الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الهبة والعطية
الهبة من هبوب الريح، أي مروره، يُقال:"وهبتُ له شيئًا وَهْبًا" -بإسكان الهاء وفتحها- و"هبة"، و "الاتهاب" قبول الهبة، و"الاستيهاب": سؤال الهبة و"العطية" هنا: الهبة في مرض الموت (وهي: التبرُّع) من جائز التصرُّف (بتمليك ماله المعلوم الموجود في حياته غيره) مفعول تمليك بما يُعدُّ هبة عرفًا، فخرج بالتبرع: عقود المعاوضات كالبيع والإجارة، وبالتمليك: الإباحة كالعارية، وبالمال: نحو كلب، وبالمعلوم: المجهول، وبالموجود: المعدوم، فلا تصح الهبة فيها، وبالحياة: الوصية
(1)
باب الهبة والعطية والهدية
وفيه ثلاث وخمسون مسألة:
(1)
مسألة الهبة لغة: مأخوذة من هبوب الريح، وهو: مرورها، يقال:"وهبته، وهبًا وهبة" أي أعطيته بلا عوض، يقال:"زيد موهوب له" ويقال: "المال الموهوب"، ويقول سائل الهبة:"استوهبتها" ويقول قابل الهبة: "اتهبتُ الهبة"، ويُقال:"قوم تواهبوا" أي: وهب بعضهم بعضًا -كما جاء في المصباح (673) - والهدية مثلها - والعطية لغة: كل ما تعطيه لغيرك بلا عوض، والجمع:"العطايا"، والمراد بها هنا: الهبة في مرض الموت، لا مطلق العطية، والهبة والعطية والهدية في الاصطلاح:"أن يقوم جائز التصرف بالتبرع بتمليك غيره ماله المعلوم الموجود في حياته بعبارة تفيد الهبة عرفًا" وأتي بعبارة: "جائز التصرف" لبيان أنه يُشترط في الواهب والمعطي: أن يكون مكلفًا حرًا، راشدًا، مالكًا لماله ملكًا حقيقيًا في حال الصحة، وأخرج بذلك: المجنون، والصبي والسفيه، والمحجور عليه، والسارق والغاصب ونحوهم ممن لا يملك ما عنده، ونحوهم، وأُتي بلفظ:"بالتبرّع" لإخراج عقود المعاوضات كالبيع، والإجارة، وأُتي بلفظ:"بتمليك" لإخراج: الإباحة للمنفعة، دون العين كالعارية، وأتي بلفظ "غيره" لبيان أن العطية والهبة =
(وإن شرط) العاقد (فيها عوضًا معلومًا فـ) ـهي (بيع)؛ لأنه تمليك بعوض معلوم
(2)
،
تكون من شخص لشخص آخر منفصل عنه، فلا أن يوهب عبد سيده شيئًا، وأتي بلفظ:"ماله" لإخراج الأشياء التي لا تسمَّى مالا شرعًا كأن يوهب غيره كلبًا، أو خمرًا، أو ميتة؛ لأن هذه الأشياء لا تسمى أموالًا، وأتي بلفظ:"المعلوم" لإخراج المال المجهول كالحمل في البطن وأُتي بلفظ: "الموجود" لإخراج. المال المعدوم، كالذي لم يملكه الواهب، فهذا لا يوهب ولا يُعطى ولا يهدى، وأنّي بلفظ "في حياته" لإخراج الوصية؛ لكونها لا يعمل بها إلّا بعد الموت، وخرج الواجب إخراجه في الحياة كنفقة من تجب عليه نفقته كالزوجة والأولاد، فإن قلت: لم جعل باب الهبة والعطية بعد باب الوقف؟ قلتُ: لأن كلًّا منهما فيه إخراج مال من مالكه بلا عوض مالي.
[فرع]: الهبة والعطية مندوب إليهما؛ للسنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "تهادوا - تحابوا" والهدية هي الهبة والعطية بلا عوض، وصرف هذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب: فعل الصحابة؛ حيث إن بعض الصحابة كان لا يهدي لأحد شيئًا، فإن قلتَ: لِمَ شُرعت الهبة والعطية؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حثّ على المحبة والمودَّة بين الناس كما ورد في الحديث.
(2)
مسألة: إذا وهب زيد لعمرو شاة بلفظ الهبة، ولكنه اشترط على عمرو أن يُعطيه عنها عوضًا معلومًا كمائة، فإن ذلك يُعتبر بيعًا، تُطبَّق عليه أحكام البيع؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ذلك تمليك بعوض معلوم: أن يكون بيعًا؛ لوجود حقيقة البيع وإن لم توجد صيغته، فإن قلتَ: إن هذا يُسمَّى هبة وإن وجد العوض؛ لقول الصحابي؛ حيث قال عمر: "من وهب هبة أراد بها الثواب: فهو على هبته" قلتُ: إن هذا القول منه رضي الله عنه قد خالفه ابنه، وابن عباس فيه فلا يبقى حجة؛ لأنهما إذا تعارضا: تساقطا، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ:=
ويثبت الخيار والشفعة
(3)
، فإن كان العوض مجهولًا: لم تصح، وحكمها كالبيع الفاسد، فيردَّها بزيادتها مطلقَا، وإن تلفت: ردَّ قيمتها
(4)
، والهبة المطلقة لا تقتضي عوضًا: سواء كانت لمثله، أو دونه أو أعلى منه
(5)
، وإن اختلفا في شرط عوض:
"تعارض قول الصحابي مع التلازم".
(3)
مسألة: يثبت في الهبة خيار المجلس والشرط وغيرهما من أنواع الخيار، وتثبت فيها الشفعة. إذا كانت العين الموهوبة شقصًا مشتركًا بينه وبين غيره شراكة مشاعة فيقوم شريك الواهب فيأخذ هذا الشقص الموهوب بقيمته ويثبت فيها أيضًا الرد بالعيب ونحو ذلك؛ للقياس؛ بيانه: كما أن البيع يثبت فيه الخيار والشفعة والرَّد بالعيب فكذلك تثبت هذه الأشياء بالهبة والجامع: أن كلًّا منها تمليك عين، كما لو قال:"ملكتك هذا بدرهم": فإنه لو أطلق التمليك كان هبة وإذا ذكر العوض صار بيعًا.
(4)
مسألة: إذا وهب زيد عمرًا شيئًا، واشترط زيد على عمرو: أن يعطيه عوضًا مجهولًا عنها: لم تصح الهبة، وتكون فاسدة، فيقوم عمرو بردّ تلك العين الموهوبة بزيادتها إن زادت عنده إلى زيد وإن تلفت عنده -أي عند عمرو الموهوب له-: فإنه يضمنها بقيمتها إن لم يكن لها مثل، وإن كان لها مثل: فيرد مثلها؛ للقياس؛ بيانه: كما أن البيع يفسد إذا كان العِوَض عن المبيع مجهولًا، فيقوم المشتري برد العين المباعة بزيادتها إن زادت، ويضمنها إذا تلفت فكذلك الهبة مثله والجامع: أن كلًّا منهما تمليك، ولا يكون ذلك إلا بشيء واضح جلي فيهما، فإن قلتَ: لم يرد الموهوب له العين الموهوبة بزيادتها المنفصلة والمتصلة؟ قلتُ: لأن ذلك ملك الواهب -وهو زيد- فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حفظ حق الواهب.
(5)
مسألة: الهبة المطلقة -وهي التي تكون بدون شروط وقيود- لا تقتضي ولا تُلزم الموهب له: أن يجازي الواهب عوضًا ولا ثوابًا عن تلك الهبة: سواء كانت الهبة=
فقول منكر بمينه
(6)
(ولا يصح) أن يهب (مجهولًا) كالحمل في البطن، واللَّبن في الضرع
(7)
(إلَّا ما تعذَّر علمه) كما لو اختلط مال اثنين على وجه لا يتميز، فوهب أحدهما لرفيقه نصيبه منه، فيصح؛ للحاجة كالصلح
(8)
، ولا يصح أيضاً هبة ما لا
لمثله أو دونه، أو أعلى منه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الهبة تكون على وجه التبرُّع: أن لا تقتضي عوضًا وهذا يتساوى فيه الجميع. فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه التيسير على الناس؛ حيث إن الهبة لو اقتضت العوض من الموهوب له: لشق على كثير من الناس.
(6)
مسألة إذا وهب زيد عمرًا شيئًا، وقبل عمر و ذلك، واختلف في شرط العوض فقال زيد:"إني وهبتك ذلك بشرط أن تعوضني عنه" فأنكر الموهب له -وهو عمرو- ذلك الشرط ولا توجد بيّنة: فإنه يُقبل قول عمرو المنكر مع يمينه؛ للسنة القولية حيث قال صلى الله عليه وسلم: "البيّنة على من ادّعى، واليمين على من أنكر" والمدعي -وهو الواهب وهو زيد- لا بيّنة عنده على ادعائه، فيكون قول المنكر هو المقبول مع يمينه للاحتياط فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للاستصحاب؛ حيث إن الأصل عدم الشرط، وبراءة ذمة الموهوب له منه فيُعمل على هذا الأصل، حتى يأتي دليل يُغيِّر الحالة.
(7)
مسألة: لا يصح أن يهب شخص لشخص آخر شيئاً مجهولاً كأن يقول زيد لعمرو: "قد وهبتك هذا الحمل الموجود في بطن تلك الشاة، أو هذا اللبن الموجود في ضرعها؛ للقياس؛ بيانه: كما لا يجوز بيع ذلك فكذلك لا يجوز هبتها لأحد والجامع: أن كلاًّ منهما تمليك لشيء مجهول، ومتعذِّر التسليم في الحال.
(8)
مسألة: إذا تعذَّر علم شيء معيَّن، وكانت المصلحة تقتضي هبته لآخر: فإن ذلك يصح: كأن يختلط مال اثنين اختلاطًا لا يمكن التمييز بينهما، واختلفا: فيجوز لأحدهما أن يهب نصيبه للآخر منه؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه صلح بينهما، وقطع للخلافات والمنازعات، ونشر المحبة والتآلف بين الناس.
يقدر على تسليمه كالآبق و الشارد
(9)
(وتنعقد) الهبة (بالإيجاب والقبول) بأن يقول: "وهبتك أو أهديتك أو أعطيتك" فيقول: قبلت، أو رضيت، ونحوه (و) بـ (المعاطاة الدالة عليها) أي: على الهبة؛ لأنه عليه السلام كان يهدي، ويُهدى إليه، ويُعطي، ويُعطى، ويفرق الصدقات، ويأمر سعاته بأخذها وتفريقها، وكان أصحابه يفعلون ذلك، ولم يُنقل عنهم إيجاب ولا قبول، ولو كان شرطًا: لنقل عنهم نقلًا متواترًا، أو مشهورًا
(10)
(وتلزم بالقبض بإذن واهب)؛ لما روى مالك عن عائشة أن أبا بكر نحلها
(9)
مسألة: لا يصح أن يهب شخص لشخص آخر شيئًا لا يقدر على تسليمه له: كأن يهرب عبد من سيده فيهبه سيده إلى شخص آخر، أو يشرد عنه جمل فيهبه مالكه لآخر، أو يهب طيرًا في هواء، أو سمكًا في ماء، أو يهب شيئًا مرهونًا: فهذا كله لا يصح؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لا يصح بيع ما لا يُقدر على تسليمه فكذلك لا يصح هبته والجامع: أن كلًّا منهما لا ينتفع به بعد ملكه مباشرة، وهذا هو المقصد منه.
(10)
مسألة: تنعقد الهبة والعطية والهدية وتكون تلك من أملاك الموهب له، والمعطى له والمهدى إليه بأحد طريقين: أولهما: بالإيجاب والقبول: بأن يقول زيد الواهب لعمرو: "قد وهبتك هذه السيارة، أو أهديتك إياها، أو أعطيتك إياها أو هذا لك" أو أي عبارة تفيد العطاء والهبة. فيقول عمر -الموهب له ـ: "قد قبلتُ أو رضيت" أو أي عبارة دالّة على القبول؛ للقياس؛ بيانه: كما أن ذلك ينعقد به البيع، فكذلك الهبة ونحوها مثله. والجامع: أن ذلك يدل على التمليك في كل، ثانيهما بالمعاطاة الدالّة على الهبة والعطية والهدية، فإذا قبض الموهب له، والمهدى، والمعطى الهبة والهدية، والعطية مع ما يقارن ذلك ما يقارن ذلك من كون ذلك هبة وهدية، وعطية: فإنه يملك ذلك، وإن لم يوجد إيجاب وقبول؛ لقواعد - الأولى: السنة الفعلية: حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يُهدي، ويُهدَى إليه وكان يُعطي، ويُعطَى بدون إيجاب ولا قبول، فلو كان شرطًا: لنقل وبُيِّن، ولكنه لم يُنقل ولم يُبين =
جذاذ عشرين وسقًا من ماله بالعالية، فلما مرض قال:"يا بنية كنتُ قد نحلتك جذاذ عشرين وسقًا، ولو كنت حِزْتِيْه، أو قبضتيه: كان لك، فإنما هو اليوم مال وارث، فاقتسموه على كتاب الله تعالى"، وروى ابن عيينة عن عمر نحوه، ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف
(11)
(إلا ما كان في يد متّهب) وديعة، أو غصبًا، أو نحوهما؛ لأن قبضه مستدام، فأغنى عن الابتداء
(12)
(ووارث الواهب) إذا مات قبل القبض (يقوم
اشتراطه، فدل على تملك الهدية والعطية والهبة بدون إيجاب ولا قبول؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، الثانية: فعل الصحابي؛ حيث إن كثيرًا من الصحابة كانوا يتعاملون بالمعاطاة ويتملكون بها، الثالثة: التلازم؛ حيث يلزم من الرضى بنقل الملك بالمعاطاة: عدم الحاجة إلى الإيجاب والقبول، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن ذلك فيه توسعة وتيسير على الناس؛ إذ لو لم يملك أحد الهبة إلا بألفاظ معينة: لشق ذلك على الناس.
(11)
مسألة تلزم الهبة، والهدية، والعطية بقبضها بإذن الواهب، أي: تصح بالإيجاب والقبول والمعاطاة وقبض الموهوب له لها، فلا تصح هبة بدون ذلك القبض؛ لقاعدتين: الأولى: قول الصحابي؛ حيث إن أبا بكر قد وهب عائشة بعض التمر، ولم تقبضه، فلما مرُض مرض الموت: أخذه منها قائلًا: "إن حدث لي الموت فاقتسموه فيما بينكم قسمة مواريث" وهذا يلزم منه اشتراط القبض، فلو لم يكن القبض مشترطًا وتلزم به: لما جاز لأبي بكر أخذ ذلك التمر من عائشة؛ الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من عدم قبضها: عدم استحقاقها إلا بإذنه كأصل العقد.
(12)
مسألة: إذا كانت العين الموهوبة في يد الموهب له كأن تكون وديعة عنده، أو كان قد غصبها: فيكفي في ذلك عقد الهبة بمجرَّد العقد، ولا يحتاج إلى القبض، ولا إلى إذن واهب في القبض؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون العين الموهوبة في يد الموهوب له: عدم الحاجة إلى ابتداء القبض ولكن ذلك محتاج =
مقامه) في الإذن والرجوع؛ لأنه عقد يؤول إلى اللزوم، فلم ينفسخ بالموت كالبيع في مدَّة الخيار
(13)
، وتبطل بموت المتَّهب
(14)
، ويقبل ويقبض للصغير ونحوه
إلى استدامة القبض فقط.
(13)
مسألة إذا وهب زيد عمرًا سيارة، ومات الواهب -وهو زيدـ قبل أن يقبض عمرو الهبة -وهي السيارة-: فإن وارث زيد يقوم مقامه في الإذن بإمضاء تلك الهبة أو بالرجوع بالهبة ومنعها؛ للقياس؛ بيانه: كما أن زيدًا لو باع سيارة على عمرو، ومات زيد في مدَّة الخيار: فإن وارث زيد يقوم مقامه في إمضاء البيع، أو بالرجوع، ومنع البيع فكذلك الحال في الهبة والجامع: أن كلًّا منهما عقد يؤول إلى اللزوم، فلا ينفسخ بالموت.
(14)
مسألة: إذا وهب زيد عمرًا شيئًا، ومات الموهوب له -وهو عمروـ بعد القبول وقبل أن يقبض الهبة: فإن الهبة تبطل؛ وتعود إلى الواهب، للسنة القولية: حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة قال لها: "إني أهديت إلى النجاشي حلَّة، وأواقي مسك، ولا أرى النجاشي إلَّا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة علي فإن رُدَّت فهي لك" فكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ورُدَّت عليه هديته، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية مسك، وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلَّة، وهذا صريح في الدلالة على أنه إذا مات الموهوب له قبل قبضها: فإن الهدية تبطل، وتعود إلى أصحابها.
[فرع]: إذا مات الواهب، أو الموهوب له قبل القبول، أو ما يقوم مقامه: بطلت الهدية؛ للقياس؛ بيانه: كما أن المشتري لو مات بعد الإيجاب وقبل القبول: بطل البيع، فكذلك الحال هنا والجامع: أنه في كل منهما لم يتم العقد.
(فرع آخر): إذا وهب زيد عمرًا هبة، وقبض رسول عمرو الهبة، ولم يقبضها عمرو: فإن الهبة تصح، ولا تعود إلى الواهب؛ للتلازم؛ حيث يلزم من قبض رسول عمرو صحتها؛ لأن قبضه كقبضه؛ حيث إنه وكيل عنه في القبض.
وليه
(15)
، وما اتهبه عبد غير مكاتب وقبله: فهو لسيده، ويصح قبوله بلا إذن سيده
(16)
(ومن أبرأ غريمه من دينه) ولو قبل وجوبه (بلفظ الإحلال، أو الصدقة، أو الهبة ونحوها) كالإسقاط، أو الترك، أو التمليك، أو العفو:(برئت ذمته، ولو) ردَّه و (لم يقبل)؛ لأنه إسقاط حق، فلم يفتقر إلى القبول كالعتق
(17)
ولو كان المبرأ منه مجهولًا،
(15)
مسألة إذا وهب زيد صغيرًا، أو مجنونًا، أو سفيهًا هبة: فإن ولي هؤلاء هو الذي يقبل ويقبض تلك الهبة؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الولي هو الذي يشتري ويبيع عن ذلك المجنون أو الصغير أو السفيه وعليه -أي: على الولي ـ الإيجاب والقبول والقبض في ذلك، فكذلك الهبة مثل البيع والشراء والجامع: أن هذا فيه حظ لهؤلاء فكان للولي الإيجاب والقبول والقبض عنهم.
[فرع]: الولي الذي يفعل الإيجاب والقبول والقبض عن المولَّى عليهم -كالصبي والمجنون والسفيه- هو: الأب أو الوصي، أو الحاكم، أو أمين الحاكم، ولا يصح القبض لغير هؤلاء: من أم، وغير ذلك؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون القبض لا يصح إلا من الموهوب له، أو نائبه، والولي نائب بالشرع: أن يقوم هذا النائب بذلك فصح قبضه، أما غيره: فلا نيابة له شرعًا، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن ذلك فيه جلب مصلحة للصبي ونحوه، ودفع مفسدة عنه.
(16)
مسألة: إذا وهب زيد عبدًا هبة: فإن العبد يصح أن يقبل منه تلك الهبة ولو لم يأذن سيده ولكنها تكون ملكًا لسيده؛ للقياس؛ بيانه: كما أن العبد إذا التقط أو اصطاد شيئًا فهو لسيده، فكذلك إذا وُهب أو أُعطي، أو أهدي شيئًا فهو لسيده والجامع: أن كلاًّ منهما فيه فائدة للسيد، فلم يُعتبر إذنه فيه، فإن قلتَ: لَم شُرع هذا؟ قلتُ: لأن العبد مال، وماله مال لسيده، كما لو نما مال السيد: فإن هذا النماء تابع لأصله.
(17)
مسألة: إذا كان زيد يُطالب عمرًا بدين معلوم قدره، فأبرأ زيد عمرًا من ذلك =
لكن لو جهله ربُّه، وكتمه المدين؛ خوفًا من أنه لو علم: لم يُبرئه: لم تصح البراءة
(18)
،
الدَّين بلفظ من الألفاظ الدالة على الإبراء: فإنه ذمَّة المدين -وهو عمرو- تبرأ من ذلك الدَّين: سواء كان هذا الإبراء من زيد وقع قبل حلول وقت دفع عمرو للدَّين، أو بعده، وسواء ردَّ المدين -وهو عمرو- ذلك الإبراء ولم يقبله، أو لم يردَّه، وقبله، وهذا يُعتبر من الهبة، والعطية، والهدية؛ للقياس؛ بيانه: كما أن زيدًا لو أعتق عبد عمرو وأعطاه قيمته - فإن العبد يعتق: سواء قبل الإعتاق أو لا والجامع: أنه في كل منهما إسقاط حق، لم يفتقر إلى القبول، فإن قلتَ: لِمَ صح الإبراء من الدَّين قبل حلول وجوب الوفاء به؟ قلتُ: لأن الدَّين ثابت أصلًا في الذمة، وهذا التأجيل لا يمنع هذا الثبوت، فصحّ الإبراء لما في الذمة.
[فرع]: تصح أيُّ صيغة دالة على الإبراء، ومن أولاها أن يقول المبرئ للمدين:"أنت في حلِّ مما لي عندك" أو يُعلِّقه بالموت فيقول: "إن متَّ قبلي فأنت في حل، وإن متُّ قبلك فأنت في حل"، أو يقول:"تصدَّقتُ عليك بالدين الذي أطلبك" أو يقول: "وهبتك المال الذي أطلبه منك" أو يقول: "أسقطتُ عنك ما عندك لي" أو يقول: "أعطيتك ما عندك لي" أو يقول: "أترك الوفاء لي" أو يقول: "ملَّكتك ما عندك لي" أو يقول: "عفوتُ عنك الدين الذي أطلبك" وغير ذلك من الألفاظ المشابهة؟ للتلازم؛ حيث يلزم من تلك الصيغ وما شابهها: الإبراء.
(18)
مسألة: إذا كان زيد يُطالب عمرًا بدين مجهول القدر والصفة، فأبرأ زيد عمرًا من ذلك الدَّين بلفظ من من ألفاظ الإبراء -السابقة الذكر-: ففيه تفصيل هو كما يلي: أولًا: إن كان الدائن -وهو زيد هنا يعلم قدر وصفة ذلك الدَّين، والمدين والمبرأ -وهو عمرًا- يجهله فإن الإبراء يصح؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "اقتسما، وتوخيا، ثم استهما، ثم تحالا" فيلزم من لفظ "توخيا" أن كلًّا منهما قد جهل بعضًا من حقه على الآخر، وهو جائز في الإحلال، =
ولو أبرأ أحد غريميه، أو من أحد دينيه: لم تصح؛ لإبهام المحل
(19)
(وتجوز هبة كل عين تباع) وهبة جزء مشاع منها إذا كان معلومًا
(20)
(و) هبة (كلب يُقتنى) ونجاسة يُباح نفعها كالوصية
(21)
، .................................................................
الثانية: المصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حث على عفو الإنسان عن حقه الذي عند أخيه وتبرئة ذمته، فلو لم يصح ذلك لكان ذلك سدًّا لهذا الباب، ثانيًا: إن كان الدائن ـوهو زيد- يجهل قدر وصفة ذلك الدَّين والمدين ـوهو عمرو- يعلم ذلك، وكتم مقداره؛ خوفًا من أن زيدًا لو علم بهذا المقدار: لم يُبرئه، ومع ذلك أبرأه مع جهله: فإن هذا الإبراء لا يصح؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه تغرير للدائن والمبرئ ـوهو زيد- وهضم لحقه، واستغفال له، فدفعًا لذلك: شرع عدم الصحة.
(19)
مسألة: إذا كان زيد يطالب عمرًا، بألف ويُطالب بكرًا بألف أيضًا، فقال: -أي: زيد- لهما: "إني أبرأ أحدكما"، أو كان يُطالب عمرًا بألف درهم، ويُطالبه بدين آخر وهو شاة مثلًا، فقال -أي: زيد- لعمرو: "إني أبرأتك من أحدهما": فلا يصح الإبراء هذا، أي: لا تبرأ ذمة عمرو، ولا بكر؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال: أعتقت أحد هذين العبدين: فإن الإعتاق لا يصح، فكذلك الحال هنا، والجامع: إبهام المحل الوارد عليه الإعتاق أو الإبراء.
(20)
مسألة: كل عين يصح بيعها: فإنه يصح هبتها، وإهداؤها، وإعطاؤها، ومن ذلك الجزء المشاع من عين إذا ملكه زيد: فإنه يصح بيعه إذا كان معلومًا: سواء أمكن تقسيمه أولا؛ للقياس؛ بيانه: كما يجوز بيع ذلك فكذلك يجوز هبته وإهداؤه، وإعطاؤه، والجامع: أن كلًّا منها تمليك في الحياة.
(21)
مسألة: تصح هبة وهدية وعطية الكلب الذي يُقتنى لماشية وصيد، وكذا: تصح هبة نجاسات يُباح نفعها كدهن متنجِّس لإضاءة مصباح به؛ للقياس؛ بيانه: كما تجوز الوصية بذلك، فكذلك تجوز هبته والجامع: أن كلًّ منهما تبرُّع ناقل للملك.
ولا تصح معلَّقة
(22)
، ولا مؤقتة
(23)
، إلا نحو "جعلتها لك عمرك، أو حياتك، أو عمري، أو ما بقيت": فتصح، وتكون لموهوب له، ولورثته بعده
(24)
، وإن قال:
(22)
مسألة يصح تعليق الهبة والهدية والعطية على شرط مستقبل كقول الواهب: "إذا جاء رأس الشهر: فهذه السيارة لك هبة" وهو قول ابن القيم؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم مخالفة هذا الشرط لأصل من أصول الشريعة: صحة ذلك، وفيه تيسير على الناس، وهو المقصد منه، فإن قلت: لا يصح تعليق الهبة، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الهبة تمليكًا للعين: عدم صحة تعليقها بشرط؛ نظرًا لتأخير التمليك بذلك. قلتُ: هذا لا يلزم منه عدم صحة الهبة؛ بل هو تأخير للتمليك، لا منعه، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه "تعارض التلازمين".
(23)
مسألة: لا تصح الهبة مؤقتة كقول الواهب: "وهبتك هذه الدار ستة أشهر مثلًا"؛ للقياس؛ بيانه: كما لا يجوز البيع مؤقتًا، فكذلك الهبة مثله، والجامع: أن كلًّا منهما تمليك عين، فلا يصح مؤقتًا.
(24)
مسألة: تصح الهبة مؤقتة بتوقيت العمرى والرقبى كقول الواهب: "جعلت لك هذه الدار عمرك" أو يقول: "أعمرتك هذه الدار" أو يقول: "أرقيتك هذه الجارية" أو يقول: "جعلتها لك حياتك" أو يقول الواهب: "جعلتها لك عمري" أو يقول: "جعلتها لك ما بقيت" ونحو ذلك، فهذا يصح، وتكون الهبة للموهوب له ولورثته بعده إلا أن يشترط الواهب عودها إليه بعد موت الموهوب له؛ للسنة القولية: وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترقبوا ولا تعمروا فمن أرقب شيئًا أو أعمره فهو لورثته" حيث دل على ملك المعمر والمرقب، وعلى أن الورثة يأخذون ما كان لوارثهم من الهبات والعطايا بهذه الطريقة، ثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم" حيث بيَّن ذلك أن الواهب إذا اشترط عود الهبة إليه بعد موت الموهوب له: فله شرطه وهذا كله للتيسير والتوسعة على الناس، فإن =
"سكناه لك عمرك، أو غلَّته، أو خدمته لك، أو منحتكه": فعارية؛ لأنها هبة المنافع
(25)
، ومن باع، أو وهب فاسدًا، ثم تصرَّف في العين بعقد صحيح: صح الثاني؛ لأنه تصرُّف في ملكه
(26)
.
قلت: لِمَ سمي ذلك بالرقبي؟ قلتُ: لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه.
(25)
مسألة: إذا قال زيد لعمرو: "سكنى هذه الدار لك عمرك، أو غلَّة وريع هذا البستان، أو خدمة هذا العبد لك" أو "منحتك غلَّة هذا البستان" أو نحو ذلك: فهذا لا يصح أن يكون هبة، بل يكون عارية، وحكم العارية جواز الرجوع فيها لصاحبها في حياته وبعد مماته؛ للتلازم؛ حيث إن هذا هبة للمنافع، وهي تستوفى شيئًا فشيئًا بمضي الزمان فيلزم من ذلك: عدم صحتها هبة؛ لكون الهبة تمليك للعين للموهوب له ملكًا تامًا، فإن قلتَ: إن هذا يُعتبر عمرى ورقبي، يثبت فيها مثل حكمها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من قوله:"لك": أنه جعل له رقبتها فتكون عمرى ورقبي. قلتُ: إن هذا إباحة للمنافع فقط، فلم يقع لازمًا؛ إذ معنى قوله:"سكنى هذه الدار لك عمرك": أن لك سكناها حتى تموت وهذا يشبه قوله: "لك سكناها"، ومنه قوله تعالى:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} حيث إن الله يعلم أن آدم سيعصي وسينزل إلى الأرض، فكان ذلك مؤقتًا فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الاختلاف في تفسير اللام في قوله: "لك".
(26)
مسألة: إذا وهب عينًا هبة فاسدة، أو باع عينًا بيعًا فاسدًا، ثم بعد ذلك وهب تلك العين هبة صحيحة أو باعها بيعًا صحيحًا مع علمه واعتقاده بفساد العقد الأول: صح العقد الثاني هبة أو بيعًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تصرُّفه في ملكه، واعتقاده بفساد العقد الأول وهو عالم بأنه ملكه: صحة العقد الثاني بيعًا أو هبة؛ لاستكمال شروط البيع والهبة.
[فرع]: إن علم واعتقد صحة العقد الأول دون الثاني: فإن العقد الثاني لايصح هبة أو بيعًا؛ للتلازم؛ حيث إن تصرُّفه تصرُّفًا يعتقد فساده نظرًا=
فصل: (يجب التعديل في عطيته أولاده بقدر إرثهم) للذكر مثل حظ الأنثيين؛ اقتداء بقسمة الله تعالى وقياسًا لحال الحياة على حال الموت، قال عطاء:"ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى"
(27)
، .......................................
لاعتقاده يلزم منه: عدم صحة هذا العقد الثاني هبة أو بيعًا؛ لكونه باع أو وهب ما ليس في ملكه.
(27)
مسألة: إذا أراد شخص هبة وعطية أولاده الوارثين مالًا: فيجب عليه أن يعدل في ذلك، فيُعطي الذكر مثل حظ الأنثيين -وهو قدر إرثهم المشروع-؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وأولى ما يقتدى به في القسمة هو كتاب الله تعالى، الثانية: القياس؛ وهو من وجهين: أولهما كما أن قسمة الميراث تكون للذكر مثل حظ الأنثيين بعد الموت فكذلك العطية والهبة في حال الحياة مثل ذلك، والجامع: أن كلا منهما عطية ولكن إحداهما معجَّلة، والأخرى مؤخرة، ثانيهما: كما أن معجّل الزكاة يؤديها قبل حلول الحول على صفة أدائها بعد حلول الحول، فكذلك العطية تكون في حال الحياة مثل ما تكون بعد الممات، والجامع: أن كلًّا منهما يُعتبر أداء لواجب، فلا يختلف قدره باختلاف الوقت الثالثة: المصلحة؛ حيث إن الذكر أحوج من الأنثى في ذلك؛ إذ أنهما لو تزوجا جميعًا فالصداق والمهرُ، والنفقة، ونفقة الأولاد تكون على الذكر، ويكون ذلك للأنثى، فلو جمع لها تسويتها مع الذكر في العطية مع أن الذكر ينفق عليها، فإن نصيبها يكون أعلى بكثير من الذكر، وهذا مخالف للعدالة التي جاءت به الشريعة، فإن قلتَ: لا يجب ذلك، بل يُعطي الأنثى مثل ما يُعطى الذكر، ولا يفرق بينهم في ذلك في عطية الحياة، وهو قول الجمهور؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية، وهي من وجهين: أولهما: أن بشيرًا بن سعد قد أعطى أحد أولاده عطية دون الآخرين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أيسرك أن يستووا في بِرِّك" فقال: نعم، قال:"فسوِّ بينهم" والأنثى كالذكر في البر، والعطية والهبة مثل ذلك، أي: كما أن البر=
وسائر الأقارب في ذلك كالأولاد
(28)
(فإن فضَّل بعضهم): بأن أعطاه فوق إرثه أو خصَّه: (سوَّى) وجوبًا (برجوع) حيث أمكن (أو زيادة) لمفضول؛ ليساوي الفاضل، أو إعطاء ليستووا؛ لقوله عليه السلام:"اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". متفق
يستوي، منهما، فكذلك العطية ثانيهما: قوله: صلى الله عليه وسلم "سووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مؤثرًا أحدًا لآثرت النساء على الرجال" -كما رواه ابن عباس- الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الذكور والإناث يستوون في النفقة والكسوة، فكذلك في العطية، والجامع: أن كلًّا منها عطية في الحياة. قلتُ: أما حديث بشير فيُحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم و قد علم عنه أنه لا أنثى له، ويحتمل أنه أراد بالتسوية في هذا الحديث وحديث ابن عباس: التسوية على القسمة الواردة في كتاب الله تعالى؛ لكونها أعظم تسوية، ويُحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء لا في صفته وقدره؛ حيث إن لفظ "التسوية" لا تفهم التسوية من كل وجه، وإذا تطرّق الاحتمال إلى الدليل بطل به الاستدلال، يؤيده: قول عطاء: "ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى" حيث إن هذا خبر عن جميع الصحابة والتابعين إلى عصر عطاء، أما القياس: فهو فاسد؛ لأنه قياس الفارق؛ لأن مع الكسوة والنفقة واجبة على حسب الحال، والعطية والهدية والهبة مستحبة؛ للمحبة والمودة.
(28)
مسألة: إذا أراد شخص هبة وعطية أقاربه غير الوارثين ـ غير أولاده - فلا يجب عليه في تلك العطية والهبة أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، بل له أن يُعطي الأنثى أكثر من الذكر، وله العكس، وله التسوية بينهم؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل الإباحة للإنسان التصرُّف في ماله في حياته وصحته كيفما شاء، فنعمل على هذا، حتى يرد دليل يُغيِّر الحالة، ولم يرد شيء من ذلك، فنبقى على العمل على الأصل، وما ورد من القاعدتين السابقتين -في مسألة (27) ـ إنما وردتا في الأولاد والوارثين فقط، فإن قلت: إن سائر الأقارب في ذلك كالأولاد يُعطون في =
عليه مختصرًا
(29)
، وتحرم الشهادة على التخصيص، أو التفضيل: تحمُّلًا وأداء إن
الحياة بناء على أن للذكر مثل حظ الأنثيين وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو قول أبي الخطاب وكثير من الحنابلة؛ للقياس بيانه: كما أن الأولاد يُعطون للذكر مثل حظ الأنثيين فكذلك الأقارب، والجامع: أن كلًّا منهم عطاء في الحياة، فلا يُفرق بينهم. قلتُ: هذا فاسد؟ لأنه قياس مع الفارق، والفرق من وجهين: أولهما: أن للوالد الرجوع فيما أعطى ولده، فيمكنه أن يسوّي بينهم في الرجوع بما أعطاه لبعضهم بخلاف غير الأولاد من الأقارب فلا يمكنه الرجوع في ذلك، ثانيهما: أنه لشدَّة محبة الوالد لأولاده، وصرفه ماله إليهم عادة يتنافسون في ذلك، ويصعب عندهم إذا فضل بعضهم على بعض، ولا يساويهم بتسوية الشارع لهم، وهو إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين، وغيرهم من الأقارب لا يسوونهم في ذلك، ومع الفرق لا قياس، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف في ذلك؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع الاستصحاب" فعندنا: لا يقوى هذا القياس الذي ذكروه على تغيير ما استصحب من الحكم، وعندهم: يقوى.
(29)
مسألة إذا أعطى ووهب أب أحد أولاده شيئًا فوق إرثه كأن يُعطي زيدًا عشرة بينما أعطى عمرًا وبكرًا سبعة، أو خصَّه بشيء لم يُعطه الآخرين من أولاده: بأن أعطى زيدًا سيارة، ولم يُعط عمرًا وبكرًا شيئًا: فيجب على ذلك الأب أن يرجع ويسوِّي بينهم ولو في مرض موته: بأن يزيد عمرًا وبكرًا ثلاثة، أو يُنقص زيدًا ثلاثة في الصورة الأولى أو يعط عمرًا وبكرًا سيارة مثل سيارة زيد، أو يأخذ السيارة من زيد في الصورة الثانية. ومثله: إذا زوَّج أحد أبنائه فيجب عليه أن يزوّج أبناءه الآخرين، أو يعطيهم قدر ما أعطى مَنْ زوَّجه، وهكذا؛ ليحصل التعديل والتسوية بينهم؛ للسنة القولية: حيث إن النعمان بن بشير قال: تصدَّق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي -عمرة بنت رواحة-: لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي فقال: "أكل=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ولدك أعطيت مثله؟ " قال: لا، قال: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" قال: رجع أبي فردَّ تلك الصدقة، حيث أوجب العدل والتسوية بين الأولاد في أصل العطية والهبة -فيما لو أعطى واحدًا منهم، دون الآخرين، أو زاده على ما قسمه الله-؛ لأن الأمر في قوله: "واعدلوا" مطلق، وهو يقتضي الوجوب، وترك الواجب حرام، فإن قلتَ: لِمَ وجبت التسوية بينهم؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن تفضيل بعضهم يُورث بينهم العداوة، والبغضاء، وقطيعة الرحم، فدفعًا لذلك: وجبت التسوية، فإن قلتَ: يجوز عدم التسوية في العطية، فيجوز أن يعطي أحد أولاده أزيد من بعض وهو قول الجمهور؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أشهد على هذا غيري" - في آخر حديث النعمان بن بشير - ولو لم يجز تفضيل بعض الأولاد: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم: بأن يشهد على هذا التفضيل غيره، الثانية: فعل الصحابي حيث إن أبا بكر رضي الله عنه قد أعطى ابنته عائشة بعض التمر يُقدَّر بعشرين وسقًا دون سائر أولاده. قلتُ: أما قوله صلى الله عليه وسلم: "أشهد على هذا غيري": فهو أمر للتهديد؛ يؤيد ذلك أمور أولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمَّاه "جورًا" حيث قال: "لا تشهدني على جور" -في حديث النعمان- ولا يمكن أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإشهاد على الجور، ثانيها: أنه لو حُمل على الأمر الحقيقي لتناقض هذا مع قوله صلى الله عليه وسلم في أوله: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"؛ لكونه لا يصح الأمر بشيء يخالف تقوى الله، ثالثها: أنه لو كان الأمر أمرًا حقيقيًا لامتثل بشير هذا الأمر، ولم يرده، ولكنه رضي الله عنه ردَّه، فلم يبق إلّا أن ذلك الأمر للتهديد كقوله تعالى: "اعملوا ما شئتم" أما فعل أبي بكر: فعنه جوابان: أولهما: أنه معارض لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير، ولا تقوم الحجة به مع ذلك، ثانيهما: أنه يُحتمل أنه أعطاها لحاجتها وعجزها عن الكسب لتفريغها للفتوى، ويُحتمل أنه أعطاها وأعطى غيرها من أولاده، ويحتمل أنه أعطاها =
علم، وكذا: كل عقد فاسد عنده مختلف فيه
(30)
(فإن مات) الواهب (قبله) أي: قبل
وأراد عطاء أولاده الآخرين من ولده فأدركه مرض الموت، فأخذ ذلك منها؛ ليكون كله ميراثًا، وإذا تطرق الاحتمال إلى الدليل بطل به الاستدلال، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في أمره عليه السلام: "أشهد على هذا غيري" هل هو أمر حقيقي، أو هو للتهديد؟ فعندنا: الثاني وعندهم الأول، و"تعارض فعل الصحابي مع السنة".
(30)
مسألة إذا طلب زيد من عمرو: أن يشهد على أنه خصَّص أحد أولاده بعطية أو هبة دون أولاده الآخرين، أو فضَّل أحدهم على الآخرين ونحو ذلك، أو طلب منه أن يشهد على أي عقد فاسد من عقود المعاملات: فيحرم على عمرو أن يشهد على ذلك تحمُّلًا وأداء؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان-: "لا تشهدني على جور" فسمَّى تخصيص أحد الأولاد، أو تفضيله دون الآخرين جورًا، وهو الظلم ولذا امتنع عن الشهادة عليه، ويلزم من امتناعه صلى الله عليه وسلم عن ذلك: أنه حرام، فيحرَّم ذلك كله والشهادة على غيره من الأمور الفاسدة مثل الشهادة على ذلك؛ لعدم الفارق من باب "مفهوم الموافقة"، فإن قلتَ: لِمَ حرم ذلك؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى نهى عنه، فيكون حرامًا.
[فرع]: إذا أعطى الأب أحد أولاده دون غيره بسبب مرض ككونه مُقعدًا، أو أعمى، أو لكثرة عائلته، أو لاشتغاله بالعلم الحقيقي أو لصلاحه، أو منع أحد أولاده لفسقه أو بدعته، أو لكونه سيصرف ما سيأخذه على المعاصي غالبًا: فإن هذا جائز؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وإعطاء هؤلاء؛ نظرًا لتلك الأسباب فيه تعاون على البر والتقوى، ونصرة الضعيف، ومنع هؤلاء الآخرين لتلك الأسباب فيه عدم التعاون على الإثم والعدوان والعصيان، وينبغي ان =
الرجوع، أو الزيادة:(ثبتت) للمعطى، فليس لبقية الورثة الرجوع
(31)
، إلا أن يكون
تكون كل تصرفات المسلم تأتي على حسب ما شرعه الله تعالى، دون النظر؛ فلا يُعلم أيُّ الأولاد أو الأقرباء أقرب إلى الإنسان نفعًا، فقد ينفعك البعيد جدًا في الدنيا والآخرة، ويضرُّك القريب جدًا في الدنيا والآخرة، وقد ثبت هذا من الواقع.
(31)
مسألة: إذا وهب زيد في حياته وصحته أحد أولاده شيئًا فوق إرثه دون أولاده الآخرين، أو فضَّله بعطاء وهبة على أولاده الآخرين، فمات الواهب ـوهو زيد- قبل أن يرجع في ذلك، ويسوي بين أولاده؛ فإن لباقي الورثة أن يرجعوا ذلك من الموهوب له والمعطى، ويأخذونه ويقسموه حسب الشريعة إلّا إن أجازه الورثة وسمحوا له بذلك فهو له. وهو قول المحققين من العلماء؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا تشهدني على جور" -في حديث النعمان-، فسمَّى ذلك "جورًا" وما كان جورًا وظلمًا لا يحل للفاعل فعله، ولا للمعطى تناوله: والموت لا يغيره عن كونه جورًا حرامًا، فوجب ردُّه. الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون تلك الزيادة، أو التفضيل حرامًا: أن الموهوب له قد أخذه غصبًا، أو بحيلة فيكون من حق باقي الورثة، فيباع ويقسم على جميع الورثة -والموهوب له منهم ـ فيأخذ نصيبه منه كغيره. فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن ذلك أحوط للدِّين، وفيه بعد عن الشحناء والبغضاء الذي يقع عادة بين الأخوة والأشقّاء وغيرهم بسبب ذلك، فإن قلتَ: إنه يثبت للمعطى والموهوب له لما أعطاه إياه أبوه وزاده وفضَّله على غيره وتملكه، وليس لباقي الورثة الرجوع، وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو قول الجمهور؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن الولد لو انفرد وأعطاه أبوه شيئًا: فإنه يملكه بموت أبيه فكذلك لو كان للأب أولاد آخرون مثل ذلك والجامع: أن كلًّا منها تسمَّى عطية لولده، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن أبا بكر قد أعطى ابنته عائشة شيئًا من التمر يبلغ عشرين وسقًا =
بمرض الموت فيقف على إجازة الباقين
(32)
(ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة)؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا: "العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه"
وقال لها: "وددتُ لو كنتِ قد حزتيه"؛ إذ يلزم من هذا: أنها لو كانت حازته: لم يكن لباقي أولاد أبي بكر الرجوع بعد موته. قلتُ: أما القياس: فهو فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق، لأن الأب الذي ليس له إلا ولد واحد يكون مال الأب له لوحده في الحياة وبعد الممات، بخلاف من كان له عدد من الأولاد؛ فلهم نصيب مما أخذه، وله نصيب من التركة، أما قول أبي بكر: فعنه أجوبة: أولها، وثانيها قد سبق بيانهما في مسألة (29)، وثالثها: أنه معارض بقول أبي بكر نفسه، حيث أمر قيس بن سعد بن عبادة برد قسمة أبيه حين ولد له ولد لم يكن قد علم، ولا أعطاه شيئًا، وكان ذلك بعد موت سعد، وقد وافقه عمر على ذلك، وإذا تعارضت أقوال الواحد في مسألة واحدة: فإنها تتساقط إذا لم يكن هناك مرجِّح، لأحدهما فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس وقول الصحابي مع السنة القولية."
(32)
مسألة: إذا وهب وأعطى الأب أحد أولاده شيئًا دون أولاده الآخرين، وكان هذا الأب في مرض الموت: فلا يصح؛ حيث إن هذا يوقف على بقية الأولاد الآخرين، فإن أجازوه: كان له ما أعطاه إياه أبوه، وإن لم يجيزوه: فعليه أن يُرجعه إلى التركة؛ ليقسم على حسب الشريعة؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من عطيته في مرضه كونها وصية له، ولو وصّى له: لم يصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" - كما سيأتي بيانه -.
[فرع]: يُكره أن يُقسِّم المسلم ماله على ورثته، بل يتركه ليقسم على حسب الشريعة بعد موته؛ للمصلحة حيث إن ذلك فيه عزٌّ للأب، وعدم ترك ورثته له، وتمكين من سيولد له بعد موته من أخذ حقه بسبب تقسيم التركة بعد موته.
متفق عليه
(33)
. (إلا الأب) فله الرجوع: قصد التسوية أولا، مسلمًا كان أو كافرًا؛
(33)
مسألة إذا وهب زيد لعمرو -الأجنبي عنه- هبة أو أهداه هدية، أو أعطاه عطية: فيحرم على الواهب والمعطي والمهدي -وهو زيد- أن يرجع في تلك الهبة ويأخذها من عمرو إذا قبض عمرو تلك الهبة؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" فقد حرم العود وأخذ الهبة التي وهبها لأي شخص؛ بقرينة قوله: "ليس لنا مثل السوء" فقرينة المثل هذا هو الذي جعله حرامًا، وقال عليه السلام:"لا يحل الرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها" ولفظ "لا يحل" من ألفاظ التحريم. الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون الموهوب له -وهو عمرو- قد ملك العين الموهوبة بالإيجاب والقبول والقبض: عدم جواز أخذ الواهب لها؛ لعدم ولايته على مال قد خرج من ملكه بطريق مشروع، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن هذا فيه ضرر على الموهوب له؛ إذ قد يبيع العين الموهوبة له، أو يسدد بها دينه، أو يتصرف بها بأي تصرف فلو أجيز الرجوع: لوقع عليه ضرر واضح في ذلك، فإن قلتَ: يجوز الرجوع في الهبة التي لغير ذي رحم ما لم يُثب عليها، فيجوز أن يرجع الواهب، ويأخذ تلك الهبة من الموهوب له، وهو قول كثير من العلماء؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "الرجل أحق بهبته ما لم يبث منها" ويلزم من لفظ: "أحق": أن له الرجوع فيها. الثانية: القياس، بيانه: كما أن المعير يأخذ العارية من المستعير، فكذلك الواهب يأخذ العين الموهوبة من الموهوب له، والجامع: أنه في كل منهما لم يحصل له عوض. قلتُ: أما الحديث: فحديثنا أصح وأقوى منه؛ لكونه متفق عليه، وحديثهم: لم يكن كذلك، وأما القياس: فهو فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق، لأن العارية: هبة المنافع فقط، أما الهبة والعطية والهدية فهي هبة وعطية وهدية الأعيان مع منافعها، فافترقا، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه "تعارض السنتين" و "تعارض القياس مع =
لقوله عليه السلام: "لا يحل للرجل يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" رواه الخمسة، وصححه الترمذي من حديث عمر، وابن عباس
(34)
، ولا يمنع
السنة القولية التي ذكرناها".
(34)
مسألة: إذا وهب أب ولده هبة: فإنه يجوز له أن يرجع في هذه الهبة ويأخذها من ولده مطلقًا، أي: سواء قصد الأب في رجوعه وأخذه للهبة التسوية بين أولاده أو لا، وسواء كان الأب مسلمًا لما وهب ولده، أو كافرًا؛ للسنة القولية: وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" فنفى الشارع الرجوع في الهبة، بصورة عامة وأثبت جواز الرجوع للوالد فقط فيما يعطيه لولده؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات، وهو من مخصصات العموم المتصلة، ثانيهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث النعمان بن بشير: "فاردده" وفي رواية: "فارجعه" وهو زيادة ثقة فتقبل فرجع بشير في ذلك وأخذ تلك الهبة من ولده كما صرَّح به ولده نفسه -النعمان- وهذا يدل على جواز الرجوع للأب فقط، دون غيره -كالجد والأم-، فإن قلتَ: إنه ليس للأب الرجوع، وهو رواية عن أحمد، وهو رأي أكثر الحنفية؛ للسنة القولية: حيث إنه صلى الله عليه وسلم قال: "العائد في هبته كالعائد في قيئه" وهو عام؛ لأن لفظ "العائد" مفرد محلَّى بأل" وهو من صيغ العموم فلا يجوز الرجوع في الهبة للأب ولا لغيره. قلتُ: إن الحديثين اللذين قد ذكرناهما قد خصَّصا عموم حديثهم هذا وهو واضح. فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: الخلاف في حديث: "العائد في هبته. ." هل هو مخصَّص أو لا؟ فعندنا مخصَّص، حيث لا يشمل الأب، وعندهم: هو باق على عمومه.
[فرع]: الأم ليس لها الرجوع في الهبة التي تعطيها لأحد أولادها؛ للسنة القولية؛ وهي من وجهين، قد سبق ذكرهما في مسألة (34) حيث كان الأب خاصًا بذلك.
الرجوع نقص العين، أو تلف بعضها، أو زيادة منفصلة، ويمنعه زيادة متصلة، وبيعه، وهبته، ورهنه ما لم ينفك
(35)
(وله) أي: لأب حر (أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضرُّه ولا يحتاجه)؛ لحديث عائشة مرفوعًا "وإن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" رواه سعيد والترمذي وحسّنه، وسواء كان الوالد محتاجًا، أو لا، وسواء كان الولد كبيرًا أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى، وليس له أن يتملَّك ما يضرّ بالولد أو تعلقت به حاجته، ولا ما يعطيه ولدًا آخر، ولا في مرض موت أحدهما المخوف
(36)
(فإن تصرَّف) والده (في ماله) قبل تملُّكه
(35)
مسألة للأب الرجوع في هبته لولده، وأخذها منه ولو نقصت قيمة العين الموهوبة، أو تلف بعضها، ولا ضمان على الولد فيما تلف من العين الموهوبة، أو زادت عند الولد كأن ولدت البهيمة الموهوبة، ونحو ذلك من الزيادات المنفصلة فله أخذ العين وترك المنفصل لولده، أما إن زادت العين الموهوبة زيادة متصلة كأن سمنت البهيمة الموهوبة، أو باع الولد تلك الهبة، أو وهبها لغيره، أو رهنها ـوتعذَّر فك الرهن-: فليس للأب الرجوع في تلك الهبة؛ لقاعدتين: الأولى: الاستصحاب؛ حيث إن الأصل الرجوع، فيثبت ذلك، ويعمل به إلا إذا دل دليل بغير الحالة كالمصلحة من زيادة متصلة، أو بيع أو هبة لها، أو رهن ونحو ذلك مما فيه ضرر على الولد لو أرجعها الوالد؛ و عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر ولا ضرار في الإسلام"، الثانية التلازم؛ حيث يلزم من كون الزيادة المنفصلة قد حدثت في ملك الولد: أن تكون تلك الزيادة له؛ لكون الرجوع في الأصل، دون النماء، ويلزم من كونها تلفت أو بعضها في ملك الولد: عدم ضمانه لما تلف.
(36)
مسألة: يجوز للأب أن يأخذ من مال ولده الذي ملكه: سواء كان الولد ذكرًا أو أنثى، وسواء كان الولد كبيرًا أو صغيرًا بشروط سبعة. أولها: أن يكون الوالد محتاجًا لهذا المال الذي أخذه من مال ولده، فإن لم يكن محتاجًا فلا يصح، ثانيها: أن يأخذ الوالد منه بقدر حاجته فقط، فإن زاد فلا تصح الزيادة. ثالثها: أن لا=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يكون الولد محتاجًا لهذا المال الذي أخذه والده. رابعها: أن لا يأخذ الوالد وهو مريض مرض الموت المخوف، من مال ولده الصحيح، فإن أخذ ثم مات: فإنه يُرجع إلى ولده قبل تقسيم الميراث. خامسها: أن لا يأخذ الوالد الصحيح من مال ولده المريض بمرض الموت المخوف، فإن أخذ، ثم مات: فإن ورثة الولد يأخذون ذلك المال الذي أخذه الوالد، ويقسم على ورثة الولد. سادسها: أن لا يأخذ الوالد من مال ولد ويعطيه ولدًا آخر. سابعها: أن لا يتضرر الولد إذا أخذ والده من ماله وهذا مذهب الجمهور؛ القواعد؛ الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجوه: أولها: قوله صلى الله عليه وسلم: "كل أحد أحق بكسبه من ولده ووالده والناس أجمعين" وهذا خاص في المسألة؛ إذ خصَّص الشارع المال وجعله ملكًا لمن كسبه، والذي كسبه هنا هو الولد، فكيف يحق للوالد أن يأخذ منه شيئًا مع هذا؟! ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه منه" فقد حرم على كل أحد أن يأخذ مال غيره إلّا إذا كان هذا الغير قد طابت نفسه في ذلك، وهذا عام فيشمل الوالد وغيره في هذا التحريم، ثالثها: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا" ويقال فيه كما قيل في الحديث السابق رابعها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" وأخذ شيء من الولد مضرّ به؛ الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنه لا يجوز أن يأخذ الوالد من مال ولده: إذا كان ذلك الولد محتاجًا لذلك المال فكذلك لا يجوز أن يأخذ منه والولد غير محتاج إليه والجامع: أن ملك الولد على ذلك المال ملك تام، فلم يجز انتزاعه منه. فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا بهذه الشروط؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن ذلك فيه حماية لحق الولد من أن يستغلُّه والده فى أخذ أمواله كما نراه ونسمعه في هذه الأزمنة من أن بعض الآباء يفعلون ذلك، فيقهرون أولادهم في ذلك. فإن قلتَ: يجوز للأب أن يأخذ من مال ولده بشروط خمسة هي كل ما سبق ذكره إلاّ الشرط الأول فلا يُشترط؛ =
وقبضه (ولو فيما وهبه له) أي لولده، وأقبضه إياه (ببيع) أو هبة (أو عتق أو إبراء) غريم ولده من دينه: لم يصح تصرُّفه؛ لأن ملك الولد على مال نفسه تام، فيصح تصرفه فيه، ولو كان للغير أو مشتركًا: لم يجز (أو أراد أخذه) أي: أراد الوالد أخذ ما وهبه له (قبل رجوعه) في هبته بالقول كـ"رجعتُ فيها"(أو) أراد أخذ مال ولده قبل (تملُّكه بقول، أو نية، وقبض معتبر: لم يصح) تصرُّفه؛ لأنه لا يملكه إلّا بالقبض مع القول، أو النية، فلا ينفذ تصرُّفه فيه قبل ذلك (بل بعده) أي: بعد القبض المعتبر
إذ يجوز أن يأخذ الأب من مال ولده: سواء كان ذلك الأب محتاجًا أو لا، وهو ما ذكره المصنف هنا وهو رأي أكثر الحنابلة؛ للسنة القولية وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم" فأباح هنا للأب أن يأخذ من مال ولده؛ لأنه من كسبه وداخل فيه، وهذا عام: فيشمل حال حاجة الأب وحال عدم حاجته، ثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك: والقول فيه كالقول في الحديث السابق. قلتُ: إن الأحاديث التي ذكرناها أقوى وأصح وأكثر، فتقدَّم؛ لأنه يُرجح بالقوة، والكثرة، ثم إن من مقاصد الشريعة المحافظة على حقوق الناس، من أن يتحايل عليها فتؤخذ بغير حق، وأحاديثنا تؤيد هذا المقصد؛ لأن فيها دفعًا للمفاسد عن الأولاد، وجلبًا للمصالح لهم. وهذه المصلحة مخصِّصة لعموم الحديثين اللذين قد استدل بهما أكثر الحنابلة، فيجوز أن يأخذ الأب من مال ولده إذا احتاج إلى ذلك حاجة ماسة، فإن قلتَ: لِمَ لا يأخذ الأب من مال ولده ويعطيه ولده الآخر؟ قلتُ: للقياس الأولى: بيانه كما أنه لا يجوز أن يخصص الوالد بعض أولاده بعطية من مال نفسه، فمن باب أولى: عدم جواز إعطاء ولد من مال ولد آخر، والجامع: حماية حقوق الناس. فإن قلتَ: لِمَ لا يأخذ الأب المريض بمرض الموت، ولا يأخذ الأب من مال ولده المريض بمرض الموت؟ قلتُ: لأن هذا المرض سبب في انقطاع التملُّك، فلا يملك أحد شيئًا في هذا المرض.
مع القول أو النية؛ الصيرورته ملكًا له بذلك
(37)
وإن وطئ جارية ابنه فأحبلها: صارت أم ولد له، وولده حر، ولا حد، ولا مهر عليه إن لم يكن الابن وطئها
(38)
(وليس للولد مطالبة أبيه بدين و نحوه) كقيمة متلف، وأرش جناية؛ لما روي الخلَّال: أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه يقتضيه دينًا عليه فقال: "أنت ومالك لأبيك" (إلا
(37)
مسألة: إذا ملك الولد ماله ملكًا تامًا -بالقبض مع القول أو النية-: فإن أباه يجوز أن يتصرَّف بمال هذا الولد، أما إن تصرَّف الأب بمال ولده قبل أن يتم ملك الولد لماله: فلا يصح ذلك التصرُّف سواء كان الولد كبيرًا أو صغيرًا، فمثلًا: لو وهب الأب لهذا الولد هبة ولم يقبضها ذلك الولد، فأراد الأب أن يتصرف بها: فلا يصح تصرُّفه، وكذلك لو أراد الأب أن يبيع شيئًا لولده، أو يهديه ويهبه لغيره، أو يُعتقه أو يُبرئ غريمه من دينه، أو أراد الأب أن يأخذ شيئًا قد وهبه له قبل رجوعه بقول:"قد رجعتُ في هبتي" فلا يصح ذلك كله؛ للتلازم؛ حيث يلزم من صحة تملك الولد بماله ملكًا حقيقيًا: صحة تصرُّف والده فيه؛ لأنه تابع له في ذلك، ويلزم من عدم صحة تصرُّف الولد بماله؛ - لعدم تملكه لماله -: عدم صحة تصرُّف أبيه بمال ولده؛ لأنه إذا لم يصح تصرُّف الولد بماله فمن باب أولى أن لا يصح تصرف والده فيه؛ لأنه تابع لذلك هنا، فإن قلت: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن ذلك فيه حفظ مال الولد، وعدم إحراجه مع الآخرين.
(38)
مسألة إذا اشترى ابن جارية ولم يملكها -بالقبض أو الوطء- ثم وطئها أبوه، فحملت: فإن الولد الذي تأتي به تلك الجارية يكون حرًا، ولا يجب على الأب الحد ولا المهر، ولكن على الأب قيمتها، ولا يجوز للولد مطالبة أبيه بتلك القيمة للتلازم؛ حيث يلزم من حملها من الأب: انتقال الملك إليه -أي: إلى الأب-، ويلزم من كون هذا الوطء قد انتفى فيه الحد للشبهة: عدم وجوب الحد على الأب، ويلزم من كونها من مال ابنه: عدم مطالبته بقيمتها. =
بنفقته الواجبة عليه، فإن له مطالبته بها وحبسه عليها)؛ لضرورة حفظ النفس، وله الطلب بعين مال بيد أبيه فإن مات الابن: فليس لورثته مطالبة الأب بدين ونحوه كمورِّثهم، وإن مات الأب: رجع الابن بدينه في تركته
(39)
والصدقة وهي: ما قصد
[فرع]: إن كان الابن قد وطأ تلك الجارية التي اشتراها، فوطأها الأب بعده فحملت بولد -فلا يكون هذا الابن حرًا، وتحرم بذلك على الابن والأب، ويُعزَّر الأب بفعله ذلك؛ للتلازم؛ حيث إنها صارت بمنزلة حليلة ابنه فيلزم تحريمها عليه. فإن قلت: لِمَ يُعزَّر، ولا يُحدُّ في هذه الحالة؟ قلتُ: لأن الحدود تدرأ بالشبهات وهنا وُجدت شبهة الملك؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنت ومالك لأبيك".
(39)
مسألة: يجوز للولد أن يطالب أباه الغني بأيِّ دين له عليه، وقيمة ما أتلفه أبوه، وأرش جنايته على ولده بغير سبب اقتضى تلك الجناية؛ ويشمل ذلك مطالبة الولد لأبيه أن ينفق عليه -إذا عجز الولد عن النفقة على نفسه- وإذا وجد الولد عين ماله عند أبيه له أخذه والمطالبة به، وإذا مات الولد فيجوز لورثته أن يُطالبوا أبيه الغني بدين مورثهم، وإذا مات الأب أخذ الولد دينه من تركته قبل تقسيمها؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه" وهذا المال الذي أخذه أبوه مال ولده فلا يحل للأب كمال غير الولد، فيجب أن يؤدِّيه إليه، ويلزم منه: جواز المطالبة به من قبل الولد وورثته، وجواز أخذه من تركة الأب إذا مات، الثانية: القياس، بيانه: كما يجوز للشخص أن يطالب غير أبيه بدين، وورثته أيضًا مثله فكذلك الولد يجوز له أن يُطالب أباه في ذلك والجامع: أن كلا منهما دين ثابت لا يحل للغير امتلاكه، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن ذلك فيه حماية حق الأولاد من استغلال الآباء لهم. فإن قلت: لا يجوز للولد أن يُطالب أباه الغني بدين ونحوه إلا بنفقته، أو وجد عين ماله تحت أبيه فطالب به ولا يجوز لورثته أيضًا ذلك، وهو ما ذكره=
به ثواب الآخر، والهدية وهي ما قصد به إكرامًا وتودّدًا ونحوه نوعان من الهبة: حكمهما حكمها فيما تقدم
(40)
، ووعاء هدية كهي مع عرف
(41)
.
المصنف هنا؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك" حيث دلَّ هذا على أن ما أخذه الوالد من مال ولده يكون ملكًا للأب؛ لأن "اللام" في قوله: لأبيك" تدل على التمليك فلا يجوز للولد أن يطالب الأب بذلك، وإذا لم يجز للولد ذلك فمن باب أولى عدم جواز ذلك لورثته من باب "مفهوم الموافقة الأولى" قلتُ هذا الحديث مخصَّص بالأب الفقير المحتاج للمال والذي خصَّصه بذلك هي المصلحة كما سبق في مسألة (36) وعلى ذلك يجوز للولد مطالبة أبيه الغني بأي حق له، فإن قلتَ: لَمَ اتُّفِق على مطالبة الولد لأبيه الغني بالنفقة عليه إذا عجز الولد عن النفقة على نفسه؟ قلتُ للمصلحة حيث إن ذلك فيه حفظ النفس وهي من الضرورات الخمس.
[فرع]: لا يجوز مطالبة الولد لأبيه الفقير بالنفقة عليه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من فقر الأب: عدم جواز مطالبة الولد الفقير له؛ لأن أحدهما ليس أولى من الآخر في ذلك.
(40)
مسألة: الفرق بين الهبة، والصدقة، والهدية والعطية، والنَّحلة هو: أن الهبة: قد سبق بيانها لغة واصطلاحًا في مسألة (1) والعطية والنِّحلة، كالهبة في ذلك، أما الصدقة فهي: ما قُصد فيها ثواب الآخرة، وقد سبق بيانها في كتاب "الزكاة" أما الهدية فهي: ما قصد به إكرام الآخرين والتودُّد إليهم، والمحبة، وحكم ذلك كله: الاستحباب إذا قصد به وجه الله تعالى، وقصد أيضًا كفَّ الأذى والشر والظلم عنه، وقصد أن لا يوصف بالبخل، أما إذا قصد المباهاة، والرياء والسمعة والحصول على المناصب: فإن ذلك كله حرام.
(41)
مسألة: إذا أهدى شخص هدية في وعاء وإناء: فإن الوعاء تابع للهدية فهو مثلها، لا يرد كمن وضع تمرًا أو رطبًا في وعاء له بشرط: أن يكون العرف قد =
فصل: في تصرُّفات المريض بعطية أو نحوها (من مرضه غير مخوف كوجع ضرس، وعين، وصداع) أي: وجع رأس (يسير: فتصرُّفه لازم كـ) ـــتصرُّف (الصحيح ولو) صار مخوفًا (ومات منه)؛ اعتبارًا بحال العطية؛ لأنه إذ ذاك في حكم الصحيح
(42)
(وإن كان) المرض الذي اتّصل به الموت (مخوفًا كبرسام) وهو بخار يرتقي إلى الرأس، ويؤثر في الدماغ فيختل عقل صاحبه (وذات الجنب) قروح بباطن الجنب (ووجع قلب) ورئة لا تسكن حركتها (ودوام قيام) وهو المبطون الذي أصابه الإسهال، ولا يمكنه إمساكه (و) دوام (رعاف)؛ لأنه يصفي الدم، فتذهب القوة (وأول فالج) وهو داء معروف يرخي بعض البدن (وآخر سل) ـبكسر السين- (والحمى المطبقة و) حمى (الربع، وما قال طبيبان مسلمان عدلان: إنه مخوف) فعطاياه
جرى بذلك، أما إن لم يكن قد جرى عرف في ذلك: فإن الوعاء يُردُّ، وتؤخذ الهدية؛ للعرف والعادة؛ حيث إن ذلك يُرجع فيه إلى العرف؛ لكون الشارع لم يرد فيه شيء.
(42)
مسألة: إذا مرض شخص مرضًا غير مخوف في العادة: فتصرفه لازم، يتحمَّل تبعاته كتصرف الصحيح فمثلًا: لو كان شخص قد أوجعه ضرسه، أو عينه، أو أصيب بصداع يسير في رأسه أو نحو ذلك من الأمراض غير المميتة عادة، وباع، أو اشترى، أو أعطى، أو أهدى شيئًا أو تصدَّق به، أو أبرأ أحدًا من دينه أو نحو ذلك: فإن هذا البيع والشراء والعطاء والهدية والصدقة والإبراء صحيح: سواء مات بسبب هذا المرض أو لا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن تصرفات الصحيح لازمة وصحيحة فكذلك تصرفات المريض مرضًا غير مخوف مثله والجامع: أن كلًّا منهما قد تصرف في حالة لا يخاف فيها الموت عادة، فإن قلتَ: لِمَ صح تصرفه هنا مع أنه مات بسبب هذا المرض غير المخوف؟ قلتُ: لكونه قد تصرف في حال العطية ونحوها وهو لا يخاف الموت، فجاءه الموت فجأة كالصحيح إذا تصرف في حال صحته.
كوصية؛ لقوله عليه السلام: "إن الله تصدَّق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم، زيادة لكم في أعمالكم" رواه ابن ماجه (ومن وقع الطاعون ببلده) أو كان بين الصفين عند التحام حرب، وكل من الطائفتين مكافئة للأخرى، أو كان من المقهورة، أو كان في لجة البحر عند هيجانه أو قدم، أو حبس لقتل (ومن أخذها الطَّلْق) حتى تنجو (لا يلزم تبرعه لوارث بشيء، ولا بما فوق الثلث) ولو لأجنبي (إلّا بإجازة الورثة لها إن مات منه) كوصية؛ لما تقدم؛ لأن توقع التلف من أولئك كتوقع المريض
(43)
(وإن
(43)
مسألة: إذا مرض شخص مرضًا مخوفًا في العادة والعرف أو كان يغلب على الظن أنه سيهلك بأي سبب: فإن تصرُّفه في الهبة والعطية والتبرّع: لا يلزم ولا يصح إن كان لأي وارث، ويصح لأجنبي إذا لم يكن فوق الثلث، أما إن أذن الورثة فيصح للوارث، ولما فوق الثلث، فمثلًا لو كان شخص قد أُصيب بالبرسام ـوهو كل ما يؤثر في الدماغ- أو أصيب بذات الجنب ـوهي قروح تكون بباطن الجنب-، أو أصيب بدوام قيام- وهو: إسهال مستمر ـأو أصيب بدوام رعاف، أو أصيب بفالج - وهو ارتخاء بعض أعضاء البدن تمامًا -، أو أصيب بسلٍّ- وهو داء يحدث في الرئة -أو بالحمى المطبقة- وهي: ارتفاع درجة الحرارة باستمرار -وحمى الربع- وهي الحمى التي تذهب وتعود كل أربعة أيام-، وكذا: إذا قال طبيب عدل بأن هذا مرض مخوف ومميت، وكذا إذا غلب على الظن الهلاك فيه كشخص قد وقع الطاعون ببلده، أو شخص وقع بين صفين متقاتلين وهما متكافئتان، أو كان هذا الشخص من الطائفة الضعيفة، أو كان في لجة البحر عند هيجانه، أو قدِّم لقتل قصاصًا، أو حبس للقتل، وكذلك المرأة التي بدأ بها الطلق، كل من سبق ونحوهم ممن أصيبوا بمثل ذلك: فإن تصرُّفاتهم لا تلزم ولا تصح كما سبق بيانه؛ لقواعد؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تصدَّق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم" حيث دل بمفهوم العدد على أن الشخص ليس له أكثر من الثلث عند وفاته، وإذا=
عوفي) من ذلك (فكصحيح) في نفوذ عطاياه كلها؛ لعدم المانع
(44)
(ومن امتدَّ مرضه بجذام أو سلٍّ) في ابتدائه (أو فالج) في انتهائه (ولم يقطعه بفراش فـ) ـــعطاياه (من كل ماله؛ لأنه لا يخاف تعجيل الموت منه كالهرم (والعكس) بأن لزم الفراش (بالعكس) فعطاياه كوصية؛ لأنه مريض صاحب فراش، يخشى منه التلف
(45)
(ويُعتبر الثلث عند
أصيب الإنسان بمرض مخوف أو غلب على الظن هلاكه بأي سبب: فكأنه متوفى، لا حق له في ماله إلا ثلثه فقط، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الوصية لا تصحّ إلا بثلث ماله فكذلك العطية والهبة ونحوهما في مرض موته المخوف كذلك والجامع: أنه في كل منهما في حالة الظاهر منها الموت. الثالثة: تقرير الصحابي؛ حيث إن عمر لما مرض قال طبيب له: أعهد إلى الناس، فعهد عمر إليهم، وهذا إشارة إلى أنه يكتفي بقول عدل فيه إن هذا المرض يعتبر من الامراض المخوفة، هذا إذا لم يُقدر على طبيبين. الرابعة: التلازم؛ حيث يلزم في غلبة الظن أنه مهلك: أن يكون مرضه مرضًا مخوفًا، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حماية لحقوق الورثة؛ لئلا يضيعها الشخص بالهبات والعطايا، والهدايا، والتبرعات عندما يغلب على ظنه هلاكه.
(44)
مسألة: إذا عُوفي الشخص من مرضه المخوف أو سلم من مهلكة وهو قد تصرَّف في حال ذلك بهبة وعطية ونحوهما: فإن ذلك التصرف: يصح؛ وينفذ كل ما أمر به؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الصحيح يصح تصرفه فكذلك هذا الشخص مثله، والجامع: عدم المانع من صحة التصرف.
(45)
مسألة: إذا مرض شخص مرضًا مخوفًا كالجذام، والسل، والسرطان واستمر وطال ولكنه يذهب ويجيء ولم يلزم فراشه: فإن جميع عطاياه، وهداياه كعطايا وهدايا الصحيح: من كل ماله، أما إن ألزمه هذا المرض فراشه، وأقعده فيه: فإن جميع عطاياه وهداياه تكون من ثلث ماله فقط كالوصية، وإن أعطى وارثًا شيئًا وهو في هذه الحالة الأخيرة: فلا ينفذ إلا بإجازة الورثة؛ للقياس؛ بيانه: كما =
موته)؛ لأنه وقت لزوم الوصايا، واستحقاقها، وثبوت ولاية قبولها وردِّها
(46)
، فإن ضاق ثلث عن العطية والوصية: قُدِّمت العطية؛ لأنها لازمة
(47)
، ونما العطية من القبول إلى الموت تبع لها
(48)
، ومعاوضة المريض بثمن المثل من رأس المال، والمحاباة
أن الشخص الذي هرم وبلغ من العمر عتيًا ولم يلزم فراشه بسببه إذا أعطى شيئًا: فإن عطاياه وهداياه تنفذ من كل ماله، وإذا لزم فراشه بسبب الهرم: فلا تنفذ عطاياه إلا من الجزء الذي تصح فيه الوصية -وهو ثلث ماله ـ فكذلك المريض مرضًا مخوفًا إذا استمر مثله والجامع: أن الذي لا يلزم الجلوس في الفراش لا يُخاف ولا يُخشى منه الموت والتلف غالبًا والذي يُلزم الفراش: يُخاف ويخشى منه الموت والتلف غالبًا في كل، وهذا هو المقصد منه.
(46)
مسألة إذا كان شخص في مرض موته فأعطى أو أهدى، أو حابي، من ماله شخصًا آخر، أو أعتق عبدًا أو وقف ونحو ذلك: فإنه يُعتبر وصية، أي: يؤخذ من ثلث ماله فقط، وإذا كان هذا الشخص المعطى والمهدى والمحابي من الورثة: فإنه لا ينفذ إلّا بإذن الورثة؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من كون مرض الموت وقت لزوم الوصايا واستحقاقها، ووقت ثبوت ولاية قبول الوصايا وردِّها: أن يُعتبر كل ما أعطاه، أو أهداه أو وقفه أو حاباه أو نحو ذلك من الوصية فقط، فإن قلتَ لَم شُرع هذا؟ قلت: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حماية لحقوق ورثة هذا الشخص؛ لكون بعض الناس قد يقصد من ذلك حرمان ورثته من الميراث.
(47)
مسألة: إذا أعطى شخص في مرض موته شخصًا آخر عطية قدرها مائة ريال مثلًا، وكانت له وصية بثلث ماله: وكانت هذه المائة ثلث ماله: فإن العطية تُقدَّم، وتُنفَّذ، وتسقط الوصية، للقياس؛ بيانه: كما أن الصحيح يتصرَّف في الوصية بالثلث ويُغيِّرها فكذلك المريض يتصرَّف بالثلث والجامع: أن تصرُّف هذين لازم.
(48)
مسألة: إذا أعطى زيد المريض مرض الموت عطية لعمرو وقبلها عمرو كأن يُعطيه =
كعطية
(49)
(و) تفارق العطية الوصية في أربعة أشياء: أحدها: أنه (يُسوَّى بين المتقدم والمتأخر في الوصية)؛ لأنها تبرُّع بعد الموت، يوجد دفعة واحدة (ويبدأ بالأول فالأول في العطية)؛ لوقوعها لازمة (و) الثاني: أنه (لا يملك الرجوع فيها) أي: في العطية بعد قبضها؛ لأنها تقع لازمة في حق المعطي، وتنتقل إلى المعطى في الحياة ولو كثرت، وإنما منع من التبرُّع بالزائد على الثلث لحق الورثة، بخلاف الوصية فإنه يملك الرجوع فيها (و) الثالث: أن العطية (يُعتبر القبول لها عند وجودها)؛ لأنها تمليك في الحال، بخلاف الوصية فإنها تمليك بعد الموت فاعتبر عند وجوده (و) الرابع: أن العطية (يثبت الملك) فيها (إذًا) أي عند قبولها كالهبة، لكن يكون مراعي؛ لأنا لا تعلم هل هو مرض الموت أو لا؟ ولا نعلم هل يستفيد مالًا أو يتلف شيء من ماله، فتوقفنا لنعلم عاقبة أمره، فإذا خرجت من الثلث: تبيّنا أن الملك كان ثابتًا من حينه وإلا فبقدره (والوصية بخلاف ذلك) فلا تملك قبل الموت؛ لأنها تمليك بعده فلا تتقدمه
(50)
، وإذا ملك المريض من يعتق عليه بهبة أو وصية، أو أقرَّ أنه أعتق ابن عمه
نخلاً: فإن جميع نماء وثمار ذلك النخل للمعطى والموهوب -وهو عمرو- من وقت الإعطاء والقبول إلى موت المعطي -وهو زيد-؛ للتلازم؛ حيث إن نماء الشيء تابع للشيء نفسه فيلزم أن يكون النماء للمعطى؛ لكونه مالكًا لذلك الشيء المعطى.
(49)
مسألة معاوضة المريض بمرض مخوف بثمن المثل: يكون من رأس المال، لا من الثلث، وكذا ما يتغابن بمثله، سواء كان في بيع، أو شراء، أو إجارة ونحوها، وسواء كان مع وارث أو لا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ذلك ليس بتبرُّع، ولا تهمة فيه: أن يكون من رأس ماله.
تنبيه: المحاباة كالعطية فيما مضى من المسائل.
(50)
مسألة: الفروق بين العطية في مرض الموت وبين الوصية أربعة هي: الفرق الأول: أنه يُساوى بين المتقدم والمتأخر في الوصية، وإذا أوصى في شهر رجب، ثم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أوصى في رمضان الذي بعده: فإنه يُعمل بوصية رمضان، وتبطل الوصية الأولى، أما العطية: فإنه لا يسوَّى فيها بين الذين قد أعطوا، بل يبدأ بالأول، ثم بعده الثاني وهكذا، للتلازم؛ حيث يلزم من كون الوصية تبرُّع بعد الموت، وكونها تكون مرة واحدة: التسوية بين المتقدم والمتأخر، ويلزم من كون العطية لازمة في حق المعطي: عدم التسوية بين المتقدم والمتأخر؛ حيث إنه لو شاركت الثانية الأولى: لمنع ذلك لزومها في حق المعطي، الفرق الثاني: أن الشخص إذا أعطى شيئًا: فإنه لا يملك الرجوع فيها بعد أن قبضها المعطى في الحياة وإن كانت كثيرة ولكن إذا أعطى أكثر من الثلث وهو في حالته فإنه يُمنع، ويُقصر على الثلث فقط، فلا يملك إجازتها هو ولا ردَّها، أما الوصية فيملك الرجوع فيها وتغييرها ونحو ذلك؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وقوع العطية لازمة من المعطي: عدم جواز الرجوع فيها، ويلزم من كون الوصية تبرُّع بها بعد الموت: جواز الرجوع فيها في الحياة: فإن قلتَ: لِمَ مُنع من التبرُّع بأكثر من الثلث؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن ذلك فيه حماية لحق الورثة؛ الفرق الثالث: أن القبول للعطية معتبر عند وجودها، أما الوصية: فلا حكم لقبولها ولا ردِّها إلا بعد الموت؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون العطية تمليك في حال العطاء: اعتبار القبول حين ذلك؛ ويلزم من كون الوصية تمليك بعد الموت: اعتبار القبول لها بعد الموت؛ الفرق الرابع: أن العطية تملك من حينها لكن يُراعى حال هذا المعطي في مرض موته: فإن مات من ذلك المرض: فإن العطية تكون من ثلث ماله، وإذا كانت لوارث: فلا يأخذ تلك العطية إلا إذا أذن له بقية الورثة، وإن لم يمت بسبب هذا المرض: فإن العطية تكون من جميع ماله -كما سبق-، وكذلك يختلف الحال بسبب وجود زيادة في ماله وهو مريض، أو وجود خسارة فلذلك رُوعي حال هذا المعطي ليُعلم عاقبة أمره لنعمل بها، أما الوصية: فلا تملك إلّا بعد الموت -كما سبق ـ فلا يكون فيها =
في صحته: عتقًا من رأس المال، وورثا؛ لأنه حر حين موت مورثه، لا مانع به، ولا يكون عتقهم وصية
(51)
ولو دبَّر ابن عمه: عتق ولم يرث
(52)
، وإن قال:"أنت حر آخر حياتي": عتق وورث
(53)
.
التفصيل الذي قلناه في العطية؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون العطية في مرض موت المعطي: وجوب انتظار حاله ومراقبة مصيره وإيقاف جميع تبرعاته وعطاياه لذلك، ويلزم من كون الوصية لا تملك إلّا بعد الموت: عدم ذلك. فإن قلتَ: لِمَ أوجد الفقهاء تلك الفروق بين العطية في مرض الموت وبين الوصية؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إزالة اللَّبس بينهما عند كثير من الناس.
[فرع]: ما عدا هذه الفروق الأربعة: تكون العطية في مرض الموت كالوصية في جميع الأحكام.
(51)
مسألة: إذا ملك زيد المريض مرض الموت من يعتق عليه إذا ملكه -وهم كل ذي رحم محرم منه كأبيه ونحوه- بسبب أنه وهبه إليه عمرو، أو أوصى به إليه، أو أقرّ زيد المريض مرض الموت أنه أعتق ابن عمه لما كان -أي: زيدـ في صحته: فإن ما ملكه -كأبيه- أو أقرَّ به -كابن عمه- يعتقان ويرثان إذا كانا من الورثة، ولا يُعتبر عتقهما من الوصية، فلا يؤخذ ذلك من الثلث؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون العتق ليس من فعله، ولا يتوقف على اختياره، ولم يتبرَّع فيه بعد الموت: أن يعتقان، ويرثان، وأن لا يعتبران من الوصية.
(52)
مسألة: إذا كان زيد قد ملك ابن عمه بأن كان رقيقًا عنده، ودبَّره: بأن قال له: "أنت حر بعد موتي": فإنه يعتق بعد موته، ولكنه لا يرثه؛ للتلازم؛ حيث إن من شرط الإرث: أن يكون الوارث حرًّا، وأن تكون هذه الحرية سابقة لموت مورِّثه، فيلزم من عدم هذا الشرط: عدم الحكم، وهو الإرث؛ لكون الحرية كانت مع الموت، ولم تسبقه.
(53)
مسألة: إذا قال مريض لابن عمه الرقيق عنده: "أنت حر آخر حياتي" ثم مات =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المريض: فإن ابن عمه يعتق ويرث إن لم يحجبه أحد، للتلازم؛ حيث يلزم من وجود شرط عتقه -وهو وصوله إلى آخر حياته-: أن يعتق ويلزم من وجود شرط إرثه وهو: كون حريته سابقة لموت مورِّثه: أن يرث مع الورثة، فإن قلتَ: إن عتقه وصية تتوقف على إذن الورثة؟ قلتُ: لا يُسلَّم هذا؛ لكونه حال العتق غير وارث، وإنما كان وارثًا بعد نفوذ عتقه، في آخر حياة المورِّث قبل موته بلحظات.
هذه آخر مسائل "باب الهبة والعطية والهدية"، ويليه كتاب:"الوصايا".
كتاب الوصايا
جمع وصية، مأخوذة من وصيت الشيء: إذا وصلته، فالموصي وصل ما كان له في حياته بما بعد موته، واصطلاحًا: الأمر بالتصرف بعد الموت، أو التبرُّع بالمال بعده
(1)
،
كتاب الوصايا
* بيان تعريفها، وحكمها، ومقدارها ووقت قبولها وملكها والرجوع عنها
وفيه سبع وعشرون مسألة:
(1)
مسألة: الوصايا جمع وصية: -بفتح الواو، وكسر الصاد، وفتح الياء- وهي تطلق لغة على جعل المال للغير، تقول:"وصَّيتُ بكذا أو: أوصيت بكذا": جعلته له، وتطلق أيضًا على العهد إلى الغير في القيام بفعل أمر حال حياته أو بعد وفاته، تقول:"أوصيتُ له أو إليه": جعلته وصيًا يقوم على من بعده، وهي في الاصطلاح الشرعي:"الأمر بالتصرُّف بعد الموت، أو التبرُّع بالمال بعد الموت" فتشمل الوصية بذلك نوعين: أولهما: الوصية بالتصرُّف فقط في شيء خاص به كأن يوصي زيد بأن يقوم عمرو بتزويج بناته، أو، أن يغسله ويصلي عليه، أو تفرقة وقفه، أو ثلثه أو نحو ذلك، دون أن يتملَّك شيئًا، ثانيهما: الوصية بتملك غيره ما تبرَّع به من المال بعد موته كأن كأن يوصي زيد بأن يتملَّك عمرو، أو يتملَّك عدد من الأشخاص ماله -أي مال زيد- الذي تبرَّع به ويستحق بعد موته، وخرج بعبارة "بعد الموت" التملكات المنجزة لعين كالبيع والهبة، والعطية، والهدية، والمنحة، وكذا: تملُّك المنفعة كالإجارة، فإن قلتَ: لِمَ جُعل كتاب الوصايا بعد باب الهبة والعطية؟ قلتُ: لأن كلًّا منهما يشتركان في تمليك الغير ماله بلا عوض مالي.
وتصح الوصية من البالغ الرشيد
(2)
ومن الصبي العاقل
(3)
، ..........................
(2)
مسألة تصح الوصية من المكلَّف: سواء كان عدلًا أو فاسقًا، ذكرًا أو أنثى، مسلمًا أو كافرًا، ما لم يصل إلى حدِّ الغرغرة -وهو: وقت خروج الروح، أو بلوغ الروح الحلقوم- بشرط: عدم زوال عقله؛ للقياس؛ بيانه: كما أن هبة هؤلاء صحيحة فكذلك تصح وصيتهم من باب أولى والجامع: أنه في كل منهما تبرُّع بمال ينفعه في الدنيا والآخرة، من غير ضرر على الآخرين.
(3)
مسألة: لا تصح وصية الصبي إلى أن يبلغ، وهو قول كثير من العلماء وهو رواية عن أحمد، لقاعدتين؛ الأولى: القياس؛ بيانه: كما أنه لا تصح من الصبي الهبة والعتق، فكذلك لا تصح الوصية منه والجامع: أن كلَّا منهما تبرع وتصرف بمال لمن ليس له التصرُّف فيه، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ابن عباس قد ذهب إلى هذا المذهب، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن الصبي لا يدرك المقصود من الوصية فكثيرًا ما يُغر ويُخدع؛ نظرًا لعدم إدراكه لحقائق الأمور، فإن قلت: تصح وصية الصبي العاقل، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما تصح صلاة الصبي العاقل فكذلك تصح وصيته والجامع: أن كلًّا منهما تصرُّف فيه نفع له، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عمر أجاز وصية صبي. قلتُ: أما القياس ففاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن صلاة الصبي ليس فيها ضرر على غيره، أما الوصية فيوجد ضرر على غيره. وهم ورثته، أما قول الصحابي: فإنه معارض بقول صحابي آخر، وهو ابن عباس ـكما سبق- وإذا تعارض قولا صحابيين في مسألة واحدة تساقطا ورُجع إلى مُرجِّع لأحدهما من دليل خارجي، وقد وجد عندنا دليل خارجي وهو القياس الذي ذكرناه يُرجِّح عدم صحة وصيته، فإن قلت ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ:"تعارض القياسين": فنحن ألحقنا الوصية بالهبة؛ لكونها أكثر شبهًا بها، وهم ألحقوها بالصلاة؛ لكونها أكثر شبهًا بها عندهم، وهو ما يُعرف بقياس "الشبه" أو "غلبة =
والسفيه بالمال
(4)
، ومن الأخرس بإشارة مفهومة
(5)
، وإن وُجدت وصية إنسان بخطه الثابت ببيّنة، أو إقرار ورثته: صحَّت
(6)
، ويُستحب: أن يكتب وصيته، ويُشهد عليها
(7)
و (يسن لمن ترك خيرًا -وهو المال الكثير-) عرفًا (أن يوصي بالخمس) روي
الأشباه".
(4)
مسألة: إذا حجر على شخص؛ للسفه: فإن وصيته تصح؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن الرشيد تصح وصيته فكذلك المحجور عليه لسفهه والجامع: أن كلًّا منهما عاقل مدرك لحقائق الأمور والنيات والمقاصد، الثانية: المصلحة؛ حيث إن وصيته فيها نفع له من غير ضرر على الآخرين؛ لكونه إن عاش لم يذهب من ماله شيء؛ لأن تنفيذ الوصية بعد الموت، وإن مات فهو محتاج إلى الثواب.
(5)
مسألة: تصح الوصية من المكلَّف الأخرس بشرط: أن تكون تلك الوصية بإشارة يُفهم منها الوصية؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الناطق تصح وصيته فكذلك الأخرس مثله إذا فهمت إشارته والجامع: أن كلًّا منهما قد فهمت منه الوصية.
(6)
مسألة: إذا أوصى شخص بوصية وكتبها بخطه: فإن ذلك يصح ويُعمل بها بشرط: أن يثبت هذا الخط ببيَّنة على أنه خطُّه، أو يُقرُّ ورثته بذلك؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث رسله وسعاته بكتب ورسائل، فيقبل منهم المرسل إليهم ذلك، ويعملون به استنادًا إلى الخط الثابت عنه مع أن فيه الأوامر والنواهي الشرعية والناسخ والمنسوخ فكذلك الوصية التي كتبها صاحبها يعمل بها استنادًا إلى الخط الثابت عنه، والجامع: أن كلًّا منهما قد ثبت أنها صادرة من صاحبها، فإن قلت: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه توسعة وتيسير على المسلمين؟ حيث إنه قد لا يوجد شاهد على ذلك، وقد يكون الإنسان لا يريد أن يطَّلع أحد على أسراره.
(7)
مسالة: يستحب للمسلم أن يكتب وصيته ويشهد عليها عدلين؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه قطع للنزاع، واحتياط للدِّين، وبُعْد عن التهمة.
عن أبي بكر وعلي وهو ظاهر قول السلف قال أبو بكر: "رضيت بما رضي الله به لنفسه" يعني في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}
(8)
(ولا تجوز)
(8)
مسألة: الوصية لغير الوارث ببعض المال مستحبة لمن ترك خيرًا ـوهو المال الكثير عرفًا، والأفضل: أن يكون الموصى به أقل من ثلث ماله، والأفضل أن تكون للفقير القريب؛ لقواعد؛ الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} حيث أوجب الشارع الوصية؛ لأن لفظ "كتب" من صيغ الوجوب، والتقدير:"كتب عليك ولم ينقل لذلك نكير، ولو كانت واجبة لأنكر ذلك، فدلّ على استحبابها، وخرج الورثة من هذه الآية بالسنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" وهو واضح، وإذا خرج الورثة: بقي سائر الأقم الوصية إن تركتم خيرًا" ولكن فعل الصحابي قد صرف هذا الوجوب إلى الاستحباب؛ حيث إن أكثر الصحابة لم يوصوا، ارب على استحباب الوصية لهم، ويلزم منه:"أن الوصية لهم أفضل من الوصية للأجنبي، الثانية: السنة القولية وهي من وجوه: أولها: قوله: "إن الله تصدَّق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم" وهذا فيه حث على الوصية، ثانيها قوله صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه" والمراد به: أنه من الرأي السديد: أن لا يمر زمن قليل على مسلم يملك فيه مالًا كثيرًا يريد أن يوصي ببعضه إلا ويكتب تلك الوصية، ثالثها: أن سعد بن أبي وقاص قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني في عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: يا رسول الله: قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا" قلت: فبالشطر يا رسول الله؟ قال: "لا" قلت: فبالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكفَّفون الناس" =
الوصية (بأكثر من الثلث الأجنبي) لمن له وارث (ولا لوارث بشيء إلا بإجازة الورثة لهما بعد الموت)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال: "أوصي بمالي كله؟ قال: "لا"، قال: "بالشطر؟ قال: "لا" قال بالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير" متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا وصية لوارث" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسَّنه
(9)
، وإن
فأجاز الوصية لغير الوارث بالثلث، ويلزم من وصف الثلث بالكثرة: أن الأفضل: أن يوصي بما دون الثلث قليلًا. الثالثة: القياس؛ بيانه: كما أن العطية والهبة لا تجب في الحياة فكذلك الوصية لا تجب بعد الموت، والجامع: أن كلًّا منهما تُعتبر عطية، فإن قلتَ: لِمَ استحبّت الوصية؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه زيادة في القربات والحسنات، ويستدرك به بعض ما فرَّط فيه من الأعمال الخيرية، وقد أشار إلى ذلك الحديث الأول بقوله:"زيادة لكم في أعمالكم"، فإن قلتَ: إن الأفضل أن يوصي بخمس ماله وهو ما ذكره المصنف هنا وهو مذهب كثير من العلماء؛ لفعل الصحابي؛ حيث إن أبا بكر وعليًا قد فعلا ذلك، وقاسه أبو بكر على حق الله من الغنيمة وهو خمسه. قلتُ: هذا اجتهاد منهما مخالف لإطلاق حديث سعد: "الثلث والثلث كثير"، وقد خالفه كثير من الصحابة؛ حيث أوصى عمر بربع ماله، وقال ابن عباس:"وددتُ لو أن الناس غضُّوا من الثلث إلى الربع في الوصية".
[فرع] الوصية واجبة على كل شخص عليه دين، أو عنده وديعة، أو عليه واجب من كفارات ونحو ذلك من الحقوق التي لا مستند لها؛ للإجماع حيث أجمع العلماء على ذلك، ومستنده التلازم؛ حيث إن رد الأمانات والحقوق إلى أهلها واجب فيلزم منه وجوب الوصية بردِّها وبيانها بالتفصيل.
(9)
مسألة: الشخص الذي له ورثة -بفرض أو تعصيب- لا يصح له أن يوصي بأكثر من ثلث ماله، ولا يصح له أن يوصي لوارث بشيء، فإن فعل: بأن أوصى لغير الوارث بأكثر من الثلث، أو أوصى لوارث بشيء: فتبطل فيما زاد على الثلث، =
وصَّى لكل وارث بمعيَّن بقدر إرثه: جاز؛ لأن حق الوارث في القدر، لا في العين
(10)
، والوصية بالثلث فما دون لأجنبي تلزم بلا إجازة
(11)
وإذا أجاز الورثة ما
وتبطل للوارث إلا إذا أذن الورثة في ذلك وسمحوا به بعد موت الموصي فيجوز، لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: "الثلث والثلث كثير" حيث دلَّ مفهوم العدد على عدم جواز ما زاد عن الثلث، ويلزم منه: أن الذي زاده الموصي على الثلث يبطل بهذا: لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي التحريم والفساد. ثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" حيث إن النفي هنا: نهي والنهي مطلق، فيقتضي التحريم والفساد. الثانية: التلازم؛ حيث إن كون الورثة قد أسقطوا حقهم بالإذن بالزيادة، أو للوارث: يلزم منه: جوازه، فإن قلتَ: لِمَ حُرِّمت الزيادة عن الثلث، وحرمت الوصية للوارث؟ قلتُ: للمصلحة حيث إن الوصية بأكثر من الثلث فيه ظلم للورثة بتنقيص حقهم، والوصية للوارث فيه إيقاع العداوة، والفتنة بين الموصى له وبقية الورثة، فدفعًا لذلك: حرم.
(10)
مسألة: إذا وصَّى شخص لكل وارث بشيء معين بقدر نصيبه من الإرث: فإن يصح كأن يكون له داران، وله بنتان وابن، وكل دار تساوي مائة ألف، فجعل دارًا للبنتين، والدار الأخرى للابن: فإن هذا يصح كما قلنا؛ للتلازم؛ حيث إن كون حق الوارث في القدر، لا في العين، وأنه لم يقع ظلم ولا إجحاف على أحد يلزم منه: صحته، وهو المقصد منه.
(11)
مسألة: إذا وصَّى شخص بالثلث فما دونه لغير الوارث: فإنها تلزم بعد موت ذلك الشخص الموصي بدون إذن أو إجازة من الورثة؛ للسنة القولية: حيث إنه صلى الله عليه وسلم قال -في حديث سعد-: "الثلث والثلث كثير" وهذا مطلق، فلم يُقيَّد بشيء من إذن وإجازة ورثة ولا غيرهم، فيبقى على إطلاقه، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه تيسير لإنفاذ الوصية.
زاد على الثلث، أو لوارث (فـ) إنها (تصح تنفيذًا)؛ لأنها إمضاء لقول المورِّث بلفظ:"أجزتُ" أو "أمضيتُ" أو "أنفذتُ" ولا تُعتبر لها أحكام الهبة
(12)
(وتكره وصية فقير) عرفًا (وارثه محتاج)؛ لأنه عدل عن أقاربه المحاويج إلى الأجانب
(13)
(وتجوز) الوصية (بالكل لمن لا وارث له) روي عن ابن مسعود؛ لأن المنع فيما زاد على الثلث لحق الورثة، فإذا عدموا زال المانع
(14)
(وإن لم يف الثلث بالوصايا) أو لم تجز الورثة:
(12)
مسألة: إذا وصَّى شخص بشيء زائد على الثلث، أو وصَّى لوارث بشيء، وأجازه كل واحد من الورثة بلفظ يدل على إذنه وسماحه بذلك كقوله:"أجزتُ ما زاد على الثلث، أو ما وصي لهذا الوارث" أو بقوله: "أمضيته" أو بقوله: "أنفذته" أو بقوله: "رضيتُ بذلك" ونحو ذلك: فإن تلك الوصية تصح تنفيذًا لما وصَّى به الموصي، ولا يكون ذلك هبة من الوارث؛ فلا يُشترط لها شروط الهبة ولا أحكامها، ولا منة للوارث في ذلك؛ للتلازم؛ حيث يلزم من إجازتهم لذلك وإسقاط حقهم بسبب إمضاء قول الموصي وتنفيذ ما وصَّى به: أن تصح تلك الوصية، وأن لا تكون هبة.
(13)
مسألة: تكره وصية فقير وارثه فقير مثله؛ للمصلحة: حيث إن تركه وارثه المحتاج ووصيته لغير الوارث فيه ترك للأفضل وفعله للمفضول.
(14)
مسألة: إذا وُجد شخص لا وارث له: فإنه يصح أن يوصي بجميع ماله ويُصرف في الأعمال الخيرية؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم -في حديث سعد-: "إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" حيث دلّ منطوقه على أن المنع من الزيادة عن الثلث كان بسبب حق الورثة، فدل مفهوم العلّة على جواز الوصية بكل المال إذا كان الشخص لا وارث له؛ لعدم تعلُّق حق لوارث ولا لغريم. الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن هذا قد روي عن ابن مسعود، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه جلب مصلحة للموصي، وهو عمل للبر بهذا المال الذي حققه خلال حياته،
(فالنقص) على الجميع (بالقسط) فيتحاصون، ولا فرق بين متقدمها ومتأخرها والعتق وغيره؛ لأنهم تساووا في الأصل، وتفاوتوا في المقدار، فوجبت المحاصة كمسائل العول
(15)
(وإن أوصى لوارث فصار عند الموت غير وارث) كأخٍ حُجب بابن تجدَّد:
في حين أنه لا ضرر على الآخرين. فإن قلتَ: إن هذا الشخص ليس له إلا الوصية بالثلث فقط، دون أن يزيد عليه والثلثان يكونان لبيت المال، وهو رواية عن أحمد، وهو قول مالك والشافعي وكثير من العلماء؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو ترك وارثًا ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث فكذلك من لا وارث له والجامع: أن في كل منهما له من يأخذ ويعقل عنه؛ لأن المسلمين هم الوارثون له من بيت المال. قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق لأن من له ورثة يتضرَّرون إذا أوصى بأكثر من الثلث ضررًا مباشرًا، أما بيت المال: فلا يتضرر إذا أوصى بأكثر منه؛ لأن له مصادر أخرى غير ذلك، ولو تضرر: فإن ضرره غير مباشر، فإن قلت ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع مفهوم العدد، ومع قول الصحابي".
(15)
مسألة: إذا كثرت الوصايا ولم يف الثلث بها، ولم تجز الورثة الزيادة على الثلث: فإن الثلث فقط يُقسَّم بين الموصى لهم على قدر ونسب وصاياهم ويتحاصون، ويدخل النقص على كل واحد منهم بقدر نسبته في الوصية سواء كان فيه عتق أو لا، فمثلًا: لو أوصى شخص لزيد بثلث ماله، ولعمرو بمائة، ولبكر بدكان قيمته خمسون، ولمحمد بخمس وعشرين، ولصالح بخمس وعشرين، فبلغت الوصايا ثلاثمائة، وكان ثلث ماله مائة فقط: فإن زيداً يُعطى ثلث المائة، وكذلك عمرو، ويُعطى بكر سدس المائة، ويُعطى كل من محمد وصالح عشرة وثلثان، وقس على ذلك بقية الأمثلة، للقياس؛ بيانه: كما يفعل ذلك بمسائل العول ـفي الفرائض وهي زيادة الفروض عن المال المقسَّم- فكذلك يفعل في هذه الحالة والجامع: أن أصحاب الحقوق في كل منهما قد تساووا في الأصل وتفاوتوا في المقدار فوجبت =
(صحَّت) الوصية؛ اعتبارًا بحال الموت؛ لأنه الحال الذي يحصل به الانتقال إلى الوارث والموصى له
(16)
(والعكس بالعكس) فمن أوصى لأخيه مع وجود ابنه، فمات ابنه: بطلت الوصية إن لم تجز باقي الورثة
(17)
(ويُعتبر) لملك الموصى له المعيَّن الموصى به (القبول) بالقول، أو ما قام مقامه كالهبة (بعد الموت)؛ لأنه وقت ثبوت حقه
(18)
،
المحاصّة.
(16)
مسألة: إذا أوصى شخص لأخيه الوارث، فصار عند الموت ليس بوارث بأن حُجب بابن ولد للموصي بعد موته: فإن الوصية تصحّ؛ للتلازم؛ حيث إن حدوث الموت للموصي هو الحال الذي يحصل به انتقال الميراث إلى الورثة، وانتقال الموصى به إلى الموصى له، والموصى له -وهو الأخ- في هذه الحالة لم يكن وارثًا فلزم منه صحة تلك الوصية لأخيه؛ لكونه غير وارث، والوصية لغير الوارث تصح.
(17)
مسألة: إذا أوصى شخص لأخيه غير الوارث؛ نظرًا لوجود ابنه -أي: ابن الموصي- فصار عند الموت وارثًا بسبب موت ابنه: فإن الوصية لا تصح؛ إلّا إذا أذن الورثة؛ للتلازم؛ حيث إن حدوث الموت للموصي هو الحال الذي ينتقل بسببه الميراث إلى الورثة، وينتقل الموصى به إلى الموصى له، والموصى له -وهو: الاخ هنا- في هذه الحالة كان وارثًا: فلزم منه عدم صحة الوصية لأخيه، لكونه وارثًا، والوصية للوارث لا تصح، ولذلك لو أوصت امرأة لرجل أجنبي عنها: صحَّت الوصية لكونه غير وارث، لكن لو تزوجها ذلك الأجنبي بعد الوصية: لبطلت لكونه وارثًا وإن أوصى أحد الزوجين للآخر، ثم طلقها زوجها: صحَّت؛ لكون كل واحد منهما أجنبيًا عن الآخر، وعلى هذا فقس.
(18)
مسألة: إذا كان الموصى له شخصًا معينًا، أو جمعًا يمكن حصرهم: فيُشترط لملك الموصى به: أن يقبله بالقول بعد موت الموصي فيقول "قبلتها" أو نحو ذلك من الأخذ، والفعل مما يقوم مقامه؛ للقياس؛ بيانه: كما يُشترط في ملكية الهبة قبولها =
وهو على التراخي، فيصح (وإن طال) الزمن بين القبول والموت
(19)
، و (لا) يصح القبول (قبله) أي: قبل الموت؛ لأنه لم يثبت له حق
(20)
، وإن كانت الوصية لغير معيَّن كالفقراء، أو من لا يمكن حصرهم كبني تميم، أو مصلحة مسجد ونحوه، أو حج: لم تفتقر إلى قبول، ولزمت بمجرَّد الموت
(21)
(ويثبت الملك به) أي: بالقبول (عقب الموت) قدَّمه في "الرعاية" والصحيح" أن الملك حين القبول كسائر العقود؛ لأن القبول سبب، والحكم لا يتقدَّم سببه، فما حدث قبل القبول: من نماء منفصل:
بالقول ونحوه فكذلك الوصية مثلها والجامع: أن كلًّا منهما تمليك مال لمعين هو أهل للملك، فلا يكون إلَّا بالقبول بالقول، أو الفعل.
(19)
مسألة: لا تُشترط في قبول الموصى له للموصى به الفورية بل يجوز أن يقبله الموصى له بعد موت الموصي مباشرة، ويجوز أن يقبله بعد موت الموصي بمدَّة طويلة؛ للقياس؛ بيانه: كما أن ذلك لا يُشترط في الميراث فكذلك الوصية والجامع: أن كلًّا منهما حق لا يبطل بمضي وقت طويل على موت الموصي والمورِّث.
(20)
مسألة: لا يصح من الموصى له قبولٌ ولا ردٌّ للموصى به قبل موت الموصي؛ للتلازم؛ حيث إنه لم يثبت للموصى له ملك قبل موت الموصي فيلزم عدم اعتبار قوله في القبول أو الرد.
(21)
مسألة: إذا كان الموصى له غير معين كأن يوصي شخص بذلك الشيء للفقراء، أو للعلماء، أو للغزاة، أو كانت الوصية لأناس لا يمكن حصرهم كبني هاشم، أو بني تميم، أو كانت لمصلحة مسجد، أو رباط، أو حجج: فإن القبول لا يُشترط، وتلزم الوصية بمجرَّد موت الموصي؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو أوقف ريع هذا على الفقراء ونحوهم مما ذكر: فإنه لا يُشترط القبول فكذلك الوصية مثله والجامع: تعذُّر القبول في كل.
فهو للورثة، والمتصل يتبعها
(22)
(ومن قبلها) أي: الوصية (ثم ردَّها) ولو قبل القبض (لم يصح الرَّد) لأن ملكه قد استقرّ عليها بالقبول إلا أن يرضى الورثة بذلك، فتكون هبة منه لهم تُعتبر شروطها
(23)
(ويجوز الرجوع في الوصية)؛ لقول عمر: "يُغيّر الرجل ما شاء في وصيته" فإذا قال: "رجعت في وصيتي، أو أبطلتها" ونحوه: بطلت، وكذا: إن وجد منه ما يدل على الرجوع
(24)
، (وإن قال) الموصي: (إن قدم زيد: فله ما
(22)
مسألة يثبت ملك الموصى له للموصى به بالقبول عقب الموت، وعليه: فإذا حصل نماء منفصل كثمرة للموصى به قبل ذلك القبول: فإنه يكون للورثة، والنماء المتصل للموصى به كتعلُّم صنعة يتبع الموصى به فيكون للموصى له: إذا قبله؛ للقياس؛ بيانه: كما أن سائر العقود لا يتم الملك فيها إلا بعد قبول المشتري فكذلك الحال هنا: لا يملك الموصى له الوصية إلا بعد القبول الواقع بعد الموت، والجامع: أن القبول في كل منها سبب للحكم -وهو الملك- والحكم لا يتقدَّم سببه.
(23)
مسألة: إذا قبل الموصى له الوصية ثم ردَّها: فلا يصح منه ذلك الرَّد، سواء كان قد قبضها أو لا، وسواء كانت في مكيل أو موزون أو لا، وسواء كانت في عتق أو لا، إلا أن يرضى ويأذن الورثة بذلك الرَّد فيقبلونها منه فتكون بذلك هبة من الموصى له للورثة، لها أحكام الهبة؛ للقياس؛ بيانه: كما أن سائر أملاكه لا يصح منه ردُّها إلا بهبتها لغيره فكذلك الوصية مثلها والجامع: أن كلًّا منها قد استقرّ عليها ملكه بالقبول.
(24)
مسألة: يجوز أن يرجع الموصي عن وصيته، ويغيِّرها بأي لفظ أو تصرُّف يفيد الرجوع عنها وإبطالها كأن يقول:"رجعت عنها" أو "أبطلتها" أو "رددتها"، أو يبيع ما وصى به، أو يوقفه، أو يهبه، أو يرهنه، أو يزرعه أو يخلطه بما لا يتميز منه، أو نحو ذلك، سواء كان ذلك في عتق أو لا؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إن الوصية عطية تنفذ بعد الموت فيلزم جواز رجوع الموصي عنها قبل تنفيذها، =
وصَّيتُ به لعمرو، فقدم) زيد (في حياته) أي: حياة الموصي: (فله) أي: فالوصية لزيد؛ لرجوعه عن الأول، وصرفه إلى الثاني معلَّقًا بشرط، وقد وُجد (و) إن قدم زيد (بعدها) أي: بعد حياة الموصي: فالوصية (لعمرو)؛ لأنه لما مات قبل قدومه: استقرَّت له؛ لعدم الشرط في زيد؛ لأن قدومه إنما كان بعد ملك الأول، وانقطاع حق الموصي منه
(25)
. (ويخرج) وصي، فوارث، فحاكم (الواجب كله من دين وحج وغيره) كزكاة، ونذر وكفارة (من كل ماله بعد موته وإن لم يوص به)؛ لقوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ولقول علي: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية" رواه الترمذي
(26)
(فإن قال: أدُّوا الواجب من ثلثي: بدئ به) أي: بالواجب (فإن بقي منه) أي من الثلث (شيء: أخذه صاحب التبرُّع)؛ لتعيين الموصي
الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عمر قد قال: "يُغيّر الرجل ما شاء في وصيته" والمقصد منه: التوسعة على المسلمين.
(25)
مسألة: إن قال الموصي: إن قدم زيد من سفره فله ما وصَّيت به لعمرو: فقدم زيد في حياة الموصي: فإن الوصية تكون لزيد إن قبلها، ويكون ذلك رجوعًا عن عمرو، أما إن قدم زيد بعد وفاة الموصي: فإن الوصية تكون لعمرو؛ للتلازم؛ حيث إن قدوم زيد في حياة الموصي لزم منه: أن تكون الوصية لزيد؛ لتحقق الشرط فيه وهو قدومه أشبه: ما لو قال: "رجعت عن وصيتي لفلان وأوصيتُ بها لفلان"، ويلزم من عدم قدوم زيد في حياة الموصي: وقدومه بعد موته: أن تكون الوصية لعمرو؛ لثبوت ملكية عمرو على الوصية بقبولها بعد موت الموصي؛ لأن زيدًا قد قدم بعد ملك عمرو لها، وانقطاع حق الموصي بموته.
(26)
مسألة: إذا مات الميت فيجب على الوصي، أو الوارث، أو الحاكم: أن يخرج الواجبات كقضاء الدين، والحج، والزكاة، ونذر، وكفارة من رأس ماله: سواء أوصى بذلك أو لا؛ ثم يُخرج الوصية بالثلث فمثلًا: لو كانت تركة ميت ستون =
(وإلا) يفضل شيء: (سقط) التبرُّع؛ لأنه لم يوص له بشيء، إلا أن يجيز الورثة، فيُعطى ما أوصى له به، وإن بقي من الواجب شيء: تُّم من رأس المال
(27)
.
وعليه دين قدره عشرة، أو نذر قدره عشرون، ووصّى بثلث ماله: فإنه يبدأ بالدين فيخرج من رأس ماله -وهو عشرة-، ثم يخرج النذر وهو: عشرون، فيبقى ثلاثون، فتخرج الوصية منها -وهي ثلث ما بقي فتكون عشرة، والباقي- وهو: عشرون -توزع على الورثة لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} حيث أثبت الشارع أن حق الورثة يكون بعد قضاء الدَّين وإخراج الوصية، والواجبات الأخرى مما ذكر كالدين؛ لعدم الفارق، من باب "مفهوم الموافقة" الثانية: السنة الفعلية؛ حيث قال علي: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدَّين قبل الوصية" فيقدَّم قضاء الدين وما شابهه من الواجبات قبل إخراج الوصية لذلك، وهذا مفسِّر للآية، فإن قلتَ: إذا كان الدَّين مقدَّم في القضاء على إخراج الوصية فلِمَ قُدِّمت الوصية بالذكر في الآية؟ قلت: للمصلحة: حيث إن إخراج الوصية فيه مشقة على الوارث؛ لأن هذا الأجنبي ـغير الوارث- سيشاركهم في مال مورِّثهم فيشقُّ عليهم ذلك فقُدِّمت؛ اهتمامًا بها وحثًا على إخراجها، بخلاف الدَّين فلا يشق قضاؤه على الوارث؛ نظرًا لرحمتهم للميت من العذاب، وهذا على حسب العادة.
(27)
مسألة: إذا قال شخص عليه واجبات من دين، ونذر أو نحوهما:"أدُّوا تلك الواجبات من ثلث مالي" فإنه يبدأ بذلك الثلث ويُقضى الدَّين، والنذر ونحوهما منه، فإن بقي شيء من الثلث: فإنه يأخذه صاحب التبرُّع، وهو المخاطب بذلك، وإن لم يبق شيء من الثلث: فإن التبرع له بالوصية يسقط، إلّا إذا أذن الورثة وأعطوه شيئًا زائدًا على الثلث فيجوز، أما إن بقي من الواجبات شيء لم يُقض، ولم يف الثلث بقضائه: فإنه يُقضى من رأس مال الميت وإن لم يوص به؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجوب البدائة بالواجب من دين ونحوه قبل الميراث والتبرع:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وجوب أخذ ذلك من الثلث الذي عينه، وما فضل للتبرع؛ ويلزم من عدم بقاء شيء من الثلث الذي نصَّ عليه: سقوط التبرع، لعدم الوصية به، ويلزم من بقاء شيء من الواجبات لم يف الثلث به: أن يُتمَّم ويُقضى من رأس مال الميت؛ لأن الواجب لا يتقيَّد بالثلث.
هذه آخر مسائل "تعريف الوصايا، وحكمها، ومقدارها،، ووقت قبولها وملكها، والرجوع عنها، ويليه باب "الموصى له"
باب الموصى له
(تصح) الوصية (لمن يصح تملكه) من، مسلم وكافر؛ لقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} قال محمد بن الحنفية هو وصية المسلم لليهودي والنصراني
(1)
، ................................................................
باب الموصى له
وفيه سبع عشرة مسألة:
(1)
مسألة: تصح الوصية لكل شخص يصح أن يتملَّك، ويشمل ذلك المسلم والكافر الذمي، وتصح وصية الكافر الذمي للمسلم؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} حيث دلَّت تلك الآية بعمومها على جواز بر جميع الناس: سواء كانوا مسلمين، أو كفارًا، والوصية له من البر، لأن "أوليائكم" جمع منكَّر أضيف إلى معرفة، وهو ضمير المخاطب وهذا من صيغ العموم؛ الثانية: القياس وهو من وجهين: أولهما: كما تصح الهبة للذمي، فكذلك تصح الوصية له، والجامع: أنه أريد في كل منهما بره، ثانيهما: كما تصح الوصية من المسلم للذمي فمن باب أولى أن تصح وصية الذمي للمسلم؛ لكون المسلم أحق بالمنفعة.
[فرع]: لا تصح وصية المسلم للكافر الحربي، وهو قول أبي حنيفة وكثير من العلماء؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} إلى قوله: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} حيث إنها دلَّت على جواز برِّ من لم يُقاتل المسلمين، وعدم جواز بر من قاتل وحارب المسلمين، وهذه الآية مخصِّصة؛ لعموم قوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} وجعلتها خاصة بالذمي فقط، فإن قلتَ: تصح وصية =
وتصح لمكاتبه
(2)
، ومدبَّره، وأم ولده
(3)
(ولعبده بمشاع كثلثه)؛ لأنها وصية تضمَّنت
المسلم للكافر الحربي، وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو رأي جمهور العلماء؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه؛ كما تصح الوصية للذمي فكذلك تصح للحربي، والجامع: أن كلًّا منهما تصح هديته وهبته؛ الثانية: فعل الصحابي؛ حيث إن عمر كسا أخًا له حلَّة وهو بمكة، مشرك، وأسماء وصلت أمها وهي راغبة عن الإسلام، وصفية أوصت بثلثها لأخ لها يهودي. قلتُ: أما القياس: ففاسد؛ لأنَّه قياس مع النص - وهي الآية التي ذكرناها - ثم لا نسلم صحة الهبة للحربي، وأما فعل الصحابي فيُحمل على أن هؤلاء الذين برَّوهم بعض الصحابة لم يكونوا محاربين، وعلى فرض ذلك: فإنه اجتهاد من صحابة لا يلزمنا؛ لكونه معارضاً للنص، ولا اجتهاد مع النص، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: تعارض القياس وفعل الصحابي مع النص".
(2)
مسألة: تصح الوصية لمكاتب الموصى - وهو: عبده الذي اشترى نفسه على أقساط ويُسدَّد له، فإذا أكمل سداد قيمته: عتق ذلك العبد -؛ للقياس؛ بيانه: كما تصح الوصية للأجنبي عن الموصى فكذلك تصح الوصية لعبده المكاتب له، والجامع: أن كلًّا منهما أجنبي عن الموصى في المعاملات، وأيضًا لا يملك الورثة المكاتب ولا، ماله فلو قال:"ضعوا عن مكاتبي بعض أقساطه أو بقيتها": فإنهم يفعلون ذلك من الثلث.
(3)
مسألة: تصح الوصية لأم ولد الموصى -وهي الأمة التي تلد من سيدها وهو الموصى فإنها تكون حرة بعد موت ذلك السيد - وتصح الوصية لمدبر الموصى - وهو العبد الذي يقول له سيده - الموصى -: "أنت حر بعد موتي"؛ لقواعد؛ الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من كون أم الولد حرَّة حين لزوم الوصية: صحة الوصية لها، الثانية: فعل الصحابي؛ حيث إن عمر قد أوصى لأمهات أولاده بأربعة آلاف، الثالثة: القياس؛ بيانه: كما أن أم الولد تصح الوصية لها فكذلك المدبَّر=
العتق بثلث ماله (ويعتق منه بقدره) أي بقدر، الثلث فإن كان ثلثه مائة، وقيمة العبد مائة فأقل: عتق كله؛ لأنَّه يملك من كل جزء من المال ثلثه المال ثلثه مشاعًا، ومن جملته نفسه فيملك ثلثها، فيعتق ويسري إلى بقيته (ويأخذ الفاضل) من الثلث؛ لأنَّه صار حرًا، وإن لم يخرج من الثلث: عتق منه بقدر الثلث
(4)
(و) إن أوصى (بمائة أو بمعيَّن) كدار وثوب (لا تصح) هذه الوصية (له) أي: لعبده؛ لأنَّه يصير ملكًا للورثة، فما وصَّى له به فهو لهم، فكأنه وصَّى لورثته بما يرثونه، فلا فائدة فيه
(5)
،
مثلها، والجامع: أن كلًّا منهما يصير حرًا حين لزوم الوصية - وهو - بعد موت الموصى -.
[فرع]: إذا كان ثلث مال السيد لا يكفي لإخراج وصيته وعتق المدبَّر: فإنه يُقدَّم عتقه على وصيته؛ للمصلحة: حيث إن عتقه أنفع له مما يحصل له من مال الوصية.
(4)
مسألة تصح وصية السيد لعبده أو أمته بمشاع: كثلث ماله أو ربعه. فإن كان هذا الثلث - أو الربع - موافقًا لقيمة العبد: عتق العبد كله، وإن كان أزيد من قيمته عتق كله، وأعطي العبد - الذي عتق - الزيادة، وإن كان أنقص من قيمته عتق بقدره منه فمثلًا: لو كان ثلث مال السيد يساوي مائة، وقيمة العبد مائة: فإن العبد يعتق كله ولا يُعطى شيئًا، ولو كانت قيمة العبد سبعين: عتق كله وأُعطي الثلاثين الباقية، ولو كانت قيمة العبد مائة وخمسين: فيعتق ثلثا العبد وهكذا؛ للتلازم؛ حيث إن الجزء الشائع يتناول نفسه، أو بعضها؛ نظرًا لكون العبد من جملة الثلث الشائع فيلزم صحة الوصية له بذلك، فيعتق لأنها وصية تضمّنت العتق بثلث ماله فكأنه قال:"اعتقوا عبدي من ثلثي" ويلزم من صيرورته حرًا: تملُّكه للوصية، وما بقي منها.
(5)
مسألة: إذا أوصى السيد لعبده بمائة، أو دار، أو ثوب أو فرس وعينها: فإن هذه الوصية لا تصح للعبد؛ للقياس؛ بيانه كما أن الشخص لو أوصى للورثة بما =
ولا تصح لعبد غيره
(6)
(وتصح) الوصية (بحمل) تحقق وجوده قبلها: لجريانها مجرى
يرثونه: فلا يصح؛ لعدم الفائدة، فكذلك لو أوصى لعبده بشيء معين لا يصح والجامع: أن كلًّا من ذلك سيصير ملكًا للورثة؛ إذ ما أوصى للعبد: فسيكون للورثة؛ لأن العبد موروث كغيره من الأموال، فما أوصي له به فهو تابع له، فإن قلتَ: تصح الوصية للعبد هنا وهو رواية عن أحمد، وهو قول مالك؛ للقياس؛ بيانه: كما تصح وصية السيد لعبده بمشاع كثلث أو ربع ماله - كما سبق في مسألة (4) - فكذلك تصح إذا أوصى له بمعيَّن ويفعل بذلك كما فعل في مسألة (4) قلتُ: هذا فاسد؛ لأنَّه قياس مع الفارق؛ لأن الوصية بمعين لا يتناول شيئًا من العبد، بخلاف مسألة (4)؛ حيث إن الجزء المشاع يتناول شيئًا من العبد، أو كله ومع الفرق: فلا قياس، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" وهو واضح مما سبق.
(6)
مسألة: تصح الوصية لعبد غيره، ويصح قبوله لها، ولا يحتاج إلى إذن سيد في هذا القبول، ويملكها سيده؛ للقياس؛ بيانه: كما تصح هبة الشخص لعبد غيره فكذلك تصح وصيته له والجامع: أنه في كل منهما تمليك للغير، فإن قلتَ: لَمِ صح قبوله لها؟ قلتُ: لأن العقد مضاف إليه كالهبة، فإن قلتَ: لَمِ يملكها سيده؟ قلتُ: لأن العبد وما كسبه لسيده، فإن قلتَ: لَمِ لا يحتاج إلى إذن سيده في ذلك؟ قلتُ: لأنَّه تحصيل مال بغير عوض، فلم يفتقر إلى إذنه كتحصيل المباحات، فإن قلتَ: لا تصح الوصية لعبد غيره وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ملكية تلك الوصية ستؤول إلى سيد العبد: عدم صحتها، قلتُ: هذا غير مسلَّم؛ لكون مجرَّد الوصية صحيحة، وأما كون ملكيتها للسيد لا يؤثِّر في صحة الوصية؛ إذ يعرف الموصى أن العبد لا يملك شيئًا، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازم مع القياس".
الإرث
(7)
(و) تصح أيضًا (الحمل تحقق وجوده قبلها) أي: قبل الوصية: بأن تضعه لأقل من ستة أشهر من الوصية إن كانت فراشًا، أو لأقل من أربع سنين إن لم تكن كذلك
(8)
، ولا تصح لمن تحمل به هذه المرأة
(9)
(وإذا أوصى من لا حج عليه: أن يُحج
(7)
مسألة: إذا قال الموصى: "أوصي بأن ما تحمله هذه الدابة لزيد": فإن الوصية تصح بشرط: تحقق وجود هذا الحمل قبل الوصية للقياس؛ بيانه كما أن ما تحمله تلك الدابة يورث بعد موت الموصى فكذلك يصح أن يوصى به، والجامع: أن كلًّا منهما فيه انتقال المال من إنسان بعد موته إلى آخر بغير عوض.
(8)
مسألة: إذا قال الموصى: "أوصي بأن ثلث مالي، أو ربعه، أو خمسه، لحمل فاطمة من زيد مثلًا": فإن ذلك يصح بشرط: أن يعلم وجود ذلك قبل الوصية بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر إن كانت المرأة الحامل فراشًا لزوج أو سيد يطؤها؛ أو تأتي لأقل من أربع سنين إن لم تكن فراشًا، ويُعتبر ذلك من حين الوصية، فإن أتت به لأكثر من ستة أشهر أو أكثر من أربع سنين: لم تصح الوصية؛ للقياس؛ بيانه كما أن الحمل يرث فكذلك يوصى له والجامع: أنه يملك المال بالقوة في كل.
[فرع] إن انفصل الحمل ميتًا: بطلت الوصية؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن الحمل إذا انفصل ميتًا لا يرث، فكذلك تبطل الوصية له إذا انفصل ميتًا والجامع: أن الميت لا يملك شيئًا، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من احتمال كونه حيًا واحتمال موته حين الوصية عدم ثبوت الوصية له؛ لأن الوصية لا تثبت بالشك، فإن قلتَ: لِمَ لَمْ تصح الوصية إذا أتت به لأكثر من ستة أشهر أو لأكثر من أربع سنين؟ قلتُ: لاحتمال حدوثه بعد الوصية.
(9)
مسألة: إذا قال الموصى: "أوصي لما تحمل به هذه المرأة" ولم يتحقق من وجود هذا الحمل قبل الوصية: فلا تصح تلك الوصية؛ للتلازم؛ حيث إن الوصية تمليك، وما يغلب على الظن عدمه لا يصح أن يُملَّك شيئًا فيلزم عدم صحتها.
عنه بألف صرف من ثلثه مؤنة حجة بعد أخرى حتى ينفذ) الألف: راكبًا أو راجلًا؛ لأنَّه وصى في جهة قربة، فوجب صرفها فيها، فلو لم يكف الألف، أو البقية: حج به من حيث يبلغ
(10)
، وإن قال:"حجة بألف": دفع لمن يحج به واحدة؛ عملًا بالوصية؛ حيث خرج من الثلث وإلا فبقدره، وما فضل منها: فهو لمن يحج؛ لأنَّه قصد إرفاقه
(11)
(ولا تصح) الوصية (لملك) وجني (وبهيمة وميت) كالهبة لهم؛ لعدم
(10)
مسألة: إذا أوصى شخص بأن يُحج عنه بألف دينار: فإن ذلك يُصرف من ثلث ماله، ويحج عنه عدَّة مرات حتى ينتهي ذلك الألف، وإن لم يكف الألف لحجة واحدة، أو حج عنه واحدة وبقي من الألف شيئًا لا يكفي لحجة أخرى: فإنه يحج عنه بما بقي من حيث يبلغ؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تعيين الموصى صرف ذلك في الحج، وهو قربة إلى الله تعالى: أن يُصرف ذلك فيما عيَّنه على حسب الإمكان؛ تنفيذًا لقول الموصى، وتحقيقًا لمقصده.
(11)
مسألة إذا أوصى شخص بأن يُحج عنه حجةً بألف، أو قال:"حجوا عني بألف" فإنه يُدفع لمن يحج عنه حجة واحدة فقط إذا لم يزد عن الثلث، وإلا: يكون الحج على قدر الثلث فقط أما إن فضل من الثلث: فإنه يكون للورثة، الألف أما إن فضل من شيء: فإنه يكون للشخص الذي قام بالحج عنه؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من كون الأمر المطلق يقتضي المرة الواحدة فقط: أن لا يحج له إلّا مرة واحدة؛ لأنَّه يحصل بها تنفيذ الأمر ويلزم من عدم جواز الوصية بأكثر من الثلث أن يكون الحج على قدر الثلث، والفاضل يكون للورثة بعد تنفيذ أمر الموصى، الثانية: القياس، بيانه: كما أنه لو قال: "حجوا عني حجة واحدة بألف، وما فضل منها: فهو لمن يحج": فإن باقي الألف يكون للحاج عنه، فكذلك إذا أوصى بأن يحج عنه حجة بألف، أو قال:"حجّوا عني بألف" مثل ذلك والجامع: أنه في كل منها قصد إرفاق الحاج عنه ومنفعته بذلك.
صحة تمليكهم
(12)
(فإن وصَّى لحي وميت يعلم موته فالكل للحي)؛ لأنَّه لما أوصى بذلك مع علمه بموته فكأنه قصد الوصية للحي وحده، (وإن جهل) موته (ف) ـللحي (النصف) من الموصى به، لأنَّه أضاف الوصية إليهما، ولا قرينة تدل على عدم إرادة الآخر
(13)
، ولا تصح الوصية لكنيسة وبيت نار، أو عمارتهما، ولا لكتب التوراة والإنجيل ونحوهما
(14)
، (وإن أوصى بماله لابنيه وأجنبي فردا) وصيته:(فله التسع)؛
(12)
مسألة: لا تصح الوصية لملَك، وجني، وبهيمة، وميت؛ للقياس؛ بيانه: كما لا تصح الهبة لهؤلاء فكذلك لا تصح الوصية لهم والجامع: أن كلًّا منهم لا يصح تمليكهم، ولا يقع القبول منهم.
(13)
مسألة: إذا أوصى شخص بمائة لحي وميت يعلم هذا الشخص موته: فإن الكل - وهو المائة - للحي، أما إن كان هذا الموصى جاهلًا لموت الميت: فإن الحي يستحق النصف فقط - وهو خمسون -؛ للتلازم؛ حيث يلزم من علم الموصى بأن أحدهما ميت ومع ذلك أوصى لهما معًا: استحقاق الحي كامل الموصى به - وهو المائة-، لكونه قاصدًا بالوصية الحي وحده، ويلزم من جهل الموصى بأن أحدهما ميت: استحقاق الحي نصف الموصى به - وهو خمسون -؛ لكونه قصد بالوصية الاثنين معًا لإضافة الوصية إليهما معًا، فيُعمل على ذلك ويستصحب حتى يرد دليل يدل على كونه لم يرد الآخر، ولم يدل شيء على ذلك، فنبقى على الأصل.
(14)
مسألة: لا تصح الوصية لكنيسة - وهو معبد النصارى-، ولا لبيت نار - وهو معبد المجوس-، ولا لبيع، ولا لصوامع ولا لدير، ولا لشيء فيه إعانة أو عمارة لتلك الأماكن، ولا لشراء خمر، أو خنزير، للكفار، ولا لكتب التوراة والإنجيل والزبور ولا لصحف إبراهيم أو نحو ذلك؛ لقاعدتين الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} حيث حرّم التعاون على الإثم والعدوان؛ لأن النهي هنا مطلق فيقتضي التحريم والفساد، والوصية لهذه الأمور من باب التعاون على الإثم والعدوان فيشمله عموم هذه الآية؛ لأن الإثم=
لأنَّه بالرد رجعت الوصية إلى الثلث والموصى له ابنان والأجنبي، فله ثلث الثلث وهو: تسع
(15)
، وإن أوصى لزيد، والفقراء والمساكين بثلثه: فلزيد التسع، ولا يدفع له شيء بالفقر؛ لأن العطف يقتضي المغايرة
(16)
ولو أوصى بثلثه للمساكين، وله أقارب محاويج غير وارثين لم يوص لهم فهم أحق به
(17)
.
والعدوان" اسم جنس محلى بأل، وهو من صيغ العموم وهذا هو المقصد منه؛ الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من اشتراط القرب في الوصية: عدم صحة الوصية لهذه الأشياء.
(15)
مسألة: إذا أوصى شخص بماله لابنيه وأجنبي، فرد الابنان تلك الوصية: فإن للأجنبي تسع مال الموصى؛ للتلازم؛ حيث إن الوصية لا تكون بالثلث فقط، وهو أوصى لثلاثة: ابن، وابن، وأجنبي - فيكون الثلث مقسَّم على ثلاثة: فيلزم أن يكون لذلك الأجنبي ثلث الثلث، وهو التسع: فإذا كان مال الموصى تسعون: فإن ثلث ثلثه عشرة، وتسع ماله عشرة، فيكون للأجنبي.
(16)
مسألة: إذا أوصى شخص بثلثه لزيد، وللفقراء وللمساكين: فإن زيدًا يأخذ تسع مال الموصى، وإذا كان فقيرًا فلا يأخذ من حق الفقراء شيئًا، للتلازم: حيث إن الثلث مقسَّم على ثلاثة - زيد والفقراء والمساكين - وكل واحد منهم له ثلث الثلث، وهو التسع فيلزم أن يكون لزيد تسع مال الموصى: فإذا كان مال الموصى تسعون: فإن ثلث ثلثه: عشرة، وتسع كل ماله عشرة فيكون لزيد، ويلزم من تغاير المعطوف والمعطوف عليه: عدم جواز أخذ زيد من حق الفقراء إذا كان فقيرًا مثلهم.
(17)
مسألة: إذا أوصى شخص بثلثه للمساكين فقط، فلما مات تبيَّن أن له أقارب فقراء، ومحاويج غير وارثين، وهو لم يوص لهم بشيء فإن هؤلاء الأقرباء أحق بتلك الوصية؛ للمصلحة: حيث إن الوصية لهم أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلها في القربى".
هذه آخر مسائل باب: "الموصى له" ويليه باب "الموصَى به".
باب الموصَى به
(تصح بما يعجز عن تسليمه كآبق، وطير في هواء) وحمل في بطن، ولبن في ضرع؛ لأنها تصح بالمعدوم، فهذا أولى (و) تصح (بالمعدوم كـ) ـوصية (بما يحمل حيوانه) وأمته (وشجرته أبدًا، أو مدَّة معيّنة) كسنة
(1)
ولا يلزم الوارث السقي؛ لأنَّه لم يضمن تسليمها، بخلاف بائع
(2)
(فإن) حصل شيء فهو للموصى له بمقتضى
باب الموصى به
وفيه إحدى عشرة مسألة:
(1)
مسألة: تصح الوصية بأي شيء ولو كان معدومًا حين الوصية: كأن يوصي شخص بما يحمل حيوانه أو شجرته أبدًا، أو مدَّة معيَّنة كسنة أو سنتين، وتصح الوصية بما يعجز عن تسليمه الموصى كأن يوصي بعبد آبق، أو طيرٍ في هواء، أو سمكٍ في ماء، أو حمل في بطن، أو لبن في ضرع أو نحو ذلك؛ للقياس؛ بيانه: كما يجوز ملك المعدوم والمعجوز عن تسليمه بالميراث فكذلك يجوز ملكه بالوصية والجامع: أن كلًّا منها ملك بغير عوض، فإذا قدر عليه أخذه وملكه، والموصى له يسعى في تحصيله كما يفعل في حقه من الميراث.
[فرع]: لا تصح الوصية بما تحمل به أمته؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه مفسدة التفريق بين الأم وولدها، فيمنع كالبيع، فإن قلتَ: تصح الوصية بما تحمل به أمته، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما يجوز ميراثه، فكذلك تصح الوصية به. قلتُ: إن هذا مخالف للمصلحة التي ذكرناها، فتقدَّم المصلحة عندنا فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع المصلحة" كما سبق أن بيّناه.
(2)
مسألة: إذا أوصى شخص بأن ثمر هذا النخل لفلان ومات: فلا يجب على وارث الموصى: أن يسقي هذا النخل؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من عدم ضمان الوارث=
الوصية، وإن (لم يحصل منه شيء: بطلت الوصية)؛ لأنها لم تصادف محلًا
(3)
(وتصح بما فيه نفع مباح من (كلب صيد ونحوه)، كحرث وماشية (وبزيت متنجِّس) لغير مسجد (و) للموصى (له ثلثهما) أي: ثلث الكلب، والزيت المتنجس (ولو كثر المال إن لم تجز الورثة)؛ لأن موضوع الوصية على سلامة ثلثي التركة للورثة، وليس من التركة شيء من جنس الموصى به
(4)
، وإن وصَّى بكلب، ولم يكن له كلب: لم تصح
تسليم هذا الثمر للموصى له: عدم وجوب السقي عليه، فإن قلتَ: لَمِ وجب على بائع النخل سقيه حتى يجذ المشتري الثمر الذي اشتراه؟ قلتُ: لأن البائع هنا ضمن تسليم الثمرة صالحة، ولا تصلح إلا باستمرار السقي، بخلاف ما نحن فيه.
(3)
مسألة: إذا حصل شيء من الموصى به من معدوم، أو معجوز عن تسليمه: فهو للموصى، له وإن لم يحصل شيء منه: فإن الوصية تبطل؛ للتلازم؛ حيث يلزم من مقتضى الوصية: أن يملك الموصى له كل محصول الموصى به، ويلزم من عدم حصول شيء من الموصى به: بطلان الوصية؛ لعدم وجود ما يُنتفع به؛ لعدم المصادفة لمحل الوصية كمن أوصى بثلث ماله ولم يوجد شيء عنده، ومثل الموهوب إذا عُدِم.
(4)
مسألة: تصح الوصية بكل شيء فيه نفع مباح: مثل الكلب المباح اقتناؤه وهو: كلب الصيد، والحرث، والماشية ومثل الزيت المتنجس - لغير مسجد -، ويكون للموصى له ثلث الكلب، وثلث الزيت المتنجس: سواء كان مال الموصى كثيرًا أو قليلًا، ولو أوصى بكلابه لزيد، وبثلث ماله لعمرو: فإن عمرًا يأخذ الثلث، ويأخذ زيد ثلث الكلاب، هذا إن لم تجز الورثة، أما إذا أجازت وأذنت الورثة: فهو على ما أذنوا به، ولو وصَّى بثلث ماله، ولم يوص بالكلاب: دُفع للموصى له ثلث المال، ولا تحسب الكلاب من المال؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود النفع في الكلب والزيت وإقرار اليد عليهما: صحة الوصية بهما، ويلزم من أن=
الوصية
(5)
(وتصح بمجهول كعبد وشاة)؛ لأنها إذا صحت بالمعدوم فالمجهول أولى (ويُعطى) الموصى له (ما يقع عليه الاسم)؛ لأنَّه اليقين كالإقرار، فإن اختلف الاسم بالحقيقة والعرف قُدِّم (العرفي) في اختيار الموفق، وجزم به في "الوجيز" و "التبصرة"؛ لأنَّه "المتبادر إلى الفهم، وقال الأصحاب: تُغلَّب الحقيقة؛ لأنها الأصل
(6)
(وإذا
موضوع الوصية مبني على أنه يسلم ثلثا مال الموصى للورثة من جميع الأجناس ولا يوجد في التركة شيء من جنس الموصى به -وهو الكلب والزيت-: أن لا يستحق الموصى له إلّا ثلث الكلب والزيت.
[فرع]: لا تصح الوصية بما لا يُباح اتخاذه من الكلاب التي لا تصلح لشيء، ولا بالخنزير، ولا بالسباع، ولا، بخمر ولا بميتة ونحو ذلك؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} والوصية بمثل تلك الأمور من باب التعاون على الإثم والعدوان، فيكون حرامًا وفاسدًا؛ لأن النهي هنا مطلق، فيقتضي التحريم والفساد.
(5)
مسألة: إذا وصَّى زيد بكلب لعمرو، ولم يوجد كلب عند زيد بعد وفاته: فإن الوصية لا تصح فلا يشترى من ماله كلب؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم جواز شراء الكلب؛ لكونه لا قيمة له شرعًا: عدم صحة الوصية؛ لعدم وجود محلها، بخلاف ما لو أوصى له بشاة، ولا شاة له: فإن الوصية تصح؛ حيث إنه يمكن تحصيلها بالشراء.
(6)
مسألة: تصح الوصية بشيء مجهول كقول الموصى: "أوصي لفلان بعبد، أو بشاة، أو بثوب، أو بسيارة"، ونحوها، فإن كان عند الموصى عبد، أو شاة أو ثوب، أو سيارة أعطي الموصى له ما يقع عليه الاسم العرفي للعبد، أو الشاة، أو الثوب، أو السيارة على حسب اختيار الورثة، فإن لم يكن عنده ذلك اشتُري للموصى له ما يقع عليه الاسم العرفي؛ لقواعد: الأولى: القياس؛ بيانه: كما تصح الوصية بالمعدوم فمن باب أولى أن تصح الوصية بالمجهول، والجامع: أن كلًّا منهما
أوصى بثلثه) أو نحوه (فاستحدث مالًا، ولو دية) بأن قتل عمدًا أو خطأ وأخذت ديته (دخل) ذلك (في الوصية)؛ لأنها تجب للميت بدل نفسه ونفسه له، فكذا بدلها، ويُقضى منها دينه، ومؤنة تجهيزه
(7)
(ومن أوصي له بمعين فتلف) قبل موت الموصى،
يورث، فتقع الوصية به؛ لأن كلًّا من الموصى له، والوارث ينتقل شيء من التركة إليه مجانًا، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون ما يقع عليه الاسم هو اليقين: أن يحمل على ما يقع عليه ذلك الاسم، الثالثة: العرف والعادة؛ حيث إن كل متكلّم إنما يتكلَّم بعرفه وعادته، وعرف وعادة أهل بلده، ولا يريد إلا ما يفهمه مَنْ حوله من أهل بلده كالأيمان، وذلك لكونه هو المتبادر إلى الفهم، وبناء على ذلك: إذا أوصى شخص بعبد: فلا تخرج أمة، وإذا أوصى بأمة: فلا يخرج عبد، وإذا أوصى بشاة فتخرج شاة كبيرة كما يقع عليها العرف: فلا تخرج معز وهكذا؛ لكونه في العرف كذلك، فإن قلتَ: تغلَّب الحقيقة للاستصحاب؛ حيث إن هذا هو الأصل ولذلك يحمل عليه كلام الله ورسوله، فلو أوصى بشاة: فإنه يخرج الضأن، أو المعز، ويتناول الصغيرة والكبيرة والأنثى؛ لكون اسم الشاة يتناول جميع ذلك، وهو قول جمهور الحنابلة، قلتُ: هذا بعيد؛ لأن الظاهر إرادة الموصى في وصيته ما يتبادر إلى فهم من حوله من أهل بلدته، يؤيده: أنه لو خوطب قوم بشيء لهم فيه عرف، وحملوه على عرفهم: فإنهم لا يُلامون في ذلك، وحُمِل كلام الله وكلام رسوله على الحقيقة؛ لعدم وجود عرف يُحمل عليه، وهذا العرف الذي حُمل عليه كلام الموصى هو الدليل المغير للأصل؛ لكونه أقرب إلى مقصود الموصى، كما يفعل في الأيمان ونحوها.
(7)
مسألة: إذا أوصى شخص بثلث ماله، أو ربعه أو خمسه، ثم حدث له مال جديد بعد تلك الوصية: فإن ذلك المال الجديد يدخل في الوصية، فيخرج ثلثه - أو ربعه أو خمسه على حسب الوصية - ولا فرق بين التلاد والمستفاد، سواء كان ذلك المال المستحدث بعد الوصية دية - بأن قتل الموصى عمدًا أو خطأ، وأخذت
أو بعده قبل القبول: (بطلت) الوصية؛ لزوال حق الموصى له
(8)
(وإن تلف المال
الدية - أو لم تكن دية، وكذا تقضى من ذلك ديونه، ويؤخذ منها لثمن غسله وكفنه وحمله، ودفنه؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن ما ملكه الموصى قبل الوصية يدخل في الوصية فيؤخذ ثلثه - أو ربعه أو خمسه على حسب الوصية - وتقضى ديونه منه، ويُجهز منه فكذلك المال الحادث بعد الوصية مثله والجامع: أن كلًّا منهما مال يرثه الورثة، وما يرثه الورثة يدخل في الوصية، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عليًا قد سئل عن رجل قد أوصى بثلث ماله، أو جزء مشاع، فقتل الموصى خطأ وأخذت ديته، فقال: يستحق الموصى له منها، وقتل العمد كالخطأ في ذلك، فإن قلتَ: الدية لا تدخل في الوصية، وهو رواية عن أحمد، وهو قول مالك في دية العمد؛ للتلازم؛ حيث إن الدية قد وجبت بعد موت الموصى المقتول؛ لكون سببها الموت، فلا يقع وجوبها قبله فتكون من حق الورثة: فيلزم عدم دخولها في الوصية؛ لأن الموصى حين حياته قد أوصى بجزء من ماله الذي يدركه، لا بمال ورثته. قلتُ: الدية واجبة للميت - وهو الموصى المقتول -، لكونها بدل ونفسه، ونفسه ملك له، فكذلك بدلها، فيدخل في الوصية كما تقضى منها ديونه ولا فرق إذ لو كانت ملكًا للورثة كما زعم: لما جاز قضاء ديون المقتول منها، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في الدية هل هي داخلة في مال المقتول أم لا؟ فعندنا: نعم، وعندهم: لا.
(8)
مسألة: إذا أوصى زيد لعمرو بعبدٍ معين فتلف العبد، قبل موت الموصى - وهو زيد -، أو تلف العبد بعد موت الموصي - وهو زيد - وقبل قبول عمرو للوصية: فإن الوصية تبطل، ولا شيء لعمرو في سائر مال الموصى الميت؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو تلف العبد في يد الموصى له - وهو عمرو هنا -: فلا يستحق بدله، فكذلك إذا تلف هذا المعيَّن له في حياة الموصى، أو بعد موته قبل قبوله له لا يستحق بدله، لبطلان الوصية والجامع: أنه في كل منهما قد زال حق الموصى له؛=
غيره) أي: غير المعيَّن الموصى به: (فهو للموصى له)؛ لأن حقوق الورثة لم تتعلقَّ به؛ لتعيينه للموصى له (إن خرج من ثلث المال الحاصل للورثة) وإلا: فبقدر الثلث
(9)
، والاعتبار في قيمة الوصية؛ ليعرف خروجها من الثلث وعدمه - بحالة الموت؛ لأنها حالة لزوم الوصية
(10)
، وإن كان ما عدا المعيَّن دينًا، أو غائبًا: أخذ الموصى له ثلث الموصى به، وكل ما اقتضي من الدين أو حضر من الغائب شيء: ملك من الموصى
نظرًا لذهاب حقه المعيَّن له.
(9)
مسألة: إذا أوصى زيد لعمرو بغرس معين: فتلف جميع مال الموصى إلّا هذا الغرس بعد موت الموصى: فإن الغرس يكون لعمرو - وهو الموصى له -، فيأخذه ولو لم يرض الورثة إذا كان هذا الغرس بقدر ثلث مال الموصى؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو تلف جميع مال الموصى بعد أخذه للموصى به - وهو الغرس - يكون من حقه، ولا يطالب الورثة فيه، فكذلك إذا تلف جميع المال سوى الغرس الموصى به قبل أخذ الموصى له هذا الغرس يكون من حقه: ومثل الورثة إذا اقتسموا الميراث، ثم تلف نصيب أحدهم والجامع: أن كلًّا من الورثة والموصى له له حقوقه التي لا تتعلق بحقوق الآخر، وأي الفريقين تلف حقه لم يشارك الفريق الآخر في حقه.
(10)
مسألة: إذا وقع خلاف بين الموصى له والورثة في قيمة ذلك الموصى به - وهو الغرس في مسألة (9) - وخروجها من الثلث، وعدم خروجها: فإنه يعرف ذلك بحالة الموت، فينظر كم قيمة الموصى به وقت موت الموصى فإن كان هذا المعين يساوي ثلث التركة أو دونه نُفِّذت الوصية، واستحقّه الموصى له كله، أما إن كان حين الموت زائدًا عن الثلث: فللموصى له منه قدر ثلث مال الموصى؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون لزوم الوصية في حال الموت: أن تُقيَّد معرفة كون المعيَّن ثلث مال الموصى أو عدم ذلك بوقت الموت.
به قدر ثلثه حتى يملكه كله
(11)
.
(11)
مسألة: إذا أوصى شخص بمعين كقوله: "أوصي بأن هذا الغرس لعمرو" وسائر أموال الموصى ديون عند الناس، أو غائب في تجارة ونحو ذلك: فإن الموصى له - وهو عمرو - يأخذ ثلث الموصى به أي ثلث الغرس - وكل ما قبض من الدين، أو رجع شيء من المال الغائب: فإن الموصى له يأخذ قدر ثلث الموصى به - وهو الغرس - حتى يستوفيه جميعه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من احتمال تلف المال كله: أن يأخذ ثلث الموصى به؛ لكونه ليس له إلّا ثلث الموجود، ويلزم من كون حق الموصى له مستقر في ثلث الموجود أن يُسلَّم إليه؛ لعدم الفائدة في منعه ووقفه، مثل ما لو لم يُخلِّف غير المعيَّن.
هذه آخر مسائل باب "الموصَى به" ويليه باب "الوصية بالأنصباء والأجزاء وكيفية حساب الوصايا إذا ساوى الموصى الموصَى له بأحد الورثة".
باب الوصية بالأنصباء والأجزاء
الأنصباء: جمع نصيب، والأجزاء: جمع جزء (إذا أوصى بمثل نصيب وارث معيَّن، فله مثل نصيبه مضمومًا إلى المسألة) فتصحح مسألة الورثة، وتزيد عليها مثل نصيب ذلك المعين، فهو الوصية، وكذا: لو أسقط لفظ: "مثل"(فإذا أوصى بمثل نصيب ابنه) أو بنصيبه (وله ابنان: فله) أي: للموصى له (الثلث)؛ لأن ذلك مثل ما يحصل لابنه (وإن كانوا ثلاثة فـ) للموصى (له الربع)؛ لما سبق (وإن كان معهم بنت: فله التسعان)؛ لأن المسألة من سبعة، لكل ابن سهمان، وللأنثى سهم، ويزاد عليها مثل نصيب ابن، فتصير تسعة، فالاثنان منها تسعان
(1)
(وإن وصَّى له بمثل نصيب
باب الوصية بالأنصباء والأجزاء وكيفية حساب الوصايا إذا ساوى الموصى الموصى له بأحد الورثة
وفيه خمس مسائل:
(1)
مسألة: إذا كانت الوصية منسوبة إلى جملة التركة، أو إلى نصيب أحد الورثة كزيد إذا أوصى لعمرو بمثل نصيب وارث معيَّن، أو بنصيب وارث - ولم يذكر مثل -: فإن الموصى له يُضم إلى الورثة ويأخذ كما يأخذ ذلك المعين، فمثلًا: لو قال زيد: أوصي لعمرو بمثل نصيب ابني" وكان لزيد ابنان فقط: فإن التركة تقسم على ثلاثة: ابن، وابن، والموصى له، فيأخذ الموصى له ثلثها، وإن كان لزيد ثلاثة أبناء: فإن التركة تقسم على أربعة - ابن، وابن، وابن، والموصى له - فيأخذ الموصى له ربعها، وإن كان لزيد ثلاثة أبناء وبنت: فإن التركة تقسم على تسعة: كل ابن يأخذ تسعين، والموصى له يأخذ أيضًا تسعين، وتسع واحد تأخذه البنت، وهكذا يُفعل على حسب ما يذكره الموصى؛ للتلازم؛ حيث إن زيدًا قد جعل وارثه أصلًا وقاعدة حمل عليه نصيب الموصى له وبناه عليه فيلزم أن يُعطى الموصى له مثله.
أحد ورثته، ولم يبين) ذلك الوارث:(كان له مثل ما لأقلِّهم نصيبًا)؛ لأنَّه اليقين، وما زاد مشكوك فيه (فمع ابن وبنت) له (ربع) مثل نصيب البنت (ومع زوجة وابن) له (تسع) مثل نصيب الزوجة
(2)
، وإن وصَّى بضعف نصيب ابنه: فله مثلاه، وبضعفيه: فله ثلاثة أمثاله، وبثلاثة أضعافه: فله أربعة أمثاله، وهكذا
(3)
(و) إن
(2)
مسألة: إذا وصَّى زيد لعمرو بأن يأخذ مثل نصيب أحد ورثته، ولم يبين عين ذلك الوارث - أي: لم يقل: "أوصي لعمرو بمثل نصيب ابني أو بنتي": فإن الموصى له يأخذ مثل نصيب الأقل من الورثة، فلو كان لزيد ابن وبنت: فإن الموصى له - وهو عمرو - يأخذ مثل نصيب البنت فتقسَّم التركة على أربعة الابن له النصف، والبنت لها الربع، والموصى له: يأخذ الربع، ولو كان لزيد زوجة وابن: فإن الموصى له يأخذ مثل نصيب الزوجة، وهكذا؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأقل نصيبًا من الورثة هو المتيقن وهو الأصل، وما زاد عليه مشكوك فيه، فنستصحب ذلك الأصل ونعمل، به دون النظر إلى المشكوك فيه.
(3)
مسألة: إذا أوصى زيد لعمرو بأن يكون له ضعف نصيب ابنه، أو ضعفيه: - فللموصى له - وهو عمرو - مثل نصيب ابنه مرتين، فلو كان لابنه عشرة مثلًا: فإن الموصى له يأخذ عشرين، وكذا: لو أوصى له بثلاثة أضعاف نصيب ابنه: فيكون للموصى له: ثلاثة أمثال نصيب ابنه، فلو كان لابنه عشرة مثلًا: فإن الموصى له يأخذ ثلاثين وهكذا؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} وقال: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} حيث حمل المفسرون ذلك على أنها تحمل كل عام مرتين في الآية الأولى، وعلى مضاعفة العذاب مرتين في الآية الثانية يؤيده قوله تعالى:{نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} ويستحيل أن يجعل أجرها على العمل الصالح مرتين، وعذابها على الفاحشة ثلاث مرات؛ لإرادة الله تعالى تضعيف الحسنات على السيئات، وهو معهود من كرمه، فإن قلتَ: إذا أوصى بضعفي نصيب ابنه: فللموصى له ثلاثة أمثاله، وإذا أوصى بثلاثة أضعافه:=
أوصى (بسهم من ماله: فله السدس) بمنزلة سدس مفروض، وهو قول علي، وابن مسعود؛ لأن السهم في كلام العرب: السدس، قاله إياس بن معاوية، وروى ابن مسعود: أن رجلًا أوصى لآخر بسهم من المال فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السدس
(4)
(و) إن أوصى (بشيء، أو جزء، أو حظ) أو نصيب، أو قسط:(أعطاه الوارث ما شاء) مما يُتموَّل؛ لأنَّه لا حدَّ له في اللغة، ولا في الشرع، فكان على إطلاقه
(5)
.
فللموصى له: أربعة أمثاله، وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو رأي جمهور الحنابلة؛ للاستعمال اللغوي؛ حيث إن أبا عبيدة قال: ضعف الشيء: هو ومثله، وضعفاه: هو ومثلاه، وثلاثة أضعافه: أربعة أمثاله. قلتُ: هذا الكلام المنقول عن أبي عبيدة قد خالفه فيه غيره من أهل اللغة وكذا: المفسرون للكتاب من التابعين وغيرهم قد خالفوه في ذلك وكلام هؤلاء أولى من كلام أبي عبيدة. فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: تعارض الاستعمال اللغوي في لفظ "ضعف".
(4)
مسألة: إذا أوصى زيد لعمرو بأن يُعطى سهمًا من ماله، ولم يُعيِّن هذا السهم هل الثلث، أو الربع، أو الخمس، أو السدس، أو السبع أو نحو ذلك: فإن الموصى له - وهو عمرو - يأخذ السدس بمنزلة سدس مفروض، إن لم تكمل فروض المسألة، أو كانوا، عصبة، ويُعمل بالعول إن كملت الفروض، وإن كانت بالأصل عائلة أعيل معها - أي: استعملت قسمة العول التي ستأتي قسمتها في كتاب الفرائض إن شاء الله -؛ لقواعد: الأولى: السنة الفعلية؛ حيث إن رجلًا قد أوصى لأخر بسهم من المال، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السدس الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عليًا وابن مسعود قد فعلا ذلك، الثالثة: الاستعمال اللغوي؛ حيث إن بعض أهل اللغة قد نقل: أن السهم في كلام العرب يُقصد به: السدس الرابعة: التلازم؛ حيث يلزم من كون السدس أقل سهم مفروض يرثه ذو قرابة: أن تنصرف الوصية إليه.
(5)
مسألة: إذا أوصى زيد لعمرو بشيء من ماله، أو جزء منه، أو حظ منه، أو=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نصيب، أو قسط، أو قال: أعطوا فلانًا من مالي، أو ارزقوه: فإن الورثة يُعطون الموصى له - وهو عمرو - ما شاؤوا مما يُتموَّل، وينفع؛ للاستصحاب؛ حيث إن إطلاق الموصى الوصية بلا تحديد: أن يُعطى الموصى له ما يقع عليه اسم العطاء والتمول والنفع ولو قل؛ لأن قصد الموصى بر الموصى له، ولأن الشيء أو الجزء، أو الحظ، أو النصيب، أو القسط، أو الرزق، أو العطاء أو نحوها من الألفاظ لا حدّ لها في اللغة ولا في الشرع يرجع فيه ويعلم منه، فيُعمل على الأصل، وهو الإطلاق، ويكفي في امتثال الأمر المطلِّق أن يُفعل ما يقع عليه اسم العطاء والتمول، وتبرأ الذمة بذلك.
هذه آخر مسائل باب: الوصية بالأنصباء والأجزاء، وكيفية حساب الوصايا إذا ساوى الموصى الموصى له بأحد الورثة" ويليه باب:"الموصى إليه".
باب الموصى إليه
لا بأس بالدخول في الوصية لمن قوي، ووثق من نفسه؛ لفعل الصحابة رضي الله عنهم
(1)
....................................................
باب الموصى إليه - وهو الوصي وهو المتصرف بالوصية -
وفيه أربع وعشرون مسألة:
(1)
مسألة: يستحب أن يتولَّى المسلم التصرُّف في المال الموصى به وغيره مما كان الموصى يتصرَّف فيه حال حياته، بشرط: أن يكون قويًا على القيام بذلك، وأن يثق من نفسه في ذلك، أما إن لم يكن كذلك: فيحرم عليه أن يتولاها؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وهذا عام؛ لأن "البر" و "التقوى" اسم جنس معرف بأل، وهو من صيغ العموم، فيشمل ما نحن فيه؛ حيث إن هذا فيه إعانة المسلم على تدبير شؤونه بعد الموت، الثانية: فعل الصحابي؛ حيث إن عمر قد أوصى إلى حفصة تدبير شؤون وصيته، ثم الأكابر من ولده، وأوصى أبو عبيدة عمر، وأوصى بعض الصحابة الزبير في تدبير شؤون وصاياهم، الثالثة: المصلحة؛ حيث إن ذلك فيه جلب مصلحة للموصي، ولو كان الدخول فيها محرمًا أو مكروهًا لأفضي ذلك إلى تعطيل الوصايا وتعريضها للضياع، فإن قلتَ: إن ترك الدخول فيها، وتدبير شؤونها أولى، وهو قول كثير من العلماء، ومنهم ابن قدامة لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "يا أبا ذر إنى أراك ضعيفًا، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم" فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتدخل في الإمارة، والولاية، وتدبير شؤون الوصية من الولاية الثانية: المصلحة؛ حيث إن الدخول في الوصية وتدبير شؤونها فيه خطر على الدين بسبب انشغاله بها عنه وللاحتياط للدين يكون ترك ذلك أولى. قلتُ: أما حديث أبي ذر: فقد نهاه عن ذلك؛ لعلمه أن أبا ذر فيه ضعف - كما نص عليه الحديث - وهذا مخالف للشرط الذي ذكرناه؛ إذ من كان=
(تصح وصية المسلم إلى كل مسلم، مكلَّف، عدل رشيد
(2)
ولو) امرأة
(3)
، أو
ضعيفًا لا يصلح لتدبير شؤونه، ولا شؤون غيره أما المصلحة؛ فهي مصلحة خاصة وتقدَّم عليها ما ذكرناه من مصلحة استحباب تدبير الوصية؛ لكونها عامة فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض المصلحتين "كما هو واضح.
تنبيه: قوله: "لا بأس" يدل على أن قبول الوصية مباح، وهذا بعيد، بل هو مستحب كما سبق ذكره.
(2)
مسألة: يُشترط في الشخص الذي يتولَّى التصرُّف بالوصية كما يتصرَّف فيه الموصى في حال حياته: أن يكون مسلمًا مكلَّفًا، عدلًا، رشيدًا قويًا، فلا تصح وصية مسلم إلى كافر، أو إلى صبي، أو مجنون، أو فاسق، أو سفيه، أو ضعيف، للقياس؛ بيانه: كما أن يتولى المسلم المكلف العدل الرشيد القوي أمر المسلمين في الخلافة فكذلك يصح. أن يتولَّى تدبير شؤون الوصية والجامع: الصلاحية في كل، وكما لا يصح أن يتولى الكافر، أو الصبي، أو المجنون أو الفاسق، أو السفيه، أو الضعيف أمرًا للمسلمين فكذلك لا يصح أن يتولَّى تدبير شؤون الوصية والجامع: عدم الصلاحية في كل، فإن قلتَ: لَمِ اشتُرط ذلك؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن ذلك فيه حماية لمال الموصى من الضياع.
(3)
مسألة: يصح للمرأة أن تتولَّى تدبير شؤون الوصية سواء كانت حرة من الأصل، أو كانت أم ولد؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن الرجل يصح أن يتولى الوصية فكذلك المرأة مثله والجامع: أن كلًّا منهما من أهل الشهادة. الثانية: فعل الصحابي؛ حيث إن عمر أوصى إلى حفصة، فإن قلتَ: لِمَ يصح ذلك من أم الولد؟ قلتُ: لأن أم الولد تكون حرة بعد وفاة الموصى، وهو وقت تنفيذ الوصية، فإن قلتَ: لِمَ صح هذا؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن ذلك فيه تكثير للموصى إليهم، فإن قلتَ: لا تصح الوصية إلى المرأة؛ للقياس؛ بيانه: كما أنها لا تصح أن تكون قاضية فكذلك لا تصح الوصية إليها قلتُ: هذا فاسد؛ لأنَّه قياس مع الفارق؛ لأن =
مستورًا
(4)
، أو عاجزًا، يُضمُّ إليه أمين
(5)
أو (عبدًا)؛ لأنَّه تصح استنابته في الحياة، فصح أن يوصى إليه كالحر
(6)
(ويقبل) عبد غير الموصى (بإذن سيده)؛ لأن منافعه
القضاء يشترط فيه كمال الخلقة، والاجتهاد؛ بخلاف الوصية، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" كما هو واضح.
(4)
مسألة: إذا كان الشخص لا يعلم عنه عدالة ولا فسقًا - وهو مستور الحال -: فإن الوصية إليه تصح؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل في المسلمين العدالة، فيُستصحب ذلك، ويُعمل به، حتى يرد شيء يُغيِّر الحالة فإن قلتَ: لِمَ صحَّ ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ وهي توسيع وتكثير الموصى إليهم كما سبق.
(5)
مسألة: إذا كان الشخص عاجزًا عن القيام بتدبير شؤون الوصية فتصح الوصية إليه بشرط: أن يجعل معه قويًا أمينًا؛ للتلازم؛ حيث إن كون العاجز أمينًا، وانضمام إليه آخر يتّصف بالقوة والأمانة: يلزم منه: صحة ذلك، فإن قلتَ: لِمَ صح هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ التي ذكرناها في مسألتي (3 و 4).
(6)
مسألة: إذا كان الشخص عبدًا للموصي، أو عبدًا لغيره: فإنه يصح أن يوصى إليه؛ للقياس؛ بيانه: كما تصح الوصية للحر فكذلك تصح الوصية للعبد والجامع: أن كلًّا منهما أهل للرعاية على المال، وتصح استنابته في الحياة، وهو مسلم مكلّف، عدل، رشيد، قوي، فإن قلتَ: لِمَ صح ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ التي ذكرناها في مسألتي (3 و 4)، فإن قلتَ: لا تصح الوصية إلى العبد، وهو قول الشافعي وبعض الحنفية؛ للقياس؛ بيانه كما أن العبد لا يصح أن يكون وليًا على ولده بالنسب فلا تصح الوصية إليه، والجامع: عدم التصرف في كل. قلتُ: هذا معارض بالمرأة؛ حيث إنها لا تصح أن تكون ولية على ولدها، وتصح الوصية إليها - كما سبق، فيبطل القياس بذلك، ثم إن العبد قد اجتمعت فيه شروط الموصى إليهم فلا مانع من أن يوصى إليه لا من حيث الشرع، ولا من حيث العرف، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" كما=
مستحقة له، فلا يفوتها عليه بغير إذنه
(7)
(وإذا أوصى إلى زيد و) أوصى (بعده إلى عمرو، ولم يعزل زيدًا: اشتركا) كما لو أوصى إليهما معًا
(8)
(ولا ينفرد أحدهما بتصرُّف لم يجعله موصى له)؛ لأنَّه لم يرض بنظره وحده كالوكيلين
(9)
، وإن غاب
سبق ذكره.
(7)
مسألة: إذا أوصى شخص عبد غيره فيُشترط: أن لا يقبل هذا العبد ما أوصي إليه بأن يتصرف فيه إلّا بعد أن يستأذن سيده، فإن أذن له: قبلها، وإن لم يأذن: فلا؛ للمصلحة: حيث إن جميع وقت العبد يستحقه سيده، فتُصرف جميع منافعه إلى ذلك السيد، وإذا قبل العبد تدبير شؤون وصية غير سيده بلا إذنه: لحق الضرر سيده؛ لكون هذا التدبير يحتاج إلى وقت وجهد، وهذا مُفوِّت لمصلحة السيد، فدفعًا لذلك اشترط ذلك الشرط.
(8)
مسألة: إذا أوصى بكر إلى زيد، ثم أوصى أيضًا إلى عمرو، ولم يصدر منه أي عبارة تدل على عزل زيد: فإن زيدًا وعمرًا يشتركان في تدبير شؤون الوصية؛ للقياس؛ بيانه: كما أن بكرًا لو أوصى إلى زيد وعمرو معًا في لفظ واحد قائلًا: "إني أوصي إلى زيد وعمرو بأن يفعلا كذا وكذا": فإنهما يشتركان في تدبير شؤون الوصية فكذلك الحال فيما لو أوصى إلى زيد، ثم إلى عمرو والجامع: عدم وجود أية عبارة تدلّ على عزل زيد لا من حيث التطابق ولا التضمن، ولا الالتزام، والجمع ممكن.
(9)
مسألة: إذا أوصى بكر إلى زيد وعمرو - سواء كانا معًا، أو واحدًا بعد واحد - كما سبق في مسألة (8) - فلا يصح أن ينفرد أحدهما بتصرُّف دون الآخر، بل لا بد من اجتماعهما وتدبيرهما لشؤون الوصية معًا، ولو تصرَّف أحدهما بالوصية ببيع أو صدقة: فلا ينفذ إلّا إذا جعل الموصى لأحدهما تصرفًا منفردًا فيه بنصِّه: فإنه إذا تصرَّف فيه: فإنه ينفذ ويصح؛ للقياس؛ بيانه: كما أن بكرًا لو وكَّل وكيلين - زيدًا وعمرًا -: فإنه لا ينفرد أحد الوكيلين بتصرُّف عن الآخر إلّا إذا =
أحدهما، أو مات: أقام الحاكم مقامه أمينًا
(10)
وإن جعل لأحدهما أو لكل منهما أن ينفرد بالتصرُّف: صح
(11)
، ويصح قبول الموصى إليه الوصية في حياة الموصى،
جعل الموكل - وهو بكر - لأحدهما تصرفًا خاصًا به: فإنه ينفذ ويصح، فكذلك يُقال في الوصيين والجامع: إن كلًّا من الموكِّل، والموصي لم يرض بنظر واحد من الوكيلين والوصيين.
(10)
مسألة: إذا أوصى بكر إلى زيد وعمرو، ثم مات أحد الوصيين، أو غاب غيبة طويلة: فيجب على الحاكم - وهو القاضي - أن يقيم مقام هذا الميت، أو الغائب وصيًا آخر يتَّصف بالإسلام، والتكليف والعدالة، والرشد، والقوة - كما سبق في مسألة (2) - وذلك ليتصرَّف مع الآخر؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الموصى لم يرض بنظر واحد من الوصيين: وجوب تعيين آخر معه عند موت أو غياب أحدهما؛ لتحقيق قصد الموصى، والحاكم هو المسؤول عن ذلك؛ لكون ولايته عامة لجميع المسلمين.
[فرع]: إذا مات الوصيان معًا، أو غابا، أو أحدهما مات، والآخر غاب: أو تغيّرت حالة الموصى إليه إلى جنون أو سفه، أو فسق: فيجب على الحاكم أن يقيم وصيًا قد استكمل جميع شروط الموصى إليه؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه حفظ مال الموصى من الضياع.
(11)
مسألة: إذا أوصى بكر إلى زيد وعمرو، وجعل زيدًا يتصرف بجانب من الوصية: بأن يكون من حقه أن يُنمي تلك الوصية، وقضاء دينه، وجعل عمرًا يتصرَّف بجانب آخر من الوصية: بأن يكون من حقه أن يوزِّع ريع الوصية وتفرقة ثلثه على الفقراء والمساكين ومن عيّنوا فيها: فإن ذلك كله يصح؛ للمصلحة: حيث إن الموصى - وهو بكر هنا - أعلم بمن يحقق مصالحه، ويدرأ عنه المفاسد، فلزم.
وبعد موته
(12)
وله عزل نفسه شاء متى
(13)
، وليس للموصى إليه أن يوصي إلا أن يجعل إليه
(14)
(ولا تصح وصية إلا في تصرُّف معلوم) ليعلم الوصي ما أوصي إليه
(12)
مسألة: يصح أن يقبل الموصى إليه الوصية في حياة الموصى، وبعد موته؛ للتلازم؛ حيث إن الوصية إذن في التصرُّف: فيلزم صحة قبول الموصى إليه بعد ذلك الإذن: سواء كان ذلك القبول في حياة الموصى أو بعد مماته.
(13)
مسألة: يُباح للموصى إليه: أن يعزل نفسه متى شاء: سواء كان قادرًا على تدبير الوصية أو لا، وسواء كان ذلك في حياة الموصى، أو بعد موته، في حضوره، أو غيبته، ولكن بشرط: أن يوجد حاكم عادل قوي، فإذا وُجد ذلك: فإن الموصى إليه يُبلغه بأنه عزل نفسه عن تلك الوصية، أما إن لم يوجد حاكم؛ أو وُجد ولكنه ليس بعادل: بأن كان غير قادر على الحكم بالعدل بين الناس، أو كان قد علم منه: أنه يولي على الناس الفسَّاق والمنافقين: فلا يجوز للموصى إليه أن يعزل نفسه؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه كما أن الوكيل يعزل نفسه متى شاء، فكذلك الموصى إليه والجامع: أن كلًّا منهما مُتصرِّف بالإذن، الثانية: المصلحة؛ حيث إن وجوب المحافظة على الأمانة وحق ذلك الموصى: يوجب ذلك الشرط، لأن ترك الوصية وعزل الموصى إليه نفسه بدون وجود حاكم عادل قوي: فيه تضييع لحق ومال ذلك الموصى، وهذا ظلم، وهذا لا يجوز فدفعًا لذلك: اشترط ذلك الشرط.
(14)
مسألة: إذا أوصى بكر إلى زيد بأن يتولَّى تدبير شؤون الوصية: فلا يجوز لزيد أن يوصي بذلك إلى عمرو، إلا أن يأذن له بكر بأن يقول:"أوصيت إليك بتدبيرها، وأذنت لك أن توصي إلى من شئت" أو يقول: "من أوصيت إليه فله الحق بأن يوصي" للقياس؛ بيانه: كما أن بكرًا لو وكَّل زيدًا فلا يجوز لزيد أن يوكِّل غيره إلا إذا أذن الموكل - وهو بكر - له فيجوز، فكذلك الموصى إليه مثل الوكيل، والجامع: أن كلًّا من الموكِّل والموصي عالم بما تقتضيه المصلحة، وأن الوكيل =
به؛ ليحفظه، ويتصرَّف فيه (يملكه الموصى كقضاء دينه، وتفرقة ثلثه، والنظر لصغاره)؛ لأن الوصي يتصرف بالإذن، فلم يجز إلّا فيما يملكه الموصى كالوكالة
(15)
(ولا تصح) الوصية (بما لا يملكه الموصى كوصية المرأة بالنظر في حق أولادها الأصاغر ونحو ذلك) كوصية الرجل بالنظر على بالغ رشيد، فلا تصح؛ لعدم ولاية الموصى حال الحياة
(16)
، (ومن أوصي) إليه (في شيء: لم يصر وصيًا
والموصى إليه مأذون لهما في الإذن في التصرُّف.
(15)
مسألة: يشترط في الوصية: أن يُعلم الوصي - وهو الموصى إليه - صفة التصرُّف الذي أوصى إليه به يملك الموصى ذلك التصرُّف: كأن يوصيه بقضاء دينه، أو طلبه من الآخرين، أو يوصيه بتفرقة ثلثه على الفقراء والمساكين، أو يوصيه بالنظر لصغاره وتربيتهم، أو يوصيه بأن يقوم برد الغصوب، والعارية ونحو ذلك؛ للقياس؛ بيانه: كما يُشترط في الوكالة: أن يعلم الوكيل صفة الشيء والتصرُّف الذي وكل فيه، وملك الموكل ذلك التصرُّف فكذلك في الوصية يُشترط ذلك كما سبق، والجامع: أن كلًّا من الوكيل والوصي - وهو الموصى إليه - يتصرَّف بسبب الإذن له بالتصرُّف، فلا بدَّ من العلم بما هو مأذون له فيه، ولا بدَّ أن يملك التصرُّف الموكِّل والموصي؛ ليُملِّكه غيره، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حفظ حق الموصى، والاحتياط للموصى إليه.
(16)
مسألة: إذا أوصى زيد إلى عمرو بما لا يملك التصرُّف فيه في حال الحياة: فلا تصح الوصية: مثل أن توصي المرأة عمرًا بأن ينظر في تصريف أولادها الصغار، أو أن يوصي الرجل عمرًا بأن ينظر في تصريف ابن له بالغ رشيد: فكل ذلك لا يصح؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم ولاية الموصى حال الحياة عليهم: عدم صحة الوصية بهم بعد الممات؛ لأن المرأة لا تلي مال غيرها، ولا ولاية لها على أولادها، فلا تصح وصيتها في حقهم، ولأن الرجل ليس له ولاية على أبنائه المكلفين الراشدين، فلا تصح وصيته في حقهم.
في غيره)؛ لأنَّه استفاد التصرُّف بالإذن، فكان مقصورًا على ما أذن فيه كالوكيل
(17)
، ومن أوصي بقضاء دين معيَّن، فأبى الورثة، أو جحدوا، أو تعذَّر إثباته: قضاه باطنًا بغير علمهم وكذا: إن أوصي إليه بتفريق ثلثه، وأبوا، أو جحدوا: أخرجه مما في يده باطنًا
(18)
، وتصح وصية كافر إلى مسلم إن لم تكن تركته نحو خمر
(19)
(17)
مسألة: إذا أوصى زيد إلى عمرو في التصرف في شيء معين بأن قال زيد: "وصيت عمرًا بأن يفرق وصيتي أو ثلثي على الفقراء والمساكين فلا يصح أن يقوم الوصي - وهو الموصى إليه وهو عمرو - بشيء آخر غير ذلك التفريق فلا يصح منه: أن يقضي ديون الموصى -وهو زيد-، ولا يصح منه: أن يرعى أولاده الصغار، ولا غير ذلك؛ للقياس؛ بيانه: كما أن زيدًا لو وكَّل عمرًا في بيع شيء فلا يصح منه غير البيع، فلا يشتري ولا يقضي ديون ولا نحو ذلك فكذلك الموصى إليه مثل الوكيل، والجامع: أن كلًّا من الوكيل والوصي قد استفادا التصرُّف بالإذن من الموكل والموصي بشيء معين فكانا مقصورين على ما أذن لهما فيه فقط.
(18)
مسألة: إذا أوصى زيد إلى عمرو بأن يقضي دينه المعيَّن أو يُفرق ثلثه، وأبى الورثة هذا القضاء، وهذا التفريق، أو جحد الورثة ما في أيديهم: فإن الوصي - وهو عمرو هنا - يقضي دين الموصى - وهو هنا زيد - من جميع المال الذي تحت يده باطنًا، ويفرق ويُعطي الموصى لهم ثلث المال الذي معه إن جحد الورثة مال الموصى: سواء رضي الورثة أو لا؛ للتلازم؛ حيث إن قضاء الدَّين، أو إنفاذ الوصية من ثلث ماله مقدم على حق الورثة: فيلزم الوصي إنفاذ ذلك، ولا تبعة عليه، ولا اعتبار لرضى الورثة أو سخطهم.
(19)
مسألة: تصح وصية كافر إلى مسلم بشرط: أن لا تكون الوصية بنحو خمر، أو خنزير ونحو ذلك من المنكرات؛ للتلازم؛ حيث يلزم من قبول شهادة المسلم على الكافر وعلى غيره: صحة وصية الكافر إلى المسلم، ويلزم من عدم جواز تولي=
وإلى عدل في دينه
(20)
(وإن ظهر على الميت دين يستغرق تركته بعد تفرقة الوصي) الثلث الموصى إليه بتفرقته: (لم يضمن) الوصي لرب الدين شيئًا؛ لأنَّه معذور بعدم علمه بالدين، وكذا: إن جهل موصى له فتصدَّق به هو، أو حاكم، ثم علم
(21)
(وإن قال: ضع ثلثي حيث شئت) أو أعطه لمن شئت، أو تصدَّق به على من شئت:(لم يحل) للوصي أخذه (له): لأنَّه تمليك ملكه بلا إذن، فلا يكون قابلاً له كالوكيل (ولا) دفعه (لولده) ولا سائر ورثته؛ لأنَّه متهم في حقهم: أغنياء كانوا أو فقراء
(22)
، وإن
المسلم المنكرات كالخمر: اشتراط ذلك الشرط.
(20)
مسألة: تصح وصية الكافر إلى كافر مثله بشرط: أن يكون الموصى إليه عدلًا في دينه، وإن لم يكن عدلًا: فلا تصح الوصية إليه؛ للقياس؛ بيانه: كما تصح وصية المسلم إلى المسلم، العدل ولا تصح إلى الفاسق فكذلك تصح وصية الكافر إلى كافر العدل، ولا تصح إلى فاسق من الكفار؛ لأن المقصود هو المحافظة على حق الموصى في كل من المسلم والكافر، والعدالة في الموصى إليه تحقق ذلك فيهما.
(21)
مسألة: إذا فرَّق الموصى إليه الثلث الموصى به أو تصدق به، أو الحاكم فعل ذلك، ثم ظهر أن على الموصى -وهو الميت- دينًا يستغرق كل تركته، وعلما بذلك: فإن الموصى إليه، والحاكم لا يضمنا لرب الدين شيئًا؛ للتلازم؛ حيث إن كلًّا من الموصى إليه - وهو الوصي - والحاكم يُعذران بعدم علمهما بالدِّين هذا، وفعلا ما لهما فعله من تفريق الثلث على الموصى لهم، أو التصدُّق فيلزم: عدم ضمانهما: فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إنه لو ضمن الوصي ذلك: لأدَّى إلى عدم قبول أحد الوصية وتدبير شؤونها، وتعطَّلت الوصايا.
(22)
مسألة: إذا تلفظ زيد الموصى بلفظ الإباحة قائلًا للوصي وهو عمرو - وهو الموصى إليه -: "ضع ثلثي حيث شئت" أو قال: "أعطه لمن شئت" أو "تصدَّق به على من شئت": فلا يجوز للوصي - وهو عمرو ـ أن يأخذ الثلث له، أو بعضه، ولا أن يدفعه أو بعضه إلى أحد أولاده، أو سائر ورثته؛ سواء كانوا فقراء أو
دعت الحاجة إلى بيع بعض العقار؛ لقضاء دين، أو حاجة صغار، وفي بيع بعضه ضرر: فله البيع على الصغار والكبار إن امتنعوا أو غابوا
(23)
(ومن مات بمكان لا
أغنياء؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن الوكيل إذا وُكِّل بأن يصرف هذه الدنانير ويتصدَّق على من يشاء: فلا يجوز له أن يصرفها على نفسه، ولا على أحد من ورثته، فكذلك الوصي - وهو الموصى إليه - مثله، والجامع: وجود الاتهام في ذلك. الثانية: المصلحة؛ حيث إن فتح هذا الباب، يجعل كل وصي يأخذ من ثلث الموصى أو يُعطي ولده أو نحو ذلك، ويُسوِّغ ذلك بالحاجة ونحوها؛ حيث إن كثيرًا من الناس يسرقون أموال الآخرين بعذر الحاجة، وهم ليسوا كذلك، فسدًا لذلك كان هذا المذهب في هذه المسألة هو الصحيح، وهو الصالح لهذا الزمان وغيره من الأزمنة؛ لأن كل أحد يتعلل بالحاجة حيث لا حد لها ولا ضابط فيستغل كثير من الفساق ذلك.
(23)
مسألة: إذا دعت الحاجة إلى أن يقوم الوصي - وهو الموصى إليه - ببيع بعض عقار الموصى أو عقاره كله؛ لقضاء دينه - أي: دين الموصى-، أو بيع ذلك نظرًا لحاجة صغاره - أي: صغار الموصى من ورثته: فيجوز له أن يبيع ذلك: سواء أذن الكبار من ورثة الموصى ممّن يشاركون الصغار في الميراث أو لم يأذنوا بشرط أن يوجد ضرر عليهم إذا بيع بعضه؛ للقياس؛ بيانه: كما يجوز للموصي - وهو الأب - أن يفعل ذلك فكذلك يجوز للموصى إليه - وهو الوصي - فعل ذلك والجامع: دفع المفسدة في كل، وهو المقصد منه، فإن قلتَ: لا يجوز بيع حق الكبار من الورثة وهو قول أكثر الشافعية وبعض الحنابلة؛ للقياس؛ بيانه كما أنه لو كان شريك الصغار غير وارث فلا يجوز بيع ملكه ليزداد ثمن ملك غيره، فكذلك إذا شارك الصغار الكبار في الميراث فلا يجوز بيع ملك الكبار والجامع: أن كلًّا منهما ملك حقه ملكًا مستقلًا عن الآخر. قلتُ: هذا صحيح إذا لم توجد ضرورة وحاجة ولكن نتكلم هنا عن البيع للضرورة والحاجة؛ لأن ما يملكه الصغار من =
حاكم به ولا وصي: جاز لبعض من حضره من المسلمين تولِّي تركته، وعمل الأصلح حينئذٍ فيها من بيع وغيره)؛ لأنَّه موضع ضرورة، ويُكفِّنه منها، فإن لم تكن فمن عنده، ويرجع عليها، أو على من تلزمه نفقته إن نواه؛ لدعاء الحاجة لذلك
(24)
.
العقار استنقص قيمته بسبب التشقيص، وهذا ضرر عظيم، فالكبير إما أن يشتري شقص الصغير بقيمة سعر السوق، أو يُباع الملك كله بقيمة سعر السوق، ويأخذ كل نصيبه، وضرر هذا أقل من ضرر ما لو بيع شقص الصغار بمفرده، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" كما سبق بيانه، وأيضًا:"تعارض المفسدين والضررين" كما سبق.
(24)
مسألة: إذا مات شخص في مكان لا يوجد فيه حاكم، ولا وصي: فإنه يجوز لبعض من حضره من المسلمين أن يضع نفسه وصيًا عليه، فيعمل الأصلح في تركته: كأن يبيع ما يصلح له البيع؛ نظرًا لسرعة الفساد إليه، وحفظ ما يصلح له الحفظ، وأن يجهزه - من كفن أو حمل ودفن - من تلك التركة، وإن مات ولا تركة له: فإنه يجهزه من عنده ويأخذ ما دفعه في ذلك من تركته إذا رجع إلى بلده أو يأخذه ممن تلزمه نفقة ذلك الميت إذا نوى الرجوع في ذلك: سواء استأذن حاكمًا، أو لا، وسواء أشهد على نيّته تلك أو لا؛ للمصلحة: حيث إن ذلك تقتضيه مصلحة حفظ مال المسلم؛ إذ في تركه إتلاف لماله وفساد، والله لا يحب الفساد، ووجب تجهيزه وإن لم تكن له تركة؛ لكونه من فروض الكفايات التي هي من حق المسلم حيًا وميتًا؛ لإكرامه كما سبق.
هذه آخر مسائل باب "الموصى إليه -وهو الوصي" وهو آخر أبواب كتاب "الوصايا" ويليه كتاب "الفرائض".
كتاب الفرائض
جمع فريضة، بمعنى مفروضة، أي: مقدَّرة، فهي: نصيب مقدَّر شرعًا لمستحقه، وقد حثّ صلى الله عليه وسلم على تعلُّمه، وتعليمه فقال:"تعلَّموا الفرائض، وعلِّموها الناس، فإني امرئ مقبوض، وإن العلم سيُقبض، وتظهر الفتن، حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما" رواه أحمد والترمذي، والحاكم ولفظه له (وهي) أي: الفرائض: (العلم بقسمة المواريث) جمع ميراث، وهو: المال المخلَّف عن ميت ويقال له أيضًا: "التراث"، ويُسمَّى العارف بهذا العلم:"فارضًا" و"فرِّيضًا" و "فرضيًا" و "فرائضيًا" وقد منعه بعضهم، وردُّه غيره
(1)
(أسباب الإرث) وهو: انتقال
كتاب الفرائض
* تعريفها، وأسباب الإرث، وأصناف الورثة، وبيان أهل الفرائض، وأحوال كل وارث في الميراث، وبيان الحجب وموانع الإرث
وفيه أربع وخمسون مسألة:
(1)
مسألة: المراد من الفرائض: هو العلم بكيفية تقسيم الميراث، وهو: المال الذي خلَّفه الميت، ويُسمَّى هذا المال شرعًا:"التركة"، و "الإرث" لغة: البقاء ومنه اسم الله تعالى: "الوارث" ويطلق على انتقال شيء من قوم إلى آخرين و "الفرائض": جمع فريضة، وهي لغة: المقدَّرة، ومنه قوله تعالى:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أي: قدرتم و"الفريضة" اصطلاحاً: "نصيب مقدَّر شرعًا يؤخذ من تركة الميت ويستحقه وارثه فيعطى إياه بدون عوض" وسيأتي بيان أركان وشروط، وتقييدات لذلك، فإن قلتَ: لِمَ جعل كتاب الفرائض بعد كتاب الوصايا؟ قلتُ: لأن كلًّا من الفروض والإرث والموصى به لا يستحقه الوارث، أو الموصى له إلّا بعد موت ذلك الوارث والموصي، ولأن كلًّا من الوارث والموصى له يأخذان ذلك المال بدون عِوَض ولهذا ناسب ذكر الفرائض بعد الوصايا.=
مال الميت إلى حي بعده: ثلاثة: أحدها: (رحم): أي: قرابة: قربت أو بعدت قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (و) الثاني (نكاح) وهو: عقد الزوجية الصحيح، قال تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} الآية (و) الثالث (ولاء)
[فرع]: تعلُّم الفرائض وتعليمه فرض كفاية - إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين -: للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "تعلَّموا الفرائض، وعلِّموها الناس" وقال أيضًا: "تعلَّموا الفرائض؛ فإنها من دينكم" حيث أوجب الشارع تعلُّم الفرائض، وتعليمها للناس؛ لأن الأمر هنا، مطلق وهو يقتضي الوجوب، وقد كان تعلُّمها وتعليمها من فروض الكفايات لا من فروض الأعيان؛ للمصلحة: حيث إنها لو كان تعلمها وتعليمها فرض عين على كل أحد: للحق المسلمين مشقة في ذلك؛ إذ قد لا يقدر كل أحد على تعلمها وتعليمها إما لغباوته، أو لانشغاله بكسب رزقه - وقد ذكرت ذلك في "المهذَّب" و "الإتحاف" - فإن قلتَ: لِمَ كان ذلك واجبًا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن علم الفرائض دقيق، سريع النسيان فوجب تعلُّمه وتعليمه، ومواصلة ذلك؛ لتحقيق العدالة في إعطاء كل ذي حق حقه وهو من باب حماية أملاك الآخرين، وإيصال الحقوق لأهلها وهو ثالث العلوم التي حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على تعلمها؛ حيث قال: وهو "العلم ثلاثة - وما سوى ذلك فضل -: أية محكمة، وسنة قائمة، وفريضة عادلة"، وهو نصف العلم؛ حيث ورد عنه عليه السلام أنه قال:"إنها نصف العلم" وذلك لأن الإنسان له حالتان: حالة حياة، وحالة موت، والفرائض فيها معظم الأحكام المتعلقة بالموت، أو لأن الملك نوعان: ما يملك ردّه وقبوله كالشراء ونحوه، وما لا يملك رده، وهو الإرث، وقد صُنِّف في علم الفرائض مصنفات كثيرة قديمًا وحديثًا، فائدة: العالم بعلم الفرائض يُسمَّى: "فارضًا" أو "فرِّيضًا" أو "فَرَضيًا" أو "فرَّاضًا" أو "فرائضيًا" وقد اعترُض على الاسم الأخير؛ لذكر الهمزة فيه، ولكن هذا غير مؤثِّر.
عتق؛ لحديث: "الولاء لحمة كلحمة النسب" رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وصححه
(2)
، والمجمع على توريثهم من الذكور: عشرة: الابن، وابنه وإن نزل،
(2)
مسألة: أسباب الإرث - وهي: التي ينتقل مال الميت إلى شخص آخر حي بسببها - المتفق عليها ثلاثة: السبب الأول: الرحم أو القرابة، أو النسب: سواء كانت هذه القرابة قريبة أو بعيدة، وهي تشمل الأصول وهم الأب والجد، وإن علوا، والفروع وهم الأولاد وإن نزلوا، والحواشي وهم الإخوة والأعمام وإن علوا، وبنوهم وإن نزلوا، وذوي الأرحام كالأخوال والخالات،؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} حيث دلَّت على أن القرابة يتوارثون؛ لأن هذا هو اللازم من "الأرحام" الثانية: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على أن الأقرباء يتوارثون بشروط وتقييدات سيأتي بيانها إن شاء الله؛ السبب الثاني: النكاح، أو الزوجية، وهي: علاقة بين الرجل والمرأة نشأت نتيجة عقد زواج صحيح قائم بينهما حقيقة وقت وفاة أحدهما، أو حكمًا - كما في المعتدَّة من طلاق رجعي، أو من طلاق بائن إذا قصد الزوج من طلاقه لزوجته الفرار من إرث زوجته، والزوجية والنكاح يوجب التوارث سواء دخل بها أو لا، حصل وطء أو لا، حصلت خلوة أولا، لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} حيث صرَّحت الآية بالتوارث بين الزوجين؛ لأن هذا هو اللازم من اللام في قوله: {وَلَكُمْ} وقوله: {لَهُنَّ} الثانية: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على أن الزوجين يتوارثان بشروط وتقييدات سيأتي بيانها إن شاء الله، السبب الثالث: الولاء، الذي هو ولاء عتق؛ وهي: قرابة حكمية أنشأها الشارع بين المعتق والمعتق بسبب العتق، أي أن المعتق وعصبته يرثون=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المعتَق وفروعه بسبب إنعام المعتق على العتيق والعتيق لا يرث الذي أعتقه؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "الولاء لحمة كلحمة النسب" وقال: "إنما الولاء لمن أعتق" حيث يلزم من ذلك: أن السَّيد الذي أعتق ذلك الرقيق يرثه، ويرث فروعه؛ لأنَّه شبه الولاء بالنسب، والنسب يورث به، فيكون الولاء يورث به، الثانية: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على ذلك فإن قلتَ: لِمَ كانت تلك الأمور الثلاثة أسبابًا للإرث؟ قلتُ للمصلحة؛ حيث إن الشارع قد شرّع التوارث بين الأقرباء، ليتحقَّق التراحم بينهم، ودعاء بعضهم لبعض، وإغناء القريب قريبه بعد وفاته؛ لئلا يحتاج إلى ما بأيدي الناس - أعطوه أو منعوه - وفي ذلك إكرام للميت - المورِّث - من أن تتكفَّف عائلته أو خاصيته الناس فيمنون عليهم، وقد شرّع التوارث بين الزوجين: لأن الزوج قد قام بتوفير سبل العيش الكريم لها، فكان من العدالة والإنصاف أن يكون لهذا الزوج نصيب في مال زوجته إذا توفيت قبله كما تحمَّل أعبائها المالية حال، حياتها، ولأن الزوجة قد صبرت على انشغاله عنها في جمع هذه الأموال فإذا مات: فإن المصيبة تكون عظيمة، ففي توريثها من ماله فيه نوع اعتراف بجهودها وصبرها، وتخفيف بعض المصيبة عليها؛ لأنَّه ستعيش من هذا المال؛ وهذا إكرام لها، وقد شرع للمعتِق وعصبته أن يرثون ذلك العتيق اعترافًا من الشارع بالنعمة التي فعلها ذلك السيد لمولاه بهذا الإعتاق، وهذا فيه مقابلة الإحسان بمثله، فكما أن الولد ينسب إلى أبيه بالنسب، وإلى عائلته بالتبعية، فكذلك العتيق ينسب إلى معتقه بالولاء، وإلى عصبته الذكور بالتبع.
[فرع]: هناك سببان للإرث قد اختلف فيهما: أولهما: ولاء الموالاة، أو الحلف، وصورته أن يقول شخص لآخر:"أنت مولاي ترثني وأرثك وتعقل عني وأعقل عنك-، سلمي سلمك، وحربي حربك" ويقبل الآخر ذلك، وهذا =
والأب وأبوه وإن علا، والأخ مطلقًا، وابن الأخ لا من الأم، والعم لغير أم، وابنه، والزوج، وذو الولاء ومن الإناث: سبع البنت، وبنت الابن وإن نزل، والأم، والجدة، والأخت، والزوجة والمتعتِقة (والورثة) ثلاثة (ذو فرض، وعصبة و) ذو (رحم) ويأتي بيانهم
(3)
وإذا اجتمع جميع الذكور: ورث منهم ثلاثة: الابن،
كان معمولًا به في الجاهلية، وصدر الإسلام، وهذا لا يُعتبر سببًا من أسباب الإرث عند الجمهور، لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} الثانية: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" فلزم من هذين النصين عدم اعتبار هذا سببًا من أسباب الإرث؛ لنصه على أن الأقرباء هم الذي يتوارثون وأنَّه أعطى كل ذي حق حقه، بالإضافة على أن كثيرًا من الصحابة قالوا: إن الآية قد نسخت الإرث بالولاء أو الحلف، ثانيهما: جهة الإسلام، ويقصد به: أن من مات من المسلمين ولا قرابة له، ولا زواج، ولا ولاء: فإن ماله يوضع في بيت مال المسلمين، ويصرف في مصالح المسلمين العامة، ولا توضع على سبيل الميراث، ولا يُعتبر هذا سببًا من أسباب الميراث، للمصلحة: حيث إن ذلك أصلح للميت، وأكثر أجرًا من أن يوضع في بيت مال المسلمين ويُنتظر حتى يظهر وارث وإن كان بعيدًا.
(3)
مسألة: المجمع على توريثهم من الذكور عشرة هم: 1 - الإبن. 2 - ابن الابن وإن نزل بدرجة أو درجات من أبناء الأبناء. 3 - الأب. 4 - الجد - أب الأب وإن علا من آباء الآباء، 5 - الأخ ويشمل: الأخ الشقيق، والأخ لأب، والأخ لأم - 6 - ابن الأخ - ويشمل ابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأب، دون ابن الأخ لأم فهو من ذوي الأرحام. 7 - العم - لغير أم ويشمل: العم الشقيق، والعم لأب وإن عليا. 8 - ابن العم ويشمل: ابن العم الشقيق، وابن العم لأب وإن نزل من الذكور. 9 - الزوج، 10 - ذو الولاء، وهو المعتق وهو مولى النعمة وبعده
والأب، .....................................
عصبته من الذكور، وهؤلاء عشرة بالاختصار، وخمسة عشر بالتفصيل والبسط، أما المجمع على توريثهن من النساء فهي سبع 1 - البنت 2 - بنت الابن، وإن نزل أبوها - أي: بنت ابن الابن وهكذا - 3 - الأم. 4 - الجدة، وتشمل الجدة من قبل الأم، والجدة من قبل الأب - 5 - الأخت - وتشمل: الأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخت لأم - 6 - الزوجة. 7 - المعتقة، وهي مولاة النعمة، وتلك سبع بالاختصار، وهي عشر بالتفصيل والبسط؛ لقواعد؛ الأولى: الكتاب؛ وهو من وجوه: أولها: قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} حيث لزم من ذلك توريث الابن والبنت، وابن الابن وبنت الابن، ثانيها: قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} حيث لزم من ذلك توريث الأم، والأب، والجد، ثالثها: قوله تعالى: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} حيث لزم من ذلك توريث الأخ والأخت الشقيقين، أو لأب، رابعها: قوله تعالى: {أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} حيث لزم من ذلك توريث الأخ والأخت من الأم، خامسها: قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} وقوله: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} حيث يلزم توريث الزوج والزوجة إذا مات أحدهما قبل الآخر، الثانية: السنة القولية: وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" حيث لزم من ذلك توريث العم الشقيق، ولأب، وابن العم الشقيق، وابن العم لأب، ولا يدخل فيهم ولد الأم، ولا العم لأم، ولا الخال ولا أبو الأم؛ لكونهم ليسوا من العصبات، وثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق" وقوله: "الولاء لحمة كلحمة النسب" يلزم منه توريث المعتِق والمعيقة للعتيق وللعتيقة، الثالثة: السنة الفعلية؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم قد أعطى الجدة السدس، فإن قلتَ: لِمَ كان هؤلاء هم الوارثون؟ قلتُ: لكونهم أقرب الخلق إلى الميت من حيث
والزوج
(4)
وجميع النساء: ورث منهن خمس: البنت، وبنت الابن، والأم، والزوجة، والشقيقة
(5)
، وممكن الجمع من الصنفين: ورث الأبوان والولدان، وأحد الزوجين
(6)
(فذو الفروض عشرة، الزوجان، والأبوان، والجد، والجدة، والبنات)
النسب، ولأن أكثرهم مسؤول عنه فيما لو جنى بجناية.
[فائدة]: الحاصل مما سبق أن الورثة ثلاثة أصناف فقط: 1 - ذو فرض، وهو النصيب المقدَّر شرعًا، لا يزيد إلّا بالرد، ولا ينقص إلّا بالعول، وسيأتي بيان ذلك بالتفصيل. 2 - عصبة، وهم الذين يرثون بلا تقدير إذا بقي شيء بعد تقسيم الفروض، وسيأتي بيانهم. 3 - ذو رحم، يرثون عند عدم العصبات.
(4)
مسألة: إذا اجتمع جميع الذكور الوارثين بدون إناث: فلا يرث منهم إلا ثلاثة، وهم: 1 - الابن. 2 - الأب. 3 - الزوج، وتقسَّم التركة من اثني عشر: - يأخذ الزوج ربع التركة - وهو: ثلاثة - ويأخذ الأب سدسها وهو: اثنان - ويأخذ الابن باقيها - وهو سبعة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون هؤلاء الثلاثة يتَّصلون بالميت بأنفسهم اتصالًا مباشرًا - أي: بدون واسطة -: أنهم لا يسقطون بحال، ويُسقطون غيرهم من الذكور الآخرين.
(5)
مسألة: إذا اجتمع جميع النساء الوارثات، بدون ذكور: فلا يرث منهن إلا خمس وهن: 1 - البنت. 2 - بنت الابن. 3 - الأم. 4 - الزوجة. 5 - الأخت الشقيقة، وتقسَّم التركة، من أربعة وعشرين تأخذ البنت نصف التركة - وهو اثنا عشر - وتأخذ بنت الابن سدسها - وهو: أربعة، وهو تكملة ثلثي التركة - وتأخذ الأم سدسها - وهو: أربعة - وتأخذ الزوجة ثمنها - وهو ثلاثة - وتأخذ الأخت الشقيقة باقيها - وهو واحد -؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون تلك الخمس يتصلن بالميت بأنفسهن مباشرة. أنهن لا يسقطن بحال، ويُسقطن غيرهن ممن اجتمع معهن من النساء الأخريات، فكن من الوارثات.
(6)
مسألة: إذا اجتمع جميع الذكور الوارثين وجميع النساء الوارثات: فلا يرث إلا=
الواحدة فأكثر (وبنات الابن) كذلك (والأخوات من كل جهة) كذلك (والأخوة من الأم كذلك ذكورًا كانوا أو إناثًا
(7)
(فللزوج النصف) مع عدم الولد، وولد الابن
خمسة. 1 - الأب، 2 الأم، 3 الابن، 4 - البنت، 5 - الزوج، أو الزوجة، وتُقسَّم التركة إذا كانت الميتة الزوجة من ست وثلاثين: يأخذ الأب سدس التركة، وهو: ستة، وتأخذ الأم سدسها أيضًا - وهو ستة - ويأخذ الزوج ربعها - وهو تسعة، ويأخذ الابن والبنت: باقيها - وهو: خمسة عشر - للذكر مثل حظ الأنثيين: فيأخذ الابن عشرة، وتأخذ البنت خمسة، وتقسَّم التركة إذا كان الميت هو الزوج من اثنين وسبعين: يأخذ الأب سدس التركة - وهو اثنا عشر - وتأخذ الأم سدسها أيضًا - وهو اثنا عشر - وهذا هو ثلث التركة، وتأخذ الزوجة ثمنها - وهو تسعة -، ويأخذ الابن والبنت باقيها - وهو تسعة وثلاثون - للذكر مثل حظ الأنثيين، فيأخذ الابن ستة وعشرين، وتأخذ البنت ثلاثة عشر؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون هؤلاء الخمسة أكثر ارتباطاً ولصوقاً بالميت: أنهم لا يسقطون بحال، ويسقطون غيرهم: فكانوا هم الوارثون.
(7)
مسألة: الذين يرثون بالفرض - وهو: نصيب مقدَّر شرعًا لا يزيد إلّا بالرَّد، ولا ينقص إلا بالعول - من الذكور والنساء عشرة وهم: 1 - الزوج. 2 - الزوجة. 3 - الأب. 4 - الأم. سواء كان الأب مجتمعًا مع الأم، أو كل واحد منهما بمفرده. 5 - الجدُّ لأب. - 6 الجدة لأب. وكذلك الجدة لأم. 7 - البنت فأكثر يُفرض للواحدة النصف وللاثنتين فأكثر الثلثان بشروط ستأتي إن شاء الله. 8 - بنت الابن فأكثر يُفرض للواحدة النصف وللاثنتين فأكثر الثلثان بشروط سيأتي بيانها - 9 الأخت الشقيقة فأكثر، والأخت لأب فأكثر. 10 - الأخ لأم، والأخت لأم فأكثر؛ للاستقراء؛ حيث ثبت بعد استقراء وتتبع النصوص من الكتاب والسنة أن هؤلاء هم أهل الفروض فقط، وسيأتي تفصيلها فيما يلي.
(ومع وجود ولد) وارث (أو ولد ابن) وارث وإن نزل ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو مُتعدِّدًا (الربع)؛ لقوله تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ}
(8)
(وللزوجة فأكثر نصف حاليه فيهما) فلها الربع مع عدم الفرع الوارث، وثمن معه؛ لقوله تعالى:{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ}
(9)
(ولكل من الأب والجد السدس
(8)
مسألة: للزوج في الميراث حالتان: الحالة الأولى: أنه يرث النصف بشرط عدم وجود الفرع الوارث للزوجة: ابنها أو بنتها، أو ابن ابنها أو بنت ابنها، وإن نزل. الحالة الثانية: أنه يرث الربع بشرط: وجود الفرع الوارث للزوجة وقد سبق بيانه في الحالة الأولى. سواء كان هذا الولد الذي للزوجة منه أو من غيره، لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ، وحكم أولاد البنين حكم أولاد الصلب دون أولاد البنات. الثانية: السنة الفعلية؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى الزوج النصف - كما قال زيد - وقد سبق بيان المقصد من توريث الزوج في مسألة (2).
(9)
مسألة: للزوجة في الميراث حالتان: الحالة الأولى: أنها ترث الربع بشرط عدم وجود الفرع الوارث شرعًا للزوج - وهو ابنه، أو بنته، أو ابن ابنه، أو بنت ابنه وإن نزل - سواء كان هذا الولد والفرع الذي للزوج منها، أو من غيرها؛ الحالة الثانية: أنها ترث الثمن بشرط: وجود الفرع الوارث للزوج - كما سبق بيانه في الحالة الأولى -؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وحكم أولاد البنين حكم أولاد الصلب، دون أولاد البنات. =
بالفرض مع ذكور الولد، أو ولد الابن) أي: مع ذكر فأكثر من ولد الصلب، أو ذكر فأكثرمن ولد الابن؛ لقوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} (ويرثان بالتعصيب مع عدم الولد) الذكر والأنثى (و) عدم (ولد الابن) كذلك؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} فأضاف الميراث إليهما، ثم جعل للأم الثلث، فكان الباقي للأب (و) يرثان (بالفرض والتعصيب مع إناثهما) أي: إناث الأولاد، أو أولاد الابن: واحدة كن أو أكثر:
[فرع]: إذا كانت الزوجة واحدة فإنها تنفرد بالربع عند عدم وجود الفرع الوارث، وتنفرد بالثمن عند وجوده، وإن كانت زوجتان أو ثلاثًا أو أربعًا: فإن الربع - عند عدم الفراع الوارث - يُقسَّم بين الزوجات، والثمن - عند وجوده - يُقسَّم بينها، فإن قلتَ: لِمَ كان ولد الابن كالابن؟ قلتُ: للكتاب؛ حيث قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ} وقال {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} والمقصود: بالأبناء: الأولاد، وأولاد البنين. فإن قلتَ: لِمَ جُعل للزوجات مثل الواحدة؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إنه لو جعل لكل واحدة الربع وهن أربع: لأخذن جميع المال، وزاد فرضهن على فرض الزوج وهذا ليس بعدل.
[فرع ثان]: الجدات إذا اجتمعن يأخذن مثل نصيب واحدة وهو السدس يتقاسمنه بينهن؛ للمصلحة: حيث إنه لو أخذت كل واحدة السدس لأخذن النصف إذا كن ثلاثًا، وزدن على ميراث الجد، وهذا ليس بعدل.
[فرع ثالث]: البنات، وبنات الابن، والأخوات المتفرقات: لكل جماعة منهن مثل ما للبنتين، أو الأختين وسيأتي بيان ذلك، وزدن على فرض الواحدة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الذكر الذي في درجتهن - وهو الابن والأخ - لا فرض له، وإنما يأخذ الباقي، فلزم أن تأخذ البنتان، والأختان حقهما، إلّا ولد الأم؛ لكون ذكرهم وأنثاهم سواء في الميراث؛ للتلازم؛ حيث إنهم يرثون بالرحم وقرابة الأم المجرَّدة، فلزم =
فمن مات عن أب، وبنت، أو جد، فللبنت النصف، وللأب أو الجد السدس فرضًا؛ لما سبق، والباقي تعصيبًا؛ لحديث:"ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي: فهو لأولى رجل ذكر"
(10)
.
التساوي بينهم.
(10)
مسألة: للأب والجد في الميراث ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يرث الأب - أو الجد مع عدم الأب - بالفرض المجرَّد وهو السدس مع وجود الابن فأكثر وابن الابن فأكثر من ولد الصلب وإن نزل، ويكون الباقي لهذا الابن فأكثر، أو ابن الابن فأكثر - عند عدم الابن -؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} حيث لزم من ذلك: أن للأب السدس، وللأم السدس عند وجود ذلك الابن أو ابن الابن وإن نزل وحق الجد كحق الأب عند عدمه؛ حيث إن النص قد تناوله؛ نظرًا لدخول ولد الابن في الأولاد الحالة الثانية أن يرث الأب - أو الجد مع عدم الأب - بالتعصيب المجرد ويكون ذلك مع عدم الولد، وعدم ولد الابن: سواء كان واحدًا أو متعدِّدًا، وسواء كان ذكرًا أو أنثى، فيأخذ الأب - أو الجد - المال كله إن انفرد، تعصيبًا، وإن كان معه ذو فرض غير الولد كزوج أو أم، أو جدة: فيكون لذي الفرض فرضه، وباقي المال له تعصيبًا؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} حيث لزم من إضافة الميراث كله إلى الأب والأم - مع عدم الولد ـ وجعل الثلث للأم فقط: أن يكون الباقي للأب تعصيبًا، والجد في ذلك مثل الأب عند عدمه؛ الحالة الثالثة: أن يرث الأب - أو الجد مع عدم الأب - بالفرض، والتعصيب، ويكون ذلك مع البنت، أو بنت الابن وإن نزل: سواء كن واحدة أو أكثر، فيأخذ الأب - والجد مثله عند عدمه هنا السدس فمثلًا: لو مات شخص عن "أب، وبنت" فللبنت النصف، وللأب السدس فرضًا والباقي بعد نصيب البنت وسدس الأب يكون للأب تعصيبًا - والجد مثله=
فصل: (والجد لأب وإن علا) بمحض الذكور (مع ولد أبوين أو) ولد (أب) ذكرًا أو أنثى: واحدًا، أو متعددًا (كأخ منهم) في مقاسمتهم المال، أو ما أبقت الفروض؛ لأنهم تساووا في الإدلاء بالأب، فتساووا في الميراث وهذا قول زيد بن ثابت ومن وافقه فـ "جد وأخت": له سهمان، ولها سهم، "جد وأخ" لكل سهم "جد وأختان" له سهمان، ولكل منهن سهم، جد، وثلاث أخوات": له سهمان ولكل منهن سهم "جد، وأخ وأخت" للجد سهمان، وللأخ سهمان، وللأخت سهم، وفي "جد وجدة وأخ": للجدة السدس، والباقي للجد والأخ مقاسمة
(11)
في ذلك عند عدم الأب فلو مات شخص عن "جد وبنت"، فللبنت النصف، وللجد السدس فرضًا، والباقي بعد نصيب البنت وسدس الجد يكون للجد تعصيبًا؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} كما قلنا في الحالة الأولى؛ الثانية: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"، وبعد إعطاء أصحاب الفروض فروضهم، وهي البنت حيث أخذت النصف، والأب - أو الجد - حيث أخذ السدس فرضًا: يُعطى لأقرب رجل ذكر تعصيبًا فيلزم إعطاؤه للأب - أو الجد عند عدم الأب؛ لكونه أقرب ذكر إلى الميت بعد الابن وابنه وإن نزل.
(11)
مسألة: إذا اجتمع الجد لأب مع الأخوة الأشقاء، أو لأب: سواء كان الأخوة ذكورًا أو إناثًا، وسواء كان هذا الأخ منفردًا أو متعدِّدًا:" فإن ذلك الجد يحسب مع هؤلاء الأخوة كأخ ذكر لهم يُقاسمهم المال كله، أو يأخذ ما بقي بعد تقسيم الفروض بشرط: أن لا يكون الثلث أحظ له من المقاسمة، فإن كان أحظ له وأكثر من المقاسمة: أخذه، والباقي يكون للأخوة، ويأخذ مع ذي الفرض بعد تقسيم الفروض ثلث الباقي، أو سدس الكل، وسيأتي تفصيله في مسألة (15): فمثلًا: إذا مات ميت عن: "جد وأخت": فإن المسألة تكون من ثلاثة تأخذ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
البنت الثلث وهو واحد، ويأخذ الجد الباقي - وهو الثلثان وهما اثنان -كما لو اجتمع أخت وأخ-، وإذا مات ميت عن:"جد، وأخ": فإن المسألة تكون من اثنين للجد النصف - وهو واحد - وللأخ النصف الآخر ـ وهو واحد ـ كما لو اجتمع أخوان تمامًا، وإذا مات ميت عن:"جدّ وأختان": فإن المسألة تكون من أربعة: يأخذ الجد النصف - وهما اثنان - وتأخذ كل واحدة من الأختين واحدًا - كما لو اجتمع أخ وأختان تمامًا - وإذا مات ميت عن: "جد، وثلاث أخوات": فإن المسألة تكون من خمسة. يأخذ الجد خمسين - وهما اثنان ـ وتأخذ كل أخت خمسًا ـ كما لو اجتمع أخ وثلاث أخوات تمامًا ـ وإذا مات ميت عن: "جد، وأخ وأخت": فإن المسألة تكون من خمسة: يأخذ الجد خمسين، ويأخذ الأخ خمسين أيضًا، وتأخذ الأخت خمسًا ـ كما لو اجتمع أخوان وأخت ـ وإذا مات ميت عن:"جد، وجدة، وأخ": فالمسألة تكون من ثلاثين: تأخذ الجدة السدس - وهو خمسة - ويأخذ الجد والأخ الباقي وهو خمسة وعشرون، يقتسمانه بينهما بالتساوي: فيأخذ الجد اثني عشر ونصفًا، ويأخذ الأخ مثل ذلك، وهكذا، وهذا مذهب الجمهور؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن الجد يرث فكذلك الأخوة يرثون معه بالتساوي، ولا فرق بينهم في ذلك، والجامع: أن كلًّا من الأخ والجد قد أدليا إلى الميت عن طريق الأب، فلم يكن الأخ أخًا للميت إلا لأنَّه ولد أبيه، ولم يكن الجد جدًا للميت إلّا لأنَّه أب أبيه، فالمدلى به إذن واحد، وهو الأب، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن زيد بن ثابت، وعليًا، وابن مسعود قد قالوا بذلك، فإن قلتَ: لِمَ ورث الأخوة مع الجد؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ترك الأخوة مع توريث الجد فيه ظلم للأخوة مع تساويهما في الطريق ـ وهو الأب - فدفعًا لذلك تم توريثهم جميعًا، فإن قلتَ: إذا اجتمع الجد مع الأخوة الأشقاء أو الأب: فإن الجد يحجبهم، أي: لا يرث الأخوة مع وجود الجد،=
والأخ لأم فأكثر ساقط بالجد - كما يأتي
(12)
(فإن نقصته) أي: الجد (المقاسمة عن
وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن أحمد، وهو رأي ابن قدامة، وابن تيمية وابن القيم وكثير من علماء الحنابلة المتأخرين؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن ابن الابن يحجب الأخوة فكذلك الجد يحجب الأخوة والجامع: أن كلًّا من ابن الابن والجد في مرتبة واحدة بالنسبة للميت فابن كالابن، والجد كالاب وهما يحجبان الأخوة. الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن أبا بكر، وابن الزبير، وأبي بن كعب، وجابر، وابن عباس قد ذهبوا إلى ذلك حتى قال ابن عباس:"ألا يتقي الله زيد، يجعل ابن الابن ابنًا ولا يجعل أب الأب أبًا" - وقد بيّنته في القياس السابق. قلتُ: أما قياسكم: ففاسد؛ لأنَّه قياس مع الفارق؛ حيث إن ابن الابن ليس في رتبته أحد ينازعه، بخلاف الجد فإن الأخ في رتبته؛ حيث إن الأب قد أدلى بالجد والأخ إلى الميت برتبة واحدة فاستحال التفريق بينهما، فلزم توريثهما معًا حتى أن زيد بن ثابت قال - في مجلس عمر:"لا تجعل شجرة نبتت فانشعب منها غصن، فانشعب في الغصن غصنان فما جعل الأول أولى من الثاني، وقد خرج الغصنان الغصن الأول" وعلي قد جعله سيلًا سال فانشعبت منه شعبة، من ثم انشعبت منه شعبتان فقال - مخاطبًا عمر -: أرأيت لو أن ماء هذه الشعبة الوسطى يبس أكان يرجع إلى الشعبتين جميعًا؟ كما أخرجه البيهقي في سننه (6/ 248). وأما قول الصحابي؛ وهو قول أبي بكر وابن عباس ومن معهم: فهو معارض بقول الصحابي الآخر، وهو زيد، فيتساقطان إلّا أن ما يقوله زيد يرجح على ما يقوله غيره من الصحابة؛ لكون زيدًا أعلم الصحابة بالفرائض؛ لقوله عليه السلام:"وأفرضكم زيد"، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" كما سبق بيانه.
(12)
مسألة: إذا اجتمع الجد لأب مع الأخوة لأم، أو اجتمع الجد مع بني الأخوة الأشقاء أو لأب: فإن الجد يسقطهم؛ للإجماع ومستنده: القياس، وهو: قياس=
ثلث المال) إذا لم يكن معهم صاحب فرض: (أعطيه) أي: أعطي ثلث المال: كجد، وأخوين وأخت فأكثر له، الثلث، والباقي لهم، للذكر مثل حظ الأنثيين
(13)
، وتستوي له المقاسمة والثلث في (جد وأخوين) وجد وأربع أخوات" و "جد وأخ وأختين"
(14)
.
الجد على الأب في ذلك: فكما أن الأب يحجب الأخوة لأم، وبني الأخوة الأشقاء ولأب فكذلك الجد مثله في ذلك.
(13)
مسألة: يتقرر للجد الثلث فيما إذا اجتمع الجد مع الأخوة - ذكورًا أو إناثًا - ولم يكن معهم صاحب فرض، وعمل بالمقاسمة التي ذكرناها - في أول مسألة (11) - وتسبَّبت تلك المقاسمة في نقصان حق الجد عن الثلث، والباقي يكون للأخوة للذكر مثل حظ الأنثيين، فمثلًا: لو مات ميت عن: "جد، وأخوين، وأخت": فإن المسألة تكون من خمسة عشر: يأخذ الجد الثلث - وهو خمسة -، خمسة، ويأخذ كل أخ أربعة، وتأخذ الأخت اثنين، وهذا ما ذهب إليه زيد بن ثابت وهو مذهب الجمهور - من القائلين بتوريث الأخوة مع الجد -؛ القاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} حيث إن هذا لزم منه تقسيم الميراث ما بقي - بعد إعطاء الجد - على الأخوة للذكر مثل حظ الأنثيين، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون حق الجد يلاحظ فيه حق الأب، وأن الجد يأخذ مكانة الأب عند عدمه: أن يأخذ الثلث إذا كانت المقاسمة ستنقصه عنه.
(14)
مسألة: يتقرَّر للجد الثلث أو المقاسمة كما شاء في ثلاث حالات. الحالة الأولى: إذا مات ميت عن: "جد وأخوين" فإن المسألة تكون من ثلاثة: فإن شاء الجد أخذ الثلث - وهو واحد - ويأخذ كل واحد من الأخوين واحدًا، وإن شاء أجرينا عليه المقاسمة فيحسب على أنه أخ للأخوين فيأخذ واحدًا. الحالة الثانية: إذا مات ميت عن "جد وأربع أخوات": فإن المسألة تكون من ستة: فإن شاء الجد أخذ الثلث - وهو اثنان - وتأخذ كل أخت واحدًا وإن شاء أجرينا عليه المقاسمة، =
(ومع ذي فرض) كبنت أو بنت ابن، أو زوج، أو زوجة، أو أم، أو جدة يُعطى الجد (بعده) أي: بعد ذي الفرض: واحدًا كان أو أكثر (الأحظ من المقاسمة) كزوجة، وجد، وأخت، من أربعة: للجد سهمان، وللزوجة سهم، وللأخت سهم (أو ثلث ما بقي) كأم، وجد، وخمسة إخوة من ثمانية عشر: للأم ثلاثة أسهم، وللجد ثلث الباقي خمسة، ولكل أخ سهمان (أو سدس الكل) كبنت وأم، وجد، وثلاثة أخوة
(15)
(فإن لم يبق) بعد ذوي الفروض (سوى سدس) كبنت، وبنت ابن، وأم،
فيحسب على أنه أخ لهن، فيأخذ بناء على أن للذكر مثل حظ الأنثيين. الحالة الثالثة: إذا مات ميت عن: "جد، وأخ، وأختين": فإن المسألة تكون من ستة: فإن شاء الجد أخذ الثلث - وهو اثنان - ويأخذ الأخ اثنين، وتأخذ كل أخت واحدًا، وإن شاء أجرينا عليه المقاسمة، فيحسب على أنه أخ: فتقسَّم المسألة بناء على أن للذكر مثل حظ الأنثيين؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من تساوي الثلث والمقاسمة في هذه الصور: أن يخير بينها؛ لأنَّه ليس أحدهما بأولى من الآخر.
(15)
مسألة: يتقرر للجد الأحظ من المقاسمة، أو ثلث الباقي، أو سدس جميع المال فيما إذا اجتمع مع ذي فرض كأن يجتمع مع من يستحق النصف: مثل: "جد وبنت" أو "جد وبنت ابن أو "جد وزوج"، أو يجتمع مع من يستحق الربع مثل: "جد وزوجة"، أو مع من يستحق الثلث مثل: "جد وأم " أو يجتمع مع من يستحق السدس مثل: "جد وجدة": فإن الجد يُعطى بعد إعطاء ذي الفرض حقه سواء كان صاحب الفرض واحدًا أو أكثر، ومثال استحقاق الجد المقاسمة؛ لأنها أحظ له وأوفر: أن يموت ميت عن "زوجة، وجد وأخت" فإن المسألة تكون من أربعة: تأخذ الزوجة الربع ـ وهو واحد-، والباقي يُقسَّم بين الجد والأخت - ويُعامل الجد كأخ لها - فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين، فيأخذ الجد اثنين، وتأخذ الأخت واحدًا، ومثال استحقاق الجد ثلث ما بقي: أن يموت ميت عن: "أم، وجد، وخمسة أخوة" فإن المسألة تكون من ثمانية عشر: تأخذ الأم=
وجد، وأخوة (أعطيه) أي: أعطي الجد السدس الباقي (وسقط الإخوة) مطلقًا؛ لاستغراق الفروض التركة
(16)
(إلّا) الأخت (الأكدرية) وهي: "زوج، وأم،
السدس - وهو ثلاثة-، ويأخذ الجد ثلث الباقي - خمسة عشر - بعد أخذ صاحب الفرض حقه وهي الأم - والثلث هنا هو خمسة، وبعد ذلك يُقسَّم ما بقي ـ وهو عشرة - على الأخوة الخمسة، يأخذ كل واحد اثنين، ومثال استحقاق الجد سدس جميع المال: أن يموت ميت عن: "بنت، وأم، وجد، وثلاثة أخوة": فإن المسألة تكون من ثمانية عشر: تأخذ البنت النصف - وهو تسعة -، وتأخذ الأم السدس - وهو ثلاثة، ويأخذ الجد السدس أيضًا - وهو ثلاثة - ويأخذ الأخوة السدس - وهو ثلاثة - ويأخذ كل واحد منهم واحدًا؛ للقياس؛ وهو من وجوه: أولها: كما أن للجد المقاسمة مع عدم الفروض إذا كانت أحظ له فكذلك هي له مع وجود الفروض إذا كانت أحظ له؛ والجامع: عدم وجود المانع، ثانيها: كما أن الجد يأخذ الثلث مع عدم الفروض، فكذلك يأخذ ثلث الباقي بعد ما يأخذ صاحب الفرض فرضه؛ لأن صاحب الفرض كأنه لا وجود له؛ حيث أخذ حقه، فصار ثلث الباقي بمنزلة ثلث المال، جميع المال، والجامع: أن كلًّا من ثلث الباقي، وثلث المال كله لا فرق بينهما في هذه الحالة، ثالثها: كما أن الجد لا ينقص عن سدس جميع المال مع وجود ولد الميت الذي هو أقوى: فمن باب أولى أن لا ينقص عن سدس المال مع عدم هذا الولد، والجامع: أن هذا من حقه لقيامه مقام الأب.
(16)
مسألة: يتقرَّر للجد سدس المال كله إذا لم يبق إلّا هذا السدس بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم ويسقط الأخوة جميعًا كأن يموت ميت عن: "بنت وبنت ابن، وأم، وجد، وأخوة" فتأخذ البنتان الثلثين، وتأخذ الأم السدس، ويبقى السدس يعطى للجد، ولا يأخذ الأخوة شيئًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من استغراق الفروض التركة: عدم استحقاق الأخوة؛ لكون الجد هنا يصبح من أصحاب الفروض، وهو السدس؛ لأنَّه لا ينقص عن السدس مع وجود الولد=
وأخت، وجدة": للزوج النصف، وللأم الثلث، يفضل سدس يأخذه الجد، ويفرض للأخت النصف فتعول لتسعة، ثم يرجع الجد والأخت للمقاسمة، وسهامهما أربعة على ثلاثة عدد رؤوسهما فتصح من سبعة وعشرين: للزوج تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة، سُمِّيت الأكدرية؛ لتكديرها لأصول زيد في الجد والأخوة (ولا يعول) في مسائل الجد غيرها ولا يُفرض لأخت معه) أي: مع الجد ابتداء (إلّا)(بها): أي: بالأكدرية، وأما مسائل المعادَّة: فيُفرض فيها للشقيقة بعد أخذ نصيبه
(17)
(وولد الأب) ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو أكثر (إذا انفردوا) عن ولد
الذي هو أقوى فمع غيره أولى كما قلنا ذلك في القياس الثالث من مسألة (15).
(17)
مسألة: الأكدرية مسألة قد فرض فيها للأخت مع الجد ابتداء ولا يسقطها الجد وهي: أن تموت امرأة عن: "زوج، وأم، وأخت، وجد" فإن المسألة تكون من ستة: فيأخذ الزوج النصف - وهو ثلاثة - والأم الثلث وهو: اثنان، ويبقى سدس وهو واحد يأخذه الجد، ويفرض للأخت النصف؛ لعدم وجود حاجب يحجبها، فتعول المسألة من ستة إلى تسعة: يأخذ الزوج النصف - وهو ثلاثة - وللأم الثلث - وهو اثنان-، وللجد السدس - وهو واحد -، وللأخت النصف - وهو ثلاثة، ثم يعود الجد والأخت إلى المقاسمة بالتعصيب، فيقتسمان فرضيهما أثلاثًا، فتكون المسألة من سبعة وعشرين؛ للتلازم؛ حيث إن أصلها ستة، وعالت إلى تسعة، وسهام الجد والأخت - وهو الأربعة - لا تنقسم عليهما أثلاثًا، فيلزم أن نأخذ عدد الرؤوس - وهو ثلاثة - ونضربه في عول المسألة - وهو تسعة - فيصبح سبعة وعشرين، وهو ما صحَّت منه المسألة، فيُعطى الزوج النصف، وهو: تسعة - وهو ناتج ضرب 3 × 3 - وتعطى الأم الثلث وهو ستة - وهو ناتج ضرب 2× 3 والباقي - وهو اثنا عشر - يُقسَّم بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين - يحسب الجد وكأنه أخ لها - فيأخذ الجد ثمانية، وتأخذ الأخت أربعة، فإن قلتَ: لِمَ سميت بالأكدرية؟ قلتُ: نظرًا لتكديرها أصول زيد في الجد؛=
الأبوين (معه) أي: مع الجد (كولد الأبوين) فيما سبق
(18)
(فإن اجتمعوا) أي: اجتمع الأشقاء، وولد الأب: عاد ولد الأبوين الجد بولد الأب (ف) إذا (قاسموه: أخذ عصبة ولد الأبوين ما بيد ولد الأب) كجد، وأخ شقيق، وأخ لأب، فللجد سهم، والباقي للشقيق؛ لأنَّه أقوى تعصيبًا من الأخ لأب
(19)
(و) تأخذ (أنثاهم) إذا
حيث إنه أعالها، ولا عول عنده في مسائل الجد، وفرض للأخت مع الجد، ولا يفرض لأخت مع جد، وجمع سهامه وسهامها، فقسَّمها بينهما، ولا نظير لذلك؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم وجود ما يُسقط الأخت: أن يفرض لها حقها - وهو النصف -.
تنبيه: احترز بالفرض لها ابتداء مع الجد في الأكدرية عن الفرض للأخت في مسائل المعادة؛ حيث إنه يُفرض فيها للشقيقة بعد مقاسمة الجد، وأخذ نصيبه.
[فرع]: إن لم يكن في المسألة زوج؛ حيث تتكون من: "أم، وأخت، وجد": فلا تكون أكدرية فتكون من تسعة: تأخذ الأم الثلث - وهو: ثلاثة -، والباقي يقسَّم بين الجد والأخت، وكأن الجد أخ لها، فيعطى الجد أربعة، وتعطى الأخت اثنان، وتسمَّى هذه المسألة بالخرقي؛ نظرًا لاختلاف الصحابة فيها على سبعة أقوال، وتسمَّى المسبَّعة؛ نظرًا للأقوال السبعة التي قيلت فيها، وتسمَّى بـ "المسألة المسدَّسة"؛ لأن الأقوال فيها ترجع إلى ستة.
(18)
مسألة: إذا اجتمع ولد الأب - وهو أخ الميت لأب - مع الجد - بدون الأشقاء -: فإن حكمهم كحكم ولد الأبوين - وهم الأشقاء - كمقاسمتهم الجد المال ونحو ذلك - كما قلنا في مسائل (11 إلى 16)؛ للقياس؛ بيانه كما أن الأخوة الأشقاء يشاركون الجد في الإرث - كما سبق بيانه - فكذلك الأخوة لأب والجامع: أن كلًّا منهم قد شاركوا في بنوة أب الميت التي ساووا بها الجد.
(19)
مسألة: إذا اجتمع ولد الأب - وهو الأخ لأب - مع ولد الأبوين - وهو الأخ=
كانت واحدة (تمام فرضها) وهو: النصف (وما بقي لولد الأب) فجد، وشقيقة، وأخ لأب، تصح من عشرة: للجد أربعة، وللشقيقة خمسة، وللأخ لأب ما بقي، وهو: سهم
(20)
.
الشقيق - مع الجد، ومعهم صاحب فرض أو لا: فإن الأخوة الأشقاء يعدُّون الأخوة لأب وكأنهم يرثون معهم، ويُزاحمون الجد، ويحسبونهم عليه إن بهم احتاجوا لذلك بشرطين: أولهما: أن يأخذ الأشقاء أقل من مثلي ما أخذه الجد، ثانيهما: أن يأخذوا من الأخوة لأب ما يُكمِّل مثلي الجد فأقل، ثم بعد أن يقاسموا الجد، وبعد أن يأخذ الجد نصيبه: يرجع - وهم الأشقاء - فيأخذون ما أخذه الأخوة لأب - وكأن لم يكن معهم جد - سواء كان الذي مع الأخ لأب أشقاء، أو شقيقات، فمثلًا: لو مات ميت عن: "جد، وأخ شقيق، وأخ لأب": فإن المسألة تكون من ثلاثة: يأخذ الجد الثلث - وهو واحد - ويكون الباقي للأخوين: الشقيق ولأخ لأب: كل واحد يأخذ واحدًا، لكون الشقيق قد عدَّ معه أخاه لأب، ثم يحجب الشقيق الأخ لأب فيأخذ الشقيق اثنين: سهمه الأصلي - وهو الواحد - والسهم الذي حصل لأخيه لأب، وكذلك: لو مات ميت عن: "جد، وأختين شقيقتين، وأخ لأب". فإن المسألة تكون من ثلاثة: يأخذ الجد الثلث - وهو واحد - وتأخذ الشقيقتان الثلثين، ويسقط الأخ لأب هنا، لاستغراق الفروض التركة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الأخ الشقيق قد أدلى إلى الميت بجهتين - الأب والأم -: أن يكون أقوى تعصيبًا من الأخ الذي أدلى بجهة واحدة - وهو الأخ لأب-، والقوي يحجب الضعيف، ويأخذ ميراثه.
(20)
مسألة: إذا اجتمعت شقيقة مع جد وأخ لأب: فإن المسألة تكون من ثمانية عشر: تأخذ الشقيقة النصف - وهو تسعة -، ويأخذ الجد الثلث - وهو ستة - والباقي للأخ لأب - وهو: ثلاثة - وتسمَّى تلك "عشرية زيد"، وتستوي هنا للجد المقاسمة، وثلث المال، وقد سبق بيان ذلك؛ للتلازم؛ وهو واضح.
فإن كانت الشقيقات اثنتين فأكثر لم يتصورا أن يبقى لولد الأب شيء
(21)
.
فصل: في أحوال الأم (وللأم السدس مع ولد أو ولد ابن) ذكرًا أو أنثى، واحدًا أو متعددًا؛ لقوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} (أو اثنين) فأكثر (من أخوة، أو أخوات) أو منهما؛ لمفهوم قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (و) لها (الثلث مع عدمهم) أي: عدم الولد، وولد الابن والعدد من الأخوة، والأخوات؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (و) ثلث الباقي، وهو في الحقيقة إما (السدس مع زوج وأبوين) فتصح من ستة (و) إما (الربع مع زوجة وأبوين، وللأب مثلاهما) أي: مثلا النصيبين في المسألتين ويسميان بالغرَّاوين، والعمريتين، قضى فيهما عمر بذلك، وتبعه، عثمان، وزيد بن ثابت، وابن مسعود رضي الله عنهم، وولد الزنا، والمنفي بلعان عصبته - بعد ذكور ولده - عصبة أمه في إرث فقط
(22)
.
(21)
مسألة: إذا اجتمعت شقيقتان فأكثر مع جد، وأخ لأب: فلا يبقى للأخ لأب شيء؛ حيث إن المسألة تكون من ثلاثة، يأخذ الجد الثلث - وهو واحد - وتأخذ الشقيقتان الثلثين فرضهما، فلم يبق للأخ الشقيق شيء، وكذلك الأخت لأب مثل الأخ لأب في ذلك؛ للتلازم؛ وهو واضح.
تنبيه: القائلون: إن الجد يحجب الأخوة مطلقًا وهم أبو حنيفة، وكثير من متأخري الحنابلة، وهو رأي ابن عباس وكثير من الصحابة لا يوردون تلك المسائل المفصَّلة عن حالة الجد مع الأخوة - وهي (من 12 - إلى 21)؛ لأن الجد يحجب الأخوة إذا وجدوا معه كالأب وابن الابن تمامًا وقد سبق أن قلنا: إن هذا مرجوح.
(22)
مسألة: للأم في الميراث أربع حالات: الحالة الأولى: أنها ترث سدس المال كله بشرط: وجود الفرع الوارث - وهو ولد الميت، أو ولد ابنه -: سواء كان هذا الولد ذكرًا أو أنثى، وسواء كان متعددًا أو واحدًا، أو وجود اثنين من الأخوة=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أو الأخوات، أو وجود مجموعة من الأخوة والأخوات؛ للكتاب؛ وهو من وجهين: أولهما: قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} حيث دل منطوقه على أن للأم السدس مع وجود ولد الميت، أو ولد ابنه؛ لكونه يصدق عليه ولد، ثانيهما: قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} حيث دل منطوقه على أن للأم السدس مع وجود اثنين فأكثر من الأخوة أو الأخوات؛ حيث إن أقل الجمع ثلاثة في جميع الفروع الفقهية حقيقة إلا في الفرائض: فإن أقل الجمع اثنان؛ لإجماع الصحابة على ذلك في هذه المسألة، وقد حكى الإجماع عثمان رضي الله عنه، وهو واقع قبل مخالفة ابن عباس الذي يقول: إن الأم تحجب من الثلث إلى السدس بثلاثة من الأخوة أو الأخوات، فتكون مخالفة ابن عباس هذه خرقاً للإجماع فلا يقبل وقد أطلتُ الكلام في ذلك في كتابي:"أقل الجمع عند الأصوليين"، يؤيده قوله تعالى:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وهذا الحكم ثابت في أخ، وأخت، ويلزم من لفظ:"أخوة" الوارد في الآية: عدم الفرق في حجبها بين الذكر والأنثى من الأخوة؛ حيث فُسِّر بالرجال والنساء، الحالة الثانية: أنها ترث الثلث بشرط: عدم وجود الفرع الوارث - وهو ولد الميت، أو ولد الابن - وعدم وجود الاثنين من الأخوة والأخوات من أي الجهات؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} حيث دل منطوق ذلك على أن للأم الثلث إذا توفر شرطان، وهما: عدم وجود الولد - من الميت - ذكرًا أو أنثى - وولد الابن - ذكرًا أو أنثى؛ لأنَّه يصدق عليه أنه ولد، وعدم وجود الاثنين من الأخوة؛ لأن هذا يلزم من قوله:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} ؛ إذ لم يذكر أن معهما أخوة، وعدم الذكر دليل على اشتراط عدم وجود الأخوة. الحالة الثالثة: أنها ترث ثلث ما بقي في مسألتين تسمَّيان بالعمريتين وهما: أولهما: أن تموت ميتة=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عن: "زوج، وأم، وأب" فتكون المسألة من ستة: يأخذ الزوج النصف - وهو ثلاثة - وتأخذ الأم ثلث الباقي - وهو واحد - وهو سدس المال في الحقيقة، ويأخذ الأب الباقي - وهو اثنان - وهو ضعف حق الأم. ثانيهما: أن يموت ميت عن: "زوجة، وأم وأب" فتكون المسألة من أربعة: تأخذ الزوجة الربع - وهو واحد - وتأخذ الأم ثلث الباقي - وهو واحد - وهو ربع في الحقيقة ويأخذ الأب الباقي - وهو اثنان - وهو ضعف حق الأم؛ لقاعدتين: الأولى: إجماع الصحابة - قبل مخالفة ابن عباس في هاتين المسألتين؛ حيث إن عمر قد قضى بهما على هذا التقسيم ووافقه على ذلك زيد بن ثابت، وعثمان، وابن مسعود، وعلي، الثانية: القياس، وهو من وجوه: أولها: أنه إذا اجتمع في المسألة ذو فرض مثل: "بنت، وأب، وأم": فإن المسألة تكون من ستة: تأخذ البنت النصف - وهو ثلاثة - وتأخذ الأم ثلث الباقي - وهو واحد - ويأخذ الأب ما بقي - وهو اثنان - فكذلك الحال في هاتين المسألتين العمريتين لعدم الفارق. ثانيها: كما أن الله أعطى الأم الثلث إذا ورثه أبواه فقط، فكذلك الحال هنا تعطى ثلث الباقي؛ لأن الباقي بعد فرض الزوجين هو ميراث بين الأبوين، يقتسمانه كما اقتسما الأصل؛ لعدم الفارق، ثالثها: كما لو كان على الميت دين أو وصية: فإن الأب والأم يقتسمان ما بقي أثلاثًا، فكذلك الحال هنا، يقتسمان ما بقي بعد إعطاء الزوجين حقهما، فتعطى الأم ثلث الباقي؛ لعدم الفارق، فإن قلتَ: لَم شُرع هذا؟ قلتُ: لأن هذا هو العدل الموافق لدلالة القرآن الظاهرة والباطنة كما قال ابن القيم.
تنبيه: خالف ابن عباس في هاتين المسألتين قائلًا: إن الأم تعطى ثلث المال كله في المسألتين، وهذه مخالفة لما أجمع عليه الصحابة فلا يُقبل. الحالة الرابعة: إذا كان ولد الأم لا أب له: بأن يكون ولد زنا، أو منفيًا بلعان: بأن لاعن رجل امرأته، وانتفى منه ولدها، وفرّق بينهما الحاكم: فإنه ينتفي ولدها عنه، وانقطع=
فصل: في ميراث الجدة (ترث أم الأم، وأم الأب، وأم أبي الأب) فقط وإن علون أمومة: السدس)؛ لما روى سعيد في "سننه" عن ابن عيينة، عن منصور عن إبراهيم النخعي: أن النبي صلى الله عليه وسلم ورَّث ثلاث جدات: ثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم، وأخرجه أبو عبيد والدارقطني
(23)
(فإن) انفردت واحدة منهن: أخذته
(24)
، وإن اجتمع اثنتان، أو ثلاث و (تحاذين) أي: تساوين في القرب، أو البعد من الميت (فـ) السدس (بينهن)؛ لعدم المرجِّح لإحداهن عن الأخرى
(25)
(ومن
تعصيبه من جهة الملاعن، فلا يرثه هو ولا أحد من عصباته، وترث أمه، وعصبته عصبة أمه في الإرث فقط فهنا ترث أمه فقط، دون أبيه، والباقي لعصبة أمه. دون عصبة أبيه، هذا إذا لم يكن لولد الزنا، أو المنفي بلعان ولد، أو ولد ابن وإن نزل، فإن كان له ذلك: فهو الذي يرثه، وتأخذ حقها فقط، لقول الصحابي؛ حيث إنه ورد ذلك عن علي وابن عباس، وابن عمر.
(23)
مسألة: الوارث من الجدات ثلاث فقط: 1 - أم الأم. 2 - أم الأب. 3 - أم أبي الأب ومن كان من أمهاتهن وإن علت درجتهن، إلّا أم أبي الأم فلا ترث، وهذه الجدات يرثن السدس فقط فرضًا، ولا يزيد ميراثهن عن هذا السدس ولو كثرن وبناء على ذلك: فلا ترث أيُّ جدة قد أدلت بغير وارث إجماعًا، ومنها المدلية بأب بين أمَّين كأم أبي الأم؛ لفعل الصحابي؛ حيث إن أبا بكر، وعمر، وعلي، وزيد، وابن مسعود وأغلب الصحابة كانوا يورِّثون ثلاث جدات: وهي: أم الأب، وأم الأم، وأم أبي الأب، وقد حكى إبراهيم النخعي ذلك عن جميع الصحابة.
(24)
مسألة: إذا انفردت جدة واحدة من تلك الثلاث أو أكثر ولم توجد أم: فإنها تأخذ السدس بمفردها؛ للإجماع، حيث أجمع العلماء على ذلك.
(25)
مسألة: إذا اجتمع جدتان، أو ثلاث، وتساوين في القرب من الميت أو البعد منه بحيث لا تكون إحداهن أعلى من الأخرى كأم أم أم، وأم أم أب، وأم أبي أب: =
قربت) من الجدات، (فـ) السدس (لها وحدها) مطلقًا، وتسقط البعدى من كل جهة بالقربى
(26)
(وترث أم الأب وأم)(الجد معهما) أي: مع الأب والجد (كـ) ما يرثان (مع العم) روي عن عمر، وابن مسعود، وأبي موسى، وعمران بن حصين، وأبي الطفيل رضي الله عنهم
(27)
(وترث الجدة) المدلية (بقرابتين) مع الجدة ذات القرابة
فلهن السدس يُقسَّم بينهن؛ لقاعدتين الأولى: السنة الفعلية؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم "قضى للجدتين في الميراث بالسدس" وإذا جاءت من هي أكثر منهما: فإنها تكون مثلهما، من باب "مفهوم الموافقة"؛ لعدم الفارق، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الثمن أو الربع يُقسَّم بين الزوجات إذا كثرن فكذلك يقسَّم السدس بين الجدات إذا كثرن وهي في رتبة واحدة والجامع: أن كلًّا منها في رتبة واحدة بالنسبة للميت، فليست إحداها بأولى من الأخرى، فلا الأخرى، فلا يوجد مرجِّح.
(26)
مسألة: إذا اجتمعت جدَّة قربى من الميت وجدة بعدى عن الميت: فالقُربى تحجب البُعدى، وتأخذ القربى السدس كله: سواء كانت القربى من جهة الأم والبعدى من جهة الأب، أو العكس، فمثال الأولى:"أم أم، وأم أم أب" فإن أم الأم تأخذ السدس كله وتسقط أم أم الأب ومثال كون القربى من جهة الأب، والبعدي من جهة الأم:"أم أب، وأم أم أم" فإن أم الأب تأخذ السدس، وتسقط أم أم الأم وهكذا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الأبناء والأخوة إذا اجتمعوا فإن الميراث لأقربهم إلى الميت، فكذلك الجدات مثل ذلك، والجامع: أن كلًّا منهم يرثون ميراثاً واحدًا من جهة واحدة، فالأقرب يسقط الأبعد.
(27)
مسألة: الجدة ترث وابنها حي، أي ترث أم الأب، وأم الجد مع وجود الأب والجد؛ لقواعد؛ الأولى: السنة الفعلية؛ حيث إن ابن مسعود قال: "أول جدة أطعمها الرسول صلى الله عليه وسلم السدس أم أب مع ابنها، وابنها حي"، الثانية: القياس، بيانه: كما أن أم الأب، وأم الجد ترثان مع ابنها إذا كان عمًا، فكذلك ترثان مع وجود ابنهما - وهما: الأب، والجد - والجامع: أن الواحدة منهن لا تدلي بهذا الابن،=
الواحدة (ثلثي السدس) وللأخرى ثلثه (فلو تزوج بنت خالته، فأتت بولد: فجدته أم أم أم ولدهما وأم أم أبيه، وإن تزوج بنت عمته) فأتت بولد (فجدته أم أم أم، وأم أبي أبيه) فترث بالقرابتين ولا يمكن أن ترث جدة بجهة مع ذات ثلاث
(28)
.
بل عوملن على أنهن أمهات يرثن ميراث الأم لا ميراث الأب فلا يحجبن به. الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك قد ثبت عن عمر، وابن مسعود، وأبي موسى، وعمران بن الحصين، وأبي الطفيل، فإن قلتَ: لا ترث الجدة مع وجود ابنها - وهو الأب، أو الجد-، وهو قول مالك، والشافعي، وهو رواية عن أحمد؛ لقاعدتين؛ الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن الجد لا يرث مع وجود الأب، وأم الأم لا ترث مع وجود الأم فكذلك الجدة: أم الأب، وأم الجد لا ترثان مع وجود الأب، والجد، والجامع: أن كلًّا من هؤلاء قد أدلوا بمن قبلهم، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عثمان، وعلياً، وزيد بن ثابت قد قالوا: بأنها لا ترث مع وجود ابنها. قلتُ: أما القياس: ففاسد؛ لأنَّه قياس مع الفارق؛ لأن أم الأب، وأم الجد أمهات يرثن ميراث الأم، لا ميراث الأب، فلا يُحجبن به، بخلاف أم الأم مع وجود الأم، أو الجد مع وجود الأب؛ حيث إنهما قد أدليا بهما، أما قول الصحابي: فهو معارض بقول الصحابي الآخر فيتساقطان، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع خبر الآحاد" و "تعارض القياسين".
(28)
مسألة: إذا أدلت الجدة بقرابتين للميت، والجدة الأخرى قد أدلت إليه بقرابة واحدة: فإن المدلية بالقرابتين تأخذ ثلثي السدس، وتأخذ المدلية بقرابة واحدة ثلث السدس الباقي، وصورة ذلك: أن يتزوج زيد - وهو ابن ابن زينب - فاطمة - وهي بنت بنت زينب تلك، فيولد لزيد وفاطمة ولد - أسموه عمرًا - فتكون زينب: أم أم أمه، وهي أم أب أبيه، فيموت عمرو هذا: فترث زينب هذه بالقرابتين - وهو ثلثي السدس - وترث الجدة الأخرى إن وجدت الباقي وهو ثلث السدس. للتلازم؛ حيث يلزم من إدلائها بقرابتين: أن ترث بكل واحدة منهما؛ =
فصل: في ميراث البنات، وبنات الابن، والأخوات:(والنصف فرض بنت) إذا كانت (وحدها): بأن انفردت عمّن يساويها، ويعصبها؛ لقوله تعالى {كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}
(29)
(ثم هو) أي: النصف (لبنت ابن وحدها) إذا لم يكن ولد صلب، وانفردت عمن يساويها ويعصبها
(30)
(ثم) عند عدمهما (لأخت لأبوين) عند
لأنَّه حق من حقوقها.
[فرع]: إذا أدلت الجدة بثلاث جهات: فإنها ترث بها ولا يمكن أن يجمع معها جدة أخرى وارثة، وهذا عند من لا يورِّث أكثر من ثلاث جدات.
(29)
مسألة: البنت ترث النصف بشرطين: أولهما: عدم وجود من يشاركها ويساويها كأختها. ثانيهما: عدم وجود من يعصبها كأخيها، لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} حيث دلّ منطوق ذلك على أنها تأخذ النصف بشرط: وجودها وحدها منفردة عن المشارك والمعصِّب، الثانية: السنة الفعلية؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم قد قضى في: "بنت، وبنت ابن، وأخت: بأن للبنت النصف، ولبنت الابن: السدس تكملة الثلثين وللأخت الباقي" فتكون المسألة من ستة: للبنت: ثلاثة ولبنت الابن واحد، وللأخت الباقي - وهو اثنان.
(30)
مسألة: بنت الابن وإن نزلت بمحض الذكور ترث النصف بثلاثة شروط: أولها:
عدم وجود ولد من صلب الميت كابن الميت أو بنته، ثانيها: عدم وجود من يشاركها ويساويها كأختها، أو بنت عمها التي في درجتها، ثالثها: عدم وجود من يعصبها كأخيها، أو ابن عمها؛ للإجماع؛ حيث أجمع العلماء على أن بنات الابن بمنزلة البنات عند عدمهن بشرطي البنات، وهو" عدم من يشاركها، وعدم من يعصبها، كما سبق في مسألة (29).
[فرع]: بنت الابن ترث وإن نزلت عن طريق الذكور فقط: مثل بنت ابن ابن، وبنت ابن ابن ابن؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وولد البنين أولاد كما أجمع عليه العلماء،=
انفرادها عمن يساويها، أو يعصبها، أو يحجبها
(31)
(أو) أخت (لأب وحدها) عند عدم الشقيقة، وانفرادها
(32)
(والثلثان لثنتين من الجميع): أي: من البنات، أو بنات الابن، أو الشقيقات، أو الأخوات لأب (فأكثر)؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ
يؤيده: قوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ} يخاطب به الموجودين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، أما أولاد البنت فليسوا بأولاد في الشرع ولا في اللغة؛ لذلك قال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
…
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
(31)
مسألة: الأخت الشقيقة - وهي الأخت لأبوين -: ترث النصف بثلاثة شروط: أولها: عدم وجود من يحجبها - وهو الفرع الوارث للميت كولده من ابن وبنت، وولد ابنه، والأصل من الذكور الوارث، ثانيها: عدم وجود من يشاركها ويساويها كأختها، ثالثها: عدم وجود من يعصبها كأخيها؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} حيث إنه قد لزم من نفي الولد هنا، وذكره للأخت لوحدها هنا: اشتراط تلك الشروط لتأخذ تلك الأخت النصف.
(32)
مسألة: الأخت لأب ترث النصف بأربعة شروط أولها، وثانيها، وثالثها: قد سبق ذكرها في شروط الشقيقة، في مسألة (31)، ورابعها: عدم وجود الأخت الشقيقة؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب حيث إن نفس الآية التي ذكرت في مسألة (31) تدل على الشروط الثلاثة، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن البنات يحجبن بنات الابن، فكذلك الشقيقات يحجبن الأخوات لأب، والجامع: أنه في كل منهما قد وجدت قوة الاتصال بالميت، فقوة البنات: أنهن اتصلن بالميت مباشرة، بخلاف بنات الابن، فكذلك الأخوات الشقيقات ففي اتصالهن بالميت قوة؛ إذ اتصلن به من جهتين - جهة الأب وجهة الأم - بخلاف الأخوات لأب، وعند اجتماع الأضعف مع الأقوى: فإنه يقدم الأقوى.
ثُلُثَا مَا تَرَكَ}، وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنتي سعد الثلثين، وقال تعالى في الأختين:{فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} (إذا لم يعصبن بذكر) بإزائهن، أو أنزل من بنات الابن عند احتياجهن إليه كما يأتي، فإن عصبن بذكر: فالمال، أو ما أبقت الفروض بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين
(33)
(والسدس لبنت ابن فأكثر) وإن نزل أبوها تكملة
(33)
مسألة: إذا اجتمع اثنتان فأكثر من البنات: فإنهن يرثن الثلثين بشرط: عدم وجود أخ لهن يعصبهن، فيُقسَّم الثلثان بينهما، أو بينهن بالتساوي.
وأيضًا: إذا اجتمع اثنتان فأكثر من بنات الابن: فإنهن يأخذن الثلثين بشرطين، أولهما: عدم وجود أخ لهن يعصبهن، ثانيهما: عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منهن - كابن الميت، وبنته -:
وأيضًا: إذا اجتمع اثنتان فأكثر من الأخوات الشقيقات: فإنهن يرثن الثلثين - بشرطين: أولهما: عدم وجود الفرع الوارث، والأصل من الذكور الوارث، ثانيهما: عدم وجود أخ لهن يعصبهن.
وأيضًا: إذا اجتمع اثنتان فأكثر من الأخوات لأب: فإنهن يرثن الثلثين بشروط ثلاثة: أولها، وثانيها: قد سبق ذكرهما في ميراث الشقيقتين فأكثر، وثالثها: عدم وجود الأشقاء والشقائق، أما إن وجد من يعصبهن، وهو: الأخ للبنات، أو الأخ لبنات الابن، أو ابن عمهن الذي هو بمنزلتهن، أو الأخ للأخوات: فإن المال، أو ما بقي بعد أخذ أصحاب الفروض حقوقهم: يُقسَّم بين البنات وأخوتهن، أو بنات الابن وأخوتهن، أو أبناء عمهن الذين في مرتبتهن أو الأخوات وأخوتهن للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ وهو من: وجوه: أولها: قوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} حيث إن منطوق ذلك قد دلَّ على أن فرض الاثنتين من البنات: الثلثان، وهذا لزم من كونه سبحانه قد جعل نصيب الابن في صدر الآية ضعف نصيب البنت، ويتحقَّق ذلك في "بنت وابن" فقط، وهذان الثلثان=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
اللذان قد أخذهما الابن قد ورد في قوله تعالى: {مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فلزم من ذلك، أن فرض البنتين الثلثان عند انفرادهما، ثانيها: قوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} حيث دلت الآية بمنطوقها على أن فرض الاثنتين من الأخوات: الثلثان، بتلك الشروط، فإذا أعطيت الاثنتين من الأخوات الثلثين فمن باب أولى أن تعطى الاثنتين من البنات وبنات الابن الثلثين؛ لكونهما أقرب إلى الميت من الأختين، وما هو أكثر من الأختين، أو البنتين يُعطى ما للاثنتين وكل هذا من باب:"مفهوم الموافقة"، ثالثها: قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وهذا إذا اجتمع البنات وأخوتهن، وبنات الابن وأخوتهن، والأخوات وإخوتهن بالإجماع، الثانية: السنة القولية. حيث قال جابر: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: هاتان ابنتا سعد قتل معك يوم أحد، وإن عمهما أخذ جميع ما ترك أبوهما، وإن المرأة لا تنكح إلّا على مالها، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزلت آية الميراث، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخا سعد فقال:"اعط ابنتي سعد ثلثي ماله وأعط امرأته الثمن، وخذ أنت ما بقي" حيث أعطى الشارع البنتين ثلثي التركة فرضًا عند عدم المعصِّب وبنتا الابن مثل البنتين عند عدمهما، فإن قلتَ: إن الاثنتين من البنات يعطيان النصف، ولا يعطيان الثلثين إلا إذا كن ثلاث فما فوق، وهو قول ابن عباس؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} ، ويلزم من لفظ:{نِسَاءً} أن يأخذن الثلثين، إذا كن جمعاً، وأكّد ذلك بقوله:{فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} حيث يلزم من لفظ "فوق": أن يأخذن الثلثين إذا كن جمعًا. قلتُ: إن هذا لا ينافي استحقاق البنتين للثلثين؛ لأن تخصيص الشيء بالذكر لا ينفي الحكم عمّا عداه، فيكون=
الثلثين (مع بنت) واحدة؛ لقضاء ابن مسعود، وقوله:"إنه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها" رواه البخاري
(34)
(ولأخت فأكثر لأب مع أخت) واحدة (لأبوين) السدس تكملة
حكم الجمع قد ثبت بالآية التي استدلّ بها ابن عباس هنا، وحكم المثنى قد ثبت بالسنة القولية، وهو إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم لا بنتي سعد الثلثين، فتكون السنة مفضِّلة، ومفسِّرة لما أجملته الآية، وأما ذكر الآية للفظ:{نِسَاءً} بالجمع: فقد يراد بالجمع الاثنين؛ قياسًا على حجب الأم من الثلث إلى السدس بالأخوين مع أنه سبحانه قال: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} ، وأما ذكر الآية للفظ {فَوْقَ} لإفادة: أن نصيب البنات لا يزيد عن الثلثين، ولو بلغ عددهن ما بلغ، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض الكتاب مع السنة"، فإن قلتَ: لِمَ يعط الذكر مثل حظ الأنثيين فيما إذا اجتمع البنات وأخوتهن، وبنات الابن وأخوتهن، وأبناء عمهن، والأخوات وأخوتهن؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن الرجل أحوج إلى المال من الأنثى؛ لأن الرجال قوامون على النساء، حيث إن الرجل هو المنفق على المرأة وأولادها، ومنه المهر وهو القائم بالتزامات أخرى كجنابات أولاده، ويدخل في العاقلة ونحو ذلك، أما المرأة: فهي المنفق عليها، والتي يُدفع إليها المهر، ولا تلتزم بشيء من التزامات الرجل، ونفعه للميت في حياته أكثر من نفع المرأة لذلك الميت، ومن كان إخراجه للمال أكثر فهو له أحوج، فناسب أن يُعطى ضعفي ما تعطى المرأة.
(34)
مسألة: بنت الابن فأكثر، وإن نزل أبوها كبنت ابن ابن: ترث السدس بشروط. أولها: أن تكون معها بنت واحدة للميت، ثانيها: عدم وجود الفرع الوارث من الميت نفسه الذي هو أعلى منها سوى البنت التي تأخذ النصف، ثالثها: عدم وجود المعصِّب، وهو أخوها، أو ابن عمها الذي هو بمنزلتها، أو الأصل من الذكور الوارث؛ لقاعدتين الأولى: السنة الفعلية؛ حيث قضى رسول
الثلثين كبنت الابن مع بنت الصلب
(35)
(مع عدم معصِّب فيهما) أي: في مسألتي: بنت الابن مع بنت الصلب، والأخت لأب مع الشقيقة، فإن كان مع إحداهما معصب: اقتسما الباقي: للذكر مثل حظ الأنثيين
(36)
(فإن استكمل الثلثين بنات):
الله صلى الله عليه وسلم اللبنة بالنصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من اجتماع أكثر من واحدة من البنات: إعطاؤهما الثلثين؛ - كما سبق في مسألة (33) -، ويلزم من قرب البنت: أن تعطى النصف، وإعطاء بنت الابن السدس تكملة للثلثين.
(35)
مسألة: الأخت لأب فأكثر: ترث السدس بشروط: أولها: أن تكون معها أخت واحدة شقيقة، ثانيها: عدم وجود الفرع الوارث -: من ابن أو بنت، أو أولاد الابن، ثالثها: عدم وجود المعصِّب، وهو أخوها؛ للقياس؛ بيانه: كما أن لبنت الابن السدس إذا وجدت مع بنت، فكذلك للأخت لأب السدس إذا وجدت مع أخت شقيقة والجامع: أن كلًّا من بنت الابن والأخت لأب قد وجدتا مع من هى أقوى منهما وهما: البنت، والأخت الشقيقة، فكان للبنت، ولبنت الابن الثلثان - كما سبق - فأخذت البنت النصف لقوتها، وأخذت بنت الابن السدس؛ تكملة الثلثين فكذلك الأخت الشقيقة تأخذ النصف، نظرًا لقوتها، وتأخذ الأخت لأب السدس تكملة الثلثين.
(36)
مسألة: إذا اجتمعت: بنت الابن مع أخيها - وهو المعصب لها - أو ابن عمها الذي في درجتها، أو اجتمعت الأخت مع أخيها: فإن بنت الابن وأخاها يقتسمان المال كله، أو يقتسمان ما بقي بعد أخذ أهل الفرائض فروضهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك: إذا اجتمعت الأخت مع أخيها: فإن الأخت لأب وأخاها يقتسمان التركة للذكر مثل حظ الأنثيين؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وقال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وهما واضحتا الدلالة.
بأن كن ثنتين فأكثر: سقط بنات الابن إن لم يُعصبن
(37)
(أو) استكمل الثلثين (هما)
(37)
مسألة: إذا استكملت البنات من الصلب الثلثين: سقطت بنات الابن بشرط: أن لا يوجد مع بنات الابن من يعصبهن من الذكور كأخيهن، أو ابن عمهن، أو أنزل منهن عند احتياجهن إليه كابن أخيهن، أو ابن ابن عمهن، أو ابن ابن ابن عمهن، وهو الذكر المبروك، فإن كان مع بنات الابن من يعصبهن - ممن ذكرنا - عصبهن ولم يسقطن، والباقي - بعد أخذ البنات من الصلب للثلثين - يُقسَّم بين بنات الابن ومن عصبهم فمثلًا: لو مات ميت عن "بنتين وبنتي ابن، وابن ابن عمهن" فإن المسألة تكون من اثني عشر: تأخذ البنتان الثلثين - وهما ثمانية، وتأخذ ابنتا الابن وابن ابن عمهن الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، فتأخذ كل بنت ابن واحدًا، ويأخذ ابن ابن عمهن اثنين، ومثلًا: لو مات ميت عن "بنتين، وبنت ابن" فإن البنتين تأخذان الثلثين، وتسقط بنت الابن، والباقي يكون لأولى ذكر عاصب؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وهذا عام فيشمل أولاد الصلب، وأولاد الأبناء؛ لأن "لفظ أولادكم" جمع منكر أضيف إلى معرفة، وهو من صيغ العموم يؤيده: أنه متناول لهم لو لم يكن هناك بنات؛ لأن كل ذكر وأنثى يقتسمان المال إذا لم يكن معهم ذو فرض كالأخوة مع الأخوات، الثانية: التلازم؛ حيث إن الله لم يفرض للأولاد إذا كانوا نساء إلا الثلثين: سواء كن قليلات، أو كثيرات وهؤلاء البنات لم يخرجن عن كونهن نساء من الأولاد، وقد ذهب الثلثان لولد الصلب، فلم يبق لبنت الابن شيء، ولا يمكن أن يشاركن بنات الصلب؛ لكونهن دون درجتهن فلزم من هذه المقدمات: سقوط بنت الابن؛ الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إنه قد ثبت عن علي وزيد وعائشة: أنهم قسَّموا الباقي على بنت الابن ومن معها ممن يعصبها للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن قلتَ: إن الباقي يكون للذكر وهو المعصِّب لهن دون بنت الابن، وهو قول ابن مسعود، وهذه إحدى =
أي: بنت، وبنت ابن:(سقط من دونهن) كبنات ابن ابن (إن لم يعصبهن ذكر (بإزائهن) أي: بدرجتهن (أو أنزل منهن) من بني الابن
(38)
، ولا يعصب ذات فرض أعلى منه
(39)
، ولا من هي أنزل منه
(40)
(وكذا: الأخوات من الأب) يسقطن (مع
المسائل الست التي خالف فيها ابن مسعود أكثر الصحابة في الفرائض؛ للتلازم؛ حيث إن النساء من الأولاد لا يرثن أكثر من الثلثين بدليل ما لو انفردن: وتوريثهن هنا يلزم منه إعطاؤهن أكثر من حقهن قلتُ: ما ذكر هنا في الاستحقاق بالفرض، بخلاف ما نحن فيه، فإن بنات الابن أخذن بسبب التعصيب بهذا الذكر المبروك، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في جمع النساء هل لا يزدن عن الثلثين فرضًا وتعصيبًا أم لا يزدن فرضًا فقط؟ " فعندنا الثاني وعندهم الأول.
(38)
مسألة: إذا استكملت بنت، وبنت ابن الثلثين: فإنه يسقط من دون بنت الابن: كبنات ابن ابن بشرط: أن لا يوجد مع بنات ابن الابن من يعصبهن من الذكور - كأخيهن، أو أنزل منهن عند احتياجهن إليه وهو الذكر المبروك - كما سبق ذكره في مسألة (37) -، فإن كان مع بنات ابن الابن من يعصبهن: فإنه يعصبهن، ولا يسقطن، ويأخذن الباقي - بعد أخذ البنت، وبنت الابن الثلثين - ويُقسَّم هذا الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ وهي الآية التي ذكرناها في مسألة (37)؛ الثانية: القياس؛ حيث إن حكم بنات ابن الابن مع بنات الابن مثل حكم بنات الابن مع بنات الصلب في جميع ما ذكرنا وفي مسألة (37).
(39)
مسألة: لا يعصب ذكرٌ امرأةً تأخذ فرضًا أعلى من ذلك المعصِّب - وهو ذلك الذكر - بشرط: أن يكون لتلك المرأة شيء في الثلثين، أو السدس؛ للمصلحة: حيث إنه لو عصبها لشاركها فيما تأخذه، وهذا فيه إضرار بها - أي: بتلك المرأة ذات الفرض - وتنقيصًا من حقها، فدفعًا لذلك: شرع هذا.
(40)
مسألة: لا يعصب ذكر امرأةً هى أنزل منه، فلو وُجدت بنت ابن ابن: فإنه لا يعصبها ابن الابن، بل يحجبها؛ للمصلحة: حيث إنه لو عصبها لشاركته في حقه، =
الأخوات لأبوين) اثنتين فأكثر (إن لم يعصبهن أخوهن) المساوي لهن
(41)
، وابن الأخ لا يعصب أخته، ولا من فوقه
(42)
(والأخت فأكثر) شقيقة كانت، أو لأب، واحدة، أو أكثر (ترث بالتعصيب ما فضل عن فرض البنت) أو بنت الابن (فأزيد)
وكان في ذلك إضرار به؛ لكون الأبعد لا يشارك الأقرب.
(41)
مسألة: إذا استكملت الأختان الشقيقتان فأكثر الثلثين: فإن الأخت لأب فأكثر يسقطن بشرط: أن لا يوجد مع الأخت لأب فأكثر من يعصبهن، وهو أخوهن المساوي لهن في الرتبة أما إن وجد من يعصبهن -وهو أخوهن-: فإنه يعصبهن، ويكون له ولأخواته من الأب ما بقى بعد أخذ الأختين للثلثين، فمثلًا: لو مات ميت عن: "أختين شقيقتين، وأخت لأب": فإن الشقيقتين تأخذان الثلثين، وتسقط الأخت لأب، والباقي لأولى رجل ذكر، ولو مات ميت عن "أختين شقيقتين، وأختين لأب وأخوين لأب": فإن الشقيقتين تأخذان الثلثين والباقي يُقسَّم بين الأختين لأب، والأخوين لأب، للذكر مثل حظ الأنثيين وهو المسمى بالذكر المبروك؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ وهي الآية المذكورة في مسألة (37)، الثانية: التلازم؛ حيث إن الله تعالى قد فرض للأخوات الثلثين، فإذا أخذه الأخوات الشقيقات: لم يبق مما فرضه الله تعالى للأخوات لأب شيء: فيلزم سقوطهن.
(42)
مسألة: الأخت لأب لا يعصبها إلا أخوها فقط المساوي لها في الرتبة، فلا يعصبها ابن أخيها - وهو أقل منها في الرتبة - فلو استكمل الأخوات الشقيقات الثلثين، ووجد معهن أخوات لأب وابن أخ لهن: فإن الأخوات لأب يسقطن، وكان الباقي لابن الأخ؛ للقياس؛ بيانه: كما أن ابن الأخ لا يعصب أخته وهي في درجته، لكونها من ذوي الأرحام فمن باب أولى أن هذا - وهو ابن الأخ - لا يعصب من هي أعلى منه، فإن قلتَ: إن بنت الابن يعصبها ابن أخيها، وهو أنزل منها، وابن عمها، فلِمَ الأخت لأب لا يعصبها ابن أخيها هنا؟ قلتُ: لأن ابن الابن وإن نزل ابن، وابن الأخ ليس بأخ.
أي: فأكثر، فالأخوات مع البنات، أو بنات الابن عصبات: ففي: "بنت، وأخت شقيقة، وأخ لأب" للبنت النصف، وللشقيقة الباقي، ويسقط الأخ لأب بالشقيقة؛ لكونها صارت عصبة مع البنت
(43)
(وللذكر) الواحد (أو الأنثى) الواحدة، أو الخنثى
(43)
مسألة: الأخت الشقيقة فأكثر، أو الأخت لأب فأكثر مع البنت فأكثر أو بنت الابن فأكثر عصبة أي: يرثن بالتعصيب الباقي بعد فرض البنت فأكثر أو الباقي بعد فرض بنت الابن فأكثر مثل الأخوة تمامًا، وليس للأخوات مع البنات فريضة مسمَّاة فمثلًا: لو مات ميت عن: "بنت، وأخت شقيقة، وأخ لأب": فإن البنت تأخذ النصف - وهو فرضها كما سبق -، والأخت الشقيقة تأخذ الباقي، ويسقط الأخ لأب بالأخت الشقيقة؛ لقواعد: الأولى: السنة الفعلية؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى بـ "بنت، وبنت ابن، وأخت" بأن للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، وما بقي للأخت" - كما نقله ابن مسعود - فأخذت بنت الابن السدس تكملة للثلثين -. الثانية: قول الصحابي؛ حيث ثبت عن عمر، وعلي، وزيد، وابن مسعود، ومعاذ، وعائشة أنهم قالوا بذلك الثالثة: التلازم؛ حيث إنه قد لزم من كون الشقيقة قد أدلت إلى الميت بجهتين: أن تسقط من أدلى إلى الميت بجهة واحدة - وهو الأخ لأب -: لأن القوي يسقط الضعيف، فإن قلتَ: لا تجعل الأخوات مع البنات عصبة، فلو مات ميت عن "بنت، وأخت" فللبنت النصف والباقي لأولى ذكر، ولا شيء للأخت، وهو قول ابن عباس، للكتاب؛ حيث قال تعالى:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} حيث إن منطوق ذلك دل على أن الأخت ترث بشرط عدم ولد الصلب، ودل مفهوم الشرط على أن الأخت لا ترث مع وجود ولد الصلب، والبنت من الولد، فتسقط الأخت بها. قلتُ: إن الآية دلَّت على أن الأخت لا يفرض لها النصف مع وجود الولد وهذا نوافقكم عليه؛ لدلالة الآية عليه، وهذا لسنا بصدده هنا، ولكنا نتكلَّم هنا عمّا تأخذه بالتعصيب مع وجود البنت كميراث الأخ المساوي =
(من ولد الأم السدس
(44)
، ولاثنين) منهم: ذكرين، أو أنثيين، أو خنثيين، أو مختلفين (فأزيد الثلث بينهم بالسوية) لا يفضل ذكرهم على أنثاهم؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} أجمع العلماء على أن المراد هنا: ولد الأم
(45)
.
لها بالدرجة، وفرق بين ما تأخذه بالفرض والتعصيب، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في الأخت مع وجود الولد هل لا ترث فرضًا ولا تعصيبًا، أم لا ترث فرضًا فقط، وترث تعصيبًا؟ فعندنا: الثاني، وعندهم: الأول.
(44)
مسألة: إذا انفرد الذكر من ولد الأم - وهو الأخ لأم: فإنه يأخذ سدس المال كله، ولو انفردت الأنثى من ولد الأم - وهي الأخت لأم: فإنها تأخذ السدس كله، ولو انفرد الخنثى من ولد الأم: فإنه يأخذ السدس كله أيضًا؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} وهذا قد أجمع العلماء على أن المراد من الأخ والأخت هنا: الأخ لأم، والأخت لأم، فشرع لكل واحد منهما إذا انفرد السدس، وهو المنطوق، ودلَّ مفهوم الشرط على عدم أخذه كل واحد منهما للسدس إذا لم ينفردا، والخنثى مثلهما؛ لعدم الفارق، الثانية: قول الصحابي؛ حيث قرأ عبد الله بن مسعود، وسعد بن أبي وقاص وله أخ أو أخت من أم" وقراءتهما حجة.
(45)
مسألة: إذا اجتمع اثنان فأكثر من ولد الأم - وهو الأخ لأم، أو الأخت لأم - سواء كانا ذكرين، أو أنثيين، أو ذكر وأنثى، أو خنثيين، أو ذكر وخنثى، أو أنثى وخنثى فإنهم يأخذون ثلث المال كله، يُقسَّم بينهم بالسوية، ولا يفضل ذكرهم على أنثاهم؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ =
فصل: في الحجب، وهو لغة المنع، واصطلاحًا: منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلية، أو من أوفر حظيه.
ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} حيث أعطى الشارع الاثنين من الأخوة، أو الأخوات من الأم فأكثر الثلث، ويلزم من عبارة {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} التسوية بينهم في هذا الثلث دون تفضيل الذكر على الأنثى، الثانية: القياس، وهو من وجهين: أولهما: كما أنه لو أوصى لذكور وإناث بشيء أو أقرّ لهم به: فإنهم يكونون شركاء بالتساوي تعطى الأنثى كما يعطى الذكر، فكذلك الحال هنا، والجامع: عدم التفريق في العبارة في كل، ثانيهما: كما أنه لو اجتمعت جماعة لتأخذ الثلث فرضًا: فإنهم يكونون سواء فيه، فكذلك الحال هنا، والجامع: عدم التفريق في كل، فإن قلتَ: إنه يُفضَّل الذكر على الأنثى، فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وهو قول حكي عن ابن عباس؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} المبيِّن في قوله: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فلفظ: "الأخوة" هنا شامل للأخوة والأخوات الأشقاء، أو لأب، أو لأم، فالآية الثانية فصَّلت ما أجملته الآية الأولى قلتُ: عنه أجوبة: أولها: أن الله تعالى قال: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} فسوى هنا بين الذكر والأنثى بين الأخوة والأخوات لأم؛ في كون لكل واحد منهما السدس؛ لأن "أو" للتسوية، وهذا لا يقع بين الأخوة الأشقاء والشقيقات، أو الأخوة لأب، والأخوات لأب، ثانيها: قوله {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} أكَّد تلك التسوية كما قلنا، ثالثها: أن قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} لا صلة بأية الأخوة لأم؛ لأن المراد بالآية الثانية: الأخوة الأشقاء، والأخوة لأب، يؤيده: أنه جعل للواحدة النصف: وللاثنتين الثلثين، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: هل الآية الثانية مبينة للآية الأولى أم لا؟ " فعندنا: لا، وعندهم: نعم.
ويُسمَّى الأول: حجب حرمان، وهو المراد هنا
(46)
(يسقط الأجداد بالأب)؛
(46)
مسألة: الحجب لغة: المنع، ومنه قيل للستر:"حجاب"؛ لأنَّه يمنع المشاهدة، وقيل للبواب:"حاجب"؛ لأنَّه يمنع من الدخول - كما في المصباح (120) - واصطلاحًا: "منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلية، أو من أوفر حظية"، والمراد أن الحجب قسمان: القسم الأول: حجب الحرمان، وهو إسقاط الشخص من الورثة: كحجب الجد بالأب ونحوه وحجب ابن الابن بالابن وهو المراد من قوله: "بالكلية" كما سيأتي بيانه، القسم الثاني: حجب أن النقصان. وهو: أن ينقص حق وارث بسبب وارث آخر أولى منه، وهو انتقال بالوارث من حالة يأخذ فيها الأكثر إلى حالة يأخذ فيها الأقل، وهو لا يكون إلا في أصحاب فروض تسعة:"الأم، والزوج والزوجة، والجد، والبنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب": فالأم يحجبها الولد مطلقًا والاثنان من الأخوة من الثلث إلى السدس، والزوج يحجبه الفرع الوارث من النصف إلى الربع، والزوجة يحجبها الفرع الوارث من الربع إلى الثمن، وبنت الابن فأكثر تحجبهن البنت الواحدة من النصف إلى السدس، والأخت لأب فأكثر تحجبهن الأخت الشقيقة من النصف إلى السدس، وكذلك: البنت وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب ترث كل واحدة نصف المال كله، فإذا وجد معها من يُعصبها من إخوتها فإنها تشترك معه في اقتسام المال، أو الباقي بعد إعطاء أصحاب الفروض حقوقهم، وهذا لا يشك أنه ينقص حقها، والأب والجد يرث كل واحد منهما كل التركة إذا انفرد تعصيبًا أو يرث الباقي بعد أصحاب الفروض، فإذا وجد بين الورثة ولد، أو ولد ابن انتقل الأب، أو الجد من كونه معصبًا إلى كونه يرث بالفرض، وفرضه السدس إن كان معه ابن، أو ابن ابن، أو يرث السدس فرضًا والباقي بالتعصيب إن كان معه بنت، أو بنت ابن.=
لإدلائهم به (و) يسقط (الأبعد) من الأجداد (بالأقرب) كذلك
(47)
(و) تسقط
تنبيه: قد أطلت في القسم الثاني - وهو: حجب النقصان -: لأن المصنف لم يذكره هنا مع أنه من المهمات.
[فرع]: قال العلماء: لا يجوز لأي شخص أن يفتي بالفرائض وأن يُقسَّم تركة، وهو لا يعرف الحجب، قلتُ: لا يجوز لأي أحد ذلك، وهو لا يعرف الحجب، أو لا يعرف أحوال ميراث أي وارث؛ للمصلحة: حيث إن عدم معرفته لذلك يجعله يحرم أناسًا مستحقين، ويُعطي أناسًا محرومين ويُقلِّل نصيب من لهم الكثير ويكثِّر نصيب من لهم القليل، وهذا فيه أكل مال الناس بالباطل، [فرع ثان]: الفرق بين الحجب والحرمان، أو بين المحجوب، والمحروم من وجهين: أولهما: أن المحروم ليس أهلًا للميراث بسبب وصف اتّصف به كالرق أو القتل، أو اختلاف دين، وهي موانع الإرث، أما المحجوب: فهو أهل للميراث؛ لوجود سبب الإرث فيه وانتفاء موانعه عنه، ولكن منعه من هو أقوى منه. ثانيهما: أن المحروم لا يُعتد به أصلًا؛ لكونه معدومًا بالنسبة لبقية الورثة، فلا يكون حاجبًا لغيره، ولا يؤثر في أنصبتهم، أما المحجوب، فهو معتبر وجوده، فقد يؤثر على غيره في أنصبتهم، فمثلًا: الأخوة إذا وجدوا مع أب وأم فيما لو مات ميت عن "أم وأب، وأخوة": فإن الأم تأخذ السدس؛ لأن الأخوة حجبوها من الثلث إلى السدس، والأب يأخذ الباقي، ويسقط الأخوة بالأب مع أنهم حجبوا الأم من الثلث إلى السدس.
(47)
مسألة: يسقط جميع الأجداد الذكور بالأب، وكل جد بعيد عن الميت يسقط بالجد القريب من الميت، فيسقط أبو أبي أب بأبي الأب وهكذا؛ لقاعدتين: الأولى: إجماع الصحابة؛ حيث ثبت عندهم: أن الجد - أبا الأب - لا يحجبه عن الميراث غير الأب؛ الثانية: للقياس؛ بيانه: كما يسقط الجد بالأب، فكذلك كل جد بعيد يسقط بكل جد قريب، والجامع: أن كلًّا من الأب والجد القريب - وهو المسقط - =
(الجدات) من قبل الأم والأب (بالأم)؛ لأن الجدات يرثن بالولادة، والأم أولاهن؛ لمباشرتها الولادة
(48)
(و) يسقط (ولد الابن بالابن) ولو لم يُدلِ به؛ لقربه
(49)
(و) يسقط (ولد الأبوين) ذكرًا كان أو أنثى (بابن، وابن ابن) وإن نزل، (وأب) حكاه ابن المنذر إجماعًا
(50)
(و) يسقط (ولد الأب بهم) أي بالابن، وابنه، وإن نزل، والأب، (وبالأخ لأبوين) وبالأخت لأبوين إذا صارت عصبة مع البنت، أو بنت الابن
(51)
،
هو المدلى به.
[فرع]: كل من أدلى بواسطة فإن تلك الواسطة تحجبه إلّا ثلاثة فقط: 1 - أم الأب. 2 - أم الجد - حيث إنهما يرثان مع وجود ابنيهما الأب والجد - كما سبق في مسألة (27) - 3 - ولد الأم - وهو الأخ أو الأخت لأم - يرث مع أن أمه موجودة.
(48)
مسألة: تسقط جميع الجدات - من قبل الأم وقبل الأب - بالأم؛ للتلازم؛ حيث إن الجدات يرثن بالولادة ويلزم من كون الأم هي التي باشرت الولادة: أن يكون الميراث لها فقط، دونهن.
(49)
مسألة: يسقط ولد الابن - ذكرًا كان أو أنثى - بالابن، وكذا: كل ولد ابن ابن نازل يسقط بابن ابن أعلى منه؛ للتلازم؛ حيث إن الابن إن كان أباه فقد أدلى به، وإن كان الابن عمه: فهو أقرب إلى الميت منه، فيلزم أن يأخذ الميراث ويسقطه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر".
(50)
مسألة: يسقط ولد الأبوين - وهو: الأخ الشقيق - بثلاثة: 1 - الابن. 2 - ابن الابن وإن نزل 3 - الأب؛ للإجماع؛ حيث أجمع العلماء على ذلك.
(51)
مسألة: يسقط ولد الأب - وهو: الأخ لأب - بخمسة: 1 - الابن. 2 - ابن الابن وإن نزل - الأب. 4 - الأخ الشقيق. 5 - الأخت الشقيقة إذا صارت عصبة مع البنت، أو بنت الابن - كما سبق في مسألة (43) -؛ لقواعد الأولى: السنة القولية؛ حيث إن عليًا قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية،=
(و) يسقط (ولد الأم بالولد) ذكرًا كان أو أنثى (وبولد الابن) كذلك (وبالأب، وأبيه) وإن علا
(52)
(ويسقط به) أي: بأب الأب وإن علا (كل ابن أخ و) كل (عم) وابنه؛ لقربه
(53)
، ومن لا يرث؛ لرق، أو قتل، أو اختلاف دين لا يحجب حرمانًا، ولا نقصانًا
(54)
.
وأن أعيان بنى الأم يتوارثون، دون بني العلَّات، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه" والمراد: والأخوة الأشقاء: هم بنو الأعيان؛ لأنهم من عين واحدة، والأخوة لأب بنو العلَّات، أي: الزوجات المختلفة، جمع علَّة، وهي الضرة، والأخوة لأم هم بنو الأفياف: أي الأخلاط؛ لكونهم ليسوا من رجل واحد، الثانية: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على ذلك.
(52)
مسألة: يسقط ولد الأم - وهو الأخ لأم - بأربعة وهم: 1 - الولد: ذكرًا كان أو أنثى كابن أو بنت. 2 - ولد الابن ذكرًا أو أنثى كابن ابن، أو بنت ابن. 3 - الأب. 4 - الجد وإن علا؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} والمراد بالأخ والأخت هنا الأخوة لأم بالإجماع كما سبق، والمراد بالكلالة: من ليس له والد ولا ولد، أي: أن ولد الأم يرث إذا لم يوجد للميت والد، ولا ولد - أما إذا وجد له ذلك: فلا يرث، أي: يسقط بهم، وهو قد جمع هؤلاء الأربعة.
(53)
مسألة: يسقط ابن الأخ الشقيق، أو لأب، والعم الشقيق، أو لأب، وابنه بالجد؛ للتلازم؛ حيث إن الجد وإن علا أقرب إلى الميت من هؤلاء فيلزم أنه يسقطهم.
(54)
مسألة: من وجد فيه مانع من موانع الإرث: فلا يحجب حجب حرمان، ولا حجب نقصان، وموانع الإرث ثلاثةً: أولها: الرق - وهو: عجز حكمي شرع في الأصل جزاء عن الكفر -، وهو مانع من الإرث، للتلازم؛ حيث إن العبد ملك=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لسيده، فيلزم من توريثه: أن يكون ذلك لسيده، وقد يكون ذلك السيد أجنبيًا عن الميت، فيكون ذلك توريثًا للأجنبي بلا سبب، وهو لا يجوز، ثانيها: القتل - وهو فعل ما يحصل به زهوق الروح - فإذا قتل شخص مورِّثه: فإن هذا الشخص لا يرثه، فلو قتل الولد أباه: فإنه لا يرثه، ولو قتل الأب ابنه: فإنه لا يرثه، ولكنه لا يقتل به؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "القاتل لا يرث" وهذا نهي مطلق، وهو يقتضي التحريم والفساد؛ لأن من استعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه، وهو ظلم ظاهر لذلك المورث. ثالثها: اختلاف الدين - وهو: أن يكون دين الميت مخالفًا لدين من قام به سبب الإرث كأن يكون الميت مسلمًا، وولده كافرًا فهذا لا يرث؛ للسنة القولية: حيث صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم"، وهذا نهي، مطلق يقتضي التحريم والفساد.
هذه آخر مسائل: "تعريف الفرائض، وأسباب الإرث، وأصناف الورثة، وبيان أهل الفرائض، وأحوال كل وارث، وبيان الحجب وموانع الإرث ويليه باب: "العصبات".
باب العصبات
من العصب، وهو الشد سمُّوا بذلك؛ لشد بعضهم أزر بعض (وهم كل من لو انفرد لأخذ المال بجهة واحدة) كالأب، والابن، والعم، ونحوهم، واحترز بقوله:"بجهة واحدة" عن ذي الفرض؛ فإنه إذا انفرد يأخذه بالفرض والرَّد، فقد أخذه بجهتين (ومع ذي فرض يأخذ ما بقي) بعد ذوي الفروض، ويسقط إذا استغرقت الفروض التركة، فالعصبة: من يرث بلا تقدير
(1)
ويُقدَّم أقرب العصبة (فأقربهم ابن، فابنه وإن نزل)؛ لأنَّه جزء الميت (ثم الأب)؛ لأن سائر العصبات يدلون به (ثم الجد) أبوه (وإن علا)؛ لأنَّه أب وله إيلاد (مع عدم أخ لأبوين أو لأب) فإن اجتمع معهم
باب العصبات
وفيه إحدى عشرة مسألة:
(1)
مسألة: العصبات: جمع عصبة، وهي لغة: من العصب، وهو: الشدُّ والإحاطة، ومنه "عصابة الرأس"؛ لأنها تحيط بالرأس، ويُشدُّ بها، ومنه:"عصب الجرح" إذا شدَّه، وأحاطه بعصابة تمنع سيلان الدم، وتدفع الأذى عنه، وهي اصطلاحًا:"هم كل من لو انفرد لأخذ جميع التركة بجهة واحدة أو أخذ ما بقي بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم بلا تقدير ولا تعيين سهم، أو يسقط عند استغراق الفروض التركة" والمراد: أن العاصب لو انفرد - كالأب أو الابن -: فإنه يأخذ جميع التركة بشرط: أن يكون أخذه لذلك بسبب جهة واحدة فقط، وهي واحدة من جهات سبع - وهي: البنوة، ثم الأبوة، ثم الجدودة، ثم الأخوة، ثم بنو أخوة، ثم عمومة، ثم الولاء -، واشترط هذا الشرط؛ لإخراج ذوي الفرض - ذكرًا أو أنثى - الذي إذا انفرد يأخذ التركة كلها بسبب جهتين: جهة الفرض، وجهة الرَّد مثل:"الأم" و "الأخت" - كما سيأتي بيانه -.=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[فرع]: أُخِّر العصبات عن أصحاب الفروض؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" حيث دل هذا بمنطوقه: على أنه يبدأ أولًا بإعطاء أهل الفروض فروضهم، وأن العاصب - وهو أقرب رجل إلى الميت من جهة أبيه - يأخذ الباقي إن بقي شيء، ودل بمفهوم العدد على أن العاصب إذا انفرد يأخذ جميع المال، وعلى أنه يسقط إذا استغرقت الفروض التركة وإنما قدم صاحب الفرض؛ لئلا يقدم العاصب فيأخذ المال كله. فائدة: عصبة الرجل هم: قومه الذين يتعصَّبون به، وهم بنوه، وقرابته لأبيه، وسُمُّوا بذلك لأنهم عصبوا به أي: أحاطوا به، وشدَّ بعضهم أزر بعض، ودافعوا عنه في الحياة، فالأب، طرف، والابن: طرف، والأخ: جانب والعم: جانب، فائدة ثانية: العصبة تطلق على الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث؛ للغلبة، والرجل يعصب، المرأة أي: يجعلها عصبة، فائدة ثالثة: العصبات جمع الجمع؛ للتلازم؛ حيث إن عاصب مفرد، وجمعه عصبة، وجمع عصبة: عصبات، فيلزم أن يكون العصبات جمع الجمع.
[فرع ثان]: العصبة النسبية، وهي التي تجيء من جهة النسب، وهي: فروع الشخص وأقاربه الذكور من جهة أبيه، ومن ينزل منزلتهم من الإناث الذين لا تتوسط بينهم وبين الميت أنثى وهؤلاء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: العصبة بالنفس، وهم: كل قريب ذكر يمكن نسبته إلى الميت، دون توسط أنثى بينهما، وهذا يضم 1 - فرع الميت الذكر - وهم الابن وابن الابن وإن نزل. 2 - أصل الميت - وهو الأب. 3 - أصل الميت الثاني وإن علا - وهو: الجد مع الأخوة الأشقاء أو لأب -. 4 - فروع أخوة الميت: وهم أبناء الأخوة الأشقاء أو الأب - وإن نزلوا. 5 - فروع جد الميت - وهم الأعمام الأشقاء أو لأب، وأبناؤهم وإن نزلوا، وأعمام أبي الميت وأبناؤهم وإن=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نزلوا، وأعمام جده وأبناؤهم وإن نزلوا؛ لقواعد؛ الأولى: الكتاب؛ وهو من وجهين: أولهما: قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} حيث دلَّت على أن الابن عصبة، وأن الأب عصبة عند عدم وجود الابن، ودلَّت على أن البنوة مقدمة على الأبوة؛ للتلازم؛ حيث إن ورثته بالتعصيب في حالة وجود الأب، فلو كان الأب مقدمًا على الابن: لكان العكس، وهذا يلزم منه ما ذكر، ثانيهما قوله تعالى:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} حيث دلَّت على أن الأخ عصبة؛ لأنها ذكرت نصيب أخته، ولم تذكر نصيب الأخ، وهذا يلزم منه: أن إرثه كان بطريق التعصيب، ودلَّت على أن البنوة والأبوة مقدمة على الأخوة؛ لكون الشارع اشترط في توريث الأخوة: أن يكون الميت كلالة - وهو من لا ولد ولا والد له - الثانية: السنة القولية: حيث إن امرأة سعد بن الربيع قالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد، وأن عمهما أخذ مالهما فقال عليه السلام لعمهما:"أعطِ ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك" حيث دل ذلك على أن العم عصبة. الثالثة: السنة الفعلية؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المال للأخ الشقيق ثم للأخ لأب، ثم لابن الأخ الشقيق، ثم لابن الأخ لأب، ثم للعم. حيث دل هذا على أن الأخوة عصبة مقدمة على عصبة العم.
تنبيه: عند إطلاق لفظ "عاصب" أو "عصبة" في الفقه: فإنه ينصرف إلى هذا القسم - وهو العصبة بالنفس -؛ للتلازم؛ حيث إن كون عصوبته ثابتة له بأصل قرابته وذاته، لا بواسطة قرابة غيره؛ وكون العصبات في الأصل من الذكور يلزم منه: أن يكون هذا القسم هو الأصل المتقدم في الذهن عند=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الإطلاق.
تنبيه آخر: من انتسب إلى الميت بالأنثى وحدها فلا يكون عاصبًا، بل من أصحاب الفروض كالأخ لأم، أو من الأرحام كابن البنت.
القسم الثاني: العصبة بالغير، وهي: كل أنثى فرضها النصف إذا كانت واحدة والثلثان إذا كن اثنتين فأكثر احتاجت في عصوبتها إلى الغير، وشاركته في تلك العصوبة، فترث معه بالتعصيب، لا بالفرض، ويشترط هنا: أن يكون العاصب الذكر في درجة الأنثى أو دونها إذا احتاجت إليه - وهو المبارك - فمثلًا: لو مات ميت عن "ابنتين، وبنت ابن، وابن ابن ابن" فللبنتين الثلثان فرضًا، والباقي يكون لبنت الابن، وابن ابن الابن للذكر مثل حظ الأنثيين، فهنا: لولا وجود ابن ابن الابن لما أخذت بنت الابن شيئًا؛ لكون البنتين قد استكملتا الثلثين فاحتاجت إليه؛ ليكون مورِّثًاً لها، وتنحصر العصبة بالغير في أربع: 1 - البنت. 2 - بنت الابن. 3 - الأخت الشقيقة. 4 - الأخت لأب، فمتى وجد مع كل واحد منهن عاصب ذكر: فإنها تصير عصبة به؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} حيث دلَّت على أن أولاد الميت، أو أولاد الأبناء إذا اجتمعوا: فإنهم يقتسمون المال للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا دليل التعصيب، وقال تعالى:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً، رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} حيث دلَّت على أن الأخوة والأخوات إذا اجتمعوا: فإن للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا دليل التعصيب.
القسم الثالث: العصبة مع الغير وهي: كل أنثى صاحبة فرض تصير عصبة مع أنثى أخرى. وهذه منحصرة في: الأخوات الشقيقات، والأخوات لأب مع الفرع الوارث المؤنث بشرط: عدم وجود من يعصب الفرع الوارث من =
فعلى ما تقدم ثم (هما) أي: ثم الأخ لأبوين، ثم لأب (ثم بنوهما) أي: ثم بنو الأخ الشقيق، ثم بنو الأخ لأب، وإن نزلوا (أبدًا ثم عم لأبوين، ثم عم لأب، ثم بنوهما كذلك) فيقدم بنو العم الشقيق، ثم بنو العم لأب (ثم أعمام أبيه لأبوين ثم) أعمام أبيه (لأب، ثم بنوهم كذلك) يقدم ابن العم الشقيق على ابن العم لأب (ثم أعمام جده، ثم بنوهم كذلك)، ثم أعمام أبي جده، ثم بنوهم كذلك، وهكذا
(2)
(لا يرث بنو أب
إخوتهن فمثلًا: لو مات ميت عن: "أخت شقيقة، وبنت" فإن للبنت النصف فرضًا، وللأخت الباقي تعصيبًا، لكون الشقيقة صارت عصبة مع البنت؛ للسنة الفعلية؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم قد أعطى البنت النصف، وبنت الابن السدس - تكملة الثلثين -، فأعطى الأخت الباقي - كما رواه ابن مسعود.
فائدة: العاصب بالنفس لا يكون إلا ذكرًا، والعاصب بالغير لا يكون إلا أنثى مع ذكر، والعاصب مع الغير لا يكون إلا أنثى مع أنثى أخرى، هذه خلاصة ما سبق.
(2)
مسألة: العصبات ترتَّب على ما يلي: الأول: الابن، فلا يعصب أحد مع وجود هذا الابن؛ للكتاب؛ وهو من وجهين: أولهما: قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} حيث يلزم من ابتداء الشارع بالأولاد: أنه أولى بالاهتمام من غيره، فيكون الابن مقدم على غيره في العصبة، ثانيهما: قوله: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} حيث إنه يلزم من عدم جعل الشارع للابن سهمًا مقدرًا، وقدَّر السهم الخاص بالأب: أن الابن مقدم في العصبة على الأب وغيره، نظرًا لكون الابن جزءًا من الميت، وجزء الشيء أقرب إليه من أصله.
الثاني: ابن الابن وإن نزل؛ للكتاب؛ وهو من وجهين، وهما: الآيتان اللتان قد ذكرتهما في الأول - وهو الابن؛ لأن ابن الابن وأنزل ابن، الثالث: الأب؛ للتلازم؛ حيث إن بقية العصبات يدلون به وهو الطرف الآخر للميت: فلزم تقديمه على غيره، الرابع: الجد - وهو أبو الأب - وإن علا بمحض الذكور، بشرط عدم =
أعلى) وإن قربوا (مع بني أب أقرب وإن نزلوا)؛ لحديث ابن عباس يرفعه: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" متفق عليه و"أولى" هنا بمعنى: أقرب، لا بمعنى أحق، لما يلزم عليه من الإبهام والجهالة (فأخ لأب) وابنه وإن نزل (أولى من عم) ولو شقيقًا (و) من (ابنه و) أخ لأب أولى من (ابن أخ لأبوين)؛ لأنه أقرب منه (وهو) أي: ابن أخ لأبوين (أو ابن أخ لأب أولى من ابن ابن أخ لأبوين)؛ لقربه
(3)
وجود الأخ الشقيق، أو لأب، فإن وجد معه: فإنه يرث معه - كما سبق في مسألة (11) من: "تعريف الفرائض، وأسباب الإرث، وأصناف الورثة .. "، ولكن يقدم الجد عليهم بالجملة؛ للتلازم؛ حيث إن الجد له نوع ولادة كالأب، وأنه إذا لم يبق إلّا السدس: فإنه يأخذه، ويسقط الأخ وإن كان معه، وإذا لم يبق شيء في المسألة: أعيل له بالسدس، فيلزم من ذلك: تقديمه على غيره، الخامس: الأخ الشقيق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من قرابته للميت بطريقين - الأب والأم -: أن يقدم على غيره؛ السادس: الأخ لأب؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من اشتراكه مع الشقيق بالأب: أن يقدم على غيره، السابع: ابن الأخ الشقيق؛ للقياس على أبيه: الأخ الشقيق وإن نزل، الثامن: ابن الأخ لأب وإن نزل؛ للقياس على أبيه: الأخ لأب، التاسع: العم الشقيق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من قوته: تقديمه، العاشر: العم لأب؛ لكونه يلي العم الشقيق في القوة - وهما: بنو الجد - الحادي عشر: ابن العم الشقيق، الثاني عشر: ابن العم لأب، الثالث عشر: عم الأب الشقيق. الرابع عشر: عم الأب لأب. الخامس عشر: ابن عم الأب الشقيق، السادس عشر: ابن عم الأب لأب، السابع عشر: عم الجد الشقيق، الثامن عشر: عم الجد لأب، التاسع عشر: ابن عم الجد الشقيق، العشرون: ابن عم الجد لأب وإن نزلوا وهكذا الواحد والعشرون: العم الشقيق لأبي الجد؛ الثاني والعشرون: العم لأب لأبي الجد، ثم بنوهما وهكذا؛ للإجماع: حيث أجمع العلماء على هذا الترتيب.
(3)
مسألة: إذا وجد عاصب بعيد مع عاصب قريب مثل: "جد مع أب" أو "ابن ابن =
(ومع الاستواء) في الدرجة كأخوين وعمين: (يقدَّم من لأبوين) على من لأب؛ لقوة القرابة
(4)
(فإن عدم عصبة النسب ورث المعتِق) ولو أنثى؛ لقوله عليه السلام: "الولاء لمن أعتق" متفق عليه (ثم عصبته) الأقرب فالأقرب كنسب، ثم مولى المعتِق، ثم عصبته كذلك
(5)
. ................................................................
مع ابن" أو "بني أب أقرب إلى الميت مع بني أب أبعد" أو "عم شقيق مع أخ لأب" أو "عم شقيق مع ابن أخ لأب" أو نحو ذلك: فإنه يقدم من هو أقرب درجة إلى الميت، فنقدم في الصور السابقة الابن على ابن الأب على الجد، والابن على ابن الابن، وبني الأب الأقرب على بني أب أبعد، والأخ لأب على العم الشقيق، وابن الأخ لأب على العم الشقيق، وهكذا؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: ألحقوا الفروض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" والأقرب إلى الميت هو الأولى بالميراث.
(4)
مسألة: إذا استوت العصبات في الجهة والدرجة: فإنه يُقدَّم الأقوى قرابة، فيقدم صاحب القرابتين: فيُقدَّم الأخ الشقيق على الأخ لأب إذا اجتمعا ويقدم العم الشقيق، على العم لأب إذا اجتمعا ويُقدَّم ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب إذا اجتمعا وهكذا؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من كونه قويًا في قرابته: تقديمه.
[فرع]: إذا استوت العصبات في الجهة والدرجة وقوة القرابة: فإن الجميع يستحقون التركة، يقتسمونها بينهم بالتساوي، فمثلًا لو مات ميت عن:"ابن ابن ابنه، وابن ابن ابنه الآخر" فإن التركة تُقسَّم بينهما بالتساوي؛ للتلازم؛ حيث يلزم تساويهما بالجهة، والدرجة، والقوة: تساويهما في الميراث.
(5)
مسألة: إذا عدم العصبة السابقة الذكر في مسألة (2): فإن المعتِق هو الذي يرث المعتَق: سواء كان هذا المعتِق ذكرًا أو أنثى، فإن عدم المعتِق المباشر: فإن عصبته هم الذين يرثون: الأقرب فالأقرب - كما سبق بيانه في العصبة النسبية، فإن عدمت عصبة المعتِق: فإن مولى المعتِق هو الذي يرث، فإن عدم هذا المولى: فإن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عصبته هم الذين يرثون وهكذا - كما سبق بيانه في العصبة النسبية؛ وهذا الإرث هنا يلي العصبات النَّسَبية للعتق مباشرة، ويُقدَّم على الرَّد على أصحاب الفروض، وعلى إرث ذوي الأرحام، وهو قول الجمهور؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق" فأثبت الشارع الولاء للمعتِق، ونفاه عمّن سواه، فيكون المعتِق أولى بالمعتَق من غيره بإرث وغيره.
ثانيهما: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مال عبد قد أعتقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن مات ولم يدع وارثًا، فلك ماله" وهو صريح في أن المعتِق هو الذي يرث المعتَق إذا لم يوجد من يرثه من أصحاب الفروض، أو العصبات؛ الثانية: السنة الفعلية؛ حيث إنه كان لبنت حمزة مولى أعتقته، فمات وترك ابنته، ومولاته - وهي بنت حمزة - فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف، وأعطى بنت حمزة النصف" حيث دل هذا على أن المولى الأعلى - وهو المعتِق - يرث العبد الذي أعتقه، وأنه يرثه تعصيبًا، وأنه مقدم على الرَّد، ومعروف أن الرَّد مقدم على إرث ذوي الأرحام، فإن قلت: لم جعل الشارع المعتِق وارثًا للمعتَق تعصيبًا؟ قلت: للمصلحة؛ حيث إن الشارع جعل للمعتِق هذا الحق مكافأة على نعمة الإعتاق والحرية التي أعطاها المعتِق للعتيق، وهذا فيه حثّ على الإعتاق؛ لأن الشخص إذا علم أنه يرث ذلك العتيق - إن مات ولم يترك وارثًا -: فإنه سيسارع إلى إعتاقه، وبهذا يكون له الخير من جانبين: خير وأجر الإعتاق عند الله، وخير الميراث الدنيوي، فإن قلت: ما الفرق بين العصبة النسبية والعصبة السببية - وهو الإعتاق -؟ قلتُ: النسب يوجب الميراث بين الجانبين: فكما يرث الابن أباه، فكذلك يرث الأب ابنه، وأما العصبة السببية - وهو: الإعتاق - فلا يوجب الميراث إلا من جانب واحد، وهو جانب المعتِق؛ حيث إن المعتِق هو الذي يرث العتيق، دون العكس، فإن قلتَ: إن قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ =
ثم الرَّد، ثم ذوو الأرحام
(6)
،
(7)
.
فصل: (يرث الابن) مع البنت مثليها (و) يرث (ابنه) أي: ابن الابن مع بنت الابن مثليها؛ لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (و) يرث (الأخ لأبوين) مع أخت لأبوين مثليها (و) يرث الأخ (لأب مع أخته مثليها)؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (وكل عصبة غيرهم) أي: غير هؤلاء الأربعة كابن الأخ، والعم، وابن لعم، وابن المعتِق،
شَيْءٍ عَلِيمٌ} يدل على تقديم ذوي الأرحام على المعتِق وعصبته، فلو مات ميت عن:"ابن بنت، وعصبة سببية - وهو المعتِق -: فإن ميراثه أولًا يكون لذوي الأرحام، وبعد ذلك يُعطى المعتِق، وهو قول عمر وابن مسعود قلتُ: إن تلك الآية جاءت مبينة لأولوية توريث ذوي الأرحام على التوارث بالمواخاة الذي كان معمولًا به في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك؛ حيث أبطل الشارع التوارث بالمؤاخاة، وجعل الأرحام أولى من ذلك هذا ما استفيد من سبب نزول تلك الآية، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "هل يؤخذ بها دون النظر في سبب نزولها أو لا؟ " فعندنا: لا، وعندهم: نعم، ولا ينظر إلى سبب نزولها.
(6)
مسألة: إذا عدم العصبة النسبية، والسببية: فإنه يُرد الباقي والزائد من الفروض إلى أصحاب الفروض الموجودين بنسبة فروضهم، فيكون - بناء على هذا - صاحب الفرض قد أخذ نصيبين من التركة: أحدهما بالفرض، والثاني بالرد - وسيأتي بيان أحكام الرد في باب:"أصول المسائل، والعول والرد".
(7)
مسألة: إذا عُدم العصبة النسبية، والسببية، وذوو الفروض الذين يرد عليهم: فإن المال يُقسَّم على ذوي الأرحام وهم: أقرباء الميت الذين ليسوا من أصحاب الفروض، وليسوا من العصبات، ويتوسط بينهم وبين الميت أنثى في الغالب مثل: ابن البنت، وسيأتي بيانه في باب:"ذوي الأرحام".
وأخيه (لا ترث أخته معه شيئًا)؛ لأنها من ذوي الأرحام، والعصبة مقدم عليهم
(8)
(8)
مسألة: أربعة من الذكور يعصبون أخواتهم عصبة بالغير، فيمنعوهن الفرض، ويقتسمون ما ورثوه للذكر مثل حظ الأنثيين، وهم: 1 - "الابن مع أخته: البنت" فيأخذ الابن مثلي حق البنت. 2 - "ابن الابن مع أخته: بنت الابن" فيأخذ "ابن الابن مثلي حق بنت الابن". 3 - "الأخ الشقيق مع أخته الأخت الشقيقة" فيأخذ هذا الأخ مثلي حق أخته. 4 - الأخ لأب مع أخته: الأخت لأب" فيأخذ هذا الأخ مثلي حق أخته؛ أما غير هؤلاء الأربعة: فإن الذكور ينفردون بالميراث، دون أخواتهم وإناثهم، وهم: بنو الأخوة كمثل: "ابن الأخ، والعم، وابن العم، وابن المعتق، وأخيه، وسائر العصبات"؛ للكتاب؛ وهو من وجهين: أولهما: قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} حيث شملت هذه الآية الأولاد، وأولاد الابن؛ فإذا اجتمع ذكورهم مع إناثهم: فإن الذكر يُعطى مثل حظ الأنثيين، وأولاد الابن: أولاد بالإجماع؛ لأن "أولادكم" جمع منكر مضاف إلى معرفة، وهو من صيغ العموم، ثانيهما: قوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} حيث شملت هذه الآية الأخ الشقيق، والأخ لأب، فإذا اجتمع ذكورهم مع إناثهم: فإن الذكر يُعطى مثل حظ الأنثيين وهذه الآية خاصة في الأخوة الأشقاء، والأخوة لأب، دون الأخوة لأم - كما سبق ودلّت الآيتان بالمفهوم على أن غير الأولاد، وغير الأخوة: لا ترث أخته معه، بل ينفرد الذكور بالميراث، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن الرجال والنساء كلهم يرثون فلو فرض للنساء فرض لأدَّى إلى تفضيل الأنثى على الذكر، أو مساواتها إياه، أو إسقاطه بالكلية، فكانت المقاسمة بهذه الطريقة أعدل، أما غير الأولاد، وغير الأخوة - كبني الأخوة، أو الأعمام، وبنوهم - فإن أخواتهم لسن من أهل الميراث؛ حيث إنهن لسن بذوات فرض، ولا يرثن منفردات، ويلزم من ذلك: عدم إرثهن مع =
(وابنا عم أحدهما أخ لأم) للميتة (أو زوج) لها (له فرضه) أولًا (والباقي) بعد فرضه (لهما) تعصيبًا، فلو ماتت امرأة عن: بنت، وزوج هو ابن عم: فتركتها بينهما بالسوية، وإن تركت معه بنتين: فالمال بينهم أثلاثًا
(9)
(ويبدأ بـ) ذوي (الفروض) فيُعطون فروضهم (وما بقي للعصبة)؛ لحديث: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل عصبة"(ويسقطون) أي: العصبة إذا استغرقت الفروض التركة؛ لما سبق
(10)
حتى الأخوة الأشقاء (في الحمارية) وهي: "زوج، وأم، وإخوة لأم، وأخوة
إخوتهن شيئًا، وهن من ذوي الأرحام، والعصبة مقدمة على ذوي الأرحام كما سبق.
(9)
مسألة: إذا كان بعض بني الأعمام زوجًا للميتة، أو أخًا لأم للميتة: فإن هذا الزوج أو الأخ لأم يأخذ فرضه، ويشارك الباقين في تعصيبهم، فمثلًا: لو ماتت ميتة عن: "ابني عم، أحدهما أخ لأم" فإن الأخ لأم يأخذ السدس فرضًا، والباقي يكون بين ابن عمها الذي هو أخوها لأمها، وبين ابن عمها الذي ليس هو أخوها لأمها يقتسمانه بالسوية وهذا بالتعصيب، ولو ماتت ميتة عن:"ابني عم أحدهما زوجها" فإن الزوج يأخذ النصف فرضًا، والباقي يقتسمه مع ابن عمها الذي ليس بزوج لها بالتعصيب، ولو ماتت ميتة عن:"بنت، وزوج هو ابن عم لها" فللبنت النصف، وللزوج الربع، والباقي يأخذه الزوج أيضًا تعصيباً؛ لكونه ابن عمها، ولو ماتت ميتة عن:"بنتين، وزوجها الذي هو ابن عمها" فللبنتين الثلثان، وللزوج الربع، والباقي يأخذه الزوج تعصيبًا؛ لكونه ابن عمها، وهكذا؛ لقول الصحابي؛ حيث إن هذا قد ثبت عن عمر، وزيد، وعلي، وابن عباس، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: لأن كلًّا من الأخ لأم، والزوج في المسائل السابقة قد أدلوا بقرابتين: الفرض، والتعصيب فيورثان بهما.
(10)
مسألة: إذا اجتمع من يرث بالفرض، ومن يرث بالتعصيب: فإنه يُعطى من يرث بالفرض أولًا فروضهم، فإن بقي شيء: فإنه يكون لمن يرث بالتعصيب، =
أشقاء": للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخوة من الأم الثلث، وتسقط الأشقاء؛ لاستغراق الفروض التركة، روي عن علي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وأبي موسى رضي الله عنهم، وقضى به عمر أولًا، ثم وقعت ثانيًا، فأسقط ولد الأبوين، فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارًا أليست أمنا واحدة؟ فشرَّك بينهم ولذلك سُمِّيت بـ "الحمارية" (11).
أما إن لم يبق شيء واستغرقت الفروض التركة: فإن العصبة يسقطون؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" حيث دل بمنطوقه على أنه يُبدأ أولًا بأهل الفرائض فتقسَّم عليهم فرائضهم، وإن بقي شيء: فهو للعصبة لأولى ذكر من العصبة، ودل بمفهوم الشرط على أنه إذا لم يبق شيء: فإن العصبة يسقطون؛ لأن ذلك لازم من استغراق الفروض التركة. (11) مسألة: المسألة الحمارية، أو المسألة المشتركة أو المشرّكة، أو الحجرية تستثنى من قاعدة مسألة (10)؛ وهي:"زوج، وأم، وأخوة لأم، وأخوة أشقاء" فتكون المسألة من ستة: للزوج النصف - وهو ثلاثة - وللأم السدس - وهو واحد -، وللأخوة لأم والأشقاء الثلث يُقسِّمونه بينهم بالسوية للذكر مثل حظ الأنثيين، وهو قول مالك والشافعي وكثير من العلماء؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن الأخوة لأم يرثون فكذلك من باب أولى أن يرث الأخوة الأشقاء، والجامع: أن كلًّا منهما أخ للميت من أمه، ولهذا قال الأخوة الأشقاء لعمر: "هب أن أبانا حمارًا، أو حجارًا، لم يزدنا قربنا من الميت بالأبوين إلا قوة، فإن لم يزدنا قربنا هذا من الميت قوة واستحقاقًا: فإنه لا يسقطهم، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عمر قد قضى بالتشريك بين الأخوة لأم والأخوة الأشقاء في آخر قضائه، وقضى به زيد، وعثمان رضي الله عن الجميع، فإن قلتَ: إن الأخوة لأم يأخذون الثلث كله، ويسقط الأخوة الأشقاء في هذه المسألة، وهو ما ذكره المصنف هنا وهو قول أبي حنيفة وأحمد؛ لقاعدتين: الأولى: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك قد ثبت =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عن علي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وأبي موسى رضي الله عن الجميع، الثانية: التلازم؛ حيث إن استغراق الفروض والتركة يلزم منه: سقوط العصبة، وهم هنا الأخوة الأشقاء قلتُ: أما قول الصحابي فيعارضه قول الصحابي الآخر، فيتساقطان، مع أن زيد بن ثابت مع القائلين بالتشريك فيُرجَّح به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"أفرضكم زيد"، أما التلازم: فهو باطل؛ لأن الأخوة الأشقاء هم في الحقيقة إخوة لأم وزيادة، كما بيّنا. فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في الأخوة الأشقاء في المسألة هل يُعتبرون أخوة لأم أو لا؟ فعندنا: يُعتبرون، وعندهم: لا.
هذه آخر مسائل باب "العصبات"، ويليه باب:"أصول المسائل، والعول والرَّد".
باب أصول المسائل والعول والرَّد
أصل المسألة: مخرج فرضها، أو فروضها
(1)
(والفروض: ستة: نصف، وربع، وثمن، وثلثان، وثلث وسدس) هذه الفروض القرآنية، وثلث الباقي ثبت بالاجتهاد
(2)
باب أصول المسائل، والعول والرَّد
وفيه ثمان مسائل:
(1)
مسألة: أصل المسألة: المخرج الذي تخرج منه فروضها، وهو أقل عدد يمكن أن تؤخذ منه سهام الورثة صحيحة من غير كسر، فإن كان الوارث واحدًا: انفرد بها لوحده، وإن كان في المسألة أكثر من وارث: فله حالات: أولها: إن كان جميع من في المسألة عصبة ذكور مثل أن يموت عن "ثلاثة أبناء": فإن أصل المسألة يكون عدد رؤوسهم، وهو ثلاثة هنا ثانيها: إن كان جميع من في المسألة عصبة: ذكورًا وإناثًا مثل: "بنت وابنين": فإن أصل المسألة يكون عدد رؤوسهم مع اعتبار الذكر برأسين، فيكون أصل المسألة هنا خمسة، ثالثها: إن كان في المسألة صاحب فرض واحد ومعه عاصب مثل: "زوجة وابن ابن": فإن أصل المسألة مما يخرج منه الفرض، فيكون أصلها هنا ثمانية، رابعها: إن كان في المسألة أكثر من صاحب فرض - سواء كان معهم عصبة أو لا: - فإن أصل المسألة يكون من العدد المشترك لجميع أصحاب الفروض، فمثلًا لو ماتت ميتة عن:"زوج، وأم، وابن": فإن أصل المسألة يكون من اثني عشر؛ لكونه هو الجامع لفرض الزوج - وهو الربع - ولفرض الأم - وهو السدس - وهكذا في جميع المسائل.
(2)
مسألة: الفروض سبعة، منها ستة فروض قد نصَّ عليها في القرآن، وهي: 1 - النصف؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} . 2 - الربع؛ لقوله تعالى {فَلَكُمُ الرُّبُعُ} و {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} . 3 - الثمن؛ لقوله تعالى: {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ} . 4 - الثلثان؛ لقوله تعالى: {فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} . 5 - الثلث؛ لقوله =
(والأصول: سبعة) أربعة لا عول فيها، وثلاثة قد تعول
(3)
(فنصفان) من اثنين
تعالى: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} . 6 - السدس؛ لقوله تعالى: {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} وسيأتي بيانها. 7 - ثلث الباقي - وهو سدس، أو ربع، وقد ثبت ذلك بالاجتهاد في عهد عمر وهي:"زوج، وأم، وأب" فتكون من ستة: للزوج النصف - ثلاثة - وللأم ثلث الباقي - واحد - وهو سدس في الحقيقة، والباقي للأب، أو "زوجة، وأم، وأب" فتكون من أربعة: للزوجة الربع - واحد وللأم ثلث الباقي - واحد - وهو ربع في الحقيقة - وللأب الباقي؛ للاستقراء؛ حيث ثبت ذلك بعد استقراء وتتبع مسائل الفرائض.
(3)
مسألة: الفروض السبعة السابقة هي أصول مسائل وهي تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: غير عائل وهي الأصول التي لا تعول، وهي أربعة: أصل اثنين، وثلاثة، وأربعة، وثمانية، القسم الثاني: عائل، وهي الأصول التي تعول وهي ثلاثة: أصل ستة، واثني عشر، وأربعة وعشرين؛ للاستقراء؛ حيث إنه قد ثبت بعد الاستقراء والتتبع هذا التقسيم، وسيأتي بيانه إن شاء الله.
[فرع]: العول لغة: الجور والميل، ومنه قوله تعالى:{ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} أي: أقرب ألّا تجوروا ولا تميلوا، ويقال:"عالت الفريضة" إذا مالت على الورثة جميعًا من أصحاب الفروض فتنقصهم، والعول في الاصطلاح: زيادة في السهام، ونقص في أنصبة الورثة، ولا يكون إلا في المسائل التي فيها فروض فقط، ويضيق أصل المسألة عن الوفاء بها، والمراد به: أن تزدحم الفرائض بحيث لا يتّسع لها المال، فيدخل النقص عليهم كلهم، ويُقسَّم المال عليهم من جديد على قدر فروضهم بنسب أقل من الأول، كما يُقسَّم المال الموجود عند المفلس بين غرمائه بقدر حصصهم؛ لضيق ماله عن وفائهم وستأتي الأمثلة عليه.
[فرع ثان]: العول - وهو إدخال النقص على جميع الورثة - جائز عند =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الجمهور؛ لقواعد: الأولى: الاستقراء؛ حيث إنه قد ثبت بعد استقراء وتتبع النصوص الواردة في المواريث في الكتاب والسنة: أن جميع التركة، تقسَّم على جميع أصحاب الفروض: سواء زادت أو نقصت، والنقص يجب أن يكون على الجميع دون تفريق، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن مال المفلس يقسَّم بين غرمائه بقدر حصصهم؛ لضيق ماله عن وفائهم، فكذلك التركة، تقسَّم بين أصحاب الفروض، وإن دخل النقص عليهم، والجامع: أن كلًّا من مال المفلس، والتركة حق واجب يجب أن يُقسَّم على مستحقيه سواء زاد أو نقص، وليس أحدهم بأولى من الآخر؛ نظرًا لتساوي الدرجة، وهذا القياس قد استدلّ به العباس في مجلس عمر، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن أكثر الصحابة قد قالوا بالعول، فإن قلتَ: لِمَ جاز العول؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه محض العدالة كما قال ابن القيم، فإن قلتَ: إن العول لا يجوز، فإذا ضاقت المسألة عن الفرائض: فإن الضرر يلحق بالبنات، والأخوات، وهو قول ابن عباس، وتابعه الظاهرية؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه إذا اجتمع تجهيز الميت، وقضاء الدين، والوصية، والميراث: فإنه يُقدَّم الأقوى، وهو تجهيز الميت، ثم الدين، ثم الوصية، ثم إن بقي شيء أعطي الورثة وإذا لم يبق شيء: فإن الورثة لا يأخذون شيئًا فكذلك إذا ضاقت التركة عن الفروض، وزادت السهام: فإنه يُقدَّم الأقوى، ولا شك أن من يُنقل من فرض إلى فرض آخر مقدَّر يكون صاحب فرض من كل وجه، فيُقدَّم؛ لكونه أقوى بذلك ممن يُنقل من فرض مقدر إلى نصيب غير مقدَّر - وهن البنات، والأخوات - والجامع: أنه إذا تعلَّقت في التركة عدَّة حقوق لا تفي بها التركة، قدم ما هو أقوى. قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ حيث إن هذه الحقوق من تجهيز، وقضاء دين ونحوهما تعلَّقت بنفس التركة، فتُرتَّب على حسب أهميتها =
كزوج، وأخت شقيقة أو لأب، ويسميان باليتيمتين (أو نصف، وما بقي) كزوج وعم (من اثنين) مخرج النصف (وثلثان) وما بقي من ثلاثة، مخرج الثلثين كبنتين، وعم، (أو ثلث، وما بقي) كأم، وأب، من ثلاثة مخرج الثلث (أو هما) أي: الثلثان، والثلث كأختين لأم، وأختين لغيرها (من ثلاثة)؛ لتساوي مخرج الفرضين، فيكتفى بأحدهما (وربع) وما بقي، كزوج وابن من أربعة مخرج الربع (أو ثمن، وما بقي) كزوجة، وابن من ثمانية مخرج الثمن (أو) ربع (مع النصف) كزوج وبنت (من أربعة)؛ لدخول مخرج النصف في مخرج الربع (و) ثمن مع نصف كزوجة، وبنت، وعم (من ثمانية)؛ لدخول مخرج النصف في الثمن (فهذه أربعة) أصول (لا تعول)؛ لأن العول: ازدحام الفروض، ولا يتصور وجوده في واحد من هذه الأربعة
(4)
وأولويتها؛ لأن كل حق منفصل عن الآخر، ولكون هناك نص قد أوجب هذا الترتيب، بخلاف ما لو أدخل النقص على وارث معين مع تساويه مع الآخرين بالفرضية، فهذا لم يرد به نص، ولا تقرّه العقول السليمة؛ لمخالفته للعدالة، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع الاستقراء والمصلحة" و"تعارض القياسين".
(4)
مسألة: أصول المسائل التي لا تعول أربعة هي: الاثنين، والثلاثة، والأربعة، والثمانية، وإليك بيان ذلك أولًا: لا عول في الاثنين؛ لأن المسألة تكون من اثنين إذا كان فيها نصفان مثل: "زوج، وأخت شقيقة" أو "زوج وأخت لأب" وهاتان المسألتان تسميان باليتيمتين؛ لعدم وجود مسألة في الفرائض يورث المال كله بفرضين متساويين سواهما، وكذا: إذا كان في المسألة نصف وما بقي مثل: "زوج وعم" للزوج النصف واحد، وللعم الباقي، ثانيًا: لا عول في الثلاثة: لأن الخارج منها إما ثلث وما بقي مثل: "أم وأب" للأم الثلث - واحد - وللأب الباقي، وإما ثلثان وما بقي مثل:"بنتين وعم" للبنتين الثلثان اثنان وللعم الباقي، وأما ثلث وثلثان مثل:"أختين لأم، وأختين شقيقتين" فللأختين لأم الثلث - =
(والنصف مع الثلثين) كزوج، وأختين لغير أم، من ستة؛ لتباين المخرجين، وتعول لسبعة (أو) النصف مع (الثلث) كزوج وأم، وعم، من ستة؛ لتباين المخرجين (أو) النصف مع (السدس) كبنت، وأم، وعم، من ستة؛ لدخول مخرج النصف في السدس، (أو هو) أي: السدس (وما بقي) كأم، وابن (من ستة) مخرج السدس (وتعول) الستة (إلى عشرة شفعًا ووترًا) فتعول إلى سبعة كزوج، وأخت لغير أم، وجدة، وإلى ثمانية كزوج، وأم، وأخت لغيرها، وإلى تسعة كزوج، وأختين لأم، وأختين لغيرها، وإلى عشرة كزوج، وأم، وأخوين لأم، وأختين لغيرها، تسمَّى ذات الفروخ؛ لكثرة عولها (والربع مع الثلثين) كزوج، وبنتين، وعم من اثني عشر؛ لتباين المخرجين (أو) الربع مع (الثلث) كزوجة، وأم، وعم من اثني عشر كذلك (أو) الربع
واحد - وللأختين الشقيقتين الثلثان - اثنان - وذلك لتساوي مخرج الفرضين، وهو: الثلاثة، ثالثًا: لا عول في الأربعة؛ لأن الخارج منها إما ربع وما بقي مثل: "زوج وابن" للزوج الربع - واحد - وللابن الباقي، وإما ربع ونصف وما بقي مثل:"زوج، وبنت، وأخ شقيق" للزوج الربع - واحد - وللبنت النصف - اثنان - وللأخ الشقيق الباقي لدخول مخرج النصف في مخرج الربع، رابعًا: لا عول في الثمانية؛ لأن الخارج منها: إما ثمن وما بقي مثل: "زوجة وابن" للزوجة الثمن - واحد - وللابن الباقي، وإما ثمن ونصف وما بقي مثل:"زوجة وبنت، وعم" للزوجة الثمن - واحد - وللبنت النصف - أربعة - وللعم الباقي؛ لدخول مخرج النصف في مخرج الثمن، فحصل من ذلك أن تلك الأربعة لا تعول؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من حقيقة العول - وهو ازدحام الفروض بحيث لا يتّسع لها المال -: عدم العول في تلك الأصول الأربعة؛ لانعدام تلك الحقيقة في تلك الأصول الأربعة، حيث إن أصل الاثنين، والثلاثة تارة يكون عادلًا - وهو وفاء المال بها - وتارة يكون ناقصًا، وأصل الأربعة والثمانية لا يكون إلّا ناقصًا، ولذا وُجد المعصب في الناقص ليأخذ الباقي والزائد.
مع (السدس) كزوج، وأم، وابن (من اثني عشر)؛ للتوافق (وتعول) الاثنا عشر (إلى سبعة عشر وترًا) فتعول لثلاثة عشر كزوج وبنتين، وأم، ولخمسة عشر كزوج، وبنتين، وأبوين، وإلى سبعة عشر كثلاث زوجات، وجدتين، وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات لأبوين وتسمَّى:"أم الأرامل" و "أم الفروج"(والثمن مع السدس) كزوجة، وأم، وابن، من أربعة وعشرين؛ لتوافق المخرجين (أو) الثمن مع (ثلثين) كزوجة، وبنتين، وأخ شقيق (من أربعة وعشرين)؛ للتباين (وتعول) مرة واحدة (إلى سبعة وعشرين) ولذلك تسمَّى "البخيلة" كزوجة، وأبوين، وابنتين، وتسمى المنبرية
(5)
(5)
مسألة: أصول المسائل التي قد تعول ثلاثة هي: الستة، والاثنا عشر، والأربعة والعشرون، وهي: ما اجتمع فيها فروض، أو فرضان من نوعين، وإليك بيان ذلك: أولًا: الستة تكون أصلًا إذا اجتمع مع النصف السدس: مثل: "بنت، وأم، وعم" تكون من ستة فللأم السدس واحد، وللبنت النصف ثلاثة، والباقي للعم، وإذا اجتمع مع النصف ثلث مثل:"زوج، وأم، وعم" تكون من ستة: للأم الثلث - اثنان - وللزوج النصف - ثلاثة وللعم الباقي، وإذا اجتمع مع النصف ثلثان مثل:"زوج، وأختين شقيقتين" تكون من ستة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون مخرج النصف من اثنين ومخرج الثلث والثلثين من ثلاثة: أن تكون أصل المسألة من ستة، وهو مخرج السدس؛ لأنا إذا ضربنا اثنين في ثلاثة: كان الناتج ستة، ويدخل العول في هذا الأصل، فتعول الستة إلى سبعة مثاله:"زوج وأختان شقيقتان" فإن المسألة من ستة: للزوج النصف - ثلاثة -، وللأختين الثلثان - أربعة - فتعول إلى سبعة، وهو حاصل جمع (3+4)، فتقسم التركة على سبعة أسهم، ولا شك أن الزوج إذا أخذ ثلاثة من سبعة فإن نصيبه أنقص مما لو أخذ ثلاثة من ستة؛ ولا شك أن الأختين إذا أخذتا أربعة من سبعة فإن نصيبهما ينقص، أنقص مما لو أخذتا أربعة من ستة، وهذا هو العول، مثال آخر:"زوج، وأخت شقيقة وجدة" فتكون من ستة: للزوج النصف - ثلاثة - وللأخت =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
النصف - ثلاثة - وللجدة السدس - واحد - فتعول إلى سبعة، وهو حاصل جمع (3+3+1)، وتعول الستة إلى ثمانية: مثاله: "زوج، وأم، وأخت لأب" تكون من ستة: للزوج النصف - ثلاثة - وللأم الثلث - اثنان - وللأخت النصف ثلاثة، فتعول إلى ثمانية، وهو حاصل جمع:(3+2+3)، وتعول الستة إلى تسعة مثاله:"زوج، أختان لأم، أختان لأب" تكون المسألة من ستة: للزوج النصف - ثلاثة - وللأختين لأم الثلث - اثنان - وللأختين لأب الثلثان - أربعة - فتعول إلى تسعة، وهو حاصل جمع (3+2+4)، وتعول الستة إلى عشرة: مثاله: "زوج، أم، أخوان لأم، أختان لأب" تكون المسألة من ستة: للزوج النصف - ثلاثة -، وللأم السدس - واحد - وللأخوين لأم الثلث - اثنان - وللأختين الثلثان - أربعة، فتعول إلى عشرة، وهو حاصل جمع (3+1+2+4) وتسمَّى هذه المسألة بـ:"ذات الفروخ"، نظرًا لكثرة عولها.
ثانيًا: الاثنا عشر، يكون أصلًا إذا اجتمع الربع مع الثلثين مثل "زوج، بنتين، عم"، تكون من اثني عشر: للزوج الربع - ثلاثة - وللبنتين الثلثان - ثمانية - والباقي للعم - واحد -، وذلك لتباين المخرجين: مخرج النصف، ومخرج الثلثين، وكذا: إذا اجتمع الربع مع الثلث مثل: "زوجة وأم، وعم" تكون من اثني عشر: للزوجة الربع - ثلاثة - وللأم الثلث - أربعة - والباقي للعم - خمسة -، وكذا: إذا اجتمع الربع مع السدس مثل: "زوج، وأم، وابن" تكون من اثني عشر: للزوج الربع - ثلاثة -، وللأم السدس - اثنان - وللابن الباقي - سبعة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون مخرج الربع من أربعة، ومخرج الثلث والثلثين من ثلاثة، وعدم التوافق بين هذين المخرجين: أن يكون أصل المسألة من اثني عشر؛ لأنا إذا ضربنا أربعة في ثلاثة: كان الناتج اثنا عشر، ويدخل العول في هذا الأصل، فيعول الاثنا عشر إلى ثلاثة عشر =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مثاله: "زوج، وبنتان، وأم" تكون المسألة من اثني عشر: للزوج الربع - ثلاثة، وللبنتين الثلثان - ثمانية - وللأم السدس - اثنان - فتعول إلى ثلاثة عشر، وهو حاصل جمع (3+8+2)، ويعول الاثنا عشر إلى خمسة عشر مثاله:"زوج، وبنتان، وأم، وأب،" وتكون من اثني عشر: للزوج الربع - ثلاثة -، وللبنتين الثلثان - ثمانية - وللأم السدس - اثنان - وللأب السدس - اثنان - فتعول إلى خمسة عشر، وهو حاصل جمع (3+8+2+2)، ويعول الاثنا عشر إلى سبعة عشر: مثاله: "ثلاث زوجات، جدتان، أربع أخوات لأم، ثمان أخوات شقيقات" فتكون المسألة من اثني عشر: للزوجات الربع - ثلاثة -، وللجدات السدس - اثنان - وللأخوات لأم الثلث - أربعة - وللأخوات الشقيقات الثلثان - ثمانية - فتعول إلى سبعة عشر، وهو حاصل جمع (3+2+4+8) وتسمَّى هذه المسألة بـ:"أم الأرامل" و "أم الفروج" وبـ "الدينارية" ثالثًا: الأربعة والعشرون يكون أصلًا إذا اجتمع الثمن مع السدس مثل: "زوجة، وأم، وابن" تكون من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن - ثلاثة - وللأم السدس - أربعة - وللابن الباقي وكذا: إذا اجتمع ثمن مع ثلثين مثل: "زوجة، وبنتين، وأخ شقيق" تكون من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن - ثلاثة - وللبنتين الثلثان - ستة عشر - والباقي للأخ الشقيق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون مخرج الثمن من ثمانية، ومخرج الثلثين من ثلاثة، وانعدام الموافقة بين مخرج الثمانية والثلاثة: أن يكون أصل المسألة من أربعة وعشرين؛ لأنا إذا ضربنا ثمانية في ثلاثة: كان الناتج أربعة وعشرين، وتعول هذه المسألة مرة واحدة فقط إلى سبعة وعشرين مثاله:"زوجة، وبنتان، وأم، وأب" فتكون المسألة من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن - ثلاثة - وللبنتين الثلثان - ستة عشر -، وللأم السدس - أربعة - وللأب السدس - أربعة - فتعول =
(وإن بقي بعد الفروض شيء، ولا عصبة) معهم: (رُدَّ) الفاضل (على كل) ذي (فرض بقدره) أي: بقدر فرضه
(6)
، لقوله تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (غير الزوجين) فلا يرد عليهما؛ لأنهما ليسا من ذوي القرابة
(7)
، فإن كان من يُردُّ
إلى سبعة وعشرين هو حاصل مجموع (3+16+4+4)، وتسمى هذه المسألة بـ "المنبرية"؛ لأن عليًا قد قضى بها، وهو على المنبر يخطب.
(6)
مسألة: إذا فضل شيء من التركة، بعد إعطاء ذوي الفروض فروضهم: فإنه يُردُّ عليهم - والرد هنا هو: ضد العول تمامًا، فيكون الرد: نقص في السهام، وزيادة في أنصبة الورثة، أي: صرف الزائد من الفروض إلى أصحاب الفروض الموجودين على حسب نسب فروضهم عند عدم العاصب، فيكون صاحب الفرض: أخذ نصيبه من الفرض، وأخذ نصيبه من الرد مثاله:"أخت لأم، وجدة" تؤصل المسألة من ستة: للأخت لأم السدس - واحد - وللجدة السدس - واحد فتجعل وترد المسألة إلى اثنين فتأخذ كل واحدة واحدًا، وهو النصف فرضًا وردًا، فكون الأخت لأم تأخذ واحد من اثنين لا شك أنه أكثر مما لو أخذت واحدًا من ستة، وكذلك القول في الجدة، والحاصل: أنك تجمع العدد بعد القسمة والناتج هو أصل المسألة بعد الرد وستأتي أمثلة لذلك.
(7)
مسألة: الرَّد جائز على جميع أصحاب الفروض النسبية، دون الزوجين، وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين، والحنفية والحنابلة؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} فالأقرباء بسبب الرحم هم أولى بعضهم ببعض، فيجب أن يرد ما زاد على القرابة ذوي الفروض؛ لقوتهم في القرابة، فيُعطون من هذا الزائد بنسب فروضهم، ويلزم منها: إخراج الزوجين؛ لأن كل واحد منهما ليس برحم للآخر، فلا يرد عليه الثانية: السنة القولية: حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد: "الثلث، والثلث كثير" حيث إن بنت سعد لا تستحق إلا لنصف فرضها، فلو لم تستحق الزيادة على فرضها =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بالرد: لأجاز النبي عليه السلام لسعد أن يوصي بالنصف، ولكنه لم يفعل، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فإن قلت: لِمَ جاز الرد؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه العدالة، وإعطاء كل صاحب حق حقه من التركة، وأن لا يأخذ أحد منها وهو غير مستحق، فإن قلتَ: لا يجوز الإرث بالرد، وما زاد عن أصحاب الفروض يدفع إلى بيت المال، وهو قول بعض الصحابة، والمالكية والشافعية؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه" حيث دل مفهوم الصفة هنا على عدم جواز إعطاء شخص من الورثة أكثر حقه، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن المورِّث إذا لم يترك وارثًا أصلًا: فماله لبيت المال فكذلك إذا بقي من التركة شيء لا مستحق له: فإنه يكون لبيت المال، والجامع: أنه وجد في كل منهما حق لا مستحق له، فيكون لبيت المال قلتُ: أما الحديث: فهو دليل لنا؛ لأن الرَّد يُعتبر من حقوق الورثة ولا يوجد تعدِّي في ذلك؛ لكون جميع التركة من حق الورثة فتقسم بينهم سواء زادت أو نقصت، وأما القياس: فهو فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق، حيث إن المصلحة تقتضي أن يوضع مال من لا وارث له في بيت المال، يُنفق منه على مصالح المسلمين العامة، بخلاف الحال هنا فقد وجد وارث للميت، فهو أولى به في حياته بصلته، وبعد موته بميراثه، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض السنتين" فإن قلتَ: يجوز الرد إلى الزوجين، وهو قول عثمان وبعض العلماء؛ للقياس؛ بيانه: كما أن المسألة لو عالت لدخل النقص على جميع أصحاب الفروض ومنهم الزوجان، فكذلك الحال فيما لو زاد شيء في التركة: فإنه يرجع إلى جميعهم قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ حيث إن إرث القرابة النسبية كان بسبب القرابة الرحمية، وهي باقية بعد الموت، بخلاف الزوجين: فإن قرابة الزوج بالزوجة، أو العكس تنقطع بعد الموت، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ =
عليه واحدًا: أخذ الكل فرضًا وردًّا، وإن كانوا جماعة من جنس كبنات، أو جدات: فبالسوية، وإن اختلف جنسهم: فخذ عدد سهامهم من أصل ستة، واجعل عدد السهام المأخوذة أصل مسألتهم: فجدة، وأخ لأم، من اثنين، وأم، وأخ لأم، من ثلاثة، وأم، وبنت، من أربعة، وأم وابنتان من خمسة، وإن كان معهم زوج أو زوجة: قسم الباقي بعد فرضه على مسألة الرد، فإن انقسم كزوجة، وأم، وأخوين لأم، وإلا: ضربت مسألة الرد في مسألة الزوجية كزوج، وجدة، وأخ لأم، أصل مسألة الزوج من اثنين: له واحد، يبقى واحد على مسألة الرد اثنين، لا ينقسم، فتضرب اثنين في اثنين فتصح من أربعة: للزوج سهمان، وللجدة سهم، وللأخ سهم
(8)
.
قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع الآية".
(8)
مسألة: تنقسم مسائل الرَّد إلى أقسام خمسة: القسم الأول: أن لا يكون في المسألة إلا واحد يُردُّ عليه: فإنه يأخذ الكل فرضًا وردًا مثل: أن لا يُخلِّف الشخص إلا بنتًا، أو أمًا: فإن البنت، أو الأم تأخذ التركة كلها فرضًا وردًّا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم التزاحم: أن يأخذها كلها. القسم الثاني: أن يكون في المسألة جماعة من جنس واحد ممن يُردُّ عليه، ولا يوجد فيها مما لا يُردُّ عليه مثل البنات والجدات: فتجعل المسألة من رؤوس ذلك الجنس الواحد؛ للتلازم؛ حيث يلزم من استوائهم وتماثلهم، وعدم تميّز أحدهم عن الآخر: أن يقتسمون المال مثل العصبات فمثلًا: لو توفي عن "أخوين لأم" أو توفي عن "بنتين" أو توفي عن "جدتين" فإن المسألة تكون من اثنين، يقسم بينهما بالسوية في كل مسألة، فيأخذ كل واحد النصف فرضًا وردًا، القسم الثالث: إذا اجتمع في المسألة جنسان، أو ثلاثة أجناس ممّن يرد عليهم، ولا يوجد في المسألة من لا يرد عليه: فتجعل المسألة من مجموع سهام هؤلاء المجتمعين المأخوذة من أصل المسألة، مثل:"جدة، وأخ لأم" فأصلها من ستة، للجدة السدس - واحد -، وللأخ لأم السدس - =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
واحد - فترد إلى اثنين: هو حاصل جمع (1+1) فيزيد حق كل واحد، مثال آخر:"أم، وأخ لأم" فأصلها من ستة: للأم الثلث - اثنان - وللأخ لأم السدس - واحد - فترد إلى ثلاثة، هو حاصل جمع (2+1) فيزيد بعد الرد حق كل واحد، مثال ثالث:"أم، وبنت" أصلها من ستة: للأم السدس - واحد - وللبنت النصف ثلاثة فترد إلى أربعة، هو حاصل جمع (1+3) فيزيد بعد الرد حق كل واحد، مثال رابع:"أم وبنتان" أصلها من ستة: للأم السدس - واحد - وللبنتين الثلثان - أربعة - فترد إلى خمسة، هو حاصل جمع (1+4)، والخلاصة: أن أصول مسائل الرد التي ليس فيها أحد الزوجين - وهما لا يرد عليهما - أربعة وهي: الاثنين، والثلاثة، والأربعة، والخمسة، القسم الرابع: أن يكون في المسألة مع الجنس الذي يرد عليه من لا يرد عليه كالزوج، أو الزوجة: فيُعطى من لا يرد عليه فرضه من أقل مخارجه، ثم يقسَّم الباقي على عدد رؤوس من يرد عليهم، فإن استقام الباقي على عدد رؤوس من يرد عليهم: فإن هذا هو المطلوب، وإن لم يستقم: تصحح المسألة حتى تقسم عليهم دون كسر مثاله: "زوجة، وأم، وأخوان لأم" تؤصَّل من مخرج الربع - وهو فرض الزوجة هنا - وهو أربعة، فتعطى فرضها وهو: الربع - واحد - والباقي بين الأم وولديها أثلاثًا، كل واحد يأخذ ثلثًا، ولا تحتاج إلى ضرب مثال آخر:"زوج، ثلاث بنات" تؤصَّل من مخرج الربع - وهو فرض الزوج هنا - فيُعطى فرضه - وهو الربع - ويبقى بعد ذلك ثلاثة أرباع التركة تعطى للبنات الثلاث، وهو منقسم على عددهن دون كسر، فتأخذ كل واحدة الربع؛ القسم الخامس: أن يجتمع في مسألة من لا يرد عليه مع جنسين ممن يرد عليهم. مثال ذلك: "زوج، وجدة، وأخ لأم" فتؤصَّل المسألة من مخرج النصف - وهو فرض الزوج هنا - وهو اثنان، فيُعطى فرضه - وهو واحد -، والباقي يُعطى الجدة والأخ لأم، وهو لا ينقسم على عدد من يرد عليه - وهما: الجدة والأخ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لأم - بدون كسر، وللتخلَّص من ذلك الكسر يُضرب الاثنان في اثنين فتصح من أربعة فيأخذ الزوج نصفها - اثنين - وتأخذ الجدة الربع - واحد - ويأخذ لأخ لأم الربع - واحد - فنسلم من الكسر.
هذه آخر مسائل باب: "أصول المسائل والعول والرَّد" ويليه باب: "التصحيح والمناسخات وقسمة التركات".
باب التصحيح والمناسخات وقسمة التركات
التصحيح: تحصيل أقل عدد ينقسم على الورثة بلا كسر (إذا انكسر سهم فريق) أي: صنف من الورثة (عليهم: ضربت عددهم إن باين سهامهم) كثلاث أخوات لغير أم، وعم، لهن سهمان على ثلاثة لا تنقسم، وتباين، فتضرب عددهم في أصل المسألة ثلاثة فتصح من تسعة، لكل أخت سهمان، وللعم ثلاثة (أو) تضرب (وفقه) أي: وفق عددهم (إن وافقه) أي: عدد سهامهم (بجزء كثلث ونحوه) كربع، ونصف، وثمن (في أصل المسألة وعولها إن عالت فما بلغ: صحَّت منه) المسألة كزوج، وست أخوات لغير أم، أصل المسألة من ستة، وعالت لسبعة، وسهام الأخوات منها أربعة، توافق عددهن بالنصف، فتضرب وفق عددهن - وهو ثلاثة - في سبعة، تصح من إحدى وعشرين: للزوج تسعة، ولكل أخت سهمان (ويصير للواحد) من الفريق المنكسر عليه (ما كان لجماعته) عند التباين كالمثال الأول (أو) يصير لواحدهم (وفقه) أي: وفق ما كان لجماعته عند التوافق كالمثال الثاني، وإن كان الانكسار على فريقين فأكثر: نظرت بين كل فريق وسهامه، وتثبت المباين، ووفق الموافق، ثم تنظر بين المثبتات بالنسب الأربع، وتحصل أقلّ عدد ينقسم عليها، فما كان يسمَّى جزء السهم تضربه في المسألة بعولها إن عالت فما بلغ: فمنه تصح كجدتين، وثلاثة أخوة لأم، وستة أعمام، أصلها ستة، وجزء سهمها ستة، وتصح من ستة وثلاثين، لكل جدة ثلاثة، ولكل أخ أربعة، ولكل عم ثلاثة
(1)
.
باب التصحيح والمناسخات وقسمة التركات
وفيه ست مسائل:
(1)
مسألة: المراد بالتصحيح: أن يُحصَّل أقلُّ عدد ينقسم على الورثة بلا كسر - وهو نصف، أو ربع ونحو ذلك: ولمعرفة ذلك لا بد من ذكر حالات. الحالة الأولى: إذا لم ينقسم سهم فريق من الورثة عليهم قسمة صحيحة: فإنك تضرب عدد الورثة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة، ثم يصير لكل واحد من ذلك الفريق مثل ما كان لجماعتهم إلا إذا وافق عددهم سهامهم بنصف أو ثلث أو نحو ذلك من الأجزاء، فإذا أردت القسمة فكل من له شيء من أصل المسألة مضروب في العدد الذي ضربته في المسألة، وهو الذي يسمَّى جزء السهم، فما بلغ فهو له إن كان واحدًا، وإن كانوا جماعة قسمته عليهم مثاله:"زوج، وأم، وثلاثة أخوة أشقّاء" أصلها من ستة: للزوج النصف - ثلاثة - وللأم السدس - واحد -، وللأخوة الباقي - اثنان - لا ينقسم عليهم بدون كسر، ولتصحيح ذلك: اضرب عدد الأخوة - وهو ثلاثة - في أصل المسألة - وهو ستة - فيكون الناتج: ثمانية عشر: للزوج النصف تسعة وهو ناتج: (3×3) وللأم السدس - ثلاثة - وهو ناتج (1×3) - وللأخوة الباقي - وهو ستة - وهو ناتج: (3×2) لكل واحد اثنان فحصل لواحد ما لجماعتهم. الحالة الثانية: إذا انكسر على فريقين - فأكثر - وكانا متماثلين كثلاثة وثلاثة: فإنك تضرب أحدهما في المسألة، وطريق قسمة ذلك كطريق قسمة الحالة الأولى مثاله:"ثلاثة أخوة لأم وثلاثة لأب" أصلها من ثلاثة: للأخوة لأم الثلث - واحد - ويبقى اثنان يأخذهما الأخوة لأب، لا ينقسم عليهم ولا يوافق، فتضرب رؤوس الأخوة لأب - وهو ثلاثة - في أصل المسألة - وهو ثلاثة - فيكون الناتج تسعة، للأخوة لأم الثلث - ثلاثة - ويبقى ستة: لكل واحد من الأخوة لأب اثنان، فكان للواحد منهم ما كان لجماعتهم. الحالة الثالثة: إذا انكسر على فريقين فأكثر وكان العددان متناسبين - وهو: أن ينتسب إلى الآخر بجزء من أجزائه كنصفه، أو ثلثه أو نحو ذلك -: فإنك تضرب الأكثر منها في المسألة وعولها مثاله: "جدتان، وأربعة أخوة لأب" أصلها من ستة: للجدتين السدس - واحد - وللأخوة الباقي - خمسة -، وعددهم لا يوافق سهامهم، وعدد الأخوة أكثر من عدد الجدات بالضعف، فتضرب هذا الأكثر - =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهو أربعة - وهو رؤوس الأخوة لأب في أصل المسألة - وهو ستة - فيكون الناتج: أربعة وعشرين، للجدات السدس - أربعة -، وللأخوة الباقي - وهو عشرون - لكل واحد يأخذ خمسة، وكان لكل فرد ما كان لجماعتهم. الحالة الرابعة: إذا انكسر على فريقين - فأكثر - وكان العددان متباينين - أي أن أحدهما لا يماثل صاحبه ولا يناسبه ولا يوافقه - فإنك تضرب أحدهما في جميع الآخر، فما بلغ فهو جزء السهم فاضربه في المسألة فما بلغ: فمنه تصح، فمن له شيء من أصل المسألة فهو مضروب في جزء السهم مثاله:"أم، وثلاثة أخوة لأم، وأربعة أخوة لأب" أصلها من ستة: للأم السدس - واحد - وللأخوة لأم الثلث - اثنان - والباقي للأخوة لأب - ثلاثة - والاثنان لا ينقسم ولا يوافق الأخوة لأم، والثلاثة لا ينقسم ولا يوافق الأخوة لأب، والعددان - وهما الاثنان والثلاثة - متباينان: فإنك تضرب أحدهما في جميع الآخر، أي: تضرب عدد الأخوة لأم في عدد الأخوة لأب - (3×4) - فيكون الناتج: اثني عشر، ثم تضرب هذا الناتج - وهو الاثنا عشر - في أصل المسألة - وهو ستة - أي:(12×6) فيكون الناتج اثنين وسبعين ومنها تصح، فللأم السدس - اثنا عشر -، وللأخوة لأم الثلث - أربعة وعشرون كل واحد يأخذ ثمانية - والباقي - وهو ستة وثلاثون - للأخوة لأب، كل واحد يأخذ تسعة، الحالة الخامسة: إذا انكسر على فريقين - فأكثر - وكان العددان متفقين بنصف أو ثلث، أو ربع ونحو ذلك من الأجزاء: فإنك ترد أحد العددين إلى وفقه، ثم تضربه في جميع الأجزاء، فما بلغ ضربته في المسألة مثاله:"زوج وست جدات، وتسعة أخوة" وقد سبق بيان ذلك.
تنبيه: ليست الأمثلة التي يأتي بها المصنف أو غيره مقصودة بحد ذاتها، وإنما المراد منها التمثيل على كل حالة بأي مثال يصورها.
تنبيه آخر: تلك الحالات السابقة الذكر قد تُصوِّر موضوع تصحيح المسائل =
فصل: والمناسخات: جمع مناسخة، من النسخ بمعنى: الإبطال، أو الإزالة، أو التغير، أو النقل، وفي الاصطلاح: موت ثان فأكثر من ورثة الأول قبل قسم تركته
(2)
(إذا مات شخص، ولم تقسم تركته حتى مات بعض ورثته: فإن ورثوه) أي: وَرَثَه: ورثةُ الثاني (كالأول) أي: كما يرثون الأول (كإخوة) أشقاء، أو لأب، ذكور، أو ذكور وإناث ماتوا واحدًا بعد واحد حتى بقي ثلاثة مثلًا:(فاقسمها) أي: التركة، (على من بقي) من الورثة، ولا تلتفت للأول
(3)
(وإن كان ورثة كل ميت لا
بأنه صعب الفهم والأمر ليس كذلك، فالموضوع أيسر من ذلك بكثير، فيُمكن لأي شخص أن يفكر تفكيرًا مطلقًا - بدون التقييد بتلك الحالات - في العدد الذي تصح منه المسألة بدون كسر في طريقة حسابية يعرفها كل أحد، ولا داعي لتلك الحالات التي يكررها الفقهاء في كتبهم.
(2)
مسألة: المناسخات جمع مناسخة، وهي لغة: مفاعلة من النسخ، والنسخ يطلق على إطلاقات: يطلق على الإبطال ومنه: "نسخ الحكم" أي: أبطله الشارع، ويطلق على النقل والتحويل ومنه قولهم:"نسخت الكتاب" أي: نقلت ما فيه ويطلق على الإزالة ومنه: "نسخت الشمس الظل" أي: أزالته، ويطلق على التغيير ومنه:"نسخت الريح الديار" أي: غيرتها، وهي في الاصطلاح: أن يموت شخص، ثم يموت بعض ورثته قبل قسمة التركة الأولى، والمراد: أن ينتقل نصيب بعض الورثة بموته قبل قسمة تركة مورِّثه إلى من يرثه، فإن قلتَ: لِمَ سميت بهذا الاسم؟ قلتُ: نظرًا لزوال حكم الأول ورفعه، أو لأن المسألة الأولى نسخت بالثانية، أو لأن المال ينتقل فيها من وارث إلى وارث آخر قبل القسمة.
(3)
مسألة: في الأولى - من حالات وطرق وكيفية التوريث في المناسخات - وهي: أن يكون ورثة الثاني هم بقية ورثة الأول، ولم تتغير بموت الثاني كيفية توريثهم، وفي هذه الحالة تقسم التركة على من بقي من الورثة قسمة واحدة مثاله: إذا مات ميت عن ثلاثة أولاد، "زيد، وعمرو وزينب" ثم مات زيد قبل قسمة تركة أبيه، =
يرثون غيره كإخوة لهم بنون: فصحِّح) المسألة (الأولى، واقسم سهم كل ميت على مسألته) وهي عدد بنيه (وصحِّح المنكسر كما سبق) كما لو مات إنسان عن ثلاثة بنين، ثم مات الأول عن ابنين، ثم الثاني عن ثلاثة، ثم الثالث عن أربعة: فالمسألة الأولى من ثلاثة، ومسألة الثاني من اثنين، وسهمه يباينهما، ومسألة الثالث من ثلاثة وسهمه يباينها، ومسألة الرابع من أربعة، وسهمه يباينها، والاثنان داخلة في الأربعة، وهي تباين الثلاثة فتضربها فيها، فتبلغ اثني عشر تضربها في ثلاثة تبلغ ستة وثلاثين، ومنها تصح: للأول اثنا عشر لابنيه، وللثاني اثنا عشر لبنيه الثلاثة، وللثالث اثنا عشر لبنيه الأربعة
(4)
(وإن لم يرثوا الثاني كالأول): بأن اختلف ميراثهم
ولا وارث لأبيه غير أخيه عمرو وأخته زينب: فإن التركة تقسم بين عمرو وزينب: للذكر مثل حظ الأنثيين، فيجعل الميت الثاني - وهو زيد - كالعدم؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من عدم الفائدة في التكرار هذا العمل.
(4)
مسألة: في الثانية - من حالات وطرق وكيفية التوريث بالمناسخات - وهي: أن يكون ورثة الثاني غير ورثة الأول، أو يكونوا نفس ورثة الأول، ولكن تتغير بموت الثاني كيفية توريثهم، وكانت سهام الميت الثاني تنقسم على ورثته بدون كسر: فإنك تصحِّح المسألة الأولى، وتعرف نصيب كل وارث، وتقسم المسألة الثانية من نصيب الميت، وتكون المسألتان مسألة واحدة مثاله: مات ميت عن "زوجة، وأم، وأخ لأم، وعم" ثم مات العم قبل القسمة عن: "ابن، وبنت" فإن أصل المسألة الأولى من اثني عشر للزوجة الربع - ثلاثة - وللأم الثلث - أربعة - وللأخ لأم السدس - اثنان - وللعم الباقي - ثلاثة -، وهذه الثلاثة التي للعم تنقسم على ابنه وبنته بدون كسر، فيمكن هنا جعل المسألتين مسألة واحدة أصلها من اثني عشر؛ للتلازم؛ حيث يلزم من التمكن من تقسيم نصيب العم على ورثته بدون كسر: جعلهما مسألة واحدة: فيأخذ ابن العم اثنين، وتأخذ بنت العم واحدًا، مثال آخر: مات ميت عن ثلاثة بنين "زيد وعمرو وبكر"، ثم مات =
منهما: (صُحِّحت) المسألة (الأولى) للميت الأول، وعرفت سهام الثاني منها، وعملت مسألة الثاني (وقسمت أسهم الثاني) من الأول (على) مسألة (ورثته، فإن انقسمت: صحَّت من أصلها) كرجل خلَّف زوجة، وبنتًا وأخًا، ثم ماتت البنت عن زوج، وبنت، وعم، فالمسألة الأولى من ثمانية، وسهام البنت منها أربعة، ومسألتها أيضًا من أربعة، فصحتا من الثمانية؛ لزوجة أبيها سهم، ولزوجها سهم، ولبنتها سهمان، ولعمها أربعة، ثلاثة من أخيه، وسهم منها (وإن لم تنقسم) سهام الثاني على مسألته:(ضربت كل الثانية) إن باينتها سهام الثاني (أو) ضربت (وفقها للسهام) إن وافقتها (في الأولى) فما بلغ: فهو الجامعة (ومن له شيء منها) أي: من الأولى: (فاضربه فيما ضربته فيها) وهو الثانية عند التباين، أو وفقها عند التوافق (ومن له من
زيد قبل قسمة التركة، عن ابنين، ومات عمرو قبل قسمة التركة عن ثلاثة أبناء، ومات بكر قبل قسمة التركة عن أربعة أبناء: فإن أصل المسألة الأولى - وهي مسألة موت الأب - يكون من ثلاثة: لكل واحد من زيد، وعمرو، وبكر واحد، وأصل المسألة الثانية - وهي مسألة زيد - من اثنين: كل واحد من ابني زيد يأخذ واحدًا والواحد يباين الاثنين، وأصل المسألة الثالثة - وهي مسألة عمرو - من ثلاثة، يأخذ كل واحد من أبناء عمرو واحدًا، والواحد يباين الثلاثة، وأصل المسألة الرابعة - وهي مسألة بكر - من أربعة: يأخذ كل واحد من أبناء عمرو واحدًا، والواحد يباين الأربعة، والاثنان داخلة في الأربعة، والأربعة تباين الثلاثة فتضرب الثلاثة في الأربعة فيكون الناتج اثني عشر، فتضرب هذا الناتج في ثلاثة أصل المسألة الأولى: فيكون الناتج ستة وثلاثين، ومنها تصح، فيكون لابني زيد اثنا عشر - لكل واحد ستة - ويكون لأبناء عمرو الثلاثة اثنا عشر - وكل واحد أربعة - ويكون لأبناء بكر الأربعة اثنا عشر - لكل واحد ثلاثة؛ لاختصاص كل أبناء بتركته.
الثانية شيء: فاضربه فيما تركة الميت) الثاني، أي: في عدد سهامه من الأولى عند المباينة (أو وفقه) عند الموافقة، ومن يرث منهما يجمع ماله منهما، فما اجتمع:(فهو له) مثال الموافقة: أن تكون الزوجة أمًا للبنت الميتة في المثال السابق، فتصير مسألتها من اثني عشر توافق سهامها الأربعة من الأولى بالربع، فتضرب ربعها ثلاثة في الأولى وهي: ثمانية، تكن أربعة وعشرين: للزوجة من الأولى سهم في ثلاثة وفق الثانية بثلاثة، ومن الثانية سهمان في واحد وفق سهام البنت باثنين فيجتمع لها خمسة، وللأخ من الأولى ثلاثة في ثلاثة وفق الثانية بتسعة، ومن الثانية واحد في واحد بواحد، فله عشرة، ولزوج الثانية ثلاثة، ولبنتها ستة، ومثال المباينة: أن تموت البنت في المثال المذكور عن زوج، وبنتين، وأم، فإن مسألتها تعول لثلاثة عشر، تباين سهامها الأربعة، فتضربها في الأولى، تكن مائة وأربعة: للزوجة من الأولى سهم في الثانية بثلاثة عشر، ولها من الثانية سهمان مضروبان في سهامها من الأولى أربعة بثمانية يجتمع لها أحد وعشرون، وللأخ من الأولى ثلاثة في الثانية بتسعة وثلاثين ولا شيء له من الثانية، وللزوج من الثانية ثلاثة في أربعة باثني عشر، ولبنتيها من الثانية ثمانية في أربعة باثنين وثلاثين (وتعمل في) الميت (الثالث فأكثر عملك في) الميت (الثاني مع الأول) فتصحح الجامعة للأوليين، وتعرف سهام الثالث منها، وتقسمها على مسألته، فإن انقسمت: لم تحتج لضرب، وتقسم كما سبق، فإن لم تنقسم فاضرب الثالثة أو وفقها في الجامعة، ثم من له شيء من الجامعة الأولى أخذه مضروبًا في مسألة الثالث أو وفقها، ومن له شيء من الثالثة أخذه مضروبًا في سهامه، أو وفقها، وهكذا: إن مات رابع فأكثر
(5)
.
(5)
مسألة: في الثالثة - من حالات وطرق كيفية التوريث بالمناسخات - وهي: إذا كانت سهام الميت الثاني لا تنقسم على ورثته بدون كسر: فإن المسألتين تُصحَّحان: بأن يُستخرج أصل المسألة الأولى، ويعرف منه سهام الميت الثاني، ثم يستخرج أصل المسألة الثانية، وينظر إلى النسبة بين أصل المسألة الثانية، وبين =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سهام الميت فيها، فإن كان بينهما موافقة: ضرب الوفق في أصل المسألة الأولى، وإن كان بينهما مباينة: ضرب أصل المسألة الثانية في أصل المسألة الأولى، وحاصل الضرب في كلتي الحالتين هو ما تصح منه المسألتان بحيث تصبحان مسألة واحدة، ومن له شيء من الأولى: أخذه مضروبًا في جزء السهم الذي هو أصل المسألة الثانية، أو وفقه، ومن له شيء من الثانية: أخذه مضروبًا في سهام الميت الثاني أو في وفقه، مثاله: مات ميت عن "زوجة، وبنت وأخ" ثم ماتت البنت قبل القسمة عن "زوج، وبنت، وعم وهو أخ أبيها": فإن المسألة الأولى: تكون من ثمانية: للزوجة الثمن - واحد -، وللبنت النصف - أربعة -، وللأخ الباقي - ثلاثة -، والمسألة الثانية تكون من أربعة - وهي مسألة البنت - تقسَّم على ورثتها: فتأخذ بنتها نصف الأربعة - اثنين -، ولزوجها الربع - واحد - وللعم الباقي - واحد - وهي تصح مما صحَّت به المسألة الأولى من ثمانية، فالعم في المسألة الثانية: أخذ نصيبين من المسألتين: فأخذ نصيبه من المسألة الأولى - ثلاثة - بناء على أنه أخ، وأخذ نصيبه من المسألة الثانية - واحد - بناء على أنه عم، فكان حاصل ما أخذه أربعة، مثال آخر: مات ميت عن: "زوجة، وبنت، وأخ"، ثم ماتت البنت قبل القسمة عن:"زوج، وأم - وهي الزوجة في المسألة الأولى - وبنت، وعم" فتكون المسألة الأولى من ثمانية كما سبق: للزوجة الثمن - واحد - وللبنت النصف - أربعة -، وللأخ الباقي - ثلاثة -، وتكون المسألة الثانية من اثني عشر: للزوج الربع - ثلاثة -، وللأم السدس - اثنان - وللبنت: النصف - ستة - وللعم الباقي - واحد - وهي توافق ربعها سهامها الأربعة من الأولى بالربع: فتضرب ربعها - وهو ثلاثة - في أصل المسألة الأولى - وهو ثمانية - فيكون الناتج أربعة وعشرين، كان للزوجة من المسألة الأولى - واحد - مضروب في ثلاثة - وهو وفق الثانية: وكان للأم في الثانية - اثنان وهي الزوجة في الأولى - فيجتمع =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لها خمسة هو ناتج نصيبها من المسألتين، وكذلك للأخ من الأولى ثلاثة يضرب في ثلاثة - وهو وفق الثانية - فيكون تسعة، وكان نصيبه من الثانية واحد مضروب في واحد فيكون واحدًا، فيجتمع للأخ عشرة، ويأخذ الزوج في الثانية ثلاثة، وتأخذ بنت الميتة الثانية ستة فيكون المجموع أربعة وعشرين وهذا مثال للموافقة.
مثال ثالث: مات ميت عن: "زوجة، وبنت، وأخ" ثم ماتت البنت قبل القسمة عن: "زوج، وبنتين، وأم" فتكون المسألة الأولى من ثمانية كما سبق، للزوجة الثمن - واحد -، وللبنت النصف - أربعة - وللأخ الباقي - ثلاثة -، وتكون المسألة الثانية من اثني عشر: للزوج الربع - ثلاثة - وللبنتين الثلثان - ثمانية - وللأم السدس - اثنان، فتعول إلى ثلاثة عشر، وتباين سهامها الأربعة، فتضرب أصل المسألة الأولى في ما عالت إليه المسألة الثانية - أي تضرب ثمانية في ثلاثة عشر، فيكون الناتج مائة وأربعة - (8×13 = 104) للزوجة من المسألة الأولى واحد مضروبًا في الثانية - أي مضروب في ثلاثة عشر - فيكون الناتج: ثلاثة عشر، وبناء على أنها أم في المسألة الثانية: اثنان، فيضربان في سهامها من الأولى أربعة: فيكون الناتج: ثمانية، فنجمع ثلاثة عشر مع ثمانية فيكون الناتج: واحدًا وعشرين (13+8=21) وهو حقها من المسألتين، وكذلك: للأخ من الأولى ثلاثة مضروب في أصل مسألة فيما عالت إليه الثانية - وهو ثلاثة عشر -: فيكون الناتج تسعة وثلاثين، ولا شيء له في الثانية؛ نظرًا لاستغراق الفروض التركة، وللزوج من المسألة الثانية ثلاثة مضروب في أربعة يكون الناتج له: اثني عشر، ولبنتي البنت الميتة من الثانية ثمانية مضروب في أربعة يكون الناتج: اثنين وثلاثين، ولو جمعت ما للزوجة - وهي الأم في الثانية - وهو واحد وعشرون - مع ما للأخ - وهو تسعة وثلاثون - مع ما للزوج - وهو اثنا عشر، مع ما للبنتين - وهو اثنان وثلاثون -: لكان المجموع مائة وأربعة - أي: =
فصل: في قسمة التركات، والقسمة: معرفة نصيب الواحد من المقسوم (إذا أمكن نسبة سهم كل وارث من المسألة بجزء) كنصف وعشر: (فله) أي: فلذلك الوارث من التركة (كنسبته) فلو ماتت امرأة عن تسعين دينارًا، وخلَّفت زوجًا، وأبوين، وابنتين: فالمسألة خمسة عشر: للزوج منها ثلاثة وهي: خمس المسألة، فله خمس التركة: ثمانية عشر دينارًا، ولكل واحد من الأبوين اثنان، وهما ثلثا خمس المسألة، فيكون لكل واحد منهما ثلثا خمس التركة: اثنا عشر دينارًا، ولكل من البنتين أربعة وهي خمس المسألة، وثلث خمسها، فلها كذلك من التركة، أربعة
(21 +39+12+32=104)
تنبيه: لو مات ميت ثالث - فأكثر -: فإنك تعمل في الميت الثالث كما عملت في الميت الثاني مع الأول كما فُصِّل لك.
تنبيه آخر: هذه الحالات والطرق في كيفية التوريث في المناسخات قد تصعب على بعض طلّاب العلم، والفقهاء في عرضهم لها يُصعِّبونها أكثر مما تستحق، وهناك طريقة سهلة ميسَّرة - خاصة في الحالتين الثانية والثالثة، أو فيما لو مات ميت ثالث فأكثر قبل قسمة تركة الأول - وهذه الطريقة هي: أن تقسم التركة على ورثة الميت الأول في مسألة مستقلة، وكأن الميت الثاني - فأكثر - حي، ويُعطى ذلك الميت الثاني نصيبه كاملًا، ويضاف إلى ماله، ثم تقسَّم تركة الميت الثاني بطريقة مستقلة في مسألة مستقلة، فإن كان ورثة الميت الثاني غير ورثة الميت الأول: فهذا واضح - كما سبق - وإن كان بعض ورثة الميت الثاني هم ورثة الميت الأول فإن هذا الوارث المشترك يأخذ نصيبه من تركة الميت الأول، ويأخذ نصيبه من تركة الميت الثاني - كما وضحنا في الأمثلة السابقة، وهذا أيسر بكثير مما يكرره الفقهاء في كتبهم من ضرب، وقسمة، وموافق ومباين ونحو ذلك مما قد يُنفِّر الطلاب عن تعلُّم ذلك؛ اعتقادًا منهم: أنه لا طريقة إلّا ذلك.
وعشرون دينارًا، وإن ضربت سهام كل وارث في التركة، وقسمت الحاصل على المسألة: خرج نصيبه من التركة، وإن قسمت على القراريط: فهي في عرف أهل مصر والشام أربعة وعشرون قيراطًا، فاجعل عددها كتركة معلومة، واقسم كما مرَّ
(6)
.
(6)
مسألة: المراد بقسمة التركات: أن يُعرف نصيب كل واحد من المال المقسوم، وهناك طرق لقسمة التركات: الطريقة الأولى: إذا أمكنك نسبة نصيب كل وارث من المسألة بجزء كنصف وعشر: فأعطه مثل تلك النسبة من التركة. مثاله: مات ميت عن: "زوج، وأم، وأب وبنتين" وقد خلَّف أربعين دينارًا، فالمسألة تكون من اثني عشر: للزوج الربع - ثلاثة - وللأم السدس - اثنان - وللأب السدس - اثنان - وللبنتين الثلثان - ثمانية - فعالت المسألة إلى خمسة عشر، فكان للزوج: ثلاثة - وهو خمس التركة، ويقدَّر خمس الأربعين بثمانية دنانير، فيكون هذا هو نصيب الزوج، وكان لكل واحد من الأب والأم إثنان - وهو ثلثا خمس المسألة، فيكون لكل واحد منهما ثلثا الثمانية - وهو خمسة دنانير وثلث دينار، ولكل واحدة من البنتين مثل ما للأبوين كليهما وهو عشرة وثلثان، الطريقة الثانية: أن تقسم التركة - وهي الأربعون - على المسألة، وتضرب الخارج من القسمة في نصيب كل وارث، فما بلغ فهو نصيبه، فمثلًا هنا لو قسمت الأربعين على خمسة عشر - وهو أصل المسألة وما عالت إليه -: كان الخارج بعد القسمة دينارين وثلثين، فإذا ضربت ذلك في نصيب الزوج - وهو ثلاثة - كان الناتج ثمانية دنانير، وإذا ضربت دينارين وثلثين في نصيب كل واحد من الأبوين: كان الناتج خمسة وثلث دينار، وإذا ضربت دينارين وثلثين في نصيب كل واحدة من البنتين: كان الناتج عشرة دنانير وثلثي دينار. الطريقة الثالثة: أن تضرب نصيب كل وارث في التركة - وهي أربعون - وتقسم الناتج على أصل المسألة - وهو خمسة عشر - فما خرج: فهو نصيب ذلك الوارث، فمثلًا هنا: إذا ضربت نصيب الزوج - وهو ثلاثة - في التركة - وهو أربعون - كان الناتج مائة وعشرين، فإذا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قسمت المائة والعشرين هذه على رأس المسألة - وهي خمسة عشر -: كان الناتج - بعد القسمة: ثمانية، وإذا ضربت نصيب أحد الأبوين - وهو اثنان - في التركة - وهو أربعون -: كان الناتج ثمانين، فإذا قسمت الثمانين على رأس المسألة - وهي خمسة عشر -: كان الناتج - بعد القسمة - خمسة وثلث، وإذا ضربت نصيب كل واحدة من البنتين - وهو أربعة - في التركة - وهي أربعون -: كان الناتج مائة وستين، فإذا قسمت المائة والستين على أصل المسألة - وهو خمسة عشر - كان الناتج: عشرة دنانير وثلثي الدينار لكل واحدة.
تنبيه: هناك طريقة رابعة وهي قسمة القراريط، وهي لا تصلح في هذه الأزمنة؛ لعدم العمل بها، وإنما ذكرها فقهاء السلف؛ لكون القيراط من العملة المعمول بها خاصة في الشام ومصر.
هذه آخر مسائل باب: "التصحيح، والمناسخات، وقسمة التركات" ويليه باب "ذوي الأرحام".
باب ذوي الأرحام
وهم: كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة
(1)
و (يرثون
(2)
بالتنزيل) أي:
باب ذوي الأرحام
وفيه أربع عشرة مسألة:
(1)
مسألة: الأرحام: جمع رحم، وهو لغة: منبت الولد، ووعاؤه في البطن، ومنه قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ} ، وذو الرحم: كل من تربطه بغيره رابطة القرابة: سواء كان من أصحاب الفروض، أو من العصبات، أو من غيرهم، فيكون بذلك شاملًا للأصول، والفروع والحواشي، وهم في الاصطلاح: كل قريب ليس بذي فرض، ولا عصبة، وتتوسط أنثى بينه وبين الميت في الغالب، وهم أحد عشر صنفًا: 1 - ولد البنات، 2 - ولد الأخوات، 3 - بنات الأخوة، 4 - بنات الأعمام، 5 - بنو الأخوة من الأم، 6 - العم من الأم، 7 - العمات، 8 - الأخوال، 9 - الخالات، 10 - أبو الأم، 11 - كل جدة أدلت بأب بين أمين أو بأب أعلى من الجد.
(2)
مسألة: ذوو الأرحام يرثون بشرط: عدم وجود أحد من ذوي الفروض، أو العصبات، أو مولى العتاقة وهو مذهب الحنفية والحنابلة؛ لقواعد الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} حيث إن هذه الآية دلَّت بعمومها على توريث جميع أقرباء الميت، وأقرباء الميت من أصحاب الفروض، والعصبات، والعتاقة قد خُصِّصوا بتقديمهم - كما تقدم تفصيله -، فإذا لم يوجد أحد من أصحاب الفروض، والعصبات والعتاقة: بقي أولو الأرحام على ما هم عليه يرثون؛ نظرًا لبقاء القرابة الرحمية، الثانية: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: أنه عليه السلام قال: "الخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه" حيث أثبت الشارع بأن الخال يرث، وغيره من ذوي الأرحام الأحد عشر =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
السابق ذكرهم مثله؛ لعدم الفارق، من باب "مفهوم الموافقة، ثانيهما: أنه لما مات ثابت بن الدحداح، ولم يوجد له إلا ابن أخت - وهو أبو لبابة بن المنذر - قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا ميراثه له" حيث ورَّث الشارع ابن الأخت مال خاله، وغيره من ذوي الأرحام مثله، من باب مفهوم الموافقة الثالثة: القياس؛ بيانه: كما أن ذوي الفروض والعصبات من الأقرباء يرثون، فكذلك ذوو الأرحام مثلهم والجامع: أن كلًّا منهم قد ساووا الناس في الإسلام، وزادوا عليهم بالقرابة، فكانوا أولى من المسلمين بالميراث، ولهذا كان كل فرد ممن سبقوا أحق في الحياة بصلته، وصدقته وبعد وفاته بوصيته، ويكون ذوو الأرحام محجوبين بذوي الفروض والعصبات إن وجدوا، كما أن أصحاب الفروض يحجب بعضهم بعضًا، الرابعة: قول الصحابي؛ حيث إن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء كانوا يورثون ذوي الأرحام. فإن قلتَ: لِمَ شرع توريثهم؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حث على الترابط بين الأقرباء؛ إذ إنه إذا علم كل واحد من هؤلاء الأقرباء أن كل واحد سيرث الآخر بعد الموت: فإنه ستزداد الصلة بينهما في الحياة. فإن قلتَ: لا يصح توريث ذوي الأرحام، فإن مات شخص لا وارث له من أصحاب الفروض، أو العصبات، أو العتاقة: فإن ماله يوضع في بيت المال ينفق منه على مصالح المسلمين، وهو قول مالك والشافعي وكثير من الفقهاء؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير الله تعالى في العمة والخالة فأنزل الله "أن لا ميراث لهما" وغير العمة والخالة من ذوي الأرحام مثلهما؛ لعدم الفارق من باب "مفهوم الموافقة"؛ الثانية: الاستقراء: حيث ثبت بعد الاستقراء والتتبع لنصوص الكتاب والسنة: أن الشارع ورَّث أصحاب الفروض والعصبات، والعتاقة، ولم يذكر أولي الأرحام، فلا يورثون بالاجتهاد؛ لأن المواريث إنما تثبت نصًا ولا نصَّ في هؤلاء، الثالثة: قول =
بتنزيلهم منزلة من أدلوا به من الورثة (الذكر والأنثى) منهم (سواء)؛ لأنهم يرثون بالرحم المجرَّدة، فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الأم (فولد البنات، وولد بنات البنين، وولد الأخوات) مطلقًا (كأمهاتهن، وبنات الأخوة) مطلقًا كآبائهن (و) بنات (الأعمام لأبوين، أو لأب) كآبائهن (وبنات بنيهم) أي: بني الأخوة، أو بني الأعمام كآبائهن (وولد الأخوة لأم كآبائهم، والأخوال، والخالات، وأبو الأم كالأم، والعمات، والعم لأم كأب، وكل جدة أدلت بأب بين أُمَّين هي إحداهما: كأم أبي أم، أو بأب أعلى من الجد: كأم أبي الجد، وأبو أم أب، وأبو أم أم وأخواهما، وأختاهما بمنزلتهم (فيُجعل حق كل وارث) بفرض أو تعصيب (لمن أدلى به) من ذوي الأرحام، ولو بَعُد
(3)
، فإن كان واحدًا: أخذ المال كله، وإن كانوا جماعة: قسم المال بين من يدلون
الصحابي؛ حيث ثبت عن زيد عدم توريثهم. قلتُ: أما الحديث فعنه جوابان، أولهما: أنه مرسل؛ ذكره أبو داود في المراسيل والحديث المرسل لا يقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة الواردة في ميراث الخال، والخالة مثل الخال، ثانيهما: على فرض قوته فإنه يحتمل أنه لا ميراث للعمة والخالة مع وجود أصحاب الفروض والعصبات، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الخال وارث من لا وارث له" أي: لا يرث إلا عند عدم وجود الورثة أصحاب الفروض والعصبات، وإذا صحّ هذا الاحتمال فإنّا نوافق عليه؛ لأنه هو مذهبنا، أما الاستقراء: فلا يصح؛ حيث إن توريث ذوي الأرحام ثبت بالسنة وهما الحديثان اللذان ذكرناهما في استدلالاتنا، ثم ثبت بالقياس على ما ثبت بالكتاب والسنة، ثم ثبت بقول الصحابي، والمصلحة، وهي كلها أدلّة معتبرة عند الجميع، أما قول الصحابي: فهو معارض بقول الصحابي الآخر، ويُرجَّح ما ذكرنا عن الصحابة بتوريثهم بالكثرة، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض السنتين" و "تعارض الاستقراء مع النصوص، والمصلحة والقياس".
(3)
مسألة: يُورَّث ذوو الأرحام بطريقة التنزيل وهي: أن تجعل كل وارث بمنزلة من =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أدلى به من الورثة - فرضًا أو تعصيبًا - أي: يُنزَّل كل فرع منزلة أصله، ويُنزَّل أصله منزلة أصله، وهكذا يتدرَّج حتى يصل إلى من يرث، فيأخذ ميراثه، وإن كان الواحد من ذوي الأرحام بعيدًا: فينزَّل أولاد البنات بمنزلة البنات، وينزل أولاد بنات الابن بمنزلة بنات الابن، ويُنزل أولاد الأخوات - شقيقات، أو لأب، أو لأم - بمنزلة أمهاتهن - الأخوات - وتنزل بنات الأخوة مطلقًا - أشقاء، أو لأب، أو لأم - بمنزلة آبائهن - الأخوة -، وتنزَّل بنات بني الأخوة بمنزلة آبائهن - وهم بنو الأخوة - وتُنزل بنات بني الأعمام بمنزلة آبائهن - وهم بنو الأعمام -، ويُنزَّل أولاد الأخوة لأم بمنزلة آبائهم - وهم الأخوة: سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا -، أما الأعمام لأم، والعمات: فإنهم يُنزَّلون بمنزلة الأب، وأما الخالات والأخوال، وأبو الأم: فإنهم يُنزَّلون بمنزلة الأم - وهم: أخوات الأم، وإخوتها: سواء كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم، وتنزَّل خالات أبيه، وأخوال أبيه مطلقًا بمنزلة أم الأب، وتنزل خالات أمه، وأخوالها بمنزلة أم الأم، وأخوال وخالات جده وإن علا من قبل الأب أو الأم تنزل بمنزلة أم الجد، ويُنزَّل أبو الأم، وأبوه، وجده وإن علا بمنزلة الأم، وهكذا كل جدة أدلت بأب بين أمين هي إحداهما: كأم أبي أم تكون بمنزلة الأم، أو أدلت بأب أعلى من الجد كأم أبي الجد تكون بمنزلة الجد، ويُنزل أبو أم أب، وأبو أم أم، وأخواهما، وأختاهما بمنزلة من أدلوا به؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إنه يلزم من عدم وجود نص، أو إجماع على طريقة توريثهم: أن يُعطى كل شخص نصيب من أدلى به من أصحاب الفروض، أو العصبات، فيقام المدلي مقام المدلى به، فنصيب كل أصل ينتقل إلى فرعه، الثانية: فعل الصحابة؛ حيث إن "عمر ورَّث خالة وعمّة، فأعطى العمة الثلثين، وأعطى الخالة الثلث" فنظر إلى من يُدلى به من صاحب فرض أو تعصيب، فيُعطى مثل نصيبه، وثبت عن علي وابن مسعود =
به، فما حصل لكل وارث: فهو لمن يدلي به، وإن بقي من سهام المسألة شيء: ردَّ عليهم على قدر سهامهم
(4)
(فإن أدلى جماعة بوارث) بفرض، أو تعصيب (واستوت منزلتهم منه بلا سبق كأولاده: فنصيبه لهم) كارثهم منه، لكن الذكر كالأنثى: (فابن
أنهما نزلا بنت الابن منزلة البنت، ونزلا بنت الأخ منزلة الأخ، وبنت الأخت منزلة الأخت، والعمة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم، وغير ذلك من ذوي الأرحام مثل ما ذكر من باب "مفهوم الموافقة".
تنبيه قوله: "الذكر والأنثى منهم سواء .. " سيأتي بيانه في مسألة (5).
(4)
مسألة: إذا لم يوجد إلا واحد من ذوي الأرحام - الأحد عشر السابق ذكرهم في مسألة (1) -: فإنه يأخذ المال كله - أي: جميع التركة -، وإن وجد جماعة منهم: فإنه يقسم المال - والتركة - بين من يدلون بهم من ذوي الفروض، أو العصبات وكأنهم أحياء: فما حصل لكل وارث - فرضًا أو تعصيبًا - بعد هذه القسمة: فهو لمن يدلي به من ذوي الأرحام؛ لكونه هو الوارث له، وإن بقي شيء من سهام المسألة: فإنه يُردُّ على الورثة - فرضًا - على قدر سهامهم - كما قلنا في الرَّد - ثم يأخذه من أدلى به من ذوي الأرحام: كأن يموت ميت عن "بنت بنت، وبنت بنت ابن""فتكون المسألة ستة: لبنت البنت النصف - ثلاثة - لأنها بنت - ولبنت بنت الابن السدس - واحد - لأنها بنت ابن - فترد إلى أربعة، وهو مجموع الأسهم - أي (3+1 = 4) مثال آخر: "بنت بنت، وبنت بنت ابن، وخالة وبنت أخ" فتكون من ستة: لبنت البنت النصف - ثلاثة - لتنزيلها منزلة البنت، ولبنت بنت الابن السدس - واحد -؛ لتنزيلها منزلة بنت الابن - وللخالة السدس - واحد - لتنزيلها منزلة الأم، والباقي واحد لبنت الأخ تعصيبًا؛ لكونه منزلًا منزلة الأخ وإن كان الخالة عمة: فإنها تحجب بنت الأخ؛ لكون العمة تنزَّل منزلة الأب، وتأخذ العمة الباقي؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ الثانية: فعل الصحابي؛ وقد سبقا ذكرهما بالتفصيل في مسألة (3).
وبنت لأخت مع بنت لأخت أخرى لهذه) المنفردة (حق) أي: إرث (أمها، وللأوليين حق أمهما) سوية بينهما
(5)
(وإن اختلفت منازلهم منه: جعلتهم معه) أي: مع من
(5)
مسألة: إذا أدلى جماعة من ذوي الأرحام بوارث واحد واستوت منزلتهم منه: سواء كان هذا الواحد يرث بالفرض أو التعصيب واستوت منزلتهم من هذا الوارث مثل: أولاده، أو أُخوته المتفرقين: فإن نصيب ذلك الوارث يكون لهؤلاء الجماعة: للذكر مثل حظ الأنثيين، وهو رواية عن أحمد، وكثير من الفقهاء فمثلًا: لو مات عن: "ابن أخته زينب، وبنت أخته زينب أيضًا وبنت أخته فاطمة": فإن ابن وبنت زينب يأخذان حق أمهما يقسَّم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وبنت فاطمة تأخذ حق أمها كاملًا، فيكون لبنت فاطمة سهمًا يُعادل سهم كل من ابن وبنت زينب، والميراث - على هذا - يقسم بين الأختين - زينب وفاطمة - فرضًا وتعصيبًا، وميراث كل واحدة يقسم بين ورثته: فإن كان واحدًا أعطي إياه كله، وإن كانوا أكثر قسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه يعطى الخال الثلثين، والخالة الثلث فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا منهما من ذوي الأرحام وللقياس على القريب من العصبات، فإن قلتَ: بل يقسم بين الذكر والأنثى بالسوية، فلا يفضل ذكرهم على أنثاهم، هذا ما ذكره المصنف هنا، وهو قول كثير من العلماء؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الأخوة لأم يرثون بالسوية لا يفضل ذكرهم على أنثاهم، فكذلك ذوو الأرحام مثلهم والجامع: أن كلًّا منهم قد ورث بالرحم المجرد. قلتُ: الأصل في الميراث: أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين في جميع من يرث، وخولف هذا الأصل في الأخوة لأم؛ لورود النص في ذلك؛ حيث قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً، أَوِ امْرَأَةٌ، وَلَهُ أَخٌ، أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} وقد سبق بيان ذلك، وهذا في الأخوة لأم، ويبقى غيرهم من الورثة على الأصل - وهو: أن للذكر مثل حظ الأنثيين - =
أدلوا به (كميت اقتسموا إرثه) على حسب منازلهم منه: (فإن خلَّف ثلاث خالات متفرقات) أي: واحدة شقيقة، وواحدة لأب، وواحدة لأم (وثلاث عمات متفرقات) كذلك:(فالثلث) الذي كان للأم (للخالات أخماسًا)؛ لأنهن يرثن الأم كذلك (والثلثان) اللذان كانا للأب (للعمات أخماسًا)؛ لأنهن يرثن الأب كذلك، (وتصح من خمسة عشر)؛ للاجتزاء بإحدى الخمستين؛ لتماثلهما؛ وضربها في أصل المسألة ثلاثة، للخالات من ذلك خمسة: للشقيقة ثلاثة، وللتي لأب سهم، وللتي لأم سهم، وللعمات عشرة: للتي من قبل الأبوين ستة، وللتي من قبل الأب سهمان، وللتي من قبل الأم سهمان (وفي ثلاثة أخوال متفرقين) أي: أحدهم شقيق الأم، والآخر لأبيها، والآخر لأمها (لذي الأم السدس) كما يرثه من أخته لو ماتت (والباقي لذي الأبوين) وحده؛ لأنه يسقط الأخ لأب (فإن كان معهم) أي: مع الأخوال (أبو أم: أسقطهم)؛ لأن الأب يسقط الأخوة (وفي ثلاث بنات عمومة متفرقين) أي: بنت عم لأبوين، وبنت عم لأب، وبنت عم لأم (المال للتي للأبوين؛ لقيامهن مقام آبائهن، فبنت العم لأبوين بمنزلة أبيها
(6)
(وإن أدلى
والقياس على الأخوة لأم لا يقوى على تغيير هذا الأصل، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" فنحن ألحقنا ذوي الأرحام بالخال والخالة، وبالعصبات؛ لكونهم أكثر شبهًا بهم، وهم ألحقوا ذوي الأرحام بالأخوة لأم؛ لأنهم أكثر شبهًا بهم عندهم.
(6)
مسألة: إن أدلى جماعة من ذوي الأرحام بوارث واحد، واختلفت منازلهم من المدلى به - وهو زيد مثلًا: فإنك تجعل ذوي الأرحام هؤلاء مع من أدلوا به وهو زيد كأنهم ورثوه بعد موته واقتسموا إرثه على حسب منازلهم منه، أي: يأخذون حق زيد لو كان زيد حيًا وأخذ حقه من مورِّثه فمثلًا: لو مات ميت عن: "خالة شقيقه، وخالة لأب، وخالة لأم، وعمة شقيقة، وعمة لأب، وعمة لأم": فإن المسألة تكون أولًا من ثلاثة: للخالات الثلاث: الثلث - واحد - وهو حق =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أختهن أم الميت، وللعمات الثلاث: الثلثان - اثنان - وهو حق أخوهن: أبو الميت، وتعمل وكأن الخالات يرثن أختهن - أم الميت، فيما لو ماتت ولم تترك غيرهن - وكأن العمات يرثن أخاهن - وهو أبو الميت فيما لو مات ولم يترك غيرهن -، أي: أن الثلث الذي كان للأم: أخذته الخالات الثلاث، والثلثين اللذين كانا للأب أخذته العمات الثلاث، فيقسم حق الخالات بينهن على خمسة؛ لأنهن خمسة أسهم: حيث إن للخالة الشقيقة: ثلاثة، وللخالة لأب: واحد، وللخالة لأم: واحد يأخذنه فرضًا وردًا، ويقسم حق العمات بينهن على عشرة للعمة الشقيقة: ستة، وللعمة لأب: اثنان، وللعمة لأم: اثنان يأخذنه فرضًا وردًا؛ للتلازم؛ حيث إن الخالات بمنزلة الأم، والعمات بمنزلة الأب، فكأن الميت خلّف أباه وأمه فقط، فلأمه الثلث، ولأبيه الباقي فيلزم: أن ما صار للأم يقسم بين أخواتها على خمسة، لكونهن أخوات لا مفترقات، فيقسم نصيبها بينهن بالفرض والرد على خمسة، تمامًا كما يقسم مال ميت بين إخواته المفترقات، ويلزم منه: أن ما صار للأب قسم بين أخواته على خمسة، فصار الكسر في الموضعين على خمسة، وإحداهما تجزئ عن الأخرى؛ لأنهما عددان متماثلان فتضرب إحداهما - وهو خمسة - أصل المسألة - وهو ثلاثة -، فيكون الناتج خمسة عشر، فللخالات سهم في خمسة: يكون الناتج: خمسة مقسومة بينهن - كما ذكرنا -، وللعمات سهمان في خمسة: يكون الناتج عشرة مقسومة بينهن على خمسة كما سبق، مثال آخر: مات ميت عن "خال شقيق، وخال لأب، وخال لأم": فإن الخال الشقيق يسقط الخال لأب - كما يسقط الأخ الشقيق الأخ لأب، ويأخذ الخال لأم: السدس وكأنه أخ لأم فتكون المسألة من ستة: للخال لأم السدس - واحد - والباقي للخال الشقيق، مثال ثالث: مات ميت عن "خال شقيق، وخال لأب، وخال لأم، وأبي أم": فإن أبا الأم يأخذ جميع المال؛ لأنه يسقطهم =
جماعة بجماعة: قسمت المال بين المدلى بهم) كأنهم أحياء، (فما صار لكل واحد) من المدلى بهم:(أخذه المدلى به) من ذوي الأرحام؛ لأنه وارثه
(7)
(وإن سقط بعضهم
جميعًا، كما لو ماتت عن أبيها وأخوتها: فإن المال يكون للأب فقط، مثال رابع: مات ميت عن "بنت عم شقيق، وبنت عم لأب، وبنت عم لأم" فإن بنت العم الشقيق تأخذ جميع المال، كما لو مات عن "عم شقيق وعم لأب، وعم لأم" فإن العم الشقيق يأخذ جميع المال، ويسقط الآخرين، وهكذا.
(7)
مسألة: إذا أدلى جماعة من ذوي الأرحام بجماعة من أصحاب الفروض، أو العصبات: فإنك تقسم المال - والتركة - بين المدلى بهم - وهم أصحاب الفروض، أو العصبات - وكأنهم أحياء، فالذي يصير لكل واحد من المدلى بهم - وهم أصحاب الفروض أو العصبات -: يأخذه المدلي به من ذوي الأرحام، فمثلًا: مات ميت عن: "ثلاث بنات أخت شقيق، وثلاث بنات أخت لأب، وثلاث بنات أخت لأم، وثلاث بنات عم شقيق وثلاث بنات عم لأب" فإنك تقسم المال على فرض أن ذلك الميت مات عن: "أخت شقيقة، وأخت لأب وأخت لأم، وعم شقيق، وعم لأب" تكون المسألة من ستة: للأخت الشقيقة النصف - ثلاثة - وللأخت لأب السدس - واحد -، وللأخت لأم السدس - واحد -، وللعم الباقي - واحد - ويسقط العم لأب بالعم الشقيق، ثم تُعطي ما أخذته الأخت الشقيقة لبناتها الثلاث - وهو ثلاثة -، وتعطي ما أخذته الأخت لأب لبناتها الثلاث - وهو واحد - وتعطي ما أخذته الأخت لأم لبناتها الثلاث - وهو واحد - وتعطي ما أخذه العم لبناته - وهو واحد - وتسقط بنات العم لأب؛ لأن أباهن قد سقط فتصح المسألة من ثمانية عشر: لبنات الأخت الشقيقة الثلاث: النصف: تسعة، لكل واحدة ثلاثة، ولبنات الأخت لأب السدس ثلاثة: لكل واحدة واحد، ولبنات الأخت لأم: السدس ثلاثة لكل واحدة واحد، ولبنات العم الشقيق ثلاثة لكل واحدة واحد، وهكذا؛ للتلازم؛ حيث =
ببعض: عملت به) فعمة، وبنت أخ: المال للعمة؛ لأنها تدلي بالأب، وبنت الأخ تدلي بالأخ (8)، ويسقط بعيد من وارث بأقرب منه
(9)
إلا إن اختلفت الجهات، فيُنزَّل بعيد حتى يلحق بوارث سقط به أقرب أولًا
(10)
(والجهات) التي يرث بها ذوو الأرحام ثلاثة: (أبوة) ويدخل فيها فروع الأب من الأجداد، والجدّات السواقط، وبنات الأخوة، وأولاد الأخوات، وبنات الأعمام والعمات، وعمّات الأب والجد
يلزم من كون بنات كل شخص يرثنه: أن يعطين ما ورثه، وقد سبق بيان ذلك. (8) مسألة: إذا كان بعض ذوي الأرحام أولى بالميراث من بعض: فإن الأولى يسقط من هو دونه - كما في أصحاب الفروض والعصبات -: فمثلًا: بنات العم لأب قد سقطن ببنات العم الشقيق في المثال السابق في مسألة (7). مثال آخر: مات ميت عن: "عمة، وبنت أخ": فإن المال يكون للعمة فقط، وبنت الأخ تسقط بها"؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون العمة مدلية بالأب، وبنت الأخ مدلية بالأخ: أن تسقط العمة بنت الأخ لأن الأب يسقط الأخ في أصحاب الفروض والعصبات.
(9)
مسألة: يسقط بعيد من وارث من ذوي الأرحام بأقرب منه إذا كانوا من جهة واحدة، فمثلًا:"لو مات ميت عن: "بنت بنت وأولاد بنت الابن وبنت بنت بنت" فالمال لبنت البنت؛ مثال آخر: لو مات ميت عن: "خالته، وجدة أمه من أبيها" فالمال يكون للخالة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من قرب بنت البنت، والخالة: تقديمهما في الميراث على البعيدة.
(10)
مسألة: إذا اختلفت جهات ذوي الأرحام: فإنه ينزل البعيد حتى يلحق بوارث، فيورَّث مع القريب فمثلًا: لو مات ميت عن: "بنت بنت بنت، وبنت بنت بنت بنت، وبنت أخ لأب": فإن المال يقسم بين بنت بنت البنت، وبين بنت أخ لأب وإن كانت بعيدة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون بنت بنت البنت في جهة بنت بنت بنت البنت: أنها تسقطها، فورثت الأخرى التي ليست من جهتها.
(وأمومة) ويدخل فيها فروع الأم من الأخوال، والخالات، وأعمام الأم، وأعمام أبيها وأمها، وعمات الأم، وعمات أبيها، وجدها، وأمها، وأخوال الأم، وخالاتها (وبنوة) ويدخل فيها أولاد البنات، وأولاد بنات الابن
(11)
، ومن أدلى بقرابتين: ورث بهما
(12)
، ولزوج أو زوجة مع ذي رحم فرضه كاملًا بلا حجب،
(11)
مسألة: الجهات التي يرث بها ذوو الأرحام ثلاثة: أولها: الأبوة، وتشمل فروع الأب: من الأجداد، والجدات الذين لا يرثون بالفرض، ولا بالتعصيب مثل:"أبي أم الأب"، و "أم أبي أم الأب"، وبنات الأخوة: سواء كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم، وسواء كانوا: أولاد الأخوات: سواء كن شقيقات، أو لأب، أو لأم، وسواء كانوا: أبناء أو بناتًا، وبنات الأعمام سواء كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم، والعمات وإن علا، وعمات الأب، والجد: سواء كن شقيقات، أو لأب، أو لأم. ثانيها: الأمومة، وتشمل فروع الأم: من الأخوال، سواء كانوا أشقاء أو لأب، أو لأم، والخالات: سواء كن شقيقات، أو لأب، أو لأم، وأعمام الأم، وأعمام أبيها، وأعمام أمها: سواء كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم، وعمات الأم، وعمات أبيها، وعمات جدها وعمات أمها: سواء كن شقيقات، أو لأب، أو لأم، وأخوال الأم، وأخوال أبيها، وأخوال أمها: سواء كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم، وخالات الأم، وخالات أبيها، وخالات أمها: سواء كن شقيقات، أو لأم، أو لأب. ثالثها: البنوة، وتشمل أولاد البنات - من بنين وبنات - وأولاد بنات الابن - من بنين وبنات - وإن نزلوا، وفائدة ذكر ذلك: أنه يُورَّث أسبقهم إلى الوارث؛ للتلازم؛ حيث إن كون الواسطة بين الفرد وأقاربه: أبوه، وأمه، وولده: يلزم منه هذا الانحصار، وذلك لأن طرفه الأعلى الأبوان؛ لأنه نشأ منهما، وطرفه الأسفل ولده؛ لأن منه نشأ.
(12)
مسألة: إذا اجتمع في الواحد من ذوي الأرحام جهتان تقتضي كل منهما =
ولا عول، والباقي لذي رحم
(13)
، ولا يعول هنا إلا أصل ستة إلى سبعة كخالة، وبنتي أختين لأبوين، وبنتي أختين لأم: للخالة سهم، ولبنتي الأختين لأبوين أربعة، ولبنتي الأختين لأم سهمان
(14)
.
الإرث، فإنه يرث بهما معًا. مثاله: مات رجل عن زوجته التي هي بنت عمه: فإن لزوجة تأخذ الربع فرضًا، وتأخذ الباقي بالرحمية إذا لم يوجد غيرها من ذوي الفروض، والعصبات، والعتاقة، وذوي الرحم الآخرين؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه ذا قرابتين لا حجب بهما: أن يورَّث بهما.
(13)
مسألة: إذا وجد زوج، أو زوجة مع واحد من ذوي الرحم: فإن الزوج يأخذ حقه كاملًا - وهو النصف - والزوجة تأخذ حقها كاملًا - وهو الربع - والباقي يأخذه ذلك الشخص من ذوي الأرحام وإن كان هناك جماعة منهم قسم بينهم، فلا يحجب الزوج من النصف إلى الربع ولا يحجب الزوجة من الربع إلى الثمن واحد من ذوي الأرحام، ولا يُعال به؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من عدم وجود الحاجب، والمقتضي للعول: عدمهما؛ لأن فرض الزوجين ثبت بالنص، وإرث ذوي الأرحام غير منصوص عليه، فلا يقوى ما لم ينص عليه على معارضة ما نص عليه، ومن هنا: اتفق الفقهاء على أنه لا يرث ذو الرحم مع ذي فرض غير أحد الزوجين؛ لكونهما لا يُردُّ عليه - كما سبق بيانه في الرد - مثاله: مات ميت عن: "زوج، وبنت بنت، وبنت أخت شقيقة" وتكون المسألة من اثنين، للزوج النصف - واحد - والباقي لبنت البنت ولبنت الأخت - وهو واحد - يقتسمانه.
(14)
مسألة: لا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا أصل ستة فقط، يعول إلى سبعة. مثاله: لو مات ميت عن: "خالة، وبنتي أختين شقيقتين، وبنتي أختين لأم" فالمسألة تكون من ستة: للخالة السدس - واحد - لتنزيلها منزلة الأم - ولبنتي الأختين الشقيقتين: الثلثان - أربعة - لتنزيلهما منزلة الأختين الشقيقتين - ولبنتي الأختين لأم الثلث - اثنان - لتنزيلهما منزلة الأخت لأم، وعالت المسألة إلى =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سبعة، وهو مجموع السهام (1+4+2=7) كما ذكرنا في العول؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تنزيل هذه النساء منزلة من أدلين بهن: أن تعول المسألة كما ذكرنا، ولأن العول الزائد على هذا لا يكون إلّا لأحد الزوجين كما ذكرناه في مسألة (5) من باب "أصول المسائل والعول والرد".
هذه آخر مسألة من باب: "ذوي الأرحام" ويليه باب: "ميراث الحمل والخنثى".
باب ميراث الحمل
بفتح الحاء، والمراد: ما في بطن الآدمية، يقال: امرأة حامل، وحاملة: إذا كانت حبلى (و) ميراث (الخنثى المشكل): الذي لم تتضح ذكورته، ولا أنوثته (من خلَّف ورثة فيهم حمل) يرثه (فطلبوا القسمة: وقف للحمل) إن اختلف إرثه بالذكورة والأنوثة (الأكثر من إرث ذكرين، أو أنثيين)؛ لأن وضعهما كثير معتاد، وما زاد عليهما نادر، فلم يوقف له شيء، ففي زوجة حامل، وابن: للزوجة: الثمن، وللابن ثلث الباقي، ويوقف للحمل إرث ذكرين؛ لأنه أكثر، وتصح من أربعة وعشرين، وفي زوجة حامل، وأبوين، يوقف للحمل نصيب أنثيين؛ لأنه أكثر، ويدفع للزوجة الثمن عائلًا لسبعة وعشرين، وللأب السدس كذلك، وللأم السدس كذلك (فإذا ولد: أخذ حقه) من الموقوف (وما بقي فهو لمستحقه)
(1)
، وإن أعوز شيء: بأن وقفنا
باب ميراث الحمل والخنثى
وفيه خمس عشرة مسألة:
(1)
مسألة: إذا مات ميت عن زوجته الحامل منه، وعن ورثة آخرين، وطالب بقية الورثة أو بعضهم أن تقسم تركة ذلك الميت: فإنها تقسم بينهم، ويوقف الأكثر من نصيب ابنين، أو بنتين أي: يقسم المال على الورثة بناء على وجود ابنين - في بطن أمهما - إن كانا أكثر نصيبًا، أو يقسم المال بين الورثة بناء على وجود بنتين للميت - في بطن أمهما - إن كانتا أكثر نصيبًا، فإذا ولد المولود - ذكرًا كان أو أنثى -: فإنه يأخذ حقه من الموقوف، وما بقي من الموقوف: - وهو الزائد عن ميراث الحمل -: فإنه يقسم بين مستحقيه من الورثة الآخرين، مثال: ما إذا أوقفنا نصيب ابنين؛ لأنه أكثر: ما لو مات ميت عن "زوجة حامل، وابن" تكون المسألة، من ثمانية: للزوجة الثمن - واحد - وللابن ثلث الباقي وذلك لا ينقسم فتصح المسألة من أربعة وعشرين؛ لأنّا قسمنا المال بناء على أن الورثة: =
ميراث ذكرين، فولدت ثلاثة: رجع على من هو بيده
(2)
(ومن لا يحجبه) الحمل:
"زوجة وثلاثة أبناء": "فللزوجة الثمن ثلاثة ويبقى واحد وعشرون، يقسم بين الأبناء الثلاثة: فكل واحد يأخذ سبعة، فيأخذ الابن الموجود حقه - سبعة - ويوقف أربعة عشر للابنين اللذين في بطن أمهما فرضًا، وهذا أكثر نصيبًا مما لو فرضنا أنهما أنثيين فإذا ولد المحمول به: أخذ حقه - إن كان ذكرًا أو ذكرين، أو أنثى أو اثنتين - فإن بقي شيء: أُعيدت قسمته بين الورثة، وهذا أكثر نصيبًا مما لو فرضنا أنهما أنثيان فإذا فرضنا ذلك وفرضنا أن المسألة "زوجة حامل، وابن" لكان تقسيم المسألة يكون كالتالي:"زوجة، وابن، وبنتين": فإن للزوجة الثمن - ثلاثة -، ويقسم الباقي على الابن والبنتين: للذكر مثل حظ الأنثيين، فيكون للابن عشرة ونصف، وللبنتين عشرة ونصف، وهذا أقل من أربعة عشرة. مثال آخر: ما إذا وقفنا نصيب بنتين؛ لأنه أكثر ما لو مات ميت عن: "زوجة حامل، وأبوين" تكون المسألة من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن - ثلاثة - وللأم السدس - أربعة - وللأب السدس - أربعة - وللبنتين المحمول بهما الثلثان - ستة عشر - فتعول إلى سبعة وعشرين - وهو ناتج مجموع (3+4+4+16 = 27) وهذا أكثر مما لو فرضنا هما ابنين بلا شك؛ لقاعدتين: الأولى: العرف والعادة؛ حيث إن ولادة التوأمين معروف معتاد، وما زاد على ذلك فنادر ويعمل دائمًا على المعتاد الثانية: المصلحة؛ حيث إن فرض المحمول به اثنين ووقف حقهما حتى يولدان، ويُردُّ ما بقي بعد أخذ المولود حقه أحوط مما لو قسمت التركة بناء على أنه واحد، ثم ولدت اثنين: فإنه يحتاج إلى أخذ حق المولود الثاني من الورثة؛ لأن الورثة سيتصرفون بما أخذوه، ويصعب إخراجه منهم، تنبيه: قوله: "وميراث الخنثى
…
" سيأتي بيانه بالتفصيل.
(2)
مسألة: إذا قسمت المسألة بناء على أن المحمول به ابنان - كما سبق في مسألة (1) - فولدت زوجة الميت ثلاثة: فإنه يُعطى الابنين حقهما مما وقف لهما، ويرجع الثالث بنصيبه على من هو بيده من الورثة، أي تقسم التركة السابق ذكرها في =
(يأخذ إرثه) كاملًا (كالجدة): فإن فرضها السدس مع الولد وعدمه
(3)
(ومن ينقصه) الحمل (شيئًا) يُعطى (اليقين) كالزوجة، والأم، فيعطيان الثمن والسدس، ويوقف الباقي
(4)
(ومن سقط به) أي: بالحمل: (لم يعط شيئًا)؛ للشك في إرثه
(5)
(ويرث)
مسألة (1) - من جديد بناء على أن المحمول به ثلاثة، لا اثنان فيُنقص من أنصبة كل واحد، ليعطى الثالث الذي لم يحسب حسابه من قبل؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه وارثًا من جملة الورثة: أن يُعطى حقه مما في أيدي بقية الورثة.
(3)
مسألة: إذا كان المحمول به لا يحجب أحد الورثة: فإن هذا الواحد من الورثة يُعطى حقه كاملًا، ولا يؤثر عليه ذلك المحمول به. مثاله: مات ميت عن: "زوجة حامل، وجدة": فالمسألة تكون من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن - ثلاثة - وللجدة السدس - أربعة - والباقي للمحمول به يوقف له فالجدة هنا تعطى سدسها دائمًا: سواء وجد الفرع الوارث أو لا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم تأثر الجدة هنا بالمحمول به: إعطاؤها حقها كاملًا.
(4)
مسألة: إذا كان المحمول به ينقص أحد الورثة ويحجبه من نصيب إلى أقل منه: فإن هذا الواحد من الورثة يُعطى أقل ميراثه ويوقف الباقي للمحمول به. مثاله: مات ميت عن "زوجة حامل، وأم" فالمسألة تكون من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن؛ حيث حجبها ما في بطنها من الربع إلى الثمن، وهو أقلّ النصيبين، وللأم السدس - أربعة -؛ حيث حجبها الفرع الوارث - وهو ما في بطن الزوجة - من الثلث إلى السدس، وهو أقل النصيبين، والباقي يكون للمحمول به - كما سبق؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأقل هو المتيقن منه، والأكثر مشكوك فيه فنستصحب ما تيقّنا منه، وهو الأقل، ونعمل به ونترك المشكوك فيه، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن كوننا نعطيه زيادة على حقه بعد أن تبيّنا موت المحمول به أهون وأيسر من كوننا نأخذ منه فيما لو ولد حيًا.
(5)
مسألة: إذا كان المحمول به يسقط أحد الورثة: فإن هذا الواحد من الورثة لا =
المولود (ويورث إن استهلّ صارخًا)؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا استهلّ المولود صارخًا ورث" رواه أحمد وأبو داود (أو عطس، أو بكي، أو رضع، أو تنفَّس طال زمن التنفس، أو وجد) منه (دليل) على (حياته) كحركة طويلة، أو سعال؛ لأن هذه الأشياء تدل على الحياة المستقرة (غير حركة) قصيرة (واختلاج)؛ لعدم دلالتهما على الحياة المستقرة (وإن ظهر بعضه فاستهل) أي: صوَّت (ثم مات وخرج: لم يرث) ولم يورث كما لو لم يستهل
(6)
(وإن جهل المستهل من التوأمين) إذا استهل أحدهما دون
يُعطى شيئًا، مثاله: مات ميت عن: "زوجة حامل، وأخوة": فإن الأخوة لا يُعطون شيئًا؛ لأنهم يسقطون بالولد إذا وُلد؛ للاستصحاب؛ حيث إنّا قد شككنا في إرث الأخوة مثلًا؛ نظرًا لما غلب على ظننا من وجود الفرع الوارث، فنستصحب ما غلب على ظننا، ونترك المشكوك فيه، فإن مات ذلك المحمول به: فإن الأخوة يرثون تعصيبًا.
(6)
مسألة: يرث المولود ويورث بشرط: أن يدل دليل على أنه ولد حيًا كأن يصرخ بعد ولادته كله أو يعطس، أو يبكي، أو يرضع، أو يتنفَّس ويطول هذا التنفس، أو يتحرَّك تحركًا طويلًا، أو يسعل، أما إن تحرك حركة قصيرة، أو تنفَّس تنفسًا قصيرًا أو نحو ذلك بعد ولادته ثم مات، أو ظهر بعضه واستهل صارخًا، ثم مات ثم خرج: فإنه في هذه الحالات لا يرث ولا يورث؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إذا استهلّ المولود صارخًا: ورث" حيث دل على أنه إذا استهلّ صارخًا: فإنه يرث، والوارث موروث، وما ذكر من العطاس والبكاء والتنفس، والحركة كالاستهلال بالصراخ؛ لعدم الفارق، وهو من باب "مفهوم الموافقة"، ودل بمفهوم الشرط على أنه إذا لم توجد تلك العلامات على الحياة: فإنه لا يرث ولا يورث؛ الثانية: التلازم حيث إن خروجه جميعه مع وجود تلك الدلالات: يلزم منه: أنه يرث ويورث؛ لكونها تدل على الحياة المستقرة، ويلزم من عدمها: عدم الإرث؛ لفقدان تلك العلامات، فلا تثبت له أحكام الدنيا.
الآخر، ثم مات المستهل وجُهل، وكانا ذكرًا وأنثى (واختلف إرثهما) بالذكورة والأنوثة:(يُعيَّن بقرعة) كما لو طلق إحدى نسائه، ولم تُعلم عينها
(7)
، وإن لم يختلف ميراثهما كولد الأم، أخرج السدس لورثة الجنين بغير قرعة؛ لعدم الحاجة إليها
(8)
، ولو مات كافر بدارنا عن حمل منه: لم يرثه؛ لحكمنا بإسلامه قبل وضعه
(9)
، ويرث
(7)
مسألة إذا ولدت امرأة توأمين، فاستهل أحدهما صارخًا دون الآخر، ثم مات المستهل، ولكن جُهل عينه، واختلف إرثهما بأن كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى - لا ذكرين فقط، ولا أنثيين فقط - غير ولد الأم: فإنه يُعيَّن المستهل منهما بالقرعة، فمن خرج سهمه فهو المستهل، وهو الذي يرث ويورث؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الشخص إذا أراد السفر بإحدى نسائه فإنه يقرع بينهن، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن القرعة طريق من طرق معرفة المستحق للشيء، تنبيه: قوله: "كما لو طلَّق إحدى نسائه، ولم تعلم عينها" أتى به المصنف كدليل على استعمال القرعة هنا. قلتُ: لا تستعمل القرعة في الطلاق هنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وقوع الطلاق مبهمًا: عدم وقوعه، وهذا قد بينته بالتفصيل في التفريع على الواجب المخير وذلك في:"المهذب في أصول الفقه"(1/ 171).
(8)
مسألة: إذا ولدت امرأة توأمين فاستهلّ أحدهما صارخًا دون الآخر، ثم مات المستهل، ولكن جهل عينه ولا يختلف إرثهما بأن كان ولد أم؛ حيث إن له السدس: سواء كان ذكرًا أو أنثى: فإنه يخرج له سدسه ويقسم على ورثته بغير قرعة؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من استواء الذكر والأنثى من ولد الأم في الإرث: عدم الحاجة إلى القرعة.
(9)
مسألة: إذا مات كافر بدار الإسلام عن زوجته الحامل منه: فإن المحمول به من زوجته تلك لا يرثه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من حكمنا بإسلام هذا المحمول به قبل وضعه؛ لكونه ولد بدار الإسلام: عدم إرثه منه؛ لأن المسلم لا يرث الكافر.
صغير حكم بإسلامه بموت أحد أبويه منه
(10)
(والخنثى): من له شكل ذكر رجل، وفرج امرأة، أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول
(11)
، ويُعتبر أمره ببوله من أحد الفرجين، فإن بال منهما فبسبقه، فإن خرج منهما معًا: أعتبر أكثرهما
(12)
، فإن
(10)
مسألة: الصغير المحكوم بإسلامه يرث إذا مات أحد أبويه منه؛ للتلازم؛ حيث إن المنع من الإرث المترتب على اختلاف الدين قد سبق بحصول الإرث مع الحكم بالإسلام عقب الموت فيلزم: أنه يرث.
(11)
مسألة: الخنثى هو: من له آلتان: آلة ذكر وآلة أنثى، أوله ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول أو ليس له شيء أصلًا وهو ينقسم إلى قسمين:"خنثى غير مشكل"، و "خنثى مشكل" للاستقراء؛ حيث إنه ثبت بعد الاستقراء والتتبع لأحوال الخنثى ذلك التقسيم.
(12)
مسألة: يرث الخنثى غير المشكل إذا ثبتت علامة الرجال أو النساء فيه، فيعلم أنه ذكر، أو أنثى، وهذه العلامة هي: مباله، ولذلك أحوال: الحالة الأولى: إن بال بآلة الرجل: فإنه يحكم عليه بأنه ذكر، ويرث ويورث بناء على أنه ذكر، وإن بال بآلة الأنثى: فإنه يحكم عليه بأنه أنثى، ويرث، ويورث بناء على أنه أنثى، الحالة الثانية: إن خرج البول من الآلتين معًا: فإنه ينظر إلى أسبقهما بولًا، فإن كان بوله بدأ بالخروج من آلة الذكر: حكم عليه بأنه ذكر، يرث ويورث على أنه ذكر، وإن كان بوله بدأ بالخروج من آلة الأنثى: حكم عليه بأنه أنثى، يرث ويورث على أنه أنثى، الحالة الثالثة: إن خرج البول من الآلتين، وخرج منهما بوقت واحد: فإنه يُنظر إلى الأكثر بولًا: فإن كان بوله من آلة الذكر أكثر: حكم عليه بأنه ذكر، يرث ويورث على أنه ذكر، وإن كان بوله من آلة الأنثى أكثر: حكم عليه بأنه أنثى، يرث ويورث على أنه أنثى؛ لقواعد: الأولى: قول الصحابي؛ حيث إنه ثبت ذلك عن علي، ومعاوية، الثانية: التلازم؛ حيث إن خروج البول أعمّ العلامات، نظرًا لوجودها في الصغير والكبير، أما العلامات الأخرى: فإنها =
استويا: فهو (المشكل) فإن رُجي كشفه؛ لصغر: أعطي ومن معه اليقين، ووقف الباقي؛ لتظهر ذكوريته بنبات لحيته، أو إمناء من ذكره، أو تظهر أنوثيته بحيض، أو تفلك ثدي، أو إمناء من فرج
(13)
، فإن مات، أو بلغ بلا أمارة (يرث نصف ميراث
توجد بعد الكبر: كنبات اللحية، وخروج المني والحيض، وضخامة الثدي، والحبل ونحوها فيلزم من ذلك: أن البول هو المعيار لبيان الذكورية من الأنوثة، الثالثة: الاستصحاب؛ حيث إنه لما خرج ابتداء وسابقًا من أحد الآلتين: فإنه يحكم بذكورته، أو أنوثته، فلا يتغير هذا الحكم إذا خرج من الآلة الأخرى بعد ذلك؛ استصحابًا للأول، الرابعة: القياس؛ بيانه: كما أن السبق يحكم بها - كما في الثالثة - فكذلك يحكم بكثرة البول والجامع: أن كلًّا منهما مزية لإحدى العلامتين. فإن قلتَ: إن الحالة الثالثة وهي الكثرة لا تدل على الحكم بالذكورة أو الأنوثة وهو قول أبي حنيفة - بعد مناظرة مع صاحبه أبي يوسف - قلتُ: بل تدل، لأن الكثرة تدل على زيادة القوة، فمن كان أقوى خرج البول من آلته.
(13)
مسألة: إذا خرج البول من آلتي الخنثى المشكل معًا، ولم تسبق إحداهما الأخرى وقدر البول الخارج واحد، وليس أحدهما بأكثر من الآخر: فإن هذا هو الخنثى المشكل: فإن كان يُرجى أن ينكشف أهو ذكر أو أنثى بعد الكبر؟: فإن التركة تقسم، ويُعطى من معه ما يتيقن أنهم يرثونه من التركة، على تقدير أنه ذكر، وعلى تقدير أنه أنثى؛ وإذا كان هناك شخص يسقط به - على تقدير أنه ذكر، وعلى تقدير أنه أنثى -: فإنه لا يُعطى شيئًا، ويوقف الباقي من التركة، حتى يتضح أمره من بيان كونه ذكرًا بسبب نبات لحيته أو شاربه أو إمناء من ذكره، وظهور علامة ما ظهر منه أنه مني ذكر: فإن هذا يكون ذكرًا، ويُعطى نصيب الذكر، أو يتبيَّن أنه أنثى بسبب ظهور حيض، أو حمل، أو تفلك ثدي باستدارته وسقوطه، أو إمناء من فرج، أو ظهور علامة ما ظهر منه مني: أنه مني أنثى: فهذا يحكم عليه بأنه أنثى، ويُعطى نصيب الأنثى، ويُرجع ما بقي إلى =
ذكر) إن ورث بكونه ذكرًا فقط كولد أخ، أو عم خنثى (ونصف ميراث أنثى) إن ورث بكونه أنثى فقط كولد أب خنثى مع زوج، وأخت لأبوين، وإن ورث بهما متفاضلًا: أعطي نصف ميراثهما، فتعمل مسألة الذكورية ثم مسألة الأنوثية، وتنظر بينهما بالنسب الأربع، وتحصل أقل عدد ينقسم على كل منهما، وتضربه في اثنين: عدد حالي الخنثى، ثم من له شيء من إحدى المسألتين فأضربه في الأخرى، أو وفقها: فابن، وولد خنثى: مسألة الذكورية من اثنين والأنوثية من ثلاثة، وهما متباينان، فإذا ضربت إحداهما في الأخرى: كان الحاصل ستة، فاضربها في اثنين، تصح من اثني عشر: للذكر سبعة، وللخنثى خمسة
(14)
، وإن صالح الخنثى من معه على
الورثة إن بقي شيء؛ للمصلحة: حيث إن هذه الطريقة أصلح للخنثى وللورثة في العاجل والأجل.
(14)
مسألة: إذا مات الخنثى المشكل، أو بلغ - أي: تمَّ له خمسة عشر عامًا - ولم تظهر عليه علامات الذكورية ولا الأنوثة: فإنه يرث نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى إذا كان يرث على كلا التقديرين، وكان إرثه على أحدهما أكثر من إرثه على الآخر، فتعمل مسألتين: مسألة بناء على أنه ذكر، ومسألة بناء على أنه أنثى. مثاله: ماتت عن: "زوج، وأخت شقيقة، وولد أب خنثى مشكل" فتقسم المسألة أولًا على أنه ذكر، وهنا لا يُعطى شيئًا؛ لأنه حينئذ أخ لأب يرث بالعصوبة الباقي بعد أصحاب الفروض، ولم يبق شيء في هذه المسألة بعد الفروض؛ لأن المسألة تكون من ستة: للزوج النصف - ثلاثة - وللأخت الشقيقة النصف ثلاثة -، وإذا قسمنا المسألة ثانيًا على أنه أنثى: فإنه يكون أختًا لأب فتكون من أصحاب الفروض، وتكون المسألة من ستة أيضًا للزوج النصف - ثلاثة - وللأخت الشقيقة النصف - ثلاثة - وللأخت لأب - وهي الخنثى - السدس - واحد - تكملة الثلثين - فتعول إلى سبعة فنورِّثه نصف السدس فقط؛ لكونه لا يأخذ شيئًا إذا فرضناه ذكرًا، ويأخذ إذا فرضناه أنثى فيكون من حقه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نصف السدس على تقدير أنه أنثى. مثال آخر: مات ميت عن: "ابن، وولد خنثى" فنقسم المسألة أولًا بناء على أنه ذكر: فتكون من اثنين؛ للابن واحد، وللخنثى واحد، وتقسم المسألة ثانيًا على أنه أنثى فتكون من ثلاثة: للابن اثنان، وللخنثى واحد، والواحد والاثنان متباينان، فتضرب إحدى المسألتين بالأخرى، وهو: اثنان في ثلاثة: يكون الناتج ستة، ثم تضرب هذا الناتج في اثنين - وهو عدد حال الذكورة وحال الأنوثة - يكون الناتج: اثني عشرة تصح منها: للخنثى خمسة، وللذكر سبعة.
وسبب ذلك: أن المسألة تكون من اثني عشرة: للخنثى بناء على أنه ذكر في المسألة الأولى: - النصف - ستة -؛ لأنه مع الابن يتقاسمان التركة وهي اثنا عشر، وله بناء على أنه أنثى في المسألة الثانية: الثلث - أربعة - لأنه يكون أختًا للابن - فقسمنا المسألة على أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فيكون للابن الثلثان - ثمانية -، فإذا جمعنا حق الخنثى على أنه ذكر - وهو ستة مع حقه على أنه أنثى - وهو أربعة -: كان الناتج: عشرة، فيُعطى نصف العشرة، فيكون له خمسة، والباقي - من الاثني عشر - سبعة تكون للابن الواضح، أو تعطي الخنثى نصف ما تحصَّل عليه في المسألة الأولى مع أنه ذكر - وهو ستة - فيكون نصفها: ثلاثة وتعطيه نصف ما تحصَّل عليه في المسألة الثانية على أنه أنثى - وهو أربعة - فيكون نصفها اثنين، وتجمع ثلاثة مع اثنين، فيكون الناتج خمسة، وهو نصيب الخنثى، واختر أنت الطريقة التي تراها، المهم: أن تعطي الخنثى نصف حقه بناء على أنه ذكر، وتعطيه نصف حقه بناء على أنه أنثى في المسألتين وهذا رأي المالكية، وبعض الحنفية كأبي يوسف؛ لقواعد: الأولى: قول الصحابي؛ حيث إن إعطاء الخنثى المشكل نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى قد ثبت عن ابن عباس، الثانية: المصلحة؛ حيث إن ذلك أحوط =
ما وقف له: صح إن صح تبرُّعه
(15)
.
للخنثى؛ لأن ذلك فيه إعطاؤه حقه من غير منع منه أصلًا ومن غير وقف حقه حتى يتبين؛ لأن ذلك فيه إضاعة لماله مع اليقين بأنه من الورثة وأحوط للورثة الذين معه فلا نعطيه على أنه ذكر فقد يكون أنثى، وبهذا يحصل الظلم على بقية الورثة؛ الثالثة: التلازم؛ حيث يلزم من تساوي الحالتين في المسألتين: وجوب التسوية بين حكمهما، لذلك فرض على أنه أنثى، وفرض على أنه ذكر، وأعطي نصف ما استحق فيهما؛ لكون العدالة تقتضي ذلك.
تنبيه: خالف هذه الطريقة أبو حنيفة وبعض الحنفية كمحمد بن الحسن، ولهما طريقة خاصة، وللشافعية طريقة تخالف ذلك كله، وكل له دليله، ولكن ما ذكرناه هو الراجح؛ للقواعد الثلاث التي ذكرناها.
(15)
مسألة: إذا تصالح الخنثى المشكل مع بقية الورثة على أن يكون له ما وقف له من التركة، واتفق معهم على أنه يأخذه فيما بعد: سواء بان أنه ذكر، أو أنثى: فإن هذا جائز بشرط: أن يكون جائز التصرُّف؛ - أي: مكلَّف رشيد -؛ للقياس؛ بيانه: كما يجوز للخنثى المشكل المكلف الرشيد أن يبيع، ويشتري، ويوهب، ويتبرَّع فكذلك يجوز له أن يعقد صلحًا مع أي أحد له معه شراكة، والجامع: جواز التصرف في كل.
هذه آخر مسائل باب: "ميراث الحمل، والخنثى" ويليه باب: "ميراث المفقود".
باب ميراث المفقود
وهو: من انقطع خبره: فلم تعلم له حياة ولا موت (من خفي خبره بأسر، أو سفر غالبه السلامة كتجارة) وسياحة: (انتظر به تمام تسعين سنة منذ ولد)؛ لأن الغالب: أنه لا يعيش أكثر من هذا، وإن فقد ابن تسعين: اجتهد الحاكم (وإن كان غالبه الهلاك كمن غرق في مركب، فسلم قوم دون قوم، أو فقد من بين أهله، أو في مفازة مهلكة) كدرب الحجاز (انتظر به تمام أربع سنين منذ تلف) أي: فقد؛ لأنها مدَّة يتكرر فيها تردد المسافرين والتجار فانقطاع خبره عن أهله يغلب على الظن هلاكه؛ إذ لو كان حيًا: لم ينقطع خبره إلى هذه الغاية
(1)
(ثم يقسم ماله فيهما) أي: في مسألتي
باب ميراث المفقود
وفيه خمس مسائل:
(1)
مسألة المفقود - وهو: من غاب عن أهله وانقطع خبره، فلا يعلم أهو حي أم ميت؟ - لا يُقسم ماله، ولا تتزوج امرأته إلا بعد أن يعلم موته يقينًا، أو تمضي عليه مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش مثلها، يحكم بذلك القاضي المجتهد العدل: سواء كان يغلب على الظن سلامته وبقاؤه كسفره لتجارة، أو سياحة، أو طلب علم، أو كان يغلب على الظن هلاكه كمن فقد من بين أهله كأن يخرج إلى حاجة فلا يعود، أو فقد في أرض يكثر فيها الهلاك أو فقد ابن التسعين سنة وهذا قول الجمهور - على اختلاف بينهم في التعبير عنه -؛ لقاعدتين: الأولى: الاستصحاب؛ حيث إن الأصل حياته، وتقدير كون انتظاره، بأربع سنين، أو حتى بلوغه التسعين من ولادته، أو بلوغه السبعين، أو بلوغه مائة وعشرين - كما قال بعض العلماء - لا يصار إليه إلا بتوقيف من الشارع، ولا يوجد توقيف هنا، فنستصحب الأصل، حتى يحكم القاضي بوفاته على حسب دلالات ظهرت له؛ الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من اختلاف البلاد واختلاف غلبة الظن واختلاف =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
العصور، واختلاف الأشخاص: أن يجعل تقدير ذلك للقاضي المجتهد العارف لكيفية استعمال الدلالات والأمارات، والعلامات على موت شخص وهلاكه، أو سلامته، وهذا يختلف من شخص لشخص آخر، وعصر لعصر آخر، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ظروف الناس، وغيابهم، والعلم بذلك وعدمه، وسرعة الاتصالات تختلف باختلاف من زمن إلى زمن آخر فلو قُرِّرت مدَّة معينة في قديم الزمان، وعمم ذلك لحديثه - مع عدم وجود نص في ذلك -: فإن هذا يُعتبر ظلمًا للناس مع اختلافهم، قياسًا على النفقة: فإنها تختلف باختلاف كل عصر، فإن قلتَ: إنه ينتظر إلى تمام تسعين سنة من يوم ولادته إن غلب على الظن سلامته، ويُنتظر أربع سنوات منذ فقد إن غلب على الظن هلاكه، وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو رواية عن أحمد؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إن الغالب أن الشخص لا يعيش أكثر من تسعين سنة فيلزم تحديد انتظاره بهذه المدة إن غلب الظن سلامته، ويلزم من تكرار تردد المسافرين للتجارة كل أربع سنوات: أن تجعل هذه المدة نهاية انتظار من يغلب على الظن هلاكه، إذ الحي لا ينقطع خبره في العادة إلى أكثر من ذلك، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عمر قال: "أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو؟ فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا، ثم تحل" ووافقه على ذلك عثمان، وابن عباس، وابن عمر، ثم يُقسم ماله بعد ذلك. قلتُ: أما التلازم: فهو بعيد؛ إذ لا يلزم من كون الشخص لا يعيش أكثر من تسعين سنة: تحديد انتظاره بها؛ لكون ذلك يُعتبر ظلمًا لزوجته، وورثته؛ إذ لو فقد شخص عمره ثلاثون: للزم على قولكم أن ينتظر ستين سنة وهذا لا يمكن؛ لأن الغالب أن يموت ورثته وزوجته في هذه المدة، ويفسد ماله، وهذه مفسدة لا يقرها الإسلام، أما قول الصحابي: عمر ومن وافقه: فهو اجتهاد منهم ثبت بعد دلالات وأمارات تصلح لوقتهم، لكنها لا =
غلبة السلامة بعد التسعين، وغلبة الهلاك بعد الأربع سنين، فإن رجع بعد قسم ماله: أخذ ما وجد، ورجع على من أتلف شيئًا به
(2)
(فإن مات مُورِّثه في مدة التربُّض) السابقة: (أخذ كل وارث إذًا) أي: حين الموت (اليقين) وهو: ما لا يمكن أن ينقص
تصلح لأي وقت؛ إذ لو كان لازمًا للزم أن الصحابة لو قرروا - باجتهادهم - أن نفقة عائلة مكوّنة من زوجة وثلاثة بنين مائة درهم في الشهر: أن يعمم هذا على جميع العصور، وهذا لم يقله أحد، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في تغير الأحكام بتغير الأزمان والأحوال".
(2)
مسألة: إذا حكم القاضي المجتهد العدل بموت ذلك المفقود بناء على أمارات، وعلامات، ودلائل تثبت ذلك: فإنه يُعتبر ميتًا من تاريخ حكم القاضي بذلك، فيرثه ورثته من حين الحكم عليه بالموت، دون من مات من الورثة قبل الحكم عليه بذلك، فإن ظهر المفقود، ورجع بعد ما قسم ماله وتركته بين ورثته: فإنه يأخذ ما بقي في أيديهم من ماله بعينه، وأما أتلف: فإنه يأخذ مثله إن كان له مثل، وإن لم يكن له مثل: فيأخذ قيمته منهم؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من حكم القاضي المجتهد العدل بموت ذلك المفقود: أن يرثه ورثته؛ لكون التركة من حقهم بعد موته، ويلزم من عدم ثبوت موته وخطأ القاضي في حكمه بسبب رجوعه: إرجاع ما أخذه ورثته إليه؛ لكونه ماله ولا يجوز لأحد أن يأخذ مال غيره إلا بطيب نفس منه.
تنبيه: قوله: "في مسألتي غلبة السلامة بعد التسعين، وغلبة الهلاك بعد الأربع سنين
…
" هذا مبني على مذهب بعض الحنابلة والمصنف منهم، وقد بيّنا ضعفه، فإن قلتَ: إن المفقود إذا رجع يأخذ ما بأيدي الورثة فقط، أما ما تصرَّفوا فيه: فلا يأخذ بدله؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونهم أخذوه بحكم القاضي: أنه ملكهم قلتُ: إنه بان خطأ القاضي في حكمه، وهذا لا يُحلُّ لهم ما أخذه مع وجود مالكه الحقيقي.
عنه مع حياة المفقود أو موته (ووقف ما بقي) حتى يتبيَّن أمر المفقود، فأعمل مسألة حياته، ومسألة موته، وحصَّل أقل عدد ينقسم على كل منهما، فيأخذ وارث منهما - لا ساقط في إحداهما - اليقين (فإن قدم) المفقود:(أخذ نصيبه) الذي وقف له
(3)
(وإن
(3)
مسألة: إذا مات شخص يرثه ذلك المفقود: فلذلك حالات: الحالة الأولى: إن كان ذلك المفقود هو الوارث الوحيد لذلك الشخص الميت، أو أنه يحجب من معه من الورثة حجب حرمان: فلا تقسم التركة، بل توقف كلها حتى يتبين أمر ذلك المفقود، للتلازم؛ حيث يلزم من كونه الوارث الوحيد: وقف التركة كلها، دون أن يُلحق بأحد ضرر، الحالة الثانية: إن كان ذلك المفقود معه ورثة لذلك الشخص الميت، وأنصباء هؤلاء الورثة لا تختلف باختلاف حياته أو موته: فإنه يُعطى كل وارث نصيبه، ويُحجز للمفقود نصيبه، فإن ظهر حيًا أخذه كاملًا، وإن ثبت موته، أو حكم به: فإن المحجوز يرد على بقية الورثة بنسب إرثهم منه؛ مثاله: مات ميت عن: "ابن، وبنت، وابن آخر مفقود" فيقسم المال للذكر مثل حظ الأنثيين، فيقسم على خمسة: ويأخذ الابن الموجود خُمُسَين، وتأخذ البنت خمسًا، ويوقف الباقي - وهو خمسان - للابن المفقود، فإن جاء أخذه، وإلا قسم على أخيه وأخته للذكر مثل حظ الأنثيين؛ للمصلحة: حيث إن نصيب المفقود واضح، ولا يختلف إرث الموجودين بحياته أو موته فمن المناسب: إعطاء كل ذي حق حقه لينتفع به. الحالة الثالثة: إن كان ذلك المفقود ورثة لذلك الشخص الميت، وأنصباء هؤلاء الورثة تختلف باختلاف حياته أو موته: فإنه يُعطى كل واحد من هؤلاء الورثة أقلّ النصيبين - وهو: ما تيقّن أنه سيأخذه سواء كان المفقود حيًا، أو ميتًا -، ويوقف الباقي حتى يتبيَّن أمر ذلك المفقود أهو حي أو ميت؟ أو يحكم القاضي المجتهد العدل بموته، وبناء على ذلك: فإنك تقسم التركة تقسيمين في مسألتين: المسألة الأولى: تقسمها بناء على أن المفقود حي، والمسألة الثانية تقسمها على أنه ميت، ثم توازن بين أنصباء الورثة الذين يرثون معه =
لم يأت) أي: ولم تعلم حياته حين موت مورِّثه: (فحكمه) أي: حكم ما وقف له (حكم ماله) الذي لم يخلفه مورِّثه: فيقضى منه دينه، ويُنفق على زوجته منه مدَّة تربصه؛ لأنه لا يحكم بموته إلّا عند انقضاء زمن انتظاره
(4)
(ولباقي الورثة أن
ويُعطون أقل النصيبين - كما قلنا -، فإن ظهر المفقود حيًا أخذ نصيبه الموقوف له، وأكمل للباقين أنصباءهم مثاله: مات ميت عن: "زوجة، وأم، وعم لأب، وأخ شقيق مفقود" فعلى فرض أن الأخ حي، تكون المسألة من اثني عشر للزوجة الربع - ثلاثة - وللأم الثلث - أربعة - وللأخ المفقود: الباقي - خمسة يأخذه إن ظهر حيًا ويسقط العم بالأخ المفقود، وعلى فرض أن الأخ ميت: فإن المسألة تكون من اثني عشر - وتقسم كالسابق إلا أن العم هنا يأخذ الباقي - وهو خمسة إذا ظهر أن الأخ ميت - مثال آخر: مات ميت عن "زوجة، وأم، وأخ، وابن مفقود" فعلى فرض أن المفقود حي تكون المسألة من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن - ثلاثة - وللأم السدس - أربعة - والباقي للابن المفقود وهو سبعة عشر يأخذه إن ظهر حيًا، والأخ يسقط بالابن المفقود؛ وعلى فرض موت المفقود: تكون المسألة من اثني عشر: للزوجة الربع - ثلاثة - وللأم الثلث - أربعة -، وللأخ الباقي - خمسة، للقياس؛ بيانه: كما يعمل ذلك بالمحمول به فكذلك يعمل في المفقود، والجامع: أن كلًّا منهما مال لا يعلم الآن مستحقه.
الحالة الرابعة: إذا حكم القاضي - بدلالات وعلامات - بأن ذلك المفقود قد مات بعد موت مورِّثه: فإنه يكون مستحقًا لذلك النصيب الموقوف له، فيضم إلى سائر أمواله الأخرى، لتكون لورثته الموجودين وقت الحكم بوفاته، دون من مات قبل الحكم، وإن حكم بموت المفقود قبل موت مُورِّثه: فإن ذلك النصيب الموقوف له يُردُّ على ورثته الآخرين، ولا يستحق ورثة المفقود غير أمواله الأخرى، وهذا ثابت بالتلازم وهو واضح.
(4)
مسألة: إذا وقف وحجز نصيب المفقود من التركة ولم يعلم عنه موت ولا حياة: =
يصطلحوا على ما زاد عن حق المفقود، فيقتسمونه) على حسب ما يتفقون عليه؛ لأنه لا يخرج عنهم
(5)
.
فإن هذا النصيب يكون ملكًا له، كماله الذي لم يرثه: وعلى هذا يُقضى منه دينه، ويُنفق منه على زوجته وأولاده طوال مدة انتظاره؛ للتلازم؛ حيث إن الحكم بموته يكون بعد انقضاء مدة انتظاره، فيلزم أن يكون المال أثناء تلك المدة ملكًا له، يُتصرَّف فيه كما شاء.
(5)
مسألة: إذا أخذ بقية الورثة الموجودين الأقل من نصيبهم، ووقفوا الباقي للمفقود: فيحق لهم أن يصطلحوا على ما زاد من حق المفقود، فيقتسمونه فيما بينهم على حسب ما اتفقوا عليه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون هذا الزائد لن يخرج عنهم إذا عاد المفقود: جواز الصلح عليه، وإباحة الصلح عليه لا تمنع وجوب وقفه، ووجوب وقفه لا يمنع الصلح عليه؛ لانفصال الطرفين.
هذه آخر مسائل باب: "ميراث المفقود" ويليه باب "ميراث الغرقى ومن خفي موتهم".
باب ميراث الغرقى
جمع غريق، وكذا: من خفي موتهم، فلم يعلم السابق منهم (إذا مات متوارثان - كأخوين لأب - بهدم، أو غرق، أو غربة، أو نار) معًا: فلا توارث بينهما (و) إن (جهل السابق بالموت) أو علم ثم نسي (ولم يختلفوا فيه): بأن لم يدع ورثة كل سبق موت الآخر (ورث كل واحد) من الغرقى، ونحوهم (من الآخر من تلاد ماله) أي: من قديمه - وهو بكسر التاء - (دون ما ورثه منه) أي: من الآخر (دفعًا للدور) هذا قول عمر وعلي رضي الله عنهما، فيقدَّر أحدهما مات أولًا، ويورث الآخر منه، ثم يقسم ما ورثه على الأحياء من ورثته، ثم يصنع بالثاني كذلك: ففي أخوين: أحدهما مولى زيد، والآخر مولى عمرو ماتا وجهل الحال، يصير مال كل واحد لمولى الآخر، وإن ادَّعى كل من الورثة سبق موت الآخر، ولا بيِّنة تحالفا، ولم يتوارثا.
باب ميراث الغرقى، ومَنْ خفي موتهم فلا يعلم السابق منهم
إذا حدث أن مات جماعة معًا في وقت واحد، ولا يعلم أيهم مات أولًا: كما إذا غرق جماعة في وقت، أو احترقوا، أو انهدم عليهم منزل، أو سقطت بهم طائرة أو انقلبت سيارة، أو التحموا مع عدو في قتال، أو وقعوا تحت وباء كالطاعون ونحوه، فماتوا جميعًا في وقت واحد، وكان كل واحد يرث الآخر كأن يموت الأب والابن أو أخوان في حادث معًا في وقت واحد: فلذلك حالات: الحالة الأولى: أن يُعلم بأي أمارة: أن واحدًا بعينه مات قبل الآخر: فإن الذي تأخر موته يرث من تقدَّم موته؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود شرط الإرث وهو: بقاء الوارث حيًا بعد موت مورِّثه: أن التوارث بينهما ثابت. الحالة الثانية: أن يعلم بأي أمارة أو علامة: أن موتهما كان معًا: فلا يرث أحدهما الآخر؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم وجود شرط الإرث - وهو: بقاء الوارث حيًا بعد موت مورثه -: عدم التوارث بينهما؛ لأن كل واحد منهما لم يبق حيًا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بعد موت مورِّثه؛ الحالة الثالثة: إذا اختلف ورثة أحدهما مع ورثة الآخر فادَّعى كل منهما أن مورِّثهم مات بعد مورِّث الآخرين، ولم توجد بيّنة لأي منهما، فإنهما يتحالفا: فلا يورَّث أحدهما من الآخر؛ للتلازم؛ وقد سبق بيانه في الحالة الثانية، الحالة الرابعة: أن يُعلم أن أحدهما مات قبل الآخر، ولكن لم يعلم من السابق منهما، أو علم، ولكنه نسي: فإن أحدهم لا يرث الآخر، أي: أن بعضهم لا يرث من بعض، ولكن ميراث كل منهم يكون لورثته الأحياء، وهذا مذهب الجمهور؛ لقواعد: الأولى: التلازم؛ حيث إنه يلزم من عدم وجود شرط الإرث - وهو: بقاء الوارث حيًا بعد موت مورِّثه - وعدم العلم به علمًا يغلب على الظن: أن لا يورَّث أحدهما من الآخر لتحريم العمل بالشك؛ الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الشخص لو تزوج امرأة، ثم تزوج أختها، وهو لا يعلم أنها أختها، ولم يدر السابقة منهما: فإنه يجعل كأنه تزوجهما معًا في وقت واحد، فيفسد النكاحان، فكذلك الحال هنا يجعل الأخوين كأنهما ماتا معًا حقيقة، ويبطل ميراث أحدهما من الآخر والجامع: عدم التأكد من شيء في كل، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن زيد بن ثابت، وأبا بكر وعمر، وعليًا، قد ذهبوا إلى عدم التوارث بينما في هذه الحالة، ومعلوم منزلة زيد في الفرائض؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم فيه:"أفرضكم زيد" وروى خارجة بن زيد عن أبيه زيد بن ثابت قال: "أمرني أبو بكر بتوريث أهل اليمامة، فورَّثت الأحياء الأموات، ولم أورِّث الأموات بعضهم بعضًا" وقال: "أمرني عمر بتوريث أهل طاعون عمواس كانت القبيلة تموت بأسرها، فورَّثت الأحياء الأموات، ولم أورِّث الأموات بعضهم بعضًا، وروي مثل ذلك عن علي في قتلى صفين، والجمل، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه احتياط للدِّين؛ إذ لا يمكن لأي أحد أن يعلم علمًا يقينيًا أو غالب على الظن أن شخصًا قد مات قبل الآخر في الموت الجماعي، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وإنما هو تخمين غير مبني على قواعد، فإن قلتَ: إنه في الحالة الرابعة: يورث كل واحد من الآخر من تلاد ماله - وهو قديم المال - ولكنه لا يرث من جديد ماله - وهو ما ورثه من الآخر - فيُقدَّر أن أحدهما مات أولًا، ويُورَّث الآخر منه، ثم يُضاف ما ورثه إلى ماله، ثم يقسم ذلك كله على الأحياء من ورثته، ثم يقدَّر أن الآخر مات ثانيًا، ويورَّث الأول منه، ثم يضاف ما ورثه إلى ماله، ثم يقسم ذلك كله على الأحياء من ورثته، وهذا ما ذكره المصنف هنا، وهو قول أكثر الحنابلة؛ لقاعدتين: الأولى: الاستصحاب؛ حيث إن حياة أحدهما بعد الآخر ثابتة، ولكن نسي الحي بعينه، وهذا لا يُغيِّر الثابت، فنستصحب أن أحدهما كان حيًا بعد الآخر، ونعمل به، فنورِّث أحدهما من الآخر؛ بناء على ذلك الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك قد ثبت عن ابن مسعود قلتُ: أما الاستصحاب: فقد وجد ما يُغيِّر الحالة وهو: التلازم؛ والقياس وهما دليلان معتبران، فلا يُستصحب ما قالوه بعد ذلك، أما قول الصحابي: فهو معارض بقول الصحابي الآخر - وهو قول زيد، وأبي بكر، وعمر، وعلي، فيتساقطان، مع أن ما قاله زيد يكون عادة أرجح مما قاله مخالفه؛ لكونه أعلم بالفرائض من غيره، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض الاستصحاب مع القياس والتلازم". فإن قلتَ: لِمَ قال أكثر الحنابلة: يرث من تلاد ماله دون جديده؟ قلتُ: للتلازم؛ حيث يلزم من إرث كل واحد مما ورثه الآخر منه: الدور، فلا ينتهي الأمر، فدفعًا لذلك قالوا ذلك، تنبيه: قول المصنف: "وهذا قول عمر وعلي رضي الله عنهما" يعني أن عمر وعلي قد قالا كقول أكثر الحنابلة. قلتُ: هذا مخالف لما نقلناه عنهما في طاعون عمواس، وموقعة الجبل وصفين؛ إلا إذا كانا قد رجعا عن مذهبهما، وهذا لم يثبت، فائدة: عمواس: قرية بفلسطين منها ابتدأ الطاعون عام (18 هـ) ثم انتشر في بلاد الشام، ومات خلق كثير من المسلمين وكانت القبيلة تموت كلها، وموقعة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
صفين: وقعت بين علي ومعاوية على شاطئ دجلة - في الرقة -، وموقعة الجمل: وقعت بين علي وعائشة.
وإليك مثالان يتبين فيهما المذهبان السابقان. أولهما: مات أخوان - زيد وعمرو - في حادث واحد في وقت واحد، وعلم أن أحدهما مات قبل الآخر، ولكن لم يعلم السابق منهما، أو علم، ولكنه نسي، وترك كل واحد منهما زوجة، وبنتًا، ومولى عتاقة: فعلى مذهب الجمهور - وهو الراجح -: تقسم تركة كل واحد منهما على زوجته، وبنته، ومولاه وتكون من ثمانية: للزوجة الثمن - واحد - وللبنت النصف - أربعة - والباقي للمولى تعصيبًا - وهو ثلاثة - هذا في كل واحد منهما، أما على مذهب أكثر الحنابلة: فإنها تقسم مرتين: مرة على فرض أن زيدًا مات قبل عمرو، ومرة على فرض أن عمرًا مات قبل زيد، ولم تتغير الأنصبة هنا. مثال آخر: مات أب وابنه في حادث واحد في وقت واحد، وعلم أن أحدهما مات قبل الآخر، ولكن لم يعلم السابق منهما، أو علم، ولكنه نسي، وترك الأب زوجة وبنتًا، وأب، وترك الابن هؤلاء أيضًا، فعلى مذهب الجمهور - وهو الراجح - تقسم تركة الأب على ورثته المذكورين فقط، وتكون من ثمانية: للزوجة الثمن - واحد - وللبنت النصف - أربعة - وللأب الباقي - ثلاثة - تعصيبًا، ولا شيء لابنه الذي مات معه في ذلك الحادث، أما تركة الابن فتقسم بناء على أن زوجة الأب هي أمه، فتكون ورثته هم:"أم، وأخت، وجد" فتكون من ثلاثة: للأم الثلث - واحد - وللأخت والجد الباقي على الراجح: من أن الأخوة يرثون مع الجد، فيكون للجد ثلثا الباقي، وللأخت ثلثه فتصح من تسعة: للأم الثلث - ثلاثة - والباقي ستة يكون للجد الثلثان - أربعة - وللأخت الثلث - اثنان -: أما من يرى أن الجد يحجب الأخوة: فإن الباقي كله للجد، ولا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
شيء للأخت، وعلى مذهب أكثر الحنابلة: فإن تركة الأب تقسم على: زوجته، وأبيه، وبنته، وابنه الذي مات معه في الحادث، فتكون من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن - ثلاثة - وللأب السدس - أربعة - والباقي - سبعة عشر - يأخذ الابن الذي مات معه في الحادث وبنته للذكر مثل حظ الأنثيين، أما تركة الابن فتقسم بناء على أن زوجة الأب هي أمه، فتكون ورثته هم:"أم، وأب، وأخت، وجد": فتكون من ثلاثة: للأم الثلث - واحد -، وللأب الباقي - اثنان - والأخت والجد يسقطان بالأب وما أخذه الابن من ميراثه من أبيه يقسم على "أمه، وأخته، وجده" ولا شيء منه لأبيه الذي مات معه، لأنه مال جديد وليس بقديم - وما أخذه الأب من ميراثه من ابنه يقسم على:"زوجته، وبنته، وأبيه" ولا شيء منه لابنه الذي مات معه في ذلك الحادث؛ لأنه مال حادث.
هذا آخر الكلام عن باب: "ميراث الغرقى، ومن خفي موتهم، فلا يعلم السابق منهم" ويليه باب: "ميراث أهل الملل".
باب ميراث أهل المِلَل
جمع مِلَّة - بكسر الميم - وهي: الدِّين، والشريعة، من موانع الإرث: اختلاف الدِّين فـ (لا يرث المسلم الكافر إلّا بالولاء)؛ لحديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته" رواه الدارقطني، وإلا إذا أسلم كافر قبل قسم ميراث مورِّثه المسلم فيرث (ولا) يرث (الكافر المسلم إلّا بالولاء)؛ لقوله عليه السلام:"لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر" متفق عليه، وخُصَّ بالولاء فيرث به؛ لأنه شعبة من الرق
(1)
(و) اختلاف الدارين ليس بمانع فـ (يتوارث
باب ميراث أهل المِلَل
وفيه ثمان مسائل:
(1)
مسألة: لا يرث الكافر من المسلم شيئًا، ولا يرث المسلم من الكافر شيئًا بأي سبب من أسباب الميراث، أي: سواء كان بسبب القرابة، أو الزوجية، أو الولاء، فلا يرث أحدهما من الآخر بأي سبب، وسواء أسلم الكافر قبل قسمة تركة المسلم، أو بقي على كفره حتى تقسم، فلو مات رجل مسلم وله زوجة كتابية، أو قريب كتابي - أي يهودي أو نصراني -: فإن هذه الزوجة وهذا القريب لا يأخذان شيئًا من تركته، ولو مات مسلم عتيق كافر ولا يوجد من يرثه إلا من أعتقه - وهو ذلك الكافر -: فإن معتقه لا يرثه، وهذا مطلق، أي: سواء أسلمت زوجته، أو قريبه أو معتقه قبل قسمة تركة المسلم أو لا، وهذا مذهب الجمهور؛ للسنة القولية: حيث إنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" - كما رواه أسامة بن زيد - وهذا عام؛ لأن "المسلم" و "الكافر" مفرد محلى بأل وهو من صيغ العموم، فيشمل: عدم توريث جميع الكافرين من أموال المسلمين، وعدم توريث جميع المسلمين من أموال الكافرين: سواء كان المسلم قريبًا، أو عتيقًا، وسواء كان الكافر قريبًا، أو زوجة، أو عتيقًا، ولم يخص سببًا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
دون سبب، ولا حالة دون حالة، ولا يوجد دليل أو قرينة يدلان على التخصيص فيبقى على عمومه، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: لأن التوارث يتعلق بالولاية، ولا ولاية بين المسلم وغير المسلم؛ لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ، فإن قلتَ: يرث المسلم الكافر ويرث الكافر المسلم بالولاء، أي: أن زيدًا المسلم لو أعتق عمرًا الكافر، فمات عمرو الكافر: الكافر: فإن زيدًا المسلم يرثه، ولو أعتق عمرو الكافر زيدًا المسلم، فمات زيد المسلم: فإن عمرًا الكافر يرثه، وإذا أسلم الكافر القريب قبل قسمة تركة مورِّثه المسلم: فإن هذا يُعطى من التركة، هذا ما ذكره المصنف، وهو رأي أكثر الحنابلة، لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "لا يرث المسلم النصراني إلّا أن يكون عبده أو أمته" - وهو ما رواه جابر -، فأثبت أن المعتِق المسلم يرث العتيق الكافر؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات، وإذا ثبت ذلك، فإن المعتِق الكافر يرث الذي أعتقه المسلم، إذ لا فرق، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن الكافر إذا أسلم قبل قسمة تركة المسلم: فإنه يرث منه ثبت ذلك عن عمر وعثمان، قلتُ: أما ما روي عنه عليه السلام فلم يثبت مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يصح الاحتجاج به، وأما قول الصحابي - عمر وعثمان، فباطل؛ لأنه يُعارض السنة القولية وعمومها - وهو حديث أسامة -، ولا اجتهاد مع النص، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض قول الصحابي مع السنة القولية"، فإن قلتَ: المسلم يرث من الكافر بكل سبب من أسباب الإرث: بالزوجية، وبالقرابة، وبالولاء، فلو مات كافر، وله قريب مسلم من ورثته: فإنه يرثه، ولو ماتت زوجة كتابية عن زوجها المسلم: فإنه يرثها، ولو مات عتيق كافر: فإن معتقه المسلم يرثه، وهو مذهب كثير من فقهاء الشيعة الإمامية، وسعيد بن المسيب؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: =
الحربي، والذمي، والمستأمن) إذا اتحدت أديانهم؛ لعموم النصوص (وأهل الذمة يرث بعضهم بعضًا مع اتفاق أديانهم، لا مع اختلافها، وهم ملل شتى)؛ لقوله عليه السلام: "لا يتوارث أهل ملتين شتى"
(2)
(والمرتد لا يرث أحدًا) من المسلمين، ولا
"الإسلام يزيد ولا ينقص" ومن زيادة الإسلام: أن يرث المسلم من الكافر، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الإسلام يجيز التزوج بنساء أهل الكتاب، فكذلك يصح أن يرث المسلم الكافر، والجامع: علوّ الإسلام في كل، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إنه قد ثبت ذلك عن معاذ، ومعاوية. قلتُ: أما السنة القولية التي ذكروها: فإنها لا تصلح للاستدلال بها لأن الحديث فيه راوٍ مجهول، وهذا يضعف من الحديث، فلا يقوى على معارضة عموم حديث أسامة بن زيد، وأما القياس: ففاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن مبنى الزواج على الرغبة في التوالد، وقضاء الشهوة وهي ممكنة، وأما الإرث فمبناه على الموالاة والمناصرة بين الوارث والمورِّث، وليس بين المسلمين والكفار موالاة، ولأنه قياس مع النص - وهو حديث أسامة - أما قول الصحابي - معاذ، ومعاوية - فباطل؛ لكونه اجتهاد في معارضة السنة القولية وعمومها - وهو حديث أسامة - ولا اجتهاد مع النص، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس وقول الصحابي مع النص وهو حديث أسامة".
(2)
مسألة: الكفار ملل شتى، فالنصرانية بجميع فرقها ملَّة واحدة، واليهودية بجميع فرقها ملَّة واحدة، والوثنية ملة واحدة، والمجوسية ملَّة واحدة، وأصحاب الملَّة الواحدة يتوارثون وإن اختلفت ديارهم، فالنصراني الذي في ديار الإسلام يرث النصراني الذي في ديار النصارى، أو اليهود، ويرث الحربي من النصارى الذمي، وبالعكس، ويرث المستأمن الحربي وبالعكس، وهكذا في اليهودي، والمجوسي ونحوهما، أما إذا اختلف الدين: فلا يتوارث أهل ملّتين من بعض: أي: لا يرث اليهودي من النصراني، ولا العكس ولا يرث الوثني من المجوسي ولا =
من الكفار؛ لأنه لا يقرّ على ما هو عليه، فلم يثبت له حكم دين من الأديان
(3)
.
العكس ولا من غيره؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملَّتين شتى" حيث دل هذا بمنطوقه على عدم جواز توريث أهل ملة من أهل ملَّة أخرى؛ لأن النهي هنا مطلق، فيقتضي التحريم والفساد، ودل بمفهوم العدد على أن أهل الملَّة الواحدة - كالنصارى - يتوارثون، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الكفار لا يرثون المسلمين، ولا العكس، فكذلك لا يرث النصارى اليهود وغيرهم ولا العكس والجامع: عدم الموالاة، وعدم الاتفاق في دين ولا غيره، فإن قلتَ: إن كل ما عدا الإسلام يعتبر ملَّة واحدة، وبناء على ذلك: فإن النصراني يرث اليهودي وغيره، وبالعكس؛ للكتاب؛ وهو من وجهين: أولهما: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} حيث بين الشارع أن بعض الكفار ولي للبعض الآخر ونصير له، ويلزم من ذلك توارثهم، ثانيهما: قوله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} فجعل الشارع الإسلام هو الحق، والضلال: جميع الكفار على اختلاف مللهم، ويلزم من ذلك: أنهم يتوارثون. قلتُ: عنه جوابان: أولهما: أنه لا يلزم من هاتين الآيتين: أن الكفار على اختلاف مللهم يتوارثون؛ إذ هذا الفهم بعيد جدًا، ثانيهما: أن حديثنا - وهو قوله عليه السلام: "لا يتوارث أهل ملّتين شتّى" مخصِّص عموم الآيتين السابقتين؛ لأن اتفاقهم في التناصر فيما بينهم ضد الإسلام، واتفاقهم على الضلالة قد يفهم منه توارثهم، ولكن الشارع نفى ذلك بالسنة، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض عام الكتاب مع خاص السنة".
(3)
مسألة: المرتد عن الإسلام لا يرث أحدًا من المسلمين، ولا الكفار؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا يرث الكافرُ المسلم، ولا المسلم الكافر" وهذا واضح الدلالة؛ إذ المرتد عن الإسلام كافر، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من مخالفته لدين الكفار، وعدم إقراره بكفره على ما هو عليه: عدم وراثته من =
(وإن مات) المرتدُّ (على ردَّته: فماله فيء)؛ لأنه لا يُقرُّ على ما هو عليه، فهو مباين لدين أقاربه
(4)
(ويرث المجوسي بقرابتين) غير محجوبتين في قول عمر، وعلي،
الكافر، ولهذا لا تحل ذبائح المرتدين، ولا نساؤهم وبناء على ذلك: لا توارث بين المرتدين.
(4)
مسألة: إذا مات المرتد عن الإسلام في حال ردّته: فإن ورثته من المسلمين يرثونه، وهو رواية عن أحمد، وهو قول كثير من العلماء منهم ابن تيمية، وابن القيم؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ وهو من وجهين: أولهما: كما أن المنافق - وهو الزنديق - يورث؛ حيث إنه عليه السلام لم يأخذ من تركة منافق شيئًا لبيت المال فكذلك المرتد مثله يورث، والجامع: الخروج عن الإسلام في كل، ثانيهما: كما أن المريض مرض الموت قد تعلَّق حق الورثة بماله، فليس له أن يُسقط هذا الحق بتبرّع ونحوه فكذلك المرتد مثله لا يسقط حق الورثة بردّته، والجامع: أن كلًّا منهما صار مقبلًا على الهلاك، فالمريض مرض الموت هالك بموته، والمرتد مستحق للقتل بسبب ردّته، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن زيد بن ثابت قال: "بعثني أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردَّة أن أقسم مالهم بين ورثتهم المسلمين"، وهو لم ينكره زيد بن ثابت، وهو قول علي، وابن مسعود، فإن قلتَ: إن مات المرتد عن الإسلام، فلا يرثه أقاربه من المسلمين، بل يوضع ماله في بيت مال المسلمين - وهو فيء - يصرف في مصالح المسلمين العامة، وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو قول الجمهور؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" والمرتد عن الإسلام كافر، فيدخل تحت هذا العموم، فيلزم من مباينته ومخالفته لدين أقاربه عدم جواز توريثهم منه، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك ثبت عن ابن عباس قلتُ: أما الحديث فهو عام لجميع الكفار بأن لا يرثهم أقاربهم من المسلمين، ويُخصَّص منهم المرتد عن الإسلام فيرثه أقاربه من المسلمين، والمخصِّص له القاعدتان السابقتان وهما: "القياس، =
وغيرهما (إن أسلموا، أو تحاكموا إلينا قبل إسلامهم) فلو خلَّف أمه، وهي أخته: بأن وطئ أبوه ابنته، فولدت هذا الميت: ورثت الثلث بكونها أمًا، والنصف بكونها أختًا
(5)
(وكذا: حكم المسلم يطأ ذات رحم محرم منه بشبهة) نكاح، أو تسرٍّ، ويثبت
وقول الصحابي" خاصة وأن معهم زيد بن ثابت الذي بلغ الذروة في معرفة الفرائض؛ لذلك قال عليه السلام فيه: "أفرضكم زيد"، أما قول الصحابي: فهو معارض بقول الصحابي الآخر، ولكن الصحابة الذين قالوا بتوريث أقارب المرتد من المسلمين هم أكثر من القائلين بعدم توريثهم منه، ويُرجَّح بالكثرة، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع عموم السنة القولية" و "تعارض أقوال الصحابة".
(5)
مسألة: المجوس يُباح في دينهم: تزاوج المحارم مع بعض، فيجوز عندهم: أن يتزوج الأب ابنته والأخ أخته وهكذا، فلو تزوج أب ابنته وهو منهم، وأتى بابن، ثم أسلم هذا الأب، ومات ذلك الابن، أو تحاكموا إلى قضاة المسلمين، وهم على كفرهم: فإنهم يُورَّثون بكل القرابتين، فمثلًا: ذلك الابن الميت قد خلَّف أمه - التي هي أخته؛ لأن أباه قد تزوج ابنته -: فإن تلك الأم ترث بقرابتين: ترث بناء على أنها أمه: الثلث، وترث بناء على أنها أخته: النصف، ولو كان مع تلك الأخت أخت أخرى: لم ترث تلك الأخت - التي هي أم - إلا السدس، لكونها انحجبت بنفسها وبالأخرى؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب: حيث قال تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} والقسط والعدل هو ما جاء به الإسلام، وقد جاء الإسلام: أن من أدلى بقرابتين: فإنه يرث بهما معًا كزوجة توفيت عن زوج هو ابن عمها: فإنه يرث فرضًا لكونه زوجًا، ويرث تعصيبًا الباقي إذا لم يوجد معصِّب. الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك هو قول عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وصح عن زيد بن ثابت.
النسب
(6)
(ولا إرث بنكاح ذات رحم محرم) كأمه، وبنته، وبنت أخيه
(7)
(ولا) إرث (بعقد) نكاح (لا يقر عليه لو أسلم) كمطلقته ثلاثًا، وأم زوجته، وأخته من الرضاع
(8)
.
(6)
مسألة: إذا وطأ مسلم على ذات رحم محرم منه بشبهة: بأن تزوج زيد أخته زينب من الرضاعة أو من الأب يظنها أجنبية، فولدت منه أولادًا، ثم بان بعد ذلك أنها أخته: فإنه يفارقها، ويُنسب الأولاد إلى ذلك المسلم، ويرث هؤلاء الأولاد من زينب تلك بناء على أنها أمهم، ويرثونها بناء على أنها عمتهم إذا لم يوجد غيرهم، فيورثون من القرابتين؛ ويرثون زيدًا بناء على أنه خالهم إذا لم يوجد غيرهم؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وقوع ذلك بشبهة: صحة انتسابهم، وإرثهم من القرابتين؛ لأن هذا ليس من فعلهم ولا قصد والدهم ووالدتهم فعله.
(7)
مسألة: إذا تزوج مجوسي أو غيره من الكفار أمه، أو ابنته، أو ابنة أخته، بناء على جوازه عندهم: ومات الزوج فلا ترث الزوجة منه بسبب الزوجية، وإذا ماتت الزوجة فلا يرث الزوج منها بسبب تلك الزوجية، وأما بالقرابة فيرث كل واحد منهما الآخر؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم الإقرار عليه بعد إسلامهم: عدم جواز توارثهما.
(8)
مسألة: إذا عقد الكافر عقد نكاح لا يقرّ عليه فيما لو أسلم: كأن طلَّق زوجته ثلاث مرات، ثم نكحها قبل أن تنكح زوجًا غيره، أو تزوج خامسة، أو تزوج أم زوجته، أو تزوج أخته من الرضاع ثم أسلم الزوجان: فإن الزوج لا يرث الزوجة لو ماتت، قبله ولا ترث الزوجة زوجها إذا مات قبلها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم الإقرار عليه بعد إسلامهم: عدم جواز توارثهما.
هذه آخر مسائل باب: "ميراث أهل الملل" ويليه باب: "ميراث المطلقة".
باب ميراث المطلَّقة
رجعيًا، أو بائنًا يتهم فيه بقصد الحرمان (من أبان زوجته في صحته): لم يتوارثا (أو) أبانها في (مرضه غير المخوف، ومات به): لم يتوارثا؛ لعدم التهمة حال الطلاق (أو) أبانها في مرضه (المخوف ولم يمت به: لم يتوارثا)؛ لانقطاع النكاح، وعدم التهمة
(1)
(بل) يتوارثان (في طلاق رجعي لم تنقض عدّته): سواء كان في المرض، أو
باب ميراث المطلَّقة
وفيه أربع مسائل:
(1)
مسألة: إذا طلَّق رجل زوجته ومات أحدهما فلا يرثها، ولا ترثه في أربع حالات: الحالة الأولى: إذا طلقها وهو في حالة الصحة طلاقًا بائنًا - أي: بالثلاث -: أو كانت الطلقة الثالثة منه بعد مراجعته لها مرتين قبلها ثم مات أحدهما فلا ترثه الزوجة ولا يرثها لو ماتت، قبله ولو كانت في عدة الطلاق؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من عدم الزوجية - الذي هو سبب من أسباب الإرث -: عدم إرث أحدهما من الآخر. الحالة الثانية: إذا طلقها طلاقًا بائنًا في مرضه غير المخوف - وهو الذي لا يقع منه الموت عادة - ثم مات أحدهما: فلا يتوارثان - أي: لا يرث هو منها لو ماتت قبله ولا ترث هي منه لو مات قبلها؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو مات في حال الصحة: فإنهما لا يتوارثان - كما سبق في الحالة الأولى - فكذلك إذا طلقها في المرض غير المخوف ومات منه مثل ذلك، والجامع: عدم وجود تهمة حرمانها من الميراث. الحالة الثالثة: إذا طلقها طلاقًا رجعيًا - أي طلقها دون الثلاث - وانقضت عدة الطلاق - وهي: ثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر على حسب اختلاف أحوال النساء -: فإنهما لا يتوارثان لو ماتا - أي: لا يرث هو منها لو ماتت قبله، ولا ترث هي منه لو مات قبلها؛ للتلازم؛ وهو ما ذكرنا في الحالة الثانية، الحالة الرابعة: إذا طلَّقها طلاقًا بائنًا في مرضه =
في الصحة؛ لأن الرجعية زوجة
(2)
(وإن أبانها في مرض موته المخوف متهما بقصد
= المخوف - وهو الذي يقع منه الموت عادة - ثم صحَّ ولم يمت: فإنهما لا يتوارثان أيضًا لو ماتا؛ للقياس وهو من وجهين أولهما: كما أنه لو طلقها طلاقًا بائنًا في الصحة: فإنهما لا يتوارثان فكذلك لو طلقها طلاقًا بائنًا في مرضه المخوف الذي لم يمت فيه: فلا يتوارثان والجامع أن كلًّا منهما طلاق وقع في غير مرض الموت، ثانيهما: أنه لو أعتق شخص عبيده، أو أعطى آخرين من ماله أو أقرّ لأحد بشيء في هذا المرض المخوف الذي لم يمت فيه: فإنه يصح ذلك لأن حكمه حكم الصحة فكذلك الطلاق مثل ذلك والجامع: أن ذلك وقع في مرض لم يمت فيه في كل، فإن قلتَ: لمّ شرع هذا في تلك الحالات الأربع؟ قلتُ: لعدم وجود تهمة للزوج بأنه يُريد حرمان زوجته من الميراث، فإن قلتَ: إنها ترثه في الحالة الرابعة، وهو قول زفر وبعض العلماء للقياس؛ بيانه: كما أنه لو طلقها في مرضه المخوف ولم يصح منه بل مات فإنها ترثه فكذلك لو طلقها في مرضه المخوف وصح منه: فإنها ترثه والجامع: أن كلًّا منهما طلاق قصد به الفرار من الميراث: فعومل بنقيض قصده فورثناها قلت هذا راجع إلى قصده ونيته عند طلاقه لها، وهذا لا يعلم إلا عن طريقه كما لو طلقها في حال الصحة، فيبطل قياسكم به، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" كما هو واضح.
(2)
مسألة: إذا طلق الرجل زوجته طلاقًا رجعيًا ولم تنقض عدَّة الطلاق، ومات أحدهما أثناء تلك العدَّة: فإنهما يتوارثان - أي يرثها إن ماتت قبله، وترثه إن مات قبلها -: سواء وقع ذلك الطلاق في مرضه المخوف، أو في الصحة؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من وجود سبب الإرث - وهو الزوجية - أنهما يتوارثان إذا مات أحدهما قبل الآخر؛ لأن المطلقة الرجعية زوجة؛ حيث يملك إمساكها بالرجعة بدون رضاها وبلا شهود ولا ولي، ولا صداق، الثانية:=
حرمانها) بأن أبانها ابتداء، أو سألته أقل من ثلاث فطلقها ثلاثًا (أو علَّق إبانتها في صحته على مرضه أو) علَّق إبانتها (على فعل له) كدخوله الدار (ففعله في مرضه) المخوف (ونحوه) كما لو وطي عاقل حماته بمرض موته المخوف:(لم يرثها) إن ماتت؛ لقطعه نكاحها (وترثه) هي (في العدة وبعدها)؛ لقضاء عثمان رضي الله عنه (ما لم تتزوَّج، أو ترتد) فيسقط ميراثها، ولو أسلمت بعد؛ لأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول
(3)
، ويثبت الإرث له دونها: إن فعلت في مرض موتها المخوف ما يفسخ
= قول الصحابي؛ حيث إن ذلك ثبت عن أبي بكر وعمر وعثمان، وعلي، وابن مسعود.
(3)
مسألة: إذا طلَّق الرجل زوجته ومات أحدهما: فإن الزوجة ترثه، إذا مات قبلها، ولا يرثها إن ماتت قبله في حالتين: الحالة الأولى: إذا طلقها طلاقًا بائنًا في مرض موته المخوف، وهو متهم بقصد حرمانها من الميراث: بسبب أنه أبانها ابتداء - أي: من غير سؤالها الطلاق -، أو بسبب أنها سألته أن يطلِّقها أقل من ثلاث تطليقات فطلَّقها ثلاثًا: فإنها ترثه لو مات ولو بعد انقضاء العدة بشرطين: أولهما: عدم زواجها من آخر ثانيهما: عدم إرتدادهما عن الإسلام، أما إن تزوجت بعد انقضاء عدّتها، أو ارتدت عن الإسلام، ثم مات زوجها الأول، أو سألته الطلاق بعوض، أو سألته الطلاق فقط بدون تحديد فإنها لا ترثه ولو أسلمت فيما بعد لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إنه يلزم من قصده حرمانها من الميراث: أن يُعامل بنقيض قصده: فتورَّث، ويلزم من زواجها بآخر: عدم توريثها من الزوج الأول؛ لعدم اجتماع التوريث من زوجين في الشريعة، ويلزم من ارتدادها عن الإسلام: عدم توريثها؛ لأن الردّة كفر، والكافر لا يرث المسلم، ويلزم من طلبها للطلاق: أنها أسقطت حقها من الميراث، ويلزم من قطعه لنكاحها: عدم توريثه منها، الثانية: قول الصحابي؛ حيث ورد ذلك عن علي، وعمر، وعثمان، الحالة الثانية: إذا قال لامرأته وهو في صحته: إذا مرضتُ فأنتِ=
نكاحها ما دامت في العدة إن اتهمت بقصد حرمانه
(4)
.
= طالق طلاقًا بائنًا أو قال: "إذا دخلتُ الدار فأنتِ طالق طلاقًا بائنًا"، فمرض، أو دخل الدار فإنها تطلق، ومات بعد ذلك: فإنها ترثه، أو فعل ما يبطل نكاحه بها كأن يطأ أم زوجته، أو يطأ بنت زوجته بمرض موته: فإن الزوجة تفارقه لكنها ترثه لو مات: سواء خرجت العدة، أو لا بالشرطين السابقين - وهما:"عدم الزواج برجل آخر، وعد الارتداد عن الإسلام"؛ للتلازم؛ حيث إن فعله هذا يُرجِّح أنه قصد الفرار من توريثها فيلزم توريثها معاملة له بنقيض قصده، ويلزم من قطعه نكاحها بفعله هذا: عدم توريثه منها فيما لو ماتت قبله.
(4)
مسألة: يرث الزوج زوجته إذا ماتت قبله، ولا ترثه إذا مات قبلها في حالة واحدة وهي: ما إذا فعلت الزوجة فعلًا في مرض موتها المخوف ما يفسخ نكاحها: كأن ترتد عن الإسلام في ذلك المرض، ثم ماتت: فإنه يرثها؛ بشرط: أن يغلب على الظن أنها قصدت حرمانه من الميراث وهذا، مطلق أي: سواء كانت في العدة أو لا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الرجل إذا فعل ذلك لقصد حرمان زوجته من الميراث: فإنها ترث منه فكذلك الزوجة إذا فعلت بذلك القصد فإنه يرث منها، والجامع: أن كلًّا من الزوجين فرَّ من ميراث الآخر فيعامل بنقيض قصده، فإن قلتَ: لَم شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حماية حقوق الآخرين من أن تؤكل وتؤخذ بالتحايل.
هذه آخر مسائل باب "ميراث المطلَّقة" ويليه باب "الإقرار بمشارك في الميراث".
باب الإقرار بمشارك في الميراث
(إذا أقرَّ كل الورثة) المكلَّفين (ولو أنه) أي: الوارث المقر (واحد) منفرد بالإرث (بوارث للميت) من ابن ونحوه (وصدَّق) المقرُّ به (أو كان) المقر به (صغيرًا أو مجنونًا، والمقرُّ به مجهول النسب: ثبت نسبه) بشرط أن يمكن كون المقرّ به من الميت، وأن لا ينازع المقرّ في نسب المقرّ به (و) ثبت (إرثه)؛ حيث لا مانع؛ لأن الوارث يقوم مقام الميت في بيناته، ودعاويه، وغيرها، فكذلك في النسب، ويُعتبر إقرار زوج ومولى إن ورثا
(1)
(وإن أقرَّ) به بعض الورثة، ولم يثبت نسبه بشهادة عدلين منهم، أو من
باب الإقرار بمشارك في الميراث
وفيه مسألتان:
(1)
مسألة: إذا أقرَّ الورثة المكلَّفون كلهم - بأن زيدًا وارث للميت، وصدَّق المقرُّ به - وهو زيد - ذلك؛ أو كان المقرُّ به صغيرًا أو مجنونًا، ولو لم يصدقه: فإن زيدًا أو ذلك المجنون أو الصغير يثبت نسبه إلى ذلك الميت ويصبح من جملة الورثة: سواء كان الورثة جماعة أو واحدًا يأخذ المال فرضًا أو تعصيبًا، ذكرًا أو أنثى، وسواء كان المقر زوجًا أو مولى وارثًا وسواء كان المقر به مشاركًا في الإرث كابن للميت يقرّ بابن آخر له، أو كان مسقطًا كأخ للميت يقرُّ بابن للميت، وذلك بشروط أربعة: أولها: أن يكون المقرُّ به مجهول النسب فإن كان معروف النسب فلا يصح، ثانيها: أن لا ينازع أحد المقر في نسب المقر به، ثالثها: أن يمكن أن يكون المقرُّ به ينتسب إلى الميت بحيث يمكن أن يولد لمثله أو لأبيه، فلو أقرّ بمن عمره ثلاثون أنه ابن لمن عمره عشرون: فلا يصح أو نحو ذلك، الرابع: أن يُصدِّق المقرّ به ذلك إذا كان مكلفًا، أو يكون ممن لا قول له كالمجنون والصغير؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إنه إذا توفرت تلك الشروط الأربعة فيلزم ثبوت نسبه إلى الميت وثبوت إرثه منه؛ لعدم وجود المانع، ويلزم من عدمها، أو عدم أحدها:=
غيرهم: ثبت نسبه من مقر فقط، وأخذ الفاضل بيده أو ما في يده إن أسقطه: فلو أقر (أحد ابنيه بأخ مثله) أي مثل المقرّ: (فله): أي: للمقرّ به (ثلث ما بيده) أي: يد المقر؛ لأن إقراره تضمّن أنه لا يستحق أكثر من ثلث التركة، وفي يده نصفها، فيكون السدس الزائد للمقر به (وإن أقرَّ بأخت: فلها خمسه) أي: خمس ما بيده؛ لأنه لا أكثر من خمسي المال، وذلك أربعة أخماس النصف الذي بيده، يبقى خمسه، فيدفعه لها، وإن أقرّ ابن ابن بابن: دفع له كل ما بيده؛ لأنه يحجبه، وطريق العمل: أن تضرب مسألة الإقرار، أو وفقها في مسألة الإنكار، وتدفع لمقر سهمه من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار، أو وفقها ولمنكر سهمه من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار، أو وفقها ولمقر به ما فضل
(2)
.
= عدم صحة انتسابه للميت وإرثه منه؛ لأنه لا يصح قطع نسبه الثابت إلى غيره، ولأنه إذا لم يمكن كون المقرِّ به من الميت: فإنه يبطل ادعاؤه أنه له: لظهور ذلك، ولأنه إذا نازعه أحد، فيبطل انتسابه؛ لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر، ولأن المكلف معتبر تصديقه، والمجنون والصغير لا يعتبر ذلك منه؛ لعدم تكليفهما، وعدم اعتبار قولهما في الصدق والكذب؛ الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الوارث يقوم مقام الميت في بيناته ودعاويه من نحو رق، أو قتل، أو ديون له أو عليه فيُصدَّق بذلك فكذلك يقوم مقامه في دعوى انتساب ذلك الشخص إلى ذلك الميت والجامع: أن كلًّا منهما يخص الميت، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك من باب الاحتياط للدين.
(2)
مسألة: إذا أقرَّ بعض الورثة بأن شخصًا مثلًا وارث للميت وهو مشارك لهم في الميراث، وأنكر الآخرون أنه وارث ولو أقرّ به عدلان منهم: فإن نسبه لا يثبت، ولا يرث، ولكن يثبت نسبه من مقر فقط فيأخذ هذا المقر به ما فضل من حق المقر، أو أخذ جميعه إن كان يحجبه فمثلًا: مات ميت عن ابنين - زيد، وعمرو - فأقر زيد بأخ له - اسمه بكر مثلًا فإن بكرًا يأخذ ثلث ما أخذه زيد، فتكون=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= المسألة من ستة: للابن المنكر وهو عمرو النصف - ثلاثة - وللابن المقر - وهو زيد - النصف - ثلاثة - يأخذ ثلثها المقر به - وهو بكر - وهو واحد - وهو سدس المسألة كلها؛ لأن عمرًا لو أقرّ ببكر أنه أخوه: لأخذ بكر ثلث التركة، فلما أنكر، وأقرّ زيد به: أخذ بكر ثلث مال من أقرّ به فقط، وهو ما ذكرناه، أما إن أقرّ زيد بأخت له - وهي زينب مثلًا - فإن زينب تأخذ خمس ما أخذه المقرّ - وهو زيد - فتصح المسألة من عشرة: للابن المنكر - وهو عمرو - النصف - وهي خمسة -،. وللابن المقر وهو زيد النصف الآخر - وهو خمسة - تأخذ خمسها لمقر بها - وهي زينب - وهو واحد -؛ لأن عمرًا لو أقرّ بزينب أنها أخته: لأخذت هي خمس التركة؛ حيث تقسم التركة على ابنين وبنت للذكر مثل حظ الأنثيين - أي: تقسم على خمسة رؤوس - لكن لما أنكر عمر و ذلك، وأقر زيد بها: أخذت خمس مال من أقرّ بها وهو زيد، أما إن أقرّ شخص بشخص آخر يحجبه عن الإرث فإنه يأخذ ما بيده، كله فمثلًا لو مات ميت عن ابن ابن وأقرّ ابن الابن بوجود ابن للميت: فإن ذلك الابن يأخذ جميع ما بيد ابن الابن وهكذا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون النسب لا يتبعَّض: عدم ثبوت النسب؛ لأنه لا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر، ولا إثباته في حقهما، ويلزم من إقرار المقرّ بذلك: ثبوت نسبه إليه فقط وأخذه من حقه؛ لكونه إقرارًا على نفسه كبقية الإقرارات بالحقوق، فيلزمه إعطاؤه من حقه كأنه وارث أصلًا، ولذلك أعطي مثل سهمه من المقرّ كما لو أقرّ به الجميع.
هذه آخر مسألتي باب: "الإقرار بمشارك في الميراث" ويليه باب: "ميراث القاتل، والمبعَّض والولاء".
باب ميراث القاتل، والمبعَّض، والولاء
بفتح الواو والمد، أي ولاء العتاقة (من انفرد بقتل مورِّثه، أو شارك فيه مباشرة، أو سببًا) كحفر بئر تعديًا، أو نصب سكين (بلا حق: لم يرثه إن لزمه) أي القاتل (قَوَد، أو دية، أو كفارة) على ما يأتي في الجنايات؛ لحديث عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس للقاتل شيء" رواه مالك في "موطئه"، وأحمد (والمكلف وغيره) أي: غير المكلف كالصغير، والمجنون في هذا (سواء)؛ لعموم ما سبق
(1)
(وإن
باب ميراث القاتل، والمبعَّض، والولاء
وفيه تسع مسائل:
(1)
مسألة: إذا قتل شخص مورِّثه بلا حق: فإن هذا الشخص لا يرثه: سواء كان القتل عمدًا، أو خطأ، وسواء باشر هذا الشخص القتل بنفسه، أو تسبَّب في قتله كأن يحفر بئرًا ليسقط فيه، أو نصب سكينًا، أو حجرًا في طريقه، وسواء انفرد بقتله، أو شاركه غيره، وسواء كان القاتل صغيرًا، أو كبيرًا، وسواء كان القاتل مجنونًا أو عاقلًا، بشرط أن يلزم القائل قود وقصاص كأن يكون القتل عمدًا، أو لزمته دية كقتل الخطأ، وقتل الوالد ولده ولو عمدًا، أو كفارة بأن يكون القتل خطأ أو نحو ذلك ففي تلك الصور لا يرث القاتل، لقواعد؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "القاتل لا يرث" وهذا عام لجميع من ذكرنا من الأشخاص والحالات؛ لأن لفظ "القاتل" مفرد محلى بأل وهو من صيغ العموم، الثانية: المصلحة؛ حيث إن توريث القاتل يؤدي إلى تكثير القتل؛ لأن الوارث ربما استعجل موت مورثه ليأخذ ماله وهذا من باب سد الذرائع، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن عدم توريث القاتل مطلقًا ثبت عن عمر، وعلي، وزيد، وابن مسعود، وابن عباس، فإن قلتَ: إن القاتل خطأ يرث من قتله، ولكنه لا يأخذ من الدية التي دفعها إليه، وهو قول سعيد بن المسيب، وداود الظاهري وبعض =
قتل بحق قودًا، أو حدًا، أو كفرًا) أي: غير ردَّه (أو ببغي) أي: قطع طريق، لئلا يتكرر مع ما يأتي (أو) بـ (صيالة، أو حرابة، أو شهادة وارثه) بما يوجب القتل (أو قتل العادل الباغي، وعكسه) كقتل الباغي العادل: (ورثه)؛ لأنه فعل مأذون فيه، فلم يمنع الميراث
(2)
(ولا يرث الرقيق) ولو مدبَّرًا، أو مكاتبًا، أو أم ولد؛ لأنه لو
= العلماء؛ للكتاب؛ حيث إن آيات المواريث كقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وغيرها من الآيات عامة للقاتل وغيره، والمقصود بالقاتل الوارد في السنة هو قاتل العمد فقط، وخصَّصه به الإجماع، فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه. قلتُ: إن الحديث - وهو: "القاتل لا يرث" عام فيشمل المتعمد، وغيره ولم يُوجد مخصِّص له، وهذا الحديث مخصِّص لعموم الآية ثم إن من لا يرث من الدية لا يرث من غيرها كقاتل العمد، والمخالف في الدين، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض الكتاب السنة".
مع تنبيه: المقصود بالولاء هنا: هو ولاء العتاقة، وليس المقصود: ولاء المحبة.
(2)
مسألة: إذا قتل شخص مورِّثه بحق: فإن هذا الشخص يرثه: كأن يقتل أبٌ ابنه الذي وجب عليه القصاص؛ لقتله آخر عمدًا، عدونًا، أو يقتله؛ لكونه قد زنا، أو لكونه قد كفر، أو يقتله؛ لكونه من البغاة؛ لأنه قاطع طريق، أو قتله؛ لكونه قد صال عليه ولم يندفع إلا بالقتل، أو قتله حرابة، أو شهد عليه بأي شيء يوجب عليه القتل، أو قتل العادل الباغي أو قتل الباغي العادل، أو قصد إصلاح مورِّثه كمعالجته، أو سقيه دواء أو تأديبه فمات بسبب ذلك ففي تلك الصور يرث القاتل؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون القاتل في هذه الصور قد فعل ماله فعله شرعًا؛ أن يرث لعدم المانع الحقيقي من الميراث، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن هذه الصور وما شابهها قد يضطر إليها المسلم، أو يُحتاج فيها إليه، فلو ترتب على ذلك حرمانه من الميراث: لوقع ظلم على =
ورث لكان لسيده، وهو أجنبي (ولا يورث)؛ لأنه لا مال له
(3)
(ويرث من بعضه حر، ويورث، ويحجب بقدر ما فيه من الحرية)؛ لقول علي، وابن مسعود، وكسبه، وإرثه بحريته لورثته، فابن نصفه حر، وأم وعم حران: للابن نصف ماله لو كان حرًا، وهو ربع وسدس، وللأم ربع، والباقي للعم
(4)
(ومن أعتق عبدًا) أو أمة، أو
= الآخرين، ولما عالج أحد أحدًا، ولما أدب الأب أولاده أو أقرباءه ولما دافع أحد عن نفسه.
(3)
مسألة: لا يرث العبد الرقيق ولا يورث سواء كان مدبِّرًا أو لا، وسواء كان مكاتبًا أو لا، وسواء كانت أم ولد أو لا؛ للتلازم؛ حيث إنه لو وُرِّث لكان لسيده، وهو أجنبي عن مورِّث العبد فيلزم عدم صحة توريثه، ويلزم من كون العبد مالًا، ولا مال له: أنه لا يورث أي: كيف يورث وهو لا مال له؟ ويلزم من كون المدبَّر رقيقًا، والمكاتب رقيقًا ما دام عليه درهم من ثمنه، وأم الولد رقيقة - يجوز لسيدها وطؤها -: أن لا يرث هؤلاء، ولا يورثون، لأن أحكامهم أحكام العبيد.
(4)
مسألة: الشخص الذي بعضه حر، وبعضه عبد - وهو المبعَّض - يرث بقدر ما فيه من الحرية، ويورث بقدر ما فيه من الحرية ويحجب بقدر ما فيه من الحرية، وبيان ذلك: أن يتفق مع سيده بأن يخدمه بقدر بعضه الرقيق، وقدر بعضه الحر من يومه مثلًا يكتسب، فلو اكتسب في أيامه الواقعة في قسم حريته: فإن ورثته يرثون ما اكتسبه ذلك، كذلك لو ورث هو شيئًا، فإن الميراث إنما يستحقه بجزئه الحر فمثلًا: لو مات ميت عن "ابن نصفه حرّ، وأم، وعم حران" فالابن يأخذ نصف نصيب الابن فتكون المسألة إذا فرضنا أنه حر من ستة: للأم السدس - واحد - والباقي للابن - خمسة - ويسقط العم، به وتكون على فرض أن نصفه حر من ستة أيضًا: للأم السدس ونصف السدس؛ لأن الابن الذي نصفه حر يحجبها عن نصف سدس، فيُجمع سدس ونصفه يكون واحدًا ونصف - وهو ربع الستة، =
أعتق بعضه فسرى إلى الباقي، أو عتق عليه برحم، أو كتابة، أو إيلاء، أو أعتقه في زكاة، أو كفارة (فله عليه الولاء)، لقوله عليه السلام:"الولاء لمن أعتق" متفق عليه وله أيضًا الولاء على أولاده، وأولادهم وإن سفلوا من زوجة عتيقة، أو سرية وعلى من له أولهم ولاؤه؛ لأنه ولي نعمتهم وبسببه عتقوا، ولأن الفرع يتبع أصله
(5)
ويرث ذو الولاء مولاه (وإن اختلف دينهما)؛ لما تقدم فيرث المعتق عتيقه
= ولابن الذي نصفه حر يأخذ نصف الباقي - أن يأخذ اثنين وربعًا، والباقي - وهو اثنان وربع يأخذه العم؛ لقواعد: الأولى: القياس: بيانه؛ كما أنه لو اشترك اثنان في شيء على أن لكل واحد نصف مكسبه، فكل شريك يأخذ حقه من هذا الكسب، وليس له حق في نصيب شريكه فكذلك الحال هنا والجامع: عدم التعدّي على حقوق الآخرين؛ الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك ثبت عن علي وابن مسعود، الثالثة: المصلحة؛ حيث إن ذلك فيه منتهى العدل والإنصاف؛ إذ لا يجوز للسيد أن يأخذ جميع حقوق شخص يملك بعضه؛ لكونه ليس له سلطان إلَّا على بعضه الرقيق فقط، ولا يجوز للمبعَّض أيضًا أن يستولي على جميع حقوق السيد؛ لكونه ليس له سلطان إلا على بعضه الحر فقط، فلكل بعض حكمه فيجب أن يُعطى إياه بكل أمانة وإخلاص، وهذا من باب تأدية الأمانات، وتسليم الحقوق إلى أهلها، وهذا فيه بيان ضعف من قال:"إن المبعَّض لا يرث ولا يورث" وقاسه على العبد، وهو زيد بن ثابت، والإمام مالك، وهذا أيضًا فيه بيان ضعف من قال:"إن المبعَّض يرث ويورث" وقاسه على الحر، وهو ابن عباس، وداود الظاهري، وفيه أيضًا بيان ضعف قول من قال: إن ما كسبه بجزئه الحر فهو لورثته، ولا يرث هو ممّن مات شيئًا" وهو قول الشافعي في الجديد.
(5)
مسألة: إذا أعتق زيد عبده - سالمًا مثلًا - أو أمته - زينب مثلًا -، أو أعتق زيد بعض سالم، ثم عتق عليه بعضه الباقي، أو اشترى زيد سالمًا العبد وهو قريب له ذو رحم فعتق عليه كأن يكون ولده، أو كاتب زيد عبده سالمًا بأن اشترى سالم =
عند عدم عصبة النسب، ثم عصبته بعده الأقرب فالأقرب على ما سبق
(6)
(ولا يرث
= نفسه من زيد على أقساط فسددها، ولو إلى الورثة وعتق، أو أعتقه من زكاة، أو أعتقه عن كفارة، أو أعتقه من نذر أو نحو ذلك: فإن لمن أعتقه - وهو زيد هنا - الولاء، ولأولاد زيد وأولادهم وإن سفلوا الولاء على سالم - المعتَق - وأولاده وأولاد أولاده وإن سفلوا وللمعتِق - وهو زيد - الولاء على من للعتيق ولاؤه كعتقائه، أو لأولاد العتيق وإن سفلوا ولاؤه كمعتقيه، ومعتقي أولاده، وأولادهم ومعتقهم أبدًا ما تناسلوا؛ لقواعد؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق" حيث دلَّ منطوقه على أن الولاء للمعتق، ودل مفهوم حصر المبتدأ في الخبر على: أن الولاء لا يكون لغير المعتق؛ الثانية: التلازم؛ حيث إنه يلزم من كون المعتق ولي نعمة المعتق؛ حيث كان السبب في عتقه: أن يكون ولاء المعتَق، وذريته لمن أعتقهم، الثالثة: القياس؛ بيانه: كما أن ولاء نفس المعتَق لمن أعتقه فكذلك ولاء ذريته له ولذريته؛ لكون الفرع يتبع دائمًا الأصل والجامع: عدم التفريق في كل.
(6)
مسألة: إذا مات العتيق المسلم، ولم يوجد من أقربائه أحد من أهل الفروض، ولا من العصبات، أو وجد، ولكن بقي من التركة شيء، ولم يوجد من يأخذه من الأقرباء: فإن المعتق المسلم هو الذي يرثه تعصيبًا، وإن لم يوجد ذلك المعتِق بنفسه: فإن عصبته يرثون ذلك العتيق: الأقرب فالأقرب - كما سبق تكرار بيانه -؛ للسنة القولية: وهي من وجهين: أولهما قوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لحمة كلحمة النسب" حيث يدل ذلك على أنه كما يورث بالنسب، فإنه يورث بالولاء؛ ثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" حيث إن هذا عام للذكر من الأقرباء وللمعتقين، وقد سبق بيان ذلك.
تنبيه: قوله: "ويرث ذو الولاء مولاه، وإن اختلف دينهما" قلتُ: قد بينتُ أن الراجح: أن المسلم لا يرث الكافر، ولا الكافر المسلم: سواء كانا=
النساء بالولاء إلا من أعتقن) أي: باشرن عتقه، أو عتق عليهن بنحو كتابة (أو أعتقه من أعتقن) أي: عتيق عتيقهن، وأولادهم؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا:"ميراث الولاء للكُبْر من الذكور"، ولا يرث النساء من الولاء إلّا ولاء من أعتقن، و "الكُبْر" - بضم الكاف وسكون الموحدة -: أقرب عصبة السيد إليه يوم موت عتيقه
(7)
، والولاء لا يباع، ولا يوهب، ولا يوقف، ولا يوصى به، ولا يورث
(8)
، فلو مات السيد عن ابنين، ثم مات أحدهما عن ابن ثم مات عتيقه، فإرثه
= حرين، أو معتَقين، أو حر ومعتق، وهو مذهب الجمهور، وذلك في مسألة (1) من باب "ميراث أهل الملل" وأجبتُ فيها على الرأي المرجوح.
(7)
مسألة: النساء اللائي يرثن بالولاء، أربعة: أولهم: من باشرن عتقه إذا مات، أو عتق عليهن بسبب كتابة، أو كفارة أو رحم أو نحو ذلك، ثانيهم: من أعتقه عتيقهن، أي: يرثن عتيق عتيقهن، ثالثهم: أولاد عتيقهن. رابعهم: أولاد عتيق عتيقهن، للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ميراث الولاء للكُبْر من الذكور" حيث دل هذا بمنطوقه على أنه يرث العتيق إذا مات - ولم يوجد أحد من أقربائه -: أقرب عصبة المعتِق إليه يوم موت العتيق، وهذا يدل على استمرار الإرث إلى طبقات بالنسبة للذكور، ويدل بمفهوم الصفة من "الذكور" أن النساء لا يرثن بالولاء إلا أولاء الأربعة فقط من العتقاء.
(8)
مسألة: إذا أعتق زيد عبده سالمًا مثلًا: فإن الولاء يكون لمن أعتق - وهو زيد - وعصبته - كما سبق بيانه - وهذا الولاء لا يجوز لزيد أن يبيعه على أحد، ولا يوهبه أو يعطيه أحدًا، أو يوقفه، أو يوصي به، أو يورِّثه لأحد، وإنما يورَّث به لقاعدتين: الأولى: السنة القولية وهي من وجوه: أولها: قوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لحمة كلحمة النسب"، والنسب والقريب بالنسب لا يباع ولا يوهب، ولا يوقف، ولا يوصى به، ولا يورث، فالولاء مثله كما صرح به عليه السلام ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق" فحصر الولاء لمن أعتق فقط، وهذا يدل بمفهوم =
لابن سيده وحده، ولو مات ابنا السيد، وخلف أحدهما ابنًا، والآخر تسعة، ثم مات العتيق: فإرثه على عددهم كالنسب، ولو اشترى أخ وأخته أباهما، فعتق عليهما، ثم ملك قنًا فأعتقه، ثم مات الأب، ثم العتيق: ورثه الابن بالنسب، دون أخته بالولاء، وتسمَّى "مسألة القضاة" يروى عن مالك أنه قال: "سألت سبعين قاضيًا من قضاة العراق عنها فأخطؤوا فيها
(9)
".
= الحصر: عدم جواز بيع الولاء أو هبته، أو وقفه أو توريثه للغير، ثالثها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من تولى غير مواليه" وهم معتقوه، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك قد ثبت عن كثير من الصحابة منهم، عمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس وابن مسعود، وابن عمر.
(9)
مسألة: الميراث بالولاء يكون لأقرب عصبة المعتق إليه من الذكور يوم موت العتيق. فمثلًا: لو مات زيد عن ابنين، ثم مات أحدهما عن ابن، ثم مات عتيق زيد - سالم مثلًا -: فإن إرث سالم يكون كله لابن زيد الحي لأنه أقرب الورثة لزيد، مثال آخر: لو مات لزيد ابنان وخلَّف أحدهما ابنًا، والآخر خلَّف تسعة أبناء، ثم مات سالم عتيق زيد: فإن إرث سالم العتيق يكون للابن الواحد وللتسعة، يقسم على عشرة؛ لكونهم في مرتبة واحد بالنسبة لزيد، مثال ثالث: لو أن زيدًا وفاطمة أخوان فاشترى أباهما - عمرًا -، فعتق عليهما - كما سبق -، ثم ملك الأب - وهو عمرو - عبدًا - وهو سالم - فأعتقه، ثم مات الأب - وهو عمرو - ثم مات العتيق - وهو سالم -: فإن الميراث يكون لزيد وفاطمة: لزيد الثلثان، ولفاطمة الثلث، أي: للذكر مثل حظ الأنثيين؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون زيدًا وفاطمة في مرتبة واحدة بالنسبة للمعتق - وهو الأب -: أن يرثاه معًا، فإن قلتَ: إن الذي يرثه هو الذكر - وهو زيد - فقط، دون أخته فاطمة، وهو الذي ذكره المصنف هنا؟ قلتُ: لم أجد دليلًا على ذلك، والإنصاف والعدل يؤيده ما قلناه.
كتاب العِتْق
وهو لغة: الخلوص، وشرعًا: تحرير الرقبة، وتخليصها من الرق
(1)
(وهو أفضل القُرَب)؛ لأن الله تعالى جعله كفارة للقتل والوطء في نهار رمضان، والأيمان، وجعله النبي صلى الله عليه وسلم فكاكًا لمعتقه من النار
(2)
وأفضل الرقاب: أنفسها عند
كتاب العِتْق
بيان تعريفه، وحكمه، ومن يستحق عتقه، وصريح العتق وكنايته، وسرايته، وحكم التدبير
وفيه ثمان عشرة مسألة:
(1)
مسألة: العتق لغة: مأخوذ من عتق: إذا خلص من أي رابط، أو عائق، ومنه سمي البيت الحرام: البيت العتيق، وذلك لخلوصه من أيدي الجبابرة، والعتق - اصطلاحًا: تحرير الرقبة وتخليصها من العبودية والرِّق، وهو واضح، فإن قلتَ: لِمَ أتي بكتاب العتق هنا وأكثر الفقهاء يذكرونه في آخر مباحث الفقه؟ قلتُ: للمصلحةَ؛ حيث إنه لما ذكر أحكام الهبة والعطية - وهو تمليك الغير بلا عوض - وذكر أسباب تكثير أجر المسلم بعد موته كالوقف والوصية، وذكر ما يؤخذ عنه بعد موته - وهو الإرث - وذكر إرث المبعَّض، والإرث بالولاء ناسب ذكر أحكام العتق؛ لمشاركته لما سبق في بقاء أثر للميت، وفي عظيم الأجر فيه.
(2)
مسألة: العتق مستحب، وهو يعتبر أفضل ما يتقرَّب به إلى الله تعالى وأفضل التطوّع، لذلك جعله كفارة لقتل الخطأ، وكفارة للظهار، وكفارة للجماع في نهار رمضان وكفارة للأيمان؛ القاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} فعتاقها فداء من النار وقال: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وقال {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} إلى قوله: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} وقال في كفارة الظهار: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} ، الثانية: السنة القولية: حيث=
أهلها
(3)
، وذكر
(4)
، وتعدُّد أفضل
(5)
(ويستحب عتق من له كسب)؛ لانتفاعه به
(6)
= قال عليه السلام: "من أعتق رقبة مؤمنة أعتقه الله من النار" وقال: "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منه من النار حتى إنه ليعتق اليد باليد، والرجل بالرجل والفرج بالفرج"، فإن قلتَ: لِمَ كان أفضل أعمال التطوع؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن في العتق تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق، وأن لا يتسلَّط عليه أحد، بحيث يملك نفسه، ومنافعه، وأن يكمِّل منافعه على حسب اختياره وإراداته.
(3)
مسألة: أفضل الرقاب وأكثرها أجرًا: أنفسها وأكثرها ثمنًا وأعزّها في نفوس أهلها؛ للسنة القولية: حيث إنه صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الرقاب أفضل؟ قال: "أنفسها عند أهلها، وأغلاها ثمنًا" كما قلنا في الأضحية ونحوها من القربات فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: لأن الأجر على قدر المشقّة.
(4)
مسألة: إعتاق الذكر من الأرقاء أفضل من إعتاق الإماء؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل أعتق رجلًا مسلمًا كان فكاكه منه النار يُجزئ بكل عظم عظامه عظمًا من عظامه، وأيما رجل مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزئ بكل عظم من عظامهما عظمًا من عظامه، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار تجزئ بكل عظم من عظامها عظمًا من عظامها" وهو يدل بمفهوم العدد على أن إعتاق الذكر أفضل، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن الانتفاع بالذكر - من حيث الصناعات، والجهاد - أعظم من الانتفاع بالمرأة.
(5)
مسألة: إذا كان ما معه من النقود يستطيع به أن يعتق أكثر من رقيق فهو أفضل من أن يدفعه ليعتق به واحدًا فقط، إذا كانوا متساوين في الفضل والعلم، أما إن كان ثمن ذلك الواحد الفاضل بالعلم والعمل يساوي جماعة لا فضل لهم، فالاولى أن؛ يعتق ذلك الواحد؛ للمصلحة: حيث ينظر المعتق لما تقتضيه المصلحة في ذلك.
(6)
مسألة: الأفضل عتق العبد الذي له كسب، ودين، وعلم، وعمل؛ للمصلحة:=
(وعكسه بعكسه) فيكره عتق من لا كسب له
(7)
، وكذا من يخاف منه زنا أو فساد
(8)
، وإن علم ذلك منه، أو ظن حرم أو ظن: حرم
(9)
، وصريحه نحو: "أنت حر، أو محرَّر، أو عتيق،
= حيث إن ذلك العبد سينفع نفسه بذلك، وسينفع غيره من المسلمين.
(7)
مسألة: العبد الذي لا قوة عنده، ولا يكسب رزقه بعمله: فإنه يكره عتقه أو كتابته؛ للمصلحة: حيث إن هذا إذا أعتق، فإن نفقته ستسقط عن سيده، فيؤدي إلى ضياعه، أو يكون كلًّا على الناس، ويسألهم النفقة عليه فدفعًا لذلك: كره إعتاقه.
(8)
مسألة: إذا شُكَّ في عبد بأنه إذا أُعتق سيرتد عن الإسلام، أو أنه سيفسد بزنا، أو قطع طريق أو سرقة، أو نحو ذلك من أنواع المعاصي: فإنه يكره إعتاقه، أو كتابته؛ للمصلحة: حيث إن الإعتاق قد شرع لمنفعة المعتق، وهذا قد يؤدي إلى ضرره، فكره من أجل الحفاظ على دينه.
(9)
مسألة: إذا قُطع في عبد، أو غلب على الظن: أنه إذا أُعتق سيفعل نوعًا من أنواع المعاصي: فإنه يحرم إعتاقه أو كتابته؛ للمصلحة: حيث إن هذا سيؤدي إلى الحرام، والوسيلة إلى الحرام حرام، فدفعًا لذلك حرم.
[فرع]: إذا قطع في عبد، أو غلب على الظن أنه إذا أعتق سيفعل المعاصي: فإن عتقه لا يصح ولا يقع؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} فنهى الشارع عن التعاون على الإثم والعدوان والنهي مطلق فيقتضي التحريم، والفساد إذا وقع النهي عنه، وهذا عام؛ لأن لفظ "الإثم والعدوان" مفرد محلى بأل وهو من صيغ العموم، فيشمل ما نحن فيه؛ لأن إعتاقه مع العلم أو الظن أنه سيفعل المعاصي من باب التعاون على الإثم والعدوان وأي عدوان وإثم أكثر من ذلك؟!، فإن قلتَ: إن العتق يصح ويقع في هذه الحالة؛ للقياس؛ بيانه: كما أن من أعتق عبدًا لا نعلم ولا نظن أنه سيفسد أو يُفسد فإنه يصح هذا الإعتاق=
أو معتَق أو حررتك، أو أعتقتك" وكنايته: نحو "خلَّيتك، والحق بأهلك، ولا سبيل أو لا سلطان لي عليك، وأنت لله، أو مولاي وملَّكتك نفسك"
(10)
، ومن
= فكذلك ويقع يصح ويقع إعتاق من نعلم أو نظن أنه سيفسد ويُفسد والجامع: أن كلًّا منهما قد صدر من أهله في محله قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن عتق من لا نعلم أو نظن أنه سيفسد أو يُفسد بنيناه على الأصل، وهو أن الأصل في المعتَق الصلاح، والنفع للإسلام والمسلمين فهذا الذي وافق محلَّه، أما إعتاق من نعلم أنه سيفسد أو يُفسد فقد خالفنا ذلك الأصل، وغشَّينا المسلمين فيه، فلم يوافق محلَّه وهذا باطل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"من غشَّنا فليس منا"، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض عموم الكتاب، مع القياس".
(10)
مسألة لا يصح العتق من السيد إلّا ممن يصح تصرفه ووصيته بتلفظ وقول، وهو ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: صريح، وهو لفظ العتق، أو الحرية كيف صُرِفا، مثل قول السيد لعبده:"أنت عتيق" أو "معتَق" أو "أعتقتك" أو "حرارتك" أو "أنت حر" أو "أنت محرر": فهذه الألفاظ إذا نطق بها السيد: فإن عبده المقصود يعتق: سواء كان السيد أراد عتقه ونواه أو لا، وسواء كان جادًّا أو هازلًا ولا يحصل بالنية المجردة؛ لقواعد؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، والعتاق" الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن للطلاق لفظًا صريحًا، وكناية فكذلك العتق، والجامع: أنه في كل منهما تخليص من تسلُّط الغير، الثالثة: التلازم؛ حيث إن العتق إزالة ملك فيلزم عدم إزالته بمجرَّد النية فقط كما سيأتي في الطلاق القسم الثاني: كناية، وهو: مثل قول السيد لعبده: "خلَّيتك" أو "الحق بأهلك" أو "أطلقتك" أو "لا سبيل لي عليك" أو "لا سلطان لي عليك" أو: أنت لله" أو "أنت مولاي" أو "ملَّكتك نفسك" أو "حبلك على غاربك" أو "اذهب حيث شئت" أو "فككت رقبتك":=
أعتق جزءًا من رقيقه سرى إلى باقيه
(11)
. ومن أعتق نصيبه من مشترك: سرى إلى
= فإن قال السيد واحدة من تلك الألفاظ مع نيته بها العتق: فإن عبده يعتق، وإن لم ينو بها العتق فلا يعتق؛ للتلازم؛ حيث إن تلك الألفاظ تحتمل العتق وتحتمل غير العتق بصورة متساوية فيلزم منه أن يُرجَّح العتق بالنية والإرادة من السيد، فيُسأل عن مراده ونيته فإن كانت نيته وإرادته العتق عتق، وإن لم يرد ولم ينو العتق: فلا يعتق.
[فرع]: إن قال سيد لأمته: "أنتِ طالق" أو "أنتِ عليّ حرام" أو قال سيده لعبده الذي هو أكبر منه: "أنت ابني" فهذا من باب الكناية: فإن نوى العتق: وقع العتق، ولم ينوه فلا يقع؛ للتلازم؛ وهو ما ذكرناه في القسم الثاني السابق.
(11)
مسألة: إذا أعتق سيد جزءًا وبعضًا من رقيقه معينًا كراسه ورجله أو مشاعًا: فإن العتق يسري ويعم، باقيه فيعتق كله؛ لقواعد؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركًا له في عبد فكان معه ما يبلغ ثمنه قوم عليه قيمة عدل، وعتق عليه جميع العبد" فيدل هذا بمفهوم الموافقة على أن الشخص إذا أعتق بعض عبده: فإنه يعتق عليه جميعه؛ لأن العبد ملك له الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنه لو طلق بعض امرأته: فإنها تطلق كلها، فكذلك إذا أعتق بعض عبده أو أمته: فإنه يعتق جميعه، والجامع أنه في كل منهما إزالة ملك عن بعض ما ملكه من الآدمي فزال عنه جميعه، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إنه قد ثبت ذلك عن عمر، وابنه: عبد الله، فإن قلتَ: لمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه الحث على إعتاق العبيد، ووقف تسلُّط الأسياد عليهم، فإن قلتَ: إنه إذا أعتق بعضه، فلا يعتق كله، بل يكون بعضه حرًا، والبعض الآخر عبدًا - وهو المبعَّض -، وهو قول أبي حنيفة، وهو رأي لمالك؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو باع نصف دار معينًا، أو مشاعًا: فإن البيع يقع على نصفها فقط، ويبقى الآخر غير مباع، =
الباقي إن كان موسرًا مضمونًا بقيمته
(12)
. ومن ملك ذا رحم محرم: عتق عليه
= فكذلك العبد مثل ذلك والجامع: أنه في كل منهما تصرُّف في بعض ما يملك. قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق لأن البيع لا يحتاج إلى السعاية، ولا يبنى على التغليب والسراية، ويمكن الانتفاع ببعضه دون الآخر، بخلاف العبد في ذلك، ومع هذا الفرق فلا قياس، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع مفهوم الموافقة من السنة" و "تعارض القياسين".
[فرع]: ذلك الحكم السابق يكون: سواء أعتق بعضًا كثيرًا كثلثيه، ونصفه، وثلثه أو أعتق بعضًا قليلًا كربعه وعشره أو عشر عشره؛ للسنة القولية: وهي ما ذكرناها؛ لأن هذا لازم من لفظ "شرك" الوارد في الحديث: لكونه يصدق على الكثير والقليل.
(12)
مسألة: إذا اشترك زيد وعمرو في ملكية عبد، فأعتق زيد نصيبه منه: فإن العتق يسري إلى باقيه فيعتق كله بشرط: أن يكون زيد موسرًا، فيضمن ثمن باقيه ويعطيه لعمرو بدون اختياره ويكون الولاء لزيد دون عمرو؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركًا له في عبد فكان معه ما يبلغ ثمنه قوم عليه قيمة عدل وعتق عليه جميع العبد" وهو واضح الدلالة ويلزم من عبارة: "فكان معه ما يبلغ ثمنه" اشتراط كون المعتق موسرًا، ويلزم من عبارة:"قوِّم عليه. . ." عدم جعل الخيرة له ولا لغيره، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن هذا حثٌّ على إعتاق العبيد وبيان أن الأَصل الحرية وكان الولاء لزيد، لأن الولاء لمن أعتق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فإن قلتَ: إنه إذا أعتق نصيبه فإن العتق يختص بنصيبه فقط، أما نصيب شريكه فيبقى على ما هو عليه؛ لقاعدتين: الأولى: السنة الفعلية؛ حيث إن رجلًا أعتق شقصًا له في عبد فلم يضمنه النبي عليه السلام، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنه لو باع نصيبه من دار فإن البيع يختص بنصيبه، دون نصيب شريكه، فكذلك العبد، قلتُ: أما الحديث: فإنه يحمل على أن الرجل الذي أعتق =
بالملك
(13)
ويصح معلَّقًا بشرط، فيعتق إذا وجد
(14)
(ويصح تعليق العتق بموت،
= شقصًا له في عبد: كان معسرًا، وهذا نقول به، وهو جمع بين حديثنا. وحديثهم، أما القياس، فهو فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن البيع لا يسري فيما إذا كان العبد كله، له والعتق يسري: فلو باع نصف عبده: فإنه لا يسري، ولو أعتق بعضه لعتق كله، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض السنة الفعلية مع القولية" و "تعارض القياس مع السنة القولية".
(13)
مسألة: إذا اشترى شخص ذا الرحم القريب الذي يحرم نكاحه عليه لو كان أحدهما رجلًا والآخر امرأة كالوالدين وإن علوا من قبل الأب والأم والولد وإن سفل: من ولد البنين والبنات والأخوة والأخوات وأولادهم وإن سفلوا، والأعمام والعمات والأخوال والخالات وإن علوا دون أولادهم: فلو ملك هذا الشخص واحدًا من هؤلاء بالشراء: فإنه يعتق عليه وإن لم يرضَ؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "من ملك ذا رحم محرم: فهو حر" وهو واضح الدلالة الثانية: قول الصحابي؛ حيث ثبت ذلك عن عمر وابن مسعود فإن قلت: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إكرام الأقرباء، وتوثيق الصلة بينهم.
(14)
مسألة: يصح العتق معلَّقًا على شرط: كأن يقول السيد لعبده: "إذا قدم الحاج فأنت حر" أو: "إن فعلت كذا فأنت حر" أو نحو ذلك، فإذا قدم أول حاج من مكة، أو فعل العبد المطلوب منه بتمامه: فإنه يكون حرًا ولا يملك إبطاله؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم" وهذا عام فيشمل ما نحن فيه، الثانية: القياس؛ بيانه: كما يصح الطلاق المعلِّق على شرط، فكذلك يصح العتق المعلَّق على شرط والجامع: أنه تعليق فك شيء على صفة.
وهو: التدبير) سمِّي بذلك؛ لأن الموت دبر الحياة
(15)
، ولا يبطل بإبطال ولا رجوع
(16)
، ويصح وقف المدبر، وهبته، وبيعه، ورهنه
(17)
، وإن مات السيد قبل بيعه: عتق إن خرج من ثلثه وإلا فبقدره
(18)
.
(15)
مسألة: يصح التدبير، وهو تعليق العتق بالموت: فيقول سيد مالك غير محجور عليه وغير مدين لعبده: "أنت مدبر" أو يقول: "أنت حر عن دبر مني" وهو لفظ التدبير، فإذا مات السيد: كان ذلك العبد المدبَّر حرًا ولو لم يرضَ الورثة؛ للإجماع؛ حيث أجمع العلماء على أن من دبَّر عبده أو أمته ولم يرجع عن ذلك حتى مات: فإنه يعتق، فإن قلتَ: لِمَ سمِّي بذلك الاسم؟ قلتُ: لكونه مشتق من دبر الحياة والدنيا، وهو آخرها، وهو الموت.
(16)
مسألة: لا يبطل التدبير بإبطال، ولا رجوع، أي: إذا قال السيد: قد رجعتُ في تدبيري، أو أبطلته: فلا يبطل؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الشرط لا يبطل بإبطاله بأن يقول السيد لعبده: "إن دخلتَ الدار فأنتَ حر": فلا يبطل ذلك الشرط بإبطاله في الحياة، فكذلك التدبير لا يبطل بالإبطال، والجامع: أن كلًّا منهما فيه تعليق بصفة فلا يملك إبطاله.
(17)
مسألة: يصح أن يوقف السيد المدبَّر، ويهبه لغيره، ويبيعه على غيره، ويرهنه: ويبطل بذلك التدبير؛ للسنة القولية؛ حيث إن رجلًا أعتق مملوكًا له عن دبر، فاحتاج فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من يشتريه مني" فباعه من نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه، وقال:"أنت أحوج منه" والوقف، والهبة، والرهن كالبيع، لعدم الفارق من باب "مفهوم الموافقة".
(18)
مسألة: إذا مات السيد المدبَّر قبل بيع المدبَّر، أو وقفه، أو هبته، أو رهنه: فإن المدبَّر يكون حرًا بشرط: أن يخرج ذلك المدبَّر من ثلث مال المدبِّر، أو يجيزه الورثة، فإن لم يخرج: فإنه يعتق من المدبِّر بقدر الثلث؛ لقاعدتين؛ الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن الوصية لا تزيد عن الثلث، فكذلك المدبَّر والجامع: أن كلًّا منهما=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= تبرُّع بعد الموت الثانية: قول الصحابي؛ حيث ثبت هذا عن علي، وابن عمر.
[فرع]: إن قتل المدبَّر سيده الذي دبَّره: بطل تدبيره؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الوارث إذا قتل مورِّثه: فإنه لا يرث وكما أن الموصى له إذا قتل الموصي: فلا يعطى الوصية فكذلك الحال هنا مثل تلك الحالتين والجامع: أن كلًّا منهما قد استعجل أمرًا قبل أوانه فعوقب بحرمانه، وهو نقيض قصده.
هذه آخر مسائل: "بيان تعريف العتق، وحكمه، ومن يستحق العتق، وصريح العتق وكنايته، وسرايته، وحكم التدبير" ويليه باب: "الكتابة".
باب الكتابة
(وهي مشتقة من "الكتب" وهو الجمع؛ لأنها تجمع نجومًا، وشرعًا: (بيع) سيد (عبده نفسه بمال) معلوم يصح السَّلم فيه (مؤجَّل في ذمته) بأجلين فأكثر
(1)
(وتسن) الكتابة (مع أمانة العبد وكسبه)؛ لقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ
باب الكتابة
وفيه إحدى عشرة مسألة:
(1)
مسألة: الكتابة لغة: من "الكَتْب"، وهو: الجمع، والضم؛ لأن الكتابة تجمع نجومًا وأقساطًا تؤدى إلى السيد، ومنه سُمِّي الكتاب كتابًا؛ لأنه يجمع حروفًا وكلمات، ومسائل، ونحو ذلك، ومنه سُمِّيت:"الكتيبة" وهي: مجموعة من الجنود، وهي في الاصطلاح:"أن يبيع السيد عبده على نفسه بمال مباح معلوم مؤجَّل في ذمة العبد بأجلين فأكثر" وأتي بلفظ "أن يبيع" للاحتراز عن العتق، فلا يُسمَّى بيعًا، وأتي بعبارة:"على نفسه بمال" للاحتراز عن بيعه على الغير؛ لأنه لا يسمَّى كتابة، وأتي بلفظ:"مباح" للاحتراز عن البيع بمال محرم: نحو خمر، أو خنزير، أو آنية ذهب وفضة، وأتي بلفظ:"معلوم" للاحتراز عن البيع بمال مجهول قدره: فلا يصح؛ لأن من شروط البيع: أن يكون الثمن معلومًا قدره وأتي بلفظ: "مؤجَّل في ذمته" للاحتراز عن المال المعجَّل: فلا يكون كتابة ولو وقع لا يصح، وذلك لعجزه عن أدائه في الحال، ولو دفع له شخص آخر ثمنه وقال له:"اشتر نفسك من سيدك" فاشتراها من سيده: لكان ذلك عتقًا من ذلك الشخص، لا كتابة، بل تكون الكتابة بأجلين فأكثر يسعى العبد في جمع ثمنه، ويؤدّيه فإن قلتَ: لِمَ جعل باب الكتابة هنا؟ قلتُ: لمناسبته لما سبقه لأنه لما ذكر عتق العبد وأنه أفضل التطوّع وكان الشارع يحثّ على العتق والحرية؛ لكونه هو الأصل، ذكر ذلك الباب كطريق آخر للعتق يؤجر عليه السيد إذا فعله.
خَيْرًا}
(2)
(وتكره) الكتابة (مع عدمه) أي: عدم الكسب؛ لئلا يصير كلًّا على الناس
(3)
ولا يصح عتق وكتابة إلا من جائز التصرُّف
(4)
، وتنعقد بكاتبتك على كذا
(2)
مسألة: يُستحب أن يُكاتب السيد عبده إذا سأل العبد ذلك، أو قبله بشرط: أن يكون العبد قويًا على الكسب، وأمينًا، وصالحًا؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} حيث إن الشارع قد أمر بالكتابة عندما يريد العبد ذلك بالشرط المذكور وقد صرف هذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب قاعدتان: أولاهما: فعل الصحابي؛ حيث إن أنسًا كان له عبد - وهو سيرين، والد محمد بن سيرين - فسأله سيرين أن يُكاتبه فأبى أنس، فلو كان واجبًا لما امتنع عن مكاتبته، ثانيتهما: التلازم؛ حيث يلزم من كون المكاتبة إعتاق بعوض: عدم وجوبه؛ لكونه حقًّا من حقوق السيد، فلا يرغم على التنازل عن حقه، فإن قلتَ: لمَ كان مستحبًا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إرجاع العبد إلى أصله، وهو الحرية، فإن قلتَ: إن المكاتبة واجبة وهي رواية عن أحمد؛ للكتاب؛ حيث إن الأمر في الآية السابقة مطلق فيقتضي الوجوب؛ لذلك لما امتنع أنس عن مكاتبة سيرين، ذهب سيرين إلى عمر فأخبره فرفع عمر الدَّرة على أنس قلتُ: إن الأمر الوارد في الآية قد صرف من الوجوب إلى الاستحباب بما سبق ذكره، وفعل عمر يخالفه فعل أنس فيتساقطان فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "هل القاعدتان السابقتان يقويان على صرف الأمر من الوجوب إلى الندب أو لا؟ " فعندنا نعم، وعندهم: لا.
(3)
مسألة: تكره مكاتبة العبد الذي لا يقوى على التكسُّب، ويُخاف عليه الضياع؛ للمصلحة: حيث إن مكاتبته تؤدي إلى ضياعه وجعله كلًّا على الناس، يسألهم الإنفاق عليه، فدفعًا لذلك كرهت مكاتبته.
(4)
مسألة: يُشترط في المكاتبة والعتق: أن يكون السيد المكاتب والمعتق جائز التصرُّف، أي أن يكون مكلَّفًا، رشيدًا، غير محجور عليه، فلا يصح عتق ولا=
مع قبول العبد، وإن لم يقل "فإذا أدَّيت فأنت حر"
(5)
، ومتى أدَّى ما عليه، أو أبرأه منه سيده: عتق
(6)
، ويملك كسبه ونفعه وكل تصرُّف يصلح ماله كبيع، وإجارة
(7)
= مكاتبة صغير أو مجنون، أو سفيه، أو محجور عليه؛ للقياس؛ بيانه: كما يُشترط في البائع أن يكون جائز التصرف، فكذلك يُشترط في المعتق والمكاتب: أن يكون كذلك، والجامع: أنه في كل منهما تخلٍّ عن ملك، أو نقل ملك بعوض، فلا يصح إلا بهذا الشرط.
(5)
مسألة: تنعقد المكاتبة بقول السيد لعبده: "كاتبتك بثمن قدره كذا" فإذا قبل العبد ذلك: تمَّت المكاتبة ولا تنعقد بغير هذا القول، سواء قال السيد مع ذلك:"فإذا أدَّيت ما عليك فأنت حر" أو لم يقل ذلك؛ للقياس؛ وهو من وجهين: أولهما: كما يصح النكاح بقول الولي: "أنكحتك موليتي" فإذا قبل الزوج ذلك: فإنه يتم النكاح فكذلك المكاتبة مثل ذلك، والجامع: أنه في كل منهما قد تلفَّظ بلفظه الموضوع له، فانعقد بمجرَّده، ثانيهما: كما أنه إذا تلفَّظ بلفظ التدبير - كما سبق - فلا يحتاج إلى أن يقول المدبِّر: "فإن متُّ فأنت حر" فكذلك هنا لا يحتاج السيد إلى أن يقول في المكاتبة: "فإذا أدّيت ما عليك فأنت حر" والجامع: أنه في كل منهما عقد وضع للعتق فلم يحتج إلى لفظ العتق ولا نيته.
(6)
مسألة: إذا أدَّى العبد المكاتَب جميع ما عليه من نجوم وأقساط ثمنه أو أبرأه منه سيده: فإن ذلك العبد يعتق؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "المكاتَب عبد ما بقي عليه درهم" حيث دلّ بمنطوقه على أنه لا يعتق حتى يؤدِّي جميع ما عليه من الكتابة، ودلّ بمفهوم الصفة على أنه إذا أدَّى ما عليه من كتابته: فإنه يعتق.
(7)
مسألة: يملك المكاتَب كل شيء اكتسبه، وانتفع به، وما اشترى وثمن ما باع، وأجرة ما أجره، وأخذ الصدقة، وحرية السفر، والإنفاق على نفسه، وولده، ورفيقه، وكل شيء فيه صلاح ماله؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من عقد الكتابة: أن يدفع أقساطها ونجومها، ولا يمكن ذلك إلّا بالاكتساب، والبيع=
(ويجوز بيع المكاتَب)؛ لقصة بريرة، ولأنه قنٌّ ما بقي عليه درهم (ومشتريه يقوم مقام مكاتبه) - بكسر التاء - (فإن أدَّى) المكاتَب (له) أي: للمشتري ما بقي من مال الكتابة: (عتق وولاؤه له) أي: للمشتري (وإن عجز) المكاتَب عن أداء جميع مال الكتابة، أو بعضه لمن كاتبه أو اشتراه:(عاد قنًّا)
(8)
، فإذا حلَّ نجم ولم يؤدِّه المكاتَب:
= والشراء والأسفار، من الاكتساب الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الحر المدين يملك كل شيء اكتسبه بطريق بيع وشراء، وإجارة وسفر فكذلك المكاتَب والجامع: أن كلًّا منهما في يد نفسه وأن السيد والدائن لهما سداد مالهما من الدين، وأن المكاتَب والمدين عليهما ذلك السداد.
(8)
مسألة: يجوز للسيد أن يبيع عبدًا قد كاتبه إذا لم يُسدِّد جميع أو بعض ما عليه ولا تنفسخ كتابته بذلك البيع والمشتري له يكون في مقام سيده الأول الذي كاتبه، فيبقى العبد على مكاتبته عند ذلك المشتري، فإن كمَّل ذلك المكاتَب نجوم الكتابة: عتق، ويكون ولاؤه للمشتري وإذا عجز المكاتَب عن سداد ما عليه من كتابته، أو بعض ذلك: فإنه يعود عبدًا كما كان؛ للسنة القولية، وهي من وجوه: أولها: حديث بريرة؛ حيث قالت لعائشة: كاتبت أهلي في كل عام أوقية فأعينيني، فذكرت عائشة ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"اشتريها" فاشترتها عائشة، وأعتقتها وصار ولاؤها لها، فهذا يدلّ على جواز بيع المكاتَب، ويكون الولاء لمن أعتقها، ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم: "المكاتَب عبد ما بقي عليه درهم" حيث إنه وصف المكاتَب بأنه عبد إذا لم يُسدِّد ما عليه والعبد يُباع، ويُشترى، وهو يدل على أنه إذا عجز عن السداد: فإنه يعود كما كان قنًا وعبدًا. ثالثها قوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق" حيث حصر الشارع أحقية الولاء لمن أعتق، والمعتق هنا المشتري؛ إذ دفع ثمنه كعبد، وتم سداد الكتابة له فيكون هو المعتق، فيستحق أن يكون الولاء له، فإن قلتَ: لِمَ جاز ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن هذا من باب المحافظة على حقوق السيد؛ إذ قد يتأخر المكاتَب في السداد فيتضرَّر السيد، فدفعًا لذلك: أجاز الشارع بيعه.
فلسيده الفسخ كما لو أعسر المشتري ببعض الثمن
(9)
ويلزم إنظاره ثلاثًا لنحو بيع عرض
(10)
، ويجب على السيد أن يؤدي إلى من وفى كتابته ربعها؛ لما روى أبو بكر بإسناده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قال: ربع الكتابة"، وروي موقوفًا على علي
(11)
.
(9)
مسألة: إذا عجز المكاتَب عن سداد نجم وقسط من كتابته، ولم يؤدِّه إلى سيده في وقته المشترط الذي اتفقا على سداده فيه: فيجوز لسيده أن يفسخ عقد الكتابة بلا حكم حاكم؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الحر إذا اشترى دارًا مثلًا بألف، ثم عجز عن دفع بعضه: فيجوز للبائع أن يفسخ البيع، فكذلك الحال هنا، والجامع: دفع الضرر عن البائع والسيد.
(10)
مسألة: يجب على السيد أن يُنظر مكاتِبه على حسب الإمكان؛ لأجل أن يبيع هذا المكاتَب عرضًا من التجارة، أو يأخذ دينًا حالًا على مليء، أو مودَع، أو رجوع مال غائب إليه بشرط: أن يغلب على الظن عدم مماطلة المكاتَب، وعدم تضرر السيد؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه مصلحة للمكاتَب، وعدم ضرر على السيد، فوجب على السيد فعله؛ لإرجاع العبد إلى أصله، وهو: الحرية.
تنبيه قوله: "إنظاره ثلاثًا" لم أجد دليلًا على تحديد ذلك بثلاثة أيام.
(11)
مسألة: ويجب على السيد أن يضع عن المكاتَب ربع قدر الكتابة، فيتسامح عن ربع قدرها، إن شاء وضعه عنه ابتداء، وإن شاء قبضه منه، ثم يدفعه إليه؛ لقاعدتين: الأولى: للكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} حيث أمر الشارع بإعطاء المكاتَب شيئًا من مال الله، وهو قول ابن عباس، والأمر هنا مطلق، وهو يقتضي الوجوب، وقدَّر عليٌّ هذا الشيء بالربع، وتفسير علي، وابن عباس للقرآن مقدم على تفسير غيرهما؛ الثانية: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حق على الله تعالى عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف"، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حيث إن ذلك فيه رفق بالمكاتَب، وإعانته، ومجازاته على الخدمات الطويلة التي فعلها لسيده؛ حيث إن العبد قد شارك بجمع مال ذلك السيد وتعب فيه، فناسب أن يواسى بذلك الشيء الذي يعطيه إياه سيده، ويُسمَّى في هذه الأزمنة:"استحقاق نهاية الخدمة" أو نحو ذلك.
هذه آخر مسائل باب: "الكتابة" ويليه باب: "أحكام أمهات الأولاد".
باب: أحكام أمهات الأولاد
أصل أم: أُمهة، ولذلك جُمعت على أمهات باعتبار الأصل (إذا أولد حر أمته) ولو مُدَبَّر، أو مكاتبه (أو) أولد (أمة له، ولغيره) ولو كان له جزء يسير منها (أو أمة) لـ (ولده) كلها أو بعضها، ولم يكن الابن وطئها قد (خلق ولده حرًا) بأن حملت به في ملكه:(حيًا وُلد، أو ميتًا قد تبيَّن فيه خلق الإنسان) ولو خفيًا (لا) بإلقاء (مضغة؛ أو جسم بلا تخطيط: صارت أم ولد له تعتق بموته من كل ماله) ولو لم يملك غيرها؛ لحديث ابن عباس يرفعه "من وطيء أمته فولدت فهي معتقة عن دُبُر منه" رواه أحمد وابن ماجه
(1)
، وإن أصابها في ملك غيره بنكاح أو شبهة، ثم ملكها حاملًا: عتق
باب أحكام أمهات الأولاد
وفيه عشر مسائل:
(1)
مسألة: تكون الأمة أم ولد تعتق بموته من كل ماله بشرطين: أولهما: أن تحمل به من حر وهي في ملكه أو يملك بعضها: سواء كانت مدبَّرة، أو مكاتَبة أو غير ذلك، ثانيهما: أن تضع ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان، من رأس، أو يد أو نحو ذلك، أو تخطيط: سواء وضعته حيًا، أو ميتًا، وسواء أسقطته، أو كان تامًّا، وسواء كان ظاهرًا، أو خفيًا؛ فإن ألقت مجرَّد مضغة، أو جسم بلا تخطيط: فلا تكون أم ولد، بل تستمر على كونها أمة؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "من وطئ أمته فولدت فهي معتقة عن دبر منه" أي: تعتق إذا مات: سواء كان له مال غيرها، أو لا الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عمر قال: "إذا ولدت الأمة من سيدها فقد عتقت وإن كان سقطًا" وقال ابنه: "أعتقها ولدها وإن كان سقطًا" والسقط يتبين فيه خلق الإنسان.
[فرع]: إذا كانت الأمة ملكًا لولده، أو بعضها ولم يكن الابن قد وطئها: فيجوز لأبيه أن يطأها، وإذا أتت بولد: فإنها تكون أم ولد، تعتق بمجرَّد=
الحمل، ولم تصر أم ولد
(2)
، ومن ملك أمة حاملًا فوطئها: حرم عليه بيع الولد، ويعتقه
(3)
(وأحكام أم الولد) كـ (أحكام الأمة) القن: (من وطء، وخدمة، وإجارة، ونحوه) كإعارة وإيداع؛ لأنها مملوكة له ما دام حيًا
(4)
(لا في نقل الملك في رقبتها، ولا بما يُراد له) أي: لنقل الملك: فالأول: (كوقف وبيع) وهبة، وجعلها صداقًا ونحوه (و) الثاني ك (رهن) وكذا: نحوها): أي: نحو المذكورات كالوصية بها؛ لحديث
= موته؛ لما سبق.
(2)
مسألة: إذا كانت الأمة مملوكة لزيد، فجامعها عمرو بسبب أنه تزوجها، أو شبهة نكاح كأن ظنها زوجته، فبانت غيرها، ثم بعد ذلك اشتراها عمرو وهي حامل منه: فإن المحمول به يعتق، ولكنها هي لا تكون أم ولد؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل بقاء الرق على الأمة سواء ولدت له ولد أو لا، وإنما خولف هذا الأصل فيما إذا حملت منه وهي تحت ملكه بالسنة القولية - وهي قوله:"من وطى أمته. . ." - وبقول الصحابي - كما سبق ذكرهما - وغير هذه الحالة ليس في معناه، ولم يرد فيه شيء، فيبقى على الأصل - وهو استمرار كونها أمة -.
(3)
مسألة: إذا اشترى شخص أمة حاملًا من غيره، فوطئها قبل أن تضع مولودها: فإنه يحرم عليه بيع ولدها، ولا يلحق هذا الولد بمشتريها، ولكنه يعتقه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ذلك الولد ليس بولده: عدم جواز إلحاقه به، ويلزم من كونه قد شرك فيه - لكون الماء وهو الجماع يزيد في الولد - أن يُعتقه.
(4)
مسألة: الأمة إذا حملت من سيدها، وولدت منه يثبت لها حكم الاستيلاد، ويكون حكمها حكم الإماء في حل وطئها لسيدها، واستخدامها، وإجارتها، وملك كسبها، وتزويجها، وعتقها، وتكليفها، وحد عورتها - أنه من السرة إلى الركبة - وإعارتها، وإيداعها، وشهادتها، وحدِّها، وديتها وأرش جراحاتها، للتلازم؛ حيث يلزم من كونها مملوكة في حياة سيدها: أنه يملك الانتفاع بها في جميع أنواع الانتفاعات كالأمة القن.
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد" وقال: "لا يبعن، ولا يوهبن ولا يورثن، يستمتع منها السيد ما دام حيًا، فإذا مات: فهي حرة" رواه الدارقطني
(5)
، وتصح كتابتها: فإن أدَّت في حياته عتقت، وما بقي بيدها لها، وإن مات وعليها شيء: عتقت، وما بيدها للورثة
(6)
، ويتبعها ولدها من غير سيدها بعد
(5)
مسألة: لا يصح أن ينقل ملك رقبة أم الولد من ملكية سيدها إلى ملكية غيره بأي طريقة: فلا يصح بيعها، ولا وقفها، ولا هبتها؛ ولا ما يراد للبيع وهو الرهن، ولا إرثها، ولا أي شيء ينقل ملكية رقبتها إلى غير أب ولدها ولو فعل ذلك: لفسد البيع وغيره؛ لقواعد الأولى: السنة القولية؛ حيث "نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع أمهات الأولاد"، والنهي مطلق، وهو يقتضي التحريم والفساد، ووقفها، وهبتها، وإرثها كالبيع بجامع: نقل الملك في كل، وهذا من باب "مفهوم الموافقة"، الثانية: التلازم؛ حيث إنها استحقَّت أن تعتق بموت سيدها المستولد لها فيلزم: عدم جواز نقل ملكها ببيع أو غيره؛ لأن بيعها يمنع العتق الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن عمر وعثمان وعائشة قد ثبت عنهم: عدم جواز بيعهن، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن إزالة ملكها عن سيدها ببيع ونحوه يمنع عتقها، وهذا ضرر عليها، ولأنه يؤدي إلى التفريق بينها وبين، ولدها، وهذا ضرر آخر فدفعًا للضررين: شرع عدم جواز بيعهن.
تنبيه: لقد أطال العلماء في ذكر الخلاف في هذه المسألة، وأرى عدم الإطالة فيها؛ لعدم وجودها الآن.
(6)
مسألة: تصح كتابة أم الولد، فإن دفعت كل ما عليها من الكتابة لسيدها: فإنها تعتق في حياته وإن مات وعليها شيء منها: فإنها تعتق، وما وجد بيدها مما جمعته لأجل الوفاء بالكتابة يكون للورثة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونها أمة في حياة سيدها: صحة مكاتبتها، ويلزم من دفعها لقدر الكتابة: أن تعتق في حياته، ويلزم من كون ما جمعته هو ثمنها لسداد ما عليها أن يكون لورثة السيد؛ لأنه=
إيلادها، فيعتق بموت سيدها
(7)
، وإذا جنت فُديت بالأقل من قيمتها الفداء، أو أرش الجناية
(8)
، وإن قتلت سيدها عمدًا، أو خطأ عتقت، وللورثة القصاص في العمد، أو الدية، فيلزمها الأقل منها، أو من قيمتها كالخطأ
(9)
، وإن أسلمت أم ولد
= يُعتبر من التركة، ولا يتبعها.
(7)
مسألة: إذا مات سيد أم الولد: فإن أم الولد تكون حرة، ويتبعها في هذه الحرية أيُّ ولد لها من غير سيدها ويكون حرًا ويكون حكمه حكمها، ويكون بمنزلتها: سواء عتقت أو ماتت ويجوز فيه من التصرفات ما يجوز فيها، ويمتنع فيه ما يمتنع فيها؛ لقاعدتين الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من كون الولد يتبع أمه في الرق والحرية: أن يتبع الولد أمه هنا، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك ثبت عن عمر، وابن عباس.
(8)
مسألة: إذا جنت أم الولد جناية: فإن أرش جنايتها يتعلَّق برقبتها، ويجب على سيدها أن يفديها بأقل من قيمتها يوم ذلك الفداء، أو أن يفديها بأرش الجناية ولا يسلمها للمجني عليه، ولا يبيعها لأجل ذلك، ولا تلزمه زيادة على قيمتها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونها مملوكة يملك كسبها فقط، دون بيعها أو تسليمها: أن يفعل ذلك، لأنها ليست محلًا للبيع.
(9)
مسألة: إذا قتلت أم الولد سيدها عمدًا، أو خطأ: فإنها تعتق، ولكن من حق ورثة السيد أن يطالبوها بالقصاص في العمد أو الدية في الخطأ، وإذا ثبتت الدية: فيجب عليها الأقل من: ديته، أو من قيمتها؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وهذا عام سواء كان القاتل عمدًا أم ولد أو غيرها وقال: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} وذلك عام في أم الولد وغيرها إذا كان القتل خطأ، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من موت سيدها - بقتل أو غيره - زوال ملك سيدها عنها، وإذا زال ذلك كانت حرة، فيلزم من كون الجناية قد حصلت من أم ولد: أن لا يجب عليها في الدية أكثر من قيمتها، أو دية المقتول؛=
كافر: منع من غشيانها، وحيل بينه وبينها حتى يسلم وأجبر على نفقتها إن عدم كسبها
(10)
.
= نظرًا لحال الجناية، ومراعاة لأحوالها.
(10)
مسألة: إذا كانت أمة تحت، كافر فجامعها فحملت، فأتت بولد، ثم أسلمت فإن الملك يبقى له، ولكن يمنع من جماعها ولو بالقوة مع القدرة إلى أن يسلم هو، ويُجبر على نفقتها أثناء ذلك إن لم تجد من ينفق عليها أو أنها لا تتكسَّب؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم جواز وطء الكافر: للمسلمة: أن يمنع أن يطأها ذلك الكافر، ويلزم من كونها أمته: أن تبقى على ملكيته، ويلزم من عدم وجود من ينفق عليها: أن يلزم بالنفقة عليها، وكسبها له؛ لكونها أمته.
تنبيه: هذه أحكام العتق مختصرة؛ لعدم الحاجة إليها الآن.
هذه آخر مسائل باب: "أحكام أمهات الأولاد" وهو آخر أبواب كتاب "العتق" ويليه كتاب: "النكاح".
كتاب النكاح
هو لغة: الوطء، والجمع بين الشيئين، وقد يطلق على العقد، فإذا قالوا: نكح فلانة، أو بنت فلان: أرادوا تزوجها، وعقد عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته: لم يريدوا إلا المجامعة وشرعًا: عقد يُعتبر فيه لفظ "إنكاح" أو "تزويج" في الجملة، والمعقود عليه منفعة الاستمتاع
(1)
(وهو سنة) لذي شهوة لا يخاف زنا من رجل وامرأة؛ لقوله
كتاب النكاح
- بيان تعريفه، وحكمه، والنظر إلى المخطوبة والنساء، وبيان عقد النكاح وووقته، وأركانه، وشروطه
وفيه ثلاث وستون مسألة:
(1)
مسألة: النكاح لغة: الجمع بين الشيئين وضمهما معًا، وتداخلًا يقال:"تناكحت الأشجار": إذا اجتمعت، وانضم بعضها إلى بعض، وتداخلت، ويُطلق النكاح على العقد ومنه قولهم:"نكح زيد فاطمة" أي: عقد عليها، وتزوجها ابتداء، ويطلق على الوطء والجماع ومنه قول الزوج:"نكحت امرأتي" أي: وطأتها وجامعتها، ويُعرف ذلك بالقرينة، والنكاح في الاصطلاح: هو: "عقد التزويج، أو الإنكاح في الجملة" ولا يكون صحيحًا إلا بأركان وشروط وقيود - كما سيأتي بيانه - والمعقود عليه منفعة الاستمتاع، أو حل الاستمتاع، لا الملك.
[فرع]: عند إطلاق لفظ "النكاح" ينصرف حقيقة إلى العقد إلا إذا وجدت قرينة تصرفه عن هذا الأصل؛ لقاعدتين الأولى: الاستعمال؛ حيث اشتهر استعمال لفظ "النكاح" بإزاء العقد في الكتاب والسنة ولسان أهل العرف والفقهاء، ولم يوجد لفظ "النكاح" يراد بها الوطء إلا ما ورد في قوله تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} حيث خصَّص الشارع ذلك بالوطء بالسنة القولية؛ حيث=
عليه السلام: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" رواه الجماعة
(2)
،
= قال عليه السلام: "حتى تذوق عسيلتها وتذوق عسيلتك" وسيأتي، وهذه قرينة صرفت ذلك عن الأصل. الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من صحة نفي النكاح عن الوطء: أن النكاح لا يطلق على الوطء حقيقة؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "ولدت من نكاح لا من سفاح"، [فرع ثان] جعل كتاب النكاح هنا لمناسبته؛ حيث إنه ذكر في آخر كتاب العتق باب أمهات الأولاد، ولا يكون إلا بوطء وجماع، وكذلك لما ذكر البيع والشراء والمعاملات: ذكر باب النكاح، حيث إن الشارع إذا استغنى فإنه يفكر بالزواج والنكاح.
(2)
مسألة: يُستحب النكاح لشخص عنده شهوة، لكنه يأمن من نفسه الوقوع في محرم كالزنا أو اللواط: سواء كان هذا الشخص رجلًا أو امرأة لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ، الثانية: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" وقال: "تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم" حيث أمر الشارع في تلك النصوص بالنكاح والزواج، وهذا الأمر للاستحباب، والذي صرفه من الوجوب إليه: المصلحة: حيث إن في زواج من يأمن من نفسه الوقوع في المعاصي الاحتياط لدينه؛ لأن الزواج أشد غضًا للبصر، وأدفع لنظر المتزوج عن الأجنبية، ونظر المتزوجة عن الأجنبي، وأشد إحصانًا للفرج وحفظًا له من الوقوع في الفاحشة - كما ورد في الحديث - وهذه المصلحة لا ترقى إلى درجة إيجاب الزواج؛ لكون ذلك في درجة الاحتياط للدِّين فقط، وهذه المصلحة هي المقصد من استحباب الزواج.
فائدة: المقصود بـ "الباءة": مؤنة النكاح وتكاليفه، بقرينة قوله:"ومن لم يستطع فعليه بالصوم" أي الذي عنده شهوة ولم يستطع مؤنة وتكاليف=
ويُباح لمن لا شهوة له كالعنِّين، والكبير
(3)
(وفعله مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة)؛ لاشتماله على مصالح كثيرة كتحصين فرجه وفرج زوجته، والقيام بها، وتحصيل النسل، وتكثير الأمة، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك، ومن لا شهوة له نوافل العبادة أفضل له
(4)
(ويجب) النكاح (على من يخاف زنا بتركه) ولو ظنًا من
= الزواج فعليه بالصوم، فإنه يدفع شهوته - كما ورد في المصباح (67) -.
تنبيه: الأحاديث والآثار الواردة في الحث على النكاح كثيرة جدًّا، وليس هذا مقام ذكرها فيكفي ما ذكر عما لم يذكر هنا.
(3)
مسألة: يُباح النكاح لشخصٍ لا شهوة له، وهو الذي لا يجد من نفسه ميلًا إلى النساء، مثل المشغول بأي شيء، أو المريض أو بعض الكبار في السن؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم وجود الشهوة عند هذا الشخص: إباحته له، فإن شاء تزوج فلا أجر له، ولا إثم عليه وإن شاء ترك الزواج فلا أجر له، ولا إثم عليه؛ لوجود الاحتياط لدينه تنبيه: قوله: "كالعنِّين" قلتُ: يقصد بالعنِّين: الذي لا يأتي النساء مطلقًا، وهذا يحرم عليه الزواج؛ كما سيأتي بيانه في مسألة (7).
(4)
مسألة: يكون الاشتغال بالنكاح أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات كصوم وصلاة وحج وعمرة التطوّع إذا كان عند الشخص شهوة، أما من لا شهوة له: فلاشتغال بنوافل العبادات أفضل من النكاح؛ للمصلحة: حيث إن النكاح مع الشهوة فيه مصالح كثيرة: أولها: تحصين فرج المتزوج حتى لا يقع في المعاصي، ثانيها: تحصين فرج المتزوج بها حتى لا تقع في المعاصي، ثالثها: الاشتراك في منع المجتمع من الوقوع في المعاصي، رابعها: القيام بامرأة وكفها عن سؤال الناس الرزق وحفظها، خامسها: تحصيل الأولاد، وتكثير الأمة؛ ليكون منهم العالم، والمجاهد، والتاجر، والمزارع، وكل يخدم الثاني؛ إذ لو ترك بعض الناس التزوج لما وجد هؤلاء، وللحق الضرر الأمة الإسلامية، وسادسها: تحقيق المباهاة التي سيفعلها النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم"، أما=
رجل وامرأة؛ لأنه طريق إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام ولا فرق بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه
(5)
، ولا يكتفى بمرة، بل يكون في مجموع العمر
(6)
، ويحرم بدار حرب إلا لضرورة، فيباح لغير أسير
(7)
(ويُسنُّ نكاح واحدة)؛ لأن الزيادة عليها
= إن لم توجد شهوة عند الشخص: فإن تلك المصالح الست وغيرها لن توجد، فيلزم أن يكون الاشتغال بنوافل العبادات أفضل ويكون النكاح مكروهًا لذلك.
(5)
مسألة: يجب النكاح على شخص عنده شهوة ويعلم، أو يغلب على ظنه أنه سيقع على معصية من زنا أو لواط إذا تركه سواء كان رجلًا أو امرأة، ويُقدَّم هنا على الحج الواجب: سواء قدر على الإنفاق الدائم، أو كان يعجز عنه أحيانًا؛ للتلازم؛ حيث إن النكاح طريق لمنعه من الوقوع في الحرام: فيلزم وجوبه؛ لأن ما لا يتم ترك الحرام إلا به فهو واجب، وهو دفع لمفسدة قطعية أو راجحة، وهو المقصد منه.
(6)
مسألة: النكاح مستحب في جميع العمر، أي أن تكون له زوجة تصاحبه في جميع عمره، مع الاستمتاع في الجملة، ولا يُكتفى بأن يتزوج مرة واحدة، ثم يطلق، أو إذا ماتت: لا يتزوج بعدها؛ للتلازم؛ حيث إن مصاحبة الشخص لزوجة أو زوجات طول عمره لا تندفع خشية الوقوع في المعاصي إلا به يلزم منه أن لا يكتفي بمرة واحدة، وهو المقصد منه.
(7)
مسألة: يحرم النكاح على ثلاثة: أولهم: شخص قد دخل دار حرب بأمان كتاجر، ثانيهم: الأم عند الكفار، ثالثهم: العنِّين وهو الذي لا يطأ النساء ولا يأتيهن؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه ضرر على المولود إذا وطأ في دار حرب، أو إذا وطأ وهو أسير؛ لأن الولد الذي ستحمل به تلك المرأة الموطوءة سيكون غالبًا رقيقًا للكفار والعنِّين إذا لم يطأ زوجته فإن هذا لا يحصنها، وقد تفسد بسبب ذلك؛ فدفعًا لذلك: حرم على هؤلاء الثلاثة النكاح.
[فرع]: عند الضرورة - وهي مخافة الوقوع في الزنا - يُباح لمن دخل دار حرب أن يتزوج صغيرة، أو كبيرة آيسة لا تحملان؛ للمصلحة: حيث إن ذلك=
تعريض للمحرم قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}
(8)
(دَيِّنة)؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها،
= فيه تحقيق عدم الاستيلاد الذي سيضر الولد، وفيه تحقيق المنع من الوقوع في الحرام.
[فرع آخر]: لا يجوز للأسير عند الكفار أن يجامع زوجته وإن أُسرت معه؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه منع استعباد. الولد. تنبيه: قد اجتمع في النكاح أقسام الأحكام التكليفية الخمسة: الندب - كما في مسألة (2) - والإباحة - كما في مسألة (3) - والكراهة - كما في آخر مسألة (4) - والوجوب - كما في مسألة (5) - والتحريم - كما في مسألة (7) -، وهذا من نوادر الفروع.
(8)
مسألة: يُستحب أن يقتصر الرجل على زوجة واحدة بشرط: أن يحصل بها الإعفاف وقطع النظر إلى الأجنبيات؛ للمصلحة: حيث إن تكثير النساء فيه خطر وعرضة لعدم العدل بينهن والميل لإحداهن، وهذا فيه إثم عظيم وبلاء مبين، وهو واقع لا محالة قال تعالى مؤكدًا ذلك:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} وقال صلى الله عليه وسلم مبينًا ذلك الإثم: "من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما: جاء يوم القيامة وشقه مائل" فدفعًا لذلك: شرع استحباب الاقتصار على واحدة؛ احتياطًا لدين الشخص.
[فرع]: يُستحب الزيادة على الواحدة بشروط أربعة: أولها: أن لا يحصل الإعفاف الكامل بالزوجة الواحدة، ثانيها: أن يكون قادرًا على الإنفاق على هذا التعدد، ثالثها: أن يعلم أو يغلب على ظنه أنه سيعدل بينهن، رابعها: أن تكون نفسه تتوق إلى ذلك التعدد؛ للمصلحة: حيث إن في تلك الشروط احتياط لدين المرء فاشترطت، ولو دقَّقت فيها لوجدتها تجلب المصالح للمسلم، وتدفع المفاسد والأضرار عنه فتدبَّرها.
ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه
(9)
(أجنبية)؛ لأن ولدها يكون أنجب، ولأنه لا يأمن الطلاق فيفضي مع القرابة إلى قطيعة الرحم
(10)
(بكر)؛
(9)
مسألة: يُستحب أن يتزوج الشخص ذات الدين والتقوى؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" حيث إن الشارع قد أمر بنكاح ذات الدِّين وهذا الأمر للاستحباب، والصارف من الوجوب إلى الاستحباب المصلحة: حيث إن الزوجة المتدينة ستعين زوجها في دينه ودنياه، فإن اعوَّج في دينه نصحته حتى يعتدل، وإن أصابه الفقر أو المرض صبرت عليه وهي التي تسره إن نظر، وتطيعه إذا أمر، وتحفظه في عرضها وماله إن غاب كما قال عليه السلام:"الدنيا متاع وخير متاع الدنيا الزوجة الصالحة إن أمرها، أطاعته وإن نظر إليها أسرّته، وإن غاب عنها حفظته في ماله وعرضها" فهذا سبب عزّ الزوج في الدنيا والآخرة بخلاف غير المتدينة: فإنها لا تفعل شيئًا من ذلك إلا إذا رأت أن مصلحتها تقتضي ذلك؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين تربت يداك" يقصد: ففز بالمتدينة تعزُّك وترفعك بمشيئة الله تعالى، وإلا: ستكون يداك في التراب لاصقتان به من شدَّة العمل والكدح والذل الذي يكون سببه هو المرأة غير المتدينة، فيكون لفظ "تربت يداك" فيه حث للرجل على البحث عن تلك المرأة المتدينة.
(10)
مسألة: يستحب أن يتزوج الرجل أجنبية عنه: بأن لا تكون من بنات أعمامه أو عماته، أو بنات أخواله أو خالاته؛ للمصلحة: وهي من وجهين: أولهما: أن الأجنبية أكثر إنجابًا للأولاد عادة، ويكونوا نجباء أذكياء عادة؛ لذلك نُقل عن عمر رضي الله عنه أنه قال:"أغربوا ولا تضووا" يعني تزوجوا الغريبة حتى تكون أكثر إنجابًا؛ لئلا تضووا ويقل عددكم أو لئلا تقل أجسام أولادكم، وقيل:"الغريبة أنجب" يُقصد أن يكون أولادها نجباء، أذكياء ثانيهما: الحرص على صلة الرحم؛ حيث إن الزواج قد لا ينجح ويحصل، طلاق، فإذا حصل ذلك: فإنه =
لقوله صلى الله عليه وسلم لجابر: "فهلَّا بكرًا تلاعبها وتلاعبك متفق عليه
(11)
(ولود) أي: من نساء يعرفن بكثرة الأولاد؛ لحديث أنس يرفعه: "تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" رواه سعيد
(12)
(بلا أم)؛ لأنها ربما أفسدتها عليه
(13)
، ويُسنُّ أن
= سيؤدي إلى قطيعة الرحم غالبًا.
(11)
مسألة: يُستحب أن يتزوج الرجل البكر؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث إن جابرًا قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بكرًا أم ثيبًا؟ " فقال: بل ثيبًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فهلَّا بكرًا تلاعبها وتلاعبك؟ " حيث إن ذلك الأسلوب فيه حث على تزوج البكر. الثانية: المصلحة: حيث إن البكر قليلة التجربة والخبرة فتقنع بما يقوله لها زوجها، وهذا إذا لم يوجد أحد يُفسدها، هذا في الغالب، وقد يوجد من الثيبات من هن أحق بالزواج من الأبكار؛ نظرًا لتمام عقولهن، ودينهن، واحترامهن لأزواجهن.
(12)
مسألة: يُستحب أن يتزوج الرجل المرأة الولود الودود؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم" حيث أمر بالزواج من الولود التي تتصف بالودِّ والمحبَّة، والذي صرفه إلى الاستحباب هو: أن أصل الزواج والنكاح مستحب، الثانية: المصلحة؛ حيث إن الزواج بالولود فيه تكثير نسله، وبقاء ذكره، فقد يكون أولاده أو بعضهم عبيدًا صالحين يدعون له بعد وفاته، وينفعون الأمة في شتى المجالات، وفيه تكثير لا تباع محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو مفرح للنبي صلى الله عليه وسلم، وثوابه في ذلك أكثر، وصفة الود والمحبة في الزوجة من أسباب كثرة الاستيلاء؛ حيث يحصل الالتصاق والجماع المسبب للحمل الكثير، ومن ثمَّ الولادات المتتابعة بخلاف التنافر الذي يحصل بين الزوجين: فإن نتيجته إما الطلاق، أو قلَّة الإنجاب.
(13)
مسألة: يُستحب أن يتزوج الرجل امرأة صالحة له: سواء كان لها أم، أو لا؛ للمصلحة: حيث إن المقصود هو الزواج بما تصلح له في الدِّين، أما وجود أمها،=
يتخيَّر الجميلة؛ لأنه أغضُّ البصره
(14)
(و) يباح (له) أي: لمن أراد خطبة امرأة، وغلب على ظنه إجابته (نظر ما يظهر غالبًا) كوجه، ورقبة، ويد، وقدم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا خطب أحدكم امرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" رواه أحمد وأبو داود (مرارًا) أي: يكرر النظر (بلا خلوة) إن أمن ثوران الشهوة، ولا يحتاج إلى
= أو عدم ذلك: فلا مصلحة فيه ولا مفسدة إذا كانت الزوجة مقتنعة بزوجها، فإن قلتَ: إنه يُستحب أن يتزوج الشخص امرأة بلا أم، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للمصلحة: حيث إنه يحتمل أن تفسدها أمها عليه، فدفعًا لذلك شرع ما ذكر. قلتُ: هذا بعيد، فإن الغالب أن أم الزوجة تصلح بنتها بالنصح والإرشاد، والوصية بالصبر على زوجها، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض المصلحتين".
(14)
مسألة: يُستحب أن يختار الرجل امرأة جميلة، ومقبولة؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه تسكن نفسه إليها، ويغض بصره عن النظر إلى الأجنبيات، وفي ذلك تكمل مودَّته، ويكمل بذلك دينه، ولأجل ذلك أبيح نظر الشخص إلى المرأة التي يريدها خطبتها
[فرع]: يُستحب للزوج أن يمنع زوجته من الاجتماع بالنساء أو تحدثهن بالهاتف، وأن تنشغل بشؤون بيتها، وتهيئة الراحة لزوجها وأولادها؛ للمصلحة: حيث إن اجتماعها بالنساء الأخريات فيه ضرر عليها وعليه، حيث إنهن يفسدنها غالبًا، فكم زوجة طُلِّقت، فلما بحث عن سبب ذلك اكتشف أن امرأة قد أقنعتها بشيء إما حسدًا تلك المرأة أو غيرة أو حقد أو نحو ذلك من مما يفرق عادة بين الأزواج، فإذا وقع الطلاق والفرقة: ندمت تلك المطلقة، ولات حين مندم، لذلك قال العلماء:"أصلح النساء الجلب التي لا تعرف أحدًا".
إذنها
(15)
، ويُباح نظر ذلك، ورأس، وساق من أمة
(16)
، وذات محرم
(17)
، ولعبد نظر
(15)
مسألة: للرجل الذي يريد أن يخطب امرأة: أن ينظر منها ما ليس بعورة: فينظر إلى وجهها، ويديها، ورقبتها، وقدميها، وغير ذلك مما يظهر غالبًا، ويكون ذلك عدَّة مرات: سواء أذنت أو لا، وذلك بشرطين: أولهما: أن يغلب على ظن ذلك الخاطب إجابته وقبوله ثانيهما: أن لا يخلو بها؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم امرأة فقدر أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" والأمر هنا للإباحة؛ لأنه ورد بعد حظر ونهي عن النظر إلى الأجنبية، وورد ذلك مطلق في الأحوال؛ لأنه أمر بالنظر ولم يُعين أذنها أو عدمه، ولم يرد الشرع بغير النظر، والخلوة محرمة في الأصل، فتبقى الإباحة في النظر فقط، الثانية: المصلحة: حيث إن النظر إليها، وتكرار ذلك فيه تأمُّل محاسنها؛ لأن المقصود لا يتم إلّا بذلك، وفيه مصلحة دوام الزواج؛ حيث إن الخاطب إذا رأى المرأة التي يريد أن يتزوجها ينتج عنه دوام زواجهما، ويعيشان بثبات ونبات، وهذا من أعظم المقاصد الشرعية للنكاح في الإسلام.
(16)
مسألة: يُباح للرجل الذي يريد أن ينكح أمة: أن ينظر إلى وجهها، ويديها، ورقبتها، وقدميها وأيضًا ينظر إلى رأسها، وساقها للتلازم؛ حيث يلزم من كون عورة الأمة مثل عورة الرجل - من السرة إلى الركبة -: أنه يجوز النظر إلى ذلك.
(17)
مسألة: يُباح للرجل أن ينظر إلى كل من يحرم عليه نكاحها بنسب كأمه، وأخته، وابنته - أو رضاع، أو تحريم المصاهرة بسبب مباح، فينظر إلى ما يظهر غالبًا، لكن بشرط: أن لا يكون هذا النظر بشهوة، وتلذذ واستمتاع؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} إلخ فأثبت جواز نظر الرجل إلى ذوات المحارم منه؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات، الثانية: المصلحة؛ حيث إن عدم النظر إلى ذلك يؤدِّي إلى الحرج والضيق والمشقة؛ لأن الرجل يختلط بمحارمه في البيوت والأسفار، ولو كان ذلك محرمًا: لشق على=
ذلك إلى مولاته
(18)
، ولشاهد ومعامل نظر وجه مشهود عليها، ومن تعامله وكفيها الحاجة
(19)
،
= الناس، والنظر بشهوة يؤدي إلى الوقوع في الحرام، فدفعًا لذلك الخطر اشترط ذلك الشرط.
(18)
مسألة: إذا ملكت امرأة عبدًا: فإنه يباح له أن ينظر منها ما يظهر غالبًا كالمحرم لها تمامًا، وكذلك إذا ملكن عدَّة نساء عبدًا: فيباح له النظر إلى ما يظهر منهن غالبًا كالمحرم لهن تمامًا؛ القاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} الثانية: المصلحة؛ حيث إنه يشقُّ تحرز امرأة عن عبدها الذي يخدمها، فدفعًا لتلك المشقة أبيح ذلك.
[فرع]: يُباح لغير أولي الإربة ولمن لا شهوة لهم كالعنين، والكبير والصبي: أن ينظر إلى المرأة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من الأمن من الفتنة. ولقوله تعالى: {التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} فأثبت جواز النظر لغير أولي الإربة، وهو عام.
[فرع آخر]: يباح للرجل أن ينظر لأي امرأة لا تشتهى كالعجوز، والقبيحة ونحوهما؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} بزينة الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من الأمن من الفتنة عند النظر إليهن: جواز النظر إليهن.
(19)
مسألة: إذا شهد رجل على امرأة بأي قضية: فله النظر إلى وجهها وكفها وإذا تعامل رجل مع امرأة ببيع أو شراء، أو إجارة: فله النظر إلى وجهها وكفيها؛ للمصلحة: حيث إن ذلك يؤدِّي إلى وقوع الشهادة على عينها؛ وليعرف المتعامل معها بتجارة ونحوها ليرجع إليها عند اللزوم؛ لئلا تختلط عليه النساء، قال الإمام أحمد: لا يجوز أن يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها.
ولطبيب ونحوه نظر، ولمس ما دعت إليه حاجة
(20)
، ولامرأة نظر من امرأة ورجل إلى ما عدا ما بين سورة وركبة
(21)
،
(20)
مسألة: يجوز للطبيب، ومن يلي خدمة مريض أو مريضة - احتيج إليه - في وضوء، أو استنجاء، أو تخليصه وتخليصها من غرق، أو حرق، أو حلق عانة لمن يحتاجه: أن ينظر إلى العورة وأن يلمسها عند الضرورة؛ لقواعد: الأولى: السنة الفعلية؛ حيث إنه لما حكم سعد بن معاذ على بني قريظة بأن يُقتل رجالها، ووافقه عليه السلام: كان عليه السلام يكشف عوارتهم ليرى من بلغ منهم فيُقتل، ومن لا: فلا. الثانية: المصلحة؛ حيث إن المصلحة الضرورية قد تقتضي كشف عورة بعض الناس لعلاج وخدمة ونحوهما فشرعت لفعل ذلك، الثالثة: فعل الصحابي؛ حيث إن عثمان قد رفع إليه شخص قد سرق وهو صغير فكشف عن عورته: فلما رأوا أن عانته لم تنبت: لم يقطع يده.
(21)
مسألة: يُباح للمرأة أن تنظر إلى جميع بدن امرأة أخرى ما عدا ما بين السرة إلى الركبة، وكذلك يجوز للرجل أن ينظر إلى جميع بدن رجل آخر ما عدا ما بين السرة إلى الركبة؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه توسعة على المسلمين؛ إذ الاحتراز من ذلك يشتق.
[فرع]: لا يُباح أن تنظر المرأة من الرجل إلّا إلى مثل ما ينظر إليه منها - كما سبق في مسألة (17) -؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث إن أم سلمة قالت: كنتُ قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم أنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "احتجبن منه" فقلتُ: يا رسول الله إنه ضرير لا يُبصر فقال: "أفعمياوان أنتما لا تبصرانه؟ " وهذا استفهام إنكاري؛ حيث أنكر عليهما النظر إليه، الثانية: القياس؛ الأولى: بيانه: كما أنه يحرم على الرجل أن ينظر إلا إلى ما ظهر من المرأة فكذلك المرأة مثله، والجامع: خوف الفتنة، بل إن تحريم ذلك على النساء أعظم؛ لأن النساء أقل عقولًا من الرجال، فتتأثر به أكثر من=
ويحرم خلوة ذكر غير محرم بامرأة
(22)
(ويحرم التصريح بخطبة المعتدَّة) كقوله: "أريد أن أتزوجك"؛ لمفهوم قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} وسواء كانت المعتدَّة (من وفاة والمبانة) حال الحياة (دون التعريض) فيُباح؛ لما تقدم
(23)
،
= تأثر الرجال بالمرأة، والمقصد: هو منع الفتنة.
(22)
مسألة: يحرم أن يخلو رجل بامرأة أجنبية عنه: سواء بشهوة أو غير شهوة وسواء في طاعة أو لا؛ للسنة القولية حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلّا ومعها ذو محرم" حيث حرّم الخلوة بها؛ لأن النهي هنا مطلق فيقتضي التحريم، فإن قلتَ: لِمَ حرم ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه منع للفتنة والوقوع في الحرام.
[فرع]: تحرم خلوة رجل مع عدد من النساء الأجنبيات، أو خلوة امرأة بعدد من الرجال، ويحرم خلوة النساء بالخصي والمجبوب، والعنين؛ للمصلحة: وقد سبق بيانها في مسألة (22).
[فرع آخر]: يحرم أن تسكن امرأة مع محرمها في بيت واحد إذا كان هذا المحرم فاسقًا؛ للمصلحة: حيث إن هذا لا يؤمن من أن يفعل بها المحرم.
[فرع ثالث]: يحرم أن تتزين امرأة لمحرمها - غير زوج وسيد -؛ للمصلحة: وقد سبق بيانها في مسألة (22).
فرع رابع: يكره أن تُسلِّم امرأة على أحد محارمها بالمعانقة، أو التقبيل بالوجه أو نحو ذلك، وتكفي المصافحة بالأيدي؛ للمصلحة: وقد سبق بيانها في مسألة (22).
(23)
مسألة: إذا كانت المرأة في العدَّة بسبب وفاة، أو فسخ بسبب تحريمها على زوجها كالفسخ برضاع، أو لعان، أو طلاق بائن بسبب طلاق بالثلاث: فلا يجوز أن يُصرح رجل بخطبتها كقوله: "إني أريد أن أتزوجك" أو "أنكحك" أو "زوجيني نفسك، فإذا انقضت عدّتك تزوجتك ونحو ذلك من العبارات مما لا يحتمل غير=
ويحرم التعريض كالتصريح لرجعية
(24)
(ويباحان لمن أبانها بدون الثلاث)؛ لأنه يباح له نكاحها في عدَّتها (كرجعيته) فإن له رجعتها في عدتها
(25)
(ويحرمان) أي:
= النكاح؛ أما التعريض فيجوز وهي في هذه الحال؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} فمنطوق ذلك دلّ على إباحة التعريض لأن عبارة "لا جناح" دالة على الإباحة، ودل مفهوم الصفة على تحريم التصريح، الثانية: السنة الفعلية والقولية؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم قد عرَّض لخطبة أم سلمة لما توفي عنها أبو سلمة وهي في العدة - قائلًا: "لقد علمت أني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخيرته من خلقه وموضعي من قومي" وعرض لخطبة فاطمة بنت قيس لما طلِّقت ثلاثًا: قائلًا: "إذا حللت فأذنيني" وفي لفظ: "لا تسبقي بنفسك" وما ذكر من الأحوال كحالة الوفاة، والطلاق البائن، فإن قلتَ: لِمَ حرم التصريح؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن التصريح لا يحتمل إلّا النكاح، فلا يؤمن أن يحملها الحرص على ذلك الرجل المصرِّح أن تخبره بانقضاء عدَّتها قبل انقضائها، والتعريض جاز؛ لأنه يحتمل غير النكاح.
(24)
مسألة: إذا طُلِّقت امرأة طلاقًا رجعيًا: بأن طلقها زوجها طلقة أو طلقتين ولم تنتهِ عدتها: فلا يجوز لأحد أن يُصرِّح أو يُعرِّض لخطبتها؛ للقياس؛ بيانه: كما أن المرأة إذا كانت متزوجة لا يجوز أن يعرض أحد لخطبتها فكذلك إذا كانت مطلَّقة طلاقًا رجعيًا، والجامع: أن كلًّا منهما تسمَّى زوجة، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن هذا يجعل زوجها يراجعها، فيجتمع شمله وأولاده.
(25)
مسألة: إذا طلَّق زيد امرأته طلاقًا بدون الثلاث - كطلقة أو طلقتين - فيُباح لزيد هذا أن يُصرَّح أو يُعرَّض لخطبتها إن كان ممن يحل له التزوج بها في العدة، أما إن كان ممن لا يحل له إلّا بعد انقضاء العدة كالمزني بها، والموطوءة بشبهة فيحرم عليه أن يصرِّح بخطبتها أو يُعرَّض لخطبتها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الأولى رجعية لزيد؛ لكونها طليقته رجعيًا -: إباحة التصريح، والتعريض للخطبة=
التصريح، والتعريض (منها على غير زوجها)، فيحرم على الرجعية: أن تجيب من خطبها في عدّتها: تصريحًا أو تعريضًا
(26)
وأما البائن فيباح لها إذا خطبت في عدتها التعريض، دون التصريح
(27)
(والتعريض: إني في مثلك لراغب، وتجيبه) إذا كانت بائنًا: (ما يُرغب عنك، ونحوهما) كقوله: "لا تفوتيني بنفسك" وقولها: "إن قُضي شيء كان"
(28)
(فإن أجاب ولي مجبرة) ولو تعريضًا لمسلم (أو أجابت غير المجبرة لمسلم:
= لخطبتها، ويلزم من كون الثانية ليست رجعية له - لكونها مزني بها أو موطوءة بشبهة كأن جامعها شخص يحسبها زوجته فبانت غيرها -: تحريم التصريح والتعريض لخطبتها بالنسبة لزيد؛ لكونه كالأجنبي بالنسبة لها.
(26)
مسألة: إذا طلق زيد زوجته طلاقًا رجعيًا، أو بدون الثلاث، ثم صرَّح عمرو بخطبتها، أو عرَّض لخطبتها وهي في العدة فيحرم على تلك المرأة الرجعية أن تجيب عمرو على ذلك؛ للقياس؛ بيانه كما أن ذلك يحرم على الرجل - كما سبق في مسألة (24) - فكذلك يحرم على المرأة المعتدة أن تجيبه والجامع: دفع مفسدة التعجيل - كما قلنا في مسألة (23) - وهو المقصد منه.
(27)
مسألة: إذا كانت المرأة في العدة بسبب وفاة أو فسخ بسبب تحريمها على زوجها كالفسخ، برضاع، أو لعان أو طلاق بائن: وعرَّض لخطبتها رجل: فيجوز أن تُجيبه، أما إذا صرَّح بخطبتها أحد: فلا يجوز لها أن تُجيبه؛ للقياس؛ بيانه: كما يجوز للرجل أن يُعرِّض لخطبة هذه المرأة، ولا يجوز أن يُصرِّح بخطبتها - كما سبق في مسألة (23) - فكذلك يجوز أن تجيب على من عرَّض لخطبتها، دون من صرَّح بذلك، والجامع: دفع مفسدة التصريح - كما سبق في مسألة (23) -؛ لأنه إذا ساغ لها الخطاب، ساغ لها الجواب، وإذا لم يسغ لها الخطاب، لم يسغ لها الجواب.
(28)
مسألة: الصريح في الخطبة: هو الذي لا يحتمل غير الزواج أو النكاح كقول رجل لها: زوجيني نفسك" أو كقوله: "إذا انقضت عدّتك تزوجتك"، والتعريض=
حرم على غيره خطبتها) بلا إذنه؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك" رواه البخاري والنسائي (وإن رُدَّ) الخاطب الأول (أو أذن أو ترك أو استأذن الثاني الأول فسكت، (أو جُهلت الحال): بأن لم يعلم الثاني إجابة الأول: (جاز) للثاني أن يخطب
(29)
(ويُسنُّ العقد الجمعة مساء)؛
= بالخطبة هو الذي يحتمل النكاح والزواج وغير ذلك كقوله لها: "إني في مثلك لراغب"، وتجيبه تعريضًا إن كانت بائنًا:"ما يُرغب عنك" وكقوله لها: "لا تفوتيني بنفسك، وتجيبه تعريضًا: "إن قضي شيء كان" وكقوله لها: "ما أحوجني إلى مثلكِ" وكقوله لها: "أنتِ جميلة" أو قوله: "أنتِ مرغوب فيك" أو قوله "إذا حللتِ فأذنيني" أو "لا تسبقيني" أو نحو تلك العبارات؛ للتلازم؛ حيث يلزم من لفظ "التزويج" أو "النكاح" إذا وُجدت في العبارات: أنها تكون صريحة؛ لعدم احتمال غير النكاح، ويلزم من عدم وجود هذين اللفظين في العبارات: أنها تكون تعريضًا وتلميحًا؛ لاحتمال أنه يقصد غير النكاح.
[فرع]: إذا صرَّح بخطبة امرأة، أو عرَّض لخطبتها وهو محرم عليه ثم تزوجها بعد انقضاء عدتها: فزواجه بها صحيح، ولكنه يأثم؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ذلك المحرم لم يقارن العقد ولم يؤثِّر فيه: صحته، ويلزم من ارتكابه المحرم: تأثيمه.
(29)
مسألة: إذا خطب زيد المسلم، امرأة، وأجابت بنفسها - إن كانت غير مجبرة كالثيب الحرة -، أو أجاب وليها - كأبيها أو وصيه - إن كانت مجبرة - كالحرة البكر -: فإنه يحرم على عمرو أن يخطبها، أما إن أذن زيد لعمرو بأن يخطبها في حالة خطبته هو لها، أو ترك زيد الخطبة أو استأذن عمرو زيدًا في خطبتها فسكت زيد، أو كان عمرو لا يعلم أنه قد أُجيب زيد ورغب فيه: ففي تلك الحالات الأربع يجوز لعمرو أن يخطبها؛ القاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى يذر" حيث حرم على المسلم أن=
لأن فيه ساعة الإجابة
(30)
، ويُسن بالمسجد، ذكره ابن القيم
(31)
، ويسن: أن يخطب
= يخطب امرأة في حال كون مسلم آخر قد خطبها؛ لأن النهي مطلق، فيقتضي التحريم، ويلزم من لفظ "أخيه" أن المحرم هو خطبة المسلم على خطبة المسلم، "ويدل ذلك بمفهوم الغاية على أن الخاطب الأول - وهو زيد - إذا ترك: فإنه يجوز للثاني - وهو عمرو - أن يخطب وأذن الأول بأن يخطب الثاني، أو سكوته عند استئذانه مثل تركه للخطبة؛ لعدم الفارق من باب "مفهوم الموافقة" الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من عدم علم الثاني بالخطبة جواز خطبته؛ لأن الجاهل معذور، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه مفسدة على الخاطب الأول، وإيقاع العداوة والبغضاء والشحناء بين الناس.
[فرع]: إذا خطب عمرو امرأة مع علمه بخطبة زيد لها ولم يأذن له في ذلك، ولم يترك، وتزوجها عمرو: فإن هذا الزواج يصح ولكنه يأثم؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون تلك الخطبة لم تقارن العقد ولم يؤثر فيه: صحته، ويلزم من تحريم ذلك: تأثيمه.
[فرع ثان]: إذا خطبت زينب زيدًا مثلًا، أو خطبه وليها، فلا يجوز لفاطمة أو وليها أن يخطباه، ولا يجوز لعمرو أن يخطب زينب تلك؛ للقياس؛ بيانه: كما لا يجوز الخطبة على خطبة أخيه - كما سبق في مسألة (29) - فكذلك لا يجوز في هذه الحالة، والجامع: دفع المفسدة في كل.
(30)
مسألة: يُستحب أن يعقد المسلم عقد النكاح على أيِّ امرأة أراد التزوج بها في يوم الجمعة قبيل المغرب؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه ساعة من ساعات إجابة الدعاء، فيكون أقرب لإجابة الدعاء بنجاح هذا الزواج، وتعظم البركة فيه إن شاء الله تعالى.
(31)
مسألة: يُستحب أن يعقد المسلم عقد النكاح على المرأة في المسجد؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه بركة المكان، فيكون ذلك أنجح للنكاح.
قبله (بخطبة ابن مسعود) وهي: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"
(32)
، ويُسن أن يقال لمتزوج:"بارك الله لكما، وعليكما، وجمع بينكما في خير وعافية"
(33)
، فإذا زُفَّت إليه قال: "اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما جبلتها عليه،
(32)
مسألة: يُستحب أن يخطب العاقد بين الزوجين قبيل عقد النكاح بخطبة الحاجة، وهي ما كان يخطبها ابن مسعود وهي:"إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"؛ لقواعد؛ الأولى: السنة القولية والفعلية؛ حيث إن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم زوجنيها فقال عليه السلام: "زوجتكها بما معك من القرآن" وقال رجل من بني سليم: "خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب فأنكحني من غير أن يتشهد" ولم يذكر الراوي خطبة في هذين، وهذا يدل على عدم وجوب تلك الخطبة. الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن البيع يصح بدون خطبة فكذلك النكاح، والجامع: أن كلًّا منهما عقد معاوضة الثالثة: قول وفعل الصحابي؛ حيث إن ابن عمر قد زوّج مولاة له بدون خطبة فما زاد على قوله للخاطب: "قد أنكحتك على ما أمر الله على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" وثبت عن الحسين أنه كان يزوج بعض بنات الحسن، وهو يتعرَّق العرق، ولا يخطب، وكان ابن مسعود يخطب بتلك الخطبة، فإن قلتَ: لِمَ استحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن النكاح بداية حياة جديدة فالخطبة بمثل تلك الكلمات - وهي خطبة الحاجة - تزيد في بركة المبدوء به من نكاح وغيره.
(33)
مسألة: يُستحب أن يُقال لمتزوج - أي بعد عقد الزواج -: "بارك الله لكما، وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية" ويقال بالإفراد فيقال: "بارك الله لك،=
وأعوذ بك من شرّها، وشرّ ما جبلتها عليه"
(34)
.
(فصل): (وأركانه) أي: أركان النكاح ثلاثة أحدها (الزوجان الخاليان من الموانع) كالمعتدَّة (و) الثاني (الإيجاب) وهو: اللفظ الصادر من الولي، أو من يقوم مقامه (و) الثالث (القبول) وهو: اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه
(35)
(ولا يصح)
= وعليك، وجمع بينكما في خير وعافية"؛ للسنة القولية: حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لبعض الصحابة لما رآه متزوجًا، فإن قلتَ: لِمَ استحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن هذا الدعاء إن قبله الله تعالى: فإنه سيكون سببًا للتوافق بينه وبين أهله، وسببًا لحسن العشرة بينهما، تنبيه: قد شرع الشارع ذلك الدعاء بدلًا من دعاء أهل الجاهلية وهو قولهم للمتزوج: "بالرفاء والبنين".
(34)
مسألة: إذا دخل الرجل على امرأته التي تزوج بها فيُستحب أن يقول: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرّها، وشرّ ما جبلتها عليه"، ويُستحب أيضًا؛ إذا دخل عليها أن يصلي ركعتين، ثم يأخذ برأس زوجته ويقول:"بارك الله لي في أهلي، وبارك لأهلي فيَّ، وأرزقهم مني وارزقني منهم"؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إذا تزوج امرأة، أو اشترى خادمًا فليقل: اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيرًا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك" الثانية: قول الصحابي؛ حيث ثبت عن ابن مسعود وحذيفة، وأبي ذر أنهم قالوا:"إذا دخلت على أهلك فصل ركعتين، ثم خذ رأس أهلك فقل: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي فيّ، وارزقني منهم، وارزقهم مني"، فإن قلتَ: لِمَ استحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ وهو حصول البركة في هذا الزواج إن أجيبت الدعوة.
(35)
مسألة: أركان النكاح وهي: التي لا يمكن أن يتم النكاح والعقد إلّا بها - ثلاثة: أولها: وجود زوجين خاليين من الموانع بحيث لا تكون الزوجة معتدَّة، أو ممن=
النكاح (ممّن يُحسن) اللغة (العربية بغير لفظ: زوجت، أو أنكحت)؛ لأنهما اللفظان اللذان ورد بهما القرآن لأمته: "أعتقتكِ، وجعلت عتقكِ صداقكِ" ونحوه؛ لقصة صفية (و) لا يصح قبول إلا بلفظ (قبلتْ هذا النكاح، أو تزوجتها، أو تزوجتُ، أو قبلتُ) أو رضيتُ ويصح النكاح من هازل، وتلجئة (ومن جهلهما) أي: عجز عن الإيجاب والقبول بالعربية (لم يلزمه تعلُّمهما وكفاه معناهما الخاص بكل لسان)؛ لأن المقصود هنا المعنى، دون اللفظ؛ لأنه غير متعبَّد بتلاوته
(36)
، وينعقد من أخرس بكتابة
= لا يجوز للرجل أن يتزوجها بنسب، أو سبب، أو مصاهرة - وسيأتي بيانه في باب:"المحرمات في النكاح"، وبحيث لا يكون الرجل على ذمته أربع نساء، أو طلق رابعة وهي في العدَّة - وسيأتي بيانه -، ثانيها: وجود الإيجاب، وهو: اللفظ الصادر من ولي الزوجة بأن يقول: "زوجتك فلانة، أو أنكحتك إياها على مهر كذا" ونحو ذلك مما يفيد تزويجه إياها - كما سيأتي - ويقول ذلك من يقوم مقام الولي، وهو وكيله الشرعي، ثالثها: وجود القبول، وهو: اللفظ الصادر من الزوج بأن يقول: "قبلتُ هذا الزواج" أو "قبلتُ هذا النكاح" ونحو ذلك مما يُفيد قبوله - كما سيأتي - أو يقول ذلك من يقوم مقام الزوج، وهو وكيله الشرعي بأن يقول:"قبلتُ هذا النكاح أو الزواج لموكلي فلان"؛ للاستقراء؛ حيث ثبت بعد الاستقراء والتتبع أن النكاح والزواج لا يتم إلّا باجتماع هذه الأركان الثلاثة، فلو وُجد واحد منها دون الآخرين فلا يتم النكاح ويبطل، تنبيه: الركن الأول لم يذكره جمهور الفقهاء لقطعية العلم به، ولأن له بابًا مستقلًا سيأتي تفصيله، واقتصروا على ذكر الركنين:"الثاني والثالث".
(36)
مسألة: يصح الإيجاب وعقد النكاح والزواج من الولي أو وكيله، ويصح قبول النكاح من الزوج أو وكيله بكل لفظٍ يدل عليهما أو فعل أو بأي لغةٍ، مما يُعدُّه الناس نكاحًا، ولا يختص الإيجاب بلفظ "أنكحتك" أو "زوجتك" ولا يختص القبول بلفظ:"قبلتُ" أو "تزوجت" أو "رضيتُ": سواء كان الولي والزوج =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= يحسنان العربية أو لا، وهو مذهب الجمهور؛ لقاعدتين الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن سائر العقود لا يُشترط في الإيجاب والقبول لفظ معيَّن، بل يكفي كل ما دلّ عليهما من قول أو فعل بأي لغة فكذلك عقد النكاح، وقبوله مثل ذلك والجامع: أن كلًّا منها عقد معاوضة، أتى كل أحد بلفظه الخاص فانعقد به كانعقاده بالعربية، الثانية: التلازم؛ حيث إن ذلك فيه توسعة وتيسير على العباد، وهو غير خافٍ على أحد، فإن قلتَ: لا يصح الإيجاب والقبول إلّا باللغة العربية ممن يحسنها فلا يصح الإيجاب إلا بلفظ: "أنكحتك" أو "زوجتك"، ولا يصح القبول إلّا بلفظ:"قبلتُ" أو تزوجت" أو "رضيتُ"، أما إذا عجز عنهما بالعربية فلا يلزمه تعلمهما، ويكفي معناهما الخاص بكل لسان وهذا ما ذكره المصنف هنا وهو مذهب كثير من الحنابلة؛ للتلازم؛ حيث إن تلك الألفاظ صريحة في النكاح والتزويج وقبول ذلك وردت بالقرآن؛ حيث قال تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} وقال {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} فيلزم من ذلك التقيُّد بها لمن يحسن العربية، ويلزم من كونها غير متعبَّد بها: عدم وجوب تعلمها على من جهلها. قلتُ: إن ورود تلك الألفاظ في القرآن لا يلزم التقيد بها كما زعمتم؛ إذ لو لزم ذلك: لوجب الالتزام بكل لفظ يخص عقد ورد في القرآن، وهذا لم يقله أحد، ولا نُسلِّم أنه يلزم من كونها صريحة في النكاح: لزومها لمن يحسنها؛ لأن غيرها من الألفاظ والأفعال صريحة عند من يُعبِّر بها، أما قولكم: إنه غير متعبَّد بها: فهو مذهبنا، وهو منطلقنا فيما قلناه، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف فيما ورد من ألفاظ القرآن مما يخص الأحكام هل الأصل التقيُّد بها؟ " فعندنا: الأصل أنه لا يتقيد بها إلّا إذا ورد دليل يوجب ذلك، وعندهم: الأصل: أنه يتقيَّد بها إلا إذا ورد دليل يمنع ذلك.
[فرع]: إذا أراد السيد أن يتزوج أمته: فإنه يقول: "أعتقتكِ، وجعلتُ عتقكِ صداقك" وإن سمى دراهم مع ذلك تكون مهرًا ولو قلَّت: لكان أولى؛ للسنة=
وإشارة مفهومة (فإن تقدَّم القبول) على الإيجاب: (لم يصح)؛ لأن القبول إنما يكون للإيجاب فمتى وجد قبله لم يكن قبولًا
(37)
(وإن تأخر) أي: تراخى القبول (عن
= الفعلية؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم: أعتق صفية بنت حيي بن أخطب اليهودية، وجعل عتقها صداقها.
[فرع آخر]: يصح النكاح من الهازل: وهو الذي يريد بالشيء غير ما وضع له، بغير مناسبة بينهما: كأن يقول زيد لعمرو: زوجتك ابنتي وزيد لم يرد تزويجها لعمرو حقيقة، فإذا قبل عمرو: فإن النكاح يتم ويصح، ويُلزم زيد بهذا؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ جدُّهن جد، وهزلهن جدٌّ: الطلاق والنكاح والرجعة" قال علي: لا لعب فيهن الثانية: قول الصحابي؛ حيث قال عمر: "أربع جائزات إذا تُكلم بهن: الطلاق، والعتاق، والنكاح، والنذر"، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه منع للناس عن التلاعب أو العبث فيه؛ لئلا يكون الإنسان مهزلة ومذمَّة عند الخلق.
[فرع ثالث]: يصح النكاح من الملجأ - وهو: الذي يزوج ابنته شخصًا هروبًا من تزويجها لشخصٍ آخر يكرهه. مثاله: أن يخطب زيد ابنة من عمرو، وعمرو هذا يكره زيدًا - لأي سبب - ويُريد أن يتخلَّص منه فيقوم فيزوجها لبكر، فيصح نكاح بكر لها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم الهزل في لفظ النكاح والزواج: أن يكون تزويج عمرو لبكر ابنته صحيحًا، وقد سبق في الفرع الثاني بيان نصوص عدم جواز الهزل في النكاح.
(37)
مسألة: إذا تقدَّم القبول على الإيجاب بأن يقول الرجل: "تزوجت ابنتك" فيقول الولي: "زوجتكها" أو يقول الرجل: "زوجني ابنتك" فيقول الولي: "زوجتكها": فإن النكاح يصح، وهو قول الجمهور؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو تقدَّم الإيجاب على القبول: فإن النكاح يصح، فكذلك إذا تقدَّم القبول على الإيجاب يصح مثله والجامع: وجود ركني النكاح، وهما: الإيجاب والقبول في كل، وإذا وجد =
الإيجاب: صحَّ ما داما في المجلس، ولم يتشاغلا بما يقطعه) عرفًا، ولو طال الفصل؛ لأن حكم المجلس حكم حالة العقد (وإن تفرقا قبله) أي: قبل القبول، أو تشاغلا بما يقطعه عرفًا:(بطل) الإيجاب؛ للإعراض عنه، وكذا: لو جُنَّ، أو أغمي عليه قبل القبول
(38)
،
= الركنان: فيصح النكاح، فإن قلتَ: لِمَ صح هنا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه توسعة على العباد؛ إذ ترتيب ذلك قد يشق على كثير من الناس، فإن قلتَ: لا يصح النكاح إذا تقدم القبول على الإيجاب، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون القبول إنما وُجد للإيجاب، فيلزم من تقدم القبول عليه: عدم صحة النكاح؛ لعدم القبول قبله قلتُ: إن الركنين الأساسيين - وهما: القبول والإيجاب - قد وجدا من الولي، والزوج، فكون أحدهما قبل الآخر لم يكن من مقاصد الشريعة، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف هل الإيجاب والقبول ركنان بصرف النظر عن ترتيبهما، أو لا بد من كون الإيجاب قبل القبول؟ " فعندنا: الأول، وعندهم: الثاني. [فرع]: يصح الإيجاب والقبول في النكاح من الأخرس بواسطة الكتابة، أو بإشارة مفهومة؛ للقياس، بيانه: كما أنه يصح منه طلاقه وبيعه بذلك فكذلك يصح نكاحه والجامع: إفهام المقصود في كل
(38)
مسألة: إذا قال الولي للزوج - وهما مكلفان -: "زوجتك فلانة"، فتأخر الزوج في قبول ذلك، ثم بعد فترة: قال: "قبلتُ هذا الزواج": فإنه يصح هذا النكاح والزواج ولو طال الفصل؛ بشرطين أولهما: أن يكونا في المجلس، ثانيهما: أن لا يتشاغلان عن العقد بما يقطعه عرفًا، أما إذا تفرقا عن مجلس العقد قبل القبول، أو تشاغلا عن العقد بما يقطعه كأن يقول الولي:"زوجتك" ثم يتكلمان بتجارة ونحوها، ثم يقول الزوج:"قبلت هذا الزواج" أو زال تكليف الولي، أو الزوج قبل القبول بأن جُن أحدهما، أو كلاهما، أو أغمي عليهما، أو على أحدهما قبل القبول، أو جُنَّت المرأة المتزوج بها، أو أغمي عليها قبل القبول، أو فسق الولي، أو حضر الأقرب منه: فإن النكاح في تلك الصور لا يصح؛ للقياس؛ بيانه: كما =
لا إن نام
(39)
.
(فصل): (وله شروط) أربعة (أحدها: تعيين الزوجين)؛ لأن المقصود في النكاح
= يصح ذلك بالشرطين السابقين في البيع، وسائر العقود فكذلك عقد النكاح مثلها، والجامع: أن كلًّا منها عقد معاوضة، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلت: لأنه لا بد من من استمرار الشرط في الولي والمتزوج حتى يتم العقد.
(39)
مسألة: إذا نام الزوج نومًا يسيرًا لا ينتقض الوضوء به - وهو جالس - قبل القبول: فإن النكاح يصح، أما إن نام نومًا كثيرًا عادة قبل القبول: فإن النكاح يبطل؛ للقياس؛ بيانه: كما أن العقود لا يُبطلها نوم المشتري قبل القبول إذا كان يسيرًا، ويبطلها إن كان نومًا كثيرًا فكذلك عقد النكاح مثل ذلك، والجامع: أن كلًّا منها عقد على معاوضة، فلا يؤثر عليه ذلك.
[فرع]: لا يثبت في النكاح خيار المجلس ولا خيار الشرط؛ للمصلحة: وهي من وجهين: أولهما: أن الحاجة لا تدعو إلى الخيار؛ حيث إن النكاح لا يقع إلّا بعد تمحيص وتدقيق قبل القدوم عليه وسؤال كل واحد من الزوجين عن صاحبه، ثانيهما: أن الخيار قد يُفضي ويؤدي إلى فسخه بعد ابتذال المرأة له، وفي ذلك إلحاق الضرر عليها، ولذلك إذا طلق الزوج قبل الدخول عليها: فإن لها نصف صداقها؛ تعويضًا لها عن هذا الضرر.
[فرع آخر]: لا يصح تعليق النكاح على شرط مستقبل كقول الولي: "زوجتك ما في بطن امرأتي" أو قوله: "زوجتك من في هذه الدار" أو قوله: "إن وضعت زوجتي بنتًا: فقد زوجتكها" بخلاف الشرط الحاضر كقول الولي: "زوجتك ابنتي إن كانت قد انقضت عدّتها" أو قوله: "زوجتك ابنتي إن شئت" ونحو ذلك فهذا يصح؛ للتلازم؛ حيث يلزم من الشرط المستقبل: الجهالة فلا يصح، ويلزم من الشرط الحاضر: وقرب الوقوع: الصحة، تنبيه: للنكاح شروط أربعة لا يصح إلّا باجتماعها، وإليك بيانها.
التعيين، فلا يصح بدونه، كزوجتك بنتي، وله غيرها، حتى يميزها، وكذا لو قال:"زوجتها ابنك" وله بنون (فإن أشار الولي إلى الزوجة، أو سمَّاها) باسمها (أو وصفها بما تتميز به) كالطويلة، أو الكبيرة: صحّ النكاح؛ لحصول التمييز (أو قال: زوجتك بنتي، وله) بنت (واحدة، لا أكثر: صح) النكاح؛ لعدم الالتباس، ولو سماها بغير اسمها
(40)
،
(40)
مسألة: في الأول: - من شروط صحة عقد النكاح - وهو: أن يكون الزوجان معيَّنين، متميِّزين، واضحين: كأن يشير الولي إلى ابنته أو موليته الحاضرة ويقول: "زوجتك هذه" أو يقول: "زوجتك ابنتي فاطمة"، أو يصفها بصفة تتميز بها عن غيرها كأن يقول:"زوجتك ابنتي الطويلة" أو "زوجتك ابنتي الكبيرة بالسن"، أو:"زوجتك ابنتي الوسطى" أو "زوجتك ابنتي الصغيرة" أو "زوجتك ابنتي البيضاء" أو "زوجتك ابنتي السوداء" أو "السمراء" وهكذا ففي تلك الصورة: يصح النكاح، أما إن لم يكن للولي إلّا ابنة واحدة فلا داعي لهذا، بل يكفي أن يقول:"زوجتك ابنتي" ويصح النكاح، ولو سمَّاها بغير اسمها أو وصفها بغير صفتها، وكذلك: يشير إلى الابن الذي يريد الزواج فيقول الولي: "زوجتها ابنك هذا" إن كان حاضرًا، أو يقول:"زوجتك لابنك زيد" أو يُعينه بصفة يتميز بها دون غيره، أما إن لم يوجد إلا ابن واحد فيكفي أن يقول:"زوجتها لابنك"، لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن المشترى والمباع يُشترط تعيينهما وتمييزهما، فكذلك الزوجان يجب أن يُعينا ويُميزا والجامع: أن كلًّا منهما عقد معاوضة أي: أن كل عاقد ومعقود عليه يجب تعيينهما، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من انفراد الابنة الواحدة، أو الابن الواحد: عدم وجوب التعيين؛ لعدم الالتباس.
[فرع]: إذا قال: "زوجتك ابنتي عائشة هذه" وأشار إلى زينب: فإن عقد النكاح يصح على زينب، ولا يصح على عائشة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الإشارة أقوى من التسمية: أن يصح النكاح على المشار إليها، دون المسماة.
ومن سُمِّي له في العقد غير مخطوبته، فقبل يظنها إياها: لم يصح
(41)
.
(فصل): الشرط (الثاني: رضاهما) فلا يصح إن أكره أحدهما بغير حق
(41)
مسألة: إذا خطب زيد فاطمة، فزوج بغيرها فقبل، وهو يعتقد أنها فاطمة مخطوبته: فإن النكاح لا يصح، ولا ينعقد أصلًا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الشخص لو ساوم بائع ثياب على ثوب معيَّن، ثم اتفقا عليه، ثم وقع العقد على غير ذلك الثوب بغير علم المشتري: فإنه لا يصح البيع، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن القبول فيهما انصرف إلى غير من وجد الإيجاب فيه، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه منع للغش بين الناس.
[فرع]: إذا علم زيد أنه تمّ العقد على غير فاطمة فرضي: فإن ذلك العقد لا يصح أيضًا، ويترك من زُوِّج بها، ثم تعتدُّ، ثم يعقد عليها من جديد بعد انقضاء عدّتها إن كان قد جامعها وهي جاهلة ولها الصداق، وإن ولدت له ولدًا: فإنه يلحق به، أما إن كانت تلك المرأة عالمة أنها ليست زوجته، وأنها محرمة عليه، ومع ذلك مكَّنته من نفسها ليجامعها: فإنها زانية، لا صداق لها، أما إن لم يرض فلا يصح العقد - كما سبق - وتجهز له التي خطبها وهي فاطمة - بالصداق الأول، وهذا يكون بعد انقضاء عدَّة من أصابها إن كانت ممن يحرم الجمع بينهما؛ للقياس على المبيع والمشتري الذي غش بسلعة غير التي تمّت المساومة عليها؛ وقد سبق بيانه، حيث يغرم كل ذلك البائع والعاقد والولي اللذان قد غشا المشتري والمتزوج.
كالبيع
(42)
(إلا البالغ المعتوه) فيزوجه أبوه أو وصيه في النكاح (و) إلا (المجنونة والصغير، والبكر، ولو مكلَّفة، لا الثيب) إذا تم لها تسع سنين (فإن الأب، ووصيه في النكاح يزوجانهم بغير إذنهم) كثيب دون تسع؛ لعدم اعتبار إذنهم و (كالسيد مع إمائه) فيزوجهن بغير إذنهن؛ لأنه يملك منافع بضعهن (و) كالسيد (عبده الصغير) فيزوجه بغير إذنه كولده الصغير
(43)
، (ولا يزوج باقي الأولياء) كالجد، والأخ، والعم
(42)
مسألة: في الثاني - من شروط صحة عقد النكاح -: وهو: أن يرضى كل واحد من الزوجين بالآخر، فإن أكره أحدهما بغير حق فلا يصح النكاح؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه يُشترط رضى كل من البائع والمشتري، فكذلك يُشترط رضى كل من الزوجين بالآخر والجامع: أن العقد خاص بهما فاعتُبر تراضيهما فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن وجود الرضى من الزوجين عن قناعة يتسبَّب =
في دوام زواجهما بمشيئة الله تعالى.
[فرع]: إن أكره أحد الزوجين بحق كأن يزوج الأب ابنته الصغيرة التي هي دون تسع سنوات - بكرًا أو ثيبًا - برجل يغلب على ظن أبيها أنه صالح لها، أو زوَّج الأب ابنه الصغير الذي لم يبلغ بامرأة يغلب على ظن أبيه أن ذلك في مصلحته: فإن ذلك يصح والأب هو الذي يتولى العقد في الصورتين؛ لقاعدتين: الأولى: فعل الصحابي؛ حيث إن ابن عمر زوَّج ابنه وهو صغير، ووافقه على ذلك زيد بن ثابت، والبنت كالابن في ذلك: لعدم الفارق، من باب "مفهوم الموافقة" الثانية: المصلحة؛ حيث إن المصلحة تقتضي أحيانًا تزويج الصغيرة من الكفؤ خشية فواته، وتزويج الصغير لحمايته من الفساد.
(43)
مسألة: الذين يزوجهم أبوهم أو وصيه وإن لم يرضوا ويأذنوا خمسة: أولهم: المعتوه، وإن كان بالغًا، وهو قليل الفهم قليل التنظيم لنفسه، وإن لم يؤذِ أحدًا، وكذلك المعتوهة مثله؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم معرفتهما لمصلحتهما: أن يزوجهما وليهما، ثانيهم: الصغير غير البالغ، وقد سبق بيانه في الفرع التابع لمسألة (42)، ثالثهم: الصغيرة وهي: التي دون تسع سنوات سواء كانت بكرًا أو ثيبًا وقد سبق بيانه في الفرع التابع لمسألة (42) -. رابعهم: جميع الإماء كبارًا وصغارًا يزوجهن سيدهن ولو لم يأذنَّ؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون سيدهن يملك منافع أبضاعهن: أن يزوجهن؛ لكونهن من أملاكه، خامسهم: العبد الصغير - وهو غير البالغ - فيزوجه سيده بغير إذنه؛ للقياس؛ بيانه: كما أن للأب؛ أو =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وصيه إجبار ولده الصغير غير البالغ على النكاح فكذلك له إجبار عبده الصغير والجامع: عدم معرفة المصلحة في كل.
[فرع]: المجنونة، والمجنون لا يصح أن يزوجهما وليهما الأب، ولا وصيه وهما في حالة الجنون؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه خطر على من سيتزوج بهما. فإن قلتَ: إن المجنونة يزوجها أبوها، أو وصيه، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه جلب مصلحة لها قلتُ: إن تلك قد تؤذي من يتزوجها، أو أولادها إن أتت بأولاد، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض المصلحتين".
[فرع ثان]: البنت البكر المكلَّفة لا يزوجها أبوها، ولا وصيه، ولا تجبر على أحد؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن" فقالوا: يا رسول الله: فكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت" - كما رواه أبو هريرة - ثانيهما: أن ابن عباس قال: "أتت جارية بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيَّرها النبي صلى الله عليه وسلم " فهذان الحديثان يدلان على عدم جواز إجبار البكر المكلَّفة على النكاح إلّا إذا أذنت، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الرجل والثيب لا يجبرهما أحد على النكاح فكذلك البكر المكلفة لا يجبرها أحد عليه والجامع: أن كلًّا منهم جائز التصرف في ماله، فإن قلت: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك حماية حقوق المرأة من أن تُستغل من هذا الطريق، فإن قلتَ: إن البكر يجبرها أبوها أو وصيه ولو كانت مكلَّفة، وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو قول أكثر العلماء؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها صماتها" - كما رواه ابن عباس - حيث دل مفهوم التقسيم هنا على أن البكر تجبر؛ حيث أثبت الحق للثيب، =
(صغيرة دون تسع) بحال: بكرًا كانت أو ثيبًا (ولا) يزوج غير الأب ووصيه في النكاح (صغيرًا) إلا الحاكم لحاجة (ولا) يزوج غير الأب ووصيه فيه (كبيرة عاقلة) بكرًا أو ثيبًا (ولا بنت تسع) سنين كذلك (إلا بإذنهما)؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت: فهو إذنها، وإن أبت: لم تكره" رواه أحمد، وإذن بنت تسع معتبر؛ لقول عائشة:"إذا بلغت الجارية تسع سنين: فهي امرأة" رواه أحمد، ومعناه: في حكم المرأة
(44)
(وهو) أي: الإذن (صمات البكر) ولو ضحكت أو
= فيُفيد ذلك: نفيه عن الأخرى وهي: البكر، فيُجبرها أبوها؛ حيث إنه أحق منها بها. قلتُ: إن هذا حجة عليهم؛ لأنه أثبت استثمار البكر، والمراد به: استئذانها، بل أولى، وهو مراد حديث أبي هريرة فلا يؤخذ بالمفهوم مع وضوح دلالة المنطوق، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في مقصد حديث ابن عباس" فعندنا: لا منافاة بينه وبين حديث أبي هريرة، وعندهم: بل يختلف، وأيضًا:"الخلاف في علة الإجبار هل هي الصِّغر، أو البكارة والثيوبة؟ " فعندنا: الصغر، وعندهم: لا.
[فرع ثالث]: الثيب البالغة تسع سنوات فما فوق: لا يجبرها أحد على النكاح، أما الثيب الصغيرة التي لها أقل من ذلك فيُجبرها أبوها أو وصيه على النكاح - كما سبق -؛ لقاعدتين: الأولى: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على أن الثيب الكبيرة - وهي التي لها تسع سنوات فما فوق - لا يجوز لأحد أن يجبرها، ومستند ذلك حديثا أبي هريرة، وابن عباس اللذان سبق ذكرهما في الفرع الثاني، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الصغير - غير البالغ - يجبره أبوه على النكاح فكذلك الثيب الصغيرة، مثله والجامع: الصِّغر في كل، وعدم الخبرة.
(44)
مسألة: الأب، أو وصيه هما اللذان يُزوِّجان الصغيرة والصغير - وهما من دون تسع سنوات - سواء كانت الصغيرة بكرًا أو ثيبًا - كما سبق في مسألة (43) - =
بكت (ونطق الثيب) بوطء في القبل؛ لحديث أبي هريرة يرفعه: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن" قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن
= بدون إذنهما، أما غيرهما - أي: غير الأب ووصيه - من الأولياء - كالجد، والأخ، والعم وبنوهما وإن نزلوا - فلا يُزوِّجون الصغير، ولا الصغيرة: ولا الكبيرة سواء كانتا بكرًا أو ثيبًا إلّا إذا أذن كل من الصغير والصغيرة والكبيرة؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت: فهو إذنها، وإن أبت فلا تُكره"، وحديث أبي هريرة السابق ذكره - في مسألة (43) - حيث بيَّن الشارع أن اليتيمة - وهي الصغيرة التي لم تبلغ والتي لا أب لها - يُطلب إذنها في النكاح فإن أذنت: زُوجت، وإن لا: فلا، والصغير مثلها في ذلك؛ لعدم الفارق، من باب مفهوم الموافقة، وكذلك الشأن في الكبيرة؛ كما نصّ عليه حديث أبي هريرة والنص لم يُفرق بين البكر والثيب من التيمة فيكون حكمهما واحد، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن البالغة يُشترط إذنها في زواجها فكذلك الصغيرة، والجامع: صلاحية كل منهما للنكاح، وحاجتها إليه، فإن قلتَ: لِمَ كان للأب أو وصيه إجبار الصغيرة - التي هي دون التسع - أو الصغير على النكاح، دون غيرهما من الأولياء؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن الأب أشفق على ابنته من غيره، وهذه الشفقة تجعله يختار من يصلح لها أحسن مما لو اختارت هي لنفسها وكذلك وصيهُ يشاركه بذلك؛ لأن الأب في العادة لا يوصي على أبنائه أو بناته إلّا من هو في رتبته في الشفقة أو أحسن منه، أما غيره من الأولياء فلا يكون فيهم ذلك غالبًا، فلذا أبعدهم الشارع.
[فرع]: إذا اقتضت المصلحة تزويج الصغير، أو الصغيرة بدون إذنهما، ولم يوجد أبوهما، أو وصيه: فإن الحاكم هو الذي يتولَّى ذلك ولا يتولَّاه الأولياء الآخرون للمصلحة حيث إن الحاكم - وهو القاضي - يكون أنصح لذلك الصغير، أو الصغيرة في الغالب من بعض الأولياء.
تسكت" متفق عليه، ويُعتبر في استئذانه: تسمية الزوج على وجه تقع به المعرفة
(45)
.
(فصل): الشرط (الثالث: الولي)؛ لقوله عليه السلام: "لا نكاح إلّا بولي" رواه الخمسة إلا النسائي وصححه أحمد وابن معين (وشروطه) أي: شروط الولي سبعة: (التكليف)؛ لأن غير المكلَّف يحتاج لمن ينظر له، فلا ينظر لغيره (والذكورية)؛ لأن المرأة لا ولاية لها على نفسها، ففى غيرها أولى (والحرية)؛ لأن العبد لا ولاية له على نفسه ففي غيره أولى (والرشد في العقد): بأن يعرف الكفء، ومصالح النكاح، لا حفظ المال، فرشد كل مقام بحسبه (واتفاق الدين) فلا ولاية لكافر على مسلمة، ولا النصراني على مجوسية؛ لعدم التوارث بينهما (سوء ما يذكر) كأم ولد لكافر أسلمت، وأمة كافرة لمسلم، والسلطان يزوج من لا ولي لها من أهل الذمة (والعدالة) ولو ظاهرة؛ لأنها ولاية نظرية، فلا يستبد بها الفاسق؛ إلا في سلطان، وسيد يزوج أمته؛ إذا تقرر ذلك (فلا تزوج امرأة نفسها ولا غيرها)؛ لما تقدَّم
(46)
(ويُقدَّم أبو المرأة) الحرَّة (في إنكاحها)؛ لأنه أكمل نظرًا،
(45)
مسألة: إذا جاء الولي إلى ابنته أو موليته يستأذنها في زواجها، وسمَّى ذلك الشخص الخاطب، وذكر لها نسبه، ومنصبه وشكله أو نحو ذلك مما هو يميزه عن غيره: فإنا نعرف أن البكر قد أذنت وقبلت ورضيت به زوجًا: إذا صمتت، أو بكت، أو ضحكت، أما الثيب: فلا بدَّ أن تنطق بأن تقول: "نعم أُريده" أو نحو تلك العبارة مما يفيد رضاها؛ للسنة القولية: وهما: حديث أبي هريرة، وحديث ابن عباس السابقان في مسألة (43) - فإن قلتَ: لِمَ فرق بينهما؟ قلتُ: لأن البكر عادة تستحي من الكلام في مثل هذه الأمور، والثيب لا تستحي؛ لسابق خبرتها مع الزوج الذي طلَّقها، أو توفي عنها.
(46)
مسألة: في الثالث - من شروط صحة عقد النكاح - وهو: أن يتولَّى عقد النكاح بين الزوجين ولي للمرأة يجب أن تتوفَّر فيه سبع صفات: الصفة الأولى: أن يكون بالغًا، فلا يصح أن يتولَّى الصغير ولاية النكاح، الصفة الثانية: أن يكون عاقلًا، فلا يصح أن يتولَّى المجنون ولاية النكاح، الصفة الثالثة: أن يكون ذكرًا، فلا يصح =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أن تتولى المرأة ولاية النكاح، الصفة الرابعة: أن يكون راشدًا يُحسن التصرُّف، ويعرف معادن الرجال: بأن يميز الكفء من غيره، ومصالح ومفاسد عقد النكاح، - ولا يكفي أن يكون مستطيعًا على حفظ المال، بل لا بد من تلك الأمور في الرشد، الصفة الخامسة: أن يكون دين الولي والمرأة المراد تزويجها واحدًا، فلا يُزوج كافرًا مسلمة أو بالعكس، وإن كان أبوها، ولا يزوج نصراني مجوسية أو بالعكس، وإن كان أبوها، الصفة السادسة: أن يكون الولي عدلًا فيما يظهر، فلا يصح أن يتولى الفاسق عقد النكاح ولو كان أبوها، الصفة السابعة: أن يكون حرًا، فلا يصح أن يتولَّى العبد، أو المبعَّض ولاية النكاح، فإذا اجتمعت تلك الشروط والصفات في الولي: فإن عقد النكاح يصح، أما إن اختلَّ واحد منها، أو كلها: فلا يصح عقد النكاح، فلا تزوج المرأة نفسها، ولا تزوج غيرها وإذا وقع فسد؛ لقواعد: الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلّا بولي" حيث نفى الشارع صحة عقد النكاح، وأثبت أنه يصح عند وجود الولي؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات والنفي هنا: نهي، وهو مطلق فيقتضي التحريم والفساد، ثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "أيُّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل" وهو عام الجميع النساء؛ لأن "أيَّ" من صيغ العموم المتفق عليها، ودل بمفهوم الشرط على أنه إذا وُجد الولي فنكاحها صحيح، الثانية: قول الصحابي؛ حيث قال ابن عباس: "لا نكاح إلا بشاهدي عدل، وولي مرشد" فاشترط في الولي أن يكون مرشدًا عارفًا لمعادن الرجال، الثالثة: المصلحة؛ حيث إن البالغ، والعاقل، والذكر والراشد والحر، ومن اتّصف بالعدالة يعرفون مصالحهم، ومصالح مَنْ يتولَّون، فلذلك يمكنهم إصلاح أنفسهم وإصلاح غيرهم لكمال حالهم، بخلاف الصغير والمجنون، والمعتوه، والمرأة، والسفيه والعبد والفاسق فكل واحد من هؤلاء ناقص الحال يحتاج مَن يتولَّى =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عليه، فكيف يتولَّى على غيره؟!، ولأن السفيه، والصغير، والمجنون، والمعتوه، والمرأة سهل خداعهم فقد يزوجون المرأة بمن ليس كفؤًا لها، ولأن الولي الكافر، أو مختلف الدين عن موليته والفاسق: لا يؤمن جانبهما، ومن فسق فسقًا متفقًا عليه في جانب من جوانب الدين فلا يؤمن من الجانب الآخر، الرابعة: التلازم؛ حيث إن عدم التوارث بين الكافر والمسلم والمختلفين في الدين - كما سبق في باب "ميراث أهل الملل" من كتاب الفرائض - يلزم منه: عدم صحة ولاية أحدهما على الآخر - ومنها ولاية النكاح.
[فرع]: هناك ثلاث نساء يُزوجهن من يختلف معهم في الدين. "أولاهن: إذا كانت المرأة أم ولد لكافر قد أسلمت: فإن ولدها الكافر يزوجها. ثانيتهن: إذا كانت أمه كافرة تحت مسلم: فإن سيدها المسلم يزوجها، ثالثتهن: إذا كانت امرأة كافرة من أهل الذمة لا ولي لها: فإن السلطان المسلم يزوجها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الأولى والثانية مملوكتين: صحة تزويجهما من قبل سيدهما؛ حفاظًا على حقوقه، ويلزم من عموم ولاية السلطان على أهل دار الإسلام: صحة تزويجه للثالثة.
[فرع ثان] هناك فاسقان يصح أن يزوّجا المرأة: أولهما: السلطان الفاسق يزوج من لا ولي لها، ثانيهما: السيد الفاسق يزوج أمته؛ للمصلحة: حيث إن الحاجة تدعو إلى تزويج من لا ولي لها والأمة من قبل السلطان والسيد ويقوم بذلك السلطان والسيد ولو كانا فاسقين؛ دفعًا لمفسدة أعظم من فسقهما، فإن قلتَ: إن الفاسق مطلقًا يصح أن يتولى النكاح، وهو قول كثير من العلماء؛ للقياس؛ بيانه كما أن الفاسق يتولى نكاح نفسه، فكذلك يتولى نكاح غيره والجامع: الصلاحية في كل قلت هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق لأن الفاسق يتولى نكاح نفسه، ضرورة بخلاف نكاح غيره فليس =
وأشد شفقة (ثم وصيه فيه) أي: في النكاح؛ لقيامه مقامه (ثم جدها لأب وإن علا) الأقرب فالأقرب؛ لأن له إيلادًا وتعصيبًا، فأشبه الأب (ثم ابنها، ثم بنوه، وإن نزلوا) الأقرب فالأقرب؛ لما روت أم سلمة: "أنها لما انقضت عدتها: أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها، فقالت: يا رسول الله ليس أحد من أوليائي شاهدًا قال: "ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك" فقالت: قم يا عمر فزوج رسول الله، فزوجه" رواه النسائي (ثم أخوها لأبوين، ثم لأب) كالميراث (ثم بنوهما كذلك) وإن نزلوا، يقدم من لأبوين على من لأب إن استووا في الدرجة الأقرب فالأقرب (ثم عمها لأبوين ثم لأب)؛ لما تقدَّم (ثم بنوهما كذلك) على ما سبق في الميراث (ثم أقرب عصبة نسب كالإرث) فأحق العصبات بعد الأخوة بالميراث أحقهم بالولاية؛ لأن مبنى الولاية على الشفقة والنظر، وذلك معتبر بمظنته، وهو القرابة (ثم المولى المنعم) بالعتق؛ لأنه يرثها، ويعقل عنها (ثم أقرب عصبته نسبًا) على ترتيب الميراث (ثم) إن عدموا: فعصبة (ولاء) على ما تقدَّم (ثم السلطان) وهو الإمام أو نائبه. قال أحمد: والقاضي أحب إلي من الأمير في هذا" فإن عدم الكل: زوجها ذو سلطان في مكانها، فإن تعذر: وكَّلت. وولي أمة سيدها ولو فاسقًا
(47)
، ولا ولاية لأخ من أم،
= بضرورة، ولأن الفاسق عادة يكون أمينًا على نفسه فلا يغشها، ولكنه ليس مأمونًا على غيره.
(47)
مسألة: الأولياء في النكاح هم مرتبون على حسب ما يلي. أولًا: يقدم أبو المرأة الحرة على غيره؛ لقاعدتين: الأولى: المصلحة؛ حيث إنه أشفق عليها وأكثر خبرة وتجربة من ابنها وغيره فهو أصلح لها، وأدفع للمفسدة عنها. الثانية: التلازم؛ حيث إن الأب لو قتل ابنته: فإنه لا يُقتل بها، ولو سرق من مالها: فلا تقطع يده بخلاف غيره، ثانيًا: إن لم يوجد أبوها، فيزوجها وصيه؛ للمصلحة: حيث إن العادة قد جرت أن الأب لا أحدًا في تزويج بناته إلّا إذا كان مساويًا له في الشفقة والخبرة أو أحسن منه فيقوم مقامه في ذلك، ثالثًا: إن لم يوجد أبوها، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولا وصيه فيزوجها جدُّها لأبيها وإن علت درجته؛ للقياس؛ بيانه كما أن الأب يتولى عقد نكاح ابنته فكذلك جدُّها من أبيها وإن علا، والجامع: الولادة، والتعصيب، وأنهما لا يقتلان إذا قتلاها ولا تقطع يدهما إذا سرقاها بخلاف ابنها وأخيها: فإنهما يقتلان إذا قتلاها، وتُقطع يدهما إذا سرقاها، رابعًا: إن لم يوجد من سبقوا فيزوجها ابنها ثم أبناؤه وإن نزلوا الأقرب فالأقرب؛ للسنة التقريرية؛ حيث إن عمر بن أبي سلمة زوَّج أمَّه: أم سلمة على النبي صلى الله عليه وسلم فأقره على ذلك، وابن الابن وإن نزل كالابن في ذلك؛ نظرًا لكونهما كذلك في الميراث، فإن قلتَ: إن عمر كان صغيرًا فلا يصلح لتولي ذلك؟ قلت: نعم لا يصلح لو لم يكن معه رسول الله فإن كان معه رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنه يصلح ولي في النكاح وإن كان صغيرًا، وهو أعدل العادلين، وخيرة خلق الله تعالى، فالعلة التي من أجلها منع الصغير من تولّي النكاح غير موجودة في تلك القصة، فلذا صح، خامسًا: إن لم يوجد من سبقوا فيزوجها أخوها الشقيق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه أقرب العصبات إليها: أن يُقدم على غيره. سادسًا: إن لم يوجد من سبقوا: فيزوجها أخوها لأب؛ للتلازم وقد سبق سابعًا: إن لم يوجد من سبقوا: فيزوجها ابن أخيها الشقيق وإن نزل؛ للتلازم؛ - وقد سبق - ثامنًا: إن لم يوجد من سبقوا فيزوجها ابن أخيها لأب وإن نزل؛ للتلازم - وقد سبق - تاسعًا: إن لم يوجد من سبقوا فيزوجها عمها الشقيق؛ قياسًا على الأخ الشقيق، عاشرًا: إن لم يوجد من سبقوا: فيزوجها عمها لأب؛ قياسًا على الأخ لأب، حادي عشر: إن لم يوجد من سبقوا: فيزوجها ابن عمها الشقيق وإن نزل؛ قياسًا على ابن أخيها الشقيق، ثاني عشر: إن لم يوجد من سبقوا فيزوجها ابن عمها لأب وإن نزل؛ قياسًا على ابن أخيها لأب، كالميراث فيما سبق كله ثالث عشر: إن لم يوجد من سبقوا فيزوجها أقرب عصبة كالإرث فيكون أحق العصبات بعد الأخوة =
ولا خال ونحوه من ذوي الأرحام
(48)
(فإن عضل) الولي (الأقرب): بأن منعها كفؤًا
= بالميراث أحقهم بالولاية؛ للمصلحة: حيث إن الولاية في النكاح مبنية على الشفقة، والخبرة وشدَّة النظر في الأزواج، وهذا تعتبر فيه القرابة، رابع عشر: إن لم يوجد من سبقوا: فيزوجها وليها الذي أنعم عليها بالعتق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه يرثها، ويعقل عنها: أن يتولى نكاحها خامس عشر: إن لم يوجد من سبقوا: فيزوجها أقرب عصبة وليها قياسًا على الوراثة - كما سبق في كتاب الفرائض - سادس عشر: إن لم يوجد من سبقوا فيزوجها السلطان - وهو الإمام أو نائبه وهو القاضي -؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "السلطان ولي من لا ولي له" ويشمل ذلك التزويج، سابع عشر: إن لم يوجد من سبقوا فيزوجها ذو سلطان في بلدتها، أو مكانها: مثل كبير القرية أو ولي قرية أو أمير قافلة، وهو أصلح شخص يوجد في القرية، أو القافلة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون تزويج الأيامى فرض كفاية: أن يقوم به من يقدر عليه ثامن عشر إذا لم يوجد من سبقوا: فيزوجها أيُّ رجل عدل ترضى به وكيلًا عنها في ذلك؛ للتلازم؛ - كما سبق في السابع عشر.
تنبيه قوله: "وولي أمة سيدها ولو فاسقًا" قد سبق بيانه في الفرع الثاني التابع لمسألة (46) -.
(48)
مسألة: كل من أدلى بالأم إلى البنت فلا يصح له أن يزوجها بأي حال: كالجد لأم، وإن نزل، والأخ لأم وأبنائه، والخال وأبنائه، والعم لأم وأبنائه؛ لقاعدتين: الأولى: قول الصحابي؛ حيث قال علي: "إذا بلغ النساء فالعصبة أولى" فيدل بمفهوم الصفة أن غير العصبة لا دخل لهم في الولاية والتزويج، الثانية: المصلحة؛ حيث إن العصبة وهي القبيلة تحرص أشد الحرص على تزويج بناتهم، ومولياتهم الأكفاء أصحاب الأنساب ويفتخرون بهم إذا قيل: إن هؤلاء أخوال أولاد فلان الفلاني، أما الأقرباء من الأم فليسوا من القبيلة، وقد لا يهمهم شيء من =
رضيته ورغب بما صح مهرًا، ويفسق به إن تكرر (أو لم يكن) الأقرب (أهلًا)؛ لكونه طفلًا، أو كافرًا، أو فاسقًا، أو عبدًا (أو غاب) الأقرب (غيبة منقطعة، لا تقطع إلا بكلفة ومشقة) فوق مسافة قصر، أو جهل مكانه:(زوج) الحرة الولي (الأبعد) لأن الأقرب هنا كالمعدوم
(49)
(وإن زوَّج الأبعد أو) زوَّج (أجنبي) ولو حاكمًا (من غير
= نسب الخاطب؛ لأن تلك الابنة لا تنسب إليهم أصلًا.
(49)
مسألة: يزوج الأبعد من الأقرباء المرأة مع وجود الأقرب لها في حالات ثلاث: الحالة الأولى: أن يعضل ويمنع الأقرب تزويج ابنته أو موليته بالكفء الذي رغبت فيه ورغب فيها، فهنا يزوجها من يليه من الأولياء كأن يمنع الأب تزويجها من شخص صالح لها: فإن جدَّها لأبيها إن كان موجودًا يزوجها، أو ابنها؛ للقياس؛ وهو من وجهين: أولهما: كما أن الأب لو جُنَّ: فإن جدَّها لأبيها يزوجها فكذلك لو منع الأب تزويجها من الكفء: فيزوجها الجد والجامع وجود العذر من جهة الأقرب فانتقل إلى الأبعد. ثانيهما: أن الأب لو كان يشرب الخمر: فإن الجد لأبيها هو الذي يزوجها، فكذلك لو منعها من الكفء يزوجها جدها لأبيها، أو ابنها والجامع الفسق في كل؛ لأن الأب يفسق بالمنع والعضل والمقصد: مصلحة المرأة الحالة الثانية: إذا كان الولي الأقرب لا تتوفر فيه صفات الولي السبع - المذكورة في مسألة (46) - كأن يكون الأقرب صغيرًا، أو مجنونًا، أو كافرًا، أو فاسقًا، أو سفيهًا، أو عبدًا فإن ولاية النكاح تنتقل إلى من يليه فمثلًا: لو كان الأب فاسقًا أو سفيهًا: فإن الولاية تنتقل إلى جدها لأبيها إن وجد، وإلا إلى ابنها وهكذا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود هؤلاء: انتقال الولاية إلى من توفرت فيه الصفات السبعة؛ لأن وجود هؤلاء كعدمهم والمقصد: مصلحة المرأة. الحالة الثالثة: إذا غاب الأقرب في بلد بينه وبين المكان الذي وجدت فيه الابنة أو المولية مسافة قصر - وهي (82 كم) -، أو جُهل مكانه، وخيف الضرر فيما لو أخّر النكاح: فإن ولاية النكاح تنتقل إلى من يليه، فمثلًا: =
عذر) للأقرب: (لم يصح) النكاح؛ لعدم الولاية من العاقد عليها مع وجود مستحقها
(50)
، فلو كان الأقرب لا يعلم أنه عصبة، أو أنه صار، أو عاد أهلًا بعد مناف: صح النكاح استصحابًا للأصل
(51)
، ووكيل كل ولي يقوم مقامه غائبًا، أو
= لو كان الأب مسافرًا تلك المسافة، وخطب ابنته من رضيت به ورضي بها: فإن جدها لأبيها هو الذي يزوجها؛ للمصلحة؛ حيث إن وجود مشقة وكلفة في إتيان الأب، وخوف فوات ذلك الكفء: يجعل الولاية تنتقل إلى من يليه جلبًا للمصلحة، ودفعًا للمفسدة عنها.
(50)
مسألة: إذا زوَّج الأبعد المرأة من غير وجود عذر للذي أقرب منه إليها أو زوَّج الأجنبي كالقاضي مثلًا مع وجود قريبها ولو كان بعيدًا: فإن الزواج والنكاح في الصورتين لا يصح ولو أجازه الولي الأقرب؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو أعطي الأبعد من الميراث مع وجود الأقرب منه للميت: فلا يصح، ويؤخذ منه، ويُعطى الأقرب، فمثلًا: لو أخذ ابن الابن الميراث مع وجود الابن: فلا يصح، ويؤخذ ويُعطى الابن فكذلك الحال في التزويج والجامع: عدم استحقاق الأبعد مع وجود الأقرب، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن فيه الحث على أن يتولى تزويج المرأة أقرباؤها؛ لأنهم أحرص الناس على جلب المصلحة لها، ودفع المفسدة عنها.
(51)
مسألة: إذا زوَّج الأبعد أو القاضي المرأة مع وجود الأقرب: فإنه يصح في حالتين: الحالة الأولى: إذا كان ذلك الأقرب عند تزويج الأبعد أو القاضي لا يعلم أنه عصبة، ثم عرف الأقرب ذلك بعد العقد: فإنه يصح النكاح والزواج ولا يحتاج إلى إعادة، الحالة الثانية: إذا صار الأقرب أهلًا لتولِّي النكاح، كأن يصلح بعد فسق وذلك بعد تزويج الأبعد لها: فإن النكاح يصح، ولا يحتاج إلى إعادة؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأبعد حين ما تولَّى تزويج تلك المرأة كان مستحقًا لذلك، وفعل ما له فعله شرعًا، فيكون هو الأصل، فنستصحب ذلك، ونعمل به ولا =
حاضرًا بشرط: إذنها للوكيل بعد توكيله إن لم تكن مجبرة، ويُشترط في وكيل ولي ما يُشترط فيه
(52)
، ويقول الولي، أو وكيله لوكيل الزوج:"زوجت موكلك فلانًا فلانة" ويقول وكيل الزوج: "قبلته لفلان، أو لموكلي فلان
(53)
، وإن استوى وليان فأكثر:
= يُلتفت إلى ما صار من أمر الولي الأقرب؛ لكونه حدث بعد أن تم الأمر الشرعي.
(52)
مسألة: إذا وكَّل ولي وكيلًا عنه في عقد نكاح موليته: فإن ذلك الوكيل يقوم مقام الولي سواء كان الولي حاضرًا أو غائبًا بشرطين: أولهما: أن تأذن هي للوكيل بعد توكيله من قبل الولي إن لم تكن مجبرة - كالكبيرة والثيب - أما المجبرة - كالصغيرة التي دون تسع سنوات - فلا يُشترط إذنها، ثانيهما: أن تتوفّر في وكيل الولي تلك الصفات السبع - التي ذكرت في مسألة (46) - كما اشترطت في الولي نفسه؛ لقاعدتين الأولى: القياس؛ وهو من: وجهين: أولهما: كما يجوز توكيل الزوج - كما وكَّل صلى الله عليه وسلم أبا رافع في تزويج ميمونة، وكما وكَّل عمرو بن أمية في تزويجه أم حبيبة، فكذلك يجوز أن يوكل الولي غيره بعقد نكاح موليته، والجامع: أن كلًّا منهما فيه عقد نكاح، فجاز لكل واحد منهما، ثانيهما: كما أن البائع يوكل من يبيع له فكذلك الولي يوكل في عقد النكاح، والجامع: أن كلًّا منهما عقد معاوضة الثانية التلازم؛ حيث إن الوكالة ولاية فيلزم أن تشترط تلك الصفات السبع في الوكيل.
(53)
مسألة: صفة الإيجاب والقبول إذا كان الولي والزوج قد وكَّلا غيرهما في ذلك: أن يقول الولي أو وكيله لوكيل الزوج: "زوَّجتُ موكلك زيدًا فاطمة بنت فلان" ويقول وكيل الزوج: "قبلت هذا الزواج لزيد، أو لموكلي زيد"؛ للتلازم؛ حيث إن من شروط النكاح الإشهاد عليه كما سيأتي فيلزم أن يسمع الشهود كل ما يقال ويُصرَّح به من ولي، أو وكيله، أو زوج، أو وكيله.
سُنَّ تقديم أفضل، فأسن، وإن تشاحوا أُقرع
(54)
ويتعيَّن من أذنت له منهم
(55)
، ومن زوج ابنه ببنت أخيه ونحوه صح أن يتولَّى طرفي العقد ويكفي:"زوجتُ فلانًا فلانة"، وكذا: ولي عاقلة تحل له إذا تزوجها بإذنها: كفى قوله: "تزوجتها"
(56)
.
(54)
مسألة: إذا وجد وليان - فأكثر - في مرتبة واحدة كأن يوجد أخوان شقيقان لها: فإن الذي يتولَّى عقد نكاحها الأفضل منهما في العلم، والدِّين، فإن استويا في العلم والدين: فإنه يُقدَّم الأكبر سنًا، فإن تساويا في الكبر بأن كانا توأمين، وتشاحّا: كل واحد يريد أن يتولَّى عقد النكاح: فإنه يُقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة فهو الذي يتولى ذلك؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "كبِّر كبِّر" أي: يقدَّم الأكبر في الولايات الثانية: المصلحة؛ حيث إن تقديم الأفضل علمًا ودينًا فيه جلب منفعة للمرأة، ودفع مفسدة عنها، إذ قد يكتشف هذا الفاضل في الزوج شيئًا سيئًا لا يكتشفه غيره، والقرعة فيها عدم تفضيل أحدهما على الآخر عند التساوي والتنازع؛ لئلا يحمل أحدهما على الآخر ضغينة.
(55)
مسألة: إذا تساوى وليان لها، فأذنت لأحدهما بأن يكون وليًا لها في ذلك: فإنه يتعيَّن فيزوجها دون غيره؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تعيين صاحبة الشأن: أن يكون هو الولى لها؛ لعلمها بمصلحتها.
[فرع]: إذا زوج وليان متساويان في الرتبة باعتبارها: فإنها تكون للعاقد السابق منهما، فإن جهل السابق منهما، أو عُلم ثم نُسي أو نحو ذلك: فإن القاضي يفسخها منهما معًا، ثم تُزوج من الأصلح منهما؛ للتلازم؛ حيث يلزم من سبق أحدهما: أن تكون زوجة له، ويلزم من جهل السابق، أو نسيانه: الفسخ من قبل القاضي؛ لأنه ليس أحدهما بأولى من الأخرى.
(56)
مسألة: يتولى شخص واحد طرفي العقد - الإيجاب والقبول - معًا في حالات:
أولها الشخص الذي يُزوِّج ابنه الصغير ببنت أخيه الصغيرة؛ وهو وليهما، ثانيها: =
(فصل): الشرط (الرابع: الشهادة) لحديث جابر مرفوعًا: "لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل" رواه البرقاني، وروي معناه عن ابن عباس أيضًا، (فلا يصح) النكاح (إلا بشاهدين عدلين) ولو ظاهرًا؛ لأن الغرض إعلان النكاح (ذكرين، مكلَّفين، سميعين، ناطقين)
(57)
،
= إذا وُكِّل شخص عن البنت، والابن: فإنه يزوجهما معًا، ثالثها: إذا وُجد ولي لعاقلة تحلُّ له كابن عم لها، أو مولى، أو حاكم فإنه يتزوجها، ويكفي في الأولى والثانية أن يقول:"زوجت فلانًا بفلانة" من غير أن يقول: "وقبلت له نكاحها" ويكفي في الثالثة أن يقول: "تزوجتها" من غير قوله: "وقبلت ذلك" لقواعد: الأولى: القياس، بيانه: كما أنه لو زوَّج أمته عبده الصغير لجاز ذلك فكذلك إذا كان وليًا عليهما معًا: يجوز ذلك والجامع أنه في كل منهما قد ملك الإيجاب والقبول، الثانية: فعل الصحابي؛ حيث إن عبد الرحمن بن عوف قال لأم حكيم ابنة قارظ: أتجعلين أمرك إليّ قالت نعم قال: "قد تزوجتك" الثالثة: التلازم؛ حيث يلزم من تضمن إيجابه قبوله: جواز ذلك.
(57)
مسألة في الرابع - من شروط صحة عقد النكاح - وهو: أن يشهد على عقد النكاح شاهدان: ذكران، بالغان عاقلان عادلان، مسلمان، سميعان، ناطقان؛ لقاعدتين: الأولى: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك ثبت عن عمر وابن عباس وعائشة، وعلي. الثانية: المصلحة؛ حيث إن عقد النكاح يتعلَّق به حق غير المتزوجين، وهو حق الولد، فحفظًا لحق ذلك الولد من أن يجحده أحد الزوجين فيضيع نسبه وجب اشتراط الشاهدين، ثم إن اشتراط توفر تلك الصفات السبع في كل واحد من الشاهدين فيه جلب مصلحة للزوجين، ودفع مفسدة عنهما؛ لأن المقصود إعلان وإشهار النكاح بين رجل وامرأة، ولا يُقبل في ذلك إلا قول العدل والفاسق لا يؤمن جانبه، والكافر مثله والنساء قد يأخذهن الخوف عند أداء الشهادة فيما لو احتيج إليهن وهن قليلات عقل ودين، فلا يؤمن جانبهن، =
ولو أنهما ضريران
(58)
، أو عدوا الزوجين
(59)
،
= والصغير، والمجنون لا يدركان المقصود من العقد؛ لذلك أُبعدا من الشهادات أصلًا، والأصم لا يسمع الكلام الذي يدور أثناء العقد، فلا يشهد على شيء، والأخرس لا يُمكنه أداء الشهادة على تمامها إذا احتيج إليه، فحفاظًا لحق الشهادة وحق الزوجين، وحق ذريتهما اشتُرطت تلك الصفات السبع في كل شاهد، فإن قلتُ: إنه لا يُشترط الشاهدان في النكاح، وهو رواية عن أحمد، وهو قول حكي عن مالك وبعض العلماء بشرط أن يُعلنا نكاحهما؛ لقاعدتين: الأولى: السنة الفعلية؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم قد تزوج صفية بنت حيي بلا شهود، الثانية: قول الصحابي؛ حيث ثبت عدم اشتراط ذلك عن ابن عمر، والحسن بن علي، وابن الزبير. قلتُ: أما السنة الفعلية: فإن قد حصل، ولكنه من خصائصه، فلا يُلحق به غيره، أما قول الصحابي فيعارضه قول الصحابي الآخر، فيتساقطان، فتبقى المصلحة التي تقتضي اشتراط الشاهدين. فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "هل يقاس على النبي عليه السلام في زواجه من صفية أو لا؟ " فعندنا: لا، وعندهم: نعم. تنبيه: حديث جابر الذي ذكره المصنف لا يُحتج به؛ لأن في سنده مقال، لذلك استللت بغيره.
(58)
مسألة: لا يُشترط في الشاهدين أن يكونا بصيرين، فلو كان الشاهدان ضريرين لا يريان الولي والزوج: فإن شهادتهما تصح بشرط: أن يعرفا صوت كل من الولي والزوج؛ للقياس؛ بيانه: كما تقبل شهادة الضريرين بالاستفاضة، وبما هو مشهور بين الناس، فكذلك تقبل في عقد النكاح والجامع: أن كلًّا منهما شهادة على قول، فإن قلت: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ إذ في ذلك توسعة وتيسير على الناس، فإن قلت: لِمَ اشتُرط ذلك الشرط؟ قلت: للمصلحة؛ حيث إن ذلك زيادة في الاستيثاق والاحتياط فيلزم.
(59)
مسألة: لا يُشترط في الشاهدين: أن لا يكونا عدوَّين للزوجين، أو أحدهما، أو =
ولا يبطله تواصٍ بكتمانه
(60)
، ولا تُشترط الشهادة بخلوها من الموانع، أو إذنها، والاحتياط: الإشهاد
(61)
، فإن أنكرت الإذن: صُدِّقت قبله دخول، لا بعده
(62)
= الولي، بل تصح شهادة العدوَّين لهم، أو لأحدهم إذا توفرت فيه تلك الصفات السبع - المذكورة في مسألة (57) -؛ للمصلحة: حيث إن تلك شهادة تجر نفعًا للمشهود عليه، فلا يضره كونهما عدوَّين لأحدهم.
(60)
مسألة: لا يُبطل النكاح: كون كل واحد من الزوجين يوصي الشاهدين أو الولي بأن يكتمون هذا النكاح؛ للتلازم؛ حيث إنه ثمَّ بأركانه وشروطه: فيلزم صحته.
تنبيه: يشير بذلك إلى ما يُسمَّى في هذه الأيام بزواج المسيار أو نحو ذلك: فهو نكاح صحيح إذا تمّت الشروط والأركان.
(61)
مسألة: لا يُشترط أن يشهد الشاهدان على خلو المرأة من الموانع من النكاح بسبب أو نسب، أي لا يُشترط أن يقول الشاهدان: نشهد أنها ليست أخت الزوج من الرضاع، أو نشهد أنهما مسلمين أو نحو ذلك، ولا يُشترط أيضًا أن يشهدا على أنها أذنت لوليها في تزويجها، فإن شُكَّ في شيء من هذين الأمرين - أي: شك في عدم خلوها من المانع من تزويجها، أو شك في إذنها -: فإن الأولى: أن يتأكَّدا من ذلك؛ لقاعدتين: الأولى: الاستصحاب؛ حيث إن الأصل خلو أيِّ امرأة يُراد تزويجها من الموانع التي تمنعها من الزواج بهذا الشخص، والأصل أنها أذنت لوليها في تزويجها، وقد توجد من عندها بعض الموانع، أو أنها لم تأذن له ولكن هذا نادر، والنادر لا يُعمل به، بل يُعمل بالأصل حتى يرد دليل يُغيِّر الحالة، الثانية: المصلحة؛ حيث إن المصلحة تقتضي الاحتياط إذا شُكَّ في هذين الأمرين، فإن قلت: لِمَ لا يُشترط ذلك؟ قلت: للمصلحة؛ حيث إنه لو اشتُرط ذلك: للحق كثيرًا من الناس الضيق والمشقة؛ لصعوبة التأكد من كل شيء.
(62)
مسألة: إذا تولى الولي عقد النكاح، وادَّعى الولي: أن موليته قد أذنت له بذلك، ولكن تلك المولية أنكرت ذلك الإذن، وقالت:"لم آذن له": فإنها تصدَّق في قولها =
(وليست الكفاءة وهي) لغة: المساواة وهنا (دين) أي: أداء الفرائض، واجتناب النواهي (ومنصب، وهو النسب والحرية) وصناعة غير رزية، ويسار بحسب ما يجب لها (شرطًا في صحته) أي صحة النكاح؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد فنكحها بأمره" متفق عليه بل شرط للزوم (فلو زوج الأب عفيفة بفاجر، أو عربية بعجمي) أو حرة بعبد (فلمن لم يرض من المرأة أو الأولياء) حتى من حدث (الفسخ) فيفسخ أخ مع رضى أب؛ لأن العار عليهم أجمعين، وخيار الفسخ على التراخي، لا يسقط إلّا بإسقاط عصبة، أو بما يدل على رضاها من قول أو فعل
(63)
.
= قبل دخول زوجها بها، أما بعد دخوله بها مطاوعة فلا تصدَّق؛ لقاعدتين: الأولى: الاستصحاب؛ حيث إن الأصل عدم الإذن، فيعمل به حتى يرد دليل يغير الحالة؛ الثانية: التلازم؛ حيث إنه يلزم من دخوله بها وهي مطاوعة: عدم تصديقها بأن لم تأذن؛ لأنها فعلت شيئًا يكذب ما ادعته، وهو: تمكينه منها طوعًا.
(63)
مسألة: لا تُشترط في صحة عقد النكاح كفاءة الرجل للمرأة، وهي: أن يساوي الرجل المرأة في الدِّين والنسب، والحرية، والصناعة، واليسار - فلو تزوج فاسق عفيفة، أو تزوج أعجمي بعربية، أو تزوج عبد بحرة، أو تزوج حجام أو جزار ببنت رئيس قبيلة، أو تزوج فقير بغنية: لصح الزواج شرعًا في تلك الصور الخمس بشرط: أن يكون الزوجان متراضيين: ولا يملك أحد من الأولياء فسخ النكاح؛ إلا أنه من الأولى: أن لا تختار المرأة من يتسبَّب بذلِّ أبيها، أو أخوتها، أو قبيلتها وهو قول الجمهور؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} حيث لم يُفرق بين الناس في أيِّ شيء إلّا بالتقوى، الثانية: السنة القولية؛ حيث أمر صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس القرشية أن تنكح أسامة بن زيد، وهو مولى. الثالثة: قول الصحابي وفعله؛ حيث قال ابن مسعود: "أنشدك الله أن لا تزوج إلا مسلمًا، وإن كان أحمر روميًا، أو أسود حبشيًا، وزوج أبو =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حذيفة بن عتبة سالمًا - وهو مولى - ابنة أخيه الوليد بن عتبة، وهو قول عمر، وابن مسعود، الرابعة: التلازم؛ حيث يلزم من توفر جميع أركان النكاح وشروطه: صحة النكاح بلا اشتراط الكفاءة؛ نظرًا لكون ذلك من حق الزوجين فلم يعتبراها، فإن قلتَ: لِمَ لَمْ يُشترط ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه توسعة وتيسير للناس، وفيه اختلاط أقصى المسلمين بأدناهم، وفيه النجابة والصحة، فإن قلت: ليست الكفاءة بشرط في صحة النكاح، ولكنه شرطًا للزوم، فيتوقف على رضى المرأة والأولياء، فإن لم ترضَ المرأة، أو أحد الأولياء، ولو ولد حديثًا -: فله الفسخ فلو زوج أب عربي ابنته على أعجمي: واعترض أخوها: فله الحق في فسخ ذلك الزواج، وهذا الفسخ ليس على الفور، فيصح ولو تأخر، ولا يسقط إلا إذا أسقطه جميع العصبة، أو تمكنه المرأة مع علمها بعدم التساوي بينهما، أو أي تصرُّف منها يدل على رضاها من قول أو فعل؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من كون العار بسبب زواج المرأة بشخص ليس بمنزلتها في الكفاءة - يعم جميع القبيلة: أن الواحد من أوليائها يستطيع الفسخ؛ لرفع ذلك العار عنهم، قلتُ: لا شك أن زواج المرأة بشخص ليس بمنزلتها في الكفاءة فيه ذل للأولياء، ولكنه يصح شرعًا، وهذا الذي نتكلَّم فيه هنا؛ نظرًا لتوفر أركان النكاح وشروطه، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازمين" فإن قلتُ: إن الكفاءة شرط فلو تزوجت المرأة بشخص غير مساو لها بأحد تلك الأمور الخمسة - وهي: الدين، والنسب، والحرية، والصناعة، واليسار -: لما صح النكاح، ولوجب التفريق بينهما؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا تنكحوهن إلا الأكفاء" فنهى عن زواج المرأة بغير كفئها، وهذا النهي مطلق، فيقتضي التحريم والفساد، الثانية: قول الصحابي؛ حيث قال عمر: "لأمنعنَّ تزويج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء" قلتُ: أما الحديث فلا يصلح للاحتجاج به؛ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لأنه ضعيف لا أصل له كما قال ابن عبد البر، أما قول الصحابي - وهو قول عمر - فيعارضه قوله الآخر؛ حيث ثبت عنه: عدم اشتراط الكفاءة، فإذا علمنا أيهما المتأخر، فينسخ المتأخرُ المتقدم، وعند الجهل بذلك: يتساقطان؛ لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر، فإن قلت: ما الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: الاختلاف في حديث: "لا تنكحوهن إلا الأكفّاء" فعندنا: لا يصح، وعندهم: صح.
[فرع]: لا تعتبر كفاءة المرأة في كفاءة الرجل، فللرجل أن يتزوج من هي أقل منه في الحسب والنسب بلا خلاف؛ للسنة الفعلية؛ حيث تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بصفية اليهودية، وتسرى بالإماء، فإن قلت: لِمَ اختلف في اعتبار الكفاءة في الرجل دون المرأة؟ قلتُ: لأن الولد يشرف بشرف نسب أبيه وصلاحه وعلمه، دون أمه، لذلك قلنا: إن الأولى: أن لا تختار المرأة من يتسبَّب بذل أبيها، أو إخوتها، أو قبيلتها.
هذه آخر مسائل: "بيان تعريف النكاح، وحكمه، والنظر إلى المخطوبة والنساء، وبيان عقد النكاح، ووقته وأركانه، وشروطه" ويليه: باب: "المحرمات في النكاح".
باب المحرمات في النكاح
وهن ضربان: أحدهما: من تحرم إلى الأبد، وقد ذكره بقوله:(تحرم أبدًا: الأم، وكل جدة) من قبل الأم أو الأب (وإن علت)؛ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}
(1)
(والبنت وبنت الابن، وبنتاهما) أي: بنت البنت، وبنت بنت الابن (من حلال وحرام، وإن سفلت) وارثة كانت أو لا؛ لعموم قوله تعالى: {وَبَنَاتُكُمْ}
(2)
(وكل أخت) شقيقة كانت، أو لأب، أو لأم؛ لقوله تعالى:
باب المحرمات في النكاح على التأبيد، وإلى أمد
وفيه سبع وأربعون مسألة:
(1)
مسألة في الأولى - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن على التأبيد - وهي: أمك التي ولدتك حقيقة، وجدتك: سواء كانت جدة من جهة الأم، أو من جهة الأب وإن علت، فيحرم عليك جدتي أبيك، وجدتي أمك، وجدات جداتك، وجدات أجدادك، وسواء كن وارثات أو لا؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} حيث إن "أمهاتكم" جمع منكر أضيف إلى معرفة وهو من صيغ العموم، فيشمل كل أم ولدتك حقيقة، وهي الأم، أو ولدت من ولدتك وإن علت، وهي الجدة، الثانية: السنة القولية؛ حيث ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللهم صل على أبينا آدم، وأمنا حواء" فسمى حواء أمًا.
(2)
مسألة: في الثانية - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن على التأبيد - وهي: بنتك، وهي: كل أنثى قد انتسبت إليك بولادتك، وبنت ابنك، وبنت بنتك، وإن نزلتا: سواء كانت تلك من حلال - أي حصل من زواج أو أمة له تسرَّى بها - أو من حرام - أي: حصل من زنا، أو وطأ بشبهة؛ وسواء كن وارثات؛ أو لا؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَبَنَاتُكُمْ} حيث إن "بنات" جمع منكر أضيف إلى معرفة، وهو من صيغ العموم، فيشمل كل بنت سواء كانت من =
{وَأَخَوَاتُكُمْ}
(3)
(وبنتها): أي: بنت الأخت مطلقًا، وبنت ابنها (وبنت ابنتها) وإن نزلت؛ لقوله تعالى:{وَبَنَاتُ الْأُخْتِ}
(4)
(وبنات كل أخ، وبنتها، وبنت ابنه) أي: ابن الأخ (وبنتها) أي: بنت بنت ابن أخيه (وإن سفلت)؛ لقوله تعالى: {وَبَنَاتُ الْأَخِ}
(5)
(وكل عمة
(6)
وخالة وإن علتا) من جهة الأب، أو الأم؛ لقوله تعالى:
= حلال أو حرام، أو بنات صلب، أو بنات غير صلب، أو وارثات أو غير وارثات، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من احتمال كونها خلقت من ماء هذا الزاني أو ذلك الواطئ بشبهة: تحريمها عليه.
(3)
مسألة: في الثالثة: - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن على التأبيد - وهي: أختك، سواء كانت أخت شقيقة، أو أخت لأب، أو أخت لأم؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَأَخَوَاتُكُمْ} حيث إن ذلك جمع منكر أضيف إلى معرفة، وهو من صيغ العموم، فيشمل جميع الأخوات من الجهات الثلاث، وهي: كل أنثى شاركتك في مجموع أصليك، أو أحدهما.
(4)
مسألة في الرابعة: - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن على التأبيد -: وهي: بنت أختك: سواء كانت بنت أخت شقيقة أو بنت أخت لأب، أو بنت أخت لأم، وكذا: بنت ابن الأخت وإن نزل وبنت بنت الأخت وإن نزلت، سواء كن وارثات أو لا؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} حيث إن هذا جمع منكر أضيف إلى معرفة، وهو من صيغ العموم، فيشمل كل من ذكرنا.
(5)
مسألة في الخامسة - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن على التأبيد - وهي: بنت أخيك: سواء كان أخ شقيق، أو لأب، أو لأم، وبنت بنت الأخ، وبنت ابن الأخ، وبنت بنت ابن الأخ، وإن نزلت للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَبَنَاتُ الْأَخِ} حيث إن ذلك جمع منكر أضيف إلى معرفة، وهو من صيغ العموم، فيشمل كل من ذكرنا.
(6)
مسألة: في السادسة - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن إلى الأبد - وهي: عمتك: =
{وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ}
(7)
(والملاعنة على الملاعن) ولو أكذب نفسه، فلا تحل له بنكاح ولا ملك يمين
(8)
(ويحرم بالرضاع) ولو محرَّمًا (ما يحرم بالنسب) من الأقسام السابقة، لقوله عليه السلام:"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" متفق عليه
(9)
= سواء كانت أخت لأبيك شقيقة أو لأب أو لأم، وعمة أبيك، وعمة أمك، وعمة عمك لأبيك، للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَعَمَّاتُكُمْ} حيث إن ذلك جمع منكر أضيف إلى معرفة وهو من صيغ العموم، فيشمل ما ذكرناه.
(7)
مسألة في السابعة - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن على التأبيد - وهي: خالتك، سواء كانت أخت لأمك شقيقة، أو لاب أو لأم، وكذا: خالة أبيك، وخالة أمك؛ للكتاب: حيث قال تعالى: {وَخَالَاتُكُمْ} حيث إن ذلك جمع منكر أضيف إلى معرفة، وهو من صيغ العموم فيشمل ما ذكرناه.
(8)
مسألة في الثامنة - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن على التأبيد - وهي: الملاعنة، أي: أن الملاعنة تحرم على الملاعن علي التأبيد، أي: إذا غلب على ظن زوج أن زوجته قد حملت من الزنا، وأراد نفي هذا الحمل: فإنهما يتلاعنان - وسيأتي بيانه - وبعد هذه الملاعنة تحرم عليه إلى الأبد، فلا تحل له بنكاح، ولا بملك يمين: سواء كذَّب نفسه فيما اتهمها به أو لا؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ذلكم التفريق بين كل متلاعنين" وفي رواية: "ثم لا يجتمعان أبدًا" وهذا عام، فيشمل: إذا كذَّب نفسه، أو لا، وسيأتي بيان ذلك في باب "اللعان" إن شاء الله.
(9)
مسألة: في التاسعة - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن على التأبيد - وهي: المرأة التي أرضعتك أمها، أو أرضعتها أمك، أو أرضعتها وأرضعتك امرأة واحدة، أو رضعت هي وأنت من لبن رجل واحد كرجل له زوجتان: فهي رضعت من الزوجة الأولى، وأنت رضعت من الزوجة الأخرى لذلك الرجل، وهذا ينحصر في كونك أنت ابنها أو أخوها وهذا يُسمَّى بالمحرمات بالرضاع، ويحرم به ما =
(إلا أم أخته) وأم أخيه من رضاع (و) إلا (أخت ابنه) من الرضاع فلا تحرم المرضعة، ولا بنتها على أبي المرتضع، وأخيه من نسب، ولا أم المرتضع وأخته من نسب على أبي المرتضع، وابنه الذي هو أخو المرتضع؛ لأنهن في مقابلة من يحرم بالمصاهرة، لا بالنسب
(10)
(ويحرم) بالمصاهرة (بالعقد) وإن لم يحصل دخول، ولا خلوة (زوجة أبيه)
= يحرم من النسب سواء بسواء، فكل امرأة حرمت بالنسب - من السبع المذكورات في مسائل (1 إلى 7): فإنه يحرم مثلها بالرضاع، لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ، وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} حيث دلّ منطوق ذلك على تحريم الأمهات اللاتي أرضعنك، وأخواتك من الرضاعة، وما بقي من المحرمات بالرضاعة يُقاس على الأمهات والأخوات؛ لعدم الفارق من باب مفهوم الموافقة، الثانية: السنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" حيث بيّن الشارع أن كل امرأة حرمت من النسب: حرم مثلها من الرضاع: فالمرضعة تنزل منزلة الأم، فتحرم على المرتضع لكونه ابنها فيكون كل ما يحرم على الابن من قبل أم النسب يحرم عليه الزواج بها كالعمة، والخالة، والبنت، وبنت الأخ، وبنت الأخت.
(10)
مسألة: التحريم بسبب الرضاع خاص بمن ارتضع فقط، وبمن ارتُضع من لبنها، أو لبنه فمثلًا: لو أن زيدًا بن محمد قد ارتضع من فاطمة زوجة بكر: فلا يجوز لزيد أن يتزوج بجميع قريبات فاطمة من النسب؛ لكون فاطمة هنا صارت: أمه من الرضاعة، فأخوات فاطمة: هن خالات لزيد من الرضاعة وبنات فاطمة -: هن أخوات زيد، وكذلك لا يتزوج من جميع قريبات بكر - وهو: زوج فاطمة؛ لأنه أب لزيد من الرضاعة، وأخوات بكر: من عمات لزيد، وهكذا، أما محمد - وهو أبو زيد - فيجوز له أن يتزوج من فاطمة - وهي: المرضعة - ويجوز له أن يتزوج من بنت فاطمة - وهي أخت ابنه زيد من الرضاعة - ويجوز أن يتزوج أخو بكر من النسب فاطمة تلك وبنتها ويجوز لأخي زيد من =
ولو من رضاع (و) زوجة (كل جد) وإن علا؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
(11)
(و) تحرم أيضًا بالعقد (زوجة ابنه وإن نزل) ولو من رضاع؛ لقوله تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ}
(12)
(دون بناتهن) أي: بنات حلائل آبائه، وأبنائه (و) دون (أمهاتهن) فتحلُّ له ربية والده، وولده، وأم زوجة والده، وولده؛ لقوله
= النسب أن يتزوج من فاطمة، وبنتها ويجوز لبكر أن يتزوج من أم زيد، وأخواته من النسب؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من كون الإرضاع حصل لزيد فقط أن تكون مختصة به، وبمن رضع منها.
(11)
مسألة في العاشرة - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن على التأبيد - وهي: زوجة أبيك، ولو كان هذا الأب هو أبوك من الرضاع، وكذلك من وطئها أبوك وطء شبهة، أو بملك يمين: سواء كان هذا الأب وارثًا أو لا، وكذلك: زوجة جدك: سواء كان جدك لأمك، أو جدك لأبيك، وإن علا، وهذه الحرمة تكون بمجرَّد العقد وإن لم يحصل دخول - وهو الوطء - أو خلوة؛ لقاعدتين: للكتاب حيث قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} حيث إن "آباؤكم" جمع منكر، أضيف إلى معرفة، وهو من صيغ العموم، فيشمل زوجة أبيك، وزوجة جدك من نسب أو رضاع، والنهي مطلق، وهو يقتضي التحريم والفساد، فإن قلت: لِمَ حرّم ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه احترامًا وإكرامًا للآباء والأجداد أن يطأ زوجاتهم أبناؤهم من بعدهم.
(12)
مسألة في الحادية عشرة - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن على التأبيد - وهي: زوجة ابنك، وزوجة ابن ابنك وإن نزل، وزوجة ابن بنتك، وإن نزل: سواء كان هذا الابن، والإبنة من النسب أو الرضاع، وسواء كن وارثات، أو لا؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} فلفظ: "أبنائكم" جمع منكَّر أضيف إلى معرفة، وهو من صيغ العموم، فيشمل من ذكرنا جميعًا، وهذا من باب تكريم الابن أن لا تحل زوجته بعد تطليقها أو موته لأبيه.
تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
(13)
(وتحرم) أيضًا (أم زوجته وجداتها) ولو من رضاع (بالعقد)؛ لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}
(14)
(و) وتحرم أيضًا الربائب، وهنَّ (بنتها) أي: بنت الزوجة (وبنات أولادها) الذكور والإناث، وإن نزلن، من نسب أو رضاع (بالدخول)؛ لقوله تعالى:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}
(15)
(فإن بانت الزوجة) قبل الدخول، ولو بعد الخلوة (أو ماتت بعد
(13)
مسألة بنات زوجة أبيك من غيره يحل لك الزواج بهن، وبنات زوجة ابنك من غيره يحل لك الزواج بهن، وأم زوجة أبيك وجدتها يحل لك الزواج بهما، وأم زوجة ابنك وجدتها يحل لك الزواج بهما؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فبيَّن تحليل ما عدا المحارم المذكورة في تلك الآيات وهذا عام؛ لأن "ما" موصولة، وهي من صيغ العموم، فيشمل جميع ما عدا ما ذكر، ومنها تلك النساء الست، الثانية: التلازم؛ حيث إن تلك الست نساء - وهنَّ بنت زوجة ابنك وبنت زوجة أبيك، وأم زوجة ابنك وجدتها، وأم زوجة أبيك وجدتها - ليس بينهن وبين من سيتزوج بهن صلة لا من قريب ولا من بعيد، فيلزم جواز الزواج بهن، وهذا من باب التوسعة على المسلمين.
(14)
مسألة في الثانية عشرة - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن على التأبيد - وهي: أم زوجتك، وجداتها، أي: إذا تزوجت امرأة فإنه يحرم عليك كل أم وجدة لها من نسب، أو رضاع، قريبة أو بعيدة، وارثة أو لا، وذلك بمجرَّد العقد على بنتها؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} ، فبين أن المعقود عليها من نسائه، فتدخل أمها وجدتها في عموم الآية؛ لأن "أمهات" جمع منكر مضاف إلى نكرة مضافة إلى معرفة، وهو من صيغ العموم، فيشمل من ذكرنا، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إنه قد ثبت عن ابن مسعود، وابن عمر، وجابر، أن ذلك يحرم بمجرد العقد على بنتها وليس بالدخول - وهو الوطء -.
(15)
مسألة: في الثالثة عشرة - من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن على التأبيد - وهي: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بنت زوجتك من غيرك، غيرك، وهي المسماة بـ "الربيبة"، وكذا: تحرم بنت ابن زوجتك من غيرك، وبنت بنت زوجتك وإن نزلن، سواء كن من نسب، أو رضاع، وسواء كن قريبات، أو بعيدات، وارثات أو لا في حجره تربين أو لا، ولا تحرم هذه النساء عليك إلا إذا وطأت وجامعت أمهن - وهو المراد بالدخول -؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} فحرَّم جميع بنات زوجتك من غيرك، وبنات أولادها؛ لأن "ربائبكم" جمع منكر أُضيف إلى معرفة، وهو من صيغ العموم وشمل هذا جميع من ذكرنا. وخصص هذا التحريم بالدخول - وهو الوطء - دون العقد أو الخلوة فقط، فإن قلت: لِمَ حُرِّمت أم زوجتك بمجرَّد العقد على بنتها، ولا تحرم بنت زوجتك إلّا بالدخول على أمها ووطئها. قلتُ: لأن أم البنت أقل غيرة مما لو ذهب الزوج إلى بنتها وتزوج بها بعد عقده على أمها، وهذا من محبة الأم لبنتها، وإرادتها لها الخير، بخلاف البنت، فإن قلت: إن قيد الشرط الوارد في الآية - وهو قوله: {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} يفهم منه بمفهوم الشرط: أن بنت الزوجة التي لم تتربَّ في حجر زوجها: تحلّ له ولو وطأت وجامعت الأم؟ قلتُ: إن تربية بنت زوجتك في حجرك لا تأثير لها في التحريم وقيد الشارع الآية بالحجر؛ لأن الغالب أن تكون بنت زوجتك في حجرك، وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له كقوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} حيث إن هذا الشرط ورد في الخلع، فلا يفهم بمفهوم الشرط أنه عند عدم الخوف لا يجوز الخلع، بل يجوز؛ لأنه أخرج ذلك مخرج الغالب، فلذلك ذكرنا من شروط مفهوم المخالفة الاثني عشر: أن لا يكون القيد خرج مخرج الغالب المعتاد - وقد فصَّلتُ ذلك في المهذَّب (4/ 1803) - وبسبب عدم ملاحظة ملاحظة بعضهم ذلك غلط في فهم بعض مقاصد الشريعة وأحكامها.
الخلوة: أُبحن) أي: الربائب؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}
(16)
، ومن وطئ امرأة بشبهة
(17)
، أو زنا: حُرِّم عليه أمها، وبنتها، وحُرِّمت على أبيه، وابنه
(18)
.
(16)
مسألة: إذا عقد رجل على امرأة وتزوجها، ثم طلَّقها طلاقًا بائنًا، أو ماتت قبل أن يدخل بها - وهو الجماع والوطء -: فإنه يحل له أن يتزوج ببنتها: سواء وقعت خلوة بينه وبين أمها أو لا؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} حيث بيَّن أن الرجل إذا لم يجامع زوجته - وهو الدخول - ثم فارقته: فإنه لا جناح بأن يتزوج ابنتها، ودل مفهوم الشرط على أنه إذا دخل بزوجته، ثم فارقته: فلا تحل له ابنتها - وقد سبق -.
(17)
مسألة: إذا وطئ زيد فاطمة وجامعها بسبب شبهة - وهو الوطء في نكاح فاسد: لم يستكمل شروط صحته، أو شراء لأمة فاسد، أو وطئ فاطمة ظنها زوجته، أو ظنها أمته، أو وطيء الأمة فاطمة - وله فيها شراكة: فإنه يحرم على زيد أن يتزوج بأم فاطمة وجدانها، وبناتها، ويحرم على فاطمة أن تتزوج بأبي زيد وأجداده، وأبنائه؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الوطء المباح ينشر الحرمة في ذلك، فكذلك الوطء بشبهة ينشر الحرمة، والجامع: أن كلًّا منهما وطء يلحق به النسب، فإن قلت: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه الحث على تأكد الرجل ممن يطأ.
(18)
مسألة: إذا زنا زيد بفاطمة: فإنه يحرم على زيد أن يتزوج بأم فاطمة، وجداتها، وبناتها، ويحرم على فاطمة أن تتزوج بأبي زيد وأجداده، وأبنائه؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وقوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} وهو عام لما ذكرناه؛ والمقصد منه: منع المعاصي، واختلاط الأنساب؛
[فرع]: يحرم على الرجل التزوج بابنته من الزنا، وأخته، وبنت ابنه، وبنت =
(فصل): في الضرب الثاني من المحرمات (وتحرم إلى أمد أخت معتدته، وأخت زوجته، وبنتاهما) أي: بنت أخت معتدته، وبنت أخت زوجته (وعمتاهما، وخالتاهما) وإن علتا من نسب أو رضاع، وكذا بنت أختيهما، وكذا: أخت مستبرأته، وبنت أخيها، أو أختها، أو عمّتها، أو خالتها؛ لقوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} وقوله عليه السلام: "لا تجمعوا بين المرأة وعمتها، ولا بين
= أخيه، وأخته من الزنا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الوطء المباح ينشر الحرمة في ذلك، فكذلك الوطء الحرام ينشر الحرمة، والجامع: أن تلك المرأة مخلوقة من مائه، أو ماء ابنه، أو ماء أخيه، أو ماء أخته.
[فرع ثان]: إذا أفسد رجل امرأة على زوجها، فإنه يعزَّر تعزيرًا شديدًا، ولو تزوجها بعدما أفسدها على زوجها الأول: فإن هذا النكاح باطل، يجب أن يفرَّق بينهما؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه منع الناس من أن يفسدوا النساء على أزواجهن، معاملة له بنقيض قصده فلو تسامح الشارع بذلك لما بقيت امرأة في بيت زوجها إلا ما ندر. قياسًا على الوارث إذا قتل مورَّثه: فإنه يحرم من الميراث، حيث قال صلى الله عليه وسلم:"القاتل لا يرث" فلو تسامح الشارع بذلك لقتل أكثر الناس مورثيهم.
[فرع ثالث]: إذا قتل رجل رجلًا آخر ليتزوج امرأته: فإنها لا تحل للقاتل؛ للمصلحة: وقد بيناها في الفرع الثاني، فإن قلت: لِمَ شُرعت تلك الأحكام في تلك الفروع الثلاثة؟ قلتُ: للمصلحة، وقد بيّنا بعضها فيما سبق، وأيضًا: الحث على إيجاد مجتمع إسلامي خال من التحاسد والحقد، والبغضاء والفساد، وأخذ الإنسان حق أخيه بالباطل، والخلاصة: أن من آذى غيره في أي أذية - صغيرة أو كبيرة - فسيسلِّط الله عليه من يؤذيه بشيء أشدّ مما آذى هو غيره به، مع الأمراض والأوجاع التي لا علاج لها، وهذا شيء ثابت شرعًا وعقلًا، وعادة، لكن المسألة مسألة وقت فقط.
المرأة وخالتها" متفق عليه عن أبي هريرة
(19)
(19)
مسألة: النساء اللاتي يحرم الزواج بهن إلى أمد: بسبب الجمع، فإذا زال ذلك السبب حلَّ وجاز الزواج بهن، هي: 1 - أخت زوجتك. 2 - أخت معتدتك - أي: إذا طلَّقت امرأة طلاقًا بائنًا رجعيًا، أو فارقتها بسبب خلع، أو فسخ على عوض، أو نحو ذلك: فلا يجوز أن تتزوج بأخت من فارقتها بطلاق أو غيره ما دامت من فارقتها في العدة. 3 - بنت أخت زوجتك. 4 - بنت أخت معتدتك. 5 - عمة زوجتك وإن علت. 6 - خالة زوجتك وإن علت. 7 - عمة عمة زوجتك. 8 - خالة خالة زوجتك. 9 - بنت أخ زوجتك. 10 - بنت أخ معتدتك. 11 - أخت مستبرأتك - كأن تطأ أمة فيجب على الموطوءة أن يستبرأ رحمها - فإذا كانت تلك المستبرأة في مدة الاستبراء فيحرم الزواج بأختها. 12 - بنت أخت مستبرأتك. 13 - بنت أخ مستبرأتك. 14 - عمة مستبرأتك. 15 - خالة مستبرأتك. تلك هي النساء الخمسة عشر محرمات بسبب الجمع بين امرأتين لا يحل الجمع، فإذا انتهت علاقته بالأولى حلَّت له الثانية وهكذا، وهذا مطلق، أي سواء كانت الأختان، أو الخالة، أو العمة، أو ما ذكر من نسب، أو رضاع، وسواء كن شقيقات، أو لأب، أو لأم، وسواء كن حرائر أو إماء، أو حرة وأمة؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} وهذا عام في تحريم الجمع بين الأختين داخل عقد الزواج، أو معتدة وأختها، لكون المعتدَّة في حكم الزوجة، وهو عام في تحريم الجمع بين الأختين الحرتين، أو الأمتين أو واحدة حرة، والأخرى أمة، وهو عام للأخوات الشقيقات، ولأب، ولأم، وهو عام للأخوات من نسب أو رضاع؛ لأن لفظ "الأختين" مثنى محلى بأل، وهو من صيغ العموم، الثانية: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قوله عليه السلام: "لا تجمعوا بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها"؛ حيث حرّم الجمع بين تلك النسوة؛ فإن وجد: فالنكاح فاسد؛ لأن =
ولا يحرم الجمع بين أخت شخص من أبيه، وأخته من أمه
(20)
، ولا بين مبانة
= النهي مطلق فيقتضي التحريم والفساد وهو عام لما ذكرناه من العمات والخالات؛ لأن "عمتها" و "خالتها" اسم مفرد منكر مضاف إلى معرفة، وهو الضمير، وهو من صيغ العموم، ولا فرق بين العمة حقيقة أو مجازًا: كعمات آبائها، وخالاتهم، وعمّات أمهاتها، وخالاتهن بنسب أو رضاع؛ لعموم اللفظ السابق، ولا فرق بين كونهما حرتين، أو أمتين، أو إحداهما حرة والأخرى أمة، ثانيهما: قوله عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين" وهذا يدل على تحريم الجمع بين مستبرأته وأختها، أو بنت أخيها، أو بنت أختها، أو عمتها، أو خالتها، فإن قلت: لمَ حرم ذلك الجمع؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك الجمع بين من ذكرنا يفضي ويؤدي إلى قطع الرحم القريب؛ لما يوجد في الطباع من الغيرة بين الضرائر؛ لما فيه من التنافس، فإن قلت: إنه يجوز الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وهو قول بعض الروافض، والخوارج؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} حيث إن الشارع لما ذكر المحرمات ختمها بتلك الآية، فيعم ذلك المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها قلتُ: الآية عامة، ولكن خُصِّصت بالسنة القولية - وهي قوله:"لا تجمعوا بين المرأة وعمتها .. ".
[فرع]: يحرم الجمع بين امرأتين: واحدة خالة الأخرى، ويحرم الجمع بين امرأتين: كل واحدة عمة الأخرى، ويحرم الجمع بين امرأتين: إحداهما عمة الأخرى، والثانية خالة الأخرى، ويحرم الجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلًا لم يصح له أن يتزوجها؛ للمصلحة: حيث إن ذلك يؤدي إلى تقاطع ذوي الرحم القريب، فدفعًا لذلك حرّم.
(20)
مسألة: إذا كان لزيد أخت لأب، وله أخت لأم: فيجوز لعمرو أن يتزوج أخت زيد من أبيه، ويتزوج أخته من أمه، ويجمع بينهما ولو في عقد واحد، للتلازم؛ =
شخص، وبنته من غيرها، ولو في عقد
(21)
(فإن طُلِّقت) المرأة (وفرغت العدة: أبجن) أي: أختها، أو عمتها، أو خالتها، أو نحوهن؛ لعدم المانع
(22)
، ومن وطئ أخت زوجته بشبهة أو زنا: حرمت عليه زوجته حتى تنقضي عدة الموطوءة
(23)
(فإن
= حيث يلزم من كون كل واحدة من الأختين أجنبية من الأخرى: صحة الجمع بينهما، والمقصد: عدم أثر التقاطع إن وجد.
(21)
مسألة: إذا طلَّق زيد امرأته طلاقًا بائنًا، ولزيد هذا بنت من غير تلك المطَّلقة: فيجوز لعمرو أن يتزوج تلك المرأة المبانة، ويتزوج بنت زيد، ويجمع بينهما، ولو كان ذلك في عقد واحد، وهذه الصورة قد استثنيت من قاعدة:"تحريم كل امرأتين كانت إحداهما رجلًا لم يصح له أن يتزوجها" حيث إن بنت زيد لو كانت رجلًا لما جاز له أن يتزوج امرأة زيد؛ لأنها تكون امرأة أبيه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون إحداهما بعيدة عن الأخرى: جواز الجمع بينهما والمقصد: عدم وجود التقاطع، أو وجوده ولكن لا يضر كثيرًا.
(22)
مسألة: إذا طلَّقت امرأتك، وانتهت العدة: فإنه يُباح التزوج بأختها، أو عمتها، أو خالتها ونحو ما ذكرناه في مسألة (19)؛ للتلازم؛ حيث إن المانع من النكاح والزواج قد زال بسبب طلاقه لتلك المرأة وفراغها من العدة فيلزم منه إباحة أختها، وعمتها، وخالتها.
(23)
مسألة: إذا وطأت وجامعت أخت زوجتك أو عمتها أو خالتها بشبهة كأن تحسبها زوجتك فبانت غيرها، أو زنيت بأخت زوجتك، أو عمتها، أو خالتها: فإن زوجتك تحريم عليك مدَّة عدة الموطوءة بشبهة أو زنا - وهي أخت زوجتك، أو عمتها، أو خالتها -، فإذا انقضت عدتها: يصح لك أن تطأ زوجتك، للقياس؛ بيانه: كما أنك لو أردت العقد على أختها، أو عمتها، أو خالتها في الحال لم يجز لك ذلك حتى تنقضي عدَّة الموطوءة، فكذلك الوطء والجماع مثله، والجامع: عدم جمع ماء واحد في رحم أختين، والمقصد منه: أن لا يجمع ماء في =
تزوجهما) أي: تزوج الأختين ونحوهما (في عقد) واحد: لم يصح (أو) تزوجهما في (عقدين معًا: بطلا)؛ لأنه لا يمكن تصحيحه فيهما، ولا مزية لإحداهما على الأخرى، وكذا: لو تزوج خمسًا في عقد أو عقود معًا
(24)
(فإن تأخر أحدهما) أي: أحد العقدين: بطل متأخر فقط؛ لأن الجمع حصل به (أو وقع) العقد الثاني (في عدة الأخرى، وهي بائن، أو رجعية: بطل) الثاني؛ لئلا يجتمع ماؤه في رحم أختين أو نحوهما
(25)
، وإن جُهل أسبق العقدين: فسخا، ولإحداهما نصف مهرها
= رحم أختين، أو امرأة وعمتها، أو امرأة وخالتها.
(24)
مسألة: إذا جمع رجل بين أختين، أو بين امرأة وخالتها، أو بين امرأة وعمتها في عقد واحد، بأن قال وليهما:"زوجتكهما" فقال ذلك الرجل: "قبلت"، أو عقد عليهما معًا في عقدين منفصلين، ولكن في وقت واحد، أو تزوج خمسًا من النساء في عقد واحد، أو خمسة عقود ولكن في وقت واحد: فإن عقد النكاح والزواج في تلك الصور الثلاث باطل؛ للتلازم؛ حيث إنه يمتنع تصحيح العقد في واحدة منهما - أو من الخمس -؛ لكونه لا مزية لإحداهما - أو لإحدى الخمس - على الأخرى فيصح العقد عليها دون الأخرى - أو الأخريات - فيلزم بطلان العقد في الجميع، ثم إن أراد الزواج بإحداهما: فعليه أن يعقد عليها بعقد جديد، والمقصد منه: نبذ الاشتباه، والاختلاط، والحرص على الاستيثاق من كل شيء.
(25)
مسألة: إذا عقد على أختين بعقدين، وكان أحد العقدين متأخرًا، أو وقع العقد الثاني على الثانية في حال وجود مانع من موانع النكاح - كأن تكون في عدة من خلع، أو طلاق بائن، أو تزوج خامسة في عدَّة رابعة قد طلقها، أو في عدة مطلَّقة منه طلاقًا رجعيًا -: فإن العقد على الأولى يصح، أما العقد المتأخر والثاني على الثانية فهو باطل في الصورتين؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم الجمع في عقد واحد، أو في عقدين في وقت واحد: صحة العقد على الأولى، ويلزم من حصول الجمع بالعقد المتأخر أو الثاني: بطلانه؛ لكونه بعقده على الأولى حرمت الثانية، =
بقرعة
(26)
ومن ملك أخت زوجته ونحوها: صح، ولا يطؤها حتى يفارق زوجته وتنقضي عدّتها
(27)
، ومن ملك نحو أختين: صحَّ، وله وطء أيهما شاء، وتحرم به
= والمقصد هو: أن لا يجمع ماءه في رحم أختين، أو امرأة وعمتها، أو رحم امرأة وخالتها.
(26)
مسألة: إذا عقد على أختين، أو امرأة وعمتها، أو امرأة وخالتها بعقدين، وجُهل أيهما الأسبق، أي لم يُعلم أيهما التي عقد عليها أولًا: فإن الزوج يطلقهما معًا، فإن لم يفعل: فإنه يفسخهما القاضي: سواء دخل بهما، أو لم يدخل بهما، أو دخل بواحدة دون الأخرى، وإذا كان دافعًا مهرًا لهما: فإن نصفه يكون لإحداهما فقط بالقرعة، تأخذه من وقعت لها تلك القرعة؛ للتلازم؛ حيث إن إحداهما محرمة عليه، ونكاحها باطل، ولا تعرف تلك المحرمة فيلزم مفارقتهما معًا؛ لأنه لا يمكن ترك الحرام إلا بمفارقتهما، ويلزم من كون نكاح واحدة منهما صحيح، وقد فارقها قبل الدخول: أن يُدفع لها نصف المهر، ويلزم من عدم العلم بتلك الواحدة: أن تستعمل القرعة.
[فرع]: إذا دخل بإحداهما، أو بهما معًا فللمدخول بها مهر المثل؛ للتلازم؛ حيث يلزم من الدخول والوطء والمجامعة: مهر المثل.
(27)
مسألة: إذا كانت أخت زوجتك، أو عمة زوجتك، أو خالة زوجتك أمة، فاشتريتها: فإنه يصح الشراء، ويحرم عليك وطؤها ومجامعتها إلى أن تطلق زوجتك، وتنقضي عدَّة طلاقها، فإذا انقضت تلك العدة: يصح أن تطأ أختها، أو عمتها، أو خالتها كما توطأ الأمة؛ للتلازم؛ حيث إنك لو وطأت ما اشتريته من الأمة - وهي أخت زوجتك، أو عمتها أو خالتها - لجمعت ماءك في رحم أختين، أو في رحم امرأة وعمتها، أو في رحم امرأة وخالتها، وهذا حرام كما قال صلى الله عليه وسلم:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين" فلذلك يلزم ما ذكرناه إن أراد مجامعة ما اشتراه، أما إن لم يرد مجامعتها: فلا =
الأخرى حتى يُحرِّم الموطوءة بإخراج عن ملكه، أو تزويج بعد استبراء
(28)
، وليس الحر أن يتزوج بأكثر من أربع
(29)
،
= يلزمه ذلك، ولذلك صحَّ عند العلماء شراء أخته من الرضاع.
(28)
مسألة: إذا اشترى أختين أمتين، أو امرأة وعمتها وهما أمتان، أو امرأة وخالتها وهما أمتان: فإن ذلك يصح: سواء كان ذلك الشراء بعقد واحد، أو بعقدين، فإن شاء أن يطأ ويجامع إحداهما: فله ذلك، فإذا وطأ وجامع الأولى فإنه يحرم عليه أن يطأ الثانية بسبب وطء الأولى، فإن أراد وطء ومجامعة الثانية: فعليه أن يُحرِّم الموطوءة الأولى على نفسه بإخراجها عن ملكه بعتقها، أو ببيعها، أو هبتها، أو تزويجها بغيره - غير ابنه -، فإذا تمّت مدة استبراء رحمها: فإنه يطأ ويُجامع الثانية؛ لقواعد الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} وهو عام؛ لأن "الأختين" مثنى معرف بأل، وهو من صيغ العموم، فيشمل: وطء الأختين الحرتين والأمتين؛ الثانية: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قوله عليه السلام: "لا تجمعوا بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" وذلك في الوطء، وهو عام في الحرائر والإماء ثانيهما: قوله عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين" فأوجب استبراء رحم الموطوءة الأولى؛ حتى لا يكون جامعًا ماءه في رحم أختين والمرأة وعمتها، والمرأة وخالتها كالأختين في ذلك؛ لعدم الفارق من باب "مفهوم الموافقة"، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث ثبت ذلك عن علي، وابن عباس، وثبت عن علي وابن عمر: أنه إذا وطئ إحداهما فلا يطأ الأخرى، حتى يحرم الموطوءة على نفسه بإخراجها من ملكه، أو تزويجها.
(29)
مسألة: يجوز أن يتزوج الحر بأربع نساء حرائر، ويجمع بينها، ولا يجوز أن يجمع أكثر من ذلك منها ويجوز له أن يجمع مئات من الإماء؛ للإجماع، ومستنده السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم الغيلان الثقفي وكان تحته عشر نسوة: "أمسك أربعًا، =
ولا لعبد أن يتزوج بأكثر من اثنتين
(30)
(وتحرم المعتدَّة) من الغير؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} (و) كذا (المستبرأة من غيره)؛ لأنه لا يؤمن أن تكون حاملًا، فيفضي إلى اختلاط المياه، واشتباه الأنساب
(31)
(و) تحرم
= وفارق سائرهن" وقال لنوفل وكان تحته خمس: "فارق واحدة منهن"، فإن قلت: لِمَ حُدِّد ذلك بالأربع فقط، بينما يجوز للحر أن يجمع بين المئات من الإماء؟ قلتَ: للمصلحة؛ حيث إن الشارع قد أذن لبعض من تغلبه الشهوة أو يريد كثرة الأولاد أن يجمع أربعًا تحت عصمته؛ لتحقيق ذلك المقصد، ولكنه سبحانه قد رحم الضرة بأن جعل انقطاعه عن الضرة يصل إلى ثلاثة أيام فقط، وكذلك من الناس من زوجته مريضة نفسيًا، أو جسميًا، وظروفه العائلية وحرصه على تربية أولاده لا يسمحان له أن يفارقها، فأذن له بالزواج بأكثر من واحدة؛ ليجمع بين الاستيلاد والاستمتاع، وهذا من تمام نعم الله على العبد؛ حيث إنه ما من شيء فيه خير للعباد أو البلاد إلا وقد أمر الله تعالى به، وما من شيء فيه مفسدة ومضرة على العباد أو البلاد إلا وقد نهى عنه سبحانه، أما الإماء: فإنها بمنزلة سائر الأموال.
(30)
مسألة: يجوز أن يتزوج العبد باثنتين فقط، ويجمع بينهما والمبعَّض - وهو الذي نصفه حر، ونصفه عبد - يجوز أن يتزوج بثلاث فقط، ويجمع بينهما، ولا يجوز للعبد أن يجمع أكثر من اثنتين ولا يجوز للمبعض أن يجمع أكثر من ثلاث؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن العبد لو زنى وهو غير محصن: فيجب أن يجلد خمسين جلدة نصف الحر، فكذلك في النكاح، ويُقدَّر ذلك بمن بعضه حر وبعضه الآخر عبد الثانية: قول الصحابي؛ حيث إنه قد ثبت ذلك عن عمر، وعلي.
(31)
مسألة: يحرم عليك أن تعقد عقد النكاح أو الزواج بأي امرأة وهي في حالة عدَّة، وأيضًا: تحرم أي امرأة هي في حالة استبراء رحمها من ولد: سواء كانت =
(الزانية) على زان وغيره (حتى تتوب، وتنقضي عدتها)؛ لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} وتوبتها: أن تُراود فتمتنع
(32)
(و) تحرم (مطلقته ثلاثًا حتى
= العدة عدة وفاة، أو طلاق، أو خلع، أو فسخ، وسواء كانت العدة والاستبراء من وطء مباح، أو محرم، أو بشبهة، أو من غير وطء؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} فحرم الشارع أن يُعقد عقد النكاح والزواج والمرأة في عدة من طلاق أو وفاة؛ ولو وقع لكان فاسدًا لأن النهي مطلق، فيقتضي التحريم والفساد، وسُمِّيت العدَّة كتابًا؛ لأنها فرض من الله تعالى، ومفهوم الغاية قد دلَّ على أنه إذا انتهت العدَّة: فيحل عقد النكاح، والوطء أيضًا. الثانية: المصلحة؛ حيث إن ذلك لو جاز لاختلطت مياه الواطئ الثاني بماء الواطئ الأول، وأدَّى ذلك إلى اشتباه نسب الواطئ الثاني بنسب الواطئ الأول، ولذلك نهى الشارع عن نكاح المرتابة بالحمل ولو بعد انقضاء العدة.
(32)
مسألة: يحرم عليك أن تتزوج امرأة زانية - قد ثبت زناها وعلمت ذلك - إلا بشرطين: أولهما: أن تتوب تلك المرأة من الزنا، ومن أيِّ معصية توبة نصوحًا، ويعرف ذلك عنها بندمها، وتركها للزنا، والعزم أن لا تعود، والاستغفار، ويُصدِّق هذا أو يُكذِّبه: أن تراقب مراقبة شديدة في ذلك
…
ثانيهما: أن تنقضي عدتها بعد وطء الزاني، أو تضع حملها إن حملت منه، فإذا وجد هذان الشرطان: فإنها تحل لأي رجل يجوز أن يتزوجها: سواء كان الزاني أو غيره، أما إن لم تثبت توبتها، أو لم تنقض عدتها فلا تحل؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} فحرم الشارع على أي رجل أن يتزوج بالبغايا، والزانيات، ومفهوم الصفة قد دل على جواز الزواج بمن زنت وتابت، الثانية: السنة القولية؛ وهي من وجوه: أولها: قوله صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" حيث بيَّن أنها إذا تابت توبة نصوحًا، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فكأنها لم تذنب أصلًا فأومأ إلى اشتراط التوبة من كل ذنب، ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره" يقصد: أن وطء وجماع الحامل من غيرك محرم؛ لأن النهي هنا مطلق، وهو يقتضي التحريم والفساد وهو يُفيد بأنه لا بد من انقضاء عدة تلك الزانية، ثالثها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع" فحرم عليك وطء الحامل من غيرك؛ لأن النهي مطلق، وهو يقتضي التحريم، والفساد، ودل مفهوم الغاية على أن الحامل من غيرك إذا وضعت حملها وهي مفارقة لزوجها: فإنها تحل لك، الثالثة: القياس؛ بيانه: كما أن الموطوءة بشبهة تعتد بعد هذا الوطء، فكذلك المزني بها مثلها، والجامع: أنه يُحتمل في كل منهما أن تكون حاملًا، فإن قلتَ: لِمَ اشتُرط هذان الشرطان؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه احتياط للدِّين واحتياط للأنساب، وراحة للبال، فإن قلت: لا يُشترط الشرط الأول - وهو: أن تتوب من الزنا - بل يتزوجها من شاء، ولو لم تظهر توبتها، وهو قول الجمهور؛ لقول الصحابي؛ حيث ثبت عن عمر أنه جلد رجلًا وامرأة زنيا، وحرص أن يجمع بينهما، فأبى الرَّجل، وثبت أن رجلًا سأل ابن عباس عن نكاح الزانية فقال:"يجوز، أرأيت لو سرق من كرم ثم ابتاعه أكان يجوز؟ " ولم يبينا شرط التوبة. قلتُ: عنه جوابان: أولهما: أن ذلك اجتهاد من عمر وابن عباس قد خالف الظاهر من الكتاب والسنة، فلا يؤخذ بقولهما؛ لأنه لا اجتهاد مع النص، ثانيهما: أن الظاهر أن عمر قد استتابهما؛ لأن عبارة: "وحرص أن يجمع بينهما" وعمر لا يمكن أن يجمع بين زانيين إلّا إذا أظهرا التوبة، أما قول ابن عباس وهو: جواز نكاح الزانية فهو صحيح، ولم يتعرض لشرط التوبة؛ لكون شرط التوبة مشتهر بين الصحابة فلا يُذكر لهذه الشهرة، فإن قلتَ ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "معارضة قول الصحابي لظاهر الكتاب والسنة"، فإن قلتَ: لا يشترط الشرط الثاني - وهو: أن تنقضي =
يطأها زوج غيره) بنكاح صحيح؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا: فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
(33)
(و) تحرم (المحرمة حتى تحل) من إحرامها؛ لقوله عليه السلام:
= عدتها بعد وطء الزاني فلا يجب عليها العدّة - وهو قول كثير من العلماء ومنهم الشافعي؛ للقياس؛ بيانه: كما أن وطء الصغير لا يوجب العدة فكذلك وطء الزاني، والجامع: أنه في كل منهما لا تصير به فراشًا، قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن الصغير إذا وطأ لا يُحتمل منه الحمل، بخلاف الزاني فيحتمل منه الحمل، ونظرًا لهذا الاختلاف بينهما في الاحتمال: اختلف الحكم، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" فألحقناها بالموطوءة بشبهة، وهم ألحقوها بمن وطأها صغير، تنبيه: قوله: وتوبتها: أن تراود فتمتنع" أي أن يطلب منها رجل ثقة الزنا: فإن أبت: فهي تائبة، وهو قول ابن عمر. قلتُ: هذا بعيد جدًّا - كما ذكره ابن قدامة - فلا يجوز لمسلم أن يطلب الزنا من أي امرأة سواء كان جادًا أو هازلًا، ثم طلبه لذلك يكون عادة في خلوة، ولا تحل الخلوة بأجنبية، ولو كان في تعليمها للقرآن، أو غير ذلك من الطاعات؛ لأنه ما من رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما يزينها في نظره، ويُزينه في نظرها حتى تقع المصيبة العظمى - وهي الزنا - فتكون المهلكة لهما، والقاضية عليهما.
(33)
مسألة: إذا طلَّقت زوجتك بالثلاث: بأن قلت: "أنت طالق ثلاثًا" أو "أنت طالق، طالق، طالق" أو أنك طلقتها، وراجعتها، ثم طلقتها وراجعتها، ثم طلقتها: فإن تلك الزوجة تحرم عليك، حتى تتزوج زوجًا غيرك، ويدخل بها ويُجامعها، فإن طلقها الزوج الثاني: فإنها تحل لك؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا: فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} بعد قوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} حيث حرم الشارع وطء مطلقته ثلاثًا حتى يطأها زوج غيره؛ لأن لفظ: "فلا تحل" من ألفاظ التحريم الصريحة، ودل مفهوم الغاية من =
"لا ينكح المحرم ولا ينكح، ولا يخطب" رواه الجماعة إلا البخاري، ولم يذكر الترمذي الخطبة
(34)
(ولا ينكح كافر مسلمة)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}
(35)
(ولا) ينكح (مسلم ولو عبدًا كافرة)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا
= ذلك على أنها إذا نكحت زوجًا غيرها، وطلقها الثاني: فإنها تحل للأول، ولفظ:"النكاح" شامل للعقد، والوطوء، الثانية: السنة القولية؛ حيث إن رجلًا طلَّق زوجته ثلاثًا، وتزوجها آخر، ثم طلقها قبل أن يدخل بها ويطأها، فأراد الأول أن يتزوجها فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا، حتى يذوق الآخر عسيلتها، وتذوق عسيلته" وهذا إشارة إلى أن المراد بالنكاح بقول الله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} هو العقد والمجامعة معًا - وهو تغييب الحشفة في فرج المرأة -، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه الحث على عدم الإكثار من الطلاق، وتعريض أحكام الله تعالى إلى العبث والاستهزاء، حيث إن عدم إحلالها له إلّا بعد أن يتزوجها رجل آخر نكاية وعقاب له.
(34)
مسألة: إذا كانت المرأة محرمة في حج أو عمرة، فإنه يحرم أن تعقد عقد النكاح عليها، وإذا كانت متزوجة يحرم جماعها، ولو وقع ذلك العقد: لكان فاسدًا فإذا حلَّت من إحرامها: فإنها تحل، ويجوز جماعها للسنة القولية: حيث صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح المحرم، ولا يُنكح، ولا يخطب" فنهى الشارع عن ذلك، وهذا النهي مطلق، وهو يقتضي التحريم والفساد، وقد سبق تفصيل ذلك في مسألة (31) وما بعدها من باب "محظورات الإحرام" من كتاب:"المناسك: الحج والعمرة" وقد بيّنتُ هناك: المقصد من هذا الحكم. تنبيه: قوله: "ولم يذكر الترمذي الخطبة" يقصد: إن خطبة المرأة وهي محرمة، أو هو محرم، جائزة، ولكن مع الكراهة، وقد ذكرت هذا في مسألة (32) من باب:"محظورات الإحرام" من كتاب: "المناسك".
(35)
مسألة: يحرم أن تنكح امرأة مسلمة كافرًا، ولو وقع ذلك: لوجب التفريق =
الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (إلا حرَّة كتابية) أبواها كتابيان؛ لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}
(36)
(ولا ينكح حر مسلم أمة مسلمة إلّا أن
= بينهما، فإذا أسلم فإنه يجوز ذلك؛ للإجماع، ومستنده الكتاب: حيث قال تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وهذا نهي مطلق فيقتضي التحريم والفساد، وقوله تعالى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ} حيث إن نفي التحليل وهو من صيغ التحريم الصريحة فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن تزويجها بكافر فيه إذلال للمسلمة، فحرم؛ إكرامًا لها.
(36)
مسألة: يجوز للمسلم - ولو كان عبدًا - أن ينكح ويتزوج نساءً من حرائر أهل الكتاب - اليهود والنصارى - سواء كن من أهل الذمة، أو حربيات، ولا يجوز له نكاح غيرهن من الإماء الكافرات، أو حرائر وإماء المجوس، أو الوثنيات، ولا غيرهن من نساء أجناس الكفار الذين لا كتاب لهم؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} حيث حرم أن يتزوج المسلم بالكافرة ولو وقع: لوجب التفريق، لأن النهي مطلق، وهو يقتضي التحريم والفساد، وهو عام الجميع الكافرات والمشركات: سواء كن من أهل الكتاب أو لا؛ لأن "المشركات" جمع معرف بأل، وهو من صيغ العموم، ثم خصَّص الله تعالى نساء أهل الكتاب بجواز الزواج بهن؛ حيث قال تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فأباح الزواج بهن، وهو قول عمر وعثمان، فبقيت نساء غير أهل الكتاب على التحريم؛ حيث إن العام حجة فيما بقي بعد التخصيص، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه توسعة على المسلمين، وخُصِّصت نساء أهل الكتاب؛ لكونهن يؤمن بالله تعالى، فيبعد عنهن احتمال عدم نظافتهن، أو فعلهن للزنا، فيغلب على ظنه أن ما في أرحامهن هم أولاده حقيقة فجاز الزواج بهن بخلاف نساء غير أهل الكتاب: فإنه لا يُستبعد عنهن الزنا؛ لعدم خوفهن من الله تعالى فيغلب على الظن أن ما في أرحامهن =
يخاف عنت العزوبة؛ لحاجة المتعة، أو الخدمة)؛ لكونه كبيرًا أو مريضًا أو نحوهما، ولو مع صغر زوجته الحرة، أو غيبتها، أو مرضها (ويعجز عن طول) أي: مهر (حرَّة، أو ثمن أمة)؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} الآية، واشتراط العجز عن ثمن الأمة: اختاره جمع كثير قال في "التنقيح": "وهو أظهر" وقدم: أنه لا يُشترط، وتبعه في "المنتهى"
(37)
(ولا ينكح عبد سيدته) قال ابن المنذر: "أجمع أهل
= ليسوا بأولاده وحده فحُرِّمن.
[فرع]: الكتابية هي: التي أبواها معًا كتابيان، فلو كان أحد أبويها كتابيًا والآخر ليس بذلك: فلا يحل الزواج بها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون أحد أبويها كتابيًا فقط: أنها لا تدخل في قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} ؛ لكون المراد الكتابية المحصنة، وإذا لم تدخل: فلا تحل.
(37)
مسألة: يجوز للمسلم الحر: أن ينكح ويتزوج الأمة المسلمة بشرطين: أولهما: أن يخاف عنت العزوبة وشدَّتها عليه، فهو يتزوجها إما لأجل حاجته للمتعة مخافة أن يقع في الحرام، أو يتزوجها لأجل حاجته إلى خدمتها بسبب مرضه، أو كبره، وهذا يجوز ولو كان عنده زوجة حرة ولكنها إما صغيرة أو مريضة، أو غائبة، بحيث لا يمكنها خدمته، أو إشباع رغبته، ثانيهما: أن لا يجد ذلك المسلم المال الذي يستطيع به أن يتزوج حرة، أو يشتري به أمة، ولو كتابية، وهو المقصود بـ "الطول"، فإذا وجد هذان الشرطان: جاز له الزواج بالأمة المسلمة، وإن عدم الشرطان، أو أحدهما: فلا يجوز له أن يتزوج تلك الأمة؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} ، فصرح باشتراط هذين الشرطين، الثانية: المصلحة؛ حيث إن مفسدة نكاح الأمة والتسبب في إرقاق ولده، أو تأثره بذلك عارضتها مفسدة وقوعه في الحرام من زنا ولواط، فترجّح أخف المفسدتين عند الشارع، وهي: نكاح الأمة
العلم عليه"
(38)
(ولا ينكح (سيد أمته)؛ لأن ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة، وإباحة
= المسلمة وإن كان فيه رق للولد؛ حيث إن ذلك أخف بكثير من مفسدة الزنا أو اللواط، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك هو قول ابن عباس وجابر، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه توسعة على المسلمين، فإن قلتَ: لِمَ اشتُرط الشرطان؟ قلتُ: للمصلحة الآجلة؛ حيث إنه لو أطلق في الزواج من الإماء بدون شروط: لكان ذلك سببًا في إرقاق الولد الآتي منهما مع الغنى عنه، فاشتُرط ذلك؛ ليكون في حدود ضيقة؛ لمنع الضرر الآجل كما قلنا، فإن قلتَ: لا يُشترط العجز عن ثمن أمة، فيجوز لمن قدر على ثمن أمة: أن يتزوج أمة مسلمة، وهو قول كثير من الحنابلة؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} والمراد بالمحصنات: الحرائر، وهذا يلزم منه: جواز نكاح الأمة مع قدرته على شراء أمة، وعدم جواز نكاح الأمة مع قدرته على مهر حرة. قلتُ: إن المصلحة هي التي جعلت جمهور العلماء يقولون: إن القادر على ثمن أمة لا يجوز له أن يتزوج أمة، وذلك لأنه إذا اشترى أمة وجامعها وأتت بولد: فإن الولد يكون حرًا، وتكون الأمة أم ولد وقد سبق أن ولدها هذا يتسبب في حريتها بعد وفاة سيدها، أما إذا تزوج أمة - بدون شرائها -: فإن ولده منها يكون رقيقًا؛ تبعًا لأمه، وتستمر أمه في ذلك الرق، فلا يجوز له أن يتسبَّب في رق ولده مع استطاعته على صيانته من الرق فلذلك قال العلماء ذلك، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض الآية مع المقصد" فنحن أخذنا بظاهرها ومقصدها، وهم أخذوا بظاهرها ويحتمل: أن يكون السبب: عدم تفريقهم بين شراء الأمة والزواج بها من حيث مصير الولد".
(38)
مسألة: يحرم أن يتزوج وينكح عبدٌ سيدته؛ للتلازم؛ حيث إن أحكام ملكها لعبدها، ونكاحه إياها نكاحًا شرعيًا متناقضان؛ لأن ملكها إياه يقتضي وجوب نفقته عليها، وسفره بسفرها، وطاعته إياها، أما نكاحه إياها يوجب عكس ذلك =
البضع، فلا يجتمع معه عقد أضعف منه
(39)
(وللحر نكاح أمة أبيه)؛ لأنه لا ملك للابن فيها، ولا شبهة ملك
(40)
(دون) نكاح (أمة ابنه) فلا يصح نكاح أمة ابنه؛ لأن الأب له التملك من مال ولده كما تقدَّم
(41)
(وليس للحرة نكاح عبد ولدها)؛ لأنه لو ملك زوجها أو بعضه لانفسخ النكاح
(42)
، وعلم مما تقدَّم أن للعبد نكاح أمة، ولو لابنه، وللأمة نكاح عبد ولو لابنها
(43)
، (وإن اشترى أحد الزوجين) الزوج
= فيحصل تناقض فيلزم: بطلان هذا النكاح؛ لتعارض المصالح، واستحالة استمرار الحياة بسبب ذلك.
(39)
مسألة: يحرم أن يتزوج وينكح سيدٌ أمته؛ للتلازم؛ حيث يلزم من شراء السيد لتلك الأمة تضمن إباحة منفعتها، وإباحة بضعها، وهو أقوى من عقد النكاح عليها؛ لشموله لكل نفع، فلا يجتمع معه عقد - وهو عقد النكاح - أضعف وأخص منه.
(40)
مسألة: يجوز أن يتزوج وينكح شخص أمة أبيه، وأخيه، وجده، وعمه؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الأجنبي يجوز أن ينكح تلك الأمة، فكذلك الابن يجوز له أن ينكح أمة أبيه والجامع أنه في كل منهما لا ملك له فيها، ولا شبهة ملك، فلا مانع منه.
(41)
مسألة: يحرم على الشخص الحر أن يتزوج وينكح أمة ابنه أو أمة ابنته؛ للتلازم؛ حيث إن كون الأب يتملك من مال ولده؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك" يلزم منه تحريم نكاح أمة ذلك الولد؛ لأن له فيها شبهة، وقد تقدم ذلك في باب "الهبة والعطية".
(42)
مسألة: يحرم على المسلمة الحرة أن تتزوج وتنكح عبد ولدها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ولدها يملك زوجها، أو يملك بعضه: انفساخ النكاح بين أمه، وعبده.
(43)
مسألة: يجوز للعبد أن يتزوج وينكح أمة، وكذا: يجوز للمدبَّر والمكاتب، والمبعَّض نكاح أمة: سواء كانت أمة لابنه أو أمة لابنته أو أمة لغيرهما، وكذا: =
الآخر، أو ملكه بإرث أو غيره (أو) ملك (ولده الحر أو) ملك (مكاتبه) أي: مكاتب أحد الزوجين، أو مكاتب ولده (الزوج الآخر، أو بعضه: انفسخ نكاحهما) ولا ينقص بهذا الفسخ عدد الطلاق
(44)
(ومن حرم وطؤها بعقد) كالمعتدَّة، والمحرَّمة، والزانية، والمطلَّقة ثلاثًا:(حرم) وطؤها (بملك يمين)؛ لأن النكاح إذا حرم؛ لكونه طريقًا إلى الوطء فلأن يحرم الوطء بطريق الأولى (إلا أمة كتابية) فتحل؛ لدخولها في عموم قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
(45)
(ومن جمع بين محلَّلة ومحرَّمة في عقد:
= يجوز للأمة أن تتزوج، وتنكح عبدًا: سواء كان عبدًا لابنها، أو لبنتها، أو لغيرهما؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الأجنبي له ذلك، فكذلك العبد، والأمة؛ والجامع: أن الرَّق في كل منهما قطع ولايته عن ولده وماله؛ حيث إنه لا يلي أحدهما مال الآخر، ولا يتوارثان، فلا علاقة لأحدهما على الآخر.
(44)
مسألة: إذا كان زيد زوجًا لفاطمة فاشترى زيد فاطمة، أو اشترت فاطمة زيدًا، أو ملك زيد فاطمة بإرث، أو هبة، أو ملكت فاطمة زيدًا بإرث أو هبة، أو ملك زيد ولد فاطمة الحر بميراث، أو ملكت فاطمة ولد زيد الحر بميراث أو هبة، أو ملك زيد مكاتب فاطمة بميراث أو هبة، أو ملكت فاطمة مكاتب زيد بميراث أو هبة، أو ملك بعض ذلك: فإنه ينفسخ النكاح والزواج في تلك الصور كلها، وهذا الفسخ لا يُحسب طلاقًا، ولا يُعدُّ منها، فلو أعتقها ثم تزوجها، أو بالعكس: فإن لهما التطليقات كاملة؛ للتلازم؛ حيث إن كون ملك اليمين أقوى من النكاح - حيث إنه يعم الخدمة، وحلَّ البضع كما تقدم - يلزم منه: أن لا يجمع معه عقد أضعف منه، ويلزم من تناقض الحرية مع الرق في الأعمال: عدم اتفاقهما، ويلزم من عدم تلفظ الزوج بالطلاق صراحة، ولا كناية: عدم حسبان ذلك الفسخ من عدد الطلاق.
(45)
مسألة: كل من حرم نكاحها ووطؤها بعقد نكاح مثل: المعتدَّة، والمحرَّم نكاحها كأمهات النساء، وبناتهن، ومثل الزانية، والمطلَّقة ثلاثًا: فإنه يحرم وطؤها =
صحَّ فيمن تحل) وبطل فيمن تحرم، فلو تزوج أيِّمًا ومزوجة في عقد: صح في الأيِّم؛ لأنها محل النكاح
(46)
(ولا يصح نكاح خنثى مشكل قبل تبيّن أمره)؛ لعدم تحقق مبيح النكاح
(47)
.
= وجماعها بسبب ملك اليمين إلا الأمة الكتابية: فإنها تحل، ومن حرم نكاح حرائرهن من غير أهل الكتاب: فلا يُباح وطء الإماء منهن؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وقال: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} حيث أباح التسري بملك اليمين من الإماء، ووطئهن. وهذا عام فتدخل فيه الكتابيات، الثانية: القياس؛ وهو من وجهين: أولهما: أنه إذا حرم عقد النكاح؛ لكونه طريقًا إلى الوطء: فإنه يحرم الوطء المباشر للأمة من باب أولى، والجامع: حفظ المياه من الاختلاط في كل، ثانيهما: كما أن الأمة المسلمة يجوز التسري بها، فكذلك الأمة الكتابية، والجامع: أنهن ممن يحلُّ نكاح حرائرهن في كل.
[فرع]: نكاح الأمة الكتابية حرام؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه التسبُّب في إرقاق الولد، وإبقاؤه مع كافرة بخلاف التسري فإن الولد يكون حرًا، وهي تكون أم ولد كما سبق.
(46)
مسألة: إذا تزوج ونكح زيد على امرأتين بعقد واحد: فالأولى هي التي يحلُّ له نكاحها والثانية لا يحلُّ نكاحها حال العقد - كأن تكون الأولى مطلَّقة، أو متوفى عنها زوجها، أو أجنبية، والثانية تحت زوج حي، أو أخته -: فإنه يصح نكاح الأولى في ذلك العقد؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الأولى محلًا قابلًا للنكاح: صحته، ويلزم من كون الثانية محلًا غير قابل للنكاح: عدم صحته.
(47)
مسألة: الخنثى المشكل - وهو من له آلة ذكر وآلة أنثى - لا يصح تزوجه بامرأة، ولا يصح تزوجه برجل إلى أن يتّضح أمره، أما إن قال:"أنا ذكر": لم يتزوج إلا امرأة، وإن قال:"أنا امرأة": لم يتزوج إلّا رجلًا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الشخص لو اشتبهت أخته من الرضاع بعدد قليل من الأجنبيات: لما صح نكاحهن جميعًا، فكذلك لو كان خنثى مشكل لا يصح تزوجه برجل ولا بامرأة والجامع: أنه في كل منهما لم يتحقَّق له وجود ما يبيح النكاح والزواج.
[فرع]: إن تزوج الخنثى المشكل امرأة ثم بعد ذلك قال: "أنا امرأة": فإن زواجه ينفسخ، ويلزمه المهر كاملًا إن كان بعد الدخول، ونصف المهر إن كان قبله؛ للتلازم؛ حيث يلزم من إقراره ذلك: بطلان نكاحه، ويلزم من الدخول وعدمه: ما يستحقه من المهر كالرجل العادي.
[فرع ثان]: إن تزوج الخنثى المشكل رجلًا، ثم بعد ذلك قال:"أنا رجل": لم يقبل قوله، بل لا بد من قول من تزوج، ولا مهر له؛ للتلازم؛ حيث يلزم من قوله هذا إزالة نكاحه وزواجه هذا.
هذه آخر مسائل باب: "المحرمات في النكاح على التأبيد، وإلى أمد"، ويليه باب:"حكم ما يشترطه أحد الزوجين في عقد النكاح على الآخر، والعيوب التي تفسخ النكاح والتي لا تفسخه".
باب الشروط والعيوب في النكاح
والمعتبر من الشروط: ما كان في صلب العقد، أو اتفقا عليه قبله، وهي قسمان:"صحيح" وإليه أشار بقوله: (إذا شرطت طلاق ضرتها، أو أن لا يتسرَّى، أو أن لا يتزوج عليها أو) أن (لا يخرجها من دارها أو بلدها) أو أن لا يفرق بينها وبين أولادها أو أبويها، أو أن ترضع ولدها الصغير (أو شرطت نقدًا معينًا) تأخذ منه مهرها (أو) شرطت (زيادة في مهرها: صحَّ) الشرط، وكان لازمًا: فليس للزوج فكُّه بدون إبانتها، ويسن وفاؤه به (فإن خالفه: فلها الفسخ) على التراخي؛ لقول عمر - للذي قضى عليه بلزوم الشرط حين قال: إذًا يُطلقننا -: "مقاطع الحقوق عند الشروط"
(1)
، وإن شرط: أن لا يُخرجها من منزل أبويها، فمات أحدهما بطل
باب حكم ما يشترطه أحد الزوجين في صلب عقد النكاح على الآخر أو قبله والعيوب التي تفسخ النكاح والتي لا تفسخه
وفيه: ثلاثون مسألة:
(1)
مسألة: إذا اشترطت المرأة شروطًا في صلب العقد أو قبله لا تخالف الشرع: كأن تشترط أن يطلق ضرتها؛ أو تشترط: أن لا يتسرَّى عليها، أو تشترط: أن لا ينزوج عليها، أو تشترط: أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو أن لا يسافر بها، أو تشترط: أن لا يُفرِّق بينها وبين أولادها، أو أبويها، أو تشترط: أن ترضع ولدها الصغير، أو تشترط نفقة ولدها وكسوته عليه أو تشترط زيادة في مهرها، أو تشترط نقدًا معينًا كالذهب، أو الدولار، أو الريال تأخذ منه مهرها أو تشترط أن لا يسافر عنها، أو تشترط أثاثًا ومتاعًا معينًا، ونحو ذلك من الشروط وقبل الزوج هذه الشروط: فإنها تصح. ويجب على الزوج الوفاء بأي شرط اشترطته عليه، فإن خالف أيَّ شرطٍ اشترطته عليه عند العقد مما سبق: فلها الحق في فسخ النكاح، إلّا إذا وُجد من المرأة المشترطة ما يدلُّ على الرضى =
الشرط
(2)
، القسم الثاني فاسد، وهو: أنواع: أحدها: نكاح الشغار، وقد ذكره بقوله:(وإذا زوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ففعلا) أي: زوج كل منهما
= من قول، أو فعل أو نحو ذلك، وهذا الفسخ يكون على التراخي؛ للتأكد، لقواعد: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال: "المسلمون على شروطهم" فبيَّن الشارع أن المسلم الحق هو الذي يفي بما التزمه من شروط إذا لم تخالف الشرع، ويدل بمفهوم الحصر على أن من لم يفِ بالشروط التي التزم بها فليس بمسلم، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من عدم وفاء الزوج بما اشترطته المرأة عليه: أن يكون عقد النكاح على غير تراضٍ، وهذا يبطل النكاح؛ لتخلُّف شرط من شروط النكاح - كما سبق بيانه - فلذلك وجب الوفاء به ولها حق فسخه؛ لأنه من حقها؛ الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن عمر وكثير من الصحابة قد أجازوا هذه الشروط، الرابعة: المصلحة؛ حيث إن فسخ المرأة للنكاح بسبب عدم وفاء الزوج بشرطها هو لدفع الضرر عن نفسها، وهذا يكون على التراخي والتأني؛ لأجل أن تتأكد من كونه لم يف به، أو تحاول إقناعه.
[فرع]: إذا طلَّق الرجل المشروط عليه تلك المرأة المشترطة: فإن ما اشترطته عليه يسقط، فلو تزوجها مرة ثانية: لم تعد تلك الشروط؛ ولكن يُستحب أن يلتزم بالشروط ولا يُطلِّقها؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من زوال عقد النكاح بالطلاق: زوال ما تعلَّق به من شروط، الثانية: المصلحة؛ حيث إن الوفاء بالشروط أليق بالمسلم من التهرّب منها بالطلاق، فلذا كان الوفاء بها دون طلاق المرأة مستحبًا.
(2)
مسألة: إذا اشترطت المرأة على الزوج: أن لا يخرجها من منزل والديها، وقبل ذلك الزوج، فمات أحد والديها: فإن الشرط يبطل، ويُسكنها بأي مكان أراد؛ للتلازم؛ حيث إن المنزل آل إلى أحدهما؛ فلم يوجد الشرط بكامله: فكان له الحق في إخراجها منه؛ لفقدان كامل الشرط.
الآخر وليته (ولا مهر) بينهما: (بطل النكاحان)؛ لحديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن الشِّغار، والشغار:"أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق" متفق عليه
(3)
، وكذا: لو جعلا بضع كل واحدة مع دراهم معلومة
(3)
مسألة: نكاح الشغار باطل، وصفته: أن يشترط زيد ولي فاطمة على عمرو ولي عائشة بأنه لن يزوجه فاطمة إلّا إذا زوّجه عائشة فإذا حصل ذلك بأن تزوج كل منهما مولية الآخر، بدون مهر مسمَّى بينهما: فإن الشرط فاسد، ويبطل النكاحان: سواء سكتا عن تسمية مهر لكل واحدة، أو نفيا المهر صراحة، فيكون بضع هذه ببضع هذه فيفرق بينهما - وهذا الذي يسمَّى بـ "نكاح الشِّغار"؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث "نهى صلى الله عليه وسلم عن الشِّغار، والشِّغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق" والنهي هنا مطلق، فيقتضي التحريم والفساد والبطلان، وفي رواية لمسلم:"والشغار أن يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك، وأزوجك ابنتي، وزوجني أختك، وأزوجك أختي" - كما رواه أبو هريرة - الثانية: فعل الصحابي؛ حيث إن عمر وزيد، ومعاوية قد فرقا فيه بين الزوجين لما وقع مثله؛ فإن قلتَ: لِمَ فسد ذلك ويبطل النكاحان؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن الشارع لما حثَّ على النكاح والزواج كان ذلك لمصلحة الزوجين فقط، لأجل أن يُحصنا أنفسهما، ويرزقا بأولاد - وغير ذلك من الحِكَم السابق ذكرها - فإذا جاءت صفة نكاح الشغار السابق ذكرها: كان النكاح لمصلحة الأولياء فقط، وهذا لم يرد به الشرع، ولم يلتفت إليه، ولذلك جعل الشارع المهر حقًّا لها، فلا يجوز للولي أن يسقطه، فإن قلتَ: لِمَ سمي بنكاح الشغار؟ قلتُ: نظرًا لقبحه؛ حيث شبهه برفع الكلب رجله ليبول، فكأن كل واحد من الوليين رفع رجله للآخر عمّا يريد.
[فرع]: لا فرق بين أن يقول أحد الوليين للآخر: "أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك" أو يقول: "أزوجك ابنتي على أن تزوجني أختك" أو نحو =
مهرًا للأخرى (فإن سمِّي لهما) أي: لكل واحدة منهما (مهر) مستقل غير قليل بلا حيلة: (صح) النكاحان، ولو كان المسمى دون مهر المثل، وإن سمي لإحداهما دون الأخرى: صح نكاح من سمي لها فقط
(4)
والثاني: نكاح المحلِّل، وإليه أشار بقوله:
= ذلك مما يدل على أن المقصد مصلحة الوليين.
(4)
مسألة: إذا قال وليا المرأتين صفة الشِّغار - السابق ذكرها في مسألة (3) - وسَمَّيا مهرًا لكل واحدة، أو لإحداهما دون الأخرى: فإن النكاحان لا يصحان، ويُفرَّق بينهما؛ لقواعد: الأولى: قول الصحابي؛ حيث إن العباس بن عبد الله بن العباس قد أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وكانا قد جعلا صداقًا فكتب معاوية إلى مروان فأمره أن يفرق بينهما، وقال في كتابه:"هذا هو الشغار الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم " فهذا تفسير لنهي النبي عن الشغار، وهو من صحابي فيكون حجة؛ الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنهما لو لم يُسمِّيا مهرًا: فإنه لا يصح ويفرق بينهما فكذلك إذا سمَّيا، والجامع: أنه في كل منهما قد شرط نكاح إحداهما لنكاح الأخرى، الثالثة: التلازم؛ حيث يلزم من اشتراط أحد الوليين على الآخر تزويجه موليته: فساد، النكاح، وعدم التسمية ليس بمفسد للعقد، يؤيده: أن المفوضة تسمَّى زوجة وهي لم يُسمَّ لها مهرًا - والمفوضة هي التي عقد عليها فمات زوجها قبل الدخول عليها وقبل تسمية المهر - فإن قلتَ: لِمَ حرم ذلك، ويفرق بينهما؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن تلك التسمية للمهر فيها حيلة إلى نكاح الشغار لأن الولي بطريقته هذه - سواء سمَّى مهرًا أو لا - قد رغب في الخطاب هذا لغرض أن يتزوج هو موليته، ولم يرغب به لمصلحتها، وقد يكون هناك خاطب أصلح منه، فسدًا للذرائع والحيل الفاسدة: حرّم ذلك، وفرِّق بينهما، فإن قلت: إن سُمِّي لكل واحدة منهما مهر مستقل غير قليل بلا حيلة: فإنه يصح النكاحان وإن كان ذلك المهر دون مهر المثل، وإن سُمِّي لإحداهما دون الأخرى: صح فيمن سُمِّي لها، وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو رواية عن أحمد، وهو قول =
(وإن تزوجها بشرط: أنه متى حلَّلها للأول: طلَّقها، أو نواه) أي: التحليل (بلا شرط) يذكر في العقد، أو اتفقا عليه، قبله ولم يرجع بطل النكاح؛ لقوله عليه السلام:"ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ " قالوا بلى يا رسول الله قال: "هو المحلِّل، لعن الله المحلِّل، والمحلَّل له" رواه ابن ماجه
(5)
(أو قال) ولي (زوَّجتك إذا جاء رأس
= الشافعي؛ للسنة القولية: حيث قال ابن عمر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار، والشغار: أن يقول الرجل للرجل: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، ويكون بضع كل واحدة منهما مهرًا في الأخرى" حيث إن هذه صفة الشغار، فإذا سُمِّي لكل واحدة مهر: فلا شغارًا فتُلزم صحته. قلتُ: عنه جوابان: أولهما: أن معاوية قد فسَّر هذا الحديث بأن الشغار هو تلك الصفة وإن سُمِّي لكل واحدة مهر - كما سبق - وتفسير الصحابي حجة على تفسير غيره، ثانيهما: أن الحيل محرمة صغيرها وكبيرها، لا سيما إذا لم نعلم الحقيقة؛ لكون هذا بين العبد وربه، ولكن ما يظهر هو: أنه لو لم يزوجه الأول ابنته: فإن الثاني لا يزوجه ابنته؛ وتسمية المهر مجرد تغطية على ذلك المقصد فقط، وما هذا شأنه لا يأتي به الشرع، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلت: سببه: "تعارض لفظ حديث النهي عن الشغار ومقصده" وأيضًا: "الاختلاف في تفسير حديث النهي عن الشغار".
(5)
مسألة: نكاح المحلِّل باطل، وصفته: أن يطلق زوج امرأته ثلاثًا، فلا تحل له إلا بعد أن تتزوج زوجًا آخر زواجًا شرعيًا فيه جماع ووطء، فإذا طلَّقها الثاني: حلَّت للأول، لكن إن تزوجها الثاني على نيّة أنه سيُحلِّلها للأول، فإذا تزوّجها ذلك الزواج الثاني: طلَّقها أي نوى الثاني التحليل للأول: فإن النكاح الثاني باطل، ويفرق بينهما: سواء ذكر في عقد نكاح الزوج الثاني: أن مقصده تحليلها للأول واتفق على ذلك أو لم يذكر، وسواء طلَّقها الثاني، أو لم يطلِّقها: فإنه يبطل ويفرق بينهما كما قلنا، وسواء قال الولي:"زوجتكها إلى أن تطأها" أو شرط: أنه إذا أحلّها فلا نكاح بينهما، أو إذا أحلَّها للأول: طلَّقها، أو لم يذكر ذلك، =
الشهر، أو إن رضيت أمها) أو نحوه، مما علق فيه النكاح على شرط مستقبل، فلا ينعقد النكاح - غير "زوجت، أو قبلت إن شاء الله" فيصح كقوله: "زوَّجتكها إذا كانت بنتي" أو "إن انقضت عدتها" وهما يعلمان ذلك، أو:"إن شئت" فقال: "شئت
= وهذا المسمَّى بـ "نكاح المحلِّل"؛ لقواعد: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المحلِّل والمحلَّل له" واللَّعن عقاب، ولا يُعاقب إلا على فعل حرام، ولا يُقرُّ فعل الحرام، بل ينكر بالتفريق بينهما، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن نكاح المتعة حرام، ويفرق بينهما - كما سيأتي - فكذلك نكاح المحلِّل مثله والجامع: أن كلًّا منهما نكاح إلى مدَّة وبشرط، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك ثبت عن عمر، وابنه، وعثمان، وعلي، وابن مسعود وابن عباس، وقال عمر - وهو يخطب الناس -:"والله لا أوتي بمحلِّل ولا محلَّل له إلا رجمتهما" فإن قلتَ: لِمَ حرم ذلك، ويُفرق بينهما؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن المقصد من مشروعية النكاح هو: إعفاف كل من الزوجين، والاستيلاد، والاستمرار على ذلك ونكاح المحلِّل: لم يقصد به ذلك، ولم ينوِ به إلا مصلحة المحلِّل والمحلَّل له، فبطل؛ لكونه غير شرعي.
[فرع]: إن شرط الولي على الزوج الثاني أن يُحلَّها لزوجها الأول قبل العقد، فنوى بالعقد غير ما شرط عليه، وقصد نكاح رغبة واستمرار: فإن عقد ونكاح الثاني صحيح؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أنه لو لم يذكر شرط التحليل ولم ينو: فإنه يصح النكاح، فكذلك إذا نوى وقصد الثاني نكاح رغبة واستمرار والجامع: خلوّ العقد عن نية التحليل وشرطه، الثانية: التلازم؛ حيث إن العقد يبطل بنية الزوج الثاني فقط؛ وحيث إنه هو الذي بيده المفارقة والإمساك، أما المرأة فلا تملك رفع العقد فوجود نيتها وعدمها سواء، والزوج الأول لا يملك شيئًا من العقد ولا من رفعه فهو أجنبي كسائر الأجانب فيلزم من ذلك أن المرجع هو الزوج الثاني: فإن نوى نكاح رغبة واستمرار صح، وإن نوى تحليلًا لم يصح.
وقبلتُ" ونحوه: فإنه صحيح - (أو) قال ولي: "زوَّجتك و (إذا جاء غدٍ) أو وقت كذا (فطلقها، أو وقَّته بمدَّة) بأن قال: "زوجتكهما شهرًا، أو سنة" أو يتزوج الغريب بنية طلاقها إذا رجع: (بطل الكل) وهذا النوع هو: نكاح المتعة قال سبرة: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى نهانا عنها" رواه مسلم
(6)
.
(6)
مسألة نكاح المتعة باطل، وصفته: أن يتزوج رجل امرأة مدَّة معيّنة فقط، وينوي ذلك: كأن يقول ولي له: "زوجتك ابنتي شهرًا" أو يقول: "زوجتك إن رضيت أمها" أو يقول: "زوجتك إن رضي فلان" أو يقول: "زوجتك فإذا جاء غد فطلِّقها" أو يقول: "زوجتك فإذا مضى أسبوع فطلقها" أو أن يؤقت الزواج بمدة معينة معلومة، كأن يقول:"زوجتك شهرًا" أو "زوجتك إلى انقضاء الموسم" أو "زوجتك إلى قدوم الحاج" أو مدة مجهولة كأن يقول: "زوجتك إلى أن تهب الرياح، أو يأتي المطر" فإذا جاء آخر الوقت: فطِّلقها، أو أن يتزوج رجل بنية طلاق من تزوجها إذا رجع إلى بلاده، أو إذا قدم الحاج، أو إذا انتهى الموسم، أو نحو ذلك مما ينوى بالنكاح مدَّة طويلة أو قصيرة: فكل ذلك نكاح باطل، يجب أن يفرق بينهما، لقواعد الأولى: السنة القولية؛ حيث "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء" والنهي هنا مطلق، فيقتضي التحريم والفساد، وهذا ورد عنه بروايات مختلفة الأمكنة والأزمنة، فورد ذلك في حجة الوداع بمكة، وورد ذلك النهي في يوم خيبر، وكلها تؤيد ذلك النهي، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن تحريم نكاح المتعة قد ثبت عن عمر وعلي، وابن مسعود وابن الزبير، وقال ذلك ابن عباس في آخر فتاويه، فإن قلتَ: لِمَ حرم ذلك، ووجب التفريق فيه؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن المقصد من مشروعية النكاح هو: الإعفاف، والاستيلاد، والاستمرار على ذلك، ونكاح المتعة لم يقصد به إلا الاستمتاع فقط، وهذا لم ينظر إليه الشارع إلا تبعًا، فبطل؛ لكونه لم يرد به الشرع، فإن قلتَ: إنه روي عن ابن عباس جواز نكاح المتعة، وهو ما أخذ وهو به بعض الطوائف، قلتُ: إن ابن عباس قد رجع عن قوله هذا فيما =
(فصل): (وإن شرط: أن لا مهر لها أو) أن (لا نفقة) لها (أو) شرط (أن يقسم لها أقل من ضرتها، أو أكثر) منها (أو شرط فيه) أي: في النكاح (خيارًا أو) شرط (إن جاء بالمهر في وقت كذا، وإلا فلا نكاح بينهما)، أو شرطت: أن يسافر بها، أو أن تستدعيه لوطء عند إرادتها، أو أن لا تسلِّم نفسها إلى مدَّة كذا، ونحوه:(بطل الشرط)؛ لمنافاته مقتضى العقد، وتضمنه إسقاط حق يجب به قبل انعقاده (وصح النكاح)؛ لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد، لا يُشترط ذكره، ولا يضر الجهل به فيه
(7)
. (وإن شرطها مسلمة) أو قال وليها: "زوجتك هذه المسلمة" أو ظنها
= ثبت عنه. فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في ابن عباس هل رجع عن قوله بالمتعة أو لا؟ فعندنا: رجع وعندهم: لا.
[فرع]: إذا شرط الولي قائلًا: "زوجتك إن شاء الله" أو قال: "قبلتُ إن شاء الله"، أو قال الولي:"زوجتكها إذا كانت بنتي" أو قال: "زوجتكها إن انقضت عدّتها" والعاقدان يعلمان أنها بنته، وأنها انقضت عدّتها أو قال الولي:"زوجتك إن شئت" فقال الزوج: "شئتُ وقبلت" ونحو ذلك من الشروط: فإن العقد والنكاح يصح؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ذلك ليس بتعليق حقيقة، بل تأكيد وتقوية صحة العقد والنكاح.
(7)
مسألة: إذا شرط الزوج عند عقد النكاح: "أن لا مهر لها" أو "أن لا نفقة لها" أو "أن يقسم لها أقل من ضرتها" أو "أن يقسم لها أكثر من ضرّتها" أو: "إن جاء بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما" أو شرطت هي: "أن يُسافر بها" أو "أن تدعوه لوطئها عندما تريد" أو "أن تسلِّم نفسها له مدَّة كذا": فإن الشرط يبطل في تلك الصور، ويصح النكاح؛ للتلازم؛ حيث يلزم من منافاة تلك الشروط لما يقتضيه عقد النكاح من الوفاء بما اشتُرط إسقاطه: عدم صحتها ويلزم من كون تلك الشروط ترجع إلى معنى زائد عمّا اقتضاه العقد ولا يضر الجهل به فيه: صحة النكاح.
مسلمة، ولم تعرف بتقدُّم كفر:(فبانت كتابية): فله الفسخ؛ لفوات شرطه (أو شرطها بكرًا، أو جميلة، أو نسيبة، أو) شرط (نفي عيب لا ينفسخ به النكاح): بأن شرطها سميعة، أو بصيرة، (فبانت بخلافه: فله الفسخ)؛ لما تقدَّم
(8)
، وإن شرط صفة فبانت أعلى منها: فلا فسخ
(9)
، ومن تزوج امرأة وشرط أو ظنَّ أنها حرَّة، ثم تبيَّن أنها أمة:
(8)
مسألة: إذا شرط الزوج عند عقد النكاح: "كونها مسلمة" أو صرَّح الولي قائلًا: "زوَّجتك هذه المسلمة" وأشار إليها، أو أن الزوج نفسه غلب على ظنه: أنها مسلمة؛ حيث لم تعرف بكفر، فبانت كتابية، أو شرط:"كونها جميلة" فبانت قبيحة، أو شرط:"أن تكون نسيبة" فبانت وضيعة، أو شرط: كونها طويلة، فبانت قصيرة، أو شرط: كونها بيضاء، فبانت: سمراء أو سوداء، أو شرط: كونها بكرًا فبانت ثيبًا، أو شرط: كونها سميعة فبانت صماء، أو لا تسمع إلا بأذن واحدة، أو شرط: كونها بصيرة فبانت عمياء أو عوراء: فللزوج فسخ النكاح في تلك الصور إن شاء، ويأخذ المهر الذي دفعه سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من فوات المتفق عليه: استحقاقه لفسخ النكاح وأخذ ما دفعه من مهر؛ لكونه قد غُرِّر به، فيتحمل الذي غرَّه ذلك وسيأتي بيانه؛ فإن قلت: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه منع الغش والغرر، وأكل مال الناس بالباطل.
(9)
مسألة: إذا شرط الزوج صفة في المرأة التي يريد أن يتزوجها فبانت بأحسن من تلك الصفة كأن يشترط: كونها قصيرة فبانت طويلة، أو اشترط: كونها سمراء فبانت بيضاء: فله الفسخ أيضًا ويرد عليه ما دفعه من مهر؛ للتلازم؛ وقد ذكرناه في مسألة (10)، فإن قلتَ: ليس له الفسخ في هذه الصورة، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للمصلحة حيث إن ذلك فيه زيادة خير فيها، فجاءه ما اشترطه وزيادة. قلتُ: هذا لا يُسلَّم؛ لأن الزوج لم يشترط ذلك الشرط - وهو كونها قصيرة، أو سمراء، أو نحو ذلك - إلا لأن مصلحته قد اقتضت ذلك، فقد يناسب شخصًا ما =
فإن كان ممن يحل له نكاح الإماء: فله الخيار، وإلا: فرق بينهما وما ولدته قبل العلم حر يفديه بقيمته يوم ولادته، وإن كان المغرور عبدًا فولده حر أيضًا يفديه إذا عتق، ويرجع زوج بالفداء والمهر على من غرَّه
(10)
، ومن تزوجت رجلًا على أنه حر أو تظنه حرًا، فبان عبدًا: فلها الخيار
(11)
(وإن عتقت) أمة (تحت حر: فلا خيار
= لا يناسب الآخر، ولولا ذلك: لما ارتزق الخلق، "وللناس فيما يعشقون مذاهب" فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "اختلاف المصلحتين".
(10)
مسألة: إذا تزوج الحر امرأة وشرط: "كونها حرَّة"، أو غلب على ظنه أنها حرَّة: فبانت أنها أمة: فله الخيار: إن شاء فسخ هذا النكاح وإن شاء أمسك إن كان ممن يحل له أن ينكح الإماء - وهو من لم يجد طولًا، وخاف العنت على نفسه كما سبق - أما إن كان ممن لا يحل له أن ينكح الإماء - وهو الذي يجد الطول، أو لم يخف على نفسه العنت -: فالنكاح باطل، ويفرق بينهما، أما ما تلده تلك المرأة: فإنه يكون حرًا إن كان قبل علم الزوج الحر بكونها أمة، يفديه بقيمته عند ولادته، وإن تزوج عبد امرأة بناء على أنها حرة، فبانت أمة: فإن ولده حر أيضًا، يفديه يوم ولادته إذا عتق، ويأخذ المغرور من زوج وعبد قيمة ولده ممن غرَّه - وكذلك يأخذ منه المهر إن فسخ النكاح؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من وجود عقد قد غُرَّ فيه: ثبوت الخيار للمغرور كالبيع، ويلزم من كون ذلك الرجل لا يصح زواجه بالأمة: وجوب التفريق بينهما، ويلزم من وقوع الغرر والتضليل: أن يكون ولده حرًا، يأخذ ثمن حريته ممّن غرَّه، الثانية: قول الصحابي؛ حيث ثبت عن عمر، وعلي، وابن عباس: أنه يُفدى ما ولد حيًا بقيمته، ويكون حرًا؛ لكونه قد قصد بالنكاح حرية الأولاد، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حماية حقوق المسلم من أن يؤخذ ماله بغير حق.
(11)
مسألة: إذا تزوجت الحرة رجلًا وشرطت: "كونه حرًا" أو غلب على ظنها أنه حر: فبان عبدًا: فلها الخيار، إن شاءت فسخت هذا النكاح، وإن شاءت =
لها)؛ لأنها كافأت زوجها في الكمال، كما لو أسلمت كتابية تحت مسلم (بل) يثبت لها الخيار إن عتقت كلها (تحت عبد) كله؛ لحديث بريرة وكان زوجها عبدًا أسود، رواه البخاري وغيره عن ابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم
(12)
، فتقول: "فسخت
= أمضته؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود عقد قد غُرَّ فيه: ثبوت الخيار للمغرور كالبيع - كما قلنا في الرجل إذا غر في مسألة (10) -، والمقصد منه: نفس المقصد من مسألة (10).
(12)
مسألة: إذا تزوج حر أمة - وكان يجوز له نكاحها بأن كان لا يجد طولًا، وخشي العنت -، ثم عتقت تلك الأمة بأي طريق، أو تزوج عبد أمة، ثم عتقت الأمة - بأي طريق -: فلها الخيار في الصورتين فإن شاءت فسخت النكاح، وإن شاءت أمضته؛ لقاعدتين: الأولى: السنة التقريرية؛ حيث إن بريرة كانت تحت عبد يُقال له مغيث، فلما أعتقتها عائشة، تركت مغيثًا، ولم ترده، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأراد أن يشفع بردها، فقالت: يا رسول الله: أتأمرني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا إنما أنا شافع" فأقرّها صلى الله عليه وسلم على فسخها النكاح، ولم تقبل شفاعته فيه، فلو لم يكن لها حق الخيار: لما أقرها عليه؛ وبيَّن تحريمه؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنه لو كان زوجها عبدًا لكان لها الخيار - كما في خبر بريرة - فكذلك يكون لها الخيار إذا كان زوجها حرًا، والجامع: أنها في كل قد كملت بالحرية، أي ملكت رقبتها وبضعها، فلا يملك ذلك عليها إلا باختيارها، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك يعطيها حقها من الحرية واختياراتها، فإن قلتَ: إن عتقت أمة تحت حر فلا خيار لها - وهي الصورة الأولى - وهذا ما ذكره المصنف هنا، وهو مذهب الجمهور، لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن الكتابية لو أسلمت وهي تحت مسلم: لا خيار لها، فكذلك الأمة لو أعتقت وهي تحت حر لا خيار لها، والجامع: أن كلًّا منهما قد كافأت وساوت زوجها في الكمال، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك ثبت عن =
نكاحي" أو "اخترت نفسي" ولو متراخيًا
(13)
، ما لم يوجد منها دليل رضى: كتمكين من وطء، أو قبلة، ونحوها ولو جاهلة
(14)
،
= ابن عمر، وابن عباس قلتُ: أما القياس: فلا يُسلَّم الأصل فيه؛ حيث إن الكتابية لو أسلمت فلها الخيار، والفرع يكون مثل ذلك، أما قول الصحابي - ابن عمر وابن عباس -: فهو اجتهاد منهما قياسنا أقوى منه، فإن قلت: ما منه، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" و "تعارض القياس وقول الصحابي".
(13)
مسألة: إذا اختارت المرأة فراق زوجها - في مسألتي (11 و 12) قائلة: "اخترت نفسي" أو "فسخت نكاحي": فإن هذا يكون فسخًا، ولا يسمَّى طلاقًا، ويصح فسخها مطلقًا: أي: سواء كان فورًا، أو على التأخر والتراخي؛ لقاعدتين: الأولى: السنة: القولية؛ حيث قال: "الطلاق لمن أخذ بالساق" فخصَّص الطلاق بالزوج فقط، دون المرأة فلا يكون فسخها طلاقًا، ولو سمته بلفظ "الطلاق"، الثانية: القياس، وهو من وجهين: أولهما: كما أنه لو كفر الزوج: فإنه يفرق بينهما ويُسمَّى ذلك فسخًا، لا طلاقًا، فكذلك الحال هنا، والجامع: أنه في كل منهما فرقة من قبل الزوجة، ثانيهما: كما أن فسخ البيع في خيار العيب يثبت ولو تأخر اكتشاف العيب، فكذلك خيار فسخ النكاح يثبت ولو تأخر، والجامع: جلب المصلحة، ودفع المفسدة، وهو المقصد منه.
(14)
مسألة: إذا علمت المرأة بعتقها وهي تحت حر، أو عبد - كما سبق في مسألة (12) - ووجد دليل منها يدل على رضاها بزوجها، وأنها لا تريد فسخ نكاحها مثل: أن تمكّنه من وطئها، أو تقبيلها أو نحو ذلك بعد علمها بالعتق فلا تفسخ النكاح بعد ذلك؛ لقاعدتين: الأولى التلازم؛ حيث إن ذلك التمكين دليل ظاهر على عزمها على عدم فسخ نكاحها. الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك ثبت عن ابن عمر وأخته حفصة.
[فرع]: إذا علم الزوج أن امرأته قد عتقت ولكنها هي جاهلة بعتقها، =
ولا يحتاج فسخها لحاكم
(15)
، فإن فسخت قبل دخول: فلا مهر، وبعده: هو لسيدها
(16)
.
(فصل): في العيوب في النكاح، وأقسامها ثلاثة: قسم يختص بالرجال، وقد ذكره بقوله:(ومن وجدت زوجها محبوبًا) قطع ذكره كله (أو) بعضه و (بقي له ما لا يطأ به: فلها الفسخ
(17)
، وإن ثبتت عنَّته بإقراره أو) ثبتت (ببيّنة على إقراره: أُجِّل
= ومكّنته من وطئها أو تقبيلها: فهذا لا يدل على رضاها، وعدم فسخها؛ للتلازم؛ حيث إن تمكينها له من نفسها مع جهلها بالعتق يلزم منه: عدم رضاها بالزوج فيما لو علمت بعتقها، فإن قلتَ: إن هذا يدل على رضاها، وإن كانت جاهلة، وهو ما ذكره المصنف هنا، قلتُ: لا دليل على ذلك، بل الدليل على خلافه؛ لكونه يُعذر بالجهل.
(15)
مسألة: إذا أرادت المرأة أن تفسخ نكاحها لما علمت بأن زوجها عبد، أو أنها أعتقت - كما في مسألتي (12) و (13) -: فإن لها الحق في الفسخ بنفسها بدون إذن حاكم وقاضي؛ للقياس؛ بيانه: كما أن فسخ البيع بسبب عيب أو نحو ذلك لا يحتاج إلى إذن حاكم فكذلك فسخ النكاح مثله، والجامع: أن هذا من حق المتضرر في كل.
(16)
مسألة: إذا أرادت المرأة أن تفسخ نكاحها لما علمت بعتقها، ووقع هذا الفسخ قبل الدخول والوطء: فإنها لا تستحق مهرًا، وإن وقع هذا الفسخ بعد الدخول والوطء: فإن المهر لسيدها الذي عقد نكاحها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وقوع الفرقة من قبلها قبل الدخول: عدم استحقاقها لمهرها، ويلزم من وقوع الفرقة من قبلها بعد الدخول: استحقاقها للمهر، ولكن يكون لسيدها المتولي العقد؛ لكونها أثناء العقد هي ملكه.
(17)
مسألة: إذا وجدت المرأة زوجها مقطوع الذكر أو بعضه، ولم يبق إلّا شيء لا يستطيع الجماع به - وهو "المجبوب" -: أو مقطوع الخصيتين، أو وجد أيُّ مرض يمنع الجماع كسل لهما، أو وجاء فيجوز لها فسخ النكاح في الحال؛ للتلازم؛ =
سنة) هلالية (منذ تحاكمه) روي عن عمر، عثمان وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة؛ لأنه إذا مضت الفصول الأربعة، ولم يزل علم أنه خِلْقة (فإن وطئ فيها) أي: في السنة (وإلا فلها الفسخ) ولا يُحتسب عليه منها ما اعتزلته فقط (وإن اعترفت أنه وطئها) في القبل في النكاح الذي ترافعا فيه، ولو مرَّة:(فليس بعنِّين)؛ لاعترافها بما ينافي العنَّة، وإن كان ذلك بعد ثبوت العنة: فقد زالت
(18)
ولو قالت في وقت:
= حيث إن المقصود من عقد النكاح هو الوطء والاستمتاع والاستيلاد فيلزم من وجوده عند الذكر: أن تفسخ النكاح إن شاءت؛ لكون ذلك يمنع المقصد.
(18)
مسألة: إذا لم يقدر الزوج - حرًا أو عبدًا - على إيلاج ذكره في قبل المرأة - وهي: العنَّة -، أو ثبتت تلك العنة بإقراره، أو ببينة على إقراره: فإنهما يتحاكمان إلى القاضي، أو إلى أي عالم، ثم يؤجَّل سنة كاملة منذ وقت تحاكمهما فإن استطاع إيلاج ذكره في قبلها وثبت ذلك باعتراف الزوجة، ولو مرة في تلك السنة: فليس بعنِّين، بل عادي، وإن كان هذا الإيلاج بعد ثبوت العنَّة: فإنه يُحكم بزوال تلك العِنَّة، أما إن لم يستطع الإيلاج طوال السنة كلها: فإنها تستحق أن تفسخ نكاحها إن شاءت؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إن مضي الفصول الأربعة للسنة - وهي الصيف، والخريف، والشتاء، والربيع - وهو لم يزل على حاله - لم يستطع الإيلاج - فيلزم منه أن العنة خِلْقَة، لا من مرض ويلزم منه: استحقاقها لفسخ نكاحها؛ لمخالفة ذلك لمقتضى عقد النكاح، ويلزم من قدرته على الإيلاج ولو مرة واحدة في تلك السنة باعتراف زوجته: نفي العنة عنه، وشفائه منها، ويلزم من إقرارها بوطئها مرة واحدة: سقوط حقها في فسخ النكاح، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن تأجيله سنة كاملة قد ثبت عن عمر، وعثمان، وابن مسعود، والمغيرة، فإن قلتَ: لم يؤجَّل سنة كاملة؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن العنة قد تكون حصلت بسبب اختلاف الأمزجة، والجو؛ فإن كانت العنة بسبب يبوسة: زال في فصل الرطوبة، وإن كان بسبب رطوبة: زال في فصل اليبوسة، وإن كان بسبب =
رضيتُ به عِنِّينًا: سقط خيارها أبدًا)؛ لرضاها به كما لو تزوجته عالمة عنَّته
(19)
.
(فصل): (و) القسم الثاني يختص بالمرأة، وهو (الرَّتق): بأن يكون فرجها مسدودًا، لا يسلكه ذكر بأصل الخِلْقة (والقرن): لحم زائد ينبت في الفرج فيسدُّه (والعفل): ورم في اللحمة التي بين مسلكي المرأة، فيضيق منها فرجها، فلا ينفذ فيه الذكر (والفتق): انخراق ما بين سبيليها، أو ما بين مخرج بول ومني (واستطلاق بول ونجو) أي: غائط منها، أو منه (وقروح سيَّالة في فرج) واستحاضة
(20)
(و) من القسم
= برد: زال في فصل الصيف، وإن كان بسبب حر: زال في الشتاء وإن كان بسبب عدم الاعتدال: زال في فصل الاعتدال.
[فرع]: إذا اعتزلته المرأة بنشوز أو مرض فلا يحسب وقت اعتزالها من السنة، وإذا اعتزلها هو، أو سافر، فإنه يحسب من السنة؛ للتلازم؛ حيث إن من حقه وقت اعتزالها فيلزم عدم احتسابه من السنة.
(19)
مسألة إذا قالت المرأة: "إني رضيت بهذا وإن كان عنينًا" أو "أسقط حقي من الفسخ": فإنه لا خيار لها، فلا يجوز لها الفسخ أبدًا؛ للقياس؛ بيانه: كما أنها لو تزوجته وهي عالمة بأنه عنِّين: فلا خيار لها فكذلك لو ثبتت عنته بعد زواجها منه، ثم رضيت به بقولها: فلا خيار لها، والجامع إعلان رضاها به، ودخولها على بصيرة.
(20)
مسألة: يثبت الخيار للزوج - في فسخ النكاح أو عدمه - بأي عيب في زوجته يُنفر عن الاستمتاع بالجماع أو عن كماله مثل: 1 - "الرَّتق" وهو: التصاق الشفرين بأصل الخلقة، فيتسبَّب بسدِّ فرجها، فلا يسلكه الذكر، 2 - "القَرْن" وهو قطعة لحم تنبت في الفرج فتسدُّه، فتمنع دخول الذكر، 3 - "العَفَل" وهو: ورم في اللحمة الموجودة بين مسلكي المرأة، فيتسبَّب في ضيق فرجها، فيصعب إدخال الذكر فيه وقيل: إن العفل: رطوبة تخرج من فرجها باستمرار تمنع من اللذة - شبيهة بالاستحاضة - وهذا أولى؛ لأن تفسير العفل بالأول هو القرن، 4 - =
الثالث وهو: المشترك (باسور، وناصور) وهما داآن بالمقعدة (و) من القسم الأول (خصاء) أي: قطع الخصيتين (وسل) لهما (ووجاء) لهما؛ لأن ذلك يمنع الوطء، أو يُضعفه، (و) من المشترك:(كون أحدهما خنثى واضحًا) أما المشكل: فلا يصح نكاحه - كما تقدم - (وجنون ولو ساعة، وبرص، وجذام) وقرع رأس له ريح منكرة، وبخر فم:(يثبت لكل واحد منهما الفسخ)؛ لما فيه من النفرة، (ولو حدث بعد العقد) والدخول كالإجارة
(21)
(أو كان بالآخر عيب مثله) أو مغاير له؛ لأن الإنسان يأنف
= " الفَتْق" وهو: انخراق ما بين السبيلين - وهما: القبل والدبر - وقيل: انخراق ما بين مخرج البول، ومخرج المني منها، وهو مانع من الاستمتاع، 5 - قروح سيَّالة في فرجها: يمنع لذَّة الجماع. 6 - استحاضة - وهو: دم يخرج من فرج المرأة على استمرار - وقد سبق بيانه - وهو يمنع لذة الجماع، فهذه العيوب وأمثالها تجيز للزوج فسخ نكاحه، ويأخذ كامل المهر الذي دفعه من الذي غرَّه، لا من الزوجة - وسيأتي -؛ للتلازم؛ حيث إن المقصود من عقد النكاح هو: الوطء؛ للاستمتاع والاستيلاد، والإعفاف وهذه العيوب تمنع ذلك فيلزم استحقاقه للخيار، فإن شاء فسخ النكاح، وإن شاء أمسك،
تنبيه: استطلاق بول أو غائط من العيوب المشتركة بين الرجل والمرأة وسيأتي في مسألة (21).
(21)
مسألة: يثبت الخيار للزوج والزوجة - من فسخ النكاح أو عدمه - بأي عيبٍ وُجد في أحدهما من العيوب المشتركة التالية: 1 - إذا استطلق بول أحدهما أو غائطه واستمر خروجه: فإن للسليم منهما فسخ النكاح إن شاء. 2 - إذا اتضح أن أحد الزوجين خنثى واضح غير مشكل، فإن للصحيح منهما فسخ النكاح إن شاء. 3 - إذا وجد جنون أحدهما ولو ساعة، أو وجد برص بأحدهما أو وجد بأحدهما جذام - وهو مرض يتسبَّب في تناثر اللحم -، فإن للسليم منهما فسخ النكاح إن شاء. 4 - إذا ظهرت ريح منكرة من رأس أحدهما أو إبطه أو فمه =
من عيب غيره، ولا يأنف من عيب نفسه
(22)
(ومن رضي بالعيب): بأن قال: "رضيتُ به"(أو وجدت منه دلالته) من وطء، أو تمكين منه (مع علمه) بالعيب:(فلا خيار له) ولو جهل الحكم، أو ظنّه يسيرًا فبان كثيرًا؛ من جنس ما رضي به
(23)
(ولا
= واستمرّ ذلك وآذى الآخر: فللسليم منهما فسخ النكاح إن شاء، فهذه العيوب من أحدهما تجيز الخيار للآخر، ولو حدثت بعد عقد النكاح أو الدخول؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن الشخص إذا اشترى سلعة أو استأجرها فوجد فيها عيبًا: فإن له الخيار في رد تلك السلعة، أو إمضاء البيع فكذلك الحال هنا والجامع: أن كلًّا منهما عقد على عوض ومنفعة، قال ابن القيم:"كل عيب يُنفِّر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح: فإنه يوجب الخيار، وإنه أولى من البيع" الثانية: التلازم؛ وقد ذكرناه في مسألة (20).
تنبيه: قوله: "ومن القسم الأول: خصاء أي قطع الخصيتين، وسل لهما، ووجاء لهما؛ لأن ذلك يمنع الوطء أو يُضعفه" قد سبق بيانه في مسألة (17)؛ لكون مكانه هناك أنسب.
(22)
مسألة: يثبت الخيار لأحد الزوجين - من فسخ وعدمه - إذا وجد في الآخر عيبًا مما سبق، وإن كان بالأول عيب مثله كأن يكون كل واحد من الزوجين فيه استطلاق بول أو غائط، أو كل واحد منهما فيه برص مثلًا، أو كان بأحدهما عيب غير عيب الآخر كأن يكون الزوج فيه استطلاق بول، والزوجة فيها برص، ونحو ذلك؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون طبيعة الإنسان يكره عيب غيره، ولا يكره عيب نفسه: أن يكون لهما الخيار، فإن شاء أحدهما فسخ، وإن شاء أمسك.
(23)
مسألة: إذا كان في أحد الزوجين عيب، ورضي به الآخر بصريح قوله: بأن قال: "رضيتُ به" أو ظهر دليل منه يدل على رضاه من كون الزوج قد وطأ الزوجة المعيبة، أو مكَّنت الزوجة زوجها المعيب من وطئها: فإنه لا خيار لمن =
يتم) أي: لا يصح (فسخ أحدهما إلا بحاكم) فيفسخه الحاكم بطلب من ثبت له الخيار، أو يرده إليه فيفسخه
(24)
(فإن كان) الفسخ (قبل الدخول: فلا مهر) لها سواء
= رضي بهذا الطريق بشرطين: أولهما: أن يكون السليم منهما عالمًا بعيب الآخر قبل العقد أو بعده ثانيهما: أن يكون السليم عالمًا بحكم ذلك العيب وأن له الحق في فسخ النكاح إن شاء، أما إن كان جاهلًا بالعيب، أو جاهلًا بحكم ذلك من فسخ ونحوه: فله الخيار، للتلازم؛ حيث يلزم من رضى أحد الزوجين بالعيب مع علمه به، وبحكمه: سقوط خياره؛ لكونه أسقط حقًّا له قد علم به، فإن قلتَ: لا يُشترط الشرط الثاني: فلا خيار له ولو جهل الحكم، وهو ما ذكره المصنف هنا، قلت: لم أجد دليلًا على ذلك؛ بل الحكم على خلافه، لذلك اشترطناه؛ لأن الجهل يُعذر به.
[فرع]: إذا غلب على ظن أحد الزوجين أن العيب الذي في الآخر قليلًا فرضي به، فبان كثيرًا: فإن له الخيار، كمن ظن أن البرص ونحوه قليل في جسد، فبان أن كل الجسد فيه ذلك ونحو ذلك: فإن له الخيار؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تغيُّر ظنه: تغيُّر الحكم، فإن قلتَ: إنه لا خيار له: سواء كان العيب قليلًا أو كثيرًا إذا علم به ورضي به، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث إن الكثير من جنس القليل المرضي عنه فيلزم عدم التفريق قلتُ: إن الراضي بالقليل من العيوب قد لا يرضى بالكثير منها؛ لاختلاف الكثير عن القليل بالتأثير.
(24)
مسألة: إذا أراد أحد الزوجين فسخ النكاح بسبب عيب في الآخر: فإن الذي يقوم بالفسخ هو الحاكم - وهو القاضي - بطلب ممّن ثبت له الخيار، أو يجعل الفسخ إلى من ثبت له الخيار؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه إذا أعسر الزوج عن الإنفاق على زوجته وطلبت زوجته فسخ النكاح بسبب ذلك الإعسار فإن الذي يفسخه هو القاضي فكذلك الحال هنا والجامع: أنه فسخ مجتهد يعرف حدود الإعسار =
كان الفسخ منه أو منها؛ لأن الفسخ إن كان منها: فقد جاءت الفرقة من قبلها، وإن كان منه: فإنما فسخ لعيبها الذي دلَّسته عليه، فكأنه منها (و) إن كان الفسخ (بعده) أي: بعد الدخول، أو الخلوة: فـ (لها) المهر (المسمَّى) في العقد؛ لأنه وجب بالعقد، واستقرّ بالدخول فلا يسقط (ويرجع به على الغار إن وجد)؛ لأنه غرَّه، وهو قول عمر و"الغار": من علم بالعيب وكتمه: من زوجة عاقلة، وولي، ووكيل
(25)
وإن
= والعيوب وما يتعلق بذلك من الأحكام لئلا يتدخل بعض من لا علم عنده فيجعل من ليس معسرًا بمعسر والمعسر ليس معسرًا، ويجعل من لا عيب عنده بمعيب، ومن عنده عيب لا عيب عنده فيخلطون بسبب جهلهم بين حقائق الأمور.
(25)
مسألة: إذا اختار أحد الزوجين فسخ النكاح بسبب وجود عيب بالآخر وكان هذا الفسخ قبل الدخول: فإنه لا مهر للزوجة: سواء كان الفسخ قد حصل من الزوج بعيبها، أو من الزوجة بعيبه، أما إن وقع الفسخ بعد الدخول أو الخلوة أو الوطء: فإنها تستحق المهر المسمَّى عند العقد؛ ويأخذ الزوج هذا المهر ممن غرَّه - وزوَّجه تلك المرأة المعيبة إن وُجد؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من وجود الفسخ فيها قبل الدخول: سقوط المهر عنه؛ لأن المفارقة جاءت قبلها ويلزم من وجود الفسخ منه قبل الدخول: سقوط المهر عنه أيضًا؛ لكون الفسخ حصل بسبب تدليسها عليه، فلم تستحق شيئًا عليه؛ عقابًا لها ولوليها، ويلزم من وجود الفسخ بعد الدخول: ثبوت المهر لها؛ لكونه ثابتًا بسبب العقد، ومستقرًا بسبب الدخول، ويلزم من كون الزوج قد غُرِّر به أن يُطالب من غرَّه بذلك المهر الذي دفعه؛ لكونه دفعه من غير مقابل، الثانية: قول الصحابي؛ حيث ثبت عن عمر أنه قال: "أيما رجل تزوج امرأة بها جنون، أو جذام، أو برص فمسّها: فلها صداقها، وذلك لزوجها على وليها".
[فرع]: المقصود بالغارِّ: من علم العيب فكتمه: سواء كان زوجًا، أو =
طُلِّقت قبل دخول، أو مات أحدهما قبل الفسخ: فلا رجوع على غار
(26)
(والصغيرة، والمجنونة، والأمة لا تُزوج واحدة منهن بمعيب) يُردُّ به النكاح، لأن وليهن لا ينظر لهن إلّا بما فيه الحظ والمصلحة، فإن فعل: لم يصح إن علم، وإلا: صحَّ، ويفسخ إذا علم، وكذا ولي صغير، أو مجنون ليس له تزويجهما بمعيبة تُردُّ في النكاح، فإن فعل: فكما تقدَّم
(27)
(فإن رضيت) العاقلة الكبيرة محبوبًا، أو عنينًا: لم
= زوجة عاقلة، أو ولي، أو وكيل، فأي واحد من هؤلاء غرَّ الآخر: فإنه يضمن؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه حفظ حق المغرور من أحد الزوجين.
(26)
مسألة: إذا طلَّق الزوج زوجته المعيبة، أو مات الزوج، أو ماتت الزوجة المعيبة قبل أن يفسخ الزوج المغرور بتلك الزوجة المعيبة ذلك النكاح: فلا يجوز له أن يرجع ويأخذ ما دفعه من المهر من الغارِّ له، ولها المهر كاملًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم وجود الفسخ المسبِّب للرجوع على من غرَّه: عدم استحقاق الزوج أخذ ما دفعه من مهر، ويلزم من تقرر المهر بالموت: استحقاقها للمهر كاملًا بسبب الموت.
(27)
مسألة: لا يجوز لولي صغيرة، ومجنونة، وأمة أن يزوجهن برجل معيب يرد في النكاح، ولا يجوز لولي صغير، ومجنون، وعبد أن يزوجهم بامرأة معيبة تُردُّ في النكاح، فإن فعل ذلك الولي: فإنه لا يصح النكاح إن كان عالمًا بذلك العيب فيهما، وإن لم يعلم فإنه يصح، ويجب عليه أن يفسخ هذا النكاح بعد العلم؛ للمصلحة: حيث إن الولي يجب عليه أن يختار لمن تولى عليها الزوج الصالح لها، ويختار لمن تولى عليه الزوجة الصالحة، وتزويجه لهما بغير ذلك أو عدم فسخه حين العلم به خيانة للأمانة، وتغريرًا بهما، وقد يكون فيه فساد للمجتمع كله؛ إذ قد يُنجبوا أولادًا غير أسوياء، فتكثر العاهات في المجتمع، فدفعًا لذلك: شرع هذا.
تُمنع)؛ لأن الحق في الوطء لها، دون غيرها
(28)
(بل) يمنعها وليها العاقد (من) تزوج (مجنون، ومجذوم، وأبرص)؛ لأن في ذلك عارًا عليها، وعلى أهلها، وضررًا يخشى تعدِّيه إلى الولد
(29)
(ومتى) تزوجت معيبًا لم تعلمه، ثم (علمت العيب) بعد عقد: لم تجبر على الفسخ (أو) كان الزوج غير معيب حال العقد، ثم (حدث به) العيب بعده:(لم يجبرها وليها على الفسخ) إذا رضيت به؛ لأن حق الولي في ابتداء العقد، لا في دوامه
(30)
.
(28)
مسألة: إذا رضيت امرأة كبيرة عاقلة أن تتزوج مجبوبًا - وهو مقطوع الذكر أو بعضه - أو عنينًا: فلا يجوز لوليها أن يمنعها؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من كون الوطء والجماع من حقها دون غيرها: عدم جواز منعها من التزوج بمن لا يمكنه ذلك؛ لأنه حق لها قد أسقطته، والمقصد منه: مراعاة من عنده مثل هذه الأمراض.
(29)
مسألة: إذا رضيت امرأة كبيرة عاقلة أن تتزوج مجنونًا، أو مجذومًا، أو أبرصًا: فإنه يجوز لوليها أن يمنعها من ذلك؛ للمصلحة: حيث إن الزواج بمن عندهم تلك الأمراض قد يكون سببًا في تعدِّيها إلى أولادهم، فتنتشر الأمراض في المجتمع، تنبيه: قوله: "لأن في ذلك عارًا عليها وعلى أهلها" قلتُ: لا يوجد عار في ذلك، بل يمكن أن يكون ذلك مفخرة لهم؛ حيث إن تلك المرأة قد قبلت بأحد هؤلاء بسبب هذا شدِّة دينها مريدة خدمتهم، بدلًا من الوحدة التي يعيشون فيها، إذا لم يكن بينهم أولاد.
(30)
مسألة: إذا كان الزوج معيبًا قبل العقد، والزوجة لم تعلم به إلا بعد العقد، أو كان الزوج سليمًا قبل العقد، وحدث به عيب بعد العقد، ورضيت الزوجة بذلك في الصورتين: فلا يجوز لوليها أن يجبرها على فسخ هذا النكاح، وتركها لزوجها؛ للتلازم؛ حيث إن رضاها بذلك، وإن حق الولي في الاعتراض وعدمه في ابتداء العقد فقط، دون دوامه واستمراره يلزم منه عدم جواز إجبارها على فسخ هذا النكاح.
باب نكاح الكفار
من أهل الكتاب وغيرهم (حكمه كنكاح المسلمين) في الصحة، ووقوع الطلاق، والظهار، والإيلاء، ووجوب المهر، والنفقة والقسم، والإحصان، وغيرها، ويحرم عليهم من النساء من تحرم علينا
(1)
(ويقرون على فاسده) أي: فاسد النكاح (إذا اعتقدوا صحته في شرعهم) بخلاف ما لا يعتقدون حلَّه، فلا يقرون عليه؛
باب نكاح الكفار، وما يُقرون عليه لو ترافعوا إلى حكّام المسلمين أو أسلموا
وفيه: إحدى وعشرون مسألة:
(1)
مسألة: حكم أنكحة الكفار مع بعضهم كحكم أنكحة المسلمين مع بعضهم فيما يجب، وفيما يحرم، وفيما يكره، وفيما يصح، وفيما يفسد: فيحرم عليهم ما يحرم على المسلمين، ويقع طلاقهم، وتحصل المفارقة بسببه، ولو طلق ثلاثًا: فلا تصح مراجعتها إلّا بعد زوج آخر كالمسلمين، ويقع ظهارهم، وإيلاؤهم كالمسلمين ويجب المهر على الزوج، والنفقة كوجوبه على المسلمين، ويجب القسم إذا عدَّد أحدهم، والإحصان، ويلزمهم ما يلزمنا من الشروط والفسوخ، وأيضًا: يحرم عليهم من النساء من تحرم علينا: سواء كان تحرم علينا سواء كان بنسب، أو سبب ومصاهرة، أو رضاع؛ للاستقراء؛ حيث ثبت بعد الاستقراء والتتبّع لنصوص الكتاب والسنة إضافة المرأة للكافر؛ حيث قال تعالى:{وَامْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} وقال: "وامرأته حمّالة الحطب" وهذه الإضافة يلزم منها زوجية صحيحة، وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم لفظ "النكاح" على زواج الكافر؛ حيث قال:"ولدتُ من نكاح لا من سفاح"، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم كل كافر على نكاحه وزواجه لما أسلم، فلم يطلب ممن أسلم أن يعقد عقدًا جديدًا، وكل ذلك يدل على أن حكم أنكحة الكفار كأنكحة المسلمين.
لأنه ليس من دينهم (ولم يرتفعوا إلينا)؛ لأنه عليه السلام أخذ الجزية من مجوس هجر، ولم يعترض عليهم في أنكحتهم مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم
(2)
(فإن أتونا قبل عقده: عقدناه على حكمنا) بإيجاب، وقبول، وولي وشاهدي عدل منا؛ قال تعالى:{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}
(3)
(وإن أتونا بعده) أي: بعد العقد
(2)
مسألة: يُقرُّ الكفار على أنكحتهم وإن كانت فاسدة ومحرَّمة أو خالفت أنكحة المسلمين بشرطين: أولهما: أن يعتقد هؤلاء الكفار صحة تلك الأنكحة في شرعهم ودينهم، ثانيهما: أن لا يترافعوا إلينا، فإذا توفَّر هذان الشرطان: فإنهم يُقرون على أنكحتهم الفاسدة، أما إن اختلَّ هذان الشرطان أو أحدهما: بأن لم يعتقدوا صحتها وحلَّها كالزنا، أو ترافعوا إلينا بسبب خلاف جرى بينهم: فإنا لا نقرّهم على تلك الأنكحة الفاسدة، بل تُجري شرعنا عليهم؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا} حيث يلزم من عبارة: "وإن تعرض عنهم فلن يضروك": أنهم يتركون وأحكامهم إذا لم يجيئوا إلينا، الثانية: السنة التقريرية؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم قد أخذ الجزية من مجوس هجر، وأقرهم على أنكحتهم مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم، وكذا: أسلم الجم الكثير على يديه صلى الله عليه وسلم فأقرهم على أنكحتهم، ولم يكشف عن كيفيتها. الثالثة: التلازم؛ حيث يلزم من عقد الصلح معهم: إقرارهم على دينهم، فإذا لم يرتفعوا إلينا لم نتعرض لهم، ويلزم من عدم اعتقادهم صحة وحل أنكحة كالزنا في دينهم: أن لا يقرون عليها: لكونهم هم لا يقرونها في دينهم أصلًا.
(3)
مسألة: إذا أراد رجل كافر أن يتزوج بامرأة كافرة مثله، وجاءا إلى أيِّ عاقد أنكحة مسلم ليعقد عقد الزواج بينهما: فيجب على هذا العاقد أن يعقده كما يعقده لو كان المتزوجان مسلمين، بإيجاب، وقبول وصيغة وولي المرأة، وحضور شاهدي عدل - كما سبق في أركان وشروط النكاح -؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: =
فيما بينهم (أو أسلم الزوجان) على نكاح: لم نتعرَّض لكيفية صدوره من وجود صيغة، أو ولي، أو غير ذلك (و) إذا تقرَّر ذلك: فإن كانت المرأة تباح إذًا) أي: وقت الترافع إلينا، أو الإسلام كعقد في عدَّة فرغت، أو على أخت زوجة ماتت، أو كان وقع العقد بلا صيغة، أو ولي، أو شهود:(أقرّا) على نكاحهما؛ لأن ابتداء النكاح حينئذٍ لا مانع منه، فلا مانع من استدامته
(4)
(وإن كانت) الزوجة (ممّن لا
= {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} فأوجب الشارع أن يحكم القاضي والعاقد المسلم بين الكفار بالأحكام الإسلامية، ويُطبِّقها عليه، ولا يُوجد على وجه الأرض أقسط وأعدل وأيسر من أحكام الإسلام لمن عرفها ودقَّق فيها، وكان وسطًا في أحكامه، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إرشاده لما فيه مصلحة في دنياه وآخرته.
(4)
مسألة: إذا عقد الكافر نكاحه على تلك الكافرة، وعلم الحاكم أو القاضي بذلك العقد بعد وقوعه، أو أسلم هذا الكافر وتلك المرأة الكافرة على أنهما زوجان: فلا يجوز أن نتعرَّض لكيفية وقوع ذلك النكاح: من وجود صيغة، أو ولي، أو إيجاب، أو قبول، أو شاهدي عدل، ونحو ذلك، بل نتركهما على ما هما عليه بشرط: كون الزوجة مباحة له في شرعنا؛ لقاعدتين: الأولى: السنة التقريرية؛ حيث أسلم خلق كثير عند النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائهم فأقرّهم على أنكحتهم، ولم يعترض على شيء منها، ولا يقر عليه السلام على باطل فلزم كونها مباحة له، وإلا لما أقرّه عليه. الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون ابتداء العقد غير ممنوع في شرعنا: عدم المنع من استدامته، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلت: للمصلحة؛ حيث إن الكافر لو غلب على ظنه أنه سيُسأل عما فعله حال كفره من أنكحته ونحوها: لنفر كثير منهم عن الإسلام، لكنه إذا علم بأنه لن يُسأل عن شيء: لسهل دخوله في الإسلام، ولأخبر أصحابه وقبيلته عن ذلك وهذا يؤدي غالبًا إلى إسلام القبيلة كلها أو البلد كله، وهذا فيه مصالح عظمى قد لا يدركها من لم يعرف مقاصد =
يجوز ابتداءً نكاحها) حال الترافع، أو الإسلام: كذات محرم، أو معتدَّة لم تفرغ عدَّتها، أو مطلقة ثلاثًا قبل أن تنكح زوجًا غيره:(فُرِّق بينهما)؛ لأن ما منع ابتداء العقد منع استدامته
(5)
(وإن وطئ حربي حربية، فأسلما) أو ترافعا إلينا (وقد اعتقداه نكاحًا: أقرا) عليه؛ لأنا لا نتعرَّض لكيفية النكاح بينهم (وإلا) يعتقداه نكاحًا: (فُسخ) أي: فرّق بينهما؛ لأنه سفاح، فيجب إنكاره
(6)
(ومتى كان المهر صحيحًا:
= الشريعة.
(5)
مسألة: إذا ترافع زوجان كافران إلى حاكم المسلمين، أو أسلما، وكانت الزوجة ممن لا يجوز للزوج أن يتزوجها في شرع الإسلام كأن تكون ذات محرم - أي: أخته أو خالته أو نحو ذلك - أو أن ذلك الكافر قد تزوج تلك المرأة وهي في حال العدَّة، أو تزوجها وهي حامل من غيره، أو طلَّقها ثلاثًا ثم جامعها قبل أن تنكح زوجًا غيره أو نحو ذلك مما يحرم في الإسلام: فإنهما لا يقرّان على ذلك، بل يُفرّق بينهما؛ لقاعدتين: الأولى: قول الصحابي؛ حيث إن عمر قد كتب: "أن فرقوا بين كل ذي رحم من المجوس" ولم يخالفه أحد من الصحابة الذين سمعوا ذلك منه، وغير ذلك من المحرمات في الإسلام كالجمع بين ذي رحم يفرق بينهما من باب "مفهوم الموافقة" الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون العقد ممنوع منه ابتداء - وهو الزواج بذوات المحارم مثلًا -: أن يمنع استدامته فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى.
(6)
مسألة: إذا قهر كافر حربي كافرةً حربية فوطئها، أو طاوعته، ثم ترافعا إلينا أو أسلما ففيه حالتان: الحالة الأولى: إن اعتقدا ذلك نكاحًا عندهم: فإنهما يُقران على ذلك، ولا يُفرَّق بينهما؛ للتلازم؛ حيث يلزم من مشروعية عدم التعرض لكيفية أنكحتهم: أن نقرّهما على ما اعتقداه إذا لم يخالف شرعنا، الحالة الثانية: إن لم يعتقدا ذلك نكاحًا عندهم فإنهما لا يُقران عليه، بل يُفسخ هذا النكاح، ويفرّق بينهما؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ما وقع من ذلك القهر هو سفاح وليس من =
أخذته)؛ لأنه الواجب
(7)
(وإن كان (فاسدًا) كخمر، أو خنزير (وقبضته: استقر): فلا شيء لها غيره؛ لأنهما تقابضا بحكم الشرك
(8)
(وإن تقبضه) ولا شيئًا منه: فرض لها مهر المثل؛ لأن الخمر ونحوه لا يكون مهرًا لمسلمة فيبطل، وإن قبضت البعض: مهر المثل؛ وجب قسط الباقي من (و) إن (لم يسمَّ) لها مهر: (فرض لها مهر المثل): لخلو النكاح عن التسمية
(9)
.
= أنكحتهمك وجوب إنكاره، وتغييره، وفسخه.
[فرع]: إن قهر ذمي ذمية فجامعها وترافعا إلينا، أو أسلما: فإنهما لا يُقران على ذلك، ويفرق بينهما مطلقًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الذمية معصومة بسبب عقد الذمة: أن لا يُقرُّ شيء من ذلك.
(7)
مسألة: إذا ترافع زوجان كافران إلينا، أو أسلما، وكان المهر الذي قبضته الزوجة صحيحًا في شرعنا: فإنها تأخذه؛ للتلازم؛ حيث إنه وجب بالعقد، ولا يخالف شرعنا: فيلزم أخذه.
(8)
مسألة: إذا أسلم زوجان كافران، وكان المهر الذي قبضته الزوجة فاسدًا كأن يكون خمرًا، أو خنزيرًا: فإنه ينفذ ويستقر، وليس لها غيره؛ لقواعد الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من كونهما قد تقابضا حال الكفر قبل علمنا بهما: عدم التعرّض لكيفية ما وقع العقد عليه، الثانية: المصلحة؛ حيث إن إبطال المقبوض فيه مشقة؛ نظرًا لتطاول الزمان وكثرة تصرفاتهم في الحرام، وفيه تنفيرهم عن الإسلام، فعفي عنه لذلك كما عفي عما تركوه من الفرائض والواجبات الثالثة القياس؛ بيانه: كما لو تقابضا في بيع فاسد، وأسلما: فإنه لا يتعرض لذلك، فكذلك الحال هنا والجامع: وقوع ذلك في الشرك في كل.
(9)
مسألة: إذا أسلم زوجان كافران، وسُمِّي لها مهر فاسد كخمر وخنزير ولم تقبضه كله: فإنه يُفرض لها مهر المثل، وإن قبضت بعضه: فإنه يُفرض الباقي من مهر المثل، وأما إن لم يُسمَّ المهر: فإنه يُفرض لها مهر المثل الشرعي؛ للتلازم؛ حيث إن =
(فصل): (وإن أسلم الزوجان معًا): بأن تلفّظا بالإسلام دفعة واحدة: فعلى نكاحهما؛ لأنه لم يوجد منهما اختلاف دين
(10)
(أو) أسلم (زوج كتابية) كتابيًا كان أو غير كتابي: (فعلى نكاحهما)؛ لأن للمسلم ابتداءً نكاح الكتابية
(11)
(فإن أسلمت هي) أي: الزوجة الكتابية تحت كافر قبل دخول: انفسخ النكاح؛ لأن المسلمة لا تحل لكافر
(12)
(أو) أسلم (أحد الزوجين غير الكتابيين) كالمجوسيين يسلم أحدهما
= المهور الفاسدة - كالخمر والخنزير - لا تكون مهورًا للمسلمة، ولا قيمة لعبد مسلم: فلزم أن يُدفع لها مهرًا يُناسبها كمسلمة، وهو من باب قوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ، ويلزم من خلو النكاح عن تسمية مهر: أن يُفرض لها مهر.
(10)
مسألة: إذا أسلم الزوجان في وقت واحد في مجلس واحد: بأن تلفَّظا بالشهادتين معًا، أو شرع الثاني بهما بعد فراغ الأول منهما: فإنهما يتركان على نكاحهما، ولا يفرق بينهما قبل الدخول أو بعده؛ لقاعدتين: الأولى: السنة الفعلية حيث إن ابن عباس قال: جاء رجل فأسلم، ثم جاءت امرأته بعده، فقال يا رسول الله إنها كانت أسلمت معي فردَّها عليه؛ الثانية التلازم؛ حيث يلزم من عدم وجود اختلاف دين بينهما: عدم التفريق بينهما.
(11)
مسألة: إذا أسلم زوج كتابية - يهودية أو نصرانية - فإنهما يتركان على نكاحهما، ولا يفرق بينهما: سواء كان ذلك قبل الدخول، أو بعده، وسواء كان ذلك الزوج كتابيًا أو غير كتابي؛ للتلازم؛ حيث يلزم من جواز تزوج المسلم بالكتابية ابتداءً: ترك هذين على نكاحهما.
(12)
مسألة: إذا أسلمت الزوجة الكتابية فقط وهي تحت كافر - كتابي أو غيره - قبل الدخول - وهو الوطء والجماع -: فإن النكاح يُفسخ، ويُفرَّق بينهما؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تحريم المسلمة على الكافر: وجوب التفريق بينهما فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ للمصلحة: وهي: إكرام وإعزاز تلك المسلمة من تسلُّط الكافر؛ لعدم =
(قبل الدخول: بطل) النكاح؛ لقوله تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}
(13)
(فإن سبقته) بالإسلام: (فلا مهر) لها؛ لمجيء الفرقة من قبلها
(14)
(وإن سبقها) بالإسلام: (فلها نصفه) أي: نصف المهر، لمجيء الفرقة من قبله
(15)
، وكذا: إن أسلما وادَّعت سبقه، أو قالا: سبق أحدنا، ولا نعلم
(16)
= التوافق بين المسلمة والكافر.
(13)
مسألة إذا أسلم أحد الزوجين غير الكتابيين مثل المجوسيين قبل الدخول: فإن نكاحهما يبطل، ويفرق بينهما؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وقال: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} حيث صرَّح بتحريم المسلمة على الكافر، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ وقد سبق بيانها.
(14)
مسألة: إذا أسلمت الزوجة قبل زوجها وقبل الدخول: فلا مهر لها؛ للقياس؛ بيانه: كما لو أن الزوجة ارتدت عن الإسلام وزوجها مسلم: فلا مهر لها فكذلك إذا أسلمت قبل زوجها لا مهر لها والجامع: مجيء الفرقة من قبلها في كل.
(15)
مسألة: إذا أسلم الزوج قبل زوجته وقبل الدخول: فللزوجة نصف المهر؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو طلَّقها قبل الدخول فلها نصف المهر فكذلك إذا أسلم قبل زوجته وقبل الدخول فلها ذلك، والجامع: مجيء الفرقة من قبله في كل.
(16)
مسألة: إذا أسلم الزوجان قبل الدخول، وادَّعت أنه أسلم قبلها، وأنكر الزوج ذلك قائلًا: هي السابقة، فتحلف أنه سبقها بالإسلام، أو قالا: أسلم أحدنا قبل الآخر، ولا نعلم عين ذلك السابق: فإن الزوجة تأخذ نصف المهر في الصورتين؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل بقاء هذا النصف في ذمة الزوج، فنستصحب ذلك ونعمل به ما لم يرد ما يغير الحالة.
(وإن أسلم أحدهما)
(17)
أي: أحد الزوجين غير الكتابيين، أو أسلمت كافرة تحت كافر (بعد الدخول: وقف الأمر على انقضاء العدة)، لما روي مالك في "موطئه" عن ابن شهاب قال: كان بين إسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر، أسلمت يوم الفتح، وبقي صفوان حتى شهد حنينًا والطائف وهو كافر، ثم أسلم، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، واستقرّت عنده امرأته بذلك النكاح قال ابن عبد البر:"شهرة هذا الحديث أقوى من إسناده" وقال ابن شبرمة: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة، والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء العدة فهي امرأته، فإن أسلم بعد العدة: فلا نكاح بينهما (فإن أسلم الآخر فيها) أي: في العدة: (دام النكاح) بينهما؛ لما سبق (وإلا) يسلم الآخر حتى انقضت: (بان فسخه): أي: فسخ النكاح (منذ أسلم الأول) من الزوج أو
(17)
مسألة: إذا أسلم أحد الزوجين غير الكتابيين - كالمجوسيين - أو أسلمت كافرة تحت كافر بعد الدخول - وهو الوطء والمجامعة -: فإن هذا يوقف على العدَّة: فإن أسلم الآخر - في الصورة الأولى - أو أسلم الزوج قبل انقضاء العدة في الصورة الثانية بثلاث حيض - فإن الزواج يدوم، ولا يُفرق بينهما من غير تجديد عقد نكاح، أما إن انقضت العدَّة ولم يسلم الآخر، أو الزوج: فإن نكاحهما يفسخ منذ أسلم الأول من الزوج أو الزوجة؛ لقواعد: الأولى: السنة التقريرية؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين صفوان بن أمية وامرأته - بنت الوليد بن المغيرة - أنها أسلمت قبله بشهر وهذا يلزم منه: ما ذكرناه منطوقًا ومفهومًا، الثانية: التلازم؛ حيث إن سبب الفرقة اختلاف الدين: فيلزم أن تحسب الفرقة منه، الثالثة: الاستقراء؛ حيث إنه ثبت بعد الاستقراء والتتبع أنه لم يُجدِّد أحد بعد إسلامه نكاحه مطلقًا بعقد جديد، فإن قلت: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن العادة أن الزوجين بعد الدخول يكون بينهما عشرة، وأولاد، فيشق عليهما الافتراق بعد إسلام أحدهما مباشرة، فجعلت العدَّة تلك لمدارسة الموضوع فلعل الذي لم يسلم يرجع إلى نفسه فيسلم إما إذا لم تنفعه تلك المدَّة: فلا يراعي، فيفرق بينهما =
الزوجة (17)، ولها نفقة العدة إن أسلمت قبله ولو لم يسلم
(18)
(وإن كفرا) أي: ارتدَّا (أو) ارتدَّ (أحدهما بعد الدخول: وقف الأمر على انقضاء العدَّة) كما لو أسلم أحدهما: فإن تاب من ارتدَّ قبل انقضائها: فعلى نكاحهما، وإلا: تبيّنا فسخه منذ ارتدَّ
(19)
(و) إن ارتَّدا، أو أحدهما (قبله) أي: قبل الدخول: (بطل) النكاح؛ لاختلاف الدِّين
(20)
، ومن أسلم وتحته أكثر من أربع فأسلمن، أو كنَّ كتابيات: اختار منهن أربعًا إن كان مكلَّفًا، وإلا: وقف الأمر حتى يُكلَّف، وإن أبى الاختيار: أجبر بحبس، ثم تعزير، وإن أسلم وتحته أختان: اختار منهما واحدة
(21)
.
= كالطلاق بين المسلمين.
(18)
مسألة: إذا أسلمت الزوجة قبل الزوج بعد الدخول وانتظرت العدة - وهي: ثلاث حيض -: فإن نفقة تلك العدة واجبة على الزوج وإن لم يسلم؛ للقياس؛ بيانه: كما أن نفقة المطلقة طلاقًا رجعيًا واجبة على زوجها، فكذلك الحال هنا. والجامع: التمكّن من الاستمتاع بها في كل.
(19)
مسألة: إذا ارتدَّ زوجان مسلمان عن الإسلام، أو ارتدَّ أحدهما بعد الدخول: فإن هذا يوقف على انقضاء العدة: فإن تاب من ارتدَّ قبل انقضاء العدة: فهما على نكاحهما ولا يفرق بينهما، وإن لم يتب من ارتدَّ وانقضت العدَّة: فإن نكاحهما يُفسخ منذ ارتدَّ، وتخرج بذلك عن عصمته؛ للقياس على ما لو أسلم أحدهما وتفصيله قد سبق في مسألة (17).
(20)
مسألة: إذا ارتد زوجان مسلمان عن الإسلام، أو ارتدَّ أحدهما قبل الدخول: فإن النكاح يبطل؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من ارتدادهما قبل الدخول: بطلان نكاحهما؛ لعدم صحته في الكفر، ويلزم من اختلاف الدين: بطلان نكاحهما كما لو أسلمت تحت كافر - كما سبق في مسألة (12) -.
(21)
مسألة: إذا أسلم كافر وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه، أو كن كتابيات: فإنه يُجبر على اختيار أربع منهن فقط - ولو بالقوة إن كان مكلَّفًا - وإن لم يفعل: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فإنه يعاقب بما يناسب من حبس أو جلد أو نحو ذلك، وكذا: إن أسلم وتحته أختان، أو تحته امرأة وعمّتها، أو امرأة وخالتها؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية: وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم الغيلان وقد أسلم وتحته عشر نسوة: "اختر أربعًا وفارق سائرهن" فأوجب عليه الاختيار للأربع، ومفارقة الباقي؛ لأن الأمر مطلق، فيقتضي الوجوب، ومن يترك الواجب يُعاقب من قبل الإمام أو نائبه، ثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم الفيروز وقد أسلم وتحته أختان: "طلق إحداهما" ويقال كما قلنا في الحديث الأول، الثانية: القياس، بيانه: كما أن الشخص لو اعتدى على غيره: فإن الإمام يعاقبه فكذلك الحال هنا، والجامع: الإلزام بالخروج من الباطل عند الامتناع.
هذه آخر مسائل باب: "نكاح الكفار، وما يقرون عليه لو ترافعوا إلى حكام المسلمين أو أسلموا" ويليه باب "الصداق".
باب الصداق
يقال: أصدقت المرأة، ومهرتها، وأمهرتها، وهو عوض يُسمَّى في النكاح أو بعده
(1)
(يسن تخفيفه)؛ لحديث عائشة مرفوعًا: "أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة"
باب الصداق والمهر
وفيه سبع وستون مسألة:
(1)
مسألة: الصداق أو المهر: عوض في النكاح سواء سُمِّي في العقد، أو فرض بعده بتراضي المتزوجين، أو الحاكم، وله عشرة أسماء:"صداق، أو صدقة" و "مهر" و "نِخْلَة" و "أجر" و "فريضة" و "حِبَاء" و "عُقْر" و "علائق" و "طَوْل" و "نكاح"؛ للاستقراء؛ حيث إن تلك الأسماء قد ثبتت بعد استقراء وتتبع النصوص الشرعية والعادات الإسلامية المقرَّرة، فإن قلتَ: لمَ اشتهرت تسميته بالصداق؟ قلتُ: اشتقاقًا من الصِّدق؛ نظرًا لإشعاره بصدق رغبة الزوج في الزوجة.
[فرع]: الصداق والمهر واجب على الزوج دون الزوجة؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ وهو من وجهين أولهما قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} حيث أوجب الشارع على الأزواج إعطاء النساء صداق ومهر عند إرادتهم التزوج بهن؛ لأن الأمر مطلق، وهو يقتضي الوجوب، ثانيهما: قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} ويقال فيه كما قلنا في الآية السابقة؛ الثانية: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام لمريد التزوج: "التمس ولو خاتمًا من حديد" فأوجب الصداق ولو قلَّ، الثالثة: السنة الفعلية؛ حيث إنه عليه السلام قد تزوج كثيرًا وكان يدفع فيها صداقًا ومهرًا، الرابعة: الإجماع: حيث أجمع العلماء على وجوب الصداق، ومستنده ما سبق من القواعد، فإن قلتَ: لِمَ وجب الصداق والمهر؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إكرام المرأة وإعزازها، وإظهار صدق النية على معاشرتها بالمعروف ودوام الزوج، وفيه =
رواه أبو حفص بإسناده
(2)
(و) تسن (تسميته في العقد)؛ لقطع النزاع
(3)
، وليست
= تمكين المرأة من التهيؤ للزواج بلباس ومظهر حسن، فإن قلتَ: لِمَ وجب الصداق على الرجل دون المرأة؟ قلتُ: الرجل مكلف شرعًا دائمًا بالإنفاق سواء كان مهرًا أو نفقة مستمرة؛ لكونه أقدر على التكسب، وطلب الرزق، لذلك جعل الله القوامة له؛ حيث قال:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} بخلاف المرأة فإنها كُلِّفت بتكاليف تناسبها كأعمال البيت، والحمل، والولادة، وتربية الأولاد، فلو كُلِّفت أيضًا بشيء من المهر أو النفقة: للحقها ضيق وحرج، وامتهان لكرامتها وعزّتها، وعورتها.
(2)
مسألة: يُستحب تخفيف الصداق والمهر، وأن يرضى الولي بالأقل منه؛ لقول الصحابي؛ حيث قال عمر:"ألا لا تغلوا صداق النساء، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا، وتقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصدقت امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وأن الرجل ليغلو بصداق امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه، وحتى يقول: كُلِّفت لكم علق القرابة" فإن قلتَ: لِمَ استُحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن من مقاصد الزواج: المحبة والألفة والعشرة الطيبة بين الزوجين، والمغالاة في الصداق والمهور قد يورث البغضاء في نفس الزوج - كما أشار إلى ذلك عمر - وأيضًا في تيسير المهور: حثّ للشباب على الزواج، حتى لا يتركوه فتكون فتنة للنساء والرجال، فيفسد الجميع، وبالتالي يفسد المجتمع كله.
تنبيه: لا يصح الاستدلال بما ذكره المصنف من حديث عائشة؛ نظرًا لضعفه - كما في الإرواء (8/ 348).
(3)
مسألة: يُستحب أن يُسمَّى الصداق والمهر عند عقد النكاح؛ للمصلحة: حيث إن تسميته في وقت العقد: أقطع للنزاع والخلاف فيه؛ لأن الولي قد يظن أن الزوج سيدفع أكثر، والزوج يظن أن الولي سيقبل أقلّ المهور، فيقع الاختلاف وقد =
شرطًا؛ لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}
(4)
، ويُسنُّ: أن يكون (من أربعمائة درهم) من الفضة، وهي صداق بنات النبي صلى الله عليه وسلم (إلى خمسمائة) درهم وهي صداق أزواجه صلى الله عليه وسلم
(5)
، وإن زاد: فلا بأس
(6)
= يصل الأمر إلى المحاكم، وكونه يُسمَّى أثناء العقد ذلك كله.
(4)
مسألة: تسمية المهر والصداق ليس ركنًا ولا شرطًا في صحة العقد، فيصح العقد بدونه، ولكنه يجب بسبب النكاح؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} حيث أباح الشارع الطلاق قبل الدخول وقبل فرض الصداق والمهر فيلزم من ذلك: صحة العقد بدون تسمية المهر، وأنه ليس بركن أو شرط في العقد، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: لأن المقصود من النكاح: الاستمتاع، والإحصان، والاستيلاد، وليس المقصود منه التمليك كالبيع والشراء، فالنكاح يخالف سائر العقود في ذلك.
(5)
مسألة: يُستحب أن يكون الصداق والمهر لا ينقص عن أربعمائة درهم من الفضة، ولا يزيد عن خمسمائة درهم للأغنياء؛ للسنة الفعلية؛ حيث إن الأربعمائة هي صداق بناته والخمسمائة هي صداق زوجاته صلى الله عليه وسلم، والتأسي به صلى الله عليه وسلم من مقاصد الشريعة.
(6)
مسألة إذا قدر الزوج على دفع صداق ومهر أكثر من الخمسمائة درهم: فله ذلك، دون كراهة؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} وهذا في الصداق، حيث لزم من ذلك: عدم تحديد الصداق والمهر بحد أعلى، وقد ردَّت امرأة على عمر بهذه الآية حينما خطب الناس ونهى أن يزاد في الصداق على أربعمائة درهم، وقال: فمن زاد عليها: جعلت الزيادة في بيت المال، فقامت تلك المرأة فتلت عليه تلك الآية، فعدل عن رأيه فرجع إلى المنبر قائلًا: "أيها الناس إني كنتُ =
(و) لا يتقدَّر الصداق، بل (كل ما صح) أن يكون (ثمنًا، أو أجرة: صح) أن يكون (مهرًا، وإن قلَّ)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "التمس ولو خاتمًا من حديد" متفق عليه
(7)
(وإن أصدقها تعليم القرآن: لم يصح) الإصداق؛ لأن الفروج لا تستباح إلا بالأموال؛ لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} وروى النجَّاد: أن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلًا على سورة من القرآن ثم قال: "لا تكون لأحد بعدك مهر مهرًا"
(8)
(بل) يصح أن يصدقها
= نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يُعطي من ماله ما أحب" الثانية: السنة التقريرية؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب أم حبيبة وهي في الحبشة، وعلم النجاشي بذلك أصدقها عنه أربعة آلاف درهم، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن بعض الناس قد توجد عنده بعض العيوب فيزين نفسه بكثرة المهر والصداق، الجذب بعض النساء إليه بالحلال.
(7)
مسألة: لا حدَّ لأقل الصداق والمهر، فيصح بمال قليل جدًّا ولكن بشرط: أن يكون هذا المال متمولًا وثمنًا أي: يصح أن يُباع هذا المال، ويُشترى به، ويؤجَّر، ويُستأجر به، أما ما لا يتمول كالنواة: فلا يصح؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "التمس ولو خاتمًا من حديد" حيث لزم من ذلك: صحة المهر بكل ما يُطلق عليه اسم المال وإن قل، وأجاز زواج من تزوج امرأة بنعلين، وأجاز زواج من تزوج بملء يده طعامًا، فإن قلت: لِمَ شُرع هذا؟ قلت: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه تيسير الزواج للإحصان، وإصلاح المجتمعات كما سبق.
(8)
مسألة: يصح أن يكون المهر والصداق شيئًا من القرآن: آيات أو سورة معينة يُعلِّمها الزوجة إذا لم يوجد مال عنده؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قول صلى الله عليه وسلم لرجل: "زوجتكها بما معك من القرآن" - لما عجز ذلك الرجل أن يجد خاتمًا من حديد، ثانيهما قوله صلى الله عليه وسلم:"إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله" والمهر والصداق أجرة، الثانية: القياس الأولى كما يجوز أن يكون الفقه =
تعليم معين من (فقه، وأدب) كنحو وصرف، وبيان، ولغة، ونحوها (وشعر مباح معلوم) ولو لم يعرفه، ويتعلَّمه، ثم يُعلِّمها، وكذا: لو أصدقها تعليم صنعة، أو كتابة، أو خياطة ثوبها، أو ردَّ قنِّها من محل معين؛ لأنها منفعة يجوز أخذ العوض عليها، فهي مال
(9)
(وإن أصدقها طلاق ضرتها: لم يصح)؛ لحديث: "لا يحل لرجل
= يعلمهما الزوج الزوجة مهرًا فمن باب أولى أن تكون السورة من القرآن يعلمها الزوج الزوجة مهرًا؛ والجامع: منفعة التعلُّم، بل منفعة القرآن أعظم؛ لأنه فقه وزيادة، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حث على الإكثار من الزواج، لإحصان الرجال والنساء وإصلاح المجتمع، وتكثير نسل المسلمين، فإن قلتَ: لا يصح أن يكون الصداق من القرآن، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} حيث دل هذا على أن الفروج لا تستباح إلا بالأموال والقرآن ليس بمال، الثانية السنة القولية؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم لما زوج رجلًا على سورة من القرآن قال له:"لا تكون لأحد بعدك مهرًا" قلتُ: أما الآية فهي عامة، وخصَّصتها السنة القولية، والقياس، والمصلحة التي ذكرتها، أما قوله:"لا تكون لأحد بعدك مهرًا" فلم تثبت تلك الزيادة في "الصحيحين" وذكر كثير من أئمة الحديث أن هذه الزيادة منكرة - كما في الإرواء (6/ 350)، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "معارضة الآية للسنة القولية والقياس والمصلحة" فعندنا: أن تلك الأدلة مخصِّصة للآية، وعندهم: لا، وأيضًا:"الخلاف في صحة ما روي عنه عليه السلام أنه قال: "لا تكون لأحد بعدك مهرًا" فعندنا: منكر، وعندهم: يصح.
تنبيه: يكثر الخلط بين "النجاد" و "البخاري" عند الكاتبين والطابعين، لجهلهم بأصحاب الأحاديث، و "النجاد" هو: أحمد بن سليمان الحنبلي، والبخاري هو المشهور.
(9)
مسألة: يصح للزوج أن يصدق ويمهر الزوجة تعليم معيَّن من فقه، وأصول فقه، =
ينكح امرأة بطلاق أخرى" (ولها مهر مثلها)؛ لفساد التسمية
(10)
(ومتى بطل
= وتفسير، وحديث وأدب، وعروض، ونحو وصرف، وبيان، وبديع، ولغة، وشعر مباح بشرط: أن يكون المراد تعليمه معلومًا كباب معيَّن أو نحو ذلك، ولا يُشترط أن يكون الزوج عارفًا ذلك العلم من قبل، فيُمكنه أن يتعلمه، ثم يعلمها إياه أو يُعلِّمها إياه غيره لأجله، ويصح أيضًا: أن يصدقها ويمهرها: تعليم صنعة كخياطة، أو كتابة سواء علَّمها هي، أو علم أخاها، أو ابنها، أو أجنبيًا، أو حتى عبدها أو أمتها، ويصح أيضًا: أن يكون ردّ وإرجاع عبدها الهارب إليها مكان معلوم مهرًا لها، أو رعاية غنمها مدة معلومة، أو أي منفعة معلومة من تصلح لذلك؛ للقياس؛ بيانه: كما أن المال يصلح أن يكون صداقًا ومهرًا فكذلك ما ذكر هنا يصلح أن يكون مهرًا وصداقًا والجامع: أن كلًّا منها منافع قد وجدت عوضًا عن شيء آخر. والمقصد منه: تيسير النكاح؛ لإصلاح النساء والرجال.
[فرع]: إن تزوجها على أن يحج بها ويكون صداقًا لها: فإن ذلك يصح؛ للتلازم؛ حيث إن الحج منفعة يجوز أخذ العوض عليه فلزم صحته.
(10)
مسألة: إذا أصدق الزوج زوجته طلاق ضُرَّتها: فإن ذلك لا يصح أن يكون صداقًا أو مهرًا، ويكون لها مهر مثيلاتها؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو سمَّى لها مهرًا وصداقًا من خمر: فإن ذلك لا يصح مهرًا وصداقًا، ويجب عليه مهر المثل، فكذلك لو سمَّى لها طلاق ضرتها مهرًا وصداقًا، والجامع: أن كلًّا منهما لا يصح أن يكون ثمنًا في بيع ولا إجارة وهذا يقال في جميع المنافع المحرمة، فإن قلتَ: لِمَ لا يصح ذلك ويكون لها مهر المثل، قلتُ: لأن طلاق ضرتها من المنافع لها وهو محرم، يقطع رزق الضرة، ويكون لها مهر المثل؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفي ما في صحيفتها، ولتنكح؛ فإن لها ما قُدِّر لها" والنهي هنا مطلق فيقتضي التحريم والفساد، تنبيه: لا الاستدلال بما ذكره المصنف من حديث: "لا يحل لرجل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى" نظرًا =
المسمَّى) ككونه مجهولًا كعبد أو ثوب، أو خمر، أو نحوه:(وجب مهر المثل) بالعقد؛ لأن المرأة لا تُسلَّم إلّا ببدل، ولم يُسلَّم، وتعذَّر ردُّ العوض: فوجب بدله
(11)
، ولا يضرُّ جهل يسير: فلو أصدقها عبدًا من عبيده أو فرسًا من خيله ونحوه: فلها أحدهم بقرعة، وقنطارًا من نحو زيت، أو قفيزًا من نحو بر: لها الوسط
(12)
.
= لضعفه - كما في الإرواء (6/ 351) -.
(11)
مسألة: إذا سمَّى الزوج مهرًا وصداقًا باطلًا كعبد مجهول، أو دار مجهولة، أو ثوب مجهول، أو مال مجهول المقدار، أو سمَّى محرمًا كخمر أو خنزير، أو تعليم شيء محرم كشعر غزل، وهجاء ونحو ذلك: فإن كل ذلك يبطل، ويجب على الزوج أن يدفع للزوجة مهر مثيلاتها مراعيًا في ذلك وقت العقد؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إن كون المرأة لا تُسلَّم إلا ببدل، ولم يقع ذلك التسليم؛ لكونه باطلًا: فيلزم بدله الشرعي لها وهو مهر المثل، الثانية: المصلحة؛ حيث إن الجهالة في مقدار المهر والصداق يؤدي إلى الغرر وكثرة الاختلاف؛ لأن العبيد تختلف أثمانهم؛ نظرًا لاختلاف قوتهم، والدور كذلك والثياب ونحو ذلك، فالزوجة تطمع بالأحسن؛ وقد لا يوافقها الزوج، فتحصل الخلافات والنزاعات التي تؤدي إلى التباغض عادة فدفعًا لذلك وجب تعيين المهر بكونه مهر مثيلاتها عند وقت العقد.
(12)
مسألة: إذا سمَّى الزوج مهرًا وصداقًا مجهولًا جهلًا يسيرًا لا يصعب تعيينه، كأن يصدقها فرسًا من خيله، أو جملًا من جماله، أو بقرة من بقره، أو ثوبًا من تلك الثياب، فيصح ذلك ويستعمل القرعة، فأي شيء أصابت تلك القرعة فهو مهرها، وكذا: لو سمَّى قنطارًا من سمن، أو قفيزًا من بر: فيصح ذلك، ويؤخذ الوسط من ذلك ويكون مهرًا لها؛ للتلازم؛ حيث إن الجهالة هنا يسيرة، لا تؤدِّي إلى الاختلاف بينهما عادة فيلزم صحة ذلك، والمقصد منه: التيسير على الناس.
(فصل): (وإن أصدقها ألفًا إن كان أبوها حيًا وألفين إن كان ميتًا: وجب مهر المثل)؛ لفساد التسمية، للجهالة إذا كانت حالة الأب غير معلومة، ولأنه ليس لها في موت أبيها غرض صحيح
(13)
(و) إن تزوجها (على: إن كانت لي زوجة بألفين، أو لم تكن) لي زوجة (بألف: يصح) النكاح (بالمسمى)؛ لأن خلو المرأة من ضرة من أكبر أغراضها المقصودة لها، وكذا: إن تزوجها على ألفين إن أخرجها من بلدها، أو دارها، وألف إن لم يخرجها
(14)
(وإذا أجلَّ الصداق أو بعضه) كنصفه، أو ثلثه:(صحَّ) التأجيل (فإن عيَّن أجلًا) أنيط به (وإلا) يُعيِّنا أجلًا، بل أطلقا:(فمحله الفرقة) البائنة بموت أو غيره؛ عملًا بالعرف والعادة
(15)
(وإن أصدقها مالًا مغصوبًا)
(13)
مسألة: إذا أصدق الزوج الزوجة ألفًا إن كان أبوها حيًا، وألفين إن كان ميتًا، وحالة الأب غير معلومة من حياة أو موت: فإن هذا المسمى باطل، ويجب عليه مهر مثيلاتها عند وقت العقد؛ لقاعدتين: الأولى: المصلحة؛ حيث إن ذلك فيه جهالة تؤدي إلى الغرر والاختلاف، فدفعًا لذلك أفسد الشارع مثل ذلك، الثانية: التلازم؛ حيث إن حالة موت أبيها لا تستفيد المرأة منها شيئًا فيلزم: عدم صحة هذا المسمى، ويلزم من فساده: وجوب مهر المثل لها.
(14)
مسألة: إن قال الزوج سأدفع لك ألفين كصداق لكِ إن كانت لي زوجة أخرى غيرك أو سرية، أو أخرجتكِ من بلدكِ أو داركِ، وسأدفع لك ألفًا إن لم تكن لي زوجة أخرى غيرك أو سرية، أو لم أخرجك من بلدك أو دارك: فإن النكاح يصح بذلك المسمى، وذلك الشرط؛ للمصلحة: حيث إن للمرأة نفعًا في خلو الزوج من زوجة أخرى أو سرية، وفي عدم خروجها من بلدها أو دارها، وعدم ذلك فتخفف من المهر، وعليها ضرر إن كان له زوجة أخرى أو سرية، أو خروجها من بلدها أو دارها: فيزاد في المهر عوضًا عن ذلك وتسلية.
(15)
مسألة: يصح تأجيل الصداق والمهر أو بعضه - كنصفه أو ثلثه أو ربعه - ويصح النكاح بدون دفعه معجَّلًا، وإنما يكون في الذمة، ويدفعه الزوج في الوقت الذي =
يعلمانه كذلك (أو) أصدقها (خنزيرًا ونحوه) كخمر: صح النكاح، كما لو لم يسمِّ لها مهرًا و (وجب) لها (مهر المثل)؛ لما تقدَّم
(16)
، وإن تزوجها على عبد فخرج مغصوبًا أو حرًا: فلها قيمته يوم عقد؛ لأنها رضيت به، إذ ظنَّته مملوكًا
(17)
(وإن وجدت) المهر
= اتفقا عليه كأن يكون بعد سنة من زواجهما ونحو ذلك، وإن اتفقا على تأجيله، ولكن لم يُحدِّد وقتًا لدفعه واستلام الزوجة له: فإنه يجب دفعه عند الفرقة بينهما بسبب الفرقة البائنة بطلاق، أو فسخ أو خلع، أو موت تأخذه من التركة على حسب عرف الناس وما جرت عليه عادتهم؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما يصح تعجيل المثمن، وتأجيل الثمن في البيوع فكذلك يصح النكاح النكاح مع تأجيل استلام الزوجة للصداق والجامع: أن كلًّا منهما عقد معاوضة الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من إطلاق ذلك وعدم تحديده شرعًا: أن يُحمل ويُصرف إلى العرف والعادة التي جرى عليها المجتمع الذي يعيش فيه المتعاقدان، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلت: للمصلحة؛ حيث إن ذلك تيسير وتسهيل على الناس، وحثّ على الإكثار من النكاح.
(16)
مسألة: إذا أصدق الزوج الزوجة مالًا مغصوبًا، وهما يعلمان بذلك، أو علمته هي وحدها، أو أصدقها خنزيرًا، أو خمرًا: فإن النكاح يصح، ويجب لها مهر مثيلاتها؛ لقاعدتين: الأولى القياس؛ بيانه: كما أنه لو لم يسمِّ لها مهرًا عند العقد: فإنه يصح النكاح فكذلك لو سمَّى لها مهرًا محرمًا كالمغصوب والخنزير والخمر والجامع: عدم المهر في كل؛ لأن وجود المحرم كعدمه، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من فساد المسمَّى: وجوب مهر المثل؛ لوجوب المهر في الأصل، فإن قلتَ: لمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حث على التعاون على البر والتقوى ونبذ التعاون على الإثم والعدوان كما ورد في الآية.
(17)
مسألة: إذا أصدق الزوج المرأة عبدًا، فبان أن العبد هذا مغصوب، أو بان أنه حر: فيجب على الزوج أن يدفع قيمته كمهر وصداق لها وتحسب قيمته في وقت =
(المباح معيبًا) كعبد به نحو عرج: (خيرت بين) إمساكه مع (أرشه و) بين ردِّه وأخذ (قيمته) إن كان متقومًا، وإلا فمثله
(18)
وإن أصدقها ثوبًا، وعيَّن ذرعه فبان أقل: خُيِّرت بين أخذه مع قيمة ما نقص، وبين ردِّه وأخذ قيمة الجميع
(19)
، والمتزوجة على عصير بان خمرًا مثل العصير
(20)
(وإن تزوجها على ألف لها، وألف لأبيها) أو على أن
= العقد عليها للتلازم؛ حيث يلزم من رضاها به وهو مملوك مباح: أن يدفع لها قيمته عند بيان أنه حرام، أو حر.
(18)
مسألة: إذا أصدق الزوج الزوجة صداقًا مباحًا لكن فيه عيب كأن يصدقها عبدًا فوجدته أعرجًا، أو أعورًا، أو نحو ذلك: فإن الزوجة تُخيَّر بين أن تمسكه مع عيبه، أو أن يدفع لها الزوج أرش النقص فمثلًا: إن كان العبد بدون عرج يساوي ألفًا، وهو يساوي بالعرج ثمانمائة: فإنها تمسكه ويدفع لها الزوج مائتين، وأما أن تردَّه كله، وتأخذ من الزوج قيمة عبد صحيح هذا إن كان متقومًا، أما إن لم يكن متقومًا، وله مثيل كمكيل وموزون وردته: فإنها تأخذ مثله من الزوج كمهر لها؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو اشترى سلعة فبانت معيبة فهو بالخيار كما قلنا، فكذلك الحال هنا والجامع: أن كلًّا منهما عقد معاوضة، وجد فيه عيب، فإن قلتَ: لِمَ تأخذ في المثيل مثله؟ قلتُ: لأنه أقرب إليه.
(19)
مسألة: إذا أصدق الزوج الزوجة ثوبًا قدره عشرون ذراعًا، فبان بعد ذلك: أنه خمسة عشر ذراعًا فقط: فإنها تخير بين أن تأخذه، وتأخذ قيمة الخمسة الناقصة، وبين أن ترد الثوب كله، وتأخذ قيمة العشرين ذراعًا؛ للقياس، وقد سبق بيانه في مسألة (18).
(20)
مسألة: إذا أصدق الزوج الزوجة عصيرًا معينًا، فبان بعد ذلك أنه خمر: فيجب على الزوج أن يصدقها مثل العصير المسمَّى؛ للقياس، وقد سبق بيانه في مسألة (18)، فإن قلت: لِمَ وجب مثله؟ قلتُ: لوجود مثله، وإذا تمكّنا من إيجاد مثل المسمَّى في البيع أو المهر أو نحوهما: فيجب دفعه؛ لكونه أقرب إليه من القيمة، =
الكل للأب: (صحت التسمية)؛ لأن للوالد الأخذ من مال ولده؛ لما تقدَّم، ويملكه الأب بالقبض مع النية
(21)
(فلو طلَّق) الزوج (قبل الدخول وبعد القبض) أي: قبض
= ولا يُلجأ إلى القيمة إلا إذا صعب المثل.
(21)
مسألة: إذا تزوج رجلٌ امرأة بشرط: أن يدفع ألفًا لها، وألفًا لأبيها، أو يدفع كل الصداق للأب: فإن التسمية تصح، ويقدر أن البنت قد استلمته، ثم أخذه الأب منها، ويملكه الأب بعد القبض بنية التملك؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} حيث إن شعيبًا لما أراد تزويج موسى عليهما السلام ابنته شرط أن يرعى غنمه ثمان سنوات، وهو شرط لنفسه، فلزم منه: أنه يجوز أن يأخذ الأب جميع مهر ابنته،، وإذا جاز أخذه كله: جاز أخذ بعضه من باب أولى، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالف شرعنا. الثانية: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك. لأبيك" وقال: "إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم" فإذا أخذ الأب من مهر ابنته فكأنه أخذ مالها: تنبيه: لقد بينت جواز أخذ الأب من مال ولده بشروط سبعة في مسألة (36) من باب: "الهبة والعطية والهدية"، وهي مشترطة هنا؛ لأن شعيبًا كان بحاجة ماسة إلى موسى ليحميه ويحمي غنمه وهذا لازم من قوله تعالى:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} ، فإن قلتَ: إن هذا الشرط فاسد، ولذلك يجب لها مهر المثل، وتفسد التسمية، وهو قول الشافعي؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون المهر هو عوض عن بضعها: أن يكون كله من حقها هي فقط، وما نقص منه - وهو ما أخذه الأب - يلزم منه: أن يكون المهر مجهولًا، فيفسد بسبب هذه الحالة، قلتُ لا توجد جهالة، ولا يفسد الشرط مع النصوص التي ذكرناها من أن الأب له حق الأخذ، فإن قلت: ما الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في هذا الشرط هل توجد فيه جهالة أو لا؟ " فعندنا: لا، وعندهم: نعم.
الزوجة للألف، وأبيها الألف:(رجع) عليها (بالألف) دون أبيها، وكذا: إذا شرط الكل له، وقبضه بالنية، ثم طلق قبل الدخول: رجع عليها بقدر نصفه (ولا شيء على الأب لهما) أي: للمطلق والمطلَّقة؛ لأنا قدَّرنا: أن الجميع صار لها، ثم أخذه الأب منها، فتصير كأنها قبضته ثم أخذه منها
(22)
(ولو شرط ذلك) أي: الصداق، أو بعضه (لغير الأب) كالجد، والأخ (فكل المسمَّى لها) أي: للزوجة؛ لأنه عوض
(22)
مسألة: إذا دفع الرجل مهر امرأة، وأخذت ألفًا، وأخذ أبوها ألفًا، أو أخذ الأب الجميع، ثم طلَّق ذلك الرجل تلك المرأة قبل الدخول: فإن الرجل يأخذ نصف ما دفعه عند العقد: سواء تقاسم الأب وابنته ذلك المهر، أو أخذه الأب جميعًا:؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} وهذا ورد مطلقًا: أي: سواء كان آخذ المهر كله الأب، أو تقاسمه مع ابنته؛ لأن الزوج هو الذي فرضه لها، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك هو غاية العدل والإنصاف؛ إذ الزوج دفع ما دفعه مهرًا لتلك الزوجة، فمن حقه أخذ نصفه إذا طلَّق قبل الدخول ولا يمكن أن يأخذ ذلك من البنت وحدها، فإن قلتَ: إنه في هذه الحالة يأخذ الألف الذي استلمته الزوجة فقط، وإن لم تستلم شيئًا يرجع إليها بقدر نصفه، ولا شيء على الأب؛ للتلازم؛ حيث إن المهر للبنت فقبضته، فأخذه الأب منها، ويلزم: أن لا يرجع الولد فيما أعطاه لأبيه، قلتُ: بل يرجع، ويأخذ الولد ما أخذه منه والده عند الضرورة، وهذه الحالة من الضرورة؛ حيث إن المطلِّق سيُطالب البنت بنصف ما دفعه من المهر وهذا ضرر لاحق بها، فلا دفع له إلا بأن يأخذ المطلِّق نصف ما دفعه من الأب أو من غيره، فإذا كان الأب قد أخذه أو أخذ بعضه: فإنه يُشارك في إزالة هذا الضرر بأن يدفع نصف ما استلمه، و "الغرم بالغنم" فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازم مع المصلحة".
بضعها، والشرط باطل
(23)
(ومن زوج بنته ولو ثيبًا بدون مهر مثلها: صح) ولو كرهت؛ لأنه ليس المقصود من النكاح العوض
(24)
، ولا يلزم أحدًا تتمة المهر
(25)
(وإن زوَّجها به) أي: بدون مهر مثلها (ولي غيره) أي: غير الأب (بإذنها: صح) مع
(23)
مسألة: إذا شرط أن الصداق أو بعضه لغير الأب كالجد، أو الأخ، أو غيرهما الأولياء: فإن جميع الصداق المسمى للزوجة، ولا شيء لذلك الولي؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الصداق عوضًا عن بضعها: أن يكون الصداق من حقها وحدها، ويكون الشرط باطلًا، فإن قلتَ: لم فُرِّق في هذا بين الأب، وبقية الأولياء؟ قلتُ: لأن من حق الأب أن يأخذ من مال ولده سواء كانت بنتًا أو ابنًا - بشروط سبعة قد ذكرتها في مسألة (36) من باب: "الهبة والعطية، والهدية" - بخلاف غير الأب: فليس من حقه أن يأخذ شيئًا من مال غيره.
(24)
مسألة: إذا زوَّج الأب ابنته بدون صداق ومهر مثيلاتها: بأن رضي بأن يُسمَّى مهرًا وصداقًا ولو قل: فإن ذلك يصح: سواء كانت البنت بكرًا أو ثيبًا، صغيرة أو كبيرة راضية أو كارهة؛ لقاعدتين الأولى قول الصحابي؛ حيث إن عمر نهى الناس وهو على المنبر يوم الجمعة أن يغالوا في المهور، وهذا يلزم منه جواز تزويج الأب لابنته بأقل المهور، الثانية التلازم؛ حيث إن المقصد من النكاح السكن، والاستيلاد، والإحصان وإكمال الدين، ووضع المرأة عند من يحصنها، ويصونها، ويحميها، ويُعزُّها ويحسن معاشرتها بما يرضى الله، وليس المقصود: العوض فيلزم من ذلك: عدم النظر إلى العوض، وتزويج الأب لها بأي مهر شرعي وإن قلَّ.
(25)
مسألة إذا كان مهر تلك المرأة أقل من مهر مثيلاتها: فهو الواجب لها، ولا يجب على أحد من زوج أو أحد الأولياء أو الأقرباء - أن يُتمِّم ذلك المهر حتى يبلغ مهر مثيلاتها؛ للتلازم؛ حيث إن ذلك يصح تسميته مهرًا فيلزم: عدم وجوب إتمامه من قبل أحد.
رشدها؛ لأن الحق، لها، وقد أسقطته (وإن لم تأذن) في تزويجها بدون مهر مثلها لغير الأب (فـ) لها (مهر المثل) على الزوج؛ لفساد التسمية بعدم الإذن فيها
(26)
(وإن زوَّج ابنه الصغير بمهر المثل أو أكثر صح) لازمًا؛ لأن المرأة لم ترض بدونه، وقد تكون مصلحة الابن في بذل الزيادة، ويكون الصداق (في ذمَّة الزوج) إذا لم يُعيَّن في العقد (وإن كان) الزوج (معسرًا: لم يضمنه الأب؛ لأن الأب نائب عنه في التزويج، والنائب لا يلزمه ما لم يلتزمه كالوكيل فإن ضمنه غرمه غرمه
(27)
ولأب قبض صداق
(26)
مسألة: إذا زوَّج ولي غير الأب امرأةً بدون مهر مثيلاتها، وأذنت وهي رشيدة: فإن ذلك يصح، أما إن لم تأذن بذلك فيجب على الزوج أن يدفع لها مهر مثيلاتها، بدون نقصان للقياس؛ بيانه كما أن المرأة الرشيدة لو أذنت ببيع سلعتها بدون قيمتها: لصح ذلك ولو لم تأذن بذلك لوجب على المشتري دفع ثمن مثل تلك السلعة لها، فكذلك الحال هنا والجامع: أن الحق لها فإن أسقطته: سقط، وإن لم تسقطه: فلها مهر مثيلاتها؛ لكون التسمية فاسدة أصلًا.
(27)
مسألة: إذا زوج رجل ابنه الصغير بمهر المثل، أو بأكثر من مهر المثل: فإن ذلك يصح، ويلزمه هذا المهر وإن كثر، ويضمنه الزوج - وهو ذلك الابن الصغير - في ذمته، ولا يضمنه الأب، وإن كان الزوج - وهو ابنه الصغير معسرًا؛ فإن ضمنه الأب: فإنه يغرمه؛ لقاعدتين الأولى التلازم؛ حيث إن المرأة لم ترض بدون ذلك المهر الكثير فلزم الزوج ويلزم من ضمان الأب ما على الابن من مهر: ضمانه عنه، ومطالبته به دون ابنه الثانية: القياس؛ وهو من وجهين: أولهما: كما أن هذا الابن لو اشترى سلعة لكان ثمن تلك السلعة عليه وإن كان معسرًا فكذلك لو عقد الزواج على امرأة فإن صداقها عليه وإن كان معسرًا، والجامع: أن العقد له في الأمرين ثانيهما كما أن الوكيل إذا اشترى للموكِّل سلعة: فإنه لا يضمن ثمنها للبائع بل يكون للموكل، فكذلك الأب إذا زوج ابنه الصغير: فإنه لا يضمن المهر، بل يكون على المتزوج والجامع: أن الوكيل نائب عن =
محجور عليها
(28)
، لا رشيدة، ولو بكرًا إلّا بإذنها
(29)
، وإن تزوج عبد بإذن سيده: صح، وتعلَّق صداق، ونفقة وكسوة ومسكن بذمة سيده، وبلا إذنه: لا يصح، فإن وطئ تعلق مهر المثل برقبته
(30)
= الموكل، والأب نائب عن الزوج - وهو: ابنه - والنائب لا يلزمه ما لم يلتزمه.
(28)
مسألة: يجوز للأب أن يقبض صداق ابنته المحجور عليها؛ بسبب صغر، أو سفه، أو جنون؛ للقياس؛ بيانه كما أنه يقبض أثمان مبيعاتها فكذلك يقبض صداقها والجامع: دفع الضرر عنها في كل، وحمايتها في كل، فإن قلتَ: لَمِ شُرع هذا؟ قلتُ للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حماية لحقها من الضياع.
(29)
مسألة لا يجوز للأب أن يقبض صداق ابنته الرشيدة: سواء كانت بكرًا، أو ثيبًا إلّا بعد أن تأذن له في ذلك؛ للقياس؛ وهو من وجهين: أولهما: كما أن لها الحرية في التصرف في مالها من قبض مبيعاتها ونحو ذلك، فكذلك لها قبض مهرها والجامع: حسن التصرف في كل ثانيهما كما أن لها أن توكَّل في البيع والشراء فكذلك لها أن توكل أباها أو أخاها أو أي واحدٍ في قبض مهرها، والجامع: الرشد وحسن التصرف في كل. فإن قلتَ: لَمِ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حفظ حقها، من تسلُّط الآباء أو غيرهم عليه.
(30)
مسألة: إذا تزوج عبد بعد أن أذن له سيده: فإن الزواج يصح، ويضمن سيده الصداق، والنفقة والكسوة والمسكن، أما إن تزوج ذلك العبد بدون إذن سيده: فلا يصح ذلك الزواج، فإن وطئ العبد من تزوجها: فيجب عليه مهر المثل ويتعلَّق برقبته. بأن يُباع: فإن كانت قيمته تساوي مهر المثل: فإنه يُدفع للمرأة الموطوءة، وإن كان مهر المثل أقلّ من قيمته: فإنه يدفع مهر المثل للمرأة والباقي يرد إلى سيده وإن كان مهر المثل أكثر من قيمته: تعطى المرأة قيمته، ويسقط الباقي؛ لقاعدتين: الأولى التلازم؛ حيث إن إذن سيده له: يلزم منه أنه ضامن لتبعات الزواج؛ لأن العبد لا يملك شيئًا، بل هو مملوك لسيده. الثانية: =
(فصل): (وتملك المرأة) جميع (صداقها بالعقد) كالبيع، وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد
(31)
(ولها) أي: للمرأة (نماء) المهر (المعيَّن) من كسب، وثمرة، وولد، ونحوها، ولو حصل (قبل قبضها)؛ لأنه نماء ملكها (وضدُّه بضدِّه) أي ضد المعيَّن كقفير من صبرة، ورطل من زبرة بضد المعيَّن في الحكم: فنماؤه له، وضمانه عليه
(32)
= القياس؛ بيانه كما أن العبد لو جنى على أحد فإن أرش الجناية تتعلق برقبته، فكذلك إذا تزوج بدون إذن سيده فإن مهر المثل يتعلَّق برقبته والجامع: إتلاف حق الغير بلا إذن في كل.
(31)
مسألة تملك المرأة الحرة جميع صداقها ومهرها بعقد النكاح؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال الرجل الذي لم يجد صداقًا: "لا أملك إلّا إزاري" فقال صلى الله عليه وسلم: إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك" حيث يلزم منه: أن الصداق كله للمرأة لا يبقى للرجل منه شيء وتملكه حين عقد النكاح، الثانية: القياس؛ بيانه كما أنها لو باعت تلك المرأة دارًا بألف فإنها تملك الألف كله بعقد البيع؛؛ فكذلك الحال هنا، والجامع: أنه في كل منهما عقد يملك به العوض كله حالًا، أو مؤجلًا، فإن قلتَ: لا تملك بعقد النكاح إلّا نصف الصداق، وهو رواية عن أحمد، وهو قول مالك؛ للتلازم؛ حيث يلزم من سقوط نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول: أن لا تملك بالعقد إلا نصفه ويتقرر كله بالدخول قلتُ: إن هذا لا يلزم أي إن سقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد، يؤيده أنها لو ارتدَّت: فإن جميع الصداق يسقط عن الزوج، وإن كانت قد ملكت نصفه، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: تعارض التلازم مع السنة والقياس".
(32)
مسألة إذا عيَّن الزوج الصداق والمهر وميَّزه للمرأة: كأن يُعين لها ناقة مهرًا: فإن جميع كسب تلك الناقة وولدها، وكل نمائها يكون للمرأة: سواء قبضت =
ولا تملك تصرفًا فيه قبل قبضه كمبيع
(33)
(وإن تلف) المهر المعيَّن قبل قبضه (فمن ضمانها) فيفوت عليها (إلا أن يمنعها زوجها قبضه فيضمنه)؛ لأنه بمنزلة الغاصب إذًا
(34)
(ولها التصرُّف فيه) أي: في المهر المعيَّن؛ لأنه ملكها إلّا أن يحتاج لكيل، أو وزن، أو عد، أو ذرع فلا يصح تصرفها فيه قبل قبضه كمبيع بذلك بذلك
(35)
(وعليها
= تلك المرأة تلك الناقة أو لا، أما إن لم يُعيِّن الزوج الصداق كأن يقول:" أصدقتك ناقة من تلك الإبل" ونحو ذلك: فإن جميع نمائها لا يكون لها، بل يكون للزوج وضمانه إن تلف عليه؛ للقياس؛ بيانه: كما أنها لو اشترت شيئًا معينًا: فإن: فإن جميع نمائه لها، وإن لم يعين فإن النماء يكون للبائع فكذلك الحال هنا والجامع: أن المعيَّن يكون من أملاكها فنماؤه، لها، وغير المعيَّن: لا يكون من أملاكها، فنماؤه ليس لها.
(33)
مسألة: إذا عين الزوج الصداق للمرأة: فإنه يكون ملكها، لكن لا تتصرَّف فيه ببيع ونحوه إذا احتاج لكيل أو وزن أو عد إلّا بعد قبضه؛ للقياس؛ بيانه: كما أنها لا تملك التصرف في الشيء الذي اشترته مما يحتاج إلى كيل أو وزن أو عد قبل قبضه فكذلك الصداق قبل قبضه لا تتصرف فيه والجامع: الاحتياط في كل.
(34)
مسألة: إذا عيَّن الزوج الصداق للمرأة، وتلف ذلك الصداق المعيَّن قبل قبضه: فإنها تضمنه، فيفوت عليها، ولا يدفع زوجها عوضًا عنه، إلّا إذا منعها زوجها من قبض صداقها: فإنه هو الذي يضمنه؛ لقاعدتين الأولى التلازم؛ حيث يلزم من كونها تملك صداقها بعقد النكاح: أن تضمنه إذا تلف؛ لكونها قد تأخرت هي في قبضه، الثانية القياس بيانه كما أن الغاصب يضمن ما غصبه إذا تلف فكذلك الزوج إذا منع زوجته من قبض صداقها فتلف يضمنه، والجامع: الاعتداء في كل.
(35)
مسألة: إذا عين الزوج الصداق للمرأة، فمن حقها التصرف فيه ببيع ونحوه إذا لم يحتج إلى كيل أو وزن أو عد وذلك مثل الدار أو أي عقار ولو لم تقبضه؛ =
زكاته) أي: زكاة المعيَّن إذا حال عليه الحول من العقد، وحول المبهم من تعيين
(36)
. (وإن طلَّق) من أقبضها الصداق (قبل الدخول أو الخلوة فله نصفه) أي نصف الصداق (حكمًا) أي قهرًا كالميراث؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}
(37)
(دون نمائه) أي: نماء المهر
= للتلازم؛ حيث يلزم من امتلاكها له بالعقد: صحة تصرفها فيه ولو لم تقبضه، تنبيه قوله:"إلا أن يحتاج. ." قلتُ: قد سبق بيانه في مسألة (33)، فإن قلتَ: لَمِ فُرِّق بين المكيل والموزون والمعدود فلا يجوز التصرُّف فيه قبل قبضه - كما في مسألة (33) - وبين غير المكيل والموزون والمعدود فيجوز التصرُّف فيه قبل القبض؟ قلتُ: لأن المكيل والموزون والمعدود تختلف فيه أنظار الناس وتكثر الاختلافات في كميتها وقيمتها عادة بخلاف غير ذلك؛ فلا يقع ذلك فيها، فاختلف الحكم نظرًا لذلك الاختلاف بينها.
(36)
مسألة: تجب على المرأة زكاة صداقها المعيَّن بشرط: بلوغه النصاب، وحولان الحول عليه من وقت العقد، ويُحسب حول الصداق المبهم من وقت تعيينه: سواء قبضته أو لا؛ للقياس؛ بيانه كما أن زكاة مال قد ملكته بالبيع تجب عليها بالشرطين السابقين فكذلك الصداق المعيَّن مثله، والجامع: الملكية في كل.
(37)
مسألة: إذا قبضت الزوجة صداقها، ثم طلَّقها قبل الدخول أو الخلوة فيستحق أن يأخذ نصف ذلك الصداق، يكون له حكمًا وقهرًا أي: يكون له النصف، ولو لم يختر تملكه كحقه من الميراث؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} حيث يلزم من ذلك: أنه يتقرر أن النصف، له والنصف الباقي لها بمجرد ما يقع الطلاق قبل المس وهو الدخول الثانية القياس؛ بيانه كما أن الموت سبب في انتقال الملك من الميت إلى الوارث بدون إرادة الوارث أو اختياره فكذلك الطلاق هنا مثل الموت في ذلك والجامع: أن كلًّا منهما سبب يُملك به بغير عوض فإن =
(المنفصل) قبل الطلاق فتختص به؛ لأنه نماء ملكها، والنماء بعد الطلاق لهما (وفي) النماء (المتصل) كسمن عبد أمهرها إياه، وتعلُّم صنعة إذا طلَّق قبل الدخول والخلوة (له نصف قيمته) أي قيمة العبد (بدون نمائه) المتصل؛ لأنه نماء ملكها، فلا حقَّ له فيه وإن اختارت رشيدة دفع نصفه زائدًا: لزمه قبوله
(38)
، وإن نقص بنحو هزال:
= قلتُ: لَمِ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن الصداق مدفوع لكمال النكاح، فإذا طلَّق قبل الدخول فلم يكمل ذلك، فاستحق نصفه.
(38)
مسألة: إذا قبضت الزوجة صداقها، ثم طلَّقها قبل الدخول، وكان ذلك الصداق قد زاد قبل الطلاق زيادة منفصلة: فإنه يكون لها وحدها وإن كان قد نمى وزاد ذلك بعد الطلاق فالنماء والزيادة يكون بينهما نصفين، أما إن كان النماء والزيادة متصلة مثل: أن يُصدقها عبدًا معينًا، ثم يسمن ذلك العبد، ثم يطلقها قبل الدخول: فإن للمطلِّق نصف قيمته عند العقد بدون نمائه المتصل، وإن شاءت دفعت إليه نصفه زائدًا، فيلزمه قبوله للتلازم؛ حيث يلزم من كون الزيادة قد وجدت قبل الطلاق أن يكون النماء والزياة المنفصلة لها؛ لكونه حصل في ملكها الكامل، ويلزم من كون الزيادة قد حصلت بعد الطلاق أن يكون النماء والزيادة بينهما نصفين كالشريكين في تجارة، مال ويلزم من كون النماء والزيادة المتصلة قد حصلت بعد الطلاق أن يكون له نصف قيمته عند عقد النكاح، بدون نمائه وزيادته المتصلة فهي للزوجة؛ لكونها قد حصلت في حال كون العبد في ملكها، فلا يستحق الزوج المطلق شيئًا منه، وقد لجأنا إلى نصف القيمة؛ لأنها لا يمكن أن تدفع له العبد بدون زيادته، ويلزم من دفعها له حقه وزيادة لا تضر ولا تتميز: قبوله ذلك، هذا إن كانت، رشيدة أما إن كانت محجورًا عليها: فلا يجوز لوليها الرجوع إلّا في نصف القيمة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الزيادة وهي ليست رشيدة، ووليها ليس من حقه أن يتنازل عن حق غيره فيلزم أن لا يأخذ الزوج إلا نصف القيمة عند العقد.
خُيِّر رشيد بين أخذ نصفه بلا أرش وبين نصف قيمته
(39)
، وإن باعته، أو وهبته، وأقبضته أو، رهنته أو أعتقته تعيَّن له نصف القيمة
(40)
، وأيُّهما عفا لصاحبه عما وجب له، وهو جائز التصرُّف صح عفوه وليس لولي العفو عمّا وجب لمولاه: ذكرًا كان أو أنثى
(41)
(وإن اختلف الزوجان أو ولياهما (أو ورثتهما) أو أحدهما، وولي
(39)
مسألة: إذا قبضت الزوجة صداقها ثم طلَّقها قبل الدخول، وكان ذلك الصداق قد نقص: كأن يصدقها عبدًا فيهزل، أو يعمى: فإن الزوج المطلِّق يُخيَّر بين أخذ نصف العبد بدون أن يُعطى أرشًا عن ذلك النقص وبين أن يأخذ نصف قيمة العبد عند عقد الزواج؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه يستحق نصف الصداق عند الطلاق قبل الدخول ذلك الخيار لكون الزوجة لا تضمن له ما نقص من غير فعلها.
(40)
مسألة: إذا قبضت الزوجة صداقها، ثم طلَّقها قبل الدخول، وكانت قد باعت ذلك الصداق: كأن يكون عبدًا أو جملًا فباعته أو وهبته وأعطته لآخرين، وقبضوه منها، أو رهنته رهنًا، مقبوضًا، أو أعتقته فيجب عليها أن تدفع للزوج نصف قيمته عند عقد الزواج للتلازم؛ حيث يلزم من استحقاق الزوج نصف الصداق إذا طلَّق قبل الدخول: أن يأخذ نصف قيمته إذا هي تصرَّفت فيه.
(41)
مسألة: إذا قبضت الزوجة صداقها، ثم طلَّقها قبل الدخول: فإنه يستحق نصف ذلك الصداق، ولكن لو عفا الزوج عن ذلك، أو الزوجة عمّا وجب: لصحّ ذلك العفو، ولا يُطالب به الآخر في العاجل ولا في الآجل بشرط أن يكون كل واحد منهما جائز التصرُّف، والولي لا ينظر إلى عفوه وعدم ذلك؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} والذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج؛ حيث إنه يتمكن من قطعه، وفسخه، وإمساكه، ولا يملك الولي من ذلك شيئًا، فإذا عفى ذلك الزوج وهو جائز التصرُّف سقط عنها، وإذا عفت وهي كذلك - سقط عنه عاجلًا وآجلًا، فإن =
الآخر، أو ورثته (في قدر الصداق، أو عينه، أو فيما يستقر به) من دخول، أو خلوة، أو نحوهما:(فقوله) أي: قول الزوج أو وليه أو وارثه بيمينه؛ لأنه منكر، والأصل: براءة ذمته، وكذا: لو اختلفا في جنس الصداق، أو صفته
(42)
(و) إن اختلفا (في قبضه: فـ) القول (قولها)، أو قول وليها، أو وارثها مع اليمين؛ حيث لا بينة له؛ لأن الأصل:
= قلت: إن عفو الزوج لا يُعتبر، بل المعتبر هو عفو الولي إذا كان أبًا لصغير وهو قول كثير من العلماء، للكتاب؛ وهي الآية السابقة؛ حيث إن المراد بـ: الذي بيده عقدة النكاح هو: الولي وليس الزوج بعد طلاق الزوج لها، وخروجها عن يده قلتُ: هذا بعيد؛ لأن أصل المهر للزوجة، فلا يملك الولي هبته وإسقاطه؛ قياسًا على غير ذلك من أموالها وحقوقها كسائر الأولياء، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الاختلاف في المراد بالذي بيده عقدة النكاح الوارد في الآية نظرًا لأن اللفظ يحتمل الأمرين حيث إنه لفظ "مشترك"" فعندنا: الزوج، وعندهم: الولي.
(42)
مسألة: إذا قبضت الزوجة صداقها، ثم طلَّقها قبل الدخول، ثم اختلف الزوجان في قدر الصداق: بأن قال: "تزوجتك على عشرين درهمًا" فقالت: "بل على ثلاثين"، أو اختلفا في عين الصداق بأن قال: تزوجتك على هذا العبد" فقالت: "بل على تلك الأمة" أو اختلفا في دخول أو عدمه كأن يقول: "لم أدخل بك ولم ألمسك" ونحو ذلك، فتقول: "بل حصل ذلك" أو اختلفا في جنس الصداق: كأن يقول: "تزوجتك على فضة" فتقول: "بل على ذهب" أو اختلفا في صفة الصداق: كأن يقول: " تزوجتك على عبد أسود" فتقول: "بل على أبيض" ولا بيّنة: فإنه يُقبل قول الزوج مع يمينه أو وليه إن كان له ولي، أو وارثه إن مات؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل براءة ذمته من الزيادة التي تدّعيها الزوجة، وهو منكر له فيستصحب ذلك، ويعمل عليه ما لم يرد ما يُغيِّر، وعليه اليمين؛ للاحتياط.
عدم القبض
(43)
، وإن تزوجها على صداقين:"سر" و "علانية": أخذ بالزائد مطلقًا
(44)
، وهدية زوج ليست من المهر، فما قبل عقد إن وعدوه ولم يفوا: رجع بها
(45)
.
(43)
مسألة: إذا أصدق الزوج زوجته، ثم طلَّقها قبل الدخول، فاختلفا في قبض ذلك الصداق فهو يدّعي أنها قبضته وهي تدّعي:"عدم القبض" ولا بيّنة: فإنه يُقبل قول الزوجة مع يمينها؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل: عدم القبض، فيُستصحب ذلك، ويُعمل به، ويلزم بإقباضها الصداق المسمَّى بينهما، وعليها اليمين؛ للاحتياط.
(44)
مسألة إذا تزوَّجها على صداقين ومهرين: "صداق في العلانية وهو مائة درهم" و"صداق في السرِّ وهو مائة وعشرين": فإنه يُعمل بالزائد: سواء كان الصداق المعلن أو السري، وهو هنا: السري، فلو طلَّقها قبل الدخول هنا: فله نصف السري - وهو ستون -، للتلازم؛ حيث يلزم من الاتفاق بين الزوجين على هذا الزائد: أن يكون هو المعتبر بصرف النظر عن كونه معلنًا أو سريًا، لأن المقصود هو اعتبار ما اتفقا عليه وقصداه: سواء أعلناه وكتباه أو لا؛ لكون اعتبار المقاصد في العقود مقدم على اعتبار الألفاظ - كما كان ابن القيم يكرر ذلك في كتبه.
(45)
مسألة: إذا خطب رجل امرأة وَوُعِد بأن تُزوج له، وأهدى إليها هدايا قبل أن يعقد عليها، ولكنها أو وليها لم يفيا بالوعد فلم يُزوِّجها إياه: فليست من المهر، وله الحق أن يطالبهم بتلك الهدايا، فإن تلفت فله الحق أن يطالبهم بقيمتها - عند وقت الإهداء -؛ ولكن لو ماتت أو هو أعرض عن تلك الهدايا: فليس له الحق في استرجاع تلك الهدايا، أو أثمانها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من مكرهًا وعدم وفائها أو وفاء وليها بالوعد إرجاع حقه من الهدايا، ويلزم من موتها، أو إعراضه هو عنها: عدم إرجاعها إليه، والمقصد من ذلك: إرجاع كل حق إلى أصحابه.
(فصل): (يصح تفويض البضع: بأن يزوج الرجل ابنته المجبرة) بلا مهر (أو تأذن المرأة لوليها أن يزوجها بلا مهر) فيصح العقد، ولها مهر المثل؛ لقوله تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (و) يصح أيضًا (تفويض المهر: بأن يزوجها على ما يشاء أحدهما) أي: أحد الزوجين (أو) يشاء (أجنبي: فـ) يصح العقد، و (لها مهر المثل بالعقد)؛ لسقوط التسمية بالجهالة، ولها طلب فرضه
(46)
(ويفرضه): أي: مهر المثل (الحاكم بقدره) بطلبها؛ لأن الزيادة عليه ميل على الزوج، والنقص منه ميل على الزوجة
(47)
(وإن تراضيا) قبله أي: قبل فرض الحاكم، ولو على
(46)
مسألة: تفويض المرأة لغيرها في أمر بضعها، وعقدها، وأمر مهرها نوعان:"أولهما: تفويض البضع وحقيقته: أن يزوج الرجل ابنته المجبرة - وهي: الصغيرة البكر -، أو يزوج غير المجبرة بإذنها بلا مهر، ثانيهما: تفويض المهر، وحقيقته: أن يزوجها على رأي أحد الزوجين، أو ما يشاء أجنبي أو نحو ذلك: فإن العقد والنكاح يصح في هذين النوعين، ويجب للزوجة المفوِّضة مهر مثيلاتها؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} فبيّن أن عقد النكاح بلا مهر يصح. الثانية: السنة القولية؛ حيث إن ابن مسعود قد سئل عن امرأة قد تزوجها رجل، لم يفرض لها صداقًا ولم يدخل بها حتى مات فقال لها صداق نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدَّة، ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: "أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى ببروع بنت واشق الأشجعية من جماعتنا بمثل ما قضيت" ففرح ابن مسعود، ففرض لها صداق مثيلاتها؛ قياسًا على الزوجة المدخول بها بجامع: الزوجية في كل الثالثة التلازم؛ حيث يلزم من إذنها بتزويجها: وجوب مهر مثيلاتها، بسبب العقد لأنها لا يمكن أن تزوج نفسها بدون صداق.
(47)
مسألة: الذي يفرض المهر في مسألة المفوّضة السابقة الذكر في مسألة (46) - هو الحاكم - وهو القاضي - وذلك بسبب طلبها بقدره الحقيقي، وهو مهر =
قليل: (جاز)؛ لأن الحق لا يعدوهما (ويصح) أيضًا (إبراؤها من مهر المثل قبل فرضه)؛ لأنه حق لها، فهي مخيرة بين إبقائه وإسقاطه
(48)
، (ومن مات منهما) أي: من الزوجين (قبل الإصابة) والخلوة (والفرض) لمهر المثل (ورثه الآخر)؛ لأن ترك تسمية الصداق لا يقدح في صحة النكاح
(49)
(ولها مهر) مثلها من (نسائها) أي: قراباتها كأم، وخالة،
= مثيلاتها من نساء مجتمعها؛ لقاعدتين الأولى السنة القولية؛ وهو قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق - كما سبق في مسألة (46) - الثانية: المصلحة؛ حيث إن مهر مثيلاتها إذا فرض فيه السلامة من ظلم الزوج إذا فرض عليه زيادة، أو ظلم الزوجة إذا فرض على الزوج شيء ناقص، فالعدالة والإنصاف تقتضي ذلك.
(48)
مسألة: إذا تراضى الزوج والزوجة في مسألة المفوضة - كما سبق في مسألة (46) - على قدر مهر قبل فرض الحاكم: فإن ذلك يجوز: سواء كان كثيرًا أو قليلًا، وأيضًا: يصح أن تبرئه من مهرها قبل فرضه: سواء كان المهر الذي تراضيا عليه قليلًا، أو كثيرًا، وسواء كان أبرأته عن قليل أو كثير منه، وسواء كان ذلك قبل الدخول، أو بعده؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الحق لا يتعدَّاهما: جواز تراضيهما على قدر منه، ويلزم من كون الحق لها وحدها: أن تخير بين إبقائه وإسقاطه، وهو معنى قوله تعالى:{إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} وقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} .
(49)
مسألة: إذا مات أحد الزوجين قبل الخلوة والإصابة وفرض مهر المثل كما سبق في مسألة المفوِّضة وهي (46) -: فإن الآخر يرثه ولو لم يدخل بها؛ للسنة القولية: حيث قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لها الميراث في قضية بروع بنت واشِق - كما سبق في رواية معقل في مجلس ابن مسعود - كما سبق في مسألة (46)، وقد ثبت ذلك بقياس الزوجة المفوضة - وهي التي لم يُدخل بها - على الزوجة المدخول بها بجامع الزوجية في كل؛ إذ نكاح المفوضة صحيح، ولو تركت تسمية الصداق والمهر.
وعمة، فيعتبره الحاكم بمن تساويها منهن: القربى فالقربي في مال وجمال، وعقل وأدب، وسن، وبكارة، أو ثيوبة فإن لم يكن لها أقارب: فيمن تشابهها من نساء بلدها
(50)
(وإن طلَّقها) أي: المفوضة، أو من سُمِّي لها مهر فاسد (قبل الدخول) والخلوة:(فلها المتعة بقدر يُسر زوجها وعسره)؛ لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} : فأعلاها، خادم، وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها
(51)
(ويستقر مهر المثل)
(50)
مسألة: إذا مات أحد الزوجين قبل الخلوة والدخول، والإصابة وفرض مهر المثل - كما سبق في مسألة (46) -: فإنها تستحق مهر مثيلاتها من نسائها القريبات منها فيقدِّر الحاكم مهرها كما قُذِّر مهر أمها، وخالتها، وعمتها، ويُنظر في ذلك بمن تساويها في الشبه في الجمال، والعقل، والأدب، والسن، والبكارة، أو الثيوبة فمثلًا: إذا كانت تشبه عمتها في تلك الصفات: فإنه يُقدَّر لها من المهر مثل ما قُدِّر لعمتها وهكذا، فإن لم يوجد أحد من قريباتها: فإنه يُقدَّر لها من المهر كما قُدِّر لمن يشابهها من نساء بلدها بالصفات السابقة، فإن لم يوجد من أحد من نساء بلدها: فيقدَّر لها من المهر كما قُدِّر لمن يشابهها من نساء البلد المجاور لبلدها وتعتبر تلك الصفات؛ للسنة القولية حيث قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لها مهر بأن نسائها في قضية بروع بنت واشق - كما سبق في رواية معقل في مجلس ابن مسعود وذلك في مسألة (46)، وقد ثبت ذلك بالقياس - كما سبق بيانه في مسألة (49) -.
(51)
مسألة: إذا طلَّق الزوج زوجته مفوضة البضع قبل الدخول والخلوة: فتجب لها المتعة، وتقدَّر تلك المتعة على حسب يسر الزوج وعسره، فإن كان موسرًا وغنيًا: قدِّر عليه متعة عالية كخادم، وإن كان معسرًا وفقيرًا: قُدِّر عليه متعة قليلة ككسوة تجزئها في صلاتها كدرع وخمار ونحوهما، ومن كان وسطًا قُدِّر عليه متعة متوسطة، والذي يُقدِّر ذلك المجتهد من قاضي أو غيره من باب تحقيق المناط، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لقواعد الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} وقال: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} والأمر هنا مطلق فيقتضي الوجوب، الثانية: القياس؛ بيانه كما أنه لو سمى صداقًا وطلقها قبل الدخول فلها نصفه، عوضًا لها، فكذلك إذا لم يُسمَّ صداق يجب لها عوض وهو المتعة، والجامع: أنه طلاق في نكاح يقتضي عوضًا الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك قد ثبت عن ابن عباس، وابن عمر، وثبت أيضًا عن ابن عباس أنه قال:"أعلى المتعة خادم، ثم دون ذلك النفقة، ثم دون ذلك الكسوة"، فإن قلتَ: إن المتعة مستحبة وليست واجبة، وهو قول مالك، للكتاب؛ حيث قال تعالى:{حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} حيث يلزم من لفظ "المحسنين": أن المتعة على سبيل الإحسان، والتفضل، فلو كانت واجبة لما خصَّ بها المحسنين فقط دون غيرهم، وعلى ذلك: إن دفعها الزوج المطلق: فله أجر، وإن تركها فلا إثم عليه ولا يُطالب بها. قلتُ: إنه لا تعارض بين ما ذكرناه من وجوب المتعة، وبين الآية؛ لأن أداء الواجب يُعتبر من الإحسان، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: الخلاف في الواجب هل يُعتبر من الإحسان؟، فعندنا نعم، وعندهم: لا، فإن قلتَ: إن الزوج إذا طلق المفوضة قبل الدخول: فإن لها نصف مهر المثل، وهو رواية عن أحمد وعليه أكثر الحنابلة؛ للقياس؛ بيانه كما أنه لو سمى لها مهرًا محرمًا كأن يصدقها خمرًا، فطلقها بعد الدخول: فلها مهر المثل كاملًا، وإن طلَّقها قبل الدخول فلها نصف مهر المثل، فكذلك الحال هنا إذا طلَّقها قبل الدخول، وقبل تسمية المهر وفرضه: فإن لها نصف مهر المثل والجامع: أن كلًّا منهما طلاق في نكاح صحيح. قلتُ: هذا قياس فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن الحالة المقاس عليها تخص ما فرض فيها المهر؛ حيث =
للمفوضة ونحوها (بالدخول) والخلوة، ولمسها، ونظره إلى فرجها بشهوة، وتقبيلها بحضرة الناس، وكذا: المسمَّى يتقرر بذلك
(52)
، وينتصف المسمى بفرقة من قبله: كطلاقه، وخلعه وإسلامه
(53)
ويسقط كله بفرقة من قبلها كردَّتها، وفسخها
= قال تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} ، بخلاف ما نحن فيه فلم يُفرض ويُسمَّى مهر أصلًا لا محرمًا ولا حلالًا، ومع الفرق فلا قياس، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "معارضة القياس الذي ذكروه للكتاب، والقياس وقول الصحابي وهي الأدلة التي ذكرناها".
(52)
مسألة: يستقر مهر المثل كاملًا لكل زوجة - مفوضة أو غير مفوضة - ويتقرر المسمَّى من المهر بأحد أمور خمسة: أولها: إذا دخل بها. ثانيها: إذا خلى بها، فلا يكون عندهما أحد ثالثها إذا لمسها بشهوة، رابعها: إذا نظر إلى فرجها بشهوة، خامسها إذا قبَّلها بحضرة الناس؛ لقاعدتين الأولى: قول الصحابي؛ حيث إن الخلفاء الراشدين قضوا على أن من أغلق بابًا وأرخى سترًا: "فقد وجب المهر" الثانية: المصلحة؛ حيث إن طلاقها بعد الدخول والخلوة بها، ولمسها والنظر إلى فرجها بشهوة، وتقبيلها بحضرة بعض الناس ابتذال لها وكسر لقلبها فوجب جبره بالمهر الكامل.
(53)
مسألة: يستقر نصف المهر المسمى للزوجة بأحد أمور خمسة، أولها: إذا فارقها زوجها بسبب طلاقه لها، ثانيها: مخالعته لها، ثالثها: إسلامه دونها، رابعها: ردّته عن الإسلام، خامسها: ثبوت الفرقة بسبب خارجي كثبوت رضاع أو نسب بين الزوجين، وذلك بشرط: أن تكون تلك المفارقة في الخمسة قبل الدخول؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} حيث إن ذلك ثبت بالطلاق قبل الدخول، وما ذكر من أنواع المفارقة من قبل الزوج مثل المفارقة بالطلاق إذا كان قبل الدخول، من باب "مفهوم الموافقة"؛ لعدم الفارق، فإن قلتَ: لَمِ كان لها نصف المهر هنا؟ =
لعيبه، واختيارها لنفسها بجعله لها بسؤالها
(54)
(وإن طلَّقها) أي: الزوجة: مفوضة كانت أو غيرها (بعده) أي: بعد الدخول: فلا متعة لها، بل لها المهر كما تقدَّم
(55)
(وإذا افترقا في) النكاح (الفاسد) المختلف فيه (قبل الدخول والخلوة: فلا مهر) ولا متعة: سواء طلَّقها، أو مات عنها؛ لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه
(56)
(و) إن
= قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه جبران لخاطرها؛ إذا انكسرت نفسيتها في ذلك.
(54)
مسألة: يسقط كل المهر عن الزوج بأحد أمور خمسة: أولها: إذا ارتدت عن الإسلام ثانيها: إذا فسخت النكاح بسبب عيب شرعي فيه، أو عيب شرعي فيها ثالثها إذا أسلمت رابعها إذا أرضعت من يتسبَّب بفسخ النكاح برضاعه، أو ثبوت أنهما أخوين من الرضاعة، أو من النسب، خامسها: إذا طلبت طلاق نفسها فجعله الزوج، لها، فطلَّقت نفسها، بشرط أن تكون تلك المفارقة في هذه الخمسة قبل الدخول؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون المفارقة جاءت من قبلها، أو بسبب ليس راجعًا إلى الزوج كثبوت رضاع بينهما ونحوه: سقوط المهر كله عن الزوج؛ ليس هذا من فعل الزوج.
(55)
مسألة: إذا طلَّق الزوج زوجته بعد الدخول، فلا تجب لها متعة، بل يجب لها كل المهر؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} وقوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ} حيث دل منطوق هذه الآيات على أن المتعة تجب على الزوج إذا طلّق زوجته المفوضة - وهي التي لم يسم لها مهرًا ولم يدخل بها كما سبق في مسألة (51) - ودلت بمفهوم الشرط على عدم وجوب متعة على زوج طلق زوجته بعد الدخول، وإنما الواجب كامل المهر لها، فإن قلتَ: لَمِ شُرع هذا؟ قلتُ: لأن المتعة تعتبر بديلًا عن مهر المثل، أو نصفه؛ جبرانًا لخاطر تلك المرأة المفارقة قبل الدخول.
(56)
مسألة: إذا افترق الزوجان بطلاق، أو موت أو اختلاف دين، أو رضاع، =
افترقا (بعد أحدهما) أي: الدخول، أو الخلوة، أو ما يقرر الصداق مما تقدَّم:(يجب المسمَّى) لها في العقد؛ قياسًا على الصحيح، وفي بعض ألفاظ حديث عائشة:"ولها الذي أعطاها بما أصاب منها"
(57)
(ويجب مهر المثل لمن وُطئت) في نكاح باطل مجمع على بطلانه كالخامسة والمعتدَّة، أو وُطئت (بشبهة، أو زنا كرهًا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فلها المهر بما استحل من فرجها" أي: نال منه وهو الوطء، ولأنه إتلاف للبضع بغير رضى مالكه، فأوجب القيمة وهي: المهر (ولا يجب معه) أي: مع المهر (أرش بكارة) لدخوله في مهر مثلها؛ لأنه يُعتبر ببكر، مثلها، فلا يجب مرة ثانية، ولا فرق فيما ذكر بين ذات المحرم وغيرها
(58)
، .........................
= وكان النكاح فاسدًا عند بعض العلماء، دون بعض، ولكن يترتب عليه آثاره، وكان وقوع هذه المفارقة قبل الدخول والخلوة فلا تستحق المرأة مهرًا، ولا متعة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون العقد الفاسد وجوده كعدمه: عدم استحقاق المرأة لشيء من المهر أو المتعة.
(57)
مسألة: إذا افترق الزوجان بطلاق، أو موت، أو اختلاف دين في نكاح فاسد بعد الدخول، أو الخلوة أو قبل ما يتقرر الصداق بكامله كلمسها وتقبيلها بشهوة - كما سبق في مسألة (52) -: فإنه يجب المسمَّى من المهر في العقد؛ للقياس؛ بيانه: كما أن لها المسمَّى من المهر في العقد في النكاح الصحيح إذا حصلت المفارقة بعد الدخول، أو الخلوة فكذلك الحال هنا والجامع: أنه حصل الاتفاق بينهما على أن المسمى هو المهر، واستقرار ذلك بالخلوة أو الدخول.
(58)
مسألة: إذا وطأ وجامع رجل امرأة في نكاح باطل إجماعًا كأن يتزوج خامسة، أو معتدة، أو وطأها بشبهة كأن يظنها زوجته فبانت غيرها، أو زنا بها كرهًا: فيجب على ذلك الرجل أن يدفع لتلك الموطوءة مهر المثل، ولا يجب مع ذلك المهر أرش بكارة، وهذا بشرط أن تكون تلك الموطوءة جاهلة للتحريم لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "فلها المهر بما استحل من فرجها =
والزانية المطاوعة لا شيء لها إن كانت حرَّة
(59)
، ولا يصح تزويج من نكاحها فاسد قبل طلاق أو فسخ، فإن أباهما زوج: فسخه حاكم
(60)
(وللمرأة) قبل دخول (منع
= حيث أوجب الشارع للمرأة الموطوءة كامل مهر مثيلاتها بسبب ذلك الوطء، الثانية القياس؛ بيانه كما أن الشخص لو أتلف شيئًا بغير رضى مالكه فيجب عليه أن يدفع قيمة المتلف مرة واحدة دون أن يدفعه مرة ثانية، سواء كان صاحب المال المتلف قريبًا أو لا، فكذلك الحال هنا يجب على هذا الواطئ أن يدفع قيمة البضع الذي أتلفه بغير إذن المرأة - وهو المهر سواء كانت ذات محرم أو لا، ولا يدفع أرشًا لإفساد بكارتها؛ لدخوله فيما دفعه من مهر المثل والجامع: أن كلًّا منهما إتلاف لشيء من غير رضى مالكه، فإن قلتَ: لَمِ شُرع هذا؟ قلتُ: لأن المهر بدل المنفعة المستوفاة بالوطء، ويدخل فيه الأرش.
(59)
مسألة: إذا وطأ رجل امرأة حرّة، وهي خامسة، أو معتدَّة، أو يظنها زوجته فبانت غيرها، أو زنا بها وهي عالمة مطاوعة موافقة له في ذلك: فلا شيء لها، أما إن كانت تلك المرأة أمة: فلسيدها الحق في مطالبة الواطئ بالمهر؛ القاعدتين: الأولى: القياس بيانه: كما أن الشخص لو أتلف شيئًا برضى صاحبه: فلا يجب على المتلف أن يدفع قيمة المتلف، فكذلك هذه المرأة الموطوءة برضاها وطوعها: لا يجب على الواطئ أن يدفع شيئًا لها، والجامع: أن كلًّا منهما قد رضي بهذا الإتلاف، الثانية التلازم؛ حيث يلزم من كون الأمة مالًا لسيدها: أن يكون له الحق في مطالبة الواطئ لها بالمهر، فإن قلتَ: لَمِ شُرع هذا؟ قلتُ: لأن هذا يُعتبر زنا يوجب الحد عليها وعليه.
(60)
مسألة: إذا حصل نكاح فاسد بين زيد وامرأة كأن يتزوج امرأة وهي في العدّة، أو بلا ولي: فيجب على ذلك الرجل أن يطلقها، أو يفسخ ذلك النكاح، ولا يجوز تزويجها لعمرو قبل أن يطلقها، أو يفسخها زيد، فإن امتنع زيد من طلاقها أو فسخها، فإن الحاكم - وهو القاضي - يفسخها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من =
نفسها حتى تقبض صداقها الحال) مفوضة كانت، أو غيرها؛ لأن المنفعة المعقود عليها تتلف بالاستيفاء، فإذا تعذَّر استيفاء المهر عليها: لم يمكنها استرجاع عوضها، ولها النفقة زمنه
(61)
(فإن كان) الصداق (مؤجلًا) ولم يحل (أو حلَّ قبل التسليم): لم تملك منع نفسها؛ لأنها رضيت بتأخيره (أو سلمت نفسها تبرعًا) أي: قبل الطلب بالحال: (فليس لها) بعد ذلك (منعها) أي: منع نفسها؛ لرضاها بالتسليم، واستقرار الصداق
(62)
، ولو أبى الزوج تسليم الصداق حتى تسلِّم نفسها، وأبت تسليم نفسها
= تزويجها قبل أن يطلقها زيد: أن يجتمع لها زوجان كل واحد يعتقد صحة نكاحه وهذا لا يجوز بالإجماع، ويلزم من كون الحاكم هو القائم مقام الممتنع مما وجب عليه: أن يفسخ نكاحها من زيد.
(61)
مسألة: من حق المرأة أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحالّ، ويجب على الزوج أن ينفق عليها زمن هذا الامتناع: سواء كانت مفوضة، أو ليست كذلك؛ للتلازم؛ حيث إن بضعها هو: المنفعة المعقود عليها، وهذه تتلف بالاستيفاء؛ فإذا تعذَّر استيفاء المهر عليها بعد الوطء: لم يمكنها استرجاع عوض تلك المنفعة - وهو الاستمتاع - فيلزم أن لها الحق في منع نفسها حتى تستلم مهرها، ويلزم من كون حبس الصداق والمهر وقع من قبله زمن الامتناع: أن ينفق عليها في ذلك الزمن؛ لأنها طالبت حقًّا شرعيًا لها، فإن قلتَ: لَمِ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ وهو حفظ حق المرأة من تحايل بعض الأزواج الظالمين.
(62)
مسألة: لا يحق للمرأة أن تمنع نفسها من أن يطأها الزوج في حالات ثلاث: أولها: إذا اتفقا على أن الصداق يكون مؤجَّلًا، ولم يحل وقته، فلا تمنع نفسها للتلازم؛ حيث يلزم من عدم حقها بطلبه عدم جواز منع نفسها، ثانيًا: إذا رضيت بتأخير الصداق، وحل قبل تسليمها نفسها فلا تمنع نفسها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من رضاها بتأخيره: رضاها بتسليم نفسها قبل قبضه فلا يجوز منعها لنفسها، ثالثها: إذا سلَّمت نفسها تبرعًا منها قبل الطلب بالصداق الحال: فلا =
حتى يُسلِّم الصداق: أجبر زوج، ثم زوجة
(63)
، ولو أقبضه لها، وامتنعت بلا عذر: فله استرجاعه
(64)
(فإن أعسر) الزوج (بالمهر الحالِّ فلها الفسخ) إن كانت حرة مكلَّفة (ولو بعد الدخول)؛ لتعذر الوصول إلى العوض بعد قبض المعوض كما لو أفلس المشتري ما لم تكن تزوجته عالمة، بعسرته ويُخيِّر سيد الأمة؛ لأن الحق له،
= يحق لها أن تمنع نفسها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من رضاها بتسليم نفسها، واستقرار الصداق عدم جواز منعها لنفسها.
[فرع]: إذا جامعها مكرهة: فإن لها الحق في الامتناع بعد ذلك؛ للقياس؛ بيانه: كما أن المبيع إذا أخذه المشتري كرهًا فمن حق البائع أن يأخذه منه، ويمنعه منه فكذلك الحال هنا، والجامع: حصول ذلك بغير رضى الطرفين.
(63)
مسألة: إذا قال الزوج: "لن أسلِّمك صداقكِ إلا إذا سلَّمتِ لي نفسكِ" وقالت الزوجة: "لن أسلِّمك نفسي إلا إذا سلَّمتني صداقي ومهري": فإنه يُجبر الزوج بأن يسلِّم لها الصداق والمهر، ثم تُجبر الزوجة بأن تسلِّم نفسها له؛ للمصلحة: حيث إن تسليمها لنفسها قبل أن يُسلّمها الزوج صداقها فيه ضرر عليها؛ إذ قد يجامعها ويتلف البضع، ويمتنع من تسليم الصداق، وحينئذٍ لا يمكنها الرجوع ببضع سليم، بخلاف ما لو استلمت منه الصداق وامتنعت تسليم نفسها: فإنه يمكن للزوج استرجاع صداقه بدون ضرر.
[فرع]: إذا بادر أحدهما بتسليم ما وجب عليه: فإنه يُجبر الآخر على تسليم ما عنده بدلًا عنه؛ للقياس بيانه كما أن ذلك يُفعل بين البائع والمشتري فكذلك يُفعل بين الزوجين، والجامع: إرجاع الحق إلى أهله في كل.
(64)
مسألة: إذا سلَّم الزوج الصداق للزوجة، وامتنعت تسليم نفسها: فمن حقه أن يسترجع ذلك الصداق ويأخذه منها؛ للقياس بيانه: كما أن البائع لو استلم الثمن من المشتري ولم يسلم السلعة المباعة من المشتري: فمن حق المشتري أن يأخذ ذلك الثمن، والجامع إرجاع الحق إلى أهله في كل.
بخلاف ولي صغيرة ومجنونة
(65)
(ولا يفسخه) أي: النكاح لعسرته بحالِّ مهر (إلا حاكم) كالفسخ؛ لعنَّة، ونحوها؛ للاختلاف فيه
(66)
، ومن اعترف لامرأة أن هذا ابنه
(65)
مسألة: إذا أعسر الزوج وافتقر، وعجز عن تسليم الزوجة المهر الحال: فمن حقها أن تفسخ النكاح: سواء كان ذلك وقع قبل الدخول أو بعده بشرطين: أولهما: أن تكون تلك الزوجة حرة بالغة عاقلة فإن كانت أمة: فيخير السيد بين الفسخ، وعدمه، وإن كانت صغيرة، أو مجنونة: فليس لها الفسخ إلا بعد أن تبلغ، أو تعقل، ثانيهما: أن تكون قد تزوجته وهي جاهلة لعسره وفقره حال العقد، أما إن كانت عالمة بعسره عند العقد: فلا يحق لها أن تطلب الفسخ؛ لقاعدتين: الأولى القياس بيانه كما أنه لو أفلس المشتري: فإنه من حق البائع أن يفسخ البيع، فكذلك لو أفلس وافتقر الزوج عن دفع المهر الحال: فإنه من حق الزوجة فسخ النكاح، والجامع: تعذَّر الوصول إلى العوض بعد قبض المعوَّض في كل. الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون الزوجة بالغة مكلَّفة: فسخها النكاح؛ نظرًا لدرايتها بمصلحتها، ويلزم من كون الأمة من مال سيدها: تخييره في الفسخ وعدمه؛ لكونه مالكًا لنفعها، دونها، ويلزم من كون الصغيرة والمجنونة لا يعلمان مصلحتهما: عدم صلاحيتهما لطلب الفسخ، ولا يملك وليهما مهرهما، ويُصبر حتى تبلغ الصغيرة، وتعقل المجنونة فقد ترضيان بتأخيره، ويلزم من رضى الزوجة بعسر الزوج عند العقد ومقامها عنده: امتناع الفسخ منها، فإن قلتَ: لَم شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حماية الناس من أن تؤكل أموالهم بغير حق.
(66)
مسألة: إذا أعسر الزوج وافتقر وعجز عن تسليم الزوجة المهر الحال، وأرادت الزوجة أن تفسخ النكاح: فلا يفسخه إلا الحاكم وهو القاضي -؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الحاكم هو الذي يفسخ النكاح بسبب عنَّة ونحوها من العيوب في الزوج فكذلك هو الذي يتولَّى فسخ نكاحها بسبب عسر زوج عن دفع مهر حال، =
منها: لزمه لها مهر مثلها؛ لأنه الظاهر قاله في "الترغيب"
(67)
.
* * *
= والجامع: دفع مفسدة الاختلاف؛ إذ كل واحد من الزوجين قد يزعم أن الحق معه، وإذا فسخه حاكم مجتهد: انقطع ذلك النزاع، وهو المقصد منه.
(67)
مسألة: إذا اعترف عمرو بأن زيدًا هذا ابنه من فاطمة تلك: فيجب عليه أن يدفع مهر المثل لفاطمة للتلازم؛ حيث يلزم من ظاهر هذا الإقرار: صحته، ويلزم من ذلك: دفع مهر مثيلاتها؛ لعدم وجود وطء بدون مهر.
هذه آخر مسائل باب "الصداق والمهر" ويليه باب "وليمة العرس، وآداب الأكل والشرب".
باب وليمة العرس
أصل "الوليمة": تمام الشيء واجتماعه، ثم نقلت لطعام العرس خاصة؛ لاجتماع الرجل والمرأة
(1)
(تسنُّ) الوليمة بعقد ولو (بشاة فأقل) من شاة؛ لقوله عليه السلام لعبد الرحمن بن عوف - حيث قال له: تزوجتُ: "أولم ولو بشاة" و "أولم النبي صلى الله عليه وسلم على صفية بحيس وضعه على نطع صغير" كما في "الصحيحين" عن أنس، لكن قال جمع: يُستحب أن لا تنقص عن شاة
(2)
(وتجب في أول مرَّة) أي: في اليوم
باب وليمة العرس، وآداب الأكل والشرب
وفيه ست وثلاثون مسألة:
(1)
مسألة: الوليمة: مأخوذة من "ولم" أي: اجتمع، ومنه قولهم للقيد:"وِلْم"؛ لأنه: يجمع الرجلين معًا، ولذلك أطلق اسم "الوليمة" لدعوة العرس، وطعامه ولا ينقدح في الذهن غير ذلك؛ نظرًا لأن سببها هو: اجتماع الرجل والمرأة بعد افتراق، واسم الوليمة يطلق على كل طعام السرور حادث إلا أن الغالب إطلاقه في طعام العرس.
(2)
مسألة: يُستحب أن يضع المسلم وليمة لعرسه يُدعى لها جمع من الناس، ويكون بعد العقد وقبل الدخول أو بعده بقليل: سواء كانت تلك الوليمة كثيرة كذبح شاة فما فوقها، أو أقل كأي شيء يُطلق عليه طعام محبوب عند بعض الناس؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث إن عبد الرحمن بن عوف لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج قال له عليه السلام: "أولم ولو بشاة" حيث أمر بوضع وليمة للعرس، وصرف هذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، القياس؛ بيانه: كما أن وضع سائر الأطعمة بمناسبة السرور مستحبة فكذلك وضع وليمة العرس مثلها والجامع: السرور. الثانية السنة الفعلية: حيث إنه صلى الله عليه وسلم قد اصطفى صفية لنفسه، فخرج بها حتى بلغ بها ثنية الصهباء فبنى بها ثم صنع حيسًا - وهو التمر مع =
الأول (إجابة مسلم يحرم هجره) بخلاف نحو رافضي ومتجاهر بمعصية إن دعاه (إليها) أي: إلى الوليمة (إن عيّنه) الداعي (ولم يكن ثم) أي: في محل الوليمة (منكر)؛ لحديث أبي هريرة يرفعه: "شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها، ويُدعى إليها من يأباها، ومن لا يجب فقد عصى الله ورسوله" رواه مسلم
(3)
(فإن دعاه الجَفَلَى) - بفتح الفاء -
= الدقيق - ثم قال لأنس: "اِئذن لمن حولك"، وأولم على بعض نسائه بمدَّين شعير فإن قلتَ: لم استحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إظهار الزواج، وفيه تيسير على الناس، وعدم تقييده بكونه بعد العقد فيه توسيع وتيسير على الناس، فإن قلتَ: إنها تُسنُّ بعد العقد، أو بعد الدخول، وهو قول المصنف هنا وبعض الحنابلة، قلتُ: إن حديث عبد الرحمن بن عوف ورد مطلقًا في وقت وضع الوليمة فلم يحدِّد وقته - فإن قلتَ: إن الوليمة يُستحب أن لا تنقص عن شاة والزيادة عليها وهو لبعض العلماء؛ للسنة القولية: وهو حديث عبد الرحمن بن عوف السابق؛ حيث دل مفهوم العدد منه على استحباب وضع وليمة تكون لا تنقص عن شاة، أو تكون أكثر. قلتُ: هذا المفهوم يخالف السنة الفعلية؛ حيث أولم النبي عليه السلام على بعض نسائه بحيس، ومدين شعير، فلا يُعمل بمفهوم نص مخالف لفعله عليه السلام فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض المفهوم مع السنة الفعلية"، فإن قلتَ: إن وليمة العرس واجبة وهو قول بعض الشافعية للسنة القولية: وهو حديث عبد الرحمن بن عوف السابق؛ حيث إن الأمر بوضع الوليمة أمر مطلق، فيقتضي الوجوب قلتُ: إن الأمر قد صرفه من الوجوب إلى الاستحباب القياس، وهو قياس وليمة العرس على سائر الأطعمة، وقد سبق بيانه.
(3)
مسألة: تجب إجابة الدعوة لوليمة العرس بشروط خمسة: أولها: أن تكون الدعوة في أول مرة في اليوم الأول، ثانيها: أن يكون الداعي لها مسلم، ولم يكن من أهل المعاصي العقائدية أو الفرعية، ثالثها: أن يُعيِّن الداعي لها المدعو - ويخصه بتلك الدعوة، أو يخص جماعة هو منهم، رابعها: أن لا توجد في موضع الوليمة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= منكرات، خامسها: أن لا يكون المدعو مريضًا، أو ممرضًا لغيره، أو مشغولًا بما هو أهم من إجابة الدعوة كطلب علم، أو حفظ، مال، أو يتضرر إذا حضرها بسبب زحام، أو حر، أو برد، أو سفر، أو مطر، أو وحل، أو حضور من يتضايق منه، أو نفسه تكره حضور مثل تلك المجتمعات أو نحو ذلك من الأسباب، أما إن تخلَّف شرط من تلك الشروط، أو جميعها: فلا تجب إجابة الدعوة؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجوه: أولها: قوله صلى الله عليه وسلم: "شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها، ويُدعى إليها من يأباها، ومن لا يجب: فقد عصى الله ورسوله حيث إنه توعد من لا يجب الدعوة - من غير عذر - بالعصيان وهذا عقاب ولا يُتوعد بذلك إلا من ترك واجبًا، ثانيها: قوله عليه السلام: "الوليمة أول يوم حق، والثاني، معروف والثالث رياء وسمعة" حيث بيّن أن وجوب الإجابة تكون في أول مرة، وهو أول يوم فقط؛ نظرًا لأحقيته، ثالثها: قوله عليه السلام: "إذا دُعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها حيث أوجب إجابة الدعوة إلى الوليمة؛ لأن الأمر في قوله "فليأتها" مطلق، وهو يقتضي الوجوب الثانية المصلحة؛ حيث إن الداعي إذا عيَّن المدعو ولم يجبه: فإن ذلك فيه كسر لقلب الداعي، وقد يضره، فدفعًا لذلك وجبت إجابة الدعوة، وإن إجابة دعوات أهل المعاصي أو حضور ما فيه منكرات فيه تعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الشارع عن ذلك، وأن مراعاة ظروف وأحوال الناس من المقاصد الأصلية للإسلام، فلا يُكلَّف المسلم ما لا يطيق في الأركان والفروض والشروط؛ لقوله عليه السلام: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" فكيف بمثل ذلك، ومن كانت ظروفه البدنية أو النفسية أو العائلية أو أحواله العامة أو الخاصة لا تسمح بحضور تلك الاجتماعات أو من هو مشغول بما هو أهم من إجابة دعوة طعام كطلب علم أو تعليمه فلا تجب عليه إجابة تلك =
كقوله: "يا أيها الناس هلمُّوا إلى الطعام": لم تجب الإجابة (أو) دعاه (في اليوم الثالث): كرهت إجابته؛ لقوله عليه السلام: "الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، والثالث رياء وسمعة" رواه أبو داود وغيره، وتسن في ثاني يوم: لذلك الخبر (أو دعاه ذمِّي) أو من في ماله حرام: (كُرهت الإجابة)؛ لأن المطلوب: إذلال أهل الذمة، والتباعد عن الشبهة أو ما فيه حرام؛ لئلا يواقعه
(4)
وسائر الدعوات مباحة، غير
= الدعوة، لكون الإجابة تلحق الضرر به إما عاجلًا أو آجلًا وكلٌّ أعلم بحاله، فلا يُلام أحد في ذلك.
(4)
مسألة: تكره إجابة الدعوة لوليمة العرس في حالتين: أولهما: أن يشك في وجود بعض المنكرات، أو ما يضايقه، ثانيهما: أن يدعوه كافر ذمي؛ للمصلحة: حيث إن المصلحة تقتضي التباعد عن إكرام أهل الذمة، وفي إجابة دعوتهم: إكرام لهم، وتقتضي اجتناب كل موضع يُشك في وجود بعض المنكرات فيه.
[فرع]: يحرم إجابة الدعوة لوليمة العرس في حالات ثلاث: أولها: أن تكون الدعوة في اليوم الثالث للعرس ثانيها: أن يغلب على ظن المدعو: أن في مال الداعي شيئًا من الحرام، من من الحرام من معاملاته بالحرام، أو حرصه على دعوة أصحاب المراكز في الدولة؛ وهذا ظاهر في إرادته إشغال منصب مثلهم، ثالثها: أن يغلب على ظن المدعو أن الداعي يفعل تلك الولائم، ويكثرها، ويضعها في قصور، أو فنادق؛ لأجل المباهاة والشهرة والرياء؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، والثالث: رياء وسمعة فيحرم حضور اليوم الثالث لكونه وضع فيه الوليمة رياء وسمعة، ويحرم حضور مثل ذلك الثانية المصلحة؛ حيث إن في ترك حضور من في ماله، حرام أو من المباهين أو المنافقين فيه هجره وتركه، وهذا واجب من باب التعاون على البر والتقوى وقد أمر به الله، وحضور ولائم مثل ذلك فيه التعاون على الإثم والعدوان وقد نهى الله عنه؛ حيث قال تعالى: =
عقيقة: فتسن، ومأتم فتكره، والإجابة إلى غير الوليمة مستحبة غير مأتم فتكره
(5)
(ومن
= {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} والنهي هنا مطلق، فيقتضي التحريم فإن قلتَ: إن الحالتين الأوليين يكره فيهما حضور الوليمة، وهو ما ذكره المصنف هنا قلتُ: لم أجد دليلًا على هذه الكراهة، ولم يوجد صارف يصرف النهي عن حضورهما من التحريم إلى الكراهة كما سبق.
[فرع ثان] تستحب إجابة الدعوة لوليمة العرس في حالة ما إذا دعاه دعوة خاصة في اليوم الثاني من العرس؛ للسنة القولية حيث قال صلى الله عليه وسلم: "الوليمة أول يوم حق والثاني معروف، ووضع المعروف مستحب.
[فرع ثالث] تباح إجابة الدعوة لوليمة العرس في ما إذا دعاه دعوة عامة - وهي "دعوة الجَفَلَى" - كقوله: "أيها الناس تعالوا إلى الطعام" ولم تكن في موضع الوليمة منكرات؛ للسنة القولية حيث قال صلى الله عليه وسلم للمنادي لدعوة وليمة: "ادع فلانًا، وفلانًا، ومن لقيت"؛ فلو لم تكن إجابة الدعوة هنا مباحة: لما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قلتَ: إن الإجابة في هذه الحالة مكروهة، وهو ما قاله المصنف هنا قلتُ: لم أجد دليلًا على الكراهة، وهذا يخالف السنة القولية - كما سبق -؛ إذ لو كانت الإجابة مكروهة هنا: لما أمر بها عليه السلام؛ إذ لا يأمر بالمكروهات. تنبيه: اجتمعت في هذه المسألة الأحكام التكليفية الخمسة بالاعتبارات السابقة الذكر وهي من نوادر المسائل.
(5)
مسألة تُستحب الإجابة إلى دعوات الولائم عامة - سوى دعوة وليمة العرس -: سواء كانت وليمة عقيقة أو لا، بشرط أن لا توضع تلك الوليمة للمأتم وهو الطعام الذي يُصنع للمجتمعين بعد موت ميت -؛ للمصلحة: حيث إن الإجابة فيها جبر قلب الداعي، وتطييب خاطره، وتفريحه والمأتم بدعة وما يوضع فيه من الأطعمة من البدع والمنكرات التي لم تكن تُفعل في عهده صلى الله عليه وسلم، ولا عهد =
صومه واجب) كنذر، وقضاء رمضان إذا دُعي للوليمة حضر وجوبًا، و (دعا) استحبابًا (وانصرف)؛ لحديث أبي هريرة يرفعه:"إذا دُعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليدع، وإن كان مفطرًا فليطعم" رواه أبو داود (و) الصائم (المتنفل) إذا دُعي: أجاب، (ويفطر إن جبر) قلب أخيه المسلم، وأدخل عليه السرور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم الرجل اعتزل عن القوم ناحية وقال: إني صائم: دعاكم أخوكم، وتكلف لكم، كل ثم صم يومًا مكانه إن شئت"
(6)
= أصحابه، وحضورها يُعتبر مشاركة في تلك البدع، وهو حرام. تنبيه: قوله: "وسائر الدعوات مباحة" قلت: تستحب الإجابة وهي درجة فوق الإباحة.
(6)
مسألة: إذا دُعي شخص لوليمة عرس، وكان هذا الشخص صائمًا صوم واجب كنذر، أو قضاء رمضان: فيجب عليه أن يحضر - إذا توفرت فيه شروط وجوب الإجابة الخمسة السابقة في مسألة (3)، ولا يأكل، ويُستحب أن يدعو لأصحاب الوليمة، بقوله: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلَّت عليكم الملائكة وذكركم الله فيمن عنده، ثم ينصرف، أما إن كان ذلك المدعو صائمًا صوم تطوع: فإنه يجب عليه إجابة الدعوة بالشروط السابقة ويُفطر إن كان ذلك فيه جبر لقلب الداعي له ويصوم يومًا مكانه إن شاء؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجهين أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دُعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليصلِّ" حيث أوجب إجابة الدعوة؛ لأن الأمر هنا مطلق، فيقتضي الوجوب، واستحب الدعاء لهم. ثانيهما: أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا معتزلًا في وليمة فسأله عن ذلك فقال الرجل: إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"دعاكم أخوكم، وتكلَّف لكم، كل، ثم صم يومًا مكانه إن شئت" فأمره بالإفطار ليأكل من وليمة أخيه المسلم، وقوله:"إن شئت" يدل على أن صومه كان تطوعًا الثانية: المصلحة؛ حيث إن في إجابة الصائم للدعوة جبرانًا لقلب الداعي، وتفريحًا له، وإن رأى الصائم المتطوع أن أكله من وليمة أخيه سيسرُّه ويُفرحه فإنه يأكل، وقد يكون هذا أكثر أجرًا من صيامه المتطوع به.
(ولا يجب) على من حضر (الأكل) ولو مفطرًا؛ لقوله عليه السلام: "إذا دُعي أحدكم فليجب، فإن شاء أكل، وإن شاء ترك" قال في "شرح المقنع" حديث صحيح ويستحب الأكل؛ لما تقدم
(7)
(وإباحته) أي: إباحة الأكل (متوقفة على صريح إذن، أو قرينة) ولو من بيت قريب، أو صديق لم يحرزه عنه؛ لحديث ابن عمر:"من دخل على غير دعوة: دخل سارقًا، وخرج مغيرًا" والدعاء إلى الوليمة، وتقديم الطعام إذن فيه
(8)
، ولا يملكه
(7)
مسألة: إذا دُعي شخص إلى وليمة عرس فأجاب: فلا يجب عليه الأكل سواء كان صائمًا أو مفطرًا ولكن يستحب الأكل؛ للسنة القولية وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دُعي أحدكم فليجب: فإن شاء أكل، وإن شاء ترك" فأوجب هنا الإجابة للدعوة؛ لأن "فليُجب" أمر مطلق، وهو يقتضي الوجوب، ثم أباح له الأكل، ثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم: للرجل الذي اعتزل في وليمة وقال: إني صائم: "كل، ثم صم يومًا مكانه" كما سبق في مسألة (6) - فأمره بالأكل وهو صائم صوم تطوع، فإذا استحب لهذا أن يأكل فمن باب أولى أن يُستحب للمفطر أن يأكل، فإن قلتَ: لِمَ استحب الأكل؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إكمال السرور، للداعي، فإن قلتَ: يجب الأكل إذا أجاب الدعوة وهو قول أكثر الشافعية؛ للتلازم؛ حيث إن المقصود من الدعوة الأكل فيلزم ذلك وجوبه، قلتُ: ليس المقصود من الدعوة الأكل، وإنما المقصود إجابة الدعوة والحضور، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في المقصود من الدعوة".
(8)
مسألة: يحرم أكل طعام الآخرين إلا بإذن من صاحب الأكل، أو قرينة دلَّت على هذا الإذن: سواء كان صاحب الطعام قريبًا، أو صديقًا، أو غيرهما، ومن القرائن الدالّة على إذن صاحب الطعام بأن يؤكل طعامه: أن يدعوك شخص إلى الأكل من وليمته، أو أن تأتيه فجأة ويُقدِّم لك طعامه للسنة القولية؛ حيث قال: صلى الله عليه وسلم: "من دخل على غير دعوة دخل سارقًا، وخرج مغيرًا" فحرم أكل مال الآخرين من غير إذنهم؛ وهذا التحريم لزم من تشبيه هذا الداخل بغير دعوة على =
من قُدِّم إليه، بل يهلك على ملك صاحبه
(9)
(وإن علم المدعو (أن ثمَّ) أي: في الوليمة (منكرًا) كزمر، وخمر وآلات لهو، وفرش حرير، ونحوها: فإن كان (يقدر على تغييره: حضر وغيَّره)؛ لأنه يؤدي بذلك فرضين: إجابة الدعوة" و "إزالة المنكر" (وألا) يقدر على تغييره: (أبى) الحضور؛ لحديث عمر مرفوعًا: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يُدار عليها الخمر" رواه الترمذي
(10)
(وإن حضر)
= السارق، والمغير والناهب؛ وهذه أقبح صفات من يفعل ذلك؛ فإن قلتَ: لِمَ حُرِّم ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حماية حقوق الآخرين: من أقرباء، وأصدقاء، وجيران وغيرهم من أن تنهب وتسرق عن طريق الأكل، فدفعًا لذلك حرم الأكل.
(9)
مسألة: إذا حضرت وليمة غيرك وأذن لك في الأكل منها: فيحرم عليك أن تطعمه غيرك، أو تأخذ منه لمنزلك إلا بإذن من صاحب الطعام؛ للتلازم؛ حيث إن صاحب الطعام قد أباحه إباحة محضة لك فقط، فيلزم منه: تحريم إطعامه لغيرك، أو الأخذ منه إلّا بإذنه؛ لأنه قد يأذن لك في أكل طعامه، ولكنه لا يأذن لغيرك في ذلك، فكل بحسبه، وقد يُكرمك، ولكنه لا يريد إكرام غيرك من أعدائه ونحوهم.
(10)
مسألة: إذا دعاك شخص إلى وليمته، وعلمت بوجود منكر - كمزامير، وخمر، وفرش حرير، وآنية ذهب وفضة ونحوها - ففيه تفصيل: أولًا: إن غلب على ظنك قدرتك على تغيير ذلك المنكر: فيجب عليك أن تحضر تلك الوليمة؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه مصلحتان: "إجابة الدعوة وتفريح صاحب الوليمة بذلك" و"إزالة ذلك المنكر وتغييره" ثانيًا: إن غلب على ظنك عدم قدرتك على تغيير المنكر: فإنه يحرم عليك الحضور للسنة القولية حيث قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يقعد على مائدة يُدار عليها الخمر" وهذا نهي، والنهي هنا مطلق، فيقتضي التحريم وغير الخمر من المنكرات والمحرمات مثل الخمر؛ =
من غير علم بالمنكر (ثم علم به: أزاله)؛ لوجوبه عليه، ويجلس بعد ذلك (فإن دام) المنكر؛ (لعجزه) أي: المدعو (عنه: انصرف)؛ لئلا يكون قاصدًا لرؤيته، أو سماعه (وإن علم) المدعو (به) أي بالمنكر (ولم يره ولم يسمعه: خُيِّر) بين الجلوس، والأكل، والانصراف؛ لعدم وجوب الإنكار حينئذٍ
(11)
(وكره النثار والتقاطه)؛ لما يحصل فيه
= لعدم الفارق، من باب "مفهوم الموافقة"، فإن قلتَ: لَمِ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن حضوره مع وجود تلك المنكرات من باب التعاون على الإثم والعدوان الذي حرمه الشارع؛ بقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ، ولنفي أن يكون قاصدًا لرؤية المنكر، أو سماعه.
(11)
مسألة: إذا حضرت وليمة، ثم علمت بوجود منكرات بعد حضورك: فيجب عليك أن تنكرها إن قدرت على ذلك، ثم تجلس إن شئت في الوليمة، وإن عجزت عن ذلك فيجب عليك الانصراف ويحرم عليك الجلوس: سواء كنت قد رأيت تلك المنكرات وسمعتها، أو لم ترها، ولم تسمعها، وهو ما قرره ابن تيمية وغيره من المحققين؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ والثانية: المصلحة؛ وقد ذكرناهما بالتفصيل في مسألة (10)، والمقصد من ذلك هو نفس المقصد من مسألة (10)، فإن قلتَ: إن لم تر المنكرات ولم تسمعها: فإنك بالخيار: إن شئت جلست وأكلت وإن شئت انصرفت وخرجت وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم رؤية المنكر وسماعه: إباحة الجلوس والانصراف قلتُ: المقصود هو: إزالة المنكر عنك وعن غيرك فلا يلزم ما ذكر؛ حيث إن الواجب إزالة المنكر عن غيرك أيضًا عند المقدرة، وعند عدمها: يلزمك ترك المكان كله؛ لئلا تكون متعاونًا مع غيرك في نشر المنكرات، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في المقصود من إزالة المنكر هل هو لئلا يسمعها ويراها المزيل، أو هو لأجل نفسه وغيره؟ " فعندنا: لأجل الجميع وعندهم: لأجل نفسه فقط.
من النهبة، والتزاحم، وأخذه على هذا الوجه فيه دناءة وسخف (ومن أخذه) أي: أخذ شيئًا من النثار (أو وقع في حجره) منه شيء: (ف) هو (له): قصد تملكه أو لا؛ لأنه قد حازه ومالكه قصد تمليكه لمن حازه
(12)
(ويسن إعلان النكاح)؛ لقوله عليه السلام: "أعلنوا النكاح" وفي لفظ: "أظهروا النكاح" رواه ابن ماجه
(13)
(و) يسن (الدف) أي: الضرب به إذا كان لا حلق به، ولا صنوج (فيه) أي: في النكاح (للنساء) وكذا: ختان، وقدوم غائب، وولادةً، وإملاك؛ لقوله عليه السلام:"فصل ما بين الحلال والحرام الصوت، والدف في النكاح" رواه النسائي، وتحرم كل ملهاة
(12)
مسألة: يكره أن يطرح شيء من الدراهم، والجوز واللوز، والسكر ونحو ذلك في أيام التزويج - وهو المسمى بـ "النثار"، ويكره لأي شخص أن يلتقطه إذا طُرح ونُثر، ومن أخذه والتقطه، أو وقع في حجره: فهو له: سواء قصد تملُّكه أو لا؛ لقاعدتين الأولى المصلحة؛ حيث إن ذلك يؤدي إلى أن يتزاحم الناس ويتقاتلون لأجل أخذ ما نُثر وطُرح، وهذا مخالف لما أمر به الشارع من أن المسلم يجب عليه أن يحرص على معالي الأمور، وترك، سفاسفها، ويترك كل ما فيه دناءة، وسخف، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من أخذ ما طُرح ونثر، أو وقع في حجر شخص: أن يملكه؛ لحيازته له، وهو حرز لا سيما وأن مالكه أراد وقصد تمليكه لمن حازه وأخذه.
(13)
مسألة: يستحب إظهار النكاح والزواج، وإشاعته؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أعلنوا النكاح" والإعلان هو الإظهار، والذي صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب هي السنة التقريرية حيث إنه عليه السلام لم ينكر على بعض الصحابة الذين تزوجوا بالسر مثل عبد الرحمن بن عوف وغيره، وهذا يدل على أن إعلان النكاح ليس بواجب فإن قلتَ: لَمِ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إعلام الآخرين بزواج فلان على فلانة؛ حتى لو كان بينهما رضاع ونحوه مما يحرم النكاح يعلم قبل الدخول.
سوى الدف كمزمار، وطنبور، وجنك، وعود قال في المستوعب" و "الترغيب":"سواء استعمل الحزن أو سرور"
(14)
.
تتمَّة في جمل من آداب الأكل والشرب: تسنُّ التسمية جهرًا على أكل وشرب، والحمد إذا فرغ، وأكله مما يليه بيمينه
(15)
، .........................
(14)
مسألة: يُستحب أن يضرب على الدف في الاحتفال بالعرس والنكاح للرجال والنساء، وكذا: في الاحتفال بولادة، مولود، وختان وقدوم غائب، وعقد النكاح - وهو الإملاك، ويحرم ويحرم استعمال غير الدف من الملهيات كمزامير، وعود، وموسيقى ونحوها سواء في سرور أو حزن؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "فصل ما بين الحلال والحرام الصوت، والدف في النكاح" فيلزم من ذلك: استحباب الضرب بالدف؛ لفصله عن استعمال الحرام، الثانية المصلحة؛ حيث إن في استعمال الدف فصل بين النكاح الحلال والسفاح الحرام، وليس فيه طرب يُلهي القلب عن ذكر الله، أما استعمال المزامير والعود ونحوها: ففيها إشغال القلب عن ذكر الله تعالى، فائدة: الدفُّ هو: شيء كغربال، لا توجد فيه حِلَق، ولا قطع نحاس مدور - وهو:"الصنوج" - فإن قلتَ: إن الضرب بالدف خاص بالنساء، وهو ما ذكره المصنف هنا - قلتُ: هذا مخالف لقول الصحابي؛ حيث قالت عائشة: "أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالغربال" والواو في قوله: "واضربوا" من صيغ العموم الشاملة للرجال والنساء.
(15)
مسألة: يُستحب إذا أراد المسلم أن يأكل من أي طعام أو يشرب: أن يقول: "بسم الله" وأن يأكل مما يليه وأن يكون ذلك باليد اليمنى، وإذا فرغ: أن يحمد الله؛ للسنة القولية وهي من وجهين: أولهما قوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة وقد رأى يده تطيش في الصحفة -: "يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك" حيث إن الذي صرف هذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب: أنه ورد في =
بثلاث أصابع
(16)
، وتخليل ما علق بأسنانه
(17)
، ومسح الصحفة
(18)
وأكل ما تناثر
(19)
،
= الآداب التي الأصل فيها: أن تكون مستحبة ثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها حيث يلزم من رضا الله عن من حمد الله: استحباب حمد الله بعد الفراغ، فإن قلتَ: لِمَ استحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن في البسملة في أول كل شيء بركة، وأن أكله مما يليه فيه إكرام الآخرين وعدم كراهيتهم لنواحيهم من الصحفة، وفي الأكل باليمين التبرك بها، وأن لا يأكل بشماله التي هي آلة أكل الشيطان؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله "وأن الحمد بعد الفراغ من الأكل والشرب فيه البركة، والزيادة؛ حيث قال تعالى:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} .
(16)
مسألة: يُستحب أن يأكل المسلم بالأصابع الثلاثة، وأن لا يمسح يده حتى يلعقها؛ للسنة الفعلية؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها، فإن قلتَ: لِمَ استحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن الأكل بثلاث أصابع فيه تصغير للقمة، واللَّعق فيه البركة، كما ورد.
(17)
مسألة: يُستحب أن يُخلِّل ويخرج ما علق بأسنانه من الأطعمة، مما لا يقدر اللسان على أخذه ولا يبتلعه للمصلحة: حيث إن ذلك فيه تنظيف الأسنان، وإبعاد الرائحة النتنة عنها، وشرع عدم ابتلاع ما أخرجه من بين الأسنان؛ لكونه طعامًا فاسدًا، فقد يؤثِّر على المعدة.
(18)
مسألة: يُستحب أن يمسح الصحفة التي أكل فيها، ويلعق الجانب الذي أكل منه؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: من أكل في قصعة فلحسها: استغفرت له القصعة" والمقصد من ذلك واضح.
(19)
مسألة: يستحب أن يأكل ما تناثر من الطعام للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: =
وغض طرفه عن جليسه
(20)
، وشربه ثلاثًا مصًّا
(21)
، ويتنفَّس خارج الإناء
(22)
، وكره شربه من فم السقاء
(23)
،
= " إذا وقعت اللقمة من يد أحدكم فليمسح ما عليها من الأرض وليأكلها" فإن قلتَ: لِمَ استحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ وهي إكرام النعمة وشكر الله عليها؛ طمعًا في الزيادة.
(20)
مسألة: يُستحب أن يغض البصر عن جليسه أثناء الأكل، أي: لا ينظر إلى الناس وهم يأكلون للمصلحة حيث إن النظر إلى الآكلين معه يضايقهم ويُحرجهم، ويوجد الحياء لديهم، وحكي عن بعض أصحاب المروءات والكرم أنه إذا كان عنده بعض الآكلين من الفقراء أطفأ النور حتى أن كل واحد منهم يأخذ راحته بالأكل.
(21)
مسألة: يُستحب أن يمص المسلم الماء مصًّا ثلاث مرات، ولا يُعبئ الماء في بطنه تعبئة؛ للسنة القولية حيث قال صلى الله عليه وسلم:"مصُّوا الماء مصًّا، ولا تعبوه عبًّا؛ فإن الكباد من العب" فإن قلتَ: لِمَ استحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن ذلك فيه إدخال الماء إلى المعدة على مهل، وهذا يفيدها.
(22)
مسألة إذا أراد أن يتنفَّس وهو يشرب ماء: يُستحب أن يتنفَّس خارج الإناء ويكره تنفسه داخله؛ للسنة القولية حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا يتنفَّس في الإناء" والذي صرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة: وروده في الآداب، وهي في الأصل مستحبات، فإن قلتَ: لِمَ استحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن النفس يخرج كرب القلب، وكدر البدن، فلو تنفَّس وسط الإناء لجعل ذلك فيه، ثم يؤذيه ذلك، ويؤذي غيره.
(23)
مسألة: يكره أن يشرب من فم السقاء؛ للمصلحة: حيث إنه قد يُوجد داخل السقاء شيء متعكِّر أو فيه بعض الحشرات، فإذا شرب من فم السقاء فقد يدخل هذا المعكِّر، أو تلك الحشرات في معدته وتؤذيه، فدفعًا لذلك: كره الشارع شربه =
وفي أثناء طعام بلا عادة
(24)
، وإذا شرب ناوله الأيمن
(25)
، ويُسن غسل يديه قبل طعام
(26)
،
= بهذه الطريقة؛ حماية له.
(24)
مسألة: يُكره أن يشرب في أثناء الأكل والأولى أن يشرب بعد الفراغ من الطعام بمدَّة يسيرة؛ للمصلحة: حيث إن الشرب أثناء الطعام يؤدي إلى ظهور انتفاخ في البطن، وعدم هضم الطعام هضمًا طبيعيًا، فدفعًا لذلك: كره الشارع؛ حماية له من الأذى.
(25)
مسألة: إذا فرغ من الشرب يستحب أن يناول الإناء من على يمينه: سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، فاضلًا، أو مفضولًا؛ للسنة القولية: حيث إنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في شأنه كله، وهذا من ذلك، والمقصد من ذلك: حصول البركة، كما سبق مرارًا.
(26)
مسألة: يُستحب لمريد الأكل أن يغسل يديه قبل تناوله له، وبعد الأكل، ويكره ترك ذلك؛ للسنة القولية وهي من وجهين: أولهما قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع والمراد بـ "الوضوء" هنا: غسل اليدين والمضمضة فقط؛ لذلك قلنا: إن أكل اللحم مطلقًا لا ينقض الوضوء، وأجبنا عن حديث: توضأوا من لحوم الإبل بأنه منسوخ، وأن المراد بالوضوء: هو غسل اليدين بعد الأكل والمضمضة، وذلك في مسألة (18) من باب: "نواقض الوضوء" من كتاب الطهارة ثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "من نام وفي يده ريح غمر فأصابه شيء: فلا يلومنَّ إلا نفسه" حيث إن احتمال المضرة بسبب عدم غسل يديه بعد الأكل يجعل غسلهما مستحبًا، فإن قلتَ: لِمَ استُحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ وهو الحث على النظافة؛ إذ الأكل الذي فيه بعض الدسم يعلق بعضه على اليد، فإذا لم يُغسل ويُزال فسيعلق بها بعض الأتربة والأقذار فيكون بذلك حاملًا لتلك الأقذار، فإذا أكل بها مرة ثانية فستذهب تلك الأقذار إلى معدته، =
متقدمًا به ربه، وبعده متأخرًا به ربه
(27)
، وكره ردُّ شيء من فمه إلى الإناء
(28)
، وأكله حارًّا
(29)
، أو من وسط الصحفة، أو أعلاها
(30)
، وفعله ما يستقذره من غيره
(31)
، ومدح طعامه وتقويمه
(32)
،
= وسيتضرر غالبًا، فدفعًا لذلك: استحب غسل اليد قبل وبعد الأكل.
(27)
مسألة: يُستحب أن يغسل صاحب الطعام يديه قبل ضيفه قبل الأكل، وبعد الأكل يُستحب أن يغسل الضيف يديه قبل صاحب الطعام؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه إكرام الضيف، وتذكيره بأن غسل اليدين قبل الطعام مستحب.
(28)
مسألة: يكره أن يُخرج طعامًا من فمه ويجعله في الصحفة التي يأكل منها، ويكره أيضًا: أن يخلط طعامًا بطعام أمام الآخرين للمصلحة: حيث إن ذلك يستقذره الآخرون، فيعافون الأكل كله من أجل ذلك، فدفعًا لذلك: كره.
(29)
مسألة: يكره أن يأكل الطعام وهو حار عند عدم الحاجة، وكره نفخه ليبرد، أو نفخ الشراب؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه إلحاق الضرر عليه، وهو واضح والنفخ كره: لكونه يُقذِّر على الآخرين طعامهم.
(30)
مسألة: يكره أن يأكل المسلم من وسط الصحفة، أو من أعلاها؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة: كل مما يليك" وقال: "إذا أكل أحدكم طعامًا، فلا يأكل من أعلى الصحفة، ولكن من أسفلها؛ فإن البركة تنزل من أعلاها" فإن قلتَ: لِمَ كُره ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن أكله من ذلك يُقذِّر الطعام على من أكله معه، ودفعًا لذلك: كره.
(31)
مسألة: يكره أن يفعل أو يقول أيَّ شيء وهو يأكل يستقذره من غيره فيما لو فعلوه أمامه؛ للمصلحة: حيث إن ذلك يُقذِّر الأكل على غيره، مما يؤدي إلى تركه، ويجب على الإنسان أن يفعل ويقول للآخرين مثل ما يحب أن يفعل ويُقال له؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مثل ما يحب لنفسه".
(32)
مسألة: يكره للشخص أن يمدح طعامًا قد قدَّمه لضيف، ويُكره: أن يقيمه ويُثمِّنه =
وعيب الطعام
(33)
، وقرانه بتمر مطلقًا
(34)
، وأن يفجأ قومًا عند وضع طعامهم تعمُّدًا
(35)
، وأكله كثيرًا: بحيث يؤذيه، أو قليلًا، بحيث يضُّره
(36)
.
= عنده كأن يقول: "هذا طعام نادر الوجود، وأنا اشتريته بكذا"؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه منٌّ على الضيف، فينحرج بذلك، فدفعًا لذلك: كره.
(33)
مسألة: يكره أن يعيب الضيف الطعام المقدَّم، واحتقاره، بل إن كان يشتهيه أكله، وإلا تركه للمصلحة حيث إن احتقار الطعام يكسر قلب صاحب الطعام الذي قد لا يجد إلّا هذا الطعام.
(34)
مسألة: إذا كان الطعام مما يؤكل منفردًا فيكره أن يُجعل معه تمر ونحوه؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه علامة على الشره والطمع ونحو ذلك من الصفات الرديئة، فدفعًا لذلك كره.
(35)
مسألة: يكره أن يزور شخص شخصًا آخر في وقت وضع الطعام عادة، وهو متعمد لذلك؛ للمصلحة: حيث إن ذلك يُحرج صاحب الطعام، ويُضايقه؛ لكونه لم يُعد إلا طعامه أو طعام من يعول، فدفعًا لذلك كره.
(36)
مسألة: يكره للشخص أن يأكل كثيرًا، فيبلغ به حدَّ التخمة، ويُستحب أن يُقسِّم المعدة أثلاثًا: ثلث للأكل، وثلث للشرب، وثلث للنفس، ويكره أن يأكل أكلًا قليلًا جدًّا، فيبلغ حد عدم القوة على الحركة ونحوها، أو أداء واجباته؛ للسنة القولية: وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: " بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه "ثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" حيث لزم من ذلك: أن يكون المسلم وسطًا في أكله وشربه، وشأنه كله، فإن قلتَ: لِمَ كره ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه الصحة إن شاء الله تعالى؛ إذ من مشى في أموره على أوسط الأمور: سينجو إن شاء الله؛ لأن خير الأمور أوسطها.
[فرع]: يُستحب أن يقدم رأسه عند وضع اللقمة في فمه؛ للمصلحة: حيث إن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ذلك يقيه من أن يقع على ثوبه شيء من الطعام.
[فرع ثان]: يُستحب أن يلتفت عند السعال والعطاس عن الطعام، أو يبعد عنه؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه إبعاده عن أن يقع في الطعام ما يخرج من فمه.
[فرع ثالث]: يكره أن يأكل ما يشتهيه من المأكولات؛ للتلازم؛ حيث إن ذلك فيه إسراف، وتعجيل الطيبات في الحياة الدنيا، فيلزم كراهيته.
[فرع رابع]: يُستحب أن يخرج مع ضيفه إلى باب الدار؛ للمصلحة: حيث إن ذلك من باب إكمال إكرام الضيف.
[فرع خامس]: يُستحب للإنسان إذا جلس مع غيره أن يحترمه، ويوقِّره، ويتواضع، له ويأتي بكل شيء يُسره، وأن لا يسمعه كلامًا يجرحه، أو يغضبه، أو يثير قصصًا قديمة تُعكِّر صفوه، أو يشتغل بالمكالمات الهاتفية، أو يحترم شخصًا ويوجه له الكلام دون الآخر، فإن وجد من يبغضه في المجلس، فليترك المجلس كله، ويخرج وأن يجلس الضيف في المكان الذي عينه له صاحب البيت. للمصلحة: حيث إن ذلك فيه تقدير للضيوف على اختلافهم، وقد يكون هذا الشخص الذي تحتقره أنقى وأصفى قلبًا، وأحنُّ عليك من هذا الذي قدمته عليه، فلا يدري المسلم أيَّ الناس أقرب إليه نفعًا، وحدَّثني من أثق به: أنه كان يُقدِّر أناسًا ويحترمهم، ويكرمهم، ومضى على ذلك سنوات، وبعدها علم أنهم هم وراء ذُلِّه بين الناس، فلذلك لا تحتقر أحدًا ولا تكرم أحدًا على حساب آخر، وجلوس الضيف في المكان الذي عينه له صاحب البيت فيه الاحتياط من أن هذا المكان مأمون من اطّلاع الضيف على محارم صاحب البيت.
هذه آخر مسائل باب: "وليمة العرس، وآداب الأكل والشرب" ويليه باب: "عشرة النساء وأحكام المبيت والجماع، والقسم والنشوز".
باب عشرة النساء
"العِشْرة" بكسر العين: الاجتماع يقال لكل جماعة: "عشرة، ومعشر" وهي هنا: ما يكون بين الزوجين من الألفة، والانضمام (1) (يلزم) كلًّا من (الزوجين العشرة) أي: معاشرة الآخر (بالمعروف) فلا يمطله بحقه، ولا يتكره لبذله، ولا يتبعه أذى ومنَّة؛ لقوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وينبغي إمساكها مع كراهته لها؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} قال ابن عباس: "ربما رُزق منها ولدًا فجعل الله فيه خيرًا كثيرا (ويحرم مطل كل واحد) من الزوجين (بما يلزمه لـ) الزوج (الآخر، والتكره لبذله) أي: بذل الواجب؛ لما تقدَّم (2)(وإذا تم العقد: لزم تسليم).
باب عشرة النساء وأحكام المبيت والجماع وآدابه، والقسم بين الزوجات، والنشوز
وفيه ثمان وخمسون مسألة:
(1)
مسألة: العشرة لغة: الاجتماع، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"يا معشر قريش" والمراد: جماعتهم، وكل اثنين - أو جماعة - اجتمعا وتخالطا يُقال: إنهما تعاشرا، والمراد بـ "عشرة النساء" هنا ما يكون بين الزوجين من الائتلاف، والاجتماع، والانضمام، وأحكام معاملة كل واحد منهما للآخر، والمقصود: أحكام عشرة الزوجة لزوجها ومعاملتها، له وعشرة الزوج لزوجته ومعاملته لها وكيفية ذلك.
(2)
مسألة: يجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف، فلا يماطله إذا كان له حق ولا يُظهر له الكراهة إن كره منه شيئًا، وعليه أن يحسن إلى زوجته إذا كبرت، وعليها أن تحسن إلى زوجها إذا كبر، وينفق الزوج عليها على حسب قدرته، وعلى كل واحد منهما أن يجلس مع الآخر ببشر وطلاقة، ولا يُتبع كل واحد منهما الآخر منًّا ولا أذى فيما يفعله له، وعلى كل واحد منهما الرفق =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بالآخر بقدر المستطاع، واحتمال أذاه، والصبر عليه، والتغاضي عن السقطات والصفح عن السيئات وإعلان المسرات بينهما، وإخفاء المخزيات، وأن يتزين كل واحد لصاحبه لقواعد الأولى الكتاب؛ وهو من وجوه: أولها: قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فأوجب على الأزواج معاشرتهن على حسب عادة وعرف المجتمع الذي يعيشان فيه، لأن الأمر مطلق، وهو يقتضي الوجوب، ثانيها: قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قال بعض المفسرين لذلك: "يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم" وقال آخر: أوجب التماثل هنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف من جميع الاعتبارات، ثالثها: قوله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} حيث بين أن الصبر في إمساك المرأة مع كراهته لها فيه خير كثير، وقد تنقلب تلك الكراهة إلى محبة - وقد وقع - وربما ترزق منها ولدًا يسرك في علمه وفقهه كما قال ابن عباس في تفسير هذه الآية، الثانية: السنة القولية؛ وهي من وجوه: أولها: قوله صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله" فأوجب الإحسان إلى الزوجات هنا؛ لأن الأمر مطلق فيقتضي الوجوب، ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يترك مؤمن مؤمنة؛ إن سخط منها خلقًا رضي منها آخر" وكذلك الزوجة مثل الزوج لا ترفضه: فإن سخطت منه خلقًا رضيت منه، آخر، وبهذا يحصل الاجتماع والألفة، والاستيلاد، والاستقرار، ثالثها: قوله صلى الله عليه وسلم: "خياركم خياركم لنسائهم" فوصف من أحسن إلى زوجته: بأنه من الأخيار رابعها: قوله: "إن المرأة خُلقت من ضلع أعوج لن تستقيم على طريقة فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج" وهذا يدل على عدم وجود امرأة كاملة من جميع الجوانب، بل لا بدَّ لكل امرأة من وجود سلبيات وسيئات، ووجود =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= إيجابيات وحسنات فإن طمع رجل بأن يجد زوجة كاملة: فهو أحمق، وكذلك الرجل لا يوجد كامل، بل لا بد من وجود ما ذكرناه في المرأة، فإن طمعت امرأة بأن تجد رجلًا كاملًا: فهي حمقى الثالثة قول الصحابي؛ حيث قال ابن عباس: "إني أحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي" واستدل بقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إدامة العشرة، والحياة وكثرة الاستيلاد، وتربية الأولاد تربية شرعية، وفيه استقرار وهذا يؤدي إلى استقرار المجتمع كله.
[فرع]: حق الزوج على الزوجة أعظم من حقها عليه؛ حيث لا يجوز لها أن تنظر لغيره لا بالسر ولا بالعلن، ولا تهجره، ولا تعكِّر صفو حياته في أي قول أو فعل، ولا تُدخل بيته من لا يُحب سواء كان من أقربائها، أو غيرهم، وسواء كان من الرجال أو النساء؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن؛ لما جعل الله لهم عليهن من الحق" وقال: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع" وقال لامرأة "أذات زوج أنت؟ قالت: نعم قال: "فإنه جنتك ونارك" وهذا يبين عظم حق الزوج على زوجته؛ حيث إنه سبب في دخولها الجنة أو النار فإن أسرته ورضي عنها دخلت الجنة، وإن أغضبته بسبب عصيانها، ونظرتها لغيره أو نحو ذلك: دخلت النار، وعلى ذلك فقس، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلّا بإذنه فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن اقتصار المرأة على زوجها بأن تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، وتحفظه في ماله وفي عرضها إذا غاب، بدون أن تنظر إلى غيره، أو نحو ذلك: فإن هذا سيجمع لها خير الدنيا والآخرة، وهذا ثبت بالتجربة، أما إن نظرت إلى غيره، أو لا تسره بأي =
الزوجة (الحرة التي يوطأ مثلها) وهي بنت تسع، ولو كانت نضوة الخلقة، ويستمتع بمن يخشى عليها كحائض (في بيت الزوج) متعلق بتسليم (إن طلبه) أي: طلب الزوج تسليمها (ولم تشترط) في العقد (دارها، أو بلدها) فإن اشترطت عمل بالشرط؛ لما تقدَّم
(3)
ولا يلزم ابتداءً تسليم محرمة، ومريضة، وصغيرة، وحائض، ولو قال:"لا أطأ"
(4)
وإن أنكر
= فعل أو قول: ففي ذلك شر الدنيا والآخرة ومنها المصائب والأمراض الجسدية والنفسية - وهذا ثبت بالتجربة -.
[فرع ثان]: يُستحب أن لا يعلم الرجل زوجته ما عنده من مال: سواء كان قليلًا أو كثيرًا، ولا يُفشي لها سرًا؛ للمصلحة: حيث إن بعض النساء إن علمت أن زوجها فقير: احتقرته، وإن علمت أنه غني طمعت فيه، وكلاهما يؤدي إلى الإفساد، ومعروف أن المرأة لا تستطيع كتمان السر - غالبًا -.
(3)
مسألة: إذا تمّ عقد الزواج والنكاح: وجب تسليم الزوجة الحرة التي يوطأ مثلها، ويُستمتع بها في بيت الزوج إذا طلب ذلك الزوج تسليمها له، ولم تكن قد اشترطت في العقد دارها أو بلدها: سواء كانت هزيلة الجسم أو لا؛ للقياس؛ بيانه كما أنه إذا تم عقد الإجارة واستلام الأجرة فللمستأجر الطلب بتسليم العين المستأجرة، فكذلك الحال هنا يستحق الزوج بالعقد تسليم المعوض كما تستحق المرأة تسليم العوض والجامع أن كلًّا منهما فيه عين، وعوض، ومنفعة. تنبيه إن اشترطت المرأة أن تبقى في دارها أو بلدها: صح الشرط - كما سبق في باب "الشروط في النكاح" تنبيه آخر: قوله: "وهي بنت تسع" قلتُ: اعتمد في ذلك على السنة الفعلية؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم وقد بني بعائشة وعمرها تسع سنوات، ولكن في هذه الأزمنة لا يمكن ذلك فالأولى أن يُقيَّد بمن يوطأ ويُستمتع بمثلها.
(4)
مسألة: لا يجب ابتداءً أن تُسلَّم زوجة يحرم وطؤها كحائض، أو مريضة، أو صغيرة يضرها الوطء سواء قال:"أنا لن أطأها وهي في تلك الحالة" أو لا؛ =
أن وطأه يؤذيها: فعليها البيِّنة
(5)
(وإذا استمهل أحدهما) أي: طلب المهلة؛ ليصلح أمره: (أمهل العادة وجوبًا)؛ طلبًا لليسر والسهولة (لا لعمل جهاز) - بفتح الجيم وكسرها - فلا تجب المهلة له لكن في الغنية": تستحب الإجابة لذلك
(6)
(ويجب تسليم الأمة) مع الإطلاق (ليلًا فقط)؛ لأنه زمان الاستمتاع للزوج، وللسيد استخدامها نهارًا؛ لأنه زمن الخدمة، وإن شرط تسليمها نهارًا، أو بذله سيد: وجب على الزوج تسلُّمها نهارًا أيضًا
(7)
(ويُباشرها) أي: للزوج الاستمتاع بزوجته في قُبُل،
= للتلازم؛ حيث يلزم من كون هذه الأعذار مانعة له عن الاستمتاع بها، ويُرجى زوالها عدم وجوب تسليمها حتى تزول تلك الأعذار؛ محافظة على صحة هؤلاء.
(5)
مسألة: إذا قالت الزوجة: إن وطء الزوج لها يؤذيها ويتسبَّب في كثير من الآلام، فأنكر ذلك الزوج: فيجب على الزوجة أن تثبت ما ادَّعته بالبيِّنة والدليل؛ ويُصدَّق في قوله مع يمينه؛ للسنة القولية حيث قال صلى الله عليه وسلم: "البيِّنة على المدّعي واليمين على من أنكر؛ وهذا كباقي الدعاوي، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: لأن الأصل عدم ما ادَّعته الزوجة، فيعمل بهذا الأصل، ويستصحب حتى يرد ما يغير الحالة.
(6)
مسألة: إذا تم عقد الزواج وطلب أحد الزوجين أن يُمهله الآخر؛ ليصلح من شأنه، ويُدبِّر أموره، وينظم نفسه: فإنه يمهل وجوبًا مدَّة تكفي لذلك على حسب عادة وعرف المجتمع الذي يعيشان فيه: سواء كانت تلك المهلة المطلوبة لعمل جهاز، وتزين أو لا؛ للمصلحة حيث إن ذلك فيه قضاء حاجتهما، وفيه التيسير والتسهيل لذلك، فإن قلتَ: إذا طلب أحدهما المهلة لعمل جهاز: فلا تجب، وهو ذكره المصنف هنا، قلتُ: لم أجد دليلًا على ذلك.
(7)
مسألة: إذا تم عقد الزواج على أمة - إذا لم يجد الزوج الطول، وخشي على نفسه العنت - وأُطلق العقد، ولم يُحدَّد تسليمها للزوج: فيجب تسليمها له في الليل =
ولو من جهة العجيزة (ما لم يضر) بها أو يشغلها عن (فرض) باستمتاعه، ولو على تنور، أو ظهر قَتَب
(8)
(وله) أي: للزوج (السفر بالحرة) مع الأمن؛ لأنه عليه السلام
= فقط، أما إن شرط تسليمها له نهارًا، أو أسقط السيد حقه في استخدامها لها نهارًا للزوج: فيجب على الزوج تسلُّمها نهارًا وليلًا؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من كون عقد الزواج يقتضي الاستمتاع: وجوب تسليمها لمن يستمتع - وهو الزوج - في وقت الاستمتاع وهو الليل غالبًا ويلزم من كون السيد قد اشتراها للخدمة: أن تكون في النهار عنده لخدمته؛ لأن النهار هو وقت الخدمة، ويلزم من إسقاط السيد حقه من الخدمة: أن يقبل الزوج تسلُّمها في النهار؛ لأنه أوفى حقه وزيادة، وعاد الأمر إلى الأصل في الزوجية.
(8)
مسألة: يُباح للزوج أن يستمتع بزوجته في قبلها، ولو أدخل ذكره في قبلها من جهة عجيزتها، ومؤخرتها، سواء: كانت مشغولة في طبخ خبز في تنور، أو هي راكبة على قتب، ولكن يُشترط لذلك شرطان: أولهما: أن يغلب على ظنه عدم إلحاق الضرر بها، ثانيهما: عدم إشغالها عن أداء فرض كصوم، وصلاة ونحوهما؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ وهو من وجهين أولهما قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} حيث بين جواز الاستمتاع بالمرأة في جميع جسمها إلا الدبر فيحرم، ثانيهما: قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} والإضرار بها بسبب الاستمتاع، أو إشغالها عن فرض بسببه ليس من المعاشرة بالمعروف، فلذلك اشتُرط هذان الشرطان، الثانية: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" حيث نفى الضرر بين المسلمين، والنفي هنا نهي والنهي مطلق فيقتضي التحريم، وهذا عام؛ لأن "ضرر وضرار" نكرة في سياق نفي وهو من صيغ العموم وما نحن فيه يدخل في هذا العموم، ثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "ائتها مقبلة ومُدبرة إذا كان ذلك في الفرج" وفي رواية: "ولو كانت على "تنور و "أو كانت على ظهر قتب".
وأصحابه كانوا يُسافرون بنسائهم (ما لم تشترط ضده) أي: أن لا يُسافر بها، فيوفي لها بالشرط، وإلا: فلها الفسخ كما تقدَّم
(9)
، والأمة المزوجة ليس لزوجها، ولا سيدها سفر بها بلا إذن الآخر
(10)
، ولا يلزم الزوج لو بوأها سيدها مسكنًا أن يأتيها فيه
(11)
،
(9)
مسألة: يُباح للزوج أن يُسافر بزوجته الحرة بشرطين: أولهما: أن يغلب على ظن زوجها أن الطريق آمن غير مخوف فإن كان مخوفًا: فلا يسافر بها. ثانيهما: أن لا تكون قد اشترطت عليه بالعقد: أن لا يسافر بها، فإن كانت مشترطة ذلك: فيجب عليه أن يوفي بالشرط، وإن لم يوف، وأصرت على شرطها: فلها أن تفسخ عقد النكاح - كما سبق في الشروط في النكاح - لقاعدتين: الأولى: السنة القولية: وهي من وجهين: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" فيدخل ما نحن فيه في هذا العموم، فالطريق الذي فيه ضرر يحرم؛ لأن "ضرر، وضرار" نكرة في سياق نفي وهو من صيغ العموم، والنفي هنا نهي، وهو مطلق، وهو يقتضي التحريم، الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" وفيه اشتراط الشرط الثاني الثانية: الاستقراء؛ حيث ثبت بعد استقراء أسفار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم كانوا يسافرون بزوجاتهم؛ فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه الألفة والتعاون، ونبذ العزوبة والوحدة.
(10)
مسألة: إذا تزوج رجل حر أمة: فلا يجوز لزوجها هذا، أن يسافر بها بدون إذن سيدها، ولا يجوز لسيدها أن يسافر بها بلا إذن زوجها؛ للمصلحة: حيث إن الزوج إذا سافر فقد فوَّت مصلحة خدمتها على سيدها وهو مضرّ به وإذا سافر بها سيدها: فقد فوَّت مصلحة الاستمتاع بها على زوجها وهو مضرّ به فدفعًا لذلك شرع هذا.
(11)
مسألة: إذا تزوج رجل حر أمة، وجعلها سيدها في منزل خاص بها: فلا يلزم الزوج أن يأتيها فيه؛ للتلازم؛ حيث إن السكنى على الزوج، وليس عليها، فيلزم: =
ولسيد سفر بعبده المزوَّج، واستخدامه نهارًا
(12)
(ويحرم وطؤها في الحيض)؛ لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} الآية، وكذا بعده قبل الغسل
(13)
(و) في (الدبر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن" رواه ابن ماجه،
(14)
= عدم إجباره على إتيانها في بيتها.
(12)
مسألة: إذا تزوَّج عبد: فلسيده الحق بأن يسافر به، ويستخدمه نهارًا؛ للمصلحة: حيث إن عدم السفر به فيه تفويت الخدمة على سيده، وهو يُعتبر من أمواله وهذا مضر بالسيد، فدفعًا لذلك شرع هذا الحكم.
(13)
مسألة: يحرم أن يطأ الرجل زوجته وهي في حالة حيض أو نفاس، أو انقطع الدم، ولم تغتسل ولم تتيمم، للكتاب؛ حيث قال تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} حيث أمر باعتزال النساء حال خروج دم الحيض منها، والأمر مطلق، فيقتضي الوجوب، وترك الواجب حرام، وأمر بعدم قربانهن حتى يطهرن بالاغتسال أو بالتيمم ومفهوم الغاية منه قد دلّ على تحريم الاقتراب منهن حتى يطهرن بالماء، أو ما في حكمه، وهو التيمم، والنفاس كالحائض في هذا؛ لعدم الفارق، من باب مفهوم الموافقة، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في مسألة (11) و 14 و 15) من باب الحيض والنفاس والاستحاضة" من كتاب "الطهارة" وقد سبق ذكر المقصد من هذا الحكم في تلك المسائل.
(14)
مسألة: يحرم أن يطأ الرجل زوجته في دبرها؛ للسنة القولية: وهي من وجوه: أولها: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن" والنهي هنا مطلق، وهو يقتضي التحريم، ثانيها: قوله الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها" وعدم نظر الله إلى الرجل عقاب، ولا يعاقب إلّا على فعل محرم، ثالثها: قول جابر: كان اليهود يقولون: إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا =
ويحرم عزل بلا إذن حرَّة، أو سيد أمة
(15)
(وله إجبارها) أي: للزوج إجبار زوجته (على غسل حيض) ونفاس، وجنابة إذا كانت مكلَّفة (و) غسل (نجاسة) واجتناب محرمات، وإزالة وسخ، ودرن (وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره) كظفر، ومنعها من أكل ما له من رائحة كريهة كبصل، وكراث؛ لأنه يمنع كمال الاستمتاع، وسواء كانت مسلمة أو ذمية
(16)
ولا تجبر على عجن، أو خبز، أو طبخ، أو نحوه (ولا تجبر
= حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} من بين يديها ومن خلفها غير أن لا يأتيها إلّا في المأتي. والمأتي هو المأتي عادة وعرفًا وشرعًا وهو: قُبُلها، وفي رواية:"ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج" فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن إتيان الزوجة في قبلها فيه، متعة لهما معًا، وفيه الاستيلاد، بخلاف إتيانها من عجيزتها واللواط بها: ففيه الأمراض له، ولها ويورث البغضاء بينهما.
(15)
مسألة: يحرم على الزوج أن يعزل عن زوجته الحرة إلّا بإذنها، ويحرم أن يعزل عن الأمة إلّا بإذن سيدها - والعزل: أن يُجامع فإذا قرب إنزال المني أخرج ذكره وأنزل خارج الفرج"؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه منع للولد وقد تكون المرأة لم تتزوج إلا لأجل إنجاب الولد فيفوِّت الزوج عليها هذا المقصد، ومن مقاصد النكاح الشرعي هو الاستيلاد؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم" وقال: "سوداء ولود خير من حسناء عقيم"، وكذا: السيد قد يكون قصده من تزويج أمته هو: إنجاب الأولاد فإذا عزل: لحقهما ضرر، فلذا حرم، أما إذا أسقطت الحرة حقها والسيد حقه وأذنا بالعزل فيجوز أن يعزل الزوج عن زوجته؛ لعدم الضرر عليهما.
(16)
مسألة: من حق الزوج أن يُجبر زوجته أو سريته على الغسل من حيض، ونفاس، وجنابة؛ إذا كانت بالغة عاقلة، وإجبارها على غسل جميع النجاسات، والأوساخ، والقاذورات، وإزالة كل ما يثير روائح كريهة كإزالة أظفار، وشعر، وله الحق في منعها من أكل ما له رائحة كريهة كالبصل والثوم، والكراث: سواء =
الذمية على غسل الجنابة) في رواية والصحيح من المذهب: له إجبارها عليه كما في "الإنصاف" وغيره
(17)
، وله منع ذمية من دخول بيعه، وكنيسة، وشرب ما يسكرها، لا ما دونه
(18)
= كانت هذه الزوجة مسلمة أو ذمية؛ للتلازم؛ حيث إنه تزوجها للاستمتاع بها، وهذه الأشياء تمنع كماله، وهو حق له فيلزم أن يكون من حقه أن يطلب ما يكمل له ذلك، وهو إزالة تلك الأشياء، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن الحرص على أن الزوج لا يشم منها إلّا رائحة طيبة وعلى أن الزوجة لا تشم منه إلا رائحة طيبة فيه كمال الاستمتاع والانضمام، والجماع، والاستيلاد والمحبة والمودَّة وهذه مصالح عظيمة لو اجتمعت.
(17)
مسألة: يجب على الزوجة أن تخدم زوجها بالمعروف من تجهيز طعام، ومجلس، وفراش يحبها، وتُجبر على تلك الخدمة؛ للتلازم؛ حيث إن ذلك يتمم المعاشرة بالمعروف التي أمر الشارع بها فتلزمها فإن قلتَ: لا تجبر على تلك الخدمة، ولا تجب عليها، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث إن عقد النكاح يقتضي حل الوطء فقط، ولا يشمل الخدمة فيلزم عدم وجوبها. قلتُ: هذا مسلَّم، لكن حسن المعاشرة مأمور بها بين الزوجين ولا يتم ذلك إلّا بخدمتها له بما يليق به وبها، فلذا: وجبت فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازمين" تنبيه: قوله ولا تجبر الذمية على غسل الجنابة .. " إلخ، قلتُ: قد سبق: أن الزوجة تُجبر على غسل الجنابة وغير ذلك مما يتقزز منه الزوج وتعافه نفسه في مسألة (16).
(18)
مسألة: إذا تزوج مسلم ذمية فمن حقه أن يمنعها عن دخول بيع، وصوامع، وكنائس، وأن يمنعها من شرب ما يسكرها أما شرب ما ليس بمسكر فلا يمنعها منه؛ للتلازم؛ حيث إن حقه في منعها من الخروج إلّا بإذنه يلزم منه: منعها من الخروج إلى تلك الأماكن، ومنعها من شربها المسكر؛ لأنه يخرجها عن طورها =
ولا تكره على إفساد صومها، أو صلاتها، أو سبتها
(19)
.
(فصل): (ويلزمه) أي: الزوج (أن يبيت عند الحرة ليلة من أربع) ليال إذا طلبت؛ لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاثًا مثلها، وهذا قضاء كعب بن سوار عند عمر بن الخطاب واشتهر، ولم ينكر
(20)
، وعند الأمة ليلة من سبع؛ لأن أكثر ما يجمع معها ثلاث حرائر، وهي على النصف
(21)
(و) له أن (ينفرد إذا أراد) الانفراد
= وعقلها، ويلزم من عدم سكرها بشرب ما لا يسكر: عدم منعها منه، لعدم ضرره عليه والمقصد من ذلك: الحرص على مصلحته.
(19)
مسألة: إذا تزوج مسلم ذمية: فليس من حقه أن يفسد بالوطء والجماع صومها، أو صلاتها، أو عبادتها في يوم السبت، أو الأحد؛ للتلازم؛ حيث إنها بذلت الذمة على إقرارها على دينها فيلزم عدم التعرض لما تعتقده صحيحًا.
(20)
مسألة: إذا تزوج رجل زوجة حرة: فيجب عليه أن يبيت عندها ليلة من كل أربع ليال إذا طلبت المبيت عندها؛ لقاعدتين: الأولى التلازم؛ حيث يجوز التزوج بأربع نساء، وهذا يقتضي أن يكون لكل زوجة ليلة فيلزم أن من حق المرأة ليلة من أربع ليال الثانية: تقرير الصحابي؛ حيث جاءت امرأة إلى مجلس عمر فقالت: إن زوجي يقوم الليل، ويصوم النهار فأثنى عليه، عمر فقال كعب بن سوار: يا أمير المؤمنين إنها جاءت شاكية لزوجها تطلب حقها، لا مادحة له؛ حيث إنه لم يكن يبيت عندها فقال عمر: اقض بينهما فقال كعب: إني أرى أن يبيت عندها ليلة من أربع ليال، لأنه فرض أن يكون لهذا الزوج أربع نساء، فأعجب فيه، عمر وأقرَّه، ولم ينكره أحد من الصحابة الموجودين في مجلس عمر، فإن قلتُ: لَم شُرع هذا؟ قلتُ للمصلحة؛ وهي: الحفاظ على حق المرأة وحمايتها.
(21)
مسألة: إذا تزوج حر أمة - لعدم وجدان الطول، وخشية العنت - فيجب عليه أن يبيت عندها ليلة من سبع ليال إذا طلبت المبيت عندها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر، وأن لها النصف من الزوجة =
(في الباقي) إذا لم يستغرق زوجاته جميع الليالي، فمن تحته حرَّة له الانفراد في ثلاث ليال من كل أربع ومن تحته حرتان له أن ينفرد في ليلتين، وهكذا
(22)
(ويلزمه الوطء إن قدر) عليه (كل ثلث سنة مرَّة) بطلب الزوجة حرة كانت أو أمة، مسلمة أو ذمية؛ لأن الله تعالى قدر ذلك في أربعة أشهر في حق المولي، فكذلك في حق غيره؛ لأن اليمين لا توجب ما حلف عليه، فدل على أن الوطء واجب بدونها
(23)
(وإن
= الحرة: أن يكون لها الليلة السابعة، فمثلًا لو كان عنده حرة، وأمة: فللحرة ليلتان، وللأمة ليلة. تنبيه: هذا إذا تزوج الأمة، أما إذا كانت الأمة ملكه - وتسمَّى سريته - فليس لها ليلة أصلًا، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ التي ذكرناها في مسألة (20).
(22)
مسألة: إذا كان المسلم له زوجة واحدة: فمن حقه أن ينفرد بثلاث ليال يُمضيها بطلب العلم، أو العبادة أو غير ذلك من المباحات، وإذا كان له زوجتان فمن حقه أن ينفرد بليلتين، وإذا كان له ثلاث زوجات فمن حقه أن ينفرد بليلة، ومن له أربع: فلا ينفرد بأي ليلة؛ للقياس؛ بيانه: كما لو وفاهن حقهن من النفقة والسكنى والكسوة فلا تجب عليه زيادة، فكذلك إذا وفى كل واحدة ليلتها التي طالبته فيها فلم تجب عليه زيادة، والجامع: أنه في كل منهما قد قام بما وجب عليه شرعًا، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حماية لحقه وحقهن.
(23)
مسألة: يجب على الزوج أن يطأ زوجته كل أربعة أشهر مرة واحدة بشرطين: أولهما: أن لا يكون عنده عذر من مرض أو كبر، ثانيهما: أن تطلب منه أن يطأها: سواء كانت حرة أو أمة، وسواء كانت مسلمة أو ذمية؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إن الوطء حق واجب يجب بالاتفاق إذا حلف على تركه فيلزم وجوبه قبل أن يحلف كسائر الحقوق، يؤيده: أنه لو لم يكن الوطء واجبًا لم يصر باليمين على تركه واجبًا كسائر ما لا يجب كما سيأتي بالإيلاء، الثانية: القياس؛ بيانه: كما قدَّر الله تعالى ذلك في أربعة أشهر في حق المولى؛ وهو: أن يحلف =
سافر فوق نصفها) أي نصف سنة في غير حج، أو غزو واجبين، أو طلب رزق يحتاجه (وطلبت قدومه، وقدر: لزمه) القدوم
(24)
(فإن أبى أحدهما) أي الوطء في
= زوج يمكنه الوطء بالله تعالى أو صفته على ترك وطء زوجته في قبلها أبدًا أو أكثر من أربعة أشهر - حيث قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} فكذلك في حق غير المولي يُقدَّر بأربعة أشهر، والجامع: أن النكاح شرع لمصلحتهما ودفع الضرر عنهما، واليمين لا توجب ما حلف على تركه، فيدل على أنه واجب بدونها، فإن قلتَ: لا يجب على الزوج الوطء مطلقًا وهو قول الشافعي؛ للتلازم؛ حيث إن الوطء حق له، وللمكلف أن يسقط حقه فيلزم عدم وجوبه عليه قلتُ: لا يُسلَّم أن الوطء حق له وحده، بل إنه حق لهما معًا لجلب المصلحة لهما، ودفع الضرر عنهما، فلزمه ذلك - كما قلنا، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه تعارض التلازمين".
(24)
مسألة: إذا سافر الزوج عن زوجته أكثر من ستة أشهر، وطلبت زوجته قدومه: ففيه ثلاث حالات: الحالة الأولى: إن كان مشغولًا بشيء واجب كحج، أو غزو للعدو، أو طلب رزق يحتاجه فلا يجب عليه القدوم ولو قدر عليه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجوب تلك الأمور وهي أهم من الوطء: عدم وجوب قدومه إذا طلبته؛ نظرًا لتعارض الأهم مع المهم من الواجبات، الحالة الثانية: إن كان مشغولًا بشيء غير واجب - وكان لا يقدر على القدوم لمشقة القدوم من حيث التعب الجسماني والتكاليف المادية، أو أي عذر فلا يجب عليه القدوم؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه مشقة عظيمة عليه، فدفعًا لذلك: سقط عنه وجوب القدوم، الحالة الثالثة: إن كان مشغولًا بشيء غير واجب، وكان يقدر على القدوم بلا مشقة فيجب عليه القدوم؛ للتلازم؛ حيث إن كون شغله غير واجب، وقدرته على القدوم وكون الوطء واجب عليه: يلزم منها وجوب القدوم عليه، فإن قلتَ: لم شرع هذا التفصيل؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه مراعاة لأحوال الزوج =
كل ثلث سنة مرة أو القدوم إذا سافر فوق نصف سنة وطلبته: (فرق بينهما بطلبها)، وكذا: إن ترك المبيت كالمولي، ولا يجوز الفسخ في ذلك كله إلا بحكم حاكم؛ لأنه مختلف فيه
(25)
(وتسن التسمية عند الوطء، وقول الوارد)؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا: "لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا متفق عليه
(26)
= والزوجة ولظروفهما.
(25)
مسألة: إذا امتنع الزوج من وطء زوجته كل أربعة أشهر مرة، أو لم يقدم لما طلبته إذا سافر أكثر من ستة أشهر، أو ترك المبيت عندها ليلة من بين أربع ليال - مع عدم العذر، أو لم تمكنه زوجته من الوطء كل أربعة أشهر: فإن الحاكم - وهو القاضي - يُفرق بينهما، ويفسخ النكاح إذا طلب منه أحد الزوجين ذلك؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن المولي، يُجبر على الوطء فإن امتنع بعد المدة: فإنه يُفرق بينهما، ويُفسخ النكاح، فكذلك الحال هنا، والجامع: ترك كل واحد منهما حق الآخر في كل الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من وجود الاختلاف في ترك الوطء بين وجوده، وعدمه، وتحقق القدوم وعدمه، وتحقق المبيت وعدمه: الحاجة إلى حاكم يفصل في ذلك بسبب بلوغه درجة الاجتهاد، ونظره الفاحص في المصالح والمفاسد اللاحقة بالطرفين.
(26)
مسألة: إذا أراد المسلم أن يجامع زوجته: فإنه يستحب أن يقول: "بسم الله اللَّهمَّ جنبني الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتني"، وكذا: تقوله زوجته؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد: لم يضره الشيطان أبدًا"، وزوجته مثله في ذلك؛ لعدم الفارق في المشاركة في ذلك، فإن قلتَ: لم استحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ وهي إبعاد الشيطان عن المولود إن كتب الله حملًا في هذا الجماع.
(ويكره) الوطء متجرِّدين؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه في حديث عتبة بن عبد الله، عند ابن ماجه
(27)
، وتكره (كثرة الكلام) حالته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء؛ فإن منه يكون الخرس، والفأفأة"
(28)
(و) يكره (النزع قبل فراغها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم إذا قضى حاجته: فلا يُعجلها حتى تقضي حاجتها"
(29)
(و) يكره الوطء
[فرع]: يُستحب أن يلاعبها وتلاعبه قبل الجماع؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه تهيئة كل واحد منهما للجماع.
(27)
مسألة: يكره للمسلم أن يجامع زوجته في حال تجرُّدهما من ثيابهما؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجرَّدان تجرُّد العيرين" والذي صرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة: ورود ذلك مورد الآداب في الجماع، والأصل في الآداب أن تكون مستحبة، ومخالفتها: مكروهة. فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إكرام المسلم، وإبعاده عن فعل البهائم إذا أراد الذكر منها أن ينكح الأنثى.
(28)
مسألة: يكره للمسلم أن يكثر الكلام حال جماعه لزوجته؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه يكره الكلام حال البول فكذلك يكره حال الجماع، والجامع: أن كلًّا منهما مستقذر، وقد يكون في الكلام ذكر الله وينزّه الله عن ذلك، وهذ هو المقصد منه. تنبيه: ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء؛ فإن منه الخرس والفأفأة": لم أجده إلّا في بعض كتب الحنابلة كالمغني (10/ 232) والشرح الكبير (4/ 356) نقلًا عن المغني، ولم أجده في كتب الحديث المعتمدة.
(29)
مسألة: يكره أن ينزع الرجل ذكره من فرج زوجته قبل أن تفرغ هي منه؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ثم إذا قضى حاجته فلا يُعجلها حتى تقضي حاجتها" والذي صرف النهي من التحريم إلى الكراهة: كون ذلك ورد في آداب الجماع، الذي الأصل فيه الاستحباب، فتكون مخالفته مكروهة، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إرضاء لها، وإشباع لشهوتها إن =
بمرأى أحد) أو مسمعه، أي بحيث يراه أحد أو يسمعه غير طفل لا يعقل، ولو رضيا
(30)
(و) يكره (التحدُّث به) أي: بما جرى بينهما؛ لنهيه عليه السلام عنه، رواه أبو داود وغيره
(31)
وله الجمع بين وطء نسائه، أو مع إمائه بغسل واحد؛ لقول أنس:"سكبتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه غسلًا واحدًا "في ليلة واحدة"
(32)
(ويحرم
= كانت تحس في ذلك.
(30)
مسألة: يكره للرجل أن يجامع امرأته وعندهما أو حولهما أحد يراهما، أو يسمعها - غير طفل لا يعقل -: وهذا مكروه: سواء رضيا بأن يراهما أو يسمعهما أحد، أو لم يتراضيا وكذا: لا يقبِّلها، أو يلمسها بحضور أحد، أو سماعه؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه كشف ما بينهما، فحرم للستر، ولأن فعل ذلك مع رؤية غيرهما لهما أو سماعه فيه دناءة وخسَّة، وابتذال لا يرضى به الشارع.
(31)
مسألة: يحرم التحدُّث، وإخبار الآخرين بما حصل أثناء الجماع من أفعال وأقوال؛ للسنة القولية: وهي من وجهين: أولهما: أنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك، والنهي مطلق، فيقتضي التحريم، ثانيهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه، فينشر سرَّها، وتنشر سره" حيث وصف من فعل ذلك بكونه أشر الناس، وهذا عقاب، ولا يُعاقب إلا من فعل محرمًا، أو ترك واجبًا، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه كشف ما بينهما من ستر، وإطلاع الآخرين عليه وهذا يفضحهما، والله أمر بالستر في كل شيء، وهذا من أولى ما يُستر، فإن قلتَ: إن هذا مكروه، وهو قول المصنف هنا قلتُ: لم أجد قرينة صرفت هذا النهي من التحريم إلى الكراهة، فيبقى على التحريم، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في اقتضاء النهى المطلِّق" فعندنا: أنه للتحريم، وعندهم: أنه للكراهة.
(32)
مسألة: يُباح أن يُجامع الرجل جميع نسائه وإمائه في ليلة واحدة، أو يوم واحد، =
جمع زوجتيه في مسكن واحد بغير رضاهما)؛ لأن عليهما ضررًا في ذلك؛ لما بينهما من الغيرة، واجتماعهما يثير الخصومة
(33)
(وله منعها) أي: منع زوجته (من الخروج من منزله) ولو لزيارة أبويها أو عيادتهما، أو حضور جنازة أحدهما، ويحرم عليها الخروج بلا إذنه لغير ضرورة
(34)
(ويُستحب إذنه) أي: إذن الزوج لها بالخروج (إن تمرّض
= ويغتسل عن ذلك غسلًا واحدًا؛ للسنة الفعلية؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم قد طاف على نسائه وجامعهن في ليلة واحدة بغسل واحد، كما رواه أنس، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ وهي التيسير والتسهيل والتوسعة على الناس.
(33)
مسألة: يحرم أن يجمع الرجل زوجتيه - فأكثر - في مسكن واحد بغير رضاهما: سواء كان ذلك المسكن كبيرًا أو صغيرًا؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه ضرر عليهما؛ لما بينهما من العداوة والغيرة، فاجتماعهما يُثير الخصومة، إذ تحصل بسبب ذلك المقابلة، وتسمع كل واحدة صوته عند الأخرى، فدفعًا لذلك حرم الجمع.
[فرع]: إذا رضت كل واحدة منهما بأن يسكنا في مسكن واحد: جاز له جمعهما؛ للتلازم؛ حيث إن كل واحدة أسقطت حقها فيلزم جوازه.
[فرع ثان]: إن رضيا بنوم الزوج بينهما في لحاف واحد جاز ذلك؛ للتلازم؛ وقد بيناه في الفرع الأول.
[فرع ثالث]: إذا رضيا بأن يجامع إحداهما بحيث تراه الأخرى: لم يجز ذلك وكذا: لا يحدثها بما حصل مع الأخرى؛ للتلازم؛ حيث إن ذلك فيه دناءة وسخف، وسقوط مروءة فيلزم عدم جوازه.
(34)
مسألة: للزوج أن يمنع زوجته من الخروج من منزله: سواء كان خروجها لعيادة أقرب أقربائها كأمها وأبيها المريضين أو خروجها لحضور جنازة أحدهما، أو لغير ذلك، ويحرم عليها أن تخرج بغير إذنه إلّا للضرورة القصوى - كأن تخشى على نفسها من الهلاك فتخرج لتأتي لنفسها بأكل أو شرب -؛ لقاعدتين: الأولى: =
محارمها) كأخيها، وعمها، أو مات؛ لتعوده (وتشهد جنازته)؛ لما في ذلك صلة من الرحم، وعدم إذنه يكون حاملًا لها على مخالفته، وليس له منعها من كلام أبويها، ولا منعهما من زيارتها
(35)
(وله منعها من إجارة نفسها)؛ لأنه يفوت بها حقه، فلا تصح
= التلازم؛ حيث إن حق الزوج واجب، وطاعته واجبة، وخروجها، وعيادة المريض غير واجبة: فلزم من ذلك جواز منع الزوج زوجته من الخروج، وتحريم الخروج عليها بغير إذنه. الثانية: المصلحة؛ حيث إن خشية الهلاك عذر لها في الخروج بغير إذنه فجاز؛ حفاظًا للمهجة، وهي النفس.
[فرع]: يجب على المسلم أن يغار على زوجته، وأن يحافظ عليها، ويمنعها من الخروج إلّا للضرورة القصوى وكذا جميع محارمه؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني" حيث يلزم من ذلك: أن غيرة المسلم على زوجته وعوراته هي صفة كاملي الإيمان والإسلام، الثانية: قول الصحابي؛ حيث قال علي: "بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج - وهم: الرجال السمان - في الأسواق، أما تغارون؟ إنه لا خير فيمن لا يغار" فوصف الرجل الذي لا يغار على نسائه بأنه لا خير فيه، وروي عن محمد بن علي بن الحسين أنه قال: كان إبراهيم عليه السلام غيورًا، وما من امرئ لا يغار إلّا منكوس القلب".
(35)
مسألة: يُستحب للزوج أن يأذن لزوجته: بأن تعود من مرض من أبويها، أو أقربائها من محارمها كأخيها وعمها، وأختها، وعمتها، وتشهد جنازة كل واحد منهم، ولا يمنع زيارة والديها لها في منزلها بشرط: أن تكون هذه الزوجة مأمونة الجانب من أن تنظر إلى رجال غيره أو تعجب بهم، وأن يأمن والديها من أن يفسداها عليه؛ للمصلحة حيث إن ذلك فيه العمل بصلة الرحم، وهو فيه خير كثير، أما إن خاف ضررًا عليها أو منها، أو من أبويها فيجب عليه أن يمنعها مهما كانت الظروف والأحوال؛ لأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.
إجارتها نفسها إلّا بإذنه، وإن أجَّرت نفسها قبل النكاح: صحَّت ولزمت
(36)
.
(و) له منعها (من إرضاع ولدها من غيره إلّا لضرورة) أي: ضرورة الولد: بأن لم يقبل ثدي غيرها، فليس له منعها إذًا؛ لما فيه من إهلاك نفس معصومة
(37)
، وللزوج الوطء مطلقًا، ولو أضر بمستأجر، أو مرتضع
(38)
.
(فصل): في القسم (و) يجب (عليه) أي: على الزوج: (أن يساوي بين زوجاته في القسم): لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ؛ وتمييز إحداهما ميل،
(36)
مسألة: للزوج أن يمنع زوجته من إجارة نفسها لخدمة الآخرين، أو تربية أطفالهم أو نحو ذلك أما إن كانت قد أجرت نفسها قبل الزواج، والزوج قد علم عند العقد بذلك ولم يعترض: فإن هذه الإجارة تصح وتلزمها، ولا يملك الزوج فسخ تلك الإجارة؛ للمصلحة: حيث إن تأجير نفسها فيه تفويت حق الزوج من الاستمتاع ووقته عليه أما إن أذن بذلك: فيجوز؛ لكون الحق له وأسقطه عنها.
(37)
مسألة: للزوج أن يمنع زوجته من إرضاع ولدها من غيره؛ إلا في حالة الضرورة: بأن يُخشى من هلاك ذلك الولد إن لم يرضع منها: فيجب عليه أن يأذن بذلك؛ للمصلحة: حيث إن انشغالها بإرضاع ولد غيره فيه تفويت لكمال الاستمتاع، وأخذ وقته بدون مقابل، أما إن خيف على الولد الهلاك فيجب أن يأذن؛ لأن فيه حفظ نفسه وهو من الضروريات الخمس المعروفة، وهو أهم من وجوب طاعته، ويقدم في الشرع الأهم على المهم.
(38)
مسألة: للزوج وطء وجماع زوجته بعد عقد النكاح متى ما شاء: أي: سواء أضرَّ بمستأجر لها لخدمته أو لا، أو أضرَّ بمرتضع أو لا؛ للتلازم؛ حيث إن ذلك الوطء يستحقه بعقد النكاح فيلزم أن يفعله متى ما شاء، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إحصان نفسه وهو مقدم على أيِّ شيء آخر: لأن استكمال الدين يكمن فيه.
ويكون ليلة وليلة إلّا أن يرضين بأكثر، ولزوجةٍ أمةٍ مع حرة ليلة من ثلاث
(39)
(39)
مسألة: إذا تزوج رجل زوجتين - فأكثر - فيجب عليه أن يُقسِّم الزمن بينهن بالتساوي والعدل بأن يبيت عند الأولى ليلة وعند الثانية الليلة الأخرى وهكذا، ويتبع كل ليلة يومها - فلا بد أن يكمل عند كل واحدة أربعًا وعشرين ساعة -، ويخرج لطلب رزقه ولأعماله في النهار على حسب المعتاد، ثم يعود إليها، حتى تنتهي الأربع والعشرين ساعة، ثم يذهب إلى الأخرى، فيفعل نفس ما فعله في الأولى، وهكذا، وإن ميَّز الأولى على الثانية، أو بالعكس: فهو ميل لها، وهو محرَّم؛ لقواعد الأولى: الكتاب؛ وهو من وجهين: أولهما: قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} حيث يلزم من ذلك: وجوب العدل؛ لكونه هو المعروف المأمور به؛ لأن الأمر مطلق فيقتضي الوجوب، ودل بمفهوم الصفة على أن الميل إلى إحداهما دون الأخرى حرام؛ لمخالفته للمعروف المأمور به ثانيهما: قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} حيث نهى عن الميل إلى إحدى الزوجتين دون الأخرى، والنهي هذا مطلق فيقتضي التحريم الثانية: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: من كانت له امرأتان فمال إلى إحديهما جاء يوم القيامة وشقه مائل"، حيث حرم الميل إلى إحدى الزوجتين دون الأخرى هنا؛ لأن الوعيد على الميل عقاب، ولا يُعاقب إلّا على فعل حرام، أو ترك واجب، الثالثة: السنة الفعلية؛ حيث قالت عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل ثم يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا أملك" الرابعة: التلازم؛ حيث يلزم من كون النهار تابعًا لليل: أن يكون للزوجة الليلة ويومها الذي بعدها، لذلك قالت عائشة:"قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي في يومي"، فإن قلتَ: لَمَ وجب القسم بين الزوجات؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه غاية الإنصاف والعدل، والتآلف، وإعطاء كل ذي حق حقه، ونبذ الظلم؛ حيث أشار إلى ذلك الله عز وجل لما =
(وعماده) أي: القسم (الليل لمن معاشه النهار والعكس بالعكس). فمن معيشته بليل كحارس، يقسم بين نسائه بالنهار، ويكون النهار في حقه كالليل في حق غيره
(40)
وله أن يأتيهن وأن يدعوهن إلى محلِّه، وأن يأتي بعضًا، ويدعو بعضًا إذا
= قال: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} أي: أن الزوجة التي يميل عنها تكون ليست ذا زوج، وليست مطلقة، فيأتيها من ترضى به - كما قال ابن عباس -، وهذا منتهى الظلم، والتعسف.
[فرع]: إذا رضيت كل زوجة بأن يجعل لها ليلتين، والأخرى كذلك أو يجعل لها ثلاث، والأخرى كذلك: فيجوز ذلك؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ذلك حقًّا لهن: جوازه.
[فرع ثان]: إذا تزوج حر زوجة حرة وتزوج أمة أيضًا: فإنه يبيت عند الحرة ليلتين مع يوميهما، ويبيت عند الأمة ليلة واحدة فتكون للأمة ليلة من ثلاث؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الأمة على النصف من الحرة: أن يكون لها - أي للأمة - ليلة واحدة من ثلاث ليال.
[فرع ثالث]: لا يجوز أن يخرج في وقت إحدى زوجاته خروجًا غير معتاد إلّا للضرورة، بينما يحرص أن يمضي كل الوقت عند أخرى؛ للمصلحة؛ وهي واضحة.
(40)
مسألة: العمدة في القسم بين الزوجات هو: أن يبيت عند كل واحدة ليلة لمن معاشه وقضاء شؤونه يقع في النهار وأما من معاشه وقضاء شؤونه في الليل كالحراس، أو بعض من يشتغل بالعسكرية، أو المباحث، أو بعض المناوبين من الأطباء والصيادلة: فإنه يقسم بينهن في النهار، ويكون الليل تبعًا للنهار في حقه، ويكون النهار في حق هؤلاء، كالليل في حق غيره؛ لقاعدتين: الأولى التلازم؛ حيث إن الله جعل الليل للسكن والإيواء يأوي فيه الإنسان إلى منزله، ويسكن إلى أهله، وينام في فراشه عادة، وجعل النهار وقتًا للخروج والمعاش، والكسب يلزم منه: أن يكون ذلك الليل هو العمدة في القسم، قال تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ =
كان مسكن مثلها
(41)
(ويقسم) وجوبًا (الحائض ونفساء ومريضة، ومعيبة) بنحو جذام (مجنونة مأمونة، وغيرها) كمن ألى، أو ظاهر منها، ورتقاء، ومحرمة، ومميزة؛ لأن القصد: السكن والأنس، وهو حاصل بالمبيت عندها
(42)
، وليس له
= سَكَنًا} وقال: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن العمدة في القسم بين الزوجات هو: الليل لمن معاشه في النهار، فكذلك يكون العمدة في القسم هو النهار لمن معاشه في الليل والجامع: مراعاة أحوال الأزواج وظروف معاشاتهم في كل، وهذا هو المقصد منه.
[فرع]: إذا انشغل الزوج عن المقام عند زوجة من زوجاته ليلًا، في وقتها لأي عذر: فيجب عليه أن يقضيه لها، ويعوضها عنه؛ للتلازم؛ حيث إن هذا من الواجبات اللازمة فيلزم إذا فات أن يُقضى، ولا يسقط بفوات وقته إلا إذا أسقطته هي: فلها ذلك! لكونه من حقها.
(41)
مسألة: يُباح للزوج أن يأتي زوجاته في مساكنهن ومحالهن، ويُباح له أن يدعوهن إلى مسكنه إن اتخذ مسكنًا غير مساكن زوجاته، ويباح له أن يأتي بعضهن في مساكنهن، وبعضهن يدعوهن على حسب ما يراه مناسبًا؛ للمصلحة: حيث إن ذلك لم يرد فيه شيء من الشارع، فيتصرف فيه على حسب ما تقتضيه مصلحة الزوج إذا لم يوجد ضرر على تلك الزوجات.
[فرع]: يُستحب أن يجعل لكل زوجة مسكنًا تنفرد فيه يأتيها فيه عند حلول وقتها؛ لقاعدتين: الأولى: السنة الفعلية؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، الثانية: المصلحة؛ حيث إن ذلك أستر لزوجاته، وأكثر صيانة، لئلا يخرجن من بيوتهن، فيتعرضن للفتنة، أو للابتذال، أو لكشف سر من أسراره.
(42)
مسألة: يجب أن يقسم الجميع زوجاته كل واحدة يبيت عندها ليلة، دون أن يميز أو يفرق بين الطاهرة والحائض والنفساء، والسليمة والمريضة، والصحيحة والمعيبة، والعاقلة والمجنونة المأمونة، وكذلك التي آل منها، أو ظاهر منها، كل =
بداءة في قسم، ولا سفر بإحداهن بلا قرعة، إلّا برضاهن
(43)
(وإن سافرت) زوجته (بلا إذنه، أو بإذنه في حاجتها، أو أبت السفر أو) أبت (المبيت عنده في فراشه:
= هذه الزوجات سواء في المبيت وإن لم يُجامع، وكذلك الزوج لو كان مريضًا، أو مجنونًا يؤمن جانبه، والعنين، والخصي والكبير ونحو ذلك يجب عليه أن يقسم بين زوجاته؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أين أنا غدا؟ " لما اشتد عليه الوجع؛ حيث إنه يسأل: عند مَنْ من زوجاته المبيت غدًا؟ فهذا يدل على أن الزوج يقسمُ لو كان فيه مرض ونحوه، الثانية المصلحة؛ حيث إن المقصود من المبيت ليس الوطء والجماع، وإنما المقصود هو الإيواء، والسكن، والأنس، وهذه المصالح حاصلة لمن بات عندها.
(43)
مسألة: إذا كان للرجل عدَّة زوجات: فلا يبتدئ القسم بينهن إلّا بالقرعة بينهن، فمن خرجت لها القرعة جعل لها الليلة الأولى مع يومها، وهكذا، وكذلك لا يُسافر بإحداهن معه إلّا بالقرعة، أما إن حصل تراض بينهن، وأذنت بقية الزوجات لواحدة أن يبتدئ الزوج بها، أو أن تسافر معه: فيجوز ذلك بلا قرعة؛ لقواعد؛ الأولى: السنة الفعلية؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فمن خرجت لها القرعة خرج بها معه الثانية القياس؛ بيانه: كما أنه لا يسافر بإحداهن إلّا بقرعة، فكذلك لا يبتدئ بإحداهن إلّا بقرعة والجامع: أنهن متساويات في الحق، والبدائة بإحداهن والسفر بها تفضيل لها، فوجبت القرعة في كل. الثالثة: التلازم؛ حيث يلزم من رضاهن بالابتداء بإحداهن، والسفر بها: جوازه؛ لأنهن أسقطن حقهن.
[فرع]: إن ابتدأ بإحداهن، أو سافر بها بلا قرعة: فإنه يأثم، ويقضي: بأن يُسافر بالأخرى؛ للمصلحة: حيث إن التسوية بينهن واجبة، وتفضيل إحداهن بالسفر بها: ظلم للأخريات، والظلم يأثم عليه بل إن الظلم ظلمات يوم القيامة.
فلا قسم لها ولا نفقة)؛ لأنها عاصية كالناشز، وأما من سافرت لحاجتها ولو بإذنه فلتعذر الاستمتاع من جهتها
(44)
، ويحرم أن يدخل إلى غير ذات ليلة فيها إلا للضرورة
(45)
، وفي نهارها إلّا لحاجة
(46)
،
(44)
مسألة: يسقط القسم والنفقة عن الزوج في حالات: الحالة الأولى: إذا سافرت زوجته بلا إذنه سواء كان لحاجتها أو لا، الحالة الثانية إذا سافرت بإذنه لحاجتها كتجارة، أو حج أو عمرة تطوع، الحالة الثالثة: إذا امتنعت عن السفر معه، الحالة الرابعة: إذا امتنعت عن المبيت عنده في فراشه؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه كما أن الناشز - وهي الزوجة التي تعصي زوجها فيما يجب عليها - يسقط عن الزوج قسمها، ونفقتها فكذلك الزوجة الممتنعة عن السفر معه، أو المبيت معه، أو المسافرة بلا إذنه مثل الناشز والجامع: العصيان في كل، الثانية: التلازم؛ حيث إن النفقة والقسم للتمكين من الاستمتاع والأنس والسكن، وسفرها لحاجتها يمنع ذلك فلزم سقوط القسم والنفقة عليها عن الزوج، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه الحفاظ على حق الزوج، من أن تتحايل على ظلمه بعض الزوجات الماكرات اللواتي يردن أن يستمتعن بالإنفاق عليهن، ولا ينظرن إليه ولا إلى تنفيذ طلباته وما أكثرهن في هذه العصور، لذلك أكثر أهل جهنم من النساء كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(45)
مسألة: إذا دخل وقت وزمن زوجته الأولى: فيحرم أن يدخل على زوجته الثانية - أو العكس - ليلًا: إلّا للضرورة كأن تخاف السراق ليلًا، أو شديدة المرض وخشيت على نفسها ونحو ذلك: فيجوز أن يدخل عليها ليلًا ولو في وقت وزمن الأخرى؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه دفع مفسدة عن تلك الزوجة، ودفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.
(46)
مسألة: يجوز أن يدخل الزوج على زوجته في يوم غيرها في النهار للحاجة كأن يدفع لها نفقتها، أو يعودها، أو يسأل عن أمر يحتاجه، أو يزورها نظرًا لبعد =
فإن لبث أو جامع: لزمه القضاء
(47)
(ومن وهبت قسمها لضرتها بإذنه) أي: بإذن الزوج: جاز (أو) وهبته (له فجعله لـ) زوجة أخرى: جاز)؛ لأن الحق في ذلك للزوج والواهبة وقد رضيا
(48)
(فإن رجعت) الواهبة: (قسم لها مستقبلًا)؛ لصحة رجوعها فيه؛ لأنها هبة لم تقبض، بخلاف الماضي: فقد استقر حكمه
(49)
ولزوجة
= عهده بها ولا يطيل المكث؛ لقاعدتين: الأولى: السنة الفعلية؛ حيث قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علي في يوم غيري الثانية: المصلحة؛ حيث إن قضاء حاجات زوجاته في النهار من المطالب الشرعية، فجاز؛ لئلا تحتاج إلى أن يقضيها غيره.
(47)
مسألة: إذا دخل على زوجته الأولى في زمن ووقت زوجته الثانية - أو بالعكس - ليلًا أو نهارًا فلبث - أي أطال الجلوس عندها عرفًا - أو جامع: فيجب عليه أن يقضي ذلك للزوجة الثانية - وهي المظلومة - بأن يدخل على الثانية ويلبث عندها ويُجامعها؛ للمصلحة حيث إن ذلك فيه تحقيق العدل والتسوية، وإعطاء كل صاحب حق حقه.
[فرع]: إذا كان للرجل زوجتان، كل زوجة في بلد، ولم يمكنه الجمع بينهما في بلد واحد؛ لأسباب شرعية، أو تراضيا على ذلك: فيقسم بينهما بالأزمان الطويلة كأن يجعل لواحدة منهما شهرًا يجلس عندها والأخرى شهرًا آخر، أو أكثر من ذلك أو أقل على حسب الظروف، ولكن لا يجلس عند إحداهما أكثر من الأخرى؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجوب القسم بالتساوي: ذلك.
(48)
مسألة: يجوز أن تهب زوجة من زوجات رجل قسمها إلى ضرتها بإذن ذلك الزوج، ويجوز أن تهبه إلى زوجها فيجعله لزوجة أخرى: سواء قبلت الموهوب لها أو لا؛ للتلازم؛ حيث إن الحق للواهبة وللزوج فإذا ثبت الرضى بينهما: فإنه يلزم جوازه؛ لكون الواهبة أسقطت حقها.
(49)
مسألة: إذا وهبت زوجة قسمها لضرتها، أو لزوجها: فإنه يجوز كما سبق في =
بذل قسم ونفقة لزوج؛ ليمسكها، ويعود حقها برجوعها
(50)
وتسن تسوية زوج في وطء بين نسائه، وفي قسم بين إمائه
(51)
(ولا قسم) واجب على سيد (لإمائه،
= مسألة (48) - فإن رجعت في الهبة، وطلبت أن يُعاد قسمها: فإنه يجب أن يعيده لها الزوج في المستقبل دون ما مضى؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون قسمها المستقبل هبة لم تقبض أن يُعاد إليها، ويلزم من كون قسمها الماضي هبة قد تم قبضها: عدم جواز إعادته إليها؛ حيث استقر حكمه للموهوب لها.
(50)
مسألة: يُباح للزوجة أن تسقط قسمها ونفقتها عن زوجها؛ لأجل أن لا يتخلى عنها، فتقول له: أمسكني ولا تطلقني وأنت في حل من نفقتي وقسمي، لقاعدتين: الأولى: الكتاب: حيث قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} حيث إن من أنواع الصلح: إسقاط بعض الحقوق؛ ليتم الاتفاق على حسب ما تقتضيه المصلحة وهنا يشرع الصلح، قالت عائشة: هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها، فيريد طلاقها، تقول: أمسكني، ولا تطلقني، وأنت في حل من النفقة عليّ والقسم، الثانية: السنة التقريرية؛ حيث إن سودة حين أسنَّت وخشيت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يومي لعائشة رضي الله عنهما، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حث على الاجتماع والتآلف، وعدم التفرّق بين الأسر.
[فرع]: يعود حقها إذا رجعت عن قولها وطالبت به؛ للتلازم؛ كما سبق بيانه في مسألة (49).
(51)
مسألة: لا تجب التسوية بين نسائه في الوطء والجماع، أي: إذا جامع واحدة فلا يجب عليه أن يجامع الأخرى مثلها، وكذلك لا تجب التسوية بين إمائه في القسم، ولكن إن أمكنت التسوية في وطء وجماع نسائه، وقسمه بين إمائه فهذا مستحب؛ للمصلحة: حيث إن التسوية بين نسائه في الوطء والجماع يشق على =
وأمهات أولاده)، لقوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (بل يطأ) السيد (من شاء) منهن (متى شاء)
(52)
، وعليه: أن لا يعضلهن إن لم يرد استمتاعًا بهن
(53)
(وإن تزوج بكرًا) ومعه غيرها: (أقام عندها سبعًا) ولو أمة
= الزوج؛ حيث إن الجماع يكون من الشهوة والميل القلبي، وهذا لا يملكه الإنسان؛ حيث إنه قد يميل إلى إحداهن دون الأخرى، بلا إرادة منه قال تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} فإلزامه بالتسوية في ذلك مع عدم قدرته فيه مشقة عظيمة، فدفعًا لذلك: لم يجب، ولكن إن أمكنه التسوية بين نسائه في الجماع، وبين إمائه في القسم: فهو مستحب؛ لكونه يحقق العدالة، وتطيب نفوسهن، وفي ذلك مودّة، وأُلفة، ومحبة، وحسن عشرة.
(52)
مسألة: لا يجب على السيد أن يقسم بين إمائه اللواتي اشتراهن: سواء كن أمهات أولاد، أو لا، بل يُجامع السيد من شاء منهن، في أي وقت شاء، وله تفضيل بعضهن دون البعض الآخر في ذلك، وله مساواتهن في ذلك؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} حيث يلزم من ذلك: أن لا قسم لملك اليمين؛ حيث إنه إذا خاف المسلم من عدم العدل بين الزوجات: فإنه يقتصر على زوجة حرة واحدة، أو يشتري ما شاء من الإماء؛ إذ هو في هاتين الحالتين لا قسم له، الثانية: السنة الفعلية؛ حيث كان للنبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية، وريحانة فلم يقسم لهما، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ وهي التوسعة والتيسير على المسلمين في ذلك.
(53)
مسألة: إذا احتاجت الواحدة من الإماء إلى زوج، والسيد لا يريدها للاستمتاع بها: فإنه يجب عليه أن يعفها إما بجماعها ووطئها أو تزويجها، أو بيعها؛ للتلازم؛ حيث إن من تحتاج إلى الزواج يحتمل أن تقع في الفساد من زنا ونحوه فيلزم منعها عن ذلك بإحدى الأمور الثلاثة - وهي أن يطأها أو يزوجها، أو يبيعها من باب:"ما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب" فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ =
(ثم دار) على نسائه (و) إن تزوج (ثيبًا): أقام عندها (ثلاثًا) ثم دار؛ لحديث أبي قلابة عن أنس: "من السنة إذا تزوج البكر على الثيب: أقام عندها سبعًا، وقسم، وإذا تزوج الثيب: أقام عندها ثلاثًا ثم قسم قال أبو قلابة: "لو شئت لقلتُ: إن أنسًا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم" رواه الشيخان (وإن أحبَّت) الثيب أن يقيم عندها (سبعًا: فعل وقضى مثلهن) أي: مثل السبع (للبواقي) من ضراتها؛ لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام، وقال: "إنه ليس بك هوان على أهلك، فإن شئتِ سبَّعتُ لكِ، وإن سبَّعتُ لكِ: سبعتُ لنسائي" رواه أحمد ومسلم وغيرهما
(54)
.
= قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه منع للفتنة ودفع للفساد، ودفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
(54)
مسألة: إذا كان عند الزوج زوجة، ثم تزوج عليها بكرًا: فإنه يقيم عند الزوجة الثانية - وهي البكر - سبع ليالي مع أيامها ثم يذهب إلى الأولى ويبدأ القسم منها أما إن تزوج على زوجته الأولى ثيبًا: فإنه يقيم عند الثانية - وهي تلك الثيب - ثلاث ليال مع أيامها، ثم يذهب إلى الأولى، ويبدأ القسم منها: سواء كانت الزوجة الثانية حرة أو أمة وإن سبع للثيب: فإنه يُسبع للبواقي من نسائه، للسنة القولية: وهي من وجهين: أولهما: أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة وكانت ثيبًا أقام عندها ثلاثًا وقال: "ليس بك على أهلك هوان، وإن شئتِ سبَّعت لكِ، وإن سبَّعتُ لكِ: سبَّعت لنسائي" فلزم أن يكون للثيب ثلاث، ومن أرادت سبعًا سبع للبواقي. الثانية: أن أنسًا قال: "من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا، وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا، ثم قسم ولفظ "البكر، والثيب" عام للحرة والأمة، فيكون الحكم فيهما واحد في ذلك، حيث إن "البكر" و "الثيب" مفرد محل بأل، وهو من صيغ العموم، فإن قلتَ: لِمَ كان للبكر سبع، وللثيب ثلاث؟ قلت: للمصلحة؛ حيث إن البكر عادة تستحي كثيرًا؛ لأنها أول مرَّة تتزوج، فتحتاج إلى وقت أطول لإزالة هذا الحياء والاحتشام بينها وبين =
(فصل): في النشوز وهو: (معصيتها إياه فيما يجب عليها) مأخوذ من النشز وهو ما ارتفع من الأرض فكأنها ارتفعت وتعالت عما فرض عليها من المعاشرة بالمعروف
(55)
(فإذا ظهر منها أماراته: بأن لا تُجيبه إلى الاستمتاع، أو تُجيبه متبرِّمة) متثاقلة (أو متكرهة وعظها) أي: خوّفها من الله تعالى، وذكَّرها ما أوجب الله عليها من الحق والطاعة، وما يلحقها من الإثم بالمخالفة، (فإن أصرَّت) على النشوز بعد وعظها:(هجرها في المضجع) أي: ترك مضاجعتها (ما شاء و) هجرها (في الكلام ثلاثة أيام) فقط؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام"(فإن أصرَّت) بعد الهجر المذكور: (ضربها) ضربًا (غير مبرّح) أي: شديد؛ لقوله عليه السلام: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يُضاجعها في آخر اليوم" ولا يزيد على عشرة أسواط؛ لقوله عليه السلام: "لا يجلد أحدكم فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" متفق عليه، ويجتنب الوجه، والمواضع المخوّفة
(56)
، وله
= زوجها، وتستأنس به، فقُدِّر بسبع ليال مع أيامها، وهذا يكفي في إزالة ذلك، وروعي في هذا حاله مع زوجاته الأخريات؛ حيث لم تُطل المدَّة أكثر ذلك؛ لئلا يُطيل الغيبة عن البواقي بخلاف الثيب - وهي التي قد تزوجت من قبل - فعندها بعض الخبرة في ذلك فلا تحتاج أكثر من ثلاث ليال مع أيامها؛ للاستئناس بزوجها الجديد.
(55)
مسألة: النشوز لغة: مأخوذ من "النَّشز" والنشز: هو المكان المرتفع من الأرض، ومنه قولهم:"هذه أرض ناشز" أي مرتفعة، وهو في الاصطلاح: أن تعصي الزوجة زوجها فيما يجب عليها من المعاشرة بالمعروف أي: ترفَّعت وتعالت عليه عمّا وجب عليها من طاعته.
(56)
مسألة: إذا ظهرت علامات وأمارات النشوز والعصيان من الزوجة لزوجها: بأن تمتنع أن يستمتع بها، أو تطيعه ولكنها كارهة متثاقلة، أو تسمعه بعض العبارات الجارحة، أو يكتشف أنها تكلِّم بعض الرجال الأجانب عنها: فإن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الزوج يعظها، وينصحها، ويُرشدها، ويبين لها أن الله تعالى أوجب عليها طاعة زوجها، وأنه مثل ما أنها تستمتع بحنان، وعطف، ورزق ومال ومسكن الزوج وأنه هو السبب في عزّها وكرامتها: فإن الزوج يريد كامل حقه بأن تطيعه، وتحترمه، وتكرمه، وأن لا تنظر إلى رجل غيره مهما كانت الظروف والأحوال، وأن الله سيُعاقبها عقابًا شديدًا إذا خالفت ذلك ظاهرًا أو باطنًا وأنه هو سيعاقبها من قطع النفقة والكسوة، وطردها من بيته ويذكرها بما يباح له من هجرها وضربها: فإن أصرَّت على عصيانها ونشزها مع ذلك: فإنه يهجرها، ويترك مضاجعتها والمنام معها ما شاء من الزمان، ويهجرها ويترك مكالمتها ومحادثتها ثلاثة أيام، فإن أصرَّت على عصيانها ونشوزها مع ذلك: فإنه يضربها ضربًا غير شديد ومبرح، وإنما هو مؤدِّ لمثلها، ولا يزيد في هذا الضرب عن عشرة أسواط، ولا يضربها في هذه الحالة على وجهها، ولا المواضع التي يخاف منها اختلال العقل، أو الموت فيما لو ضربها؛ لقواعد الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} : وهذا فيه إضمار تقديره: واللائي تخافون نشوزهن فعظوهن، فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع، فإن أصررن فاضربوهن - كما قال كثير من محققي المفسرين - الثانية: السنة القولية وهي من وجوه: أولها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" وهذا يلزم منه تحريم هجران الكلام مع زوجته الناشز فوق ثلاثة أيام؛ لأن لفظ "لا يحل" من صيغ التحريم، وزوجته: أخته في الإسلام ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها في آخر اليوم" حيث حرّم الشارع جلد الزوجة الناشز جلدًا شديدًا كما يجلد العبد لأن النهي هنا مطلق، فيقتضي التحريم، ثالثها: قوله عليه السلام: "لا تضرب ضعينتك ضرب أمتك" و "الضعينة" هي: الزوجة، ويُقال فيه كما قلنا في الحديث =
تأديبها على ترك الفرائض
(57)
، وإن ادَّعى كل ظلم صاحبه: أسكنهما حاكم قرب ثقة يشرف عليهما، ويلزمهما الحق، فإن تعذَّر وتشاقا: بعث الحاكم عدلين، يعرفان
= السابق، رابعها: قوله عليه السلام "لا يجلد أحدكم فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله" حيث حرم أن يُجلد إنسان فوق عشرة أسواط إلّا إذا ارتكب حدًا من حدود الله كالقذف وشرب الخمر - فيُجلد ثمانين - أو الزنا لغير المحصن - فيجلد مائة -؛ لأن النهي هنا مطلق، فيقتضي التحريم، خامسها: قوله عليه السلام: "ثلاثة لا تصعد لهم إلى السماء حسنة منهم المرأة الساخط عليها زوجها" وقوله: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" حيث يدل ذلك على جواز عقابها بتلك العقوبات الثلاث، وأن الزوج ينصحها ويعظها بها الثالثة: السنة الفعلية؛ حيث إنه عليه السلام قد هجر نساءه ولم يدخل بهن شهرًا الرابعة: المصلحة؛ حيث إن ضرب المستحسن كالوجه، والمواضع المخوفة فيه إلحاق الضرر عليها من تشويهها، وتقبيحها، أو هلاكها، فدفعًا لذلك حرم ضربها في تلك المواضع. فإن قلتَ: لِمَ وضعت تلك العقوبات الثلاث مرتبة؟ قلتُ: لأن المقصود هو: التأديب، لا الإتلاف، فإن قلتَ: لِمَ يضربها ضربًا غير شديد؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن المضروب ضربًا شديدًا غالبًا ما ينفر عمّن جلده - مهما كان، فإذا ضربها ضربًا شديدًا فإنها ستنفر منه عند مجامعته ومضاجعته لها، ولا تميل نفسها إليه ولا تنساه، بخلاف التأديب المستحسن: فإنه لا ينفر الطباع، وقد تنساه.
(57)
مسألة: يُباح للزوج أن يؤدِّب زوجته إذا تركت أيَّ واجب من الواجبات الشرعية كالصلاة والصوم ونحو ذلك بتلك الأمور الثلاثة السابق ذكرها في مسألة (56)؛ للقياس؛ بيانه كما يُباح للزوج أن يؤدب زوجته بتلك العقوبات المذكورة في مسألة (56) فكذلك الحال هنا والجامع: إصلاحها في إقامة ما عليها من واجبات.
الجمع والتفريق، والأولى من أهلهما، يوكلانهما في فعل الأصلح: من جمع وتفريق، بعوض، أو دونه
(58)
.
(58)
مسألة: إذا حصل اختلاف بين الزوجين، وادَّعت هي بأنها نشزت؛ لكونه لم يُعطها حقها الواجب لها عليه، وادَّعى زوجها بأنها لم تعطه حقه الواجب له عليها، فكل واحد منهما يدَّعي أن الآخر قد ظلمه: فإن الحاكم - وهو القاضي - يبعث حكمين مسلمين حرين مكلفين، عدلين، ذكرين، عارفين لأحكام الصلح بين الزوجين من جمع أو تفريق بينهما، والأولى أن يكون أحدهما من أهل الزوج، والآخر من أهل الزوجة، فإن لم يمكن ذلك: فإنه يبعث حكمين من غير أهل الزوجين، فيقوم الزوج بتوكيل أحدهما عنه، وتقوم الزوجة بتوكيل الآخر عنها، ثم يجتمع هذان الحكمان مع الزوجين المتخاصمين، ويسمعان تفاصيل المشكلة الحادثة بينهما سواء كانت هذه التفاصيل سرية أو لا، ثم يحاول الحكمان أن يُلطِّفا القول مع الزوجين، وينصفا بينهما، ولا يميلا إلى أحدهما دون الآخر، ويخوفاهما من الله تعالى، ويبيّنا أن الفرقة بينهما سيتسبَّب في تشتيت أولادهما - إن كان لهما أولاد -، ويُحاولا أن يُصلحا بينهما بشتى الطرق إن رأيا أن المصلحة تقتضي الصلح بينهما، وإن رأيا أن المصلحة تقتضي التفريق بينهما: فإنهما يفرقان بينهما بعوض وهو الخلع، أو بدون ذلك؛ لقواعد الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} ؛ حيث قرر الشارع هذه الطريقة للصلح بين الزوجين المتخاصمين، وأن الحكمين يفعلان ما يريانه صالحًا من الجمع أو التفريق؛ وهذا من لوازم لفظ "الحكمين"، الثانية: التلازم؛ حيث إن الزوجين راشدان فيلزم عدم جواز التصرُّف فيما يختصان فيه إلا بوكالة منهما، أو ولاية عليهما، الثالثة: المصلحة؛ حيث إن مصلحتهما تقتضي أن يكون الحكمان، مسلمين، حرين، مكلفين، عدلين، ذكرين، عارفين لأحكام الصلح بين =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الزوجين؛ لأن من يتّصف بذلك لا يصدر عنه إلّا قرار منصف للطرفين فتكون في ذلك مصلحة لهما، من حيث الاجتماع، أو الافتراق، تنبيه: قوله: "أسكنهما حاكم قرب ثقة يُشرف عليهما، ويلزمهما الحق": قلتُ: هذا مخالف للآية السابق ذكرها؛ حيث بدأ بالحكمين ولم يشر إلى هذا المشرف، وكذا: مخالف لفعل الصحابة؛ حيث إنه لما حصل خلاف بين عقيل وزوجته فاطمة بنت عقبة: بعث عثمان حكمًا أهله وهو عبد من الله بن عباس - وحكمًا من أهلها - وهو معاوية بن أبي سفيان - ولم يرسل مشرفًا، وكذلك علي لما تخاصم عنده رجل وزوجته بعث حكمين مباشرة، ولم يرسل مشرفًا، وكذا: لم أجد إرسال ذلك المشرف في أكثر كتب الفقهاء على اختلاف مذاهبهم. وهذا كله يُبطل ما ذكره المصنف وغيره ممن وافقه من الحنابلة.
هذه آخر مسائل باب: "عشرة النساء، وأحكام المبيت والجماع وآدابه، والقسم بين الزوجات، والنشوز"، ويليه باب:"الخُلْع".
باب الخُلْع
وهو: فراق الزوجة بعوض بألفاظ مخصوصة، سُمِّي بذلك؛ لأن المرأة تخلع نفسها من الزوج كما تخلع اللباس، قال تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}
(1)
(من صحَّ تبرُّعه) وهو الحر، الرشيد، غير المحجور عليه (من زوجة، وأجنبي: صحّ بذله لعوضه) ومن لا: فلا؛ لأنه بذل مال في مقابلة ما ليس بمال ولا منفعة
باب الخُلْع
وفيه أربعون مسألة:
(1)
مسألة: الخُلْع لغة: النزع، ومنه قولهم:"خلعت الثوب" أي: نزعته من على جسدي - كما في المصباح (178) - ويُطلق على الخروج، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"من خلع يدًا من طاعة لقي الله لا حجة له" أي: من خرج من طاعة سلطانه - كما جاء في اللسان (8/ 76) والاسم "الخُلْع" بضم الخاء، وتسكين اللام والمصدر "الخَلْع" بفتح الخاء، وتسكين اللام، والخلع في الاصطلاح: أن تطلب الزوجة فراقها من زوجها فلا يقبل إلّا بأن تعطيه عوضًا وثمنًا لذلك، فتبذل له ما أراد ثم يفارقها بألفاظ مخصوصة - سيأتي بيانها -، فإن قلتَ: لِمَ سُمِّي ذلك الفراق بالخلع؟ قلتُ: لأن المرأة تخلع نفسها من الزوج كما تخلع ثوبها ولباسها، فالله تعالى قد جعل النساء لباسًا للرجال، والرجال لباسًا للنساء فقال:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} ، فإن قلتَ: لِمَ جعل كل واحد منهما لباسًا للآخر؟ قلتُ: لأن كل واحد من الزوجين يشتمل على الآخر ويستره، كاشتمال اللباس والثوب على البدن وستره له، فإن قلتَ: ما فائدة الخلع؟ قلتُ: فائدته إبطال الرجعة ولو في العدَّة إلا بعد عقد جديد وعدم نقص عدد الطلاق، تنبيه: سيأتي بيان: متى يكون الخلع طلاقًا ومتى يكون فسخًا؟.
فصار كالتبرُّع
(2)
(فإذا كرهت) الزوجة (خُلُق زوجها، أو خَلْقه): أبيح الخلع - و"الخَلْق - بفتح الخاء - صورته الظاهرة وبضمها صورته الباطنة (أو) كرهت (نقص دينه، أو خافت إثمًا بترك حقه: أبيح الخلع)؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
(3)
(2)
مسألة: يصح الخلع من كل زوجة وأجنبي يصح تبرعهما، وهما: الحران، الرشيدان، غير المحجور عليهما، ويصح بذلهما لعوض أراداه، أما إن لم يصح تبرعه: فلا يصح بذله لعوض في الخلع؛ للقياس، وهو من وجوه: أولها: كما أن الزوجة إذا احتاجت إلى متاع ولا تصل إليه إلّا ببذل عوض - وهو ثمنه - فلا بد لها من دفعه ثمنًا لذلك المتاع، فكذلك حاجتها داعية إلى فراقه، ولا تصل إلى ذلك إلّا ببذل العوض، فيجوز أن تدفعه والجامع: دفع الحاجة في كل، ثانيهما: كما أن التبرّع من الحر، الرشيد، غير المحجور عليه يصح، فكذلك ما دفعه للحاجة يصح، والجامع: حصول المصلحة من شخص يملك ماله بالقوة والفعل، ثالثها: كما أن الأجنبي لو قال لك: اعتق عبدك وعليّ ثمنه، وارمي متاعك في البحر وعليّ ثمنه: صح ولزمه ثمنه، فكذلك يصح أن يقول الأجنبي لزوج امرأة: طلِّق زوجتك بألف هي علي والجامع تحمله لهذا العوض في كل، فإن قلتَ: لَمَ كان من لم يصح تبرعه من زوجة وأجنبي: لم يصح بذله لعوض؟ قلتُ: لأنه بذل مالًا في مقابلة ما ليس بمال، ولا منفعة؛ لعدم صحة قصده.
(3)
مسألة: يجوز أن تخلع الزوجة زوجها، وأن تطلب فراقه على عوض تدفعه له في إحدى الحالات التالية: أولها: إذا كرهته لسوء خُلُقه - بضم الخاء - وهي صفاته الباطنة - ثانيها: إذا كرهته لسوء خَلْقه - بفتح الخاء - وهي صفاته الظاهرة، ثالثها: إذا كرهته بسبب نقص في دينه، رابعها: إذا كرهته بسبب كبره، أو مرضه، أو ضعفه. خامسها: إذا خافت أن تأثم بترك حق من حقوقه؛ لأي سبب من الأسباب الظاهرة أو الباطنة؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَإِنْ =
وتسنُّ إجابتها إذًا
(4)
إلّا مع محبته لها، فيسن صبرها، وعدم افتدائها
(5)
(وإلا) يكن
= خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} حيث أباح للزوجة التي تخاف الإثم بسبب عدم إقامتها بحق زوجها: أن تطلب مخالعته وفراقه بعوض تفتدي به نفسها منه؛ لأن "لا جناح" من صيغ الإباحة، ودلَّ مفهوم الشرط على أنها إذا لم يخافا ذلك: فلا يباح الخلع، الثانية: السنة القولية؛ حيث إن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أعيب عليه من دين ولا خلق، ولكن أكره الكفر في الإسلام، فقال: أتردِّين عليه حديقته؟ " قالت: نعم، فأمرها بردِّها، وأمره بفراقها، ومعنى: "أكره الكفر في الإسلام "أي: أخشى أن أكفر العشير المنهي عنه، والتقصير بحقه الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن الخلع ثبت عن عمر وعثمان، وعلي، فإن قلتَ: لِمَ أبيح الخلع؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن بعض النساء قد لا يلائمها الرجل الذي تزوجته، وهو متمسك بها، فجعل الله لها سبيلًا ومخرجًا من هذا المأزق بطلب الخلع، وهذا وإن كان نادرًا ما يقع إلا أن الإسلام قد عالجه.
(4)
مسألة: إذا طلبت الزوجة مخالعة زوجها - لما سبق من الأحوال والأسباب في مسألة (3) - فيُستحب للزوج أن يجيب طلبها، ويُفارقها؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه راحة لها وله، وقد تفعل به شيئًا بسبب بغضها له وقديمًا قيل: إن مجالسة من يكرهك هو سبب لأكثر الأمراض، ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بأن يفارق زوجته التي طلبت مخالعته.
(5)
مسألة: إذا طلبت الزوجة مفارقة زوجها - عن طريق الخلع - وهو يحبها، ويكن لها كل مودة: فإنه يُستحب لها أن تصبر عليه، وستجد في ذلك سعادة الدنيا والآخرة؛ للمصلحة حيث إن ذلك فيه راحة له في الدنيا والآخرة، ولها راحة في الآخرة، وقد تحصل في الدنيا، وإن كرهت منه خُلُقًا أو خَلْقًا: فإنها تنظر إلى أمور أخرى قد تعجب فيه من ناحيتها.
حاجة إلى الخلع، بل بينهما الاستقامة (كره، ووقع)؛ لحديث ثوبان مرفوعًا: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس: فحرام عليها رائحة الجنة" رواه الخمسة إلا النسائي
(6)
(فإن عضلها ظلمًا؛ للافتداء) أي: لتفتدي منه (ولم يكن) ذلك
(6)
مسألة: إذا لم توجد حاجة إلى الخلع، ولم يوجد بغض منها له، ولم توجد أي حالة من الحالات الخمس السابقة الذكر في مسألة (3) - بل بينهما استقامة الحال والتراضي: فلا يصح الخلع؛ لقواعد: الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجوه: أولها: السنة القولية: وهي مخالفة زوجة ثابت بن قيس؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها برد حديقته إليه، وأمره بفراقها لما علم ببغضها له، فيكون الحكم معلَّقًا بسببه؛ حيث إن الخلع يكون لفك المرأة من حالتها السيئة التي تعيشها كفك الأسير، وهو ما صرَّح به ابن تيمية فلا يصح بدون حاجة، ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس: فحرام عليها رائحة الجنة" حيث إن الوعيد بتحريم رائحة الجنة على من طلبت فراق زوجها من غير وجود كراهية أو خوف: عقاب، ولا يُعاقب إلا على فعل محرم، أو ترك واجب، وهذا يلزم منه عدم صحته بلا حاجة، ثالثها: قوله صلى الله عليه وسلم: "المختلعات هنَّ المنافقات" يعني: اللاتي يطلبن الخلع والطلاق من أزواجهن بغير عذر: هن المنافقات ينافقن زوجًا إلى حين، ثم يُعجبن برجل آخر، فيطلبن الطلاق من الأول لأجل أن تتزوج الآخر، ثم يعجبن بثالث ويفعلن بالثاني كما فعلن بالأول وهكذا، وقد لا يُصرِّحن بذلك، ولكن هذه هي الحقيقة، فلو لم يكن في ذهنها رجل آخر لما رفضت زوجها، ولكن من المؤكد أن من تركت زوجها لتتزوج رجلًا آخر كان قد أفسدها على زوجها الأول: أن زواجها بالثاني ومن بعده لا ينجح دائمًا، وهذا بسبب لعن الرسول صلى الله عليه وسلم لمن فعل ذلك حيث قال فيما معناه:"لعن الله من أفسد زوجة على زوجها، ولعن الله من أفسدت زوجًا على زوجته، ولعن الله من أفسد عبدًا على سيده، ومن أفسد سيدًا على عبده" الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون =
(لزناها، أو نشوزها أو تركها فرضًا ففعلت) أي: افتدت منه: حرم، ولم يصح؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} فإن كان لزناها، أو نشوزها، أو تركها فرضًا: جاز وصح؛ لأنه ضرَّها بحق
(7)
(أو
الخلع قد شرّع لحاجة الزوجة: عدم مشروعيته إذا لم توجد تلك الحاجة، الثالثة: المصلحة؛ حيث إنه لو فُتح باب الخلع لحاجة أو لغير حاجة لأفضى ذلك إلى أن تتخلَّى أكثر الزوجات عن أزواجهن ويطلبن فراقهم؛ لأن النساء ناقصات عقل ودين كما هو مقرر في الشريعة، فقد يخدعهن أي فاسق وماكر، ثم يكون ذلك سببًا في فراقها مع زوجها، ثم ذاك الفاسق والماكر قد يخدع أخرى وهكذا؛ فسدًا لذلك: شرع عدم صحة الخلع بلا عذر وحاجة، فإن قلتَ: إنه يكره في هذه الحالة ويقع، وهو ما ذكره المصنف هنا؟ قلتُ: لم أجد دليلًا على ذلك، بل الأدلة من السنة، والتلازم، والمصلحة على أنه لا يصح مطلقًا، ولا يقع.
(7)
مسألة: إن أضرَّ الزوج بزوجته بالضرب، أو الهجر، أو التضييق عليها، أو منعها حقوقها من القسم أو النفقة، من غير عذر، لأجل أن تفتدي نفسها منه، وتعطيه عوضًا لأجل أن تفارقه وتنجو بنفسها من ظلمه لها وهو كاره لها، وفعلت وأخذ الزوج ذلك العوض وفارقها خلعًا: فإن ما أخذه حرام ويجب أن يرده إليها، ولا يصح الخلع هنا، أما إن فعل زوجها بها ذلك لعذر شرعي كأن تزني وهي على ذمته، أو لا تستحي من الرجال الأجانب وتجالسهم أو تُكلمهم بالهاتف ونحو ذلك، أو نشزت وعصت زوجها بأي مما سبق ذكره في مسألتي (55 و 56) من باب:"عشرة النساء وأحكام المبيت والجماع وآدابه والقسم، والنشوز"، أو تركت فرضًا أو واجبًا فكرهها لتلك الأسباب، وعضلها، وظلمها وضارها لأجل أن تفتدي نفسها منه، أو يسترجع مهره الذي دفعه لها أو بعضه: وفعلت وأعطته ذلك: فإن ذلك يجوز، ويصح الخلع؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} حيث حرم =
خالعت الصغيرة، والمجنونة، والسفيهة) ولو بإذن ولي (أو) خالعت (الأمة بغير إذن سيدها لم يصح الخلع)؛ لخلوّه عن بذل عوض ممّن يصح تبرّعه (ووقع الطلاق رجعيًا إن) لم يكن تمَّ عدده و (كان) الخلع المذكور (بلفظ الطلاق، أو نيّته)؛ لأنه لم يستحق به عوضًا؛ فإن تجرَّد عن لفظ الطلاق ونيته: فلغو
(8)
ويقبض عوض الخلع زوج رشيد،
على الزوج عضل ومنع الزوجة ظلمًا - أي بدون عذر شرعي - لأجل أن يأخذ الزوج عوضًا وثمنًا عن خلعها وفراقها؛ لأن النهي هنا مطلق، فيقتضي التحريم والفساد فيحرم ما أخذه، ولا يصح الخلع، وأثبت جواز عضل الزوج لزوجته والإضرار بها إذا فعلت فاحشة ومنكرًا كأن تزني، أو تعصي زوجها، أو تترك فرضًا أو واجبًا من الأمور الشرعية، وأنها إذا دفعت له ما يطلبه، وفارقها: فإن ذلك جائز، ويصح الخلع - لأن الاستثناء من النفي إثبات، وهذا هو المراد من قوله تعالى:{إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} ، فإن قلتَ: لِمَ شرع هذا التفصيل؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حماية لحق الزوجة ومنع الزوج من ظلمها، وحماية لحق الزوج ومنع الزوجة من ظلمه، وجاز في الحالة الثانية؛ لكونه قد انتصر لنفسه بحق.
(8)
مسألة: لا تصح مخالعة الزوجة الصغيرة، ولا المجنونة، ولا السفيهة: سواء أذن وليها أو لم يأذن، ولا تصح مخالعة الأمة إلا إذا أذن وليها، فإن طلبت تلك النسوة الخلع، وفعل الزوج وفارقهن: فإنه يقع طلاقًا رجعيًا إن لم يتم عدد الطلاق ثلاثًا بشرط: أن يكون الخلع بلفظ الطلاق، أو بلفظ الكناية ونواه، أما إن تجرَّد عن لفظ الطلاق، وكنايته ونيته: فإنه يكون لغوًا، وتستمر الزوجية على ما هي عليه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من التصرُّف في المال ممن ليس بأهل للتصرف، والتبرّع: أن لا يصح الخلع لعدم وجود العوض، ويلزم من عدم صلاحيته لأن يكون خلعًا: أن يكون طلاقًا إن تلفظ به، أو نواه، ويلزم من عدم تلفظه بالطلاق، أو نيته: أن يكون لغوًا؛ لخلوّه عن العوض.
ولو - مكاتبًا، أو محجورًا عليه؛ لفلس، وولي الصغير ونحوه
(9)
، ويصح الخلع ممن يصح طلاقه
(10)
.
(فصل): (والخلع بلفظ صريح الطلاق، أو كنايته) أي: كناية الطلاق (وقصده) به الطلاق (طلاق بائن)؛ لأنها بذلت العوض؛ لتملك نفسها، وأجابها لسؤالها
(11)
(وإن وقع) الخلع (بلفظ الخلع، أو الفسخ، أو الفداء): بأن قال: "خلعتُ" أو "فسختُ" أو "فاديتُ"(ولم ينوه طلاقًا: كان فسخًا، لا يُنقص عدد الطلاق) روي عن ابن عباس، واحتج بقوله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ثم قال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا
(9)
مسألة: يصح أن يقبض عوض الخلع من الزوجة، أو الأجنبي: زوج رشيد: سواء كان مكاتبًا، أو لا، وسواء كان محجورًا عليه لفلس أو لا، وكذا: يقبض عن زوج صغير، وسفيه، وعبد، ومحجور عليه لغير فلس: للتلازم؛ حيث يلزم من عدم أهليتهم لقبض المال: أن يقبض مالهم أولياؤهم؛ لمصلحة حفظها لهم، وهو المقصد منه.
(10)
مسألة: يصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه: سواء كان مسلمًا أو ذميًا؛ للقياس الأولى؛ حيث إنه إذا كان يملك الطلاق، وهو مجرَّد إسقاط من غير تحصيل شيء فلأن يملكه وهو محصل للعوض أولى.
(11)
مسألة: إذا طلبت الزوجة فراق زوجها عن طريق الخلع، ثم فارقها بلفظ صريح الطلاق بأن قال:"طلقتك" أو بلفظ كنايته مع نيته وقصده به الطلاق كأن يقول: "الباب يسع جملًا" أو "الحقي بأهلك" ونواه الطلاق: فإن هذا يكون طلاقًا بائنًا ينقص من عدد الطلاق، لا يملك رجعتها، لكن له أن يعقد عليها بعقد جديد، ولو لم تنكح زوجًا غيره ما لم يوقع عليها ثلاث تطليقات، وله أن يتزوجها وهي في العدة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من بذلها العوض، وإجابتها لسؤالها: أن تملك نفسها، وأن تخرج من عصمته وقبضته، فلو لم تكن بائنًا لملك الرجعة.
فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فذكر تطليقتين والخلع، وتطليقة بعدهما، فلو كان الخلع طلاقًا: لكان رابعًا، وكنايات الخلع:"باريتك" و"أبرأتك" و"أبنتك" لا يقع بها إلا بنية، أو قرينة كسؤال، وبذل عوض
(12)
، ويصح بكل لغة من أهلها
(13)
، لا معلقًا
(14)
(ولا يقع بمعتدَّة من
(12)
مسألة: إذا وقع الخلع بألفاظه الصريحة وهي قول الزوج لمن طلبت منه مفارقته بعوض: "خلعتُ النِّكاح الذي بيني وبينك" أو "فسخته" أو "فاديته" ولم ينوه طلاقًا، أو بألفاظه غير الصريحة - وهي كناياته - كقول الزوج لها:"باريتك" أو "أبرأتك" أو "أبنتك" ونوى فيه الخلع، أو وجدت قرينة تدل على إرادته الخلع كسؤالها الفراق وبذل العوض له: فإن هذا كله يُعتبر فسخًا، لا طلاقًا، لا ينقص به عدد الطلاق؛ لقواعد: الأولى: التلازم؛ حيث إن الله ذكر تطليقتين بقوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ثم ذكر الخلع والفداء بقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ثم ذكر تطليقه بعد ذلك فقال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فيلزم من ذلك: أن الطلاق المذكور ثلاث، فلو كان الخلع والفداء طلاقًا: لكان رابعًا، ويلزم من دلالة الحال من دفع عوض وطلبها: الاغتناء عن النية حيث ثبت ذلك عن ابن عباس وهو المبين لما سبق، الثالثة: القياس؛ بيانه: كما أن للطلاق لفظ صريح، ولفظ كناية لا يتم إلا بنية فكذلك للخلع لفظ صريح، ولفظ كناية لا يتم إلا بنية، أو دلالة الحال، والجامع: أن كلًّا منهما فرقة.
(13)
مسألة: يصح الخلع بكل لغة فهم أهلها أنها سألت فراق زوجها بعوض، أو أنها تبرأه على أن يطلقها، ولا يُقيَّد ذلك بلغة معيّنة؛ للتلازم؛ حيث لم يقيد الشارع ذلك بلغة معينة فيلزم إجزاء أيِّ لغة يُفهم منها المقصود.
(14)
مسألة: لا يصح الخلع المعلَّق على شرط كأن تسأل الزوجة فراق زوجها على عوض فيقول: "إن بذلت لي كذا: فقد خالعتك" أو يقول: "إن جاء فلان من =
خلع طلاق، ولو واجهها) الزوج (به) روي عن ابن عباس، وابن الزبير، ولأنه لا يملك بضعها، فلم يلحقها طلاقه كالأجنبية
(15)
(ولا يصح شرط الرجعة فيه) أي: في الخلع، ولا شرط خيار، ويصح الخلع فيهما
(16)
(وإن خالعها بغير عوض): لم يصح؛ لأنه لا يملك فسخ النكاح لغير مقتضٍ يبيحه
(17)
، (أو) خالعها (بمحرم)
السفر فقد خالعتك" بل إنها إذا بذلت له العوض: يتم الخلع مباشرة بألفاظه السابقة الذكر؛ للتلازم؛ حيث إن الزوج إذا قبل منها العوض: فهو مقر بالخلع، فيلزم أن يخلعها مباشرة؛ لوجود موجبه، وهو قبول وقبض العوض.
(15)
مسألة: إذا تم الخلع والفراق بين الزوج وزوجته: فلا يلحق المعتدة بسبب الخلع - وهي المختلعة تلك - طلاق بأي حال: سواء كان قد واجهها به بأن قال "أنت طالق" أو لا بأن قال: "فلانة طالق"؛ لقاعدتين: الأولى: القياس، وهو من وجهين: أولهما: كما أن المطلقة المنقضية عدتها لا يلحقها طلاقه، فكذلك المختلعة مثلها، والجامع: أن كلًّا منهما لا تحل له إلا بنكاح جديد، ثانيهما: كما أن الأجنبية لا يلحقها طلاقه، فكذلك المختلعة مثلها والجامع: في كل منهما لا يملك بضعها، الثانية: قول الصحابي؛ حيث ثبت ذلك عن ابن عباس، وابن الزبير.
(16)
مسألة: إذا قبل الزوج الخلع، ولكن شرط الرجعة فيه، أو شرط الخيار فيه: فلا يصح ذلك الشرط، أي: يبطل الشرط، ويصح الخلع؛ للقياس؛ بيانه: كما لو طلق امرأته ثلاثًا وشرط الرجعة أو الخيار، فيتم الطلاق ولا يصح الشرط، فكذلك لو خالعها وشرط الرجعة أو الخيار، فإن الرجعة تتم، ولا يصح الشرط، والجامع: أن كلًّا من الطلاق بالثلاث والخلع لفظان يقتضيان: البينونة، فلا يجتمع ذلك مع شرط الرجعة والخيار.
(17)
مسألة: لا يصح الخلع بغير عوض؛ للتلازم؛ حيث إن الخلع فسخ لا يُحسب من عدد الطلاق بشرط: طلبها فراقه، وبذل العوض لأجل ذلك، ولا يملك الزوج فسخ النكاح بهذه الصفة من غير حاجة تبيح ذلك فيلزم: عدم صحة الخلع بغير طلبها ذلك =
يعلمانه كخمر، وخنزير، ومغصوب:(لم يصح) الخلع، ويكون لغوًا؛ لخلوه عن العوض
(18)
(ويقع الطلاق) المسؤول على ذلك (رجعيًا إن كان بلفظ الطلاق، أو
العوض الذي يُعتبر من علامات كون الفراق بين الزوجين وقع خُلْعًا، فإن قلتَ: يصح الخلع بغير عوض بأن تطلب المرأة فراق زوجها، فيجيبها من غير أن يسأل عن العوض وهي رواية عن أحمد، وهو قول مالك؛ للقياس؛ بيانه: كما يصح قطع النكاح بالطلاق من غير عوض، فكذلك يصح قطعه بالخلع من غير عوض والجامع: عدم العوض في كل. قلتُ: هذا يكون طلاقًا، ولا يكون خُلْعًا؛ لأن بذلها للعوض دليل على رغبتها الشديدة في فراقه مع تمسكه بها، فهذا هو الخلع المقصود شرعًا، أما مجرد طلبها للافتراق عنه فقط، ثم يجيبها: فليس فيه علامة الخلع وميزته فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في الخلع هل يكفي طلب المرأة للافتراق عن زوجها فقط أم يضاف إليه بذل العوض فيه؟ " فعندنا: لا بد من اجتماع الأمرين: "طلبها" و"بذل العوض" وعندهم: يكفي طلبها فقط.
(18)
مسألة: إذا خالعها على أن تدفع له شيئًا محرَّمًا كعوض عن الخلع كخمر، أو خنزير، أو مغصوب، أو مسروق: فلا يصح الخلع، ويكون لغوًا، أي: لا يُعتبر؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو خالعها بدون عوض لا يصح، فكذلك إذا خالعها على شيء لا يصح أن يكون عوضًا كالمحرمات والجامع: عدم وجود العوض الشرعي؛ لكون وجود العوض المحرم كعدمه، فإن قلتَ: يصح الخلع، وله عليها عوض المثل وهو قول الشافعي؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو أمهرها محرمًا فإن لها مهر المثل فكذلك لو خالعها على محرم: فإن له عليها عوض المثل، والجامع: أن كلًّا منهما معاوضة عن البضع قلتُ: هذا قياس فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ حيث إن دخول البضع في ملك الزوج متقوم بمثله، بخلاف مخالعتها فغير متقوم؛ لأن كل زوج يخالف الآخر في قدر العوض الذي يأخذه من زوجته لأجل مخالعتها، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين".
نيته)؛ لخلوه عن العوض
(19)
، وإن خالعها على عبد فبان حرًا، أو مستَحقًا: صحَّ الخلع، وله قيمته
(20)
، ويصح على رضاع ولده، ولو أطلقا، وينصرف إلى حولين، أو تتمتهما، فإن مات: رجع ببقية المدَّة: يومًا فيومًا
(21)
(وما صحَّ مهرًا) من عين مالية،
(19)
مسألة: إذا خالعها زوجها بلا عوض، أو دفعت له عوضًا محرمًا: فإنه يقع طلاقًا يحسب من عدد الطلقات، وله الرجعة فيه إذا وقع الخلع بلفظ "الطلاق" أو كنايته مع نية الطلاق، أما إن لم يكن بلفظ الطلاق، ولا كنايته فليس بشيء، أي: تستمر الزوجية على ما هي عليه بدون تغيير؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم وجود عوض شرعي - وهو شرط من شروط الخلع -: عدم تحقق الخلع، ويلزم من وجود لفظ "الطلاق" أو كنايته مع نيته: تحقق الطلاق وأحكامه، ويلزم من عدم وجود العوض، وعدم لفظ الطلاق وكنايته مع النية: عدم وجود خلع، ولا طلاق، واستمرار الزوجية على ما هي عليه.
(20)
مسألة: إذا خالعها زوجها على أن تعطيه عبدًا فبان حرًا، أو بان أنه ليس ملكًا لها أو مغصوبًا أو مسروقًا: فإن الخلع يصح ويستحق الزوج قيمته؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو أعطاها عبدًا كمهر لها فبان أن العبد المسمَّى حرًا، أو ليس ملكًا له: فإنه يصح المهر والنكاح، فكذلك الحال هنا مثل ذلك والجامع: أن كلًّا منهما معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ وهي حماية حق المخالع وهو الزوج.
(21)
مسألة: يصح الخلع على رضاع ولده: سواء كان منها، أو من غيرها مدَّة معلومة، وإن اشترط الزوج ذلك الرضاع لمخالعته لها وأطلق: فإنها ترضعه حولين كاملين إن وقع الخلع بعد الوضع، أو قبله وإن وقع في أثناء الحولين: فإنها تتمهما، وإن مات الولد قبل تمام الحولين: فإن الزوج يأخذ قيمة الرضاع المشروط كل يوم يأخذ قيمة رضاعه حتى ينتهي الحولان؛ للتلازم؛ حيث إن الرضاع يصح أن يكون عوضًا فيلزم أن يصح الخلع عليه، ويلزم من كون =
ومنفعة مباحة: (صح الخلع به)؛ لعموم قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
(22)
(ويكره) خلعها (بأكثر مما أعطاها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم وفي حديث جميلة: "ولا يزداد" ويصح الخلع إذًا: لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
(23)
(وإن خالعت
الرضاع لا يزيد عن حولين: أن يُحمل عليهما إذا أطلق الزوج والزوجة ذلك الشرط، ويلزم من كون الرضاع يتم يومًا فيومًا: أن يأخذ الزوج قيمة كل يوم بحسبه حتى تنتهي السنتان من حين موت الولد؛ لكونه ثبت منجمًا ومقسمًا على أيام، فلا يستحقه كله معجَّلًا.
(22)
مسألة: كل شيء قد صح دفعه مهرًا وصداقًا للمرأة من عين مال كدراهم، وذهب، وفضة، ودار، وعبد وفرش، أو منفعة مباحة كتعليم قرآن، أو فقه، أو أصول فقه، أو أي علم شرعي، أو صناعة مباحة: فإنه يصح أن تدفعه المرأة عوضًا لمخالعتها من زوجها؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} حيث إن "ما" موصولة، وهي من صيغ العموم، فيشمل كل مال، أو منفعة، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه تيسير على المرأة في خلع نفسها بأي شيء حتى تتخلص من ذلك الزوج.
(23)
مسألة: يجوز أن تخلع نفسها بعوض أكثر مما دفعه لها وأعطاها إياه كمهر بدون كراهة؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} حيث إن "ما" موصولة، وهي من صيغ العموم، فدل على أن كل ما تدفعه المرأة له يصلح أن يكون عوضًا: سواء كان أكثر من صداقها ومهرها أو أقل، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه توسعة على المرأة، فإن قلتَ: يكره أن تدفع المرأة أكثر مما أعطاها كمهر لها لأجل الخلع وإن وقع فيصح الخلع، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لمن خالع زوجته بعد طلبها": "ولا تزداد" أي: خذ عوضًا منها، لكن لا تزد عن صداقك الذي دفعته لها وحملوا النهي هنا على الكراهة. قلتُ: إن هذا الحديث معارض لعموم الكتاب، =
حامل بنفقة عدَّتها: صح) ولو قلنا: النفقة للحمل؛ لأنها في التحقيق في حكم المالكة لها مدَّة الحمل
(24)
(ويصح) الخلع (بالمجهول) كالوصية، ولأنه إسقاط لحقه من البضع، وليس بتمليك شيء، ولإسقاط يدخله المسامحة
(25)
(فإن خالعته على حمل شجرتها، أو) حمل (أمتها، أو ما في يدها، أو بيتها من دراهم أو متاع، أو على عبد) مطلق، ونحوه:(صح) الخلع وله ما يحصِّل، وما في بيتها أو يدها (وله مع عدم الحمل) فيما إذا خالعها على نحو حمل شجرتها (و) مع عدم (المتاع) فيما إذا خالعها على ما في بيتها من المتاع (و) مع عدم (العبد) لو خالعها على ما في بيتها من عبد (أقل مسماه) أي: أقل ما يطلق عليه الاسم من هذه الأشياء لصدق الاسم به، وكذا: لو خالعها على عبد مبهم أو نحوه، له أقل ما يتناوله الاسم (و) له (مع عدم الدراهم) فيما إذا خالعها على ما بيدها من الدراهم (ثلاثة) دراهم، لأنها أقل الجمع
(26)
.
وإذا حصل ذلك: فإنه يقدم الكتاب على السنة هنا، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض الكتاب مع السنة". تنبيه: إن أخذ أكثر من صداقها: فإن هذا ليس من مكارم الأخلاق قاله مالك.
(24)
مسألة: إذا خالعت زوجة حامل زوجها، واشترطت: أن يكون العوض: هو نفقة عدّتها: فإن ذلك يصح؛ للتلازم؛ حيث إن النفقة تصلح أن تكون عوضًا: فيلزم أن يصح الخلع بها، والنفقة هي ملك للحامل مدَّة حملها.
(25)
مسألة: يصح أن تخالعه بعوض مجهول أو بمعدوم ينتظر وجوده كعبد من عبيدها، أو دار من دورها، أو ما تحمل به هذه الناقة: فإن ذلك يصح؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الوصية تصح بالمجهول وبالمعدوم الذي ينتظر وجوده فكذلك العوض في الخلع يصح أن يكون مجهولًا والجامع: أن كلًّا منهما إسقاط لحق؛ رجاء دفع مفسدة أو جلب مصلحة، وهذا يدخله المسامحة بين الناس عادة فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه توسعة على النساء.
(26)
مسألة: إذا خالعته بعوض مجهول المقدار كأن تقول: "سأدفع لك ما تحمله نخلتي =
(فصل): (وإذا قال) الزوج لزوجته أو غيرها (متى) أعطيتني ألفًا (أو إذا) أعطيتني ألفًا (أو إن أعطيتني ألفًا: فأنتِ طالق: طلقت) بائنًا (بعطيته) الألف (وإن تراخى) الإعطاء؛ لوجود المعلَّق عليه، ويملك الألف بالإعطاء
(27)
، وإن قال: "إن
هذه من تمر" أو "ما تحمل به أمتي من ولد" أو "ما تحمله هذه البقرة" أو "ما في داري من دراهم" أو ما في داري من متاع وأثاث" أو "سأدفع لك عبدًا" وأطلقت: فإن الخلع يصح، ويستحق ما قالته من تلك الصور ويأخذه ويكون عوضًا له عن فراقها، فإن لم تحمل النخلة، أو الأمة، أو البقرة، أو لم يكن في بيتها متاع، أو لم يكن عندها عبد، أو كان العبد مطلقًا مبهمًا: فإنه يستحق أقل ما يطلق عليه اسم التمر، وأقل ما يطلق عليه اسم الحمل من أمة أو بقرة، وله أقل ما يطلق عليه اسم المتاع، وأقل ما يطلق عليه اسم العبد، وإن لم يكن عندها دراهم: فإنه يأخذ ثلاثة دراهم؛ للتلازم؛ حيث إن أقل ما يطلق عليه الاسم هو المستحق عادة؛ لتناول الاسم له ولصدق الاسم عليه، فيلزم ذلك، ويلزم من كون أقل الجمع ثلاثة: أن يأخذ ثلاثة دراهم، كما لو أوصت له بمتاع، أو حمل، أو دراهم: فإنه يأخذ أقل ما يطلق عليه اسم المتاع والحمل، والدراهم كما فصَّلته في كتابي:"أقل الجمع عند الأصوليين".
(27)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن أعطيتيني ألفًا أو: إذا أعطيتيني ألفًا، أو: متى أعطيتيني ألفًا: فأنتِ طالق" أو قال الزوج لزيد: "إذا أعطتني زوجتي ألفًا فهي طالق": فإنها إذا أعطته ألفًا: فإنها تطلق طلاقًا بائنًا: سواء كان ذلك الإعطاء منها ناجزًا، أو متراخيًا أو متأخرًا عن قوله بمدة، وإذا أعطته الألف: فإنه يملكه بالقبض؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود المعلق عليه وهو الشرط، وهو: إعطاؤها إياه ألفًا: وجود المعلَّق، وهو المشروط، وهو الطلاق، ويلزم من إعطائها إياه الألف وقبضه له: ملكه إياه -.
أعطيتني هذا العبد: فأنتِ طالق" فأعطته إياه: طلقت، ولا شيء له إن خرج معيبًا
(28)
، وإن بان مستحق الدم فقبل: فأرش عيبه
(29)
ومغصوبًا، أو حرًا هو أو بعضه: لم تطلق؛ لعدم صحة الإعطاء
(30)
، وإن قال:"أنتِ طالق، وعليك ألف، أو بألف" ونحوه: فقبلت بالمجلس: بانت، واستحقه، وإلا: وقع رجعيًا، ولا ينقلب
(28)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن أعطيتيني هذا العبد: فأنت طالق" فأعطته إياه: فإنها تطلق فور تسلُّمه إياه: سواء كان ذلك العبد سليمًا أو معيبًا ظاهرًا كأعمى، أو أعرج أو لا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تعيين الزوج للعبد بالإشارة، وإعطاء الزوجة للزوج إياه: أن تطلق إذا استلمه الزوج، وتبرأ ذمة الزوجة وإن كان العبد الذي أعطته إياه معيبًا؛ لكونه قد عيّنه بالإشارة.
(29)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن أعطيتيني هذا العبد: فأنتِ طالق" فأعطته إياه، فبان أن العبد قد جنى على غيره: فقبله الزوج على ما هو عليه فطلقها، فإنها تطلق، ويجب عليه أن تدفع لزوجها أرش ذلك العيب: فإن كانت قيمته وهو مستحق الدم ألف درهم، وقيمته وهو غير مستحق الدم ألفًا ومائتين: فإن الزوجة تدفع للزوج العبد هذا، ومائتي درهم؛ للتلازم؛ حيث يلزم من خفاء كونه مستحقًا لدم: أن تُلزم الزوجة بوضع أرش ذلك العيب؛ لأن الشرط أن يكون عبدًا سليمًا فبان غير ذلك، فلا يتم وفاؤها بالشرط إلا بدفع ذلك الأرش، فلزم من باب:"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".
(30)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن أعطيتيني هذا العبد فأنتِ طالق" فأعطته إياه، فبان أن العبد مغصوب، أو أنه حر وليس بعبد، أو مبعَّض - أي: بعضه حر، وبعضه عبد -: فإن الزوجة لا تطلق، للتلازم؛ حيث يلزم من عدم صحة الإعطاء منها -؛ حيث أعطته مغصوبًا، أو حرًا أو مبعَّضًا -: عدم الشرط - وهو عدم صحة الإعطاء حيث إن الذي أعطته لا تملكه -: عدم المشروط، وهو وقوع الطلاق، فلا يقع لذلك.
بائنًا لو بذلته بعدُ
(31)
(وإن قالت: اخلعني على ألف أو) اخلعني (بألف، أو) اخلعني (ولك ألف: ففعل) أي: خلعها، ولو لم يذكر الألف:(بانت، واستحقها) من غالب نقد البلد، إن أجابها على الفور؛ لأن الجواب كالمعاد في الجواب
(32)
(و) إن قالت
(31)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق وعليك ألف" أو قال: "أنتِ طالق بألف" أو قال: "أنتِ طالق على ألف" فقالت وهي في المجلس: "قبلت": فإنه يكون طلاق بائن لا يملك رجعتها ويستحق الزوج الألف، أما إن لم تقبل في المجلس: فإن الطلاق يقع عليها رجعيًا، يحسب من عدد الطلاق، وله الرجوع قبل قبولها ولا يستحق الألف، ولو أعطته الألف بعد ذلك المجلس لا ينقلب خلعًا فلا تكون بائنًا، للقياس؛ وهو من وجهين: أولهما: كما أنها لو سألت طلاقها بعوض: ثم أجابها: فإنه يكون بائنًا، ويستحق الزوج الألف، فكذلك الحال هنا والجامع: أن كلًّا منهما طلاق وقع على عوض، ثانيهما: كما أنها لو أعطته الألف بعد المجلس: فإنه يقع طلاقًا رجعيًا، فكذلك الحال فيما لو لم تقبله في المجلس، ولا يستحق الألف عليه والجامع: وقوع القبول منها في غير المجلس الذي طلبته منه.
(32)
مسألة: إذا قالت الزوجة لزوجها: "اخلعني على ألف" أو قالت له: "اخلعني بألف" أو قالت: "اخلعني ولك ألف" فأجابها الزوج وخلعها قائلًا: "خلعتكِ" على الفور ومباشرة: فإنها تكون مختلعة، وتكون بائنًا، ويستحق الزوج الألف من غالب ما يتعامل به بلدهما من نقود، ولو لم يذكر الزوج الألف للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال المشتري: "بعني عبدك بألف" فقال البائع: "بعتك إياه": فإن البائع يستحق الألف ولو لم يذكرها، ويكون من نقد البلد الغالب فكذلك الحال هنا: فإن الزوج يستحق الألف، وتحصل الفرقة لزوجته، وهذا كله من فروع قاعدة:"السؤال كالمعاد في الجواب" فالزوج إذا قال: "خلعتك" فكأنه قال: "خلعتكِ بألف".
(طلقني واحدة بألف، فطلَّقها ثلاثًا: استحقها)؛ لأنه أوقع ما استدعته وزيادة
(33)
(وعكسه بعكسه) فلو قالت: "طلقني ثلاثًا بألف" فطلَّق أقلَّ منها: لم يستحق شيئًا؛ لأنه لم يجبها لما بذلت العوض في مقابلته
(34)
(إلا في واحدة بقيت) من الثلاث، فيستحق الألف، ولو لم تعلم ذلك؛ لأنها كملت، وحصَّلت ما يحصل بالثلاث: من
(33)
مسألة: إذا قالت الزوجة لزوجها: "طلقني طلقة واحدة بألف" فطلَّقها ثلاث طلقات: فإنها تطلق، ويستحق الألف ويكون طلاقًا بائنًا لا يملك رجعتها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تطليقه إياها بالثلاث: طلاقها، واستحقاقه الألف؛ لكونه قد أوقع لها ما طلبته وزيادة؛ لأن الثلاث واحدة واثنتان.
(34)
مسألة: إذا قالت الزوجة لزوجها: "طلقني ثلاثًا بألف" فطلَّق أقلَّ منها: واحدة، أو اثنتان: فإن الزوج لا يستحق شيئًا، ووقع الطلاق رجعيًا؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال في مسابقة الرمي مثلًا: من أصاب الهدف خمس مرات فله ألف، فأصاب زيد أقل من الخمس: فإنه لا يستحق الألف، فكذلك الحال هنا والجامع: أنه في كل منهما قد بُذل عوض في مقابلة شيء لم يحصل، فلا يحصل العوض، فإن قلتَ: إن طلبت بالألف أن يطلقها ثلاثًا فطلقها واحدة: فإن الزوج يأخذ ثلث الألف، وإن طلقها اثنتين: فإنه يستحق أخذ ثلثي الألف، وهذا قول الجمهور؛ للقياس؛ بيانه: كما أن السيد لو قال: من وجد عبيدي فله ألف، فوجد زيد ثلثهم: فإنه يستحق ثلث الألف، فكذلك الحال هنا والجامع: أنه في كل منهما قد استدعي منه فعلًا بعوض، فإذا فعل بعضه استحق بقسطه قلتُ: هذا لا يُسلَّم؛ لأنه قد يكون مقصد الزوجة في طلبها لطلاقها ثلاثًا: أن تكون بائنًا، وتحرم عليه حتى تنكح زوجًا غيره فإذا أخذ الزوج بعض الألف: أخذه بدون مقابل الشيء الذي قصدته الزوجة، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين".
البينونة، والتحريم حتى تنكح زوجًا غيره
(35)
(وليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير) والمجنون (ولا طلاقها)؛ لحديث: "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق" رواه ابن ماجه، والدارقطني
(36)
(ولا) للأب (خلع ابنته بشيء من مالها)؛ لأنه لا حظَّ لها في ذلك، وهو: بذل للمال في غير مقابلة عوض مالي، فهو كالتبرُّع، وإن بذل العوض من ماله: صح كالأجنبي
(37)
، ...............................
(35)
مسألة: إذا قالت الزوجة لزوجها: "طلقني ثلاثًا بألف" ولم يكن قد بقي من طلاقها إلا واحدة، فطلَّقها تلك الطلقة الواحدة الباقية: فإنه يتم طلاقها ثلاثًا، ويستحق الألف: سواء كانت عالمة أو لا؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو طلَّقها ثلاثًا على طلبها: فإنه يستحق الألف فكذلك لو لم يبق لها إلا طلقة واحدة - عالمة أو لا - فطلقها واحدة وهي الباقية: فإنه يستحق الألف، والجامع: أن مقصدها من طلبها أن يطلقها ثلاثًا قد تحقق في كل؛ حيث كملت الثلاث، وبانت، ولا يصح أن ينكحها إلّا بعد زوج غيره.
(36)
مسألة: لا يصح ان يخلع الأب زوجة ابنه الصغير والمجنون، والسفيه، ولا أن يطلقها منه، والسيد لا يطلق ولا يخلع زوجة عبده الصغير؛ للسنة القولية: حيث قال تعالى: "الطلاق لمن أخذ بالساق"، فجعل الطلاق للزوج فقط، والخلع كالطلاق؛ لعدم الفارق، من باب:"مفهوم الموافقة"، وهذا يدل بمفهوم الصفة على أن غير الزوج - من أب، أو وصيه، أو ولي أو سيد عبد - لا يملكون الطلاق والخلع.
(37)
مسألة: لا يصح أن يخلع الأب ابنته بشيء من مالها الخاص بها بدون إذنها، ولا يصح أيضًا طلاقها بشيء من مالها أما إذا بذل العوض من ماله: فيصح؛ للقياس، وهو من وجهين: أولهما: كما أنه لا يصح للأب أن يتبرع من مال ابنته، فكذلك لا يصح أن يخلع ابنته أو يطلقها بشيء من مالها، والجامع: أنه في كل منهما لا نصيب ولا حظ لها، وهو في كل منهما بذل للمال في غير مقابلة =
ويحرم خلع الحيلة ولا يصح
(38)
(ولا يُسقط الخلع غيره من الحقوق) فلو خالعته على شيء: لم يسقط مالها من حقوق زوجية وغيرها بسكوت عنها وكذا: لو خالعته ببعض ما عليه: لم يسقط الباقي كسائر الحقوق
(39)
(وإن علَّق طلاقها بصفة) كدخول الدار
عوض مالي منها، ثانيهما: كما يصح الخلع إذا طلب رجل أجنبي من رجل آخر أن يخلع زوجته بعوض بذله له، فكذلك يصح للأب أن يخلع ابنته بعوض يدفعه الأب للزوج من ماله، والجامع: عدم التعدّي على حقوق الآخرين في كل.
(38)
مسألة: يحرم خلع الحيلة ولا يصح، وصورته: أن يقول الزوج في رجب مثلًا: "أنتِ طالق ثلاثًا عند دخول رمضان مثلًا" ثم يخلعها قبل دخول رمضان على عوض؛ حذرًا من وقوع الطلاق، فإذا خرج رمضان: عقد عليها؛ فهذا كله لا يصح؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لا يصح نكاح المحلل - وهو أن يطلق زوج زوجته ثلاثًا، ثم يندمان، فيؤتى بشخص يتفق معه على أن يتزوجها ثم يطلقها فورًا، لتحل للزوج الأول وقد سبق بيانه - ولا تحل للزوج الأول بعد ذلك المحلل فكذلك لا يصح خلع الحيلة والجامع: أن كلًّا منهما لم يُقصد منه حكمه حقيقة، وإنما قصد به بقاء المرأة مع زوجها مع أخذه للعوض، كما قصد بنكاح المحلل أن يطلقها؛ لتعود إلى الأول؛ فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ وهي قطع التحايل لظلم بعض الناس لبعض.
(39)
مسألة: إذا وقع الخلع بين الزوجين بشروطه السابقة: فإنه لا يسقط الحقوق التي تكون عادة بين الزوجين كمهر، ونفقة، وقرض، ولو خالعته ببعض ما عليه لها فإنه يبقى الباقي في ذمته لها: سواء، سكتا عن بيان ذلك أو بيّناه؛ للقياس؛ بيانه: كما أن سائر الحقوق بينهما لا تسقط بفرقة الطلاق، فكذلك لا تسقط بفرقة الخلع والفسخ، والجامع: أن تلك الحقوق ثابتة في الذمة قبل الطلاق والخلع.
(ثم أبانها، فوجدت) الصفة حال بينونتها (ثم نكحها) أي: عقد عليها بعد وجود الصفة (فوجدت) الصفة (بعده) أي: بعد النكاح: (طلقت)، وكذا: لو حلف بالطلاق، ثم بانت، ثم عادت الزوجية، ووجد المحلوف عليه فتطلق؛ لوجود الصفة، ولا تنحل بفعلها حال البينونة، ولو كانت الأداة لا تقتضي التكرار؛ لأنها لا تنحل إلّا على وجه يحنث به؛ لأن اليمين حل وعقد، والعقد يفتقر إلى الملك، فكذا الحل، والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال البينونة، فلا تنحل اليمين به (كعتق): فلو علَّق عتق قنِّه على صفة، ثم باعه، فوجدت، ثم ملكه، ثم وجدت: عتق؛ لما سبق، (وإلا) توجد الصفة بعد النكاح والملك:(فلا) طلاق، ولا عتق بالصفة حال البينونة، وزوال الملك؛ لأنهما إذًا ليسا محلًا للوقوع
(40)
.
(40)
مسألة: إذا علَّق الزوج طلاق امرأته بصفة، ثم أبانها بفسخ، فوجدت تلك الصفة حال البينونة، ثم عقد عليها بعد وجود تلك الصفة، أو نكحها، ثم وجدت الصفة: فإنها لا تطلق: فمثلًا: لو قال زوج لزوجته: "إن دخلت الدار فأنت طالق" ثم أبانها بخلع وفسخ بعد ذلك، ثم دخلت الدار بعد البينونة تلك، وعقد نكاحها: فإنها لا تطلق، أو لما عقد نكاحها دخلت الدار: فإنها لا تطلق، وهذا مذهب الجمهور؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال لأجنبية: قبل أن يتزوج بها: "أنتِ طالق إن دخلتِ الدار" ثم تزوجها ودخلت الدار: فإنها لا تطلق، فكذلك الحال هنا، والجامع: أنه في كل منهما قد وجد الإيقاع قبل النكاح الجديد فلم يقع، فلا تعود الصفة التي أوقعها قبل أن يعقد عليها، ويكون وجودها كعدمها، فإن قلتَ: بل إنها تطلق في تلك الصورة، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال لعبد من عبيده: "أنت حر إن دخلت الدار" فباعه بعد ذلك، فوجدت تلك الصفة، وهي: أن العبد دخل الدار، ثم اشتراه سيده السابق، ثم دخل الدار: فإن العبد يكون حرًا، فكذلك الحال هنا، قلتُ: إن الأصل المقاس عليه لا يُسلَّم، حيث إن العبد أيضًا لا يعتق في تلك الصورة؛ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقد نصّ الإمام أحمد على ذلك، وكل ذلك لأجل أن الصفة لا تعود، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين".
هذه آخر مسائل باب "الخلع" ويليه كتاب: "الطلاق".
كتاب الطلاق
وهو في اللغة: التخلية، يقال: طلقت الناقة: إذا سرحت حيث شاءت، والإطلاق: الإرسال، وشرعًا: حل قيد النكاح أو بعضه
(1)
(يباح) الطلاق؛ (للحاجة) كسوء خلق المرأة، والتضرر بها مع عدم حصول الغرض
(2)
(ويكره) الطلاق؛ (لعدمها) أي: عند عدم الحاجة؛ لحديث: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"، ولاشتماله على إزالة النكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها
(3)
كتاب الطلاق
بيان تعريفه وحكمه ومن يصح طلاقه ومن لا يصح طلاقه، والتوكيل فيه، والطلاق السني والبدعي وصريح الطلاق وكنايته، وما ليس منهما
وفيه: ثمان وخمسون مسألة:
(1)
مسألة: الطلاق لغة: التخلية، والتسريح، والإرسال، يقال:"طلقت الناقة فانطلقت" إذا خُلِّي سبيلها، وإذا سرحت تذهب حيث شاءت، وهو في الاصطلاح الشرعي: أن يحل الزوج قيد نكاحه بامرأة بإيقاع نهاية عدده - وهي: ثلاث طلقات - أو يحل بعض قيده بإيقاع ما دون نهاية عدد الطلقات كطلقة، أو اثنتين فقط.
(2)
مسألة: يُباح الطلاق؛ لاقتضاء حاجة الزوج إليه كأن يسوء خلق المرأة، أو تسوء عشرتها، وعدم القدرة على الصبر عليها، مع عدم حصول المقصد من الزواج؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه حماية الزوج من الأذى.
(3)
مسألة: يكره الطلاق إذا كانت حال الزوجين مستقيمة، لا تعكير فيها، ولم توجد حاجة ماسَّة إليه؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" =
(ويُستحب؛ للضرر) أي: لتضررها باستدامة النكاح في حال الشقاق، وحال تحوج المرأة إلى المخالعة؛ ليزول عنها الضرر، وكذا: لو تركت صلاة، أو عفَّة، أو نحوها، وهي كالرَّجل، فيسن أن تختلع إن ترك حقًا لله تعالى
(4)
(ويجب) الطلاق (للإيلاء) على
حيث يلزم من بغض الله له، ولفظ "الحلال": كراهيته في هذه الحالة، فإن قلتَ: لِمَ كُرِه هنا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إنه إزالة للنكاح المشتمل على مصالح، ودرء مفاسد قد سبق بيانه. تنبيه: بعض علماء الحديث قد ضعَّف الحديث السابق - كما في الإرواء (7/ 106) -.
(4)
مسألة: يُستحب الطلاق في حالات: أولها: إذا كان الشقاق، والاختلاف بين الزوجين مستديمة. ثانيها: إذا كانت الزوجة دائمة الترك لنوافل ومستحبات الإسلام، ثالثها: إذا كانت تبغضه لذاته، واحتاجت الافتراق عنه؛ نظرًا لتضررها بالبقاء عنده، مما أدَّى بها إلى طلب المخالعة منه، فيُستحب أن يطلقها؛ لئلا يضطرها إلى مخالعته، رابعها: إذا كانت الزوجة ليست عفيفة، لا تستحي، تنظر إلى الرجال الأجانب أو تكلمهم في الهاتف أو نحو ذلك مما يجعل زوجها في ريبة منها؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث سأل رجل رسول الله عليه السلام قائلًا: إن زوجتي لا ترد يد لامس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "طلِّقها" فأمره بطلاقها؛ نظرًا لخفَّة عفَّتها، وعدم تسترها من الأجانب، الثانية: المصلحة؛ حيث إن الاختلافات بينهما الدائمة قد تورث الأمراض، وبغضها له وتركها لنوافل الإسلام الدائم، وعدم عفتها: قد يؤدي بها إلى فسادها، وإفسادها فراشه، وزناها وإلحاقها به ولدًا من غيره قال الإمام أحمد: لا ينبغي له إمساكها؛ لكونه لو أمسكها والحالة تلك لكان ذلك نقص في دينه ويكون ديوثًا. تنبيه: قوله: "وكذا لو تركت صلاة" سيأتي بيانه في المسألة الآتية.
[فرع]: يُستحب أن تختلع منه إذا كان الزوج تاركًا حقًا لله تعالى كأن يكون غير عفيف أو نحو ذلك.
الزوج المولي إذا أبى الفيئة (ويحرم للبدعة) ويأتي بيانه
(5)
(ويصح من زوج مكلَّف و) زوج (مميز يعقله) أي: الطلاق بأن يعلم أن النكاح يزول به؛ لعموم حديث: "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق" وتقدَّم
(6)
(ومن زال عقله معذورًا) كمجنون، ومغمى عليه،
(5)
مسألة: يجب الطلاق في حالات: أولها: إذا تركت واجبًا من واجبات الله تعالى عمدًا كالصلاة، والزكاة، والصوم ونحو ذلك، ثانيها: إذا غلب على ظنه أنها تزني، ثالثها: إذا آلى الزوج منها، ولم يرجع ولم يطأ بعد الأربعة الأشهر، رابعها: إذا رأى الحكمان من أهله، ومن أهلها: أن افتراق الزوجين أصلح لهما: فيجب أن يفترقا بالطلاق؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} إلى قوله: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي: إذا لم يجامع الجماع الشرعي بعد الأربعة الأشهر: فإن الحاكم يأمره بالطلاق وسيأتي بيانه في كتاب "الإيلاء" الثانية: المصلحة؛ حيث إن الزوجة إذا تركت واجبًا من واجبات الله عمدًا فهي كافرة، وإذا غلب على ظن زوجها أنها تزني، أو آلى منها ولم يجامعها بعد الأربعة الأشهر أو رأى الحكمان أن افتراقهما أصلح لهما: ففي هذه الأحوال: فراقها وتركها ضروري؛ ليسلم على دينه، ولئلا يكون ديوثًا: فوجب.
[فرع]: يجوز للزوج أن يعضل زوجته إذا كانت فاسدة أو غلب على ظنه فسادها، والتضييق عليها لتفتدي منه، وتعطيه ما أخذته من مهر ونحوه وقد سبق بيان ذلك. [فرع ثان]: يحرم الطلاق إذا كانت زوجته حائضًا، أو في طهر جامعها فيه، ويُسمَّى طلاق البدعة، وسيأتي بيانه بالتفصيل إن شاء الله.
(6)
مسألة: يصح طلاق مكلَّف - بالغ عاقل -، مختارُ ويقع؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه يصح بيعه، فكذلك يصح طلاقه، والجامع: أن كلًّا منهما عقد معاوضة صادر من جائز التصرف.
[فرع]: لا يصح طلاق صبي لم يبلغ: سواء كان مميزًا أو لا؛ لقاعدتين: =
ومن به برسام، أو نشاف، ونائم، ومن شرب مسكرًا كرهًا، أو أكل بنجًا ونحوه؛ لتداو أو غيره:(لم يقع طلاقه)؛ لقول علي رضي الله عنه: "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه" ذكره البخاري في "صحيحه"
(7)
(وعكسه الآثم) فيقع طلاق السكران
الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ" فبين عدم جواز تصرفه في جميع الأمور وهو صبي، ودلّ مفهوم الغاية منه على أنه إذا بلغ: صحت تصرفاته ومنها الطلاق، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن المجنون لا يصح طلاقه ولا يقع فكذلك الصبي مثله، والجامع: أن كلًّا منهما غير مكلَّف، فإن قلتَ: إن الصبي الذي يعقل الطلاق، أي: يعرف أن الطلاق سيفرق بينه وبين زوجته، ويحرمها عليه: فإنه يصح طلاقه ويقع، وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو رواية عن أحمد؛ لقواعد؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق" حيث إن الصبي ما دام أنه أخذ بساق المرأة في وطئها فمن حقه أن يطلقها، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن البالغ العاقل يصح طلاقه فكذلك الصبي الذي يعقل الطلاق يصح طلاقه والجامع: وقوع طلاق من عاقل صادف محله في كل قلتُ: أما الحديث: فليس المراد منه ما قلتم، وإنما المراد منه: أن الطلاق لا يصح إلّا من الزوج فقط - وهو البالغ العاقل المختار - فلا يصح أن يُطلق عنه أبوه، أو سيده، ويدل على هذا التأويل: أن الحديث ورد في سيد أراد أن يطلق زوجة عبده، أما القياس: فهو فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن البالغ العاقل يدرك المقصود من الطلاق ويعرف أثره، أما الصبي - ولو كان عاقلًا - فلا يدرك ذلك غالبًا، ونظرًا لهذه الغلبة، وعدم علمنا بوقت عقل ذلك الصبي وتمييزه: حكم بأن تصرفه لا يجوز، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض السنتين" و"تعارض القياسين" كما سبق.
(7)
مسألة: لا يصح طلاق من زال عقله بعذر كمن جُنَّ، أو أُغمي عليه، أو من =
طوعًا، ولو خلط في كلامه، أو سقط تمييزه بين الأعيان، ويؤاخذ بسائر أقواله، وكل فعل يُعتبر له العقل كإقرار، وقذف، وقتل، وسرقة
(8)
(ومن أكره عليه) أي: على
أصابه مرض جعله لا يدرك من حوله ولا يفرق بينهم كمن ألمَّ به برسام، أو النائم، أو السكران المكره على شرب المسكر، أو من أكل أي دواء جعله يفقد توازنه أو الذاكرة، أو المعتوه وهو من اختلطت عليه حقائق الأمور، ونحو هؤلاء؛ لقواعد: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ" حيث دل أن من زال عقله، أو له عقل ولكن لا يدرك به حقائق الأمور كالمجنون، والنائم، والصبي: لا يُكلَّف بالتكاليف الشرعية، فلا تصح تصرفاته، ومن لا تصح تصرفاته: فلا تؤثر في شيء، ومنها الطلاق، وكل ما ذكرنا من الأمثلة السابقة تلحق بالمجنون، والنائم، ونحوهما بجامع: زوال العقل وهو آلة التمييز لعذر من باب "مفهوم الموافقة" الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنه يُشترط في البائع أن يكون تام العقل فكذلك في المطلِّق يُشترط له ذلك، والجامع: أنه في كل منهما إزالة للملك، فلا بدَّ من عقل يدرك ذلك، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث قال بذلك عثمان وقال علي: "كل الطلاق جائز إلّا طلاق المعتوه" فلا يصح طلاق المعتوه؛ لأن الاستثناء من الإثبات نفي، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ وهي حماية الرجل من أن تفارقه زوجته بكلمة الطلاق التي قد يقولها وهو لا يدرك مرادها ومقصدها.
(8)
مسألة: يصح ويقع طلاق السكران - وهو الذي يشرب ما يسكره مختارًا لغير عذر فيجعله يخلط في كلامه، ولا يفرق بين ردائه ورداء غيره، أو متاعه ومتاع غيره، ويتكلم ويفضح أسراره - ويؤاخذ ويُعاقب بسائر أقواله: من حق أو باطل، وما يؤاخذ به العاقل يؤاخذ به هذا السكران كإقراراته، وعتقه، ونذره وبيعه، وقذفه، وقتله، وسرقته، وزناه، وظهاره، ووقفه، وعاريته، وقبضه وهو مذهب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الجمهور؛ لقواعد: الأولى: القياس؛ وهو من وجوه: أولها: كما أن القاذف الصاحي يعاقب بالحد وهو جلده ثمانون جلدة، فكذلك السكران يُعاقب على سكره بجلده، وإذا كان يُعاقب بذلك: فهو يُعامل معاملة الصاحي؛ حيث إن خالدًا قد أرسل إلى عمر قائلًا: إن الناس قد احتقروا حد شرب الخمر، فقال عمر للمرسَل: اسأل هؤلاء - وكان عنده عثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير - فقال علي:"نراه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فأرى أن عليه حد المفترين" فقال عمر للمرسَل "أبلغ ما قالوه لصاحبك" فجعلوه كالصاحي ثانيها: أنه كما يقع طلاق الصاحي، فكذلك يقع طلاق السكران والجامع: أن كلًّا منهما طلاق من مكلَّف غير مكره صادف ملكه فوقع، ثالثها: أنه كما أن السكران يقتل بالقتل، وتقطع يده إذا سرق فكذلك يقع طلاقه والجامع: أن كلًّا منهما فيه عقوبة، الثانية: قول الصحابي؛ حيث قال علي: "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه" والسكران المختار يدخل في عموم "كل"، وقال ابن عباس:"طلاق السكران جائز إن ركب معصية من معاصي الله نفعه ذلك" حيث إنه يشير إلى أنه يقع طلاقه إن شرب المسكر وهو مختار، وقد روي ذلك عن معاوية أيضًا، الثالثة: المصلحة؛ حيث إن الشخص إذا علم أن جميع تصرفاته في حال سكره ستكون عليه، وسيُعاقب عليها من طلاق وقتل، وسرقة: فإنه سيمتنع عن شرب أيِّ مسكر، وبهذا سيصلح المجتمع الإسلامي، وفي هذا جلب مصالح ودفع مفاسد لا تحصى، فإن قلتَ: لا يقع طلاق السكران المختار - وهو رواية عن أحمد؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن المجنون، والنائم، والمكره لا يقع طلاقهم فكذلك السكران المختار لا يقع طلاقه، والجامع: أن كلًّا منهم قد زال عقله الذي هو شرط التكليف، أو مفقود الإرادة كالمكره الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك ثبت عن عثمان قلتُ: أما القياس: فهو فاسد؛ لأنه قياس =
الطلاق (ظلمًا) أي: بغير حق، بخلاف مول أبي الفيئة فأجبره الحاكم (بإيلام) أي: بعقوبة من ضرب، أو خنق، أو نحوهما (له) أي: للزوج (أو لولده، أو أخذ مال يضره، أو هدَّده بأحدهما) أي: أحد المذكورات من إيلام له، أو لولده، أو أخذ مال يضرّه (قادر) على ما هدَّده به بسلطة، أو تغلب كلص ونحوه (يظن) الزوج (إيقاعه) أي: إيقاع ما هدَّده (به، فطلَّق تبعًا لقوله: لم يقع) الطلاق، حيث لم يرفع عنه ذلك حتى يطلق؛ لحديث عائشة مرفوعًا:"لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، و"الإغلاق": الإكراه
(9)
، ومن قصد إيقاع الطلاق، دون دفع
مع الفارق؛ حيث إن المجنون والنائم قد زال عقلهما بعذر شرعي، وهو أن ذلك قد غلبهما بدون تدخل منهما، والمكره قد سلب الإرادة بإكراهه ظلمًا؛ بخلاف السكران فإنه قد تعمَّد زوال عقله بنفسه مريدًا لذلك؛ نظرًا لقصده تناول المسكر، فكأنه لما أراد أن يشرب المسكر كان قاصدًا أنه سيتحمَّل كل ما صدر منه من أفعال وأقوال، بخلاف المجنون، والنائم، والمكره فلم يقصدوا ذلك، أما قول الصحابي: وهو عثمان: فهو معارض بقول صحابي آخر في المسألة، وهو قول علي وابن عباس، فتساقطا، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" و"تعارض أقوال الصحابة".
(9)
مسألة: إذا أكره زوج على أن يُطلق زوجته: فلا يصح ولا يقع طلاقه بشروط: أولها: أن يكون الإكراه ظلمًا أي: أن يكون الطلاق بغير حق، ثانيها: أن يكون الإكراه مؤلمًا للزوج كعقوبة الضرب الشديد، أو الخنق، أو عصر ساق، أو غط في ماء، أو حبس، أو قيد طويل، أو إخراج من ديار أو نحو ذلك، أو أخذ مال يضره، أو بسبب إيلام لولده، أو هدَّده بذلك بحيث لا يتحمله، ثالثها: أن يكون ذلك المكره قادرًا على تنفيذ ما هدَّده وخوفه به بسبب سلطة، أو غلبة، وقوة كقاطع طريق، أو لص ونحو ذلك. ويغلب على ظن الزوج عجزه عن دفعه والهرب منه، فإذا توفرت تلك الشروط، ثم طلق الزوج، تبعًا لقول المكره: فإن =
الإكراه: وقع طلاقه
(10)
، كمن أكره على طلقة، فطلَّق أكثر
(11)
(ويقع الطلاق) بائنًا،
الطلاق لا يقع؛ لقواعد: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" حيث إن الشارع نفى صحة الطلاق والإعتاق إذا أكره الزوج عليه، أو أكره السيد عليه، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنه لو أكره على كلمة الكفر فلا يكفر فكذلك إذا أكره على الطلاق لا يقع والجامع: أنه في كل منهما قول حمل عليه بغير حق فلم يثبت له، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن عدم طلاق المكره قد ثبت عن عمر، وابنه، وعلي، وابن عباس، وابن الزبير. فائدة: سُمِّي الإكراه إغلاقًا؛ لأنه إذا أكره: انغلق عليه رأيه، فإن قلتَ: لِمَ لا يقع طلاق المكره؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حماية لحقوق الأزواج من أن تُطلَّق زوجاتهم بدون اختيارهم.
[فرع]: إن كان الإكراه بحق كأن يأبى مول من زوجته أن يرجع ويفي، بعد أربعة أشهر: فإن القاضي يكرهه على الطلاق، أو أن يزوج وليان لامرأة واحدة بزوجين: فإن القاضي يكره المتأخر منهما على الطلاق، أما إن لم يعلم أسبقهما: أكرههما معًا على طلاقها، أو أن يرى الحكمان: أن الأصلح أن يُطلق الزوج زوجته عند الشقاق بينهما: فهذا كله إكراه على الطلاق بحق، أو كان الإكراه غير مؤلم، أو يغلب على ظن الزوج أن المكره لا يقدر على تنفيذ ما هدَّد به، أو يغلب على ظنه قدرته على الدفاع عن نفسه: فإن طلاق الزوج في تلك الصور يصح ويقع؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه قد نطق بلفظ الطلاق بدون إكراه حقيقي: صحة الطلاق ووقوعه.
(10)
مسألة: إذا أكره على الطلاق، ولكنه طلق قاصدًا إيقاع الطلاق، ولم يقصد دفع الإكراه: فإن طلاقه يقع؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تلفظه بالطلاق، وقصده إياه: وقوعه.
(11)
مسألة: إذا أكره على طلقة فطلَّق ثلاثًا: فإنه يقع طلاقه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من =
لا الخلع (في نكاح مختلف فيه) كبلا ولي، ولو لم يره مطلق، ولا يستحق عوضًا سئل عليه، ولا يكون بدعيًا في حيض
(12)
(و) يقع الطلاق (من الغضبان) ما لم يغم عليه
عدم إكراهه على الثلاث وطلاقه بها: وقوعه؛ لكون ذلك دليلًا على قصده إياها.
[فرع]: إذا طلق المكره ونوى بقلبه غير امرأته وتأوّل في يمينه: فله تأويله، ويُقبل قوله في نيته، فلا يقع طلاقه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من الإكراه صحة التأويل، ويلزم من صحة التأويل: عدم وقوع طلاقه على امرأته.
[فرع آخر]: إذا لم يتأول، وقصد السلامة من عقاب المكره وقصد أيضًا طلاق امرأته: فإن الطلاق لا يقع؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود عذر بالإكراه، واحتمال فوات التأويل في تلك الحال: عدم وقوع طلاقه.
(12)
مسألة: إذا تزوج شخص زواجًا مختلفًا فيه كأن يكون الزواج بلا ولي، أو كان بولاية فاسق، أو بشهادة فاسقين: وطلَّق هذا الشخص: فإن الطلاق يصح ويقع بائنًا ولا يستحق العوض في الخلع - إن سألت المرأة فراقه - ولو طلَّق هذا الشخص في حيض، أو في طهر جامعها فيه، أو نفاس: فلا يكون هذا الطلاق بدعيًا ولو لم ير هذا الشخص المطلِّق صحة هذا النكاح، وإن كان ذلك الشخص المطلق يعتقد صحة ذلك النكاح: فإن الطلاق يقع رجعيًا، ويستحق العوض في الخلع؛ للقياس؛ بيانه: كما أن النكاح المتفق على صحته يصح طلاق الزوج زوجته بعد ذلك ويقع فكذلك النكاح المختلف فيه مثله والجامع: أن كلًّا منهما عقد يُسقط الحد، ويُثبت النسب، والعدَّة، والمهر، فيثبت الطلاق؛ لكونه من جملة أحكام النكاح، فإن قلتَ: إن طلاق هذا الشخص لا يقع حتى يعتقد صحة النكاح، وهو قول كثير من العلماء، اختاره أبو الخطاب؛ للقياس؛ بيانه: كما أن النكاح المتفق على بطلانه: لا يصح ولا يقع طلاق الزوج فيه، فكذلك الحال هنا والجامع: أن هذا النكاح لم يكن بعقد صحيح، ولم يثبت به النكاح، فلا صحة لطلاقه؛ لعدم وجود نكاح شرعي أصلًا. قلتُ: إن الطلاق تابع للأحكام المتعلِّقة =
كغيره
(13)
.....................................................
للنكاح الفاسد فكما أن النكاح الفاسد يُسقط الحد، ويثبت النسب، والعدة، والمهر فكذلك الطلاق تابع لها كما قلنا ولا فرق فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين".
[فرع]: يُستحب للزوج أن لا يطلق أكثر من طلقة واحدة؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه تمكنه من مراجعتها بعد ما تتحسن الحال.
[فرع آخر]: إذا قال زوج: "إني طلَّقت زوجتي": فإنه يُحمل على طلقة واحدة فقط؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الأمر المطلق يقتضي المرة الواحدة، وأقل ما يُحمل عليه ذلك: أن يحمل على المرة الواحدة فقط.
(13)
مسألة: يصح طلاق الغضبان ويقع بشرطين: أولهما: أن لا يُصاب بالإغماء بسبب الغضب، ثانيهما: أن لا يزول عقله بحيث يدري ما يقول، فإن أصابه إغماء بسببه، أو زال عقله بحيث لا يدري عمّا يقول، ولم يفرق - بسبب الغضب - بين امرأته، وامرأة أخرى، أو متاعه ومتاع غيره: فلا يصح طلاقه ولا يقع؛ للقياس؛ بيانه: كما أن غير الغضبان يصح طلاقه ويقع، فكذلك الغضبان الذي توفر فيه هذان الشرطان: يصح ويقع طلاقه والجامع: أن كلًّا منهما قد نطق بكلمة الطلاق، وقصده فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن من توفر فيه هذان الشرطان يُحمل على أنه قصد الطلاق، فيتحمل تبعاته، أما من أصابه الإغماء، أو زال عقله: فلا يقع طلاقه؛ لكونه لم يقصد، فالمدار هو قصد الطلاق وعدم قصده.
[فرع]: طلاق الهازل واللاعب صحيح: وواقع، وإن لم يقصد إيقاعه؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث هزلهن جِدٌّ، وجدهن جد: "الطلاق، والنكاح، والرجعة" فجعل الطلاق الصادر من الهازل كالطلاق الصادر من الجاد والقاصد، ولا فرق بينهما، الثانية: قول الصحابي؛ =
(ووكيله) أي: الزوج في الطلاق (كهو) فيصح توكيل مكلَّف
(14)
، ومميز يعقله
(15)
(ويطلق) الوكيل (واحدة) فقط (و) يطلق في غير وقت بدعة (متى شاء
(16)
إلا أن يُعيِّن له
حيث إن عمر قال: "أربع جائزات إذا تكلَّم بهن: الطلاق، والنكاح، والعتاق، والنذر" حيث صحّح الطلاق من أي متكلِّم به من غير إكراه، وقال علي:"أربع لا لعب فيهن: الطلاق، والنكاح، والعتاق، والنذر" فنفى اللعب والهزل بالطلاق؛ لكونه يقع موقعه، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه منع الناس من التلاعب بمثل تلك المهمات من العقود والمواثيق؛ لكونهم قد أعطوا فيهن عهد الله تعالى، ومواثيقه، ولا تلاعب ولا هزل ولا عبث في هذه الأمور.
(14)
مسألة: يصح أن يوكِّل الزوج وكيلًا يُطلِّق عنه زوجته ويكون الوكيل كالزوج تمامًا بشرط: أن يكون الوكيل بالغًا عاقلًا: سواء كان مسلمًا، أو كافرًا وسواء كانت امرأة أو ذكر؛ للقياس؛ وهو من وجهين: أولهما: كما يصح أن يوكل مكلَّفًا لعتق عبده ولو كافرًا أو أنثى فكذلك يصح أن يوكل شخصًا مكلفًا يطلق زوجته عنه ولو كان كافرًا، أو أنثى والجامع: أن كلًّا منهما إزالة ملك فيصح ذلك فيه.
(15)
مسألة: لا يصح أن يكون الصبي وكيلًا في طلاق امرأة غيره: سواء كان يعقل الطلاق، أو لا؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لا يصح أن يطلِّق كما سبق في الفرع التابع لمسألة (6) فكذلك لا يصح أن يكون وكيلًا له بالطلاق، والجامع: عدم التصرُّف في كل، فإن قلتَ: يصح أن يكون الصبي وكيلًا في طلاق امرأة غيره إذا كان يعقل الطلاق، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما يصح طلاقه فكذلك يصح أن يكون وكيلًا في الطلاق، والجامع: التمييز والعقل وإدراك المقصد من الطلاق قلتُ: قد أجبتُ عن هذا في الفرع التابع لمسألة (6) فارجع إليه إن شئت.
(16)
مسألة: إذا وكَّل زوج زيدًا ليُطلِّق زوجته قائلًا: "طلِّق زوجتي": فليس للوكيل =
وقتًا وعددًا) فلا يتعدَّاهما، ولا يملك تعليقًا إلّا بجعله له
(17)
(وامرأته) إذا قال لها: "طلِّقي نفسك"(كوكيله في طلاق نفسها) فلها أن تُطلِّق نفسها طلقة متى شاءت
(18)
، ويبطل
أن يطلق إلا طلقة واحدة، في أي وقت شاء، ولا يُطلق في وقت بدعة - كأن يطلقها وكيله في حيض، أو في طهر قد جامعها فيه -؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الأمر المطلق يتناول ما يقع عليه الاسم: أن لا يملك الوكيل إلا طلقة واحدة، ويلزم من توكيله توكيلًا مطلقًا في الأزمان: أن يطلق الوكيل متى شاء، ويلزم من كون الطلاق بدعة في وقت الحيض أو الطهر الذي جامعها فيه: أن لا يطلق في هذا الوقت؛ لئلا يقع في الإثم بسبب ظلم المرأة المطلقة.
(17)
مسألة: إذا وكَّل زوج زيدًا ليُطلق زوجته، وعيَّن الزوج للوكيل - وهو زيد - وقتًا كيوم الجمعة مثلًا، أو حدَّد عددًا من الطلقات كأن قال له:"طلق زوجتي طلقتين، أو ثلاثًا": فيجب على الوكيل - وهو زيد - أن لا يتعدَّى ذلك الوقت، والعدد المحدَّدين ولا يملك الوكيل تعليق الطلاق بأن يقول:"إن دخلت الدار فأنت طالق" إلّا إذا أذن له الزوج وهو موكله؛ للتلازم؛ حيث إن الحق للزوج - وهو الموكِّل - في ذلك فيلزم أن يمتثل الوكيل ما أمر به الموكِّل من الوقت، أو العدد أو تعليق أو عدمه؛ لأن الوكيل قد يكون له قصد في تحديد الوقت، والعدد والتعليق وعدمه لا يعلمه الوكيل.
[فرع]: إذا حدَّد الزوج للوكيل بأن يطلق زوجته في وقت البدعة - كوقت الحيض، أو طهر قد جامعها فيه - فلا يمتثل الوكيل ذلك؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وهذا عام؛ حيث إن "طاعة" نكرة في سياق نفي، فنهى عن أي طاعة لأي مخلوق فيها أي معصية للخالق عز وجل، ويشمل هذا ما نحن فيه، فيحرم أن يطيع الوكيل الزوج ويطلق زوجته في وقت بدعة؛ لأن النهي هنا مطلق فيقتضي التحريم والفساد.
(18)
مسألة: إذا وكَّل زوج زوجته بطلاق نفسها: بأن قال لها: "طلّقي نفسك": فلها =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أن تطلِّق نفسها طلقة واحدة في أي وقت شاءت، قائلة:"طلقتُ نفسي"؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الزوج إذا وكّل ذكرًا مكلفًا في طلاق زوجته: فإنه يصح ويطلق طلقة واحدة كما سبق في مسألة (16) فكذلك يصح أن تطلق المرأة نفسها: إذا وكَّلها في ذلك طلقة واحدة والجامع: أن كلًّا منهما مكلَّف يدرك المقصد من الطلاق وأن الطلقة الواحدة أقلّ ما يطلق عليه الاسم فلزمت كما قلنا في مسألة (16).
[فرع]: إذا وكّل الزوج الزوجة في طلاق نفسها، وحدَّد لها وقتًا، وعددًا، وصفة: فيجب على الزوجة أن تتقيد بذلك؛ للتلازم؛ وقد ذكرناه في مسألة (17) بالتفصيل.
[فرع آخر]: إذا طلقت المرأة نفسها - كما جعل لها زوجها - في وقت بدعة كوقت حيضها، أو طهر قد جامعها فيه: فإنه يصح ويقع الطلاق؛ للتلازم؛ حيث إن منع الزوج من طلاق زوجته في هذا الوقت كان لأجل مصلحة الزوجة؛ لئلا تطول عليها عدّتها، ويلزم من إسقاطها لحقها هنا: صحة الطلاق.
[فرع ثالث]: لو وكَّل وكيله بأن يطلق زوجته ثلاث طلقات فطلقها الوكيل طلقة واحدة، أو وكَّله في أن يطلقها طلقة واحدة فطلَّقها ثلاثًا: فلا تقع إلا طلقة واحدة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من نطق الوكيل بواحدة، ومن نطق الموكِّل بواحدة: أن لا تقع إلّا طلقة واحدة.
[فرع رابع]: إذا قال الزوج لزوجته: "طلقي نفسكِ طلقة واحدة" فطلَّقت نفسها ثلاثًا، أو قال لها:"طلقي نفسكِ ثلاثًا" فطلَّقت نفسها واحدة: فلا تقع إلّا طلقة واحدة؛ للقياس؛ وهو من وجهين: أولهما: كما أنه لو قال لها: "طلقي نفسكِ" فطلَّقت نفسها وضرائرها فإنه يقع طلاقها فقط، فكذلك إذا قال لها: =
برجوع
(19)
.
(فصل): (إذا طلقها مرَّة) أي: طلقة واحدة (في طهر لم يجامع فيه، وتركها حتى تنقضي عدَّتها: فهو سنة) أي: فهذا الطلاق موافق للسنة؛ لقوله تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} قال ابن مسعود: طاهرات من غير جماع
(20)
، لكن يُستثنى
"طلقي نفسكِ واحدة فطلَّقت نفسها ثلاثًا: لا تقع إلّا واحدة والجامع: أنها أوقعت طلاقًا مأذونًا فيه وغير مأذون فيه فوقع المأذون فيه فقط ثانيهما: كما أن الشخص لو قال لآخر: "وهبتك هؤلاء العبيد الثلاثة" فقال قبلتُ واحدًا فقط: فإنه يصح فكذلك لو قال لها: "طلقي نفسك ثلاثًا" فطلقت نفسها واحدة: وقعت واحدة والجامع: أنه في كل قد ملك إيقاع ثلاث، فملك إيقاع واحدة.
(19)
مسألة: يبطل توكيل زوج في الطلاق برجوعه عنه ببينة وقرينة يثبتها؛ للقياس؛ بيانه: كما أن سائر الوكالات لا تبطل بالرجوع عنها إلّا ببيّنة وقرينة يثبتها فكذلك الحال هنا، والجامع: الوكالة في كل، فإن قلتَ: يبطل ذلك التوكيل بمجرد رجوعه عنه، ويصدق في ذلك بدون بيّنة، وهو ما ذكره المصنف هنا، قلتُ: لم أجد دليلًا قويًا على ذلك، بل إن هذا فيه إلحاق ضرر بالوكيل لا يخفى.
(20)
مسألة: الطلاق السنِّي هو ما توفر فيه شرطان: أولهما: أن يطلق طلقة واحدة، ثم يتركها حتى تنقضي عدَّتها بثلاث حيض. ثانيهما: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} حيث بيَّن أن الطلاق الشرعي هو طلاق في طهرها من غير جماع كما فسَّره بذلك ابن مسعود، وابن عباس، وتفسير الصحابي مقدَّم على غيره، الثانية: قول وفعل الصحابي؛ حيث إن عمر إذا أُتي برجل قد طلَّق زوجته ثلاثًا أوجعه ضربًا، ولا ينكر عليه أحد من الصحابة، وهذا يدل على أن عقاب من طلَّق أكثر من واحدة - بدون عذر - منتشر بين الصحابة، ويلزم منه: أن الطلاق السني واحدة فقط وقال ابن مسعود: "طلاق السنة: أن يطلقها وهي طاهر، ثم يدعها =
من ذلك: لو طلقها في طهر متعقِّب لرجعة من طلاق في حيض فبدعة
(21)
(فتحرم الثلاث إذًا) أي: يحرم إيقاع الثلاث، ولو بكلمات في طهر لم يصبها فيه
(22)
لا بعد
حتى تنقضي عدتها، أو يراجعها إن شاء" فهذا يلزم منه أن طلاق السنة: هو طلاقها واحدة فقط، فإن قلتَ: لِمَ كان ذلك طلاقًا سنيًا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه جلب مصلحة للزوج والزوجة؛ حيث إن الزوج يمكنه أن يُراجعها، بخلاف ما لو طلقها ثلاثًا، والزوجة إذا طُلقت في طهر لم يجامعها فيه: لا تطول عدّتها؛ لعدم احتمال حملها.
(21)
مسألة: إذا طلق زوج زوجته في حيض، ثم راجعها، ثم طلقها في طهر قبل أن يجامعها بعد المراجعة وقبل أن تحيض: فإن هذا طلاق بدعي؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: "مره أن يراجعها، فإذا طهرت مسَّها حتى إذا طهرت أخرى فإن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها" حيث إنه قد دل ذلك على وجوب مراجعتها، ووجوب إمساكها، حتى تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: لأن الرجعة لا تكاد تعلم صحتها إلا بالوطء -؛ لكونه هو المقصود من النكاح -، وهذا الوطء لا يحصل إلّا في زمن الطهر، فإذا وطئها في زمن الطهر حرم طلاقها فيه حتى تحيض، ثم تطهر.
(22)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته بالثلاث في طهر لم يجامعها فيه: فإن هذا حرام، وهو طلاق بدعي؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" حيث حرم الشارع أن يضر المسلم بنفسه أو بغيره؛ لأن النفي هنا نهي، والنهي مطلق فيقتضي التحريم، وهو عام لجميع أنواع الضرر، لأن "ضرر، وضرار" نكرة في سياق نفي، وهو من صيغ العموم، فيشمل ما نحن فيه؛ حيث إن الطلاق بالثلاث ضرر عليه فلا يستطيع أن ينكحها إلّا بعد زوج آخر، وهو أيضًا ضرر على زوجته من غير حاجة، وربما كان ذلك وسيلة إلى عوده إليها حرامًا، أو بجيلة لا تزيل التحريم، وغالبًا يندم من طلَّق بالثلاث في =
رجعة، أو عقد، روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر
(23)
، فمن طلق زوجته ثلاثًا بكلمة واحدة وقع الثلاث، وحرمت عليه، حتى تنكح زوجًا غيره قبل الدخول كان ذلك، أو بعده
(24)
(وإن طلَّق من دخل بها في
طهر لم يصبها فيه، ووقوع الندم خسارة في الدنيا والآخرة، فكان ضرر الطلاق بالثلاث في طهر لم يصبها فيه أعظم من ضرر الطلاق في الحيض الذي يكون ضرره زيادة بقائها في العدة، وأعظم ضررًا من الطلاق في طهر أصابها فيه؛ لاحتمال الندم بظهور الحمل، وهذا هو المقصد من التحريم، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك قول عمر وابنه، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وورد عن عمر أنه إذا أتي له برجل قد طلق ثلاثًا أوجعه ضربًا وجاء رجل إلى ابن عباس قائلًا: إن ابن عمي قد طلَّق امرأته ثلاثًا فقال - أي: ابن عباس -: "إن ابن عمك عصى الله، وأطاع الشيطان، فلم يجعل الله له مخرجًا" وهذه العبارات لزم منها أن الطلاق بالثلاث في طهر لم يمسها فيه حرام، وهو بدعة بدليل أنه ذمه على فعله ذلك، ولا يذم إلا على فعل حرام، أو ترك واجب.
(23)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته، ثم راجعها، ثم طلَّقها، ثم راجعها، ثم طلقها: أو طلقها ثم عقد عليها، ثم طلقها، ثم عقد عليها، ثم طلقها: فهذا كله لا يحرم، وليس ببدعة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم الضرر على الزوجين: صحته، وعدم بدعيته.
(24)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته ثلاثًا في طهر لم يصبها فيه بكلمة واحدة بأن قال: "أنتِ طالق بالثلاث" أو قال: "أنتِ طالق ثلاثًا" أو بكلمات فقال: "أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنت طالق": فإنه تقع ثلاث طلقات، وتحرم عليه حتى تنكح زوجًا غيره: سواء وقع ذلك الطلاق قبل الدخول، أو بعده وهذا مذهب الجمهور؛ لقواعد؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عبادة بن الصامت: طلَّق بعض آبائي امرأته ألفًا، فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: إن أبانا قد طلَّق أمنا =
حيض، أو طهر وطئ فيه) ولم يستبن حملها، وكذا: لو علَّق طلاقها على نحو أكلها مما يتحقق وقوعه حالتيهما: (فبدعة) أي: فذلك الطلاق بدعة محرم، و (يقع)؛ لحديث ابن عمر:"أنه طلَّق امرأته، وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها" رواه
ألفًا فهل له مخرج؟ فقال: "إن أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجًا بانت منه بثلاث على غير السنة، وتسعمائة وسبعة وتسعون إثم في عنقه" حيث بيّن أن الطلاق بالثلاث إذا جاء في كلمة أو كلمات: فإنه يقع ثلاثًا الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن سائر الأملاك تصح إزالته متفرقًا فصح مجتمعًا فكذلك النكاح، والجامع: أن كلًّا منها ملك، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إنه قد ثبت ذلك عن ابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأنس، فإن قلتَ: إن ذلك يقع طلقة واحدة فقط، فيحل له مراجعتها بلا زوج غيره، وهو قول بعض العلماء من شتى المذاهب؛ للسنة التقريرية؛ حيث قال ابن عباس: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث بواحدة قلتُ: إن راوي هذا وهو ابن عباس قد ثبت عنه خلاف ما رواه هنا، وكذا: ثبت عنه أنه أفتى بخلاف ما رواه وهو وقوع ذلك ثلاثًا، وهو ما رواه الناس عن ابن عباس - كما نص على ذلك الإمام أحمد، وإن صحَّ ذلك: فإن الناس كانوا يُطلِّقون واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر ثم إن المصلحة تقتضي جعلها ثلاثًا؛ عقوبة لمن يُطلق لسانه في الطلاق، وإذا تعارضت السنة القولية مع التقريرية: قدمت القولية، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الاختلاف في السنة التقريرية" فعندنا: لا يؤخذ بها؛ لكونها مخالفة للسنة القولية، ولرواية ابن عباس ما يخالفها، ولفتواه بما يخالفها، وأن العادة أن الناس كانوا لا يطلِّقون إلّا واحدة في عهده صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعندهم: لم يثبت شيء من ذلك، فصححوا السنة التقريرية، وقدموها على غيرها مما قلناه.
الجماعة إلا الترمذي
(25)
(وتسنُّ رجعتها) إذا طُلِّقت زمن البدعة؛ لحديث ابن عمر
(26)
(ولا سنة ولا بدعة) في زمن، أو عدد (لصغيرة، وآيسة، وغير مدخول بها،
(25)
مسألة: الطلاق البدعي للمدخول بها يكون في ثلاث حالات: أولها: أن يطلقها أثناء الحيض أو النفاس، ثانيها: أن يطلقها في حال طهر قد جامعها فيه، ولم يتبين هل حملت منه أو لا، ثالثها: أن يُعلِّق طلاقها بشيء يتحقق وقوعه في حالة الحيض، وحالة الطهر الذي جامعها فيه كأن يقول لها وهي حائض:"إن أكلتِ أو شربتِ فأنت طالق" ونحو ذلك مما لا غنى عنها منه فإذا طلَّقها في أحد تلك الحالات: فإنه يحرم، وهو بدعة، ويقع؛ لقاعدتين؛ الأولى: السنة القولية؛ حيث إن ابن عمر قد طلَّق امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها حتى تطهر ثم تحيض، ثم تطهر" ويلزم من أمره بذلك: أن طلاقه لها وهي حائض قد وقع؛ إذ لو لم يقع: لما أمره بمراجعتها، ويلزم منه أيضًا: أن طلاقه أثناء الحيض: بدعة وحرام؛ لكونه أمره بتصحيح ذلك وهي المراجعة والنفاس كالحيض؛ لعدم الفارق، ويلزم من قوله:"حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر فإن شاء أمسك وإن شاء طلَّق": أن طلاقها في طهر قد جامعها فيه بدعة وحرام؛ لاحتمال الحمل؛ لأن علامة المراجعة غالبًا الجماع والوطء، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من تعليق طلاقها بما يتحقق وقوعه كأكل أو شرب في حالة الحيض والنفاس والطهر: وقوع ذلك في تلك الحالات.
(26)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته طلاقًا بدعيًا - أي: طلقها زمن حيضها، أو في طهر جامعها فيه -: فإنه يجب أن يُراجعها وهو رواية عن أحمد وقول مالك؛ للسنة القولية: حيث إنه صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر بمراجعة امرأته لما طلَّقها وهي حائض، والأمر هذا مطلق، فيقتضي الوجوب، وطلاقها في طهر جامعها فيه كطلاقه في حيضها، فإن قلتَ: إن مراجعتها هنا مستحبة، وليست واجبة، وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو قول كثير من العلماء؛ للسنة القولية: وهي أمره صلى الله عليه وسلم =
ومن بان) أي: ظهر (حملها) فإذا قال لإحداهن: "أنتِ طالق للسنة طلقة، وللبدعة طلقة: وقعتا في الحال إلّا أن يريد في غير الآيسة إذا صارت من أهل ذلك
(27)
، وإن
لابن عمر بمراجعة امرأته لما طلقها وهي حائض، والأمر هنا للاستحباب قلتُ: لم أجد قرينة صرفت هذا الأمر من الوجوب إلى الندب والاستحباب، فيبقى الأمر على مقتضاه الأصلي وهو الوجوب، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في أمر النبي عليه السلام لابن عمر بمراجعتها هل هو للوجوب، أو للاستحباب" فعندنا: للوجوب؛ لأن الأمر المطلق يقتضيه، وعندهم للاستحباب؛ لأن الأمر المطلق يقتضيه؛ لكونه أقل أحوال الأمر، وقد خالفوا هنا أصلهم؛ إذ الأصل عند جمهور العلماء: أن الأمر المطلق للوجوب.
(27)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته الصغيرة التي لا يحمل مثلها؛ أو طلَّق زوجته الآيسة من الحمل، أو طلَّق زوجته غير المدخول بها، أو طلَّق زوجته التي ظهر حملها: فإنه يجوز ذلك الطلاق في أي وقت، فلا سنة ولا بدعة في طلاق تلك النساء الأربع: فمثلًا لو قال لواحدة منهن: "أنتِ طالق للسنة طلقة، وللبدعة طلقة" فإن هاتين الطلقتين تقعان حال نطقه بهما، إلا إذا أراد بهذا القول إذا صارت الصغيرة، أو الحامل أو غير المدخول بها أهلًا للحيض فيما بعد: فإنه يوجد طلاق سني، وبدعي لهن على حسب مراد الزوج القائل؛ للتلازم؛ حيث إن الصغيرة والآيسة لا تعتد بالحيض والأطهار بالأشهر وغير المدخول بها لا يخاف حملها، وعدَّة الحامل بوضع حملها يلزم منه: أن لا طلاق لها سنِّي ولا بدعي، بل يقع الطلاق متى ما طلَّق الزوج، ويلزم من ذكره الطلاق السني والبدعي وقوعهما في الحال؛ لكون تلك النساء لا تقبل تلك الصفة فتحذف تلك الصفة، ويبقى الطلاق، ويلزم من إرادته وقصده أنها إذا صارت فيما بعد من أهل ذلك الوصف - وهو قبولها للبدعي والسني -: فيقع عليها هذان الوصفان؛ عملًا بمقصده ونيته، وكون ذلك محتملًا من تلك النساء الثلاث؛ لذلك استبعدت =
قاله لمن لها سنة وبدعة: فواحدة في الحال والأخرى في ضد حالها إذًا
(28)
(وصريحه) أي: صريح الطلاق، وهو: ما وضع له (لفظ الطلاق، وما تصرَّف منه) كطلَّقتك، وطالق، ومطلَّقة: اسم مفعول
(29)
(غير أمر) كـ "اِطلقي"(و) غير (مضارع) كـ:
الآيسة من الحيض ولو قصدها ونواها؛ لعدم إمكان ذلك فيها.
(28)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته القابلة للطلاق السنِّي والبدعي - وهي التي تحيض -: "أنتِ طالق للسنة طلقة، وللبدعة طلقة": فإن طلقة واحدة تقع في حال صدورها من الزوج والطلقة الأخرى تقع إذا وجدت الحالة الأخرى؛ للتلازم؛ حيث إن حال تلك الزوجة لا تخلو من حالين: أولهما: أن تكون في زمن السنة فتقع طلقة السنة، ثانيهما: أن تكون في زمن البدعة، فتقع طلقة البدعة فيلزم ما قلناه.
(29)
مسألة: الصريح في الطلاق هو: لفظ "الطلاق" وما تصرف منه مما وضع له، ولا يحتمل غيره كقول الزوج لزوجته:"طلَّقتكِ" أو "أنتِ طالق" أو "أنتِ مطلَّقة" بتشديد اللام مع فتحها وهو اسم المفعول؛ للتلازم؛ حيث إن كون تلك الألفاظ موضوعة للطلاق بخصوصه على حسب الشرع والعرف والاستعمال، دون احتمال غيره إلّا احتمالًا بعيدًا لا يُعوَّل عليه: يلزم منه: أن تكون تلك الألفاظ صريحة فيه، فإن قلتَ: إن صريح الطلاق ألفاظ "الطلاق"، وأيضًا ألفاظ "الفراق" و"السراح" وما تصرَّف منهن، وهو مذهب الشافعي؛ للتلازم؛ حيث إن كون تلك الألفاظ قد ورد بها الكتاب في الفرقة بين الزوجين: حيث قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} وقال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} يلزم منه أن يكونا صريحين فيه قلتُ: إن لفظ "الفراق" و"السراح" ليسا صريحين في الطلاق؛ حيث إنهما يُستعملان في الطلاق وغيره، وإن وردا في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين فقد وردا فيه لغير ذلك حيث قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} وغير ذلك، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف =
"تطلقين"(و) غير (مطلِّقة اسم فاعل) فلا يقع بهذه الألفاظ الثلاثة طلاق
(30)
(فيقع) الطلاق (به) أي: بالصريح (وإن لم ينوه: جاد، أو هازل)؛ لحديث أبي هريرة يرفعه: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة" رواه الخمسة إلا النسائي
(31)
(فإن نوى بطالق) طالقًا (من وثاق) - بفتح الواو - أي: قيد (أو) نوى
هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في الفراق، والسراح هل يستعملان في غير الطلاق كثيرًا أو لا" فعندنا: نعم، وعندهم: لا.
(30)
مسألة: إذا عبَّر الزوج بتعبير لا يدل على إرادته الطلاق ظاهرًا كأن يُعبِّر بالأمر كقوله لزوجته: "اطلقي" أو عبَّر بفعل المضارع كقوله: "أنتِ تطلقين" أو عبَّر باسم الفاعل كقوله لها: "أنتِ مطلِّقة" بتشديد اللام وكسرها، وهو اسم الفاعل: فلا يقع بهذه الألفاظ المجردة طلاق؛ للتلازم؛ حيث إن ذلك غير صريح في الطلاق فيلزم عدم وقوعه؛ إلّا إذا نوى بذلك الطلاق، فتكون تلك الألفاظ من كنايات الطلاق عندنا، لا يقع الطلاق بها إلا بنية.
(31)
مسألة: إذا تلفظ الزوج بصريح الطلاق - كقوله: طلقتكِ، أو أنتِ طالق، أو مطلَّقة - كما سبق في مسألة (29) -: فإن الطلاق يقع: سواء كان قد نواه، أو لا، وسواء كان جادًّا قاصدًا للطلاق، أو كان هازلًا لاعبًا؛ لقواعد: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة" حيث جعل جد الطلاق وهزله سواء في الحكم، وهو وقوعه، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنه لو قال: "قد بعتك هذه الدار" فقال المشتري: "قد قبلتُ": فإن البيع يتم: سواء كان جادًا أو هازلًا نواه أو لا، فكذلك الطلاق هنا، والجامع: أنه يُعتبر في كل منهما القول، ويُكتفى فيه به من غير نية إن كان صريحًا فيه، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن عمر، وابن مسعود قد ثبت عنهما ذلك، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حث على الامتناع عن التلاعب بالمواثيق والعهود التي يجعلها المسلم على نفسه، فلا يتساهل فيها =
طالقًا (في نكاح سابق منه، أو من غيره، أو أراد) أن يقول (طاهرًا فغلط) أي: سبق لسانه: (لم يُقبل) منه ذلك (حكمًا)؛ لأنه خلاف ما يقتضيه الظاهر، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنه أعلم بنيته
(32)
(ولو سئل أطلقتَ امرأتك؟ فقال: نعم: وقع)
بالتلاعب بها، وقد سبق.
(32)
مسألة: إذا عبَّر الزوج بلفظ الصريح في الطلاق - كقوله: "أنتِ طالق مطلَّقة أو طلقتكِ" كما سبق في مسألة (29) - ونوى بذلك: أنها طالق من وثاق وقيد، أو نوى: أنها طالق في نكاح سابق منه، أو من غيره، أو قال: أردتُ أن أقول: "طلبتكِ" فسبق لساني فقلت: "طلَّقتكِ"، أو قال: أردت أن أقول: "أنتِ طاهر" فسبق لساني فقلت: "أنتِ طالق" ففي ذلك حالتان: الحالة الأولى: إن كان ذلك الزوج في حال غضب، أو كانت هي قد سألته الطلاق: فإن قوله هنا غير مقبول حكمًا، فيقع الطلاق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تلفظه بلفظ "الطلاق" ووجود تلك الحال: وقوع طلاقه؛ لأن دعواه مخالفة للظاهر من حاله، الحالة الثانية: إن لم يكن في حالة غضب، أو سألته طلاقها: فإنه يُقبل قوله، ولا يقع طلاقه؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال الزوج: "أنتِ طالق، أنتِ طالق" وقال: "أردتُ بالطلقة الثانية إفهامها، وتأكيد الأولى: فإنه يُقبل قوله ولا تقع إلا طلقة واحدة، فكذلك الحال هنا تقبل دعواه أنه نوى غير الطلاق، فلا يقع طلاقه والجامع: أنه في كل منهما قد فسَّر كلامه بما يحتمله احتمالًا غير بعيد، فإن قلتَ: لِمَ شرع هذا التفصيل؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه مراعاة الحال الذي كان فيه ذلك الزوج، ومراعاة الأحوال حين الحكم على الأشخاص من أهم المهمات في الشريعة، وهو من باب: "تحقيق المناط الخاص"، فإن قلتَ: إنه لا يقبل منه قوله، بل يقع طلاقه فيما سبق كله ويدين الله في ذلك؛ لأنه أعلم بنيته وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو قول الشافعي؛ للقياس؛ بيانه: كما أن زيدًا لو قال: "أقر لعمرو بعشرة" ثم قال - أي: زيد - أردتُ عشر كلمات أو نحو ذلك: فإنه لا =
الطلاق، ولو أراد الكذب، أو لم ينوه؛ لأن "نعم" صريح في الجواب، والجواب الصريح للفظ صريح صريح
(33)
(أو) سئل الزوج (ألك امرأة؟ فقال: لا، وأراد الكذب) أو لم ينو به الطلاق: (فلا) تطلق؛ لأنه كناية، تفتقر إلى نية الطلاق، ولم توجد
(34)
، وإن أخرج زوجته من دارها، أو لطمها، أو أطعمها، ونحوه، وقال:
تقبل دعواه تلك، بل يُعامل على أنه أقرّ له بعشرة دراهم، فكذلك الحال هنا لا تقبل دعواه حكمًا، بل يقع طلاقه، والجامع: أنه في كل منهما قد خالف ما يقتضيه الظاهر في العرف، فلم يقبل في الحكم. قلتُ: إن القياس الذي ذكرتموه غير مسلَّم؛ لأنا نخالف في الأصل؛ لأنه إذا قال: "أقر له بعشرة" ثم فسَّره ذلك بغير الدراهم: فإنه يقبل دعواه؛ لأن هذا التفسير والبيان منه محتمل احتمالًا قويًا وراجحًا فيجب أن يُعمل به؛ لوجوب العمل بالراجح من الأدلة وهذا لا يخالف الظاهر كما زعمتم، فكذلك إذا فسَّر قصده بأنه لم يرد الطلاق: فإنه يُقبل دعواه، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين".
(33)
مسألة: إذا قال زيد لعمرو: "أطلقتَ امرأتك؟ " فقال عمرو: "نعم"، أو قال له:"امرأتك طالق؟ " فقال عمرو: "نعم": فإنه يقع الطلاق على امرأة عمرو: سواء كان عمرو أراد بالجواب بـ "نعم" الكذب، أو لا، وسواء نوى الطلاق أو لا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن زيدًا لو قال لعمرو: لفلان عليك ألف درهم، فقال عمرو:"نعم": فإن هذا إقرار من عمرو بالألف، يُطالَب به، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن لفظ "نعم" صريح في الجواب عن لفظ صريح في الطلاق، أو الإقرار، والصريح للفظ الصريح صريح.
(34)
مسألة: إذا قال زيد لعمرو: "ألك امرأة؟ " فقال عمرو: "لا"، وأراد بالنفي هنا الكذب، أو لم يقصد بالنفي هنا الطلاق: فإنه لا يقع الطلاق على امرأة عمرو وكذا: قوله: "ليس لي امرأة" أو "لا إمرأة لي" لا يقع الطلاق؛ للتلازم؛ حيث إن =
"هذا طلاقك": طلقت، وكان صريحًا
(35)
، ومن طلَّق واحدة من زوجاته، ثم قال
هذا ليس بصريح في الطلاق فيكون كناية عنه والكناية تحتاج إلى نية، ولا توجد نية هنا؛ لكونه نوى الكذب، فيلزم عدم وقوع الطلاق هنا.
(35)
مسألة: إذا أخرج رجل زوجته من دارها، أو لطمها وضربها، أو أطعمها، أو ألبسها ثوبًا، أو قبَّلها، أو سقاها وقال بعد ذلك مباشرة:"هذا طلاقكِ": فإنها تطلق بشرط: أن ينويه، أو يدلُّ حال على إرادته للطلاق؛ للتلازم؛ حيث إن ذلك يحتمل أن يكون طلاقًا إذا قدرنا أن يكون قصد الزوج:"أوقعتُ عليكِ طلاقًا هذا الإخراج من الدار أو الضرب من أجله" ويحتمل: أن يكون هذا الإخراج من الدار أو الضرب سببًا للطلاق؛ لكون الطلاق معلَّقًا عليه، ويُحتمل أن يكون قد علَّق طلاقها فلما فعله: قال: "هذا طلاقك" إخبارًا لها، فلزمه ذلك مثل قوله لها:"اعتدِّي" ومع وجود تلك الاحتمالات فلا بد من نيّة أو دلالة حال تدل على أنه أراد الطلاق: ويلزم من ذلك: أن يكون كناية عن الطلاق؛ لكون حقيقتها قد وُجدت، فإن قلتَ: إن هذا القول من الزوج صريح في الطلاق، فلا يحتاج إلى نية، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون تقديره:"أوقعتُ عليكِ طلاقًا هذا الضرب من أجله" أن يكون صريحًا في الطلاق قلتُ: إنه احتاج إلى التقدير، وكل شيء يحتاج إلى التقدير، فليس بصريح، فيكون كناية - كما قلنا -، فإن قلتَ: إن هذا القول من الزوج ليس بصريح في الطلاق، ولا بكناية ولا يقع به طلاق وإن نواه، وهو مذهب أكثر الفقهاء؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو أخرج زوجته من داره وقال لها: "غفر الله لكِ" فلا تطلق زوجته وإن نوى به الطلاق، فكذلك لو أخرجها وقال لها:"هذا طلاقك" فلا تطلق ولو نوى الطلاق والجامع: أن هذا لا يؤدي إلى معنى الطلاق، ولا هو سبب له، ولا حكم فيه، فلم يصح التعبير به عنه قلتُ: إن هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ حيث إن إخراجها مع قوله "هذا طلاقك" فيه احتمال أنه أراد طلاقها نظرًا =
عقبه لضرتها: "أنتِ شريكتها" أو "مثلها": فصريح فيهما
(36)
، وإن كتب صريح طلاق امرأته بما يبين: وقع وإن لم ينوه؛ لأنها صريحة فيه
(37)
، فإن قال: لم أرد إلا
لتلفظه بلفظ الطلاق، لكن لم يكن صريحًا؛ نظرًا لاحتمال أنه أراد بهذا اللفظ غير الطلاق، فكان لا بد من النية تبين مقصده، بخلاف إخراجها مع قوله لها:"غفر الله لكِ" فلم يوجد أيّ احتمال إرادته للطلاق بهذا الفعل، أو القول، ومع الفرق: فلا قياس، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع التلازم".
(36)
مسألة: إذا قال الزوج لواحدة من زوجتيه: "أنتِ طالق" ثم قال لزوجته الثانية بعد ذلك مباشرة: "أنتِ شريكتها" أو "أنتِ مثلها": فإن هذا يُعتبر صريح في طلاقهما معًا، فتطلقان معًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من لفظة "الشراكة" أو "المماثلة" التي ذكرها بعد طلاق الأولى مباشرة: أن يكون الحكم فيهما واحدًا؛ لعدم احتمال غير ما نطق به فيكون كأنه أعاد على الثانية طلاقها.
(37)
مسألة: إذا كتب الزوج اللفظ الصريح في الطلاق كأن يكتب: "زوجتي طالق" كتابة واضحة: فإن هذا كناية عن الطلاق، وليس بصريح، فإن نوى بذلك طلاق امرأته: فإنها تطلق، وإن لم ينوه: فلا تطلق وهو مذهب الجمهور؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الكنايات محتملة للطلاق وغيره فلا بد من نيته فكذلك الكتابة محتملة لا يفهم منها الطلاق الصريح، والجامع: الاحتمال في كل، أما إذا لم ينوه: فلا يقع الطلاق؛ لاحتمال أن يكون قصده غير الطلاق - كتجربة القلم، أو تجويد الخط أو نحو ذلك -، فإن قلتَ: إنه إذا كتب ذلك: فهو صريح في الطلاق فيقع وإن لم ينوه؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الزوج إذا تلفّظ بلسانه بالطلاق: فإنه يقع، فكذلك إذا كتب ذلك، والجامع: فهم الطلاق في كل قلتُ: لا يُفهم الطلاق من الكتابة كما يفهم من التلفظ؛ حيث إن الكتابة محتملة كما قلنا، ومع الفرق فلا قياس، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: =
تجويد خطي، أو غمَّ أهلي: قُبل
(38)
وكذا: لو قرأ ما كتبه، وقال: لم أقصد إلا القراءة
(39)
، وإن أتى بصريح الطلاق من لا يعرف معناه: لم يقع
(40)
.
(فصل): (وكنايته) نوعان: ظاهرة، وخفية فـ (الظاهرة) هي: الألفاظ الموضوعة
"تعارض القياسين".
(38)
مسألة: إذا كتب الزوج اللفظ الصريح في الطلاق: كأن يكتب: "أنتِ طالق" أو "زوجتي طالق" ثم قال: إنما أردتُ ذلك تجويد خطِّي، أو تجربة قلمي، أو غمَّ أهلي: فإن ذلك يُقبل منه، ولا يقع الطلاق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من نيته غير الطلاق: قبول قوله، وعدم وقوع الطلاق.
(39)
مسألة: إذا كتب الزوج اللفظ الصريح في الطلاق كأن كتب: "أنتِ طالق" أو "زوجتي طالق" ثم قرأ ما كتبه، وقال:"لم أقصد إلا القراءة فقط": فإنه يُقبل منه ولا يقع الطلاق؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو تلفَّظ بلفظ "الطلاق" وقصد به الحكاية عن غيره، أو التعليم، أو ضرب المثال أو نحو ذلك: فإنه يُقبل منه، ولا يقع طلاق امرأته، فكذلك الحال هنا، والجامع: عدم قصد الطلاق في كل.
(40)
مسألة: إذا تلفَّظ الزوج باللفظ الصريح في الطلاق - كقوله: "طلقتكِ" أو "أنتِ طالق" - وهو لا يعرف معناه، ولا يدرك أنه يتسبَّب في مفارقة زوجته: فإن الطلاق لا يقع؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الأعجمي لو نطق بلفظ "الطلاق" باللغة العربية، وهو لا يدرك ولا يفهم مقصده عند العرب: فإنه لا يقع طلاقه لزوجته، فكذلك الحال هنا، والجامع: عدم قصد الطلاق في كل.
[فرع]: لا يقع الطلاق بغير لفظ إلا في حالتين: أولهما: إذا كتبه، ونواه - كما سبق في مسألة (27) - ثانيهما: إذا كان الزوج لا يقدر على الكلام مثل الأخرس، فإن زوجته تطلق بالإشارة التي فُهم منها أن قصده الطلاق؛ للقياس؛ بيانه: كما أن المتلفظ بالطلاق تطلق زوجته فكذلك الأخرس تطلق زوجته بالإشارة التي فُهم منها أن قصده الطلاق، والجامع: فهم الطلاق في كل.
للبينونة (نحو: أنتِ خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة) أي: مقطوعة الوصلة (وأنتِ حرَّة، وأنتِ الحرج) وحبلك على غاربك، وتزوجي من شئت، وحللتِ للأزواج، ولا سبيل لي، أو لا سلطان لي عليكِ، وأعتقتكِ، وغطي شعركِ، وتقنَّعي (و) الكناية (الخفية) موضوعة للطلقة الواحدة (نحو: اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرَّعي، واعتدي) ولو غير مدخول بها (واستبرئي، واعتزلي، وليست لي بامرأة، والحقي بأهلك، وما أشبهه) كلا حاجة لي فيكِ، وما بقي شيء، وأغناك الله، وإن الله قد طلَّقك، والله قد أراحكِ مني، وجرى القلم، ولفظ: فراق وسراح، وما تصرَّف منهما، غير ما تقدَّم
(41)
(ولا يقع بكناية ولو) كانت (ظاهرة طلاق إلا بنية مقارنة
(41)
مسألة: الكناية في الطلاق هو: كل لفظ فيه يفهم منه التخلية، أو الفراق بين الزوجين، ويحتمل غيره، وهو قسمان: القسم الأول: الألفاظ الظاهرة، وهي التي تكون الدلالة على الطلاق فيها أظهر وأوضح، وهي التي وُضعت للطلاق البائن عادة مثل قول الزوج لزوجته:"أنت خلية" و"برية" - من البراءة من الزواج - و"بائن" - من البين، وهو الفراق والانفصال - و"بتة" - من البتر، وهو قطع الزوجية - و"بتلة" - من البتل، وهو قطع الوصلة والنكاح - و"أنتِ حرَّة" - أي: خلصتِ من رق الزوجية -، و"أنتِ الحَرَج" - أي: أنت الحرام والإثم علي - و"حبلك على غاربكِ"، - أي: غير مشدودة ولا ممسكة بعقد زواج - و"تزوجي من شئتِ" و"حللت للأزواج" - أي: بنتِ مني - و"لا سبيل لي عليكِ" و"لا سلطان لي عليك" - أي: أنتِ طالق لا رجعة لي عليك" - و"أعتقتكِ" - أي: تخلصتِ من رق الزوجية" - و"غطِّي شعركِ عني" و"تقنَّعي" - أي: حرمتِ علي - فهذه الألفاظ ظاهرة في معنى الطلاق والبينونة، ولا يقع الطلاق البائن بها إلا أن ينوي بها الطلاق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من هذه الألفاظ: ظهور الطلاق، والبينونة بها، ويلزم من وجود الاحتمال فيها: وجوب نيته للطلاق فيها وسيأتي زيادة له في مسألة (44)، القسم الثاني: الألفاظ الخفية، وهي التي تكون الدلالة =
للفظ)؛ لأنه موضوع لما يشابهه، ويجانسه، فيتعيَّن لذلك، لإرادته له، فإن لم ينو: لم يقع
(42)
(إلا حال خصومة أو) حال (غضب أو) حال (جواب سؤالها) فيقع الطلاق
على الطلاق فيها أخفى، وهي التي وُضعت للطلقة الواحدة فقط عادة ما لم ينو المتلفِّظ أكثر منها مثل قول الزوج لزوجته:"اُخرجي من داري" و"اذهبي" و"ذوقي" و"تجرَّعي" و"اعتدِّي" - ولو كانت تلك المرأة غير مدخول بها - و"استبرئي" - أي: استبرئي رحمك - و"اعتزلي" - أي: كوني وحدك بلا زوج و"لستِ لي بامرأة" و"الحقي بأهلكِ" و"لا حاجة لي فيكِ" و"ما بقي شيء لي عندكِ"، و"أغناكِ الله" - أي: بالطلاق، و"اختاري" و"إن الله قد أطلقكِ" و"الله قد أراحكِ مني" و"فرَّق الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة" و"جرى القلم" - أي: جرى بطلاقها - و"فارقتكِ" و"سرَّحتك" و"هذا فراق بيني وبينك" وما تصرَّف من لفظتي "فراق" و"سراح" - كما سبق في مسألة (29) - وقوله: "اطلقي" وقوله لها: "أنتِ تطلقين" وقوله: "أنتِ مطلِّقة - بكسر اللام، كما سبق في مسألة (30) - أو أخرج زوجته من دارها، أو ضربها ثم قال لها بعد ذلك مباشرة: "هذا طلاقكِ" - كما سبق في مسألة (35) -، أو كتب الزوج على ورقة: "أنتِ طالق" - كما سبق في مسألة (37) - ونحو ذلك: فإن هذا كله من كنايات الطلاق الخفية، تقع فيه طلقة واحدة؛ إن نواها واحدة، أو أطلق، أما إن نواها ثلاثًا فتقع ثلاث طلقات، وإن نوى ذلك اثنتين: فتقع طلقتين؛ للتلازم؛ حيث يلزم من إطلاق تلك الألفاظ الخفية: أنها لا تحتمل إلا وقوع طلقة واحدة، ويلزم من وجود الاحتمال فيها: وجوب نيته للطلاق فيها.
(42)
مسألة: يُشترط لوقوع الطلاق بالكنايات - السابق ذكرها في مسألة (41) -: أن يتلفظ بها، في حين أنه نوى بها الطلاق: سواء كانت تلك الكنايات ألفاظًا ظاهرة، أو ألفاظًا خفية، أما إن تلفظ بتلك الكنايات ولم ينو بها الطلاق: أو تلفظ بها وهو لم ينو الطلاق حينها، ثم نواه بعد ذلك: فلا يقع الطلاق؛ =
في هذه الأحوال بالكناية، ولو لم ينوه؛ للقرينة (فلو لم يرده) في هذه الأحوال (أو أراد غيره في هذه الأحوال: لم يقبل) منه (حكمًا)؛ لأنه خلاف الظاهر من دلالة الحال، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى
(43)
(ويقع مع النية بـ) الكناية (الظاهرة ثلاث،
لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من أن تلك الكنايات يحتمل فيها الطلاق وغيره: وجوب مصاحبتها بنية الطلاق؛ تقوية لإرادته، وتعيينًا لمقصوده وهذا يستوفيه الظاهرة والخفية، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن المسلم لو تطهر، ثم بعد فراغه نوى أن هذا التطهر لرفع حدثه: لا يصح تطهره، فكذلك الحال هنا، لو ذكر تلك الكنايات عن الطلاق، ولم ينو بها الطلاق، ثم بعد ذلك نواه: لم يقع الطلاق، والجامع: عدم مصاحبة النية للعمل، فلا تكون له، فإن قلتَ: إن الطلاق يقع بالكنايات الظاهرة - وهي القسم الأول في مسألة (41) - من غير نية الطلاق، وهو رواية عن أحمد، وهو مذهب مالك؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو تلفظ بصريح لفظ الطلاق كقوله: "أنتِ طالق" - فإنه يقع الطلاق، بدون نيته - كما سبق في مسألة (31) - فكذلك الحال في الكنايات الظاهرة والجامع: اشتهار استعمال الطلاق في تلك الألفاظ في كل، قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن اللفظ الصريح بالطلاق لا يحتمل غير الطلاق، بخلاف الكنايات الظاهرة: فإنها تحتمل الطلاق وغيره فلذا اشترطت النية فيه، ومع الفرق: فلا قياس، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع التلازم" وأيضًا: "الخلاف في الكنايات الظاهرة هل تحتمل غير الطلاق أو لا؟ " فعندنا: تحتمل، وعندهم: لا.
(43)
مسألة: إذا تلفظ الزوج بلفظ من ألفاظ كنايات الطلاق الظاهرة أو الخفية - كما سبق بيانها في مسألة (41) - وهو في حال خصومة بينه وبين زوجته، ومنافرة، أو هو في حال غضب، أو هو في حال طلبها منه بأن يطلقها: فإن الطلاق يقع، ولو لم ينوه، فلو ادَّعى الزوج بأنه لم يرد الطلاق بذلك التعبير في تلك الأحوال: =
وإن نوى واحدة)؛ لقول علماء الصحابة: منهم ابن عباس، وأبو هريرة، وعائشة رضي الله عنهم
(44)
(و) يقع (بالخفية ما نواه) من واحدة أو أكثر، فإن نوى الطلاق
فإنه لا يُقبل منه حكمًا، أي: يقع الطلاق وإن ادَّعى ذلك؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أنه لو تلفظ بتلك الكنايات مع مصاحبتها بنية الطلاق: فإن الطلاق يقع، فكذلك لو تلفَّظ بتلك الكنايات مع مصاحبتها لتلك الأحوال الثلاثة - حال الخصومة بينهما، وحال الغضب منه، وحال طلبها طلاقها منه: فإنه يقع الطلاق، والجامع: أن كلًّا من النية، والأحوال الثلاثة تلك أدلة على قصده وإرادته الطلاق، الثانية: التلازم؛ حيث إن دعواه: "إنه لم يرد بذلك الطلاق" فيه مخالفة للظاهر من دلالة الأحوال الثلاثة يلزم منه: عدم قبول تلك الدعوى، وإيقاع الطلاق، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: لأنه يُستدل بالأحوال الظاهرة والباطنة في إثبات الأحكام على الأفراد، كأحكام الصلاة، والشهادات، والتصرفات، ونحوها، فيكون الطلاق من ضمنها، وهذا ظاهر، فإن قلتَ: إنها لا تطلق في تلك الكنايات إلّا إذا نوى بها الطلاق: سواء كان في حال غضب، أو خصومة، أو طلبها الطلاق، أو لا، وهو مذهب الجمهور؛ للتلازم؛ حيث إن تلك الكنايات مع تلك الأحوال الثلاثة ليست بصريحة في الطلاق، ولم ينوه فيلزم عدم وقوع الطلاق بها، فإن نواه: فإنه يقع، قلتُ: إن قرينة الحال ودلالته تقوم مقام النية في معرفة مقصد الشخص فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في دلالة الحال هل هي تقوم مقام النية أو لا؟ " فعندنا: نعم، وعندهم: لا.
(44)
مسألة: إذا تلفَّظ الزوج بلفظ من ألفاظ كنايات الطلاق الظاهرة - كما سبق ذكرها في مسألة (41) - ونوى بها الطلاق: فإنه يقع بها ثلاث طلقات: سواء كانت الزوجة مدخولًا بها أو لا؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إنه لفظ يقتضي البينونة في الطلاق فيلزم: أن يقع ثلاث طلقات، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن =
فواحدة
(45)
، وقول: أنا طالق، أو بائن، أو كلى، أو اشربي، أو اقعدي، أو بارك الله عليك ونحوه لغو، ولو نواه طلاقًا
(46)
.
(فصل): (وإن قال) لزوجته (أنتِ علي حرام، أو كظهر أمي: فهو ظهار ولو نوى به الطلاق)؛ لأنه صريح في تحريمها (وكذلك: ما أَحلَّ الله علي حرام) أو الحل علي حرام
(47)
، .............................................
ذلك ثبت عن علي، وابن عباس، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة، وعائشة.
(45)
مسألة: إذا تلفَّظ الزوج بلفظ من ألفاظ كنايات الطلاق الخفية - كما سبق ذكرها في مسألة (41) - ونوى بها واحدة: فإنها تقع طلقة واحدة، وإذا نوى بها اثنتين: فإنها تقع طلقتين، وإذا نوى بها ثلاثًا: فإنها تقع ثلاث طلقات، وإذا نوى الطلاق فقط: فإنها تقع طلقة واحدة رجعية؛ للتلازم؛ حيث يلزم من نيته للعدد: وقوع ما نواه، ويلزم من كون اللفظ لا دلالة له على العدد، ويصدق بأقل ما يطلق عليه الاسم: أن لا يقع إلا طلقة واحدة إن لم ينو عددًا.
(46)
مسألة: إذا تلفظ الزوج بلفظ ليس من صريح الطلاق - كما سبق في مسألة (29) - ولا من كناياته - كما في مسألة (41) - كقوله لزوجته: "أنا طالق" أو "أنا منكِ طالق" أو "أنا بائن" أو "أنا منكِ بائن" أو "أنا حرام" أو "أنا بريء" أو يقول لها: "كلي" أو "اشربي" أو "اقعدي" أو "قومي" أو "بارك الله فيكِ وعليك" أو "أنتِ مليحة وجميلة" أو "أنتِ قذرة وقبيحة": فلا يقع بذلك طلاق ويكون لغوًا من الكلام: سواء نوى الطلاق به، أو لم ينوه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون تلك الألفاظ ليست من صريح الطلاق، ولا كنايته: أن لا يقع بها طلاق مطلقًا؛ لعدم احتمال الطلاق فيه.
(47)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ علي حرام" أو قال لها: "أنتِ علي كظهر أمي" أو قال لها: "ما أحلَّ الله علي حرام" أو قال لها: "الحلُّ علي حرام": فإن =
وإن قاله لمحرَّمة بحيض أو نحوه، ونوى أنها محرَّمة به: فلغو
(48)
(وإن قال: ما أحلَّ الله علي حرام، أعني به الطلاق: طلقت ثلاثًا)؛ لأن الألف واللام للاستغراق؛ لعدم معهود يُحمل عليه
(49)
(وإن قال: أعني به طلاقًا: فواحدة)؛ لعدم ما يدل على الاستغراق
(50)
(وإن قال) زوجته (كالميتة، والدم، والخنزير: وقع ما نواه من طلاق،
كل ذلك يكون ظهارًا: سواء نوى بهذا القول طلاق زوجته أو لم ينو به ذلك؛ للتلازم؛ حيث إن كون هذه الألفاظ تقتضي تحريمها على التأبيد، والطلاق هو تحريم غير مؤبَّد يلزم منه: أن تكون تلك الألفاظ ظهارًا، ولا تكون طلاقًا، ويلزم من كون تلك الألفاظ صريحة في الظهار: عدم صلاحية نيتها للطلاق.
(48)
مسألة: إذا كانت الزوجة يحرم وطؤها وجماعها بسبب حيض، أو نفاس، أو صيام، أو إحرام بحج أو عمرة، ثم قال لها زوجها:"أنتِ علي حرام" أو "كظهر أمي" أو "ما أحل الله علي حرام" أو "الحل علي حرام" ونوى أنها محرَّمة عليه بذلك الحيض والنفاس ونحوه: فإن هذا لغو من الكلام، لا يكون ظهارًا ولا طلاقًا؛ للتلازم؛ حيث إن مطابقة قوله هذا للواقع من زوجته - وهو: أنها محرمة حقيقة - بالحيض أو غيره من الأسباب - يلزم منه: أنه كلام لغو، لا يُعتبر، فلا يكون ظهارًا ولا طلاقًا.
(49)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "ما أحلَّ الله علي حرام: أعني به الطلاق": فإن زوجته تطلق ثلاث طلقات، لا تحل له إلا بعد زوج آخر؛ للتلازم؛ حيث يلزم من القرينة اللفظية - وهي قوله:"أعني به الطلاق": صرف اللفظ عن كونه ظهارًا، إلى كونه طلاقًا، ويلزم من لفظ "الطلاق" وقوع جميع عدد الطلاق الثلاث؛ لأن "الطلاق" اسم محلى بأل الاستغراقية، وهي من صيغ العموم، فتعم جميع عدد الطلقات؛ لعدم وجود معهود لفظي أو ذهني تعود إليه "أل" هنا.
(50)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "ما أحلَّ الله علي حرام: أعني به طلاقًا": فإن زوجته تطلق طلقة واحدة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من القرينة اللفظية - وهي قوله: =
وظهار، ويمين): بأن يريد ترك وطئها، لا تحريمها، ولا طلاقها، فتكون يمينًا، فيها الكفارة بالحنث (وإن لم ينو شيئًا) من هذه الثلاثة:(فظهار)؛ لأن معناه: أنتِ علي حرام كالميتة، والدم
(51)
(وإن قال: حلفتُ بالطلاق، وكذب)؛ لكونه لم يكن حلف
"أعني به طلاقًا": صرف اللفظ عن كونه ظهارًا إلى كونه طلاقًا، ويلزم من لفظ "طلاق": وقوع طلقة واحدة فقط؛ لأنه نكرة في سياق إثبات، فلا يفيد عموم الطلقات، فيكون طلقة واحدة؛ لعدم وجود ما يدل على الاستغراق والشمول.
(51)
مسألة: إذا قال زوج: "إن زوجتي كالميتة" أو "إنها كالدم" أو "إنها كالخنزير": ففي ذلك حالتان: الحالة الأولى: إن كان قد نوى عند قوله ذلك طلاقًا: فإنه يقع ما نواه، وهو: أن تطلق زوجته، وإن كان قد نوى: ظهارًا: فإنه يقع ظهارًا، وتفارقه زوجته، وإن كان قد نوى: يمينًا: بأن كان يريد ترك جماعها فقط، ولم يقصد طلاقها، ولا تحريمها عليه تحريمًا مؤبدًا: فإن ذلك يكون يمينًا، وتجب على ذلك الزوج كفارة اليمين - إما عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام -؛ للتلازم؛ حيث إن النية مخصِّصة لقصده وإرادته فيلزم العمل على تلك النية الحالة الثانية: إن لم ينو الزوج عند قوله ذلك طلاقًا، ولا ظهارًا، ولا يمينًا: فإنه يكون ظهارًا؛ للتلازم؛ حيث إنه قد شبَّه زوجته بالميتة أو الدم، أو الخنزير المحرمات على المسلم على التأبيد، وهذا يلزم منه كونه ظهارًا؛ لكون الظهار تحريمًا على التأبيد، فإن قلتَ: إن ذلك لا يكون ظهارًا، بل يكون يمينًا؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل براءة الذمة، فإذا نطق بلفظ محتمل: فإنه يُحمل على أقل الأحكام - وهو هنا اليمين -، لأنه هو اليقين، وما فوقه مشكوك فيه قلتُ: إن ما قاله الزوج ليس بلفظ محتمل، بل يغلب على الظن أنه أراد التحريم المؤبَّد؛ لدلالة تشبيهها بالميتة، والدم، والخنزير، وهذه محرمة على التأبيد، فيكون ما قصده من الفرقة مثل ذلك، وهو الظهار فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الاختلاف فيما قاله الزوج هنا هل هو لفظ محتمل، أو =
به: (لزمه) الطلاق (حكمًا) مؤاخذة له بإقراره، ويدين فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى
(52)
(وإن قال) لزوجته: (أمرك بيدك: ملكت ثلاثًا، ولو نوى واحدة)؛ لأنه كناية ظاهرة. وروي ذلك عن عثمان، وعلي، وابن عمر، وابن عباس
(53)
(ويتراخى) فلها أن تطلِّق نفسها متى شاءت ما لم يحد لها حدًّا أو (ما لم يطأ، أو يطلِّق، أو يفسخ) ما جعله لها، أو ترد هي؛ لأن ذلك يُبطل الوكالة
(54)
(ويختص)
لا؟ فعندنا: غير محتمل، وعندهم محتمل.
(52)
مسألة: إذا قال الزوج: "حلفتُ بالطلاق" ولكنه كذب في هذا الحلف؛ لكونه لم يحلف به أصلًا: فإنه يُحكم بطلاق زوجته؛ للتلازم؛ حيث إنه أقرَّ بالطلاق بسبب هذا القول فيلزم إيقاعه؛ مؤاخذة له بذلك الإقرار، هذا على حسب الظاهر، أما ما نواه: فإنه يوكل إلى دينه فيما بينه وبين الله.
[فرع]: إذا قال: "حلفتُ بالطلاق الثلاث" ثم قال: لم أحلف إلا بواحدة: فإنه يُقبل قوله؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه أعلم من غيره بحاله: أن يُقبل قوله.
(53)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أمركِ بيدكِ" ونوى به الطلاق: فإنها تملك أن تُطلِّق نفسها ثلاث طلقات: سواء نوى الزوج طلقة واحدة، أو لم ينو شيئًا؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما لو قال لها: "طلقي نفسك ما شئتِ": فإنها تملك أن تطلِّق نفسها ثلاث طلقات، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا منها توكيل لها بأن تطلق نفسها، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك قد ثبت عن عثمان، وعلي، وابن عمر، وابن عباس.
(54)
مسألة: إذا قال زوج لزوجته: "أمركِ بيدكِ" ونوى به الطلاق: فإنها تطلق نفسها في أيِّ وقتٍ شاءت بشرط: أن لا يُحدِّد لها وقتًا، أو يطأها ويجامعها، أو يُطلِّقها بنفسها، أو يفسخ ما جعله لها، أو يفسخها بخلع، أو ترد هي ما جعله لها فإن حصل واحد من تلك الأمور فلا تراخي في ذلك؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الوكيل =
قوله لها (اختاري نفسك بواحدة، وبالمجلس المتصل ما لم يزدها فيهما) بأن يقول لها: "اختاري نفسك متى شئتِ" أو "أي عدد شئتِ" فيكون على ما قال؛ لأن الحق له، وقد وكَّلها فيه، ووكيل كل إنسان يقوم مقامه، واحترز بالمتصل عما لو تشاغلا بقاطع قبل اختيارها، فيبطل به
(55)
، وصفة اختيارها:"اخترت نفسي" أو "أبوي" أو
يجوز أن يعمل على التوكيل متى ما شاء: فورًا وعلى التراخي إذا أُطلق له وقت الوكالة، وتبطل تلك الوكالة إذا انتهى وقت الوكالة المحدَّد، أو يبطلها الموكِّل، أو يرفضها الوكيل، أو يحصل شيء يفسخ الوكالة كموت الوكيل، أو الموكِّل، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا من المقاس، والمقاس عليه قد وُجدت فيهما حقيقة التوكيل.
(55)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "اختاري نفسكِ" ونوى به الطلاق: فإن الزوجة تملك طلقة واحدة فقط بشرطين: أولهما: أن تختار في المجلس المتصل بذلك القول منه، فإن تشاغل الزوجان بقاطع من الكلام غير الطلاق، أو قاما أو أحدهما قبل اختيارها: فإن هذا القول يبطل، وليس لها أن تختار لنفسها فلا تملك شيئًا من الطلاق، ثانيهما: أن لا يزيد على ذلك القول شيئًا، فإن زاد فيه كأن يقول لها:"اختاري نفسك متى شئتِ" أو قال: "اختاري نفسك أيَّ عدد شئتِ": أو نوى وقتًا، أو عددًا: فإنه يُعمل على ما قال من الزيادة، أو نواه؛ لقواعد: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من لفظ "اختاري" بدون زيادة تفويضها تفويضًا معينًا فإذا اختارت تناول أقل ما يطلق عليه الاسم، وهو طلقة واحدة رجعية، ويلزم من كون ذلك بلا عوض: أن لا تكون بائنًا، الثانية: قول الصحابي؛ حيث قضى عمر وعثمان وابن عمر، وابن مسعود في الرجل يخير امرأته بدون زيادة أن لها الخيار ما لم يتفرقا، ما داما في المجلس، الثالثة: القياس؛ بيانه: كما أنه يُشترط في خيار القبول للمبيع الفورية، فكذلك ما نحن فيه، والجامع: أن كلًّا منهما خيار تمليك.
"الأزواج" فإن قالت: "اخترتُ زوجي" أو "اخترت" فقط: لم يقع شيء
(56)
(فإن ردَّت) الزوجة (أو وطئـ) ـها (أو طلقـ) ـها (أو فسخ) خيارها قبله: (بطل خيارها) كسائر الوكالات
(57)
، ومن طلَّق في قلبه: لم يقع، وإن تلفظ به، أو حرَّك لسانه: وقع، ومميز، ومميزة يعقلانه كبالغين فيما تقدم
(58)
.
(56)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "اختاري نفسكِ" ونوى به الطلاق: فصفة اختيارها: أن تقول: "اخترت نفسي" أو تقول: "اخترتُ أبوي" أو تقول: "اخترت الأزواج" فحينئذٍ تطلق طلقة واحدة رجعية، أما إن قالت:"اخترتُ زوجي" أو قالت: "اخترتُ" فقط: فلا يقع شيء، ويكون لغوًا من الكلام؛ لقاعدتين: الأولى: السنة التقريرية؛ حيث قالت عائشة: "خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه، ولم يعد ذلك طلاقًا" الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من تفويض الطلاق إليها: أن توقعه بهذه الصفة؛ لدلالتها اختيارها غير زوجها، ويلزم من اختيارها لزوجها، أو اختيارها بدون إضافة: أن لا يقع شيء.
(57)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "اختاري نفسكِ" فردَّت الزوجة ذلك، أو جامعها ووطئها، أو طلقها، أو فسخ نكاحها بخلع قبل اختيارها: فإنه يبطل اختيارها ويسقط، للقياس؛ بيانه: كما أن الوكالة تبطل، برد الوكيل لها، وفسخ الموكِّل لها بقول أو فعل فكذلك تخيير الزوج لزوجته يبطل بتلك الأمور، والجامع: أن كلًّا منها توكيل له حكم الوكالات.
(58)
مسألة: إذا طلق زوج زوجته في قلبه ولم يتلفَّظ به بلسانه: فإنها لا تطلق، أما إن تلفَّظ بالطلاق، أو حرَّك لسانه به: فإنه يقع؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل، أو تتكلَّم" فدل منطوق ذلك على أن ما يُحدِّث به الإنسان نفسه: قد تجاوز الشارع عنه، فلا يترتب عليه آثاره، وهذا عام؛ لأن "ما" موصولة وهي من صيغ العموم، فيشمل الطلاق وغيره، ودل بمفهوم الشرط على أن الذي يتكلَّم به المسلم المكلَّف لا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يتجاوز الشارع عنه؛ حيث إنه مؤاخذ به، وهذا عام، من باب:"عموم المفهوم" فيدخل الطلاق في هذا العموم وغيره، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من النطق بالطلاق: وقوعه؛ لتوفر شرطه، وهو التلفُّظ فيه، ويلزم من عدم هذا الشرط - وهو التلفُّظ به - عدم وقوعه، ولو فكَّر فيه في قلبه. تنبيه: قوله: "ومميز ومميزة يعقلانه كبالغين فيما تقدم" قلتُ: هذا مذهب المصنف؛ حيث إنه يقع عنده طلاق الصبي المميز الذي يعقل معنى الطلاق، وقد بينتُ: أن طلاق الصبي لا يصح ولا يقع وذلك في الفرع التابع لمسألة (6). تنبيه آخر: يقع الطلاق بغير لفظ في حالتين: وهما: إذا كتب صريح الطلاق، ونواه، وإذا طلَّق الأخرس، وقد سبق بيان ذلك في الفرع التابع لمسألة (40).
هذه آخر مسائل: "بيان تعريف الطلاق، وحكمه، ومن يصح طلاقه، ومن لا يصح طلاقه، والتوكيل فيه، والطلاق السني والبدعي، وصريح الطلاق وكنايته وما ليس منهما" ويليه باب: "ما يختلف به عدد الطلاق والاستثناء في الطلاق".
باب ما يختلف به عدد الطلاق
وهو معتبر بالرجال، روي عن عمر، وعثمان، وزيد، وابن عباس، فـ (يملك من كله حر، أو بعضه) حر (ثلاثًا و) يملك (العبد اثنتين: حرة كانت زوجتاهما أو أمة)؛ لأن الطلاق خالص حق الزوج فاعتبر به
(1)
(فإذا قال) حر: (أنتِ الطلاق أو)
باب ما يختلف به عدد الطلاق، والاستثناء في الطلاق
وفيه ثلاث وعشرون مسألة:
(1)
مسألة: كثرة عدد التطليقات، وقلتها معتبر بالزوج فقط، أي: ينظر فيه إلى الزوج: فإن كان الزوج حرًا: فإنه يملك ثلاث تطليقات: سواء كانت زوجته حرَّة، أو أمة، وإن كان الزوج عبدًا: فإنه يملك تطليقتين فقط: سواء كانت زوجته حرَّة أو أمة؛ لقواعد: الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قوله عليه السلام: "طلاق العبد اثنتان، فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، وقروء الأمة حيضتان" - كما روته عائشة - حيث دلّ منطوقه على أن العبد لا يملك إلا طلقتين فقط، وهذا مطلق: أي: سواء كانت التي تحته حرة أو أمة، ويدلّ على أن المالك للطلاق هو الزوج، فإذا ثبت هذا في العبد فمن باب أولى أن يثبت بالحر من باب "مفهوم الموافقة الأولى" فيكون الطلاق معتبرًا بالزوج فقط، ودلّ مفهوم الصفة والعدد على أن الحر يملك أكمل العدد في الطلاق وهو: ثلاث تطليقات؛ ثانيهما: قوله عليه السلام: "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق" فجعله للزوج؛ لأنه هو الذي يأخذ بالساق، الثانية: التلازم؛ حيث إن الله تعالى قد خاطب الرجال بالطلاق قائلًا: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} وجعلهم يملكون النكاح في قوله: {فَانْكِحُوا} يلزم منه: أن يكون الطلاق حق خالص لهم، فيعتبر بهم، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك قد ثبت عن عمر، وعثمان، وزيد بن ثابت، =
أنتِ (طالق أو) قال (علي) الطلاق (أو) قال (يلزمني) الطلاق: (وقع ثلاثًا بنيتها)؛ لأن لفظه يحتمل ذلك (وإلا) ينو بذلك ثلاثًا (فواحدة)؛ عملًا بالعرف، وكذا: قوله:
وابن عباس فإن قلتَ: إن الطلاق معتبر بالنساء: فيملك زوج الحرة ثلاثًا: سواء كان عبدًا أو حرًا، ويملك زوج الأمة طلقتين: سواء كان عبدًا أو حرًا، وهو رواية عن أحمد، وهو قول أبي حنيفة؛ لقواعد: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "طلاق الأمة تطليقتان" - كما روته عائشة -، وهذا مطلق في الزوج، أي: سواء كان زوجها حرًا أو عبدًا، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن العدَّة يعتبر بها المرأة، فكذلك الطلاق، والجامع: أن كلًّا منهما هي محله. الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك ثبت عن علي، وابن مسعود، قلتُ: أما الحديث: فهو ضعيف؛ لما قاله أبو داود: إن من رواته مظاهر بن أسلم، وهو منكر الحديث، وقد خالفه ما رويناه عن عائشة أنه عليه السلام قال:"طلاق العبد اثنتان" وقد سبق، وهو أصح منه فيقدَّم عليه، أما القياس فهو فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن الحر يملك أن يتزوج أربعًا، فلزم أن يملك من الطلقات ثلاثًا، فيكون الطلاق خاصًا بالرجل، بخلاف المرأة؛ حيث تختص بالعدة: أما قول الصحابي: فهو معارض بقول صحابي آخر فيتساقطان، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: الخلاف في حديث: "طلاق الأمة تطليقات" فعندنا: ضعيف، وعندهم: صحيح، وأيضًا:"تعارض القياس مع السنة القولية".
[فرع]: إذا كان الزوج مبعَّضًا، أي: بعضه حر، وبعضه الآخر عبد: فإنه يتزوج ثلاثًا - كما سبق - ويطلق ثلاث تطليقات؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل: أن يملك كل مطلق ثلاث تطليقات، وإنما خولف في العبد الكامل الرق - بأن كان له تطليقتان فقط -؛ لحديث عائشة:"طلاق العبد اثنتان"، فيبقى فيما عداه على الأصل، ويُعمل به.
"الطلاق لازم لي" أو "علي": فهو صريح: منجزًا، أو معلَّقًا، ومحلوفًا به
(2)
، وإذا قاله من معه عدد: وقع بكل واحدة طلقة، ما لم تكن نية، أو سبب يخصِّصه بإحداهن
(3)
، وإن قال:"أنتِ طالق" ونوى ثلاثًا: وقعت
(4)
، بخلاف: "أنتِ طالق
(2)
مسألة: إذا قال زوج حر لزوجته: "أنتِ الطلاق" أو قال: "أنتِ طالق" أو قال: "علي الطلاق" أو قال: "يلزمني الطلاق" أو قال: "الطلاق لازم لي" أو قال: "الطلاق لازم علي": فإن الطلاق يقع ثلاثًا على زوجته إذا نوى أنها ثلاث تطليقات، أما إذا لم ينو ذلك: فإن الطلاق عليها يقع واحدة، وهذا مطلق، أي: سواء كان ذلك الطلاق منجزًا كقوله: "أنتِ طالق" أو معلَّقًا بشرط كقوله: "أنتِ طالق إن دخلتِ الدار" أو كان محلوفًا به كقوله: "أنتِ طالق لأقومن"؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون تلك الألفاظ صريحة في الطلاق: أن يقع الطلاق بها واحدة، ويلزم من احتمال قصده واحدة أو ثلاثًا: أن يُعلَّق ذلك على نيته بهذا اللفظ: فإن نوى بها ثلاثًا: وقعت كلها، وإن لم ينوِ به ذلك: وقعت واحدة.
(3)
مسألة: إذا قال زوج لعدد من زوجاته: "علي الطلاق" أو قال: "الطلاق لازم لي" أو "الطلاق لازم علي": فإنه تقع على كل واحدة من زوجاته طلقة واحدة بشرطين: أولهما: أن لا ينوي بذلك القول وقوع أكثر من طلقة، فإن نوى بأن تقع أكثر من طلقة على كل واحدة منهن: فإنه يقع ما نواه ثانيهما: أن لا يوجد سبب يخصِّص الطلاق بإحدى الزوجات كالمشاجرة مع إحداهن، فإن وجد ذلك السبب كالمشاجرة والمخاصمة مع إحداهن: فإن ذلك الطلاق يقع على المتشاجر والمتخاصم معها فقط، دون غيرها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم نيته لأكثر من طلقة: أن تقع واحدة، ويلزم من نيته لأكثر منها: أن يقع ما نواه من التطليقات، ويلزم من عدم السبب المخصِّص لإحداهن: تعميم الطلاق بواحدة لجميعهن، ويلزم من وجود المخصص: وقوع الطلاق على المخصَّصة بالمشاجرة معها.
(4)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق" ونوى بذلك أنها ثلاث: فإنها تقع =
واحدة": فلا يقع به ثلاثًا، وإن نواها
(5)
(ويقع بلفظ) أنتِ طالق (كل الطلاق، أو
ثلاث طلقات؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أنه إذا قال: "أنت طالق ثلاثًا" لوقع ثلاثًا، فكذلك إذا قال:"أنتِ طالق" ونوى ثلاثًا: فإنها تطلق ثلاثًا كالكنايات والجامع: أنه قصد في كلٍ وقوع الثلاث عليها الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون "طالق" اسم فاعل اقتضاؤه للمصدر وهو "طلاق" والمصدر يقع على القليل والكثير، فإن قلتَ: إنه يقع واحدة فقط وهو رواية عن أحمد، وهو قول الحنفية؛ للقياس؛ بيانه: كما لو قال: "أنتِ طالق واحدة" فلا يقع إلا واحدة فكذلك إذا قال: "أنتِ طالق" ولو نوى ثلاثًا والجامع: أن هذا اللفظ لا يتضمن عددًا ولا بينونة قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن النية عندنا تفيد ما يفيده اللفظ فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين".
[فرع]: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق طلاقًا" ونوى ثلاثًا فإن زوجته تطلق ثلاثًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون المصدر يصدق على القليل والكثير، أن يكون ذلك ثلاث طلقات إذا نواها.
(5)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق واحدة" ونوى بها ثلاثًا: فلا يقع بها إلا واحدة، وكذلك لو طلق طلقة واحدة، ثم قال:"جعلتها ثلاثًا" لا يقع إلا واحدة؛ للتلازم؛ حيث إن لفظه لا يحتمل أكثر من واحدة، ونيته ثلاثًا هي نية لما لا يحتمله لفظه فلزم أن لا يقع إلا واحدة؛ عملًا بلفظه.
[فرع]: إن قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق هكذا" وأشار بأصابعه الثلاث: فإنها تطلق ثلاثًا، أما إن قال "أنتِ طالق" وأشار بأصابعه الثلاث ولم يقل:"هكذا": فلا تطلق إلا طلقة واحدة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من لفظ "هكذا": بيان ما أراده من عدد التطليقات فكان صريحًا بالتشبيه، مثل قوله عليه السلام:"الشهر هكذا وهكذا" وأشار بيده مرة ثلاثين، ومرة تسعًا وعشرين، ويلزم من عدم لفظ "هكذا": عدم وقوع الطلاق إلا مرة واحدة؛ لكون الإشارة قاصرة =
أكثره، أو عدد الحصى، أو الريح، أو نحو ذلك ثلاث ولو نوى واحدة)؛ لأنها لا يحتملها لفظه كقوله: يا مائة طالق
(6)
، وإن قال: "أنتِ طالق أغلظ الطلاق، أو أطوله، أو أعرضه، أو ملء الدنيا، أو عظم الجبل: فطلقه، إن لم ينو أكثر
(7)
(وإن
عن بيان عدد التطليقات.
(6)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق كل الطلاق" أو قال: "أنتِ طالق أكثر الطلاق" أو قال: "أنتِ طالق عدد الحصى" أو قال: "أنتِ طالق عدد الريح" أو قال: "أنتِ طالق جميع الطلاق" أو قال: "أنتِ طالق منتهى الطلاق" أو قال: "أنتِ طالق غاية الطلاق" أو قال: "أنتِ طالق عدد القطر" أو قال: "أنتِ طالق عدد الرَّمل، أو عدد التراب" أو قال: "يا مائة طالق": فإنه زوجته تطلق ثلاث تطليقات: سواء نوى ذلك واحدة، أو لم ينو ذلك؛ للتلازم؛ حيث إن تلك الألفاظ تقتضي العدد، ولا تحتمل الواحدة: فلزم أن تكون ثلاثًا، فإن قلتَ: إن قال: "أنتِ طالق كعدد التراب، أو عدد الماء" فلا تقع إلا واحدة وهو قول أبي حنيفة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون "الماء" والتراب "من أسماء الأجناس: أن لا يكون له عدد قلتُ: إن الماء تتعدَّد أنواعه وقطراته، والتراب تتعدَّد أجزاؤه وأنواعه، فيكون كالحصى، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في الماء والتراب هل لهما أعداد أو لا؟ " فعندنا: نعم، وعندهم: لا.
(7)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق أشد الطلاق" أو قال: "أنتِ طالق أغلظ الطلاق" أو قال: "أنتِ طالق أطول الطلاق، أو قال: "أنتِ طالق أعرض الطلاق" أو قال: "أنتِ طالق ملء السماء" أو قال: "أنتِ طالق ملء الدار" أو قال: "أنتِ طالق عظم الجبل": فإن زوجته تطلق طلقة واحدة بشرط: أن لا ينوي أكثر منها، فإن نوى أكثر من واحدة: فإنه يقع ما نواه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون هذه الألفاظ لا تقتضي عددًا وأنها ترجع إلى الكيف، ولا =
طلَّق) من زوجته (عضوًا) كيد، أو إصبع (أو) طلَّق منها (جزءًا مشاعًا) كنصف وسدس (أو) جزءًا (معينًا) كنصفها الفوقاني (أو) جزءًا (مبهمًا): بأن قال لها: "جزؤك طالق"(أو قال) لزوجته: "أنتِ طالق"(نصف طلقة، أو جزءًا من طلقة: طلقت)؛ لأن الطلاق لا يتبعَّض
(8)
(وعكسه: الروح، والسن، والشعر، والظفر ونحوه) فإذا قال لها: "روحكِ، أو سنكِ، أو شعركِ، أو ظفركِ، أو سمعكِ، أو بصركِ، أو ريقكِ طالق": لم تطلق
(9)
، ..............................
ترجع إلى الكم: أن لا يقع إلا طلقة واحدة، ويلزم من نيته أكثر منها: وقوع ما نواه، فإن قلتَ: إنه يقع بذلك ثلاثًا، وهو قول أبي حنيفة وكثير من أصحابه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وصفه الطلاق بصفة زائدة: أن يقع بذلك الثلاث، وهي البينونة، قلتُ: إن هذه الألفاظ قد جاءت من الزوج بدون التعرض للعدد، ولا يوجد عوض: فكان رجعيًا كما لو قال: "أنتِ طالق" وسكت، وهذا كله لا يقتضي زيادة عدد عليه فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازمين".
(8)
مسألة: إذا طلَّق الزوج عضوًا من أعضاء زوجته كأن يقول لها: "يدك، أو إصبعك طالق" أو طلَّق جزءًا مشاعًا منها كقوله لها: "نصفك، أو سدسك طالق" أو طلق جزءًا معينًا كقوله لها: "نصفك الفوقاني طالق"، أو طلَّق جزءًا مبهمًا كقوله لها:"جزؤك طالق"، أو قال لها:"أنتِ طالق نصف طلقة" أو قال: "أنتِ طالق جزءًا من طلقة: فإن تلك الزوجة تطلق طلقة واحدة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الطلاق لا يتبعَّض: وقوع طلقة واحدة كاملة؛ حيث إن ذكر ما لا يتبعَّض في الطلاق مثل ذكر جميعه، ويلزم من إضافة الطلاق إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح: أن تطلق جميع أجزائها.
(9)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "روحكِ طالق" أو قال: "سنكِ طالق" أو قال: "شعركِ طالق" أو قال: "ظفركِ طالق" أو قال: "سمعكِ طالق" أو قال: "بصركِ =
وعتق في ذلك كطلاق
(10)
(وإذا قال لـ) زوجة (مدخول بها: أنتِ طالق، وكرره) مرتين، أو ثلاثًا:(وقع العدد) أي: وقع الطلاق بعدد التكرار: فإن كرره مرتين: وقع اثنتان، وإن كرره ثلاثًا، وقع ثلاث؛ لأنه أتى بصريح الطلاق (إلا أن ينوي) بتكراره (تأكيدًا: يصح) بأن يكون متصلًا (أو) ينوي (إفهامًا) فيقع واحدة؛ لانصراف ما زاد عليها عن الوقوع بنية التأكيد المتصل، فإن انفصل التأكيد وقع
طالق" أو قال: "ريقكِ طالق": فإن زوجته لا تطلق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون هذه الأشياء تنفصل عنها في حال السلامة، ولا يستمتع بها عادة: عدم وقوع الطلاق بسببها، فإن قلتَ: إن قال: "شعركِ، أو ظفركِ أو سنك طالق": فإنها تطلق بذلك، وهو قول مالك والشافعي؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال: "إصبعكِ طالق": فإنها تطلق، فكذلك الحال هنا والجامع: أن كلًّا منها جزء قد استبيح بنكاحها فطلق بطلاقها، قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن الشعر، والسن، والظفر تنفصل في حال السلامة، بخلاف الإصبع فلا ينفصل إلا في حالة غير سليمة، ومع الفرق: فلا قياس، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: "تعارض القياس مع التلازم" فإن قلت: إذا قال الزوج: "روحك طالق"؛ فإنها تطلق، وهي رواية عن أحمد؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الزوجة لا تبقى بدون روحها: أن تطلق إذا طلَّق روحها قلتُ: إن الروح ليست عضوًا، ولا شيئًا يستمتع به: فلا تطلق المرأة بطلاق روحها، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازمين".
(10)
مسألة: إذا أعتق سيد عضوًا من أعضاء عبده لا ينفصل إلا بضرر كقوله: "يدك حرة" ونحو ذلك: فإنه يعتق، وإذا أعتق جزءًا ينفصل بدون ضرر كقوله:"شعرك أو ظفرك، أو بصرك حر" ونحوه: فإنه لا يعتق؛ للقياس على الزوجة في مسألتي (8 و 9) وقد سبق بيان ذلك.
أيضًا؛ لفوات شرطه
(11)
(وإن كرره ببل) بأن قال: "أنتِ طالق، بل طالق (أو بثم) بأن قال: أنتِ طالق، ثم طالق (أو بالفاء) بأن قال: أنتِ طالق، فطالق (أو قال) طالق طلقة (بعدها) طلقة (أو) طلقة (قبلها) طلقة (أو) طلقة (معها طلقة: وقع اثنتان) في مدخول بها؛ لأن للرجعية حكم الزوجات في لحوق الطلاق
(12)
(وإن لم
(11)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته المدخول بها - بوطء، أو خلوة -:"أنتِ طالق" وكرَّر هذا القول مرتين أو ثلاثًا: فله حالتان: الحالة الأولى: إن كرَّر لفظ الطلاق بأن قال: "أنتِ طالق، أنت طالق، أنتِ طالق" ولم ينو في ذلك تأكيد الطلاق، ولا إفهامها أنه أوقع عليها الطلاق: فإنه يقع عليها عدد ما كرره: فإن كرره مرتين: وقعت طلقتان، وإن كرره ثلاث مرات: وقع ثلاث طلقات؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه قد أتى بصريح الطلاق ولم ينو تأكيده ولا إفهامها: أن يقع عدد الطلاق الذي تلفَّظ به الحالة الثانية: إن كرر لفظ الطلاق: بأن قال: "أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق" ونوى بهذا التكرار تأكيد الطلاق، أو نوى به إفهامها بأنه طلَّقها: فإنها تطلق طلقة واحدة فقط بشرط: أن يكون هذا التأكيد، أو إفهامها متصلًا مباشرة بتلفُّظه، بأن يقول:"أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق" ثم يقول بعدها: نويت بالثانية والثالثة التأكيد، أو نويت بهما إفهامها، أما إن انفصلت تلك النية عن القول: فإنها تطلق ثلاثًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود تلك النية متصلة بتلفظه بتلك الألفاظ: أن يُعمل بنيته وقصده، ويلزم من انفصال تلك النية عن قوله ذلك: عدم اعتبار نيته، ووقوع عدد ما تلفَّظ به؛ لعدم وجود شرط الاتصال. تنبيه: خُصِّصت هذه المسألة بالزوجة المدخول بها لأن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة - كما سيأتي بيانه -.
(12)
مسألة: إذا كرر الزوج الطلاق لزوجته المدخول بها بـ "بل" أو بـ "ثم" أو بـ "الفاء"، أو كرره بجعل واحدة بعد الأخرى، أو قبلها: فإنه يقع الطلاق بعدد ما كرره، فمثلًا: لو قال: "أنتِ طالق، بل طالق" أو قال: "أنتِ طالق ثم طالق" =
يدخل بها: بانت بالأولى ولم يلزمه ما بعدها)؛ لأن البائن لا يلحقها طلاق
(13)
.
بخلاف: أنتِ طالق طلقة معها طلقة، أو فوق طلقة، أو تحت طلقة، أو فوقها، أو تحتها طلقة: فثنتان، ولو غير مدخول بها
(14)
(والمعلَّق) من الطلاق
أو قال: "أنتِ طالق فطالق" أو قال: "أنتِ طالق طلقة بعدها طلقة" أو قال: "أنت طالق طلقة بعد طلقة" أو قال: "أنتِ طالق طلقة قبلها طلقة" أو قال: "أنتِ طالق طلقة معها طلقة": فإن زوجته تلك تطلق طلقتين؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال: "أنتِ طالق طلقتين" فكذلك الحال في تلك الصور والجامع: أن كلًّا منها لفظ يقتضي وقوع طلقتين؛ لكونها حروف عطف؛ لأن "طلقتين" هي: "طلقة وطلقة"، فإن قلتَ: كيف تطلق المطلقة؟ قلتُ: لأن المدخول بها إذا طلقت طلقة واحدة، أو اثنتين: فإنها تكون رجعية، وحكم الرجعية حكم الزوجات في لحوق الطلاق، فتأتي الطلقة الثانية فتصادفها محل نكاح فتقع، وكذلك الطلقة الثالثة مثل ذلك.
(13)
مسألة: إذا كرر لفظ الطلاق - كما في مسألة (11) - أو كرر الطلاق ببل أو بثم، أو بالفاء - كما في مسألة (12) - لزوجته غير المدخول بها: فإنها تكون بائنًا بالطلقة الأولى، ولا يلزمه ما بعدها من الطلقات؛ للتلازم؛ حيث إن غير المدخول بها إذا طلقها واحدة تكون بائنًا، والبائن غير زوجة ولا رجعية، فيلزم عدم وقوع الطلاق مرة ثانية بها؛ لكون تلك الحروف - وهي بل، وثم والفاء - تقتضي الترتيب فتقع بها الأولى فتبينها، وتأتي الثانية فتصادفها غير زوجة، فلا تقع بها.
(14)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق طلقة معها طلقة" أو "أنتِ طالق طلقة فوق طلقة" أو "أنتِ طالق طلقة تحت طلقة" أو "أنتِ طالق طلقة تحتها طلقة" أو "أنتِ طالق طلقة فوقها طلقة": فإن زوجته تطلق طلقتين: سواء كانت مدخولًا بها، أو لا؛ للتلازم؛ حيث إن تلك الألفاظ ليست مرتبة فالمعية، والفوقية، والتحتية لا يُقدم إحداها على الأخرى، فهي متساوية فيلزم وقوعها =
(كالمنجز في هذا) الذي تقدم ذكره، فإن قال:"إن قمتِ فأنتِ طالق، وطالق، وطالق" فقامت: وقع الثلاث ولد غير مدخول بها
(15)
، و"إن قمتِ فأنتِ طالق فطالق، أو ثم طالق" وقامت: وقع ثنتان في مدخول بها
(16)
وتبين غيرها بالأولى
(17)
.
وقوع ما تلفَّظ به من الطلقتين معًا: بخلاف "بل، وثم، والفاء" فهي تفيد الترتيب - كما سبق بيانه -.
(15)
مسألة: إذا علَّق الزوج طلاق زوجته على شرط: فإنه يكون كالطلاق المنجز فيما إذا كرَّر لفظه، أو كرره بـ "بل أو ثم، أو الفاء" - كما سبق في مسألتي (11 و 12) - فمثلًا: لو قال الزوج لزوجته: "إن قمتِ فأنتِ طالق، وطالق، وطالق" فقامت: فإنها تطلق ثلاث تطليقات: سواء كانت مدخولًا بها أو لا؛ للتلازم؛ حيث إن كون "الواو" تقتضي الجمع، ولا تقتضي الترتيب يلزم منه وقوع ثلاث تطليقات معًا، كما لو قال:"إن دخلت الدار فأنت طالق"، وكرر ذلك ثلاثًا، فدخلت: فإنها تطلق ثلاثًا ولم تتقدَّم طلقة على أخرى هنا حتى تقول: إن غير المدخول بها قد بانت بها، بل اجتمعت معًا.
(16)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته المدخول بها: "إن قمتِ فأنتِ طالق فطالق" أو قال: "إن قمتِ فأنتِ طالق ثم طالق": فقامت: فإن زوجته تلك تطلق طلقتين، أو قال لها:"إن دخلتِ الدار فأنتِ طالق، إن دخلت الدار فأنتِ طالق": فإنها تطلق طلقتين، وإن كرر ذلك ثلاثًا: فإنها تطلق ثلاثًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من العطف بالفاء أو "ثم"، أو تكرار الصفة: أن يقع الطلاق بعدد المعطوف والمعطوف عليه، وحيثما وُجدت الصفة وتكررت؛ لكونها للترتيب.
(17)
مسألة: كل طلاق مرتَّب في الوقوع بحيث يأتي بعضه بعد بعض: يقع بغير المدخول بها طلقة واحدة فقط فمثلًا: إذا قال لزوجته غير المدخول بها: "إن قمتِ فأنتِ طالق فطالق" أو قال: "إن قمتِ فأنتِ طالق ثم طالق": فإن تلك الزوجة لا تطلق إلا طلقة واحدة وتبين منها، وهي الطلقة الأولى؛ للتلازم؛ حيث يلزم =
(فصل): في الاستثناء في الطلاق (ويصح منه) أي: من الزوج (استثناء النصف فأقل من عدد الطلاق و) عدد (المطلقات) فلا يصح استثناء الكل، ولا أكثر من النصف (فإذا قال: أنتِ طالق طلقتين إلا واحدة وقعت واحدة)؛ لأنه كلام متصل أبان به أن المستثنى غير مراد بالأول، قال تعالى - حكاية عن إبراهيم -:{إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} يريد به البراءة من غير الله عز وجل (وإن قال): أنتِ طالق (ثلاثًا إلا واحدة: فطلقتان)؛ لما سبق
(18)
، وإن قال: "إلا طلقتين إلا
من كون "ثم، والفاء" تفيد الترتيب: وقوع الطلاق بالأولى فقط، وتأتي الطلقة الثانية فتصادفها غير زوجة ولا رجعية: فلا تقع بها.
(18)
مسألة: إذا طلق الزوج عددًا من الطلقات، واستثنى أقل من النصف، أو طلَّق عددًا من زوجاته، واستثنى أقل من نصفهن: فإن الاستثناء يصح، فمثلًا: لو قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق ثلاثًا إلا واحدة" فإنها تطلق طلقتين، أو قال لثلاث:"نسائي طوالق إلا فلانة" فإن الاثنتين من زوجاته تلك تطلقان؛ لقاعدتين: الأولى: الاستقراء؛ حيث إنه قد ثبت من استقراء وتتبع كلام أهل اللغة - وهم المرجع في ذلك كابن جني، وابن قتيبة، وأبي إسحاق الزجاج، وابن درستويه - أن الاستثناء في كلام العرب لم يأت إلا في القليل من الكثير، الثانية: المصلحة؛ حيث إن كون الاستثناء قد جرى في كلام العرب على خلاف الأصل؛ لكونه إنكار بعد إقرار، والأصل عدم الإنكار، لكن لما كان الإنسان قد يغفل عن القليل مما أقرّ به: فإنه أجيز استثناء القليل لدفع الضرر عنه، أما الأكثر أو النصف فلا يعقل أن يغفل عنه الإنسان، فلم يجز وقد بينتُ ذلك في كتابي:"المهذب في أصول الفقه (4/ 1684) - تنبيه: قوله: "ويصح استثناء النصف" وقوله: "أنتِ طالق طلقتين إلا واحدة" قلتُ: سيأتي بيانه، فإن قلتَ: لا يصح الاستثناء في الطلاق ولكنه يجوز في المطلقات، وهو قول بعض العلماء فلو قال: "أنتِ طالق ثلاثًا إلا واحدة": فإنها تطلق ثلاثًا؛ ولو قال: "نسائي طوالق إلا =
واحدة": فكذلك؛ لأنه استثنى ثنتين إلا واحدة من ثلاث، فيقع ثنتان
(19)
، وإن قال:"ثلاثًا إلا ثلاثًا" أو "إلا ثنتين": وقع الثلاث
(20)
فلانة" فإن المستثناة لا تطلق؛ للتلازم؛ حيث إن الطلاق لا يمكن رفعه بعد إيقاعه فيلزم: عدم صحة الاستثناء في الطلاق، لعدم قدرته على رفعه قلتُ: إن الاستثناء ليس برفع لما وقع، وإنما هو مبين أن المستثنى غير مراد في الكلام؛ حيث إنه يمنع أن يدخل فيه ما لولاه لدخل، يؤيده قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} حيث أراد أنه بريء من كل المعبودين، واستثنى منهم الله تعالى، فهو لا يبرأ منه، فهو أخرجه بواسطة الاستثناء، فكذلك قوله: "أنتِ طالق ثلاثًا إلا واحدة" يريد أن يبين بهذا الاستثناء أن تلك الواحدة المستثناة غير مرادة في الكلام؛ حيث منع الاستثناء دخولها، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف هل الاستثناء رافع، أو هو مبين للمراد؟ " فعندنا: الثاني، وعندهم: الأول.
(19)
مسألة: يصح الاستثناء من الاستثناء في الطلاق ويكون الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، فمثلًا: لو قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق ثلاثًا إلا ثنتين إلا واحدة": فإن امرأته تطلق طلقتين؛ للتلازم؛ حيث استثنى من الثلاث المثبتة طلقتين ونفاهما؛ لأن الاستثناء من الإثبات نفي، فبقيت طلقة واحدة مثبتة، ثم استثنى من الطلقتين المنفيتين واحدة فأثبتها؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات: ومجموع طلقة مثبتة مع الطلقة الأخرى المثبتة: تساوي طلقتين. تنبيه: هذه المسألة مبنية على رأي من يقول: يجوز استثناء النصف، وهم بعض الحنابلة - كما بينته في "المهذب في أصول الفقه"(4/ 1691) - وسيأتي الرد عليه.
(20)
مسألة: لا يصح استثناء النصف، ولا الأكثر، ولا الكل في الطلاق: فمثلًا: لو قال الزوج لزوجته: "أنت طالق طلقتين إلا واحدة": فإن ذلك لا يصح ولا ينفعه استثناؤه وتطلق زوجته طلقتين ولو قال لزوجتيه: "أنتما طالقتان إلا فلانة" =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فلا يصح، وتطلقان، ولو قال:"أنتِ طالق ثلاثًا إلا اثنتين": فلا يصح وتطلق ثلاثًا أو قال لزوجاته الثلاث: أنتن طوالق إلا فلانة وفلانة": فلا يصح، وتطلق جميعًا، أو قال: "أنتِ طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا" فلا يصح وتطلق ثلاثًا، ولو قال لنسائه الثلاث: "أنتن طوالق إلا فلانة وفلانة وفلانة": فلا يصح: فإنهن يطلقن جميعًا؛ لقواعد: الأولى: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على أن استثناء الكل لا يجوز في الأحكام كلها، ومنها الطلاق - وقد بينت ذلك في كتابي: "المهذَّب في أصول الفقه (4/ 1683) الثانية: الاستقراء؛ الثالثة: المصلحة؛ وقد سبق تفصيل الكلام عنهما في مسألة (18)، فإن قلت: إن استثناء النصف يصح، فإذا قال الزوج:"أنتِ طالق طلقتين إلا واحدة" فإنها تطلق واحدة، وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو مذهب بعض الحنابلة وبعض النحاة؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ} حيث إن الشارع قد استثنى النصف هنا، مما يدل على جوازه الثانية: التلازم؛ حيث إن الاستثناء كلام متصل قد أبان به أن طلقة غير مرادة قلتُ: إن الآية لا تصلح للاستدلال هنا؛ لأنه يجاب عنها بجوابين: أولهما: إن لفظ "نصفه" كلام مبتدأ به، وليس باستثناء، وإنما الاستثناء في قوله:{إِلَّا قَلِيلًا} ، ثانيهما: أن نصفه ظرف للقيام فيه، وهو بدل من الليل، وتقديره:"قم نصف الليل إلا قليلًا" أما التلازم؛ فلا يصح؛ لكونه ورد على غير اللغة العربية فلا يلزم، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: الخلاف في لفظ "نصفه" الوارد في الآية هل هو مبتدأ به وظرف، أو مستثنى؟ فعندنا: الأول، وعندهم الثاني، فإن قلتَ: لِمَ يحكي العلماء الإجماع على عدم جواز استثناء الكل مع أنه نقل عن عبد الله بن طلحة البابري الإشبيلي المالكي: أنه قال في كتابه: "المدخل في الفقه": إنه إذا قال الزوج لزوجته: "أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا": ففيه قولان: أولهما: أنه استثناء ينفعه: فلا تطلق، ثانيهما: أنه لا =
(وإن استثنى بقلبه من عدد المطلقات)
(21)
بأن قال: "نساؤه طوالق" ونوى إلا فلانة: (صح) الاستثناء، فلا تطلق؛ لأن قوله:"نسائي طوالق" عام، يجوز التعبير به عن بعض ما وضع له؛ لأن استعمال اللفظ العام في المخصوص سائغ في الكلام (دون عدد الطلقات) فإذا قال:"هي طالق ثلاثًا" ونوى إلا واحدة: وقعت الثلاث؛ لأن العدد نص فيما يتناوله فلا يرتفع بالنية؛ لأن اللفظ أقوى من النية، وكذا لو قال:"نسائي الأربع طوالق" واستثنى
ينفعه، ويلزمه الثلاث قلتُ: إن العلماء قد حكموا على ذلك بأنه شاذ وغريب؛ لذلك لا يخرق الإجماع، تنبيه: لقد ذهب كثير من العلماء إلى جواز استثناء الأكثر في الطلاق وغيره، فلو قال:"أنتِ طالق إلا طلقتين": فإنها تطلق واحدة، واستدلوا بأربعة أدلة، وقد أجبت عليها بالتفصيل في كتابي:"المهذب في أصول الفقه"(4/ 1686) -.
(21)
مسألة: إذا استثنى بقلبه ونيّته بعض المطلَّقات، أو الطلقات: ففي ذلك حالات ثلاث: الحالة الأولى: إن استثنى بقلبه ونيته من المطلقات من غير ذكر عددهن: فإنه يصح الاستثناء بشرط: أن تكون النية مقارنة للفظ فمثلًا: لو قال: "نسائي طوالق" ونوى بقلبه إلا فلانة حال قوله ذلك: فإن المستثناة لا تطلق؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من كون ذلك القول - وهو: "نسائي طوالق" - عامًا يجوز التعبير به عن بعض ما وضع له: صحة هذا الاستثناء؛ لأن استعمال اللفظ العام ويراد به الخصوص ورد كثيرًا في النصوص، من ذلك قوله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} والمراد: نعيم بن مسعود الأشجعي الحالة الثانية: إن استثنى بقلبه من المطلقات مع ذكر عددهن: فإنه لا يصح الاستثناء كقوله: "نسائي الأربع طوالق" ونوى أن فلانة ليست معهن: فإنهن يطلقن جميعًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من ذكر عددهن - وهو قوله: "الأربع" - أن يطلقن جميعًا، دون استثناء، ولو نوى أن إحداهن لا تطلق؛ لكون اللفظ فيه تخصيص ونص فلا تقوى النية على صرف الطلاق عن أية واحدة، الحالة الثالثة: إن استثنى بقلبه من =
واحدة بقلبه، فتطلق الأربع (21) (وإن قال) لزوجاته (أربعكن إلا فلانة طوالق: صح الاستثناء) فلا تطلق المستثناة؛ لخروجها منهن بالاستثناء
(22)
(ولا يصح استثناء لم يتصل عادة)؛ لأن غير المتصل يقتضي رفع ما وقع بالأول، والطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه، بخلاف المتصل؛ فإن الاتصال يجعل اللفظ جملة واحدة، فلا يقع الطلاق قبل تمامها، ويكفي اتصاله لفظًا، أو حكمًا كانقطاعه بتنفس، أو سعال، ونحوه (فلو انفصل) الاستثناء (وأمكن الكلام دونه: بطل) الاستثناء؛ لما تقدم (وشرطه) أي: شرط صحة الاستثناء: (النية) أي: نية الاستثناء (قبل كمال ما استثني منه)، فإن قال:"أنتِ طالق ثلاثًا" غير ناو للاستثناء، ثم عرض له الاستثناء فقال:"إلا واحدة": لم ينفعه الاستثناء، ووقعت الثلاث، وكذا: شرط متأخر ونحوه؛ لأنها
عدد الطلقات: فلا يصح ذلك الاستثناء فمثلًا لو قال: "أنتِ طالق ثلاثًا" ونوي: إلا واحدة: فلا يصح هذا الاستثناء فلا ينفعه، وتطلق ثلاثًا؛ للتلازم؛ حيث إن العدد نص فيما تناوله لا يحتمل غيره فيلزم عدم صحة استثنائه، وتقع ثلاث، لكون النية لا تقوى على صرف اللفظ هذا عن ظاهره.
(22)
مسألة: إذا قال لزوجاته الأربع: "أربعكن إلا فلانة طوالق": فإنه يصح الاستثناء، وينفعه فلا تطلق المستثناة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من خروج المستثناة بالاستثناء: عدم طلاقها؛ لكون الاستثناء: إخراج ما لولاه لوجب دخوله مع المستثنى منه.
[فرع]: إذا قالت واحدة من نسائه: "طلق نساءك" فقال: "نسائي طوالق" أو قالت له: "طلقني" فقال: "نسائي طوالق" فإن الجميع يطلقن: الطالبة للطلاق، والطالبة لطلاق ضراتها أو غيرها - إذا لم يستثنيها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عموم لفظه - وهو الجمع المنكر المضاف إلى معرفة وهو:"نسائي" -: أن يعم حكم الطلاق جميع الطلاق: سواء كانت طالبة للطلاق أو غيرها؛ لأن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
صوارف اللفظ عن مقتضاه فوجب مقارنتها لفظًا ونية
(23)
.
(23)
مسألة: يُشترط لصحة الاستثناء في الطلاق وغيره: أن يكون ذلك الاستثناء متصلًا لفظًا بالمستثنى منه بدون انقطاع، أو يكون في حكم المتصل: بأن يقطعه قطعًا يسيرًا بشيء ضروري أو حاجي كأن يسكت عن الاستثناء بسبب انقطاع نفسه، أو سعاله، أو عطاس أو نحو ذلك، فهذا الانقطاع لا يؤثر، وهذا يحققه كمال نيته للاستثناء أثناء الكلام، فلو قال:"أنت طالق ثلاثًا" ثم تنفَّس، أو سعل وكان ناويًا للاستثناء ثم قال:"إلا واحدة": فإنه ينفعه ذلك، وتطلق طلقتين، وإن قال ذلك، وهو حين قوله لم ينو الاستثناء، ثم طرأ عليه طارئ فاستثنى قائلًا:"إلا واحدة": فإنه لا ينفعه، وتطلق ثلاثًا، وكذا: لو قال: "أنتِ طالق ثلاثًا" ثم اشتغل بأمر بأن يُسقى ماء، أو ببيع أو شراء: ثم استثنى قائلًا: "إلا واحدة" فإن هذا الاستثناء لا ينفعه، وتطلق ثلاثًا؛ لقاعدتين: الأولى: الاستقراء؛ حيث ثبت بعد استقراء وتتبع كلام أهل اللغة: أن الاستثناء المنفصل يقبح، ويُعدُّ لغوًا عندهم، فلو قال:"أنتِ طالق ثلاثًا" ثم بعد مدة طويلة قال: "إلا واحدة" فهو لغو لا يفيد شيئًا. لأن الكلام في المستثنى والمستثنى منه كالجملة الواحدة، فلا يقع الطلاق قبل تمامها؛ إذ الكلام يورد لإفهام الغير وإفادته، وقوله:"إلا واحدة" بعد مدَّة طويلة لا يفيد شيئًا، لأنه لم يرتبط بالمستثنى منه كالخبر مع المبتدأ، لا بد من اتصالهما، الثانية: التلازم؛ وهو من وجهين: أولهما: أن الاستثناء يصرف اللفظ عن كونه عامًا إلى كونه خاصًا فيلزم أن يقترن به لفظًا ونية، ثانيهما: أن كون الطلاق بالثلاث قد وقع لما سكت عن الاستثناء بأن قال: "أنتِ طالق ثلاثًا" ثم فصل، وسكت عنه، فيلزم من وقوعه: عدم صحة الاستثناء فيما بعد؛ لأن الطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه، فإن قلتَ: لا يُشترط اتصال المستثنى بالمستثنى منه، بل يجوز انفصاله عنه، وهو قول بعض العلماء فيصح أن يقول:"أنتِ طالق ثلاثًا" ثم بعد مدَّة طويلة يقول: "إلا واحدة" فتطلق =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
هنا طلقتين؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "والله لأغزون قريشًا" ثم سكت، ثم قال:"إن شاء الله" وهذا يلزم منه صحة الاستثناء ولو وقع الفصل بين المستثنى والمستثنى منه، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن النسخ يصح وإن كان متأخرًا، فكذلك الاستثناء يصح وإن تأخر المستثنى عن المستثنى منه، والجامع: أن كلًّا منهما بيان وتخصيص للكلام الأول. قلتُ: أما السنة القولية؛ فليس المراد به الاستثناء، وإنما المراد به: أن الأفعال المستقبلية لا بد أن تقيد بمشيئة الله تعالى؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ، وأما القياس، فهو فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن النسخ رفع ويُشترط فيه التأخير، أما الاستثناء فهو بيان أن المستثنى غير داخل في المستثنى منه، ويُشترط فيه الاتصال، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في المراد من الاستثناء في الحديث السابق، والخلط بين النسخ والاستثناء" فإن قلتَ: لِمَ اشترط الاتصال؟ قلتُ: لأنه يلزم من جواز الفصل في الاستثناء: عدم علم صدق صادق، ولا كذب كاذب؛ لأن كل أحد يستطيع أن يتكلم بكلام عام، ثم إذا قيل له: إنك كذبت بذلك: يستثني ويتخلَّص، وهذا باطل؛ حيث يفضي إلى عدم إتمام عقود ولا مواثيق، ولا معاملات، وهذا فيه مفاسد لا تحصى، فدفعًا لذلك اشترط اتصال المستثنى بالمستثنى منه، وقد فصَّلتُ ذلك في كتابي:"المهذَّب في أصول الفقه"(4/ 1671) -.
[فرع]: يُشترط في الشرط والصفة الاتصال كما اشترط ذلك في الاستثناء فتقول: "أنتِ طالق ثلاثًا إن دخلتِ الدار" وتقول: "القائمة منكن قد طلقتها ثلاثًا" ولا يصح الانفصال فلا يصح أن تقول: "أنتِ طالق ثلاثًا" ثم بعد مدة يقول: "إن دخلت الدار" أو تقول: "أقصد القائمة" لذلك يسمى الاستثناء، والشرط، والصفة، والغاية، المخصِّصات المتصلة.
باب حكم إيقاع الطلاق في الزمن (الماضي و) وقوعه في الزمن (المستقبل)
(إذا قال) لزوجته: (أنتِ طالق أمس أو) قال: أنتِ طالق (قبل أن أنكحكِ، ولم ينو وقوعه في الحال: لم يقع) الطلاق؛ لأنه رفع للاستباحة، ولا يمكن رفعها في الماضي، وإن أراد وقوعه الآن: وقع في الحال؛ لأنه مقرّ على نفسه بما هو أغلظ في حقه (وإن أراد) أنها طالق (بطلاق سبق منه أو) بطلاق سبق (من زيد وأمكن): بأن كان صدر منه طلاق قبل ذلك، أو كان طلاقها صدر من زيد قبل ذلك:(قُبل) منه ذلك؛ لأن لفظه يحتمل، فلا يقع عليه بذلك طلاق، ما لم تكن قرينة كغضب، أو سؤال طلاق (فإن مات) من قال: أنتِ طالق أمسِ، أو قبل أن أنكحكِ (أو جُنَّ، أو خرس قبل بيان مراده: لم تطلق)؛ عملًا بالمتبادر من اللفظ
(1)
(وإن قال) لزوجته:
باب حكم إيقاع الطلاق في الماضي والحال، والمستقبل، والمستحيل، واستعمال الطلاق استعمال القسم في غير المستحيل
وفيه أربع وعشرون مسألة:
(1)
مسألة: إذا طلق زوج زوجته وقرن ذلك الطلاق بزمن ماض بأن قال: "أنتِ طالق أمس"، أو في الشهر الماضي، أو قال:"أنتِ طالق قبل أن أنكحكِ" ففي ذلك حالات. الحالة الأولى: إذا لم ينو وقوع ذلك الطلاق الذي تلفَّظ به في الحال: فإن زوجته لا تطلق؛ للتلازم؛ حيث إن الطلاق رفع لاستباحة الجماع والوطء، ولا يمكن رفع ذلك من ما مضى فيلزم: عدم وقوع الطلاق، ويلزم من عدم كونها محل للنكاح لما قال لها:"أنتِ طالق قبل أن أنكحكِ": عدم صحة طلاقها، الحالة الثانية: إن كان قد نوى بهذا القول وقوع الطلاق في حال تلفُّظه: فإن زوجته تطلق بهذا القول؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه قد أقرّ على نفسه بذلك =
أنت (طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر): لم تسقط نفقتها بالتعليق ولم يجز وطؤها من حين عقد الصفة إلى موته؛ لأن كل شهر يأتي يحتمل أن يكون شهر وقوع الطلاق، جزم به بعض الأصحاب
(2)
(فـ) إن (قدم) زيد (قبل مضيه) أي: مضي شهر، أو معه:
وهو ناو لذلك: وقوع الطلاق عليها؛ لكونه قد أقرّ بما هو أغلظ في حقه، الحالة الثالثة: إن أراد بذلك القول: أن تلك الزوجة قد طلقها بطلاق سابق منه بأن كان قد صدر منه طلاق لها في زمن سابق وقد راجعها: فإنه يُقبل منه ذلك، فلا يقع طلاق عليها بذلك القول؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون لفظه وقوله يحتمل ذلك: عدم وقوع طلاق عليها، الحالة الرابعة: إن أراد بذلك القول: إن تلك الزوجة قد طُلقت من زوج غيره، ثم لما انتهت عدّتها تزوجها هو: فإنه يقبل منه ذلك: فلا يقع طلاق عليها بذلك القول للتلازم؛ وقد سبق ذكره في الحالة الثالثة، الحالة الخامسة: إن أراد بذلك القول: أن تلك الزوجة قد طلقها هو بطلاق سابق، أو أنها قد طُلِّقت من غيره: فإنه يُقبل منه فلا تطلق بشرط: أن لا توجد قرينة تدل على أنه أراد طلاقها حاليًا كوجود غضب منها، أو أن تطلب منه أن يطلقها أما إن وجدت قرينة دالّة على إرادته طلاقها كالغصب، أو طلبها الطلاق: فلا يقبل منه ذلك وتطلق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تلك القرينة: وقوع طلاقها؛ لأن القرائن كالألفاظ، الحالة السادسة: إذا قال ذلك القول، ثم مات أو جُنَّ، أو خرس قبل أن يبيِّن مراده من قوله ذلك - وهو:"أنت طالق أمس" أو "أنتِ طالق قبل أن أنكحكِ": فإن زوجته لا تطلق؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل استمرار النكاح، وظاهر اللفظ لا يدلّ على وقوع الطلاق: فلزم عدم وقوع الطلاق.
(2)
مسألة: إذا قال زوج لزوجته: "أنتِ طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر": فيجب على الزوج أن ينفق عليها إلى أن يتبين وقوع الطلاق، ويحرم أن يطأها ويجامعها من حين تلفظه بذلك القول إلى أن يموت؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونها محبوسة =
(لم تطلق) كقوله: "أنتِ طالق أمسِ"
(3)
(و) إن قدم (بعد شهر وجزء تطلق فيه) أي: يتّسع لوقوع الطلاق فيه: (يقع) أي: تبينا وقوعه؛ لوجود الصفة
(4)
، فإن كان وطئ فيه: فهو محرم، ولها المهر
(5)
(فإن خالعها بعد اليمين بيوم) مثلًا (وقدم) زيد (بعد شهر ويومين) مثلًا: (صح الخلع)؛ لأنها كانت زوجة حينه (وبطل الطلاق) المعلَّق؛
لأجله: وجوب نفقتها إلى تبين الطلاق، ويلزم من احتمال أن يكون كل شهر هو وقت وقوع الطلاق: تحريم وطئها.
(3)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر"، وقدم زيد قبل مضي شهر، أو قدم مع مضيه: فإن زوجته لا تطلق؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الزوج لو قال: "أنتِ طالق أمس" ولم ينو وقوع ذلك في الحال: فإنها لا تطلق فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا منهما ليس محلًا لوقوع الطلاق؛ حيث إنه لم يمض على قدوم زيد جزء يقع به الطلاق بعد مضي شهر.
(4)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر"، ثم قدم بعد شهر وجزء يتّسع لوقوع الطلاق فيه: فإنها تطلق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود الصفة التي علَّق الزوج عليها وقوع الطلاق: وجود الحكم، وهو وقوعه.
(5)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر": فيحرم عليه أن يطأ ويجامع تلك الزوجة بعد قوله هذا إلى حين موته، وإذا وطئها: فلها مهر المثل؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من احتمال كون كل شهر هو وقوع الطلاق فيه: تحريم وطئها، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الأجنبية يحرم وطئها، وإذا وطئها: فلها مهر المثل، فكذلك المطلقة البائن مثلها، والجامع: عدم الزوجية في كل.
[فرع]: إذا قال لزوجته: "أنتِ طالق قبل قدوم زيد بشهر": فلا يحرم جماعها، ولو جامعها: فإنه تحصل بذلك رجعتها، وهذا معروف قد سبق بيانه.
لأنها وقت وقوعه بائن، فلا يلحقها
(6)
(وعكسهما) أي: يقع الطلاق، ويبطل الخلع، وترجع بعوضه إذا قدم زيد في المثال المذكور (بعد شهر وساعة) من التعليق إذا كان الطلاق بائنًا؛ لأن الخلع لم يصادف عصمة
(7)
(وإن قال) لزوجته: هي (طالق قبل موتي) أو موتك، أو موت: زيد (طلقت في الحال)؛ لأن ما قبل موته من حين عقد الصفة
(8)
، وإن قال: قبيل موتي - مصغرًا -: وقع في الجزء الذي يليه الموت؛
(6)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنت طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر"، ثم خالعها بعد ذلك اليمين - وهو قوله ذلك - بيوم أو يومين مثلًا بأن أخذ منها عوضًا وفسخ نكاحها: فإن الخلع يصح بشرط: أن يكون ذلك الخلع ليس بجيلة لإسقاط يمين الطلاق، ويُبطل الخلع الطلاق المعلَّق بقدوم زيد؛ للتلازم؛ حيث إنه يأتي وقت الطلاق المعلَّق إلى هذه المرأة وهي بصفة البائن - بسبب الخلع - فيلزم عدم لحوق الطلاق بها؛ لعدم وجود محله؛ حيث صادف الزوجة وهي بائن.
(7)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر"، ثم قدم زيد بعد شهر وساعة مثلًا من قوله ذلك، ثم خالعها: فإنه يقع الطلاق، ويبطل الخلع وتأخذ الزوجة العوض الذي دفعته لزوجها؛ للتلازم؛ حيث إنه قد أتى وقت الخلع، وهي بائن بسبب وقوع الطلاق؛ لتحقق الشرط، وهو قدوم زيد - فيلزم بطلان الخلع؛ لعدم وجود محله؛ حيث صادف الزوجة وهي بائن، أي: ليست داخلة في عصمة زوجها.
[فرع]: إذا كانت الزوجة رجعية: بأن طلقها واحدة، ثم خالعها: فإنه يصح الخلع قبل وقوع الطلاق وبعده؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الرجعية زوجة: صحة مخالعتها إن لم تنقض عدتها.
(8)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق قبل موتي" أو "أنتِ طالق قبل موتكِ" أو "أنتِ طالق قبل موت زيد" أو "أنتِ طالق قبل دخولك الدار" أو "أنتِ طالق قبل قدوم زيد": فإنها تطلق حال تلفظه بذلك للتلازم؛ حيث إن ما=
لأن التصغير دل على التقريب
(9)
(وعكسه) إذا قال: أنتِ طالق (معه) أي: مع موتي (أو بعده) فلا يقع؛ لأن البينونة حصلت بالموت، فلم يبق نكاح يزيله الطلاق
(10)
، وإن قال: يوم موتي: طلقت أوله
(11)
.
(فصل): (و) إن قال: (أنتِ طالق إن طرتِ، أو صعدتِ السماء، أو قلبتِ
قبل موته أو موت زوجته، أو موت زيد، أو دخول الدار، أو قدوم زيد يبدأ من حين تلفظه لذلك القول - وهو عقده لتلك الصفة -، وعدم وجود ما يقتضي للتأخير: يلزم منه: وقوع الطلاق في حال نطقه بذلك؛ لأنَّه ابتداؤه، وإذا ابتدأ: وقع.
(9)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنت طالق قبيل موتي" - بتصغير قبل - أو "أنتِ طالق قبيل موتكِ" أو "أنتِ طالق قبيل موت زيد" أو "أنتِ طالق قبيل دخولك الدار": فلا تطلق في الحال، وإنما تطلق في الوقت والجزء الذي يليه موت الزوج، أو موتها، أو موت زيد، أو دخولها الدار مباشرة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تصغير قبل إلى قبيل: وقوع الطلاق في الجزء الصغير الذي يبقى قريبًا جدًا من المحدد - وهو موته، أو موتها، ونحو ذلك؛ لأن التصغير في الوقت يدل على التقريب له.
(10)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق مع موتي" أو "أنتِ طالق بعد موتي" أو "أنتِ طالق مع موتكِ" أو "أنتِ طالق بعد موتكِ": فلا تطلق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونها بائنًا بسبب موت أحدهما: عدم وقوع الطلاق؛ لكون الطلاق لم يصادف نكاحًا يزيله.
(11)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنت طالق يوم موتي": فإنها تطلق من أول ذلك اليوم الذي يموت فيه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون كل جزء من ذلك اليوم يصلح لوقوع الطلاق فيه، وعدم وجود ما يقتضي التأخير عن أوله: وقوع الطلاق من أول اليوم الذي مات فيه ذلك الزوج.
الحجر ذهبًا، أو نحوه من المستحيل) لذاته، أو عادة كإن رددت أمس، أو جمعتِ بين الضدَّين، أو شاء الميت، أو البهيمة:(لم تطلق)؛ لأنَّه علق الطلاق بصفة لم توجد
(12)
(وتطلق في عكسه فورًا)؛ لأنَّه علَّق الطلاق على عدم فعل المستحيل، وعدمه معلوم (وهو) أي: عكس ما تقدم تعليق الطلاق على (النفي في المستحيل مثل): أنتِ طالق (لأقتلنَّ الميت، أو لأصعدنَّ السماء ونحوهما) كلأشربنَّ ماء الكوز، ولا ماء به، أو لا طلعت الشمس، أو لأطيرنَّ، فيقع الطلاق في الحال؛ لما تقدم، وعتق، وظهار، ويمين بالله كطلاق في ذلك
(13)
(وأنتِ طالق اليوم إذا جاء غد) كلام (لغو) لا يقع به
(12)
مسألة: إذا علَّق الزوج الطلاق بشيء يعلم العقل استحالته: فلا تطلق الزوجة، فلو قال لها:"أنتِ طالق إن طرت في السماء" أو "أنتِ طالق إن صعدت السماء" أو: أنتِ طالق إن قلبت الحجر ذهبًا" أو أنتِ طالق إن حملت الجبل" أو "أنتِ طالق إن رددت أمس" أو "أنتِ طالق إن جمعتِ بين الضدَّين" أو قال "أنتِ طالق إن شاء الميت" أو "أنتِ طالق إن شاءت البهيمة" أو قال لها نحوًا من تلك الأقوال التي هي من المستحيل لذاته، أو من المستحيل عادة أن تنفذها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تعليقه الطلاق بصفة لا يمكن وجودها أن لا يقع الطلاق؛ لكون الزوج هنا قد قصد إبعاد وقوع الطلاق؛ لأن القاعدة:"أن ما يقصد تبعيده يعلق على المحال" ومنه قوله تعالى: {لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} .
(13)
مسألة: إذا عكس المستحيل لذاته، أو عادة، واستعمل الطلاق استعمال القسم بالله تعالى: بأن علَّق الطلاق على النفي في المستحيل بأن يقول: "أنتِ طالق إن لم أقتل الميت" أو قال: "أنتِ طالق إن لم أشرب الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه أو قال: "أنتِ طالق إن لم أصعد السماء": فإنه يقع الطلاق في تلك الصور؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تعليقه الطلاق على عدم فعل المستحيل، وعدمه معلوم في الحال: وقوع الطلاق في الحال.=
شيء؛ لعدم تحقق شرطه؛ لأن الغد لا يأتي في اليوم، بل بعد ذهابه
(14)
، وإن قال:"أنتِ طالق ثلاثًا على سائر المذاهب": وقعت الثلاث، وإن لم يقل:"ثلاثًا": فواحدة
(15)
(وإذا قال) لزوجته: (أنتِ طالق في هذا الشهر أو) هذا (اليوم: طلقت في الحال)؛ لأنَّه جعل الشهر أو اليوم ظرفًا له، فإذا وجد ما يتّسع له: وقع؛ لوجود ظرفه
(16)
(وإن قال): أنتِ طالق (في غد أو) يوم (السبت أو) في (رمضان): طلقت
[فرع]: إذا علّق العتق، أو الظهار، أو اليمين بالله تعالى على مستحيل لذاته أو عادة: فإنه لا يقع؛ قياسًا على تعليق الطلاق كما قلنا في مسألة (12)، أما إذا علق العتق، أو الظهار، أو اليمين بالله تعالى على النفي في المستحيل: فإنه يقع؛ قياسًا على ما قلناه في الطلاق كما قلنا في مسألة (13) -.
(14)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق اليوم إذا جاء غد": فلا تطلق؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من عدم تحقق شرطه -؛ لعدم مجيء الغد في اليوم، ومجيئه بعد ذهاب اليوم -: عدم وقوع الطلاق، نظرًا لذهاب محل الطلاق.
(15)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق ثلاثًا على سائر المذاهب" -: مذهب السنة، والشيعة، واليهود والنصارى -: فإنها تطلق ثلاثًا، وإن قال:"أنتِ طالق على سائر المذاهب": فإنها تطلق واحدة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تلفظه بالعدد - وهو: الثلاث -: وقوعها؛ لكون ذلك تخصيصًا ونصًا في هذا العدد، ولا تقبل: الاحتمال، ويلزم من عدم ذكر العدد في قوله:"أنتِ طالق" طلاقها مرة واحدة؛ لأنَّه أقل ما يطلق عليه الاسم ولا يوجد ما يقتضي تكراره، وهذا متفق عليه في جميع المذاهب.
(16)
مسألة: إذا قال زوج لزوجته: "أنتِ طالق في هذا الشهر" أو "أنتِ طالق في هذا اليوم": فإنها تطلق حال تلفظ الزوج بهذا القول؛ للتلازم؛ حيث يلزم من جعل اليوم أو الشهر ظرفًا للطلاق، ووجود ذلك الظرف بدون ضيق: وقوع الطلاق حال تلفظه به.
في أوله) وهو: طلوع الفجر من الغد، أو يوم السبت، وغروب الشمس من آخر شعبان؛ لما تقدم
(17)
(وإن قال: أردتُ) أن الطلاق إنما يقع (آخر الكل) أي: آخر هذه الأوقات التي ذكرت (دُيِّن، وقبل) ذلك منه حكمًا؛ لأن آخر هذه الأوقات، ووسطها منها، فإرادته لذلك لا تخالف ظاهر لفظه
(18)
، بخلاف: أنتِ طالق غدًا، أو يوم كذا فلا يدين، ولا يُقبل منه أنه أراد آخرهما
(19)
(و) إن قال: (أنتِ طالق إلى
(17)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق في غد" أو "أنتِ طالق في يوم السبت" أو "أنتِ طالق في رمضان": فإنها تطلق في أول تلك الأزمنة: فتطلق عند طلوع الفجر الصادق من غد، وعند طلوع الفجر الصادق من يوم السبت، وعند غروب الشمس من آخر يوم من أيام شعبان؛ للتلازم؛ حيث يلزم من جعله هذا الزمن - وهو الغد، أو السبت، أو رمضان - ظرفًا للطلاق، وأوله يصلح أن يكون ظرفًا له: وقوع الطلاق في أوله، كما لو قال:"إذا دخلت الدار فأنتِ طالق" فإذا أدخلت أول جزء منها: طلقت.
(18)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق في هذا الشهر" أو "أنتِ طالق في هذا اليوم" أو "أنتِ طالق في غد" أو "أنتِ طالق في يوم السبت" أو "أنتِ طالق في رمضان" وقال الزوج: "أردتُ أن الطلاق يقع عليها في آخر تلك الأزمنة، دون أولها": فإنه يُقبل منه ذلك، ولا تطلق في أوله، ولا وسطه؛ بل تطلق في آخره كما قال، ويكون ذلك بينه وبين الله تعالى، يتحمَّل أثر قوله: فإن كان صادقًا في إرادته: لا إثم عليه، وإن كان كاذبًا فعليه الإثم، وليس لنا إلا الظاهر؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون لفظه في تلك الأقوال محتملًا لأول ووسط، وآخر الأزمنة: قبول قوله حكمًا؛ لكون هذا هو ظاهر لفظه فأول ما ذكره ليس بأولى من آخره.
(19)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق غدًا" أو "أنتِ طالق يوم السبت" مثلًا، وقال: "إني أردتُ أن يقع عليها الطلاق في آخر تلك الأزمنة، دون=
شهر) مثلًا: (طلقت عند انقضائه) روي عن ابن عباس، وأبي ذر، فيكون توقيتًا لإيقاعه، ويرجح ذلك: أنه جعل للطلاق غاية، ولا غاية لآخره، وإنما الغاية لأوله (إلا أن ينوي) وقوعه (في الحال فيقع) في الحال
(20)
(و) إن قال: أنتِ (طالق إلى سنة: تطلق بـ) انقضاء (اثني عشر شهرًا)؛ لقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ
أولها: فإنه لا يُقبل منه ذلك، ولا يدين الله به فيقع الطلاق في أوله في هاتين الصورتين؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ما قاله مخالفًا لظاهر هذين اللفظين: وقوع الطلاق في كل جزء من غد، أو يوم السبت؛ ليعم جملته، فإن قلتَ: ما الفرق بين مسألتي (18 و 19)؟ قلتُ: إنه إذا عبَّر بـ "في" الظرفية - كما في مسألة (18) -: فإنه يجعل الزمن الذي بعد "في" كقوله: "أنتِ طالق في غد" ظرفًا لوقوع الطلاق، لا أنه يقع في جميعه، بل في جزء منه كما لو قال:"علي أن أصوم في شوال": فإنه يُجزئه يوم منه، أما إذا لم تكن حرف "في" موجودة كقوله:"أنتِ طالق غدًا": فإنه جعل جميع الغد مستغرقًا له؛ ليعم جملته، ولا يعم جملته إلا أن يقع في أول جزء منه؛ نظرًا لسبقه، وهذا يقوي جانبه فلا تقبل دعواه: أنه أراد وقوع الطلاق عليها في آخر تلك الأزمنة، دون أولها في هذه الصورة.
(20)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق إلى شهر" مثلًا: أو "أنتِ طالق إلى حول". فإنها تطلق عند انقضاء ذلك الشهر، أو ذلك الحول؛ إلا إذا نوى وقوع الطلاق في حال تلفظه بذلك القول: فإنه يقع حال تلفظه به؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ يلزم من كونه جعل لهذا الطلاق غاية، والغاية لأوله، دون آخره: وقوع الطلاق عند انقضاء ذلك، ويلزم من إقراره على نفسه بما هو أغلظ، وهو نيته وقوعه حالًا، ولفظه يحتمله: وقوع الطلاق حالًا، الثانية: قول الصحابي؛ حيث ثبت عن ابن عباس، وأبي ذر: أنها تطلق عند انقضاء ذلك المحدد من الوقت.
شَهْرًا} أي: شهور السنة، وتعتبر بالأهلَّة
(21)
، ويكمل ما حلف في أثنائه بالعدد
(22)
(فإن عرَّفها) أي: السنة؛ (باللام) كقوله: أنتِ طالق إذا مضت السنة: (طلقت بانسلاخ ذي الحجة)؛ لأن "أل" للعهد الحضوري، وكذا: إذا مضى شهر فأنتِ طالق: تطلق بمضي ثلاثين يومًا، وإذا مضى الشهر: فبانسلاخه
(23)
، وأنتِ طالق في أول الشهر: تطلق بدخوله وفي آخره: تطلق في آخر جزء منه
(24)
.
(21)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق إلى سنة": فإنها تطلق بانقضاء اثني عشر شهرًا باعتبار الشهور الهلالية ابتداء من قوله هذا إلى كمال اثني عشر شهرًا؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} والمراد: شهور السنة الهجرية، وقال:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} حيث دل هذا على أن الشهور معتبرة بالأهلة، لا بالعدد.
(22)
مسألة إذا قال الزوج لزوجته في أثناء الشهر: "أنتِ طالق إلى سنة": فإنه يكمل ذلك بالعدد، فإذا مضى أحد عشر شهرًا أضاف إلى ما مضى من الشهر الأول، قبل حلفه تتمة ثلاثين يومًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجوب إكمال سنة كاملة: فعل ذلك.
(23)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق إذا مضت السنة": فإنها تطلق بانسلاخ وخروج شهر ذي الحجة من السنة المعلَّق عليها؛ للتلازم؛ حيث إنه عرَّف السنة بـ"أل" وهي للعهد، فيلزم رجوعها إلى السنة المعهودة، والسنة المعهودة المعروفة آخرها ذو الحجة.
[فرع]: إذا قال "إذا مضى شهر فأنتِ طالق": فإنها تطلق بمضي ثلاثين يومًا - كما سبق في مسألة (22) - وإذا قال: "إذا مضى الشهر فأنتِ طالق": فإنها تطلق بانسلاخه - كما سبق في مسألة (23) -.
(24)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق في أول الشهر": فإنها تطلق في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الدقيقة الأولى من دخول ذلك الشهر الذي حدَّده؛ وإذا قال: "أنتِ طالق في آخر الشهر": فإنها تطلق في الدقيقة الأخيرة من ذلك الشهر المحدد؛ للتلازم؛ حيث إن تحديده لوقت الطلاق - وهو أوله، وآخره - والدقيقة الأولى، والأخيرة تصلحان لإيقاع الطلاق فيهما: يلزم منه: وقوع الطلاق فيهما.
هذه آخر مسائل باب: "حكم إيقاع الطلاق في الماضي، والحال، والمستقبل، والمستحيل، واستعمال الطلاق استعمال القسم في غير المستحيل" ويليه باب: "تعليق الطلاق بالشروط".
باب تعليق الطلاق بالشروط
أي: ترتيبه على شيء حاصل، أو غير حاصل بـ:"إن" أو إحدى أخواتها
(1)
و (لا يصح) التعليق (إلا من زوج) يعقل الطلاق، فلو قال: إن تزوجتُ امرأة أو فلانة: فهي طالق": لم يقع بتزوجها؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده مرفوعًا: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه
(2)
(فإذا علَّقه) أي: علَّق الزوج
باب تعليق الطلاق بالشروط
وفيه اثنتان وستون مسألة:
(1)
مسألة: المراد بذلك: تعليق الطلاق بالشرط اللغوي - وهي: "إن" و "إذا" وغيرهما من أدوات الشرط اللغوي، والطلاق المعلَّق على شرط، يقع عند وجود المشروط كما لو نطق بالطلاق عند وجود الشرط، فمثلًا: لو قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق إن دخلت الدار": فإنها عند أول دخولها للدار تطلق، أي لما وجد المشروط - وهو: دخول الدار - وقع الطلاق عليها كما لو قال لها عند دخولها للدار: "أنتِ طالق": فإنها تطلق حالًا كذلك المشروط يقع في ثاني الحال، فإن قلت: لَم قُيِّد الشرط باللغوي هنا؟ قلت: لأن الشروط أنواع ثلاثة، أولها: شرط عقلي كاشتراط الحياة للعلم؛ إذ لا علم إلا لمن كان حيًا، ثانيها: شرط شرعي كاشتراط الطهارة لصحة الصلاة ثالثها: شرط لغوي، وهو المقصود بهذا الباب.
(2)
مسألة: يصح تعليق الطلاق بالشرط من زوج مكلّف، ولا يصح من الأجنبي، فمثلًا لو قال زيد:"إن تزوجت امرأة فهي طالق" أو قال: "إن تزوجتُ فاطمة فهي طالق"، ثم تزوج امرأة، أو تزوج فاطمة: فإنه لا يقع الطلاق عليهما، لقواعد: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك ولا طلاق فيما لا يملك" فنفى وقوع طلاق على امرأة لم يعقد=
الطلاق (بشرط) متقدم، أو متأخر كإن دخلت الدار فأنتِ طالق، أو أنتِ طالق إن قمتِ:(لم تطلق قبله) أي: قبل وجود الشرط
(3)
(ولو قال: عجَّلته) أي: عجَّلت ما
عليها، الثانية: القياس؛ وهو من وجوه: أولها: كما لا يصح للمسلم أن يعتق عبد غيره، ولا أن يتصدَّق بمال غيره فكذلك لا يصح أن يطلق امرأة لم يتزوجها، والجامع: عدم الملك والتصرف في كل، ثانيها: كما أن من لا يقع طلاقه بالمباشرة بأنه لو قال لامرأة أجنبية عنه: أنتِ طالق" فإنها لا تطلق فكذلك لا ينعقد طلاقه بالتعليق بما بعد النكاح، والجامع: عدم النكاح الذي يزيله الطلاق، ثالثها: كما أنه لو قال لامرأة أجنبية: "إن دخلتِ الدار فأنتِ طالق" ثم تزوجها، ودخلت الدار: فإنها لا تطلق، فكذلك ما نحن فيه، والجامع: تعليق الطلاق قبل الملك في كل الثالثة: قول الصحابي؛ حيث إنه ثبت عن علي، وابن عباس عدم صحة الطلاق من الأجنبي - كما صورنا ذلك - تنبيه: قوله: "يعقل الطلاق" يشير إلى مذهبه من أنه يجوز تعليق الطلاق من الزوج الصبي المميز الذي يعقل الطلاق قياسًا على الطلاق المباشر؛ حيث أجاز ذلك منه قلتُ: إن هذا مرجوح؛ حيث إن الطلاق لا يصح من الصبي المميز ولو كان يعقل الطلاق كما بينا ذلك فيما سبق وإذا لم يصح طلاقه المباشر: فلا يصح تعليقه للطلاق بالشرط؛ قياسًا عليه، والجامع: عدم حسن التصرف، وعدم معرفة معنى الطلاق، وأثره غالبًا.
(3)
مسألة: إذا علّق الزوج طلاق زوجته بشرط متقدم، أو بشرط متأخر كأن قال لها:"إن دخلت الدار فأنتِ طالق" أو قال لها: "أنتِ طالق إن دخلت الدار": فإن تلك الزوجة لا تطلق قبل وجود الشرط - وهو هنا دخول الدار -: سواء كان متقدمًا أو متأخرًا وتطلق عند وجوده: سواء كان متقدمًا أو متأخرًا؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال لعبده: "إن بنيت هذا الجدار فأنت حر" أو قال: "أنت حر إن بنيت هذا الجدار": فإن ذلك العبد يعتق إذا بنى ذلك الجدار المشترط،=
علّقته: لم يتعجَّل؛ لأن الطلاق تعلق بالشرط، فلم يكن له تغييره، فإن أراد تعجيل طلاق سوى الطلاق المعلَّق: وقع، فإذا وجد الشرط الذي علق به الطلاق، وهي زوجته: وقع أيضًا
(4)
(وإن قال) من علّق الطلاق بشرط: (سبق لساني بالشرط، ولم أرده: وقع) الطلاق (في الحال)؛ لأنَّه أقر على نفسه بما هو أغلظ من غير تهمة
(5)
(وإن قال) لزوجته: (أنتِ طالق، وقال: أردتُ: إن قمتِ: لم يقبل) منه (حكمًا)؛ لعدم ما يدل عليه
(6)
، ................................................
سواء كان متقدمًا أو لا، فكذلك الحال هنا، والجامع: أنه في كلٍ منهما إزالة ملك بني على التغليب والسراية.
(4)
مسألة: إذا علَّق الزوج طلاق زوجته بشرط: بأن قال لها في أول الشهر: "إن جاء آخر الشهر فأنتِ طالق"، فإن قال عجَّلتُ ما علقته، وأريد طلاقها في أول الشهر: فإنه لا تتعجَّل نفس الطلقة التي علَّقها في آخر الشهر، وإن أراد تعجيل طلقة سوي التي علَّقها في آخر الشهر: فإن الطلقة التي عجَّلها تقع، فإذا وجد الشرط - وهو مجيء آخر الشهر - وهي باقية على أنها زوجته: فإن تلك الطلقة المعلَّقة به تقع أيضًا، للتلازم؛ حيث إن ما علَّقه قد تعلَّق بالشرط: فلا يملك تغييره، فتقع الطلقة التي علَّقها به، ويلزم من تعجيل طلقة الطلقة - سوي الطلقة التي علقها في آخر الشهر - وقوعها؛ لوجود شرطها، ويلزم من وجود شرط المعلّق في آخر الشهر - وهو مجيئه -: وقوعها أيضًا، والحاصل: أن الطلقتين منفصلتان عن بعضهما.
(5)
مسألة: إذا علَّق الزوج طلاق زوجته بشرط: بأن قال: "إن دخلتِ الدار فأنتِ طالق" فقال ذلك الزوج: "قد سبق لساني بالشرط، ولم أُرده" فإنها تطلق في الحال؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه يملك إيقاعه في الحال، وإقراره على نفسه بما يوجب التغليظ من غير تهمة: وقوع الطلاق في الحال.
(6)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق" ثم قال: أردتُ: "أنتِ طالق إن=
وأنتِ طالق مريضة - رفعًا ونصبًا -: يقع بمرضها
(7)
(وأدوات الشرط) المستعملة غالبًا: (إن) بكسر الهمزة، وسكون النون، وهي أم الأدوات (وإذا، ومتى. وأَيُّ) بفتح الهمزة، وتشديد الياء (ومن) بفتح الميم وسكون النون (وكُلَّما
(8)
، وهي) أي:
قمتِ": فلا يُقبل منه هذا القول، فتطلق في الحال؛ للتلازم؛ حيث إنه يَدَّعي خلاف ما يقتضيه إطلاق لفظ: "أنتِ طالق" ولا يوجد دليل يدل على تلك الإرادة منه فيلزم منه عدم قبول هذا القول وطلاقها في الحال، فإن قلتَ: إن دعواه تقبل، وهو رواية عن أحمد، فيقبل شرطه، ولا تطلق في الحال؛ للقياس؛ بيانه: كما لو قال: "أنتِ طالق" ثم قال: "أردتُ: أنتِ طالق من وثاقي": فإنها لا تطلق حالًا فكذلك الحال هنا قلتُ: هذا فاسد؛ لأنَّه قياس مع الفارق؛ حيث إن العبارة المقاس عليها محتملة لأنَّه يُعبر عن الطلاق من الوثاق؛ بخلاف العبارة الأولى فلا تقبل الاحتمال؛ لأنَّه شرط شرطًا بعيدًا عن لفظ "الطلاق" وهي: "إن قمت"، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلت: سببه: "تعارض التلازم مع القياس".
(7)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق مريضة": فإنها تطلق فور مرضها: سواء كانت مريضة حال خطابها بذلك، أو بعده؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال لها: "أنتِ طالق إن مرضتِ": فإنها تطلق إذا مرضت، فكذلك إذا قال:"أنتِ طالق مريضة" والجامع: التعليق على حصول المرض. فائدة: يجوز رفع "مريضة" في العبارة السابقة، على أنها خبر لمبتدأ محذوف تقديره:"أنتِ طالق وأنتِ مريضة" والجملة حالية، ويجوز نصبها على أنها حال، والمعنى:"أنت طالق في حال كونك مريضة".
(8)
مسألة: الأدوات المستعملة في الشروط في الطلاق وغيره غالبًا ست وهي: "إنْ"، وهي أم تلك الأدوات، و "إذَا" و "مَتَى" و "أَيُّ" و "مَنْ" و "كلَّما"، فإن قلت: لَمَ سُمِّيت "إنْ" أم الأدوات؟ قلتُ: لكثرة استعمالها في الشرط.
"كلما"(وحدها للتكرار)؛ لأنها تعم الأوقات، فهي بمعنى: كل وقت
(9)
، وأما "متى": فهي اسم زمان بمعنى: أيُّ وقت، وبمعنى "إذا" فلا تقتضي التكرار
(10)
(وكلها) أي: كل أدوات الشرط المذكورة - (ومهما) وحيثما (بلا لم) أي: بدون لم (أو نية فور، أو قرينته) أي: قرينة الفور (للتراخي و) هي (مع "لم" للفور) إلا مع نية التراخي، أو قرينته (إلا إن) فإنها للتراخي حتى مع "لم"(مع عدم نية فور، أو قرينة، فإذا قال) لزوجته (إن قمتِ) فأنتِ طالق (أو إذا) قمت فأنتِ طالق (أو متى) قمت فأنتِ طالق (أو أي وقت) قمتِ فأنتِ طالق (أو من قامت) منكن فهي طالق (أو كلما قمت فأنتِ طالق، فمتى وجد) القيام (طلقت) عقبه، وإن بَعُد القيام عن زمان الحلف (وإن تكرر الشرط) المعلق عليه:(لم يتكرر الحنث)؛ لما تقدم (إلا في كلما) فيتكرر معها الحنث عند تكرر الشرط؛ لما سبق
(11)
، (و) إن قال (إن لم أُطلقكِ فأنتِ طالق، ولم ينو وقتًا، ولم تقم قرينة بفور، ولم يطلِّقها: طلقت في آخر حياة أولهما موتًا)؛ لأنَّه علّق الطلاق على ترك الطلاق، فإذا مات الزوج فقد وجد الترك منه،
(9)
مسألة: "كُلَّما" تفيد وتقتضي التكرار، فتقول:"كلَّما قمتِ فأنتِ طالق" أي: كلما تكرر القيام تكرَّر الطلاق؛ للتلازم؛ حيث إن "كُلّما" تعم جميع الأوقات، ومراد ذلك في المثال:"كل وقت تقومين فيه تطلقين طلقة" وهكذا حتى تنتهي الطلقات: فيلزم من ذلك: اقتضاؤها للتكرار.
(10)
مسألة: "متى" لا تفيد ولا تقتضي التكرار فإذا قال لها: "متى تقومين فأنتِ طالق" يقتضي أنها إذا قامت مرة واحدة: فإنها تطلق؛ للقياس؛ بيانه: كما أن "إذا" لا تقتضي التكرار فكذلك "متى" والجامع: أن كلًّا منهما اسم زمان بمعنى: "أي وقت" لم يوضع للتكرار في الفعل. تنبيه: ذكر "متى" هنا؛ لأنَّه اختلف فيها فبعضهم جعلها مثل "كلما" تفيد التكرار، والراجح ما ذكرناه.
(11)
مسألة: كل أدوات الشرط لا تقتضي الفورية بشرط: عدم وجود "لم"، أو عدم وجود قرينة تدلّ على أنه أراد الفورية، أو عدم وجود نية إرادته للفورية، فمثلًا:=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إذا قال الزوج لزوجته: "إن قمتِ فأنتِ طالق" أو قال: "إذا قمتِ فأنتِ طالق" أو قال: "متى قمتِ فأنتِ طالق" أو قال: "أيُّ وقت قمتِ فأنتِ طالق" أو قال: "من قامت منكن فهي طالق" أو قال: "كلما قمتِ فأنتِ طالق": فإنها تطلق زوجته إذا قامت: سواء قامت بعد قوله ذلك، أو قامت وهي متأخرة عن هذا القول بزمن طويل؛ للتلازم؛ حيث إن كون تلك الأدوات لا تقتضي وقتًا معينًا دون غيره، بل هي مطلقة في الزمان كله يلزم منه عدم اقتضائها للفورية، بل تصح ولو تراخى الشرط، ويلزم من كون خلوص ذلك الفعل للاستقبال: كونه يصح في أي وقت يوقع فيه ويلزم من وجود "لم" بأن يقول: "إذا لم أطلقك فأنتِ طالق": أن تطلق فورًا - كما سيأتي تفصيله إن شاء الله - ويلزم من وجود قرينة على الفورية، أو نية: وقوع الطلاق على حسب تلك القرينة أو النية.
[فرع]: كلُّ أدوات الشرط لا تقتضي التكرار - إلا كلما كما سبق -: فمثلًا: لو قامت في الأمثلة السابقة: فإن الطلاق يقع عليها مرة واحدة، ولو تكرر القيام: فلا يقع عليها طلاق بتكرره كما في مسألة (13) التي ستأتي تنبيه: إن وجدت تلك الشروط مع "لم" - سوى "إنْ" - فهي تقتضي الفور - كما سبق مثاله في الفرع وكما سيأتي بيانه - في مسألة (12 أو 13). تنبيه ثان: إن وجدت "إن" مع "لم" فهي للتراخي إلا إذا وجدت قرينة أو نية: فإنها تقتضي الفور، وسيأتي بيانه في مسألة (12). تنبيه ثالث:"كلما" تقتضي التكرار، وقد سبق بيانه في مسألة (9)، تنبيه رابع:"مهما" و"حيثما" من أدوات الشرط غير المستعملة غالبًا، لذلك لم يعدها الفقهاء مع تلك الست التي سبق بيانها في مسألة (8) فائدة: يُطلق الفقهاء الحلف على اليمين، وعلى كل ما يُقصد به منعًا، أو حملًا، أو تصديقًا، أو تكذيبًا، فتكون الأمثلة السابقة الذكر في مسألة (12) من الحلف؛ لكونه قد قصد بها منع زوجته من القيام.
وإن ماتت هي فات طلاقها بموتها
(12)
، (و) إن قال:(متى لم أطلقكِ فأنتِ طالق، (أو إذا لم) أطلقكِ فأنتِ طالق (أو أي وقت لم أطلِّقكِ فأنتِ طالق، ومضى زمن يمكن إيقاعه فيه ولم يفعل: طلقت)؛ لما تقدَّم
(13)
، (و) إن قال: (كلما لم أطلِّقكِ فأنتِ
(12)
مسألة: إذا ذكر مع "إنْ""لم: فإِنَّ "إنْ" تقتضي التراخي بشرط: عدم نيته وقتًا للطلاق، وعدم قيام قرينة تدل على إرادته للفور، ولم يطلقها، فمثلًا: لو قال زوج لزوجته: "إن لم أطلقكِ فأنتِ طالق" فإنها تطلق في آخر جزء من حياة أحد الزوجين إذا لم يبق من حياته لإيقاع الطلاق فيه؛ للتلازم؛ حيث إن حرف "إن" موضوع للشرط، لا يقتضي زمنًا يدل عليه إلا من حيث إن الفعل المعلّق به من ضرورته الزمان فلا يتقيد بزمن معيَّن فيلزم أن يكون ما علق عليه على التراخي: سواء في ذلك الإثبات والنفي، ويلزم من تعليقه الطلاق على ترك الطلاق: أن تطلق في آخر حياة أحدهما؛ لكونه لم يطلقها حتى مات فهو قد تركه. ويلزم من نيته لوقت طلاقها، أو قيام قرينة تدل على أنه أراد اللغو في طلاقها ولم يطلقها: وقوع طلاقها فور تلفظه بذلك القول؛ عملًا بالنية والقرينة.
[فرع]: إذا ماتت الزوجة قبل زوجها في المثال السابق: فإنه يفوت طلاقها، ولا يرثها إن كانت بائنًا، وترثه هي إن مات قبلها؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه إذا طلق في مرض موته بائنًا: فإنها ترثه إذا مات قبلها؛ لمعاملته بنقيض قصده، وهو لا يرثها إن ماتت قبله؛ لكونه قد طلقها، فكذلك الحال هنا، إذا لم توجد قرينة أو نية.
(13)
مسألة: أدوات الشرط - سوى "إنْ" - إذا وردت مع "لم" تقتضي وتفيد الفور، ولا تفيد التكرار فمثلًا: لو قال الزوج لزوجته: "متى لم أُطلِّقكِ فأنتِ طالق" أو قال: "إذا لم أطلقكِ فأنتِ طالق"، أو قال:"أيُّ وقت لم أطلقكِ فأنتِ طالق"؛ ومضى وقت بعد قوله هذا يمكن إيقاع الطلاق فيه، ولكنه لم يفعل: فإن زوجته تطلق طلقة واحدة فقط؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون تلك الأدوات=
طالق، ومضى ما يمكن إيقاع ثلاث) طلقات (مرتبة) أي: واحدة بعد واحدة (فيه) أي: في الزمن الذي مضى: (طلقت المدخول بها ثلاثًا)؛ لأن "كلما" للتكرار وتبين غيرها) أي: غير المدخول بها (بـ) الطلقة (الأولى) فلا تلاحقها الثانية، ولا الثالثة
(14)
(و) إن قال: (إن قمتِ فقعدت): لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد (أو) قال: إن قمت (ثم قعدتِ): لم تطلق حتى تقوم، ثم تقعد (أو) إن قال:(إن قعدت إذا قمت): لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد (أو) قال: (إن قعدت إن قمتِ فأنتِ طالق. لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد)؛ لأن لفظ ذلك يقتضي تعليق الطلاق على القيام مسبوقاً بالقعود
(15)
، ويُسمَّى
قد جُعلت للفور، والمرة الواحدة وعدم وجود نية أو قرينة تدل على التراخي، أو التكرار: وقوع الطلاق مرة واحدة بعد مضي وقت يمكن إيقاع طلاقها فيه ولم يفعل.
(14)
مسألة: "كُلّما" تفيد وتقتضي التكرار: سواء خلت من "لم" - كما سبق في مسألة (9) - أو وجدت "لم" فمثلًا: لو قال الزوج لزوجته: "كلما لم أطلقك فأنتِ طالق" ومضى وقت بعد قوله هذا يمكن إيقاع ثلاث طلقات فيه: فإنها تطلق ثلاث طلقات مرتبة واحدة بعد الأخرى حتى تكمل الثلاث، هنا إن كانت الزوجة مدخولًا بها، أما إن كانت غير مدخول بها: فإنها تكون طالقًا طلاقًا بائنًا بالطلقة الأولى فقط، فلا تلحقها الطلقة الثانية، ولا الثالثة؛ للتلازم؛ حيث إن "كُلَّما" تعم جميع الأوقات فيلزم من ذلك إفادتها للتكرار، والفورية سواء كان ذلك في الإثبات، أو النفي فيكون المراد: كُلَّما لم أطلقك فأنتِ طالق، ومضت أوقاتًا لم يطلقها فيها: فهي طالق كلما لم يفعل ذلك حتى انتهت الثلاث، والنفي ويلزم من الاكتفاء بطلقة واحدة لبينونة غير المدخول بها: عدم الحاجة إلى الثانية والثالثة.
(15)
مسألة: إذا عطف شرطًا على شرط بالفاء، أو بثم كأن يقول الزوج لزوجته:"إن قمتِ فقعدتِ فأنتِ طالق" أو قال: "إن قمتِ ثم قعدت فأنتِ طالق" أو قال:=
نحو: "إن قعدت إن قمتِ" اعتراض الشرط على الشرط، فيقتضي تقديم المتأخر وتأخير المتقدم؛ لأنَّه جعل الثاني في اللفظ شرطًا للذي قبله والشرط يتقدم المشروط، فلو قال:"إن أعطيتك، إن وعدتك، إن سألتني": لم تطلق حتى تسأله، ثم يعدها، ثم يعطيها
(16)
(و) إن عطف (بالواو) كقوله: "أنتِ طالق إن قمت وقعدت": (تطلق بوجودهما) أي: القيام والقعود (ولو غير مرتَّبين) أي: سواء تقدم القيام على القعود، أو تأخر؛ لأن الواو لا تقتضي ترتيبًا
(17)
(و) إن عطف (بأو): بأن قال: "إن قمتِ،
"إن قعدتِ إن قمتِ فأنتِ طالق": فإنها لا تطلق إلا باجتماع الشرطين، وبتقديم المقدم بالذكر، ويؤخر المؤخر بالذكر عند العمل، أي: لا تطلق حتى تقوم ثم تقعد؛ للتلازم؛ حيث إن "الفاء" و"إن" حرفا عطف يفيدان الترتيب فيلزم منهما: اشتراط اجتماع الشرطين، والترتيب الذكري كما ذكر المتلفِّظ، لكونه يقتضي تعليق الطلاق على القعود المسبوق بالقيام.
(16)
مسألة: إذا ألحق شرطًا بشرط، بدون ذكر "الفاء"، و "ثم" كقول الزوج لزوجته:"إن قعدتِ إن قمتِ فأنتِ طالق" أو قال: "إن قعدتِ إذا قمتِ فأنتِ طالق" أو قال: "إن أعطيتكِ إن وعدتكِ إن سألتني فأنتِ طالق": فإنها لا تطلق إلا باجتماع الشرطين أو الثلاثة، وبتقديم المتأخر بالذكر وتأخير المتقدم بالذكر، ففي المثالين: الأول والثاني: لا تطلق حتى تقوم، ثم تقعد، وفي الثالث: لا تطلق حتى تسأله، ثم يعدها، ثم يعطيها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من اشتراط ذلك: وجوب اجتماعها، ويلزم من جعله الثاني شرطًا للأول تقديم الثاني على الأول، ويلزم من جعله الثالث شرطًا للثاني، والثاني شرطًا للأول: تقديم الثالث، ثم الثاني، ثم الأول؛ لأن الشرط يتقدم المشروط كما القاعدة.
(17)
مسألة: إذا عطف شرطًا على شرط بحرف "الواو" كأن يقول الزوج لزوجته: "أنتِ طالق إن قمتِ وقعدتِ": فإن زوجته تطلق باجتماع القيام والقعود: سواء كانا مرتَّبين، أو لا: أي: سواء قامت ثم قعدت، أو قعدت ثم قامت، لا فرق،=
أو قعدتِ فأنتِ طالق": طلقت (بوجود أحدهما) أي: بالقيام، أو القعود؛ لأن "أو" لأحد الشيئين"
(18)
، وإن علَّق الطلاق على صفات فاجتمعت في عين "كإن رأيتِ" رجلًا فأنتِ طالق، وإن رأيت أسود فأنتِ طالق، وإن رأيتِ فقيهًا فأنتِ طالق" فرأت رجلًا أسود فقيهًا: طلقت ثلاثًا
(19)
.
(فصل): في تعليقه بالحيض (إذا قال) لزوجته (إن حضتِ فأنتِ طالق: طلقت
المهم هنا: أن تفعل القيام والقعود؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون حرف "الواو" تقتضي العطف والاجتماع، ولا تقتضي الترتيب: ما ذكرناه من الحكم.
(18)
مسألة: إذا عطف شرطًا على شرط بحرف (أو) كأن يقول الزوج لزوجته: "إن قمتِ، أو قعدت فأنتِ طالق": فإنها تطلق بوجود القيام فقط، أو القعود فقط؛ للتلازم؛ حيث إن كون "أو" موضوعة للتخيير: أن تطلق بوجود أحد الشيئين المعلَّق عليهما.
(19)
مسألة: إذا علَّق الزوج طلاق زوجته على صفات معطوف بعضها على بعض، فاجتمعت في عين واحدة كأن يقول لها:"إن رأيتِ رجلًا فأنتِ طالق، وإن رأيتِ أسود فأنتِ طالق، وإن رأيتِ فقيهًا فأنتِ طالق" فرأت رجلًا أسود فقيهًا: فإنها تطلق ثلاث طلقات؛ للقياس؛ بيانه: كما أنها لو رأت رجلًا: فإنها تطلق طلقة، وإذا رأت أسود فإنها تطلق طلقة، وإذا رأت فقيهًا فإنها تطلق، فكذلك إذا رأت عينًا واحدة اجتمعت فيه تلك الصفات الثلاث مثل ذلك، والجامع: تعليق الطلاق على الصفات في كل، فإن قلتَ: إنها تطلق طلقة واحدة هنا، وهو قول كثير من العلماء؛ للتلازم؛ حيث يلزم من ظاهر مراد الزوج وظاهر عرف الناس: وقوع الطلاق مرة واحدة إذا رأت رجلًا أسود فقيهًا قلت: لا نسلِّم أن هذا ظاهر مراد الزوج، والعرف لا يعنينا إذا كان لفظ الزوج واضحًا في مراده، وهو تعليق الطلاق بتلك الصفات فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه "الخلاف في ظاهر مراد الزوج".
بأول حيض متيقن)؛ لوجود الصفة، فإن لم يتيقن أنه حيض كما لو لم يتم لها تسع سنين، أو نقص عن اليوم والليلة: لم تطلق
(20)
(و) إن قال: (إذا حضتِ حيضة) فأنتِ طالق: (تطلق بأول الطهر من حيضة كاملة)؛ لأنَّه علّق الطلاق بالمرة الواحدة من الحيض، فإذا وجدت حيضة كاملة: فقد وجد الشرط
(21)
، ولا يُعتدُّ بحيضة علَّق فيها: فإن كانت حائضًا حين التعليق: لم تطلق حتى تطهر، ثم تحيض حيضة مستقبلة، وينقطع دمها
(22)
(وفيـ) ما إذا قال (إذا حضتِ نصف حيضة) فأنتِ طالق: (تطلق)
(20)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن حضتِ فأنتِ طالق": فإنها تطلق حين ترى دم الحيض بشرط: أن تكون متيقنة أن هذا الدم دم حيض، أما إن لم تتيقن - كأن تكون الزوجة دون التاسعة أو فوق الخمسين، أو حاملًا، أو نقص خروجه عن يوم وليلة أقل الحيض -: فلا تطلق برؤية ذلك الدم الخارج منها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تعليق الطلاق بتلك الصفة - وهي الحيض -: أن يقع الطلاق بوجودها بيقين؛ لوجود الشرط، ويلزم من عدم تيقنه: أن لا يقع لعدم الشرط.
(21)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إذا حضتِ فأنتِ طالق": فإنها تطلق إذا حاضت حيضة كاملة، ثم طهرت، أي: إذا تمت حيضة كاملة لها، ثم بدأت بالطهر بعدها: فإنها تطلق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود الشرط - وهو: - حيضة كاملة - وجود الطلاق، ولا تتم الحيضة إلا بعد بدايتها بالطهر.
(22)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته - وهي في حال حيضها -: "إذا حضتِ فأنتِ طالق": فإنها لا تطلق بسبب الحيض الذي هي فيه، بل لا بدَّ أن تطهر منها، ثم تحيض حيضة جديدة، ثم تطهر منها، ويكفي أن ينقطع دمها وحينئذ تطلق؛ للتلازم؛ حيث إن ما كانت فيه من الحيض - حال قوله لها ذلك - ليست حيضة كاملة، بل هي جزء من حيضة، ويُشترط أن تبدأ الحيضة المعلّق عليها وأن تنتهي بعد التعليق فيلزم من ذلك: أن لا تحسب ما هي عليه حيضة تطلق بها، بل لا بدَّ من طهرها، ثم حيضها، ثم طهرها، وحينئذ تطلق؛ لوجود الشرط.
طاهرًا (في نصف عادتها)؛ لأن الأحكام تتعلق بالعادة، فتعلق بها وقوع الطلاق، لكن إذا مضت حيضة مستقرة: تبيّنا وقوعه في نصفها؛ لأن النصف لا يُعرف إلّا بوجود الجميع؛ لأن أيام الحيض قد تطول، وقد تقصر، فإذا طهرت: تبيّنا مدة الحيض، فيقع الطلاق في نصفها
(23)
، ومتى ادَّعت حيضًا وأنكر: فقولها كإن أضمرت بغضي فأنتِ طالق، وادَّعته، بخلاف نحو قيام
(24)
، وإن قال: "إذا طهرت فأنتِ
(23)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إذا حضتِ نصف حيضة فأنتِ طالق": فإنها تطلق إذا مضى نصف مدَّة حيضها، ولكن لا يتبين هذا النصف إلا بعد طهارتها، فمثلًا: لو كانت تحيض ستة أيام - وهي الأيام التي تحيض فيها النساء عادة - ثم طهرت، فإن هذا بيان أن طلاقها قد وقع بعد مضي ثلاثة أيام وهكذا؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من كون أيام الحيض قد تطول وقد تقصر: أن النصف الذي يقع الطلاق بسببه لأنَّه هو الشرط لا يتبين إلا بعد مضي حيضة كاملة مستقرة، فوقوع طلاقها كان بعد معرفة النصف.
(24)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إذا حضتِ فأنتِ طالق" فقالت: "إني حضتُ" وكذَّبها الزوج وأنكره: فإنه يُقبل قولها بلا يمين، وتطلق بذلك؛ للقياس؛ وهو من وجهين: أولهما: كما أنه لو قال لها: "إن أضمرتِ بغضي فأنتِ طالق": فادَّعت: أنها أضمرت بغضه، بلا يمين، فتطلق، فكذلك الحال هنا والجامع: أن كلًا منهما لا يعرف إلا من جهتها، ثانيهما: كما أن انقضاء عدتها إذا أخبرت به يُقبل منها بلا يمين، فكذلك دعواها وجود الحيض إذا أخبرت به يُقبل منها بلا يمين فتطلق، والجامع: أن ذلك كله لا يعلم إلا من جهتها، فيُرجع إلى قولها، فإن قلت: لا يُقبل قولها إلا ببيّنة بأن يُدخل نساء ثقات قطنة في فرجها ويتأكدن من قولها، فإن وجدن دمًا: فإنها تطلق، وإن لا: فلا، وهو رواية عن أحمد رجّحها أكثر الحنابلة؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال لها: "إن قمتِ فأنتِ طالق" فلا يقبل دعواها القيام إلّا ببيّنة فكذلك دعواها الحيض لا يُقبل إلا ببينة، والجامع: أن=
طالق": فإن كانت حائضًا: طلقت بانقطاع الدم، وإلا: فإذا طهرت من حيضة مستقبلة
(25)
.
(فصل): في تعليقه بالحمل، (إذا علَّقه بالحمل) كقوله:"إن كنتِ حاملًا فأنتِ طالق"(فولدت لأقل من ستة أشهر) من زمن الحلف: سواء كان يطأ أم لا، أو لدون أربع سنين، ولم يطأ بعد حلفه:(طلقت منذ حلف)؛ لأنا تبيّنا أنها كانت حاملًا، وإلا: لم تطلق، ويحرم وطؤها قبل استبرائها بحيضة
(26)
(وإن قال) لزوجته:
كلًّا منهما يمكن أن يتوصل إلى معرفته بالبينة من غيرها قلت: هذا فاسد؛ لأنَّه قياس مع الفارق؛ لأن القيام ظاهر يمكن إثبات البينة عليه؛ بخلاف الحيض فليس بظاهر، وتتفرَّد بمعرفته، والنساء قد يُخدعن بدم هي تعرف أنه ليس بحيض؛ فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين".
(25)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن طهرتِ فأنتِ طالق": فإنها تطلق إذا انقطع دم حيضها، وإن لم تغتسل، هذا إذا كانت حين قال زوجها لها ذلك في حالة حيض، أما إن كانت - حين قال زوجها لها ذلك - في حالة الطهر: فإنها تنتظر حتى تحيض ثم تطهر، فإذا طهرت: تطلق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود الشرط - وهو الطهر -: وجود الحكم -: وهو الطلاق: سواء كانت حين ذلك في حالة حيض، أو طهر.
(26)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن كنتِ حاملًا فأنتِ طالق" فتبين أنها كانت حاملًا: فإنه يقع طلاقها من حين اليمين، وإن لم يتبين حملها: فلا تطلق، وعلم حملها بأن تلد لأقل من ستة أشهر من حين اليمين والحلف، وإن ولدت لأكثر من أربع سنين من حين حلفه، أو ولدت لأكثر ستة أشهر من حين حلفه: فإنها لا تطلق في الصورتين؛ ويحرم وطؤها وجماعها قبل استبرائها بحيضة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود الشرط - وهو الحمل - وجود الحكم - وهو: الطلاق - من حين حلفه، ويلزم من عدم وجود الشرط - وهو الحمل أثناء حلفه - =
(إن لم تكوني حاملًا فأنتِ طالق: حرم وطؤها قبل استبرائها بحيضة) موجودة، أو مستقبلة، أو ماضية لم يطأ بعدها، وإنما يحرم وطؤها (في) الطلاق (البائن) دون الرجعي
(27)
(وهي) أي: مسألة "إن لم تكوني حاملًا فأنتِ طالق"(عكس) المسألة (الأولى) وهي: "إن كنتِ حاملًا فأنتِ طالق"(في الأحكام): فإن ولدت لأكثر من أربع سنين: طلقت؛ لأنا تبيّنا أنها لم تكن حاملًا، وكذا: إن ولدت لأكثر من ستة أشهر، وكان يطأ؛ لأن الأصل: عدم الحمل
(28)
وإن قال: "إن حملت فأنتِ طالق": لم يقع إلا بحمل متجدّد، ولا يطؤها إن كان وطئ في طهر حلف فيه قبل حيض، ولا أكثر من مرَّة كل طهر (وإن علّق طلقة إن كانت حاملًا بذكر، وطلقتين) إن كانت
إذا ولدت لأكثر من ستة أشهر، أو لأكثر من أربع سنين من حلفه: عدم وجود الحكم، وهو الطلاق، ويلزم من وجوب استبرائها: تحريم جماعها.
(27)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: إن لم تكوني حاملًا فأنتِ طالق": فإنه يحرم على هذا الزوج أن يطأها ويجامعها قبل استبراء رحمها بحيضة موجودة حال قوله ذلك، أو حيضة مستقبلة، أو ماضية لم يطأ بعدها، هذا في الطلاق البائن، أما في الطلاق الرجعي: فيجوز وطؤها؛ لحصول الرجعة بسببه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون المقصود هو معرفة براءة رحمها: تحريم وطئها.
(28)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن لم تكوني حاملًا فأنتِ طالق" فأحكام هذا القول عكس الأحكام التي قيلت في مسألة (26) لما قال لها: "إن كنتِ حاملًا فأنتِ طالق"؛ حيث إن قوله: "إن لم تكوني حاملًا فأنتِ طالق" يفيد أنها إن ولدت لأكثر من أربع سنين، أو ولدت لأكثر من ستة أشهر وكان يطأ: فإنها تطلق في الصورتين؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كوننا قد تبيّنا عدم حملها - وهو الشرط -: وجود الحكم، وهو: وقوع الطلاق، أو تقول: يستدل بالاستصحاب أيضًا وهو: أن الأصل: عدم الحمل، وعند تحقق الشرط - وهو عدم الحمل - يتحقق الحكم وهو: وقوع الطلاق.
حاملًا (بأنثى، فولدتهما: طلقت ثلاثًا): بالذكر واحدة، وبالأنثى اثنتين
(29)
(وإن كان مكانه) أي: مكان قوله: "إنت كنتِ حاملًا بذكر فأنتِ طالق طلقة، وإن كنتِ حاملًا بأنثى فأنتِ طالق اثنتين"
(30)
(إن كان حملكِ، أو ما في بطنك) ذكرًا فأنتِ طالق طلقة، وإن كان أنثى فأنتِ طالق ثنتين" وولدتهما:(لم تطلق بهما)؛ لأن الصيغة المذكورة تقتضي حصر الحمل في الذكورية، أو الأنوثية: فإذا وجدا لم تتمحض ذكوريته، ولا أنوثيته، فلا يكون المعلَّق عليه موجودًا
(31)
.
(29)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن حملت فأنتِ طالق": فإنها إذا حملت حملًا جديدًا: فإنها تطلق، ويحرم وطؤها إن كان قد وطأها في طهر حلف فيه قبل حيض، ولا يطأها أكثر من مرة في كل طهر إن كان الطلاق بائنًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من حصول الحمل ابتداء بعد قوله هذا: وجود الشرط وهو: الحمل فيلزم وقوع الطلاق، ويلزم من جواز حصول الحمل من وطء واحد قبل الحيض: تحريم وطئها أكثر من مرة في كل طهر.
[فرع]: إذا قال لها ذلك، ثم بأن أنها حامل أثناء قوله ذلك: فإنها لا تطلق؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من ظاهر لفظ قول الزوج: حصول حمل جديد مبتدأ، فيلزم من بيان أنها حامل حين قول الزوج ذلك: عدم طلاقها.
(30)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن كنتِ حاملًا بذكر فأنتِ طالق طلقة، وإن كنتِ حاملًا بأنثى فأنتِ طالق اثنتين" فولدت توأمين: ذكرًا وأنثى: فإنها تطلق ثلاثًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود الشرط - وهو حملها بذكر وأنثى - وجود الحكم، وهو: طلاقها ثلاثًا، فلا تحل له إلا بعد زوج آخر؛ لأن مجموع واحدة مع اثنتين: ثلاث طلقات.
(31)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن كان حملكِ، أو ما في بطنك ذكرًا فأنتِ طالق طلقة، وإن كان حملك، أو ما في بطنك أنثى فأنتِ طالق ثنتين" فولدت ذكرًا، وأنثى: فإنها لا تطلق بذلك؛ للتلازم؛ حيث إن لفظ الزوج وصيغته تقتضي=
(فصل): في تعليقه بالولادة: يقع ما علق على ولادة بإلقاء ما تبين فيه بعض خلق الإنسان، لا بإلقاء علقة ونحوها
(32)
(إذا علَّق طلقة على الولادة بذكر، وطلقتين) على الولادة (بأنثى): بأن قال: "إن ولدت ذكرًا فأنتِ طالق طلقة، وإنت ولدت أنثى فأنتِ طالق طلقتين"(فولدت ذكرًا، ثم) ولدت (أنثى حيًا) كان المولود أو ميتًا: طلقت بالأول) ما علق به، فيقع في المثال طلقة، وفي عكسه ثنتان (وبانت بالثاني، ولم تطلق به؛ لأن العدة انقضت بوضعه، فصادفها الطلاق بائنًا، فلم يقع كقوله: "أنتِ طالق انقضاء عدتكِ"، وإن ولدتهما معًا: طلقت ثلاثًا (وإن أشكل كيفية وضعهما): بأن لم يعلم أوضعتهما معًا، أو متفرقين؟:(فواحدة) أي: فوقع طلقة واحدة؛ لأنها المتيقنة، وما زاد عليها مشكوك فيه
(33)
.
انفراد الحمل في الذكورية فقط أو الأنوثة فقط، فيلزم من وجودهما معًا: عدم انفراد الذكورية، أو الأنوثة، أي أن حملها ليس بذكر ولا أنثى، فلم يوجد المعلق عليه كاملًا، فيلزم من عدم وجوده: عدم الحكم، فلا تطلق.
(32)
مسألة: إذا علَّق الزوج طلاق زوجته على ولادتها بأن قال لها: "إن ولدت فأنتِ طالق": فإنها تطلق بإلقاء ما تبين فيه بعض خلق الإنسان، وهو ما تجلس له في النفاس وهو المضغة، وهو: ما بلغ واحدًا وثمانين يومًا في الرحم فأكثر - وقد سبق بيانه في مسألة (37) من باب "الحيض والنفاس" من كتاب: "الطهارة" أما إذا ألقت علقة وما لا يتبين فيه خلق الإنسان: فلا تطلق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من ولادتها ما يُسمَّى ولدًا: وقوع طلاقها؛ لوجود الشرط ويلزم من عدمه: عدم الطلاق.
(33)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته الحامل: "إن ولدت ذكرًا فأنتِ طالق طلقة، وإن ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين": ففيه حالات: الحالة الأولى: إن ولدت ذكرًا، ثم بعد ذلك ولدت أنثى: فإنها تطلق طلقة واحدة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تعليقه الذكر بالطلقة، وولادتها له قبل الأنثى: وقوع الطلاق مرة واحدة، الحالة الثانية:=
(فصل): في تعليقه بالطلاق: (إذا علَّقه على الطلاق): بأن قال: "إن طلَّقتكِ فأنتِ طالق"(ثم علقه على القيام): بأن قال: "إن قمت فأنتِ طالق"(أو علقه على القيام ثم) علَّقه (على وقوع الطلاق): بأن قال: "إن قمتِ فأنتِ طالق" ثم قال: "إن وقع عليكِ طلاقي فأنتِ طالق"(فقامت: طلقت طلقتين فيهما) أي: في المسألتين: واحدة بقيامها وأخرى بتطليقها الحاصل بالقيام في المسألة الأولى؛ لأن طلاقها
إن ولدت أنثى، ثم بعد ذلك ولدت ذكرًا: فإنها تطلق طلقتين؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تعليقه الأنثى بالطلقتين وولادتها لها قبل الذكر: وقوعهما، الحالة الثالثة: إن ولدت ذكرًا وأنثى معًا دفعة واحدة؛ بحيث لم يسبق أحدهما الآخر: فإنها تطلق ثلاث طلقات؛ للتلازم؛ حيث يلزم من ظاهر قوله ذلك، وولادتهما لهما معًا بدون تفريق: وقوع ثلاث طلقات؛ لأنَّه ليس أحدهما - أي الذكر والأنثى - بأولى من الآخر. الحالة الرابعة: إن أشكل ذلك، فلم يُعلم هل وضعتهما معًا، أو خرج أحدهما ثم تبعه الآخر؟ فإنها تطلق طلقة واحدة؛ للاستصحاب؛ حيث إن الطلقة الواحدة متيقنة - على حسب قول الزوج - أما ما زاد عليها فمشكوك فيه فنستصحب ما تيقنا منه، ونعمل به - وهي الطلقة الواحدة -، ونترك المشكوك فيه.
[فرع]: إذا طلقت بأول مولود في مسألة (33): فإنها تكون بائنًا في ثاني المولودين، ولا تطلق به؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال: "أنتِ طالق مع انقضاء عدتكِ": فإنها لا تطلق عند انقضاء عدتها، فكذلك الحال هنا لا تطلق في ثاني المولودين، والجامع: انقضاء العدة بآخر مولود لها؛ حيث صادف طلاقها بينونتها، فهما لا تطلقان؛ لعدم وجود نكاح يزيله ذلك الطلاق. تنبيه: المقصود بالمولود في مسألة (33) هو من ما تبين فيه بعض خلق الإنسان كما سبق بيانه في مسألة (32): سواء كان هذا المولود حيًا أو ميتًا: فإنها تطلق به؛ للتلازم؛ حيث يلزم من إطلاق اسم الولد عليه: أن تطلق به.
بوجود الصفة تطليق لها، وفي الثانية طلقة بالقيام، وطلقة بوقوع الطلاق عليها بالقيام، وإن كانت غير مدخول بها: فواحدة فقط
(34)
(وإن علَّقه) أي: الطلاق (على قيامها): بأن قال: "إن قمتِ فأنتِ طالق"(ثم) علق الطلاق (على طلاقه لها، فقامت: فواحدة) بقيامها، ولم تطلق بتعليق الطلاق؛ لأنَّه لم يطلقها
(35)
(وإن قال) لزوجته: (كلما طلقتكِ) فأنتِ طالق (أو) قال: (كلما وقع عليكِ طلاقي فأنتِ طالق، فوجدا) أي: الطلاق في الأولى، أو وقوعه في الثانية:(طلقت في الأولى)، وهي
(34)
مسألة: إذا علَّق الزوج طلاق زوجته بطلاقها ثم علقه على القيام كان يقول: إن طلقتكِ فأنتِ طالق" ثم قال: "إن قمتِ فأنتِ طالق" أو علق الزوج طلاق زوجته على قيامها، ثم علّقه على طلاقها: كأن يقول: "إن قمتِ فأنتِ طالق" ثم قال: "إن وقع عليكِ طلاقي فأنتِ طالق": فإن زوجته تطلق طلقتين في الصورتين: الطلقة الأولى تقع؛ نظرًا لقيامها، والطلقة الثانية تقع عليها بسبب وقوع الطلاق عليها بالقيام فوقع بها طلقتان إن كانت مدخولًا بها، وإن كانت تلك الزوجة غير مدخول بها: فتطلق طلقة واحدة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تعليقه الطلاق بقيامها: وقوع واحدة؛ لوجود الشرط - وهو القيام -، ويلزم من طلاقها بالقيام: طلاقها مرة ثانية؛ نظرًا لوقوع الطلاق عليها بالقيام، ويلزم من كون غير المدخول بها تتم بينونتها بطلقة واحدة الاكتفاء بتلك الواحدة؛ إذ لا تقع عليها الثانية؛ لأنَّه لا عدة لها، ولا يمكن مراجعتها، إذ لا يقع طلاقها إلا بائنًا، ولا يقع الطلاق بالبائن.
(35)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن قمتِ فأنتِ طالق" ثم قال: "إن طلقتكِ فأنتِ طالق" فقامت ولم يطلقها: فإنها تطلق طلقة واحدة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود الشرط - وهو قيامها - أن تطلق طلقة واحدة؛ لكونها قد قامت، ويلزم من عدم وجود الشرط الثاني -: وهو طلاقها - عدم طلاقها؛ إذ لم يطلقها: سواء كانت الزوجة مدخولًا بها، أو لا.
قوله: "كلما طلقتكِ فأنتِ طالق"(طلقتين) طلقة بالمنجز، وطلقة بالمعلَّق عليه (و) طلقت (في الثانية) وهي: قوله: "كلما وقع عليكِ طلاقي فأنتِ طالق"(ثلاثًا) إن وقعت الأولى والثانية رجعيتين؛ لأن الثانية طلقة واقعة عليها، فتقع بها الثالثة
(36)
، وإن قال:"إن وقع عليكِ طلاقي فأنتِ طالق قبله ثلاثًا" ثم قال: "أنتِ طالق": فثلاث: طلقة بالمنجز، وتتمتها من المعلّق ويلغو قوله:"قبله" وتسمى بـ بـ (السريجية)
(37)
.
(36)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "كُلَّما طلّقتكِ فأنتِ طالق" أو قال: "كُلّما وقع عليكِ طلاقي فأنتِ طالق" فوجد الطلاق منه في الصيغة الأولى، أو وقع الطلاق عليها بالصيغة الثانية: فإنها تطلق بالصيغة الأولى طلقتين: طلقة بالطلاق المنجز، وطلقة بالمعلَّق عليه إن كانت مدخولًا بها، أما إن كانت غير مدخول بها: فإنها تطلق طلقة واحدة - وهي المنجزة -، وتطلق الزوجة بالصيغة الثانية ثلاث طلقات بشرط: أن تكون الطلقة الأولى والطلقة الثانية وقعتا بالصيغة الأولى رجعيتين - أي: مدخول بها -؛ للتلازم؛ حيث إن "كُلَّما" تقتضي التكرار، وقد طلقها مُنجزًا ومعلَّقًا، فيلزم وقوع طلقتين، ويلزم من الصيغة الثالثة: أن تطلق ثالثة؛ لكونه قد أوقعه بها، ويلزم من كونها غير مدخول بها: أن يكتفى بطلقة واحدة؛ لأنها تبين بها والبائن لا يلحقها طلاق - وقد سبق هذا مرارًا -.
(37)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن وقع عليك طلاقي فأنتِ طالق قبله ثلاثًا" ثم قال: "أنتِ طالق": فإنها تطلق بالمنجز - وهو قوله: أنتِ طالق - طلقة واحدة، وتعليقه هذا باطل، وهو قول كثير من المحققين منهم: ابن عقيل، وابن تيمية وغيرهما، وهو الصحيح؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال: "أنتِ طالق أمس": فإنه لا يقع طلاقه، فكذلك قوله:"إن وقع عليكِ طلاقي فأنتِ طالق قبله ثلاثًا" لا يقع طلاقه، والجامع: أن كلًّا منهما طلاق في زمن ماض، وهذا لا يقع، فإن قلتَ: إنه إذا قال الزوج لزوجته تلك الصيغة - المذكورة في أول المسألة -:=
(فصل): في تعليقه بالحلف: (إذا قال) لزوجته: (إذا حلفتُ بطلاقكِ فأنتِ طالق، ثم قال) لها (أنتِ طالق إن قمتِ) أو: "إن لم تقومي" أو: إن هذا القول حق، أو كذب ونحوه، مما فيه حث، أو منع، أو تصديق خبر، أو تكذيبه:(طلقت في الحال)؛ لما في ذلك من المعنى المقصود بالحلف من الحث، أو الكف، أو التأكيد
(38)
(لا إن علَّقه) أي:
فإنها تطلق ثلاثًا: طلقة بالمنجز، ويتمها من المعلّق، ويُلغى قوله:"قبله"، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث إنه طلاق من زوج مختار في محل نكاح صحيح، قد وصف المعلَّق بصفة يستحيل وصفه بها فيلزم منه: وقوع واحدة من المنجز، ووقوع الباقي من المعلَّق قلتُ: إنّ ظاهر صيغته إيقاع طلاق في زمن ماض، وهو لا يملكه، فلا يقع به طلاق، فلا يبقى إلا طلقة واحدة اقتضاها قوله:"أنتِ طالق" وهو المنجز، وهو الذي ذكرناه، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازم مع القياس". فائدة: سميت هذه المسألة بالسريجية؛ لأن أول من أفتى بها هو ابن سريج الفقيه الأصولي الشافعي المعروف.
(38)
مسألة: إذا علَّق الزوج طلاق زوجته بالحلف كأن يقول: "إذا حلفتُ بطلاقكِ فأنتِ طالق" ثم قال لها: "أنتِ طالق إن قمتِ" أو قال لها: "إذا حلفتُ بطلاقك فأنتِ طالق" ثم قال: "أنتِ طالق إن لم تقومي" أو قال لها: "إذا حلفتُ بطلاقكِ فأنتِ طالق" ثم قال: "أنتِ طالق إن هذا القول حق"، أو قال لها:"إذا حلفتُ بطلاقكِ فأنتِ طالق" ثم قال: "أنتِ طالق إن هذا القول كذب"، أو يقول لها:"إذا حلفتُ بطلاقكِ فأنتِ طالق" ثم قال: أنتِ طالق إن لم يكن هذا القول حقًا" أو يقول لها: "إذا حلفتُ بطلاقكِ فأنتِ طالق" ثم قال: "أنتِ طالق إن يكن هذا القول كذبًا" أو يقول لها: "إذا حلفتُ بطلاقكِ فأنتِ طالق" ثم قال: "أنتِ طالق إن لم أدخل الدار" أو نحو تلك الأقوال التي فيها حث على المنع، أو على تصديق خبر، أو تكذيبه: فإن تلك الزوجة تطلق في الحال في تلك الأقوال=
الطلاق (بطلوع الشمس ونحوه) كقدوم زيد، أو بمشيئتها؛ (لأنَّه) أي: التعليق المذكور (شرط، لا حلف)؛ لعدم اشتماله على المعنى المقصود بالحلف
(39)
(و) من قال لزوجته: (إن حلفت بطلاقكِ فأنتِ طالق أو قال) لها: (إن كلَّمتكِ فأنتِ طالق، وأعاده مرَّة أخرى: طلقت) طلقة (واحدة)؛ لأن إعادته حلف وكلام (و) إن أعاده (مرتين: فـ) طلقتان (ثنتان و) إن أعاده (ثلاثًا: فثلاث) طلقات؛ لأن كل مرة موجود فيها شرط الطلاق، وينعقد شرط طلقة أخرى ما لم يقصد إفهامها في "إن حلفتُ بطلاقك" وغير المدخول بها تبين بالأولى، ولا تنعقد يمينه الثانية، ولا الثالثة في مسألة الكلام
(40)
.
والصور والصيغ وما شابهها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود الشرط - وهو الحلف بطلاقها -: وجود الحكم، وهو: وقوع الطلاق، تنبيه: المقصود بالحلف هنا: تعليق الطلاق؛ لقصد الحث على فعل شيء، أو الكف عنه، أو تأكيده، وليس المقصود منه القسم وقد سبق التنبيه على ذلك.
(39)
مسألة: إذا علَّق الطلاق بطلوع الشمس، أو قدوم زيد، أو بمشيئة الزوجة، أو بحيض، أو طهر، أو نزول مطر، أو حصول كسوف، أو هبوب ريح قبل وجود تلك الأشياء كأن يقول:"إن طلعت الشمس الآن فأنتِ طالق" أو إن نزل المطر الآن أنتِ طالق" ونحو ذلك: فإن هذا تعليق على شرط، وليس بتعليق على حلف؛ للتلازم؛ حيث إن عدم وجود المعنى المقصود من الحلف: من الحثّ على فعل شيء، أو الكف عنه، أو التأكيد أو نحو ذلك يلزم منه أن مثل تلك الصيغ ليست حلفًا، بل هي شروط - قد سبق تفصيل الكلام عنه -.
(40)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن كلَّمتكِ فأنتِ طالق" أو قال: "إن حلفتُ بطلاقكِ فأنتِ طالق" ثم أعاد ذكر العبارة الأولى مرة واحدة أو ذكر العبارة الثانية مرة واحدة: فإنها تطلق طلقة واحدة، وإن أعاد ذلك مرتين: فإنها تطلق طلقتين، وإن أعاد ذلك ثلاث مرات: فإنها تطلق ثلاث تطليقات؛ للتلازم؛ حيث إن إعادته يُعتبر حلفًا وكلامًا فيوجد الشرط، ويلزم من وجود الشرط: وجود
(فصل): في تعليقه بالكلام: (إذا قال) لزوجته: (إن كلمتك فأنتِ طالق فتحققي، أو قال) زجرًا لها: (تنحي أو اسكتي: طلقت) اتصل ذلك بيمينه، أو لا، وكذا لو سمعها تذكره بسوء فقال: الكاذب عليه لعنة الله، ونحوه: حنث؛ لأنَّه كلمها، ما لم ينو كلامًا غير هذا فعلى ما ينوي
(41)
(و) من قال لزوجته: (إن بدأتكِ
الحكم، وهو وقوع الطلاق، ويلزم من تكرار وإعادة ذلك: وقوع الطلقات بعدد الإعادة.
[فرع]: إذا قال: "إن حلفت بطلاقك فأنتِ طالق" ثم أعاد نفس العبارة مرة أخرى، وادعى: أنه أعاده لقصد إفهامها: فإنه تقبل دعواه، ولا تطلق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من احتمال تلك الدعوى: قبول دعواه.
[فرع ثان]: إن قال: "إن كلمتك فأنتِ طالق" ثم أعاد نفس العبارة مرة أخرى وادَّعى أنه أعاده لقصد إفهامها: فإنه لا تقبل دعواه، وتطلق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم احتمال تلك الدعوى: عدم قبولها.
[فرع ثالث]: إن قال: "إن كلَّمتكِ فأنتِ طالق" يقصد الزوجة غير المدخول بها: فإنها تبين بالطلقة الأولى، فلا تلحقها الطلقة الثانية، ولا الثالثة، ولو أعاد تلك العبارة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من الاكتفاء بطلقة واحدة في غير المدخول بها: أنها تبين بها فلا يُحتاج إلى الثانية، والثالثة لوقوعهما على بائن، ولا يلحق البائن طلاق.
(41)
مسألة: إذا علَّق الزوج طلاق زوجته بالكلام كأن يقول: "إن كلَّمتكِ فأنتِ طالق فتحققي ذلك" أو قال: "إن كلَّمتكِ فأنتِ طالق فاعلمي ذلك" أو قال: "إن كلَّمتكِ فأنتِ طالق فتنحي عني" أو قال: "إن كلمتك فأنتِ طالق فاسكتي" أو قال: "إن كلَّمتكِ فأنتِ طالق" ثم سمعها تذكره بسوء فقال لها: "الكاذب عليه لعنة الله": فإنها تطلق في تلك الصور والصيغ بشرط: أن لا ينوي في جميع ما تقدم كلامًا غير ما قصده، فإن نوى كلامًا غير ما حلف عليه: وكلمها به: فإنه =
بكلام فأنتِ طالق، فقالت) له:(إن بدأتك به) أي: بكلام (فعبدي حر: انحلَّت يمينه)؛ لأنها كلَّمته أولًا، فلم يكن كلامه لها بعد ذلك ابتداء (ما لم ينو عدم البداءة في مجلس آخر) فإن نوى ذلك: فعلى ما نوى، ثم إن بدأته بكلام عتق عبدها، وإن بدأها به انحلَّت يمينها
(42)
، وإن قال:"إن كلَّمتِ زيدًا فأنتِ طالق" فكلَّمته: حنث، ولو لم يسمع زيد كلامها لغفلة، أو شغل ونحوه، أو كان مجنونًا، أو سكرانًا، أو أصم يسمع لولا المانع، وكذا: لو كاتبته، أو راسلته إن لم ينو مشافهتها، وكذا: لو كلمت
يُحمل على ما نواه، ولا تطلق؛ للتلازم؛ حيث إنه علَّق طلاقها على كلامها، وقد وجد الكلام في تلك الصيغ، وهو الشرط، فيلزم وجود الحكم، وهو وقوع الطلاق، ويلزم من نيته كلامًا غير ما حلف عليه: أن يكلمها بما نواه، دون وقوع طلاق، عملًا بنيته.
[فرع]: إذا جامعها ولم يكلمها في المسألة السابقة (41): فلا يحنث، ولا تطلق؛ للتلازم؛ حيث لم يوجد الشرط - وهو الكلام - فلم يوجد الحكم، فلا يقع طلاق.
(42)
مسألة إذا قال الزوج لزوجته: "إن بدأتك بكلام فأنتِ طالق" فقالت له بعد ذلك مباشرة: "إن بدأتك بكلام فعبدي حر": ففي ذلك حالتان: الحالة الأولى: أنَّ يمين الزوج تنحلّ ولا تطلق زوجته إذا لم ينو عدم البداءة في مجلس آخر، أما إذا نوى ذلك: فإنه يُعمل على ما نواه؛ للتلازم؛ حيث إنها هي التي بدأته بالكلام أولًا وقالت: "إن بدأتك بكلام فعبدي حر" فيلزم: انحلال يمينه، وعدم طلاقها، ويلزم من نيته عدم البداءة في مجلس آخر: العمل على ما تقتضيه نيته. الحالة الثانية: إن بدأها هو بكلام: بعد قولها: "إن بدأتك بكلام فعبدي حر": فإن يمينها تنحل، ولا يعتق عبدها، وإن بدأته بكلام: فإن عبدها يعتق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود الشرط - وهو أن تبدأ بالكلام: - وجود الحكم وهو: عتق عبدها، ويلزم من كونه هو الذي بدأها بالكلام دونها: عدم العتق.
غيره وزيد يسمع، تقصده بالكلام، لا إن كلَّمته ميتًا، أو غائبًا، أو مغمى عليه، أو نائمًا، أو وهي مجنونة، أو أشارت إليه
(43)
.
(فصل): في تعليقه بالإذن (إذا قال) لزوجته: (إن خرجتِ بغير إذني، أو): إن خرجتِ (إلا بإذني أو) إن خرجت (حتى آذن لكِ أو) قال لها: (إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنتِ طالق، فخرجت مرة بإذنه، ثم خرجت بغير إذنه): طلقت؛ لوجود الصفة (أو أذن لها) في الخروج (ولم تعلم) بالإذن، وخرجت: طلقت؛ لأن الإذن هو الإعلام، ولم يعلمها (أو خرجت) من قال لها: إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنتِ طالق (تريد الحمام وغيره) أو عدلت منه إلى غيره: (طلقت في الكل)؛ لأنها إذا خرجت للحمام وغيره: فقد صدق عليها أنها خرجت إلى غير الحمام (لا إن أذن) لها (فيه) أي: في الخروج (كلَّما شاءت) فلا يحنث بخروجها بعد ذلك؛ لوجود الإذن
(44)
.
(أو قال) لها: إن خرجت (إلا بإذن زيد فمات زيد، ثم خرجت): فلا
(43)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن كلمتِ زيدًا فأنتِ طالق"، ثم كلمته، أو كاتبته أو راسلته، أو كلَّمت غيره وزيد يسمع وقد قصدته بالكلام: فإنه يحنث، وتطلق زوجته: سواء كان زيد يسمع كلامها، أو لا يسمع كلامها بسبب غفلة، أو شغل، أو انخفاض في صوتها أو كان هو أصمًا أو لا، وسواء كان زيد مجنونًا، أو عاقلًا، أما إن كان زيد ميتًا، أو غائبًا، أو مغمى عليه، أو نائمًا، أو كانت هي مجنونة، أو أشارت إليه ولم تكلمه: فإنه لا يحنث، ولا تطلق؛ للتلازم؛ حيث إنه قد وجد الشرط وهو الكلام في الألفاظ، أو المكاتبة، أو المراسلة من الزوجة القاصدة كلام زيد فيلزم وجود الحكم، وهو الحنث، فتطلق، ويلزم من عدم قصدها كلامه - من المجنونة - وعدم إمكانه الاستماع إليها - كالميت، والمغمى عليه والغائب، والنائم - وعدم تسمية الإشارة كلامًا: عدم الحنث، فلا تطلق.
(44)
مسألة: إذا علّق طلاق زوجته بالإذن: كأن يقول لزوجته: "إن خرجت بغير إذني =
حنث عليه
(45)
.
(فصل): في تعليقه بالمشيئة (إذا علَّقه) أي: الطلاق (بمشيئتها بأن، أو غيرها من الحروف) أي: الأدوات كـ "إذا" و "متى" و "مهما": (لم تطلق حتى تشاء)، فإن
فأنتِ طالق" أو "إن خرجت إلا بإذني فأنتِ طالق" أو "إن خرجت حتى آذن لكِ فأنتِ طالق" أو "إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنتِ طالق": فإنها تطلق في الصور الآتية: أولها: إن خرجت مرة بإذنه، ومرة أخرى بغير إذنه، ثانيها: إن خرجت من المكان الذي منعت من الخروج منه، ثالثها: إن خرجت إلى غير الحمام، رابعها: إن خرجت إلى الحمام وغيره، خامسها: إن خرجت إلى الحمام، ثم خرجت من الحمام إلى الممنوع الخروج إليه، سادسها: إن أذن لها في الخروج ولكنه لم يعلمها بذلك الإذن، ومع ذلك خرجت؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود الشرط - وهو: وجود الخروج الممنوعة منه - وجود الحكم، وهو وقوع طلاقها، ويلزم من قصدها بالخروج مخالفته وعصيانه: طلاقها بذلك الخروج وإن أذن لها ولم يعلمها به، ويلزم من خروجها إلى الحمام وغيره: وقوع طلاقها؛ لكونه يصدق عليها خروجها إلى غير الحمام.
[فرع]: إذا أذن لها في الخروج كُلَّما شاءت: وخرجت، فلا يحنث بذلك الخروج، فلا تطلق؛ للتلازم؛ حيث إنه قد وجد الإذن العام فيلزم عدم الطلاق.
(45)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن خرجتِ إلا بإذن زيد فأنتِ طالق" فمات زيد، ثم خرجت بعد موته: فلا حنث عليه، فلا تطلق؛ للتلازم؛ حيث إن الطلاق قد علَّقه على إذن زيد الحي، فيلزم من موته: إلغاء هذا التعليق؛ إذ الميت لا يعلق عليه شيء، فتخرج كيف شاءت، دون أن يقع عليها طلاق؛ لكون المعلق عليه الإذن مفقودًا بالموت.
شاءت: طلقت (ولو تراخى) وجود المشيئة منها كسائر التعاليق
(46)
، فإن قيَّد المشيئة بوقت كـ "إن شئتِ اليوم فأنتِ طالق": تقيَّدت به
(47)
(فإن قالت) من قال لها: "إن شئتِ فأنتِ طالق": (قد شئتُ إن شئتَ: فشاء: لم تطلق)، وكذا إن قالت: قد شئتُ إن طلعت الشمس ونحوه؛ لأن المشيئة أمر خفي لا يصح تعليقه على شرط
(48)
(وإن قال) لزوجته: (إن شئتِ وشاء أبوكِ) فأنتِ طالق (أو) قال: إن شئت، وشاء (زيد) فأنتِ طالق:(لم يقع) الطلاق (حتى يشاءا معًا) أي: جميعًا، فإذا شاءا: وقع، ولو
(46)
مسألة: إذا علق الزوج طلاق زوجته بمشيئتها بإن أو إحدى أخواتها كأن يقول الزوج لزوجته: "إن شئتِ فأنتِ طالق": فإنها لا تطلق حتى تشاء، فإذا شاءت بلفظها بأن قالت:"قد شئتُ": فإنها تطلق: سواء كانت هذه المشيئة منها عاجلة، أو آجلة؛ للتلازم؛ حيث إنه علّق طلاقها على مشيئتها له فيلزم وقوع الطلاق إذا تلفّظت بتلك المشيئة؛ نظرًا لحصوله، ويلزم من تعبيره بحرف من حروف الشرط: أن لا يُشترط الفور في المشيئة؛ لأنها تفيد التراضي.
(47)
مسألة: إذا قيد الزوج مشيئة زوجته لطلاقها بوقت معين: فإنه يتقيَّد به، ولا يعم جميع الأوقات، فإذا خرج ذلك الوقت المعين: فلا مشيئة لها، فمثلًا: لو قال لها: "إن شئتِ اليوم فأنتِ طالق": فإنها إن شاءت الطلاق وقالت: "شئتُ الطلاق" في ذلك اليوم: فإنها تطلق، أما إذا شاءت بعد ذلك اليوم: فإنها لا تطلق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تقييدها بوقت معين: التزامها به، دون غيره؛ لغرض أراده الزوج من ذلك التقييد، فيجب العمل عليه.
(48)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن شئتِ فأنتِ طالق" فقالت الزوجة له: "قد شئتُ إن شئتَ" أو قال له: "قد شئتُ إن طلعت الشمس": فإنها لا تطلق، وأنها قد ردَّت الأمر؛ للتلازم؛ حيث لم يوجد الشرط - وهو المشيئة منها - وإنما وُجد منها تعليق مشيئتها بشرط وهذا يتسبب في خفاء المشيئة: فلزم عدم وجود الحكم فلا تطلق؛ لأن تعليق المشيئة بشرط ليس بمشيئة.
شاء أحدهما على الفور، والآخر على التراخي؛ لأن المشيئة قد وجدت منهما (وإن شاء أحدهما) وحده:(فلا) حنث؛ لعدم وجود الصفة، وهي: مشيئتهما
(49)
(و) إن قال لزوجته: (أنتِ طالق) إن شاء الله (أو) قال: (عبدي حر إن شاء الله) أو "إلا أن يشاء الله" أو "ما لم يشأ الله" ونحوه (وقعا) أي الطلاق، والعتق؛ لأنَّه تعليق على ما لا سبيل إلى علمه، فبطل، كما لو علقه على شيء من المستحيلات
(50)
(و) من قال
(49)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن شئتِ وشاء أبوكِ فأنتِ طالق" أو "إن شئتِ وشاء زيد فأنتِ طالق": ففي ذلك حالتان: الحالة الأولى: إن شاءت هي وأبوها، أو شاءت هي وزيد: فإنه يقع طلاقها: سواء كانت هذه المشيئة فورًا، أو على التراخي، أو شاء أحدهما على الفور، وشاء الآخر على التراخي؛ للتلازم؛ حيث إن الشرط قد وجد - وهو مشيئتهما معًا - فيلزم وجود الحكم: وهو وقوع طلاقها الحالة الثانية: إن شاء أحدهما وحده دون الآخر: فلا يقع طلاقهما؛ للتلازم؛ حيث انعدم الشرط - وهو مشيئتهما معًا - فيلزم عدم الحكم، فلا يقع طلاقها.
(50)
مسألة: إذا قال زوج لزوجته: "أنتِ طالق إن شاء الله" أو "أنتِ طالق إلا أن يشاء الله" أو "أنتِ طالق ما لم يشأ الله" أو يقول لعبده: "أنت حر إن شاء الله" أو "أنت حر إلا أن يشاء الله" أو "أنت حر ما لم يشأ الله" فإنه لا يقع طلاق زوجته ولا عتق عبده، وهو قول الجمهور؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تعليقه على مشيئة لم يُعلم وجودها: عدم وقوع طلاقها، وعدم عتق عبده؛ لعدم وجود الشرط؛ فإن قلتَ: بل يقع طلاقها، ويعتق العبد، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو علَّق الطلاق على شيء يستحيل وقوعه كقوله لها: "إن صعدت السماء فأنتِ طالق": فإنها تطلق، فكذلك إذا علقه على شيء يستحيل علمه: فإنها تطلق، والجامع: أنه في كل منهما تعليق على شيء لا يمكن علمه. قلت: إن الأصل المقاس عليه غير مسلّم؛ لأنَّه إذا علّقه على شيء يستحيل=
لزوجته: (إن دخلتِ الدار فأنتِ طالق إن شاء الله: طلقت إن دخلت) الدار؛ لما تقدم، إن لم ينو ردَّ المشيئة إلى الفعل، فإن نواه: لم تطلق: دخلت، أو لم تدخل؛ لأن الطلاق إذًا يمين؛ إذ هو تعليق على ما يمكن فعله وتركه، فيدخل تحت عموم حديث:"من حلف على يمين فقال: إن شاء الله: فلا حنث عليه" رواه الترمذي وغيره
(51)
(و) إن قال لزوجته: (أنت طالق لرضى زيد، أو) أنتِ طالق (لمشيئته: طلقت في الحال)؛ لأن معناه: "أنتِ طالق؛ لكون زيد رضي بطلاقكِ، أو لكونه شاء طلاقك" بخلاف: "أنتِ طالق؛ لقدوم زيد" ونحوه
(52)
(فإن قال: أردتُ) بقولي لرضى زيد أو
حصوله: فلا يقع طلاقها، كأنه أراد عدم الطلاق، فكذلك الفرع المقاس مثله، وهذا القياس حجة لنا، وليست لهم والعتق مثل الطلاق. فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع التلازم".
(51)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "إن دخلتِ الدار فأنتِ طالق إن شاء الله" فدخلت: فإنها تطلق بمجرَّد الدخول، ولا ينفعه تعليقه بالمشيئة إذا لم ينو شيئًا آخر، فيحكم بما نواه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود الشرط - وهو دخول الدار، واستحالة معرفة مشيئة الله -: وجود الحكم، وهو وقع الطلاق، تنبيه: استدلال المصنف بحديث: "من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه" هنا لا يصح؛ لأن الطلاق إنشاء، وليس بيمين حقيقة، وإن سُمِّي الطلاق يمينًا فتسمية مجازية، لا تترك الحقيقة لأجله، وعلى فرض تسمية الطلاق يمينًا: فإنه يُسمَّى به إذا كان معلَّقًا على شرط يمكن فعله وتركه - كاشتراط دخول الدار - بخلاف تعليقه على مشيئة الله تعالى التي يستحيل علمها.
(52)
مسألة إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق لرضى زيد" أو "أنتِ طالق لمشيئة زيد": فإن زوجته تطلق في الحال؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال لعبده: "أنت حر لوجه الله، أو لرضى الله": فإنه يكون حرًا في الحال، فكذلك إذا قال الزوج:"أنتِ طالق لرضى زيد" أو "أنتِ طالق لمشيئة زيد" فإنها تطلق في=
لمشيئته (الشرط) أي: تعليق الطلاق على المشيئة أو الرضى: (قُبل حكمًا)؛ لأن لفظه يحتمله؛ لأن ذلك يستعمل للشرط، وحينئذ لم تطلق حتى يرضى زيد، أو يشاء، ولو مميزًا يعقلها، أو سكران، أو بإشارة مفهومة من أخرس، لا إن مات، أو غاب، أو جُنَّ قبلها
(53)
(و) من قال لزوجته: (أنتِ طالق إن رأيتِ الهلال، فإن نوى) حقيقة
الحال، والجامع: أن كلًا منهما المراد به التعليل فقط، فكأنه يقول: "أنتِ طالق؛ لكون زيد قد رضي، أو لكونه قد شاء ذلك.
(53)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق لرضى زيدٍ أو "أنتِ طالق لمشيئة زيد" وقال الزوج: أردتُ بذلك الشرط التعليل: فإنه يُقبل قوله هذا، أي: يُقبل تعليق الطلاق على رضى زيد، أو على مشيئته وحينئذٍ: فإن رضي زيد أو شاء: فإنها تطلق سواء كان سكرانًا، أو لا، وسواء كان رضاه ومشيئته بكلام، أو إشارة مفهومة، وإن لم يرض، ولم يشأ: فلا تطلق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ظاهر لفظ الزوج أنه يحتمل كونه شرطًا فيلزم قبول دعواه بأنه أراد الشرط.
[فرع]: إن جُنَّ زيد - في مسألة (53) - أو غاب غيبة طويلة، أو مات قبل مشيئته ورضاه: فإن الطلاق لا يقع؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم وجود الشرط - وهو رضى زيد، ومشيئته: عدم وجود الحكم، فلا يقع طلاقها.
[فرع ثان]: إذا قال زوج لزوجته: "أنتِ طالق لقدوم زيد" أو "أنتِ طالق لحيضتكِ" فلا تطلق في الحال بل تطلق إذا قدم زيد، أو حاضت؛ للتلازم؛ حيث إن هذه اللام - التي في "لقدوم زيد" أو لحيضتكِ" لا تصلح أن تكون للتعليل؛ حيث إنها للشرط، ويلزم من وجود الشرط - وهو قدوم زيد، أو حيضتها -: وجود الحكم، وهو طلاقها، ويلزم من عدم الشرط: عدم الطلاق. تنبيه: قوله: "ولو مميزًا بعقلها" قلتُ: كلامه هذا مبني على أنه يقع الطلاق من الصبي المميز الذي يعقل الطلاق، ومعناه وهو مذهب المصنف، وهذا مرجوح؛ إذ الطلاق لا يقع إلا من المكلف، وقد سبق بيانه.
(رؤيتها) أي: معاينتها إياه: (لم تطلق حتى تراه) ويقبل منه ذلك حكمًا؛ لأن لفظه يحتمله (وإلا) ينو حقيقة رؤيتها: (طلقت بعد الغروب برؤية غيرها)، وكذا: بتمام العدة إن لم ينو العيان؛ لأن رؤية الهلال في عرف الشرع: العلم في أول الشهر، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا"
(54)
.
(فصل): في مسائل متفرقة: (وإن حلف لا يدخل دارًا، أو لا يخرج منها فأدخل) الدار بعض جسده (أو أخرج) منها (بعض جسده): لم يحنث؛ لعدم وجود الصفة؛ إذ البعض لا يكون كلًّا، كما أن الكل لا يكون بعضًا (أو دخل) من حلف لا يدخل الدار (طاق الباب): لم يحنث؛ لأنَّه لم يدخلها بجملته (أو) حلف (لا يلبس ثوبًا من غزلها، فلبس ثوبًا فيه منه) أي: من غزلها: لم يحنث؛ لأنَّه لم يلبس ثوبًا كله من غزلها (أو) حلف (لا يشرب ماء هذا الإناء، فشرب بعضه لم يحنث)؛ لأنَّه لم يشرب ماءه، وإنما شرب بعضه
(55)
، بخلاف ما لو حلف: لا يشرب ماء هذا النهر،
(54)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق إن رأيتِ الهلال" ففي ذلك حالتان: الحالة الأولى: إذا نوى الزوج بذلك القول حقيقة رؤيتها ومعاينتها بنفسها لذلك الهلال: فإنها تطلق بمجرد رؤيتها له هلالًا، وتقبل دعواه هذه النية حكمًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من نيته تلك: وقوع طلاقها بسبب رؤيتها له حقيقة، ويلزم من عدم رؤيتها له حقيقة: عدم طلاقها، الحالة الثانية: إذا لم ينو الزوج بذلك القول حقيقة رؤيتها بنفسها لذلك الهلال: فإنها تطلق بمجرَّد غروب الشمس بواسطة رؤية غيرها لذلك الهلال أو بتمام عدَّة الشهر ثلاثين يومًا؛ للتلازم؛ حيث إن كون معنى رؤية الهلال شرعًا هو: العلم في أول الشهر لجميع الناس يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته" وليس المراد أن يراه كل أحد، بل يراه عدلان، ويعلم بذلك باقي الناس فيلزم من ذلك: أن تطلق إذا رؤي الهلال منها، أو من غيرها: إذا لم ينو ما ذكرناه.
(55)
مسألة: إذا حلف مكلَّف بأنه لا يدخل دارًا قائلًا: "والله لا أدخل هذه الدار"=
فشرب بعضه: فإنه يحنث؛ لأن شرب جميعه ممتنع، فلا تنصرف إليه يمينه، وكذا: لو حلف لا يأكل الخبز، أو لا يشرب الماء فيحنث ببعضه
(56)
(وإن فعل المحلوف عليه) مكرهًا، أو مجنونًا، أو مغمى عليه، أو نائمًا: لم يحنث مطلقًا و (ناسيًا، أو جاهلًا: حنث في طلاق وعتاق فقط)؛ لأنهما حق آدمي، فاستوى فيهما العمد، والنسيان والخطأ كالإتلاف، بخلاف اليمين بالله سبحانه وتعالى، وكذا: لو عقدها يظن صدق
فأدخل بعض جسده فيها ولم يُدخله كله، أو دخل طاق الباب - وهو مدخله فقط -، أو حلف بأنه لا يخرج منها قائلًا:"والله لا أخرج من هذه الدار" فأخرج بعض جسده منها فقط، ولم يخرجه كله أو حلف بأنه لا يلبس ثوبًا من غزل تلك المرأة قائلًا:"والله لا ألبس ثوبًا من غزلها" فلبس ثوبًا فيه بعض غزلها، أو حلف بأنه لا يشرب ماء هذا الإناء قائلًا:"والله لا أشرب ماء هذا الإناء" فشرب بعض مائه: فإنه في تلك الصيغ الأربع لا يحنث، فلا تجب عليه كفارة اليمين؛ للتلازم؛ حيث إن ظاهر هذه الصيغ الأربع قد دلَّ على أنه حلف عن الكل والجميع؛ لأن "الدار" و "الإناء" اسم مفرد محلى بأل، وهو من صيغ العموم، "ثوبًا" نكرة في سياق نفي، وهو من صيغ العموم، فيلزم من ذلك أنه إذا فعل البعض: فإنه لا يحنث؛ لكونه لم يتحقَّق الشرط.
(56)
مسألة: إذا حلف مكلَّف فقال: "والله لا أشرب ماء هذا النهر" أو قال: "والله لا آكل الخبز"، أو قال:"والله لا أشرب الماء": فإنه يحنث إذا شرب بعض ماء النهر، وإذا أكل بعض الخبز، وإذا شرب بعض الماء، وتجب عليه كفارة اليمين؛ للتلازم؛ حيث إنه حلف على شيء لا يمكن له أن يفعله كله، فلا تنصرف إليه يمينه؛ حيث لا يمكنه أن يشرب جميع ماء النهر، ولا أن يأكل جميع الخبز الذي على وجه الأرض، ولا أن يشرب جميع الماء الذي على وجه الأرض فيلزم أن لا تنصرف يمينه إليه، بل تنصرف إلى بعضه، ويلزم من شربه لبعضه: أن يحنث، وتجب عليه كفارة اليمين.
نفسه، فبان خلاف ظنه يحنث في طلاق وعتاق، دون يمين بالله تعالى
(57)
، (وإن فعل
(57)
مسألة: إذا فعل الحالفُ المحلوف عليه، وكان الحالف مكرهًا، أو مجنونًا، أو مغمى عليه، أو نائمًا، أو ناسيًا، أو جاهلًا أو متأولًا، أو مقلِّدًا لمجتهد: فإنه لا يحنث، أو عقد اليمين والحلف ظانًا صدق نفسه، فبان خلاف ظنه كما لو حلف قائلًا:"والله ما فعلتُ كذا" ظانًا أنه لم يفعله، وهذا مطلق، أي: سواء كان ذلك في طلاق أو عتاق، أو غيرهما؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} فنفى أي جناحٍ على من فعل شيئًا عن طريق الخطأ، والجنون، والإغماء، والإكراه، والنوم والنسيان، والجهل، والتأويل ونحو ذلك مثل الخطأ في ذلك؛ لعدم الفارق، بجامع: وجود العذر في كل، فيكون من باب "مفهوم الموافقة" الثانية: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ، والنسيان وما استكرهوا عليه" وما ذكرناه: من المعذورين مثل المخطئ، والناسي، والمكره؛ لعدم الفارق، بجامع وجود العذر، من باب مفهوم الموافقة، ولفظ الآية، والحديث عام لجميع الأحكام الفقهية: من طلاق وعتاق وغيرهما؛ لأن "ما" في قوله: {فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} وفي قوله عليه السلام: "وما استكرهوا عليه" اسم موصول، وهو من صيغ العموم، ولأن لفظ "الخطأ" و "النسيان" - من أسماء الجنس المعرفة بأل الاستغراقية، وهذا من صيغ العموم، فإن قلتَ: إن الحالف إذا فعل المحلوف عليه وهو ناسي، أو مخطئ أو جاهل: فإنه يحنث إذا كان المحلوف عليه الطلاق أو العتاق، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه يستوي في الإتلاف العمد والنسيان والخطأ والجهل فكذلك يستوي في الطلاق والعتاق العمد والنسيان والجهل والخطأ، والجامع: أنه في كل منها فيه الحفاظ على حق من حقوق الآدمي. قلت: إن وجوب قيمة المتلَف على المتلِف من باب الحكم الوضعي، لا من باب الحكم التكليفي،=
بعضه) أي بعض ما حلف لا يفعله: (لم يحنث إلا أن ينويه) أو تدل عليه قرينة كما تقدَّم فيمن حلف لا يشرب ماء هذا النهر
(58)
(وإن حلف) بطلاق، أو غيره (ليفعلنَّه) أي: شيئًا عينه: (لم يبرأ إلا بفعله كله) فمن حلف ليأكلنَّ هذا الرغيف: لم يبرأ حتى يأكله كله؛ لأن اليمين تناولت فعل الجميع، فلم يبرأ إلا بفعله
(59)
، وإن تركه
أي أنه يلزم من وجود السبب - وهو: الإتلاف -: وجوب الحكم وهو: دفع قيمة المتلِف، بصرف النظر عن كونه قد تعمَّد الإتلاف، أو أخطأ، أو كان ناسيًا أو نحو ذلك، بخلاف ما نحن فيه فالمراد: أن يكون قاصدًا فعل المحلوف عليه: فهذا هو الذي يحنث، أما غير القاصد - من المكره، والمجنون، والمغمى عليه والنائم، والناسي، والجاهل، والمخطئ - فلا يحنث إذا فعله: سواء في طلاق أو عتاق أو غيرهما؛ لكونه قد غُطِّي على عقله في تلك الأحوال، ومع الفرق، فلا قياس، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع الكتاب والسنة".
(58)
مسألة: إذا حلف على شيء يقدر على فعله كله، ثم فعل بعض ذلك الشيء كأن يقول:"والله لا آكل هذا الطعام" ثم أكل بعضه: فإنه لا يحنث بشرط: أن لا ينوي أن مقصوده البعض، أو أن لا تدل قرينة على أنه أراد ذلك البعض، فإن نواه، أو دلَّت قرينة على أنه قصد البعض: فإنه يحنث إذا أكل البعض؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو حلف قائلًا: "والله لا أشرب ماء هذا النهر": فإنه يحنث إذا شرب بعضه، فكذلك الحال هنا والجامع أن كلًا منهما قد وُجد فيه ما يدل على أن المقصود منه البعض من نية، أو قرينة، أو استحالة شرب ماء النهر.
(59)
مسألة: إذا حلف على شيء قد عيّنه: فلا يبرأ إلا بفعله كله فمثلًا: لو قال: "والله لأكلنّ هذا الرغيف" أو قال: "والله لأدخلن هذه الدار"، أو قال:"أنتِ طالق إن أكلتُ هذا الرغيف": فإنه يبرأ إذا أكل جميع الرغيف، وإذا دخل بجميع=
مكرهًا، أو ناسيًا: لم يحنث
(60)
، ومن يمتنع بيمينه كزوجة وقرابة إذا قصد منعه كنفسه
(61)
، ومن حلف: لا يأكل طعامًا طبخه زيد فأكل طعامًا طبخه زيد وغيره: حنث
(62)
.
جسده الدار، وتطلق امرأته إذا أكل جميع الرغيف، أما إن أكل بعضه، أو أدخل بعض جسده: فإنه لا يبرأ، ويحنث وتجب عليه كفارة اليمين، ولا تطلق امرأته؛ للتلازم؛ حيث إن اليمين قد تناولت فعل الجميع فيلزم: أنه لا يبرأ إذا فعل بعضه.
(60)
مسألة: إذا حلف قائلًا: "والله لآكلن رغيفًا" ثم ترك أكله مكرهًا، أو ناسيًا: فإنه لا يحنث؛ لقاعدتين: الكتاب، والسنة القولية: وقد سبق بيانهما في مسألة (57).
(61)
مسألة: إذا حلف زوج على زوجته، أو ولده ونحوهما من قرابته بأن لا تخرج من الدار فخرجت منها مكرهة، أو ناسية، أو جاهلة بالحكم: فإنه لا يحنث: سواء كان في، طلاق، أو عتاق أو غيرهما؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الزوج نفسه لا يحنث إذا فعل ذلك مكرهًا، أو ناسيًا، أو مخطئًا أو جاهلًا - كما سبق في مسألة (57) - فكذلك الحال هنا والجامع: وجود العذر في كل.
(62)
مسألة: إذا حلف قائلًا: "والله لا آكل طعامًا قد طبخه زيد" فأكل طعامًا طبخه زيد وعمرو: فإنه يحنث؛ للتلازم؛ حيث إن زيدًا قد طبخ نصف الطعام، والنصف يُطلق عليه أنه طعام، وقد أكله فيلزم أن يحنث، وتجب عليه الكفارة، فإن قلت: لا يحنث، وهو قول الشافعي وبعض الحنابلة؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو حلف أنه لا يلبس ثوبًا قد اشتراه زيد فلبس ثوبًا قد اشتراه زيد وغيره: فإنه لا يحنث، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كل جزء لم ينفرد أحدهما فيه: لا بالشراء، ولا بالطبخ، فلم يحنث قلتُ: هذا فاسد؛ لأنَّه قياس مع الفارق؛ لأن نصف الثوب ليس بثوب، بخلاف نصف الطعام: فإنه طعام وقد أكله بعدما=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
طبخه زيد، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ سببه: "تعارض القياس مع التلازم".
هذه آخر مسائل باب "تعليق الطلاق بالشروط" ويليه باب: "التأويل في الحلف بالطلاق أو غيره".
باب التأويل في الحلف بالطلاق أو غيره
(ومعناه) أي: معنى التأويل: (أن يريد بلفظه ما) أي: (معنى يخالف ظاهره) أي: ظاهر لفظه كنيته: بنسائه طوالق: بناته ونحوهن (فإذا حلف وتأوّل) في (يمينه: نفعه) التأويل، فلا يحنث
(1)
(إلا أن يكون ظالمًا) بحلفه: فلا ينفعه التأويل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" رواه مسلم وغيره
(2)
(فإن حلَّفه ظالم: ما لزيد عندك شيء، وله) أي: لزيد (عنده) أي: عند الحالف (وديعة
باب التأويل في الحلف بالطلاق أو غيره
وفيه خمس مسائل:
(1)
مسألة: المراد بالتأويل هنا: أن يريد بلفظه معنى يخالف ظاهر لفظه، وهو المشهور باسم:"التورية" أو "التعريض" ومثاله: أن يقول: "نسائي طوالق" وهو ينوي ويقصد بهن: بناته، أو غيرهن من قريباته فإنه لا يحنث، فلا تطلق زوجاته، أو يقول:"والله إن زيدًا أخي" وهو يقصد: أنه أخوه في الإسلام فلا يحنث، أو يقول:"والله إني نائم تحت السقف وفوق البساط والفراش، وفوق الأوتاد" وهو يقصد بالسقف: السماء، والبساط والفراش: الأرض، والأوتاد: الجبال فينفعه ذلك التأويل إذا لم يكن ظالمًا، فلا يحنث بذلك كله إذا عناه وقصده ونواه بيمينه؛ للتلازم؛ حيث إن اللفظ يحتمله فيلزم صحة تأويله.
(2)
مسألة: إذا كان الحالف ظالمًا بحلفه ويمينه: فإنه لا ينفعه تأويله مثل: الذي يستحلفه الحاكم على حق عنده، وتكون يمينه منصرفة إلى ظاهر الذي عناه المستحلف؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" وحيث يلزم من ذلك: أنه إذا حلف ظالمًا بحلفه يأثم، ولا ينفعه تأويله؛ الثانية: المصلحة؛ حيث إن الظالم لو نفعه تأويله لأدَّى ذلك إلى جحد حقوق الناس.
بمكان فـ) حلف و (نوى غيره) أي: غير مكانها، أو نوى غيرها (أو) نوى (بما: الذي): لم يحنث
(3)
(أو حلف) من ليس ظالمًا بحلفه: (ما زيد ها هنا ونوى) مكانًا (غير مكانه) بأن أشار إلى غير مكانه: لم يحنث
(4)
(أو حلف على امرأته: لا سرقت مني شيئًا، فخانته في وديعة، ولم ينوها) أي: لم ينو الخيانة بحلفه على السرقة: (لم يحنث في الكل)؛ للتأويل المذكور، ولأن الخيانة ليست سرقة، فإن نوى بالسرقة الخيانة، أو كان سبب اليمين الذي هيَّجها الخيانة: حنث
(5)
.
(3)
مسألة: إذا كان الحالف مظلومًا كأن يستحلفه ظالم على شيء لو صدقه لظلمه، أو ظلم غيره، أو نال مسلمًا منه ضرر: فهذا ينفعه تأويله فمثلًا: لو أن عند زيد لعمرو وديعة ألف ريال مثلًا، فحلف زيد - وهو ظالم - عمرًا قائلًا له - أمام شهود - احلف بالله العظيم: أنه ليس عندي لك شيء، فحلف عمرو على ذلك ونوى غير الوديعة، أو حلف واستثنى تلك الوديعة: فإن عمرًا لم يحنث بذلك؛ للتلازم؛ حيث إن اللفظ يحتمله فيلزم انتفاع المتأول بذلك التأويل بأن لا يحنث به، ويؤيده: أن عمرًا هذا صادق فيما قال ونوى، واستثنى، وفيه دفع الضرر عنه بذلك.
(4)
مسألة: إذا لم يكن الحالف ظالمًا ولا مظلومًا: فإن تأويله لحلفه ينفعه، فمثلًا: لو أن زيدًا كان عند عمرو، فسأل بكر عمرًا قائلًا له: هل عندك زيد؟ فقال عمرو: لم يكن زيد ها هنا وأشار إلى يده، أو مكانًا غير المكان الذي كان زيد موجودًا فيه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون اللفظ يحتمل المعنى المأول إليه: انتفاعه به، مع عدم إلحاق الضرر إلى غيره.
(5)
مسألة: إذا حلف على امرأته قائلًا: "أنتِ طالق إن سرقت مني شيئًا" فخانته وأخذت وديعة كانت عندها له، وهو لم ينو الخيانة بحلفه، بل كل ما قصده منعها من السرقة: فإنه لا يحنث، فلا تطلق امرأته، أما إن نوى بالسرقة الخيانة، أو كان سبب ذلك الحلف واليمين هو: أنها خانته بأخذ شيء منه: فإنه يحنث، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فتطلق امرأته؛ للتلازم؛ حيث إن كون اللفظ يحتمل المعنى الذي أوَّله إليه: التأويل، ويلزم من نيته بالسرقة الخيانة، وأن الخيانة ليست بسرقة؛ إذ يعدم في الخيانة الحرز عادة: فيلزم صحة ذلك التأويل فلا يحنث، فلا تطلق، ويلزم من نيته بالسرقة الخيانة، أو أن سبب ذلك الحلف واليمين هي الخيانة: أن يحنث وأن تطلق إذا خانته؛ لأن النية والقرينة يصرفان اللفظ إلى معنى آخر؛ لقوة دلالتهما.
هذه آخر مسائل باب: "التأويل في الحلف بالطلاق أو غيره" ويليه باب "الشك في الطلاق".
باب الشك في الطلاق
أي: التردد في وجود لفظه، أو عدده، أو شرطه:(من شك في طلاق أو) شك في (شرطه) أي: شرط الطلاق الذي علق عليه وجوديًا كان أو عدميًا: (لم يلزمه) الطلاق؛ لأنَّه شك طرأ على يقين، فلا يزيله، قال الموفّق: والورع: التزام الطلاق (وإن) تيقن الطلاق و (شك في عدده فطلقة)؛ عملًا باليقين، وطرحًا للشك
(1)
(وتباح) الشكوك في طلاقها ثلاثًا (له) أي: للشاك؛ لأن الأصل: عدم التحريم
(2)
،
باب الشك في الطلاق
وفيه ثنتا عشرة مسألة:
(1)
مسألة: إذا شكَّ في وجود لفظ الطلاق بأن شكَّ هل تلفظ بلفظة الطلاق أو لا؟ أو تيقن الطلاق، وشك في عدد الطلقات: بأن شكَّ هل تلفظ بطلقة، أو طلقتين أو ثلاثًا؟ أو شكَّ في شرط الطلاق: بأن يقول لزوجته: "أنتِ طالق إن دخلت الدار" فيشكُّ هل دخلت تلك الدار أو لا؟ أو يشك في نفس الشرط هل اشترط الدخول؟: سواء كان الشرط وجوديًا كالشرط السابق، أو عدميًا كأن يقول لها:"إن لم يقم زيد فأنتِ طالق" فيشك هل قام أو لا؟: فإن الطلاق لا يقع؛ وإن تيقنه، وشك في عدده: فإنها تطلق طلقة واحدة؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل: إبقاء النكاح؛ حيث إنه متيقن عدم الطلاق، والأصل أيضًا: أنه طلقها مرة واحدة، وما زاد فمشكوك فيه، ولا يزول اليقين بالشك، فنستصحب الأصل، ونعمل عليه، ولا نلتفت إلى الشك، فإن قلتَ: لم شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه راحة المسلم؛ لأن الشكوك كثيرة، لا يمكن حصرها، فلا يُلتفت إليها؛ لئلا تفسد عليه حياته.
(2)
مسألة: إذا شكَّ هل طلق امرأته واحدة أم ثلاثًا؟: فإنه يبني على ما تيقنه، وهو أنه طلقها واحدة، وتباح له مراجعتها بدون زوج آخر؛ للاستصحاب؛ حيث إن=
ويُمنع من حلف لا يأكل ثمرة معيّنة، أو نحوها اشتبهت بغيرها من أكل ثمرة مما اشتبهت به، وإن لم نمنعه بذلك من الوطء
(3)
(فإذا قال لامرأتيه: إحداكما طالق) ونوى معيّنة: (طلقت المنوية)؛ لأنَّه عينها بنيته، فأشبه ما لو عينها بلفظه (وإلا) ينو معينة: طلقت (من قرعت) لأنَّه لا سبيل إلى معرفة المطلقة منهما عينًا: فشرعت القرعة؛ لأنها طريق شرعي؛ لإخراج المجهول
(4)
(كمن طلَّق إحداهما) أي: إحدى
الواحدة متيقنة وما زاد عليها مشكوك فيه، فنعمل على المتيقن فقط استصحابًا له، وهذا كله بناء على أن الأصل بقاء النكاح، وعدم التحريم.
(3)
مسألة: إذا حلف قائلًا: "والله لا آكل تمرة معينة" ثم اختلطت بتمر قليل واشتبهت به: فإنه يمنع من أكل ذلك التمر، بخلاف ما لو اشتبه عليه الأمر هل طلَّق واحدة أو ثلاثًا؟: فإنه لا يُمنع من وطء زوجته؛ ليراجعها بذلك؛ للتلازم؛ حيث إن احتمال أكله للتمرة المحلوف عليها: يلزم منه: المنع من أكل كل التمر، ويلزم من الاشتباه والشك في الطلاق هل هو واحدة أو ثلاثًا؟ عدم منعه من الوطء؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إنه في صورة التمرة قد منع؛ للاحتياط لدينه دون ضرر يلحقه، ولم يمنع في سورة الوطء؛ لئلا يعمل بالشكوك فتفسد عليه حياته.
(4)
مسألة: إذا قال زوج لزوجتيه: "إحداكما طالق" ففي ذلك حالتان: الحالة الأولى: إن كان قد نوى واحدة بعينها: فإنها تطلق تلك المعينة بالنية؛ للقياس؛ بيانه كما أنه لو عيّن إحدى زوجتيه بلفظه: فإنها تطلق فكذلك إذا عينها بنيته: تطلق، والجامع: التعيين في كل، الحالة الثانية: إن كان لم ينو واحدة بعينها: فإنه تستعمل القرعة في ذلك، فأيهما التي وقعت عليها القرعة تكون هي المطلقة؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من عدم معرفة المطلقة عينًا بلفظ أو نية: أن تعرف عن طريق القرعة؛ حيث إن الشارع قد جعل القرعة طريقًا إلى الحكم الشرعي ومعرفة المجهول وفعلها النبي صلى الله عليه وسلم الثانية: قول وفعل الصحابي؛ حيث إن عليًا، وابن =
زوجتيه (بائنًا ونسيها) فيقرع تقدم
(5)
بينهما؛ لما وتجب نفقتهما إلى القرعة
(6)
، وإن مات: أقرع ورثته
(7)
(وإن تبين) للزوج بأن ذكر (أن المطلقة) المعيّنة المنسية (غير التي قرعت: رُدَّت إليه) أي: الزوج؛ لأنها زوجته لم يقع عليها منه طلاق بصريح، ولا كناية (ما لم تتزوج) فلا ترد إليه؛ لأنَّه لا يقبل قوله في إبطال حق غيره (أو) ما لم (تكن القرعة بحاكم)؛ لأن قرعته حكم فلا يرفعه الزوج
(8)
(وإن قال) لزوجته: (إن
عباس قد عملا بالقرعة في رجل طلق إحدى نسائه، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلت: للمصلحة؛ حيث إن استعمال القرعة فيه معرفة الحكم عن طريق القضاء والقدر، فيكون الحكم به شرعيًا قدريًا كما قال ابن القيم.
(5)
مسألة: إذا طلق رجل إحدى زوجتيه بائنًا، ثم نسي المطلَّقة: فإنه يستعمل القرعة في بيان عين المطلقة للتلازم؛ وقد بيّناه بالتفصيل في مسألة (4)،
(6)
مسألة: إذا طلق رجل إحدى زوجتيه بائنًا، ولم تعرف المطلقة، فإنه تستعمل القرعة لمعرفة عين المطلقة - كما سبق في مسألة (4 و 5) - وتجب نفقة الزوجتين على الزوج إلى تمام القرعة، ثم تعزل المطلقة البائن بالقرعة، فلا ينفق عليها؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل بقاء كل واحدة في نكاحها مثل الأخرى، وطلاق إحداهما مشكوك فيه، فنعمل بالأصل، وهو الإنفاق عليهما؛ لأن النفقة لا تسقط بالشك.
(7)
مسألة: إذا طلَّق زوج إحدى زوجتيه بائنًا ثم مات زوجهما، ولم تعلم عين المطلقة، فإن ورثته يستعملون القرعة، فمن أصابتها القرعة فهي المطلقة، فلا ترث؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الزوج يستعمل القرعة فكذلك ورثته مثله في ذلك، والجامع: بيان المطلقة في كل.
(8)
مسألة: إذا طلَّق زوج إحدى زوجتيه بائنًا، ثم نسي المطلقة، ثم أقرع بينهما، فخرجت إحداهما بالقرعة، ثم تذكَّر أن التي خرجت بالقرعة ليست مطلقة: فإنها تردُّ إليه بأحد شرطين: أولهما: أن لا تكون قد تزوجت ثانيهما: أن لا تكون=
كان هذا الطائر غرابًا: ففلانة) أي: هند مثلًا (طالق، وإن كان حمامًا: ففلانة) أي: حفصة مثلًا طالق (وجهل) الطائر: (لم تطلقا)؛ لاحتمال كون الطائر ليس غرابًا، ولا حمامًا
(9)
، وإن قال: إن كان غرابًا: ففلانة طالق، وإلا: ففلانة، ولم يعلم: وقع بإحداهما، وتعيَّن بقرعة
(10)
(وإن قال لزوجته، وأجنبية اسمها هند: إحداكما) طالق: طلقت امرأته (أو) قال لهما: (هند طالق طلقت امرأته)؛ لأنَّه لا يملك طلاق غيرها وكذا: لو قال لحماته ولها بنات: "بنتك طالق": طلقت زوجته (وإن قال: أردتُ الأجنبية) دُيِّن، لاحتمال صدقه؛ لأن لفظه يحتمله، و (لم يُقبل) منه (حكمًا)؛ لأنَّه
القرعة قد تمَّت تحت نظر حاكم - وهو القاضي -، فإن تزوجت أو حكم بالقرعة حاكم: فلا ترد إليه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون من تذكر أنه لم يطلقها: ردُّها إليه؛ لكونها زوجته لم يقع عليها طلاق بلفظ صريح، ولا بلفظ كناية، ويلزم من تزوجها بعده: عدم ردِّها إليه؛ لأنَّه لا يقبل قوله في إبطال حق غيره وهو الزوج الآخر، ويلزم من حكم الحاكم بالقرعة: عدم ردّها إليه؛ لأن حكم الحاكم لا ينقضه الزوج.
(9)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجتيه - هند، وحفصة -:"إن كان هذا الطائر غرابًا: فهند طالق، وإن كان حمامًا فحفصة طالق" وجُهل: فلم يُعلم هل هو غراب أو حمام أو غيرهما؟ فإنهما لا تطلقان؛ للتلازم؛ حيث يلزم من احتمال أن الطائر ليس غرابًا ولا حمامًا: عدم وقوع الطلاق؛ ويلزم من تيقنه الحل والنكاح والشك في المعلق عليه الطلاق: عدم وقوع الطلاق؛ لأن اليقين لا يزول بالشك.
(10)
مسألة: إذا قال زوج لزوجتيه - هند وحفصة -: "إن كان هذا الطائر غرابًا: فهند طالق، وإن لم يكن غرابًا فحفصة طالق" ولم يعلم هل هو غراب أم لا؟: فإن الطلاق يقع بإحداهما، وتُعيَّن الطالق منهما بواسطة القرعة؛ للتلازم؛ حيث لا سبيل إلى معرفة المطلقة بعينها إلا بالقرعة الشرعية التي تخرج المجهول كما قلنا ذلك في مسألتي (4 و 5).
خلاف الظاهر (إلا بقرينة) دالة على إرادة الأجنبية مثل أن يدفع بذلك ظالمًا، أو يتخلَّص به من مكروه، فيقبل؛ لوجود دليله
(11)
(وإن قال لمن ظنها زوجته: "أنتِ
(11)
مسألة إذا كان لزيد زوجة اسمها حفصة، وجلست معها امرأة أجنبية عنه اسمها هند، فقال زيد موجهًا الخطاب إليهما معًا:"إحداكما طالق"، أو قال:"هند طالق"، أو كان اسم الأجنبية حفصة أيضًا فقال لهما:"حفصة طالق" أو قال لحماته - وهي أم زوجته ولها بنات -: "بنتكِ طالق" ففي ذلك حالات ثلاث:
الحالة الأولى: إن لم يتبيَّن منه، أو تدلُّ قرينة على أنه أراد بذلك الأجنبية - هند - أو بنات حماته غير حفصة: فإن زوجة زيد - وهي حفصة تطلق في الصور الأربع السابقة؛ للتلازم؛ حيث إن توجيه الكلام إلى امرأتين: إحداهما زوجته، أو إلى اسم، وزوجته مسماة بذلك، أو إلى حماة: إحدى بناتها زوجته يلزم منه أن يصرف هذا الكلام - وهو الطلاق - إلى زوجته؛ لكونه لا يملك إلا طلاق امرأته، ولأنه لو لم يصرف إليها: لوقع لغوًا، وهذا مخالف للأصل، وهو اعتبار كلام المكلف، دون إلغائه الحالة الثانية: إن بيَّن بلفظه وقال: "أردتُ بذلك الطلاق الأجنبية": فلا يُقبل منه في حكم الشرع إذا ترافعا إلى القاضي، ولكنه يُجعل ذلك فيما بينه وبين الله: فإن كان صادقًا: لا يقع طلاق على زوجته - حفصة - فيجامعها، وهذا راجع إلى قصده ونيته، وذمَّته؛ للتلازم؛ حيث يلزم من أن اللفظ ظاهر في طلاق امرأته - في تلك الصور -: عدم قبول قوله: "أردتُ بالطلاق الأجنبية -؛ لأنَّه خلاف الظاهر، ويلزم من أن اللفظ يحتمل؛ حيث لم يصرح بطلاق امرأته ولا نواه: أن يجعل ذلك فيما بينه وبين الله، فإن كان صادقًا: فلا تطلق. الحالة الثالثة: إن وجدت قرينة دالة على أنه أراد الأجنبية بالطلاق كأن يدفع بذلك القول ظلم ظالم، أو يتخلَّص من مكروه فإن قوله: "أردتُ بالطلاق الأجنبية" يقبل في حكم الشرع عند القاضي، ولا تطلق امرأته؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من وجود دليل صارف للطلاق من زوجته إلى الأجنبية: =
طالق": طلقت الزوجة)؛ لأن الاعتبار في الطلاق بالقصد، دون الخطاب (وكذا: عكسها): بأن قال لمن ظنها أجنبية: "أنتِ طالق" فبانت زوجته: طلقت؛ لأنَّه واجهها بصريح الطلاق
(12)
.
أن لا تطلق زوجته.
(12)
مسألة: إذا قال زوج هند لفاطمة: "أنتِ طالق" وهو يظنها زوجته، أو قال هذا الزوج لهند:"أنتِ طالق" وهو يظنها أجنبية عنه، فبانت أنها زوجته: فإن هندًا زوجته لا تطلق في الصورتين؛ للتلازم؛ حيث يلزم من مخاطبته بالطلاق فاطمة وهي غير زوجته - هند -: عدم وقوع الطلاق على زوجته، هذا في الصورة الأولى، ويلزم من قصده الأجنبية بالطلاق: عدم وقوع الطلاق على زوجته، لكونه لم يقصدها ولم يردها بذلك كسبق اللسان إلى ما لم يرد، هذا في الصورة الثانية، فإن قلت: بل يقع الطلاق على زوجته - هند - في الصورتين، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث إنه في الصورة الأولى قصد زوجته: فيلزم وقوع طلاقها؛ لأن الاعتبار في الطلاق بالقصد، دون الخطاب، وأنَّه في الصورة الثانية قد واجه زوجته بصريح الطلاق فيلزم وقوع طلاقها؛ عملًا الطلاق قلتُ: إن مخاطبة غير زوجته بلفظ الطلاق، وظن الزوج أنها أجنبية عنه له أثره في وقوع الطلاق على زوجته وعدمه، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلت: سببه: "تعارض التلازمين".
هذه آخر مسائل باب: "الشك في الطلاق" ويليه باب: "الرجعة".
باب الرَّجعة
وهي: إعادة مطلَّقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد
(1)
، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على: أن الحر إذا طلَّق دون الثلاث، والعبد دون اثنتين: أن لهما الرجعة في العدة (من طلَّق بلا عوض زوجته) بنكاح صحيح (مدخولًا بها أو مخلوًا بها، دون ما له من العدد) بأن طلَّق حر دون ثلاث، وعبد دون ثنتين:(فله) أي: للمطلِّق: حرًا كان أو عبدًا، ولوليه إذا كان مجنونًا:(رجعتها) ما دامت في (عدتها، ولو كرهت)؛ لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} وأما من طلق في نكاح فاسد، أو بعوض، أو خالع، أو طلق قبل الدخول والخلوة: فلا رجعة، بل يُعتبر عقد بشروطه، ومن طلَّق نهاية عدده: لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره وتقدم ويأتي
(2)
، وتحصل الرجعة (بلفظ:"راجعت امرأتي" ونحوه) كارتجعتها، ورددتها،
باب الرَّجعة
وفيه ست عشرة مسألة:
(1)
مسألة: الرجعة: "إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه من الزوجية إذا كانت في العدة بغير عقد نكاح" والمراد: أن الزوج إذا طلق زوجته بنكاح صحيح طلقة واحدة، أو طلقتين ولم تنقضي عدتها: فإنه يحق له أن يُعيدها إلى ما كانت عليه من الزوجية بغير عقد نكاح، ولا إشهاد، ولا، ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة ولا علمها - كما سيأتي بيانه -.
(2)
مسألة: إذا طلق زوج زوجته: فإنه يحل له رجعتها ما دامت في عدة الطلاق بدون عقد نكاح: سواء كانت راضية أو كارهة بشروط أربعة: أولها: أن يكون الطلاق بلا عوض، ومخالعة، ثانيها: أن يكون نكاحهما السابق - قبل الطلاق - نكاحًا صحيحًا، ثالثها: أن يكون الزوج قد دخل بزوجته، أو اختلى بها قبل طلاقها، رابعها: أن يطلق الحر طلقتين، وأن يطلق العبد طلقة، فإن كان الطلاق بعوض، =
وأمسكتها، وأعدتها، و (لا) تصح الرجعة بلفظ (نكحتها ونحوه) كتزوجتها؛ لأن ذلك كناية، والرجعة: استباحة بضع مقصود، فلا تحصل بالكناية
(3)
(ويسن الإشهاد) على
وعن طريق خلع، أو كان أصل نكاحهما فاسدًا، أو لم يدخل الزوج بزوجته ولم يخل بها، أو كان قد طلق الحر ثلاث طلقات، أو العبد قد طلق طلقتين: فلا تجوز الرجعة؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} إلى قوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} حيث بينت الآية أن الزوج المطلق أولى بإرجاع مطلقته في حال العدة وهذا عام على الأحوال: أي سواء كانت راضية، أو كارهة؛ الثانية: السنة القولية؛ حيث أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ابن عمر بمراجعة امرأته؛ حيث قال: "مره فليطلقها" حيث إنه خاطب في الكتاب والسنة الزوج بمراجعتها، ولم يجعل لهن اختيارًا، فلزم منه: أن يراجعها في العدة: سواء كانت راضية أو كارهة، الثالثة: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على أن الحر إذا طلق امرأته دون الثلاث، أو العبد إذا طلق امرأته واحدة: فإنه لهما الرجعة، الرابعة: التلازم؛ حيث إن كون الطلاق بعوض، وكون النكاح فاسدًا، وكونه قد طلقها وهو لم يدخل ولم يخل بها وكون الحر قد طلق ثلاثًا، والعبد قد طلق طلقتين يلزم منها: أن تكون تلك المرأة قد بانت منه، والبائن لا يمكن رجعتها: سواء كانت في العدة أو لا.
(3)
مسألة: الألفاظ الصريحة التي تحصل بها الرجعة أن يقول الزوج: "راجعت امرأتي" أو "ارتجعتها" أو"رجَّعتها" أو "رددتها" أو "أمسكتها"، والألفاظ الكناية هي:"نكحتها" و"تزوجتها"؛ لقاعدتين: الأولى: الاستقراء؛ حيث إن تلك الألفاظ الصريحة قد اشتهرت في الكتاب والسنة، وألسنة الصحابة بأن المقصود منها: إرجاع الزوج لزوجته بعد طلاقها: حيث قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} وقال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِالمَعْرُوفٍ} وقال عليه السلام: "مره فليراجعها" واشتهار ذلك كاشتهار اسم الطلاق في أن المقصود منه: مفارقة الزوج لزوجته، الثانية: =
الرجعة، وليس شرطًا فيها؛ لأنها لا تفتقر إلى قبول، فلم تفتقر إلى إشهاد
(4)
، وجملة
القياس؛ بيانه: كما أن الأجنبية تباح بلفظ: "نكحتكِ" و "تزوجتكِ" فمن باب أولى أن تباح الرجعية بهذين اللفظين، ولكنهما يُعتبران كناية عن الرجعة، فيشترط فيهما نية الرجعة؛ لأن الكنايات تُشترط لها النية مثل كنايات الطلاق - وقد سبق -، فإن قلت: لا تصح الرجعة بلفظ "نكحتها" و "تزوجتها" وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن النكاح لا يحصل بالكناية، فكذلك الرجعة لا تحصل بالكناية، والجامع: أن المقصود من كل منهما: استباحة بضع مقصود قلتُ: إذا نوى بالكناية ما يريده من رجعة، ونكاح، وزواج: فإنه يتم له ما أراده؛ لأن النية كاللفظ في العمل، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلت: سببه: "تعارض القياسين".
(4)
مسألة: لا يُشترط في الرجعة: أن يُشهد الزوج عليها، ولا يجب ذلك، فإذا أراد الزوج أن يراجع زوجته فليراجعها، بدون إشهاد، ولكن يُستحب أن يُشهد، للقياس؛ بيانه: كما أن الزوج إذا أراد حقًا من حقوقه من زوجته فلا يُشترط الاشهاد على ذلك فكذلك الرجعة مثل ذلك، والجامع: أن كلًّا منهما لا يحتاج إلى قبول منها؛ فإن قلتَ: لِمَ استحب الإشهاد هنا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه احتياط للدين فإن قلتَ: يُشترط الإشهاد في الرجعة وهو قول للشافعي، ورواية عن أحمد؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} حيث أوجب الإشهاد على الإمساك - وهو الرجعة -؛ لأن الأمر في قوله: "وأشهدوا" مطلق وهو يقتضي الوجوب قلت: إن الأمر في الآية للاستحباب، والذي صرفه من الوجوب إلى الاستحباب: أن الأمر بالإشهاد قد ورد بعد قوله: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ} حيث يرجع إلى أقرب مذكور يقينًا، ومعلوم أن الإشهاد على المفارقة والطلاق لا يجب، فكذلك ما قبله وهو قوله:{فَأَمْسِكُوهُنَّ} بطريق الأولى، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلت: سببه:
ذلك: أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها
(5)
(وهي) أي: الرجعية (زوجة) يملك منها ما يملكه ممن لم يطلقها و (لها) ما للزوجات من نفقة، وكسوة، ومسكن (وعليها حكم الزوجات) من لزوم مسكن ونحوه (لكن لا قسم لها) فيصح أن تطلق، وتلاعن، ويلحقها ظهاره، وإيلاؤه، ولها أن تتشرف له وتتزين، وله السفر والخلوة بها، ووطؤها
(6)
(وتحصل الرجعة أيضًا بوطئها) ولو لم ينو
"الخلاف في الأمر الوارد في الآية هل هو على إطلاقه، أو وجد صارف له من الوجوب إلى الندب؟ " فعندنا: الثاني، وعندهم: الأول.
(5)
مسألة: الرجعة لا تحتاج ولا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها، أي تصح الرجعة بدون ولي المرأة، وبدون أن يدفع الزوج لها صداقًا، وبدون أن ترضى، وبدون أن تعلم؛ للتلازم؛ حيث إن كون حكم الرجعية حكم الزوجات وأن الرجعة عبارة عن إمساك للمطلقة، واستبقاء لنكاحها، فيلزم من ذلك: صحة الرجعة بدون الولي، والصداق، ورضاها، وعلمها، ولذلك سمى الشارع الرجعة إمساكًا، وردًّا فقط، فإن قلتَ: لِمَ لَمْ يجب الإشهاد، والولي، والصداق، ورضاها، وعلمها عند الرجعة؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه تيسير مراجعة الزوج لمن طلقها؛ حثًا على جمع الأسرة وعدم التفرق؛ إذ لو وجب الإشهاد، والولي، والصداق، ورضاها، وعلمها: لشقّ على أكثر الناس مراجعة النساء اللائي قد طلقوهن.
(6)
مسألة المطلَّقة الرجعية في مدَّة العدة تعتبر زوجة: لها ما للزوجات: من نفقة، وكسوة، ومسكن، ويملك مطلقها منها ما يملكه ممن لم يطلقها، وعليها حكم الزوجات: من لزوم مسكنه، وطاعته، وعدم الخروج إلا بإذنه، ونحو ذلك مما يجب على الزوجات، ويرث كل واحد من الزوج وطليقته الآخر إذا مات أحدهما قبل الآخر في مدة العدة، ولها أن تتعرض له بالتجمل والزينة، وتُريه نفسها، كما تفعل الزوجات، وله الحق بأن يُسافر بها، والخلوة بها وله أن يجامعها متى =
به الرجعة
(7)
(ولا تصح معلَّقة بشرط) كإذا جاء رأس الشهر فقد راجعتكِ، أو كلما
ما شاء، ويصح أن تطلق مرة ثانية، وتلاعن، ويلحقها ظهاره، وإيلاؤه، وله مخالعتها؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} فأطلق على من طلق بعلًا وزوجًا فيكون له عليها حقوق الزوج؛ الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن تلك الأحكام ثابتة للزوجة التي لم تطلق، فكذلك تثبت للزوجة المطلقة طلاقًا رجعيًا قبل مضي عدة الطلاق، والجامع: أن كلا منهما توطأ بدون عقد ولا إشهاد، ولا صداق، ولا رضاها.
[فرع]: المطلقة الرجعية لا يجب على مطلِّقها أن يقسم لها ليلة؛ للتلازم؛ حيث إنه قد أبرأ ذمته منها، فطلَّقها، بخلاف من لم يطلقها فيلزم: عدم وجوب القسم لها؛ لئلا تساوى بمن لم يطلقها.
(7)
مسألة: تحصل الرجعة بوطء وجماع الزوج لتلك المطلقة الرجعية إذا نوى وقصد بهذا الجماع الرجعة إليها؛ للقياس، وهو من وجهين: أولهما: كما أن الشخص لو باع أمة فجامعها في مدة الخيار ناويًا إبطال البيع فإنه يُعتبر إبطالًا للبيع، فكذلك إذا جامع الزوج المطلقة الرجعية ناويًا الرجعة فإن هذا يُعتبر رجعة، وإبطالًا لطلاقها والجامع: أن كلًّا منهما تصرُّف من مالك يمنع عمله، ثانيهما: كما أن الموكل شخصًا آخر لطلاق امرأته: فإنه يبطل هذا التوكيل إذا جامع تلك المرأة، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا منهما قد قصد إبطال عمله، فإن قلت: إذا جامع الرجعية: فإن الرجعة تحصل ولو لم ينو به الرجعة، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث إنه عمل لا يقوم به إلا زوج فيلزم من وطئها: إعادتها كزوجة لم تُطلَّق قلتُ: إن كل عمل لا يتم ولا يصح إلا بنية وقصد؛ لعموم قوله عليه السلام: "إنما الأعمال بالنيات" فأيُّ عمل لم يُنو به حكم شرعي: فلا يصح أن يكون شرعيًا، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازم مع القياس".
طلَّقتكِ فقد راجعتكِ، بخلاف عكسه فيصح
(8)
(فإذا طهرت) المطلقة رجعيًا (من الحيضة الثالثة ولم تغتسل: فله رجعتها) روي عن عمر وعلي، وابن مسعود رضي الله عنهم؛ لوجود أثر الحيض المانع للزوج من الوطء
(9)
، فإن اغتسلت من حيضة ثالثة، ولم يكن قد ارتجعها: لم تحل إلا بنكاح جديد، وأما بقية الأحكام من قطع الإرث، والطلاق، واللعان، والنفقة وغيرها: فتحصل بانقطاع الدم (وإن فرغت عدّتها قبل رجعتها: بانت، وحرمت قبل عقد جديد) بولي، وشاهدي عدل؛ لمفهوم قوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: في العدة
(10)
(ومن طلَّق دون ما يملك): بأن
(8)
مسألة: لا تصح الرجعة وهي معلقة بشرط، فمثلًا: لا يصح أن يقول الزوج لزوجته: "إذا جاء رأس الشهر فقد راجعتكِ" أو "كلما طلقتك فقد راجعتكِ"؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لا يصح أن يقول: "إذا جاء رأس الشهر فقد تزوجتك ونكحتكِ" فكذلك لا ذلك في الرجعة، والجامع: أن كلًّا منهما فيه استباحة فرج مقصود، فلا يصح إلا ناجزًا.
[فرع]: إذا عكس ما سبق قائلًا: "كلما راجعتكِ فقد طلقتكِ": فإنه يصح التعليق؛ للتلازم؛ حيث إن هذا تعليق طلاق بصفة، وقد سبق بيان صحته.
(9)
مسألة: إذا انقطع دم الحيضة الثالثة، ولم تغتسل منها، أو بدأت بالاغتسال ولم تكمله: فإن للزوج مراجعتها؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إن وجود أثر الحيض المانع للزوج من الجماع والوطء يلزم منه: أن مراجعتها وهي لم تكمل الاغتسال من الحيضة الثالثة صحيحة الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك قد ثبت عن عمر، وعلي وابن مسعود، فإن قلتَ: لِمَ صح ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه تيسير على الناس وتوسعة عليهم.
(10)
مسألة: إذا انقضت عدة المطلقة الرجعية - بأن اغتسلت من الحيضة الثالثة - وهو لم يرتجعها: فإنها تكون بائنًا - بينونة صغرى - وتحرم عليه، وينقطع التوارث بينهما، ولا يحق له أن يطلقها، ولا يلاعنها، ولا تجب عليه نفقتها ولا =
طلَّق الحر واحدة، أو ثنتين، أو طلَّق العبد واحدة (ثم راجع) المطلقة رجعيًا (أو تزوج) البائن:(لم يملك) من الطلاق (أكثر مما بقي) من عدد طلاقه: (وطئها زوج غيره أو لا)؛ لأن وطء الثاني لا يحتاج إليه في الإحلال للزوج الأول، فلا يغير حكم الطلاق كوطء السيد، بخلاف المطلقة ثلاثًا إذا نكحت من أصابها، ثم فارقها، ثم عادت للأول فإنها تعود على طلاق ثلاث
(11)
.
كسوتها، ولا إسكانها، ولا تتزين له، ولا يلحقها ظهاره، ولا إيلاؤه، ولا مخالعتها، وإذا أراد أن يراجعها فلا بد من عقد جديد، وشهود، وصداق، وولي، ورضاها، وعلمها؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} حيث دل منطوق ذلك على أنه من حق الزوج أن يرد مطلقته الرجعية ما دامت في العدة، ودل مفهوم الصفة على أنه لا يحق له أن يرد مطلقته بعد فراغ عدة الطلاق إلا بعقد جديد، لانتهاء فترة العدة التي كانت بمثابة مهلة الخيار للزوج الثانية: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على أن المرأة إذا طلَّقها زوجها فلم يرتجعها حتى انقضت عدّتها أنها تبين منه، فلا تحل له إلا بنكاح جديد.
(11)
مسألة: المطلقة لها ثلاث حالات إذا أعادها زوجها - من حيث ملكية ما بقي من الطلقات، أو عودها على الثلاث - الحالة الأولى: أن يُطلِّق الحر طلقة واحدة، أو طلقتين، أو يطلق العبد طلقة ثم يعود إليها ويرتجعها وهي في عدّتها أو بعد العدة بنكاح جديد قبل أن تتزوج بزوج آخر: فإن هذه تعود إليه على ما بقي من طلاقها، أي: لم يملك أكثر مما بقي له؛ من عدد الطلقات: فإن كان الحر قد طلقها واحدة بقي له ثنتان وإن كان قد طلقها ثنتين فإنه قد بقي له واحدة ولم يبق للعبد إلا طلقة واحدة؛ للإجماع؛ حيث أجمع العلماء على ذلك، الحالة الثانية: أن يطلق الحر زوجته ثلاث طلقات، ويطلق العبد زوجته طلقتين، فتنكح تلك المرأة زوجًا غيره ويطأها، ثم تطلق منه، ثم يتزوجها الأول: فإنها تعود بطلقات =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ثلاث، فيكون كأنه لم يتزوجها من قبل: أي: يملك ثلاث طلقات؛ للإجماع؛ حيث أجمع العلماء على ذلك، الحالة الثالثة: أن يطلقها الحر طلقة واحدة أو ثنتين، ويطلقها العبد، واحدة، ثم تتزوج بزوج آخر ثم يطأها، ثم يطلقها، ثم يتزوجها الزوج الأول: فإنها تعود على ما بقي من الطلقات، أي: لا يملك أكثر مما بقي له من عدد الطلقات: فإن كان قد طلقها واحدة فيبقى له ثنتان، وإن كان قد طلقها ثنتين فإنه يبقى له واحدة، وإن طلقها العبد: فإنه يبقى له واحدة؛ لقاعدتين: الأولى: القياس، وهو من وجهين: أولهما: كما أن الزوج لو طلَّق أمة ثلاثًا ثم وطئها سيدها، فإنها لا تحل للزوج الأول الذي طلقها بسبب وطء سيدها لها، بل لا بد من وطء زوج آخر مثل الأول، فكذلك الحال هنا لا يؤثر وطء زوج غير الأول في تغيير عدد الطلقات، فالحكم باق على ما هو عليه والجامع: أن كلًّا من وطء السيد لأمته، ووطء الزوج الآخر بعد طلاق الرجل امرأته دون الثلاث غير محتاج إليهما في الإحلال للزوج الأول، ولا يؤثران. ثانيهما: كما أنه لو رجع إليها قبل زواجها بالثاني: "تعود على ما بقي من الطلقات - كما في الحالة الأولى - فكذلك الحالة هذه، والجامع: أن كلًّا منهما تزويج قبل استيفاء الثلاث، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك قد ثبت عن عمر، وعلي، وأُبي، ومعاذ، وعمران بن الحصين، وأبي هريرة، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاص فإن قلتَ: بل ترجع إليه على طلاق ثلاث، وهو رواية عن أحمد، وهو قول أبي حنيفة؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن وطء الثاني يهدم الطلقات الثلاث - كما في الحالة الثانية - فكذلك يهدم ما دون الثلاث من باب أولى، والجامع: أن كلًّا منهما قد تزوجت بزواج ثان الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ذلك قد ثبت عن ابن عباس، وابن عمر. قلتُ: أما القياس: فهو فاسد؛ لأنَّه قياس مع الفارق؛ حيث إن المرأة إذا طلقت ثلاثًا لا تحل له إلا بعد زوج آخر =
(فصل): (وإن ادَّعت) المطلقة (انقضاء عدّتها في زمن يمكن انقضاؤها) أي: عدتها (فيه، أو) ادَّعت انقضاء عدتها (بوضع الحمل الممكن، وأنكره) أي: أنكر المطلِّق انقضاء عدتها: (فقولها)؛ لأنَّه أمر لا يُعرف إلا من قبلها، فقبل قولها فيه (وإن ادّعته) أي: انقضاء العدة (الحرة بالحيض في أقل من تسعة وعشرين يومًا ولحظة) أو ادَّعته أمة في أقل من خمسة عشر يومًا ولحظة: (لم تسمع دعواها)؛ لأن ذلك أقل زمن يمكن انقضاء العدة فيه، فلا تسمع دعوى انقضائها فيما دونه، وإن ادَّعت انقضاءها في ذلك الزمن: قبل ببينة، وإلا فلا؛ لأن حيضها ثلاث مرات فيه يندر جدًا
(12)
كما قال تعالى: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ، والحل يثبت في محل فيه تحريم، وهي المطلقة ثلاثًا، بخلاف المطلقة واحدة، أو اثنتين فهي حلال، أي: يحل أن يرجع إليها بدون زوج آخر، فلا يثبت فيها حل، ومع الفرق: فلا قياس، أما قول الصحابي: فلا يصح؛ لأنَّه معارض بقول صحابي آخر - كما سبق - فيتساقطان، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" وأيضًا: تعارض أقوال الصحابة".
(12)
مسألة: إذا طلق زوج زوجته، ثم أراد أن يرتجعها في عدتها، فادَّعت: أن عدّتها قد انقضت بالاغتسال من الحيضة الثالثة، أو بوضع حملها، وأنكر المطلق ما قالته من كون عدتها قد انقضت بذلك ولا بيّنة لهما: فإنه يُقبل قولها، بدون يمين ويحكم بانقضاء عدتها، فلا يتزوجها إلا بعقد جديد وغيره مما يلزم في كل زواج ابتداء - كما قلنا في مسألة (10) - ولكن ذلك بشرط: أن يكون انقضاء عدتها في زمن يمكن انقضاؤها فيه، ووضع حملها الممكن، أما إن لم يمكن ذلك بأن مضى لها شهر فأقل من وقت طلاقها وادعت انقضاء عدّتها: فلا يُقبل ذلك منها إلا ببيِّنة؛ القاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه كما أن المسلم إذا عبَّر بكناية الطلاق أو نحو ذلك مما لا يعرف إلا من جهة نيته وقصده: فإنه يقبل قوله ونيته وقصده فيه بدون يمين، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا منهما أمر لا يعرف إلا من=
(وإن بدأته) أي: بدأت الرجعية مطلقها (فقالت: انقضت عدّتي) وقد مضى ما يمكن انقضاؤها فيه (فقال) المطلِّق: (كنتُ راجعتكِ): فقولها؛ لأنها منكرة، ودعواه الرجعة بعد انقضاء العدّة: لا تقبل إلا ببيِّنة: أنه كان راجعها قبل، وكذا: لو تداعيا معًا، ومتى رجعت قبل كجحد أحدهما النكاح، ثم يعترف به (أو بدأها به) أي: بدأ الزوج بقوله: "كنتُ راجعتكِ"(فأنكرته) وقالت: "انقضت عدتي قبل رجعتكِ": (فقولها) قاله الخرقي قال في "الواضح" - في الدعاوي -: نص عليه وجزم به أبو الفرج الشيرازي، وصاحب "المنور"، والمذهب في الثانية: القول قوله كما في "الإنصاف" وصححه في "الفروع" وغيره، وقطع به في "الإقناع" و "المنتهى
(13)
.
جهة المدَّعي، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من عدم إمكان انقضاء عدتها بما ادَّعته: عدم قبول دعواها، ويلزم من كون الحيض يكون في الشهر الواحد ثلاث مرات نادرًا جدًا: أن لا تقبل دعواها في ذلك إلا ببيِّنة؛ لكون كذبها يغلب على الظن هنا.
(13)
مسألة: إذا طلق زوج زوجته، فقالت هي - ابتداءً - له:"قد انقضت عدَّتي"، فقال المطلِّق:"كنتُ قد راجعتكِ" أو هو قال لها - ابتداءً -: "كنتُ قد راجعتكِ" فأنكرت هي ذلك وقالت: "قد انقضت عدتي قبل رجعتك" أو كل واحد منهما ادعى كذب الآخر في ذلك فإنه يُقبل قولها في ذلك بشرط: أن يكون انقضاء عدتها في زمن يمكن انقضاؤها فيه - كما سبق بيانه في مسألة (12) -، ولا تُقبل دعوى المطلق إلا ببيِّنة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من خبرها بانقضاء عدتها: تصديقها لكونها أعلم بذلك منه، ويلزم من تصديقها بذلك: عدم قبول دعواه رجعتها بعد الحكم بانقضاء عدتها لكونه قد ادعاها في زمن لا يملكها، فلا يقبل ويلزم من تكذيب كل واحد منهما الآخر: قبول قولها؛ لكونها أعلم بحالها؛ حيث إن ذلك لا يعلم إلا من جهتها، فإن قلت: إذا بدأها هو قائلًا: "كنتُ راجعتكِ" فقالت: "قد انقضت عدتي قبل رجعتكَ" فأنكر ذلك هو: فإنه يُقبل قوله؛ للتلازم؛ حيث =
(فصل): إذا (استوفى) المطلِّق (ما يملك من الطلاق): بأن طلَّق الحر ثلاثًا، والعبد اثنتين:(حرمت عليه، حتى يطأها زوج) غيره بنكاح صحيح؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} بعد قوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (في قبل) فلا يكفي العقد، ولا الخلوة، ولا المباشرة دون الفرج، ولا يُشترط بلوغ الزوج الثاني فيكفي (ولو) كان (مراهقًا) أو لم يبلغ عشرًا؛ لعموم ما سبق (ويكفي) في حلها لمطلقها ثلاثًا (تغييب الحشفة) كلها من الزوج الثاني (أو قدرها مع جب) أي: قطع للحشفة؛ لحصول ذوق العسيلة بذلك (في فرجها) أي: قبلها (مع انتشار، وإن لم ينزل)؛ لوجود حقيقة الوطء
(14)
(ولا تحل) المطلقة ثلاثًا (بوطء دبر و) وطء (شبهة
إن ذلك منه إقرار برجعة يملكها فلزم قبوله قلتُ: إن هذا يصلح في شيء يعلمانه معًا على حد سواء، ولكن ما نحن فيه - من انقضاء عدتها - لا يعلم إلا من جهتها وقبلها فقط كالنيات والمقاصد، فتفردت في ذلك دونه، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازمين".
(14)
مسألة: إذا طلق الحر زوجته ثلاث طلقات، أو طلق العبد طلقتين: فإنها تحرم عليه، ولا تحل له إلا بعد أن تتزوج زوجًا غيره، ويطأها ويجامعها الزوج الثاني بأن يُغيِّب حشفته الأصلية، أو قدرها - إذا كان مقطوع الحشفة - في قبلها وهذا لا يكون إلا ببعض الانتشار لذكره فلا يكفي العقد، ولا الخلوة، ولا المباشرة دون الفرج: سواء كان ذلك الزوج الثاني كبيرًا أو صغيرًا بالغًا عشر سنوات، وسواء أنزل، أو لم ينزل؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} حيث إنها لا تحل للزوج الأول إلا بعد أن يطأها الزوج الثاني في نكاح صحيح، حيث دلّ مفهوم الغاية على ذلك، وهو شرط في جواز عودها إلى الأول، ويلزم من لفظ "تنكح": أنه يُشترط في النكاح: إدخال حشفة أصلية، أو قدرها في قبل المرأة وفرجها، ولم تقيد الآية بسن معينة للزوج؛ لذلك كان مطلقًا في الزوج: سواء =
و) وطء في (ملك يمين و) وطء في (نكاح فاسد)؛ لقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (ولا) تحل بوطء (في حيض، ونفاس، وإحرام وصيام فرض)؛ لأن التحريم في هذه الصور لمعنى فيها؛ لحق الله تعالى، وتحل بوطء محرم كمرض، أو ضيق وقت صلاة، أو في مسجد ونحوه
(15)
(ومن ادَّعت مطلقته المحرمة) وهي المطلقة ثلاثًا (وقد
كان كبيرًا أو صغيرًا: فيُحلِّها، ويلزم من ذلك: أن العقد، أو الخلوة بها، أو المباشرة دون الفرج: لا يحلها لزوجها الأول؛ لكونه لا يُسمَّى نكاحًا الثانية: السنة القولية؛ حيث نهى عليه السلام من تزوج امرأة بعد طلاقها من زوجها الأول ثلاثًا أن يطلقها حتى يذوق عسيلتها قائلًا: "لا حتى تذوق عسيلتها" ولا يمكن أن يذوق عسيلتها إلا بعد إدخال الحشفة في قبل المرأة غالبًا، فلا يحصل ذلك في المباشرة دون الفرج، ولا بالخلوة، ولا بالعقد، فإن قلتَ: لِمَ لا يُشترط الإنزال من الزوج الثاني؟ قلت: لأن الوطء يتم شرعًا، ولو لم ينزل، إذ هو متعلق بذوق العسيلة؛ لذلك من أولج ذكره في فرج امرأته: فيجب عليه الغسل ولو لم ينزل.
(15)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته ثلاثًا، فلا تحل له إلا بعد أن تتزوج بزوج ثان زواجًا صحيحًا - كما سبق بيانه في مسألة (14) -، ولو وطأ الزوج الثاني تلك المرأة المطلقة ثلاثًا من جهة دبرها، أو وطأها في شبهة كأن يظنها زوجته، فبانت غيرها، أو وطأها زوجها، ثم طلَّقها ثلاثًا، ثم وطأها سيدها، فاشتراها مطلقها بعد ذلك، أو وطأها في نكاح فاسد - كأن تتزوج بغير ولي عندنا -، أو وطأها وهي حائض، أو نفساء أو هي محرمة في حج أو عمرة، أو هي صائمة صيام فرض: فإنها لا تحل للزوج الأول في تلك الصور؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} حيث اشترط لحلها لزوجها الأول: أن تنكح زوجًا آخر نكاحًا صحيحًا فيلزم عدم حلها بتلك الصور السابقة، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من تحريم الوطء في حال النفاس والحيض، =
غابت) عنه (نكاح من أحلها) بوطئه إياها (و) ادعت (انقضاء عدّتها منه) أي: من الزوج الثاني: (فله) أي: للأول (نكاحها إن صدقها) فيما ادعته (وأمكن) ذلك: بأن مضى زمن يتسع له؛ لأنها مؤتمنة على نفسها
(16)
.
والإحرام، وصيام الفرض؛ لحق الله تعالى: عدم صلاحية هذا الوطء لإحلالها للزوج الأول.
[فرع]: إذا وطأ الزوج الثاني تلك المطلقة ثلاثًا من زوجها الأول بوطء يضر بها أو به: كأن يطأها في حال مرضها، أو ضيق وقت صلاتها، أو في مسجد: فإنها تحل للزوج الأول بهذا الوطء؛ للتلازم؛ حيث إن ذلك يُعتبر نكاحًا صحيحًا، وقد ذاق العسيلة فلزم صلاحية ذلك لإحلالها لزوجها الأول؛ إذ لا مانع منه.
(16)
مسألة: إذا طلق زوج زوجته ثلاثًا، وادعت تلك الزوجة:"أنها تزوجت رجلًا وقد أحلها بوطئها الوطء الشرعي، ثم طلقها، وانقضت عدّتها من ذلك الزوج الثاني": فإنه يحق للزوج الأول أن يتزوجها بشرطين: أولهما: أن يصدقها فيما ادعته. ثانيهما: أن يكون ما ادَّعته: من زواجها الثاني وطلاقها منه وانقضاء عدتها منه ممكن حصوله بأن يكون قد مضى زمن يتّسع لذلك كله، أما إن لم يصدقها، أو شك في كلامها، أو لا يمكن حصول دعواها: فلا يحل له أن يتزوج بها حتى تثبت له ذلك؛ للتلازم؛ حيث إن المرأة مؤتمنة على نفسها، ولا سبيل إلى معرفة ذلك حقيقة إلا من جهتها فلزِم الرجوع إلى ما قالته وحلها له، ويلزم من تكذيبها أو شكه بها، أو كون الزمن لا يتسع لما ادعته: عدم حلها له.
هذه آخر مسائل باب: "الرجعة" وهو آخر أبواب كتاب: "الطلاق"، ويليه كتاب:"الإيلاء".
كتاب الإيلاء
بالمد أي: الحلف، مصدر "آل""يولي"، و "الألية": اليمين (وهو) شرعًا: (حلف زوج) يمكنه الوطء (بالله تعالى أو صفته) كالرحمن الرحيم (على ترك وطء زوجته في قبلها) أبدًا، أو (أكثر من أربعة أشهر) قال تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} الآية
(1)
، وهو محرم
(2)
، ولا إيلاء بحلف بنذر، أو عتق، أو طلاق
(3)
،
كتاب الإيلاء
وفيه ست عشرة مسألة:
(1)
مسألة: الإيلاء لغة: الحلف والقسم، يقال:"آلى""يولي""إيلاء" و "أليَّة" يقول الزوج: "آليت من امرأتي، أولي، إيلاء" أي: حلفت، وهو في الاصطلاح:"أن يحلف زوج يمكنه الوطء بالله تعالى أو بإحدى صفاته على ترك وطء زوجته في قبلها أبدًا، أو أكثر من أربعة أشهر" وسيأتي بيان هذا التعريف بذكر مسائله فإن قلت: لم ذكر كتاب الإيلاء بعد كتاب الطلاق؟ قلت: لتناسبهما؛ لأنهما يجتمعان في ترك وطء الزوجة مدة طويلة أو قصيرة.
(2)
مسألة: الإيلاء حرام؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه يمينًا يؤدي إلى ترك واجب - وهو الوطء -: تحريمه، فإن قلتَ: لم كان حراماً؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إلحاق ضرر بالزوجة، فدفعاً لذلك حرم.
(3)
مسألة: إذا حلف على ترك وطء زوجته بغير اسم الله، أو صفة من صفاته كأن يحلف بنذر فيقول مثلًا:"إن جامعتك فلله علي صوم عشرة أيام"، أو يحلف بعتق فيقول:"إن جامعتك فعبدي حر" أو يحلف بطلاق فيقول: "إن جامعتك فزوجتي الأخرى طالق": فلا يسمَّى هذا إيلاء؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} والمراد من الإيلاء المطلق: القسم واليمين بالله تعالى، وأيّد =
ولا يحلف على ترك وطء سريته
(4)
، أو رتقاء
(5)
(ويصح) الإيلاء (من) كل من يصح طلاقه من مسلم و (كافر و) حر و (قن و) بالغ و (مميز، وغضبان، وسكران، ومريض مرجو برؤه، وممن) أي: زوجة يمكن وطؤها، ولو (لم يدخل بها)؛
ذلك تفسير ابن عباس للفظ: "يؤلون" حيث قال: "يحلفون بالله" وتفسير الصحابي حجة، فيلزم من ذلك: أن التعليق بـ (إن) بنذر، أو طلاق، أو عتق أو نحو ذلك ليس بإيلاء ولا قسم، ويؤيد ذلك أيضًا قوله تعالى:{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لأن الغفران يدخل في اليمين بالله، فإن قلتَ: إن هذا يُسمَّى إيلاء وهو قول الجمهور؛ للتلازم؛ حيث إن تسمية تلك الصيغ يمينًا وحلفًا، وهي تمنع من الوطء والجماع يلزم منه: أن يكون إيلاء قلتُ: إن تسمية ذلك حلفًا ويمينًا مجازًا وليس بحقيقة؛ وذلك لمشاركته القسم في المعنى المشهور فيه، وهو الحث على الفعل، أو المنع منه، أو توكيد الخبر والكلام عند إطلاقه، يؤيد ذلك: أنه لا يحمل على القسم الحقيقي إلا بقرينة، والحلف بالله بإطلاقه يصرف إلى القسم، ولا يصرف إلى غيره إلا بقرينة، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلت: سببه: "الخلاف في الحلف بالنذر، أو الطلاق، أو العتق ونحوها هل هو حلف حقيقي أو مجازي؟ " فعندنا: الثاني، وعندهم الأول.
(4)
مسألة: إذا حلف السيد على ترك وطء أمته التي يتسرَّى بها مدة قصيرة أو طويلة: فلا يُسمَّى هذا إيلاء؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} وليست الأمة من نسائه، فلا يصدق على ذلك حقيقة الإيلاء الشرعي.
(5)
مسألة: إذا حلف الزوج على ترك وطء زوجته وهي رتقاء أو قرناء أو نحو ذلك من العيوب التي تمنع من الوطء والجماع: فلا يسمَّى هذا إيلاء؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تعذُّر الوطء دائمًا: عدم انعقاد تلك اليمين على تركه؛ لعدم وجود المتروك أصلا، ويلزم من عدم انعقاد اليمين: عدم وجود حقيقة الإيلاء، فيكون وجود هذه اليمين وعدمها واحدًا.
لعموم ما تقدَّم
(6)
، و (لا) يصح الإيلاء (من) زوج (مجنون، ومغمى عليه)؛ لعدم القصد
(7)
(و) لا من (عاجز عن وطء لجب كامل أو شلل)؛ لأن المنع هنا ليس
(6)
مسألة: يصح الإيلاء من كل شخص يصح طلاقه - وهو: البالغ العاقل جائز التصرف - سواء كان مسلمًا أو كافرًا، حرًا، أو عبدًا، صاحيًا، أو سكرانًا، أو غضبان، سليمًا أو مريضًا مرضًا يرجى برؤه، وكانت الزوجة يمكن وطؤها وجماعها: سواء كان قد دخل بها، أو لا، أما إن كان الزوج لم يبلغ، أو كان مريضًا لا يُرجى برؤه، أو كانت الزوجة لا يمكن وطؤها وجماعها: فلا يصح الإيلاء، ولو حصل: فلا يقع؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} حيث إن ذلك يشمل ويعم ما ذكرناه من الحالات السابقة والكفار مكلَّفون بفروع الإسلام، فيدخلون؛ لأن "الذين" الموصولة من صيغ العموم، الثانية: القياس وهو من وجهين: أولهما: كما يصح الطلاق من هؤلاء فكذلك يصح الإيلاء منهم والجامع: أن كلًّا منهم جائز التصرف ثانيهما: كما لا يصح طلاق الصبي، والمريض مرضًا لا يرجى برؤه، فكذلك لا يصح منهما الإيلاء.
[فرع]: لا يصح الإيلاء من الصبي ولو كان مميزًا؛ للقياس؛ بيانه: كما لا يصح الطلاق منه، فكذلك لا يصح الإيلاء منه، والجامع: عدم جواز التصرف وعدم القصد فإن قلت: يصح الإيلاء من العبد المميز - وهو ما ذكره المصنف هنا -؛ للقياس؛ بيانه: كما يصح طلاقه، فكذلك لا يصح إيلاؤه قلتُ: لا نسلِّم الأصل المقاس عليه؛ حيث لا يصح عندنا طلاقه وقد فصَّلتُ الكلام عن ذلك كتاب: "الطلاق".
(7)
مسألة: لا يصح الإيلاء من زوج مجنون، ولا من مغمى عليه؛ للقياس؛ بيانه كما لا يصح الطلاق منهما فكذلك لا يصح الإيلاء منهما، والجامع: عدم القصد في كل، فلا يدري كل منهما ما يصدر منه.
لليمين
(8)
(فإذا قال) لزوجته: (والله لا وطئتك أبدًا، أو عيّن مدة تزيد عن أربعة أشهر) كخمسة أشهر (أو) قال: والله لا وطئتك (حتى ينزل عيسى) ابن مريم عليهما السلام (أو) حتى (يخرج الدجال أو) غيَّاه بمحرم، أو ببذل مالها كقوله: "والله لا وطئتك (حتى تشربي الخمر، أو تسقطي دينك، أو تهبي مالك ونحوه) أي: نحو ما ذكر (فـ) هو (مول) تضرب له مدة الإيلاء
(9)
(فإذا مضى أربعة أشهر من يمينه ولو) كان
(8)
مسألة: لا يصح الإيلاء من زوج عاجز عن الوطء والجماع كمن أُصيب بجب كامل، أو شلل، ولو حصل منه الإيلاء ثم حصل ما يمنعه من الوطء: بطل إيلاؤه، وعلى ذلك: فلا يطلب منه الوطء؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عجزه عن الوطء: عدم انعقاد اليمين على تركه، ويلزم من عدم انعقاد اليمين: عدم وجود حقيقة الإيلاء - كما قلنا في مسألة (5) -؛ لكون المقصود في الإيلاء هو: الامتناع عن الوطء، وليس اليمين.
(9)
مسألة تضرب للزوج مدة الإيلاء - وهي أربعة أشهر -: إذا قال لزوجته: "والله لا وطئتكِ أبدًا" أو عيّن مدة تزيد على أربعة أشهر بأن قال: "والله لا وطئتكِ خمسة أشهر" أو قال: "والله لا وطئتكِ حتى ينزل عيسى من السماء" أو قال: "والله لا وطئتكِ حتى تقوم الساعة" أو قال: "والله لا وطئتكِ حتى يخرج الدجال" أو جعل غايته محرمًا كقوله: "والله لا وطئتكِ حتى تتركي صلاة الفرض" أو "والله لا وطئتكِ حتى تشربي الخمر" أو "والله لا وطئتكِ حتى تزني" أو يجعل غايته بذل مالها كقوله: "والله لا وطئتكِ حتى تسقطي دينكِ" أو "والله لا وطئتكِ حتى تسقطي صداقكِ" ففي هذه الصور ونحوها يكون الزوج قد فعل الإيلاء، وتضرب له مدة الإيلاء وهي:"أربعة أشهر"؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} حيث بين الشارع أن من حلف أن لا يطأ زوجته أكثر من أربعة أشهر فهو مول، بدلالة مفهوم العدد، ودلَّ أيضًا ذلك المفهوم على أن من حلف أن لا يطأ زوجته أقلّ =
المولى (قنًا)؛ لعموم الآية
(10)
(فإن وطئ، ولو بتغييب حشفة) أو قدرها عند عدمها في الفرج: (فقد فاء)؛ لأن الفيئة: الجماع، وقد أتى به، ولو ناسيًا، أو جاهلًا، أو مجنونًا، أو أدخل ذكر نائم؛ لأن الوطء وجد (وإلا) يفِ بوطء من آلى منها، ولم تُعْفِه:(أمره) الحاكم (بالطلاق) إن طلبت ذلك منه؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (فإن أبى) المولى أن يفي، وأن يطلق:(طلَّق الحاكم عليه واحدة، أو ثلاثًا، أو فسخ)؛ لقيامه مقام المولى عند امتناعه (وإن وطئ) المولى من آلى منها (في الدبر أو) وطئها (دون الفرج فما فاء)؛ لأن الإيلاء يختص بالحلف على ترك الوطء في القبل، والفيئة: الرجوع عن ذلك، فلا تحصل الفيئة بغيره كما لو
من أربعة أشهر فليس بمول؛ لأن مدة الإيلاء تنقضي قبلها، أو مع انقضائها الثانية: قول الصحابي؛ حيث قال ابن عمر: "إذا مضى أربعة أشهر ممن حلف على مدة تزيد عليها فهو مول، يوقف حتى يطلق".
(10)
مسألة: مدَّة الإيلاء أربعة أشهر: سواء كان المولِّى حرًا أو عبدًا، وسواء كانت الزوجة مسلمة، أو ذمية، أمة، أو حرة، كبيرة أو صغيرة؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} وهذا عام للحر والعبد، ولأي زوجة فلا تختلف المدة بسبب الحرية، والرق؛ لأن "الذين" الموصولة من صيغ العموم، فيشمل ما ذكرناه الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون مدَّة الإيلاء ضُربت للوطء: استواء الرق والحرية في ذلك، فإن قلت: إن مدة العبد في الإيلاء على النصف من مدة الحر فتكون شهرين له فقط، وهو رواية عن أحمد، وهو قول مالك؛ للقياس؛ بيانه: كما أن العبد على النصف من الحر في عدد الطلقات، وعدد الزوجات فكذلك يكون في الإيلاء قلتُ: إن هذا القياس يعارض عموم الآية فتقدم الآية عليه، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلت: سببه: "تعارض القياس مع الآية".
قبَّلها
(11)
(وإن ادَّعى) المولى (بقاء المدَّة) أي مدَّة الإيلاء، وهي الأربعة أشهر:
(11)
مسألة: إذا فعل الزوج الإيلاء، وتمت أربعة أشهر: فلا بد له من ثلاث حالات: الحالة الأولى: إما أن يطأ ويجامع من آلى منها وذلك بتغييب حشفته أو قدرها في الفرج، وهذا يسمَّى الفيء وهو الرجوع إلى من آلى منها: سواء وقع الوطء والجماع منه في حالة نسيانه، أو ذكره، أو سواء كان جاهلًا أنها زوجته أو كان عالمًا، وسواء كان نائمًا، أو صاحيًا، وسواء كان مجنونًا أو عاقلًا، لكن لا تنحل يمينه في ذلك، وإنما يُسمَّى راجعًا، ولا يفيء المولى إذا وطأ في دبر المولى منها، أو باشرها دون الفرج؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فيهِن فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، والفيء هو: الرجوع إلى فعل ما تركه من الوطء وإيجاده وهو: الجماع كما نقل عن السلف والخلف، وهي أول المراتب والحالات، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من وجود الوطء والجماع الشرعي: ترك الإيلاء، وهو المحلوف عليه وهذا عام لكل من ذكرناه؛ لأنَّه يُسمّى واطئاً شرعًا، ويلزم من وطء الدبر، أو المباشرة دون الفرج: عدم الوطء الشرعي؛ لكون وطء الدبر محرمًا، وما دون الفرج لا يسمَّى وطئًا يفيء به المولى كما لو قبَّلها: فلا يسمى هذا فيئًا، الحالة الثانية: إن لم يف ويجامع بوطء شرعي من آلى منها، وهي لم تسقط عنه ذلك الوطء بل طلبته منه: فإنه يؤمر بالطلاق من جهة الحاكم؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} حيث بين الشارع أنه لا يقع الطلاق على من آل منها إذا مضت أربعة أشهر، بل لا بد أن يطلق المولى بنفسه إذا لم يف بالجماع، الحالة الثالثة: إذا أبى المولى أن يف ويجامع، وأبى أن يطلق: فإن الحاكم يطلق من آلى منها طلقة واحدة، ولا يطلق الزوج رغمًا عنه إلا في الإيلاء فقط، إذا أبى أن يف وأن يُطلق، وهي محسوبة من الطلقات، وهي طلقة رجعية أو يفسخها الحاكم؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الحاكم له الحق بأن ملك يبيع شخص عليه ديون، ويقضي ديونه، فكذلك له الحق في أن =
صدِّق؛ لأنَّه الأصل
(12)
(أو) ادَّعى (أنه وطئها وهى ثيب: صدق مع يمينه)؛ لأنَّه أمر خفي لا يعلم إلا من جهته (وإن كانت) التي آلى منها (بكرًا، أو ادعت البكارة، وشهد بذلك) أي: ببكارتها (امرأة عدل: صُدّقت) وإن لم يشهد ببكارتها ثقة: فقوله بيمينه
(13)
(وإن ترك) الزوج (وطأها) أي: وطء زوجته (إضرارًا بها بلا يمين) على
يطلق عنه، والجامع ويفسخ زوجته في هذه الحالة، والجامع: أن ذلك تدخله النيابة عند التعذر من صاحبه، والحاكم يقوم مقام من تعذَّر منه التصرف الشرعي.
[فرع]: لا يملك الحاكم أن يطلق من آلى منها بالثلاث؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تحريم إيقاع الطلاق بالثلاث بكلمة واحدة: عدم ملكية الحاكم لذلك، فإن قلت: بل يطلقها الحاكم ثلاثًا، وهو ما ذكره المصنف هنا قلتُ: لم أجد دليلًا على ذلك.
(12)
مسألة: إذا ادَّعى المولى: بأن مدة الإيلاء - وهي الأربعة أشهر - باقية ولم تنته: فإنه يُصدَّق، ويُقبل قوله مع يمينه ولو ادَّعت زوجته المولى منها مخالفة ذلك؛ للقياس؛ بيانه: كما أنهما لو اختلفا في أصل الإيلاء، بأن يدّعي أنه لم يول من زوجته، وهي ادّعت ذلك، أو بالعكس: فإنه يقبل قول المولى مع يمينه فكذلك الحال هنا والجامع: أن المولى هو الأصل والمرجع في ذلك، والزوجة متهمة وإنما وجبت يمينه هنا لاحتمال صدق زوجته المولى منها.
(13)
مسألة: إذا ادَّعى المولى بأنه قد جامع ووطء المولى منها قبل انتهاء الأربعة الأشهر وخالفته هي في ذلك ففي ذلك حالتان: الحالة الأولى: إن كانت ثيبًا: فإنه يصدق، ويقبل قوله مع يمينه، ولو كانت هي قد خالفته في ذلك؛ للقياس؛ وهو من وجهين: أولهما: كما أنه لو ادَّعى الوطء في حالة العنَّة: فإنه يُصدَّق ويُقبل قوله مع يمينه، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا منهما أمر خفي، لا يعلم إلا من جهته، ثانيهما: كما أنها لو ادَّعت أنها حاضت: فإنه يقبل قولها مع يمينها =
ترك وطئها (ولا عذر) له (فكمول) وكذا: من ظاهر، ولم يكفر، فيضرب له أربعة أشهر، فإن وطئ، وإلا أمر بالطلاق، فإن أبى: طلق عليه الحاكم، أو فسخ النكاح كما تقدم في المولى
(14)
، وإن انقضت مدة الإيلاء، وبأحدهما عذر يمنع الجماع: أمر أن يفيء بلسانه، فيقول:"متى قدرت جامعتكِ" ثم متى قدر: وطئ أو طلق
(15)
،
فكذلك الحال هنا، والجامع: أن هذا أمر خفي لا يعلم إلا من جهة كل منهما، الحالة الثانية: إن كانت بكرًا، أو ادّعت البكارة واختلفا في ذلك، وشهدت ببكارتها امرأة ثقة: فإنها تُصدَّق، ويقبل قولها، أما إن لم تشهد ثقة ببكارتها: فإنه يُصدَّق، ويقبل قوله مع يمينه؛ للتلازم؛ حيث إن كون قولها ببكارتها قد أقامت عليه بينة - وهي شهادة تلك المرأة الثقة - يلزم منه: تصديقها، وتكذيبه، ويلزم من عدم ذلك تصديقه وتكذيبها؛ لأنَّه هو الأصل.
(14)
مسألة: يُلحق بالمولي شخصان: أولهما: من ترك وطء وجماع امرأته قاصدًا الإضرار بها أكثر من أربعة أشهر، بدون عذر بلا يمين ثانيهما: من ظاهر من زوجته قائلًا لها: "أنتِ علي كظهر أمي" - كما سيأتي - ولم يكفر عن ذلك، ومضى عليه أكثر من أربعة أشهر بلا عذر: فإذا فعل هذان الشخصان ذلك: فإنه يضرب له مدة الإيلاء وهي أربعة أشهر فإن وطئ وجامع بعدها، وإلا طُلب منه طلاقها، فإن لم يطأ ولم يطلق: فإن الحاكم يطلقها عنه أو يفسخها؛ للقياس؛ على المولى، وقد سبق تفصيله في حالات ثلاث في مسألة (11).
[فرع]: إذا ترك الزوج وطء وجماع زوجته ولم يقصد الإضرار بها، أو تركه لعذر كمرض وغيبة ونحو ذلك: فلا تضرب له مدة الإيلاء؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم قصد الإضرار والامتناع لعذر عدم ضرب مدَّة الإيلاء؛ لعدم حقيقة الإيلاء.
(15)
مسألة: إذا انقضت مدَّة الإيلاء - وهي أربعة أشهر - وكان في الزوج أو الزوجة عذر يمنع من الوطء والجماع كإحرام، أو حيض، أو نفاس: فإن الزوج يفيء =
ويمهل لصلاة فرض، وتحلل من إحرام، وهضم ونحوه، ومظاهر لطلب رقبة ثلاثة أيام
(16)
.
بلسانه قائلًا: "متى قدرت جامعتك" فأي زمن أتى عليه بعد ذلك وهو قادر على الوطء: فإنه يطأ ويجامع، وإن لم يفعل: طلّق؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أن الدين إذا أيسر به المدين بعد عسر يجب قضاؤه، فكذلك المولى إذا تعذَّر جماعه: فإنه يجامع متى ما قدر، وإلّا يطلق، والجامع: زوال عجزه الذي أخَّر لأجله في كل، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون اعتذاره بلسانه وهو قوله: "متي قدرت جامعتكِ": تركه الإضرار بزوجته، فيصح ذلك.
(16)
مسألة: إذا انقضت مدة الإيلاء - وهي أربعة أشهر - يُمهل المولى مدَّة يسيرة لقضاء ضرورة كصلاة فرض، أو تحليل من إحرام، أو فطر من صوم واجب، أو دخول خلاء أو مظاهر طلب رقبة مما لا يتجاوز ثلاثة أيام؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون العادة جارية بإمهال من عليه واجبات ولم يؤديها ثلاثة أيام: أن يمهل هذه المدة؛ لكون ذلك يسيرًا، ولا يؤثر.
هذه آخر مسائل كتاب: "الإيلاء" ويليه كتاب: "الظهار".
كتاب الظهار
مشتق من "الظهر" وخص به من بين سائر الأعضاء؛ لأنَّه موضع الركوب، ولذلك سمي المركوب: ظهرًا، والمرأة مركوبة إذا غشيت (وهو محرم)؛ لقوله تعالى:{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} (فمن شبَّه زوجته أو) شبَّه (بعضها) أي: بعض زوجته (ببعض) من تحرم عليه (أو بكل من تحرم عليه أبدًا بنسب) كأمه وأخته (أو رضاع) كأخته منه، أو بمصاهرة كحماته، أو بمن تحرم عليه إلى أمد كأخت زوجته وعمتها (من ظهر) بيان للبعض كأن يقول:"أنتِ عليّ كظهر أمي أو أختي"(أو) أنتِ عليّ كـ (بطن) عمتي (أو عضو آخر لا ينفصل) كيدها، أو رجلها (بقوله) متعلق بـ "شبَّه" (لها) أي: لزوجته (أنتِ) أو ظهركِ، أو يدكِ (علي، أو معي، أو مني، كظهر أمي، أو كيد أختي، أو وجه حماتي، ونحوه، أو أنت عليّ حرام): فهو مظاهر، ولو نوى طلاقًا، أو يمينًا (أو) قال: أنتِ علي (كالميتة والدم) أو الخنزير: (فهو مظاهر) جواب "فمن"، وكذا: لو قال: "أنتِ علي كظهر فلانة الأجنبية" أو "ظهر أبي، أو أخي، أو زيد"
(1)
وإن قال: "أنتِ عليّ، أو عندي كأمي أو مثل
كتاب الظهار
وفيه إحدى وأربعون مسألة:
(1)
مسألة: الظهار: أن يُشبِّه زوجته، أو بعضها ببعض من تحرم عليه أو كلها أبدًا كأمه وأخته ونحوهما من نسب أو رضاع أو بمصاهرة كأم زوجته، أو أن يشبه ذلك بمن تحرم عليه إلى أمد - كأخت زوجته وعمتها وخالتها - كأن يقول:"أنتِ علي كظهر، أو بطن، أو رجل أو يد أمي، أو أختي" أو يقول: "ظهركِ أو يدكِ علي، أو معي، أو مني كظهر أمي، أو كيد أختي" أو نحو ذلك من الأعضاء غير المنفصلة عادة، أو أن يشبِّه زوجته أو بعضها ببعض أو كل من يحرم عليه كالميتة، والدم، والخنزير، أو يشبهها أو بعضها بكل أو بعض امرأة أجنبية، أو يشبهها =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أو بعضها بكل أو بعض الرجال الأقارب، أو الأباعد، فإن قلتَ: لِمَ سُمِّي ذلك بالظهار؟ قلتُ: لأن الظهر من الدابة موضع الركوب والمرأة مركوبة وقت الوطء والجماع، فركوب الأم - فيما إذا قال:"أنتِ علي كظهر أمي - مستعار من ركوب الدابة ثم شبَّه ركوب الزوجة بركوب الأم الذي هو ممتنع شرعًا وعرفًا، وهذه استعارة لطيفة فكأنه قال: "ركوبكِ للنكاح حرام علي" - كما ذكره ذلك بعض أهل اللغة كما جاء في المصباح (388).
[فرع]: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ علي حرام" فإنه إذا نوى به ظهارًا فهو ظهار، وإن نوى به طلاقًا فهو طلاق، وإن نوى به يمينًا فهو يمين، وإن أطلق - ولم ينو شيئًا -: فهو ليس بظهار، بل يمين، وهو مذهب الجمهور؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} فخصَّص الظهار بذلك، فيلزم من لفظ "يظاهرون": أن الذي يُعبِّر بالتحريم لا يكون مظاهرًا؛ لأنه غير اللفظ المستعمل فيه، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من نيته وقصده أن هذا ظهار: أن يكون ظهارًا عملًا بالنية كما يعمل باللفظ، ويلزم من كون التحريم يتنوّع إلى ظهار، وطلاق، وحيض، وإحرام، وصيام: أن لا يكون ظهارًا؛ لأنه تخصيص للعام بدون مخصص، وتقييد للمطلق بدون مقيد، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث ثبت عن ابن عباس أنه قال: "التحريم يمين في كتاب الله" واستدل بالكتاب؛ حيث قال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} ، فإن قلتَ: إن التحريم ظهار: سواء نوى به ظهارًا، أو طلاقًا أو يمينًا، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الشارع جعل التشبيه بمن تحرم عليه ظهارًا، فكذلك التصريح بالتحريم يكون ظهارًا، والجامع: التحريم في كل قلتُ: إن التحريم لا يتخصص بالظهار، بل يكون بالطلاق، وغيره كما سبق، =
أمي" وأطلق: فظهار، وإن نوى في الكرامة ونحوها: دُيِّن، وقُبل حكمًا
(2)
، وإن
فلم يوجد مخصص له من لفظ أو قرينة، أو نية، فيبقى على عدم حمله على شيء، إلا أن قول الصحابي - وهو ابن عباس - بيَّن بالاستدلال على أنه يمين وهو الصحيح، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "هل الآية مخصَّصة بالقياس الذي ذكروه؟ " فعندنا: لا، وعندهم: نعم.
[فرع آخر]: الظهار حرام؛ للإجماع؛ حيث أجمع العلماء على تحريمه، ومستند ذلك قوله تعالى:{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} إلى قوله: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} ولا يُتوعَّد على شيء إلا إذا كان حرامًا.
(2)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ علي كأمي"، أو "أنتِ عندي كأمي" أو "أنتِ علي مثل أمي": فإنه ينظر إلى نيته: فإن نوى الظهار: فهو ظهار، وإن نوى: أنها كذلك في الكرامة: فليس بظهار بل تقبل منه نيته، وإن أطلق - أي لم ينو ظهارًا، ولا غير ذلك -: فليس بظهار أيضًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من نيته وقصده أنه ظهار، أو في الكرامة: أن يُعمل بتلك النية - ودُين فيما بينه وبين الله -، ويلزم من إطلاقه: عدم كونه ظهارًا؛ لأنه ليس بصريح في الظهار؛ لأنه غير اللفظ المستعمل فيه بل إن استعماله هذا في الكرامة أكثر ولم توجد نيته حتى نعمل بها، فإن قلتَ: إنه إذا قال ذلك وأطلق: فإنه يكون ظهارًا، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الظهار هو المتبادر إلى الفهم من تلك الألفاظ: أن يكون ظهارًا قلتُ: لا نُسلِّم أن الظهار هو المتبادر إلى الفهم من تلك الألفاظ، بل إن المتبادر إلى الفهم من ذلك: هو الكرامة؛ لأن تلك الألفاظ مستعملة في الكرامة، والتعظيم والتقدير أكثر من استعمالها في الظهار، فلا ينصرف إلى الظهار إلا بنيته مثل كنايات الطلاق، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في المتبادر من تلك الألفاظ إلى الفهم" فعندنا: الكرامة، وعندهم: الظهار.
قال: "أنتِ أمي" أو "كأمي": فليس بظهار إلّا مع نيّة أو قرينة
(3)
، وإن قال:"شعركِ، أو سمعكِ ونحوه كظهر أمي": فليس بظهار
(4)
(وإن قالته لزوجها) أي: قالت له نظير ما يصير به مظاهرًا منها: (فليس بظهار)؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} فخصَّهم بذلك (وعليها) أي: على الزوجة إذا قالت ذلك لزوجها (كفارته) أي: كفارة الظهار؛ قياسًا على الزوج، وعليها التمكين قبل التكفير
(5)
، ويكره نداء أحد الزوجين الآخر بما يختص بذي رحم محرم كأبي،
(3)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "أنتِ أمي" أو "أنتِ كأمي": فليس بظهار، ويُحمل على الكرامة إلا إذا نوى في ذلك الظهار، أو دلّت قرينة على أن مراده الظهار: فإنه يكون ظهارًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون هذا اللفظ غير اللفظ المستعمل في الظهار: عدم كونه ظهارًا، ويلزم من نيته، أو دلالة قرينة على أن مراده الظهار: أن يكون ظهارًا؛ للعمل بالنية والقرينة.
(4)
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته: "شعركِ، أو سمعكِ، أو بصركِ، أو ظفركِ، أو ريقكِ، أو لبنكِ علي كظهر أمي": فليس هذا بظهار؛ للتلازم؛ حيث يلزم من انفصال تلك الأعضاء عادة: عدم وقوع الظهار إذا شبهها بظهر أمه غير المنفصل.
(5)
مسألة: إذا قالت الزوجة لزوجها: "أنتَ علي كظهر أبي" أو نحو ذلك فليس بظهار، ولا يُحسب شيئًا، ولا يجب عليها كفارة ظهار، ولا أي شيء؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} حيث خصَّص الشارع الزوج بمظاهرته من زوجته كالطلاق ويدل بمفهوم الصفة على أن الزوجة لا يحق لها الظهار من زوجها، ولو فعلت لا يُحسب شيئًا، ويكون كلامًا لغوًا، لا يُعتمد عليه؛ لأن النكاح من حق الزوج، ولا تملك الزوجة ولا غيرها حق رفعه كسائر حقوقه، فإن قلتَ: إنها إذا قالت الزوجة ذلك: فليس بظهار، ولكن تجب عليها كفارة الظهار، وعليها أن تمكّنه من جماعها قبل التكفير وهو ما ذكره المصنف =
وأمي
(6)
(ويصح) الظهار (من كل زوجة) لا من أمة، أو أم ولد
(7)
، وعليه كفارة يمين
(8)
، ...............................
هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الزوج لو قال ذلك: فإنه تجب عليه كفارة الظهار، فكذلك الزوجة إذا قالت ذلك تجب عليها الكفارة، والجامع: أن كلًّا منهما قد أتى بالمنكر من القول والزور قلتُ: لا نسلِّم العلة والجامع؛ لأن مجرَّد القول من المنكر والزور لا يوجب كفارة الظهار بدليل سائر الكذب، وتحريم سائر الحلال، وإذا بطلت العلة والجامع: بطل القياس، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في العلة والجامع الذي علل بها هل تصلح أو لا؟ " فعندنا: لا، وعندهم: نعم وأيضًا: "تعارض القياس مع الآية"، تنبيه: قوله: "وعليها التمكين قبل التكفير" قلتُ: يقصد: أنه يجب عليها أن تمكِّن زوجها من جماعها قبل أن تكفِّر، وهذا مبني على مذهب المصنف، وهو مرجوح كما سبق.
(6)
مسألة: يكره أن ينادي الزوج زوجته بقوله: "يا أمي" أو تنادي الزوجة زوجها بقولها: "يا أبي" أو أي لفظ يختص بذي رحم محرم، ولو وقع ذلك: فلا يكون ظهارًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ذلك ليس بصريح في الظهار، ولا نواه: عدم ثبوت الظهار، ولا التحريم، ويلزم من كونه لفظًا يشبه الظهار كراهيته.
(7)
مسألة: يصح أن يظاهر الزوج من زوجته فقط سواء كانت صغيرة أو كبيرة، مسلمة، أو ذمية، يمكن وطئها أو لا، دون أمته، أو أم ولده؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} والأمة، وأم الولد ليستا من نسائه المعقود عليهن عقد حر على حرة.
(8)
مسألة: إذا قال الزوج لأمته، أو لأم ولده:"أنتِ علي كظهر أمي": فعليه كفارة يمين؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم صحة الظهار من هاتين المرأتين، وأنه حرمهما بعد أن كانا حلالًا: وجوب كفارة اليمين، لأنه حرم حلالًا؛ لقوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} .
ولا يصح ممن لا يصح طلاقه
(9)
.
(فصل): (ويصح الظهار معجَّلًا) أي: منجزًا كأنتِ عليّ كظهر أمي (و) يصح الظهار أيضًا (معلقًا بشرط) كإن قمتِ فأنتِ علي كظهر أمي، (فإذا وجد) الشرط (صار مظاهرًا)؛ لوجود المعلَّق عليه (و) يصح الظهار (مطلقًا) أي: غير مؤقت كما تقدم (و) يصح (مؤقتًا) كأنتِ علي كظهر أمي شهر رمضان (فإن وطئ فيه: كفر) لظهاره (وإن فرغ الوقت: زال الظهار) بمضيه
(10)
(ويحرم) على مظاهر، ومظاهر منها (قبل أن يكفر) لظهاره (وطء ودواعيه) كالقبلة والاستمتاع بما دون الفرج (ممن ظاهر منها)؛ لقوله عليه السلام:"فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به" صححه الترمذي
(11)
(ولا تثبت الكفارة في الذمة) أي: في ذمة المظاهر (إلّا بالوطء)
(9)
مسألة: يصح الظهار من كل زوج يصح طلاقه، وهم المكلفون الراشدون: سواء كان مسلمًا أو ذميًا، حرًا، أو عبدًا، أما من لا يصح طلاقه كغير المكلف: فلا يصح ظهاره؛ قياسًا على الطلاق وقد سبق بيانه في كتاب "الطلاق".
(10)
مسألة: يصح الظهار معجَّلا أو منجزًا كقول الزوج لزوجته: "أنتِ علي كظهر أمي"، ويصح معلَّقًا على شرط كقوله لها:"إن قمتِ فأنتِ علي كظهر أمي"، ويصح مطلقًا بأي وقت، ويصح مؤقتًا كقوله:"أنتِ عليّ كظهر أمي شهر رمضان": فإذا وجد الشرط، أو وجد رمضان: فإنه يكون مظاهرًا، لو جامعها بعد قيامها، أو في شهر رمضان: لوجبت عليه كفارة الظهار، فإذا لم تقم ولم يدخل رمضان لم يقع ظهار، وإذا خرج رمضان: زال الظهار؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} وهذا مطلق، فلم يحدَّد ويقيَّد بشيء: فيعمل به مطلقًا، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من تقييده بشرط، أو وقت: أن يلتزم ذلك، ويلزم من عدم الشرط، وعدم الوقت المقيد فيه: زوال الظهار المعلَّق به.
(11)
مسألة: يحرم على المظاهر: أن يطأ زوجته التي ظاهر منها قبل أن يكفِّر كفارة =
اختيارًا
(12)
(وهو) أي: الوطء (العود) فمتى وطئ: لزمته الكفارة، ولو مجنونًا، ولا
الظهار؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وقال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} فأوجب الكفارة قبل المسيس، وهو: الوطء، وهذا يدل على تحريم الوطء قبل الكفارة والإطعام والتكفير بالإطعام كالتكفير بالعتق والصيام؛ لعدم الفارق من باب "مفهوم الموافقة"؛ الثانية: السنة القولية؛ حيث جاء رجل إلى النبي عليه السلام فقال: إني تظاهرتُ من امرأتي فوقعتُ عليها قبل أن أكفِّر: فقال: "ما حملك على ذلك يرحمك الله؟ " قال: رأيتُ خلخالها في ضوء القمر فقال له: "لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله" فحرم قربانها إلى أن يفعل ما أمره الله، وهو الكفارة لأن النهي مطلق وهو يقتضي التحريم، ويدل هذا بمفهوم الغاية على جواز وطئها بعد أن يفعل الكفارة.
[فرع]: لا تحرم دواعي الوطء والجماع لمن ظاهر منها قبل التكفير كالقبلة، والاستمتاع بما دون الفرج وهو قول الجمهور؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ الثانية: السنة، وقد سبق بيانهما في مسألة (11)، ويلزم من قوله:{أَنْ يَتَمَاسَّا} وقوله: "فلا تقربها": أن دواعي الوطء والجماع لا بأس به؛ لأن حقيقة المسيس والقربان هما عين الوطء، ودواعيه ليست بوطء، فإن قلتَ: تحرم دواعي الوطء أيضًا كالوطء، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما حرم الوطء، فكذلك يحرم دواعيه كالمحرم: لما حرم عليه الوطء: حرم دواعيه قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع النص - وهما الكتاب والسنة اللذان قد سبقا - فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع النص".
(12)
مسألة: لا تثبت كفارة الظهار - من عتق، أو صيام، أو إطعام - في ذمَّة الزوج والمظاهر إلا إذا أراد الوطء باختياره، فلو وطئ مكرهًا: لم تجب عليه للسنة =
تجب قبل الوطء؛ لأنها شرط لحلِّه، فيؤمر بها من أراده؛ ليستحلَّه بها (ويلزم إخراجها قبله) أي: قبل الوطء (عند العزم عليه)؛ لقوله تعالى في الصيام والعتق: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}
(13)
، ..............................
القولية: حيث قال عليه السلام: عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" حيث إن هذا عام، فيشمل ما نحن فيه، فيعفى عن الواطئ وهو مكره: الإثم، ووجوب الكفارة؛ لعذره، وهو عدم قصده لمخالفة الشارع، ودلَّ بمفهوم الصفة على أن المتعمد - وهو المختار - إذا وطئ فعليه الإثم، وتجب عليه الكفارة؛ لقصده مخالفة الشارع.
(13)
مسألة: إذا أراد الزوج المظاهر استباحة زوجته بالوطء وعزم عليه: فيجب عليه أن يخرج الكفارة - من عتق أو صيام، أو إطعام - لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وقال في الصيام كذلك والمراد بـ "العود" هنا: العزم على الوطء مثل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} أي: أردتم الصلاة، فأوجب الشارع الكفارة بعد العود، وقبل التماس، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن من أراد حلَّ امرأة أجنبية: فإنه يؤمر بعقد النكاح ليستحلها به، فكذلك المظاهر إذا أراد حل الوطء: فإنه يؤمر بالكفارة ليستحله بها، والجامع: أن كلًّا منهما شرط لحل الوطء. تنبيه: قوله: "ولا تجب قبل الوطء؛ لأنها شرط لحلِّه" قلتُ: الصحيح في العبارة كما ورد في "المغني" و"الشرح الكبير": "ولا تجب قبل الوطء إلا أنها شرط لحله" وبهذا يتفق مع ما قلناه.
[فرع]: إذا ظاهر رجل من زوجته ثم جُنَّ؛ فلا تسقط الكفارة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه قد ظاهر وهو مكلَّف: وجوب الكفارة عليه، ولا يسقط الواجب بعد استقراره بأي حدث يزيل التكليف. تنبيه: يحرم أن يطأ قبل أن يكفر، فإن وطأ قبل تكفيره: فإنه يعصي بذلك؛ لارتكابه محرمًا - كما سبق =
وإن مات أحدهما قبل الوطء: سقطت
(14)
(وتلزمه كفارة واحدة بتكريره) أي: الظهار، ولو كان الظهار بمجالس (قبل التكفير من) زوجة (واحدة) كاليمين بالله تعالى
(15)
(و) تلزمه كفارة واحدة (لظهاره من نسائه بكلمة واحدة): بأن قال لزوجاته: "أنتنَّ عليّ كظهر أمي"؛ لأنه ظهار واحد (وإن ظاهر منهن) أي: من زوجاته (بكلمات): بأن قال لكل منهن: "أنتِ علي كظهر أمي": (فـ) عليه (كفارات) بعددهن؛ لأنها أيمان متكررة على أعيان متعدِّدة، فكان لكل واحدة كفارة، كما لو كفَّر ثم ظاهر
(16)
.
في مسألة (11) - وتستقر الكفارة في ذمته - كما سبق في مسألة (12) -.
(14)
مسألة: إذا ظاهر زوج من زوجته، ثم مات الزوج أو الزوجة قبل أن يطأها: فإن الكفارة تسقط: سواء عزم على الوطء أو لم يعزم؛ للتلازم؛ حيث من عدم وجود شرط الكفارة - وهو الوطء -: عدم وجوبها؛ لفقدان شرطها.
(15)
مسألة: إذا كرَّر الزوج الظهار بصيغته من زوجة واحدة، أي: ظاهر منها عدَّة مرات، وهو لم يكفِّر عن ظهاره الأول: فتجب عليه كفارة واحدة: سواء كان هذا التكرار بمجلس واحد، أو بمجالس؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه إذا كرَّر اليمين بالله قائلًا: "والله لا آكل اللحم" وكرر ذلك، ولم يكفر عن اليمين الأول: فلا تجب عليه إلا كفارة واحدة فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا منهما قد حرم في القول الأول، فلا يؤثر القول الثاني وما بعده.
(16)
مسألة: إذا ظاهر رجل من زوجاته بكلمة واحدة: بأن قال لزوجاته: "أنتنَّ عليّ كظهر أمي"، أو بكلمات: بأن قال لكل واحدة منهن: "أنتِ عليّ كظهر أمي" ثم أراد وعزم أن يعود ويطأ كل واحدة: فإنه يجب لكل زوجة كفارة؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إن الظهار والعود والوطء قد وجد في حق كل واحدة من زوجاته فيلزم أن تجب عليه كفارة لكل واحدة قد عاد إليها ووطأها؛ الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنه لو كفر ثم ظاهر: فإنه تجب عليه كفارة لكل ظهار فكذلك =
(فصل): (وكفارته) أي: كفارة الظهار على الترتيب: (عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا)؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} الآية
(17)
، والمعتبر في
إذا قال لكل واحدة منهن: "أنتِ عليّ كظهر أمي"، والجامع: أنه وقعت أيمان متكررة على أعيان متعددة، فكل يمين كفارة، فإن قلتَ: إنه إذا ظاهر من زوجاته بكلمة واحدة قائلًا: "أنتنَّ عليّ كظهر أمي": فتجب عليه كفارة واحدة وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو قال: "والله لا آكل اللحم، والعنب" فإن أكل منهما: فتجب عليه كفارة واحدة فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا منهما قد وجدت فيه كلمة واحدة في جماعة، قلتُ: ليس موجب الكفارة هي الكلمة، بل هو: العود وهو الوطء، فإذا تعدَّد الوطء بزوجات قد ظاهر منهن: تعدَّدت الكفارة، بدليل أنه لو قال لزوجة واحدة عدَّة كلمات في الظهار، ثم أراد الوطء: فإنه تجب عليه كفارة واحدة؛ لكون الموطوءة واحدة، ثم إن قوله:"أنتنَّ عليّ كظهر أمي" قد قصد منه: أنه قال ذلك لكل واحدة على انفراد فكأنه قال: "أنتِ عليّ كظهر أمي" و"أنتِ عليّ كظهر أمي" وهكذا فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في موجب الكفارة هل هو الوطء، أم لفظ الظهار؟ ".
(17)
مسألة: كفارة الظهار مرتبة على ما يأتي: أولًا: أن يعتق رقبة مؤمنة، ثانيًا: إن لم يجد رقبة: فإنه يصوم شهرين متتابعين، ثالثًا: إن لم يستطع أن يصوم لأي عذر: فإنه يطعم ستين مسكينًا - وسيأتي بيان ذلك بالتفصيل -؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} حيث دلَّت الآية بمنطوقها على ترتيب كفارة الظهار على حسب الأهم فالمهم بالنسبة لصالح الإسلام والمسلمين.
الكفارات: وقت وجوب: فلو أعسر موسر قبل تكفير: لم يجزئه صوم، ولو أيسر معسر: لم يلزمه عتق، ويُجزئه
(18)
(ولا تلزم الرقبة) في الكفارة (إلا لمن ملكها، أو أمكنه ذلك) أي: ملكها (بثمن مثلها) أو مع زيادة لا تجحف بماله، ولو نسيئه وله مال غائب أو مؤجَّل، لا بهبة، ويُشترط للزوم شراء الرقبة: أن يكون ثمنها (فاضلًا عن كفايته دائمًا و) عن (كفاية من يمونه) من زوجة ورقيق وقريب (و) فاضلًا (عما يحتاجه) هو، ومن يمونه (من مسكن وخادم) صالحين لمثله، إذا كان مثله يُخدم (ومركوب وعرض بذلة) يحتاج إلى استعماله (وثياب تجمُّل و) فاضلًا عن (مال يقوم كسبه بمؤنته) ومؤنة عياله (وكتب علم) يحتاج إليها (ووفاء دين)؛ لأن ما استغرقته حاجة الإنسان فهو كالمعدوم
(19)
(ولا يجزئ في الكفارات كلها) ككفارة الظهار،
(18)
مسألة: المعتبر في نوع الكفارة هو الحالة التي هي وقت العود والوطء، لا وقت المظاهرة: أي: من أراد وعزم على الوطء والجماع ممن ظاهر منها وهو موسر: وجب عليه عتق رقبة، فلو أعسر بعد ذلك: فلا يجزئه صوم، ومن أراد وعزم على الوطء وهو معسر: وجب عليه صوم، فإن أعتق رقبة: فإنه يجزئه، وهكذا؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه إذا حنث في يمينه: فإن كفارة اليمين تجب بوقت حنثه، لا يوم حلفه، فكذلك الحال هنا: كفارة الظهار تجب وقت عزمه على الوطء، لا وقت ظهاره، والجامع: أن الكفارة في كل منهما وجبت على وجه الطهرة فكان الاعتبار فيها بحالة الوجوب.
(19)
مسألة: يشترط في الرقبة التي يراد عتقها - في كفارة الظهار -: أن يكون المظاهر مالكًا لها، أو يمكنه تحصيلها بنقدٍ ونحوه بثمن مثلها، دون زيادة تضرّ بماله ضررًا واضحًا، وأن يكون ذلك الثمن فاضلًا عن كفايته دائمًا وكفاية من يمونه ممن تجب عليه نفقته، وفاضلًا عن حاجته، وحاجة من يمونه من مسكن وخادم، ومركوب وعرض بذلة من فرش، وأواني، وآلة حرفته، وثياب تجمُّل وغير ذلك مما يحتاج إلى استعماله، وأن يكون فاضلًا عن مال يقوم كسبه عليه كعقار يحتاج =
والقتل، والوطء في نهار رمضان، واليمين بالله تعالى (إلا رقبة مؤمنة)؛ لقوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وألحق بذلك سائر الكفارات
(20)
(سليمة
إلى غلته، أو عروض للتجارة، وأن يكون فاضلًا عن كتب علم يحتاج إليها في أمور دينه، وأن يكون فاضلًا عن مال يوفي به دينه: سواء كان حال أو مؤجَّل؛ للسنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" حيث نهى عن فعل ما يضر بالمسلم؛ لأن النفي هنا نهي والنهي مطلق، فيقتضي التحريم، وهو عام؛ لأن "ضرر وضرار" نكرة في سياق النفي وهي من صيغ العموم، فيشمل ما نحن فيه؛ إذ لو وجب عليه عتق رقبة مع أنه محتاج إليها، أو محتاج إلى ثمنها: ففي ذلك إلحاق ضرر عليه، وهذا محرم شرعًا، فيكون هذا الحديث في هذه الحالة مخصصًا لآية وجوب العتق؛ لأن ما استغرقته حاجة الإنسان: فهو كالمعدوم الذي لا يجده؛ كل ذلك لأجل رفع الضرر عن هذا المسلم.
[فرع]: إذا أمكنه أن يستدين مالًا يشتري به رقبة: فيجب عليه ذلك بشرط: أن يكون له مال غائب، أو مؤجَّل؛ للتلازم؛ حيث إنه قادر على عتق رقبة: فلزم ذلك ولا ينتقل إلى الصوم.
[فرع آخر]: إذا وُهبت له الرقبة، أو وهب له ثمنها: فلا يجب عليه قبول ذلك، ويحق له أن ينتقل إلى الصوم: للمصلحة: حيث إن ذلك فيه منّة عليه، وهو ضرر في حقه، فدفعًا لذلك شرع هذا الحكم.
(20)
مسألة: إذا أراد المظاهر، والقاتل خطأ، والمجامع في نهار رمضان، والحانث في يمينه أن يكفر بالعتق: فيشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} فاشترط الإيمان في الرقبة المعتقة في القتل الخطأ، الثانية: السنة القولية؛ حيث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية، وعليّ رقبة أفأعتقها؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أين الله؟ " فقالت: =
من عيب يضر بالعمل ضررًا بيّنًا)؛ لأن المقصود: تمليك الرقيق منافعه، وتمكينه من التصرف لنفسه، ولا يحصل هذا مع ما يضرّ بالعمل ضررًا بيّنًا (كالعمى، والشلل ليد، أو رجل، أو أقطعهما) أي: اليد والرجل (أو أقطع الإصبع الوسطى، أو السبابة، أو الإبهام، أو الأنملة من الإبهام) أو أنملتين من وسطى أو سبابة (أو أقطع الخنصر والبنصر) معًا (من يد واحدة)؛ لأن نفع اليد يزول بذلك، وكذا: أخرس لا تفهم إشارته (ولا يُجزئ مريض ميؤوس منه، ونحوه) كزمن ومقعد؛
في السماء، قال:"من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"اعتقها فإنها مؤمنة" فعلَّل الشارع جواز عتقها بالإيمان، فيلزم منه: عدم جواز إعتاق أي رقبة إلا إذا كانت مؤمنة، والسائل: لم يحدِّد نوع الكفارة التي عليه: هل هي كفارة مظاهرة، أو قتل، أو جماع في نهار رمضان، أو حنث في يمين فيكون هذا الشرط عامًا للجميع، الثالثة: القياس، بيانه كما أنه يُشترط الإيمان في الرقبة المعتقة في القتل الخطأ فكذلك يُشترط ذلك في سائر الكفارات، والجامع: أن كلًّا منها عتق في كفارة في الشرع الإسلامي، فلا تجزئ فيه الرقبة الكافرة، فإن قلتَ: لِمَ اشتُرط الإيمان هنا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن إعتاق الرقبة المؤمنة فيه جلب مصالح لهذا العبد المعتق، وللمسلمين؛ إذ فيه تفريغ المسلم لعبادة ربه، وتكميل أحكامه، وعبادته، وجهاده ومعونة المسلمين، فيُناسب ذلك ما قلناه؛ تحصيلًا لهذه المصالح، فإن قلتَ: لا يُشترط في الرقبة المعتقة أن تكون مؤمنة في كفارة الظهار؛ وهو قول الحنفية وكثير من العلماء، للكتاب؛ حيث قال تعالى في آية الظهار:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} فأطلق الله تعالى الرقبة هنا، فيُجزئ ما تناوله الإطلاق قلتُ: إن هذا المطلق يُحمل على المقيد الوارد في آية القتل - كما سبقت -، وإن لم تحمل عليه من جهة اللغة: فإن سائر الكفارات - ومنها كفارة الظهار - تقاس على كفارة القتل كما سبق بيانه، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في حمل المطلق على المقيد في الآيتين".
لأنهما لا يمكنهما العمل في أكثر الصنائع، وكذا: مغصوب
(21)
(ولا) تجزئ (أمُّ ولد)؛ لأن عتقها مستحق بسبب آخر
(22)
(ويجزئ المدبَّر)
(23)
، والمكاتب إذا لم يؤد شيئًا
(24)
(وولد الزنا، والأحمق، والمرهون، والجاني) والصغير، والأعرج يسيرًا
(21)
مسألة: يُشترط في الرقبة التي يُراد عتقها - في كفارة الظهار - أن تكون سليمة من أيِّ عيبٍ يضرُّ بالعمل ضررًا بيِّنًا، فإن كان بالعبد أو الأمة ضرر يضرّ بعمله ضررًا بيِّنًا وواضحًا: كأن يكون أعمى، أو أشلَّ اليد، أو الرجل، أو رجله أو يده قد قُطعا، أو كان أحد أصابع اليد مقطوعًا، أو البنصر والخنصر مقطوعين أو أنملة، أو أنملتين من أصبع الوسطى، أو السبابة، أو الإبهام قد أصابه القطع، وذلك من يد واحدة أو كان أخرسًا لا تفهم إشارته، أو كان مريضًا مرضًا لا يُرجى برؤه كزمن ومقعد، أو كان ذلك العبد الذي يريد أن يعتقه لكفارة ظهاره مغصوبًا بيد غاصبه، أو هو قد غصبه: فإن العتق لا يُجزئ؛ للتلازم؛ حيث إن المقصود من عتق الرقبة هو: تمليك العبد منافعه، وتمكينه من التصرُّف لنفسه، ولا يحصل هذا إذا كان فيه شيء يضرّ بالعمل ضررًا واضحًا - كالحالات التي ذكرناها - فلزم اشتراطه لجلب المصلحة للعبد، ودفع المفسدة عنه.
(22)
مسألة: لا يُجزئ أن يعتق أمَّ ولده - كفارة لظهاره - ولا يُجزئ أن يعتق ذا رحم محرم استولى عليه؛ للتلازم؛ حيث إن عتق هذين مستحق وكائن شرعًا بسبب آخر، وهو: إيلاء السيد لأم الولد، "وأن من ملك ذا محرم عتق عليه" - كما وردت هذه القاعدة الشرعية فيلزم: عدم إجزائهما في ذلك.
(23)
مسألة: يجزئ أن يُعتق - كفارةً للظهار - المدبَّر - وهو: من قال له سيده: "أنت حر في آخر يوم من حياتي، أو بعد مماتي" -؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونه عبدًا كامل المنفعة، لم يحصل عن شيء منه عوض: إجزاؤه في الكفارة، وفي ذلك مصلحة عاجلة له.
(24)
مسألة: يُجزئ أن يُعتَق - كفارةً للظهار - المكاتَب - وهو: من اشترى نفسه من =
(والأمة الحامل، ولو استثني حملها)؛ لأن ما في هؤلاء من النقص لا يضرّ بالعمل
(25)
.
(فصل): (يجب التتابع في الصوم)؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} ، وينقطع بصوم غير رمضان، ويقع عمّا نواه
(26)
(فإن تخلَّله رمضان): لم
سيده على دفعات - بشرط: أن لا يكون قد دفع شيئًا من ثمنه لسيده، أما إذا دفع شيئًا من ثمنه: فلا يجزئ عتقه؛ للقياس، وهو من وجهين: أولهما: كما أن المدبَّر يُجزئ إعتاقه هنا، فكذلك المكاتب الذي لم يدفع شيئًا من ثمنه مثله والجامع: أنه في كل منهما قد أعتق رقبة كاملة مؤمنة سالمة، تامة الملك لم يحصل عن شيء منها عوض، ثانيهما: كما أنه لو أعتق بعض العبد: فإنه لا يجوز أن يعتق باقيه - كفارةً - فكذلك لا يجوز أن يعتق المكاتب الذي دفع شيئًا من ثمنه كفارة - والجامع: أنه في كل منهما قد أدَّى شيئًا قد حصل العوض عن بعضه.
(25)
مسألة: يجزئ أن يُعتَق - كفارة للظهار -: العبد الذي حصل من الزنا، ويجزئ عتق العبد الأحمق - وهو غير المستقيم في تصرفاته - ويجزئ عتق العبد المرهون، والعبد الجاني على غيره، ويجزئ عتق العبد الصغير، والعبد الأعرج، والعبد الأعور، والأمة الحامل: سواء استثني حملها من العتق أو لا، والمزوجة كذلك؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه يجزئ عتق العبد السالم من العيوب، فكذلك يجزئ عتق هذا العبد الذي فيه إحدى تلك الصفات والجامع: أن النقص الموجود لا يؤثر في العمل، ولا يضرّ به ضررًا بيّنًا فلا تمنع تمليك السيد العبد منافعه، وتكميل أحكامه. تنبيه: ما قيل في العبد في المسائل السابقة يقال تمامًا في الأمة؛ لعدم الفارق.
(26)
مسألة: يُشترط في الصوم - لكفارة الظهار -: أن يكون متتابعًا في جميع الشهرين: بأن يكون يوميًا، أي: يوالي بين الأيام الستين، فلو صام ثمان وخمسين يومًا، ثم فطر اليوم التاسع والخمسين بدون عذر - سيأتي بيانه في مسألة (27) - فإنه يُعيد =
ينقطع التتابع (أو) تخلَّله (فطر يجب كعيد، وأيام تشريق، وحيض) ونفاس (وجنون، ومرض مخوف، ونحوه) كإغماء جميع اليوم: لم ينقطع التتابع (أو أفطر ناسيًا، أو مكرهًا، أو لعذر يبيح الفطر) كسفر: (لم ينقطع) التتابع؛ لأنه فطر لسبب لا يتعلَّق باختيارهما
(27)
، ويُشترط في المسكين المطعَم من الكفارة: أن يكون مسلمًا حرًا، ولو
الستين يومًا من جديد: وهذا يستوي فيه الحر والعبد؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} فاشتُرط التتابع في الصوم، هذا منطوقه، ودلَّ مفهوم الصفة من قوله:{مُتَتَابِعَيْنِ} على أنه لو قطع الصيام يومًا واحدًا بدون عذر: فإنه يجب أن يستأنف الصوم من جديد، وهذه الآية عامة للحر والعبد ممن وجبت عليه كفارة ظهار؛ لأن "مَنْ" الشرطية من قوله {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} من صيغ العموم.
[فرع]: إذا صام هذا: فإنه يقع عما نواه من صوم قضاء، أو كفارة أو نذر، أو تطوع أو غير ذلك؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون هذا الزمان الذي صامه لم يتعيَّن لكفارة ولا لغيرها: أن يرتبط بنيته فيه: فإن نواه أنه كفارة ظهار: أجزأه، وإن نواه أنه كفارة قتل: أجزأه وهكذا؛ لعموم قوله عليه السلام: "إنما الأعمال بالنيات" فإن قلتَ: لِمَ اشتُرط التتابع في الصوم؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه تغليظ على من فعل الظهار؛ حتى لا يعود لمثله؛ لما فيه من الظلم للمرأة.
(27)
مسألة: إذا قطع صيام كفارة الظهار - وهو ستون يومًا متتابعة - لعذر شرعي: كأن يتخلَّله صوم رمضان: بأن يصوم شعبان، ثم يدخل رمضان عليه، فيصومه،: فإنه يصوم شوال استكمالًا لشعبان - فيكمل له شهران، أو تُخلَّل صيامه لكفارة: فطر ليوم عيد، أو أيام التشريق، أو تخلَّل صيامها فطر لحيض، ونفاس، أو تخلَّله فطر بسبب جنون، أو مرض مخوف، أو أُغمي عليه طوال يوم، أو أفطر ناسيًا، أو مكرهًا، أو مخطئًا، أو جاهلًا بوجوب التتابع، أو أفطر =
أنثى
(28)
(ويجزئ التكفير بما يجزئ في فطرة فقط) من بر، وشعير، وتمر، وزبيب، وأقط، ولا يجزئ غيرها ولو قوت بلده
(29)
(ولا يجزئ) في إطعام كل مسكين (من
لسفر، أو أفطرت الحمل، أو رضاع: فإن التتابع لا ينقطع، ويبني على ما مضى في جميع الحالات السابقة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون زمن رمضان لا يصام فيه إلا رمضان: أنه إذا صام رمضان لا يقطع صيامه للكفارة، ويلزم من إفطاره في تلك الحالات لأسباب لا تتعلَّق باختيار المظاهر والمظاهَر منها - إذا مكّنته من الوطء -: أن لا ينقطع التتابع؛ لوجود العذر الشرعي الذي لم يكن من فعلهما كما لو أفطر في نهار رمضان.
(28)
مسألة: يشترط في المسكين الذي يُطعم - في كفارة الظهار -: أن يكون مسلمًا حرًا: سواء كان ذكرًا أو أنثى صغيرًا أو كبيرًا، ويدخل في المساكين الفقراء، فلا يجوز دفعها إلى كافر، أو إلى عبد؛ للقياس؛ بيانه: كما يُشترط ذلك في الزكاة فكذلك يُشترط في الإطعام - كفارة للظهار - والجامع: أن هذا المدفوع سبب للطاعة وتكفير للذنب، فلا يصح إلا للمسلم الحر؛ للانتفاع به.
(29)
مسألة: يُجزئ في الإطعام - في الكفارة - من جميع الحبوب التي هي قوت البلد، أو كان أغلب قوت البلد منه: سواء كان من بر، أو شعير، أو تمر، أو زبيب، أو أقط، أو أرز أو غيرها؛ للقياس؛ بيانه: كما أن ذلك يجزئ في زكاة الفطر بل هو الأفضل - كما سبق في مسألة (28) من باب "زكاة الفطر" من كتاب "الزكاة" - فكذلك يجزئ هنا والجامع: أن ما يقتاته غالب الناس يحقق استطعام المسكين والفقير منه بيسر وسهولة، ويسهل بيعه إن احتاج الفقير أو المسكين، فإن قلتَ: لا يجزئ في التكفير إلا الطعام الذي هو من بر، أو شعير، أو تمر، أو زبيب، أو أقط: سواء كان من قوت البلد أو لا، وهو ما ذكره المصنف هنا، للمصلحة: حيث إن ذلك أنفع للفقراء والمساكين قلتُ: لا نسلَّم أن ذلك أنفع للفقراء والمساكين، بل الأنفع لهم ما ذكرناه من غالب قوت البلد، فإن قلتَ: ما سبب =
البر أقل من مد، ولا من غيره) كالتمر، والشعير (أقل من مدَّين
(30)
لكل واحد ممن يجوز دفع الزكاة إليهم)؛ لحاجتهم كالفقير، والمسكين، وابن السبيل، والغارم؛ لمصلحته، ولو صغيرًا لم يأكل الطعام، و"المد": رطل وثلث بالعراقي، وتقدم بالغُسْل
(31)
(وإن غدَّى المساكين، أو عشَّاهم: لم يجزئه) لعدم تمليكهم ذلك الطعام، بخلاف ما لو نذر إطعامهم
(32)
، .................................
الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض المصلحتين".
(30)
مسألة: مقدار ما يُعطى كل مسكين أو فقير: هو مدٌّ من بر - وهو ربع صاع -، ومدَّان من غير البر - وهو نصف صاع - من شعير، أو تمر، أو زبيب، أو أقط، أو أرز، ولا يجزئ أقل من ربع صاع بر، أو أقل من نصف صاع من غيره؛ لقول الصحابي؛ حيث إن ذلك هو ما ثبت عن ابن عباس، وابن عمر، وقد سبق بيانه في الزكاة.
(31)
مسألة: الذي يُعطى في الإطعام - في كفارة الظهار - هو: المسكين، والفقير، والغارم لمصلحة نفسه كالمديون؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} والفقير كالمسكين في ذلك؛ لعدم الفارق، الثانية: المصلحة؛ حيث إن إعطاء الغارم لمصلحة نفسه فيه سد لحاجته، وإطعام لعياله. تنبيه: مقاييس المد في عصر المصنف هو عام (1051 هـ) قد سبق بيانها في مسألة (40) من باب "الغسل" من كتاب "الطهارة".
(32)
مسألة: يجزئ في الإطعام إعطاؤهم الطعام، أو يجمع ستين منهم ويغديهم، أو يعشيهم، أو يفعل ذلك بهم متفرقين؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} حيث إن الشارع قد أمر بالإطعام، لكنه لم يبين الطريقة ولم يقيدها بشيء، فيحصل الإطعام بأي طريقة أرادها المظاهر مما يناسبه الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الشخص لو نذر بأن يُطعم ستين مسكينًا: فإنه يكون قد أوفى بنذره إذا أعطاهم الطعام أو غدَّاهم أو عشَّاهم والجامع: أنه فعل ما أمر =
ولا يجزئ الخبز
(33)
، ولا القيمة
(34)
، وسُنَّ إخراج أُدم مع مجزئ
(35)
(وتجب النية في التكفير من صوم وغيره) فلا يجزئ عتق، ولا صوم، ولا إطعام بلا نيّة؛ لحديث:"إنما الأعمال بالنيات"، ويعتبر تبييت نية الصوم، وتعيينها جهة الكفارة
(36)
(وإن
الله به في كل، فإن قلتَ: لا يُجزئ في الإطعام جمع الستين ثم يغدِّيهم أو يُعشِّيهم؛ للتلازم؛ حيث إن عدم تمليكهم الطعام يلزم منه عدم الإجزاء في الكفارة، قلتُ: إنهم إذا أُعطوا إياه لأكله: فإنهم يكونون قد ملكوه؛ لأن المسلم لا يأكل إلّا ما يملكه فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في التمكين من الأكل هل هو تمليك أو لا؟ " فعندنا: نعم، وعندهم: لا.
(33)
مسألة: إن أطعم المظاهر الستين المسكين خبزًا: فإنه يجزئ إذا كان قدر الواجب - كما سبق بيانه في مسألة (30)، للكتاب؛ حيث قال تعالى:{فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} وهذا يطلق عليه أنه إطعام، فإن قلتَ: لا يجزئ ذلك، وهو ما قاله المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من أن الخبز ليس بطعام كامل، إذ يحتاج إلى غيره: فلا يصدق عليه أنه طعام، فلا يجزئ قلتُ: بل يصدق عليه أنه طعام، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في الخبز هل يُطلق عليه أنه طعام أو لا؟ " فعندنا: نعم، وعندهم: لا.
(34)
مسألة: لا يجزئ إخراج قيمة الطعام - في كفارة الظهار -؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} حيث يلزم من لفظ "الطعام": اشتراط شراء الطعام من قبل المظاهر، وإطعامه للمساكين والفقراء، وإخراج القيمة ليس بإطعام فلا يُجزئ إخراج القيمة لدلالة مفهوم الصفة على ذلك.
(35)
مسألة: يُستحب للمظاهر: أن يجعل مع الطعام المجزئ بعض الأدام من لحم وسمن ونحوه؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه استكمال للطعام، ونفعه لذلك الفقير، أو المسكين بحيث يغنيه عن غيره.
(36)
مسألة: يُشترط لصحة التكفير بعتق، أو صوم، أو إطعام: أن ينوي أن ذلك =
أصاب المظاهر منها) في أثناء الصوم (ليلًا أو نهارًا)
(37)
ولو ناسيًا
(38)
، أو مع عذر يبيح الفطر:(انقطع التتابع)؛ لقوله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ
كفارة للظهار، ويبيت نية الصوم من الليل - كما في صوم رمضان - ويُعيِّن أنها لجهة كفارة الظهار؛ للسنة القولية: حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" حيث إن هذا عام؛ إذ "الأعمال" جمع معرَّف بأل وهو من صيغ العموم، والتكفير عمل فيدخل تحت هذا العموم، فحصر الأعمال الصحيحة شرعًا باشتراط النية، ودل مفهوم الحصر هنا على أن أي عمل لا يُنوى به شيء: فلا صحة له شرعًا.
(37)
مسألة: لا يجوز وطء المظاهر للمظاهر منها إلّا بعد انتهاء أيام الشهرين المتتابعين، فإن وطئها في أثناء الصوم عامدًا - أي: قبل انتهاء الشهرين -: فقد انقطع التتابع، ويجب عليه استئناف الصوم، والابتداء بها من الأول: سواء كان هذا الوطء في الليل أو النهار؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} فأمر الله تعالى بالكفارة قبل الوطء، وإذا وطئ في أثناء الصوم عامدًا فهو لم يأتِ بما أمر الله به، فلم يصح ما فعله، فيلزم من ذلك وجوب استئناف الصوم.
(38)
مسألة: إذا وطئ المظاهر المظاهر منها - في أثناء صوم الكفارة - ناسيًا، أو مكرهًا، أو مخطئًا - وهو لم يستكمل الشهرين المتتابعين: فلا ينقطع التتابع بل يواصل الصوم، وكأن شيئًا لم يكن: سواء كان الوطء ليلًا أو نهارًا؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام: "عفي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه" فكل ما وقع عن طريق الخطأ، أو النسيان أو الإكراه فهو معفو عنه فيما يتعلَّق بحقوق الله تعالى في جميع الفروع الفقهية؛ لأن "الخطأ والنسيان" اسم جنس معرف بأل، و"ما" الموصولة من صيغ العموم، فيشمل ما نحن فيه، فيكون معذورًا بذلك، فإن قلتَ: إنه ينقطع هنا، وهو ما ذكره المصنف هنا قلتُ: هذا مخالف لدلالة الحديث الظاهرة.
يَتَمَاسَّا}
(39)
(وإن أصاب غيرها) أي: غير المظاهر منها (ليلًا)، أو ناسيًا، أو مع عذر يبيح الفطر:(لم ينقطع) التتابع بذلك؛ لأنه غير محرم عليه، ولا هو محل التتابع
(40)
، ولا يضر وطء مظاهر منها في أثناء إطعام مع تحريمه
(41)
.
(39)
مسألة: إذا وُجد عذر يبيح الفطر - أثناء صوم الكفارة - كأن يتخلَّله شهر رمضان، أو فطر يوم عيد ونحو ذلك - من الأعذار السابق ذكرها في مسألة (27) - ثم أفطر، ثم وطأ وجامع زوجته في وقت الفطر: فإن التتابع ينقطع، فيجب عليه أن يستأنف الصوم ابتداءً: سواء كان الوطء ليلًا أو نهارًا؛ للكتاب؛ وقد سبق ذكر ذلك في مسألة (37).
(40)
مسألة: إذا كان له زوجتان - زينب وفاطمة - فظاهر من زينب: فلا يجوز له أن يطأ المظاهر منها - وهي زينب - ليلًا، ولا نهارًا قبل استكمال الشهرين المتتابعين، أما فاطمة فيجوز أن يطأها متى شاء: ليلًا، أو نهارًا، عامدًا، أو مخطئًا، ذاكرًا أو ناسيًا، مختارًا أو مكرهًا، سواء في أثناء صومه للكفارة أو بعدها أو قبلها؛ مع عذر يبيح الفطر أو لا، وإذا وطأها - أعني فاطمة - فلا ينقطع التتابع المشروط في الصوم؛ للتلازم؛ حيث إن غير المظاهر منها - وهي هنا فاطمة - ليست محل للكفارة، والتتابع فيلزم: جواز وطئها مطلقًا.
(41)
مسألة: لا يجوز للمظاهر أن يطأ المظاهر منها حتى يستكمل الكفارة من إطعام، أو عتق رقبة، وإذا وطأ قبل استكمال الإطعام، والعتق: فإنه يستأنف من جديد، ويُعيد فعل الكفارة، وهو قول مالك؛ للقياس؛ بيانه: كما أن ذلك قد اشترط في الصوم - كما سبق في مسألة (37) - فكذلك يكون في الإطعام والعتق، والجامع: أنه في كل قد وطئ في أثناء الكفارة، فوجب الاستئناف والآية أمرت باستكمال الكفارة قبل أن يتماسا، فإن قلتَ: يحرم الوطء قبل استكمال الكفارة بالإطعام والعتق، وإذا فعل ذلك كأن يُطعم ثلاثين مسكينًا، أو يُعتق نصف عبد، ثم يطأ ثم يكمل الستين مسكينًا، أو يكمل النصف الآخر فيُعتقه: لم يلزمه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إعادة ما مضى وهو قول الجمهور؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم اشتراط التتابع في الإطعام والعتق: عدم وجوب إعادة ما مضى فيهما إذا وطئ أثناء فعلهما. قلتُ: إن الشارع قد أمر باستكمال فعل الكفارة قبل أن يتماسا، فلو تماسا - وهو الوطء - قبل استكمالها: لم يقع المأمور به على ما هو عليه، فلا يقع موقعه على ما أراده الشارع، فوجب إعادة ما مضى كما لو فعل في الصلاة شيئًا على غير ما أمر الله به فيجب عليه أن يعيدها وهكذا، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازم مع ظاهر الآية والقياس".
هذه آخر مسائل كتاب: "الظهار" ويليه كتاب: "اللِّعان".
كتاب اللِّعان
مشتق من "اللعن"؛ لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذبًا، وهو: شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين مقرونة بلعن وغضب
(1)
و (يشترط في صحته: أن يكون بين زوجين) مكلَّفين؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فمن قذف أجنبية حدّ ولا لعان (ومن عرف العربية: لم يصح لعانه بغيرها)؛ لمخالفته للنص (وإن جهلها) أي: العربية: (فبلغته) أي: لاعن بلغته، ولم يلزمه تعلُّمها (فإذا قذف امرأته بالزنا) في قبل أو دبر، ولو في طهر وطئ فيه:(فله إسقاط الحد) إن كانت محصنة، والتعزير، إن كانت غير محصنة (باللعان)؛ لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الآيات (فيقول) الزوج (قبلها) أي: قبل الزوجة (أربع مرات: أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه، ويشير إليها) إن كانت حاضرة (ومع غيبتها يسميها وينسبها) بما تتميز به (و) يزيد (في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقول هي أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني
كتاب اللِّعان
وفيه ثنتان وعشرون مسألة:
(1)
مسألة: اللعان لغة مشتق من اللَّعن، تقول:"لاعن""يلاعن": لعانًا، واللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وهو اصطلاحًا:"أن يقذف الزوج زوجته بالزنا فتكذِّبه، فيشهد كل واحد منهما بشهادات - مؤكَّدات بأيمان مقرونة بلعن في الخامسة من قبل الزوج إن كان كاذبًا، ومقرونة بالغضب في الخامسة من قبل الزوجة إن كان صادقًا، وبهذا يسلم الزوج من حد القذف، أو التعزير، وإلحاق الولد به وتسلم الزوجة من حد الزنا" وهو المقصد من مشروعية اللعان، فإن قلتَ: لِمَ سمي باللعان؟ قلتُ: لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه إن كان كاذبًا - وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله -.
به من الزنا، ثم تقول في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين)
(2)
،
(2)
مسألة: يشترط لصحة اللِّعان ستة شروط: أولها: أن يكون بين زوجين مكلَّفين - أي: كل واحد منهما عاقل بالغ -: سواء كانا حرين، أو عبدين، صالحين أو فاسقين، مسلمين أو كافرين ذميين، أو أحدهما كذلك، ثانيها: أن يقذفها بالزنا في قبل أو دبر، ثالثها: أن تكذِّبه، ويكون هذا التكذيب مستمرًا إلى انقضاء وقت اللعان، رابعها: أن يبدأ الزوج باللعان: فيشهد أربع مرات باللغة العربية قائلًا: "أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه" ويشير إليها، إن كانت حاضرة في المجلس، وإن كانت غائبة يقول:"أشهد بالله لقد زنت زوجتي فلانة بنت فلان" ويذكر ما تميّز به إن احتيج إلى ذلك، ثم يقول في الخامسة:"أن لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين"، خامسها: أن تقول الزوجة المتهمة بالزنا - بعد شهادات زوجها - أربع مرات باللغة العربية: "أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به فلان من الزنا" ثم تقول في الخامسة: "أن غضب الله علي إن كان من الصادقين" سادسها: أن يكون ذلك اللعان بحضرة الحاكم أو نائبه، وأن يقول كل واحد منهما من الزوجين شهاداته بعد إلقاء الإمام عليه؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} حيث حصر اللعان فيما إذا قذف الزوج زوجته بالزنا، ويدل قوله:{أَزْوَاجَهُمْ} بمفهوم الصفة على أن الرجل لو قذف أجنبية عنه بالزنا: لما شرع اللعان هنا، بل المشروع حد القذف، وهذا عام في جميع من قذف زوجته: سواء كان حرًا أو عبدًا، أو غير ذلك، وباقي الآيات دالّة على تلك الشروط بالمنطوق أو المفهوم، الثانية: السنة القولية؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أمر هلال بن أمية أن يستدعي زوجته إليه، ولاعن بينهما الثالثة: القياس؛ بيانه: كما أن الحاكم هو الذي يأمر بالحلف واليمين في سائر الدعاوى ويأمر من عنده بذلك، فكذلك الحال هنا والجامع: أنه يمين في دعوى فاعتبر فيه أمر الحاكم، فإن قلتَ: لِمَ قدم قول الزوج هنا؟ قلتُ: لأن قوله أرجح من قول الزوجة لما فيه من إتلاف فراشه ورمي زوجته بالفاحشة، وفضيحته.
[فرع]: لا يصح اللعان إلّا باللغة العربية لمن عرفها أما إن كان لا يعرفها: فإنه يلاعن بلغته، ولا يلزمه تعلُّمها؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لا تصح أركان النكاح من إيجاب وقبول إلا بتلك اللغة، وإذا لم يعرفها: فيصح نكاحه بلغته فكذلك الحال هنا، والجامع: أن الأصل في الشرع هو: التعبير باللغة العربية في مصطلحاتها، ومن لا يعرفها فلا يكلَّف تعلُّمها من باب قوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله عليه السلام: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
[فرع ثان]: إذا تمَّ اللعان بشروطه وصفته السابقة: فإنه يُسقط عن الزوج حد القذف - وهو جلده ثمانين جلدة - إن كانت عفيفة، ويسقط تعزيره إن كانت غير عفيفة، ولا يلحقه ولده إن كانت حاملًا من ذلك الزنا ويسقط حد الزنا عن الزوجة؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} حيث بينت الآية بمنطوقها: أن الذين يقذفون زوجاتهم بالزنا ولم يكن لهم شهداء غير أنفسهم فلهم أن يُعلنوا قذفهم لنسائهم بالزنا - لنفي الولد - ولا حدّ عليهم حدّ القذف، ولا حدّ على المقذوفة بالزنا: حدّ الزنا، وسبب ذلك مشروعية اللعان.
[فرع ثالث]: إذا نكلت الزوجة، ولم تكذِّب زوجها فيما رماها به من الزنا: فإنه يحكم بحدِّها فترجم؛ للتلازم؛ حيث يلزم من أيمان الزوج ونكولها: أن =
وسن تلاعنهما قيامًا
(3)
بحضرة جماعة أربعة فأكثر
(4)
، بوقت، ومكان معظَّمين
(5)
، وأن يأمر حاكم من يضع يده على فم زوج وزوجة عند الخامسة، ويقول: اتق الله فإنها الموجبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة
(6)
(فإن بدأت) الزوجة (باللعان
تُرجم؛ لثبوت الزنا عليها؛ لأن ذلك يعتبر بيّنة قوية عليها لا معارض لها.
(3)
مسألة: يستحب أن يتلاعن الزوجان في حال قيامهما؛ للسنة القولية: حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية - لما اتهم زوجته بالزنا، وأراد الملاعنة -:"قم فاشهد أربع شهادات" فإن قلتَ: لِمَ استحب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك أبلغ في الردع والزجر وقول الصدق.
(4)
مسألة: يستحب أن يحضر اللعان جماعة من المسلمين لا ينقصوا عن أربعة؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من كون بيّنة الزنا التي شرع اللعان من أجل الرمي به أربعة: استحباب حضور أربعة فما فوق، الثانية: المصلحة؛ حيث إن ذلك فيه تغليظ وردع وزجر، وفعل ذلك في الجماعة أبلغ.
(5)
مسألة: يستحب أن تقع الملاعنة بين الزوجين في وقت معظَّم، كبعد عصر يوم الجمعة، أو دبر أي صلاة مباشرة، وأن تقع في مكان معظَّم كأن يوقفهما بين الركن والمقام في مكة، أو عند الصخرة ببيت المقدس، أو عند المنبر في سائر المساجد، وتقف المرأة الحائض المتهمة بالزنا والملاعنة عند باب المسجد؛ للمصلحة: حيث إن ذلك أبلغ في الردع والزجر.
(6)
مسألة: يُستحب للإمام أو نائبه أن يأمر رجلًا يضع يده على فم الزوج الملاعن، ويأمر امرأة تضع يدها على فم الزوجة الملاعنة، فيقول كل من الرجل والمرأة للمتلاعنين: قبل الخامسة: "اتّق الله فإن اللعن، والغضب هما الموجبتان لعذاب الله، وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة" يُقال ذلك لكل واحد منهما؛ للسنة الفعلية؛ حيث إنه عليه السلام قد فعل ذلك لما تلاعن عنده هلال بن أمية وامرأته، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه تخويف لعلهما =
قبله) أي: قبل الزوج: لم يصح (أو نقص أحدهما شيئًا من الألفاظ) أي: الجمل (الخمسة): لم يصح (أو لم يحضرهما حاكم أو نائبه) عند التلاعن: لم يصح (أو أبدل) أحدهما (لفظة: أشهد بأقسم أو أحلف): لم يصح (أو) أبدل الزوج (لفظة اللعنة بالإبعاد) أو الغضب، ونحوه: لم يصح (أو) أبدلت لفظة (الغضب بالسخط: لم يصح) اللعان؛ لمخالفته النص، وكذا: إن علَّق بشرط، أو عدمت موالاة الكلمات
(7)
.
(فصل): (وإن قذف زوجته الصغيرة، أو المجنونة بالزنا: عُزِّر، ولا لعان)؛ لأنه يمين، فلا يصح من غير مكلَّف
(8)
(ومن شرطه قذفها) أي: الزوجة (بالزنا لفظًا) قبله
يتوبان أو أحدهما فلا يقدمان على قولهما ذلك.
(7)
مسألة: لا يصح اللعان في حالات عشر: "أولها: إذا بدأت الزوجة باللعان قبل الزوج، ثانيها: إذا نقص أحد الزوجين شيئًا من ألفاظ وجمل اللعان الخمسة، ثالثها: إذا لم يحضرهما حاكم أو نائبه عند تلاعنهما، رابعها: إذا أتى به أحد الزوجين قبل إلقائه عليه من الإمام أو نائبه، خامسها: إذا أبدل أحد الزوجين لفظ "أشهد" بلفظ "أقسم" أو بلفظ: "احلف" سادسها: إذا أبدل الزوج لفظ "اللعنة" بلفظ "الإبعاد"، أو بلفظ "الغضب" ونحو ذلك سابعها: إذا قدَّم اللعنة قبل الخامسة، ثامنها: إذا أبدلت الزوجة لفظ "الغضب" بلفظ "السخط" تاسعها: إذا علَّق الزوج اللعان على شرط كأن يقول: "لقد زنت زوجتي هذه إن صدقني فلان" عاشرها: إذا لم توجد الموالاة بين ألفاظ وجمل وكلمات اللعان: بأن فرق أحدهما بين ألفاظ اللعان؛ للتلازم؛ حيث إن هذه الحالات العشر مخالفة لما ورد من آيات اللعان، وما ورد من وقعة لعان هلال بن أمية لامرأته بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم: فيلزم عدم صحة اللعان في تلك الحالات، أي: لو تدبَّرت القرآن والسنة: لوجدت أن تلك الحالات لا تصح.
(8)
مسألة: إذا قذف زوج زوجته الصغيرة - وهي التي دون تسع سنوات - أو المجنونة بالزنا: فإنه يُعزَّر ويعاقب بما يراه الإمام مناسبًا، ولا يصح اللعان هنا؛ للتلازم؛ =
(كـ) قوله: (زنيتِ، أو يا زانية، أو رأيتكِ تزنين في قُبُل، أو دُبُر)؛ لأن كلًّا منهما قذف يجب به الحد
(9)
، ولا فرق بين الأعمى، والبصير؛ لعموم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية
(10)
(فإن قال) لزوجته (وطئت بشبهة أو) وطئت (مكرهة، أو
حيث إن اللعان يمين؛ لقوله عليه السلام لامرأة هلال بن أمية لما ولدت ولدًا شبيهًا بالزاني -: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" والأيمان لا تكون إلا من مكلَّف - بالغ عاقل - فيلزم عدم صحتها من صغيرة، أو مجنونة.
(9)
مسألة: يُشترط في صحة اللعان: أن يقذف زوجته بلفظ الزنا قبل اللعان كقوله لها: "إنكِ قد زنيتِ" أو يقول لها: "يا زانية" أو يقول: "رأيتكِ تزنين": سواء رأى أنه يفعل بها في قبلها، أو دُبُرها فإن لم يقذفها لفظًا: فلا لعان؛ للتلازم؛ حيث إن ذلك قذف يجب به حدّه فيلزم صحة اللعان؛ درءًا لحد القذف عنه، ويلزم من عدم قذفها بلفظ الزنا: عدم اللعان؛ لعدم وجوب حد القذف عليه.
(10)
مسألة: إذا قذف زوج زوجته بالزنا: فيُشرع اللِّعان: سواء كان ذلك الزوج أعمى أو بصيرًا، وسواء كان أصمًا، أو سميعًا؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} وهذا الأعمى، والأصم رام لزوجته بالزنا فيدخل في عموم هذه الآية؛ لأن "الذين" اسم موصول وهو من صيغ العموم، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن البيِّنة تقبل من الأعمى والأصم كالبصير والسميع، فكذلك يُقبل منه قذف زوجته بالزنا، والجامع: أنه في كل منهما يتخلَّص من التهم بالكذب، والقذف، فإن قلتَ: لا يكون اللعان في حق الأعمى، إذا لم يوجد حمل ينكر - أنه منه وهو قول مالك؛ للتلازم؛ حيث إن كون آيات اللعان قد نزلت بهلال بن أمية وهو قد أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا:"قد رأيتُ بعيني، وسمعتُ بأذني" - يقصد أنه رأى زوجته مع من زنى بها، وسمع بأذنه قولهما عند الزنا - يُقصر اللعان على مثل ذلك، أي: مثل هلال بن أمية: بأن يكون بصيرًا، فيلزم: عدم صحة اللعان من الأعمى؛ لأن العبرة بخصوص =
نائمة، أو قال: لم تزن، ولكن ليس هذا الولد مني، فشهدت امرأة ثقة أنه وُلد على فراشه: لحقه نسبه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش"(ولا لعان) بينهما؛ لأنه لم يقذفها بما يوجد الحد، ومن شرطه: أن تكذبه الزوجة
(11)
(وإذ تمّ) اللعان: (سقط عنه) أي: عن الزوج (الحد) إن كانت محصنة (والتعزير) إن كانت غير محصنة (وثبتت الفرقة بينهما) أي: بين الزوجين بتمام اللعان (بتحريم مؤبَّد) ولو لم يفرق الحاكم بينهما، أو أكذب نفسه بعد، وينتفي الولد إن ذكر في اللعان صريحًا، أو تضمُّنًا بشرط: أن لا يتقدمه إقرار به، أو بما يدل عليه: كما لو هنئ به فسكت أو أمَّن على الدعاء، أو أخَّر نفيه مع إمكانه
(12)
، ومتى أكذب نفسه بعد ذلك: لحقه نسبه،
السبب لا بعموم اللفظ قلتُ: لا نسلِّم ذلك، بل العبرة بعموم اللفظ - وهو لفظ آية اللعان - لا بخصوص السبب، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟ " فعندنا: الأول، وعندهم: الثاني.
(11)
مسألة: إذا لم يقذف الزوج زوجته بلفظ "الزنا" بأن قال: "وطئت بشبهة" أو قال: "وطئت مكرهة" أو قال: "وطئت نائمة" أو قال: "لم تزن ولكن هذا الولد ليس مني" أو قال: "لم أقذفها، ولكن ليس هذا الولد مني"،: فلا لعان بينهما، وإن كان بينهما ولد: فإنه يُنسب إليه، ولا يجوز نفيه بشرطين: أولهما: أن تكذبه الزوجة فيما قاله، ثانيهما: أن تشهد امرأة ثقة أن هذا الولد قد ولد على فراشه؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" حيث أثبت أن الولد تابع لمن كان له الفراش، ولمن كانت تلك المرأة المتهمة زوجة له، ونفاه عن الزاني وهو العاهر، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من عدم قذفه لها بالزنا: عدم صحة اللعان، ويلزم من شهادة امرأة ثقة، وتكذيبها له: ثبوت نسب الولد له.
(12)
مسألة: إذا تمّ اللعان بين الزوجين بالشروط والمواصفات السابقة - كما سبق في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مسألة (2) -: فإنه تثبت الأحكام التالية: أولها: أن حدَّ القذف يسقط عن الزوج إن كانت محصنة عفيفة، ويسقط التعزير عنه إن كانت غير ذلك، ثانيها: أنه يُفرَّق بينهما بتحريم مؤبَّد، ولا يحتاج إلى طلاق، ولا فسخ، وهذه الفرقة تقع بنفس اللعان، وهذا ثابت سواء فرّق الحاكم بينهما أو لا، وسواء كذَّب الزوج نفسه بعد فراغ اللعان أو لا، ثالثها: انتفاء الولد، وعدم نسبته إلى الزوج إن ذكر في اللعان صريحًا كأن يقول:"أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه، أو فلانة وما هذا ولدي" وتقول هي: "أشهد بالله لقد كذب، وهذا الولد ولده"، أو تضمَّن كلامه أنه ولده كأن يقول:"أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه، أو فلانة في طهر لم أجامعها فيه واعتزلتها حتى ولدت" فهنا ينتفي بشرط: أن لا يتقدَّم اللعان إقرار بالمنفي، أو إقرار بما يدل على الإقرار به مثل: أن ينفيه ويسكت عن المولود معه ولادة توأم، أو هُنِّي بولادته فسكت كأن قيل له:"مبروك الولد" فسكت أو قال: "آمين" لما دُعي له كأن يقول له شخص: "رزقك الله مثله" فيقول: "آمين" أو أخَّر نفيه بلا عذر: فإن تقدم اللعان إقرار به أو إقرار بما يدل على الإقرار به، أو أخَّر نفيه بلا عذر مع إمكانه فلا ينتفي، ولو نفاه؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: أن هلال بن أمية لما قال للنبي عليه السلام: إن زوجتي قد زنت قال له عليه السلام: "البيِّنة وإلَّا حدٌّ في ظهرك" فنزلت الآية، وشهد، فسقط عنه حد القذف، والتعزير، ثانيهما: قوله عليه السلام لما فرغ كل واحد من الزوجين من اللعان -: "ذلكم التفريق بين كل متلاعنين" وفي لفظ عند أبي داود: "ثم لا يجتمعان أبدًا" حيث دلّ ذلك على أن التفريق مؤبَّد بينهما، وظاهره، يدل على أن التفريق وقع بنفس اللعان، وهذا لازم من لفظ:"ذلكم" حيث إنه يُشير إلى اللعان الثانية: التلازم؛ حيث إن التصريح بنفي الولد في اللعان أو تضمينه في الكلام وعدم الإقرار به قبل اللعان، وعدم وجود دليل يدل على =
وحُدَّ لمحصنة، وعُزِّر لغيرها
(13)
، والتوأمان المنفيان أخوان لأم
(14)
.
(فصل): فيما يلحق من النَّسب (من ولدت زوجته من) أي: ولدًا (أمكن كونه منه: لحقه) نسبه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش"، وإمكان كونه منه:(بأن تلده بعد نصف سنة منذ أمكن وطؤه) إياها ولو مع غيبة فوق أربع سنين (أو) تلده لـ (دون أربع سنين منذ أبانها) زوجها (وهو) أي: الزوج (ممّن يولد لمثله كابن عشر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع"، ولأن تمام عشر سنين يمكن فيه البلوغ، فيلحق به الولد (ولا يحكم ببلوغه إن شك فيه)؛ لأن الأصل عدمه، وإنما ألحقنا الولد به؛ حفظًا للنسب واحتياطًا، وإن لم يمكن كونه منه: كأن
الإقرار: يلزم من ذلك كله: انتفاء الولد وعدم نسبته إلى الزوج، ويلزم من وجود إقراره به، أو دلالة على ذلك: عدم انتفاء الولد عنه، ولو نفاه في اللعان.
(13)
مسألة: إذا فرغ الزوج والزوجة من اللعان، وفرّق بينهما، وانتفى ولده عنه بسبب ذلك وأكذب نفسه: فإنه يلحقه نسب ولده الذي نفاه في اللعان السابق، ويُحدُّ حد القذف إذا كان قد قذف محصنة عفيفة حرَّة بالزنا، ويُعزَّر، ويُعاقب بما يراه الحاكم مناسبًا له إذا كان قد قذف غير محصنة كالرقيقة، والذمية؛ للتلازم؛ حيث إن اللعان تسبَّب في انتفاء الولد، وسقوط حد القذف، والتعزير عنه، فيلزم من تكذيبه لنفسه وإقراره بما يخالف ما قاله أولًا: أن تسقط أحكام اللعان فيلزم إلحاق نسب ولده به، وإثبات حد القذف والتعزير عليه.
(14)
مسألة: إذا نفى الزوج ولديه اللذين ولدا وهما توأمان: فإنهما يكونان أخوين لأم فقط؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من نفي الزوج لهما: انتفاء نسبهما إليه، ويلزم من انتفاء النسب: كونهما أخوين لأم.
[فرع]: من نفى ولده، قائلًا: إنه ولد زنا، وأبى أن يلاعن: فإنه يحدّ حدّ القذف - وهو ثمانون جلدة -، وله أن يمنع ذلك بفعل اللعان؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من عدم لعانه: قذفه لمحصنة، والقاذف يُجلد جلد القذف.
أتت به لدون نصف سنة منذ تزوجها وعاش، أو لفوق أربع سنين منذ أبانها: لم يلحقه نسبه، وإن ولدت رجعية بعد أربع سنين منذ طلَّقها، وقبل انقضاء عدّتها، أو لأقل من أربع سنين من انقضاء عدّتها: لحقه نسبه
(15)
(ومن اعترف بوطء أمته في
(15)
مسألة: إذا أتت زوجته أو أمته بولد: فإنه يلحق الزوج نسب هذا الولد بشرطين: أولهما: أن يمكن أن يكون الولد منه من حيث الزمن: بحيث تأتي بعد ستة أشهر من اجتماعه والدخول بها: سواء كان غائبًا عنها أقلّ أو أكثر من أربع سنين، أو تلده لدون أربع سنين منذ طلَّقها طلاقًا بائنًا، ولم تخبره بانقضاء عدّتها بالقروء، أو ولدت مطلَّقة طلاقًا رجعيًا بعد أربع سنين منذ طلقها وقبل انقضاء عدَّتها، أو لأقل من أربع سنين من انقضاء عدّتها؛ ثانيهما: أن يكون ذلك الزوج ممن يولد لمثله كابن عشر سنين، أما إن لم يتوفر هذان الشرطان، أو أحدهما بأن لم يمكن كونه منه كأن تكون قد أتت بهذا الولد لدون ستة أشهر منذ تزوجها بذلك الزوج، أو أتت بهذا الولد لفوق أربع سنين منذ طلقها طلاقًا بائنًا، أو كان لا يولد لمثله: فلا يلحقه نسبه؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قوله عليه السلام: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" حيث بيّن أن الأصل: أن الولد للزوج، وهو صاحب الفراش الشرعي ولا يُغيِّر هذا الأصل ولا يكون ولده إلّا إذا انتفى الشرطان أو أحدهما، ثانيهما: قوله عليه السلام: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع" ويلزم من الأمر بالتفريق بين الذكر والأنثى في المنام: إمكان الوطء ممّن له عشر سنوات، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من إمكان كون الولد منه من حيث الزمن والعمر: إلحاق الولد به، ويلزم من عدم كون الولد منه بسبب تخلُّف الشرطين السابقين أو أحدهما: عدم إلحاق الولد به.
[فرع]: إذا شُكَّ في بلوغ الصبي: فلا يحكم ببلوغه، فلا تترتب الأحكام على ذلك، ولا ثبت به عِدَّة، ولا رجعة، ولا غير ذلك من التكاليف؛ =
الفرج، أو دونه) أو ثبت عليه ذلك (فولدت لنصف سنة، أو أزيد: لحقه) نسب (ولدها)؛ لأنها صارت فراشًا له (إلا أن يدَّعي الاستبراء) بعد الوطء بحيضة فلا يلحقه؛ لأنه بالاستبراء: تيقَّن براءة رحمها (ويحلف عليه) على الاستبراء؛ لأنه حق للولد لولاه لثبت نسبه
(16)
(وإن قال) السيد (وطئتها دون الفرج، أو فيه) أي: في الفرج (ولم أُنزل، أو عزلت: لحقه) نسبه؛ لما تقدَّم
(17)
(وإن أعتقها) السيد (أو باعها
للاستصحاب؛ حيث إن الأصل عدم البلوغ، فنعمل على ذلك، ولا نلتفت إلى الشك، فلا يعمل به، فإن قلتَ: إذا كان الأمر كذلك فلم ألحق الولد به مع الشك في بلوغه؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن ذلك فيه حفظ النسب، واحتياط للدين.
(16)
مسألة: إذا اعترف سيد بوطء أمته في الفرج، أو دونه، أو ثبت عليه ذلك بالبيِّنة والقرينة: فإنها إذا أتت بولد: فإنه يلحقه نسبه بشرطين: أولهما: أن تلده بعد مضي ستة أشهر من وقت وطئها أو أزيد، ثانيهما: أن لا يدَّعي ذلك السيد أنه استبرأها من ذلك الوطء بحيضة، فإن لم يعترف بوطئها، ولم يثبت ذلك ببيِّنة، أو ولدته قبل مضي ستة أشهر، أو ادَّعى: أنه استبرأ بحيضة وحلف على ذلك: فإن ولدها لا يلحق بذلك السيد؛ للتلازم؛ حيث إن ثبوت الوطء بالاعتراف أو البيِّنة، وولادتها له بعد مضي ستة أشهر، وعدم ادعائه أنه استبرأها يلزم منه أنها فراش له شرعًا، والولد للفراش كما سبق بيانه: ويلزم من عدم اعترافه بشيء، وعدم البيِّنة، أو ولادتها له قبل مضي ستة أشهر، أو ادعائه أنه استبرأها بحيضة وحلفه على ذلك: عدم لحوق ولدها بالسيد، فإن قلتَ: لِمَ يُقبل قوله بالاستبراء بحيضة مع يمينه؟ قلتُ: لأن الاستبراء فيه تيقن براءة رحمها وهذا أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه إلا بمشقّة، ويحلف على ذلك الاستبراء قياسًا على سائر الحقوق؛ إذ لولا ذلك لثبت نسبه إلى ذلك السيد.
(17)
مسألة: إذا اعترف السيد قائلًا: "إني وطأتُ أمتي هذه في الفرج، أو دونه، =
بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون نصف سنة) وعاش: (لحقه) نسبه؛ لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فإذا أتت به لدونها وعاش: علم أن حملها كان قبل عتقها وبيعها حين كانت فراشًا له (والبيع باطل)؛ لأنها صارت أم ولد له، ولو كان قد استبرأها؛ لظهور أنه دم فساد؛ لأن الحامل لا تحيض، وكذا: إن لم يستبرئها وولدته لأكثر من نصف سنة، ولأقل من أربع سنين، وادَّعى مشتر أنه من بائع
(18)
، وإن استُبرئت، ثم
ولكني لم أنزل المني، أو عزلتُ": وأتت بولد: فإنه يلحقه نسبه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونها ولدت على فراشه ما يمكن كونه منه: إلحاق الولد به؛ وذلك لاحتمال كونه أنزل ولم يحس به، أو أن بعض منيه قد دخل في الرحم دون أن يشعر.
(18)
مسألة: إذا اعترف سيد بوطء أمته، ثم أعتقها ذلك السيد، أو باعها، فأتت بولد لدون ستة أشهر من وقت عتقها أو وقت بيعها، وعاش هذا الولد: فإن نسب هذا الولد يلحق السيد، ويكون البيع باطلًا والعتق صحيحًا: سواء كان قد استبرأها بحيضة أو لا، وكذا: يثبت نسبه إليه إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر، إن لَم يستبرأها وكذا: يثبت نسبه إليه إذا ولدته لأقل من أربع سنين بشرط: أن يدَّعي مشتر أن هذا الولد من البائع، سواء ادَّعاه البائع نفسه أو لا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونها ولدت على فراشه ما يمكن كونه منه: إلحاق الولد به؛ لأن أقل مدَّة الحمل ستة أشهر، فيكون حملها قد وقع قبل عتقها وبيعها حينما كانت فراشًا له، فإن قلتَ: لِمَ بطل البيع هنا؟ قلتُ: لكون الأمة التي أتت بولد، وثبت نسبه إليه قد صارت أم ولد له، وأم الولد لا تُباع فإن قلتَ: لِمَ ثبتت نسبة الولد إليه مع أنه قد استبرأها بحيضة؟ قلتُ: لأنه لما ظهر أن الحمل قد ثبت: اتضح أن ما خرج من دم خلاله كان دم فساد؛ لأن الحامل لا تحيض.
[فرع]: إذا وطأ شخص وطء شبهة: بأن وطأ امرأة لا زوج لها يظنها زوجته، فبانت أنها ليست هي، فحملت الموطوءة، فأتت بولد: فإن نسبه =
ولدت لفوق نصف سنة: لم يلحق بائعًا
(19)
، ولا أثر لشبه مع فراش
(20)
وتبعية نسب لأب ما لم ينفه بلعان
(21)
، ......................................
يلحق الواطئ؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الذي وطأ امرأة بعقد نكاح وأتت بولد يلحقه نسبه فكذلك من وطأ بشبهة والجامع: أن الواطئ في كل منهما قد اعتقد حلَّ هذا الوطء، فإن قلتَ: إنه لا يلحق به؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو زنى بامرأة وحملت منه، وأتت بولد فإن هذا الولد لا يلحق بنسبه، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا منهما وطء لا يستند إلى عقد صحيح قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن الذي وطأ بشبهة يعتقد حل هذا الوطء، أما الزاني فلم يعتقد حلَّ هذا، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" لذلك يفرع العلماء على ذلك مسألة تتكرر وهي ما لو تزوج رجلان أختين فغلط بهما عند الدخول فزفَّت كل منهما إلى زوج الأخرى، فوطئها، وحملت منه: فإن الولد يلحق بالواطئ، لكونه لما وطأ اعتقد حلَّه فلحق به النسب كالواطئ في نكاح فاسد.
(19)
مسألة: إذا اعترف سيد بوطء أمته، ثم استبرأها، ثم باعها، ثم ولدت لفوق ستة أشهر من بيعها: فإن هذا الولد لا يلحق بنسبه ذلك البائع؛ للتلازم؛ حيث يلزم من استبرائها، وولادتها بعد ستة أشهر من بيعها: عدم لحوق الولد الذي أتت به بنسبه؛ لعدم إمكان كونه منه.
(20)
مسألة: إذا ولد لشخص ولد، وجاء شبهه مختلف عن شبه ذلك الشخص، أو مختلف عن شبه إخوته الأشقاء: فلا أثر لذلك، أي: يُنسب إليه مع اختلاف الشبه؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" وهذا أصل في الشريعة، ولا يُترك إلا بأدلة وبراهين قطعية أو قريبة من القطع.
(21)
مسألة: الولد يُنسب لأبيه ويتبعه بشرط: أن لا ينفيه ذلك الأب باللعان بصرف النظر عن أمه؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} وهذا أمر مطلق، =
وتبعية دين لخيرهما
(22)
.
فيقتضي الوجوب.
(22)
مسألة: الولد يتبع في دينه لخير الأبوين دينًا، فلو تزوج مسلم كتابية: فإن الولد يكون مسلمًا، وإذا تزوج نصراني مجوسية أو بالعكس: فإن الولد يكون تبعًا للنصراني أو النصرانية، وهكذا؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه خير للولد في دنياه وآخرته.
هذه آخر مسائل كتاب: "اللعان" ويليه كتاب: "العدد" أو "العِدَّة".
كتاب العِدَد
واحدها "عدَّة" بكسر العين، وهي: التربُّص المحدود شرعًا، مأخوذ من العدد؛ لأن أزمنة العدَّة محصورة مقدَّرة
(1)
(2)
(وتلزم العدة كل امرأة) حرة، أو أمة، أو
كتاب العِدَد - أو العِدَّة -
-
بيان حقيقتها، وأصناف المعتدات، وحكم الإحداد، وسكنى المتوفى عنها، والرجعية والبائن
وفيه ثمان وستون مسألة:
(1)
مسألة: العِدَد: جمع "عِدَّة" وهي لغة: مأخوذة من العدِّ والحساب، يُقال:"معتدُّ به": محسوب غير ساقط، وهو في الاصطلاح:"مدَّة محدودة شرعًا تتربَّص فيها المرأة؛ لتعرف براءة رحمها بعد مفارقة زوجها لها" وسيأتي بيان ذلك في المسائل الآتية.
(2)
مسألة: العدَّة على المرأة إذا فارقها زوجها واجبة؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وقال: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} وقال: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} الثانية: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام لفاطمة بنت قيس -: "اعتدِّي في بيت ابن أم مكتوم" وقال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلّا على زوج أربعة أشهر وعشر" فقوله: "يتربصن" في الآيتين و"فعدتهن" خبر أريد به الأمر، وهو مطلق فيقتضي الوجوب، وقوله:"اعتدي" أمر صريح، وهو مطلق فيقتضي الوجوب، الثالثة: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على وجوب العدَّة على المرأة إذا فارقها زوجها، ومستند هذا الإجماع: تلك النصوص السابقة فإن قلتَ: لِمَ وجبت العدَّة على المرأة؟ قلتُ: للمصلحة؛ وهي من =
مبعَّضة، بالغة، أو صغيرة يوطأ مثلها (فارقت زوجها) بطلاق أو خلع، أو فسخ (خلا بها مطاوعة مع علمه بها و) مع (قدرته على وطئها ولو مع ما يمنعه) أي: الوطء (منهما): أي: من الزوجين كجبِّه، ورتقها (أو من أحدهما حسًّا) كجبه، أو رتقها (أو) يمنع الوطء (شرعًا) كصوم وحيض (أو وطئها) أي: تلزم العدة زوجة وطئها ثم فارقها (أو مات عنها) أي: تلزم العدة متوفى عنها مطلقًا (حتى في نكاح فاسد فيه خلاف) كنكاح بلا ولي إلحاقًا له بالصحيح، ولذلك وقع فيه الطلاق
(3)
(وإن كان)
وجوه: أولها: استبراء رحم المرأة من الحمل؛ لئلا يطأها أحد بعد زوجها الذي فارقها قبل العلم ببراءة رحمها فيحصل اختلاط الأنساب وضياعها، ثانيها: إظهار تأثير فقد الزوج في الامتناع عن التزوج، وترك التزين؛ نظرًا لعظيم حقه، ثالثها: تطويل زمن الرجعة؛ لعلَّ مطلقها يُراجعها في هذه المدَّة؛ حيث إنه أصلح لها وله، ولولدهما، رابعها: تعظيم خطر عقد النكاح، إذ له تبعات وتعلُّقات، بخلاف العقود الأخرى، خامسها: جعل للزوج المفقود حرمة، من أن توطأ زوجته السابقة بعد فقده مباشرة، سادسها: جعل حريم لانقضاء النكاح الأول لما كمل، سابعها: نسيان الزوج الأول، حيث إن الزوج الثاني قد تأخذه الغيرة إذا ذكرت زوجته زوجها الأول بحضرته، فمدَّة تلك العدة كفيلة بأن تجعل المرأة تنسى ما حصل مع زوجها الأول، فتتجه إلى الثاني بكل محبة وألفة ورحمة، فتحصل استدامة زواجها الثاني، بإذن الله.
(3)
مسألة: تجب العدَّة على كل امرأة فارقت زوجها بسبب طلاق من زوجها، أو خلع - بأن دفعت عوضًا لأجل طلاقها - أو فسخ؛ لقصور في نفقة ونحوها، أو بسبب وفاة الزوج، وذلك بشرط: أن يكون زوجها الذي فارقها قد خلا بها، أو وطئها وهي عالمة بذلك وهذا مطلق، أي: سواء كانت المرأة حرة أو أمة، أو مبعَّضة: وسواء كانت مسلمة، أو كافرة ذمية، وسواء كانت ذمية تحت ذمي، أو كانت تحت مسلم، وسواء كانت كبيرة، أو صغيرة يوطأ مثلها - كبنت تسع -=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وسواء كان فيهما ما يمنع الوطء حسًا كمرضهما - كرتقها وجبِّه هو - أو في أحدهما - كرتقها أوجبها، أو مرض أحدهما - أو كان فيها ما يمنع الوطء شرعًا: ككونها حائضًا، أو نفساء، أو محرمة أو كان هو محرمًا، أو معتكفًا، وسواء كان النكاح فاسدًا عند بعض العلماء كالنكاح بلا ولي، أو كان صحيحًا مجمعًا عليه، فلو أتت بولد: فإنه يلحق هذا الزوج؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ الثانية: السنة القولية؛ وقد سبق ذكر نصوصهما - في مسألة (2) - حيث إن تلك النصوص عامة لكل من ذكرنا؛ لأن المرأة في تلك الصور المذكورة في هذه المسألة تسمَّى زوجة شرعًا فتعمُّها تلك الألفاظ الواردة في تلك الآيات والأحاديث ولا يُوجد مخصِّص لأي صورة، الثالثة: التلازم؛ حيث يلزم من كون الكفار مكلَّفون بفروع الشريعة: أن تعتدَّ الذمية كما تعتد المسلمة - في تلك الحالات - ولو لم تكن العدة من دينهم - وقد فصَّلت ذلك في كتابي: "الإلمام في مسألة تكليف الكفار بفروع الإسلام"، الرابعة: قول الصحابي؛ حيث ورد عن عمر، وعلي، وزيد بن ثابت:"أن من أغلق سترًا، أو أغلق بابًا: فقد وجب المهر، ووجبت العدَّة"، فإن قلتَ: لِمَ وجبت العدَّة هنا مطلقًا؟ قلتُ: لأن عقد النكاح عقد على المنافع فالتمكين فيه يجري فيه مجرى الاستيفاء في الأحكام المتعلقة به كعقد الإجارة، ولكون الوطء هنا هو الغالب فشرع احتياطًا، فإن قلتَ: إن الذمية لا عدَّة عليها هنا إذا لم يكن ذلك في دينهم، وهو قول أبي حنيفة؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} حيث إن قوله: "المؤمنات" قد دلّ بمفهوم الصفة على أن الكافرة - وإن كانت ذمية - لا عدَّة عليها قلتُ: إن قوله: "المؤمنات" قد خرج مخرج الغالب في أن النساء يكنّ غالبًا من المؤمنات، وما خرج مخرج الغالب: لا مفهوم له. فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في المؤمنات هل خرج مخرج الغالب =
النكاح (باطلًا وفاقًا) أي: إجماعًا كنكاح خامسة، أو معتدَّة:(لم تعتد للوفاة) إذا مات عنها، ولا إذا فارقها في الحياة قبل الوطء؛ لأن وجود هذا العقد كعدمه
(4)
(ومن فارقها) زوجها (حيًا قبل وطء وخلوة) بطلاق، أو غيره: فلا عدَّة عليها؛ لقوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}
(5)
(أو) طلقها (بعدهما) أي: بعد الدخول والخلوة (أو) طلقها
أو لا؟ " وأيضًا: "الخلاف في الكفار هل هم مخاطبون بفروع الشريعة أو لا؟ " فمن قال: إنه خرج مخرج الغالب، وأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة: قال: إن الذمية عليها عدَّة، ومن قال لا: قال: إن الذمية لا عدَّة عليها.
(4)
مسألة: إذا كان النكاح باطلًا وفاسدًا بإجماع العلماء كأن يتزوج رجل امرأة خامسة، أو يتزوجها وهي في حال عدّتها على رجل سابق، ثم فارقها ذلك الرجل بطلاق أو موت: ففيه حالتان: الحالة الأولى: إن كان قد وطئها وجامعها ذلك الرجل: فإن العدَّة تجب عليها؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الزانية تجب عليها العدة، فكذلك الموطوءة بنكاح فاسد بالاتفاق، والجامع: استبراء رحم المرأة الموطوءة هنا في كل، الحالة الثانية: إن كان لم يطئها ولم يجامعها، ولكنه خلا بها فقط: فلا تجب عليها العدَّة، أي: لها أن تتزوج متى أرادت؛ للقياس؛ بيانه: كما أن المرأة التي لم تتزوج زواجًا صحيحًا، أو فاسدًا، لا تعتدّ فكذلك هذه المرأة التي تزوجت بنكاح فاسد بالإجماع وخلا بها زوجها فقط لا عدَّة عليها، والجامع: عدم وجود عقد شرعي أصلًا؛ لكون وجود هذا العقد الفاسد إجماعًا كعدمه.
(5)
مسألة: إذا فارق زوج زوجته وهو حي، بطلاق، أو فسخ، أو خلع قبل أن يطأها ويمسها، ويخلو بها: فلا عدَّة عليها؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} فنفى العدَّة هنا بمنطوق ذلك، ودلَّ مفهوم الزمان على أنه إذا طلَّق بعد المس - وهو الوطء - فعليها العدة، فإن قلتَ: لِمَ لا عدَّة عليها =
(بعد أحدهما، وهو ممن لا يولد لمثله) كابن دون عشر، وكذا: لو كانت لا يوطأ مثلها كبنت دون تسع: فلا عدَّة؛ للعلم ببراءة الرحم
(6)
، بخلاف المتوفى عنها فتعتدُّ مطلقًا؛ تعبُّدًا؛ لظاهر الآية
(7)
(أو تحمَّلت بماء الزوج) ثم فارقها قبل الدخول
هنا؟ قلتُ: لأن المقصد من العدَّة هو: إبراء رحم المرأة، وهنا قد غلب على ظننا - بل تيقّنا - براءته؛ لعدم وجود سبب لإشغاله بشيء.
(6)
مسألة: إذا فارق زوج زوجته. وهو حي بطلاق، أو فسخ، أو خلع بعد أن دخل بها ووطأها ومسَّها، أو خلا بها، أو فارقها بعد الدخول، أو الخلوة، وكان هذا الزوج ممن لا يولد لمثله كمن له عشر سنوات فما دون، أو كانت تلك الزوجة ممن لا يوطأ مثلها كمن لها دون تسع سنوات: فإنه لا عدَّة على الزوجة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من علمنا ببراءة رحم هذه الزوجة: عدم وجوب العدة عليها؛ لأن الغرض الذي شُرعت له العدَّة غير موجود هنا؛ حيث إنه لا يمكن إشغال الرحم بشيء من هذين الزوجين.
(7)
مسألة: إذا توفي زوج عن زوجته: فتجب عليها العدَّة مطلقًا، أي: سواء كان الزوج كبيرًا، أو صغيرًا وسواء كانت هي كبيرة أو صغيرة أمكن الوطء أو لا؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} حيث إن ذلك عام في الأزواج والزوجات الكبار والصغار، ولا يُوجد ما يُخصِّص ذلك، فإن قلتَ: لِمَ فرَّق الشارع بين هذه المسألة، ومسألة (6) في الحكم؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن الميت لا يمكن له أن يدافع عن نفسه فيما لو ادَّعت امرأة أن هذا الحمل منه مع أنه صغير لا يمكنه الوطء، أو هي صغيرة لا تتحمَّل الوطء، أما الحي - كما في مسألة (6) - فيمكنه أن يدافع قائلًا:"إني لم أطأها لكذا أو كذا" فيستطيع نفيه، فحماية لهذا الميت: وجبت عليها العدَّة؛ احتياطًا له، وقيل: إن هذا تعبُّدي، وهذا بعيد.
والخلوة: فلا عدَّة؛ للآية السابقة، وكذا: لو تحمَّلت بماء غيره، وجزم في "المنتهى" في الصداق: بوجوب العدة؛ للحوق النسب به
(8)
(أو قبَّلها) أي: قبَّل زوجته (أو لمسها) ولو بشهوة (بلا خلوة) ثم فارقها في الحياة: (فلا عدَّة)؛ للآية السابقة
(9)
.
(فصل): (والمعتدَّات ست) أي: ستة أصناف: أحدها: (الحامل، وعدتها: من موت وغيره إلى وضع كل الحمل) واحدًا كان أو عددًا: حرة كانت، أو أمة، مسلمة كانت أو كافرة؛ لقوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(10)
،
(8)
مسألة: إذا تحمَّلت ووضع ماء زوج في فرج زوجته، أو تحمَّلت بماء رجل أجنبي: فإن عليها العدَّة ولها المهر. وهو قول كثير من العلماء ولو فارقها قبل الدخول والخلوة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من لحوق نسب الولد الذي قد يكون من هذا الماء بصاحب الماء: وجوب العدَّة عليها؛ لإبراء رحمها من ذلك، فإن قلتَ: لا تجب العدَّة في هذه الحالة، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} وهنا لم يقع مسٌّ - وهو الوطء - ولا مظنته - وهو الخلوة -: فلا عدَّة عليها قلتُ: إن المقصد من مشروعية العدَّة هو: إبراء الرحم من وجود ولد؛ لئلا تختلط الأنساب، وهذا الماء قد يكون منه الولد، فشُرعت العدَّة؛ لنفي خلط النسب، وهذا فيه مصلحة ودفع مفسدة، وهذا مبين لأثر المس والوطء، والخلوة، فيكون مخصِّصًا للآية فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض لفظ الآية مع المقصد من العدة".
(9)
مسألة: إذا قبَّل زوج زوجته فقط، أو لمسها بلا خلوة، ثم فارقها في الحياة: فلا عدَّة عليها، فلو أتت بولد لا يلحق به؛ للكتاب؛ وهي الآية السابقة في مسألة (8)؛ حيث إنه يلزم من عدم المسِّ - وهو الوطء - أو الخلوة: عدم وجوب العدَّة؛ للتيقن ببراءة الرحم في هذه الحالة، وهو المقصد منه.
(10)
مسألة: في الأولى - من المعتدات - وهي: الحامل، وبيانها: أنه إذا فارق زوج =
وإنما تنقضي العدَّة (بـ) وضع (ما تصير به أمة أم ولد) وهو: ما تبين فيه خلق الإنسان، ولو خفيًا
(11)
(فإن لم يلحقه) أي: يلحق الحمل الزوج؛ (لصغره، أو لكونه
زوجته بطلاق، أو فسخ، أو موت، أو خلع وهي حامل فإن عدتها تكون من مفارقته لها إلى أن تضع حملها كله: سواء كان المحمول به واحدًا، أو أكثر، وسواء كانت حرة أو أمة، وسواء كانت مسلمة، أو كافرة، فإذا وضعت هذا الحمل: فإن عدّتها تنتهي، ولها أن تتزوج، لكن لا يجوز أن يطأها زوجها الثاني إلّا بعد أن تطهر من نفاسها، وتغتسل؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فدلَّت الآية بمنطوقها على انقضاء العدة بمجرَّد وضع الحمل ودلَّت بمفهوم الزمان - على عدم جوازها للرجال قبل وضع حملها وهي عامة لكل من ذكرنا، وهذه الآية مخصصة لعموم قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وقوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} حيث دل ذلك على أن جميع المطلقات عدّتهن ثلاثة قروء وجميع المتوفى عنهن عدّتهن أربعة أشهر وعشرًا إلّا الحوامل فعدتهن أن يضعن حملهن، وهو تخصيص القرآن بالقرآن، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الحائض لا يجوز وطؤها فكذلك النفساء، والجامع: وجود القذر والأذى المستكره في كل.
(11)
مسألة: تنقضي العدَّة إذا وضعت الحامل سقطًا قد تبيَّن فيه خلق إنسان كأن يتبين رأسه ورجله، وهذا مطلق، أي: سواء كان ذلك ظاهرًا لا يحتاج إلى شهادة ثقات من النساء، أو كان خفيًا يحتاج إلى شهادة الثقات من النساء أنه مبتدأ خلق آدمي، أما إذا لم تشهد تلك النسوة بذلك: فلا تنقضي العدَّة بما أسقطته، وهذا ضابط ما تصير به الأمة أم ولد السيدها؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وهذا عام لكل ما وضعته مما تبيّن فيه خلق إنسان ظاهرًا أو خفيًا، فيشمل ما نحن فيه.
ممسوحًا أو) لكونها (ولدته لدون ستة أشهر منذ نكاحها) أي: وأمكن اجتماعه بها (ونحوه): بأن تأتي به لفوق أربع سنين منذ أبانها (وعاش) من ولدته لدون ستة أشهر: (لم تنقضِ به) عدّتها من زوجها؛ لعدم لحوقه به؛ لانتفائه عنه يقينًا
(12)
(وأكثر مدَّة الحمل أربع سنين)؛ لأنها أكثر ما وُجد (وأقلها) أي: أقل مدَّة الحمل (ستة أشهر)؛ لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} و"الفصال": انقضاء مدَّة الرضاع؛ لأن الولد ينفصل بذلك عن أمه، وقال تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فإذا سقط الحولان التي هي مدَّة الرضاعة من ثلاثين شهرًا: بقي ستة أشهر، فهي مدة الحمل، وذكر ابن قتيبة في "المعارف": أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر (وغالبها) أي: غالب مدَّة الحمل (تسعة أشهر)؛ لأن غالب النساء يلدن فيها
(13)
.................................
(12)
مسألة: إذا لم يلحق ما حملت به المرأة زوجها زيد؛ نظرًا لكونه صغيرًا دون سن العاشرة، أو لكونه ممسوحًا - وهو مقطوع الذكر والأنثيين -، أو لكون الزوجة قد ولدته قبل تمام ستة أشهر من تاريخ زواجها بزيد وأمكن اجتماعه بها، أو لكون الزوجة قد ولدته بعد أربع سنوات من تاريخ إبانته لها بطلاق، أو مفارقته لها بموت، أو منذ انقضاء عدتها إن كانت رجعية، وعاش هذا الولد: فإن وضع ذلك لا تنقضي به عدتها من زوجها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم لحوق نسب المحمول به بالزوج: عدم انقضاء عدتها به؛ نظرًا لقطعنا بأنه منتف عنه.
(13)
مسألة: أكثر مدَّة الحمل: أربع سنين، وأقلّ مدة الحمل: ستة أشهر، وغالب مدة الحمل: تسعة أشهر؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وقال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فإذا كان الفصال - وهو مدَّة الرضاع سنتان أي أربعة وعشرون شهرًا، فإذا أسقطنا الأربع والعشرين شهرًا من الثلاثين: فإنه يبقى ستة أشهر: فتكون هي أقلّ مدة الحمل، وهو من باب التلازم، وقد بيّن ذلك عليّ في مجلس عمر، =
(ويُباح) للمرأة (إلقاء النطفة قبل أربعين يومًا بدواءٍ مباح)
(14)
وكذا: شربه؛ لحصول حيض؛ إلّا قرب رمضان لتفطره
(15)
، ولقطعه
(16)
، لا فعل ما يقطع حيضها بها من
وقيل: إن الذي تنبّه لهذا ابن عباس رضي الله عن الجميع، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من عدم وجود تحديد من الشارع لأكثر الحمل، أو لغالبه: أن يرجع إلى الوجود؛ حيث إنه قد وجد أكثر الحمل: أربع سنين، ووجد أن غالب الحمل تسعة أشهر، وهو معروف بين الناس.
(14)
مسألة: يُباح للمرأة أن تسقط ما في بطنها من الحمل بشروط ثلاثة: أولها: أن يكون ما في بطنها له أقل من أربعين يومًا ثانيها: أن تسقطه بدواءٍ مباح، ثالثها: أن يأذن زوجها بذلك، فإن كان ما في بطنها له أربعون يومًا فما فوق، أو أرادت أن تسقطه بدواء غير مباح كخمر ونحوه، أو لم يأذن زوجها بذلك: فيحرم إسقاطه؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك" فقبل الأربعين يومًا لا يتبين في المحمول به خلق الآدمي، فجاز لذلك، ولذلك اشترط الثانية: المصلحة؛ حيث إن استعمالها لدواء محرم لإسقاطه أو عدم إذن زوجها فيه ارتكاب محرم، وهذا فيه عقاب من الشارع فلذا: اشترط الدواء المباح، وإذن الزوج؛ دفعًا لضرر ارتكابها للمحرم.
(15)
مسألة: يُباح أن تشرب المرأة دواء يتسبَّب في إنزال حيضها بشرطين: أولهما: أن يكون هذا الدواء مباحًا، ثانيها: أن لا يكون هذا الشرب قريبًا من دخول شهر رمضان، فإن كان الدواء محرمًا، أو كان الشرب قريبًا من رمضان: فلا يُباح؛ للمصلحة: حيث إن شربها للدواء المحرم مضرّ بها، وشربها قرب دخول رمضان يجعلها تفطر في رمضان قاصدة لذلك فكأنها تفر من صيامه، فدفعًا لذلك اشتُرط هذان الشرطان.
(16)
مسألة: يباح للمرأة أن تشرب دواء مباحًا يتسبَّب بقطع نزول الحيض؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من عدم المحذور الشرعي: إباحته.
غير علمها
(17)
.
(فصل): (الثانية) من المعتدات (المتوفى عنها زوجها بلا حمل منه)؛ لتقدُّم الكلام عن الحامل (قبل الدخول وبعده) وطئ مثلها أو لا (للحرة أربعة أشهر وعشرة) أيام بلياليها؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}
(18)
(وللأمة) المتوفى عنها زوجها (نصفها) أي: نصف المدَّة المذكورة:
(17)
مسألة: لا يجوز لأي أحد أن يفعل شيئًا يقطع به نزول حيض امرأة بدون علمها؛ للمصلحة: حيث إن هذا يُعتبر إضرار بها في حين أنها لم تأذن به.
(18)
مسألة: في الثانية - من المعتدات - وهي: المتوفى عنها زوجها وهي لم تحمل: فهذه إن كانت حرَّة تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها: فلا تنتهي عدّتها إلا بعد أن يمضي لها من موت زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام بالتمام - أي: حتى تغيب شمس اليوم العاشر -، وهذا مطلق: أي: سواء كان قد مات قبل الدخول والخلوة، أو بعدهما، وسواء كانت صغيرة، أو بالغة، وسواء كان الزوج المتوفى صغيرًا أو بالغًا وسواء كانت تحيض أو لا؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} الثانية: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميت فوق ثلاث إلّا على زوج أربعة أشهر وعشرًا"، و"الزوجة" المتوفى عنها تشمل جميع المدخول بها، وغيرها، والصغيرة والبالغة، والتي تحيض وغيرها، و"الزوج" المتوفى يشمل الصغير والبالغ ولا يوجد مخصِّص، فإن قلتَ: إن الآية والحديث يحملان على المتوفى عنها المدخول بها فقط، فهي التي تعتدُّ تلك المدَّة، أما غير المدخول وغير المختلى بها: فلا عدَّة عليها؛ للقياس؛ بيانه: كما أن المطلقة المدخول والمختلى بها هي التي تعتدُّ ثلاثة قروء؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فكذلك الحال في المتوفى عنها والجامع: أن العدَّة لأجل استبراء الرحم، وغير المدخول والمختلى بها قد =
فعدتها شهران وخمسة أيام بلياليها؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على تنصيف عدة الأمة في الطلاق، فكذا عدَّة الموت
(19)
، .....................
قطعنا من براءة رحمها، وهذا شامل للمطلقة والمتوفى عنها قلتُ: عنه جوابان: أولهما: أن آية الطلاق السابقة قد خُصِّصت بقوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} حيث إن هذا نص في تخصيص المطلقة والمراد: أن عدة المطلقات كلها ثلاثة قروء إلّا المطلقة التي لم يدخل ولم يختلى بها: فلا عدَّة عليها، وهذا من باب تخصيص القرآن بالقرآن، ولم يرد في النساء المتوفى عنهن ما يخصصهن بشيء، ثانيهما: أن قياس المتوفى عنها على المطلقة قياس فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق، ووجه الفرق: أن المطلقة إذا أتت بولد يمكن للزوج المطلِّق تكذيبها، ونفيه باللعان، وهذا ممتنع في حق الميت فلا يأمن أن تأتي بولد فيلحق الميت نسبه، بدون أن ينفيه، فشُرعت تلك العدة - وهي أربعة أشهر وعشرًا - مطلقًا احتياطًا؛ حتى لا تتصرَّف بنفسها بزواج إلّا بعد الانتهاء من تلك العدَّة، وهذا هو المقصد منه، تنبيه: قوله: "بلا حمل منه" يريد أن يبين أن المتوفى عنها الحامل قد سبق بيانها في الأولى من المعتدات في مسألة (9) فإن قلتَ: لِمَ كانت العدَّة هنا أربعة أشهر وعشرًا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه مراعاة لحق الزوج وزيادة في إكرامه، واحتياطًا له، ودفاعًا عنه من أن يُنسب إليه ولد ليس منه. فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع النص".
(19)
مسألة: إذا توفي زوج أمة: فإنها تعتدُّ عدَّة الوفاة على النصف من عدَّة الحرة، أي: تعتدُّ شهرين وخمسة أيام؛ للقياس؛ بيانه: كما أن العلماء من صحابة وغيرهم قد أجمعوا على أن عدَّة الأمة المطلقة نصف عدَّة الحرة المطلقة، فكذلك تكون عدَّة الأمة المتوفى عنها نصف عدَّة الحرة المتوفى عنها والجامع: أن كلًّا منهما قد فارقت زوجها. تنبيه: الأصل في عدة الأمة التي تحيض إذا طلَّقت أن تكون قرءًا ونصفًا؛ بناء على أنه نصف عدَّة المطلقة الحرة، ولكن شرع لها قرآن؛ =
وعدَّة المبعَّضة بالحساب
(20)
(فإن مات زوج رجعية في عدَّة طلاق: سقطت) عدة الطلاق (وابتدأت عدَّة وفاة منذ مات)؛ لأن الرجعية زوجة كما تقدَّم، فكان عليها عدَّة الوفاة
(21)
(وإن مات) المطلِّق (في عدَّة من أبانها في الصحة: لم تنتقل) عن عدَّة الطلاق؛ لأنها ليست زوجة، ولا في حكمها؛ لعدم التوارث
(22)
، (وتعتدُّ من أبانها
لأن القرء لا يتجزأ، وللاحتياط.
(20)
مسألة: إذا توفي زوج مبعَّضة - وهي التي بعضها حر، وبعضها الآخر رقيق -: فإنها تعتدُّ على حسب مقدار حريتها، أو رقها فمثلًا: إذا كانت نصفها حر، والنصف الآخر رق فإنها تعتد ثلاثة أشهر وثمانية أيام؛ حيث أخذنا نصف عدة الحرة - وهو: شهران وخمسة أيام - وأخذنا نصف عدة الأمة - وهو: شهر ويومان ونصف - فجمعناهما معًا فصارت ثلاثة أشهر وسبعة أيام ونصف، وأكملنا النصف فصارت كما ذكرنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونها مبعَّضة: أن تكون عدّتها كذلك.
(21)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته طلاقًا رجعيًا أي: له إرجاعها - ثم توفي ذلك الزوج قبل انتهاء عدَّة الطلاق: فإنها تبدأ بعدَّة الوفاة - وهي: أربعة أشهر وعشرة أيام - منذ وفاته، وتسقط عدَّة الطلاق حينئذٍ؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الزوجة غير المطلقة المتوفى عنها تعتدُّ عدة الوفاة - كما تقدم - فكذلك الزوجة المطلقة طلاقًا رجعيًا التي توفي عنها زوجها في عدَّة الطلاق: تعتد عدَّة وفاة، والجامع: أن كلًّا منهما تُعتبر زوجة شرعية؛ لوجود التوارث بينهما.
(22)
مسألة: إذا طلق زوج زوجته طلاقًا بائنًا - أي: ليس له الحق في إرجاعها إلا بعد زوج آخر -، ووقع هذا الطلاق في صحة الزوج وعافيته: ثم مات هذا الزوج المطلِّق قبل انقضاء عدّتها تلك: فإنها تستمر على عدّتها لطلاقها، وتكمله ولا تنتقل من عدتها تلك إلى عدة الوفاة؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} ؛ حيث إن لفظ "المطلقات" =
في مرض موته: الأطول من عدَّة وفاة وطلاق)؛ لأنها مطلَّقة، فوجبت عليها عدَّة الطلاق، ووارثة فتجب عليها عدَّة الوفاة، ويندرج أقلهما في أكثرهما
(23)
(ما لم تكن) المبانة (أمة أو ذمية أو) من (جاءت البينونة منها فـ) ـتعتدُّ (لطلاق، لا) لـ (ــغيره)؛
جمع معرَّف بأل وهو من صيغ العموم، فيشمل ما نحن فيه، ولا يوجد ما يخصصها، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنها لو انقضت عدّتها ثم مات مطلقها هذا: فإنها لا تعتدُّ عدَّة الوفاة فكذلك إذا طلقها في صحته طلاقًا بائنًا ثم مات قبل انقضاء عدّتها: فإنها لا تعتدُّ عدَّة الوفاة والجامع: أنها أجنبية عنه لا يحل نكاحها، ولا ميراثها، ولا ظهار - منها، وتحل له أختها، وأربع نسوة غيرها.
(23)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته طلاقًا بائنًا وهو في مرض موته المخوف ثم مات عنها قبل انقضاء عدَّة طلاقها: فإن تعتدُّ أطول الأجلين من عدَّة الطلاق، وعدَّة الوفاة: أي: إن كان ما بقي من عدَّة الطلاق أكثر من عدَّة الوفاة استمرّت عليها، وبنت عليها، وإن لم يكن أكثر: فإنها تنتقل إلى عدة الوفاة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونها مطلقة: وجوب عدَّة الطلاق عليها، ويلزم من كونها ترثه: وجوب عدَّة الوفاة عليها ولا يجوز الجمع بينها، فلزم: أن تعتدُّ أطول الأجلين منهما، فإن قلتَ: لِمَ كان ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه احتياط لها، فإن قلتَ: إنها تبني هنا على عدَّة الطلاق فقط؛ وهو قول مالك والشافعي؛ للقياس؛ بيانه: كما أن المطلقة بائنًا في الصحة ثم مات قبل انقضاء عدتها: تستمر على عدَّة طلاقها فكذلك الحال هنا والجامع: أن كلًّا منهما بائن غير زوجة، وهو قد مات في الحالتين قلتُ: إن هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن المطلقة بائنًا في الصحة لا ترث زوجها إذا مات قبل انقضاء عدَّة طلاقها، بخلاف المطلقة بائنًا في مرض الموت المخوف، ثم مات قبل انقضاء عدتها: فإنها ترث، ولا ميراث بلا عدة وفاة، ومع الفرق فلا قياس، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع التلازم".
لانقطاع أثر النكاح بعدم ميراثها
(24)
، ومن انقضت عدتها قبل موته: لم تعتد له، ولو ورثت؛ لأنها أجنبية، تحل للأزواج
(25)
(وإن طلَّق طلق بعض نسائه مبهمة) كانت (أو معيَّنة، ثم أنسيها، ثم مات) المطلِّق (قبل قرعة: اعتد كل منهن) أي: من نسائه (سوى حامل الأطول منهما): أي من عدَّة، طلاق، ووفاة؛ لأن كل واحدة منهن، يحتمل أن
(24)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته طلاقًا بائنًا، ثم مات ذلك الزوج قبل انقضاء مدَّة عدّتها تلك، وكانت الزوجة أمة، أو ذمية، أو كانت هي المتسبِّبة في بينونتها - بأن سألته الطلاق بعوض، وهو الخلع، أو حصل ما يفسخ نكاحها كلعان، أو رضاع، أو عتقها مع رق زوجها، أو ارتدَّ زوجها عن الإسلام - فإن هذه الزوجة تعتدُّ عدَّة طلاق، أي: تستمر في عدَّة طلاقها فقط؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الزوج إذا طلَّق زوجته طلاقًا بائنًا في صحته: ثم مات قبل انقضاء عدَّة طلاقها: فإنها تستمر على عدَّة طلاقها حتى تنتهي، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة - كما سبق في مسألة (22) فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا منهما لا ترث زوجها المتوفى.
(25)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته طلاقًا بائنًا في مرض موته، فانقضت عدَّة تلك المطلَّقة بمضي ثلاث حِيَض، أو بمضي ثلاثة شهور، أو بوضع حملها، ثم توفي ذلك الزوج المطلِّق: فإنها لا تعتدُّ له عدَّة وفاة: سواء ورثته، أو لا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الأجنبية عنه لا تعتدُّ لوفاته، فكذلك هذه الزوجة، والجامع: أن كلًّا منهما أجنبية عنه، تحل للأزواج، ويحل للمطلق نكاح أختها، ونكاح أربع نساء غيرها، فإن قلتَ: كيف يمكن إرثها منه وهي كذلك؟ قلتُ: لأن المرأة التي طلَّقها زوجها في مرضه المخوف طلاقًا بائنًا ترث إذا مات بعد ذلك؛ معاملة له بنقيض قصده؛ لأنه قصد حرمانها من الميراث كما عومل قاتل مورِّثه عمدًا بنقيض قصده فلم يورَّث، وهذه المرأة التي طلقها زوجها وهو في حالة مرضه ترث ولو انقضت عدَّة طلاقها؛ لوجود سبب الميراث كما سبق ذكره.
تكون المخرجة بقرعة، والحامل: عدَّتها وضع الحمل - كما سبق -
(26)
، وإن ارتابت متوفى عنها زمن عدَّتها أو بعده بأمارة حمل كحركة، أو رفع حيض: لم يصح نكاحها حتى تزول الريبة
(27)
(الثالثة) من المعتدَّات: (الحائل ذات الأقراء وهي) جمع قرء بمعنى
(26)
مسألة: إذا طلَّق زوج إحدى زوجاته مبهمة: كأن يقول: "إحداكن طالق"، أو معينة ثم أُنسيها: كأن يقول: "زينب طالق" ثم نسي هل التي طلَّقها زينب أو سارة أو ليلى؟ وهذا الطلاق طلاقًا بائنًا، ثم مات ذلك الزوج المطلِّق قبل أن يُقرع بينها؛ لتتبيَّن من هي المطلَّقة بالقرعة: فإن كل واحدة منهن - غير الحامل - تعتدُّ بأطول وأقصى الأجلين: من عدَّة الطلاق أو عدَّة الوفاة، ويكون ابتداء القرء من حين طلَّق، وابتداء عدَّة الوفاة من حين الموت؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الشخص لو نسي صلاة من يوم معيَّن ولكنه لا يعلم عينها - هل هي الظهر، أو العصر، أو المغرب، أو العشاء؟ -: فإنه يجب عليه أن يصلي خمس صلوات كلها فكذلك الحال هنا: يجب على كل واحدة منهن أن تعتدَّ أطول الأجلين والجامع: أن كل واحدة من تلك الصلوات يُحتمل أن تكون هي المتروكة ويُحتمل أن تكون هي المؤدَّاة، وكل واحدة من الزوجات يُحتمل أن تكون هي المخرجة بالقرعة، ويُحتمل أن تكون هي المطلَّقة، ويُحتمل أن تكون زوجة، فنظرًا لهذه الاحتمالات المتساوية في المقاس، والمقاس عليه: شرع هذا للاحتياط؛ نظرًا لكون إحداها ليس بأولى من الأخرى، والتعيين بدون دليل تحكُّم. تنبيه: يُستثنى من تلك الزوجات الحامل؛ حيث إن عدتها وضع حملها - وقد سبق بيان ذلك في مسألة: (10) -.
(27)
مسألة: إذا شكَّت امرأة قد توفي عنها زوجها بوجود حمل: كأن توجد أماراته من حركة جنين، أو انتفاخ بطن، أو انقطاع حيض، وذلك زمن عدّتها، أو بعد انقضائها: فإنها تكون في عدَّتها، فلا يجوز أن تتزوج بعد انقضاء عدتها مع هذا الشك، فإذا زال الشك بعدم حركة، أو زوال انتفاخ أو نزول حيض، أو مضي =
(الحيض) روي عن عمر، وعلي، وابن عباس رضي الله عنهم (المفارقة في الحياة) بطلاق، أو خلع، أو فسخ (فعدَّتها إن كانت حرَّة، أو مبعَّضة ثلاثة قروء كاملة)؛ لقوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} ولا يُعتد بحيضة طلقت فيها (وإلا): بأن كانت أمة فعدتها (قِرآن) روي عن عمر، وابنه، وعلي رضي الله عنهم
(28)
(الرابعة)
زمن لا يمكن أن تكون فيه حاملًا: فإنه يصح زواجها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من الشك بوجود حمل بسبب تلك العلامات: عدم انقضاء عدَّتها، ويلزم من عدم انقضاء عدَّتها: عدم جواز تزوجها؛ تغليبًا لجانب الحظر في الفروج؛ وذلك لدفع المفسدة، ودفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.
[فرع]: إن تزوجت تلك المرأة التي في مسألة (27) - بعد انقضاء عدّتها ثم ظهر عليها بعد زواجها علامات الحمل: فإن هذا الزواج لا يفسد بذلك، لكن إن أتت بولد لأقل من ستة أشهر بعد زواجها الثاني: فزواجها باطل، ولا يلحقه ذلك الولد، وإن أتت به لستة أشهر فأكثر: فالنكاح صحيح، والولد لاحق به؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الولد قد أتت به لأقل من ستة أشهر: أن يكون قد تزوجها وهي حامل، وهذا لا يجوز إجماعًا ويلزم من ذلك: عدم لحوق الولد به؛ لكونه ليس ولده، ويلزم من إتيانها به لستة أشهر فما فوق: أن يكون النكاح صحيحًا، وأن الولد يُلحق به؛ بناء على أن أقل مدَّة الحمل ستة أشهر - كما سبق في مسألة (13) -.
(28)
مسألة: في الثالثة - من المعتدات - وهي: الحائل - وهي التي ليست حاملًا، ويأتيها الحيض - التي فارقها زوجها في الحياة بطلاق، أو فسخ، أو خلع: فإن عدَّة تلك إن كانت حرَّة أو مبعَّضة ثلاث حِيَض غير الحيضة التي طُلقت وهي متلبِّسة فيها أما إن كانت أمة فعدتها حيضتان فقط؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فتشمل كل مفارقة لزوجها في حياته يأتيها الحيض؛ لكون المقصد هو: استبراء رحم تلك المفارقة، =
من المعتدات (من فارقها) زوجها (حيًا، ولم تحض؛ لصغر، أو إياس، فتعتد حرة ثلاثة أشهر)؛ لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} أي: كذلك (و) عدة (أمة) كذلك (شهران)؛ لقول عمر رضي الله عنه: "عدَّة أم الولد حيضتان، ولو لم تحض كانت عدتها شهرين" رواه الأثرم، واحتج به أحمد (و) عدَّة (مبعَّضة بالحساب) فتزيد على الشهرين من الشهر الثالث بقدر ما فيها من الحرية (ويجبر الكسر) فلو كان ربعها حرًا: فعدتها شهران وثمانية أيام
(29)
وهذا لا يكون إلّا بعد ثلاث حيض، وهذا يستوي فيه المفارقة بطلاق أو فسخ أو خلع، وأوجب الشارع ثلاث حيض كاملة ويلزم ذلك: عدم حسبان الحيضة التي طلقت وهي عليها، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إنه ورد عن عمر، وعلي، وابن عباس أن المراد بالقرء: الحيض وورد عن عمر، وعلي، وابن عمر: أن الأمة تعتدُّ بحيضتين، الثالثة: التلازم؛ حيث يلزم من كون عدَّة الأمة المطلقة نصف عدَّة الحرة المطلقة: أن تكون عدَّة الأمة حيضتان؛ لأن القياس والأصل: أن تكون عدتها حيضة ونصف كحدِّها، فكان عليها حيضتان؛ لأن الحيضة لا تتبعَّض ولا تتجزأ، ويلزم من كون عدَّة الأمة حيضتين وعدَّة الحرة: ثلاث حيض: أن تكون عدَّة المبعَّضة - وهي التي بعضها حر، وبعضها رقيق - ثلاث حيض أيضًا؛ لأنها إذا كان نصفها حر، والنصف الآخر رق: فإنها تأخذ نصف عدَّة الأمة وهي: حيضة واحدة، وتأخذ نصف عدَّة الحرَّة وهي: حيضة ونصف، فيكون المجموع: حيضتين ونصف، والحيضة لا تتجزأ فأكمل النصف وجُبر فكانت عدّتها ثلاث حيض.
(29)
مسألة: في الرابعة - من المعتدات - وهي: التي فارقها زوجها وهو حي، ولم تحض بسبب صغر - وهي ما دون التاسعة عادة - أو بسبب إياس - وهي من في سن الخمسين فما فوق عادة - وكانت حرة فإن عدتها: ثلاثة أشهر، وإن كانت أمة: فعدتها: شهران، وإن كانت مبعَّضة: فعدتها على حسب مقدار حريتها، =
(الخامسة) من المعتدات: (من ارتفع حيضها، ولم تدر سببه) أي: سبب رفعه: (فعدتها) إن كانت حرَّة (سنة: تسعة أشهر للحمل)؛ لأنها غالب مدته (وثلاثة) أشهر (للعدَّة) قال الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار، لا ينكره منهم منكر علمناه"
(30)
، .................................
ومقدار رقها ويطبَّق عليها الحساب شهران، ويجبر الكسر؛ لقواعد: الأولى: الكتاب حيث قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} فبين الشارع أن المفارقة لزوجها وهو حي، وهي يائسة من الحيض: عدتها ثلاثة أشهر، وبين أن المفارقة لزوجها وهو حي، وهي صغيرة لا تحيض: عدّتها ثلاثة أشهر وذلك بصريح العبارة، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إنه قد ثبت عن عمر أنه قال: "عدَّة أم الولد حيضتان، ولو لم تحض كانت عدّتها شهرين" الثالثة: التلازم؛ حيث يلزم من كون الأشهر بدلًا من القروء: أن تكون عدة الأمة شهرين بدلًا من حيضتين ويلزم من كون المبعَّضة فيها قدر من الحرية وقدر من الرق: أن تكون عدتها تقدَّر بالحساب على حسب قدر الحرية وقدر الرق، ويُجبر الكسر.
(30)
مسألة: في الخامسة - من المعتدات - وهي: التي فارقها زوجها بطلاق، أو خلع، أو فسخ، وهي كانت من ذوات الحيض، ولكنها بعد مفارقته لها لم تر الحيض في عادتها، ولا تدري ما الذي رفعه وكانت حرة: فإن عدَّتها: سنة كاملة: تسعة أشهر منها عدة الحامل، وثلاثة أشهر عدَّة الآيسة من الحيض - كما سبق في مسألة (29) -، فيكون المجموع: اثني عشر شهرًا؛ لقاعدتين: الأولى: قول الصحابي؛ حيث ورد عن عمر ذلك، ولم ينكره أحد من الصحابة الذين علموا به - كما نقله الشافعي وابن المنذر - الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون مدَّة الحمل غالبًا تسعة أشهر: أن تجلس معتدَّة هذه الأشهر، فإن قلتَ: لِمَ تعتد ثلاثة أشهر - بعد التسعة الأشهر - مع علمنا ببراءة رحمها لما مضت تسعة أشهر عليها قلتُ: لأن =
ولا تنقضي العدَّة بعود الحيض بعد المدَّة
(31)
(وتنقص الأمة) عن ذلك (شهرًا)، فعدتها أحد عشر شهرًا
(32)
(وعدَّة من بلغت ولم تحض) كآيسة؛ لدخولها في عموم قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}
(33)
(و) عدَّة (المستحاضة الناسية) لوقت حيضها كآيسة
الاعتداد بالقروء والأشهر عند عدم الحمل، وقد تجب العدة مع العلم ببراءة رحمها، يؤيده: ما لو قال الزوج لزوجته: "أنتِ طالق إن وضعتِ حملكِ" فوضعته: فإنها تطلق، وتلزمها عدَّة الطلاق بعد ذلك.
(31)
مسألة: إذا انقضت العدَّة عن المرأة التي سبق ذكرها - في مسألة (30) - واعتدت سنة كاملة؛ - كما سبق - ثم عاد إليها نزول حيضها بعد تلك المدَّة: لم تعد إلى الحيض، فلا تعتد به؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الصغيرة التي لا يأتيها الحيض إذا اعتدّت بالأشهر، ثم تزوجت بعد ذلك ثم حاضت: فإنها لا تعود إلى الحيض وتعتدُّ بها والجامع: أن كلًّا منهما انقضت عدّتها، وحكم بصحة نكاحها بعد ذلك.
[فرع]: إذا عاد الحيض إليها - أي: إلى المرأة التي في مسألتي (30 و 31) - في أثناء السنة ولو في آخرها: فإنه يلزمها الانتقال إلى الحيض والاعتداد به؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجود المبدل - وهو الحيض - قبل الفراغ من البدل - وهو ثلاثة أشهر -: أن يُعمل بالأصل والمبدل.
(32)
مسألة: إذا كانت المرأة - التي في مسألة (30) - أمة: فعدتها تكون أحد عشر شهرًا: تعتدُّ بتسعة أشهر للحمل، وتعتد بشهرين عدَّة الآيسة - كما سبق في مسألة (29) -؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون عدة الحمل للأمة والحرة واحدة: أن تعتد تسعة أشهر له، ويلزم من كون عدَّة الأمة المطلقة الآيسة على النصف من عدة الحرة: أن تعتد شهرين، وقد سبق ذلك في مسألة (29).
(33)
مسألة: إذا فارق زوج زوجته بطلاق، أو خلع، أو فسخ، وهي بالغة ولكنها لم تحض: فإن عدّتها ثلاثة أشهر كالصغيرة التي لم يأتها الحيض، أو الآيسة التي =
(و) عدَّة (المستحاضة المبتدأة) الحرة (ثلاثة أشهر، والأمة شهران)؛ لأن غالب النساء يحضن في كل شهر حيضة
(34)
(وإن علمت) من ارتفع حيضها (ما رفعه من مرض، أو رضاع، أو غيرهما: فلا تزال في عدَّة حتى يعود الحيض فتعتد به) وإن طال الزمن؛ لأنها مطلقة لم تيأس من الدم (أو تبلغ سن الإياس) خمسين سنة (فتعتد عدَّته) أي: عدَّة ذات الإياس
(35)
، ويقبل قول زوج: إنه لم يطلق إلا بعد حيض، أو
انقطع عنها الحيض؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} فتدخل هذه المرأة البالغة التي لم تحض تحت عموم "اللائي لم يحضن"؛ لأنها منهن؛ لكون "اللائي" اسم موصول وهو من صيغ العموم.
(34)
مسألة: إذا فارق زوج زوجته بطلاق، أو خلع، أو فسخ، والزوجة مستحاضة ناسية لوقت حيضها، أو جاهلة له، أو مستحاضة مبتدأة لا تعلم وقت إتيان الحيض لها: فعدَّتها ثلاثة أشهر إن كانت حرَّة، أما إن كانت أمة فعدتها شهران؛ للقياس؛ بيانه: كما أن عدَّة الآيسة - وهي التي في الخمسين فما فوق - ثلاثة أشهر إن كانت حرة، وعدتها شهران إن كانت أمة، فكذلك المستحاضة الناسية والمبتدأة مثلها، والجامع: عدم وجود الحيض وتقدير وقته في كل، فانتقل إلى التقدير بالبدل وهو: الأشهر، وجُعلت الأشهر هي البدل هنا؛ لأن غالب النساء يحضن في كل شهر حيضة واحدة.
(35)
مسألة: إذا فارق زوج زوجته بطلاق، أو خلع، أو فسخ، وهي كانت من ذوات الحيض، ولكنها بعد مفارقته لها لم تر الحيض، ولكنها علمت سبب رفع الحيض عنها من مرض، أو رضاع ونحوهما: فإنها تنتظر وتستمر في عدّتها حتى يزول ذلك السبب المانع من الحيض، ويعود إليها حيضها فتعتد به ثلاث حيض، تفعل ذلك الانتظار وإن طال الزمن إلا أن تصير وتبلغ سن اليأس: - وهو خمسين سنة -: فتعتد عدّته، وهو ثلاثة أشهر للحرة، وشهران للأمة؛ للتلازم؛ =
ولادة، أو في وقت كذا
(36)
(السادسة) من المعتدات (امرأة المفقود تتربَّص) حرة كانت أو أمة (ما تقدَّم في ميراثه) أي: أربع سنين من فقده إن كان ظاهر غيبته الهلاك، وتمام تسعين سنة من ولادته إن كان ظاهر غيبته السلامة (ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام (وأمة) فُقد زوجها (كحرة في التربص) أربع سنين، أو تسعين سنة (و) أما (في العدَّة) للوفاة بعد التربُّص المذكور: فعدتها (نصف عدَّة الحرة)؛ لما تقدَّم
(37)
(ولا تفتقر) زوجة المفقود (إلى حكم حاكم بضرب المدَّة) أي: مدَّة التربُّص
حيث يلزم من كونها مطلقة لم تيأس من نزول الحيض: أن تنتظر نزوله حتى تعتدّ به، ويلزم من بلوغها سن اليأس: أن تعتد عدَّته.
(36)
مسألة: إذا وقع خلاف بين زوج وزوجته في وقت الطلاق بأن قال الزوج: "إني طلقتكِ بعد طهوركِ من الحيض، أو بعد ولادتك، أو في وقت كذا" فأنكرت الزوجة ذلك، ولا بيِّنة لهما: فإنه يقبل قول الزوج هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه يُقبل قوله في أصل الطلاق، وعدد الطلقات فكذلك يُقبل قوله في وقت طلاقه، والجامع: أن كلًّا منها مرجعه إلى الزوج.
(37)
مسألة: في السادسة - من المعتدات - وهي: امرأة المفقود - وهو من انقطع خبره فلم تعلم حياته أو موته - فهذه تتربَّص وتنظر أربع سنوات، فإذا انتهت، فإنها تعتد عدَّة الوفاة وهي: أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حرَّة، أما إن كانت أمة: فإنها تتربَّص أربع سنوات، فإذا انتهت فإنها تعتد شهرين وخمسة أيام، فإذا انتهت الحرة والأمة من هاتين المدتين لهما: فإنها تحل للأزواج وهذا مطلق، أي: سواء كان ظاهر غيبته السلامة - كمن يخرج لطلب علم، أو لتجارة فلا يعود - أو كان ظاهره الهلاك - كمن فقد بين الصفين في القتال، أو انكسر مركبه في البحر وغرق من معه -؛ لقواعد: الأولى: قول الصحابي؛ حيث إنه ثبت عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس، وابن الزبير أنهم جعلوا امرأة المفقود الذي ظاهره الهلاك: تنتظر أربع سنين، ثم تعتد عدَّة الوفاة - أربعة أشهر وعشرة أيام -، =
(وعدَّة الوفاة) كما لو قامت البيّنة، وكمدة الإيلاء
(38)
ولا تفتقر أيضًا إلى طلاق ولي
الثانية: القياس؛ بيانه: كما يجوز فسخ النكاح؛ لتعذُّر الوطء بالعنة، وتعذُّر النفقة بالإعسار مع وجود الزوج فكذلك يجوز أن تنتظر أربع سنين، وعدة الوفاة مع زوج مفقود مع أن ظاهره السلامة من باب أولى، والجامع: تعذّر مزاولة الزوجية المشروعة في كل، وهذا قول الإمام مالك، والشافعي في القديم، الثالثة: التلازم؛ حيث يلزم من كون المراد علم حال المفقود من حياة أو موت: أن تتساوى الحرة والأمة في التربص له أربع سنين؛ لكون ذلك لا يختلف باختلاف حال زوجته - حرة أو أمة - ويلزم من كون عدَّة الأمة على النصف من عدة الحرة: أن تعتد الأمة - بعد الأربع سنين - شهرين وخمسة أيام كما سبق، فإن قلتَ: إن كان ظاهر غيبته السلامة: فإن زوجته تنتظر إلى أن يتم للمفقود تسعين سنة من ولادته - سواء كانت حرة أو أمة - وهو ما ذكر المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الشخص لا يعيش غالبًا أكثر من تسعين سنة: أن يُحدَّد انتظارها بذلك، وأن يحكم بموته قلتُ: هذا غير منضبط في المعتدات؛ لأن هذا التقدير - بالتسعين - يفضي ويؤدي إلى اختلاف العدَّة في حق المرأة باختلاف عمر الزوج المفقود، ثم إن ذلك فيه ظلم للمرأة؛ حيث إنه لو سافر زوج عمره ثلاثون وزوجته عمرها عشرون، وذلك لتجارة أو طلب علم ولم يعد الزوج: فإنه يلزم على هذا: أن تنتظره ستين سنة بدون زواج، وهذا من أعظم الظلم تنبيه: الظاهر: أن العبارة هي: أن تنتظره أربع سنين أو أن يكمل تسعين سنة من عمره فأيهما كان الأول: حكم به، فإن قلتَ: لِمَ حكم بأن تنتظره أربع سنوات؟ قلتُ: لأن هذا أكثر مدة الحمل - كما سبق في مسألة (13) - فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازم مع القياس والمصلحة".
(38)
مسألة: امرأة المفقود تتربَّص وتنتظر أربع سنين، ثم بعد فراغها منها، تعتد عدة الوفاة: ولا يحتاج ذلك إلى حكم حاكم وقاض ليحكم بتلك المدَّة؛ للقياس: بيانه =
زوجها
(39)
(وإن تزوجت) زوجة المفقود بعد مدَّة التربص والعدة (فقدم الأول قبل
كما أنه لو قامت البيّنة - كشهادة عدلين على موته: فإنها تفعل ذلك: فكذلك إذا فرغت من الأربع سنين: فإنها تعتد عدَّة وفاة - أربعة أشهر وعشرة أيام -، والجامع: ظهور موته، فكان ابتداء المدة من فراغه من التربص؛ حيث إنها فرقة تعقبها عدَّة وفاة.
(39)
مسألة: إذا تربَّصت زوجة المفقود أربع سنين، ثم لما فرغت منها: اعتدّت عدة الوفاة - وهي أربعة أشهر وعشرة أيام - فلا تحتاج وتفتقر بعد ذلك إلى أن يطلقها ولي الزوج المفقود؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "الطلاق لمن أخذ بالساق" فلا يطلق أحد زوجة غيره في أي حال، أو زمن، وولي الرجل لا ولاية له في طلاق زوجة ذلك الرجل، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن المرأة لو تيقنت وفاة زوجها: فإنه لا تجب عليها إلا عدة وفاة، ولا تجب عليها مع ذلك عدَّة طلاق، فكذلك امرأة المفقود مثلها، والجامع: أن كلًّا منهما قد تيقن الوفاة أو غلب على ظنها ذلك الثالثة: قول الصحابي؛ حيث ثبت عن ابن عمر، وابن عباس عدم الافتقار إلى الطلاق بعد انتهاء عدة الوفاة. فإن قلتَ: إنها تفتقر وتحتاج إلى أن يطلقها ولي زوجها، ثم تعتد بعد ذلك بالحيض، أو بثلاثة أشهر - على حسب حالها -؛ لقول الصحابي؛ حيث إن ذلك قد ثبت عن عمر؛ حيث إنه فقد رجل في عهد عمر فجاءت امرأته إلى عمر، فذكرت ذلك له، فقال: انطلقي فتربَّصي أربع سنين، ففعلت، ثم أتته، فقال لها: انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشرًا، ففعلت، ثم أتته، فقال: أين ولي هذا الرجل فجاء إليه فقال له: طلقها: ففعل" قلتُ: هذا معارض بقول صحابي آخر - وهو قول ابن عمر وابن عباس - فيتساقطان، ثم إنه مخالف للسنة والقياس الصحيح: فلا يؤخذ به، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض قول الصحابي مع السنة والقياس".
وطء الثاني: فهي للأول)؛ لأنّا تبيّنا بقدومه بطلان نكاح الثاني، ولا مانع من الرَّد
(40)
(و) إن قدم الأول (بعده) أي: بعد وطء الثاني فـ (ــله) أي: للأول (أخذها زوجة بالعقد الأول، ولو لم يُطلِّق الثاني، ولا يطؤ) ها الأول (قبل فراغ عدَّة الثاني وله) أي: للأول (تركها معه) أي: مع الثاني (من غير تجديد عقد) للثاني، وقال المنقح:"الأصح بعقد" ا. هـ، قال في "الرعاية":"وإن قلنا: يحتاج الثاني عقدًا جديدًا: طلقها الأول لذلك" ا. هـ، وعلى هذا فتعتد بعد طلاق الأول، ثم يجدِّد الثاني عقدًا؛ لأن زوجة الإنسان لا تصير زوجة لغيره بمجرَّد تركه لها، وقد تبيّنا بطلان عقد الثاني بقدوم الأول (ويأخذ) الزوج الأول (قدر الصداق الذي أعطاها من) الزوج (الثاني) إذا تركها له؛ لقضاء علي وعثمان: أنه يخير بينها وبين الصداق الذي ساق إليها هو (ويرجع الثاني عليها بما أخذه) الأول (منه)؛ لأنها غرامة لزمته بسبب وطئه لها، فرجع بها عليها كما لو غرَّته
(41)
، ومتى فُرِّق بين زوجين لموجب، ثم بان
(40)
مسألة: إذا تربَّصت زوجة المفقود - وهو زيد - أربع سنين، ثم اعتدَّت أربعة أشهر وعشرة أيام، ثم بعد ذلك تزوجت عمرًا، ثم قدم زوجها الأول - وهو زيد - قبل وطء وجماع زوجها الثاني - وهو عمرو -: فإنها تكون لزوجها الأول - وهو زيد - أي: ترد إليه بلا تخيير بالعقد الأول، وليس على الثاني صداق؛ للتلازم؛ حيث يلزم من قدوم زوجها الأول: بطلان نكاحها الثاني؛ لكونه صادف امرأة ذات زوج ويلزم من عدم وطء الثاني لها: عدم وجود مانع من ردِّها إلى زوجها الأول، وعدم استحقاقها للصداق.
(41)
مسألة: إذا تربَّصت زوجة المفقود - وهو زيد - أربع سنين، ثم اعتدت عدة وفاة - أربعة أشهر وعشرًا، ثم بعد ذلك تزوجت عمرًا، ثم قدم زوجها الأول - وهو زيد - بعد وطء وجماع زوجها الثاني - وهو عمرو - لها: فإن زوجها الأول - وهو زيد - يُخيَّر بين حالتين: الحالة الأولى: إما أن يأخذها فتكون زوجة له بالعقد الأول: سواء طلقها زوجها الثاني أو لا، ولكن لا يجوز للأول - وهو زيد - أن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يطأها أو يجامعها إلا بعد أن تفرغ من عدَّة الثاني: عدَّة طلاق - وهي ثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر، على حسب حال المرأة -؛ للتلازم؛ حيث يلزم من قدوم الزوج الأول: بطلان نكاح الثاني في الباطن، لذا: لا يُعتبر شيئًا، ولا ينظر إلى طلاق الثاني، ويلزم من وطء الثاني لها: تحريم وطء الأول لها إلّا بعد استبراء رحمها بعدَّة، الحالة الثانية: وإما أن لا يأخذها ولا يختارها، فتكون زوجة للثاني - وهو عمرو -، ويأخذ الأول - وهو زيد - صداقه الذي دفعه لها من الزوج الثاني - وهو عمرو -، لكن يجب في هذه الحالة: أن يطلقها الأول، ثم ينتظر حتى تنتهي عدَّة الطلاق، ثم يستأنف الثاني عقدًا جديدًا؛ لقاعدتين: الأولى: قول وفعل الصحابي؛ حيث إن عثمان وعليًا قد خيَّرا الزوج الأول الذي رجع بين أخذها زوجة له، وبين أخذ صداقه الذي ساقه لها؛ الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من قدوم الزوج الأول: بقاؤه على عقده الأول وبطلان عقد نكاح الثاني، ويلزم من ذلك أن يطلقها الأول - إن لم يخترها - وأن يعقد الثاني عليها عقدًا جديدًا؛ نظرًا لبطلان الأول بالقدوم؛ لأن الزوجة لا تكون بمجرَّد الترك فقط، ويلزم من ترك الأول لها: أخذ صداقه الذي دفعه لها من الثاني فإن قلتَ: لا يحتاج الثاني إلى عقد جديد في الحالة الثانية، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من صحة عقد الثاني عليها ظاهرًا: عدم الحاجة إلى عقد جديد قلتُ: لكن عقد الثاني بطل بقدوم الأول، والباطل لا يُعتمد عليه، فيحتاج إلى تجديده، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في قدوم الأول هل يبطل عقد الثاني أو لا؟ " فإن قلتَ: إن الزوج الثاني يأخذ قدر الصداق الذي أخذه منه الزوج الأول من تلك الزوجة، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما أنها لو غرَّته فبيّنت له أن لا زوج لها ثم تزوجها بعد ما أصدقها، فبان خلاف ذلك: فإنه يأخذ ذلك الصداق، ويبطل العقد، فكذلك الحال هنا والجامع: أن الزوج مغرور في كل =
انتفاؤه فكمفقود
(42)
.
(فصل): (ومن مات زوجها الغائب): اعتدّت من موته (أو طلَّقها) وهو غائب: (اعتدت منذ الفرقة وإن لم تحد) أي: وإن لم تأت بالإحداد في صورة الموت؛ لأن الإحداد ليس شرطًا لانقضاء العدَّة
(43)
(وعدَّة الموطوءة بشبهة أو زنا أو) موطوءة
قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن الزوجة في الحالة الثانية لا تغرير منها؛ حيث إنها حكمت بما ظهر، وفعلت ما لها فعله، وهي لا تعلم أن الأول سيقدم، بخلاف التي غرّته وهي عالمة، ومع الفرق: لا قياس فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في تزوج الزوجة بعد الانتظار أربع سنين، وعدة الوفاة وقدوم الأول هل هو تغرير أو لا؟ ".
(42)
مسألة: إذا فُرِّق بين زوجين بسبب يوجب الفرقة: كأن تعذَّر نفقتها من جهة الزوج، أو وجود عنَّة فيه أو نحو ذلك ثم فسخ النكاح بسبب ذلك ثم تزوجت بعد انقضاء العدة، ثم بان عدم صحة عدم نفقته عليها، أو أنه لا عنّة فيه: فإن كان هذا قبل وطء الزوج الثاني لها: فإنها تكون للزوج الأول بالعقد الأول، - كما قلنا في مسألة (40) - أما إن كان بعد وطء الزوج الثاني لها: فإن الزوج الأول يخير بين أخذها فتكون امرأته بالعقد الأول، وبين أخذ صداقه الذي دفعه لها، فتكون زوجة للثاني - كما سبق بيانه في مسألة (41) -؛ قياسًا على المفقود كما سبق بيانه في المسألتين (40 و 41).
(43)
مسألة: إذا مات الزوج الغائب أو طلَّق الغائب: فإن زوجته تبدأ عدتها من يوم موته، ويوم طلاقها، أي: يُحسب من ذلك وإن لم تعلم بموته إلا بعد مدَّة، فلو مات أو طلَّق مثلًا في اليوم الأول من شهر محرم، وهي لم تعلم بذلك إلا في اليوم الأول من شهر صفر: فإنه يُحسب ما مضى وهو شهر كامل، ويبقى للمتوفى عنها ثلاثة أشهر وعشرة أيام، وللمطلقة شهران: ولا يُؤثِّر عدم إحداد المتوفى عنها ذلك الشهر؛ لقواعد: الأولى: القياس؛ وهو من وجوه: أولها: كما أنه لو طلَّق =
(بعقد فاسد كمطلَّقة): حرَّة كانت أو أمة مزوجة؛ لأنه وطء يقتضي شغل الرحم، فوجبت العدَّة منه كالنكاح الصحيح
(44)
، وتستبرأ أمة غير مزوجة بحيضة
(45)
، ولا
أو مات وهي حاضرة معه: فإن العدَّة تبدأ من يوم الوفاة والطلاق، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن ما بعد الموت والطلاق زمان جاء عقب الموت أو الطلاق فيهما فوجب أن تعتدَّ به، ثانيها: كما أنه لو مات عن زوجته الصغيرة أو المجنونة أو طلَّقها: فإن عدتهما تبدأ من يوم الموت والطلاق وتنقضي، فكذلك الحال هنا والجامع: عدم وجود القصد في العدَّة في كل، ثالثها: لو كانت حاملًا فوضعت حملها غير عالمة بفرقة زوجها: لانقضت عدتها فكذلك الحال هنا، والجامع: عدم العلم في كل، الثانية: قول الصحابي؛ حيث ثبت هذا عن ابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، الثالثة: التلازم؛ حيث إن كون الإحداد ليس بشرط في العدة، فلو تركته قصدًا أو بغير قصد فلا يؤثر فيها: يلزم منه: ابتداء العدة من يوم الوفاة، وانقضائها وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدات - وهو الإحداد -.
(44)
مسألة: إذا وُطئت امرأة بشبهة -: بأن ظنها رجل زوجته فوطأها، ثم بانت غير ذلك - أو زُني بها، أو وُطئت بعقد فاسد - كأن تزوج بلا ولي - ثم فارقته: فإن هذه المرأة تعتد عدَّة المطلقة: فإن كانت حرة يأتيها الحيض: فإنها تعتد بثلاث حيض، وإن كانت لا يأتيها الحيض: فإنها تعتد بثلاثة أشهر، وإن كانت أمة يأتيها الحيض: فإنها تعتد بحيضتين، وإن كانت أمة لا يأتيها الحيض: فإنها تعتد بشهرين - على ما مضى تفصيله في المسائل -؛ للقياس؛ بيانه: كما أنها تعتد بذلك في النكاح الصحيح، فكذلك تعتد بذلك إذا كانت موطوءة بشبهة، أو زنا، أو بنكاح فاسد، والجامع: أنه في كل منها وطء اقتضى شغل الرحم فوجبت العدَّة منه. والمقصد منه: التأكد من استبراء الرحم؛ لعدم اختلاط الأنساب.
(45)
مسألة: إذا وُطئت أمة غير مزوجة بشبهة، أو زني بها، فإن رحمها يستبرأ بحيضة واحدة؛ للتلازم؛ حيث إن المقصود العلم ببراءة رحمها، والحيضة تُحصِّل ذلك: =
يحرم على زوج وُطئت زوجته بشبهة أو زنا زمن العدَّة غير وطء في فرج
(46)
(وإن وُطئت معتدَّة بشبهة، أو نكاح فاسد: فُرِّق بينهما) أي: بين المعتدَّة الموطوءة والواطئ (وأتمت عدَّة الأول): سواء كانت عدَّته من نكاح صحيح أو فاسد، أو وطء بشبهة
(47)
ما لم تحمل من الثاني: فتنقضي عدَّتها منه بوضع الحمل، ثم تعتد للأول
(48)
........................................
فيلزم كفايتها.
(46)
مسألة: إذا وُطئت المرأة المزوجة أو الأمة المزوجة بشبهة، أو زنا، فبدأت في عدتها - كما سبق في مسألة (44) - فلزوجها الاستمتاع بما دون الفرج وهي في حالة العدة، ولكن لا يطأها في فرجها حتى تنتهي عدتها؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه يحل للزوج الاستمتاع بزوجته الحائض بما دون الفرج، فكذلك الحال هنا والجامع: أن كلًّا منهما زوجة شرعًا حرم وطؤها لعارض يختص بالفرج فأبيح الاستمتاع بما دونه، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: لأن الوطء بشبهة، أو الزنا لا يفسخ النكاح الشرعي.
(47)
مسألة: إذا وُطئت معتدَّة بشبهة، أو نكاح فاسد: فيجب أن يُفرَّق بين تلك المعتدَّة الموطوءة بشبهة، والواطئ لها، وتتم عدَّتها من زوجها، وهذا مطلق، أي: سواء كانت عدَّة الأول - التي اعتدَّت لأجل طلاقها منه أو وفاته - بسبب نكاح صحيح، أو نكاح فاسد، أو وطء بشبهة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الوطء وقع بشبهة: أن يُفرَّق بينهما وجوبًا؛ لعدم عقد النكاح في الوطء بشبهة، ولأن العقد الفاسد وجوده كعدمه، ويلزم من سبق سبب عدَّة الأول على الوطء بشبهة أو نكاح فاسد: وجوب إتمامها لعدته - أي: عدَّة الأول -.
(48)
مسألة: إذا وُطئت معتدة بشبهة، أو نكاح فاسد: فحملت من الواطئ - وهو الثاني -: فإنه يُنتظر حتى تضع حملها، فتنقضي عدَّتها بهذا الوضع من الواطئ - وهو الثاني - ثم تبدأ تعتدُّ للأول؛ للتلازم؛ حيث يلزم من حملها: انتظار وضعها =
(ولا يحتسب منها) أي: من عدَّة الأول (مقامها عند الثاني) بعد وطئه؛ لانقطاعها بوطئه
(49)
(ثم) بعد اعتدادها للأول (اعتدَّت للثاني)؛ لأنهما حقَّان اجتمعا لرجلين، فلم يتداخلا، وقُدِّم أسبقهما كما لو تساويا في مباح غير ذلك
(50)
(وتحل) الموطوءة في عدّتها بشبهة، أو نكاح فاسد (له) أي: لواطئها بذلك (بعقد بعد انقضاء العدَّتين)؛ لقول علي رضي الله عنه: "إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب"
(51)
...........
لهذا الحمل وانقطاع عدتها من الأول إلى حين الوضع، ويلزم من تركها للعدَّة بسبب الحمل: أن تستأنفه؛ لكونه حقًا للأول لم تفعله.
(49)
مسألة: إذا وُطئت معتدَّة بشبهة أو نكاح فاسد: وفرق بينهما، وأتمت عدَّتها للأول - كما سبق في مسألة (47) -: فلا يُحسب من عدتها للأول الزمن الذي أقامته عند الواطئ - وهو الثاني - بل تكمل عدتها للأول وكأنها لم تقم عند الثاني وتبدأ استكمالها لعدة الأول من حين التفريق بينهما؛ للتلازم؛ حيث يلزم من انقطاعها عن عدَّة الأول بوطء الثاني لها: أن لا يُحسب هذا الزمن عند الثاني من العدَّة؛ لعدم مشروعيته.
(50)
مسألة: إذا وُطئت معتدَّة بشبهة، أو نكاح فاسد، وفرق بينهما، وأتمت عدّتها للأول - كما سبق في مسألة (47) - فإنها تبدأ تعتدُّ للواطئ - وهو الثاني - عدَّة مطلقة - كما سبق في مسألة (44) -؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من كون العدَّة للأول حق عليها، والوطء بشبهة أو نكاح فاسد يحتاج إلى عدَّة: أن تعتد العدَّتين، ويلزم؛ لكونهما حقين اجتمعا لرجلين فلم يتداخلا، أي: كل له نصيبه من العدَّة، ويلزم من كون عدَّة الأول هي الأسبق تقديمها على عدة الواطئ - وهو الثاني - الثانية: قول الصحابي؛ حيث إنه قد ثبت ذلك عن عمر، وعلي، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للاحتياط للدِّين.
(51)
مسألة: إذا وُطئت معتدَّة بشبهة أو نكاح فاسد، وفرّق بينهما، وأتمت عدتها =
(وإن تزوجت) المعتدَّة (في عدتها: لم تنقطع) عدتها (حتى يدخل بها) أي: يطأها؛ لأن عقده باطل، فلا تصير به فراشًا (فإذا فارقها) الثاني:(بنت على عدتها من الأول، ثم استأنفت العدَّة من الثاني)؛ لما تقدَّم
(52)
(وإن أتت) الموطوءة بشبهة في عدّتها (بولد
للأول - كما سبق في مسألة (47) - وأتمت عدتها للواطئ - وهو الثاني - كما في مسألة (50) - وأراد الواطئ - وهو الثاني - أن يتزوجها بنكاح صحيح: فيجوز ذلك، وتحلُّ له بعقد جديد بعد انقضاء العدَّتين؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما أنها تحل للأول - بعد انقضاء العدّتين - فكذلك تحل للواطئ - وهو الثاني - بعد انقضاء العدتين، والجامع: أنه لا مانع شرعي من ذلك في كل منهما؛ إذ الأول فعل ماله فعله، والواطئ - وهو الثاني - معذور في وطئه - لكونه وطأ بشبهة، أو نكاح فاسد أفتاه بصحته من يعتقده - كمن نكح بغير ولي - الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عليًا سئل عن الواطئ هل يحل له التزوج بها بعقد جديد فقال: "إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب" أي: لا مانع من أن يتزوجها بعقد جديد إذا قبلت به.
(52)
مسألة: لا يجوز لمعتدَّةٍ أن تتزوج في حال العدَّة إجماعًا، فإن تزوجت في حال العدَّة: فالزواج باطل، ويجب أن يفرّق بينها، وبين من تزوجها، وبعد التفريق بينهما: يُنظر: إن لم يدخل بها ولم يطأها: فإن عدَّة الأول بحالها لم تنقطع بالعقد الثاني وإن دخل بها ووطأها: فإن عدَّة الأول تنقطع: سواء كانا عالمين للتحريم أو لا، وإذا تمّ التفريق بينهما هنا: فإنها تبني على عدّتها من الأول وتكملها في الحالة الأولى - وهي ما إذا لم يدخل بها ولم يطأها - ثم تبدأ العدَّة للزوج الثاني، أما إذا كانت الحالة الثانية - وهي ما إذا دخل بها ووطأها -: فإنها تستأنف عدَّة للأول من جديد، فإذا انقضت بدأت عدة للثاني ولا يتداخلان؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} فحرم عقد النكاح وهي في العدَّة، وإذا وقع: فهو فاسد يجب أن يُفرق بينهما؛ =
من أحدهما) بعينه: (انقضت عدّتها به) أي: بالولد: سواء كان من الأول، أو من الثاني (ثم اعتدَّت للآخر) بثلاثة قروء، ويكون الولد للأول إذا أتت به لدون ستة أشهر من وطء الثاني، ويكون للثاني إذا أتت به لأكثر من أربع سنين منذ بانت من
لأن النهي هنا مطلق، فيقتضي التحريم والفساد، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنها لو تزوجت وهي في عصمة زوج فالنكاح باطل فكذلك لو تزوجت وهي في العدَّة فالنكاح باطل والجامع: الزوجية في كل، وأنها ممنوعة من النكاح لحق الزوج الأول؛ لئلا تختلط الأنساب؛ حيث شرعت العدة لمعرفة براءة الرحم من الولد الثالثة: التلازم؛ حيث يلزم من عدم وطء الثاني لها: عدم انقطاع عدَّة الأول؛ لأن نكاحها من الثاني باطل لا تصير به المرأة فراشًا شرعيًا، ويلزم من ذلك: وجوب التفريق بينهما ويلزم من ذلك أيضًا: البناء على عدتها للأول واستكمال ما بقي منها، ويلزم من وطء الثاني لها: انقطاع عدَّة الأول ويلزم منه: استئناف عدة الأول من جديد، ويلزم منه أيضًا: استئناف العدَّة للثاني، ويلزم: من كون الأول أسبق: ونكاحه موافق للشرع: أن تقدَّم عدَّته على عدة الثاني، ويلزم من كون ذلك حصل من رجلين: أن تعتدَّ عدَّتين كاملتين، ولا يتداخلان، فإن قلتَ: إن العدتين تتداخلان، فتأتي بثلاثة حيض بعد الثاني تكون عن بقية عدَّة الأول وعدَّة للثاني، وهو قول أبي حنيفة؛ للتلازم؛ حيث إن القصد من العدَّة معرفة براءة الرحم، وهذا يحصل به ذلك منهما جميعًا فيلزم تداخلهما والاكتفاء بعدة واحدة قلتُ: إن العدَّتين حقان مقصودان لرجلين، تحبس المرأة لكل رجل بذلك وهو من حقه، فلا يجوز أن تكون امرأة واحدة في حبس رجلين كالزوجة، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الاختلاف في النظر في العدَّة هل يُنظر إلى أنه من رجلين فلكل واحد حقه من العدة، أو ينظر إلى المقصد منها؟ " فعندنا الأول والثاني معًا، وعندهم: الثاني فقط.
الأول، وإن أشكل عرض على القافة
(53)
(ومن وطئ معتدَّته البائن) في عدّتها (بشبهة: استأنفت العدَّة بوطئه، ودخلت فيها بقية) العدة (الأولى)؛ لأنهما عدَّتان من واحد لوطئين يلحق النسب فيهما لحوقًا واحدًا فتداخلا
(54)
، وتبني الرجعية إذا
(53)
مسألة: إذا تزوجت امرأة وهي في عدتها أوطئت بشبهة إذا كانت حاملًا: فإن عدَّتها تنقضي بوضع حملها، ويُلحق الولد بمن أمكن أن يكون منه وذلك في حالات ثلاث: الحالة الأولى: إن أمكن أن يكون هذا الولد - الذي وضعته تلك الحامل - من الأول دون الثاني - وهو أن تأتي به لدون ستة أشهر من وطء الثاني، وأربع سنين فما دونها من فراق الأول - فإنه يُلحق بالأول، وتنقضي عدتها به منه بوضعه، ثم تعتد بثلاثة قروء - وهي الحيض - عن الثاني الحالة الثانية: إن أمكن أن يكون هذا الولد من الثاني، دون الأول - وهو أن تأتي به لستة أشهر فما فوق فما زاد إلى أربع سنين من وطء الثاني، ولأكثر من أربع سنين منذ بانت من الأول: فهو ملحق بالثاني وتنقضي عدّتها به منه، ثم تتم عدة الأول، الحالة الثالثة: إن أمكن أن يكون هذا الولد منهما - وهو أن تأتي به لستة أشهر فصاعدًا من وطء الثاني، ولأربع سنين فما دونها من بينونتها من الأول -: فإن هذا الولد يُعرض على القافة مع الزوجين - الأول والثاني - فإن ألحقته القافة بالأول لحق به، دون الثاني، وتعتد للثاني، وإن ألحقته بالثاني لحق به، دون الأول، وتعتد للأول، وإن ألحقته القافة بهما معًا: لحق بهما، وتنقضي عدّتها به منهما معًا، وإن لم تلحقه القافة بأي واحد منهما: فإن تلك المرأة تعتد بثلاثة قروء - وهي الحيض كمطلقة - بعد وضع ذلك الولد؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وهو واضح - كما سبق - الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من تلك الحالات: تلك الأحكام المترتبة عليها؛ لعدم وجود احتمالات أخرى غيرها.
(54)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته طلاقًا بائنًا - أي: بثلاث طلقات - ثم هذا المطلق =
طُلِّقت في عدَّتها على عدتها
(55)
، وإن راجعها، ثم طلقها: استأنفت
(56)
(وإن نكح من أبانها في عدتها، ثم طلقها قبل الدخول) بها: (بنت) على ما مضى من عدتها؛ لأنه طلاق في نكاح ثان قبل المسيس والخلوة، فلم يوجب عدَّة، بخلاف ما إذا راجعها، ثم طلقها قبل الدخول؛ لأن الرجعة إعادة إلى النكاح الأول
(57)
.
قام بوطئها أثناء عدتها منه وطء شبهة - بأن كان يظنها زوجته التي في عصمته فاتضح أنها طليقته البائن: - فيجب عليها أن تستأنف العدَّة من جديد للوطء الأخير، وتدخل بقية العدة الأولى في العدة الجديدة؛ للتلازم؛ حيث إن كونهما عدَّتين قد وجبتا من واحد بسبب وطئين يلحق النسب فيهما - فيما لو حملت - لحوقًا واحدًا يلزم منه: تداخل العدَّتين؛ لعدم المحذور الشرعي، وعدم اختلاط الأنساب والمياه؛ لكونه ماء رجل واحد.
(55)
مسألة: إذا طلق زوج زوجته طلاقًا رجعيًا - أي: بطلقة أو طلقتين -، ثم طلَّق هذا الزوج تلك الرجعية مرة أخرى في أثناء عدتها: فإنها تبني على عدتها، وتكمله: كأن يطلقها، ثم بعد حيضة واحدة طلقها مرة أخرى: فإنها تبني على العدة الأولى، ولا تنقطع العدة، فتبقى لها حيضتان؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو طلقها بطلقتين في وقت واحد: فإن عليها عدة واحدة فكذلك الحال هنا والجامع: أنه في كل منهما وقع طلاقان لم يتخللهما وطء.
(56)
مسألة: إذا طلق زوج زوجته طلاقًا رجعيًا، ثم راجعها أثناء عدتها، ثم طلقها مرة أخرى قبل الدخول أو بعده: فإنها تستأنف وتبدأ عدة الطلاق الثاني من جديد؛ للتلازم؛ حيث يلزم من مراجعتها: إعادتها إلى النكاح الذي كانت فيه، ويلزم من ذلك إلغاء الطلاق الأول وكأنه لم يكن، فكانت العدَّة للثاني فقط.
(57)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته طلاقًا بائنًا، ثم نكحها في أثناء عدتها، ثم طلقها قبل الدخول بها والخلوة: فإنها تبني على ما مضى من عدتها، وتكمله، ولا تستأنف عدة جديدة؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ =
(فصل): يحرم إحداد فوق ثلاث على ميت غير زوج و (يلزم الإحداد مدَّة العدَّة كل) امرأة (متوفى عنها زوجها في نكاح صحيح؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر: أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا" متفق عليه، وإن كان النكاح فاسدًا: لم يلزمها الإحداد؛ لأنها ليست زوجة
(58)
، ولا يعتبر للزوم الإحداد: كونها وارثة، أو مكلَّفة، فيلزمها (ولو
تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} حيث إن ذلك عام، فيشمل ما نحن فيه؛ لكون ذلك طلاقًا في نكاح ثان غير متصل بالأول واقعًا قبل المسيس والخلوة، فيلزم: عدم وجوب العدة لذلك، وتكمل عدتها من الطلاق الأول، فإن قلتَ: ما الفرق بين هذه المسألة والمسألة التي قبلها - وهي (56) -؟ قلتُ: الفرق واضح، حيث إنه لما طلقها طلاقًا رجعيًا، ثم راجعها، ثم طلقها قبل الدخول - كما في مسألة (56) - فإنه قد أرجعها إلى النكاح الأول ثم طلقها فيه، ولذلك قلنا تستأنف العدة أي: تعتد للطلاق الجديد، دون الأول وكأن الطلاق الأول لم يوجد، بخلاف هذه المسألة - وهي (57) -: فإنه لما نكحها في أثناء عدتها - وهو قد أبانها سابقًا -: لم يكن هذا إرجاعًا لها إلى النكاح الأول بل نكاح جديد، فلا يستأنف عدَّة الطلاق إذا طلقها حينئذٍ قبل الدخول والخلوة.
(58)
مسألة: إذا توفي الزوج فيجب على زوجته أن تحدَّ عليه مدَّة عدَّة الوفاة - وهي أربعة أشهر وعشرة أيام - فتمنع عن نفسها كلَّ زينة - كما سيأتي في بيانه - بشرط: أن يكون النكاح بينهما نكاحًا صحيحًا، فإن تزوجته بنكاح فاسد - بأن تزوجت بغير ولي ونحو ذلك -: فلا يجب عليها الإحداد إذا توفي زوجها ويحرم الإحداد على ميت غير زوج فوق ثلاث ليال؛ لقواعد: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميت فوق ثلاث ليال إلّا على زوج أربعة أشهر وعشرًا" ولفظ "لا يحل" صريح في تحريم الإحداد على ميت غير زوج فوق ثلاث ليال، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون =
ذمية، أو أمة، أو غير مكلفة) فيجنبها وليها الطيب ونحوه، وسواء كان الزوج مكلَّفًا أو لا؛ لعموم الأحاديث، ولتساويهن في لزوم اجتناب المحرمات
(59)
(ويُباح) الإحداد
الإحداد تابعًا للعدَّة من زواج صحيح وهو من مكملاتها: وجوبه بسبب تلك العدَّة، ويلزم من كون الزواج فاسدًا: عدم صحة الزوجية، ويلزم من ذلك: عدم وجوب الإحداد على امرأة نكحت نكاحًا فاسدًا، الثالثة: المصلحة؛ حيث إن الإحداد على الزوج الميت من حق ذلك الزوج على امرأته التي ساواها بنفسه في حياته، وعاشرها، وعاش معها بكل ما في الحياة من شقاء وسعادة، وأحزان، وأفراح، فتمنع عن نفسها كل شيء حسن، سدًا للذريعة؛ لئلا تطمع بالرجال، أو يطمعون بها في هذه المدَّة التي هي من حق الزوج الميت، وهي حرمة زمانية له، وكذا: أبيح لها الإحداد على الميت غير الزوج ثلاث ليال؛ نظرًا لما يُصاب به المرء عند موت عزيز لديه من جزع، وحزن مما هو من طبيعة البشر؛ لتجدبها هذه الحزينة على قريبها نوع راحة نفسية، لكن ما زاد عن الثلاث: فهو مفسدة عليها، وقد ذكر ابن القيم ذلك وأطال الكلام فيه.
(59)
مسألة: لا يُشترط في وجوب الإحداد التكليف، أو الحرية، أو الإسلام، أو سن معيَّن أو الميراث فيجب الإحداد على المرأة المتوفى عنها زوجها سواء كانت مكلَّفة، أو لا، وسواء كانت حرة، أو أمة، وسواء كانت مسلمة أو ذمية زوجة لمسلم، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة، وسواء كانت وارثة أو لا، وسواء كان الزوج المتوفى مكلَّفًا أو لا؛ للسنة القولية: وهو الحديث السابق في مسألة (58)، وقوله في المحادَّة:"ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا، ولا الممشقة، ولا تمس طيبًا، ولا تختضب" الخ، فإن هذين الحديثين عامان يشملان من ذكرنا من النساء، فإن قلتَ: إنه لا إحداد على ذمية، ولا على غير المكلَّفة، وهو قول جمهور الحنفية؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم تكليف الكفار بفروع الإسلام، ويلزم من عدم تكليف الصغيرة والمجنونة: عدم وجوب الإحداد على الذمية، وغير المكلَّفة قلتُ: إن =
(لبائن من حي) ولا يُسنُّ لها، قاله في "الرعاية"(ولا يجب) الإحداد (على) مطلقة (رجعية و) لا على (موطوءة بشبهة أو زنا، أو في نكاح فاسد أو) نكاح (باطل، أو ملك يمين)؛ لأنها ليست زوجة متوفى عنها
(60)
(والإحداد: اجتناب ما يدعو إلى جماعها، ويُرغِّب في النظر إليها: من الزينة والطيب، والتحسين بإسفيذاج ونحوه (والحنا، وما صبغ للزينة) قبل نسج أو بعده كأحمر، وأصفر، وأخضر، وأزرق
حقوق الذمية في النكاح كحقوق المسلمة؛ لأن الكفار مكلفون بفروع الإسلام، وغير المكلَّفة تساوي المكلَّفة في اجتناب المحرمات كالخمر والزنا، وإنما يفترقان في الإثم، فكذلك في الإحداد؛ والجامع: حفظ حق الزوج في ذلك، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في الكفار هل مكلفون بفروع الإسلام أو لا؟ " - وقد بيّنته بالتفصيل في كتابي: "الإلمام في مسألة تكليف الكفار بفروع الإسلام" وأيضًا: "الخلاف في غير المكلَّفة هل تساوي المكلَّفة في ذلك؟ " فإن قلتَ: كيف تحاد غير المكلَّفة؟ قلتُ: يفعل ذلك بها وليها، فيُجنبها وليها الطيب وكل زينة ونحوهما مما تجتنبه المكلفة.
(60)
مسألة: لا إحداد على مطلقة: سواء كانت مطلقة طلاقًا بائنًا، أو رجعية، وزوجها حي، ولا على موطوءة وطء شبهة، أو وطء زنا، أو موطوءة بنكاح فاسد أو باطل، ولا على أمة مات سيدها؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ وهو الحديث الذي ذكر في مسألة (58)، حيث إنه ورد في عدَّة المتوفى عنها، فيدل على أن الإحداد إنما يجب في عدة الوفاة فقط، وما ذكر هنا لا يدخل فيها؛ لأنها ليست زوجة متوفى عنها، الثانية: التلازم؛ حيث إن الإحداد في عدة الوفاة شرع لإظهار الأسف والحزن على فراق زوجها وموته، أما الطلاق فإنه فارقها باختياره، وقطع نكاحها عمدًا منه: فلم يوجد المقصد من الإحداد، فلا معنى لتكلفها الحزن عليه، فلا يُشرع فيلزم عدم مشروعيته.
صافيين (و) ترك (حلي، وكحل أسود) بلا حاجة
(61)
(لا توتيا ونحوها ولا) ترك (نقاب و) لا ترك (أبيض ولو كان حسنًا) كإبريسم؛ لأن حسنه من أصل خلقته، فلا يلزم تغييره، ولا تمنع من ليس ملوَّن؛ لدفع وسخ ككحلي، ولا من أخذ ظفر ونحوه، ولا من تنظيف وغسل
(62)
.
(فصل): (وتجب عدَّة الوفاة في المنزل) الذي مات زوجها، وهي به (حيث
(61)
مسألة: المراد من الإحداد: أن تجتنب الزوجة المتوفى عنها كل شيء يدعو إلى جماعها، ويُرغِّب في النظر إليها ويُحسِّنها، ويحرك الشهوة: من زينة، وطيب، وتحسينات في الثياب أو البشرة، مما يجعل الوجه نضرًا، أو يزينه، أو يُبيضه، أو يُحمره، أو نحو ذلك، ولا تعمل الحنا بيديها ولا برجليها، ولا تلبس المصبوغ للزينة كأحمر، أو أصفر، أو أخضر، أو أزرق: سواء قبل نسجه أو بعده، ولا تتحلَّى بذهب أو فضة ولا تكتحل بالأسود إلّا إذا وجدت حاجة للكحل: فإنها تفعله بالليل دون النهار؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشَّق، والحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل" والنهي مطلق فيقتضي التحريم وغير ما ذكر في الحديث يقاس على ما ذكر؛ لعدم الفارق بجامع: اجتناب الزينة، من باب:"مفهوم الموافقة" الثانية: المصلحة؛ حيث يلزم من احتياج المرأة إلى الكحل؛ لشفاء عينيها: أن تفعله بقدر الحاجة فقط، وأن يكون ذلك في الليل؛ حتى لا يراها أحد؛ لأن الضرورة تقدَّر بقدرها.
(62)
مسألة: يُباح للمحادَّة أن تلبس كل لباس لا يلفت نظر الرجال حينما يرونه: كلبس الأبيض، أو الملون، ويُباح لها أن تفعل شيئًا ليس بزينة في أصل فعله كأن تنتقب، أو تأخذ بعض أظفارها، أو شعرها، أو تغتسل، أو تتنظف، ونحو ذلك؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ذلك ليس بزينة مقصودة في أصله: إباحة لبسه لها.
وجبت) فلا يجوز أن تتحوَّل منه بلا عذر، روي عن عمر، وعثمان، وابن عمر، وابن مسعود، وأم سلمة، (فإن تحوّلت خوفًا) على نفسها، أو مالها (أو) حُوِّلت (قهرًا أو) حولت (بحق) يجب عليها الخروج من أجله، أو بتحويل مالكه لها، أو طلبه فوق أجرته، أو لا تجد ما تكتري به إلا من مالها:(انتقلت حيث شاءت)؛ للضرورة، ويلزم منتقلة بلا حاجة العود
(63)
، .......................
(63)
مسألة: يجب أن تعتدُّ المتوفى عنها - أربعة أشهر وعشرة أيام - في المنزل الذي وجبت العدَّة عليها وهي ساكنة فيه، فلا يجوز أن تتحوَّل عنه وتتركه بلا عذر، وإن تحولت عنه بلا عذر: فيجب أن تعود إليه حتى تنقضي العدَّة، أما إن وُجد عذر: كأن تخاف على نفسها فيه، أو تخاف على مالها من عدو، أو حرق، أو غرق، أو هدم، أو حُوِّلت منه قهرًا وظلمًا، أو حُوِّلت منه بحق بأن تكون مؤذية لجيرانها، أو منعها صاحب المنزل من أن تجلس فيه، أو طلب أجرة له فوق أجرته المعتادة، أو لم تجد ما تستأجر ذلك المنزل به، أو نحو تلك الأعذار: فيجوز أن تنتقل من ذلك المنزل إلى منزل آخر حيث شاءت؛ لقاعدتين: الأولى: قول الصحابي؛ حيث إنه قد ثبت عن عمر، وابنه، وعثمان، وابن مسعود، وأم سلمة أنها تعتدُّ في المنزل الذي وجبت عليها العدة وهي ساكنة فيه الثانية: المصلحة؛ حيث إن المصلحة تقتضي تحولها من منزلها إلى منزل آخر حيث شاءت إذا وُجدت مفسدة عليها في مقامها في منزلها ذلك ولو قلَّت تلك المفسدة؛ لأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولذلك وجبت العودة إلى ذلك المنزل إذا انتقلت منه بلا عذر؛ تنبيه: قوله: "أولا تجد ما تكتري به إلا من مالها" يقتضي أنها إذا وجدت ما تكتري به من مالها: فيجوز لها أن تتحوَّل - وإن لم يوجد عذر آخر - وهذا بعيد؛ لأن ما تعتدُّ به ليس مال الميت أصلًا؛ لكونه انتقل إلى الورثة، وهي منهم، وبهذا تسقط العدة في المنزل الذي وجبت العدة وهي ساكنة فيه في هذه الحالة، والصحيح: أنها إذا وجدت ما تكتري به هذا المنزل من مالها: فتجب =
وتنقضي العدَّة بمضي الزمان حيث كانت
(64)
(ولها) أي: للمتوفي عنها زمن العدة (الخروج لحاجتها نهارًا، لا ليلًا)؛ لأنه مظنة الفساد
(65)
(وإن تركت الإحداد) عمدًا: (أثمت، وتمَّت عدتها بمضي زمانها) أي: زمان العدة؛ لأن الإحداد ليس شرطًا في انقضاء العدَّة
(66)
، ورجعية في لزوم مسكن كمتوفى عنها
(67)
، وتعتد بائن بمأمون من
إقامتها فيه مدَّة العدَّة.
(64)
مسألة: تنقضي العدَّة بمضي أربعة أشهر وعشرة أيام في أي مكان هي فيه: أي: سواء كانت في منزلها الذي وجبت العدَّة عليها وهي ساكنة فيه، أو تحولت وانتقلت إلى منزل آخر؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم اشتراط مكانٍ لقضاء العدة فيه: أن تنقضي العدَّة بمضي زمان العدَّة بصرف النظر عن مكان وجودها.
(65)
مسألة: إذا احتاجت المتوفى عنها إلى الخروج لقضاء حاجة من حاجاتها كبيع، أو شراء، أو وكالة ونحو ذلك: فيُباح لها أن تخرج بقدر حاجتها فقط وذلك بالنهار، دون الليل؛ للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه جلب مصلحة لها من قضاء حاجتها، ودفع مفسدة: عدم ذلك، ومفسدة خروجها في الليل؛ لأنه لا يخرج في الليل إلا ويُريد الفساد غالبًا إلا من خرج لضرورة وحاجة فهو معذور بذلك.
(66)
مسألة: إذا تركت المتوفى عنها الإحداد: فإنها تأثم، وتتم عدّتها بسبب مضي زمن العدة - وهي: أربعة أشهر وعشرة أيام - ولو لم تقم بالإحداد؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم اشتراط الإحداد في انقضاء العدَّة: أن تنقضي العدَّة بمضي زمان العدَّة بصرف النظر عن كونها قد قامت بالإحداد أو لا.
(67)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته طلاقًا رجعيًا فيجب عليها أن تعتدّ في سكن الزوجية كمتوفى عنها، ولا يجب عليها الإحداد؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} حيث نهى الشارع أن تُخرج من بيتها، ونهاها هي أن تخرج، والنهي مطلق فيقتضي التحريم، وترك الحرام واجب، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ =
البلد حيث شاءت، ولا تبيت إلا به، ولا تسافر، وإن أراد إسكانها بمنزله أو غيره؛ تحصينًا لفراشه، ولا محذور فيه: لزمها
(68)
.
حيث إن ذلك فيه صيانة لها، ولفراشه من التبرج بسبب الخروج، والتعرض للريبة.
(68)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته طلاقًا بائنًا: فتعتد بأي منزل مأمون في بلدها، ولا تنام إلا فيه، ولا تسافر عنه إلى أن تنتهي مدَّة عدتها، وإن شاء الزوج أن يُسكنها في منزله أو مكان آخر آمن بقصد حمايتها، وتحصين فراشه، ولا يُوجد ما يمنع ذلك: فإنه يلزمها أن تقبل ذلك إذا أنفق عليها مدَّة العدَّة؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قالت فاطمة بنت قيس: "طلقني زوجي ثلاثًا، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعتدّ في أهلي" الثانية: المصلحة؛ حيث إن الزوج إذا أراد أن يسكنها مع النفقة عليها مدَّة العدَّة: فإنه يلزمها قبول ذلك؛ لدفع المفاسد عنها وعنه، وشُرع النوم في سكنها الآمن، وعدم السفر في مدَّة العدَّة؛ حفاظًا عليها من التبرج والتعرض للريبة والشك فيها.
هذه آخر مسائل: "حقيقة العدَد، وأصناف المعتدات، وحكم الإحداد، وسكنى المتوفى عنها، والرجعية، والبائن" ويليه باب: "استبراء رحم الأمة".
باب الاستبراء
مأخوذ من: "البراءة"، وهي: التمييز والقطع، وشرعًا: تربُّص يقصد منه العلم ببراءة رحم ملك يمين
(1)
(من ملك أمة يوطًا مثلها) ببيع، أو هبة، أو سبي، أو غير ذلك (من صغير، وذكر وضدهما) وهو: الكبير والمرأة: (حرم عليه وطؤها، ومقدماته) أي: مقدمات الوطء من قبلة ونحوها (قبل استبرائها)؛ لقوله عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يسقي ماءه زرع غيره" رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود
(2)
، وإن أعتقها قبل استبرائها: لم يصح أن يتزوجها قبل استبرائها، وكذا
باب استبراء رحم الأمة
وفيه سبع مسائل:
(1)
مسألة: الاستبراء لغة مأخوذ من "البراءة" وهي: القطع والإبعاد والفصل، يُقال:"أبرأت هذا الشيء" إذا قطعته عن غيره، وأبعدته عنه، وفصلته عنه، وهو في الاصطلاح:"تربُّص وانتظار مدَّة يُقصد منه العلم ببراءة رحم الأمة" وعُبّر بـ "الاستبراء"؛ لأن فيه طلب براءة رحم الأمة، فإن قلت: لِمَ ذكر هذا الباب هنا؟ قلتُ: لتناسبه مع ما سبق ذكره؛ حيث إنه لما ذكر عدَّة الحرَّة، والمتزوجة من الإماء: ناسب أن يذكر عدَّة الأمة إذا مات عنها سيدها، أو باعها، أو اشتراها ونحو ذلك، فإن قلتَ: لَمِ سُمِّي هذا الباب بهذا الاسم؟ قلتُ: لتقديره بأقل ما يدل على البراءة، من غير تكرار، ولا تعدُّد، وهو خاص بالإماء.
(2)
مسألة: إذا ملك شخص أمة يوطأ مثلها بشراء، أو بسبي، أو بهبة، أو بإرث أو وصية أو غير ذلك من أسباب الملك: فيحرم عليه أن يطأها أو يُجامعها قبل أن يستبرأها،، وإن وطأها قبل استبرائها: فإنه يأثم ويجب عليه استئناف الاستبراء بعد وطئه لها، وهذا مطلق، أي: سواء كان مالكها الأول صغيرًا، أو كبيرًا، وسواء كان ذكرًا أو أنثى، وسواء كانت بكرًا أو ثيبًا؛ أما الاستمتاع بها بدون=
ليس لها أن تتزوج غيره إن كان بائعها يطؤها
(3)
، ومن وطئ أمته، ثم أراد تزويجها، أو بيعها: حرما حتى يستبرئها، فإن خالف: صح البيع، دون التزويج
(4)
، وإن أعتق
الفرج فيجوز؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر: فلا يسقي ماءه زرع غيره" وهذا عام للحرائر، والإماء، وللكبيرة والصغيرة، والثيب والبكر، والحامل والحائل، والمملوكة -قبل ملكه لها- عند صغير أو كبير، أو ذكر أو أنثى، فحرم الوطء هنا؛ لأن النهي مطلق، فيقتضي تحريمه، دون الاستمتاع، لعدم ذكره، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه احتياط في الأبضاع؛ لئلا تختلط المياه والأنساب، فإن قلت: يحرم الوطء والجماع ومقدماته من قبلة ونحوها، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الحرة إذا اعتدَّت حرم الوطء فحرمت مقدماته فكذلك استبراء الأمة ما دام أنه يُحرِّم الوطء فإنه يحرم مقدماته قلتُ: هذا قياس فاسد؛ لأنه قياس مع النص؛ حيث إنه مخالف للسنة القولية السابقة الذكر؛ بدليل قوله: "فلا يسقي ماءه زرع غيره" فإن مفهومه يدل على جواز الاستمتاع بما دون الوطء، ويؤيده: جواز الخلوة والنظر، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع النص".
(3)
مسألة: إذا أعتق شخص أمة قبل استبرائها: فلا له أن يتزوجها ذلك المعتق إلا بعد أن يستبرئها، وإن باعها سيدها: فلا يصح لها أن تتزوج غيره إلّا بعد استبرائها إن كان بائعها يطأها، أما إن كان بائعها لا يطأها فيجوز؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا توطأ حائل حتى تستبرأ بحيضة" وهذا عام لما ذكرنا الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من احتمال كونها حاملًا: وجوب استبرائها قبل أن يطأها؛ ويلزم من عدم وطء بائعها لها: عدم الحاجة إلى الاستبراء؛ لعلمنا عدم شغل الرحم بشيء.
(4)
مسألة: إذا وطئ شخص أمته فلا يجوز له أن يبيعها، أو يُزوجها إلا بعد أن =
سريته، أو أم ولده، أو عتقت بموته: لزمها استبراء نفسها إن لم يكن استبرأها
(5)
(واستبراء الحامل بوضعها) كل الحمل (و) استبراء (من تحيض بحيضة)؛ لقوله عليه السلام في سبي أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة" رواه أحمد، وأبو داود (و) استبراء (الآيسة والصغيرة بمضي شهر)؛ لقيام الشهر مقام حيضة في العدَّة، واستبراء من ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه عشرة أشهر
(6)
، وتصدَّق الأمة إذا قالت:"حضتُ"، وإن ادَّعت موروثة تحريمها على وارث
يستبرئها، فإن فعل -بأن باعها، وزوَّجها مع أنه كان يطأها-: فإن البيع يصح، والتزويج لم يصح؛ لقاعدتين: الأولى القياس؛ بيانه: كما أن المشتري يجب عليه استبراء الأمة التي اشتراها قبل وطئها، فكذلك البائع يجب عليه الاستبراء قبل بيعها والجامع: حفظ ماء كل واحد منهما وهو المقصد منه، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عمر أنكر على عبد الرحمن بن عوف بيع جارية قبل استبرائها، وكان يطأ تلك الجارية.
(5)
مسألة: إذا أعتق شخص أمة كان يتسرَّى بها، أو أعتق أم ولده، أو عتقت أم ولده بسبب موته: فإنه يجب عليها أن تستبرئ نفسها إن لم يكن ذلك الشخص قد استبرأها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من فراقها لسيدها بالعتق، أو الموت: وجوب الاستبراء منها، أو من سيدها؛ لعدم جواز انتقالها من فراش سيدها إلى فراش غيره بلا استبراء، ويلزم من كون السيد قد استبرأها بنفسه: سقوط الاستبراء؛ للعلم ببراءة رحمها؛ لكونه هو المقصد من الاستبراء.
(6)
مسألة: يحصل استبراء رحم الأمة بطرق تختلف باختلاف حالاتها: الحالة الأولى: إن كانت حاملًا: فإنها تُستبرأ بوضع كل حملها؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وهذا عام للحرائر، والإماء الثانية: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "لا توطأ حامل حتى تضع" وهذا عام أيضًا للحرائر والإماء، والنهي للتحريم؛ لأنه مطلق الحالة الثانية: إن كانت =
بوطء مورِّثه، أو ادَّعت مشتراة أن لها زوجًا: صُدِّقت؛ لأنه لا يُعرف إلا من جهتها
(7)
.
الأمة تحيض: فإنها تستبرأ بحيضة واحدة؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام: "ولا غير حامل حتى تحيض حيضة" حيث نهى عن وطء الأمة غير الحامل إلّا بعد فراغها من حيضة واحدة، ودل مفهوم الغاية في الحالة الأولى والثانية: على جواز وطئها بعد وضعها الحمل، وبعد الفراغ من حيضة واحدة، الحالة الثالثة: إن كانت الأمة آيسة -أي: لها خمسين فما فوق غالبًا -أو صغيرة- أي دون التسع غالبًا-: لا يأتيهما الحيض: فإنها تستبرأ بمضي شهر واحد فقط؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كفاية الحيضة للاستبراء بالنسبة للتي يأتيها الحيض: أن يكفي شهر واحد للاستبراء للآيسة وللصغيرة اللتين لا يأتيهما الحيض؛ لأن الشهر يقوم مقام الحيضة الواحدة، الحالة الرابعة: إن كانت الأمة يأتيها الحيض، ولكنه ارتفع عنها، ولم تدر ما الذي رفعه: فإنها تستبرأ عشرة أشهر: تجعل تسعة أشهر للحمل، وشهرًا واحدًا للاستبراء؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الحرة التي ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه تعتد اثني عشر شهرًا: تسعة أشهر للحمل، وثلاثة أشهر للعدَّة -كما سبق في مسألة (30) من "بيان حقيقة العدد، والمعتدات"- فكذلك الأمة هنا مثلها بالنسبة للحمل، وبالنسبة للاستبراء يكفيها حيضة واحدة، كما ثبت بالسنة القولية التي ذكرناها في الحالة الثانية.
(7)
مسألة: إذا قالت أمة لزيد: "إنها حاضت" وفرغت من حيضتها -التي ينتهي وقت استبرائها بها- أو ادَّعت أمة قد ورثها زيد عن أبيه، أو عن ابنه بأن أباه، أو ابنه قد قام بوطئها قبل موته، أو ادَّعت أمة قائلة لزيد -الذي اشتراها- بأن لها زوجًا: فإن تلك الأمة تُصدَّق في تلك الصور الثلاث، ويقبل زيد كلامها: فيجوز بناء على ذلك: أن يطأها زيد في الصورة الأولى، ولا يجوز أن يطأها في الصورة الثانية، ولزيد في الصورة الثالثة أن يفسخ البيع؛ للتلازم؛ حيث يلزم من =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كون تلك الدعاوي في الصور الثلاث لا تعرف إلّا من جهتها: أن تصدَّق فيما تقول؛ لعدم أو مشقة أن يُعرف ذلك من غيرها.
هذه آخر مسائل باب "استبراء رحم الأمة" وهو آخر أبواب كتاب "العِدَد"، ويليه
كتاب: "الرضاع".
كتاب الرَّضاع
وهو لغة: مصُّ اللَّبن من الثدي، وشرعًا: مصُّ من دون الحولين لبنًا ثاب عن حمل، أو شربة، أو نحوه
(1)
(يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)؛ لحديث عائشة مرفوعًا: "يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة" رواه الجماعة
(2)
(والمحرِّم) من
كتاب الرضاع
وفيه ست عشرة مسألة
(1)
مسألة: الرضاع لغة: مصدر: رضع -بكسر الضاد- يرضع: إذا مصَّ اللَّبن من الثدي، وهو في الاصطلاح:"أن يمص طفل دون الحولين خمس رضعات لبنًا من امرأة قد اجتمع عن حمل، أو أن يشربه، أو يأكله بعد أن يبس، أو يُسقى إياه، أو يُجعل كسعوط في أنف، أو وجور في فم" وسيأتي بيان ذلك في مسائل الرضاع.
(2)
مسألة: يحرم من الرضاع مثل ما يحرم من النسب كجواز النظر، والخلوة، والسفر، وعدم جواز النكاح؛ لقواعد الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} حيث ذكر ذلك من جملة المحرمات؛ حيث سمَّى المرضعة أمًا للمرتضع، وسمَّى من ارتضع من لبنها أختًا له من الرضاعة، وإذا حُرِّمت الأخت: فمن باب أولى أن تحرم البنت وإن نزلت من الرضاعة من باب "مفهوم الموافقة الأولى" الثانية: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "إن الرضاعة تُحرِّم ما تُحرِّم الولادة" وروى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بنت حمزة -: "لا تحل لي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وهي ابنة أخي من الرضاعة"، الثالثة: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على التحريم بالرضاع؛ فإن قلت: لِمَ شرع هذا؟ قلتُ: لأن اللبن إذا مصَّه طفل دون الحولين: فإنه ينبت اللحم، ويُقوِّي العظم ويُنشزه.
الرضاع (خمس رضعات)؛ لحديث عائشة قالت: أُنزل في القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن" فنُسخ من ذلك خمس رضعات، وصار إلى "خمس رضعات معلومات يحرمن" فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك رواه مسلم، وتحرم الخمس إذا كانت (في الحولين)؛ لقوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام" قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ومتى امتصَّ، ثم قطعه لتنفُّس، أو انتقال إلى ثدي آخر ونحوه فرضعة، فإن عاد -ولو قريبًا- فثنتان
(3)
(والسعوط) في
(3)
مسألة: يُشترط في صحة الرضاع المحرِّم شروط أربعة: الشرط الأول: أن يرضع الطفل خمس رضعات معلومات فصاعدًا؛ للسنة القولية: حيث قالت عائشة: أنزل في القرآن: "عشر رضعات معلومات يُحرِّمن، فنُسخ من ذلك خمس، وصار إلى خمس رضعات معلومات يُحرِّمن، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك" وقال عليه السلام لسهلة بنت سهيل: "أرضعي سالمًا خمس رضعات"؛ الشرط الثاني أن يكون الطفل المرتضع في الحولين من عمره -أي: عمره سنتان فما دون-؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} حيث دلّت الآية بمنطوقها على أن الرضاع المعتبر والمفيد في إنبات اللحم، وتقوية العظم ونشر الحرمة يكون في الحولين فما دون، الثانية: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام" كما روته أم سلمة وفي رواية: "إلا ما أنشز العظم، وأنبت اللحم" فحصر الرضاع المفيد والمحرِّم بالرضاع الذي يقوم مقام الطعام والغذاء، وهو ما فتق ووسَّع الأمعاء، وهذا لا يكون إلا في الصغر قبل الفطام -وهو ما إذا كان للطفل حولان فأقل-، ودل مفهوم الحصر هنا على أن الرضاع الذي يكون بعد الفطام -وهو ما بعد الحولين- لا يحرِّم؛ إذ شربه بعد الفطام لا يفيده كما يفيده إذا شربه، قبله، الشرط الثالث: أن تكون الرضعات=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الخمس متفرقات، وهذا راجع إلى العرف، وصفة ذلك: أن الطفل إذا ارتضع، ثم قطع ذلك باختياره قطعًا بيِّنًا: كان ذلك رضعة، فإذا عاد: كانت رضعة أخرى- وإن كان قريبًا-، أما إن قطع الرضعة لتنفُّسٍ أو قطع للانتقال إلى ثدي آخر، أو قطعه لشيء يُلهيه، أو قطعت عليه المرضعة، ثم عاد قريبًا في تلك الصور: فإن يُحسب رضعة واحدة؛ لقاعدتين: الأولى: العرف والعادة؛ حيث إن الشرع ورد بالرضاع مطلقًا ولم يحده بزمن ولا مقدار، فدلَّ ذلك على أنه ردَّهم إلى العرف والعادة التي تجري بينهم في مثل ذلك. الثانية: التلازم؛ حيث إن قطعه للرضاعة لتنفس، أو انتقال أو لملهاة، أو قطع المرضعة له، ثم عوده إلى الرضاعة قريبًا: يلزم منه أن تحسب الأولى، والثانية رضعة واحدة في تلك الصور، الشرط الرابع: أن يكون اللبن المرتضع منه قد اجتمع عن حمل قد تقدم، فإن كان ذلك اللبن من غير حمل: لم يثبت به الحرمة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ما خرج منها ليس لبنًا حقيقيًا بل هو رطوبة متولِّدة: أن لا ينشر الحرمة، فإن قلت: إنه لا يُشترط الأول؛ إذ قليل الرضاع وكثيره يحرِّم، وهو قول مالك، والحنفية، ورواية عن أحمد؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ والثانية: السنة وقد سبق ذكرهما في مسألة (2) حيث ورد ذلك عامًا يشمل القليل والكثير قلتُ: إن حديث عائشة، وما ورد في سالم قد خصَّص الآية والحديث اللذين قد ذكروهما، فإن قلتَ: إنه لا يشترط الثاني؛ فالرضاعة تحرِّم وإن كان المرتضع كبيرًا - أي: فوق الحولين -وهو قول حكي عن عائشة؛ للسنة القولية: وهو حديث سهلة في إرضاع سالم خمس رضعات، وكان كبيرًا، وقال أبو حنيفة: يُحرِّم الرضاع إذا كان الطفل في ثلاثين شهرًا؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} ولم يُرد بالحمل: حمل البطن والأحشاء، فكان المراد: الحمل في الفصال قلتُ: أما حديث سهلة فهو رخصة خاصة بسالم فقط؛ لأنه لو قيل به لخالف ذلك الآية - وهي: {والوالدات يرضعن
…
} - وحديث أم سلمة مخالفة صريحة، وأما =
أنف (والوجور) في فم محرِّم كرضاع
(4)
(ولبن) المرأة (الميتة) كلبن الحية (و) لبن
قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} فالمراد به حمل البطن، وبه استدل علي وابن عباس على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فإن قلتَ: ما الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض الكتاب والسنة".
(4)
مسألة: إذا صُبَّ اللَّبن في أنف الطفل دون الحولين من إناء خمس مرات -وهو السُّعوط- أو صُبَّ اللَّبن في فم ذلك الطفل -وهو الوجور-: فإن ذلك محرِّم كالرضاع؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "لا رضاع إلا ما أنشز العظم، وأنبت اللحم" وهذا السعوط باللبن، والوجور به مثل الرضاع في إنشاز العظم، وإنبات اللحم، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الرضاع يُثبت التحريم فكذلك الوجور، والسعوط باللبن يثبت ذلك، والجامع: أن كلًّا منهما يحصل به إنبات اللحم، وإنشاز العظم فإن قلتَ: إن هذا لا يثبت به التحريم؛ للقياس؛ بيانه: كما أن اللَّبن لو دخل إلى البدن من جرح فإنه لا يثبت التحريم فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا منهما حصل بغير ارتضاع قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن الأنف والفم إذا دخل فيهما شيء: فإنه يذهب إلى المعدة غالبًا، بخلاف ما إذا دخل من جرح في البدن فلا يذهب إلى المعدة، فكان الأنف والفم سبيلين للتحريم كالرضاع، دون غيرهما، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلت: سببه: "تعارض القياسين".
[فرع]: إذا عُمل اللبن جبنًا، ثم أُطعم الطفل: فإنه يثبت به التحريم؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو شربه: فإنه يثبت به التحريم، فكذلك الحال هنا، والجامع: أنه قد حصل إنشاز العظم، وإنبات العظم بهما، وأنه وصل إلى الحلق والمعدة.
[فرع ثان]: الحقنة باللبن -بأن يوضع اللبن في إبرة فتُدخل في عرق من عروق الطفل، أو من جهة دبره - لا تثبت بها الحرمة؛ للتلازم؛ حيث إن هذا =
(الموطوءة بشبهة، أو بعقد فاسد) كالموطوءة بنكاح صحيح (أو باطل) أي: الموطوءة بنكاح باطل إجماعًا (أو بزنا محرِّم) لكن يكون مرتضع ابنًا لها من الرضاع فقط في الأخيرتين؛ لأنه لما لم تثبت الأبوة من النسب: لم يثبت ما فرعها
(5)
(وعكسه)
لا يصل المعدة، ولا يحصل به نشز عظم، وإنبات لحم عادة: فيلزم منه: عدم ثبوت التحريم عن طريقه، فإن قلتَ: بل يثبت بها التحريم وهو قول الشافعي؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الحقنة تفطر من استعملها فكذلك يتعلق بها التحريم كالرضاع، والجامع: وصول ذلك إلى داخل البدن قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن الرضاع يُدخل اللبن إلى داخل المعدة فيحصل منه إنشاز العظم، وإنبات اللحم، بخلاف الحقنة: فلا يحصل منها ذلك فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع التلازم".
(5)
مسألة: إذا رضع الطفل لبن امرأة ميتة، أو رضع لبن الموطوءة بشبهة -كمن وطئ امرأة يظنها امرأته فبانت غيرها فحملت، فوضعت -أو رضع لبن موطوءة بعقد فاسد -بأن نكحها رجل بلا ولي- ثم حملت، ثم وضعت -أو رضع لبن موطوءة بنكاح باطل -وهو أن ينكحها خامسة- أو رضع لبن موضوءة بزنا- فحملت، ثم وضعت بالشروط الثلاثة السابقة في مسألة (3): فإن هذا يُعتبر محرِّم؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو رضع من حية موطوءة بنكاح صحيح: فإنه يُثبت الحرمة فكذلك الحال هنا والجامع: أن اللبن في كل منها ينشز العظم، وينبت اللحم، بصرف النظر عن سبب الحمل، فإن قلتَ: إذا رضع طفل من لبن موطوءة بنكاح باطل، أو بزنا، أو بلبن النافي لولده باللعان: فإن الطفل المرتضع يكون ابنًا لتلك الموطوءة من الرضاع فقط، ولا يكون ابنًا للواطيء، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الولد الذي تأتي به الموطوءة لا ينسب للواطيء: أن لا يثبت ما هو فرع لذلك، وهو هذا الطفل المرتضع من لبن ذلك المولود الذي لا يُنسب لأبيه قلتُ: هذا بعيد؛ لأن الواطئ حصل منه لبن وولد، =
أي: عكس اللَّبن المذكور لبن (البهيمة و) لبن (غير حُبلى، ولا موطوءة) فلا يحرِّم، فلو ارتضع طفل وطفلة من بهيمة، أو رجل، أو خنثى مشكل، أو ممن لم تحمل: لم يصيرا أخوين
(6)
(فمتى أرضعت امرأة طفلًا) دون الحولين: (صار) المرتضع (ولدها
والولد ينشر الحرمة بينه وبين الواطئ، فكذلك اللَّبن والجامع: أن هذا اللَّبن الذي تسبَّب فيه هذا الواطئ ينشز العظم، ويُنبت اللحم، وكذلك ينشر الحرمة إلى المرضعة -كما قلتم- مع أنها موطوءة بنكاح باطل، أو بزنا، فكذلك ينشر الحرمة إلى الواطيء، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في لبن الموطوءة بنكاح باطل، أو زنا هل مثل لبن الموطوءة بنكاح صحيح؟ " فعندنا: لا فرق بينهما في نشر الحرمة، وعندهم: فيه فرق.
[فرع]: إذا وطئ رجلان امرأة بشبهة، فأتت بولد، فأرضعت بلبنه طفلًا: فإن هذا الطفل يكون ابنًا من الرضاع لمن نسب إليه ذلك المولود، وإن ألحقته القافة بهما معًا: فإنه يصير ابنهما معًا من الرضاع؛ للتلازم؛ حيث إن المرتضع تابع للولد الذي ارتضع هذا المرتضع من لبنه فيلزم ما قلناه.
(6)
مسألة: لا ينشر الحرمة إلا لبن الآدمية الموطوءة التي حملت بسبب ذلك الوطء: أما إن ارتضع طفلان من لبن بهيمة، أو لبن رجل، أو خنثى مشكل، أو لبن غير الموطوءة، أو لبن الموطوءة التي لم تحمل: فإنهما لا يصيران أخوين من الرضاع، للتلازم؛ حيث يلزم من كون لبن الآدمية الموطوءة التي حملت بسببه: قد خُلق الغذاء المولود الآدمي، وإنبات لحمه، وإنشاز عظمه: أن لا ينشر الحرمة إلا هو - أي: إلّا هذا اللبن-، ويلزم من كون لبن البهيمة: لم يُخلق لغذاء المواليد، وأن لبن غير الموطوءة التي لم تحمل وغير ذلك مما ذكر: ليس لبنًا حقيقيًا، بل هو رطوبة متولِّدة: أن لا ينشر الحرمة، فإن قلتَ: إن اللبن من المرأة ينشر الحرمة وإن كان من غير وطء وحمل، وهو قول كثير من العلماء؛ للقياس؛ بيانه: كما أن اللبن الذي قد اجتمع عن حمل بسبب وطء ينشر الحرمة، فكذلك لبن المرأة مثل=
في) تحريم (النكاح و) إباحة النظر والخلوة و) في (المحرمية) دون وجوب النفقة، والعقل، والولاية وغيرها (و) صار المرتضع أيضًا فيما تقدَّم فقط (ولد من نُسب لبنها إليه بحمل) أي: بسبب حملها منه، ولو بتحملها ماءه (أو وطء) بنكاح أو شبهة، بخلاف من وطئ بزنا؛ لأن ولدها لا يُنسب إليه، فالمرتضع كذلك (و) صارت (محارمه) أي: محارم الواطئ اللاحق به النسب كآبائه، وأمهاته، وأجداده، وجداته، وإخوته، وأخواته، وأولادهم، وأعمامه، وعماته، وأخواله، وخالاته (محارمه) أي: محارم المرتضع (و) صارت (محارمها) أي: محارم المرضعة كآبائها، وأخواتها، وأعمامها، ونحوهم (محارمه) أي: محارم المرتضع (دون أبويه، وأصولهما وفروعهما) فلا تنتشر الحرمة لأولئك (فتباح المرضعة لأبي المرتضع، وأخيه من النسب و) تباح (أمه وأخته من النسب لأبيه وأخيه) من رضاع إجماعًا، كما يحل لأخيه من أبيه أخته من أمه
(7)
(ومن حرمت عليه بنتها) كأمه، وجدته، وأخته (فأرضعت
ذلك وإن كان من غير وطء وحمل والجامع: أن كلًّا منهما لبن امرأة قلتُ: إن هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن اللبن الخارج من غير وطء وحمل، ليس لبنًا حقيقيًا فلا يُفيد ما يفيده اللبن الحقيقي، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازم مع القياس".
(7)
مسألة: إذا تزوج زيد امرأة اسمها زينب، وقام بوطئها، وحملت منه، ثم أتت بولد اسمه عمرو، وأرضعت من لبن عمرو هذا: طفلًا اسمه بكر -قد استكمل الشروط السابق ذكرها في مسألة (3) -: فإن بكرًا -المرتضع- يصير ولد زينب من الرضاع في "تحريم النكاح منها" و"إباحة النظر" و "إباحة الخلوة" وفي "كونه محرمًا لها" فقط، وتصير محارمها محارمه: فآباء زينب يكونون آباء بكر، وأجدادها هم أجداده، وأمهات زينب يكن أمهات بكر، وجداتها هم جداته، وأخواتها: يكونون خالات بكر، وأخوتها يكونون أخواله، وأعمامها يكونون أعمامه، وعمّاتها يكونون عماته وهكذا، ويكون بكر أيضًا ولد زيد من الرضاع - وهو =
طفلة: حرمتها عليه) أبدًا (وفسخت نكاحها منه إن كانت زوجة) له؛ لما تقدم من أنه
= زوج زينب، وهو: من نسب إليه لبن زينب بسبب حمل ووطء -وتكون محارمه محارمه: فآباء زيد، وأمهاته، وأجداده، وجداته؛ وإخوته، وأخواته وأولادهم، وأعمامه، وعماته، وأخواله، وخالاته هم: آباء بكر، وأمهاته، وأجداده، وجداته، وإخوته وأخواته، وأعمامه، وعماته، وأخواله، وخالاته، ولو كانت المرتضعة من زينب تلك طفلة: لصارت ابنة لزيد من الرضاع في "تحريم النكاح منها" و"إباحة النظر" و "إباحة الخلوة" و "كونه محرمًا لها" فقط، وهذا خاص ببكر فقط، دون أبويه، وأصولهما، وفروعهما: فيجوز أن تتزوج المرضعة - وهي زينب -بأبي بكر -المرتضع- وأخي بكر من النسب، ويجوز أن تتزوج أمه وأخته من النسب بزيد هذا، وبأخيه من الرضاع -وهو عمرو-، ويجوز أن يتزوج أخوه من النسب بأخته من الرضاعة، وهكذا؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" وهذا واضح من المثال، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من أن النسب أقوى من الرضاع: أن يكون التحريم بسبب الرضاع فيما نُص عليه، وما يتفرع عنه من المحرمية، والخلوة، وإباحة النظر، وعدم النكاح.
[فرع]: الرضاع لا يوجب النفقة، ولا العقل، ولا الولاية ولا الإرث، فلا تجب نفقة المرتضع -وهو بكر- على زينب ولا على زيد -في المثال السابق- ولا يكون المرتضع -وهو بكر- من عاقلة زيد، ولا العكس، ولا يتولى زيد على بكر -المرتضع- ولا العكس، ولا يرث زيد بكرًا -المرتضع- ولا العكس؛ للتلازم؛ وقد سبق ذكره قريبًا. تنبيه قوله:"بخلاف من وطئ بزنا؛ لأن ولدها لا يُنسب إليه فالمرتضع كذلك" قلتُ: هذا مبني على مذهب المصنف، وهذا مرجوح كما سبق في مسألة (5).
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
(8)
ومن أرضع خمس أمهات أولاده بلبنه زوجة له صغرى: حرمت عليه؛ لثبوت الأبوة، دون أمهات أولاده؛ لعدم ثبوت الأمومة
(9)
(وكل امرأة أفسدت نكاح نفسها بـ) ـــسبب (رضاع قبل الدخول: فلا مهر لها)؛ لمجيء
(8)
مسألة: كل امرأة تحرم على زيد ابنتها: مثل أمه، وجدته، وأخته، فأرضعت هذه المرأة طفلة: فإنها تحرمها على زيد ولو كبرت تلك الطفلة وتزوجها زيد -مع الجهل بذلك- فإنه إذا علم بهذا الرضاع، يجب فسخ النكاح؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"، وهؤلاء يحرمن من النسب بلا شك: فيحرمن بالرضاع؛ لأن أمه إذا أرضعت طفلة: فإن تلك الطفلة تكون أختًا لزيد، وإذا كانت المرضعة جدة زيد: فإن الطفلة تكون عمته أو خالته، وإن كانت المرضعة أخته: فإن تلك الطفلة تكون ابنة أخته من الرضاع.
[فرع]: كل رجل تحرم ابنته على زيد كأبيه، وابنه، وأخيه إذا أرضعت امرأته بلبنه طفلة: فإنها تحرمها عليه؛ لأنها تصير أخته، وبنت ابنه، وبنت أخيه؛ للسنة القولية -كما سبق قريبًا-.
(9)
مسألة: إذا تزوَّج زيد فاطمة، ثم بان أنَ فاطمة هذه كانت قد رضعت من خمس زوجات لزيد سابقات: - هن أمهات لأولاده -رضعت من كل واحدة رضعة واحدة من لبنه: فإن فاطمة تلك تحرم عليه، ويجب فسخ النكاح، ولا يصرن خمس الأمهات تلك أمهات فاطمة من الرضاعة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون فاطمة قد ارتضعت من لبن الخمس -وهو لبن زيد؛ لكونهن أمهات لأولاده - ثبوت الأبوة، أي: أن تكون فاطمة ابنته من الرضاع؛ لأنها رضعت من لبنه خمس رضعات، وإن تفرقت الأمهات، ويلزم من كونها قد رضعت من كل واحدة رضعة واحدة: عدم ثبوت الأمومة؛ لأن الرضعة الواحدة لا تثبت الحرمة.
الفرقة من جهتها (وكذا: إن كانت) الزوجة (طفلة فدبت، فرضعت من) أم، أو أخت له (نائمة): انفسخ نكاحها، ولا مهر لها؛ لأنه لا فعل للزوج في الفسخ (و) إن أفسدت نكاح نفسها (بعد الدخول) فـ (ـــمهرها بحاله)؛ لاستقرار المهر بالدخول
(10)
(وإن أفسده) أي: نكاحها (غيرها: فلها على الزوج نصف المسمَّى قبله) أي: قبل الدخول؛ لأنه لا فعل لها في الفسخ (و) لها (جميعه بعده) أي: بعد الدخول؛ لاستقراره به (ويرجع الزوج به) أي: بما غرمه من نصف أو كل (على المفسد)؛ لأنه أغرمه، فإن تعدَّد المفسد: وُزِّع الغرم على الرضعات المحرِّمة
(11)
(ومن قال لزوجته:
(10)
مسألة: إذا تزوَّج زيد فاطمة، فأفسدت فاطمة نكاح نفسها قبل الدخول بسبب رضاع: كأن ترضع فاطمة زوجةً لزيد صغيرة -اسمها زينب- أو تزوج زيد فاطمة وهي طفلة، فدبَّت، فرضعت من أم زيد، أو أخته كانت نائمة: فإنه ينفسخ نكاح فاطمة في الصورتين، ولا تستحق المهر فيهما؛ أما إن كان الإفساد بعد الدخول: فإنها تستحق المهر كله، لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من إرضاع فاطمة لزينب -وهي زوجته الصغيرة -: أن تكون أمًا لزوجته الصغيرة ويلزم من إرضاع أمه، أو أخته لزوجته الطفلة -وهي فاطمة-: أن تكون فاطمة أخته من الرضاع، أو ابنة أخته، ولا يصح نكاح أم زوجته ولا أخته، ولا بنت أخته، ويلزم من الدخول: استقرار كل المهر لها، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن فاطمة لو ارتدَّت: فإنه ينفسخ النكاح، ولا تستحق المهر فكذلك الحال هنا قبل الدخول والجامع: أن الفرقة جاءت من جهتها، ولا فعل للزوج في الفسخ في الصورتين.
(11)
مسألة: إذا تزوَّج زيد فاطمة، فأفسد نكاحها غيرها قبل الدخول بسبب رضاع: كأن قامت أخت زيد بإرضاعها -وفاطمة دون الحولين-: فتستحق نصف المهر، أما إن كان هذا الإفساد بعد الدخول: فإنها تستحق المهر كله، ويجب فسخ نكاحها في الصورتين، ويأخذ الزوج -وهو زيد- نصف المهر الذي غرمه في الصورة الأولى، ويأخذ كله في الصورة الثانية ممن تسبَّب في هذا الإفساد -وهي =
أنتِ أختي لرضاع: بطل النكاح) حكمًا؛ لأنه أقرّ بما يوجب فسخ النكاح بينهما، فلزمه ذلك (فإن كان) إقراره (قبل الدخول، وصدَّقته) أنها أخته: (فلا مهر) لها؛ لأنهما اتفقا على أن النكاح باطل من أصله (وإن كذَّبته) في قوله: "إنها أخته" قبل الدخول: (فلها نصفه) أي: نصف المسمَّى؛ لأن قوله غير مقبول عليها في إسقاط حقها (ويجب) المهر (كله) إذا كان إقراره بذلك (بعده) أي: بعد الدخول، ولو صدَّقته ما لم تكن مكَّنته من نفسها مطاوعة
(12)
(وإن قالت هي ذلك) أي: قالت
= أخته، وإن تعدَّد المفسد: بأن أرضعت خمس أخوات لزيد تلك الزوجة الصغيرة - وهي فاطمة-: فإن ما غرمه الزوج -وهو زيد- من نصف المهر أو كله يُقسَّم على الخمس، فكل واحدة من أخواته تتحمَّل خمسه، وتدفعه لزيد؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الإفساد كان قبل الدخول، وهي لم تتسبَّب فيه: استحقاقها لنصف المهر، ويلزم من كون الإفساد كان بعد الدخول، وهي لم تتسبَّب فيه: استحقاقها للمهر كله؛ لكونه يستقر بالدخول، ويلزم من كون المفسد -هو المتسبِّب لفسخ النكاح وإغرامه لنصف المهر، أو كله: أن يدفع للزوج -وهو زيد- ذلك النصف أو الكل، ويلزم من تعدُّد المفسد: أن كل واحدة من المفسدات عليه نكاحه تتحمَّل خمس نصف المهر أو كله؛ للإنصاف والعدالة.
(12)
مسألة: إذا أقرّ الزوج بأن زوجته أخته من الرضاع قائلًا: "أنتِ أختي من الرضاع": ففي فسخ النكاح، واستحقاقها لكل أو بعض المهر التفصيل الآتي: أولًا: أنه ينفسخ النكاح فور قوله ذلك؛ للتلازم؛ حيث يلزم من إقراره هذا: فسخ النكاح بينهما؛ لكونها أخته من الرضاع، فيلزم هذا الحكم فيما بينه وبين الله، كما لو أقرَّ بطلاقها، ثانيًا: إن كان إقراره هذا قبل الدخول بها، وهي قد صدقته ووافقته بأنها أخته: فلا تستحق أي شيء من المهر؛ للتلازم؛ حيث يلزم من اتفاقهما على ذلك: بطلان النكاح من أصله، وهذا يلزم منه عدم استحقاقها للمهر؛ لعدم دخوله بها، وتصديقها له، ثالثًا: إن كان إقراره هذا قبل الدخول =
لزوجها: أنتَ أخي من الرضاع (وأكذبها: فهي زوجته حكمًا) أي: ظاهرًا؛ لأن قولها لا يقبل عليه في فسخ النكاح؛ لأنه حقه، وأما باطنًا: فإن كانت صادقة: فلا نكاح، وإلا: فهي زوجته أيضًا
(13)
(وإذا شك في الرضاع أو) شك في (كماله) أي: كونه خمس رضعات (أو شكَّت المرضعة) في ذلك (ولا بيِّنة: فلا تحريم)؛ لأن
= وهي قد كذَّبته، ولم توافقه بأنها أخته، ولم يُثبت ذلك ببيّنة: فإنها تستحق نصف المهر؛ للتلازم؛ حيث يلزم من إنكارها لقول زوجها، ومجيء الفرقة من جهته: عدم إسقاط حقها فتستحق نصف المهر، لعدم دخوله بها، رابعًا: إن كان إقراره هذا بعد الدخول: فإنها تستحق المهر كله: سواء صدَّقته، أو كذَّبته بأنه أخوها من الرضاع؛ للتلازم؛ حيث يلزم من الدخول: استقرار كل المهر مطلقًا، خامسًا: إن كان إقراره هذا بعد الدخول، ومكَّنته من نفسها طوعًا وهي عالمة بالتحريم: فلا تستحق أي شيء من المهر؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تمكينها له من نفسها مع علمها بالتحريم: أن تكون زانية، والزانية لا لها.
(13)
مسألة: إذا أقرَّت امرأة بأن زوجها أخوها من الرضاع قائلة: "أنتَ أخي من الرضاع": ففي فسخ النكاح، والزوجية وعدمها التفصيل الآتي: أولًا: إن قالت ذلك فكذَّبها زوجها: فهي زوجته ظاهرًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون قولها لا يُقبل عليه في فسخ النكاح: استمرار الزوجية؛ لأنه من حق الزوج ولا يُسقطه إلا هو، ثانيًا: إن كانت صادقة في الباطن: بأن بان لها صدق ذلك بما لا يدع مجالًا للشك فيه: فلا نكاح بينهما، ولا يحل لها مساكنته، ولا تمكّنه من نفسها، وعليه أن تتخلَّص منه بأي وسيلة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تأكُّدها من كونها أخته من الرضاع: تحريمًا عليه، فإن تساهلت في ذلك، ومكَّنته مع هذا التأكد منها: فهي زانية، ثالثًا: إن كانت كاذبة، أو شكَّت، أو لم يتبيَّن لها الأمر بجلاء: أنها أخته من الرضاع: فإنها تكون زوجته ظاهرًا وباطنًا؛ للتلازم، وهو واضح.
الأصل: عدم الرضاع المحرِّم
(14)
، وإن شهدت به امرأة مرضية: ثبت
(15)
، وكُره استرضاع فاجرة، وسيئة الخلق، وجذماء، وبرصاء
(16)
.
(14)
مسألة إذا شُكَّ في حدوث الرضاع، أو شك في وقوعه في الحولين، أو شك في كونه خمس رضعات أو أقل، أو شكَّت المرضعة هل أرضعته أو لا، أو شكّت هل أرضعته هو أو شخص يُشابهه ولم توجد بيّنة في ذلك: فلا تحريم بينهما؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل: عدم الرضاع المحرِّم، وهو اليقين، وقد شك في الرضاع، فيُنفى الرضاع؛ لأن اليقين لا يزول بالشك.
(15)
مسألة: إذا شهدت امرأة واحدة مرضية في دينها بحيث تقبل شهادتها بأنها أرضعت فلانًا: رضاعًا -قد توفرت فيه شروطه المذكورة في مسألة (3) -: فإنه يثبت الرضاع، ويحرم النكاح؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عقبة بن الحارث، تزوجتُ أم يحيى بنت أبي أهاب، فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ذلك فقال:"وكيف وقد زعمت ذلك؟ " وفي لفظ: أن عقبة قال: فأتيته من قبل وجهه فقلتُ: إنها كاذبة فقال: "كيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما؟ خلِّ سبيلها" وهذا يدل على الاكتفاء بالمرأة الواحدة، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الولادة يكتفى بثبوتها بشهادة امرأة واحدة فكذلك الحال هنا والجامع: أن كلًّا منهما شهادة على عورة فتقبل فيها شهادات المنفردات.
(16)
مسألة: يُحرم أن يطلب رجل من امرأة فاجرة فاسقة، أو سيئة الخلق، أو جذماء، أو برصاء، أو مشركة، أو ذمية: أن ترضع ولده الصغير؛ للمصلحة: حيث إن اللَّبن يتسبَّب في إنشاز العظم، وإنبات اللحم، فيُحتمل، احتمالًا قويًا أن يتأثر ذلك الولد بذلك: فدفعًا لذلك: حرم؛ لأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.
هذه آخر مسائل كتاب: "الرضاع" ويليه كتاب: "النفقات، والحضانة".
كتاب النفقات
جمع نفقة، وهي: كفاية من يمونه: خبزًا، وأُدمًا، وكسوة، ومسكنًا، وتوابعها
(1)
(يلزم الزوج نفقة زوجته قوتًا) أي: خبزًا، وأُدمًا (وكسوة، وسكنى بما يصلح لمثلها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهم بالمعروف" رواه مسلم، وأبو داود
(2)
(ويُعتبر الحاكم) تقدير (ذلك بحالهما) أي: يسارهما، أو إعسارهما، أو
كتاب النَّفقات، وحضانة وكفالة الطفل ونحوه
•
بيان حقيقة النَّفقات، ونفقة الزوجات، والمطلقات، وبيان ابتداء النفقة، وحكم إعسار الزوج، وامتناعه عنها، أو تعذُّرها
وفيه ست وثلاثون مسألة:
(1)
مسألة: النفقات جمع نفقة، وهي لغة: من الإنفاق، وهو: الإخراج، والإفناء، والنفاد، والذهاب، والصرف. ومنه قوله تعالى:{إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} أي: خشية الفناء والنفاد، وقوله:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} أي: اصرفوا من هذا الرزق، ويقال:"استنفقه" أي "أذهبه وأخرجه -كما ورد في اللسان (10/ 358) - وهي في الاصطلاح: أن يُنفق على من يمونه: خبزًا، وأدمًا، وكسوة، ومسكنًا، وماء شرب، وطهارة على قدر كفايته بالمعروف" وسيأتي بيان ذلك، وبيان أن الإنفاق يختلف باختلاف الأحوال، والمجتمعات، والأزمان، والأفراد، ولا يستعمل النفقات إلا في الخير، لذلك يترجمها الفقهاء بالنفقات دون الغرامات.
(2)
مسألة: نفقة الزوجة واجبة على الزوج، وتكون بما يصلح لحالها على حسب العادة، والعرف، وبقدر الكفاية: من طعام وشراب وكسوة، وسكنى؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} وقال: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا
يسار أحدهما، وإعسار الآخر (عند التنازع) بينهما:(فيفرض) الحاكم (للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع خبز البلد وأُدمه و) يفرض لها (لحمًا عادة الموسرين بمحلهما و) يفرض للموسرة تحت الموسر من الكسوة (ما يلبس مثلها: من حرير وغيره) كجيد كتان، وقطن، وأقل ما يفرضه من الكسوة قميص وسراويل، وطراحة، ومقنعة، ومداس، ومضربة للشتاء (وللنوم فراش، ولحاف، وإزار) للنوم في محل جرت العادة فيه (ومخدَّة، وللجلوس حصير جيد، وزلي) أي: بساط، ولا بدَّ من ماعون الدار، ويكتفى بخزف وخشب، والعدل: ما يليق بهما، ولا يلزمه ملحفة، وخف لخروجها (و) يفرض الحاكم (للفقيرة تحت الفقير من أدنى خبز البلد و) من (أُدم يلائمها) وتنقل متبرِّمة من أُدم إلى آخر (و) يفرض للفقيرة من الكسوة (ما يلبس مثلها ويجلس) وينام (عليه و) يفرض (للمتوسطة مع المتوسط، والغنية مع الفقير، وعكسها)
= ملكت أيمانهم} وهو عام لحق الزوجة من النفقة، الثانية: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" فأوجب الشارع على الزوج أن ينفق على زوجته بما تعارف الناس عليه من النفقة في المجتمع الذي يعيشان فيه؛ لأن "على" من صيغ الوجوب الصريحة، والنفقة: تعم كل ما ذكر من إطعام، وإكساء، وسكن، وإعفاف وقال عليه السلام لهند زوجة أبي سفيان:"خذي ما يكفيكِ وولدكِ بالمعروف" حيث بيَّن أن النفقة تكون على قدر الكفاية فقط، دون زيادة، الثالثة: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا مكلفين، إلا الناشز والعاصية لزوجها، فإن قلت: لِمَ وجبت نفقتها على زوجها؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن الزوجة محبوسة على زوجها يمنعها من التصرُّف، والاكتساب، فمتى سلَّمت نفسها إلى الزوج على الوجه الواجب عليها فلها عليه جميع حاجاتها: من طعام، ولبس، وكسوة، وما تضطر إليه، كالعبد والأمة.
كفقيرة تحت غني (ما بين ذلك عرفًا)؛ لأن ذلك هو اللائق بحالهما
(3)
(وعليه) أي:
(3)
مسألة: نفقة الزوج على زوجته لم يرد في الشرع تقديرها بالتحديد، لكنها معتبرة بحال الزوجين معًا: فإن كانا موسرين: فعليه نفقة الموسرين، وإن كانا معسرين: فعليه نفقة المعسرين، وإن كانا متوسطين: فعليه نفقة المتوسطين وإن كان أحدهما موسرًا، والآخر معسرًا: فعليه نفقة المتوسطين، وإن تراضيا على نفقة معيّنة: فهو حق لهما، وتكون النفقة على ما تراضيا عليه، وهذا هو الغالب في المجتمعات الإسلامية، أما إن حصل تنازع بين الزوجين في تقدير الواجب للزوجة من النفقة: فإنه يُرجع في ذلك إلى حكم الحاكم -وهو القاضي-: فينظر في حالهما من اليسر، والعسر: فيفرض ذلك الحاكم للموسرة تحت الموسر من النفقة ما يناسبها، ويلائمها مما يصلح لمثيلاتها: من طعام، وشراب، ولباس، ومسكن، وأثاث، ويفرض للمعسرة تحت المعسر من النفقة ما يناسبها ويلائمها مما يصلح لمثيلاتها: من طعام، وشراب، ولباس، ومسكن، وأثاث، ويفرض للمتوسطة تحت المتوسط من النفقة: ما يناسبها أيضًا، ويفرض للغنية تحت الفقير، أو الفقيرة تحت الغني: نفقة المتوسطة تحت المتوسط، وهذا راجع إلى عرف البلد الذي يعيشان فيه، ولا يمكن تقدير ذلك بأشياء معيّنة؛ لاختلاف العصور، والأزمان، والأفراد، والبلدان، والبيئات والمجتمعات اختلافًا بيِّنًا في ذلك؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه مراعاة مصالح الزوجين، ودفع المفاسد والأضرار عنهما؛ إذ لو أنفق الموسر نفقة المعسر، أو أنفق المعسر نفقة الموسر: لما كان ذلك إنفاقًا بالمعروف، وهو مخالف لقوله عليه السلام:"ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" وقوله لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، تنبيه: ما ذكره المصنف من أمثلة الطعام، والكسوة، والأثاث في النفقات بين الزوجين يصدق على عصره -وهو عام (1051 هـ) وهي لا تصلح لكل زمان ومكان، ومنها: زماننا ومكاننا الذي نعيش فيه. فإن قلتَ: لِمَ يرجع الاجتهاد في النفقة إلى اجتهاد=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الحاكم الذي يعيش في عصر الزوجين المتخاصمين في النفقة؟ قلتُ: لأن هذا الاجتهاد يُعتبر من تحقيق المناط؛ إذ القاعدة الكلية متفق عليها وهي: "وجوب الإنفاق على الزوجة" ولكن يبقى الاجتهاد في كمية النفقة: فإن هذا يختلف باختلاف الأفراد، والأزمان، لذلك يكون لكل زمن وفرد اجتهاده الخاص به الذي لا يشاركه غيره، وهذا من محاسن الإسلام؛ إذ كل عاقل يعرف أن ما يصلح لهذا الفرد وهذا الزمن من النفقة لا يصلح لغيره.
[فرع]: لا يجب على الزوج أن يشتري لزوجته ملحفة أو عباءة ونعل، أو خف لأجل خروجها من منزل الزوجية؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونها ممنوعة من منزل الزوجية؛ نظرًا لعظم حق الزوج: عدم وجوب مؤنة شراء ما تحتاجه لخروجها من عباءة أو خف فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن بقاءها في المنزل فيه صلاحها في الدنيا والآخرة، ولذلك كانت الصحابيات، وزوجات السلف الصالح لما التزمن بذلك، ولم يخرجن من بيوتهن: قد حافظن على دينهن، وربَّين أولادهن، وأسعدن أزواجهن، فنالت كل واحدة منهن سعادة الدنيا والآخرة، ونفع الله بأولادهن فكان منهم العلماء والمجاهدون، فكان الإسلام في ذروة قوته، ولما ترك نساء هذه الأزمنة المتأخرة ذلك وبدأن يُكثرن من الخروج عن المنزل: كثر الفساد بينهن، وكثر الطلاق، وعمَّت البلوى والفوضى، وتشتت الأولاد وفسدوا، وهن خسرن الدنيا والآخرة، فنتج عن ذلك أن الإسلام اليوم أضعف ما يكون، وصار المسلمون أذلّ ما يكونون، وهذا هو مراد أعداء المسلمين من كفار وملحدين، فائدة: الموسر هو: من يقدر على النفقة بماله وكسبه والمعسر هو: الذي لا يقدر على النفقة بماله، ولا بكسبه، والمتوسط هو: الذي يقدر على أحدهما فقط.
على الزوج (مؤنة نظافة زوجته) من دهن، وسدر، وثمن ماء، ومشط، وأجرة قيِّمة
(4)
(دون) ما يعود بنظافة (خادمها) فلا يلزمه؛ لأن ذلك يُراد للزينة، وهي غير مطلوبة من الخادم
(5)
و (لا) يلزم الزوج لزوجته (دواء وأُجرة طبيب) إذا مُرضت؛ لأن ذلك ليس من حاجتها الضرورية المعتادة
(6)
، وكذا: لا يلزمه ثمن طيب، وحناء، وخضاب، ونحوه
(7)
، وإن أراد منها تزيُّنًا به، أو قطع رائحة كريهة، وأتى به:
(4)
مسألة: يجب على الزوج أن يدفع ثمن نظافة زوجته: من ثمن ماء، وصابون، ودهن لرأسها، ومشط، وغسل نجاسات، وتطهير من حيض، ونفاس، وجنابة، وغسل ثياب، ونحو ذلك مما يُنظِّفها، وعليه أجرة المرأة التي تقوم بعملية التنظيف تلك؛ للقياس؛ بيانه: كما أن المستأجر عليه كنس الدار وتنظيفها، فكذلك الزوج عليه مؤنة تنظيف زوجته، والجامع: أن كلًّا المستأجر، والزوج سينتفع بما يقوم به وهو من حوائجها المعتادة.
(5)
مسألة: إذا كانت للزوجة خادمة تابعة لها، فلا يجب على زوجها أن يدفع مؤنة نظافة تلك الخادمة: من ثمن ماء، أو صابون ونحو ذلك -مما ذكر في مسألة (4) - للتلازم؛ حيث يلزم من كون النظافة شُرعت للزينة: أن لا تجب مؤنة نظافة الخادمة على الزوج؛ لكون الزينة غير مطلوبة من الخادمة.
(6)
مسألة: لا يجب على الزوج أن يُعالج زوجته إذا مرضت: فلا يدفع لها ثمن دواء، ولا أجرة طبيب، وكذلك لا يجب عليه أن يدفع أجرة حجام، أو فاصد، أو كحَّال لها؛ للقياس؛ بيانه: كما لا يجب على المستأجر بناء ما وقع من الدار التي استأجرها فكذلك الحال هنا، والجامع أنه في كل منهما يُراد الإصلاح أصل الجسم، وهذا ليس من حاجة الزوجة والدار الضرورية المعتادة.
(7)
مسألة: لا يجب على الزوج أن يشتري لزوجته طيبًا، أو حناء وخُضاب، أو حلي من ذهب أو فضة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون ذلك من الزينة التي تخصه: عدم وجوب توفيره لها؛ لكونه قد أسقط حقه.
لزمها
(8)
، وعليه لمن يخدم مثلها خادم واحد
(9)
، وعليه أيضًا مؤنِّسة؛ لحاجة
(10)
.
(فصل): (ونفقة المطلقة الرجعية، وكسوتها وسكناها كالزوجة)؛ لأنها زوجة بدليل قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} (ولا قَسَم لها) أي: للرجعية، وتقدَّم
(11)
(والبائن: بفسخ أو طلاق) ثلاثًا، أو على عِوَض (لها ذلك) أي: النفقة،
(8)
مسألة: إذا أحضر لها طيبًا، أو حناء، أو حلي، أو أي شيء لتتزين به عنده أو تقطع رائحة كريهة: فإنه يجب عليها أن تطيعه في كل ذلك، وإذا نهاها عن ذلك: فيجب عليها تركه؛ للتلازم؛ حيث إن ذلك من حقه: فيجب عليها طاعته فيه.
(9)
مسألة: إذا كانت الزوجة ممن تستحق خادمة؛ نظرًا لكونها ممن يُخدم مثلها، أو لمرضها: فيجب عليه أن يأتي لها بخادمة؛ للقياس؛ بيانه: كما تجب عليه النفقة فكذلك يجب إحضار خادمة لهذه الزوجة، والجامع: أن كلًّا من النفقة والخادمة مما تحتاج إليه على الدوام.
[فرع]: إن قال الزوج: "أنا أخدمك بنفسي": لا يجب عليها قبول ذلك؛ للمصلحة: حيث إن ذلك تقليل من قيمة الزوج في نظرها، وفي ذلك مما قد يؤدي إلى احتقاره، مما يُفضي إلى الخصام والنزاع بينهما المؤدي عادة إلى الطلاق، فدفعًا لذلك: شرع هذا.
[فرع ثان]: إن قالت: "أخدم نفسي وآخذ ثمن خدمتي منك": فلا يجب عليه قبول ذلك؛ للتلازم؛ حيث يلزم من قولها ذلك: أنها قادرة ومعتادة على خدمة نفسها: فلا يجب على الزوج ذلك.
(10)
مسألة: إذا كانت الزوجة تجد وحشة وخوفًا من جلوسها بمفردها في المنزل في وقت غياب زوجها وطلبت من زوجها إيجاد مؤنِّسة لها: فيجب عليه أن يفعل ذلك؛ للتلازم؛ حيث إن ذلك يُعتبر من حاجاتها المعتادة فلزمه إيجادها.
(11)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته طلاقًا رجعيًا: فيجب عليه أن ينفق عليها: من طعام، وسكني، وكسوة، وذلك مدَّة، عدَّتها مطلقًا: أي: إذا كانت حاملًا: =
والكسوة والسكنى (إن كانت حاملًا): لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(12)
، ومن أنفق يظنها حاملًا فبانت حائلًا رجع، ومن
= فينفق عليها حتى تضع، وإذا كانت حائلًا تحيض فينفق عليها حتى تنتهي من ثلاث حيض، وإذا كانت لا تحيض: فينفق عليها حتى تنتهي ثلاثة أشهر؛ للقياس؛ بيانه: كما تجب نفقة الزوجة على الزوج -كما سبق في مسألة (2) - فكذلك تجب عليه نفقة المطلقة منه طلاقًا رجعيًا، والجامع: أن كلًّا منهما تعتبر زوجة، يؤيده أمران: أولهما قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} فسمَّى المطلق بعلًا -وهو الزوج- فكانت هي زوجة قبل انقضاء عدتها، ثانيهما: أن المطلقة طلاقًا رجعيًا يلحقها طلاق الزوج لها مرة أخرى، ويلحقها ظهاره، وإيلاؤه، فتكون كأنها زوجة حقيقية لم يسبق طلاقها. تنبيه: قد سبق بيان أن المطلقة طلاقًا رجعيًا لا قسم لها، أي ليس لها الحق في أن يجعل الزوج لها ليلة كبقية نسائه كما سبق تفصيله.
(12)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته طلاقًا بائنًا -بأن طلَّقها ثلاثًا، أو طلَّقها على عوض، وهو الخلع -أو بفسخ كما سبق- وكانت تلك الزوجة المطلقة حاملًا: فيجب على الزوج المطلِّق أن ينفق عليها: من طعام، وكسوة، وسكن، وذلك مدَّة حملها، أما إن كانت حائلًا: فلا يجب على الزوج المطلِّق أن يُنفق عليها: من طعام، ولا كسوة، ولا سكن؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وهذا عام لجميع المطلقات الحوامل؛ لأن "أولات" اسم موصول، وهو من صيغ العموم، فأوجب الشارع الإنفاق عليهن؛ لأن "أنفقوا" أمر مطلق، وهو يقتضي الوجوب، ودل مفهوم الغاية على أن المطلقة إذا وضعت حملها: فلا نفقة لها، الثانية: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام -لفاطمة بنت قيس لما طلقها زوجها ثلاثًا-: "ليس لكِ عليه نفقة ولا سكنى" وهذا صريح في نفي وجوب النفقة: من طعام، وسكنى، وكسوة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= على الزوجة المطلقة طلاقًا بائنًا، الثالثة: القياس؛ بيانه: كما تجب أجرة المرضعة على والد المرتضع فكذلك تجب النفقة على المطلقة طلاقًا بائنًا والجامع: أن الولد - سواء كان داخل البطن، أو خارجه- ولد الزوج فيلزمه الإنفاق عليه، ومعلوم: أنه لا يمكنه الإنفاق على المحمول به إلا بالإنفاق على الحامل، الرابعة: قول الصحابي؛ حيث إنه ثبت عن علي، وابن عباس، وجابر: أنه لا نفقة للمطلقة طلاقًا بائنًا ولا سكنى، ولا كسوة، فإن قلت: لِمَ وجبت النفقة للمطلَّقة الرجعية، دون المطلَّقة البائن؟ قلتُ: لأنه يُمكن للزوج أن يُراجع زوجته التي طلَّقها طلاقًا رجعيًا، فلذلك وجبت النفقة عليها مدَّة العدة تكون بقربه، ولعله يرى منها ما يُعجبه: فيراجعها، وهو أحب إلى الله، بخلاف المطلقة البائن فلا يمكنه مراجعتها إلا بعد زوج آخر، بل قد يكون وجودها بقربه خطرًا عليه وعليها، فإن قلتَ: بل تجب النفقة والسكنى للمطلقة طلاقًا بائنًا؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ على الرجعية بجامع الطلاق في كل، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إنه قد ثبت عن عمر، وابن مسعود: أن لها النفقة والسكنى وورد أن عمر ردَّ خبر فاطمة قائلًا: "لا ندع كتاب ربنا، وسنة نبينا من أجل قول امرأة لا ندري أذكرت أم نسيت"؟ قلتُ: أما القياس، فهو فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لوجود الفرق بين المطلقة الرجعية والبائن وهو: أن الرجعية زوجة لها ما للزوجة، وعليها ما على الزوجة في جميع الأحكام من طلاق، وظهار، وإيلاء، ونحوه إلا القسم، وهو: أن يجعل لها الزوج ليلة - وقد سبق بيان ذلك، أما قول عمر وابن مسعود: فقد خالفهما علي، وابن عباس، وجابر، فيتساقط القولان، ثم إنه مخالف لقول النبي عليه السلام، وقوله عليه السلام حجة على عمر وعلى غيره، وأما قول عمر:"لا ندع كتاب ربنا .. " فلم يثبت بهذا النص -كما قال الإمام أحمد، بل الثابت- قوله:"لا نقبل في ديننا قول امرأة" وإذا ثبت هذا: فهو مخالف لإجماع العلماء؛ حيث =
تركه يظنها حائلًا، فبانت حاملًا: لزمه ما مضى
(13)
، ومن ادَّعت حملًا: وجب إنفاق ثلاثة أشهر، فإن مضت ولم يبن: رجع
(14)
(والنفقة) للبائن الحامل (للحمل) نفسه (لا لها من أجله)؛ لأنها تجب بوجوده، وتسقط بعدمه: فتجب لحامل ناشز، ولحامل
= أجمعوا على قبول رواية المرأة والعمل بها، وكثير من الأحاديث قد ثبتت عن طريق أمهات المؤمنين وغيرهن. فإن قلت: إن المطلقة طلاقًا بائنًا يجب لها السكنى دون النفقة، وهو رواية عن أحمد، وهو قول مالك والشافعي؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} حيث إن هذا عام لجميع المطلقات في السكن، فتدخل معهن المطلقة بائنًا قلتُ: إن السنة القولية؛، وهو: حديث فاطمة بنت قيس، وقول الصحابي -وهو قول علي، وابن عباس، وجابر قد خصَّص هذه الآية بالمطلقة الرجعية، فإن قلت: ما الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض الكتاب مع السنة وقول الصحابي""وتعارض أقوال الصحابة" و "تعارض قول الصحابي مع السنة".
(13)
مسألة: إذا طلّق زوج زوجته طلاقًا بائنًا، ثم أنفق عليها ظانًا أنها حامل، فبانت غير حامل: فيجب عليها أن تدفع له ما أنفقه وإن لم ينفق عليها ظانًا أنها غير حامل، فبانت أنها حامل: فيجب عليه أن يدفع لها نفقتها مدَّة حملها مرة واحدة؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو ظن أن عليه دينًا لها، فأعطاها إياه، ثم بان أنه بريء منه: فيجب عليها إرجاع ما أخذته له، وكما أنه لو ظن أن لا دين عليه لها، فبان أن عليه دينًا لها فيجب عليه دفعه لها، فكذلك الحال هنا والجامع: إرجاع الحق لأصحابه وإن طال الزمن.
(14)
مسألة: إذا طلَّق زوج زوجته طلاقًا بائنًا، ثم ادَّعت تلك المطلقة أنها حامل: فيجب عليه أن ينفق عليها مدَّة ثلاثة أشهر، فإن انتهت تلك الأشهر ولم يتبين حمل عندها: فإنه يجب عليها أن تدفع له ما أنفقه عليها مدة تلك الأشهر الثلاثة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم حملها: عدم استحقاقها للنفقة.
من وطء بشبهة، أو نكاح فاسد، أو ملك بيمين، ولو أعتقها
(15)
، وتسقط بمضي الزمان قال المنقح: ما لم تستدن بإذن حاكم، أو تنفق بنية رجوع
(16)
(ومن) أي: أيُّ
(15)
مسألة: النفقة على المطلقة طلاقًا بائنًا إذا كانت حاملًا تكون للحمل، أي: للولد الذي في بطنها، فينفق عليها؛ لكونه لا يمكن النفقة عليه مباشرة، وبناء على ذلك: فإن النفقة تجب لحامل ناشز، ولحامل من وطء بشبهة، أو من وطء بنكاح فاسد، أو أمة حملت، ولو أعتقها، لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إن كون النفقة تدور وجودًا وعدمًا على وجود الولد في بطن المطلقة البائن، وعدمه: أي: توجد إذا وجد الولد، وتسقط إذا عدم يلزم منه: أن تكون النفقة للحمل، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنه يجب عليه أن ينفق على ولده بعد الوضع فكذلك يجب أن ينفق عليه قبل الوضع عند أي امرأة والجامع: أنه في كل منهما ولده، فلزمته نفقته، لكن لا يمكن أن ينفق عليه وهو داخل البطن فينفق عليها؛ لأن منفعة هذه النفقة ستصله، وإن لم ينفق، فإن أمه ستتضرر، فيؤدي إلى تضرر الجنين، فدفعًا لذلك: شُرع ما قلناه.
(16)
مسألة: إذا وجبت نفقة زوجة -بأي سبب-: فيجب على زوجها دفعها إليها: سواء تأخر عن دفعها أو لا، فلا تسقط بمضي الزمان، وسواء أنفقت على نفسها بإذن حاكم، أو لا، وسواء أنفقت على نفسها بنية الرجوع بها إلى الزوج وأخذها منه مستقبلًا أو لا؛ للتلازم؛ حيث إن النفقة من حقها فلا تسقط من ذمته إلّا إذا دفعها إليها، أو أبرأته منها، فإن قلت: إن النفقة تسقط بمضي الزمان إلا إذا أنفقت هي بإذن حاكم، أو أنفقت على نية الرجوع، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من فوات وقته: سقوطه قلتُ: إن الحق إذا ثبت على شخص: فإن ذمته تنشغل فيه، ولا يسقط عنه إلا بأحد طريقين: إما دفع الحق لصاحبه، أو إبراء صاحبه ذلك الشخص، ومضي الوقت ليس بواحد منهما، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في الواجب هل يسقط بفوات وقته أو =
زوجة (حُبست ولو ظلمًا، أو نشزت، أو تطوّعت بلا إذنه بصوم، أو حج، أو أحرمت بنذر حج أو) نذر (صوم، أو صامت عن كفارة، أو عن قضاء رمضان مع سعة وقته) بلا إذن زوج (أو سافرت لحاجتها، ولو بإذنه: سقطت) نفقتها؛ لأنها منعت نفسها عنه بسبب، لا من جهته، فسقطت نفقتها
(17)
، بخلاف من أحرمت بفريضة من صوم، أو حج، أو صلاة، ولو في أول وقتها بسننها، أو صامت قضاء رمضان في آخر شعبان؛ لأنها فعلت ما أوجب الشرع عليها
(18)
، وقدرها في حجة
لا؟ " فعندنا: لا، وعندهم: نعم.
(17)
مسألة: تسقط نفقة الزوجة في حالات: أولها: إذا حُبست عن زوجها: سواء كان هذا الحبس بحق، أو ظلم، ثانيها: إذا نشزت عن زوجها بأن لا تطيعه عندما يأمرها، وتمتنع عنه، ثالثها: إذا قامت بطاعة الله تعالى نافلة بلا إذنه: كأن تصوم، أو تحج أو تعتكف تطوعًا، رابعها: إذا نذرت حجًا، أو صومًا فقامت بهما في وقتهما الموسع بلا إذنه، خامسها: إذا صامت عن كفارة، أو قضاء رمضان مع سعة وقتهما بلا إذنه، سادسها: إذا سافرت لحاجتها: سواء أذن أو لا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من انقطاع استمتاعه بها، أو منعها نفسها عنه بسبب منها، وليس منه: أن تسقط نفقتها.
(18)
مسألة: لا تسقط نفقة الزوجة إذا امتنعت عن زوجها بسبب أدائها لفرض: كأن تقوم بفريضة الحج، أو الصوم أو الصلاة، أو قضاء الصوم في وقته المضيق - وهوآخر شعبان -؛ للقياس؛ بيانه: كما أنها إذا قامت بأداء رمضان لا تسقط نفقتها -وهي ممتنعة عنه في نهاره- فكذلك لا تسقط نفقتها في تلك الصور الواجبة، والجامع: أن كلًّا من هذه الصور عبادات مضيقة بأصل الشرع، وهي فرض، وطاعة الزوج، وقبولها له واجب وفعل الفرض مقدَّم على فعل الواجب، وهذا من فوائد ثمرة التفريق بين "الواجب" و "الفرض" وهو الصواب -كما بيَّنته في كتبي الأصولية:"الإتحاف" و "المهذَّب" و "الواجب الموسَّع" و "الجامع". تنبيه: =
فرض كحضر
(19)
، وإن اختلفا في نشوز، أو أخذ نفقة: فقولها
(20)
، (ولا نفقة، ولا سكنى) من تركة (لمتوفى عنها) ولو حاملًا؛ لأن المال انتقل عن الزوج إلى الورثة، ولا سبب لوجوب النفقة عليهم
(21)
، فإن كانت حاملًا: فالنفقة من حصة الحمل من
= قوله: "ولو في أول وقتها وسننها" قلتُ: هذا بعيد: فإنها إذا قامت بأي تطوع: فإن نفقتها تسقط، وتقديم الصلاة في أول وقتها، أو سننها من ضمن التطوع - كما سبق ذكره في مسألة (17) -.
(19)
مسألة: إذا أرادت الزوجة أن تقوم بفريضة الحج، فلا تسقط نفقتها - كما سبق في مسألة (18) -، وقدر هذه النفقة في الحج كقدرها في الحضر، وإن أرادت زيادة في النفقة: فلا يلزم الزوج ذلك؛ للتلازم؛ حيث يلزم من وجوب نفقتها عليه: أن ينفق عليها حسب المعتاد في الحضر فقط، والزيادات لا تجب عليه.
(20)
مسألة: إذا اختلف الزوجان في النشوز، أو أخذ النفقة: بأن قال الزوج: "إنها ناشز لذلك منعت عنها النفقة" فنفت الزوجة قائلة: "أنا لم أنشز ولم أمتنع عنه"، أو قال الزوج:"إني سلَّمتها النفقة وأخذتها" فنفت الزوجة ذلك قائلة: "إني لم أستلم منه نفقة" ولا توجد بيِّنة في الحالتين: فإنه يُقبل قولها مع يمينها؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام: "البيِّنة على المدعي، واليمين على من أنكر"، وهو لم يثبت بينة على دعواه فيلزم: أن يُقبل قولها مع يمينها.
[فرع]: إن لم تحلف: فإنه يقبل قوله؛ للتلازم؛ حيث يلزم من نكولها وعدم إتيانها باليمين: صدقه.
(21)
مسألة: إذا توفي رجل: فإن نفقة زوجته تسقط: سواء كانت حاملًا، أو لا، ولا يُنفق عليها من التركة؛ للتلازم؛ حيث إن انتقال التركة من ذلك الزوج -المورِّث- إلى ورثته وعدم ثبوت حق لها على الورثة وعدم وجدان سبب يوجب نفقتها عليهم يلزم منه: عدم الإنفاق عليها من التركة.
التركة إن كانت، وإلا: فعلى وارثه الموسر
(22)
(ولها) أي: لمن وجبت لها النفقة: من زوجة، ومطلقة رجعية، وبائن حامل، ونحوها (أخذ نفقة كل يوم من أوله) يعني من طلوع الشمس؛ لأنه أول وقت الحاجة، فلا يجوز تأخيره عنه
(23)
والواجب دفع قوت من خبز وأُدم، لا حب
(24)
و (لا) قيمتها) أي: قيمة النفقة (ولا) يجب (عليها أخذها)
(22)
مسألة: إذا توفي رجل، وزوجته حامل: فإن نفقة المحمول به -وهو الجنين- تؤخذ من نصيبه من التركة إذا وُجدت تركة، وإن لم توجد تركة، فيجب على وارثه -أي: وارث الجنين فيما لو مات -أن ينفق عليه إذا كان موسرًا، للتلازم؛ حيث يلزم من وجود مال للجنين: أن ينفق عليه منه، ويلزم من عدمه: أن ينفق عليه من يرثه إذا كان موسرًا؛ لأن الغرم بالغنم.
(23)
مسألة: وقت دفع الزوج نفقة كل يوم للزوجة، وللمطلقة الرجعية، وللمطلقة البائن إذا كانت الأخيرة حاملًا وللحامل بوطء شبهة، وللحامل ولأي حامل لم ينتف ولدها بلعان هو: عند طلوع شمس كل يوم، فتأخذه هي ولا يجوز تأخيره عنه؛ للمصلحة: حيث إن الحاجة إلى الإنفاق -من أكل وشرب- تبدأ من طلوع الشمس، فإن تأخرت عن ذلك: فقد يقع ضرر.
(24)
مسألة: يجب على الزوج أن يدفع النفقة قوتًا يأكله من وجبت له النفقة دون مؤنة مكلَّفة: فيدفع لها خبزًا، وأُدمًا: من زيت، أو سمن، وكذا: تمر، أو لحمًا، ولو دفع لها حبًا: فإنه لا يُجزئ؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} وفسَّر ابن عباس، وابن عمر طعام الأهل: بالخبز مع غيره من الأُدم: من زيت، أو سمن، أو لحم، وكذا: تمر، وتفسير الصحابي حجة يقدم على غيره، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن نفقة العبيد الخبز والأدم فكذلك نفقة الزوجات ونحوهن، والجامع: أن كلًّا منهما نفقة قدَّرها الشارع بالكفاية، فكان الواجب فيهما الخبز والأدم، الثالثة: العرف والعادة؛ حيث إن الشرع أوجب النفقة مطلقًا غير تقدير، ولا تقييد بشيء معيَّن فوجب أن يُرد =
أي: أخذ قيمة النفقة؛ لأن ذلك معاوضة، فلا يُجبر عليه من امتنع منهما، ولا يملك الحاكم فرض غير الواجب -كدراهم- إلا بتراضيهما (فإن اتفقا عليه) أي: على أخذ القيمة (أو) اتفقا (على تأخيرها، أو تعجيلها مدَّة طويلة، أو قليلة: جاز)؛ لأن الحق لا يعدوهما
(25)
(ولها الكسوة كل عام مرَّة في أوله) أي: أول العام من زمن الوجوب؛ لأنه أول وقت الحاجة إلى الكسوة، فيعطيها كسوة السنة؛ لأنه لا يمكن ترديد الكسوة شيئًا فشيئًا، بل هو شيء واحد يُستدام إلى أن يبلى، وكذا: غطاء، ووطاء، وستارة يُحتاج إليها، واختار ابن نصر الله: أنها كماعون الدار، ومشط تجب
= إلى العرف في ذلك، والناس تعارفوا واعتادوا أن ينفقوا على أهليهم الخبز والأدم، دون الحب، فإن قلت: الواجب دفع الحب، وهو قول الشافعي؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الواجب في الإطعام في الكفارة الحب فكذلك الحال هنا، والجامع: أنه طعام في كل، قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن الإطعام في الكفارة حق الله تعالى، وليس هو لآدمي معيَّن، فيرضى بالعِوَض عنه، ثم إن الحب يحتاج إلى طَحن وخَبْز، فمتى احتاج إلى تكلُّف ذلك من مالها: لم تحصل الكفاية بنفقتها، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع الكتاب، والعرف والعادة".
(25)
مسألة: إذا اتفق المنفِق، أو المنفَق عليها: على أخذ قيمة النفقة -دون الخبز والأُدم-، أو اتفقا على تأخير النفقة، أو تقديمها عن وقتها: أو اتفقا على أخذ الحب، أو دقيقًا -عن الخبز والأدم-: فإن هذا يصح، أما إن امتنع أحدهما، أو كلاهما عن ذلك: فلا يصح إلا ما ذكرناه في مسألتي (23 و 24): ولا يملك الحاكم فرض غير الواجب عليهما، أو على أحدهما؛ للتلازم؛ حيث يلزم من اتفاقهما على تلك الأمور: صحتها؛ لأن الحق لا يتعدَّاهما، وما دام حصل التراضي منهما: فلا مانع من صحته، ويلزم من عدم اتفاقهما عليها: عدم صحتها؛ لكون ذلك معاوضة، فلا يُجبر عليه من امتنع منهما.
بقدر الحاجة، ومتى انقضى العام والكسوة باقية: فعليه كسوة للجديد
(26)
(وإذا غاب) الزوج، أو كان حاضرًا (ولم ينفق) على زوجته:(لزمته نفقة ما مضى) وكسوته، ولو لم يفرضها الحاكم، ترك الإنفاق لعذر أو لا؛ لأنه حق يجب مع اليسار والإعسار: فلم يسقط بمضي الزمان كالأجرة
(27)
(وإن أنفقت) الزوجة (في غيبته) أي: غيبة الزوج
(26)
مسألة: تجب الكسوة على الزوج -يدفعها إلى زوجته مرة واحدة كل أول سنة، وتكون بقدر الحاجة وعلى حسب العرف، فإذا انقضت السنة: فعليه أن يدفع كسوة جديدة للسنة الجديدة وهكذا، وإن بقي من كسوة العام الماضي شيء: فهو لها؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من كون أول وقت الحاجة إلى الكسوة هو أول السنة أن يعطيها إياها في أولها، ويلزم من مشقة تكرار الكسوة، وأنها لا تكون شيئًا فشيئًا: أن يعطيها إياها مرة واحدة الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن الكسوة لو بليت وفسدت قبل انقضاء السنة: فلا يلزم الزوج بدلها، فكذلك تجب عليه كسوة جديدة في السنة الجديدة ولو بقيت بعض كسوة السنة الماضية، والجامع: أن الحق واحد في كل لا يتغير بتغير الأحوال.
[فرع]: يجب على الزوج أن يدفع لزوجته غطاء، وفراشًا، وستارة، وأواني، وبعض الصحون والأمشاط والأثاث، تستعين بها على قضاء حوائجها داخل المنزل، وذلك على حسب الحاجة، والعرفو وأن يتفقّد ما فسد مما تحتاج استعماله ضرورة داخل منزلها فيُصلحه وهذا لا يقيد بمدَّة؛ للتلازم؛ حيث إن ذلك يلزم من وجوب النفقة عليه؛ إذ في ذلك الكفاية في تلك النفقة حتى لا تحتاج إلى غير زوجها في ذلك.
(27)
مسألة: إذا غاب الزوج أو كان حاضرًا، ولكنه لم ينفق على زوجته: فيجب عليه أن يدفع نفقة ما مضى من السنوات، وكسوتها: سواء حكم الحاكم بذلك، أو لا، وسواء كان قد ترك الإنفاق لعذر أو لا؛ للقياس؛ بيانه كما أن المستأجر لا تسقط عنه الأجرة، وإن مضى وقت وهو لم يدفعها: فعليه دفع ما مضى من المدة =
(من ماله، فبان ميتًا: غرَّمها الوارث) للزوج (ما أنفقته بعد موته)؛ لانقطاع وجوب النفقة عليه بموته، فما قبضته بعده لا حق لها فيه، فيرجع عليها ببدله
(28)
.
(فصل): (ومن تسلّم زوجته) التي يوطأ مثلها: وجبت عليه نفقتها (أو بذلت) تسليم (نفسها) أو بذله وليها (ومثلها يوطأ): بأن تمَّ لها تسع سنين: (وجبت نفقتها) وكسوتها (ولو مع صغر زوج، ومرضه، وجُبِّه، وعنَّته) ويجبر الولي مع صغر الزوج على بذل نفقتها، وكسوتها من مال الصبي، لأن النفقة كأرش جناية
(29)
، ومن بذلت
= فكذلك الحال هنا، والجامع: أنه في كل منهما حق يجب دفعه مع اليسار والإعسار فلا يسقط بمضي الزمان، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل -في مسألة (16) -.
(28)
مسألة: إذا غاب الزوج، فأنفقت زوجته على نفسها من ماله، فبان أنه قد مات في غيبته: فيجب عليها: أن تدفع ما أنفقته من حين موت زوجها إلى ورثة ذلك الزوج، فمثلًا: لو غاب عنها في شهر محرم فأنفقت زوجته من ماله حتى جاء شهر رمضان، فبان أنه قد مات في شهر صفر: فيجب عليها أن تدفع قيمة النفقة التي أنفقتها على نفسها من شهر صفر إلى رمضان وتُسلِّمه لورثة زوجها وهذا بعد أن يُحسب حقها من الميراث -؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من موت زوجها: انقطاع وجوب النفقة عليها من ماله، ويلزم من انتقال مال زوجها إلى الورثة: أن تدفع لهم قيمة ما أنفقته على نفسها من حين موته لكونهم غير ملزمين بالإنفاق عليها.
(29)
مسألة: إذا تسلَّم الزوج زوجته، أو بذلت هي نفسها له، أو سلَّمها له وليها، وهي ممن يوطأ مثلها كمن تم لها تسع سنين: فيجب على هذا الزوج: أن يبدأ بالنفقة عليها: من إطعام، وكسوة، وسكنى من حين ذلك التسليم: وهذا مطلق: أي: سواء كان الزوج صغيرًا، أو كبيرًا، صحيحًا، أو مريضًا، سليمًا، أو مجبوبًا، أو عنِّينًا، ويجبر ولي الزوج الصغير بأن يبذل نفقة زوجته من مال ذلك الصغير؛ لقواعد الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "اتقوا الله في =
التسليم، وزوجها غائب: لم يفرض لها حتى يراسله حاكم، ويمضي زمن يمكن قدومه في مثله
(30)
(ولها) أي: الزوجة (منع نفسها) من الزوج (حتى تقبض صداقها الحال)؛
= النساء، فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" حيث يلزم من ذكر النفقة عليهن بعد استحلال فروجهن: أن النفقة على الزوجة تبدأ من حين تسلَّمها الزوج، الثانية: القياس، وهو من وجهين: أولهما: كما أن المؤجِّر إذا سلَّم العين المؤجَّرة أو بذلها: فإنه يستحق الأجرة مطلقًا: سواء انتفع المستأجر أو لا، فكذلك الحال هنا: فإنه يجب على الزوج دفع النفقة: من إطعام وإكساء، وسكن إلى الزوجة التي سلَّمت نفسها، أو سُلِّمت له، والجامع: أن كلًّا من الأجرة، والنفقة كان في مقابلة المنفعة، والاستمتاع، مع التمكين ثانيهما: كما أن ولي الصبي يجب عليه أن يدفع أرش جناية الصبي من ماله -أي: من مال الصبي- فكذلك يجب على هذا الولي أن يدفع النفقة لزوجة الصبي من ماله -أي: من مال الصبي- والجامع: أن الولي ينوب عن الصبي في أداء الواجبات، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث قالت عائشة: "إذا بلغت الجارية تسعًا: فهي امرأة".
(30)
مسألة: إذا بذلت زوجة نفسها وسلَّمتها، وزوجها غائب: فلا تستحق نفقة واجبة عليه في حال غيابه إلا إذا كاتبه وراسله الحاكم يخبره بتسليمها نفسها له، فإن عاد الزوج إليها، أو وكَّل من يتسلَّمها عنه، فوصل هو، أو وكيله: فإن النفقة تجب بمجرَّد الوصول، وإن لم يعد، ولم يوكل أحدًا، مع علمه بذلك: فإن الحاكم يفرض عليه نفقتها من الوقت الذي يمكنه، أو وكيله من الوصول إليها وتسلُّمها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تمكّنه من الوصول وتسلُّمها ومع ذلك امتنع مع علمه: وجوب دفع نفقتها عليه، ويلزم من كون الحاكم هو الذي يملك السلطة في ذلك: أن يقوم هو بفرضها عليه.
لأنه لا يمكنها استدراك منفعة البضع لو عجزت عن أخذه بعده، ولها النفقة في مدَّة الامتناع لذلك؛ لأنه بحق
(31)
(فإن سلَّمت نفسها طوعًا) قبل قبض حال الصداق (ثم أرادت المنع: لم تملكه) ولا نفقة لها مدَّة الامتناع
(32)
، وكذا: لو تساكتا بعد العقد، فلم يطلبها، ولم تبذل نفسها: فلا نفقة
(33)
(وإذا أعسر) الزوج (بنفقة القوت أو) أعسر بـ (الكسوة) أي: كسوة المعسر (أو) أعسر بـ (بعضها) أي: بعض نفقة المعسر، أو كسوته (أو) أعسر بـ (المسكن) أي: مسكن معسر، أو صار لا يجد النفقة إلا يومًا دون يوم:(فلها فسخ النكاح) من زوجها المعسر، لحديث أبي هريرة مرفوعًا - في
(31)
مسألة: يُباح للزوجة أن تمنع نفسها من الزوج، ولا تمكّنه من نفسها إلى أن تقبض صداقها الحالّ عليه، ويجب عليه أن يدفع نفقة مدّة امتناعها من نفسها عنه من أجل ذلك؛ للتلازم؛ حيث إن عدم تمكّنها استدراك منفعة البضع إذا عجزت عن أخذ الصداق بعد تمكينها له: يلزم منه فوات ذلك عليها بدون مقابل، ويلزم من كونها قد امتنعت هنا عنه لتطالب بحقها، وامتناع الزوج: وجوب نفقة تلك المدَّة التي امتنعت فيها عنه؛ لكونها قد فعلت ما لها فعله، وهو حفظ شيء من حقها أن تحتفظ به.
(32)
مسألة: إذا سلَّمت الزوجة نفسها لزوجها قبل قبض صداقها الحالّ عليه، ثم أرادت الامتناع عنه: فإنها لا تملكه، ولو فعلت وامتنعت: فلا نفقة لها طوال مدَّة ذلك الامتناع؛ للقياس؛ بيانه: كما أن المؤجِّر لو سلَّمه المستأجر العين المؤجَّرة، ثم أراد المؤجِّر أن يمنع المستأجر من الانتفاع بالعين، فإنه لا يملكه، ولو منعه منها: فلا يستحق الأجرة، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن المنع جاء بعد التسليم والتمكين في كل فلم يصح فيهما.
(33)
مسألة إذا تزوج رجل امرأة، وهو لم يطلبها لتبذل نفسها له، وهي لم تبذل نفسها، بل حصل السكوت منهما: فلا تجب النفقة على الزوج؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم التمكين وعدم العذر من قبله: عدم وجوب النفقة عليه.
الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته -قال: "يُفرَّق بينهما" رواه الدارقطني، فتفسخ فورًا، أو متراخيًا بإذن الحاكم، ولها الصبر مع منع نفسها، وبدونه، ولا يمنعها تكسُّبًا، ولا يحبسها
(34)
، (فإن غاب) زوج موسر (ولم يدع لها نفقة، وتعذَّر أخذها من ماله و) تعذَّرت (استدانتها عليه: فلها الفسخ بإذن الحاكم)؛ لأن الإنفاق عليها من ماله متعذِّر فكان لها الخيار كحال الإعسار
(35)
، وإن منع موسر نفقة أو كسوة،
(34)
مسألة: إذا أعسر الزوج بالنفقة: فصار لا يستطيع أن يعطيها قوتًا، أو يعطيها يومًا دون يوم، أو لم يستطع كسوتها، أو لم يستطع على بعضها، أو لم يستطع على سكناها: فإن الزوجة تُخيَّر بين أمرين: أولهما: إما أن تفسخ نكاحها بإذن حاكم، سواء أرادت أن تفسخه فور إعساره أو بعده بمدَّة، ثانيهما: وإما أن تصبر عليه -وهو أفضل- فإذا صبرت عليه: يُباح لها أن تمنع نفسها عنه، ولها حق التكسُّب بنفسها، ولا يحبسها ويمنعها من ذلك؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث إن رجلًا لم يجد ما ينفق به على زوجته، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"يُفرق بينهما" حيث أباح لها أن تطلب الفرقة وفسخ النكاح بسبب العجز عن النفقة؛ لأن السؤال كالمعاد في الجواب، والتقدير:"إذا لم يجد الزوج ما ينفق به على زوجته: فلها أن تطلب فسخ النكاح" وهذا مطلق في الزمان: فيجوز فورًا ومتراخيًا، الثانية: التلازم؛ حيث إن النفقة: من قوت، وكسوة، وسكنى حق للزوجة فإذا أسقطته وصبرت: فلها أجر ذلك فيلزم منه جواز الصبر، وعدم الفسخ، ويلزم من عدم النفقة من الزوج: إباحة منعها نفسها عنه ويلزم من عدم النفقة أيضًا: عدم جواز منعها عن التكسُّب، وعدم جواز حبسها؛ لكونه لم يُسلِّم لها نفقتها التي تغنيها عن التكسُّب.
(35)
مسألة: إذا غاب زوج موسر، ولم يترك نفقة لزوجته، وتعذَّر أخذها من ماله، وتعذَّر أخذها من وكيله وتعذَّرت استدانتها على حسابه: فإن الزوجة تُخيَّر بين "أن تفسخ نكاحها بإذن الحاكم" وبين "أن تصبر"؛ قياسًا على المعسر كما سبق تفصيله في مسألة (34).
أو بعضهما، وقدرت على ماله: أخذت كفايتها وكفاية ولدها، وخادمها بالمعروف بلا إذنه، فإن لم تقدر: أجبره الحاكم. فإن غيَّب ماله، وصبر على الحبس: فلها الفسخ؛ لتعذُّر النفقة عليها من قبله
(36)
.
(36)
مسألة: إذا امتنع زوج موسر عن دفع نفقة لزوجته: من قوت، وكسوة ونحوهما، أو امتنع عن دفع بعضها، وقدرت على ماله: فإنه يجوز لها أن تأخذ قدر كفايتها، وكفاية ولدها، وكفاية خادمها من النفقة من مال الزوج، فإن لم تقدر على ماله: فلها أن تشتكيه إلى الحاكم، فيُجبره على الإنفاق عليها، ويُهدِّد بمعاقبته بالسجن إن امتنع، فإن امتنع -مع ذلك- وصبر على الحبس فإن الزوجة تُخيَّر بين "أن تفسخ النكاح بإذن الحاكم" وبين "أن تصبر عليه"؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث إن هندًا قد اشتكت أبا سفيان بسبب عدم إنفاقه عليها، أو تقتيره في الإنفاق فقال لها صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيكِ وولدك بالمعروف" حيث أباح الشارع للزوجة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها من النفقة؛ لأن الأمر هنا للإباحة؛ حيث إنه ورد بعد حظر؛ لأنه لا يجوز أن يأخذ أيُّ شخص من مال آخر شيئًا إلّا بطيب نفس منه، وهذا الأمر للزوجة بالأخذ فيه إباحة ذلك، والخادم كالولد؛ لعدم الفارق، من باب "مفهوم الموافقة" ويلزم من قوله: "ما يكفيكِ بالمعروف" اشتراط: أخذ الكفاية فقط كما هو متعارف عليه، فلا يجوز أخذ ما زاد على ذلك؛ لأنه تعدِّي على حقوق الآخرين الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنه إذا أعسر الزوج: فإن زوجته تخيَّر بين فسخ النكاح، والصبر -كما سبق في مسألة (34) - فكذلك الحال هنا، والجامع: عدم الإنفاق في كل.
هذه آخر مسائل: "حقيقة النفقات، ونفقة الزوجات، والمطلقات، وابتداء النفقة، وحكم إعسار الزوج، وامتناعه عنها أو تعذرها" ويليه باب: "نفقة الأقارب والمماليك من الآدميين والبهائم".
باب: نفقة الأقارب والمماليك من الآدميين والبهائم
(تجب) النفقة كاملة إذا كان المنفق عليه لا يملك شيئًا (أو تتمتها) إذا كان لا يملك البعض (لأبويه وإن علوا)؛ لقوله تعالى: {وبالوالدين إحسانًا} ، ومن الإحسان: الإنفاق عليهما (و) تجب النفقة، أو تتمتها (لولده وإن سفل): ذكرًا كان أو أنثى؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} (حتى ذوي الأرحام منهم) أي: من آبائه، وأمهاته: كأجداده المدلين بإناث، وجداته الساقطات، ومن أولاده كولد البنت: سواء (حجبه) أي: الغني (معسر) فمن له أب وجد معسران: وجبت عليه نفقتهما ولو كان محجوبًا من الجد بأبيه المعسر (أو لا): بأن لم يحجبه أحد كمن له جد معسر، ولا أب له: فعليه نفقة جده؛ لأنه وارثه
(1)
(و) تجب النفقة، أو
باب: نفقة الأقارب والمماليك من الآدميين والبهائم
وفيه ثنتان وأربعون مسألة:
(1)
مسألة: يجب على الشخص الغني: أن ينفق - أو يتمم النفقة- على والديه: الأب، والأم، وأجداده وجداته من الأب، وأجداده، وجداته من الأم، وإن علوا، ويجب أن ينفق -أو يتمم النفقة- على أولاده، وأولاد أولاده وإن سفلوا: سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، وسواء كانوا وارثين أو محجوبين، وسواء حجب الغني المنفق معسر أو لا: كوجود أب وجد له وكانا معسرين: فينفق عليهما، وإن كان محجوبًا من الجد بأبيه المعسر، أو لم يحجبه كمن له جد معسر، ولا أب له، فينفق على الجد، لقواعد: الأولى: الكتاب؛ وهو من وجهين: أولهما: قوله تعالى: {وبالوالدين إحسانًا} فأوجب الشارع الإحسان إلى الوالدين، ومن أدلى بهما من الأجداد والجدات؛ لأن الأمر الوارد في سياق الآية مطلق، وهو يقتضي الوجوب، ومن أعظم الإحسان إليهما: الإنفاق عليهما وإغناؤهما عن النظر إلى ما بأيدي الناس، ومن أدلى بهما من الأجداد والجدات مثلهما في الإنفاق؛ لأنه يطلق عليه والد وإن كان مجازًا، ثانيهما: قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ =
إكمالها لـ (كل من يرثه) المنفِق (بفرض) كولد لأم (أو تعصيب) كأخ، وعم لغير أم (لا) لمن يرثه (برحم) كخال وخالة (سوى عمودي نسبه) كما سبق (سواء ورثه الآخر كأخ) للمنفِق (أو لا كعمة وعتيق)
(2)
، وتكون النفقة على من تجب عليه (بمعروف)؛
= وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فأوجب على الوالد أن ينفق على أولاده بالمعروف إذا كانوا فقراء الثانية: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام لهند: "خذي من ماله ما يكفيكِ وولدكِ بالمعروف" وهذا عام لجميع الأولاد: الذكور، والإناث، لأن اللفظ يشمل ذلك، الثالثة: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على أن على الشخص نفقة والديه، وأولاده، الرابعة: القياس؛ بيانه: كما تجب النفقة على قرابة الأب الأدنى، فكذلك تجب على قرابته الأبعدين من ذوي الأرحام من آبائه، أو أمهاته والجامع: أنه في كل منها قرابتهم قرابة جزئية، وبعضية، تقتضي ردَّ الشهادة، وتمنع جريان القصاص على الوالد بقتل ولده وإن سفل، تنبيه: نفقة القريب لا تجب إلا بشروط سيأتي بيانها فيما يلي من المسائل.
(2)
مسألة: في الأول -من شروط وجوب النفقة على الشخص للأقارب- وهو: أن يكون الغني المنفِق وارثًا للمنفق عليه فيما لو مات قبله عن طريق الفرض كولد الأم، أو عن طريق التعصيب كأخ، وابن أخ، وعم وابن عم لغير أم، أما من يرثه الغني المنفِق بسبب رحم كخال وخالة: فلا تجب نفقته، وهذا الشرط يكون سواء ورثه المنفَق عليه كالأخ للمنفِق، أو لم يرثه كعمة المنفِق؛ حيث إن العمة لا ترث ابن أخيها بفرض ولا تعصيب وابن أخيها يرثها بالتعصيب لذلك يجب عليه أن ينفق عليها، وكذلك العتيق لا يرث مولاه الذي أعتقه، ومولاه -وهو الذي أعتقه يرث عتيقه، ولذلك وجبت النفقة على الوارث فقط، لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} حيث أوجب الشارع على زيد أن ينفق على عمرو إذا كان زيد يرثه إذا مات كما أوجب عليه الإنفاق على ولده كما ورد في سياق تلك الآية؛ الثانية: التلازم؛ حيث إن بين المتوارثين قرابة =
لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فأوجب على الأب نفقة الرضاع، ثم أوجب مثل ذلك على الوارث، وروى أبو داود: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم من أبر؟ قال: "أمَّك، وأباك، وأختك وأخاك" وفي لفظ: "ومولاك الذي هو أدناك، حقًا واجبًا ورحمًا موصولًا" ويُشترط لوجوب نفقة القريب ثلاثة شروط: الأول: أن يكون المنفِق وارثًا لمن ينفق عليه، وتقدمت الإشارة إليه
(3)
، الثاني: فقر المنفَق عليه، وقد أشار إليه بقوله: (مع فقر من
= تقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث -فيما لو مات قبله- من بين سائر الناس القريبة فيلزم أن يختص ذلك الوارث بأن ينفق عليه دونهم، ويلزم من عدم إرثه له؛ لعدم القرابة القريبة: عدم وجوب النفقة عليه، فلذلك اشتُرط هذا الشرط، وهو المقصد منه، تنبيه: هذا الشرط يخص غير عمودي النسب من الأب، والولد؛ حيث إن عمودي النسب تجب النفقة لهم وعليهم مطلقًا: سواء ورثوا أو لا -كما سبق في مسألة (1).
(3)
مسألة: تكون النفقة على من تجب عليه بالمعروف والمعتاد بين أوساط الناس، فلا يُزاد فيها فيتضرر المنفِق، ولا يُنقص منها فيتضرر المنفَق عليه؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} أي: أن النفقة على الأولاد المحمول بهم وغيرهم ممن يرثهم المنفِق على حسب ما تعارف عليه مجتمعه واعتاده، دون إجحاف بحق المنفِق والمنفَق عليه، الثانية: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام لهند-: "خذي ما يكفيكِ وولدك بالمعروف" فإذا اشترط الإنفاق بالمعروف على الزوجة والولد فمن باب أولى أن يكون ذلك في الأقارب، والمقصد في ذلك واضح وهو عدم ظلم المنفِق، والمنفَق عليه.
[فرع]: وجوب الإنفاق مرتب على حسب الأقرب فالأقرب: أي: الأقرب أحق بالنفقة ممّن هو أبعد منه؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام: "اِبدأ =
تجب له) النفقة (وعجزه عن تكسُّب)؛ لأن النفقة إنما تجب على سبيل المواساة، والغني بملكه، أو قدرته على التكسُّب مستغنٍ عن المواساة، ولا يُعتبر نقصه، فتجب لصحيح مكلَّف لا حرفة له
(4)
، الثالث: غِنَى المنفِق، وإليه الإشارة بقوله:(إذا فضل) ما ينفقه
= بنفسك، ثم بمن تعول: أمك، وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك، فأدناك" ويلزم من ذكر "واو العطف" الترتيب، ويلزم من ذكر "ثم" الترتيب والتراخي، وسيأتي زيادة بيان لذلك إن شاء الله، تنبيه: قوله: "ويشترط لوجوب النفقة" إلى قوله: "وتقدَّمت الإشارة إليه" قد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الشرط الأول من تلك الشروط وذلك في مسألة (2).
(4)
مسألة: في الثاني -من شروط وجوب النفقة على الشخص للأقارب- وهو: أن يكون القريب الذي تجب النفقة عليه: فقيرًا: لا مال له، وهو عاجز عن التكسُّب، فإن كان هذا القريب موسرًا بمال، أو كسب، يكفيه: فلا نفقة له؛ للتلازم؛ حيث إن النفقة على الفقير واجبة على الغني لمواساة ذلك الفقير الناقص: سواء كان ناقص الأحكام كالصغير والمجنون، أو كان ناقص الخلقة كالزمن، فإذا كان ذلك القريب غنيًا بماله، أو بقدرته على الاكتساب: فيلزم عدم وجوب النفقة له، أي: لا يُنفق عليه؛ لأنه مستغنٍ عن المواساة، لذلك لا تجب لصحيح مكلَّف لا حرفة له، وهو قادر على التكسُّب بيديه فينفق على الغلام حتى يبلغ، فإذا بلغ صحيحًا: انقطعت نفقته، ثم يتحمل مسؤوليته، وينفق على الجارية إلى أن تتزوج، فإذا تزوجت انقطعت نفقتها، ويتحمل زوجها نفقتها، وهو قول مالك وأبي حنيفة، فإن قلتَ: تجب لصحيح مكلَّف لا حرفة له، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام لهند: "خذي ما يكفيك وولدك" وهو عام للولد الصحيح وغيره، البالغ وغيره قلتُ: إن النفقة قد وجبت لمواساة الفقراء من الأقارب، فيلزم خروج الغني من الأولاد بسبب قدرته على التكسب بيديه، والمصلحة تقتضي عدم النفقة للغني بقدرته على التكسب؛ لأن هذا =
عليه (عن قوت نفسه، وزوجته، ورقيقه، يومه وليلته و) عن (كسوة وسكني) لنفسه، وزوجته، ورقيقه (من حاصل) في يده (أو متحصِّل) من صناعة، أو تجارة، أو أجرة عقار، أو ربع وقف، ونحوه؛ لحديث جابر مرفوعًا:"إذا كان أحدكم فقيرًا: فليبدأ بنفسه، فإن كان فضل: فعلى عياله، فإن كان فضل: فعلى قرابته"
(5)
، و (لا) تجب
= سيُفسده، وسيعتمد على المنفِق في ذلك فلا يحرص على تعلُّم حرفة تنفعه في المستقبل، وبهذا يفسد، ويؤدي ذلك إلى أن يكثر العاطلون عن العمل مما يؤدي إلى إفساد المجتمع كله، فدفعًا لذلك: لا يُنفق على القادر على التكسُّب بيديه، وهذا التلازم، والمصلحة قد خصَّصا عموم حديث هند، ولذلك لا تُعطى الزكاة للقادر على الكسب بيديه.
(5)
مسألة: في الثالث -من شروط وجوب النفقة على الشخص للأقارب- أن يكون المنفِق غنيًا: بأن تكون تلك النفقة التي يريد أن يدفعها لغيره من أقاربه فاضلة وزائدة عن قوت نفسه، وقوت زوجته، وقوت رقيقه يومه وليلته، وفاضلة عن كسوة وسكنى نفسه وزوجته ورقيقه إما من ماله الحاصل بيده، أو من اكتسابه بصناعة، أو تجارة أو حرفة، أو أجرة عقار، أو ريع وقف ونحو ذلك، أما إذا لم يفضل عنه شيء: فلا تجب عليه نفقة؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله عندي دينار قال: "تصدَّق به على نفسك" قال: عندي آخر قال: "تصدَّق به على زوجك" قال: عندي آخر قال: "تصدَّق به على ولدك" قال: عندي آخر قال: "تصدَّق به على خادمك" قال: عندي آخر قال: "أنت أبصر"، وقال عليه السلام:"إذا كان أحدكم فقيرًا فليبدأ بنفسه، فإن كان فضل: فعلى عياله، فإن كان فضل: فعلى قرابته" وهذا يلزم منه اشتراط الغني في المنفِق، الثانية القياس؛ بيانه: كما أن الزكاة لا تجب على الفقير المحتاج بل على الغني فكذلك النفقة لا تجب على الفقير المحتاج، بل تجب على الغني، والجامع: أن كلًّا منهما شُرع مواساة للفقير، والغني هو القادر على مواساة غيره =
نفقة القريب (من رأس مال) التجارة (و) لا من (ثمن ملك و) لا من (آلة صنعة)؛ لحصول الضرر بوجوب الإنفاق من ذلك
(6)
، ومن قدر أن يكتسب: أُجبر لنفقة قريبه
(7)
(ومن له وارث -غير أب-) واحتاج للنفقة: (فنفقته عليهم) أي: على وارثيه (على قدر إرثهم) منه؛ لأن الله تعالى رتَّب النفقة على الإرث بقوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فوجب أن يترتَّب مقدار النفقة على مقدار الإرث (فـ) ـمن له أم وجد (على الأم) من النفقة (الثلث، والثلثان على الجد)؛ لأنه لو مات لورثاه كذلك (و) من له جدَّة، وأخ لغير أم (على الجدة السدس، والباقي على الأخ)؛ لأنهما يرثانه كذلك
(8)
= بما يجده فوجبت عليه.
(6)
مسألة: الشخص لا يجب عليه أن يُخرج نفقة قريبه من رأس المال الذي يتَّجر به، ولا من ثمن ملك وعقار قد باعه؛ ليشتري غيره، ولا من آلة صنعته التي يكتسب من ورائها رزقه؛ للمصلحة: حيث إنه لو وجب الإنفاق على قريبه من هذه الأشياء الثلاثة: فسيلحقه الضرر؛ إذ سيفوت عليه ما يتحصَّل عن طريقه قوته وقوت زوجته ورقيقه، فدفعًا لذلك شُرّع هذا الحكم.
(7)
مسألة: إذا كان الشخص لا مال عنده، ولكن يقدر على الاكتساب بيديه: فإنه يُجبر على ذلك، ليدفع النفقة لقريبه بشرط: أن تكون هذه النفقة زائدة عن حاجته؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول" فحرَّم على الشخص القادر على الاكتساب: أن يُضيع قريبه الواجب النفقة له؛ لأن "الإثم" عقاب، ولا يُعاقب إلا على فعل حرام.
(8)
مسألة: إذا كان زيد محتاجًا إلى النفقة: فتجب نفقته على وارثيه على قدر إرثهم منه- إذا كان الوارث غير أب -فإذا كان لزيد جد وأم: فإن الأم تدفع ثلث نفقة زيد، والجد يدفع الباقي منها -وهو الثلثان-ـ، وإذا كان لزيد أخ شقيق أو لأب، وجدَّة: فإن الجدَّة تدفع سدس نفقة زيد، والأخ يدفع الباقي، وهكذا؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} حيث أوجب على الأب نفقة =
(والأب ينفرد بنفقة ولده)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لهند: "خذي ما يكفيكِ وولدكِ بالمعروف"
(9)
(ومن له ابن فقير، وأخ موسر: فلا نفقة له عليهما) أما ابنه: فلفقره، وأما الأخ: فلحجبه بالابن
(10)
(ومن) احتاج لنفقة و (أمه فقيرة، وجدته موسرة: فنفقته على الجدة)؛ ليسارها، ولا يمنع ذلك حجبها بالأم؛ لعدم اشتراط الميراث في عمودي النسب -كما تقدَّم-
(11)
(ومن عليه نفقة زيد) مثلًا؛ لكونه ابنه، أو أباه، أو أخاه،
= الرضاع لولده في الآية السابقة، ثم أوجب على الوارث نفقة مثل ما أوجب على الوالد، فلذلك وجب أن يُرتَّب مقدار النفقة على مقدار الإرث، ولذا: دفعت أم زيد ثلث نفقته، وجده دفع الباقي في المثال الأول؛ لأن زيدًا لو مات لورثاه كذلك، ودفعت جدَّة زيد سدس نفقته، ودفع أخوه دفع الباقي في المثال الثاني؛ لأن زيدًا لو مات لورثاه كذلك، وعلى ذلك فقس.
(9)
مسألة: الأب ينفرد بنفقة ولده إذا لم يبلغ ويقوى على الكسب، وإذا لم تتزوج البنت، أما إذا بلغ وهو قادر على الكسب، أو تزوجت البنت: فلا نفقة لهما على أبيهما؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام لهند: "خذي ما يكفيكِ وولدك بالمعروف" حيث أمرها بأخذ نفقة ولدها من مال أبيه دون أمه ولو لم تجب النفقة عليه: لما أمرها بذلك؛ لأنه لا يحل مال امرئ إلّا بطيب نفس منه.
(10)
مسألة: إذا لم توجد شروط وجوب النفقة الثلاثة -المذكورة في مسائل (2 و 4 وه): فلا تجب النفقة: فمثلًا: إذا كان زيد فقيرًا، وله ابن فقير، وله أخ موسر: فلا تجب النفقة له عليهما معًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم الشرط: عدم الحكم؛ أي: لا تجب النفقة على ابن زيد؛ نظرًا لفقر هذا الابن-فتخلَّف شرط الغني المذكور في مسألة (5) - ولا تجب النفقة على أخ زيد؛ نظرًا لكونه محجوبًا بابن زيد الفقير -فتخلَّف شرط الإرث المذكور في مسألة (2).
(11)
مسألة: إذا كان زيد فقيرًا محتاجًا للنفقة، وأمه فقيرة، وجدَّته موسرة وغنية: فتجب نفقته على جدته؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونها موسرة وغنية: وجوب =
ونحوه: (فعليه نفقة زوجته)؛ لأن ذلك من حاجة الفقير؛ لدعاء ضرورته إليه
(12)
(كـ) نفقة (ظئر) من تجب نفقته فيجب الإنفاق عليها (لحولين) كاملين؛ لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} إلى قوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} والوارث إنما يكون بعد موت الأب
(13)
(ولا نفقة) بقرابة (مع اختلاف دين) ولو من عمودي
= نفقته عليها، ولا يمنع تلك النفقة: كونها محجوبة بالأم عند الميراث؛ لعدم اشتراط الميراث في عمودي النسب كما فصَّلناه في مسألتي (1 و 2). تنبيه: هذا هو الفرق بين النفقة بين عمودي النسب: من أب وأم وإن علوا، وولد وولد ولد وإن سفلوا وبين النفقة على غيرهم من الأقارب.
(12)
مسألة: إذا كان زيد فقيرًا محتاجًا للنفقة، ويُوجد من تجب عليه نفقته - وهو أبوه: عمرو -أو ابنه، أو أخوه، أو غيرهم ممن تجب نفقته عليهم، وكان عمرو هذا غنيًا وارثًا: فيجب عليه -أي: على عمرو -أن ينفق على زيد وعلى زوجته؛ للقياس؛ بيانه: كما تجب نفقة المرضعة لولدك عليك لمدَّة الرضاع -وهما حولان كاملان - (كما سبق في باب الرضاع - فكذلك تجب النفقة على زيد وزوجته والجامع: أن كلًّا من الرضيع وزيد لا يتم أمرهما إلا بالإنفاق على المتسبِّب لراحتهما: فلا يمكن أن يتغذى الرضيع إلا بالإنفاق على مرضعته، ولا يمكن أن يستقر زيد ويعفَّ نفسه إلا بالإنفاق على زوجته معه.
(13)
مسألة: إذا كان هناك طفل -دون الحولين-، وأرضعته مرضعة مستأجرة، وأبوه ميت فإن نفقة تلك المرضعة طوال مدة الرضاعة تكون على ورثة ذلك الطفل: كل يدفع من النفقة بقدر إرثه -كما سبق في مسألة (8) -؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} إلى قوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} حيث دلَّت الآية على وجوب نفقة المرضعة لذلك الطفل على الوارث له،=
نسبه؛ لعدم التوارث إذًا (إلا بالولاء) فتلزم النفقة المسلم لعتيقه الكافر، وعكسه، لإرثه منه
(14)
(و) يجب (على الأب أن يسترضع لولده) إذا عُدمت أمه، أو امتنعت؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} أي: فاسترضعوا له أخرى (ويؤدّي الأجرة) لذلك؛ لأنها في الحقيقة نفقة؛ لتولّد اللبن من غذائها
(15)
(ولا يمنع) الأب
والوارث لا يكون إلّا بعد موت الأب.
(14)
مسألة: لا يجب أن ينفق زيد على عمرو مع اختلاف دينهما: بأن كان زيد مسلمًا، وعمرو كافرًا، وإن كانا قريبين: سواء كانت القرابة في عمودي النسب أو لا؛ إلا بالولاء، فيجب أن يُنفق المسلم على عتيقه الكافر، ويجب أن ينفق الكافر على عتيقه المسلم؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم التوارث بين المسلم والكافر: عدم إنفاق أحدهما على الآخر -لعدم وجود شرط وجوب النفقة- وهو إرث المنفِق المنفَق عليه -كما سبق في مسألة (2) - ويلزم من صحة التوارث بين المعتِق والمعتَق وإن كان أحدهما كافرًا: وجوب النفقة، فإن قلتَ: تجب النفقة مع اختلاف الدين مطلقًا وهو رواية لأحمد، وهو قول الشافعي؛ للقياس؛ بيانه: كما تجب النفقة على الزوجة والمملوك وإن كانا كافرين فكذلك تجب على الأقرباء مع اختلاف الدين والجامع: أنها تجب مع اتفاق الدين عليهما فتجب مع اختلاف الدين، فكذلك الأقرباء لما وجبت النفقة مع اتفاق الدين، وجبت مع اختلافه قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن نفقة الزوجات عوض يجب مع الإعسار واليسار، وكذلك المماليك فلم ينافيها اختلاف الدين، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الاختلاف في علَّة وجوب النفقة" فعندنا: أنها مواساة على سبيل البر والصلة فلم تجب مع اختلاف الدين، وعندهم: غير ذلك.
(15)
مسألة: إذا وجد طفل -دون الحولين- وعدمت أمه، أو امتنعت عن إرضاعه: فيجب على الأب أن يستأجر امرأة ترضعه له- وهي "الظئر"- ويدفع تلك=
(أمَّه إرضاعه) أي: إرضاع ولدها؛ لقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين}
(16)
، وله منعها من خدمته؛ لأنه يُفوِّت حق الاستمتاع في بعض الأحيان
(17)
(ولا يلزمها) أي: لا يلزم الزوجة إرضاع ولدها: دنيئة كانت أو شريفة؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (إلا لضرورة كخوف تلفه) أي: تلف الرضيع: بأن لم يقبل ثدي غيرها ونحوه؛ لأنه إنقاذ من هلكة
(18)
ويلزم أم
= الأجرة للمرضعة، وهي في الحقيقة نفقة للطفل؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} والمراد: إذا اختلف الزوجان وامتنعت أم الطفل عن إرضاعه: فيجب على الأب أن يستأجر من ترضع له طفله، ولفظ "فسترضع" خبر بمعنى الطلب، والمعنى: فاسترضعوا له أخرى، الثانية: التلازم؛ حيث إن أجرة المرضعة -وهي النفقة التي يدفعها الأب لها - يتكون منه اللبن الذي يُغذِّي ذلك الطفل فيلزم وجوبها على الأب؛ لأن النفقة على الولد واجب بالاتفاق.
(16)
مسألة: إذا طلبت أم الطفل إرضاعه: فلا يجوز لأبيه أن يمنعها من ذلك: سواء وجد من يتبرَّع بإرضاعه أو لا، وسواء كانت أمه تحت أبيه أو مطلقة؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} حيث بيَّن الشارع أن الأم أحق برضاعة ولدها؛ نظرًا لقوة شفقتها عليه، وهو المقصد منه.
(17)
مسألة: يُباح للزوج أن يمنع زوجته من خدمة طفلها، للمصلحة: حيث إن ذلك يفوت بعض حقه من الاستمتاع بها؛ لأن خدمة الأطفال فيه استقذار، وتكره ذلك بعض النفوس، فدفعًا لذلك شُرع هذا الحكم.
(18)
مسألة: لا يجب على الزوجة إرضاع ولدها: سواء كانت تحت زوجها أو مطلقة، وسواء كانت دنيئة أو شريفة ولا تجبر على إرضاعه؛ إلا عند الضرورة: كأن يُخاف على ذلك الولد أن يموت، أو تتلف بعض أعضائه بأن لا يقبل إلا ثدي أمه فقط فهنا يجب على الأم إرضاعه وتجبر على ذلك؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث=
ولد إرضاع ولدها مطلقًا
(19)
، فإن عتقت فكبائن
(20)
(ولها) أي: للمرضعة (طلب أجرة المثل) لرضاع ولدها (ولو أرضعه غيرها مجانًا)؛ لأنها أشفق من غيرها، ولبنها أمرأ (بائنًا كانت) أم الرضيع في الأحوال المذكورة (أو تحته) أي: زوجة لأبيه؛ لعموم قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
(21)
، (وإن تزوجت) المرضعة
= قال تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} حيث يلزم من التعاسر -وهو الاختلاف بين الزوجين في إرضاع ولدهما -: أن تُرضع له مرضعة أخرى غير أمه، فلو وجب إجبارها على الرضاعة -بلا ضرورة- لما أذن الشارع بأن ترضع له أخرى، الثانية: المصلحة الضرورية؛ حيث إن الخوف على الطفل من الهلاك: أوجب على أمه إرضاعه؛ لحفظه من الهلاك، أو التلف، وتأثم إذا امتنعت عن إرضاعه وهي قادرة إثم قتل النفس.
(19)
مسألة: يجب على أم الولد -وهي الأمة التي أنجبت ولدًا من سيدها- أن ترضع ولدها هذا: سواء خيف على ولدها الهلاك أو التلف أو لا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون نفعها لسيدها: وجوب إرضاعها ولدها؛ لكونه ولد سيدها الذي تسبَّب في ذلك.
(20)
مسألة: إذا عتقت أم الولد تلك: فلا تجبر على إرضاع ولدها إلا عند الضرورة، قياسًا على الحرة -كما سبق في مسألة (18) -.
(21)
مسألة: إذا طلبت المرضعة لطفله أجرة المثل عن إرضاعها له: فإنها تستحق ذلك: سواء كانت هي أم الطفل، أو غيرها، وسواء كانت مطلقة بائنًا، أو كانت تحت أب الطفل -وسواء وجد غيرها من المرضعات من تبرعت بإرضاعه مجانًا أو لا؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فأمر بإعطاء المرضعة أجرها، وهذا عام لأم الطفل التي تحت أبيه، ولغيرها، الثانية: المصلحة؛ حيث إن أم الطفل أشفق عليه من غيرها، ولبنها أمرأ، وأهنأ، وأنفع، فقدمت على غيرها في ذلك وإن كانت بأجرة، فإن قلت: لا=
(آخر: فله) أي: للثاني (منعها من إرضاع ولد الأول ما لم) تكن اشترطته في العقد، أو (يضطر إليها): بأن لم يقبل ثدي غيرها، أو لم يوجد غيرها؛ لتعينه عليها إذًا؛ لما تقدَّم
(22)
.
(فصل): في نفقة الرقيق (و) يجب (عليه) أي: على السيد (نفقة رقيقه) ولو أبقًا، أو ناشزًا (طعامًا) غالب قوت البلد (وكسوة، وسكنى) بالمعروف (وأن لا يُكلِّفه مشقًا كثيرًا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "للمملوك طعامه، وكسوته بالمعروف، ولا يكلَّف من
= تستحق إلا النفقة والكسوة والسكن إذا كانت أم الطفل تحت أبيه، ولا تستحق أجرة المثل ولو طلبته وهو قول الحنفية، وبعض الحنابلة؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} وقال: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} فلم يوجب لهن إلا النفقة، والكسوة، وهو الواجب بالزوجية قلتُ: إن قوله تعالى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} حملناها على ما إذا طلبت الأجرة على إرضاعها له، وعلى الاختلاف بينهما وقوله:{والوالدات يرضعن .. } تحمل على ما إذا لم تطلب الأجرة على ذلك، وعدم الاختلاف بينهما، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الاختلاف في المراد من الآيتين".
(22)
مسألة: يُباح للزوج منع زوجته من إرضاع ولدها من غيره، ومن إرضاع ولد غيرها بشرطين: الشرط الأول: أن لا تكون قد اشترطت في عقدها في هذا الزواج: أنها سترضع ولدها، أو ولد غيرها، فإن اشترطت ذلك: فلا يجوز له منعها منه؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام: "المسلمون على شروطهم" أي: في الالتزام، الشرط الثاني: أن لا يكون قد اضطر إليها بأن لم يقبل ثدي غيرها، أو لم يوجد غيرها، فإن اضطر إليها: فلا يجوز له منعها منه؛ للمصلحة الضرورية: وقد سبق ذكرها في مسألة (18)، وأصله: قوله عليه السلام: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام".
العمل ما لا يطيق" رواه الشافعي في "مسنده"
(23)
(وإن اتفقا على المخارجة) وهي: جعله على الرقيق كل يوم، أو كل شهر شيئًا معلومًا له:(جاز) إن كانت قدر كسبه فأقل بعد نفقته، روي: أن الزبير كان له ألف مملوك: على كل واحد كل يوم درهم درهم
(24)
(ويُريحه)
(23)
مسألة: يجب على السيد أن يُنفق على رقيقه قدر كفايته من غالب قوت البلد الذي يأكل منه مثله: سواء كان هذا الرقيق أبقًا، أو مريضًا، أو لا يكتسب، أو كان أمة ناشزًا، وكذا: أن يكسيه ويُسكنه، وكل ذلك يكون بالمعروف والمعتاد بين أمثاله من الأرقاء، وكذا: أن لا يشق عليه في العمل؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام: "للملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" وقال: "إخوانكم خولكم؛ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تُكلِّفوهم ما يغلبهم".
(24)
مسألة: إذا اتفق السيد مع عبده على المخارجة: جاز، وهو: أن يفرض السيد على عبده بأن يأتي له عن كل يوم، أو عن كل شهر شيئًا معلومًا كدرهم أو عشرة دراهم وما زاد فهو له: فإن ذلك يجوز، بشرط أن يكون هذا المعلوم المفروض عليه قدر كسبه فأقل -بعد خصم نفقته- أي: أن العبد يكسب مثلًا خمسة عشر درهمًا، فيأخذ نفقته اليومية منها، ثم يُعطي سيده ما فرضه عليه، ثم يبقى له شيء منها، فهذا يجوز، أما إن كان هذا المعلوم المفروض أكثر من كسبه: فلا يجوز؛ لقول وفعل الصحابي؛ حيث إن كثيرًا من الصحابة كانوا يضربون على عبيدهم خراجًا، فروي أن الزبير كان له ألف عبد، على كل واحد منهم كل يوم درهم، وورد أن عبدًا للمغيرة بن شعبة جاء إلى عمر بن الخطاب يُريد منه أن يكلِّم له المغيرة بأن يخفف عنه من خراجه، وقال عثمان:"لا تكلِّفوا الصغير الكسب فإنكم متى كلَّفتموه الكسب: سرق، ولا تكلِّفوا المرأة الكسب، فإنكم متى كلَّفتموها الكسب: كسبت بفرجها" فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: لأنه إذا كان الخراج على العبد أكثر من كسبه: كان قد كلَّفه ما لا يطيق، وكلَّفه ما يغلبه، =
سيده (وقت القائلة) وهي: وسط النهار (و) وقت (النوم و) وقت (الصلاة) المفروضة؛ لأن عليهم في ترك ذلك ضررًا، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر ولا ضرار"
(25)
(ويركبه) السيد (في السفر عقبة)؛ لحاجة؛ لئلا يُكلِّفه ما لا يُطيق
(26)
(وإن طلب) الرقيق (نكاحًا: زوّجه) السيد (أو باعه)؛ لقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين
= وهو مخالف لقوله عليه السلام: "لا تُكلِّفوهم ما يغلبهم" وربما حمله ذلك: أن يأتي بما فرض عليه من غير وجهه، فلا يجوز للسيد -حينئذ- أخذه.
[فرع]: لا يُجبر العبد على المخارجة، إذا طلبها منه سيده، ولا يُجبر سيده عليها إذا طلبها العبد - ولكن إن اتفقا عليها: جاز كما سبق في مسألة (24) -؛ للقياس؛ بيانه: كما أن السيد لو طلب أن يكاتب عبده: فلا يُجبر العبد على قبول ذلك، وإذا طلبها العبد فلا يُجبر السيد على قبول ذلك، فكذلك الحال في المخارجة، والجامع: أن كلًّا من المكاتبة، والمخارجة عقد بينهما فلا يُجبر أحد عليه.
(25)
مسألة: يجب على السيد أن يُريح عبده في الأوقات التي اعتاد الناس الاستراحة فيها: كوقت القيلولة، ووقت النوم وهو الليل، ويدعه يصلي الفريضة في وقتها؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" فحرم الشارع إلحاق أي ضرر لأي شخص، وهذا عام لكل ما يضر، فيشمل ما نحن فيه؛ لأن "ضرر" و "ضرار" نكرة في سياق نفي، وهو من صيغ العموم، والنفي هنا: نهي، والنهي مطلق فيقتضي التحريم، وترك الحرام واجب، ومعلوم أن عدم تركه للراحة والنوم، والصلاة في أوقاتها مضرّ به والضرر يُزال، وهو المقصد منه.
(26)
مسألة: إذا سافر السيد وعبده معه فيجب على ذلك السيد أن يركبه، ويتعاقبان على الراحلة إن لم توجد إلّا واحدة؛ للسنة القولية: -وقد سبق ذكرها في مسألة (25) -.
من عبادكم وإمائكم} (وإن طلبته) أي: التزويج (أمة: وطئها) السيد (أو زوَّجها، أو باعها)؛ إزالة لضرر الشهوة عنها، ويزوِّج أمة صبي، أو مجنون من يلي ماله إذا طلبته
(27)
، وإن غاب سيد عن أم ولده: زُوِّجت؛ لحاجة نفقة أو
(27)
مسألة: إذا طلب العبد، أو الأمة نكاحًا: فيجب على سيدهما تزويجهما، أو بيعهما، أو أن يطأ هو الأمة؛ ليعفَّها، وإن كانت الأمة أو العبد لصغير، أو لمجنون: فيجب على وليهما أن يتولى تزويجهما، أو بيعهما؛ لقواعد الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} حيث دلَّ ذلك على وجوب تزويجهم إذا طلبوا ذلك؛ لأن الأمر هنا مطلق، وهو يقتضي الوجوب الثانية: القياس؛ بيانه: كما أن النفقة على العبد والأمة واجبة فكذلك تزويجهما إذا طلبا ذلك والجامع: أن كلًّا من النفقة والنكاح مما تدعو الحاجة إليهما، ويتضرر فاقدهما، الثالثة: قول الصحابي؛ حيث قال ابن عباس: "من كانت له جارية فلم يزوجها، ولم يصبها، أو عبد فلم يزوجه فما صنعا من شيء: كان على السيد" فيلزم من وجود الإثم على السيد: وجوب إعفافهما: إما بالتزويج أو بالبيع على أحد يزوجهما، أو بوطء السيد لأمته وهذا يُفهم من الآية، وقول الصحابي من باب:"مفهوم الموافقة" الرابعة: التلازم؛ حيث يلزم من كون ولي الصبي، والمجنون يتولى جميع أموالهما: أن يتولى تزويج عبدهما، أو أمتهما، أو بيعهما، الخامسة: المصلحة؛ حيث إن عدم تزويجهما، أو بيعهما لمن يحصنهما فيه ضرر عليهما، ودفع الضرر واجب، فإن قلتَ: إن السيد لا يجبر على تزويجهما أو بيعهما إذا طلبا النكاح، وهو قول أبي حنيفة، ومالك؛ للقياس؛ بيانه: كما لا يجب عليه إطعامهما الحلواء، فكذلك لا يجب عليه تزويجهما أو بيعهما، والجامع: أنه يوجد في كل منهما ضرر على السيد، وأن كلًّا منهما تقوم البنية بدونه قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأنه يُخاف على العبد والأمة إذا لم يُزوِّجا إذا طلبا الزواج: أن يقعا في الحرام -وهو الزنا- بخلاف الحلواء=
وطء
(28)
، وله تأديب رقيقه، وزوجته، وولده، ولو مكلَّفًا مزوَّجًا بضرب غير مبرّح، ويقيده إن خاف إباقه
(29)
، ولا يشتم أبويه ولو كافرين
(30)
، ولا يلزمه بيعه بطلبه مع القيام بحقه
(31)
، ................................................
= فلو فُقدت: لا يحصل شيء، بل قد تكون مضرّة به، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" فنحن قسنا تزويجهما إذا طلبا ذلك على النفقة، وهم قاسوا ذلك على الحلواء.
[فرع]: إذا كان للعبد زوجة فيجب على السيد تمكينه من الاستمتاع بها ليلًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من إذنه في النكاح: إذنه في الاستمتاع بها ليلًا على العادة.
(28)
مسألة: إذا غاب سيد عن أم ولده، واحتاجت إلى النفقة، أو الوطء: فيباح أن يزوجها الحاكم؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه دفع حاجتها من النفقة، أو الوطء.
(29)
مسألة: يُباح للسيد أن يؤدِّب رقيقه، وزوجته، وولده، ولو كانوا كبارًا متزوجين بما يراه مناسبًا في حصول التأديب كالضرب غير المبرح، والحبس، والحرمان، والتقييد للرقيق إذا خاف هروبه؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه جلب مصلحة لهم، ودفع مفسدة عنهم.
(30)
مسألة: لا يجوز للسيد أن يسب أو يشتم أبوي عبده، ولو كانا كافرين؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه إساءة للعبد، ولأبويه من غير داع لها فيؤدي إلى أن يُلحق العبد الضرر بذلك السيد، فدفعًا لذلك شرع هذا.
(31)
مسألة: إذا طلب العبد من سيده أن يبيعه: فلا يجب على ذلك السيد أن يوافقه على طلبه بشرط: أن يكون السيد قائمًا بجميع حقوقه، أما إن كان السيد لم يقم بحقوق عبده، أو ببعضها فيجب عليه أن يوافقه على طلبه؛ للمصلحة: حيث إن موافقة السيد لعبد ببيعه مع قيامه بجميع حقوقه: فيه إلحاق ضرر بالسيد، وعدم موافقة السيد لعبده ببيعه مع عدم قيامه بحقوقه أو بعضها فيه إلحاق ضرر بالعبد،=
وحُرِّم أن تسترضع أمة لغير ولدها إلا بعد ريِّه
(32)
، ولا يتسرَّى عبد مطلقًا
(33)
.
(فصل): في نفقة البهائم (و) يجب (عليه علف بهائمه، وسقيها، وما يصلحها)؛ لقوله عليه السلام: "عُذِّبت امرأة في هرَّة حبستها حتى ماتت جوعًا، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاس الأرض" متفق عليه (و) يجب عليه (أن هي لا يُحملها ما تعجز عنه)؛ لئلا يُعذِّبها
(34)
، ويجوز الانتفاع بها في غير ما خُلقت له
= فدفعًا للضررين: شرع هذا الحكم، أصله قوله عليه السلام:"لا ضرر ولا ضرار في الإسلام".
(32)
مسألة: لا يجوز لأي أمة لها ولد: أن تقوم بإرضاع غير ولدها إلا إذا فضل لبن بعد أن ارتوى: فيجوز؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه إلحاق ضرر على ولدها بحرمانه من بعض لبنه الخاص له؛ أما إذا زاد فيجوز؛ لأن فيه نفعًا للمرتضع الآخر.
(33)
مسألة: يجوز للعبد أن يتسرَّى إذا أذن له سيده؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما يجوز للحر أن يتسرَّى -وهو أن يطأ أمة كسرية له- فكذلك العبد مثله في ذلك، والجامع: أن كلًّا منهما يملك في النكاح ما يشاء، فملك في التسري، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إنه ثبت عن ابن عباس، وابن عمر جواز التسرّي للعبد، فإن قلتَ: لا يجوز أن يتسرى العبد: سواء أذن له سيده أو لا، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون العبد لا يملك المال: عدم جواز التسري له قلتُ: إن العبد يملك المال إذا أذن له سيده بذلك، ولذلك قال عليه السلام:"من باع عبدًا له مال فماله لسيده إلا أن يشترطه المبتاع"، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف فى العبد هل يملك المال بتمليك سيده أو لا؟ " فعندنا: نعم، وعندهم: لا.
(34)
مسألة: يجب على الشخص: أن يُطعم ويُعلِّف بهائمه، وأن يسقيها، وأن يفعل كلَّ شيء يصلحها، ويسد حاجتها وإن لا يحملها ما تعجز عنه، وإذا خالف =
كبقر لحمل وركوب، وإبل وحُمُر لحرث ونحوه
(35)
، .....................................................
= ذلك: فالإمام يُجبره على فعله وعدم تحميلها، أو بيعها؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "عُذِّبت امرأة في هرَّة حبستها حتى ماتت جوعًا، فلا هي أطعمتها، ولا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض"، والعذاب عقاب، ولا يُعاقب إلا على ترك واجب، فيلزم من ذلك: أن نفقتها واجبة وإذا كان ذلك في الحيوان الذي لا يملك -كالهرة- فثبوت ذلك في الحيوانات التي تملك من باب أولى؛ لكونها محبوسة لمصالح الملك من باب مفهوم الموافقة الأولى، الثانية: القياس؛ بيانه: كما أنه يجب على السيد أن يفعل ذلك بعبده، وإذا ترك ذلك فالإمام يُجبره على فعله، أو بيعه، فكذلك البهائم، والجامع: أنه في كل منهما حق على المالك مراعاته ولا يجوز تعذيبه بعدم الإنفاق عليه أو تحميله ما لا يطيق؛ لكونه من خلق الله عليه، وهذا هو المقصد منه، فإن قلت: لا يُجبره السلطان على الإنفاق عليها، أو بيعها، وإنما ينصحه بالمعروف؛ لئلا يضيع ماله، وهو قول أبي حنيفة؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو ترك الشجر أو الزرع بدون سقي: فلا يُجبره السلطان على ذلك فكذلك البهائم، والجامع: أن كلًّا منهما لا يثبت لها حق من جهة الحكم: فلا يصح منها دعوى، ولا يُنصب عنها خصم قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن البهائم لها روح تتعذَّب بسبب منع الطعام والشراب عنها، بخلاف الزرع والشجر، وهذا معلوم بالضرورة، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياسين" فنحن ألحقناها بالعبد، وهم ألحقوها بالزرع والشجر، وهذا هو قياس:"غلبة الأشباه".
(35)
مسألة: يجوز للشخص أن يستعمل بهائمه في سائر الاستعمالات، ولو لم تخلق لهذا الاستعمال، كأن يستعمل البقرة للركوب -وهي عادة تستعمل للحرث- أو يستعمل الحمار، أو الجمل للحرث -وهما عادة يستعملان للركوب-؛ للتلازم؛=
ويحرم لعنها
(36)
، وضرب وجه ووسم فيه
(37)
(ولا يحلب من لبنها ما يضر ولدها)؛ لقوله عليه السلام: "لا ضرر ولا ضرار"
(38)
(فإن عجز) مالك البهيمة (عن نفقتها: أُجبر على بيعها، أو إجارتها، أو ذبحها إن أُكِلَت)؛ لأن بقاءها في يده مع ترك الإنفاق عليها ظلم، والظلم تجب إزالته، فإن أبى فعل حاكم الأصلح
(39)
ويكره
= حيث يلزم من ملكه إياها: جواز الانتفاع بها فيما يُمكن، وهذا فيه توسعة على المسلمين.
(36)
مسألة: لا يجوز للشخص أن يلعن بهيمة من بهائمه؛ للسنة القولية: حيث إن امرأة لعنت ناقة لها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما عليها، ودعوها مكانها، ملعونة" وفي رواية: "لا تصحبنا ناقة عليها لعنة" فيلزم من ترك الناقة الملعونة: عدم جواز لعنها؛ إذ لو جاز: لما تركت وهذا عقاب واقع على اللاعن، ولا يُعاقب إلا على فعل حرام.
(37)
مسألة: لا يجوز للشخص أن يضرب وجه بهيمته، ولا وسمه؛ -وهو وضع علامة عليه -للسنة القولية: حيث "لعن النبي عليه السلام من وسم، أو ضرب الوجه" واللعن: عقاب، ولا يُعاقب إلا على فعل حرام.
[فرع]: يجوز ضرب ووسم غير الوجه؛ لغرض صحيح؛ للتلازم؛ حيث يلزم من الحاجة إلى الضرب؛ لإقامة البهيمة، والوسم؛ لئلا تضيع: جوازه، وهو لجلب مصلحة، ودفع مفسدة.
(38)
مسألة: لا يجوز للشخص أن يحلب لبن بهيمته إذا كان ذلك يُلحق الضرر بولدها المحتاج لذلك اللَّبن؛ للسنة القولية: حيث قال عليه السلام: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام"، وهو عام؛ لأن "ضرر وضرار" نكرة في سياق نفي وهو من صيغ العموم، فيشمل ما نحن فيه، فيحرم الإضرار بولد البهيمة.
(39)
مسألة: إذا عجز الشخص عن نفقة بهائمه: فإن الحاكم يُجبره على بيعها، أو إجارتها، أو ذبح ما يُؤكل، أو فعل أي شيء يصلح شأنها؛ للمصلحة: حيث إن =
جز معرفة، وناصية، وذَنَب، وتعليق جرس، أو وَتَر
(40)
، ونزو حمار على فرس
(41)
، وتستحب نفقته على ماله غير الحيوان
(42)
.
= تركها بدون نفقة: تعذيب لها، وهذا ظلم وضرر، والظلم والضرر تجب إزالتهما، وأصله قوله عليه السلام:"لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" وقد سبق تفصيل ذلك في مسألة (34).
(40)
مسألة: يُكره للشخص أن يجز شيئًا من عرف الحيوان وناصيته، ومن ذنبه وذيله، ويُكره أيضًا: تعليق جرس، أو وتر يصدر أصواتًا عند مشي الحيوان؛ للمصلحة: حيث إن جزَّ شيء منه فيه تشويه له، وقطع منفعتها منه، وتعليق الجرس أو الوتر فيه إيذاء للحيوان، وللناس الذين يمر بهم، فدفعًا لذلك كره فعل ذلك.
(41)
مسألة: يكره للشخص أن يُمكن حمارًا من النزو على فرس؛ للمصلحة؛ حيث إن ذلك لا فائدة فيه وما لا فائدة فيه يكره فعله.
(42)
مسألة: يجب على الشخص: أن يُنفق على ماله؛ لإصلاحه، واستثماره، والإفادة منه كالعقارات، والزروع والنخيل والبيوت، والحيوانات، ولا يجوز تركها بدون ذلك؛ للسنة القولية: حيث إنه عليه السلام "قد نهى عن إضاعة المال" والنهي مطلق، فيقتضي التحريم وترك الحرام واجب، فيجب ما ذكرناه، فإن قلتَ: بل إن ذلك مستحب، أما الحيوان فيجب، وهو ما ذكره المصنف هنا؟ قلتُ: إن الجميع واجب؛ لأن النهي عن إضاعة المال عام؛ لأن لفظ "مال" اسم جنس عرف بأل، وهو من صيغ العموم، فيشمل كل مال: سواء كان جمادًا أو غير ذلك كالحيوانات، والآدميين كالعبد، ولم نجد قرينة قويت على صرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في النهي الوارد في الحديث هل هو للتحريم أو للكراهة؟ ".
هذه آخر مسائل باب: "نفقة الأقارب، والمماليك من الآدميين والبهائم" ويليه باب: "حضانة الطفل وكفالته".
باب الحضانة
من الحضن، وهو الجنب؛ لأن المربي يضم الطفل إلى حضنه، وهي: حفظ صغير ونحوه عما يضره، وتربيته بعمل مصالحه
(1)
(تجب) الحضانة (لحفظ صغير، ومعتوه) أي: مختل العقل (ومجنون)؛ لأنهم يهلكون بتركها، ويضيعون، فلذلك وجبت؛ إنجاءً من الهلكة
(2)
(والأحق بها أم)؛ لقوله عليه السلام: "أنتِ أحق به ما لم تنكحي" رواه أبو داود، ولأنها أشفق عليه
(3)
(ثم أمهاتها: القربى فالقربى)؛ لأنهن في
باب حَضَانة وكفالة الطفل
وفيه خمس وثلاثون مسألة:
(1)
مسألة: الحَضَانة: لغة: مأخوذ من الحضن، وهو الجنب، وهو: ما دون الإبط إلى الكشح، وهو قريب من العجزة -كما ورد في المصباح (140) - سميت بذلك؛ لأن المربي والحاضن يضم الطفل إلى حضنه -وهو ذلك المكان- ويحميه بيديه عن الأذى، وهي: في الاصطلاح: "أن يحفظ جائز التصرُّف طفلًا ونحوه -كمجنون ومعتوه- عما يضرّه، ويُربيه ويعمل على مصلحته، ودفع المفاسد عنه" وسيأتي بيان ذلك في المسائل الآتية.
(2)
مسألة: حضانة الطفل، ونحوه -كمجنون وكمعتوه- واجبة؛ للقياس؛ وهو من وجهين: أولهما: كما تجب النفقة على الطفل ونحوه فكذلك تجب حضانتهم والجامع: أن ترك النفقة والحضانة يؤديان إلى الهلاك والتلف، ثانيهما: كما تجب كفالة اللقيط، فكذلك تجب حضانة الطفل -ونحوه والجامع: أن كلًّا منهما يهلك بترك ذلك ويضيع، فإن قلت: لِمَ وجبت الحضانة؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إنقاذ للطفل ونحوه من الهلكة، وحماية له من الفساد.
(3)
مسألة: إذا افترق الزوج والزوجة وكان بينهما طفل ونحوه: فإن أمه أحق بحضانته وكفالته إذا كانت مكلَّفة رشيدة، ولم تتزوج سواء كان ذكرًا أو أنثى ما لم يبلغ =
معنى الأم؛ لتحقق ولادتهن
(4)
(ثم أب)؛ لأنه أصل النسب
(5)
(ثم أمهاته كذلك) أي: القربى فالقربي؛ لأنهن يدلين بعصبة قريبة
(6)
(ثم جد) كذلك: الأقرب فالأقرب؛
= سبع سنوات؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث جاءت امرأة إلى النبي فقالت: إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثدي له سقاء، وحجري له حِواء، وإن أباه طلقَّني، وأراد أن ينزعه مني فقال عليه السلام:"أنتِ أحقُّ به ما لم تنكحي" -فإيراد السؤال يدل على كونها مكلَّفة رشيدة تعرف ما لها وما عليها، وقوله:"ما لم تنكحي" دل على أن المرأة أحق بالحضانة ما لم تتزوج فيلزم من ذلك كله: اشتراط تلك الشروط في الأم، الثانية: المصلحة؛ حيث إن أم الطفل أشفق عليه من أي شخص آخر: من أب وغيره، فهي أصبر عليه، وأخبر بتغذيته، وأرحم به، فاقتضت هذه المصالح: كونها أحق به من غيرها، تنبيه: إذا بلغ الغلام، أو الجارية سبع سنوات فسيأتي حكم ذلك في مسألتي (25 و 30) إن شاء الله.
(4)
مسألة: إن تعذَّرت حضانة الطفل من الأم: فالأحق بحضانته: أم الأم، ثم جدة الأم وهكذا؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الأحق بحضانته أمه، فكذلك أمهاتها: القربى فالقربى، والجامع: تحقق الولادة في كل منهن، وهذا فيه مشابهتهن لأمه في الشفقة، وفي ذلك مصلحة الطفل، وهو المقصد منه.
(5)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممن سبق ذكرهما: فإن الأحق بحضانته: أبوه؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من كونه أصل نسبه، وأقرب من غيره إليه، وأحق بولاية المال: أن يقوم بحضانته، الثانية: المصلحة؛ حيث إن الأب أشفق على الطفل من غيره -غير أمه وأمهاتها- فتكون الحضانة من حقه لمصلحة الطفل.
(6)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممن سبق ذكرهم: فإن الأحق بحضانته: أمهات الأب: أم الأب، ثم جدة الأب، وهكذا: القربى فالقربي؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ على أمهات الأم -كما سبق في مسألة (4) -، الثانية: التلازم؛ حيث =
لأنه في معنى أبي المحضون
(7)
(ثم أمهاته كذلك): القربى فالقربي
(8)
(ثم أخت لأبوين)؛ لتقدمها في الميراث
(9)
(ثم) أخت (لأم) كالجدات
(10)
..........................................
= يلزم من إدلاء أمهات الأب بعصبة قريبة: تقديمهن على غيرهن في الحضانة، فإن قلتَ: لِمَ قُدِّمن على الجد -أب الأب-؟ قلتُ: لأن أمهات الأب قد تساوين مع الجد في الرتبة وزدن عليه بالأنوثة؛ فرُجِّح جانبهن بسبب تلك الأنوثة، والأنوثة منظور إليها في الحضانة؛ لكون الأنثى أشفق، وألطف، وألصق بالأطفال عادة، فإن قلتَ: لِمَ قُدِّمت أمهات الأب على الخالة؟ قلتُ: لأن أمهات الأب لهن ولادة ووراثة، فَأشبهن أم الأم.
(7)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممن سبق ذكرهم: فإن الأحق بحضانته: جده وهو أب أبيه، ثم أب جده: الأقرب فالأقرب؛ للقياس على أمهات أمه-كما سبق في مسألة (4) - لأنه في معنى أبي الطفل ومنزلته.
(8)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممن سبق ذكرهم: فإن الأحق بحضانته: أمهات الجد: أم الجد، ثم جدة الجد: القربى فالقربي؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونهن يُدلين بمن هو أحق من غيره -وهو الجد-: أن يكن أحق بالحضانة من غيرهن بعده، فإن قلت: لِمَ قُدِّمت أمهات الجد على أخوات الطفل مع إدلائهن بالأب؟ قلتُ: لأن أمهات الجد أشفق عادة؛ لما يوجد فيهن من وصف الولادة، فيكون الطفل بعضًا منهن، بخلاف الأخوات.
(9)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممّن سبق ذكرهم: فإن الأحق بحضانته: أخته الشقيقة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تقديمها في ميراثه ومشاركته في النسب: تقديمها على غيرها في الحضانة؛ لقوتها في القرابة.
(10)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممن سبق ذكرهم: فإن الأحق بحضانته: أخته لأم وهو قول أبي حنيفة وابن سريج؛ للقياس؛ بيانه: كما أن أم الأم تقدم في الحضانة على أم الأب -كما سبق في مسألة (4) و 6) - فكذلك الأخت لأم تقدم =
(ثم) أخت (لأب
(11)
ثم خالة لأبوين ثم) خالة (لأم، ثم) خالة (لأب)؛ لأن الخالات يُدلين بالأم
(12)
(ثم عمات كذلك) أي: تقدَّم العمَّة لأبوين، ثم لأم، ثم
= على الأخت لأب في ذلك والجامع: أن كلًّا من أم الأم والأخت لأم مدلية بالأم، وهذا مراعى في الحضانة؛ لكونها أشفق.
(11)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممن سبق ذكرهم: فإن (الأحق) في حضانته: أخته لأب؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كونها قد أدلت بالأب: تأخيرها عن الأخت لأم في الحضانة خاصة؛ لأن الحضانة قد رُوعي فيها أنوثة الأم، التي قد تؤثِّر في الأخت لأم، دون الأخت لأب، فإن قلتَ: إن الأخت لأب تقدَّم على الأخت لأم في الحضانة وهو قول أكثر الحنابلة؛ للتلازم؛ حيث إن قوتها في الميراث، وكونها عصبة مع البنات بخلاف الأخت لأم، فلا يوجد ذلك فيها: يلزم منه: تقديمها - أي: تقديم الأخت لأب على الأخت لأم- قلت: لا يُنظر في باب الحضانة خاصة إلى القوة في الميراث بقدر ما ينظر إلى القوة في الشفقة، والرحمة، واللطف، ولا شك أن الأخت لأم أرحم بذلك الطفل من أخته لأب، وهذا مجرَّب معتاد، ولعلَّ السبب في ذلك: هو أنها ورثت هذا الحنان واللطف، والشفقة من أمها، وما يتميز به الإنسان من حنان، وشفقة ونحوهما لا شك أنه موروث، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الخلاف في الحضانة هل يُنظر فيه إلى المحتضن بقوته في الميراث، أو بالشفقة والحنان ونحوهما؟ " فنحن نظرنا إلى الثاني وهم نظروا إلى الأول.
(12)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممن سبق ذكرهم: فإن الأحق بحضانته خالاته، وتُقدَّم في ذلك: خالة الطفل لأبوين -: وهي أخت أمه الشقيقة -، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق في حضانته: خالته لأم -وهي: أخت أمه من الأم-، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق في حضانته: خالته لأب -وهي: أخت أمه من الأب-، للقياس؛ بيانه: كما أن أخت الطفل الشقيقة تقدَّم في الحضانة -كما سبق في =
لأب؛ لأنهن يدلين بالأب
(13)
(ثم خالات أمه) كذلك
(14)
(ثم خالات أبيه) كذلك
(15)
(ثم عمات أبيه) كذلك، ولا حضانة لعمات الأم مع عمات الأب؛ لأنهن
= مسألة (9) -فإن تعذَّر ذلك: فالأحق فيها الأخت لأم-كما سبق في مسألة (10) - فإن تعذَّر ذلك: فالأحق فيها الأخت لأب -كما سبق في مسألة (11) - فكذلك الخالات مثل الخوات في ذلك، فإن قلتَ: لِمَ قُدِّمت الخالات في الحضانة على العمَّات؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن خالات الطفل أرحم وأشفق به من عماته - في العادة - لأنهن أدلين بالأم وقد بيّنا سبب ذلك في تقديم الأخت لأم على الأخت لأب في مسألة (11).
(13)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممّن سبق ذكرهم: فإن الأحق بحضانته: عماته: وتقدم في ذلك: عمة الطفل لأبوين - وهي: أخت أبيه الشقيقة-، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق في حضانته: عمته لأم - أي: أخت أبيه لأم -، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق في حضانته: عمته لأب- وهي: أخت أبيه من الأب-؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من كونهن يُدلين بالأب: تقديمهن على من بعدهن، الثانية: القياس، وهو قياس ترتيب العمات -: الشقيقة، ثم لأم، ثم لأب - على ترتيب الأخوات، والخالات- كما سبق في مسأئل (9 و 10 و 11 و 12) -.
(14)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممن سبق ذكرهم: فإن الأحق بحضانته: خالات أمه، وتقدَّم في ذلك: خالة أمه الشقيقة، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق: خالة أمه من أم، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق: خالة أمه من أب، لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من كونهن يُدلين بالأم: تقديمهن على خالات أبيه، الثانية: القياس، وهو قياس ترتيب خالات أمه -الشقيقة ثم لأم، ثم لأب- على ترتيب الأخوات، والخالات -كما سبق في مسائل (9 و 10 و 11 و 12) -.
(15)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممن سبق ذكرهم: فإن الأحق بحضانته: خالات أبيه، وتقدَّم في ذلك: خالة أبيه الشقيقة، فإن تعذَّر ذلك، فالأحق:=
يُدلين بأبي الأم، وهو من ذوي الأرحام، وعمات الأب يدلين بالأب، وهو من أقرب العصبات
(16)
(ثم بنات إخوته) تُقدَّم بنت أخ شقيق، ثم بنت أخ لأم، ثم بنت أخ لأب (و) مثلهن بنات (أخواته، ثم بنات أعمامه) لأبوين، ثم لأم، ثم لأب (و) بنات (عماته) كذلك (ثم بنات أعمام أبيه) كذلك (وبنات عمات أبيه) كذلك على التفصيل المتقدِّم
(17)
(ثم) تنتقل (لباقي العصبة: الأقرب فالأقرب) فتُقدَّم الأخوة، ثم
= خالة أبيه من الأم، فإن تعذر ذلك: فالأحق: خالة أبيه من الأب؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من إدلائهن بالأم: تقديمهن على عمات الأب، الثانية: القياس، وهو قياس ترتيب خالات أبيه -الشقيقة، ثم لأم، ثم لأب- على ترتيب الأخوات والخالات، وخالات الأم - كما سبق تفصيله في المسائل.
(16)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممّن سبق ذكرهم: فإن الأحق بحضانته: عمّات أبيه، وتقدَّم في ذلك: عمّة أبيه الشقيقة، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق: عمة أبيه من الأم، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق عمة أبيه من الأب؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث يلزم من إدلائهن بالأب، وهو من أقرب العصبات تأخيرهن في الحضانة عمن أدلين بالأم، الثانية: القياس، وهو قياس ترتيب عمات أبيه - الشقيقة، ثم لأم ثم لأب -على ترتيب الأخوات، والخالات وخالات الأم، وخالات الأب -كما سبق تفصيله في المسائل، فإن قلت: لِمَ جاز لعمات الأب الحضانة، مع عدم جواز الحضانة لعمات الأم؟ قلتُ: لأن عمات الأب يُدلين بأقرب العصبات للطفل -وهو الأب- أما عمات الأم فهن يُدلين بأبي الأم، وهو من ذوي الأرحام.
(17)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممّن سبق ذكرهم: فإن الأحق بحضانته: بنات أخوته وتقدم في ذلك: بنت أخيه الشقيق، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق بنت أخيه لأم، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق بنت أخيه لأب، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق بنت أخته الشقيقة، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق بنت أخته لأم، فإن تعذَّر: فالأحق بنت =
بنوهم، ثم الأعمام، ثم بنوهم، ثم أعمام أب، ثم بنوهم، وهكذا
(18)
(فإن كانت) المحضونة (انثى فـ) ــيُعتبر أن يكون العصبة (من محارمها) ولو برضاع، أو مصاهرة إن تَّم لها سبع سنين، فإن لم يكن لها إلا عصبة غير محرم: سلَّمها لثقة يختارها، أو إلى محرمه، وكذا: لو تزوجت أم وليس لولدها غيرها
(19)
(ثم) تنتقل الحضانة (لذوي
= أخته لأب، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق بنت عمه الشقيق، فإن تعذَّر: فالأحق: بنت عمه لأم، فإن تعذَّر فالأحق: بنت عمه لأب، فإن تعذَّر: فالأحق بنت عمته الشقيقة، فإن تعذَّر: فالأحق بنت عمته لأم، فإن تعذَّر: فالأحق بنت عمته لأب، فإن تعذَّر: فالأحق: بنت عم أبيه الشقيق، فإن تعذَّر: فالأحق: بنت عم أبيه لأم، فإن تعذَّر: فالأحق بنت عم أبيه لأب، فإن تعذَّر: فالأحق: بنت عمة أبيه الشقيقة، فإن تعذَّر: فالأحق بنت عمة أبيه لأم، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق بنت عمة أبيه لأب؛ وقد سبق بيان قواعد ذلك في المسائل السابقة، ولا داعي لتكراره.
(18)
مسألة: إذا تعذرت حضانة الطفل ممن سبق ذكرهم: فإن الحضانة تنتقل إلى باقي العصبة من الذكور: الأقرب، فالأقرب: فيُقدَّم في ذلك: الأخوة الأشقاء، ثم الأخوة لأب، فإن تعذّر ذلك فالأحق: ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، فإن تعذَّر ذلك فالأحق: العم الشقيق، ثم العم لأب، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق: ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق: عم الأب الشقيق، ثم عم الأب من الأب، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق: ابن عم الأب الشقيق، ثم ابن عم الأب من الأب ثم أعمام، جد، ثم بنوهم، وهكذا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون هؤلاء أصحاب ولاية وتعصيب: تقديمهم في الحضانة على من بعدهم كالأب.
(19)
مسألة: إذا كانت المحضونة أنثى فيشترط: أن يكون حاضنها ذا محرم لها: سواء كان بسبب رضاع، أو نسب، أو مصاهرة، فإن لم يوجد لها محرم من عصبتها =
أرحامه) من الذكور، والإناث غير ما تقدَّم، وأولاهم: أبو أم، ثم أمهاته، فأخ لأم، فخال
(20)
(ثم) تنتقل (للحاكم)؛ لعموم ولايته
(21)
(وإن امتنع من له الحضانة) منها (أو كان) من له الحضانة (غير أهل) للحضانة: (انتقلت إلى من بعده) يعني إلى
= كأن لا يوجد إلا ابن عمها -وهو غير محرم لها-: فإن ابن عمها هذا يُسلِّمها لثقة يختارها هو والعصبة الباقون، أو يُسلِّمها إلى محرمه، وكذلك: لو تزوجت أم تلك الأنثى التي تحتاج إلى حضانة: فإنها تُسلِّمها إلى ثقة تختارها، أو تسلِّمها إلى محرم لتلك الأنثى؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه منع للفتنة، والوقوع في الحرام. تنبيه: قوله: "إن تم لها سبع سنين" هذا لا يُشترط؛ إذ لا يصح أن يحضن الأنثى من هو غير محرم لها مطلقًا؛ منعًا للفتنة، وللاحتياط.
(20)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممن سبق ذكرهم: فإن الحضانة تنتقل إلى ذوي أرحامه: من الذكور والإناث، ويُقدَّم في ذلك: أبو أمه، ثم أمهاته، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق: أخوه لأم، فإن تعذَّر ذلك: فالأحق: خاله؛ للتلازم؛ حيث إن كون ذوي الأرحام يرثون عند عدم من هو أولى منهم- وهم أصحاب الفروض والعصبة -ولهم رحم، وقرابة يلزم منه أن يقدمون في الحضانة على الحاكم، ويلزم من كون أبي الأم مقدم بالولاية على غيره: أن يكون أحق بالحضانة، ويلزم من كون الأخ لأم يرث بالفرض، ويسقط ذوي الأرحام: أن يقدم في الحضانة على الخال.
(21)
مسألة: إذا تعذَّرت حضانة الطفل ممن سبق ذكرهم: فإن الحضانة تنتقل إلى الحاكم، ثم الحاكم يُسلِّمه إلى من يثق به من المسلمين ممن تتوفر به القدرة، والشفقة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الحاكم ولي لعموم المسلمين، وهو ولي من لا ولي له: أن تنتقل الحضانة إليه إذا تعذرت حضانته من قبل قريباته وأقربائه وهو يُسلِّمه لمن يراه مناسبًا لتربيته.
من يليه كولاية النكاح؛ لأن وجود غير المستحق كعدمه
(22)
(ولا حضانة لمن فيه رق) ولو قلَّ؛ لأنها ولاية، وليس هو من أهلها (ولا) حضانة (لفاسق)؛ لأنه لا يوثق به فيها، ولا حظ للمحضون في حضانته (ولا) حضانة (لكافر) على مسلم؛ لأنه أولى بعدم الاستحقاق من الفاسق (ولا) حضانة (لمزوجة بأجنبي من محضون من حين عقد)؛ لحديث السابق، ولو رضي زوج (فإن زال المانع): بأن عتق الرقيق، وتاب الفاسق، وأسلم الكافر، وطُلِّقت المزوَّجة، ولو رجعيًا:(رجع إلى حقه)؛ لوجود السبب وانتفاء المانع
(23)
(وإن أراد أحد أبويه) أي: أبوي المحضون (سفرًا طويلًا)
(22)
مسألة: إذا امتنع من يستحق الحضانة عن حضانة ذلك الطفل، أو كان غير أهل لحضانته -ككونه فاسقًا ونحو ذلك-: فإن الحضانة تنتقل إلى من بعده - ممّن يستحق الحضانة على الترتيب السابق ذكره في المسائل - من (3) إلى (21) -؛ للقياس؛ بيانه: كما أن ولاية النكاح تنتقل ممّن ليس بأهل، أو اعتذر عنها إلى من يليه فكذلك الحال هنا، والجامع أن وجود غير المستحق كعدمه في كل.
(23)
مسألة: يُشترط في حاضن الطفل سبعة شروط: الشرط الأول: أن يكون الحاضن حُرًّا، فالذي فيه "رق لا يصلح لأن يحضن أحدًا: سواء كان هذا الرق قليلًا أو كثيرًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الحضانة ولاية: عدم صلاحية الرقيق للحضانة؛ لكونه ليس من أهلها، ويلزم: من عجز العبد عنها لانشغاله بخدمة سيده: عدم صلاحيته لها، فإذا زال الرق: بأن عتق العبد صلح للحضانة؛ لوجود شرطها، الشرط الثاني: أن يكون الحاضن عدلًا ثقة: فالفاسق لا يصلح لحضانة أحد؛ للمصلحة: حيث إن العدل الثقة يُوثق به في أداء الواجب من الحضانة وهذا يُصلح الطفل المحضون، بخلاف الفاسق فلا يوثق به في ذلك، فإذا تاب الفاسق: صلح للحضانة؛ لوجود شرطها؛ الشرط الثالث: أن يكون الحاضن بالغًا عاقلًا رشيدًا فلا يصلح غيره؛ لحضانة أحد؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه مصلحة للطفل المحضون بالإرشاد، والتوجيه إلى أفضل السبل، وإلى سعادة=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الدارين، بخلاف الصغير، والمجنون، والمعتوه، والسفيه، حيث إن هؤلاء يحتاجون من يعتني بهم، ويرشدهم ويكفلهم، وفاقد الشيء لا يعطيه، فإذا بلغ وعقل ورشد هؤلاء: صلحوا للحضانة؛ لوجود شرطها، الشرط الرابع: أن يكون الحاضن مسلمًا؛ فالكافر لا يصلح أن يكون حاضنًا لأحد؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الكافر لا يكون وليًا في نكاح المسلم أو المسلمة، ولا وليًا على مالهما: فكذلك لا يصلح أن يكون حاضنًا له والجامع: دفع الضرر عن هذا الطفل المحضون؛ وكذا: يقال: إذا كان الفاسق لا يصلح أن يحضن أحدًا؛ لضرره، فإن الكافر لا يصلح لذلك من باب أولى؛ لأن ضرره أكثر على الطفل المحضون لكونه قد يصرفه عن دينه صرفًا كُلِّيًا - وهذا يكون من باب:"قياس الأولى" فإذا أسلم: صلح للحضانة؛ لوجود شرطها، الشرط الخامس: أن لا تكون الحاضنة متزوجة بشخص أجنبي عن طفل محضون، أما إذا كانت متزوجة بقريب للطفل المحضون- وهو: أن يكون من: أن يكون من عصبات المحضون-: فتصلح تلك المرأة: أن تحضنه: سواء كان محرمًا للمحضون -إذا كانت أنثى- أو لا؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال عليه السلام: "أنتِ أحق به ما لم تنكحي" فاشترط هنا للحضانة: عدم نكاحها، ويدل مفهوم الشرط: على عدم صلاحيتها للحضانة إذا نكحت، الثانية: التلازم؛ حيث يلزم من كون الزوج يملك منافع زوجته بمجرد العقد: استحقاقه منعها من الحضانة؛ الشرط السادس: أن يكون الحاضن ذا محرم إذا كانت المحضونة أنثى: سواء ثبتت المحرمية بسبب نسب، أو رضاع، أو مصاهرة وهذا قد سبق بيانه في مسألة، (19)، أما إذا فارقت تلك المرأة زوجها بطلاق، أو خلع، أو وفاته: فإنها تصلح للحضانة؛ لوجود شرطها، الشرط السابع: القدرة على تربية الطفل، فلا حضانة لعاجز؛ لمصلحة الطفل، فإن قلت: لِمَ اشترطت تلك الشروط السبعة؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن تلك الشروط فيها جلب =
لغير الضرار، قاله الشيخ تقي الدين وابن القيم (إلى بلد بعيد) مسافة قصر فأكثر؛ (ليسكنه وهو) أي: البلد (وطريقه: آمنان فحضانته) أي: المحضون (لأبيه)؛ لأنه الذي يقوم بتأديبه، وتخريجه، وحفظ نسبه، فإذا لم يكن الولد في بلد الأب: ضاع (وإن بعد السفر) وكان (لحاجة) لا لسكنى: فمقيم منهما أولى أو قرب) السفر (لها) أي: لحاجة ويعود: فالمقيم منهما أولى؛ لأن في السفر إضرارًا به (أو) قرب السفر، وكان (للسكنى: فـ) الحضانة (لأمه)؛ لأنها أتم، شفقة، وإنما أخرجتُ كلام المصنف عن ظاهره؛ ليوافق ما في "المنتهى" وغيره
(24)
.
= مصالح للطفل المحضون، ودفع مفاسد عنها، ولو تدبَّرتها لوجدت ذلك واضحًا، فإن قلتَ: لا يُشترط الرابع في حق المرأة، فيصلح أن تكون الكافرة حاضنة لطفل من أبوين مسلمين، وهو قول أكثر الحنفية؛ للسنة القولية: حيث إن رافعًا أسلم، وأبت زوجته الإسلام، وعزم رافع على أخذ ابنته منها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فخير النبي الابنة، فاختارت أمها، فدعى النبي عليه السلام لها قائلًا:"اللهم اهدها" فمالت إلى أبيها فأخذها وهذا يلزم منه: أن الأم تصلح للحضانة وإن كانت كافرة وغير الأم مثلها في ذلك، من باب "مفهوم الموافقة" قلتُ: إن هذا الحديث قد ضعَّفه علماء الحديث، وعلى فرض صحته: فيحتمل أن النبي عليه السلام قد علم أنها تختار أباها بسبب دعوته، فكان ذلك خاصًا في هذه القضية، ولا يُعمَّم حكمها، وإذا تطرّق الاحتمال إلى الدليل بطل به الاستدلال؛ فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الاختلاف في صحة الحديث" وأيضًا: "الاختلاف في كونه عامًا أو لا" فعندنا: لم يصح، وإن صح: فلا يعمم، وعندهم: يصح، ويعمم.
(24)
مسألة: إذا أراد أبو الطفل السفر، أو أمه: فإن حضانته تختلف باختلاف الحالات التي سيأتي بيانها: الحالة الأولى: إن كان السفر طويلًا، إلى بلد بعيد أكثر من مسافة قصر - وهي 82 كم-؛ ليسكنه فإن الحضانة من حق أبيه بشرطين: =
(فصل): (وإذا بلغ الغلام سبع سنين) كاملة (عاقلًا: خُيِّر بين أبويه، فكان مع من اختار منهما) قضى بذلك عمر وعلي رضي الله عنهما، وروى سعيد والشافعي:
= أولهما: أن يكون هذا السفر لغير قصد الإضرار بأمه، وإنما ظروف المعيشة والرزق هي التي اضطرته لذلك، فإن كان الأب قصد من هذا السفر الإضرار والاحتيال لأجل أن يتبعه ولده وتحرم أمه منه: فالحضانة تكون حينئذٍ للأم؛ ثانيهما: أن يكون البلد والطريق المؤدي إليه آمنين، فإن لم يكونا كذلك، أو أحدهما: فالحضانة تكون من حق أمه للمصلحة: حيث إن التصاق الطفل بأبيه فيه مصالح له؛ إذ يقوم بتربيته، وتأديبه، وتخريجه، وحفظ نسبه، وعدم ذلك قد يكون فيه ضياع للطفل، والسفر إلى بلد أو في طريق مخوف فيه مخاطرة، وغلبة هلاك أو تلف، والسفر بقصد الإضرار بالأم: حرام؛ لأنه ظلم للآخر؛ لأنه تفريق بين أم وولدها تفريقًا قد لا تراه بعده، وقد ينساها، وهذا صعب الصبر عليه، وإذا كان الشارع حرّم بيع الأم -إذا كانت أم ولد- دون ولدها، وبيع الولد دونها: فالسفر بالولد بقصد هذا التفريق من باب أولى بالتحريم، فجلبًا لتلك المصالح، ودفعًا للمفاسد: اشتُرط هذان الشرطان، الحالة الثانية: إن كان السفر بعيدًا وطويلًا، أو قريبًا وقصيرًا وكان لحاجة فقط، دون السكنى: فالأحق في حضانة الطفل: المقيم منهما؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه دفع مشقة وضرر السفر عنه، الحالة الثالثة: إن كان السفر قريبًا إلى بلد قريب للسكنى: فالحضانة من حق الأم؛ للاستصحاب؛ حيث إن الأصل هو: أن الحضانة للأم؛ نظرًا لتمام وكمال شفقتها، فيستصحب ذلك، ويُعمل عليه، ولا يؤثر -هذا السفر على الطفل؛ لكون أبيه قريبًا منه يمكنه أن يتعاهده بالتربية بين فترة وأخرى، تنبيه: هذا التفصيل في حضانة الطفل عند سفر أحد أبويه هو الصواب؛ نظرًا لمصلحة الطفل، لذلك نزَّل البهوتي كلام صاحب المتن عليه.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيَّر غلامًا بين أبيه وأمه
(25)
، فإن اختار أباه: كان عنده ليلًا، ونهارًا، ولا يمنع زيارة أمه، وإن اختارها: كان عندها ليلًا، وعند أبيه نهارًا؛ ليُعلِّمه، ويُؤدِّبه
(26)
، وإن عاد فاختار الآخر: نقل إليه، ثم إن اختار الأول: نقل
(25)
مسألة: إذا بلغ الغلام سبع سنوات: فإنه يُخيَّر بين أبيه، وأمه، فيذهب مع من اختاره منهما وذلك بشرطين: أولهما: أن يكون الأب والأم صالحين للحضانة - بأن استكمل كل منهما الشروط السابقة في مسألة (23) - فإن كان أحدهما لا يصلح لها: فإن حضانته تكون للصالح منهما، ثانيهما: أن يكون هذا الغلام عاقلًا مميزًا بين الشر والخير، والخبيث والطيب، فإن لم يكن عاقلًا، بل كان معتوهًا أو مجنونًا: فالأحق به أمه؛ لقواعد: الأولى: السنة الفعلية؛ حيث إنه ورد عنه عليه السلام: أنه خيَّر غلامًا بين أبيه، وأمه، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به الثانية: فعل الصحابي؛ حيث إنه قد ثبت عن عمر، وعلي أنهما قد خيَّرا غلامًا بين أمه وأبيه، الثالثة: المصلحة؛ حيث إن جعل الطفل عند الصالح لحضانته أصلح لعاجل وآجل ذلك الطفل، وجعل المعتوه عند أمه أصلح له بلا شك، فلذا اشتُرط هذان الشرطان.
[فرع]: إذا اتفق الأب والأم على أن تكون حضانة الغلام عند أحدهما: فيجوز؛ للتلازم؛ حيث إن الحق في حضانته لا يتعداهما فيلزم صحة ذلك.
(26)
مسألة: إذا خُيِّر الغلام بين أبويه: فاختار أباه: فإنه يكون عنده ليلًا ونهارًا، ولا يُمنع من زيارة أمه نهارًا، وإن اختار أمه: فإنه يكون عندها ليلًا فقط، ويكون عند أبيه نهارًا؛ للمصلحة حيث إن كونه عند أبيه ليلًا ونهارًا إذا اختاره، أو كونه عنده نهارًا فقط إذا اختار أمه: أصلح له؛ من حيث حفظه، وتعليمه، وتأديبه، وكونه يزور أمه إذا اختار أباه: فيه برٌّ بها، وتعلُّم عليها؛ لئلا يقطع بها فيما بعد.
إليه، وهكذا
(27)
، فإن لم يختر، أو اختارهما: أُقرع
(28)
(ولا يقرُّ) محضون (بيد من لا يصونه، ويُصلحه)؛ لفوات المقصود من الحضانة
(29)
(وأبو الأنثى أحق بها بعد أن تستكمل (السبع
(30)
، ويكون الذكر بعد) بلوغه و (رشده حيث شاء)؛ لأنه لم يبق عليه
(27)
مسألة إذا خُيِّر الغلام بين أبويه: فاختار أباه في زمن، ثم رجع عن ذلك فاختار أمه في زمن، ثم رجع إلى أبيه في زمن: فلا يُمنع من هذا التنقُّل؛ للمصلحة: حيث إن الغلام قد تكون مصلحته في هذا الزمن أن يكون عند أبيه، وقد تكون مصلحته في زمن آخر أن يكون عند أمه: فلا يُمنع من هاتين المصلحتين؛ دفعًا لمفسدة إرغامه بالجلوس عند أحدهما.
(28)
مسألة: إذا خُيِّر الغلام بين أبويه: فلم يختر واحدًا منهما، أو اختارهما معًا: فتستعمل القرعة في ذلك: فمن أصابته القرعة: يكون الأحق بحضانته؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه لو تقدَّم للإمامة صالحان لها: فإنه يُقرع بينهما، فكذلك الحال هنا، والجامع: تساوي الطرفين؛ بحيث لا مزية لأحدهما على الآخر.
[فرع]: إذا تمت القرعة، ثم اختار الغلام غير من أصابته القرعة: فإنه يكون مع من اختاره، وتُترك القرعة؛ للتلازم؛ حيث يلزم من اختياره لغير من أصابته القرعة: أنه كان يُريده، ولكن منعه مانع.
(29)
مسألة: إذا جُعل الغلام عند أبيه، أو أمه باختياره، أو بالقرعة، ثم ظهر أن من عنده الغلام لا يهتم بتربيته بعمل مصالحه، وصونه عما يُفسده: فلا يُقرُّ عنده، فللطرف الآخر أن يُطالب بحضانته، فيؤخذ من الأول، ويُعطى لمن يحرص على حفظه، وتربيته، وجلب مصالحه العاجلة، والآجلة؛ للمصلحة: حيث إن المقصود من الحضانة: تربية الغلام تربية إسلامية، بحيث يعده لنفع نفسه، ونفع غيره فيما بعده، فلزم: أن يؤخذ ممن لا يفعل ذلك، ويجعل عند من يفعله؛ دفعًا للمفسدة عنه.
(30)
مسألة: إذا بلغت الجارية سبع سنوات: فإن الأحق بها أبوها: ولو طلبت الأم=
ولاية لأحد
(31)
، .........................................................................
= حضانتها؛ للمصلحة: حيث إن المقصود من الحضانة: الحفظ، والتربية، وجلب المصالح، ودفع المفاسد للمحضون، ولا شك أن الأب أحفظ للجارية من أمها؛ لكون أمها تحتاج إلى من يحفظها، وفاقد الشيء لا يُعطيه، ومعلوم أن فسقة الرجال إذا رأوا أنثى لم تحفظ من قبل وليها: كأبيها أو أخيها، أو زوجها: فإنهم يفسدونها بأي طريق، بخلاف ما إذا علموا أن وراءها بعض الرجال، أو هي علمت: فلا يكون ذلك، وهذا شاهد معتاد، و"الذئاب تأكل الأغنام التي لا رعاة لها" فإن قلتَ: إن الأحق بها أمها، وهو قول أبي حنيفة ومالك؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الأحق بها أمها قبل بلوغها السبع، فكذلك الحال بعد بلوغها السبع، والجامع: أن الأم أحفظ لها في كل، وأقضى لحوائجها قلتُ: هذا قياس فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن الأنثى عورة، معرَّضة للفساد والإفساد، ولا يقدر على حفظ ومنع ذلك، والدفاع عنها إلا أبوها، ثم إنها إذا بلغت السابعة تكون قريبة من بلوغها، فيتقدَّم خطابها، وأبوها أعلم بمعادن الرجال، وأقدر على البحث عنهم، بخلاف أمها في ذلك كله، فإن قلتَ: إنها تخيَّر بين أمها، وأبيها، وهو قول الشافعي؛ للقياس؛ بيانه: كما أن الغلام يُخيَّر فكذلك الجارية، والجامع: أن المصلحة في ذلك واحدة قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن الغلام لا يحتاج إلى الحفظ والتزويج كحاجتها إليهما، إذ هي أحوج إلى ذلك منه -كما هو معروف معتاد-، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض المصالح".
(31)
مسألة: إذا بلغ الذكر -بأن تم له خمسة عشر عامًا، أو احتلم، أو أنبت من قُبُل - وهو رشيد: فإنه يكون بأي مكان شاء: فيكون عند أبيه، أو عند أمه، أو منفردًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من بلوغه ورشده: أن يتولى نفسه؛ لقدرته على إصلاح أموره.=
ويُستحب له: أن لا ينفرد عن أبويه
(32)
(والأنثى) منذ يتم لها سبع سنين (عند أبيها) وجوبًا (حتى يستلمها زوجها)؛ لأنه أحفظ لها، وأحق بولايتها من غيره، ولا تُمنع الأم من زيارتها إن لم يخف منها، ولو كان الأب عاجزًا عن حفظها، أو يهمله؛ لاشتغاله عنه، أو قلَّة دينه، والأم قائمة بحفظها: قُدِّمت، قاله الشيخ تقي الدين، وقال: إذا قُدِّر أن الأب تزوج بضرَّة، وهو يتركها عند ضرَّة أمها، لا تعمل مصلحتها، بل تؤذيها، وتقصر في مصلحتها، وأمها تعمل مصلحتها، ولا تؤذيها: فالحضانة هنا للأم قطعًا
(33)
، ولأبيها وباقي عصبتها منعها من الانفراد
(34)
، والمعتوه
[فرع]: إذا خيف على من بلغ الفساد، أو الإفساد كأن يكون أمردًا أو أحمقًا ونحو ذلك: فإنه يمنع من الانفراد؛ للمصلحة: حيث إن جعله عند أحد والديه أحفظ له.
(32)
مسألة: إذا بلغ الذكر: فإنه يكون حيث شاء، ولكن يُستحب له: أن لا ينفرد عن أبويه؛ للمصلحة: حيث إن ذلك أبلغ في برهما، وصلتهما، وحفظه هو.
(33)
مسألة: إذا بلغت الأنثى سبع سنوات: فإنها تكون عند أبيها وجوبًا إلى أن تتزوّج بشرط: أن يكون قادرًا على حفظها، وصيانتها، والدفاع عنها، وإكرامها، وإصلاحها -وقد سبق بيان أنه أحق بولايتها من غيره في مسألة (30) -، فإن كان -أي: الأب- غير قادر على ذلك: بأن كان مشغولًا عنها، أو كان قليل الدِّين، أو تزوج امرأة، وهذه المرأة تؤذي ابنته، بينما أمها قادرة على الحضانة بكل شروطها: من حفظ، وصيانة، وتربية: فإن الحضانة في هذه الحالة تكون للأم؛ للمصلحة: وهي غير خافية، مما سبق.
(34)
مسألة: إذا أرادت أيُّ فتاة أن تسكن في منزل بمفردها: فلأبيها، وباقي عصبتها الحق في منعها من ذلك، وإن أصرَّت، فلهم منعها بالقوة؛ للمصلحة: حيث إن انفرادها وسيلة إلى فسادها وإفسادها، فدفعًا لذلك: شرع هذا الحكم.
ولو أنثى عند أمه مطلقًا
(35)
.
* * *
(35)
مسألة: المعتوه -وهو: من لا يستطيع تدبير نفسه، وإصلاح أموره- الأحق أن يكون عند أمه: سواء كان بالغًا، أو لا، وسواء كان ذكرًا، أو أنثى؛ للمصلحة: حيث إن ذلك أصلح وأنفع له؛ لكون النساء عمومًا ألطف، وأشفق، وأدق في الخدمة من الرجال -غالبًا-.
هذه آخر مسائل باب: "حضانة وكفالة الطفل" وهو آخر كتاب: "النفقات والحضانة" وهو آخر المجلد الرابع من: "كتاب: تيسير مسائل الفقه شرح الروض المربع، وتنزيل الأحكام على قواعدها الأصولية، وبيان مقاصدها ومصالحها وأسرارها وأسباب الاختلاف" فيها لفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الكريم بن علي بن محمد النملة، نفع به الإسلام والمسلمين"، ويليه المجلد الخامس، وأوله كتاب: "الجنايات".