المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تنبيه ذوى الأفهام على بطلان الحكم بنقض الدعوى بعد الإبراء - تنبيه ذوى الأفهام على بطلان الحكم بنقض الدعوى بعد الإبراء العام - ط إسطنبول - جـ ٢

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

تنبيه ذوى الأفهام على بطلان الحكم بنقض الدعوى بعد الإبراء العام

لسيدى المرحوم السيد الشريف محمد عابدين رحمه الله تعالى ونفعنا به

آمين

ص: 85

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الملك الوهاب * الهادى إلى طريق الصواب * والصلاة والسلام على النبي الاواب * والآل والاصحاب * ما غاب نجم و آب (وبعد) فيقول الفقير محمد امين * ابن عمر عابدين * غفر الله تعالى له ولوالديه * ولمن له حق عليه * هذه رسالة سميتها تنبيه ذوى الأفهام على بطلان الحكم بنقض الدعوى بعد الإبراء العام * والداعى إلى جمعها حادثة وقعت في عام إحدى وخمسين بعد المأتين والألف في رجل يهودى اسمه روفائيل ادعى على وكيل ورثة رجل اسمه على اغا بأن المدعى كان عنده مبلغ دراهم معلومة وديعة لورثة رجل اسمه إبراهيم افندى وإن المدعى دفع ذلك المبلغ إلى على اغا ليدفعه إلى ورثة إبراهيم افندى وإن على اغا مات ولم يدفع ذلك المبلغ فأجاب وكيل ورثة على اغا بانكار ذلك وادعى على روفائيل اليهودى بانك كنت ابرأت على اغا ابراء عاما وأثبت الوكيل الإبراء العام لدى الحاكم الشرعى ومنع الحاكم الشرعى المدعى من دعواه المذكورة وصرح له الحاكم الشرعى بانك ممنوع من هذه الدعوى والفقير كنت حاضرا مجلس الحكم وقال لى اليهودى انا لم ابرئه ابراء عاما وإنما قلت له ليس بينى وبينك أخذ ولا اعطاء فاجبته بأن دعواك دفع المبلغ إليه اعطاء فهو داخل تحت اقرارك وبعد ثبوت الإبراء العام لا كلام (ثم) بعد مدة ادعى اليهودى على الوكيل المذكور بأن على اغا كان اقر بعد الإبراء المذكور بأن المبلغ باق في ذمته لورثة إبراهيم افندى وأثبت اليهودى ذلك وكتب الحاكم الشرعى بذلك مراسلة وارسلها إلى حضرة الوزير المعظم حكمدار بلاد الشام ايده الله تعالى بتوفيقه على الدوام ولم به شعث الإسلام وذلك لأجل تحصيل المبلغ من ورثة على اغا فحصل لحضرة الوزير ايده الله تعالى شبهة في ذلك لاثبات بسبب الحكم السابق بمنع اليهودى من دعواه وبغيره من الاسباب * التي اورثت لحضرته الارتياب * فأرسل إلى المراسلة للاستفتاء عن الحكم الصادر فيها (فاجبت) بأن الحكم الثاني المذكور فيها غير واقع موقعه ثم طلب منى بيان ذلك فبينته ثم ارسل حضرة الوزير ايده الله تعالى بتوفيقه الجواب إلى الحاكم الشرعى فادعى ان هذا الجواب غير صحيح وكتب بعض عبارات ظن انها تدل لما يقول وارسلها إلى حضرة الوزير ايده الله تعالى فأرسلها إلى الفقير الطلب الجواب عما هو الحق والصواب * ولما كان امر ولى الأمر واجب الامتثال * بادرت إلى ذلك بدون امهال (فأقول) وبحوله تعالى اجول * لا بد اولا من ذكر صورة المراسلة المذكورة ثم ذكر صورة

ص: 86

جوابى الذي أجبت به ثم ذكر حاصل ما قاله الحاكم الشرعى أدام اللّه توفيقه لما يرضى (اما صورة المراسلة فهكذا) معروض الداعى لدوانكم ادعى روفائيل الصراف على الشيخ حسن افندى الجعفرى الوكيل الشرعى عن ورثة المرحوم على اغا الترجمان بأن المدعى في ج سنة 47 دفع لعلى اغا لترجمان 5515 ليوصولهم لورثة المرحوم إبراهيم افندي قاضى المدينة المنورة وإن على اغا حين ان كان متسلم طرابلس الشام في اثناء محرم سنة 250 اقر بالمبلغ انه باق في ذمته لورثة إبراهيم افندى ومنذ أيام في اثناء الشهر الذي مضى ادعى على المدعى احدورثة إبراهيم افندى وقبض منه من أصل المبلغ 1150 طالب المدعى عليه بالمبلغ من متروكات على اغا المرقوم فسئل فأجاب بالانكار لذلك وذكر بأن على اغا قبل سفره من دمشق لطرابلس صدر بينه وبين المدعى ابراء عام واعترف المدعى لدى الحاكم من مدة ثلاثة أشهر بكونه ابرأ ذمة على اغا قبل سفره مفعر فناء ان ذلك لا يفيد لان في ذلك التاريخ ما كانت ورثة ابرهيم افندى ادعت بشيء وإن ذلك المبلغ من حقوق الورثة لا يملكه المدعى ولا يسري اقراره به ولا الإبراء عنه لاسيما اقرار على اغا بالمبلغ لورثة إبراهيم افندى وبقائه في ذمته في التاريخ مؤخر عن تاريخ الإبراء الذي ادعى به فذلك دفع ويلزم اثباته وطلب من المدعى بينة بإقرار على اغا في التاريخ المرقوم فثبت اقرار على اغا الترجمان في محرم سنة 50 بالمبلغ بذمته لورثة إبراهيم افندى بشهادة شاهدين مشمولين بالتزكية الشرعية وثبت على ورثة على اغا الترجمان 5515 لورثة إبراهيم افندى وللمدعى والأمر إليكم وحرر في غرة ذا سنة 1251 وفي ذيل هذه المراسلة ختم الحاكم الشرعى (فهذه) صورة المراسلة ولم يذكر فيها حكمه الأول على المدعى قبل هذه الدعوى الثانية بنحو ثلاثة أشهر فإن وكيل ورثة على اغا جاب المدعى بأنه ابرأ المورث قبل سفره إلى طرابلس الشام ابراء عاما وكتب الحاكم الشرعى إلى الفقير صورة هذه الدعوى لا كتب له جوابها فكتبت له انه إذا ثبت الإبراء العام لا تسمع دعوى روفائيل على الوكيل بدفعه المبلغ للمورث لانه يدعى عليه دفع ذلك بطريق الأمانة والابراء العام يشمل الأمانة هذا معنى ما كتبته وليس في ذهني نفس الألفاظ المكتوبة ثم اتفق انى كنت في مجلس الحاكم الشرعى المذكور بعد أيام فتوقف فيما كتبته له وارانى عبارة من الخانية ظن انها تخالف ذلك فذكرت له انه لا مخالفة فقال للمدعى ثبت عليك الإبراء العام ومنعه من دعواه المذكورة وأمر ترجمانه بقبض المحصول منه ثم بعد نحو ثلاثة أشهر رجع المدعى إلى الحاكم الشرعى وقال عندى بينة على اقرار على اغا بأن ذلك المبلغ باق في ذمته

ص: 87

لورثة إبراهيم أفندي فسمع دعواء الثانية وأثبت له المبلغ وجعل هذه الدعوى الثانية دفعا للدعوى الأولى كما ذكره في المراسلة المرقومة ولا ادرى لاى شيء سكت عن التصريح بالحكم الأول (واما صورة جوابي) عن المراسلة فهكذا الذي ظهر لنا بعد التأمل في هذه المراسلة ان الحكم الصادر فيها غير واقع موقعه لامور * منها ان روفائيل ادعى انه سلم المال لعلى انا ليدفعه لورثة إبراهيم أفندي فصار على اغامو دعاو لا تسمع الدعوى بالوديعة بعد الابرأ العام الشامل لكل الدعاوى * ومنها استنادر وفائيل إلى إقرار على اغا عند الشاهدين ببقاء المبلغ لورثة إبراهيم أفندي فهذا إقرار للورثة فتكون المطالبة لهم لالروفائيل لأنه لم يقر ببقاء المبلغ لروفائيل * حتى يدعى به روفائيل * ومنها ان ورثة إبراهيم أفندي إذا أخذوا المبلغ من روفائيل لا يثبت له الرجوع به على ورثة على اغالان الدعوى بعد الإبراء العام لا تصيح إلا بشيء حادث بعده وهذا المال الذي يدعيه روفائيل على الورثة يدعى انه دفعه له في ج سنة 47 وهذا الدفع سابق على تاريخ الإبراء فهو داخل تحت الإبراء فلا تسمع الدعوى به وكون على اغا اقربه لا ينفع المدعى اما اولا فلانه لم يقربه للمدعى بل أقر به لورثة إبراهيم أفندي واما ثانيا فلانه أو كان أقر به للمدعى يكون أقر بشيء سابق على الإبراء فهو داخل في عموم الإبراء فلا تسمع دعواه به على كل حال * والله تعالى اعلم بحقائق الأحوال * فهذا ما ظهر لى انتهى (واما ما قاله) الحاكم الشرعى * وفقه مولاه لما يرضى * فذلك اعتراضه على جوابى في مواضع (فمنها) اعتراضه على قولى فصار على اغا مودعا الخ فقال الودائع تحفظ بأعيانها ولا يصحح الإبراء عن الاعيان فلا يصح الإبراء عن الوديعة قال في البزازية والابراء متى لاقى عينا لا يصح فصار وجوده وعدمه بمنزلة ولهذا الأصل فروع كثيرة منها ما في قاضيحان إذا ابرأ الوارث الوحى ابراء عاما بأن اقرانه قبض تركة والده ولم يبق له حق منها إلا استوفاه ثم ادعى في يد الوصى شيأ وبرهن تقبل ثم نقل نحوه عن بهجة الفتاوى باللغة التركية ثم قال وكتب الفتاوى مشحونة بامثال هذه المسائل فنفل هذا المفتى المخطى عن هذا الأصل والفروعات وما تفكر بأن الوديعة عين محفوظة وبالخصوص إذا أقر بعد الإبراء بقائه عنده وحكم بأن لا تسمع الدعوى بالوديعة بعد الإبراء على زعمه بأن لفظ الإبراء إذا صدر يشمل كل الدعاوى وأقوال الفقهاء على خلافه كما علمت فخطأ حكم الشرع بهذا الزعم الفاسد واخطأ انتهى كلامه عفا اللّه عنا وعنه (واقول) هذا الكلام يقضى منه العجب (اما اولا) فلانه ناقض به حكمه السابق فإنه حكم على اليهودى بعدم سماع دعواه بسبب الإبراء العام وكنت حاضرا في مجلس حكمه

ص: 88

ومنعه من مطالبة ورثة على اغا بالبلغ المدعى به فإذا كان ذلك الإبراء لا يشمل الوديعة التي زعمها اليهودى فكيف ساغ له الاقدام على هذا الحكم وهو يعتقد أن الإبراء العام لا يشمل الأعيان وإن أقوال الفقهاء على خلاف ذلك (واما ثانيا) فلان ما ادعى انه خطأ وانه زعم فاسد فهو غير صحيح فيلزم عليه تخطئة عامة الفقهاء فإنهم اتفقوا على ان الإبراء العام يشمل الأعيان وغيرها وماذكره من فرع الخانية فهو خارج عن القاعدة نصوا على استثنائه منها لعلة استحسانية كما ستعرفه وماذكره من ان الإبراء عن الأعيان باطل فذاك في الإبراء المقيد بها كما لو قال ابرأتك عن هذه الدار اوهذا العبد وحادثتنا ليست من هذا القبيل لان الذي ثبت عند الحاكم ان اليهودى ابرأ على انا ابرأ عاما فلذلك منعه من دعواه دفع المال (ولابد) من اثبات ما قلناه بالنقول الصحيحة * والأدلة الصريحة * حتى لا يبقى لطاعن كلام * وترتفع الشبه والأوهام * ولنذكر اولا الإبراء عن الأعيان * وما فيه من التفصيل والبيان * ثم نذكر الإبراء العام الذي هو المقصود في هذا المقام * ثم نذكر الفرع المار عن قاضي خان * وانه مستثنى من القاعدة بطريق الاستحسان (قال) في الأشباه والنظائر لا يصح الإبراء عن الأعيان والإبراء عن دعواها صحيح فلو قال ابرأتك عن دعوى هذه العين صح الإبراء فلا تسمع دعواه بها بعده الخ ما ذكره في القول في الدين (وقال) في الخانية الإبراء عن العين المغصوبة إبراء عن ضمانها وتصير أمانة في يد الغاصب وقال زفر لا يصح الإبراء وتبقى مضمونة ولو كانت العين مستهلكة صح الإبراء وبرئ من ضمان قيمتها (وقال) في جامع الفصولين ولو قال برئت من دعواى في هذه الدار لا يبقى له حق فيها وكذا لو قال برئت من هذا القن يبقى القن وديعة عنده ويبرأ من ضمانه (وقال) في الخلاصة إقام البينة على ابرائه عن المغصوب لا يكون ابرأ عن قيمة المغصوب وإنما هو إبراء عن ضمان الرد لا عن ضمان القيمة لان حال قيامه الرد واجب عليه لا قيمته فكان إبراء عما ليس بواجب انتهى (قلت) يعنى لما كان الواجب حال قيام المغصوب هو رد عينه لا ضمان قيمته كان الإبراء إبراء عن ضمان الرد لانه الواجب الآن فلو هلك بلا تعد لا يضمن لان الرد لم يبق واجبا عليه بل صار بمنزلة الوديعة بخلاف ما لو منعه بعد الطلب فهلك أو استهلكه ضمن لانه لم يبرأ عن القيمة لعدم وجوبها وقت الإبراء (وقال) في الاشباء فقولهم الإبراء عن الأعيان باطل معناه لا تكون ملكا له بالإبراء والا فالإبراء عنها لسقوط الضمان صحيح أو يحمل على الأمانة (وقال) في الدر المنتقى شرح الملتقى قولهم الإبراء عن الأعيان باطل معناه ان العين لا تصير

ص: 89

ملكا للمدعى عليه لا انه يبقى على دعواه بل تسقط في الحكم كالصلح على بعض الدين فإنه انما يبرأ عن باقيه في الحكم لا في الديانة فلو ظفر به أخذه ذكره القهستاني والبرجندى وغيرهما واما الإبراء عن دعوى الأعيان فصحيح انتهى (ومثله) في حواشى الأشباه للحموى عن حواشى صدر الشريعة للحفيد (قلت) وحاصله ان الإبراء عن نفس الأعيان باطل ديانة فلا تبرأ به الذمة وصحيح قضاء فلا تسمع الدعوى عليه بخلاف الإبراء عن دعواها فهو صحيح مطلقا فلا فرق في القضاء بين الإبراء عن الأعيان وعن دعواها حيث لا تسمع الدعوى بعده على الشخص المبرأ (وتمام) تقرير هذه المسئلة في رسالتنا المسمات اعلام الاعلام في احكام الإبراء العام (وبما) قررناه ظهر لك ان قولهم الإبراء عن الأعيان لا يصح ليس على إطلاقه وظهر لك وجه دخول الأعيان في الإبراء العام لان الإبراء العام يشمل الأعيان والدعوى وقد علمت ان الإبراء عن دعواها صحيح (ولنذكر) لك كلامهم في الإبراء العام فنقول (قال) في العمادية عن الخانية اتفقت الروايات على ان المدعى لو قال لا دعوى لى قبل فلان اولا خصومة لى قبله يصح حتى لا تسمع دعواه عليه إلا في حق حادث بعد البراءة انتهى (فانظر) رجل اللّه كيف عبر باتفاق الروايات على انه لا تسمع الدعوى بعد الإبراء العام إلا بشيء حادث وبه تعلم الزعم الفاسد من الصحيح * وتعلم من ارتكب الخطأ الصريح (وقال) في المحيط من باب الإقرار بالبراءة وغيرها ولو أقر انه لاحق له قبل فلان يجوز وبرئ من كل قليل كثير ودين ووديعة وكفالة وحد وسرقة وقذف وغيرها لان قوله لاحق لى نكرة في النفي والنكرة في النفى تعم وقوله لاحق لى يتناول سائر الحقوق المالية وغيرها (ثم قال) وكذا لو قال فلان برئ من حق فهو برئ عن الحقوق كلها لانه جمله بريئا عن حق واحد منكر ولا تتصور البراءة عن حق واحد منكر إلا بعد البراءة عن الكل فصار عاما من هذا الوجه إلى آخر كلامه (وقال) في الخلاصة ثم في قوله لاحق لى قبل فلان يدخل في هذا اللفظ كل عين ودين وكل كفالة أو اجارة أو جناية اوحد انتهى (وقال) في البحر قال في المبسوط ويدخل في قوله لاحق لى قبل فلان كل عين ودين وكل كفالة أو جناية أو اجارة أو حد الخ (وقال) العلامة ابن نجيم في رسالته في الإبراء ناقلا عن الأصل للامام محمد من كتاب الإقرار لاحق له قبل فلان فليس له ان يدعى حدا ولا قصاصا ولا ارشا ولا كفالة بنفس ولا مال ولا دينا ولا وديعة ولا عارية ولا مضاربة ولا مشاركة ولا ميراثا ولا دارا ولا ارضا ولا عبدا ولا امة ولا شيئا من الاشياء ولا عرضا

ص: 90

ولا غيره إلا شيئا حدث بعد البراءة انتهى (وقال) في القنية لو قال لا تعلق لى على فلان فهو كقوله لاحق لى قبله فيتناول الديون والأعيان (وفيها) أيضا لو قال ليس لي معه امر شرعى يبرأ عن دينه وعن دعواه في العين ولو قال لا دعوى لى عليك اليوم ليس له ان يدعى بعد اليوم (وقال) في الأشباه لا تسمع الدعوى بعد الإبراء العام إلا ضمان الدرك وما إذا ابرأ الوارث الوصى إبراء عاما بأن أقر انه قبض تركة والده ولم يبق له حق منها إلا استوفاه ثم ادعى في يد الوصى شيئا من تركة أبيه وبرهن يقبل ثم ذكر مسئلتين أخريتين (فانظر) رجل اللّه تعالى إلى هذه النقول * عن الأئمة الفحول * التي لا يعترى صوارمها فلول* ولا ثواقبها افول * كيف صرحت بأن الإبراء العام لا تسمع بعده الدعوى بدين ولا عين ولا وديعة ولا غيرها * فكيف يعترض على من افتى بقولهم بأنه مخطى وانه ذو زعم فاسد وإن أقوال الفقهاء على خلافه مع انا لم نر احدا خالف كلامهم * سوى من لم يفهم مرامهم (وانظر) عبارة الأشباه كيف ذكر مسئلة قاضي خان المارة على وجه الاستثناء من قاعدة الإبراء العام حيث صح هنا دعوى الوارث على الوصى بعد ابرائه اياه الإبراء العام وقد تحير العلماء الاعلام في وجه استثنائها وذكروا له طرقا احسنها ما قاله شيخ الإسلام القاضي عبد البر ابن الشحنه في شرحه على المنظومة الوهبانية انه انما تسمع دعوى الوارث على الوصى استحسانا لا قياسا لقوة شبهة عدم معرفته بما يستحقه من قبل والده لقيام الجهل بمعرفة ما لوالده على جهة التفصيل والتحرير بخلاف ما إذا كان مثل هذا الاشهاد مجردا عن سابقة الجهل المذكور فاستحسنوا سماع دعواه هنا فتأمله انتهى (ونقل) هذا الجواب السيد الحموى في حاشية الأشباه وأقره وارتضاه وبمثله أجاب الشيخ خير الدين الرملي * وتمام الكلام على ذلك مع الجواب عن بقية المسائل المستثناة في الأشباه ذكرناه في رسالتنا اعلام الاعلام (فقد) ظهر لك ان ما افتينا به هو الحق والصواب * بلا شك ولا ارتياب * لانه الموافق للمنقول في عامة كتب الاصحاب * كما لا يخفى على اولى الالباب وإن مسئلة قاضى خان لا ترد على ذلك لأنها مستثناة * ولا تقاس عليها مسئلتنا بلا اشتباه * لأنها خارجة عن القياس * وماخرج عن القياس فغيره عليه لا يقاس * على ان القياس لا يسوغ لغير المجتهدين من العلماء المتقدمين * فكيف يجوز لأحد منا ان يتجاسر على رد كلامهم * وترك تعظيمهم واحترامهم (فإن) قال المعترض ان الحادثة ليس فيها إبراء عام (فنقول) له ان البينة قد قامت لديك بأن المدعى ابرأ إبراء عاما وقد حكمت أنت بذلك ومنعت المدعى

ص: 91

من دعواه الوديعة فكيف نقضت حكمك الأول وأثبت له الرجوع * على ورثة على اغا بلا سند مشروع * بل بمجرد ما ثبت عندك ثانيا من قول على اغا ان المبلغ الذي قدره كذا باق عندى لورثة إبراهيم أفندي فإن هذا الإقرار صدر من على اغا في طرابلس الشام على ما زعمه المدعى وشهوده لا في مجلس المخاصمة حتى يكون شبهة في الاعتراف بقبض ذلك المبلغ من المدعى بل هو إقرار مبتدأ في غيبة المدعى بأن المبلغ الذي قدره كذا باق في ذمتي لورثة إبراهيم أفندي فهذا إقرار للورثة المذكورين بذلك المبلغ فدعوى روفائيل الآن انى دفعت ذلك المبلغ لعلى اغالا تثبت بمجرد اعتراف على اغا في طرابلس بما شهدت به الشهود اذ لا يلزم من قول على اغا ذلك المبلغ في ذمتي لورثة إبراهيم أفندي ان يكون هو المبلغ الذي ادعى المدعى الآن انه اودعه عند على اغا ولا دلالة لذلك عليه بوجه من وجوه الدلالات لا شرعا ولا عقلا ولا عادة نعم لو كانت الدعوى قائمة وادعى روفائيل على على اغا بانى دفعت إليك مبلغ كذا لتوصله إلى ورثة إبراهيم أفندي فقال في جوابه هو باق في ذمتي لورثة إبراهيم أفندي يكون في العادة اعترافا بدعوى المدعى انه دفع له هذا المبلغ لان السؤال معاد في الجواب اما مجرد سماع الشاهدين إقرار على اغا في بلدة أخرى بأنه باق في ذمتى لورثة فلان مبلغ كذا من الدراهم لا يكون اعترافا بدعوى اليهودى على ورثته بانى دفعت ليه كذا ليوصله إلى ورثة فلان فهذا ما كتبته في الجواب عن المراسلة ان هذا إقرار لورثة إبراهيم أفندي فتكون المطالبة لهم لا لروفائيل اليهودى وهذا كله مع قطع النظر عن ثبوت الإبراء العام واما بعد ثبوته فلا كلام لانك قد سمعت ان الإبراء العام لا تسمع بعده الدعوى إلا بشئ حادث وهنا لم يحدث للمدعى شئ اصلا لما سمعت من ان هذا الإقرار للورثة لاله (ومما اعترض به) الحاكم الشرعى ان قولى تكون المطالبة لهم لالروفائيل مخالف لما قال في البداية ومن اودع رجلا وديعة فاودعها الرجل بلا اذن المودع الأول عند اخر غير عياله فهلك فله أي للمودع الأول ان يضمن الرجل وليس له ان يؤاخذ الآخر وهذا عند أبي حنيفة وقالا له ان يضمن ايهما شاء انتهى قال فقول المفتى بكون المطالبة للورثة خلاف قول أبي حنيفة وإن بنينا الكلام على قول الامامين تكون الورثة مخيرة فإذا اختار الورثة تضمين اليهودى فلم لا يجوز رجوع اليهودى على المودع الثاني بعد كونه ضامنا واداه بأمر الشرع الشريف وانتقل هذا المال إلى اليهودى واما ابراؤه فقد عرفت انه غير مانع من الدعوى واقراره لورثة إبراهيم أفندي إقرار بعين هذا المال الذي ضمنوه اليهودي

ص: 92

على ان كتب المذهب مملوءة بهذه المسائل فيالت شعرى بماذا يتجاسر المفتى على التفوه بهذه الألفاظ المخالفة لأقوال الأئمة تجاوز اللّه عنه انتهى (اقول) هذا المعترض معذور في هذا الكلام لأنه بناء على ما فهمه من ان إقرار على اغا لورثة إبراهيم افندي إقرار بأنه وديعة عنده لروفائيل وقد علمت أنه لا دلالة له على ذلك لا عقلا ولا شرعا ولا عادة والالزم ان كل من أقر بمال لزيد ان يأتى رجل اخر ويقول انا اودعت عندك هذا المال لتدفعه لزيد وإن زيدا أخذ منى هذا المال فيثبت لى ان ارجع به عليك لكونك اقررت بأن المال لزيد ولا يخفى ان هذا الكلام * لا يقول به أحد ممن له ادنى المام * بمسائل الاحكام * وحاشى للّه ان تكون كتب المذهب مملوءة بهذه المسائل * التي لا يقول بها عالم ولا جاهل * فكيف يتجاسر على الحكم بما يخالف أقوال الأئمة * بل سائر الأمة * واما ما نقله عن البناية فهو حق لا شبهة فيه * ولكن لا مناسبة لنقله في هذه الحادثة كما لا يخفى على نبيه * لعدم ثبوت الاستيداع * بوجه من الوجوه الصحيحة بلا نزاع (و مما اعترض به) ان قولى في الجواب ان ورثة إبراهيم أفندي إذا أخذوا المبلغ لا يثبت له الرجوع به الخ فقال ان منشاه عدم التفكر في ان الدعوى لا تصح إلا بحق حادث والتضمين هو الحق الحادث لان روفائيل وقت دفعه المبلغ لعلى اغا ما كان هذا المبلغ حقه بل كان حق ورثة إبراهيم أفندي فلما أخذ الورثة حقهم من اليهودى بالتضمين بدفعه بغير امرهم حدث له حق عند على اغا وإن كان تاريخ الدفع سابقا على تاريخ الإبراء ألا ترى ان المديون إذا احال دائنه بدينه على رجل وقبل كل واحد من المحتال والمحتال عليه الحوالة وإبراء المحتال ذمة المحيل إبراء عاما ثم تحقق التوى يرجع على المحيل ولا يمنعه الإبراء العام وهذا مشهور ومعمول به بلا خلاف ولا اختلاف إلى آخر ما قال (اقول) وهذا الكلام أيضا من جنس ما قبله مبنى على ما فهمه وحكم به من ثبوت الوديعة لروفائيل عند على اغا بمجرد اقراره المذكور وقد علمت بطلانه فإن روفائيل إذا ضمنه ورثة إبراهيم أفندي ذلك المبلغ لاعترافه بأنه دفعه اعلى اغابلا اذنهم كيف يسوغ له الرجوع به على ورثة على اغا بمجرد اعترافه بأنه دفع المبالغ لعلى اغا ولا سيما بعد ثبوت ابرائه العام ولم يثبت كون على اغا قبض المبلغ من روفائيل وإنما ثبت ان على اغا أقر لورثة إبراهيم أفندي مبلغ كذا من الدراهم (على) ان ذلك الإقرار لم يثبت حقيقة لان على اغا قربه لورثة إبراهيم أفندي فلا بد من دعواهم عليه به واما روفائيل فهو اجنبي في هذه الدعوى ودعواه انه دفع المبلغ لعلى اغاغير مسموعة بعد ثبوت الإبراء العام فإذا كان ممنوعا من دعوى الدفع المذكور كيف يتأتى له اثبات ان على اغا أقر لورثة إبراهيم أفندي وليس وكيلا

ص: 93

عنهم ولا خصما بوجه من الوجوه مع أنهم لم يدعوا بهذا الإقرار على ورثة على اغا ولا وكلوا احدا بهذه الدعوى بل ادعوا به على روفائيل فكيف تسمع دعوي روفائيل بها والحال انه لا يمكنه اثبات مقصوده بها فقد علم ان هذه البينة التي شهدت باقرار على اغا باطلة لم يثبت بها حق لاحد لعدم الخصم الشرعى فالحكم بها أيضا باطل لما هو مقرر من ان الحكم لابد ان يكون بعد حادثة من خصم حاضر على مثله فإذا كان كذلك فكيف يصح ان يقال ان روفائيل بعد تضمين ورثة إبراهيم أفندي اياه ذلك المبلغ ثبت له حق حادث بعد الإبراء العام فلا يمنعه الإبراء العام من دعواه به فاين الحق وابن المستحق ما هذا الاشتباه ولاحول ولا قوة إلا بالله (واما) ما ذكره من مسئلة الحوالة وقوله ان هذا مشهور ومعمول به فهو صحيح ولكن قوله بلا خلاف ولا اختلاف غير صحيح لما في البزازية وغيرها من ان الحوالة نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه عندا بي يوسف وقال محمد هي نقل المطالبة وثمرته فيما إذا ابرأ المحتال المحيل عن الدين لا يصح عند أبي يوسف لانتقال الدين وصح عند محمد انتهى ولا يخفى ان المعتمد قول أبي يوسف مشى عليه في الكنز وغيره وصححه أصحاب الشروع فيكون المعتمد أن الإبراء المذكور غير صحيح ويكون وجوده كعدمه وهذا إذا كان الإبراء عن نفس مال الحوالة فكذا إذا كان الإبراء عاما فيصح الرجوع بالمال عند تحقق التوى لعدم صحة الإبراء عنه واما على قول محمد بصحة الإبراء فمقتضاه انه لا رجوع له بعد النوى ولا قبله لان مقتضى صحة الإبراء ان تبرأ منه ذمة المحيل لقول محمد ببقاء الدين في ذمته فقد صادف الإبراء ذمة مشغولة بالدين فيسقط فلا يثبت للمحتال الرجوع به فكيف يصبح ان يقال بلا خلاف ولا اختلاف مع ان كثيرا من العلماء رجح قول محمد بل الرجوع مبنى على قول أبي يوسف المعتمد * ثم هذا عند اعتراف الخصمين بالحوالة كما لا يخفى اما إذا انكر الحوالة اصلا فلا تسمع دعوى المحتال بشيء بعد الإبراء العام لا حوالة ولا دينا ولا رجوعا بدين ولا شك ان مسئلتنا كذلك لان الوديعة غير معترف بها فالدعوى بها غير مسموعة بعد الإبراء العام كما قررنا، فكيف تقاس على مسئلة الحوالة المعترف بها ويقال انه تثبت الرجوع بما قبل الإبراء العام (ومما) اعترض به على قولى في آخر الجواب واما ثانيا فلانه لو كان اقر به للمدعى يكون أقر بشيء سابق على الإبراء فهو داخل في عموم الإبراء فلا تسمع دعواه به فقال ان الفقهاء قالوا ان الإقرار بعد الإبراء صحيح الخ (اقول) ومرادى بذلك. ان على انا لو قال ان المبلغ الذي قدره كذا باق في ذمتي لروفائيل لا ينفعه هذا الإقرار في دعواه المذكورة لان روفائيل يدعى عمال اودعه عند على انا ليسلمه لاصحابه وهم ورثة إبراهيم أفندي والذي اقربه

ص: 94

على اغا مان في ذمته لروفائيل وهو لم يدعى بذلك بل ادعى وديعة سابقة على الإبراء العام فلا تسمع دعواه بها نعم في دلالة العبارة على هذا المعنى خفاء ولكن هذا الجواب غير محتاج إليه لان الواقع ان على اغا أقر لورثة إبراهيم أفندي لا لروفائيل وقد علمت ان روفائيل ليس خصما في اثبات هذا المبلغ المقربه للورثة المذكورين وإن دعواه به غير صحيحة لكونه فضوليا في الدعوى لان المقر لهم لم يدعوا به على ورثة المقر ولم يوكلوا المدعى بالدعوى بل ادعوا عليه ان لهم عنده وديعة فاقر بها وادعى انه دفعها لعلى اغا فضمنوه الوديعة بإقراره المذكور ولا شك ان الإقرار حجة قاصرة على المقر ولم تصبح منه الدعوى على ورثة على اغا بتسليم الوديعة إليه للابراء العام الصادر منه لعلى اغا لدى بينة شرعية ولا سيما وقد حكم به الحاكم الشرعي ومنع روفائيل من دعواه الوديعة فلا تسمع دعواه ثانيا (قال في الأشباه) المقضى عليه في حادثة لا تسمع دعواه ولا بينته إلا إذا ادعى تلقى الملك من المدعى أو النتاج أو برهن على ابطال القضاء كما ذكره العمادي والدفع بعد القضاء بواحد مما ذكر صحيح وينتقض القضاء انتهى ولا شك ان دعواه الثانية ليست بواحدة مما ذكر بل هي دعوى باطلة غير مرضية * لا صحة لها بوجه من الوجوه الشرعية كما قررناه* واوضحناه وحررناه * وإذا كانت هذه الدعوى من المقضى عليه باطلة كيف يسوع سماعها ويقبل* فضلا عن الحكم بها ونقض الحكم الأول* فقد ظهر ظهور الشمس * بلا خفاء ولا لبس * ان الحكم الثاني غير صحيح* كما دل عليه النقل الصريح * الذي لا شبهة فيه* ولا مطعن يعتريه* والله سبحانه وتعالى اعلم بالصواب* واليه المرجع والمآب* وقد نجزت هذه العجالة الجليلة* في اوقات قليلة * ليلة الخميس السابع من ذى الحجة الحرام الذي هو ختام عام سنة إحدى وخمسين ومائتين والف* من هجرة من تم به الالف* وزال به الشقاق والخلف * صلى الله تعالى عليه وعلى آله الكرام* واصحابه العظام الذين نرجو باتباعهم حسن الختام

ص: 95