الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الرسالة التاسعة)
تنبيه الغافل والوسنان على أحكام هلال رمضان
لخاتمة المحققين المرحوم السيد محمد عابدين نفعنا الله به آمين
هذا ما وجد على ظهر هذه الرسالة بخط مؤلفها رحمه الله تعالى بيان عدة الكتب التي نقلت عنها في هذه الرسالة سوى الكتب التي راجعتها ولم أنقل عنها اكتفاء بغيرها وقد بلغت أكثر من خمسين كتابا من الكتب المعتمدة فمن كتب الحنفية متن الكنز وشرحه تبيين الزيلعي وشرحه البحر الرائق وشرحه النهر الفائق وحاشية البحر للشيخ خير الدين الرملى والهداية وشرحها النهاية وشرحها غاية البيان وشرحها فتح القدير وشرح الدرر والغرر للشيخ إسمعيل النابلسى وحاشيتها للشرنبلالى وحاشيتها للعلامة نوح افندى والاشباه والنظائر وحاشيتها للسيد الحموى ومنح الغفار شرح تنوير الابصار والدر المختار وشرح الوهبانية وحاشية السيد أبي السعود على منلا مسكين وامداد الفتاح والبدائع شرح التحفة وشرح المجمع وشرح درر البحار وشرح منية المصلى وشرح التحرير لابن أمير حاج والذخيرة البرهانية وفتاوى قاضى خان والخلاصة والبزازية والتتارخانية والفيض والتجنيس ومختارات النوازل ونهج النجاه وفتاوى الكازرونى (ومن كتب الشافعية المنهاج وشرحه لابن حجر وشرحه للرملى وحاشية ابن قاسم على ابن حجر وحاشية الشبراملسى على الرملى وفتاوى الرملى الكبير وحاشية على شرح الروض والانوار وينابيع الاحكام)(ومن كتب الحنابلة الانصاف ومتن المنتهى وشرحه وشرح الغاية)(ومن كتب المالكية شرح المقدمة العزية ومختصر الشيخ خليل وشرحه للشيخ عبد الباقى) وغير ذلك والله تعالى أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة التاسعة
الحمد لله الذي جعل العلم نورا يهتدى به عند اختلاف الآراء * واوضح سبله لسالكيه المتقين وان اضطربت فيه الاهواء * وقيض له في كل زمان رجالا هم على الحق ادلاء * صالوا بسنان اقلامهم وصارم لسانهم لنصرته بلا ارعواء * وجعل منهم أئمة أربعة هم ادعمة حصنه المتين المنيع * واركان بنائه المشيد البديع * الذي علا على كل بناء وجعل اتفاقهم الحجة القاطعة * والمحجة الواسعة * التي من خرج عنها ضل * ومن زاغ عنها زل * وان كان ابن ماء السماء والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وخاتم الأنبياء * وعلى آله وأصحابه الأتقياء النجباء * صلاة وسلاما دائمين ما طلع نجم في الغبراء * وسطع نجم في الزرقاء (أما بعد) فيقول افقر العباد إلى لطف مولاه الخفى محمد ابن عابدين الحنفى (هذه) رسالة سميتها تنبيه الغافل والوسنان * على احكام هلال رمضان * جمعتها بسبب واقعة وقعت سنة أربعين ومائتين وألف من هجرة نبينا المكرم * صلى الله تعالى عليه وسلم * في اثبات رمضان المعظم * وهى ان جماعة حضروا ليلة الاثنين التالية لتسع وعشرين من شعبان المحترم * فشهدو الذي نائب مولانا قاضى القضاة في دمشق الشام * بانهم رأوا هلال رمضان هذا العام * من مكان عال وكان في السما اعتلال من سحاب وقتام * وذلك بعد ادعاء رجل على آخر بمال معلوم * مؤجل إلى دخول رمضان المرقوم * وانكار المدعى عليه حلول الاجل * فحكم الحاكم بموجب شهادتهم بعد ان زكاهم جماعة وتفحص عن ذلك وسئل * حكما شرعيا مستوفيا شرائطه بلا خلل * فكتب الحاكم مراسلة يستفتى فيها مفتى الانام * في دمشق الشام * على العادة * فافتى المفتى بصحة هذا الحكم المبنى على هذه الشهادة * وبثبوت هلال رمضان لذلك * وبفرضية الصوم في ذلك اليوم حيث الأمر كذلك * فامر نائب مولانا السلطان الاعظم بضرب المدافع للاعلام * بدخول رمضان فصام الناس عدة أيام فاراد بعض الشافعية * نقض هذه القضية * فزعم اولا انه اخبره بعض الناس أن جماعة رأوا الهلال صبيحة يوم الاثنين الذي ثبت انه أول رمضان فادعى ان هذا الاثبات لم يصح على مذهبه ولا على مذهب أبي حنيفة النعمان لان ذلك عند علماء النجوم ممتنع عقلا * إذ لا يمكن ان يرى الهلال عشية ثم يرى صباحا اصلا * فحيث خالفت الشهادة والحكم العقل يكونان باطلين * باتفاق المذهبين * وزعم أيضًا ان الحكم من اصله غير صحيح *
وانه خطأ صريح * لان مولانا السلطان نصره الله تعالى ولى ذلك الحاكم سنة كاملة آخرها غرة رمضان المذكور * وانه بدخول رمضان قد انعزل عن القضاء فلم يصح حكمه المسطور * ولم يدر هذا الزاعم ان الشهر انما ثبت بعد حكم الحاكم * وزعم بعضهم انه راجع عبارة البحر من كتب الحنفية فوجدها دالة على خطأ الحاكم في هذه القضية * وان الحنفية لم يفهموا مذهبهم في هذه المسئلة الجلية * فحيث كان ذلك مخالفا للمذهبين * يكون أول رمضان يوم الثلاثاء لا يوم الاثنين ويكون يوم الاربعاء يوم الثلاثين من رمضان بلا اشكال * فيجب صومه إذا لم ير في ليلته هلال شوال * ثم تعاقدوا وتحالفوا على ذلك المقال * واشاعوا ذلك الامر بين العوام والجهال * ثم بعد ذلك استفاض الخبر عن كثير من بلاد الاسلام * أنهم صاموا يوم الاثنين كما صام أهل الشام فاعرضوا عن ذلك ولم يلتفتوا إليه * واصروا على ما تعاهدوا وتحالفوا عليه * وقالوا ان هذه البلاد لا تفيد * لاعتبار اختلاف المطالع عند الشافعي وصمموا على صوم يوم الاربعاء الذي هو يوم العيد * ولما كانت ليلة أول نصف الشهر على ما اثبته عامة المسلمين * تركوا قنوت الوتر المسنون في مذهبهم بيقين * ثم لما عبد الناس صاموا وتركوا صلاة العيد * في ذلك اليوم السعيد * ثم صلوا العيد في اليوم الثاني * واشاعوا ذلك بين القاضي والدانى * ووقع الناس في الجدال * وكثر القيل والقال * وصارت مذاهب الائمة المجتهدين * ضحكة بين الجاهلين * حتى ارتد بسبب ذلك كثير منهم كما بلغنا عنهم * ثم لما تبين لاولئك الزاعمين * انهم اخطأوا على مذهبهم بيقين * صار بعضهم يقول انما فعلنا ذلك خروجا من خلاف أبي حنيفة النعمان * وان الحنفية لم يفهموا مذهبهم في هذا الشان * ولعمرى ان هذا زور وبهتان * وتلبيس في الاحكام الشرعية * ونصرة للنفس بلا رأى ولا روية كيف والمسئلة اجماعية * ولم يختلف فيها اثنان * ولم يوجد للعلماء فيها قولان فلما رأى ذلك بعض مشايخى الكرام * حفظه الله السلام * اخذته الغيرة الدينية * فامرني بتحرير هذه القضية * فعند ذلك شرعت في بيان النقول الصحيحة * والعبارات الصريحة * الدالة على ان الخطأ الصريح هو الذي ارتكبوه * وان الحق الصحيح هو الذي اعرضوا عنه واجتنبوه وما كان منشأ خطاهم من حيث زعمهم عدم صحة هذه الشهادة واعتبار رؤية القمر نهارا واعتماد قول المنجمين وعدم اعتبار اختلاف المطالع لزم بيان خطاهم في هذه الأربعة على المذاهب الأربعة فنذكر ذلك في ضمن أربعة فصول * احدها في بيان ما يثبت به هلال رمضان * ثانيها في بيان حكم رؤية القمر نهارا * ثالثها في بيان
حكم قول علماء النجوم والحساب * رابعها في بيان حكم اختلاف المطالع (الفصل الأول) في بيان ما يثبت به هلال رمضان (قال) علماؤنا الحنفية في كتبهم ويثبت رمضان برؤية هلاله وباكمال عدة شعبان ثلاثين (ثم) إذا كان في السماء علة من نحو غيم أو غبار قبل لهلال رمضان خبر واحد عدل في ظاهر الرواية ومستور على قول مصحح لا ظاهر فسق اتفاقا سواء جاء ذلك المخبر من المصر أو من خارجه في ظاهر الرواية ولو كانت شهادته على شهادة مثله أو كان قنا أو انثى أو محدودا في قذف تاب في ظاهر الرواية لانه خبر دينى فاشبه رواية الاخبار ولهذا لا يشترط لفظ الشهادة ولا الدعوى ولا الحكم ولا مجلس القضاء (وشرط) لهلال الفطر مع علة في السماء شروط الشهادة لانه تعلق به نفع العباد وهو الفطر فاشبه سائر حقوقهم فاشترط له ما اشترط لها من العدد والعدالة والحرية وعدم الحد في قذف وان تاب ولفظ الشهادة والدعوى على خلاف فيه إلا إذا كانوا في بلدة لا حاكم فيها فانهم يصومون يقول ثقة ويفطرون بقول عدلين للضرورة (وهلال) الاضحى وغيره كالفطر وإذا لم يكن في السماء علة اشترط لهلالى رمضان والفطر جمع عظيم يقع العلم الشرعي وهو غلبة الظن بخبرهم لان المطلع متحد في ذلك المحل والموانع منتفية والابصار سليمة والهمم في طلب الهلال مستقيمة فالتفرد بالرؤية من بين الجم الغفير مع ذلك ظاهر في غلط الرآى كما لو تفرد ناقل زيادة من بين سائر أهل مجلس مشاركين له في السماع فانها ترد وان كان ثقة مع ان التفاوت في حدة السمع واقع كما في التفاوت في حدة البصر والزيادة المقبولة ما علم فيه تعدد المجالس أو جهل فيه الحال من التعدد والاتحاد وهذا ظاهر الرواية (ولم) يقدر فيها الجمع العظيم بشيء فروى عن أبي يوسف انه قدره بعدد القسامة خمسين رجلا وعن خلف بن ايوب خمسمائة ببلخ قليل وعن محمد تفويضه إلى رأى الامام (قال) في البحر والحق ما روى عن محمد وأبي يوسف أيضًا ان العبرة لتواتر الخبر ومجيئه من كل جانب انتهى (وذكر) الشرنبلالى وغيره تبعا للمواهب ان الاصح رواية تفويضه إلى رأى الامام وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة انه تقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين وان لم يكن في السماء علة (قال في البحر ولم ار من رجع هذه الراوية وينبغى العمل عليها في زماننا لان الناس تكاسلوا عن ترائي الاهلة فكان التفرد غير ظاهر في الغلط ولهذا وقع في زماننا في سنة خمس وخمسين وتسعمائة ان أهل مصر افترقوا فرقتين فمنهم من صام ومنهم من لم يصم وهكذا وقع لهم في الفطر بسبب ان جمعا قليلا شهدوا عند قاضى القضاة الحنفى ولم يكن بالسماء علة فلم يقبلهم فصاموا أي الشهود وتبعهم جمع
كثير وامر الناس بالفطر وهكذا في هلال الفطر حتى ان بعض مشايخ الشافعية صلى العيد بجماعة دون غالب أهل البلدة وانكر عليه ذلك لمخالفة الامام انتهى (اقول) ووجه ما فعله بعض الشافعية المحكى عنه في هذه القضية ان هلال رمضان يثبت عندهم بشهادة واحد وان لم يكن في السماء علة كما سيأتي اما في الحادثة الواقعة في زماننا فإن الشهادة مقبولة فيها اتفاقا لوجود العلة فلا تجوز المخالفة فيها لاحد (ثم) نقل في البحر نقولا تدل على ان ظاهر الرواية هو اشتراط العدد لا الجمع العظيم قال والعدد يصدق على اثنين فكان مرجحا لرواية الحسن التي اخترناها انتهى (ثم) نقل ان هذا إذا كان الذي شهد بذلك في المصر اما إذا جاء من مكان آخر خارج المصر فانه تقبل شهادته أي الواحد إذا كان عدلا ثقة لانه يتيقن في الرؤية في الصحارى مالا يتيقن في الامصار لما فيها من كثرة الغبار وكذا إذا كان في المصر في موضع مرتفع وهلال الفطر إذا كانت السماء مصحية كهلال رمضان انتهى (اقول) وهذا التفصيل قول الطحاوي قل في الذحيرة وهكذا ذكر في كتاب الاستحسان وذكر القدورى انه لا تقبل شهادته في ظاهر الرواية وذكر الكرخى انها تقبل وفى الاقضية صحح رواية الطحاوي واعتمد عليها انتهى وكذا اعتمدها الامام ظهير الدين والمرغينانى وصاحب الفتاوى الصغرى كما في امداد الفتاح عن معراج الدراية (اقول) وهذا وان كان خلاف ظاهر الرواية فينبغى ترجيحه في زماننا تبعا لهؤلاء الأئمة الكبار الذين هم من أهل الترجيح والاختيار وجزم به الامام السغناقى في شرحه على الهداية المسمى بالنهاية وقال قبله وفى المبسوط وانما يرد الامام شهادته أي الواحد إذا كانت السماء مصحية وهو من أهل المصر فاما إذا كانت متغيمة أو جاء من خارج المصر أو كان في موضع مرتفع فانه يقبل عندنا انتهى * ولا يخفى ان المبسوط من كتب ظاهر الرواية وقوله يقبل عندنا يفيد عدم الخلاف فيه في المذهب فيكون اطلاق ما في أكثر الكتب في محل التقيد وح فلا منافاة بين رواية الطحاوي وظاهر الرواية (وقد) قال في شرح المنية انه إذا صرح بعض الأئمة بقيد لم يرد عن غيره منهم التصريح بخلافه يجب ان يعتبر انتهى * كيف وقد صرح به كثير منهم كما رأيت فيجب ان يقيد بد ما اطلقه غيرهم اعتمادا على فهم الفقيه (قال) له الامام الحافظ العلامة محمد بن طولون الحنفى في بعض رسائله ان اطلاقات الفقهاء في الغالب مقيدة بقيود يعرفها صاحب الفهم المستقيم الممارس للفن وانما يسكتون اعتمادا على صحة فهم الطالب انتهى فهذا إذا سكتوا عنه فكيف إذا صرح به كثير منهم (اقول)
ينبغى ترجيح ما اختاره صاحب البحر من الاكتفاء بشاهدين ولو من المصر وقد اقره عليه اخوه الشيخ عمر في النهر وكذا تلميذه التمرتاشى في المنح وابن حمزة النقيب في نهج النجاة والشيخ علاء الدين في الدر المختار والشيخ إسماعيل النابلسى في الاحكام شرح درر الحكام وقال انه حسن (وما) عللوا به لاشتراط الجمع العظيم وهو ان الهمم في طلب الهلال مستقيمة فيدل على غلط من انفرد عنهم برؤيته من واحد أو اثنين أو أكثر غير ظاهر في زماننا أيضًا كما حكاه صاحب البحر عن زمانه من أن الناس فيه تكاسلوا عن تراى الاهلة بل زماننا أولى بذلك فانه لا يتطلب فيه الهلال إلا اقل القليل ومن رآه منهم وشهد به فقد صار هدفا لسهام السنة السفهاء لتسببه في منعهم عن شهواتهم * كما وقع في زماننا سنة خمس وعشرين وماتين وألف ان رجلا شهد برؤية الهلال في دمشق فحصل له من الناس غاية الايذاء حتى صار هزأة وضحكة وصار يشار إليه بالاصابع في الاسواق حتى بلغنى عنه انه اقسم ليعصبن عينيه إذا دخل رمضان الآتى مع انه قد استفاض الخبر في ذلك العام عن أكثر البلدان أنهم صاموا كصومنا وشهد جماعة لدى قاضى دمشق على حكم قاضى بيروت باثبات الهلال كاثباتنا * وأما ما يتوهم من احتمال كذب الشهود فيندفع بان الاصل عدمه وبان الشرع بنى الامر على الظاهر والا فذلك الاحتمال موجود في كل شهادة إلا في شهادة المعصوم والشرع اكتفى بالعدالة الظاهرة وفوض الباطن إلى العالم بالسرائر (ثم اعلم) انه إذا تم عدد رمضان ثلاثين بشهادة فرد ولم ير هلال الفطر والسماء مصحية لا يحل الفطر اتفاقا لظهور غلط الشاهد ويعزر * واختلف الترجيح في حل الفطر إذا كان ثبوت رمضان بشهادة عدلين وتم العدد ولم ير هلال شوال مع الصحو فقيل يحل الفطر وقيل لا والفتوى على الأول كما في الفيض * ووفق المحقق ابن الهمام بانه لا يبعد انه قبل شهادتهما في الصحو أي في أول رمضان لا يحل الفطر وان في غيم يحل (ولا خلاف في حل الفطر إذا تم العدد وكان بالسماء علة ليلة الفطر وان ثبت رمضان بشهادة الفرد كما حرره في امداد الفتاح (قال) في غاية البيان لان الفطر ما ثبت بقول الواحد ابتداء بل بناء وتبعا فكم من شيء يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا بيانه ان قول الواحد لما قبل في هلال رمضان قبل أيضًا في هلال الفطر بناء على ذلك وان كان لا يقبل قوله في الفطر ابتداء (وسئل) محمد رحمه الله تعالى عن ثبوت الفطر بقول الواحد فقال يثبت بحكم القاضي لا بقول الواحد يعني لما حكم بهلال رمضان بقول الواحد يثبت الفطر بناء على ذلك بعد تمام
الثلاثين * قال شمس الائمة في شرح الكافى وهو نظير شهادة القابلة على النسب فانها تكون مقبولة ثم يفضى ذلك إلى استحقاق الميراث مع ان استحقاق الميراث لا يثبت بقول القابلة ابتداء انتهى (وفى) حاشية السيد محمد أبي السعود على شرح منلا مسكين وإذا ثبتت الرمضانية بقول الواحد يتبعها في الثبوت ما يتعلق بها كالطلاق المعلق والعتق والايمان (بفتح الهمزة) وحلول الاجال وغيرها ضمنا وان كان شيء من ذلك لا يثبت بخبر الواحد قصدا انتهى (تنبيه) صرحت عبارات المتون بان هلال الاضحى كالفطر أي فلا بد من نصاب الشهادة مع العلة والجمع العظيم مع الصحو وهو ظاهر المذهب وهو الاصح كما في الهداية وشروحها (وفى) رواية النوادر انه كهلال رمضان أي فيثبت بقول الواحد ان كان في السماء علة وصححها في التحفة فاختلف التصحيح (قال) في البحر لكن تأيد الأول بأنه المذهب (ثم) ذكر في البحر عن شرح الاسبيجابى على مختصر الطحاوي ان بقية الاهلة التسعة كهلال الفطر حيث قال واما في هلال الفطر والاضحى وغيرهما من الاهلة فانه لا تقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين عدول احرار غير محدودين كما في سائر الاحكام انتهى (قال) العلامة الخير الرملى في حاشية البحر الظاهر انه في الاهلة التسعة لا فرق بين ان يكون في السماء علة أم لا في قبول الرجلين لفقد العملة الموجبة لاشتراط الجمع الكثير وهى توجه الكل طالبين ويؤيده قوله كما في سائر الاحكام فلو شهد اثنان بهلال شعبان ولا علة يثبت بعد اجتماع شرائط الثبوت الشرعي وإذا ثبت يثبت رمضان باكمال المدة (فإن قلت) فيه اثبات الرمضانية مع عدم العلة بخبر رجلين أو رجل وامرأتين (قلت) ثبوته والحالة هذه ضمنى ويغتفر في الضمنيات مالا يغتفر في القصديات تأمل انتهى وتمام الكلام في هذه المسئلة فيما علقناه على البحر (تتمة) في الخلاصة والبزازية من كتاب الشهادات والوجه في اثبات الرمضانية والعيد ان يدعى (بضم الياء المثناة) عند القاضي بوكالة رجل معلقة بدخول رمضان بقبض دين فيقر الخصم بالوكالة وينكر دخول رمضان فيشهد الشهود بذلك فيقضى القاضي عليه بالمال فيثبت مجيء رمضان لان اثبات مجيء رمضان لا يدخل تحت الحكم حتى لو أخبر رجل عدل القاضي بمجيء رمضان يقبل ويأمر الناس بالصوم يعني في يوم الغيم ولا يشترط لفظ الشهادة وشرائط القضاء اما في العيد فيشترط لفظ الشهادة وهو يدخل تحت الحكم لانه من حقوق العباد انتهى (قلت) وانظر هل يشترط في هذه الصورة الجمع
العظيم في حالة الصحو كما في الشهادة عليه ابتدأ أم لا لكون المقصود اثبات الوكالة ابتداء وثبوت الشهر يحصل ضمنا ويغتفر في الضمنى مالا يغتفر في القصدى لم ار من صرح بذلك ولا تنس ما مر من ترجيح صاحب البحر الاكتفاء بشاهدين في هلال رمضان مطلقا ففى غيره بالاولى فتأمل (ولما) كان وجوب الصوم غير متوقف على الثبوت اعترض في البحر قول الكنز ويثبت رمضان برؤية هلاله ويعد شعبان ثلاثين بان الأولى عبارة الوافى وهى ويصام برؤية الهلال واكمال شعبان قال لان الصوم لا يتوقف على الثبوت ولا يلزم من رؤيته ثبوته لان مجرد مجيئه لا يدخل تحت الحكم انتهى (وإذا) كان صومه يجب برؤيته بلا ثبوت ففائدة ما ذكره في الخلاصة ثبوت ما علق عليه كوكالة وعتق وطلاق فانه بمجرد وجوب صومه لا يحكم بهذه الاشياء بل لا بد من اثباته واثباته مجردا لا يصح ما لم يتضمن حق عبد * ومثله ما قاله في شرح الوهبانية من حيلة اثبات صحة صلاة الجمعة في محل فقدت فيه بعض شروطها إذا جدد فيه جامع بان يعلق عنقا على صحتها فيه فيدعى الرقيق عتقه بذلك وصحة الجمعة فيه فيحكم حاكم يرى صحتها فيه بعتقه وصحتها فيه فيسوغ للمخالف ح ان يصلى الجمعة في الموضع المذكور ويدخل مالم يأت من الجمع بالتبعية انتهى * وذلك لان صحة الجمعة لا تدخل تحت الحكم قصدا وانما دخلت هنا تبعا لتضمنها اثبات حق العبد وهو العتق * وله نظائر كثيرة من جلتها ما ذكروه في حيلة القضاء على الغائب (خاتمة) حاصل ما مر فيما يتوقف عليه وجوب الصوم عندنا رؤية الهلال من عدل أو مستور أو في السماء علة والا فجمع عظيم أو اثنان على ما اختاره في البحر في زماننا أو واحد عدل إذا جاء من خارج المصر أو من مكان عال وسيأتي ثبوته بالخبر المستفيض عن أهل بلدة اخرى في الصحيح وإن لم يكن شيء من ذلك فيجب باكمال عدة شعبان (واما عند المالكية) ففى شرح العلامة الفيشى على المقدمة العزية إذا رأوه يثبت برؤية عدلين أو رؤية مستفيضة أو نقل عدلين عن عدلين أو عن استفاضة أو نقل استفاضة عن عدلين أو استفاضة والا أكمل عدة شعبان ثلاثين ولا يثبت بمفرد ثبوتا عاما بل يلزمه هو واهله من لا اعتناء له بامره انتهى (واما عند الشافعية) ففى متن المنهاج يجب صوم رمضان باكمال شعبان ثلاثين أو رؤية الهلال وثبوت رؤيته بعدل وفى قول عدلان وشرط الواحد صفة العدول في الاصح لا عبد وامرأة وإذا صمنا بعدل ولم نر الهلال بعد الثلاثين افطرنا في الاصح وان كانت السماء مصحية وإذا رؤى ببلد لزم حكمه البلد القريب دون البعيد في الاصح والبعيد مسافة القصر وقيل باختلاف المطالع
(قلت) هذا أصح والله تعالى أعلم انتهى (واما عند الحنابلة) ففى متن المنتهى يجب برؤية هلاله فإن لم ير مع صحو ليلة الثلاثين من شعبان لم يصوموا وان حال دون مطلعه غيم أو قتر أو غيرهما وجب صومه احتياطا وإذا ثبتت رؤيته ببلدة لزم صومه جميع الناس ويقبل فيه وحده خبر مكلف عدل ولو انثى أو بدون لفظ الشهادة ولا يختص بحاكم وثبت بقية الاحكام تبعا انتهى ملخصا (فقد) ظهر بما نقلناه ان هذا الاثبات الذي حكيناه اولا صحيح باتفاق الأئمة الأربعة والله تعالى أعلم (الفصل الثاني) في بيان حكم رؤية الهلال نهارا (قال) صاحب الهداية الامام برهان الدين المرغينانى في كتابه مختارات النوازل ولا اعتبار برؤية الهلال بالنهار وقال أبو يوسف ان كان قبل الزوال فهو الليلة الماضية وقيل ان غاب بعد الشفق فهو الليلة الجائبة وكذلك إذا بان بعد العصر انتهى (وقال) في كتابه المسمى بالتجنيس والزيد إذا راوا هلال الفطر بالنهار أتموا صوم هذا اليوم رأوه قبل الزوال أو بعده لان الهلال انما يجعل لليلة المستقبلة هو المختار انتهى (وفى) الذخيرة البرهانية ولا عبرة لرؤية الهلال نهارا قبل الزوال وبعده وهو الليلة المستقبلة بنحوه ورد الأثر عن عمر وقال أبو يوسف إذا كان قبل الزوال فهو الليلة الماضية انتهى (وفى) غرر الاذكار شرح درر البحار ويجعل أبو يوسف الهلال المرئى قبل الزوال للماضية حتى لو كان هلال فطر افطروا وصلوا العيد ان امكنهم والا ففي الغد وان كان هلال رمضان صاموا لأنه غالبا لا يرى قبل الزوال إلا ان يكون لليلتين فيحكم بالصوم في أول رمضان أو بالفطر في آخره وجعلاه أي أبو حنيفة ومحمد ومعهما الأئمة الثلاثة لليلة المستقبلة لانه لما وقع الشك في أنه للماضية أو المستقبلة لم يعتبر به في ذلك اليوم من الشهر الماضى للتيقن الاصلى انتهى (وفى) الحاوى القدسى ولا اعتبار برؤيته قبل الزوال وانما الاعتبار لرؤيته في الليلة الماضية عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ان كان قبل الزوال فهو الليلة الماضية وان كان بعده فللجائية انتهى (وفى) الفيض ولو رأوا الهلال نهارا لا يصام به سواء قبل الزوال أو بعده وهو الليلة المستقبلة على المختار انتهى (وفى) فتاوى الامام قاضى خان إذا رأوا الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده لا يصام ولا يفطر وهو من الليلة المستقبلة وقال أبو يوسف إذا رأوه بعد الزوال فكذلك وان رأوه قبل الزوال فهو من الليلة الماضية وعن أبي حنيفة في رواية ان كان مجراه امام الشمس والشمس تتلوه فهو لليلة الماضية وان كان مجراه خلف الشمس فهو الليلة المستقبلة وقال الحسن ابن زياد ان غاب بعد الشفق فهو لليلة
الماضية وان غاب قبل الشفق فهو لليلة المستقبلة انتهى (ومثله) في شرح الهداية المسمى بمعراج الدراية وفسر الامام بان يكون إلى المشرق والخلف بان يكون إلى المغرب (وفيه) أيضًا عند الكلام على صوم يوم الشك وقالت الشيعة لا يكره صومه مطلقا أي وان كانت السماء مصحية بل هو واجب إلى ان قال وحاصل الاختلاف بيننا وبينهم انهم لا يعتقدون الرؤية بل اجتماع الشمس مع القمر وذلك يكون قبل الرؤية بيوم فعلى هذا يجب الصوم في يوم الشك عندهم وعندنا العبرة للرؤية لما روينا أي من حديث صوموا لرؤيته ولان الرؤية امر ظاهر يقف عليها الخاص والعام دون الاجتماع فانه لا يقف عليه إلا فرد خاص مع انه لا يجرى فيه الخطأ انتهى (وفى) البدائع ولو رأوا يوم الشك الهلال بعد الزوال أو قبله فهو لليلة المستقبلة في قول أبى حنيفة ومحمد ولا يكون ذلك اليوم من رمضان * وقال أبو يوسف ان كان بعد الزوال فكذلك وان كان قبله فهو لليلة الماضية ويكون اليوم من رمضان* والمسئلة مختلفة بين الصحابة روى عن ابن مسعود وابن عمر وانس مثل قولهما وروى عن عمر رواية اخرى مثل قوله وهو قول عائشة وعلى هذا الخلاف هلال شوال فإذا رأوا يوم الشك وهو يوم الثلاثين من رمضان قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المستقبلة عندهما ويكون اليوم من رمضان وعنده ان رأوا قبل الزوال يكون لليلة الماضية ويكون اليوم يوم الفطر * والاصل عندهما انه لا تعتبر رؤية الهلال قبل الزوال ولا بعده وانما العبرة للرؤية بعد غروب الشمس وعنده لا تعتبر لان الهلال لا يرى قبل الزوال عادة إلا ان يكون لليلتين وهذا يوجب ان يكون اليوم من رمضان وكونه يوم الفطر في هلال شوال * ولهما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته امر بالصوم والفطر بعد الرؤية) وفيما قاله أبو يوسف عدم وجوب الصوم والفطر على الرؤية وهذا خلاف النص انتهى (وفى) فتح القدير للمحقق ابن الهمام قال بعد كلام الخلاف في رؤيته قبل الزوال من يوم الثلاثين فعند أبي يوسف هو من الليلة الماضية فيجب صوم ذلك اليوم وفطره ان كان ذلك في آخر رمضان وعند أبي حنيفة ومحمد هو لليلة المستقبلة بلا خلاف * وجه قول أبي يوسف ان الظاهر انه لا يرى قبل الزوال إلا وهو لليلتين فيحكم بوجوب الصوم والفطر على اعتبار ذلك * ولهما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته اوجب سبق الرؤية على الصوم والفطر والمفهوم المتبادر منه الرؤية عند عشية اخر كل شهر عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم بخلاف ما قبل الزوال من الثلاثين والمختار قولهما وهو كونه للمستقبلة قبل الزوال أو بعده إلا ان واحدا لو رآه في نهار
الثلاثين من رمضان فظن انقضاء مدة الصوم وافطر عمدا ينبغي ان لا تجب عليه الكفارة وان رآه بعد الزوال ذكره في الخلاصة انتهى {فهذه} جملة من نصوص كتب الحنفية ومثله في غيرها من كتبهم المشهورة تركنا ذكرها خشية التطويل فإن المنصف القابل للحق يكتفى بالقليل وكلها متفقة على أنه لا عبرة لرؤيته نهارا وان ما يرى في النهار يكون لليلة المستقبلة خلافا لابي يوسف فلا يثبت بما يرى نهارا حكم من صوم إن كان لرمضان أو فطر ان كان لشوال وهذا هو المختار كما مر عن الفتح ومثله في شرح الزيلعي وغيره عملا بالنص المعلق لزوم الصوم والفطر على الرؤية المعهودة وهى ما يكون ليلا وهذا أيضًا مذهب الائمة الثلاثة كما سيأتي (ولكن) نذكر عبارة البحر لنبين غلط من لم يفهمها ونسب الغلط إلى غيره مع انه لم يفهم مذهبه {ونصها} لو رؤى في التاسع والعشرين بعد الزوال كان كرؤيته ليلة الثلاثين اتفاقا وانما الخلاف في رؤيته قبل الزوال يوم الثلاثين فعند أبي حنيفة ومحمد هو للمستقبلة وعند أبي يوسف هو للماضية والمختار قولهما لكن لو افطروا لا كفارة عليهم لانهم افطروا بتأويل ذكره قاضي خان انتهى {زعم} بعض الناس ان قوله وعند أبي يوسف هو للماضية معناه ان ذلك اليوم من شعبان فيجب فطره وان كونه للمستقبلة عندهما معناه ان اليوم الثاني من رمضان ففي الصورة الواقعة في هذه السنة إذا ثبتت رؤيته نهار الاثنين قبل الزوال يكون يوم الاثنين من شعبان اتفاقا ويكون أول رمضان يوم الثلاثاء فما وقع من اثبات رمضان يوم الاثنين مخالف للقولين فهو باطل اتفاقا انتهى {ولا يخفى} ان هذا فهم قبيح وخطأ صريح فإن قول هذا الزاعم معنى كونه للماضية عند أبي يوسف كون ذلك اليوم من شعبان فرية بلا مرية بل معناه انه يجعل كأنه رؤى في الليلة الماضية وهي ليلة هذا اليوم والهلال الذي يرى في ليلة هذا اليوم انما يكون أول شهر لا آخر شهر * على ان ما يرى آخر الشهر لا يسمى هلالا بل يسمى قمرا فصار معنى كونه لليلة الماضية ان ذلك اليوم الذي رؤى فيه الهلال يكون من رمضان فيجب صومه عند أبي يوسف كما تقدم التصريح به في عبارة البدائع وفتح القدير وصرح به أيضًا في شرح المجمع وقال حتى لو كان هلال فطر افطروا وان كان هلال رمضان صاموا فقوله صاموا صريح في انه من رمضان لا من شعبان {ومعنى} كونه لليلة المستقبلة عندهما ان هذه الرؤية لا عبرة بها لأن الخلاف في رؤيته يوم الثلاثين من شعبان كما تقدم التصريح به ولا شك انه بعد ثلاثى شعبان تكون الليلة المستقبله من رمضان سواء رؤى الهلال نهارا أو في الليلة المستقبلة * فمعنى قولهم انه يكون لليلة المستقبلة نفى كونه
لليلة الماضية لا اثبات كون الليلة المستقبلة من رمضان بهذه الرؤية {وكذا} قول البحر في صدر العبارة لو رؤى في التاسع والعشرين كان كرؤيته ليلة الثلاثين اتفاقا يعني انه لا يكون لليلة الماضية لان الشهر لا يكون ثمانية وعشرين فلهذا لم يقع خلاف في هذه الصورة وانما الخلاف في رؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال فانه يحتمل كونه لليلة الماضية بان يكون شعبان مثلا ناقصا وهذا اليوم من غرة شهر رمضان والهلال المرئى في النهار له لا لرمضان ويحتمل كون شعبان كاملا وهذا الهلال لليلة المستقبلة واليوم الذي رؤى الهلال فيه آخر شعبان * فتصريحهم بانه لليلة المستقبلة معناه أنه ليس للماضية فيلزم كونه للآتية ضرورة ان الشهر لا يزيد على الثلاثين فليس الحكم بكونه للآتية وكون الآتية غرة رمضان مأخوذا من هذه الرؤية بل من اكمال شعبان ثلاثين لان رؤيته نهارا غير معتبرة بمعنى انها لا يثبت بها صوم ولا افطار وانما المعتبر رؤيته ليلا لا غير * وانظر عبارة مختارات النوازل وعبارة الحاوي القدسى فإن فيهما التصريح بان المعتبر رؤيته ليلا لا نهارا لانه المفهوم المتعارف بين الصحابة والتابعين و من بعدهم كما تقدم في عبارة الفتح {وهذا} كله عند عدم رؤيته ليلا اما إذا رؤى ليلا قبل رؤيته نهارا فشهد به شهود عند الحاكم فلا شك ولا شبهة لعاقل فضلا عن فاضل ان المعتبر ما شهد به الشهود في الليلة الماضية كما صرح بذلك ما قدمناه عن الحاوي من قوله ولا اعتبار لرؤيته قبل الزوال وانما الاعتبار لرؤيته في الليلة الماضية الخ {وإذا} كان المعتبر رؤيته ليلا وثبت ذلك بالشهادة المزكاة لدى نائب مولانا قاضي القضاة فاخبر أحد انه رآه قبل الزوال أو بعده لا يلتفت إليه من وجوه * احدها ان هذه شهادة على الرؤية في غير وقتها والسابقة في وقتها * ثانيها ان هذه الشهادة لو فرض معارضتها للشهادة السابقة قدمت السابقة لاتصال القضاء بها * ثالثها أن هذه الشهادة شهادة على نفى كون ذلك اليوم من رمضان والسابقة شهادة على اثباته كيف ولا معارضة لها بوجه * اما على قول أبي يوسف فظاهر لما علمت ان رؤيته قبل الزوال عنده تدل على ان ذلك اليوم من رمضان وهذا طبق ما ثبت بالشهادة السابقة * واما على قولهما فلانه إذا رؤى نهارا وجعل عندهما لليلة المستقبلة لا ينافي ان يكون الهلال موجودا قبلها بليلة فانه إذا ثبت بالبينة السابقة وجود الهلال ليلة الاثنين ورؤى أيضًا نهار الاثنين يكون ذلك المرئى نهارا لليلتين احداهما الليلة السابقة الثابتة بالبينة والثانية الليلة المستقبلة فلا معارضة اصلا * وهذا كله بعد ثبوت رؤيته نهارا عند حاكم شرعى لا بمجرد الاخبار كما وقع في هذا العام والا فلا شبهة بوجه
مطلقا {فقد} تحرر أن هذا الاثبات الواقع في هذا العام صحيح موافق لقول ائمتنا الثلاثة بل هو موافق للمذاهب الأربعة أيضًا لعدم اعتبار رؤيتة الهلال نهارا عند الأئمة الأربعة اما عندنا فقد علمت التصريح به {واما عند المالكية} فقد قال في مختصر خليل ورؤيته نهارا للقابلة قال شارحه الشيخ عبد الباقى ورؤيته اي هلال رمضان أو شوال خلافا لمن خصه بالثانى نهارا قبل الزوال أو بعده للقابلة فيستمر على الفطران وقع ذلك في آخر شعبان وعلى الصوم ان وقع ذلك في آخر رمضان وقيل ان رؤى قباء فللماضية وبعده فللقابلة انتهى {واما عند الشافعية} ففي ينابيع الاحكام لصدر الدين الاسفراينى ورؤية الهلال بالنهار للمقبلة لرواية عائشة وكتاب عمر رضي الله تعالى عنهما انتهى (وفى) الانوار للأردبيلي وإذا رؤى الهلال بالنهار يوم الثلاثين فهو لليلة المستقبلة رؤى قبل الزوال أو بعده فإن كان لرمضان لم يلزم الامساك وان كان لشوال لم يجز الافطار انتهى (وفى) شرح المنهاج لابن حجر ولا برؤية الهلال في رمضان وغيره قبل الغروب سواء ما قبل الزوال وما بعده بالنسبة للماضى والمستقبل وان حصل غيم وكان مرتفعًا قدرًا لولا * لرؤى قطعا خلافا للاسنوى لان الشارع انما اناط الحكم بالرؤية بعد الغروب انتهى (وفى) شرحه للرملى ولا اثر لرؤية الهلال نهارا فلا نفطر ان كان في ثلاثى رمضان ولا نمسك ان كان في ثلاثى شعبان انتهى (وفى) حاشية ابن قاسم على شرح الروض قال في الارشاد ولا اثر لرؤيته نهارا أي لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم صوموا لرؤيته اي بعد رؤيته كقوله تعالى اقم الصلاة لدلوك الشمس أي بعد دلوكها انتهى (واما عند الحنابلة) ففى المنتهى والهلال المرئى نهارا ولو قبل الزوال للمقبلة انتهى (وفي) الانصاف للمرداوى وإذا رؤى الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة هذا المذهب سواء كان أول الشهر أو آخره فلا يجب به صوم ولا يباح به فطر انتهى (وفى) الغاية وشرحها والهلال المرئى نهارا ولو رؤى قبل الزوال في أول رمضان أو غيره أو في آخره لليلة المقبلة نصا فلا يجب به صوم ان كان في أول الشهر ولا يباح به فطر ان كان في آخره لما روى أبو وائل قال جاء كتاب عمر ان الاهلة بعضها اكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا أو يشهد رجلان مسلمان انهما رأياه بالأمس عشية رواه الدارقطني ورؤيته نهارا ممكنة لعارض يعرض في الجو يقل به ضوء الشمس أو يكون قوى النظر انتهى (قلت) وهذا الأثر نص في ان رؤيته نهارا لا تنافي ثبوت رؤيته في ليلة هذا النهار السابقة كما هو في صورة مسئلتنا كما لا تنافي ثبوت رؤيته في الليلة التالية لهذا النهار
وهو نص أيضًا في قبول الشهادة على رؤيته في الليلة السابقة بعد رؤيته نهارا فرؤيته نهارا لا تمنع الحاكم من سماع الشهادة على رؤيته في الليلة السابقة لان قوله في هذا الأثر (إذا رأيتم الهلال نهارا) أي في نهار الثلاثين من رمضان (فلا تفطروا في ذلك اليوم حتى تمسوا) أي تغرب الشمس لعدم اعتبار رؤيته نهارا (أو يشهد رجلان مسلمان انهما رأياه) أي رأيا هلال شوال (بالامس عشية) أي عشية ذلك النهار فإذا شهدا بذلك ثبت كون ذلك النهار من شوال وبدون ذلك لا يجوز الفطر فهذا إذا كانت الشهادة متأخرة عن الرؤية فكيف إذا كانت الشهادة سابقة واتصل بها حكم الحاكم ثم رؤى بعدها نهارا فعدم اعتبار رؤيته نهارا يكون بالاولى كما لا يخفى فكيف إذا كانت رؤيته نهارا مجرد دعوى لم تثبت فهل يسوغ لاحد ان يرد بها الشهادة السابقة الثابتة المتصلة بالحكم الرافع للخلاف لو كان ثم خلاف (فهذه) نصوص كتب المذاهب الأربعة ناطقة بان رؤيته نهارا لا توجب صوما ولا تبيح فطرا وان المعتبر رؤيته ليلا (فمن) خالف ذلك فقد خالف الاجماع (وما) نقلناه من هذه النصوص دال على ما قلناه من ان قولهم انه لليلة المقبلة بمعنى انه ليس لليلة الماضية لا بمعنى أنا نثبت دخول الشهر بهذه الرؤية والا ناقض قولهم لا أثر لرؤيته نهارا على ان الكلام في رؤيته يوم الثلاثين من شعبان أو رمضان ولا شك ان الليلة التي بعده تكون من الشهر الآخر سواء رؤى نهارا اولا * فعلم ان تصريحهم بكونه للمقبلة انما هو لنفي كونه للماضية ردا على من قال به كابي يوسف كما لا يخفى على من له ادنى المام * باساليب الكلام * والله تعالى أعلم (ثم) بعد كتابتي لذلك رأيته بعينه معزيا إلى شرح البهجة لشيخ الاسلام زكريا الانصاري عند قول المتن والمرئى بالنهار للمستقبلة فقال ما نصه والمراد بما ذكر دفع ما قيل ان رؤيته يوم الثلاثين تكون لليلة الماضية واما رؤيته يوم التاسع والعشرين فلم يقل أحد انها للماضية لئلا يلزم أن يكون الشهر ثمانية وعشرين انتهى ولله الحمد وقوله واما رؤيته الخ هو معنى قول البحر تبعا للفتح لو رؤى في التاسع والعشرين بعد الزوال كان كرؤيته ليلة الثلاثين اتفاقا أي لا يكون للماضية اتفاقا لما ذكر لكن كان المناسب ان يقول قبل الزوال لانه بعد الزوال للمستقبلة اتفاقا حتى في يوم الثلاثين {الفصل الثالث} في بيان حكم قول علماء النجوم والحساب فنقول قد صرح علماؤنا وغيرهم بوجوب التماس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فإن رأوه صاموا وإلا اكملوا العدة فاعتبروا الرؤية أو اكمال العدة اتباعا للاحاديث الآمرة بذلك دون الحساب والتنجيم * وقد
اتفقت عبارات المتون وغيرها من كتب علمائنا الحنفية على قولهم يثبت رمضان برؤية هلاله وبعد شعبان ثلاثين * ومن المعلوم ان مفاهيم الكتب معتبرة فيفهم منها انه لا يثبت بغير هذين * ولهذا بعدما عبر في الكنز بما مر قال صاحب النهر في شرحه ما نصه وحاصل كلامه اي كلام الكنز ان صوم رمضان لا يلزم إلا باحد هذين فلا يلزم بقول الموقتين انه يكون في السماء ليلة كذا وان كانوا عدولا في الصحيح كما في الايضاح قال مجد الأئمة وعليه اتفق أصحاب أبي حنيفة إلا النادر والنافعى وفسر في شرح المنظومة الموقت بالمنجم وهو من يرى ان أول الشهر طلوع النجم الفلاني والحاسب وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره في معنى المنجم هنا * وللامام السبكي الشافعي تأليف مال فيه إلى اعتماد قولهم لان الحساب قطعى انتهى كلام النهر * وسنذكر ان المتأخرين من الشافعية ردوا كلام السبكي * وفى الاشباه والنظائر قال بعض اصحابنا لا بأس بالاعتماد على قول المنجمين وعن محمد بن مقاتل انه كان يسألهم ويعتمد قولهم بعد ان يتفق على ذلك جماعة منهم ورده الامام السرخسي بالحديث (من أتى كاهنا أو منجما فقد كفر بما انزل على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم) انتهى (قال) العلامة نوح في حاشية الدرر والغرر والحديث اخرجه أصحاب السنن والحاكم وصححه بلفظ (من اتى كاهنا أو منجما فصدقه بما قال فقد كفر بما انزل على محمد) واخرجه ابو يعلي بسند جيد من اتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا * والكاهن من يخبر بالشيء قبل وقوعه كما في الجامع وفي المحكم هو القاضي بالغيب * وفي مختصر النهاية للسيوطي هو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في المستقبل ويدعى معرفة الاسرار * وفي القاموس العراف كشداد الكاهن * وقال الخطابي هو الذي يتعاطى مكان المسروق والضالة ونحوهما * وفى المغرب هو المنجم انتهى والمنجم هو الذي يخبر عن المستقبل بطلوع النجم وغروبه * وفى شرح العقائد النسفية إذا ادعى العلم بالحوادث الآتية فهو مثل الكاهن انتهى ما ذكره العلامة نوح وقد اطال في ذلك اطالة حسنة (لكن) اعترض بعض محشى الاشباه الاستدلال هنا بالحديث المذكور بانه لا يبعد ان يقال ان المراد منه النهى عن تصديق الكاهن ونحوه فيما يخبر به عن الحوادث والكوائن التي زعموا ان الاجتماعات والاتصالات العلوية تدل عليها وهو المسمى علم الاحكام وحكمها لا يصح وان ادعوا الجزم بها كفروا اما مجرد الحساب مثل ظهور الهلال في اليوم الفلاني ووقوع الخسوف في ليلة كذا فلا تدخل في النهى بدليل انه يجوز ان يتعلم ما يعلم به مواقيت الصلاة والقبلة انتهى * فالاولى الاستدلال بالاحاديث
الدالة على اعتبار الرؤية لا العلم فانه صلى الله تعالى عليه وسلم قال (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) وقال (فإن غم عليكم فاكملوا العدة) ولم يقل فاسئلوا أهل الحساب بل قال (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)(وما ذكره) محشى الاشباه قد رأيت نحوه منقولا في اواخر فتاوى الكازرونى قال وفى الجامع الكبير في معالم التفسير في قوله تعالى (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) قال الفقيه رضى الله تعالى عنه ان ما يخبر به المنجم لا يكون غيبا فلا يناقض قوله تعالى {لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وهو على وجهين ان كان المنجم يقول ان هذه الكوائن مخلوقات لله مسخرات بامره وهي دليل على بعض الاشياء فانه لا يكون كفرا وان جعلها مختارات فاعلات بنفسها لا يكون غيبا لان ما يعرف بالحساب لا يكون غيبا كما ان صبرة من المكيلات أو الموزونات أو المعدودات لو عرف مقدارها بالكيل والوزن والعدد لم يكن ذلك علما بالغيب فكذلك ما يعرف بالرمل ولانه قول بالظن وغالب الظن ليس علما بالغيب لان المحققين من المنجمين مجمعون على انه علم بغلبة الظن لان هذه الاجرام العلوية يحتاج الحاسب إلى مساحتها ومعرفة سيرها ومطرح شعاعها وانما يعرف ذلك بطريق التقريب لا على الحقيقة فمنهم مخطئ ومصيب * واما الحديث فإن ثبت فهو محمول على كهان العرب والعرافين فانهم كانوا مشركين يزعمون ان التأثير للفلك الاعظم وانه هو الفاعل نفسه ومن قال مثل قولهم وصدقهم فيه فهو كافر واما إذا صدق بالحساب والكواكب مع اعتقاده بأنها امارات واسباب فلا هذا هو اصل المذهب فاحفظه انتهى ملخصا (رجعنا) إلى اصل المسئلة فنقول الحاصل ان للمتأخرين ثلاثة اقوال نقلها الامام الزاهدى في القنية (الأول) ما قاله القاضي عبد الجبار وصاحب جمع العلوم انه لا بأس بالاعتماد على قول المنجمين (الثاني) ما نقله عن ابن مقاتل انه كان يسألهم ويعتمد على قولهم إذا اتفق عليه جماعة منهم (الثالث) ما نقله عن شرح الامام السرخسي ان الرجوع إلى قولهم عند الاشتباه بعيد لحديث (من اتى كاهنا) ثم نقل أيضًا عن شمس الأئمة الحلوانى ان الشرط عندنا في وجوب الصوم والافطار رؤية الهلال ولا يؤخذ فيه بقول المنجمين * ثم نقل عن مجد الأئمة الترجماني انه اتفق أصحاب أبي حنيفة إلا النادر والشافعي انه لا اعتماد على قول المنجمين في هذا انتهى (وقد) ذكر الاقوال الثلاثة ابن وهبان في منظومته جازما بالراجح منها فقال (وقول اولى التوقيت ليس بموجب * وقيل نعم والبعض ان كان يكثر)(وفى) الدر المختار ولا عبرة بقول الموقتين ولو عدولا
على المذهب انتهى (وفى) البحر عن غاية البيان من قال يرجع فيه إلى قولهم فقد خالف الشرع انتهى (وفى) معراج الدراية ولا يعتبر قول المنجمين بالاجماع ومن رجع إلى قولهم فقد خالف الشرع وما حكى عن قوم أنهم قالوا يجوز ان يجتهد في ذلك ويعمل بقول المنجمين غير صحيح لحديث (من أتى كاهنا) والمروى عنه صلى الله تعالى عليه وسلم (فإن غم عليكم فاقدروا له) أي باكمال العدة كما جاء في الحديث كذا في المبسوط ولا يجوز للمنجم ان يعمل بحساب نفسه وللشافعي رحمه الله تعالى فيه وجهان انتهى (وقد) نقل في التتارخانية ما مر من الاقوال ثم نقل عن تهذيب الشافعية انه لا يجوز تقليد المنجم في حسابه لا في الصوم ولا في الافطار وان في جواز العمل بحساب نفسه وجهين انتهى * ومقتضى سكوته عليه انه ارتضاه ولا مانع من جواز عمله به لنفسه إذا جرم به لما صرحوا به من جواز التسحر والافطار بالتحرى في ظاهر الرواية وكذا لو اخبره عدل ان الشمس غربت ومال قلبه إلى صدقه له ان يعتمد على قوله ويفطر في ظاهر الرواية كما في التتارخانية أيضًا وكذا الاسير في دار الحرب يتحرى في دخول الشهر ويصوم وعليه فيمكن التوفيق بين الاقوال الماضية بحمل القول بالعمل به على الجواز لنفسه أو لمن صدقه والقول بعدمه على الوجوب فلا يلزم الاخذ بقوله ولا يثبت به الهلال اتفاقا * هذا ما ظهر لي والله تعالى اعلم {واما عند المالكية} ففى مختصر الشيخ خليل أنه لا يثبت بقول المنجم قال شارحه الشيخ عبد الباقي لا في حق نفسه ولا في حق غيره ولو كأهله ومن لا اعتناء لهم بامره والمنجم الحاسب الذي يحسب قوس الهلال ونوره وفي كلام بعضهم انه الذي يرى ان أول الشهر طلوع النجم الفلاني والحاسب هو الذي يحسب سير الشمس والقمر وعلى كل لا يصوم أحد بقوله ولا يعتمد هو نفسه على ذلك وحرم تصديق منجم ويقتل ان اعتقد تأثير النجوم وانها الفاعلة انتهى {واما عند الشافعية} ففى الانوار للاردبيلى ولا يجب بمعرفة منازل القمر لا على العارف بها ولا غيره انتهى (وفى) ينابيع الاحكام ولا عبرة بقول المنجم مطلقا فلا يصوم وان علم بالحساب انه أهل على الاظهر اذ تحكيمه قبيح شرعا انتهى (وفى) شرح المنهاج لابن حجر لا قول منجم أي لا يجب الصوم بقول منجم وهو من يعتمد النجم وحاسب وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره ولا يجوز لاحد تقليدهما نعم لهما العمل بعلمهما ولكن لا يجزيهما عن رمضان كما صححه في المجموع وان اطال جمع في رده انتهى (وفى) شرحه للرملى وفهم من كلامه أي كلام المنهاج عدم وجوبه بقول المنجم بل لا يجوز نعم له ان يعمل
بحسابه ويجزيه عن فرضه على المعتمد وان وقع في المجموع عدم اجزائه عنه وقياس قولهم ان الظن يوجب العمل ان يجب عليه الصوم وعلى من اخبره وغلب على ظنه صدقه والحاسب في معنى المنجم الذي يرى ان أول الشهر طلوع النجم الفلاني انتهى ملخصا (وفى) حاشية الشبراملسي على الرملى عند قوله نعم له ان يعمل بحسابه قال ابن قاسم على ابن حجر (سئل) الشهاب الرملى عن المرجح من جواز عمل الحاسب بحسابه في الصوم هل محله إذا قطع بوجوده ورؤيته أم بوجوده وان لم تجز رؤيته فإن ائمتهم قد ذكروا للهلال ثلاث حالات حالة يقطع فيها بوجوده وامتناع رؤيته وحالة يقطع فيها بوجوده ورؤيته وحالة يقطع فيها بوجوده ويجوزون رؤيته (فاجاب) بان عمل الحاسب شامل للمسائل الثلاث انتهى (وفى) شرح الرملي أيضًا وشمل كلام المصـ ثبوته "1" بالشهادة ما لو دل الحساب على عدم امكان الرؤية وانضم إلى ذلك ان القمر غاب ليلة الثالث على مقتضى تلك الرؤية قبل دخول وقت العشاء لأن الشارع لم يعتمد الحساب بل الغاه بالكلية وهو كذلك كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى خلافا للسبكي ومن تبعه انتهى (قلت) وعبارة والده في فتاواه (سئل) عن قول السبكي لو شهدت بينة برؤية الهلال ليلة الثلاثين من الشهر وقال الحساب بعدم امكان الرؤية تلك الليلة عمل بقول الحساب لان الحساب قطعى والشهادة ظنية واطال الكلام في ذلك فهل يعمل بما قاله أم لا وفيما إذا رؤى الهلال نهارا قبل طلوع الشمس يوم التاسع والعشرين من الشهر وشهدت بينة برؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان هل تقبل الشهادة أم لا لأن الهلال إذا كان الشهر كاملا يغيب ليلتين أو ناقصا يغيب ليلة * أو غاب الهلال الليلة الثالثة قبل دخول وقت العشاء لانه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصلى العشاء لسقوط القمر الثالثة هل يعمل بالشهادة أم لا (فاجاب) بان المعمول به في المسائل الثلاثة ما شهدت به البينة لان الشهادة نزلها الشارع منزلة اليقين * وما قاله السبكي مردود رده عليه جماعة من المتأخرين وليس في العمل بالبينة مخالفة لصلاته صلى الله تعالى عليه وسلم * ووجه ما قلناه أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية بقوله (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا) وقال ابن دقيق العيد الحساب لا يجوز الاعتماد عليه في الصيام انتهى والاحتمالات التي ذكرها السبكي بقوله ولان الشاهد قد يشتبه عليه الخ لا اثر لها شرعا لامكان وجودها في غيرها من الشهادات
"1" قوله ثبوته بالشهادة برفع ثبوت على انه بدل من فاعل شمل وهو كلام المصـ والموصول في قوله مالو دل في محل نصب مفعول شمل منه
انتهى كلام الرملي الكبير (وفصل) المحقق ابن حجر بان الذي يتجه فيما لو دل الحساب على كذب الشاهد بالرؤية ان الحساب ان اتفق اهله على ان مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر ردت الشهادة والا فلا قال وهذا اولى من اطلاق السبكي الغاء الشهادة المذكورة واطلاق غيره قبولها انتهى ملخصا (لكن) اعترضه محشيه العلامة ابن قاسم بان اخبار عدد التواتر انما يفيد القطع إذا كان الاخبار عن محسوس فيتوقف على حسية تلك المقدمات والكلام فيه انتهى يعني ان كون تلك المقدمات حسية غير مسلم بل هي عقلية أي غير مدركة بإحدى الحواس والعقلى لا يثبت بالتواتر لانه مما يخطئ فيه الجمع الكثير كخطأ الفلاسفة في قدم العالم والا لزم ثبوت قدمه لاتفاق معظمهم عليه وان كانوا كفارا إذ ليس من شرط التواتر اسلام المخبرين كما في شرح التحرير لابن أمير حاج والله تعالى أعلم (واما عند الحنابلة) ففي الغاية وشرحها من باب صلاة الكسوف ولا عبرة بقول المنجمين في كسوف ولا غيره مما يخبرون به ولا يجوز عمل به لأنه من الرجم بالغيب فلا يجوز تصديقهم في شيء من المغيبات انتهى (فحيث) علم انه لا اعتماد على ما يقوله علماء النجوم والحساب في اثبات الشهر لعدم اعتباره في الشرع المعلق فيه وجوب الصوم أو الفطر على الرؤية لا على القواعد الفلكية ظهر وتبين خطأ من عارض رؤية الشهر في عامنا هذا الثابتة بالبينة التي اعتبرها الشارع صلى الله تعالى عليه وسلم وبنى الاحكام عليها بمجرد الاخبار عن جماعة انهم رأوا الهلال نهارا واعتمد على ذلك حتى صام يوم عيده بلا مسوغ شرعى بل بمحض الاحتمال العقلى المخالف لنصوص الشرع التي اعتبرها الأئمة المجتهدون واتباعهم المعتمدون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (الفصل الرابع) في بيان حكم اختلاف المطالع اعلم ان مطالع الهلال تختلف باختلاف الاقطار والبلدان فقد يرى لهلال في بلد دون آخر كما ان مطالع الشمس تختلف فإن الشمس قد تطلع في بلد ويكون الليل باقيا في بلد آخر وذلك مبرهن عليه في كتب الهيئة وهو واقع مشاهد (وفى) فتاوى المحقق ابن حجر صرح السبكي والاسنوى بان المطالع إذ اختلفت فقد يلزم من رؤية الهلال في بلد رؤيته في الآخر من غير عكس إذ الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل دخوله في الغربية وح فيلزم عند اختلافها من رؤيته في الشرقى رؤيته في الغربي من غير عكس * واما عند اتحادها فيلزم من رؤيته في احدهما رؤيته في الآخر * ومن ثم أفتى جمع بأنه لو مات أخوان في يوم واحد وقت زواله
وأحدهما في المشرق والآخر في المغرب ورث المغربي المشرقي لتقدم موته وإذا ثبت هذا في الأوقات لزم مثله في الأهلة وأيضا فالهلال قد يكون في المشرق قريب الشمس فيستره شعاعها فإذا تأخر غروبها في المغرب بعد عنها فيرى انتهى (لكن) اعترض قوله ان الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل دخوله في الغربية بانه ليس على اطلاقه لأن محل القبلية إذا اتحد عرض البلدين جهة وقدرا أي جهة الجنوب والشمال وقدرا بان يكون قدر البعدين عن خط الاستواء سواء انتهى (تنبيه) قال في شرح المنهاج للرملى وقد نبه التاج التبريزي على ان اختلاف المطالع لا يمكن في اقل من أربعة وعشرين فرسخا وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى والاوجه انها تحديدية كما افتي به أيضًا انتهى (قلت) وذكر القهستاني عن الجواهر تحديده بمسيرة شهر فصاعدا اعتبارا بقصة سليمان عليه السلام قال فانه قد انتقل كل عدو ورواح من اقليم إلى اقليم وبين كل منهما مسيرة شهر انتهى وفى دلالة القصة على ذلك نظر فالاول اولى لان الظاهر من قوله لا يمكن الخ انه قدره بالقواعد الفلكية ولا مانع من اعتبارها هنا كاعتبارها في اوقات الصلاة كما سيأتي (فتلخص) تحقق اختلاف المطالع وهذا مما لا نزاع فيه وانما النزاع في انه هل يعتبر أم لا (قال) الامام فخر الدين الزيلعي في شرحه على الكنز إذا رأى الهلال أهل بلد ولم يره أهل بلدة أخرى يجب أن يصوموا برؤية أولئك كيف ما كان على قول من قال لا عبرة باختلاف المطالع وعلى قول من اعتبره ينظر ان كان بينهما تفاوت بحيث لا تختلف المطالع يجب وان كان بحيث تختلف فاكثر المشايخ على انه لا يعتبر حتى إذا صام أهل بلدة ثلاثين يوما واهل بلدة أخرى تسعة وعشرين يوما يجب عليهم قضاء يوم والاشبه ان يعتبر لان كل قوم مخاطبون بما عندهم وانفصال الهلال عن شعاع الشمس يختلف باختلاف الأقطار حتى إذا زالت الشمس في المشرق لا يلزم أن تزول في المغرب وكذا طلوع الفجر وغروب الشمس بل كلما تحركت الشمس درجة فتلك طلوع فجر لقوم وطلوع شمس لآخرين وغروب البعض ونصف ليل لغيرهم * وروى أن ابا موسى الضرير الفقيه صاحب المختصر قدم الاسكندرية فسئل عن صعد على منارة الاسكندرية فيرى الشمس بزمان طويل بعد ما غربت عندهم في البلد أيحل له ان يفطر فقال لا ويحل لأهل البلد إذ كل مخاطب بما عنده (والدليل) على اعتبار المطالع ما روى عن كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل على شهر رمضان وأنا
بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال قلت ليلة الجمعة فقال انت رأيته قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت اولا تكتفى برؤية معاوية وصيامه فقال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه انتهى (وما) اختاره من اعتبار اختلاف المطالع هو المعتمد عند الشافعية على ما صححه الإمام النووى في المنهاج عملا بالحديث المذكور.
(قال) الرملي في شرحه عليه ولا نظر إلى أن اعتبار المطالع يحوج إلى حساب وتحكيم المنجمين مع عدم اعتبار قولهم كما مر لأنَّه لا يلزم من عدم اعتباره في الأصول والامور العامة عدم اعتباره في التوابع والامور الخاصة انتهى.
(قلت) على أن عدم اعتباره فيما مر إنما لمخالفته نص الحديث المعلق وجوب الصوم والفطر على الرؤية دون الحساب ولا مخالفة هنا فيه لنص بل هو موافق لظاهر النص المذكور عن ابن عباس وللنص المعلق فيه الوجوب على الرؤية بناء على اعتبار الوجوب في حق كل قوم برؤيتهم كما في اعتباره في أوقات الصلاة فهذا مؤيد لما اختاره الزيلعي من اعتبار اختلاف المطالع (لكن) المعتمد الراجح عندنا أنه لا اعتبار به وهو ظاهر الرواية وعليه المتون كالكنز وغيره (وهو) الصحيح عند الحنابلة كما في الإنصاف (وكذا) هو مذهب المالكية ففى المختصر وشرحه للشيخ عبد الباقي وعم الخطاب بالصوم سائر البلاد ان نقل ثبوته عن أهل بلد بهما أى بالعدلين والرواية المستفيضة عنهما أى عن الحكم برؤية العدلين أو عن رؤية مستفيضة انتهى (قال) العلامة المحقق الشيخ كمال الدين بن الهمام في فتح القدير وإذا ثبت في مصر لزم سائر الناس فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب في ظاهر المذهب. وقيل يختلف باختلاف المطالع لأن السبب الشهر وانعقاده في حق قوم للرؤية لا يستلزم انعقاده في حق آخرين مع اختلاف المطالع وصار كما لو زالت أو غربت الشمس على قوم دون آخرين وجب على الاولين الظهر والمغرب دون أولئك، ووجه الأول عموم الخطاب في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم صوموا معلقا بمطلق الرؤية في قوله لرؤيته وبرؤية قوم يصدق اسم الرؤية فيثبت ما تعلق به من عموم الحكم فيهم الوجوب بخلاف الزوال والغروب فإنه لم يثبت تعلق عموم الوجوب بمطلق مسماه في خطاب من الشارع والله تعالى أعلم انتهى (قلت) ولو تعلق عموم الخطاب بمطلق مسمى الاوقات لزم الحرج العظيم لتكررها كل يوم بخلاف
الهلال فإنه في السنة مرة (ثم) أجاب المحقق ابن الهمام عن الحديث المار بقوله وقد يقال أن الإشارة في قوله هكذا إلى نحو ما جرى بينه وبين رسول أم الفضل وح لا دليل فيه لأن مثل ما وقع من كلامه لو وقع لنا لم نحكم به لأنَّه لم يشهد على شهادة غيره ولا على حكم الحاكم (فإن) قيل اخباره عن صوم معاوية يتضمنه لأنَّه الإمام (يجاب) بأنه لم يأت بلفظة الشهادة ولو سلم فهو واحد لا يثبت بشهادته وجوب القضاء على القاضى والله تعالى أعلم. والاخذ بظاهر المذهب احوط انتهى (قال) في الفتاوى التتارخانية وعليه فتوى الفقيه أبي الليث وبه كان يفتى الإمام الحلواني وكان يقول لو رآه أهل المغرب يجب الصوم على أهل المشرق انتهى (وفى) الخلاصة وهو ظاهر المذهب وعليه الفتوى (قال) في فتح القدير ثم إنما يلزم متأخرى الرؤية إذا ثبت عندهم رؤية أولئك بطريق موجب حتى لو شهد جماعة أن أهل بلد كذا رأوا هلال رمضان قبلكم بيوم فصاموا وهذا اليوم ثلاثون بحسابهم ولم ير هؤلاء الهلال لا يباح فطر غد ولا تترك التراويح هذه الليلة لأن هذه الجماعة لم يشهدوا بالرؤية ولا على شهادة غيرهم وإنما حكوا رؤية غيرهم * ولو شهدوا أن قاضى بلدة كذا شهد عنده اثنان برؤية الهلال في ليلة كذا وقضى بشهادتهما جاز لهذا القاضى أن يحكم بشهادتهما لأن قضاء القاضي حجة وقد شهدوا به انتهى (قلت) لكن قال في الذخيرة البرهانية ما نصه قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى الصحيح من مذهب أصحابنا رحمهم الله تعالى أن الخبر إذا استفاض وتحقق فيما بين أهل البلدة الأخرى يلزمهم حكم هذه البلدة انتهى ونقل مثله الشيخ حسن الشرنبلالي في حاشية الدرر عن المفتى وعزاه في الدر المختار إلى المجتبى وغيره مع أن هذه الاستفاضة ليس فيها نقل حكم ولا شهادة لكن لما كانت الاستفاضة بمنزلة الخبر المتواتر وقد ثبت بها أن أهل تلك البلدة صاموا يوم كذا لزم العمل بها لأن المراد بها بلدة فيها حاكم شرعي كما هو العادة في البلاد الإسلامية فلابد أن يكون صومهم مبنيا علي حكم حاكمهم الشرعي فكانت تلك الاستفاضة بمعنى نقل الحكم المذكور وهى أقوى من الشهادة بأن أهل تلك البلدة رأوا الهلال يوم كذا وصاموا يوم كذا فإنها مجرد شهادة لا تفيد اليقين فإذا لم تقبل إلا إذا شهدت على الحكم أو على شهادة غيرهم لتكون شهادة معتبرة شرعا وإلا فهى مجرد أخبار أما الاستفاضة فإنها تفيد اليقين كما قلنا ولذا قالوا إذا استفاض وتحقق الخ. فلا ينافي ما تقدم عن فتح القدير. ولم سلم وجود المنافاة فالعمل على ما صرحوا بتصحيحه والامام الحلواني من أجل مشايخ المذهب وقد صرح بأنه الصحيح من مذهب أصحابنا وكتبت فيما علقته
على البحر أن المراد بالاستفاضة تواتر الخبر من الواردين من تلك البلدة إلى البلدة الأخرى لا مجرد الاستفاضة لانها قد تكون مبنية على أخبار رجل واحد فيشيع الخبر عنه ولاشك أن هذا لا يكفى بدليل قولهم إذا استفاض الخبر وتحقق فإن التحقيق لا يكون إلا بما ذكرنا والله تعالى أعلم.
(وقد) تلخص مما حررناه. وتحصل مما قررناه * من المسائل المتفرقة والمجتمعة. في هذه الفصول الأربعة * أن المعول عليه * والواجب الرجوع إليه* في مذاهب الأئمة الأربعة المجتهدين * كما هو المحرر في كتب اتباعهم المعتمدين* أن إثبات هلال رمضان* لا يكون إلا بالرؤية ليلا أو باكمال عدة شعبان* وانه لا تعتبر رؤيته في النهار* حتى ولو قبل الزوال على المختار* وانه لا يعتمد على ما يخبر به أهل الميقات والحساب والتنجيم* لمخالفته شريعة نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم* وانه لا عبرة باختلاف المطالع في الاقطار* الا عند الشافعى ذي العلم الزخار* ما لم يحكم به حاكم يراه* فيلزم الجميع العمل بما امضاه* كما ذكره ابن حجر وارتضاه* وقال لأنَّه صار من رمضان عندنا بموجب ذلك الحكم ومقتضاه* وهذا آخر ما يسره الله تعالى وقضاه من الكلام على احكام هلال رمضان ورؤياه* على يد عبده المفتقر إلى عزه وعلاه* محمد عابدين عفا عنه مولاه* وتجاوز عن مساويه وخطاياه* وصلى الله تعالى على سيدنا محمد نبيه ومجتباه* وحبيبه ومصطفاه* وعلى آله وأصحابه ومن والاه* وذلك في منتصف شوال سنة اربعين ومائتين والف من هجرة من حاز اقصى الشرف واعلاه* والحمد لله رب العالمين