المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

جامع المسانيد لابن الجوزي (عبد الرحمن بن علي 597 هـ) تحقيق الدكتور - جامع المسانيد لابن الجوزي - مقدمة

[ابن الجوزي]

فهرس الكتاب

جامع المسانيد لابن الجوزي

(عبد الرحمن بن علي 597 هـ)

تحقيق الدكتور علي حسين البواب

الجزء الأول

(الهمزة - الثاء)

مكتبة الرشد

الرياض

ص: 1

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 2

جامع المسانيد

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولى

1426 هـ - 2005 م

مكتبة الرشد ناشرون

المملكة العربية السعودية - الرياض - شارع الأمير عبد اللَّه بن عبد الرحمن (طريق الحجاز)

ص. ب: 17522 الرياض 11494 هاتف 4593451 فاكس 4573381

Email: alrushd@alrushdryh.com

Website: www.rushd.com

* فرع طريق الملك فهد: الرياض - هاتف 2051500 فاكس 2052301

* فرع مكة المكرمة: هاتف 5585401 فاكس 5583506

* فرع المدينة المنورة: شارع أبي ذر الغفاري - هاتف 8340600 فاكس 8383427

* فرع جدة: ميدان الطائرة - هاتف 6776331 فاكس 6776354

* فرع القصيم: بريدة - طريق المدينة هاتف 3242214 فاكس 3241358

* فرع أبها: شارع الملك فيصل - تلفاكس 2317307

* فرع الدمام: شارع الخزان - هاتف 8150566 فاكس 8418473

وكلاؤنا في الخارج

* القاهرة: مكتبة الرشد - هاتف 2744605

* بيروت: دار ابن حزم هاتف 701974

* المغرب: الدار البيضاء - وراقة التوفيق - هاتف 303162 فاكس 303167

* اليمن: صنعاء - دار الآثار - هاتف 603756

* الأردن: عمان - الدار الأثرية 6584092 جوال 796841221

* البحرين: مكتبة الغرباء - هاتف 957833 - 945733

* الإمارات: مكتبة دبي للتوزيع هاتف 43339998 فاكس 43337800

* سوريا: دار البشائر 2316668

* قطر: مكتبة ابن القيم - هاتف 4863533

ص: 4

* وله جامع المسانيد، استوعبَ فيه غالب ما في مسند أحمد وصحيحي البخاري ومسلم وجامع الترمذي * ابن كثير

* واعتمدتُ على أتمّ المسانيد وأقربها إلى الاستيعاب وهو جامع المسانيد. . .* العكبري

* وأنا أنقل لك هذه الكتب الأربعة. . . لأنها الأصول وهي تحوي جمهور حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولها العُلُوُّ في الإسناد * ابن الجوزي

ص: 5

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للَّه العظيم، الذي أنعم بالقرآن الكريم، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد خاتم النبيّين والمرسلين، بلّغَ ما أُنزلَ إليه من ربّه، ووضّحَ للأمّة دينَها، وأبان لها طريقَها، وترك فيها ما لو تَمَسَّكَتْ به لن تَضِلّ: كتاب اللَّه وسنّته.

لقد أجمع المسلمون على أنَّ حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب اللَّه تعالى، وكان هذا دافعًا لهم للعناية بالحديث، جَمعًا وتصنيفًا. وتعدّدت الكتب في ذلك، وتنوّعت مناهجها وطرقها. واجتهد المتأخّرون من أئمّة هذا الفنّ في ترتيب هذه الكتب والجمع بينها، وهو من مظاهر تقدير الحديث الشريف ومعرفة مكانته.

وبين أيدينا كتابٌ نقدِّمه ونقدِّمُ له، وهو "جامع المسانيد"، جمع فيه مؤلِّفُه ابن الجَوزي بين أربعة من كتب الحديث، رأى أنّها تحتوي على معظم حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأنَّ لها العُلُوَّ في الإسناد، فأحبَّ أن يجعلَها في كتاب واحد: وهي مسند الإمام أحمد، وصحيحا الإمامين البخاري ومسلم، وجامع الإمام الترمذي.

وقد بدأتْ صلتي بهذا الكتاب منذ عَقدين، عندما كنت معنيًّا بفهرسة مخطوطات جامعة الإمام محمد بن سعود الإِسلاميّة في الرياض، فقد صُوّر للمكتبة مخطوطات من مكتبات الهند، وكان في هذه المجموعة جزآن من الكتاب. فلمّا اطّلَعتُ عليه، شَرَعْتُ أسأل عند وأسائل، فكانت الدهشةُ أن جَهِلَ الكتابَ كثيرٌ من المعنيين بالمخطوطات والمختصّين بالحديث، ومن سَمعَ بالكتاب لا يكاد يعرف شيئًا عن مكانه. وعند بدء ظهور الطبعة المحقّقة من "المسند" عن مؤسسة الرسالة، ذكر محقّقوه في المقدّمة أنّهم لم يحصلوا من "جامع المسانيد" لابن الجوزيّ إلا على مقدّمته في خمس أوراق. ويرجع السبب في ذلك إلى عدم توفر نسخ الكتاب، وإلى تبعثر أجزائه، وربما كان كتاب "جامع المسانيد" لابن كثير هو الذي يعرف ويشتهر، حتى إنني عند السؤال عن كتاب ابن الجوزيّ، أُجاب بأن الجامع لابن كثير، ويقال لي: إن الكتاب طبع أو يطبع - ويعنون بذلك جامع ابن كثير.

ص: 7

وتعمّقت صلتي بالكتاب بعد عملي في بعض مؤلّفات ابن الجوزي، وتحقيق كتبٍ في الحديث، وبخاصة بعد إنجاز "الجمع بين الصحيحين" للحميدي، و"كشف مشكل الصحيحين" لابن الجوزي، فازدادت صلتي بالحديث والمؤلّف ابن الجوزي، وعَظُمَ حرصي على الكتاب وتحقيقه.

وبعد جهد ومتابعة، اهتديت إلى أجزاء متناثرة مفرّقة من الكتاب، وتيسّر لي الحصول على بعضها وتصويره، وطال العهد واشتدّت الصعوبة في الحصول على غيرها، وأذكر على سبيل المثال أن جزأين من الكتاب في مكتبة حسين جلبي في تركيا، كان الحصول عليهما أُنموذجًا يُتَحَدَّثُ عنه فيما يعانيه المحقّق في سبيل الوصول إلى مخطوطاته، والتكلفة التي يتحمّلها. والجزء الذي كان في مكتبة الأزهر بمصر، بذل زملائي وأصدقائي الأساتذة في الجامعات المصريّة جهدًا كبيرًا في سبيل تصويره، وأُغلقت المكتبة سنوات للترميم، ولم تَهُن عزيمتي وعزيمتهم حتى تمكّنوا بعد لأيٍ من الحصول عليه.

وهكذا قُدِّر لي الحصول على إحدى عشرة قطعة -أو جزءًا مخطوطًا- من الكتاب، تُغطّي أغلب أجزائه، وبعض أقسام الكتاب كأوّله، وبعض المسانيد الكبيرة منه كمسند أبي هريرة وعليّ، تيسّر الحصول على أكثر من نسخة منه، وبعضها كالثلث الأخير، لم أقف منه على أكثر من نسخة واحدة. وبقي من الكتاب بضعة مسانيد في "العبادلة" لم نهتدِ إلى مكان وجودها. ولكنّي تتبّعت أصول المؤلّف، وعرفت وحدّدت الناقص، فكان منه مسند عبد اللَّه بن عمر، والقسم الأكبر من مسند عبد اللَّه بن عمرو، مع بعض المُقِلِّين من "العبادلة". وقمت بجمع هذه الأحاديث من المصادر المذكورة على نسق يشبه إلى حدٍّ كبير ما سار عليه المؤلّف. وإذا كان المصادر التي استمدّ منها ابن الجوزيّ كتابه قد أعانت على تكملة الناقص، فهي أيضًا كانت خير معين على تحقيقه، إذ إنّها نسخ أخرى للكتاب بالتأكيد.

* * * *

ص: 8

أما مؤلّف الكتاب (1) فَعلَمٌ من أعلام المسلمين، وعالم عمّت شهرتُه، وذاع صِيتُه، لِما ألّف في الفنون والعلوم، وشاركَ في الحياة، وترك من الآثار. وإذا عُدّ المكثرون من المُصنّفين في تاريخ العربية، كان من المتصدّرين، بل إنّه لا يضاهيه أو يقاربه في عدد مؤلّفاته، وتنوّعها، وأهميتها، إلا قليل من العلماء.

وأبو الفرج، عبد الرحمن بن علي بن محمد، ابن الجوزي (2)، يرجع نسبه إلى الصدّيق أبي بكر، وقد وُلِد في بغداد سنة عشر وخمسمائة للهجرة تقريبًا. وتوفّي والده وهو في الثالثة من عمره، فرَعَته عمّتُه - وكانت امرأة صالحة، فحملته إلى مسجد أبي الفضل محمَّد بن ناصر السُّلامي، الذي اعتنى به.

قرأ ابن الجوزيّ القرآن، وروى الحديث، وتفقّه، وتعلّم مختلف الفنون والمعارف على عدد كبير من علماء العصر. وقد أفاضت كتب التراجم بذكر أسماء شيوخه، وذكر هو في "مشيخته" أكثر من ثمانين منهم، كما ذكر غيرهم في مؤلّفاته الأُخر.

(1) لأبي الفرج، ابن الجوزي ترجمة وأخبار وافرة في عددٍ كبير من المصادر. وقد أفدت في هذا الحديث المختصر من:

* المختصر المحتاج إليه من تاريخ بغداد - لتلميذه ابن الدبيثي (639 هـ) 2/ 205.

* مرآة الزمان - لسبطه وتلميذه يوسف بن قزغلي (654 هـ) 8/ 481.

* التكملة ووفيات النقلة - للمنذري (656 هـ) 1/ 394.

* وفيات الأعيان - لابن خلّكان (680 هـ) 3/ 140.

* الوافي بالوفيات - للصفدي (764 هـ) 18/ 109.

* البداية والنهاية - لابن كثير (774 هـ) 13/ 28.

* سير أعلام النبلاء - للذهبي (784 هـ) 21/ 365.

* ذيل طبقات الحنابلة - لابن رجب (795 هـ) 1/ 399.

* طبقات الحفّاظ - للسيوطي (911 هـ)480.

* طبقات المفسّرين - للداودي (945 هـ) 1/ 275.

وما بعدها من الصفحات.

وكتب المحدثون دراسات كثيرة عن ابن الجوزيّ، ومؤلّفاته. وقدّم المحقّقون لكتبه حديثًا مستفيضًا عنه.

(2)

في سبب هذه التسمية أقوال: أشهرها أنَّه لُقِّبَ به جدّه لجَوزة كانت في بيته في الموصل، أو نسبة إلى فُرضة -وهي الثُّلْمة على شاطئ النهر يُستقَى منها- تسمَى فُرضة الجوزة.

ص: 9

ومن أشهر شيوخ أبي الفرج:

أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي، المتوفّى سنة 550 هـ، وهو الذي عني بابن الجوزي في أوّل أمره، وروى عنه ابن الجوزيّ كثيرًا من الكتب كـ "الحِلية" وغيرها. ولازمه ثلاثين سنة.

وأبو القاسم هبة اللَّه محمد بن الحُصَين البغدادي، المتوفّى سنة 525 هـ، سمع منه "المسند" وغيره.

وأبو الوقت عبد الأوّل بن عيسى بن شعيب السِّجزي الهروي، المتوفّى سنة 553 هـ. روى عنه "صحيح البخاريّ".

وأبو بكر محمد بن عبيد اللَّه بن نصر، ابن الزاغوني، المتوفّى سنة 552 هـ، روى عنه "صحيح مسلم".

وأبو الفتح، عبد الملك بن أبي القاسم، الكَروخي، المتوفّى سنة 548 هـ. روى عنه "جامع الترمذي".

وهؤلاء الأربعة المذكورون قبل، هم الذي ذكرهم في كتابنا هذا، مُسْنِدًا عنهم مصادره الأربعة.

ومن شيوخه أبو منصور، عبد الرحمن بن محمد القزّاز الشّيباني، المتوفّى سنة 525 هـ. روى عنه كثيرًا، وبخاصّة كتاب "تاريخ بغداد".

وأبو بكر محمد بن عبد الباقي البزّاز، المتوفّى سنة 535 هـ. روى عنه كتبًا كثيرة، منها "الطبقات الكبرى"، لابن سعد، و"نشوار المحاضرة" للتنوخي.

وعبد الوهاب بن المبارك الأنماطي، المتوفّى سنة 538 هـ. وقد استفاد منه كثيرًا في رواية كتب غريب الحديث، وكتاب "المجالسة" للدِّينوري.

وأخيرًا نذكر شيخه أبا منصور الجواليقي، موهوب بن أحمد، اللغويّ، المتوفّى سنة 540 هـ. فقد سمع منه كثيرًا من كتب اللغة، وغريب الحديث، كما قرأ عليه كتابه "المعرّب".

هؤلاء وغيرهم كثيرون، على تنوّع معارفهم وثقافاتهم، تلمذ لهم ابن الجوزيّ، وقرأ عليهم، وروى عنهم الكتب والموسوعات العديدة (1).

(1) في "مشيخته" تفصيل لأسماء شيوخه، والكتب التي قرأها عليهم. كما أنّ في مصادر ترجمته حديث طويل عن شيوخه.

ص: 10

وصار ابن الجوزيّ إمامًا بارعًا، وعالمًا مُتقنًا، يجيد العلوم والمعارف المختلفة:

ففي التفسير وعلوم القرآن له باع طويل، ومعرفة بالمتشابه، والنظائر، والناسخ والمنسوخ، وعجائب علوم القرآن.

وفي الحديث ورجاله مجدٌّ مجتهد، يصنّف في الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ويترجم لرجالات الحديث ويجرّح ويعدّل.

وفي العقيدة وعلوم الإِسلام له سهم وافر، ومكانة مرموقة.

أما في التاريخ فحدِّث ولا حَرَجَ، فموسوعةٌ تاريخية عظيمة كتابُه "المنتظم"، وتاريخ بعض الخلفاء والمشاهير وغيرهم كتاباته فيهم مرموقة.

ولا يَقلّ عن ذلك جهده في اللغة والأدب والأخبار والطرائف.

أما الوعظ والمواعظ والخطابة فإمام لا ينازَع، وفارس لا يُقارَع، سارت مواعظه وقصصه الوعظيّة مَضْرِبَ الأمثال، وما يحكى في الكتب عن مجالس وعظه، وكم كان يُقْبِلُ عليها، ومن كان يَحْضُرُها من عِلْيةِ القوم، وآثارِ وعظه في سامعيه، حكاياتٌ يَظُنُّ قارئها أنها قريبة من الخيال، أو مبالغ فيها. ومؤلّفاته الكثيرة جدًّا في الوعظ والنُّصح للخاصّة والعامّة مشهورة متداولة.

* * * *

تلمذ للإمام أبي الفرج عدد كبير من أئمّة عصره، من أهل بغداد ومن الواردين عليها، نذكر بعض مشاهير العلماء الذين أخذوا عنه:

فمنهم ابنُه محيي الدين يوسف، الذي برع في العلوم والوعظ، توفّي سنة 656 هـ.

ومنهم سِبْطُه ابنُ ابنته، يوسف بن قزغلي، الذي تربّى في حجر جدّه، وهو صاحب الموسوعة التاريخية:"مرآة الزمان" توفّي سنة 654 هـ.

والمؤرّخ الأديب ابن الدّبيثي، محمد بن سعيد بن يحيى، المتوفّى سنة 637 هـ.

والمؤرّخ أبو عبد اللَّه محمد بن محمد، ابن النجّار البغدادي، "المُذَيِّل" على تاريخ بغداد، المتوفّى سنة 643 هـ.

واللغوي النحويّ الشهير، أبو البقاء عبد اللَّه بن الحسين العكبري، الذي أعرب غريب "جامع المسانيد"، توفّي سنة 616 هـ.

ص: 11

ونذكر ممّن روى عن أبي الفرج الإمامين الكبيرين عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، المتوفّى سنة 600 هـ، وابن خالته موفّق الدين، عبد اللَّه بن أحمد، ابن قدامة، المتوفّى سنة 620 هـ.

* * * *

أما مؤلّفات ابن الجوزيّ فكثيرٌ عددُها، متنوعةٌ فنونُها، متفاوتةٌ أحجامُها، فبين ما هو في مجلّدات كثيرة، أو في جزء واحد. والعلماء مختلفون كثيرًا في عدّ كتب ابن الجوزيّ، ما بين قائل إنها مئات ثلاث، وبين من يجعلها ضعفين أو ثلاثة أضعاف ذلك.

وقد عُني القدماء والمُحْدَثون بحصر مؤلّفات ابن الجوزيّ. وكان حظُّه في بقاء مؤلّفاته جيّدًا، ونصيبُه من عناية المحقّقين والناشرين بكتبه وافرًا. وقد كنتُ عَدَدْتُ في تقديمي لكتابه "كشف مشكل الصحيحين" بضعة وسبعين كتابًا مطبوعًا، عَرَفْتُها في ذلك الوقت، وقد زاد العدد حتى وصل إلى ما يقرب من مائة.

وهذا ذكر لبعض كتبه المطبوعة (1):

أخبار الأذكياء. أخبار الحمقى والمغفّلين. برّ الوالدين. تاريخ عمر بن الخطاب. التبصرة في أحوال الموتى والآخرة. التحقيق في أحاديث الخلاف. تذكرة الأريب في تفسير الغريب. تقويم اللسان. تلبيس إبليس. تلقيح فهوم الأَثر. زاد المسير. صفة الصفوة. الضعفاء والمتروكون. العِلَل المتناهية في الأحاديث الواهية. غريب الحديث. قُرّة العيون النواظر في الأشباه والنظائر. القصّاص والمذكّرين. كشف مشكل الصحيحين. المشيخة. المصباح المضيء في خلافة المستضيء. المنتظم. الموضوعات. نواسخ القرآن. الوفا بأحوال وفضائل المصطفى.

* * * *

وقد أثنى العلماء على ابن الجوزيّ، وقدرّوه:

قال عنه ابن الدّبيثي: "صاحب التصانيف في فنون العلم والتفسير والفقه والحديث والوعظ والتاريخ، وإليه انتهت معرفة الحديث وعلومه. . .".

(1) ينظر مقدّمة كشف المشكل 5، 6.

ص: 12

وقال ابن خلّكان: "الفقيه الحنبلي الواعظ، كان علّامة عصره، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ".

وقال ابن كثير: "أحد أفراد العلماء، برز في كثير من العلوم، وجمع المصنّفات الكبار والصغار. . . وتفرَّد بفنّ الوعظ الذي لم يُسبق إلى مثله، ولا يُلحق شأوه في طريقته وشكله، وفي فصاحته وبلاغته وعذوبة كلامه. . . وله في العلوم اليد الطُّولى. .".

وقال الذهبي: ". . وكان بحرًا في التفسير، علّامة في السير والتاريخ، موصوفًا بحُسن الحديث، ومعرفة فنونه، فقيهًا، عليمًا بالإجماع والاختلاف، جيّد المشاركة في الطبّ. .".

وقال ابن رجب: "الحافظ المفسرّ الفقيه الواعظ الأديب، شيخ وقته، وإمام عصره. . لم يكن لمجالسة الوعظيّة نظير، ولم يُسمع بمثلها، وكانت عظيمة النّفع، يتذكّر بها الغافلون، ويتعلّم منها الجاهلون، ويتوب فيها المذنبون. وقد تكلّم مرّة فتاب في المجلس نحو مائتي رجل".

* * * *

وبعد هذه الحياة الحافلة، تعلّمًا وتعليمًا، وتأليفًا وعملًا، وهذا التقدير العظيم الذي لقيه ابن الجوزيّ من أهل عصره، ثم من العلماء الذين ذكرنا بعض قولهم فيه، وعلى مرّ العصور إلى يومنا هذا، من الإقبال على مؤلّفاته، والانتفاع بها، بعد هذا كلّه أصابه شيء من البلاء الذي يصيبُ المؤمنين العاملين، فقد كاد له بعض الزّنادقة الواشين، الذين لا يَسُرُّهم شيوعُ الحق وبروزُ رجالاته، فتمكَّنوا من الإيقاع بابن الجوزي عند وزير رافضي خبيث، فنفاه إلى واسط وهو في الثمانين من عمره، وسجنه فريدًا وحيدًا، قضى في سجنه سنوات خمسًا من أواخر أيامه، ثمَّ أُعيد إلى بغداد، فلم يَلْبَثْ كثيرًا حتى قضى نحبه.

وكانت وفاة ابن الجوزيّ ليلة الجمعة الثالث عشر من رمضان المبارك سنة سبع وتسعين وخمسمائة للهجرة. وقد دُفِن بعد صلاة الجمعة، في يوم مشهود، أفاضت المصادر بالحديث عنه، وعن جنازة حضرها المجموع الغفيرة.

* * * *

ص: 13

أمّا نسبة الكتاب الذي نتحدّث عنه ونقدّم له محقّقًا لابن الجوزي، فمن فُضول القول، ولكن نذكر بإيجاز:

أن الكتب الأربعة التي جمعها في هذا الكتاب، ذكر إسناده لها، عن شيوخه المعروفين. كما أسند في الكتاب أحاديث عن شيوخه.

وأحال المؤلّف على بعض كتبه: "الموضوعات" و"الأحاديث الواهية" و"كشف المشكل" و"التحقيق".

وذكر المترجمون لابن الجوزي الكتاب في مؤلّفاته. ونقل حاجّ خليفة أوّله (1).

والعكبري تلميذ ابن الجوزيّ ألّف "إعراب الحديث" واختار كتاب شيخه هذا، قال:"واعتمدْتُ على أتمّ المسانيد وأقربها إلى الاستيعاب، وهو جامع المسانيد، للإمام الحافظ. . . ."(2).

أما الكتاب فلم يُسَمّه المؤلّف في المقدّمة أو الخاتمة، وأكثر من ذكره سمّاه "جامع المسانيد"، منهم العكبري، والذهبي، وابن كثير، والصفدي، والسيوطي، والداودي. وزاد ابن رجب فيه:"جامع المسانيد بألخص الأسانيد" وتابعه إسماعيل باشا البغدادي (3) وكتب هذا العنوان في بعض المخطوطات. أما حاجّ خليفة فسمّاه: "جامع المسانيد والألقاب". وذكر أن الشيخ أبا العبّاس أحمد بن عبد اللَّه، المعروف بالمُحِبّ الطبريّ، المتوفى سنة 649 هـ، رتّب الكتاب (4).

وذكر الذهبي والصفدي والداودي أن الكتاب سبعة أجزاء. وهذا الغالب على تقسيمه. ولكن إحدى نسخ الكتاب يتبيّن منها تقسيمه إلى أحد عشر جزءًا.

وننبّه هنا إلى هناك كتابًا للإمام ابن كثير المتوفّى بعد ابن الجوزي بحوالي قرنين من الزمان سنة 774 هـ، يعرف بـ "جامع المسانيد والسنن". أقامه أيضًا على مسند الإمام أحمد، ورتّب فيه الأحاديث على المسانيد، ولكنّه أضاف إلى الكتب التي اعتمدها ابن الجوزي: سنن ابن ماجه، وأبي داود، والنسائي، ومسند أبي يعلى، والمعجم الكبير للطبراني، ومسند البزّار، فصارت عشرة. ورتّب الرواة عن الصحابة على حروف المعجم،

(1) كشف الظنون 1/ 573.

(2)

إعراب الحديث 92.

(3)

هدية العارفين 1/ 521.

(4)

كشف الظنون 1/ 573.

ص: 14

فتكرّر الحديث الواحد في مواضع، وترجم لكلّ صحابيّ في أوّل مسنده. كما أنَّه أفرد للمكثرين من الصحابة أجزاء، منها ما أتمّه، ومنها ما أدركه الأجل قبل إنجازه.

* * * *

وإذا خطونا لنتحدّث عن الكتاب فإننا نبدأ بعرض المقدّمة المختصرة التي عقدها ابن الجوزي له، تناول فيها دوافع التأليف ومنهاجه:

ذكر ابتداءً أن جماعة من أصحابه أحبُّوا أن يطَّلِعوا على حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأنهم لاحظو أن الأحاديث تتكرّر في الكتب، وألفاظها تنقص وتزيد، وأنّهم قد أخذتهم الحيرة فيما يعتمدون عليه منها: فبعضها لا يستوعب وتفوته أحاديث، وبعضها يتكرّر فيه الحديث ويعاد في مواضع، وبعضها يقتطع من الحديث ما يناسب الموضوع الذي يسوقه فيه. وأن الجمع بينها صعب، يفوت معه أشياء وعلوم أخر. فكان المؤلّف مسارعًا لتلبية حاجهم، وإزال انزعاجهم، بأن صنّف هذا الكتاب.

ثم تحدّث ابن الجوزي عن أوائل المصنّفين في الحديث وجامعي المسانيد، ونقل الأقوال في ذلك، ليصل إلى أن مسند الإمام أحمد أجمعُ هذه الكتب.

وذكر بعدها أن سيجمع بين أكثر الكتب الحديثيّة استيعابًا، وأعلاها إسنادًا: المسند والبخاري ومسلم والترمذي.

وعن طريقته في الجمع بيَّن أنه يأتي بالحديث في أتمّ ألفاظه من أيّها كان، وأنّه يحذف المكرّر، إلا أن يكون فيه زيادة حكم أو فائدة.

وأشار إلى أنّه ترك أحاديث يسيرة ممّا في المسند والجامع؛ لأنّها لا تصلح، وأنّ بعضها ذكره في الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة. وممّا سيفعله المؤلّف أن يبيَّنَ إذا كان الحديثُ عند الشيخين أو أحدهما، وأنّه سيستغني عن الأحاديث غير المسندة وكلام الصحابة - إلا قليلًا منه، وأنّه سيوضّح الكلمات الغريبة والمعاني المشكلة.

ثمَّ عقد ابن الجوزي فصلًا في فضائل هذه الكتب الأربعة. أعقبه ذكر إسناده إليها، ليستغني عن إعادة الإسناد في كلّ حديث. فإذا قال: حدّثنا أحمد فهو من مسنده، وإذا قال: حدّثنا عبد اللَّه فهو من زياداته على المسند، وإذا قال: حدّثنا البخاري فهو من صحيحه. . .

ص: 15

وذكر أنّه أضاف أحاديث نادرة عن غير هذه الكتب، وسيذكرُها بأسانيدها.

ثم أبان عن طريقة ترتيبه الكتاب على المسانيد، مراعيًا حروف المعجم، في الرجال وفي النساء، وإنه سيُتبع كل قسم بالكنى والمجاهيل.

* * * *

هذا إيجاز لما احتوته المقدّمة، وسأفصّل الكلام عن الكتاب كما تبيّن لي من عملي الطويل فيه:

جعل ابن الجوزي الجامع في قسمين: الأوّل لمسانيد الرجال، والثاني لمسانيد النّساء - وهو الأصغر.

يقسم كلّ قسمٍ إلى "مسانيد" مراعيًا في ذلك حروف المعجم، والواو قبل الهاء. فهو لا يعتد يكون الصحابيِّ مقدّمًا أو غير مقدّم، مُكْثِرًا أو مُقِلًّا، أنصاريًّا أو قرشيًّا. ولم يَعُدْ للباب أو الموضوع الذي كان عمدة الصحيحين والترمذي مكانٌ في عمل ابن الجوزي.

وهو يختار اسم الصحابي، لا كنيته ولا شهرته: فأبو بكر: عبد اللَّه عثمان، وأبو أيوب: خالد بن زيد، وأبو هريرة تحت عبد شمس، أما سعد بن أبي وقاص، وسلمة بن الأكوع، فالاسم هو سعد بن مالك، وسلمة بن عبيد. أما أمّ هانئ فهي فاختة، وأمّ سلمة: هند. فإن اتّفق اسم الصحابيّ مع غيره، رتّب على اسم أبيه: فهو يقدّم عبد الرحمن ابن سنة على عبد الرحمن بن شبل، وبعدهما عبد الرحمن بن صفوان. . وهكذا يلزم من يعرف أين يجد مسند صحابيّ أن يعرفَ اسمه واسم أبيه.

ولمّا كان في بعض الأسماء خلاف، فإنَّه محتاج لأنَّ يرجّح أحد الأقوال في ذلك، وربما أشار إلى ما قبل في اسمه (1).

وسأشير في المآخذ على المؤلّف كيف وقع في قليل من الخلل في ذلك، حين قدّم أو أخّر أسماء بعض الصحابة أو آبائهم عن مواضعها.

(1) هذه من صعوبات البحث في الكتاب، لأننا نعرف أبا سعيد وأبا قتادة وأبا مسعود، ونعرف الأقرع بن حابس وأمّ حرام. . دون معرفة أسمائهم. وقد عملت في آخر الكتاب فهرسًا للصحابة جميعًا الواردة مسانيدهم في الكتاب -غير الفهرس الذي يختم به كلّ جزء- وذلك للإحالة في الأسماء المشهورة للصحابة إلى الموضع التي نجد مسند الصحابيّ تحته.

ص: 16

فإذا أنهى المؤلّف المسانيد على النحو المذكور في الرجال، وجد أمامه كمًّا من الأحاديث في مصادره -وبخاصة المسند- لم يستطع أن يوردها تحت ما سبق. فيأتي بسبعة أحاديث لصحابة وقع الشكّ فيهم. ثم قسم لأحاديث الصحابة الذين يعرفون بكناهم ولم يهتد إلى أسمائهم. ثم أحاديث أقوام نُسبوا إلى أقاربهم: أخو خزيمة بن ثابت، عمّ أبي حرّة الرقاشي، ابن عمّ الأحنف بن قيس، ثمَّ أحاديث من عرفوا بالقرب إلى أقوام: مولى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، مصدّق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، جار لخديجة. .

وابن الجوزيّ يجد في مواضع من المسند أحاديث جاءت تحت: رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو: رجل سمع النبي صلى الله عليه وسلم، أو: حديث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (1). . حاول المؤلّف أن يرتّبَها، فقد يكون الحديث مرويًّا بالإسناد إلى رجل سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو أعرابيّ، أو رجل من جهينة، أو أنصاريّ. . فعليه جعلَ المؤلِّفُ مسانيد: رجل من بني سليم، رجل من جهينة، الفِراسيّ، رجلٌ من الأنصار، أعرابيّ، بدويّ. . .

وفي القسم الثاني -النساء- يسلك المنهاج نفسه، إلَّا أن الأحاديث الأخيرة فيه قليلة، مثل: حديث بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، حديث امرأة. .

وكلّ واحدٍ من هؤلاء، تجمع أحاديثه تحت "مسند"، وقد يكون في هذا المسند حديث أو حديثان أو بضعة أحاديث أو مئات.

فإذا كان لصاحب المسند حديث واحد ذكره دون ترقيم، فإذا كان له أكثر من ذلك قال: الحديث الأوّل، الحديث الثاني. . الحديث العاشر. . الحديث الرابع بعد الثلاثمائة. . إلى أن ينتهي المسند.

وسيذكر المؤلّف الحديث على أتمّ صورة - في رأيه، ولن يذكر المكرّرات إلَّا لفائدة. فإن ذكر مكرّرًا قال: طريق آخر. وقليلًا ما يستخدم عبارات مثل: طريق فيه زيادة، طريق مختصر، وقد روي على غير هذا. . وهذه العنوانات تعني أنّه سيذكر رواية أو مكرّرًا للحديث.

ولو أردْنا أن نتحدّث عن "حديث" و"طريق"، لطال بنا المطاف، فكم طريقٍ كان يمكن أن يجعل حديثًا، يقابله أحاديث مفردة جعل أمثالها عنده طرقًا. فتحديد الأمرين فيه كلام. وأنبّه على كثير منه في التعليق على الكتاب.

(1) ينظر على سبيل المثال: المسند 4/ 62، 5/ 362، 412 وما بعدها.

ص: 17

ونشير هنا إلى مسألة مرتبطة بما سبق، وهي أنّه قد لا يذكر الطريق أو الرواية الأخرى، ولكنّ يُنَبه على اختلاف الروايات، أو الألفاظ:

(4443)

"وبيده الأخرى القبض" قال: وفي بعض الألفاظ: "القبض أو الفيض. . .".

(4453)

"لا أزال أقاتل الناس حتى. . ." وفي بعض الألفاظ: "أُمرتُ أن أقاتلَ. . .".

(4470)

"لا يَقُلْ أحدُكم للعنب الكرم، فإنّما الكرم الرجلُ المسلم" قال: وفي لفظ: "فإنّما الكرم قلب المؤمن".

(4548)

"انتقص من أجره كلَّ يوم قيراط" وفي لفظ: "قيراطان". . .

* * * *

أما كيف يختار المؤلّف من هذه المصادر؟ وما معايير الرواية الأتمّ والأكمل؟ فإنّني لا أتردد في القول إن صاحبنا لم يلتزم بما قدّم، ولما يأخذ بما رسم، ولم يفِ بما وعد.

إنّ أبا الفرج من أئمّة الحنابلة، ومن أنصار المذهب - وإنْ غمز بعضهم فيه. وإجلال المسلمين للإمام أحمد، وتقديرهم للمسند لا خلاف فيه. والاتّفاق قائمٌ على أنّ في المسند تكرارًا، وفيه أحاديث كثيرة في غير مواضعها، والكلام في ما يحويه المسند من أحاديث غير صحيحة: كمّها، ودرجة الضعف فيها، مشهور بين العلماء. والأمل كان يراود العلماء على مرّ العصور، أن يُقَيِّضَ اللَّه تعالى للمسند من يرتّبه، ويحذف مكرّره، ويحكم على أحاديثه.

وكأنّي بالمؤلّف قد وضع نصب عينيه المسند، يسعى إلى أن يقدّم ما يُرجى له، ويدفع عنه ما فيه، فأحاديث الصحابيّ التي تكون في أكثر من موضع يريد أن يجمعَها في موضع واحد، والحديث الذي يتكرّر دون زيادة أو فائدة، إما لاختلاف شيخ أحمد، أو أحد رواته، يحاول حذفه. وإذا رَبَطَ هذه الأحاديث بالصحيحين، فإنّ في ذلك تقويةً لها، ورفعًا من شأن المسند وصاحبه. والشكوى التي أشار إليها في المقدّمة من أصحابه، كأنّها تعبِّر عن ابن الجوزي نفسه ورغبته.

فكم حديثٍ في الكتاب رواه عن المسند، وعند الشيخين والترمذي رواية قريبة منه، أو أتمّ وأكمل، ونظرة سريعة في الكتاب تظهر ذلك. والمؤلّف إذا روى حديثًا عن البخاري

ص: 18

أو مسلم، فغالبًا ما يُتبعه برواية أحمد، على أنّها طريق، إذا كانت عنده. أما إذا روى رواية أحمد فإنّه يكتفي بالتنبيه على إخراجهما لها.

صحيح أنّه روى أحاديث عن الشيخين والترمذي، وفي المسند ما هو أمثالها، أو بسند أعلى منها، ففي مسند عوف بن مالك (440) نقل الأحاديث كلّها عن غير المسند. ولكنّها ظاهرة قليلة إذا ما قورنت بالصورة الأخرى.

لهذا يُعَدّ الكتاب من أهمّ الكتب التي عُنيت بالمسند، ودارت حوله، تهذيبًا للكتاب، وربطًا له بالصحيحين. ولَسْتُ مع محقّقي المسند عندما لم يَعُدّوا في مقدّمتهم "جامع المسانيد" من جملة ما خَدَمَ المسند، لأنّه ذكر في مقدّمته أنّه جمع بين الكتب الأربعة، على أنّهم ذكروا جامع ابن كثير، الذي جمع مع المسند تسعة كتب كما سلف، لكنّ عدم اطّلاعهم على الكتاب، وعدم تيسّر المخطوطة لهم، جعلهم يحكمون هذا الحكم.

ونذكر هنا إضافة ابن الجوزيّ أحاديث إلى مصادره الأربعة، فقد أضاف عشرات من الأحاديث، بعضها لصحابة ليس لهم مسانيد أصلًا في هذه المصادر، وبعضهم له أحاديث، ولكنّه أضاف عن غير مصادره. عن ابن ماجه، أو أبي داود، أو الدارقطني، أو عبد بن حميد، وهو يروي الحديث بسنده إلى الصحابي:

(6163)

أخبرنا أبو غالب الماورديّ قال: أخبرنا أبو عمر الهاشمي قال: أخبرني القشيري قال: أخبرنا اللؤلؤي قال: حدّثنا أبو داود السجستاني قال: حدّثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني. .

فبهذا الإسناد إلى أبي داود، ومنه إلى مالك بن يسار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم جعل المؤلّف "مسندًا" لمالك.

ومسند "سُرّق" روى فيه حديثًا بإسناده إلى الدارقطني (1847). وجعل ليزيد بن شجرة مسندًا، روى عن شيخه عن الأوّل إلى عبد بن حميد. . إلى يزيد (6662). ومثله مسند يزيد بن عامر (6663)، ومسند يزيد من نعامة (6666)، ومسند أبي السَّمح (6716)، ومسند السرّاء بنت نبهان (7121). هؤلاء الصحابة لم يكن لهم في مصادره أحاديث، فجمع أحاديث لهم من غيرها.

ص: 19

ولكن هناك أحاديث لصحابة لهم مسانيد، فأضاف أحاديث ممّا لم ترد في مصادره (1).

ولكن أغرب ما في هذا الجانب، أن يكون أمامه أحاديثُ في البخاري أو مسلم أو المسند، ومع ذلك يستدركها بإسناده إلى غيرها، وقد يقول في بعضها: أخرجاه. . أو أخرجه مسلم (2631، 4641، 4687، 6315. . .).

هذه الأحاديث التي جمعها من الكتب الأربعة والزيادات لم تصل عند ابن الجوزي في "الجامع" إلى ثمانية آلاف حديث -عدا الطرق. في حين تصل الأحاديث- مع مكرّراتها في هذه الكتب إلى أضعاف ذلك، بحيث يكون مختصر المؤلّف لا يصل إلى ربع عدد الأحاديث الموجودة في هذه المصادر.

ولكن هذا الاختصار لم يمنع من تكرار الحديث في مواضع، لأنّ الحديث قد يرويه أكثر من صحابي، فيتكرّر في المسانيد، وقد يشترك في قصة الحديث أكثر من صحابي، فيكون مظنة وروده في مسانيد: فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يصلّيَ أبو بكر في الناس، في مرضه. وما دار بين ابن عمر وأبي هريرة في فضل من تبع جنازة، واحتكامهما إلى عائشة. وقصّة تأيّم حفصة، وعرض عمر إيّاها على أبي بكر وعثمان، وزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم منها. والنهي عن أن تُحِدَّ المرأةُ أكثر من ثلاث إلا على زوجها. وأكل المؤمن في معًى واحد والكافر في سبعة أمعاء. وقصّة الدّجّال، وابن صيّاد، وغيرها من الأحاديث ورد الواحد منها في أكثر من مسند من الكتاب.

* * * *

وأما ترتيب المؤلّف الأحاديث في المسند الواحد فأمرٌ لا دقّة فيه. ولا ضابط واضحًا له. فلم يُراع ترتيب الرواة عن الصحابة، كما أنّه لم يرتّب على أسماء شيوخه. وابن الجوزيّ أمامه المسند، يحاول -إلى حدّ كبير- أن يراعيَ ترتيب الأحاديث كما وردت فيه، وإن لم يكن ذلك مُلزمًا له في كلّ مسند، ففي بعض المسانيد يبدأ بحديث من وسط المسند أو من آخره، لأنّه يرى أنّه أتمّ رواية. وهو إذا ذكر حديثًا سار وراءه متتبّعًا طرقه ورواياته في مواضعها. وأحيانًا نجد المؤلّف يحاول أن يجمع الأسانيد المتشابهة والمتقاربة

(1) ينظر الأحاديث (5238، 5335، 5396، 5453، 5455، 5880، 5881، 933، 5945، 5947. . .).

ص: 20

ليستغنيَ عن إعادة الإسناد، ومرّات يجتهد أن يجمع أحاديث متقاربة في المعنى، ولكن ليس هذا هو الشائع، ونقول مرّة أخرى: إنّه ليس للترتيب داخل المسند اعتبارات وسبل واضحة.

والغرض المهمّ للمؤلّف هو جمع أحاديث الصحابيّ في مسند واحد من مصادره كلّها، ولا أزعم أنّه استوعبَ كلَّ الأحاديث، ولم أُجرِ دراسة دقيقة لكلّ المسانيد، ولكن في بعض المسانيد التي تتبّعْتُ ما ذكر منها اعتمادًا على المسند والجمع بين الصحيحين، تبيَّن لهم إغفالُ بعض الأحاديث.

* * * *

ويورد ابن الجوزيّ الحديث في كتابه تحت "المسند" المصنّف بصورة تختلف قليلًا أو كثيرًا عمّا هو الحال في المصدر. ويتّضح ذلك من سوق بعض الأمثلة:

ففي المسند: حدّثنا عبد الأعلى، حدّثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن عبد اللَّه بن مغفلّ.

حدّثنا عبد اللَّه، حدّثنا داود بن عمر الضبّيّ، حدّثنا سلّام أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة. . .

وفي البخاري: حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر. .

فترد هذه الأحاديث عندنا هكذا:

حدّثنا أحمد قال: حدّثنا عبد الأعلى قال: حدّثنا سعيد عن قتادة عن. . .

حّدثنا عبد اللَّه قال: حدّثنا داود بن عمرو الضبيّ قال: حدّثنا سلام أبو الأحوص عن سماك. .

حدّثنا البخاريّ قال: حدّثنا أبو نعيم قال: حدّثنا شيبان عن يحيى عن. .

فيلحظ أن المؤلّف اعتمادًا على السند الذي ساقه في مقدّمته إلى أصوله يجعل نفسه راويًا عن البخاري أو غيره. والأمر الآخر أنّه يضيف قبل كلمة التحديث: قال، فتصير: قال: حدّثنا. . . وفي غير ذلك فإنَّه يلتزم كثيرًا بما في مصادره. وبخاصّة التفرقة بين التصريح بالتحديث والسماع، وبين "عن".

ص: 21

أما أخبرنا، وحدّثنا، فإن نُسَخنا تختلفُ فيما بينها في إثبات هذه اللفظة أحيانًا، وتكتب مختصرة في أحيان أُخَر، بطريقة لا تكون فيها واضحة، وتختلف في مواضع عمّا هي في الأصول المنقول عنها. وكأنّ ابن الجوزيّ، أو نسّاخ الكتاب، لم يكونوا من الذين يجدون فارقًا بين حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا. .

مسألة أخرى هنا في الكتاب، أن المؤلّف إذا روى حديثًا بسند، ثم جاء بعده بحديث بالسند نفسه، فإنّه يستغني عن إعادة السند، أو قد يستغني عن الجزء المشابه والمكرّر مع السابق.

(6355)

الحديث السابع: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا بهز عن أبيه عن جدّه قال. . .

(6356)

الحديث الثامن: وبه: قال. . .

فالحديث الثامن هو بإسناده من أحمد إلى معاوية بن حيدة.

وأحيانًا يقول معبّرًا عن الصورة السابقة نفسها: وبه عن أنس. . وبه عن عائشة.

والمؤلّف قد يعرض بهذه الصورة عشرات الأحاديث.

ففي مسند أنس بن مالك (480) روى حديثًا، ثم جاء بعده بواحد وعشرين حديثًا فيها: وبه.

وفي مسند معاذ بن أنس ذكر الحديث الثالث له (6235) ثم سار بالإسناد نفسه إلى الحديث الخامس والعشرين (6257) وهو يقول: وبه.

أما من مسند أبي هريرة (4432) فذكر حديثًا، وأتبعه أكثر من خمسين حديثًا، يقول: وبه.

وصورة أخرى:

حدثنا أحمد قال: حدّثنا إسماعيل قال: حدّثنا أيوب عن حميد عن أنس.

وبعده: وبالإسناد عن أيّوب. . فهو يستغني عن: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا إسماعيل. .

ومثله: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا روح قال: حدّثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو ابن معاذ الأشهلي. . وبعده: وبه عن زيد بن أسلم. . ثم يكمل الإسناد. .

ص: 22

وإذا كان هو المنهاج العام للاستغناء عن إعادة الإسناد كاملًا، أو جزء منه، فإن المؤلّف قد خالف أحيانًا في ذلك، فكرّر الإسناد، أو جزءًا منه.

والمؤلّف يجمع بين الأسانيد في مكان واحد، فكثير من الأحاديث التي هي في موضعين في المسند مثلًا يجعلها في موضع واحد:

يقول: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا عفّان ومحمد بن جعفر قالا. . (660).

حدّثنا أحمد قال: حدّثنا يزيد بن هارون ومحمد بن داود قالا. . (2284).

حدّثنا أحمد قال: حدّثنا يحيى ومحمد بن جعفر قالا. . (5749).

وكل واحد من هذه الأحاديث في مكان غير الآخر، وقد يكون بينها شيء من الاختلاف. ويتّضح عدم التدقيق بالفروق بين الروايات عندما يجمع حديثًا من مصدرين أو أكثر:

فقد روى عن البخاري ومسلم والترمذي حديث عائشة في المخزومية التي سرقت (7179).

وروى عنهم عن عائشة حديث "أمّ زرع"(7288).

وفي الحديث (5745) قال: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا يزيد. وحدّثنا البخاري قال: حدّثنا محمد بن كثير عن سفيان. وحدّثنا مسلم قال: حدّثنا عبد اللَّه بن مسلمة عن مالك. قالوا: حدّثنا يحيى بن سعيد. . ولا شكّ أن روايات هذه الأحاديث ليست متطابقة تمامًا بين المصادر الثلاثة.

وعلى عكس سابقه، يكون للحديث أكثر من طريق، وأكثر من راوٍ، وقد يكون الاختلاف في شيخ أحمد، أو أحد رواته، فيقتصر على بعض الروايات:

ففي المسند: حدّثنا بهز وحسن بن موسى. . يقتصر مؤلّفنا على: حدّثنا بهز (173).

وفي المسند: حدّثنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة وحجّاح قال: حدّثني شعبة. . يقتصر على: حدّثنا محمد بن جعفر قال: أخبرنا شعبة (2311).

وعند أحمد: حدّثنا يحيى عن سفيان قال: حدّثني أبو إسحاق قال: سمعت سليمان ابن صرد. يقول: وحدّثنا عبد الرحمن بن سفيان عن أبي إسحاق عن سليمان بن صرد قال. . . يقابله في كتابنا: حدّثنا يحيى عن سفيان قال: حدّثني أبو إسحاق قال: سمعت سليمان بن صرد يقول: . . . . . (2306).

ص: 23

وفي المسند: حدّثنا هشيم قال: عبيد اللَّه بن أبي بكر أخبرني عن أنس، ويونس عن الحسن قالا. وفي الجامع: حدّثنا هشيم قال: أخبرنا عبيد اللَّه بن أبي بكر بن أنس عن جدّه. . . (174).

ويتّضح هذا أكثر في أسانيد مسلم التي نقل ابن الجوزي:

فمسلم يروي 1/ 176 (189): حدّثنا سعيد بن عمرو الأشعثي. حدّثنا سفيان بن عيينة عن مطرّف وابن أبجر عن الشعبي قال: سمعت المغيرة بن شعبة. وحدّثنا ابن أبي عمر حدّثنا سفيان حدّثنا مطرّف بن طريف وعبد الملك بن سعيد سمعا الشعبيَّ يُخبرُ عن المغيرة بن شعبة. وحدّثني بشر بن الحكم -واللفظ له- حدّثنا سفيان بن عيينة حدّثنا مطرّف وان أبجر سمعا الشعبيَّ يقول. . .

هذا السند يصير عندنا هكذا: حدّثنا مسلم قال: حدّثنا ابن أبي عمر قال: حدّثنا سفيان قال: حدّثنا ابن أبي عمر قال: حدّثنا سفيان قال: حدّثنا مطرّف بن طريف وعبد الملك بن سعيد سمعا الشعبيَّ يخبر عن المغيرة (6432).

وفي مسلم 3/ 1214 (1592): حدّثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب عن قرّة بن عبد الرحمن المعافري وعمرو بن الحارث وغيرهما أن عامر بن يحيى المعافريّ. .

يرويه ابن الجوزي: حدّثنا أبو الطاهر قال: حدّثنا ابن وهب عن قرّة بن عبد الرحمن المعافريّ أن عامر بن يحيى. . (6032).

أما أغرب المسائل فيما يتعلّق بالتصرّف في الأسانيد، فتلكم الأحاديث الكثيرة التي وردت في المسند عن أحمد وابنه عبد اللَّه، فقد يكون مقبولًا أن يذكر المؤلّف الحديث قائلًا: حدّثنا أحمد. . ويغفل عبد اللَّه، الذي يقول: وسمعتُه أنا. . أمّا أن يقول ابن الجوزيّ: حدّثنا عبد اللَّه. . ويغفل أباه، فليس معقولًا، ذلك أنّه ذكر في المقدمة أنّه إذا قال: حدّثنا عبد اللَّه، فهو من زياداته. ثم إنّه لو لم يذكر ذلك، فإن القول: حدّثنا عبد اللَّه، يتصرف معه الذهن مباشرة إلى عدم رواية أبيه له. ولأهميّة هذه المسألة نبّهت على كلّ حديث عزاه لعبد اللَّه، وهو لأبيه، وربّما نبّهت على عكسه، أي إذا ذكر الحديث عن أحمد، ويكون عبد اللَّه مشاركًا له.

ص: 24

ولا يقتصر تصرّف ابن الجوزيّ في مصادره على ما ذكرنا في الأسانيد، بل تعدّى ذلك إلى تصرّفه في متون الأحاديث، حذفًا واختصارًا وتقديمًا وتأخيرًا، وسأعرض أمثلة مختصرة لذلك:

ففي الحديث (2363) الذي رواه عن أحمد بإسناده إلى أبي محذورة قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "قل: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر. . .".

والحديث في المسند: قال أبو محذورة: خرجت في عشرة فتيان مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبغض الناس إلينا، فأذَّنوا، فقُمنا نؤذِّن نستهزىء بهم. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ائتوني بهؤلاء الفتيان" فقال: "أذِّنوا" فأذَّنوا، فكنتُ أحدَهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ، هذا الذي سمعتُ صوته. اذهبْ فأذّن لأهل مكة" فمسح على ناصيته وقال: "قل: اللَّه أكبر. . .".

ويروى حديثًا بإسناد أحمد إلى عبد الرحمن بن سمرة (4285) أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم مطر فليُصَلِّ في رَحله".

وهو في المسند بعد الإسناد: أنّ عمّار بن أبي عمّار مرّ على عبد الرحمن بن سمرة وهو على نهر أم عبد اللَّه يُسَيِّلُ الماء مع غلمته ومواليه، فقال له عمّار: يا أبا سعيد، الجمعة. فقال له عبد الرحمن: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقول: . . .

وفي الحديث (5936) في المسند. . أنّه قال لقومه: اجتمعوا أصلّي بكم صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلمّا اجتمعوا قال: هل فيكم أحدٌ من غيركم؟ قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا. قال: ابن أخت القوم منهم. فدعا بجَفنة. . .

والذي عندنا: أنّه قال لقومه: اجتمعوا أصلّي بكم صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فدعا بجفنة. .

وقد علّقت على خبر طويل نقله عن "الطبقات" لابن سعد واختصره (2286). وأحاديث كثيرة ملأتُ حواشي الكتاب بالتنبيه عليها.

* * * *

والمؤلّف بعد أن يذكر الحديث، يكون من غرضه أن ينبّه على إخراج الشيخين أو أحدهما له، فيقول: أخرجاه. انفرد بإخراجه البخاري. انفرد بإخراجه مسلم. أخرج البخاري الأوّل ومسلم الثاني. أخرجه مسلم مختصرًا. أخرجه البخاري دون قوله. . أخرجه مسلم من هذه الطريق، وأخرجه البخاريّ من طريق. . . وهكذا. .

ص: 25

وهذه العبارات لها مدلولات كثيرة، لا تفي صفحات مختصرة أقدّمُ بها للكتاب في إعطائها شيئًا من حقّها، ولكن السؤال: هل إخراج الشيخين أو أحدهما، أو موافقتهما للمسند في الحديث، هل يعني ذلك: المتن، أو السند، أو هما جميعًا؟ .

وهذا هو الذي نراه في المؤلّفات عندما يقال: متّفق عليه، أو رواه أصحاب السنن، أو غير ذلك. فالذي يغلب على هذا التعبير هو اتّفاقهم على متن الحديث عن الصحابيّ.

فإذا نظرنا إلى عمل ابن الجوزيّ وجدْناه يستعمل هذه العبارة في حديث اتّفق الشيخان مع المسند في سنده كاملًا، أو في جزء من سنده، وربما كان الاتّفاق في التابعيّ الراوي عن الصحابي، وقد يصل الأمر إلى أن يكون الاتّفاق فقط في رواية الحديث عن الصحابيّ.

ثم إذا نظرنا إلى متن الحديث أيضًا وجدْنا الأحوال أنفسها، فقد يتّفق الشيخان أو أحدهما مع المسند في متن الحديث، وقد يكون الخلاف يسيرًا، في ألفاظ، أو تقديم أو تأخير. ولكن قد يكون الخلاف بينهم كبيرًا، بأن يكون في أحدهما زيادة أو حذف، وقد تكون هذه الزيادة فيها كلام. وكلّ هذا كان من عملي في التحقيق.

ويذكر هنا أن المؤلّف كان ينبّه على انفراد أحد الشيخين بالحديث أو اتّفاقهما عليه، ولو لم يكن في المسند، كأن يرويه عن أحد الشيخين، ثم يشير إلى انفراده به، أو إخراجهما له. كما أنّه علّق على بعض أحاديث أحمد بنقل حكم الترمذي عليه. كقوله (1643). . حدّثنا أحمد، . . قال الترمذي: هذا حديث صحيح.

وهكذا انتظمت أحاديث المؤلّف في "الجامع"، منسّقة في مسانيد، محذوفًا مكرّرُها، متصرّفًا في بعضها، مبيّنًا ما أخرجه الشيخان منها.

* * * *

ولكن هذا لم يكن هو العمل الوحيد للمؤلّف، فقد يقوم بتوضيح أسماء الرواة في السند أو بعد الانتهاء منه، وقد يضيف اسم الراوي إلى كنيته، أو يبدل أحدهما بالآخر، أو ينسب الراوي، أو يتمّم اسمه. . .

ففي المسند: حدّثنا قتيبة بن سعيد قال: حدّثنا بكر بن مضر عن ابن الهاد. .

وعندنا (165). . بكر بن مضر عن يزيد بن عبد اللَّه (وهو ابن الهاد).

ص: 26

وفي المسند: حدّثنا وكيع حدّثنا عبد العزيز. . وعند ابن الجوزي: عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز (7006).

وفي المسند: حدّثنا علي. . وعندنا: حدّثنا عليّ بن عبد اللَّه (2358).

وفي المسند: حدثّني أبو الأسود. . . يقول ابن الجوزي: هو محمد بن عبد الرحمن ابن نوفل (7049).

ويروى عن أحمد. . مسعر عن عمرو بن سالم عن أخيه عن ابن عبَّاس. فيقول المؤلّف: عمرو هو ابن قرّة. وسالم هو ابن أبي الجَعد (2978).

وفي حديث آخر يرد في الإسناد: أبو نوح قراد. فيقول ابن الجوزي موضّحًا قُراد لقب، واسمه عبد الرحمن بن غزوان (7263).

وفي آخر: عن أبي عقبة. . . يقول: اسم أبي عقبة مالك بن عامر (7527).

وما دمنا في الحديث عن الرجال والأسانيد، فإننا نذكر أن المؤلّف يحكم أحيانًا على بعض رجال الحديث:

ابن المؤمّل ضعيف، أحاديثه مناكير (1325).

مسلم بن خالد ضعيف (2421).

عبد الواحد بن زياد متروك الحديث (2454).

مطّرح وعبيد اللَّه وعلي بن يزيد والقاسم ضعاف بمرّة (2535) وينظر (2513).

ميناء كذّاب (4044).

ابن لهيعة لا يوثق به (3874).

قال الدارقطني: أبو ماجد مجهول (4211).

ابن بريدة لم يسمع من عائشة (7567).

ومثل هذا كثير في الكتاب.

والمؤلّف قد يروي عن رجل عددًا من الأحاديث، ثم يعلّق عليه متأخّرًا:

ففي مسند أبي سعيد ذكر عدّة أحاديث عن عطيّة العوفي، وبعدها قال عنه: ضعيف جدًّا (2098).

ص: 27

وذكر إبراهيم الهجري في مسند ابن مسعود مرّات، ثم قال (4079): إبراهيم الهجري ضعيف.

ونقل أحاديث عن شهر بن حوشب في مسند أسماء بنت يزيد: الأول والثالث والرابع، ثم قال بعد أن نقل الخامس: وشهر ضعيف جدًّا (7017).

هذا إلى أن أحكام المؤلّف ليست صحيحة أو دقيقة دائمًا (ينظر 1968، 4006).

ولا يكتفي ابن الجوزي بالحكم على الرواة، ولكنّه قد يحكم، أو ينقل حكمًا على الحديث نفسه:

قال: هذا الحديث قد روي من طرق مدارُها على ليث، وكان قد اختلط في آخر عمره.

قال البخاري: وقد روى من حديث أبي الدّرداء عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا يصحّ (5011).

قال: هذا الحديث بعيد الصحّة (5204).

ونقل روايات في صلاة الصِّدِّيق بالنّاس، ووفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: الحديث الأوّل وهو حديث الأسود أصحّ، وكلّ هذه معلولة (7418).

قال: عن حديث أمّ رومان: مرسل (702).

قال: وهذا الحديث غلط من الرواة. . (7238).

قوله: "رجلين شهدًا بدرًا" وَهَمٌ من الزهري، فإنهما لم يشهدا بدرًا (6111).

ويقول: وليس للأشعث في الصحيحين غيره (121).

* * * *

ومن العمل البارز للمؤلّف في الكتاب، وهو ما نوّه به في التقديم شرح الغامض. وقد يكون ذلك في كلمة أو عبارة، وقد تكون تعليقًا عامًّا، أو توضيحًا لمشكل، أو حديثًا عن حكم فقهيّ، أو غير ذلك.

والثغامة: نبت أبيض الزهر والثَّمَر، يُشَبّه بياضُ الشيب به (1084).

والنبيّ: الشيء المرتفع، غير مهموز، فإذا هُمز فهو من النبأ، وهو الخبر (1046).

والذي عليه المفسّرون أن الأحمر العجم، والأسود العرب (1247).

ص: 28

والتمائم: خرزات كانت العرب تعلّقها على الصبيّ، يزعمون أنّها تقي من العين. والتولة: ما يحبّب المرأة إلى زوجها، من السحر (4103).

قال الخطّابي: إضافة الشُّؤم إلى هذه الأشياء إضافة ظرف، ومحلّ الأشياء لا يخلو عن مكروه. . (2407).

وعلّق على: "من يصعد الثنيّة. ." وكان هذا في غزاة، وصعود هذه الثنيّة إنما كان للإقدام على الأعداء، وصاحب الجمل الأحمر كان منافقًا (1168).

وربما توهّم السامع ذكر الأجرين أنهما يزيدان على أجر الماهر، وليس كذلك. . (7243).

وتفارط الغزو: أي تقدّم وتباعد. وربما قرأه من لا يعرف: العدوّ، وليس كذلك. . (6111).

وفي حديث اصطفاء عليٍّ جاريةً من السَّبي، قال: وفي هذا الحديث إشكالات. . . (727).

وروى أحمد حديثًا في مسند أسماء بنت يزيد للعلماء فيه أقوال. لكن ابن الجوزي جعله لأسماء بنت عميس (7003) وقال: رواه أحمد في مسند أسماء بنت يزيد بن السكن، وهو بابنة عميس أشبه.

* * * *

وإذ قد ذكرنا بعض عمل ابن الجوزيّ في الكتاب، من بيان اتّفاق الشيخين أو انفراد أحدهما به، سواء أكان الحديث من روايتهما أو من رواية المسند، ومن شرح وتعليق على سند أو متن أو رواية، فإننا قبل أن ننتقل للإشارة إلى بعض المآخذ التي تُسَجّل على المؤلّف، فإن لزامًا علينا أن نتحدّث عن عالم وكتاب كان لهما أثر كبير في ابن الجوزيّ وفي كتابه هذا:

ذلكم هو أبو عبد اللَّه محمد بن فتوح الحميدي المتوفّى سنة 488 هـ، إمام له مؤلّفات، أشهرها "الجمع بين الصحيحين". وقد منّ اللَّه عليّ بتحقيق هذا الكتاب ونشره في أربعة أجزاء، وقدّمت له بدراسة، وضّحت فيها أنّه أشهر من جَمَعَ بين الصحيحين، وأن الأئمّة بعده وكبار المحدّثين كابن الجوزي والنووي وابن الأثير وابن حجر، كانوا يستندون إلى "الجمع" ولا يعودون إلى الكتابين.

وقد أُولع ابن الجوزيّ بالجمع، وشرحَ مشكله في كتاب نَشَرْتُه محقّقًا أيضًا في أربعة أجزاء بعنوان "كشف مشكل الصحيحين".

ص: 29

وكان من عمل الحميدي في كتابه تقسيمُ أحاديث كلّ صحابيّ إلى: المتّفق عليه عندهما، ثم ما انفرد به كلّ واحد منها، وكان يحكم على بعض الروايات، وينقل بعض التعليقات عن كتب المستدركات والمستخرجات على الصحيحين.

وبهذه القضايا تأثّر ابن الجوزي كثيرًا في جامعه، فقد نقل أحاديث عن البخاري أو مسلم، وهي روايات موافقة لما عند الحميديّ لا لما في الصحيحين، وجعل أحاديث للشيخين أو لأحدهما خطأ أحيانًا من متابعاته له، وسكت عن أحاديث فلم يعزُها لهما لأن الحميدي غفل عنها في كتابه.

ومن أمثلة نقوله:

انفرد بإخراجه، والذي في كتابه. . وقال أبو بكر البرقاني. . . (1891).

ورواه البرقاني في كتابه المخرّج على الصحيح. . . (2119).

وقد رواه البرقاني بإسناد مسلم، وفيه. . . (2297).

وذكره أبو مسعود صاحب التعليقة في مسند حفصة (7762)(1).

وكثير هي النقول والتعليقات التي حُشي بها الكتاب، عن الحميدي، وأكثر الأوهام والأخطاء والقصور الذي في الكتاب، من جرّاء متابعته له. وقد نَبَّهْتُ كثيرًا في الحواشي على نماذج من ذلك.

* * * *

وأذكر هنا بعض الهَنات والمخالفات التي وقعت فيها الكتاب:

منها الإخلال بما اختاره في ترتيب الصحابة فخلاف النظام الذي رآه من تقديم عبد اللَّه على عبد الرحمن. . وهو وجه، أو تقديم عبيد اللَّه على عبد الرحمن، أو تأخير معاوية على معن، مراعاة لرسم "معوية"، فإنّه قد قدّم وأخر بين الأسماء، أو بين الآباء:

فجاء مسند التِّلب (48) بعد تمام وتميم. وقدّم حميلًا على حمل (110، 111)، وشرحبيل جاء عنده قبل شدّاد (229، 232). ومسند طلحة قبل طفيل (264، 266)،

(1) ينظر على سبيل المثال (1643، 1646، 1653، 1835، 2427، 2793، 4010، 7000، 7201).

ص: 30

ونبيط قبل نبيشة (564، 565). والأسود بن سريع قبل الأسود بن خلف (13، 14). وذو المخمر قبل ذي اللحية (136، 137). وجاء في آباء "سلمة": سلمة بن نعيم، سلمة بن نفيل، سلمة بن نفيع، سلمة بن يزيد (203 - 206) ونفيع يجب أن يكون قبل نفيل. . وهكذا.

ومن المآخذ التي وقع فيها المؤلّف أحيانًا تكراره الحديث في المسند الواحد. وليس الكلام عن الروايات التي يمكن أن تجعل حديثًا واحدًا، ولكن عن الحديث الواحد، والذي يكون أحيانًا بالسند نفسه أو بأسانيد متقاربة.

وقد يعتذر للمؤلّف في المسانيد الطوال كمسند أبي هريرة، الذي تكرر فيه (255، 359) والحديثان (496، 593)، والحديثان (558، 680) لتباعد الأحاديث وكثرتها. ولكن لا يعتذر في المسانيد غير الطويلة. (ينظر 2162: 2192، 2623، 2623: 2631، 3138: 3197، 4588: 4692، 4829: 4926).

ويسجّل على ابن الجوزيّ خلطه بين الروايات أحيانًا. فقد ذكرنا قبل أنه يجمع الروايات من مصدرين، أو من مصدر واحد، تحت حديث واحد، وقد يغفل الفروق. ولكن الذي نذكره هنا هو أن يذكر إسنادًا ثم يثبت رواية لسند آخر في الحديث نفسه. وقد يكون الخلاف بينهما يسيرًا، لكنه خلط وسهو:

فهو مثلًا يقول: حدّثنا مسلم. . . أخرجاه. والمثبت هو رواية البخاري لا رواية مسلم (4624).

وينقل في مسند أبي رزين حديثًا فيه: "جزء من ستّة وأربعين جزءًا" ورواية هذه الإسناد الذي ساقه: "جزء من أربعين"، أما الرواية المثبتة عنده فإسنادها غيره (6124).

وفي مسند ابن مسعود روى مجموعة من الأحاديث متتابعة، ولكنه أثبت رواية شيخ أو إسناد آخر:(الأحاديث 4138، 4139، 4140. وينظر 1423، 4159).

ومن ذلك أن يقول المؤلّف: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا عبد اللَّه بن نمير ومكّي قالا: حدّثنا هاشم عن عائشة بنت سعد عن سعد. . ثمَّ يقول: أخرجاه في الصحيحين من حيث عامر بن سعد. والحديث في المسند: عن ابن نمير عن هاشم عن عائشة. وعن مكّي عن هاشم عن عامر. . . (1921).

ص: 31

ومن الملحوظات على المؤلّف -وقد نبّهت عليه كثيرًا في الحواشي- أن يقول: وبه. . . وبالإسناد. . كما سبق أن بيّنّا. ولكن لا يكون الحديث بإسناد الذي قبله. واختصار المؤلّف لبعض الروايات، وتنقّله من بين صفحات الكتاب أوقعه في مثل ذلك (ينظر 892، 2182، 4343).

وفي الكتاب بعض المسائل التي ينقصها الدّقّة، سببها السقط، أو عدم المراجعة:

فقد روى الإمام أحمد في مسند عمرو بن العاص حديثًا بإسناده إلى عمارة بن خزيمة عن عمرو. . ولكنّ المؤلّف يسقط عنده "عمرو بن العاص"، فيجعل صحابيّ الحديث عمارة، ويعقد مسندًا له (المسند 403 - الحديث 5681).

وفي المسند حديث عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يجعله ابن الجوزي: عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فيصير في مسانيد النساء (7767).

ومثل ذلك المسند الذي عقد لـ "معروف الثقفي"، وتحدّثت عن علّة حدوثه. (المسند 539 - الحديث 6318).

وروى المؤلّف حديث: "لا تأكل الشريطة" محرّفًا إلى "الشريقة"، والتمس للشريقة تفسيرًا (3220).

وقد أخطأ ابن الجوزيّ أحيانًا في نسبة حديث لأحد الشيخين، أو سها وغفل عن التنبيه عليه، وأكثر ذلك من متابعاته للحميدي. ولكن ما حدث في مسند عبد اللَّه بن الزبير يذكر: فقد اتّفق الشيخان على رواية حديث واحد له، وانفرد البخاري بستّة، ومسلم باثنين. ولكن عددًا من الأحاديث في هذا المسند جاء فيها "أخرجاه"(المسند 306 - وينظر التعليق على الحديث 2804).

وأذكر هنا أنّه روى (2395) حديث: ارتجّ أحدٌ وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أثبت، فما عليك إلا نبيّ وصدّيق وشهيدان". ثمَّ قال بعده: وقد أخرج البخاري في أفراده: "أحدٌ جبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه".

ولا أرى علاقة بينهما، وجَليٌّ أنهما يجب أن يكونا حديثين.

* * * *

ص: 32

أما مخطوطات الكتاب فقد سبق الإشارة في المقدمّة إلى أنّ البحث لم يظهر وجود نسخة كاملة من الكتاب، ولم تمتلك مكتبة - فيما هو معروف، أو من خلال المصادر والمعلومات نسخة متكاملة من الكتاب، ولكنّ منه أجزاء مفرّقة جمع منها ما تيسّر الوصول إليه، وما أعان على إخراجه. وهذا وصف موجز لهذه المخطوطات.

(1)

مجلد من أوّل الكتاب تحتفظ به دار الكتب المصرية في القاهرة، تحت رقم 191 حديث. وهو يحوي الجزأين الأوّل والثاني منه، يبدأ من أوّله، ثم ينتهي الجزء الأوّل في الورقة السادسة والأربعين بعد المائة - مسند جابر بن عبد اللَّه، ثم أشير إلى نهاية الجزء، وبدأ الثاني: مسند جابر بن عتيك بالبسملة. وينتهي المجلد بالحديث السابع والثلاثين بعد المائة من مسند أبي سعيد الخدري (2067). وإن كان المألوف في تقسيم أجزاء الكتاب أن الجزء الثاني أطول من ذلك، وهذا ليس في آخره سقط أو نقص.

كتب المخطوطة أحمد بن (حسين السيرافي) سنة ستّ وعشرين وسبعمائة للهجرة، بخط نسخي جيّد. أُشير في مواضع منها إلى القراءة والمعارضة. وفي آخرها مطالعة سنة خمس وتسعين بعد الألف. وأثبت على حواشيها بعض التصحيحات، وعليها أختام وتملّكات عديدة. ومن مظاهر العناية بالمخطوطة ما امتلأت به حواشيها من كتابة العنوانات المقتبسة من الأحاديث: التقاء الختانين يوجب الغسل. حكم اللقطة وتعريفها سنةً. دعوة ذي النون. .

والمخطوطة في خمس وسبعبن ومائتي ورقة، عدد أسطر الصفحة الواحدة واحد وعشرون سطرًا. كتبت أسماء الصحابة وأرقام الأحاديث فيها بخطّ كبير. وهي في حالة جيّدة، لم يسقط منها شيء.

وقد رمزت لها بالرمز (ك).

وفي الصفحات (45 - 47) صور لغلاف المخطوطة، وصفحتها الأولى، وصفحتها الأخيرة.

(2)

الجزء الأوّل من مخطوطة صوّرت من الهند، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإِسلامية بالرياض (ف 8274). وقد أصاب أوَّلَ المخطوطة تلفٌ أضاعَ جزءًا من المقدّمة، واستدرك صفحة منها بخط مغاير قديم. والمألوف في التقسيم أن ينتهي الجزء في آخر مسند جابر بن عبد اللَّه، لكان الصفحات الأخيرة تالفة أو ساقطة من التصوير،

ص: 33

فالذي يتّضح منه في الحديث الثالث والتسعين بعد المائتين من مسند جابر (حديث 1153) قبل نهاية مسند جابر ببضعة عشر حديثًا. كما سقط من مسند جابر بين الحديث الثامن والخامس والأربعين. لكن النقص من أوّلها وآخرها ووسطها موجود في غيرها.

كتبت المخطوطة بخطّ نسخيّ متقن، فيه ضبط، والعنوانات وأرقام الأحاديث بخطّ كبير، في سطر مستقلّ، وعليها بعض التصحيحات. وأوراقها مائتان وخمس وخمسون، في الصفحة تسعة عشر سطرًا.

وأصاب أطرافَها بعضُ التأكّل من الرطوبة، ولم يؤثّر عليها. وفي أوّلها فهرس بأسماء الصحابة.

والصفحات المصوّرة (48 - 50) فيها فهرس الصحابة، وبداية المقدّمة بخط مغاير، وجزء من وسط المخطوطة.

(3)

نسخة في مكتبة مسجد أبي العباس بالإسكندرية، تحمل الرقم (267 عام، 232 خاصّ).

وهذا هو الجزء الثاني من الكتاب، يبدأ بمسند جابر بن عتيك (حديث 1170) إلى مسند سفيان بن أبي زهير (حديث 2242).

كتبت هذه المخطوطة سنة خمس وستمائة للهجرة، بعد وفاة المؤلّف بسنوات. وناسخها أحمد بن محمد المنتوش الجوهري، بخطّ نسخيّ جيّد، مضبوط بالشكل، وأرقام الأحاديث وأسماء المسانيد بخطّ كبير. وأصابها أرضةٌ ورطوبة أثّرت عليها قليلًا.

وقد كتبت هذه النسخة عن نسخة مقروءة على المؤلّف، ونقل في آخرها السماعات والقراءات والمجالس التي تمّ فيها ذلك، بما يصلح أن يكون أُنموذجًا لدراسة السماعات.

وعدد أوراق الجزء ثنتان وأربعون ومائتا ورقة، في كلّ صفحة تسعة عشر سطرًا.

ورمز لهذه النسخة (س).

وفي الصفحات (51 - 54) صور لعنوان المخطوط، وبداية الجزء، ونهايته، وفيه بعض السماعات، والصفحة التالية التي تحتوي أيضًا على السماع والقراءة.

(4)

الجزء الثاني من نسخة أخرى للمخطوطة. وهو جزء تحتفظ به دار الكتب الوطنية في تونس (3584).

ص: 34

ويبدأ بمسند جابر بن عتيك كالسابق، ولكن يزيد عليه بمسند سفيان بن عبد اللَّه، وفيه حديث واحد (2243).

كتب المخطوطة يعقوب بن محمد سنة اثنتين وثمانين وستمائة، بخطّ نسخيّ معتاد، وفي آخرها أنها قوبلت على نسخة المصنّف.

والعنوانات بخطّ أكبر قليلًا من سائر النصّ. وأوراقها ست وخمسون ومائة، وفي كلّ صفحة واحد وعشرون سطرًا.

ورمز هذه النسخة (ت).

والصور المرفقة فيها عنوان المخطوط وأوله وآخره (55 - 57)

(5)

جزء آخر مصوّر من الهند في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإِسلامية (ف 8275). ولكنّه من نسخة أخرى غير السابقة (رقم 2). وفيه الجزء الثالث من الكتاب. وإن غيّر خطأ في آخره إلى الثاني.

يبدأ الجزء من مسند سفيان بن عبد اللَّه (الحديث 2243) أي بعد المشار إليه في النسختين السابقتين، وينتهي في الحديث الثالث والعشرين بعد الأربعمائة من مسند عبد اللَّه بن عباس (3288). وفيه ما يوحي بأن مسند ابن عبَّاس لم ينته.

سقطت الورقة الأولى من المخطوطة، واستدركت بخطّ مختلف حديث. وعمل لها فهرس فيه أسماء الصحابة. أما سائر النسخة فلم يقع فيها سقط. وحالتها جيّدة.

تقع المخطوطة في ستّ وعشرين ومائتي ورقة، في الصفحة الواحدة واحد وعشرون سطرًا، خطّها نسخيّ جيّد مقروء، عليها بعض التصحيحات. وعنواناتها وأرقام الحديث كتبت بخطّ كبير.

ورمز هذه المخطوطة والمخطوطة رقم 2 (هـ).

وفي الصفحات (58 - 61) صور للصفحة الأولى من صفحتي الفهرس، والصفحة الأولى منها بخطّ مغاير، وصفحة من وسطها، وآخرها.

(6، 7) وهما جزآن من المخطوطة، مصوّران من مكتبة حسين جلبي في مدينة بورصة التركيّة. وتقسيم هذه النسخة إلى أحد عشر جزءًا، صوّرْت الجزأين السابع والتاسع

ص: 35

من هذا التقسيم، علمًا بأن الجزء الأوّل منها موجود أيضًا في هذه المكتبة. ولكنّ الجهد والمشقّة والتكلفة الخيالية للتصوير، جعلني أهمل الأوّل منها لوجود ما يغني عنه.

الجزء السابع منها يبدأ بالحديث الثالث والتسعين بعد المائة من مسند عبد اللَّه بن عمرو، وينتهي في الحديث السابع بعد الثلاثمائة من مسند أبي هريرة (الأحاديث 3841 - 4640)، ويظهر هنا النقص بين آخر مسند ابن عباس المذكور في النسخة السابقة، وهذا الجزء - وهو الذي استدركته بحمد اللَّه تعالى من المصادر.

وهذا الجزء يحمل الرقم 202 في المكتبة، وعدد أوراقه إحدى وثلاثون ومائتان، في كلّ صفحة ستة عشر سطرًا، وهي من نسخة قديمة، كتبت سنة ستمائة، أي بعد وفاة ابن الجوزي بسُنَيّات. وإن لم يذكر فيها إشارات إلى النسخة التي نُقلت عنها، وقد يكون موجودًا في آخر الكتاب الذي لم يتيسّر معرفة مكانه.

خطّ المخطوطة نسخي واضح كبير، والعنوانات وأرقام الأحاديث بخطّ أكبر، وعليها تصحيحات قليلة. وهي في حالة جيّدة.

والجزء التاسع منها بالمواصفات نفسها، رقمه 203، وأوراقه مائتان وستّ. وفيه من الحديث الخامس والأربعين بعد المائة من مسند عليّ إلى آخر مسند معاذ بن أنس (الأحاديث 5597 - 6258).

ورمزها (ر).

ينظر الصفحات (62 - 67).

(8)

مخطوطة تختفظ بها مكتبة الحرم المكيّ في أمّ القرى، أعلى اللَّه شأنها. وفيها الجزء الخامس - من التقسيم السباعي المألوف.

يبدأ الجزء بمسند أبي هريرة وينتهي في مسند على - الحديث الأربعون بعد المائة (الأحاديث 4334 - 5596).

والمخطوطة مكتوبة بخطّ نسخيّ متقن قديم، مضبوط بالشكل، عنواناتها وأرقام الأحاديث بخطّ كبير. وعلى حاشية الصفحة الثانية فهرس لمسانيد الجزء، وفي آخر المخطوطة إشارة إلى إتمام قراءتها سنة 1253 هـ. وفيها تصحيحات، ومقابلات،

ص: 36

وقراءات، ونقول، وحواش وتعليقات كثيرة، توحي بأن النسخة نالت حظَّها من الاهتمام، وأُفيد منها.

عدد أوراق المخطوطة مائتان واثنتان وأربعون، في كلّ صفحة سبعة عشر سطرًا. وحالتها جيّدة، ولم يسقط منها شيء.

ورمزها (م).

ومرفق صور لأوّلها وآخرها (68 - 70).

(9)

الجزء السادس -قبل الأخير- من الكتاب، تحتفظ بمخطوطته مكتبة الأزهر في القاهرة (35 خاصّ، 254 عامّ)، وفهرست على أنّها لابن كثير.

يبدو أوّل المخطوط ناقصًا، ولكن الذي حدث فيه أنّه قُدّم فيها وأُخّر، فكانت البداية الحقيقية -بعد أن أَعَدْتُ ترتيبها- في الورقة الحادية والعشرين من الترقيم المكتوب عليها، وتبدأ بالحديث الثامن والأربعين بعد المائة من مسند علي (5600)، فليس فيها سقط إلا ورقة واحدة كما هو المألوف في التقسيم. وآخرها تامّ ينتهي في مسند وهب بن عبد اللَّه، آخر حرف الواو (6637). وليس في داخلها أيّ سقط.

كتب الجزء بخطّ نسخيّ واضح، أرقام الأحاديث والعناوين بخطّ أكبر. عدد أوراقها سبع وعشرون ومائتان، وفي كلّ صفحة واحد وعشرون سطرًا. أصابها رطوبة أثّرت على أطراف بعض الأوراق.

ورمز هذ الجزء (ز).

وقد صوّرتُ أوّل المخطوطة كما هي بعد تجليدها وترتيبها خطأ، وأوّلها صحيحًا، وآخرها (71 - 73).

(10)

الجزء الأخير من الكتاب - السابع، من مخطوطات اليمن، المكتبة العامة. وفي المكتبة نفسها الأوّل والثاني من الكتاب، الذي ذكرنا وفرة أجزائهما.

يبدأ المخطوط بمسندها هانئ بن نيار (6638) إلى آخر الكتاب. وقع سقط يسير استدركته (الأحاديث 6647 - 6660).

ص: 37

والنسخة قديمة، كتبت بخطّ نسخي متقن، فيه ضَبط بالشَّكل، والعنوانات وأرقام الأحاديث بخطّ أكبر. وانتهت مقابلتها سنة 817 هـ. وفيها بعض التصحيحات والحواشي والنقول.

عدد أوراق المخطوطة سبع وثلاثون ومائتان، وأسطر الصفحة سبعة عشر.

ورمزها (ي).

وفي الصفحات (75 - 77) صورة لعنوانها، وصفحتها الأولى المستدركة، ثم الثانية، وآخر المخطوط.

(11)

وأخيرًا، قطعة من الكتاب صُوّرت لي من مركز الوثائق والمخطوطات بمدينة الكويت، ضمن مجموع حديثي، وكأنّ ناسخها انتقى من الكتاب -إن كان بين يديه- هذا القسم، ففيه مقدّمة الكتاب كاملة، وتسعة عشر حديثًا من مسند الصدّيق (3291 - 3309) وهي على صغر حجمها، مفيدة لي في المقدّمة، وفي جزء الصدّيق الذي لم يتيسّر في غيرها. وكتبت بخطّ نسخي جيّد، والمجموع عليه سماعات وقراءات حديثية.

ورمزها (و)(*).

ينظر الصفحات المصوّرة (78 - 79).

* * * *

هذه الأجزاء المذكورة يتّضح لنا منها وجود أكثر من نسخة للكتاب، فهي -عدا جزأي التركية- من مخطوطات مختلفة، ولو افترضنا أن كلّ واحدة منها كانت كاملة، لكان بين أيدينا أكثر من عشر نسخ للكتاب، غير الأجزاء التي عرفتها للقسم الأوّل والثاني ولم أعتمدها في التحقيق.

لكنني كما ذكرت تمكّنت من خلال ترتيب هذه الأجزاء، ومستعينًا بالأصول الأربعة التي اعتمد عليها المؤلّف، وبالمصادر الحديثية المختلفة، من تقديم هذا الكتاب الذي يراه القارئ كاملًا بعون اللَّه تعالى وتوفيقه.

* * * *

(*) لم أستخدم هذه الرموز إلَّا في المواضع التي اجتمع فيها أكثر من نسخة.

ص: 38

أما منهج التحقيق الذي سلكتُه في الكتاب فإنني أقدّم له بالقول:

إنّ أهم ما يسعى إليه المحقّق، أن يقدّم الكتاب المُحقّق بصورة أقربَ ما تكون إلى ما وضعَه عليه مؤلّفُه، وأراد أن يراه الناس به، ويكون ذلك في أحسن هيئةٍ تُيَسّر للقارىء الإفادة منه.

ولتحقيق الغرض الأوّل كان السعي إلى جمع مخطوطات الكتاب -ما عُرف منها- والمقابلة بين ما له أكثر من نسخة، ومراجعة كلّ حديث من الأحاديث على الأصل المأخوذ منه: الكتب الأربعة وغيرها.

ولما كانت المخطوطات تعرض الحديث مختلفًا أحيانًا عن المصدر، فإنّ المحقّق أمام احتمالات: أهذا من عمل المؤلّف ومقصده، أن يحذف أو يختصر أو يقدّم ويؤخّر، أو أن النسخة التي اعتمدَ عليها فيها هذا العمل، أو أن يكون ذلك سهوًا منه أو من نسّاخ الكتاب؟ ثم هل يُترك الأمر على ما هو عليه، أو يُستدرك؟ وفي الحالة الثانية يقال: إنَّ هذا ليس من عمل المحقّق، وإنّه تدخّل غير لائق، وتصرّف ممّن لا يملك هذا الحقّ.

والحال كذلك، فإنّني -وهو المنهج الذي أسلكه في تحقيقي، وأختاره في أعمالي- أفرّق بين نوعين من هذا التغيير والتصرّف:

فإذا كان التغيير في السند مثلًا، وكان هذا التغيير يُخلّ به، بإسقاط أحد رجاله، فإن هذا لا يجوز إبقاؤه بحال، سواء أكان هذا من عمل المؤلّف - خطأ بالتأكيد، أو من سهو. النسّاخ، لأنَّ مثل هذا يُتلف السند ويفسده. أما إذا كان التصرّف في السند بحذف كنية أو لقب، أو تغيير اسم بكنية، أو تكملة اسم مثلًا، فإن مثل هذا لا ضرر فيه ولا إخلال، فتركه كما هو، واجبٌ على المحقق، فإن أراد أن ينبّه أو يعلّق فله ذلك خارج النصّ.

وإذا كان التغيير والتصرّف في نصّ الحديث، فالأمر كذلك: أيؤثّر هذا التعديل -من المؤلّف أو النسّاخ- على النّصّ أم لا؟ فإن كان فيه إخلال بالمعنى، أو إلباس على الفهم، فالاستدراك والتتميم لازمان، وإلا فترك الحال على ما هو عليه أفضل، وللمحقّق أيضًا أن ينبّه كما يريد، فالحواشي مِلكُه، والنّصّ مُقَيِّد له.

وأمر آخر، هو أنني ألتزم بعبارات ومنهاج المؤلّف في سرد سنده، والتقيّد بعبارات التحديث والإخبار والإنباء، ما اتّفقت عليها النسخ، أو كانت واضحة، ولو خالفت المصدر

ص: 39

الذي بين أيدينا. أما إذا اختلفت النسخ فيما بينهما في ذلك، أو كتبت العبارات مختصرة غير واضحة، فترجيح ما في المصدر والأخذ به.

وفي كلّ هذه الأحوال، لم أُكثر الإشارة إلى اختلاف النسخ، ولم أنبّه على مخالفة ما فيها للأصل، إلا إن كان في ذلك خلاف واضح، أو فائدة تلتمس. ثمَّ إنّ ما يستدرك -سواءً أكان في السند أو المتن- فالمعقوفان دلالتان، وقد يزاد التعليق توضيحًا.

ولما كان ابن الجوزي يُتْبِعُ بعضَ الأحاديث أحيانًا بشرح، أو تعليق، أو حكم، أو غير ذلك ممّا ذكرنا في التقديم للكتاب، فإنّ النسخ قد اختلفت فيما بينها في إثبات جملة: قال المصنّف، قبل كلام المؤلّف، فهو موجود في بعض المخطوطات، مُغْفَل في غيرها. وتوحيدًا للنّصّ رأيتُ عدم ذكر هذه الجملة، مكتفيًا بأن الرقم الذي للتخريج والتهميش في آخر الحديث يُبيَّن نهاية الحديث، وأنّ ما بعده عمل ابن الجوزي. ولكن إن رأيتُ ذلك غير واضح، أو قد يوهم ويخلط بكلام غيره، كأنْ ينقل أحيانًا حكمًا للترمذي على الحديث، فيضيف إليه شيئًا، ففي مثل هذا أعلّق وأوضح كلام المؤلّف.

وإن كان هذا أهمّ ما يُعمل لتقديم النصّ المُحَقَّق، فإنّ الجانب الآخر الذي يتعلّق بخدمة النّصّ وتيسيره، والتعليق عليه، وتخريج ما يحتاج، فإنني أشير إلى أهمّ ملامح العمل في هذا الجامع:

قُمتُ أولًا بترقيم المسانيد بأرقام مسلسلة خاصّة بالرجال، وأرقام للنساء، وترقيم أحاديث الكتاب كلّها مسلسلة.

ثم عند كل صحابيّ ذكرتُ بعض المصادر، وبخاصّة كتب تراجم الصحابة، كالآحاد، ومعرفة الصحابة، ومعجم الصحابة، والاستيعاب، والإصابة، وكما ذكرتُ تهذيب الكمال، ليعرف أنَّ الصحابيّ ممّن له أحاديث في الكتب الستّة، وفي غير ذلك أحلتُ على التعجيل، الذي يُفهم منه أنّه ليس للصحابي رواية في الكتب الستّة، فيكون ممّن له أحاديث في المسند. ثمَّ بيّنت إن كان الصحابيّ ممّن أخرج له الشيخان أولًا، اعتمادًا على الجمع بين الصحيحين، وعدد ما له عندهما، كما في ذلك الكتاب. وأشرتُ أيضًا إلى ما عدّ ابن الجوزيّ في التلقيح لما أُخرج لهذا الصحابي من أحاديث في الكتب كلّها.

ص: 40

وراجعتُ كلَّ حديث من أحاديث الكتاب على المصادر التي أُخذ منها، مراعيًا الرواية بالسند الذي اختاره المؤلّف، ضابطًا ما احتاج من ألفاظ النّصّ، شارحًا ما أراه غامضًا ممّا لم يشرحه المؤلّف. وتخريج ذلك ببيان المصدر: الجزء والصفحة ورقم الحديث، إذا كانت أحاديث الكتاب مرقّمة، وإلا اقتصرت على الجزء والصفحة. وأنبّه -غير التعليق والحكم الذي سأشير إلى عملي فيه- على ما في الروايات من خلافات أو نقص أو زيادات لها قيمة، دون الإشارة إلى يسير الخلاف.

ومن العمل أيضًا بيان الأحاديث التي لم ترد في مصادره الأربعة، وموردها، وتخريجها.

أما أحكام المؤلّف، وشروحه، وتعليقاته، ونقوله، وغير ذلك فقد خَرَّجْتُ وعلّقت وأوضحتُ كلّ ما رأيتُه محتاجًا لذلك. فإنْ حكم على محدّث، ذكرت بعض مصادر الرجال، وإن ذكر تعليقًا أو حكمًا فقهيًا أحَلْتُ على بعض المصادر، وإن نقل عن الحميدي أو غيره، وضَحْت ذلك.

كما علّقت على كثير من أحكام المؤلّف، وبخاصّة ما أغفل التنبيه عليه ممّا عند الشيخين، أو عزاه لأحدهما دون الآخر. كما وضّحت الأحاديث كلّها التي عزاها لعبد اللَّه وهي عند أبيه.

أما عن تخريج الأحاديث والحكم عليها فأقول: المقرّر عند العلماء أن الحديث يُحكم على متنه، وعلى سنده.

ولمّا كان عدد غير قليل من أحاديث كتابنا من الصحيحين أو من أحدهما، فلا كلام فيه. وكذا إذا كان الحديث عن غيرهما، ولكنّهما أخرجاه باتّفاق السند، والمتن، أو باختلاف يسير في بعض الألفاظ.

أما إذا كان الحديث في المسند -هو أكثر أحاديث الكتاب- وذكر المؤلّف إخراج الشيخين أو أحدهما له، فإنّ الحديث صحيح، ويبقى الحكم على سند الحديث، أو ما اختلف من رجاله عن رجال الشيخين، فيصحّح الحديث، ويتحدّث عن سنده. وفي كلّ هذا فالاقتصار على تخريج الحديث من الصحيحين كاف، وتجاوزه إلى غيرهما لا يكون إلا لفائدة.

ص: 41

أما إذا كان في حديث المسند زيادة على ما في الصحيحين، أو فيه خلاف لما فيهما، فإن الزيادة المخالفة تحتاج إلى الحكم أيضًا. وما لم يكن من أحاديث الكتاب عند الشيخين، فيحتاج إلى تخريج وحكم. ويكون التخريج بعد الصحيحين من كتب السنن، ثمَّ يُلجأ إلى غيرها من المصادر.

ولم أكن أسعى إلى حشد المصادر، واستيعاب تخريج الحديث من كلّ الكتب، بل كان الرجوع إلى أيّ مصدر لوجود فائدة فيه، إسنادًا أو متنًا، أو لتعليق أو تخريج للمؤلّف أو المحقّق.

وفي الحكم على أحاديث غير الصحيحين، كان الاعتماد على أحكام وأقوال العلماء المُحَدّثين مقدَّمًا ومُقَدَّرًا، فأقوال الترمذي والمنذري والبوصيري وابن حجر والهيثمي، وتصحيحات ابن خزيمة والحاكم وابن حبّان والذهبي، واختيارات الضياء المقدسيّ، كلّ هذا ممّا يُفاد منه، ويُعْتَدّ به، مع التنبّه إلى ما قيل من تساهل بعضهم في التصحيح والتحسين.

وكذلك الحال في الحكم على الرجال، فأحكام أئمّة الجرح والتعديل كأحمد والترمذي وابن أبي حاتم والذهبي والمزّي وابن حجر، يحتجّ بها، ويستند إليها.

ثمَّ كان بعد ذلك الإفادة من محدّثي العصر ومحقّقيه، ممّن شُهد لهم في هذا الفنّ، وقُدّرت تخريجاتهم وأحكامهم على الحديث ورجاله: يأتي في صدارة هؤلاء العالم المحدّث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، رحمة اللَّه تعالى عليه، في سلسلتيه الصحيحة والضعيفة - ما طبع منها خلال العمل في الكتاب، وتقسيمه السنن إلى صحيحة وضعيفة، وإرواء الغليل، وتعليقاته على ابن خزيمة والسنّة والأدب المفرد. ثمَّ الشيخ المحدثّ شعيب الأرناؤوط، أمدّ اللَّه في عمره، الذي أفدْت من عمله -ومساعديه- في النصف الأوّل من المسند، فحين شرعت في تبييض الكتاب، كان بين يدي خمسة وعشرون جزءًا من المسند المحقّق، وهي تعدل ثلاثة أجزاء من الطبعة الميمنية للمسند، وقد أشرت فيها إلى الجزء والصفحة ورقم الحديث، أما الأجزاء الثلاثة الأخيرة من المسند، فكان الاعتماد على طبعة الميمنية، هذا إلى رجوعي إلى القسم الأوّل ممّا عمله الشيخ أحمد شاكر في المسند، كما أفدت من تخريجات الشيخ

ص: 42

شعيب لصحيح ابن حبَّان، وشرح مشكل الآثار، ومن أعمال المحقّقين لمسند أبي يعلى، والمختارة، والمعجم الكبير، والإتحاف.

ويذكر أنَّ هناك كتبًا كثيرة صدرت محقّقة خلال العمل في الكتاب، أو طبعات محقّقة صدرت لكتب اعتمدت طبعات غيرها، وكتبًا أُكملت. . . ولم أفِدْ منها لئلّا يضطرب العمل.

وفي الحكم على الحديث - متنًا أو إسنادًا، من عملي ومن فوائد السابقين، لم أسع للإطالة، بل اختصرتُ التعليقات واختزلتها، لئلا تطغى الحواشي على الكتاب، ولثقتي بقدرة القارئ على الرجوع إلى المصادر لمزيد من الأحكام والتعليق.

وصنعتُ للكتاب فهارس مختصرة: في كلّ جزء فهرس لأسماء صحابته وأرقام أحاديثهم، ثم فهرس للصحابة كلّهم في آخر الكتاب، للإحالة وذكر الكنى والألقاب.

وأخيرًا، فإن شكر الناس شُكرٌ للَّه تعالى، وإنكار الفضل وأصحابه جحود. وخشية النسيان جعلتني أشكر -ولا أذكر- من ساعدني في تصوير مخطوطات الكتاب، ومن أجاب على استفساري وسؤالي عن الكتاب، ومن حثّ وشجّع على العمل فيه، ومن كان يسأل ويتساءل عن صدوره، وبخاصة عندما تأخّر وطال الانتظار، فقد كان انتقالي إقامةً وعملًا من الرياض إلى عمّان مؤخِّرًا لإنجازه. كما لا يفوتني أن أقدّم الشكر والتقدير لمن عملوا في طبع الكتاب وإعداده، فقد صبروا كثيرًا على المراجعات وتصحيح التجارب العديدة. ولمكتبة الرشد -جعل اللَّه لها من اسمها نصيبًا- وللقائمين عليها كلُّ الشُّكر والتقدير لنشرهم هذا الأثر الكبير.

والحمد للَّه العظيم المنّان، الذي متّعنا بالقوّة والصحّة، وأعاننا على إنجاز الكتاب، فلله الشكر الدائم المتواصل. والصلاة والسلام على سيّدنا محمد، الذي يُصلّى عليه ويُسلّم عند قراءة كلِّ حديث في هذا الكتاب.

ونسألْ اللَّهَ الكريم أن يجعلَ الكتابَ عملًا صالحًا يُنتفعُ به.

والحمدُ للَّه ربِّ العالمين.

ص: 43

نماذج من المخطوطات

ص: 44

صورة

ص: 45

صورة

ص: 46

صورة

ص: 47

صورة

ص: 48

صورة

ص: 49

صورة

ص: 50

صورة

ص: 51

صورة

ص: 52

صورة

ص: 53

صورة

ص: 54

صورة

ص: 55

صورة

ص: 56

صورة

ص: 57

صورة

ص: 58

صورة

ص: 59

صورة

ص: 60

صورة

ص: 61

صورة

ص: 62

صورة

ص: 63

صورة

ص: 64

صورة

ص: 65

صورة

ص: 66

صورة

ص: 67

صورة

ص: 68

صورة

ص: 69

صورة

ص: 70

صورة

ص: 71

صورة

ص: 72

صورة

ص: 73

صورة

ص: 74

صورة

ص: 75

صورة

ص: 76

صورة

ص: 77

صورة

ص: 78

صورة

ص: 79