنَّ إلْزَامَ الْمُشْتَرِي بِطَوْقِ مِنَّةِ الْبَائِعِ فِيهِ بُعْدٌ وَفِي هبة المجهول غوائل فالمسألة إذا مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَإِنْ أَجْبَرْنَا الْمُشْتَرِيَ سَقَطَ خِيَارُهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى تَخَيُّرِهِ وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فيما إذا انسالت حِنْطَةٌ عَلَى الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ وَسَلَّمَ الْبَائِعُ الْكُلَّ إلَى الْمُشْتَرِي وَجْهَيْنِ فِي إجْبَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَبُولِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِمُسَاعَدَةِ الْإِمَامِ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ وَمَعَ حِكَايَتِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْإِجْبَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ قَالَ انه لاخيار لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا كَلَامٌ مَتِيحٌ وَالصَّوَابُ أَنَّا إذَا لَمْ نُجْبِرْ الْمُشْتَرِيَ
عَلَى الْقَبُولِ فَخِيَارُهُ بَاقٍ وانه لافرق فِي ذَلِكَ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالْحِنْطَةِ وَقَدْ صَرَّحَ الامام في باب الخراج بالظمان بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْإِجْبَارِ فِي هِبَةِ الضَّمَانِ وَقَالَ إنَّ الْأَقْيَسَ عَدَمُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقَبُولِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوَجْهَيْنِ هُنَا وَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ سُقُوطُ خِيَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الثَّمَرَةِ فَلَمْ يَأْخُذْ وَفِي الْحِنْطَةِ فَلَمْ يَقْبِضْ لَهُ مَعْنَى أُنَبِّهُ عَلَيْهِ عَنْ قُرْبٍ وَقَوْلُهُ حَتَّى انْثَالَتْ عليها
حِنْطَةٌ أُخْرَى هُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كانا معلومي القدر اولا لَكِنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُونَا مَعْلُومَيْ الْقَدْرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي فَرْعٍ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ قُلْنَا للبائع إن سمحت بحقك أقرى الْعَقْدُ وَأَجْبَرْنَا الْمُشْتَرِيَ عَلَى الْقَبُولِ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ مَا فِيهِ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ الْبَائِعُ فُسِخَ الْعَقْدُ أَيْ يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ولايقال لِلْمُشْتَرِي هَهُنَا أَنْكِرْ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ جَمِيعًا إلَى الْبَائِعِ لِئَلَّا يَفُوزَ الْبَائِعُ بِالْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وما ذكره المصنف من انفسخ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ بَيْنَهُمَا بِالتَّدَاعِي وَهُوَ يُوَافِقُ ما تقدم عن صاحب التقريب.
(فرع)
لوانثال عَلَى الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ بَعْدَ قَبْضِهَا حِنْطَةٌ أُخْرَى فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَهُمَا مَالَانِ اخْتَلَطَا فَإِنْ اصْطَلَحَا على شئ كان القول قول من الشئ فِي يَدِهِ فِي قَدْرِ مَا لِصَاحِبِهِ قَالَ أبو إسحق وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي تَرَكَ الطَّعَامَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَاخْتَلَطَ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ فَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ اخْتَلَطَتْ الْحَادِثَةُ بِالْخَارِجَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ أَمْ قَبْلَهُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِيهِمَا قَوْلًا وَاحِدًا وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَفَرَّقَ هُوَ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا قُبِضَ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَالثَّمَرَةُ إنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْجَدِيدِ إنَّهَا مِنْ ضَمَانِهِ فَإِنَّ كَمَالَ الْقَبْضِ فِيهَا عَلَى الْبَائِعِ بِدَلِيلِ أَنَّ عَلَيْهِ السَّقْيَ وَبِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ عَطِشَتْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ (قُلْتُ) وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّمَرَةِ فَلَمْ يَأْخُذْ وَفِي الْحِنْطَةِ فَلَمْ يَقْبِضْ فَلَمْ يَأْتِ فِي الثَّمَرَةِ بِلَفْظِ الْقَبْضِ بَلْ بِلَفْظِ الْأَخْذِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَخْذُهَا مِنْ عَلَى الشَّجَرَةِ وَأَمَّا الْقَبْضُ فَمُتَقَدِّمٌ عَلَى ذَلِكَ
وَإِنْ اخْتَلَطَتْ الثِّمَارُ بَعْدَ الْجُذَاذِ أَوْ فِي الْجَرِينِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَمْ يَسْتَقِرَّ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا عَطِشَتْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْبَائِعُ مِنْ السَّقْيِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا بِالْعَيْبِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يجب على البائع السقى وقد حكمي الْقَاضِي حُسَيْنٌ رحمه الله فِيهِ وَجْهَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْحَاجَةَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَرِيبٌ فِي النَّقْلِ وَمِثْلُهُ فِي الْغَرَابَةِ مَا ارْتَضَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى وَضْعِ الْجَوَائِحِ (فَإِنْ قُلْنَا) تُوضَعُ كان كما قبل القبض والا فيتفاصلان بالخصومة أو الاصطلاح فَعَلَى ذَلِكَ لَا يَأْتِي عَلَى الْجَدِيدِ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُزَنِيّ وَهُوَ خِلَافُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ العراقيون فقد تلخص في اختلاط الثمار اه إنْ كَانَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ جَرَى الْقَوْلَانِ بِاتِّفَاقِ الطُّرُقِ وَقِيَاسُ الطَّرِيقَةِ الَّتِي قَالَهَا الرُّويَانِيُّ فِي الْحِنْطَةِ أَنْ يُقَالَ هُنَا إنَّهُ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْجُذَاذِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ فالمشهور وهو طريقة العراقيين جريان القولين كما قبل التخلية واختار المزني والامام الغزالي عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّهُ كَمَا بَعْدَ الْجُذَاذِ فَالْمُصَنِّفُ حِينَئِذٍ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَمِمَّنْ اخْتَارَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَدْ أَغْرَبَ الْمُتَوَلِّي فَحَكَى فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ لافرق فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَيَلْزَمُهُ طَرْدُ ذَلِكَ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ الْجُذَاذِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ مِنْهُ مُكَايَلَةً وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ جُزَافًا ثُمَّ اخْتَلَطَتْ بِحِنْطَةٍ لِلْبَائِعِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (فَائِدَةٌ) إذَا انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الْخُصُومَةِ وَقَبُولِ قَوْلِ ذِي الْيَدِ قَالَ الْإِمَامُ سَبِيلُهُ فِي الْخُصُومَةِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى بَيْعًا في الصاعين فسينكره البائع ثم برجع الكلام إلَى اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ.
(فَرْعٌ)
الْيَدُ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَقَبْلَ القطاف للبائع أو للمشترى أولهما ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ نَقَلَهَا الْإِمَامُ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّا مَتَى جَعَلْنَا الثِّمَارَ فِي يَدِ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا
فِي يَدِهِمَا فَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ وَلَا الْغَزَالِيُّ مَا يَقْتَضِيهِ هَذَا الْوَجْهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُقْسَمَ الْقَدْرُ الْمُتَنَازَعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ صَاحِبِهِ وَفِي كَيْفِيَّتِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي عَيْنٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَدَّعِي جَمِيعَهَا
(أَحَدُهُمَا)
يَحْلِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ الَّذِي يُسَلَّمُ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْكُلَّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الدَّعَاوَى.
(فَرْعٌ)
قَدْ تقدم حكاية الخلاف في التصحيح فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ الْغَزَالِيَّ وَالرَّافِعِيَّ قَالَا إنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا يُوَافِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ الَّتِي يَغْلِبُ تَلَاحُقُهَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ فَإِنْ كَانَ التَّلَاحُقُ الطَّارِئُ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ التَّسْلِيمِ بَلْ هُوَ عَيْبٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ بِطَرَيَانِهِ وَإِنْ كَانَ مَانِعًا مِنْ التَّسْلِيمِ فَيَنْبَغِي إذَا طَرَأَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ.
(فَرْعٌ)
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَكَذَا هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ إنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَا إنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ أَسْمَحُ فَفِي سقوط خيار المشتر وَجْهَانِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ إذا لم يسمح البائع فالمشترى يفسح وَقَدْ قَدَّمْتُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْفَاسِخَ هُوَ الْحَاكِمُ وَأَيْضًا قِيَاسُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ ان ذلك من باب العيون فَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا أَنْ
يُسْقِطَهُ الْبَائِعُ بِتَرْكِ حَقِّهِ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَخَّرَ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ سَقَطَ حَقُّهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ اعْتَرَفَا وَالِاخْتِلَاطُ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالِالْتِبَاسِ وَرَضِيَا بِأَنْ لَا يُفْسَخَ الْعَقْدُ رَجَعَ الْكَلَامُ إلَى الْوَقْفِ وَالِاصْطِلَاحِ فَقَوْلُهُ وَرَضِيَا بِأَنْ لَا يُفْسَخَ الْعَقْدُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ التَّامِّ فَلَا خِيَارَ وَلَا يُفْسَخُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ فَعِنْدَهُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَأْتِي هَذَا الْكَلَامُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ إذَا قُلْنَا بعدم الانفساخ فيحنئذ إذَا رَضِيَا بِأَنْ لَا يُفْسَخَ الْعَقْدُ يَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى الِاصْطِلَاحِ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ.
(فَرْعٌ)
هَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ الْبَاذِنْجَانِ فِي شَجَرِهِ إذَا بَلَغَ نِهَايَتَهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ صِغَارًا وَالْبَعْضُ كِبَارًا فانه يترك حتى يتلا حق فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ صِغَارًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَوْ بَاعَ فِي الْحَالَتَيْنِ ثُمَّ
ظهر شى آخر واختلط بالمبيع جرى القولان وكذلك الخر بر وهو البطيخ وهكذا القثاء والخيار وكل ماله حَمْلٌ بَعْدَ حَمْلٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ والاصحاب فلو كان المبيع شجر الباذنجان فيسأتي فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا.
(فَرْعٌ)
فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَقْيِيدِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
لَوْ اخْتَلَطَ الطَّعَامُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَذَلِكَ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أوجه (اما) ان يكون كلامنهما مَعْلُومَ الْكَيْلِ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِنْهُمَا مَعْلُومًا فَيُعْلَمُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ كَيْلِ الْمَبِيعِ قَدْرُ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا فَيُعْلَمُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ كَيْلِ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ قَدْرُ الْمَبِيعَ فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَقَدْ صار مختلط العين متميز القدر وتميز والقدر يمنع من الجهل وهو أقى الْمَقْصُودَيْنِ فَصَحَّ الْبَيْعُ وَاخْتِلَاطُ الْعَيْنِ مُغَيِّرٌ لِلصِّفَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَجْزَاءِ فَصَارَ عَيْبًا يُوجِبُ الْخِيَارَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَامَ صَارَ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ عَلَى قَدْرِ الْحِصَّتَيْنِ.
وَإِنْ كَانَ الطعام مُتَمَاثِلَيْ الْقِيمَةِ تَقَاسَمَاهُ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفَ الْقِيمَةِ بِيعَ وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فِي ثَمَنِهِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الطَّعَامَيْنِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِقِسْمَةِ ذلك كيلا على الحصص دون القمية فَيَجُوزُ.
ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ بِكَمَالِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الِانْفِسَاخِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْمِقْدَارِ وَلِذَلِكَ قَيَّدْتُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَذَلِكَ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَأَمَّا الثِّمَارُ فَلَا تَكُونُ إلَّا مَجْهُولَةَ الْمِقْدَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
* (فَرْعٌ)
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ اخْتِلَاطُ الطَّعَامِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَالْعَقْدُ صحيح بحاله وكذلك الثمر إذَا كَانَ بَعْدَ الْجُذَاذِ فَإِنْ كَانَ قَدْرُ الطعام أو الثمر مَعْلُومًا بِأَحَدِ الْأَوْجُهِ الَّتِي مَضَتْ تَقَاسَمَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ قَدْرُ الطَّعَامِ مَجْهُولًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وإن تراضيا على شئ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ جَازَ وَاقْتَسَمَاهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ كَانَتْ صُبْرَةُ الْمُشْتَرِي قَدْ انْثَالَتْ عَلَى صُبْرَةِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي قدر ماله مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ صُبْرَةُ الْبَائِعِ انْثَالَتْ عَلَى صُبْرَةِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قول المشترى في قدر ماله مِنْ مَالِ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ كَانَتْ عَلَى الطَّعَامَيْنِ مَعًا وَكَانَ أَعْرَفَ بِقَدْرِهِمَا مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُسْتَحْدَثِ الْيَدِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا خَطَأٌ
لِأَنَّ مَا وَجَبَ اعْتِبَارُ الْيَدِ فِيهِ كَانَتْ الْيَدُ الثَّانِيَةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُعْتَبَرَةً مِنْ الْيَدِ الْمُرْتَفِعَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (قُلْتُ) وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُخْتَصَرًا وَلَيْسَ مِنْ لَازِمِ التَّصْوِيرِ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْمُزَنِيّ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ لِلْبَائِعِ فَقَدْ تَكُونُ صُبْرَتُهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
لَوْ صَدَرَ الْخَلْطُ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عَنْ قَصْدٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الِانْفِسَاخِ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ بِغَيْرِهَا يَنْبَنِيَانِ عَلَى تَلَفِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلِأَيِّ مَعْنًى يَنْفَسِخُ فِيهِ مَعْنَيَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ (وَالثَّانِي) لِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ التَّسْلِيمِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ هَهُنَا (وَإِلَّا) فَلَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْكُلِّ قَالَ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) إذَا بَاعَ دُرَّةً وَوَقَعَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ يَنْفَسِخُ العقد لوجود المعنين وان وقعت في وادى إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَلَا (وَمِنْهَا) لَوْ بَاعَ عُصْفُورًا ثُمَّ اخْتَلَطَ بِعَصَافِيرِ الْبَائِعِ قبل القبض أو حنطة فانثالت فيها حِنْطَةٌ أُخْرَى لِلْبَائِعِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَلَا (وَمِنْهَا) إذَا بَاعَ عَبْدًا فَأَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لا ينفسخ وقال أبو يعقوب كل الابيوردى ينفسخ قال القاضي ويكن تَخْرِيجُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَكَذَا لَوْ نَهَبَهُ التُّرْكُمَانُ أَوْ غَارُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ (قُلْتُ) وَفِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَالْحِنْطَةِ وَشَبَهِهَا لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ تَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ وَبَيْنَ الْيَأْسِ مِنْهُ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ وَحْدَهُ متميزا فهو متعذر ومأيوس مِنْهُ وَإِنْ أُرِيدَ تَسْلِيمُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَيْسَ بمتعذر ولا مأيوس مِنْهُ (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْعُصْفُورِ فَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ لَوْ بَاعَ شَاةً فَاخْتَلَطَتْ بِقَطِيعٍ لَا تَتَمَيَّزُ
فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَالَ وَتُفَارِقُ الْحِنْطَةَ لا ان هُنَاكَ الْإِشَاعَةَ لَمْ تَمْنَعْ الْبَيْعَ وَهَهُنَا الِاشْتِبَاهُ مَانِعٌ مِنْ الْعَقْدِ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ بِأَنْ يَقْبِضَ الْكُلَّ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حكم من اختلطت شاته بقطيع الانسان قَالَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي القبض ان يتسلط به على المقبول وَيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ
وَهَذَا لَا يُوجَدُ بِقَبْضِ الْجُمْلَةِ (قُلْتُ) قَوْلُهُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ إنْ أَرَادَ التَّرْجِيحَ فِي الْجُمْلَةِ فَالْحِنْطَةُ وَالثَّمَرَةُ كَذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَبْطُلُ قَطْعًا بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالثَّمَرَةِ لِمَا لَحَظَهُ مِنْ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ وَالِاشْتِبَاهِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ لان الخلط ههنا لو اقتضى الا شاعة كَمَا يَقُولُهُ فِي بَابِ الْفَلَسِ وَغَيْرِهِ لَكَانَ الْمَذْهَبُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِالِاخْتِلَاطِ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ هُنَاكَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرَكًا وَأَيْضًا فَكَانَ يَفْصِلُ هُنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بالمثل والاردأ أو بالوجود كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ هُنَاكَ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ هَهُنَا أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَمْ يَفْصِلْ أَحَدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بِالْأَجْوَدِ أَوْ بِالْمِثْلِ فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّ الْخَلْطَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِشَاعَةَ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَالْمِلْكُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَيَتَأَثَّرُ بِالْخَلْطِ وَلَا يُحْكَمُ بِالْإِشَاعَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ يُوَافِقُ وَجْهًا فِي الْفَلَسِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَرْجِعُ فِي الْمَبِيعِ إذَا خُلِطَ مُطْلَقًا وَهُوَ مُؤَيَّدٌ هُنَاكَ بِمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَاطِ هُنَا وَالْمَذْهَبُ هُنَاكَ خِلَافُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ كان قول
* الْإِشَاعَةِ مُلَاحَظًا فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ وَالْحِنْطَةِ لَكُنَّا نَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ هَهُنَا فِيمَا أَعْلَمُ وَإِنَّمَا القائل بعد الِانْفِسَاخِ يَقُولُ بِالتَّخْيِيرِ نَعَمْ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ يَجِبُ أَنْ يُلَاحَظَ إذَا كَانَ الِاخْتِلَاطُ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْحِنْطَةِ وَبَعْدَ الْجُذَاذِ فِي الثَّمَرَةِ وَكَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِشَاعَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ فَصْلِ الْخُصُومَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ وَبَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ الَّذِي لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُشْتَرَكًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ الْمِقْدَارُ مَعْلُومًا وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الِاخْتِلَاطِ الْمَذْكُورِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ وَفِي الْمِثْلِيَّاتِ بِحُكْمِ الْإِشَاعَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْفَلَسِ وَالْغَصْبِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ اشْتَرَى شجرة عليها حمل للبائع فلم يأخذه حتى حدث حمل للمشترى واختلطت ولم تتميز ففيه طريقان قال أبو على بن خيران وأبو علي الطبري لا ينفسخ العقد قولا واحدا بل يقال إن سمح أحد كما بترك حقه من الثمرة أقر العقد لان المبيع هو الشجر ولم يختلط الشجر بغيره وإنما اختلط ما عليها من الثمرة والثمرة غير مبيعة فلم ينفسخ البيع كما لو اشترى دارا وفيها طعام للبائع وطعام للمشترى
فاختلط أحد الطعامين بالآخر فان البيع لا ينفسخ في الدار وقال المزني وأكثر أصحابنا أنها على قولين كالمسألة قبلها لان المقصود بالشجر هو الثمرة فكان اختلاطها كاختلاط المبيع وإن اشترى رطبة بشرط القطع فلم يقطع حتى زادت وطالت ففيه طريقان
(أحدهما)
أنه لا يبطل البيع قولا واحدا بل يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وان لم تسمح فسخ العقد لانه لم يختلط المبيع بغيره وانما زاد المبيع في نفسه فصار كما لو اشترى عبدا صغيرا فكبر أو هزيلا فسمن الثاني وهو الصحيح أنه على قولين أحدهما لا ينفسخ البيع والثاني ينفسخ ويخالف السمن والكبر في العقد فان تلك الزيادة لاحكم لها ولهذا يجبر البائع على تسليم العقد مع السمن والكبر لهذه الزيادة حكم ولهذا لا يجبر البائع على تسليمها فدل على الفرق بينهما) .
(الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ هُمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْمَرَاتِبِ الَّتِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا مِنْ مَسَائِلِ الِاخْتِلَاطِ (إحداها) وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً أَوْ أَرْضًا فِيهَا شَجَرَةٌ وَعَلَى الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ الداخلة في البيع من الثمرة حمل.
إذ اشترى شجر وَعَلَيْهَا حَمْلٌ لِلْبَائِعِ بِأَنْ كَانَ مُؤَبَّرًا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ فَلَمْ يَأْخُذْهَا الْبَائِعُ حَتَّى حَدَثَ حَمْلُ الْمُشْتَرِي وَاخْتَلَطَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ أَمَّا مَا يَحْمِلُ مَرَّةً فِي الْعَامِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ متى كان على النخلة شئ مُؤَبَّرٌ كَانَ جَمِيعُ ثَمَرَةِ ذَلِكَ الْعَامِ لِلْبَائِعِ.
إذَا عُرِفَ ذَلِكَ قَالَ الْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ الْحَادِثُ يَتَمَيَّزُ عَنْ الْأَوَّلِ كَانَ الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ حَالَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ وَالْحَمْلُ الْحَادِثُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى
وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (إحْدَاهُمَا) طَرِيقَةُ ابْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي الْإِفْصَاحِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا نَصَّ عليها ولا تجئ عَلَى مَذْهَبِهِ أَيْضًا بَلْ الْبَيْعُ صَحِيحٌ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ وَقَدْ نَكَّتَ ابْنُ خَيْرَانَ وَمَا قَصَّرَ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِيهِ مَيْلٌ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ وكذلك الماوردى قال ان ماقاله ابْنُ خَيْرَانَ أَصَحُّ جَوَابًا وَتَعْلِيلًا وَإِنْ كَانَ نَقْلُ الْمُزَنِيِّ صَحِيحًا
قَالَ وَالْإِذْعَانُ لِلْحَقِّ أَوْلَى مِنْ نُصْرَةِ مَا سِوَاهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ وَالطَّبَرِيِّ إنَّهُمَا قَالَا إنَّ الَّذِي فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ نَقْلُهُ فِي الْأُمِّ فَوَقَعَ الْغَلَطُ فِي النَّقْلِ مِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ إلَى مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَاحْتَجَّ الْمُنْتَصِرُونَ لِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَيْسَ فِي المبيع فصار كما لو اشترى رجل ثمار أو تجددت ثِمَارٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَتَعَيَّبَتْ الثِّمَارُ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا خِيَارَ بِعَيْبِ الثِّمَارِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي لَا يَسُوغُ غَيْرُهُ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الكافي (والطريقة الثانية) وبها قال المزني وأبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَنَسَبَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا نَسَبَهَا الْمُصَنِّفُ إلَى أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ هَؤُلَاءِ وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ نَصَّهُ عليها فان المزني ثقة فما نقله عنه وفي المسألة مالا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ فِيهَا يُقَالُ لِلْمُبْتَاعِ أَتَسْمَحُ فَإِنْ سَمَحَ وَإِلَّا قِيلَ للبائع اتسمح فلولا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ نَفْسُ الشَّجَرِ لَمَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَتَسْمَحُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ قَالَ تَكُونُ الْخَارِجَةُ لِلْبَائِعِ وَالْحَادِثَةُ لِلْمُشْتَرِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الشَّجَرُ ثُمَّ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الشَّجَرَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الثَّمَرَةُ فَإِذَا اخْتَلَطَتْ
الْخَارِجَةُ بِالْحَادِثَةِ فَقَدْ اخْتَلَطَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا قَرِيبٌ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ أَسْقَطَ الْمَسْأَلَةَ بِالْأَصَالَةِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ إنَّ فِيهَا مالا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ (قُلْتُ) الْمُرَادُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ وَأَمَّا إسْقَاطُ ابْنِ خَيْرَانَ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُزَنِيَّ ثِقَةٌ وَقَدْ نَقَلَهَا فَلَمْ يبق لابن خيران متعلق الان أَنْ تَقُولَ إنَّ الْمُزَنِيَّ أَخْطَأَ فِيهَا وَجَوَابُهُ بِمَا أَبْدَاهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ ينفي الجزم بخطائها وَاعْلَمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ عَلَى جَلَالَتِهِمْ وَاطِّلَاعِهِمْ بَيْنَ مُنْكِرٍ لِمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ وَمُقَلِّدٍ لَهُ فِيهِ وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِمَا لَا يتحمل التَّأْوِيلَ إلَّا بِتَعَسُّفٍ عَظِيمٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخر باب تمر الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ وَمَا أَثْمَرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا فَبِيعَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهَا فَإِذَا انْقَضَتْ فَمَا خَرَجَ بَعْدَهَا مِمَّا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ فَلِمُشْتَرِي الْأَصْلِ وَصِنْفٌ من الثمرة مكان يخرج منه الشئ بعد الشئ حَتَّى لَا يَنْفَصِلُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَهُوَ فِي شَجَرِهِ فَكَانَ لِلْبَائِعِ مَا لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي مَا حَدَثَ فَإِنْ اخْتَلَطَ مَا اشْتَرَى بِمَا لَمْ يَشْتَرِ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ فَفِيهَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فَيَكُونَ قَدْ أَوْفَاهُ حَقَّهُ وَزِيَادَةً أَوْ يَتْرُكَ الْمُشْتَرِي لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةَ فَيَكُونَ قَدْ تَرَكَ لَهُ حَقَّهُ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي)
أَنَّهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ صَحِيحًا فَقَدْ اخْتَلَطَ حَتَّى لَا يَتَمَيَّزَ الصَّحِيحُ مِنْهُ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ البيع ما لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ وَقَدْ تَكَلَّفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا بَاعَ شَجَرَةَ التِّينِ مَثَلًا بَعْدَ أَنْ نَتَجَتْ الْأَغْصَانُ وَلَمْ تَبْرُزْ الثَّمَرَةُ فَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ تِلْكَ الْأَغْصَانِ فَإِنَّهُ كَالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ إذَا شَرَطَهَا الْبَائِعُ لنفسه فيشترط فيها القطع على النص فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَبِيعَ قَدْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ وَهَذَا تَكَلُّفٌ
بَعِيدٌ وَقَدْ أَحْسَنَ الْمَحَامِلِيُّ فَاعْتَرَفَ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأُمِّ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ خَيْرَانَ مَذْهَبًا وَحِجَاجًا وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ صُورَةِ الِاخْتِلَاطِ وَبَيْنَ تَعَيُّبِ الثِّمَارِ الْمُتَّحِدَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ سَبَبُهُ بَقَاءُ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْأَشْجَارِ وَعَلَى الْبَائِعِ فِي الْجُمْلَةِ تَخْلِيَةُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فَقَدْ حَصَلَ الاختلاط بسبب ما استقاه الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ وَقَرُبَ ذَلِكَ مِنْ نَقْلِ الْأَحْجَارِ الْمُودَعَةِ فِي الْأَرْضِ وَمِنْ قَلْعِ بَابِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ لِنَقْلِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ تَأَوَّلَ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ عَلَى مَا إذَا ابْتَاعَ الشَّجَرَةَ وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ اشْتَرَى الْمُشْتَرِي ثَانِيًا الثَّمَرَةَ ثُمَّ ظَهَرَتْ الْحَادِثَةُ فَاخْتَلَطَتْ بِهَا وَهُنَا يَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَوْلَيْنِ وَغَلَّطَهُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ بِأَنَّ هُنَا وَإِنْ اخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّ كُلَّهُ لِلْمُشْتَرِي وَاخْتَلَطَ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا أَعْرِفُ شَجَرَةً تَحْمِلُ حَمْلَيْنِ يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا التين فانه يحمل النور وذى ثُمَّ يَحْمِلُ بَعْدَهُ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ قَالَ
غَيْرُهُ إنَّ النَّارِنْجَ وَالْأُتْرُجَّ وَالرَّانِجَ أَيْضًا يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَوْعٍ مِنْ التُّفَّاحِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَنَحْوِهَا كَالتِّينِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ كَوْنِنَا لَمْ نَجْعَلْ الْحَادِثَةَ تَابِعَةً لِلْخَارِجَةِ كَمَا فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ حَيْثُ جَعَلْنَا الطَّلْعَ الْحَادِثَ تَابِعًا عَلَى الصَّحِيحِ بِأَنَّ الْعَادَةَ فِي النَّخْلِ أَنَّهُ يَحْمِلُ حَمْلًا وَاحِدًا فَإِذَا كَانَ بَعْضُ حَمْلِهِ لِلْبَائِعِ كَانَتْ ثَمَرَةُ ذَلِكَ الْعَامِ كُلِّهِ لَهُ وَالتِّينُ يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ فَالثَّانِي كَثَمَرَةِ النَّخْلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (قُلْتُ) وَالْآخَرُ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي شَجَرٍ بِعَيْنِهِ وَلَا نَقُولُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ مُطْلَقًا إنَّ ثَمَرَةَ الْعَامِ كُلَّهَا لِلْبَائِعِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ نَخْلَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه كَانَتْ تَحْمِلُ فِي
السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ فَالْمُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ بِالْحَمْلِ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْحَمْلَيْنِ مُنْفَصِلًا عَنْ الْآخَرِ انْفِصَالًا بَيِّنًا غَيْرَ مُتَلَاحِقٍ لَمْ يَتْبَعْ الثَّانِي الْأَوَّلَ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ الَّتِي قَدَّمْتُهَا تَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْعَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ عَلَى ذَلِكَ سُؤَالٌ قَالَ الْأَصْحَابُ (إنْ قِيلَ) هَلَّا قُلْتُمْ الْحَمْلُ الثَّانِي تَابِعٌ لِلْأَوَّلِ كَمَا إذَا بَاعَ نَخْلَةً مُؤَبَّرَةً فَإِنَّ الطَّلْعَ الْحَادِثَ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ (فَالْجَوَابُ) إنَّ في لطلع وجهين
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلْعَ الْحَادِثَ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الطَّلْعِ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا حَمْلٌ وَاحِدٌ يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُ وَيَتَأَخَّرُ بَعْضُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَمْلُ الثَّانِي مَعَ الْحَمْلِ الْأَوَّلِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ عَدَمَ الِانْفِسَاخِ هُوَ الصَّحِيحُ يَعْنِي مِنْ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ بِغَيْرِهَا لَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ الْقَوْلُ بِالِانْفِسَاخِ كَمَا صَحَّحَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَلَا تفريع عليه (وان قلنا) يَنْفَسِخُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَمَنْ سَمَحَ مِنْهُمَا أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَإِنْ امْتَنَعَا فَسَخَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ ابْنِ خَيْرَانَ إنْ تَرَاضَيَا وَاتَّفَقَا عَلَى قَدْرِ الْحَادِثَةِ مِنْ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ وَلَا ينفسخ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُ لِمَا حَدَثَ تَأْثِيرًا فِي الْبَيْعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَحْسَنُ وَأَدْخَلُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَحَظَهُ ابْنُ خَيْرَانَ لان الاختلاط في غير
المبيع لاأثر لَهُ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ بِعِبَارَةٍ تَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ فَإِنَّهُ قَالَ وَقَالَ ابْنُ خَيْرَانَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ إنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ وَلَكِنْ يُقَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمَحْ بِتَرْكِ ثَمَرَتِكَ فَإِنْ سَمَحَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ نُظِرَ فان كان الشَّجَرَةُ وَالثَّمَرَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ قَالَ إنَّهُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَرُبَّمَا يُظَنُّ بَيْنَ كَلَامِ هَؤُلَاءِ وَكَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مُنَافَاةٌ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ بَيَّنَ الرُّويَانِيُّ ذَلِكَ وَنَقَلَ الْقَوْلَ بِالْفَسْخِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَعَنْ
ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَحْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ فِي يَدِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ مِنْ قَوْلَيْ طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْإِمَامُ تَفْرِيعٌ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ خيران فقط فكلام أبي الطيب لايراد عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ أَطْلَقَ ذَلِكَ على قول عدم الانقساخ وهو مشترك بين قول ابن خيران وحد قولى طريقة الخلاف وكلام المصنف الا يراد
عَلَيْهِ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ نَقَلَ قَوْلَ ابْنِ خَيْرَانَ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُقَالُ مَنْ سَمَحَ مِنْكُمَا أُقِرَّ الْعَقْدُ فَأَفْهَمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَحْ واحد منهما لايقر الْعَقْدُ وَيُفْسَخُ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ خَيْرَانَ وَلَوْ أَخَّرَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بَعْدَ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ وقالها تفريعا على عدم الانقساخ كان يتعذر عَنْهُ بِمَا اُعْتُذِرَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا مُشِيرٌ إلى انه لامزية فِي غَرَضِ تَرْكِ الْحَقِّ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَكَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْبَائِعِ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي الْبُدَاءَةِ بِالْمُشْتَرِي وَالْأَقْرَبُ التَّسْوِيَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَأَنَّ مَنْ بَدَأَ بِالْقَوْلِ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُتَحَتِّمٌ بَلْ عَلَى جِهَةِ الْمِثَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَالْبُدَاءَةِ فِي التَّسْلِيمِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَقْصُودٌ يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
أَوْرَدَ عَلَى إلْزَامِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ قَبُولَ مَا بُذِلَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ لِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ مَا إذَا سَمَحَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ بِتَقْدِيمِهِ بِتَمَامِ الثَّمَنِ لِيَسْتَمِرَّ عَقْدُ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ وَفِيهِ
نَظَرٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الْأُخْرَى.
إذَا اشْتَرَى رَطْبَةً فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ أَصْلِهَا فَلَمْ يَقْلَعْ فَمَا حَدَثَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إنْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَأْخُذْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى طَالَتْ وَعَلَتْ فَقَدْ عَطَفَ الْمُزَنِيّ هَذِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَوْلَيْنِ فَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْبَيْعُ صَحِيحٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا (1) وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى هذا أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وجهور أصحابنا والامام الرويانى وَالشَّاشِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَلَّطَ الشَّيْخُ أبو حامد القائل والاول وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ
الْقَائِلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ وصيرورة البلح بسر أو ما أشبه ذلك ليست بِعَيْنٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِي أَطْرَافِهِ وَلَا فِي عَدَدِهِ وَالرَّطْبَةُ إذَا طَالَتْ تَفَرَّعَ لها أغصان وحدثت أعيان لتكن فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى سَوَاءٌ وَحَسَّنَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الجواب بقوله ان تلك الزيادة لاحكم لها فلم يقال إنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ فَإِنَّهَا عَيْنٌ قَطْعًا وَلِهَذَا احْتَاجَ الْأَوَّلُونَ يُفَسِّرُونَ ذَلِكَ بِعَدَمِ زِيَادَةِ أَطْرَافِهِ وعدده لكنها وان كانت
(1) كذا بالاصل
عَيْنًا فَلَا حُكْمَ لَهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ مَعَهَا فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَسْلَمُ عَنْ الْمُشَاحَحَةِ وَقَدْ يُفْرَضُ طُولُ الرَّطْبَةِ مِنْ غَيْرِ تفرع أغصان وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الرَّطْبَةَ وَطُولُهَا ذِرَاعٌ فَأُجْبِرَ فِي نِصْفِ طُولِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ السِّمَنِ فَإِنَّهُ لَوْ هَزَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لم يسقط شى وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرطبة حَدَثَتْ فِي الْأُصُولِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ حُدُوثِ حَمْلٍ آخَرَ مِنْ الثَّمَرَةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهَا عَيْنٌ مُتَمَيِّزَةٌ بِخِلَافِ الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُتَمَيِّزًا (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفِقَتَانِ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الرَّطْبَةِ لِلْبَائِعِ وَلَيْسَتْ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ والشيخ أبو حامد قبلها وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي حِكَايَةِ الطَّرِيقَةِ الْجَازِمَةِ بِالصِّحَّةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا لَا تَتَمَيَّزُ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ طُرُقٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّ الْأَصَحَّ مِنْ قَوْلَيْ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ الِانْفِسَاخُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَسْخٌ أَيْ يَفْسَخَهُ الْحَاكِمُ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْ الْقَوْلَيْنِ فِي
اخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الرَّطْبَةِ وَمَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ فُسِخَ الْبَيْعُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ ولايقال للمشترى ان سمحت بحق أُقِرَّ الْعَقْدُ وَفِي مَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ وَاخْتَلَطَتْ الثِّمَارُ الْمَوْجُودَةُ بِالْحَادِثَةِ يُقَال لِكُلٍّ مِنْهُمَا إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَالْفَرْقُ أَنَّ في المسألتين الا ولتين إذَا تَرَكَ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ فَازَ الْبَائِعُ بِالْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ.
(فَرْعٌ)
بَاعَ شَجَرَةَ الْبَاذِنْجَانِ إنْ بَلَغَ نِهَايَتَهُ فَإِنْ كَانَ فِي الْخَرِيفِ لَا يَحْتَاجُ إلى شرط
القطع والا فيشرط القطع فان كان عليه نور فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَهُوَ لِلْبَائِعِ كَمَا فِي سَائِرِ الثِّمَارِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْعَقْدِ إلَّا بِالشَّرْطِ فَلَوْ ظَهَرَ بَاذِنْجَانٌ آخَرُ وَاخْتَلَطَ بِالْأَوَّلِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَكَذَا فِي الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي هَذَا الْفَرْعِ إنْ بَاعَ الْأَصْلَ مَعَ الثَّمَرَةِ لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنَّ شَجَرَ الْخِرْبِزِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْقِثَّاءِ زَرْعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُخَالِفُهُ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ إنْ بَاعَ الْأُصُولَ قَبْلَ خُرُوجِ حَمْلِهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ بَاعَ بَعْدَ خُرُوجِ حَمْلِهَا فَإِنْ بَاعَهَا مَعَ الْحَمْلِ جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ بَاعَهَا دُونَ الْحَمْلِ أَوْ مُطْلَقًا فَالْحَمْلُ الْمَوْجُودُ لِلْبَائِعِ والحادث
لِلْمُشْتَرِي وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ الَّذِي حَكَيْتُهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْبِطِّيخَ مَعَ أُصُولِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ أفقه منه يَعْنِي مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَنْقُولُ الْأَوَّلُ يَعْنِي كَلَامًا عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا (فَائِدَةٌ) إنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ تَأْخِيرِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ عَنْ الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ اخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ فَهِيَ أَشْبَهُ بِالْمَسْأَلَةِ الاولى (قلت) المرتبتان الاولتان الِاخْتِلَاطُ فِيهِمَا ظَاهِرٌ إمَّا اخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ في الرتبة الْأُولَى وَإِمَّا اخْتِلَاطُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِغَيْرِهِ فِي الرتبة الثَّانِيَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْقَائِلُ الْأَوَّلُ يَقُولُ لَيْسَ فِيهَا اخْتِلَاطٌ وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ الْمَبِيعِ فِي نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لَأُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّطْبَةِ بِكَمَالِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَالنِّزَاعُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمُخْتَلَطِ فِيهَا هَلْ هُوَ كَالْمُخْتَلَطِ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى أولا وَالنِّزَاعُ فِي الِاخْتِلَاطِ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ الِاخْتِلَاطِ أَوْ لَا فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الِاخْتِلَاطَ الْمُحَقَّقَ بِقِسْمَيْهِ ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْهُ ذَكَرَ مَا يَقْبَلُ النزاع في كونه اختلاطا أولا لكن اجراء القولين هنا أَظُنُّهُ أَوْلَى مِنْ إجْرَائِهِمَا فِي
الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ حَقِيقِيٌّ وَإِنْكَارُ مَا فِيهِ ارْتِكَابُ ضَرْبٍ فِي الْمَجَازِ أَوْ الْقِيَاسِ وَكَوْنُ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ قُلْتُ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْأُخْرَى وَلَمْ أَقُلْ الثَّالِثَةُ وَذَلِكَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ مُحَقِّقِي الْأَصْحَابِ كَأَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ اخْتَارُوا إجْرَاءَ الْقَوْلَيْنِ هُنَا دُونَ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ.
وَلَوْ اشْتَرَى وَدِيًّا فَكَبُرَ فَإِنَّهُ لِلْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ غَيْرُ مُمَيَّزَةٍ قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ الْقَاضِي
حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَاعِدَةً عَامَّةً أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً وَتَرَكَهَا حَتَّى تَكْبُرَ وَتَطُولَ وَتَزْدَادَ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ قَطْعُهُ مِثْلَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ وَأَنْوَاعِهِ فَيَكُونُ الْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ قَطْعُهُ مِثْلَ الْخِلَافِ وَالْقَصَبِ يُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَفِي الْفَتَاوَى الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ تُقْطَعْ حَتَّى نَمَا وَكَبُرَ إطْلَاقُ الْقَوْلَيْنِ فِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ ثُمَّ قَالَ جَامِعُهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَتْ عَنْ القاضي وانه ينبغي ان تكون لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَصْلَهَا كَالثَّمَرَةِ ثُمَّ قَالَ وَرَأَيْتُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْمَعَالِي أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا لَا يُخَلِّفُ فَلِلْمُشْتَرِي كَالصَّنَوْبَرِ وَالنَّخْلِ وَإِنْ كَانَ يُخَلِّفُ كَالْقَتِّ فَقَوْلَانِ (قُلْتُ) وَسَنَذْكُرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ أُصُولَهُ وَأَنَّهَا لِلْبَائِعِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَأَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهَا كَاخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ
بِغَيْرِهِ فَيُجْرَى الْقَوْلَانِ كَمَا اقْتَضَاهُ بَاقِي الْفَتَاوَى وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي التَّعْلِيقَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا فانه فيما لا يسخلف لايجتاج إلى شرط الْقَطْعِ وَتَكُونُ أُصُولُهُ لِلْمُشْتَرِي (فَائِدَةٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُنَبِّهُكَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اشْتَرَى جُذَّةً مِنْ الرَّطْبَةِ لَا يَمْلِكُ مِنْهَا إلَّا الظَّاهِرَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِي أَنَّ الْجُذَّةَ الْمُرَادُ بِهَا الظَّاهِرُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِجَذِّهِ وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ كَلَامِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عين في فرض هذه المسألة ان لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الْبَاطِنِ.
(فَرْعٌ)
الزُّرُوعُ الَّتِي تُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَأَخَّرَ الْقَطْعُ حَتَّى زَادَ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ وَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ الرَّطْبَةِ وَاخْتِلَاطِهَا قَالَ حَتَّى لَوْ تَسَنْبَلَ تَكُونُ السَّنَابِلُ لِلْبَائِعِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَأَخَّرَ الْقَطْعُ حَتَّى زَادَ فَتَكُونُ الزَّوَائِدُ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أُصُولَ الزَّرْعِ الَّتِي مِنْهَا تَحْصُلُ الزيادة هكذ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ (فَأَمَّا) قَوْلُهُ الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ وَالْحُكْمُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَاطِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَسَنْبَلَ تَكُونُ السَّنَابِلُ لِلْبَائِعِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السَّنَابِلَ لَيْسَتْ حَادِثَةً مِنْ خَاصِّ مِلْكِهِ بَلْ هِيَ مِنْهَا
عَلَى رَأْيِهِ وَجَعْلُهَا لِلْمُشْتَرِي أَقْرَبُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ فَهَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي النُّسْخَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَطٌ (وَالصَّوَابُ) الْقَلْعُ بِاللَّامِ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ من أصوله كانت الاصول ملكه فكلما حَدَثَ مِنْهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ زِيَادَةُ مِلْكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ إذَا بَاعَ الْقُرْطَ بِشَرْطِ الْقَلْعِ فَلَمْ يُقْلَعْ حَتَّى ازْدَادَ يَكُونُ مَا حَدَثَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَلَكَ أَصْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى أُصُولَ الْبِطِّيخِ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَوْ الْقَلْعِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أُصُولَ النَّبَاتِ بِشَرْطِ الْقَلْعِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ أَوْ اسْتَعَارَ وَلَمْ تَبْلُغْ الْأُصُولُ فَمَا يَحْدُثُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ لِأَنَّهُ فَرْعُ أصل مملوك وهذا من صاحب التتمة بناء عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَا يَمْلِكُ أُصُولَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الطَّرِيقَ إلَى مِلْكِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْبِطِّيخِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأُصُولَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَيَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُتَوَلِّي يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ بل لابد مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَلْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَجْزُومًا بِهِ لِأَنَّ الْبِطِّيخَ مِمَّا يَسْتَخْلِفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَاعَ أُصُولَ النَّبَاتِ
مطلقا قال المتولي لايدخل الْبِطِّيخُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ حَتَّى ان الذي هو يرى ولم ينعقد لايتبع الْأُصُولَ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تَظْهَرْ تَتْبَعُ الشَّجَرَةَ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ أَصْلٌ مَقْصُودٌ وَالنَّمَاءُ تَبَعٌ لَهُ فَجُعِلَ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ النَّمَاءِ تَبَعًا لَهُ وَأَمَّا هُنَا أَصْلُ النَّبْتِ لَيْسَ بمقصود وانما المقصود المثار فَلَا يُجْعَلُ الْمَقْصُودُ تَبَعًا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَصِيلِ إلَّا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مَكَانَهُ مِمَّا يستخلف أولا يَسْتَخْلِفُ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ اشْتَرَاهُ لِيَقْطَعَهُ فَتَرَكَهُ بغير شرطه وَقَطَعَهُ بِمَكِنَةٍ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي تَرْكِ الْقَصِيلِ أَوْ نَقْضِ الْبَيْعِ فَهَذَا النَّصُّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا اسْتَخْلَفَ خَاصَّةً فَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ نَقَلَهُمَا الْأَصْحَابُ وَإِنْ كان شاملا لما يستخلف ولما يَسْتَخْلِفُ وَلِمَا لَا يَسْتَخْلِفُ فَفِيهِ مُوَافَقَةٌ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الزَّرْعِ الَّذِي لَا يَسْتَخْلِفُ لِلْبَائِعِ وَمُخَالَفَةٌ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ لَوْ بَاعَ الْقَصِيلَ أَوْ الشَّجَرَ الْمُخَلِّفَ كَالْخِلَافِ وَالْقَصَبِ أَوْ وَرَقِ الْفِرْصَادِ فِي أَوَّلِ خُرُوجِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي ذَلِكَ
كُلِّهِ فَلَمْ يَقْطَعْ حَتَّى زَادَ فَفِي انْفِسَاخِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ كَالْقَتِّ قَالَ وَعِنْدِي إنْ كَانَتْ الْمَقَاطِعُ مَعْلُومَةً مِثْلَ أَغْصَانِ الْفَرَاصِيدِ يُبَيِّنُ مُقَاطِعَهَا فَمَا يَحْدُثُ مِنْ الْأَوْرَاقِ وفوق المقطع والطول يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَفِي الْقَتِّ وَالْكُرَّاثِ إنَّمَا يَنْفَسِخُ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ أَصْلِهِ الَّذِي لَمْ يبع غير متميز عما باع لانه لايعرف مَقَاطِعُهَا بَعْدَ الزِّيَادَةِ.
(فَرْعٌ)
فِي زِيَادَاتِ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ إذَا اشْتَرَى وَرَقَ الْفِرْصَادِ مَعَ أَغْصَانِهِ فَتَرَاخَى الْقَطْعُ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ فَلَهُ الْقَطْعُ وَإِنْ اشْتَرَى الْوَرَقَ فَقَطْ فَتَأَخَّرَ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي قَوْلٍ لانه اختلط المبيع بغيره.
(فرع)
مالا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالرَّطْبَةِ وَالْقَصِيلِ وَالْقَصَبِ وَالطُّرَفَاءِ وَالْخَشَبِ وَالْبَرْدِيِّ فِي خَرَابِزِهِ ذَكَرَهُ ابن خيران في اللطيف.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ كَانَ له شجرة تحمل حملين فباع أحد الحملين بعد بدو الصلاح وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَمْلَ الْآخَرَ وَيَخْتَلِطُ به ولا يتميز فالبيع باطل وقال الربيع فيه قول آخر أن البيع يصح ولعله أخذه من أحد القولين فيمن باع جذة من الرطبة فلم يأخذ حتى حدث شئ آخر أن البيع يصح في أحد القولين والصحيح هو الاول لانه باع ما لا يقدر على تسليمه لان العادة فيها الترك فإذا ترك اختلط به غيره فتعذر التسليم بخلاف الرطبة فانه باعها بشرط القطع فلا يتعذر التسليم)(الشَّرْحُ) ضَبَطَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ حَمْلَيْنِ بِفَتْحِ الْحَاء قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَقَالَ غَيْرُهُ الْحَمْلُ بِالْفَتْحِ مَا كَانَ فِي بَطْنٍ أَوْ عَلَى رَأْسِ شَجَرَةٍ وَبِالْكَسْرِ مَا كَانَ عَلَى رَأْسٍ أَوْ ظَهْرٍ وَحَمْلُ الشَّجَرَةِ مَرَّتَيْنِ
يقال ان ذلك التِّينِ وَاللَّوْزِ وَالرَّانِجِ وَالْأُتْرُجِّ تَحْمِلُ حَمْلَيْنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالتَّقْيِيدِ لِمَا تَقَدَّمَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْكَلَامِ فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ إنَّمَا مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الِاخْتِلَاطُ غَالِبًا أَوْ كَانَ غَالِبًا وَلَكِنْ شُرِطَ الْقَطْعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَتَّفِقْ حَتَّى وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ أَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَاطُ غَالِبًا وَلَمْ يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَهُنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ قَالَ الرَّبِيعُ هُنَاكَ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي مِثْلِ هَذَا قَوْلٌ أَنَّهُ إنْ شَاءَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يُسَلِّمَ مَا زَادَ مِنْ الثَّمَرَةِ الَّتِي اخْتَلَطَتْ بِثَمَرَةِ الْمُشْتَرِي صَحَّ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَهَذَا
لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ الرَّبِيعُ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ جُذَّةً مِنْ الرَّطْبَةِ فَلَمْ يجذه المشترى حتى حدثت أعيان أخرفان الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَخَرَّجَ الرَّبِيعُ قَوْلًا آخَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى تِلْكَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَلِطَ فِي هَذَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّطْبَةَ إنَّمَا تُبَاعُ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ فَالْمَبِيعُ مَعْلُومٌ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَإِنَّمَا يُخَافُ تَعَذُّرُ التَّسْلِيمِ بِمَعْنًى رُبَّمَا حَدَثَ وَرُبَّمَا لَمْ يَحْدُثْ فَصَحَّ الْعَقْدُ وَهَهُنَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي تَبْقِيَتَهَا إلَى وَقْتِ الْجُذَاذِ فَإِذَا
عُلِمَ اخْتِلَاطُهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَقَدْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَا يُعْلَمُ تَعَذُّرُ تَسْلِيمِهِ حَالَ اسْتِحْقَاقِ التَّسْلِيمِ انْتَهَى وَشَبَّهُوهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَقَدْ أَطْبَقَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بالفساد ورد ماقاله الرَّبِيعُ قَالُوا وَإِنَّمَا وِزَانُ مَسْأَلَةِ الرَّطْبَةِ لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ قَوْلَ الرَّبِيعِ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ وَذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلًا بَعِيدًا أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ سَمَحَ الْبَائِعُ بِبَذْلِ حَقِّهِ تَبَيَّنَّا انْعِقَادَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فِي أَصْلِهِ وَهَذَا قَوْلٌ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ بِمَثَابَةِ الْمَصِيرِ إلَى وَقْفِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ عَلَى تَقْدِيرِ فَرْضِ الِاقْتِدَارِ عَلَيْهِ وِفَاقًا فَإِنْ طَرَدُوا هَذَا فَهُوَ عَلَى فَسَادٍ مُطَّرِدٌ وَمَا أَرَاهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَأَرَادَ الْإِمَامُ بِالْقَوْلِ الَّذِي نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الرَّبِيعِ لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ الَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ وَقْفِ الْعُقُودِ بَلْ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ فِي حِكَايَةِ
هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ اسْمَحْ بِتَرْكِ حقك فان سمح والافسخ الْعَقْدُ وَلَكِنَّ عِبَارَةَ الرَّبِيعِ فِي الْأُمِّ الَّتِي حَكَيْتُ بَعْضَهَا فِي صَدْرِ كَلَامِي مُحْتَمِلَةٌ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُتْرَكَ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مِنْ وَقْفِ الْعُقُودِ وَلَا يَتَبَيَّنُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ أَوْ عَدَمَ انْعِقَادِهِ وَأَمَّا إلْزَامُهُمْ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ وَلَا كَذَلِكَ الْآبِقُ لَكِنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فَإِنَّ الرَّطْبَةَ لِأَجْلِ شَرْطِ الْقَطْعِ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا وَهَهُنَا الْإِبْقَاءُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُسْتَحَقٌّ فَلَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ وَكَوْنُهُ تَسْلِيمُهُ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ لَا يَكْفِي لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ الَّذِي لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْجَمِيعِ وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ اذفا لا أن الاختلاط
بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لَا يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ أَنْ يَقُولَا بِالصِّحَّةِ هَهُنَا فَإِنَّ التَّسْلِيمَ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ وَلِلْبَائِعِ إجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عَنْ عُهْدَةِ الضَّمَانِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمَنْقُولِ
وَحِينَئِذٍ تُسَاوِي مَسْأَلَةَ الرَّطْبَةِ نَعَمْ لَوْ كَانَ التَّسْلِيمُ لَا يُمْكِنُ فِي حَالٍ إلَّا مَعَ الاختلاط لم يصح ذلك وذلك في جمة البئر إذا أفردت بالبيع وقلنا الماء يملك وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْوَافِي أَنَّهُ إذَا عَلِمَ حُدُوثَ مَا تَخْتَلِطُ بِهِ الثَّمَرَةُ الْمَبِيعَةُ إذَا تَرَكَهَا فينبغي أن يجب القطع للمعذر الْمُفْضِي إلَى إبْطَالِ الْبَيْعِ فَيَصِحُّ نَقْلُ الرَّبِيعِ (قُلْتُ) وَإِيجَابُ الْقَطْعِ بِدُونِ شَرْطِهِ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يرجع إلى أن المتوقع كالواقع أولا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ وَلِهَذَا مَنَعُوا الاب من نكاح جارية ابن إذَا قُلْنَا لَوْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَشَاهِدُهُ مِنْ السُّنَّةِ نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم (عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ) وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا فِي إلْزَامِهِمْ الْعِرَاقِيِّينَ طَرْدَهُ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ أَنَّهُ أَبْدَى فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ احْتِمَالًا فِي جَوَازِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمُنْقَطِعِ الْخَبَرُ مَعَ عَدَمِ اتِّصَالِ الرِّفَاقِ وَعَدَمُ إجْزَاءِ عِتْقِهِ
عَنْ الْكَفَّارَةِ ظَاهِرٌ ثُمَّ قَالَ وَمِمَّا يَجِبُ ذِكْرُهُ أَنَّا إذَا مَنَعْنَا الْبَيْعَ فَلَوْ تَبَيَّنَ بَقَاءُ الْعَبْدِ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي نُفُوذُ الْبَيْعِ وَإِنْ كان يلتفت على الوقف وَلَكِنْ إذَا بَانَ الْأَمْرُ مِنْ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَظَنُّ التَّعَذُّرِ لَا يَبْقَى أَثَرُهُ مَعَ تَبَيُّنِ خِلَافِهِ وَكَانَ فِي الْمُعَامَلَاتِ يُضَاهِي صَلَاةَ الْخَوْفِ مَعَ سَوَادٍ يَحْسِبَهُ عَدُوًّا ثُمَّ بَانَ خِلَافَهُ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى الشَّجَرَةَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ ظُهُورِ أَحَدِ الْحَمْلَيْنِ وَتَأْبِيرِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَمْلَ الْآخَرَ وَيَخْتَلِطُ بِهِ فَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ إلَّا بِشَرْطِ القطع وقال انه يجئ فِيهِ الْخِلَافُ يَعْنِي خِلَافُ الرَّبِيعِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ خَيْرَانَ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ وَيَنْبَغِي عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ خَيْرَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِالصِّحَّةِ الْحُكْمُ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِلَافِ يَكُونُ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدَ الْحَمْلَيْنِ فَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(1)
إذا بَاعَ شَجَرَةً وَاسْتَثْنَى ثَمَرَتَهَا الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ
(1) بياض الاصل فحرر
فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ عَلَى الصَّحِيحِ (1) وَإِذَا بَاعَ شَجَرَةً وَبَقِيَتْ ثَمَرَتُهَا الْمُؤَبَّرَةُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهَا جَزْمًا (2) وَإِذَا بَاعَ ثَمَرَةً بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَعَلِمَ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا قَبْلَ الْجُذَاذِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ وَاخْتَلَطَتْ بِثَمَرَةٍ أُخْرَى فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ (3) وَلَوْ بَاعَ رَطْبَةً أَوْ شَبَهَهَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ هُنَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ (4) وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا رَطْبَةٌ تَبْقَى لِلْبَائِعِ وَيَعْلَمُ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ يَعْلَمُ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَدَّمْتُهُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَظَهَرَ لَكَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِيمَا إذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ بِالشَّرْطِ أَوْ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِالْعَقْدِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذا لم يكن تلاحق المثار غَالِبًا أَمَّا لَوْ كَانَ غَالِبًا فَمُقْتَضَى مَا تقرر بطلانه كما إذا باع
(من 1 إلى 4) بياض بالاصلل فليحرر
ثَمَرَةً يَعْلَمُ تَلَاحُقَهَا بِغَيْرِهَا وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُفَرِّقَ بِأَنَّ الثَّمَرَةَ هُنَاكَ مَبِيعَةٌ فَتَعَذُّرُ تَسْلِيمِهَا مُوجِبٌ لِلْبُطْلَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَتْ لِلْبَائِعِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي لَحَظَهُ ابْنُ خَيْرَانَ فِيمَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ فَاخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا وَقَدْ أَبْطَلَهُ الْأَصْحَابُ هُنَاكَ وَلَوْ بَاعَ شَجَرَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ وَاسْتَثْنَاهَا الْبَائِعُ إمَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ إنْ شَرَطْنَاهُ أَوْ بِدُونِهِ فَحَدَثَ طَلْعٌ آخَرُ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ مَا إذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ لِلْبَائِعِ وَحَدَثَ طَلْعٌ آخَرُ فَيُجْرَى فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ الطَّلْعَ يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ نَقُولُ هُنَا إنَّ الطَّلْعَ الْحَادِثَ لِلْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ إنَّمَا بَقِيَتْ بِالشَّرْطِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ الطَّلَبُ الْحَادِثَ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الطَّلْعَ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِلثَّمَرَةِ فَلَا كَلَامَ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَالِبُ تَلَاحُقَهُ فَهَلْ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ يعلم اختلاطها
بِغَيْرِهَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيهَا الْبُطْلَانُ وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةَ الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مَعَ ثَمَرَتِهَا اُشْتُرِطَ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ كَالزَّرْعِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَّفِقْ القطع حتى خرج شئ آخَرُ فَالْخَارِجُ وَالْمَوْجُودُ كُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَحْصِيلِ كُلِّ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَغَيْرِهَا لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ أَرَادَ الْخَلَاصَ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِالْقَطْعِ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ الْأَرْضَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَيَحْصُلُ لَهُ مَنْفَعَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الارض مطالبته بالقطع قاله الروياني وغيره.
بعون الله تعالى قد تم طبع الجزء الحادي عشر ..