المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم إنَّ الحمدَ لله نَحمدُه ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ، ونعوذُ - جزء في بيع أمهات الأولاد

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

إنَّ الحمدَ لله نَحمدُه ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ، ونعوذُ بالله مِنْ شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ.

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102].

{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا} [النساء: 1].

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا} [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فهذا عِلْقٌ نفيس، ودُرٌّ نضيد، سَلَكَهُ ابنُ كَثير، بكَثيرٍ من التحرير، ونَظَمه نظمَ الحاذقِ الخبير، تناول فيه مسألةَ بَيْعِ أُمَّهات الأولاد، فحرَّرها تحريرًا علميًّا بليغًا، وكان رحمه الله قد ألَّف هذه الرسالة أولًا مختصرةً مقتضبة، ثم لم يرفع عنها نظرَه، ولم يضع قلمَه، وما زال يُعْمِل فيها فِكْره، ويجمع لها جَراميزه، ويرصِّعُها بِدُرَرِ الفوائِد، وغُرَرِ الشَّوارد، وجواهر القلائد، ويزيدُ

ص: 5

فيها ويَنْقُص، وينقِّحُ ويهذِّب، ويصحِّحُ ويُضَعِّف، ويَرُدُّ وينتقد، حتى استقام له عُودها، وأينعتْ على يديه ثمرتها، فرَحِمَهُ اللهُ رحمةً واسعةً.

وكنتُ قد وقفتُ على رسالته هذه منذ عشر سنوات، في أثناء قيامي بفَهْرسة كتاب «الكواكب الدَّراري» لابن عُرْوة الحنبلي، فوجدتُّ أنَّ ابن عُروة قد نقل (إبرازتين)

(1)

للكتاب، تُمثِّلُ كلُّ إبرازة منهما تأليفًا مستقلًا للكتاب، فأرجأتُ تحقيقها ونشرها؛ أملًا في الحصول على نُسَخٍ خطيَّة أُخرى؛ لأنَّ تحقيق أي كتاب على نُسْخة واحدة دَحْضٌ مَزِلَّة، وعُرْضة للخَطَلِ، فلا ينبغي نَشْره على نُسخة فريدة؛ ما أمكن الحصول على نُسِخٍ أخرى.

ولكن؛ لم أُوَفَّق في الحصول على نُسْخة خطية أخرى؛ طِيلة هذه المدة، مع طول البحث والتنقيب في فهارس المكتبات، فلا غَرْوَ إذنْ أن عدَّها جمهرةٌ ممن تخصَّص في ابن كثير ودَرَسَ تراثه مِنْ كتبه المفقودة أو المجهولة

(2)

.

(1)

انظر (ص 18).

(2)

صرَّح بذلك الدكتور مسعود الرحمن خان الندوي في مقالةٍ له في مجلة «صوت الجامعة» الصادرة عن الجامعة السلفية (بنارس -الهند)، جمادى الأولى/ 1393؛ باسم «مؤلفات ابن كثير المجهولة» ، وفي كتابه «الإمام ابن كثير، سيرته ومؤلفاته ومنهجه في كتابه التاريخ» (ص 142)، والدكتور محمد الزُّحيلي في كتابه «ابن كثير الدمشقي الحافظ المفسر المؤرخ الفقيه» (ص 341). واكتفى كلٌّ من الدكتور عدنان بن محمد ابن عبد الله آل شلش في كتابه «الإمام ابن كثير وأثره في علم الحديث رواية ودراية» (ص 107)، والدكتور محمد بن عبد الله ابن صالح الفالح في كتابه «حياة ابن كثير وكتابه تفسير القرآن العظيم» (ص 59) بذكرها=

= ضمن مؤلفات ابن كثير دون أن يُذْلُوا بأي معلومات عنها. كذا وقع منهم التوارد على ذلك!! والرسالة ذكرها الأستاذ ياسين محمد السواس في «فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية -المجاميع» (1/ 196 - 197).

ص: 6

لذا؛ رأيتُ -والحالةُ هذه- تحقيقَ ونَشْرَ هاتين الإبرازتين اعتمادًا على ما نقله ابن عُرْوة. وهما نُسختان متقنتان على كلِّ حال، يروي ابنُ عُرْوة الإبرازةَ الأخيرةَ منهما عن شيخه ابنِ كثير مباشرة.

موضوعها:

‌موضوع الرسالة

يُنْبِيءُ عنه اسمُها، وهو مسألة بيع أُمَّهات الأولاد

(1)

، وهي مسألةٌ فقهية شائكة، وقع فيها الخلاف مِنْ لدن عصر الصحابة، وتشعَّبت فيها الآراءُ والمذاهبُ حتى بلغَتْ ثمانيةَ أقوال، كما ستجده مبسوطًا في هذه الرسالة، وادُّعِيَ فيها الإجماعُ من الطرفين، ومع أصحاب كلِّ قولٍ أدلَّة أثرية ونظرية، لها حظٌّ وافرٌ من النظر والاعتبار، فلم يكن استخلاص القول الرَّاجح من بين كل هذه الأقوال بالأمر اليسير، ويحتاج الترجيح فيها إلى عالمٍ نِحرير متمكِّنٍ في علوم الاجتهاد وآلاته، وهذا ما تكشَّف عنه ابن كثير رحمه الله رحمة واسعة.

ولم يقتصر على هذه المسألة فقط؛ بل أردفها ببعض الأحكام المتعلِّقة بأُمَّهات الأولاد خلاف البيع، مثلُ:

(1)

أُمُّ الوَلَد: هي الجارية التي ملكها السيد ملكًا شرعيًّا، وحملت منه في ملكه حملًا تخلَّق بخَلْق الآدمي، سواءٌ أسقطتْهُ، أو وضعتْهُ لوقته في ملكه.

ص: 7

ما إذا أولد السيدُ الجاريةَ في مِلْك غيره، ثم ملكها، فهل تصير أُمَّ ولد؟

وحكمِ أولادِ أُم الولد الذين حَدَثوا بعد ولادتها لسيدها؟

وحكم إجارة أُم الولد؟

وحكم أُمِّ ولد الكافر إذا أسلمتْ؟

وبماذا تتربَّص أُم الوَلَد إذا مات عنها سيدها؟

وحكم قَرْض الإماء؟

إلخ.

وهذه المسألة قد عمَّت بها البلوى من عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى عهدٍ قريب؛ حيث أُلْغِيَ نظام الرِّق.

وقد يقول قائل: أَمَا وقد أُلْغِيَ هذا النِّظام، ولم يَعُدْ لهذه المسألة تطبيقٌ عملي ظاهر في عصرنا، فما فائدةُ إخراجِ هذه الرسالة، بل ما فائدة بحثها أصلًا؟

فنقول:

أولًا: هذه المسألة مِنْ شَرْع الله عز وجل، وقد أفرد لها الفقهاءُ كافَّةً أبوابًا في كُتُب الفقه التي ألَّفوها، وليس من طُرُقِ نَسْخِ الأحكام الشرعيَّة عدمُ وجود تطبيق ظاهر لها في بعض العصور. بل إن الفقهاء بحثوا في كتبهم مسائل لم يكن لها تطبيق في عصرهم، وقد أضحى لها تطبيق عملي في عصرنا هذا.

ثانيًا: إنَّ نظام الرِّقِّ لم يُلْغَ إلا منذ نصف قرن تقريبًا

(1)

، وليست هذه

(1)

كان نظام الرق مَعمولًا به عند جميع أُمم الأرض، بصفته نظامًا مشروعًا ومتعارفًا عليه

= إلى أن أصدر مجلس الثورة الفرنسي في عام (1791 م) قرارًا بإلغاء الرِّقِّ من جميع المستعمرات الفرنسية، وعندما تولَّى نابليون الحكم لاحظ انخفاض صادرات المستعمرات الفرنسية التي تعتمد على اليد العاملة الزنجية، فأصدر قرارًا عام (1802 م) بالعودة إلى استرقاق الزنوج، فثار الزنوج في المستعمرات الفرنسية، ولكن نابليون قمع ثورتهم وأعادهم إلى الرِّقِّ!

وفي عام (1884 م) صدر قرار في فرنسا بإلغاء الرِّق مرة أخرى، تماشيًا مع قرارات مشابهة اتخذتها كل من بريطانيا، ثم البرتغال، ثم هولندا، ثم الدانمارك عام (1860 م). وظل نظام الرِّقِّ معمولًا به في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن أصدر أبراهام لنكولن في عام (1863 م) إعلانًا بتحرير الرَّقيق في ولايات الجنوب الأمريكي. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وقَّعت الدول المشتركة في عصبة الأمم اتفاقية تقضي بملاحقة تجارة الرقيق والمعاقبة عليها. وفي عام (1948 م) أصدرت هيئة الأمم المتحدة إعلانًا عالميًّا يحظر الرِّقِّ وتجارة الرقيق، وقد التزم بهذا الإعلان أكثر دول العالم. انظر «الموسوعة العربية العالمية» (11/ 258).

وتجدر الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية قد حفظت حقوق الرقيق، وجفَّفت منابع الرِّقِّ، وفي المقابل يسَّرت سُبُل العِتْق، وحثَّث عليه. وانظر في هذه المسألة: كتاب «الرِّق في الإسلام» ، وهو ردٌّ على الكاردينال الفرنسي لافيجري، كتبه بالفرنسية أحمد شفيق باشا، وعرَّبه: أحمد زكي باشا. وكتاب «شُبهات حول الإسلام» (ص 30 - 55) للأستاذ محمد قطب. جزاهم الله خيرًا.

ص: 8

بالمدة الطويلة في عمر الأمم، ويبقى احتمال عودة العمل بهذا النظام قائمًا في أيِّ وقتٍ مِنْ الأوقات، وخصوصًا مع التقلُّبات الفِكْرية والاقتصادية والاجتماعيَّة السريعة لأُمَمِ الأرض هذه الآونة.

ثالثًا: إنَّ في نَشْر هذه الرسالة إحياءً لأثرٍ نفيسٍ من آثار عَلَمٍ فَذٍّ من أعلام

ص: 9

هذه الأُمَّة، وَضَعَ اللهُ له القَبُولَ عند الموافق والمُخالف، ونَفَعَ بكتبه، ونحن نرى الهيئاتِ والمنظَّماتِ العِلْمية العَالمية تسعى حثيثًا لنشر كُتُبِ ومؤلَّفاتِ العلماء القدماء في العلوم التطبيقيَّة كالفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك ونحوها، على الرغم من أنَّ كثيرًا من نظرياتهم وتطبيقاتهم أثبت العِلْمُ الحديث خطأها، ومع ذلك يُهتَمُّ بتحقيقها ونشرها

(1)

.

رابعًا: إن نَشْر هذه الرسالة (بإبرازتيها) يُسلِّطُ الضوءَ على جانب مُهمٍّ من فِقْهِ ابن كثير رحمه الله، ويَرْصُدُ تطوره، الأمر الذي يَهُمُّ الدَّارسين والمتخصِّصين في ابن كثير كثيرًا.

خامسًا: إن ابن كثير رحمه الله لم يقتصر في هذه الرسالة على مسألة بيع أُمَّهات الأولاد فقط؛ بل تطرَّق إلى مسائل عِدَّة في عِلْمَي الأصول والمصطلح، وذكر الأقوال فيها، وحرَّرها ورجَّح ما قَوِيَ دليلُهُ الأثري أو النظري لديه.

(1)

تقوم الولايات المتحدة الأمريكية حاليًّا على إصدار أعمال عدد من العلماء القدماء أمثال «جاليليو» في إيطاليا، و «نيوتن» في إنجلترا، و «جاوس» في ألمانيا، و «ديكارت» ، و «لابلاس» و «لاجرانج» في فرنسا، وغيرهم. وكذلك أصدرت مجموعة الأعمال الكاملة لعالم الرياضيات «أويلر» عن طريق الاستعانة بإمكانيات ست دول، ونشرت الهيئات العلمية المسؤولة الأعمال الكاملة للعالم «برنوللي» في نحو خمسة وأربعين مجلدًا، وقد يُدْهَش المرءُ لطول الوقت الذي يستغرقه إنجاز هذه المشروعات، ناهيك عن ضخامة التكلفة، فقد استغرق إصدار أعمال عالم الرياضيات «كوشي» أكثر من خمسين سنة (!). انظر كتاب «أهمية التراث العلمي العربي» للدكتور أحمد فؤاد باشا، عن دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة.

ص: 10

سادسًا: تُعدُّ هذه الرسالة نُمُوذجًا عمليًّا يُحتذى به للمنهج الفقهي السَّلفي في البحث والترجيح.

سابعًا: إنَّ نشر هذه الرسالة إثراء ورِفْد للمكتبة الإسلامية عامة، ولِتُراث ابن كثير رحمه الله خاصة.

إثبات نسبة الكتاب لمؤلِّفه:

هذه الرسالة ثابتة النسبة لابن كثير رحمه الله، والدلائل متوافرة ومتضافرة على ذلك، فمنها:

1 -

جاء في المخطوط التصريح بنسبة هذه الرسالة لابن كثير في موضعين (ق/ 193/ أ) و (ق/ 202/ ب).

2 -

أن ابن عروة الحنبلي رحمه الله قد نقل كِلتا الإبرازتين في كتابه العظيم «الكواكب الدراري» ، جاءتِ الأولى منهما روايةً عن ابن كثير مباشرة، والثانية نقلًا مجردًا، وقد يكون وِجادة.

وفي نقل ابن عروة لهذه الرسالة عددٌ من الفوائد والميزات أشرتُ إلى بعضها في غير هذا الموضع

(1)

.

هذا؛ والنسخةُ التي انتهت إلينا من «الكواكب الدراري» هي نُسخة ابن عُروة نفسه، وجُلُّها بخطِّ الحافظ النَّاجي رحمه الله -وناهيك به- وقد قرأها

(1)

انظر مقدمة تحقيقنا لكتاب «شرح قصيدة غرامي صحيح» لشمس الدين محمد بن أحمد ابن عبد الهادي.

ص: 11

على ابن عُرْوة مباشرة، ثم أوقفها ابن عُرْوة على المكتبة العُمَريَّة

(1)

بالصَّالحية في مدينة دمشق.

3 -

أحال عليها ابن كثير في كتابين من مؤلَّفاته:

فقال في «البداية والنهاية»

(2)

: «وقد أفردنا لهذه المسألة -وهي بيع أمهات الأولاد- مُصنَّفًا مفردًا على حِدَته، وحكينا فيه أقوالَ العلماء؛ بما حاصله يرجع إلى ثمانية أقوال، وذكرنا مُستَنَدَ كلِّ قول، ولله الحمدُ والمِنَّة» .

وقال في «مسند الفاروق»

(3)

معلِّقًا على أثر عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: «أيما وَليدة وَلَدَتْ من سيدها، فإنه لا يبيعها

»؛ قال: «وقد تقصَّيتُ ذلك كله في جُزءٍ مُفرَد، وبيَّنتُ اختلاف الأئمة في هذه المسألة، وتحصَّل من أقوالهم قريب من ثمانية مذاهب، ولله الحمدُ والمِنَّة» .

(1)

كُتب على ظَهْرية المجلد التاسع والثلاثين من «الكواكب» الوقفية التالية: «وقفه الشيخ علاء الدِّين أبو الحسن علي بن حسين بن عروة الحنبلي، تغمَّده الله برحمته، ونفعنا بمحبته» . وإلى أعلى الصفحة كُتب «عُمرية» أي: المكتبة العُمَرية.

(2)

(8/ 230) فصل: في ذِكْر سراريه عليه السلام.

(3)

مخطوط دار الكتب المصرية (ص/ 173) وهو بخط ابن كثير نفسه، وقد سقط هذا النصُّ من مطبوعة «مسند الفاروق» بتحقيق: عبد المعطي قلعجي، لذا أحلتُ إلى المخطوط، ولم يقتصر السقط على هذا النص فحسب، بل تجاوزه إلى نصوص أُخرى قد تصل بمجموعها إلى شطر الكتاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والكتاب حُقق في جامعة أم القرى في رسالة دكتوراه، مقدَّمة من الدكتور: مطر أحمد آل ناصر الزهراني عام (1409)، ولم يُنشَر إلى تاريخه، وقد فرغ من تحقيقه أخونا الشيخ إمام علي، يسَّر الله له نَشْره.

ص: 12

5 -

نَقَل فيها ابن كثير عن شيخه الحافظ المِزِّيِّ في غير موضع، في المتن والحواشي.

6 -

ذَكَرها ونقل منها الصنعانيُّ في «سبل السلام»

(1)

، فقال:«وأفاد الحافظ ابنُ كثير الكلامَ على هذه المسألة في جزء مُفْرَد، قال: وتلخَّص لي عن الشافعي فيها أربعة أقوال، وفي المسألة من حيث هي ثمانية أقوال» .

‌المؤلفات في المسألة:

سبق ابنَ كثير إلى إفراد هذه المسألة بالتصنيف الإمامُ الحافظُ، أبو بكر، محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيِّد النَّاس، الظَّاهري اليَعمَري، الأندلسي الإشبيلي، خطيب تونس وعالم المغرب، المعروف بابن سيِّد الناس، المُتَوفَّى في سنة (659 هـ). وهو جدُّ الحافظ أبي الفتح اليَعمَري

(2)

الشافعي، رحمهما الله تعالى.

(1)

(3/ 12) كتاب «البيوع، باب: شروطه وما نهي عنه» .

(2)

تنبيه: نسب هذا الكتاب «جواز بيع أمهات الأولاد» للحافظ أبي بكر محمد بن أحمد ابن سيد الناس اليَعمَري كلٌّ من: الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (1/ 508)، وابن كثير في رسالتنا هذه، والسبُّكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 269)، والصفدي في «الوافي بالوفيات» (2/ 86)، وبدر الدين الزركشي الشافعي في «النكت على مقدمة ابن الصلاح» (1/ 457)

وخالفهم ابن قاضي شهبة فنسبه في «طبقات الشافعية» (2/ 291) إلى الحفيد أبي الفتح محمد بن محمد بن محمد بن أحمد ابن سيد الناس! وتابعه ابن العماد في «الشذرات» =

= (6/ 108)، وهذا وهمٌ منهما بلا ريب! بل قد نص السبكيُّ في «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 268) في ترجمة الحفيد أبي الفتح أن هذا الكتاب لجده، وكأنه فعل هذا كي لا يلتبس أحدهما بالآخر.

ص: 13

قال الذهبي

(1)

: ألَّف مجلَّدًا في بيع أمَّهات الأولاد.

قال السُّبْكي

(2)

: ولجده [أي: جد أبي الفتح، وهو الحافظ أبي بكر] مُصنَّف في منع بيع أمهات الأولاد في مجلَّدٍ ضخم يدلُّ على عِلْم عظيم.

قال الصَّفدي

(3)

: رأيتُ له كتابَ جوازِ بيع أمَّهات الأولاد دَلَّني على سَعَة عِلْمه، وسَيَلان ذِهنه.

ونقل منه بدرُ الدين الزركشيُّ الشافعي في كتابه: «النُّكت على مقدمة ابن الصلاح»

(4)

.

ولم يُشر ابنُ كثير إلى كتابه هذا في متن الإبرازاة الأولى لرسالته في بيع أُمَّهات الأولاد، وكأنه لم يكن قد اطَّلعَ عليه وقتئذ، ثم لم يلبثْ أن وقف عليه فأفاد منه فوائدَ علَّقها على حاشية نسخته (الإبرازة الأولى).

ثم لما استأنف تصنيفها وصياغتها من جديد، أفاد منه بشَكْلٍ مباشر في المتن والحواشي، وذَكَرَهُ وأثنى عليه في المتن والحاشية، تصريحًا وتلويحًا،

(1)

طبقات الحفاظ (1/ 508).

(2)

طبقات الشافعية الكبرى (9/ 268).

(3)

الوافي بالوفيات (2/ 68).

(4)

(1/ 452 و 457).

ص: 14

فقال في الإبرازة الأخيرة

(1)

: «واختاره [أي: القولَ بجواز بيع أمهات الأولاد] من المتأخِّرين العلامةُ أبو بكر، محمد بن أحمد بن سيِّد الناس، اليَعمَري الأندلسي، خطيب تونس، وصنَّف في ذلك مجموعًا مفيدًا، أجاد فيه وأتقن، وحرَّر فأحسن، وقد احتجَّ لهذا القول: بالكتاب، والسُّنَّة، والإجماع، والقياس» .

وتعقَّبه في تجهيله لبعض الرواة، كما في حاشية (ق/ 194/ أ)(ص 60).

‌منهج ابن كثير فيها:

انتهج ابنُ كثير رحمه الله في هذه الرسالة منهجَ الفِقه المقارن، المتعمِدَ على عَرْض الأقوال في المسألة، وشرحها، وبيانِ أدلتها ووجهِ الاستدلال من كل دليل، ومناقشةِ أدلَّة كل فريق، ثم الترجيح وَفْقَ ما تقتضيه قواعد الترجيح وأصوله، حتى ولو خالف القولُ الذي رجَّحه المؤلِّفُ مذهبَه الفِقهي؛ فإنَّ ابن كثير رجَّح قولًا هو خلافُ مذهبه الشافعي، بل خلافُ المذاهب الأربعة، وهذا دليل ظاهر على انْعِتاق ابن كثير من رِبْقة التقليد، وتحرُّره العِلمي القائم على اتِّباع الدليل، ونَبْذِ التعصُّب المذهبي، ولا يخفى أن البحث والترجيح بهذه الطريقة يحتاج إلى تمكُّن الباحث من علم الحديث، والفقه، والأصول، واللُّغة، وغيرها من علوم الاجتهاد.

ويذكِّرُنا ابنُ كثير في موقفه هذا بشيخه ابن تيمية وموقفِهِ من مسألة

(1)

(ص 95).

ص: 15

الطلاق التي خالف فيها جماهيرَ العلماء؛ إذ بَيْنَ القضيتين تطابقٌ كبير، فمِن

‌أوجه التطابق:

أنَّ أُمَّهات الأولاد كُنَّ يُبعن على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وخلافة أبي بكر رضي الله عنه، وشطر من خلافة عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، ثم مَنَع عُمرُ رضي الله عنه الناسَ من بيعهنَّ، وتبعه الجمهورُ على ذلك.

وكذلك مسألة الطلاق: كان على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وخلافة أبي بكر رضي الله عنه، وشطر من خلافة عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، التطليقات الثلاثة في المجلس الواحد تُحسَبُ واحدةً، ثم أمضى عُمرُ رضي الله عنه الثلاثَ على الناس، وحُسبت عليهم ثلاثًا، وتبعه الجمهورُ على ذلك.

أن مسألة بيع أُمَّهات الأولاد مما تعمُّ بها البلوى ويترتَّب عليها صلاح البيوت والأسر، وكذلك مسألة الطلاق الثلاث سواء بسواء.

إلا أنه لم يُشنَّعْ على ابن كثير رحمه الله في هذه المسألة كما شُنِّع على شيخه ابن تيمية رحمه الله في مسألة الطلاق من قبلُ، ولم تأخذ مسألةُ بيع أُمَّهات الأولاد البُعْدَ السياسي والفكري -والتاريخي أيضًا- الذي أخذته مسألة الطلاق، على الرغم من أن العصر واحد، والبيئة العلمية والفِكرية واحدة!!

بدأ ابن كثير رسالتَه بحصر الأقوال في المسألة، فسَرَدها سردًا محرَّدًا عن نسبة هذه الأقوال لأصحابها، محاولًا الاستيعاب.

ثم عاد فذكر أصحاب القول الأول من لدن عصر الصحابة إلى عصره هو، وباستيعاب عجيب أيضًا.

ص: 16

ثم ذَكَرَ من حَكَى الإجماع عليه.

ثم ذكر أدلَّة هذا القول على سبيل الإجمال، فقال:«وقد احتُجَّ عليه: بالكتاب، والسُّنة، والإجماع، والمعنى» .

ثم شرع في التفصيل، فبدأ بالأدلَّة من القرآن، فإذا ذَكَرَ الدَّليل، عقَّبه بذكر وجه الاستدلال منه.

ثم ثنَّى بذِكْرِ الأدلَّة من السُّنة، فقسمها إلى قسمين، فقال:«ففي المسألة أحاديث منها صريحة في أسانيدها نظر، وصحيحة تدلُّ باللازم، ولنتكلم على كلِّ من القسمين» .

فيظهر من هذا: اهتمامه البالغ بالتفريغ والتقسيم، والإجمالِ ثم التفصيل، وهذا من حُسْن التصنيف، ودِقَّة الفهم، وله دورٌ مهم في توضيح المسألة وتقريبها للأفهام، ورسوخها في الأذهان.

ثم يذكُرُ الأحاديثَ، فينقلها من مصادرها الأصلية بإسنادها، ثم يخرِّجها من بقية المصادر، مفصِّلًا الأسانيد بذكر الموافقة والمخالفة، وبيان العِلَل، وإنْ وَجَدَ إعلالًا لبعض الأئمة المتقدِّمين ذَكَره، وقد يتتبع بعضهم إذا وجد مجالًا للتتبُّع والانتقاد، انظر مثلًا:(ص 54) تتبعه للبيهقي، و (ص 120) تتبعه للدارقطني، أي: أنه لا يقلِّد في الحديث أيضًا.

وإن عَرَضَ له أثناء البحث مسألة أو قاعدة في علم المصطلح أو الأصول، عَكَف عليها وذَكَر الأقوال فيها وحقَّقها، وبيَّن الراجح منها، كي يبني ترجيحه على أصول صحيحة، كما فعل بمسألة المرسل (ص 62)،

ص: 17

ومسألة الإجماع السكوتي (ص 79)، ومسألة قول الصحابي: «كنا نفعل كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم (ص 100)، ومسألة تخصيص الحديث بمذهب الصحابي (ص 105).

وهو مع هذا لا يذهب بعيدًا باستطراده في بَحْثِ هذه القواعد والضوابط وتحقيقِها، بل سَرْعان ما يعود إلى ما كان بصدده، ولعلَّ هذا كي لا ينسى القاراء أصلَ المسألة المُرادِ تحقيقُهَا.

وإذا لم يكن وَجْهُ الدلالة ظاهرًا من الحديث، بَيَّنَهُ وناقش استدلالهم به، وذكر ما يَرِدُ عليه.

وإذا نقل قولًا ولم يجدْ لأصحابه دليلًا، تكلَّف هو توجيه القول، فيقول مثلًا (ص 116):«وكأن وجه هذا القول»

واتَّسم منهجه بالرجوع إلى عددٍ كبير من المصادر والمراجع في مختلف العلوم كالحديث والفقه والأصول والتاريخ، وبعضُ هذه المراجع نادرة، ولا تُعرَف إلا عند خواصِّ أهل العِلم، مثل «فوائد المنتجِالي» ، و «جزء الأمالي والقراءة» ، وكتاب «وفاة النبي صلى الله عليه وسلم» ، وكتاب «مناصيص الشافعي» ، ونحوها، مما يعكس ثقافة ابن كثير الموسوعية.

‌مراحل تأليف الكتاب:

ثمة أمر مهمٌّ ينبغي التنبيه عليه، وهو أن كثيرًا من المؤلِّفين يعودون إلى كتبهم مرة أخرى بعد إخراجها للناس، بالتَّنْقيح والتَّهذيب، وتوسيع مضمونها، وإضافة الفوائد إليها، وما إلى ذلك، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ يفرضه

ص: 18

التطور الفِكْري والمَعرفي للمؤلِّف، ثم يخرجونه للناس مرةً ثانية، وقد يتكرَّر هذا الأمر مرة ثالثة ورابعة. وقد اصطُلِح على تسمية كلِّ إخراجة منها «إبْرَازة» ، وهي تُقابل في عصرنا هذا الطبعة أو النشرة

(1)

.

فينبغي لمن يتصدَّى للتحقيق والنشر أن يُراعي هذا الأمر ويتنبَّه له، ولا يمزج الإبرازاتِ المختلفةَ بعضَها ببعض، ويلفِّق بينها؛ لأنه -لو فعل- لأحدث شيئًا لم يكن موجودًا، وتصرَّف بالنصِّ بما ليس هو مخوَّلًا فيه، وهذا لا يتفق مع الأمانة العلمية.

وقد نقل لنا ابنُ عُرْوة إبرازتين للكتاب، تُمثِّل كل إبرازة منهما تأليفًا مستقلًّا للكتاب، الأُولى يرويها عن شيخه ابن كثير مباشرة، والثانية وِجَادة فيما يظهر، أما الأُولى فهي مُسْهَبَةٌ مطوَّلة، والثانيةُ مختصَرة موجَزة، وبعد دراسة الإبرازتين، ترجَّح لي أن الإبرازة المُسْهَبة المطوَّلة هي الأخيرة التي تُوفي عنها ابنُ كثير؛ للأمور التالية:

أولًا: أن الإبرازة المُسْهَبة يرويها ابنُ عُرْوة عن ابن كثير مباشرة، قال في مقدِّمتها: «أنبأني العلَّامة الحافظ المُكْثِر أبو الفداء عماد الدِّين إسماعيل بن عُمر بن كثير القرشي البصراوي الشافعي: الحمدلله

»، وصيغة «أنبأني»

(1)

انظر «أصول نقد النصوص ونشر الكتب» للمستشرق الألماني جوتهلف برجستراسر (ص 26)، و «الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات» للدكتور أيمن فؤاد سيد (2/ 364)، وللدكتور كمال عرفات نبهان رسالة دكتوراه غير مطبوعة إلى حينه أسماها «العلاقات بين النصوص في التأليف العربي» (ص 97).

ص: 19

هذه الأصلُ فيها أنها نصٌّ في السماع

(1)

، وقد تُستعمل في الإجازة، وخصوصًا عند المتأخِّرين، وليس ذلك مِنْ منهج ابن عُرْوة الحنبلي في كتابه هذا؛ لأنه يهتم كثيرًا بتفصيل صيغ التَّحمُّل، ويميِّز السماع عن الإجازة، وحيث يروي بالإجازة يَنُصُّ عليها، ففي المجلد الثالث والثمانين من الكواكب -وهو المجلد نفسه الذي نقل فيه هذه الرسالة- نقل ابن عُرْوة (ق 95/ أ) طرفًا من رسالةٍ أخرى لابن كثير وهي رسالته في حديث كفَّارة المجلس، فقال: «أخبرني الشيخ الإمام العلامة الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عُمر بن كثير إجازة، قال

».

وفي آخر هذه الرسالة «بيع أمهات الأولاد» نقل ابنُ كثير أثرًا عن سعيد بن المسيب من «جزء الأمالي والقراءة» للحسن بن علي بن عفَّان العامري، فقام ابن عُرْوة برواية هذا الأثر من طريق الجزء المذكور، وذلك عن شيخه ابن كثير بالإجازة، ونصَّ عليها، فقال:«أخبرني بذلك شيخنا الشيخ الإمام العلامة الحافظ أبو الفداء عماد الدِّين إسماعيل بن عمر بن كثير إجازةً» .

ويبدو لي أن رواية ابن عُرْوة لهذا الأثر بالإسناد المتصل منه إلى سعيد بن المسيب إقحامٌ منه في هذه الرسالة؛ لأن ابنَ كثير نَقَل هذا الأثر بإسناده ومتنه من الجزء المُشار إليه كعادته في نقل الأحاديث والآثار، وليس من

(1)

انظر «تدريب الراوي» للسيوطي (2/ 53).

ص: 20

منهجه في مصنفاته إسناد الأحاديث والآثار من طريقه

(1)

، بعكس شيخه المِزِّيِّ، أو الحافظ الذَّهبي، أو ابن حَجَر.

فابن عُروة إذنْ يروي هذه الرسالةَ عن شيخه ابن كثير سماعًا أو قراءة، ثم أقحم في نهايتها أثرًا يرويه بالإجازة عن ابن كثير؛ هذا من جهة.

ومن جهة أخرى: إنَّ‌

‌ ابن عُرْوة أخذ عن ابن كثير بِأَخَرَةٍ

؛ لأن ابن كثير تُوفِّيَ سنة (774 هـ)، ونصَّ الحافظُ ابن حَجَر على أن ابن عُروة وُلِد قبل الستين

(2)

، وهذا التحديد يفيد التقريب، أي: أنه قريب من الستين، فيكون إدراكه لابنِ كثير في آخر عمره. وعليه؛ تكون الإبرازة التي رواها للكتاب هي في آخر عُمُرِ ابن كثير، سواءٌ قلنا: إن روايته لها بالقِراءة أو بالإجازة.

ثانيًا: نصَّ ابنُ كثير في مقدمة الإبرازة المُسْهَبة التي رواها ابنُ عُروة على أن في مسألة بيع أمهات الأولاد ثمانية أقوال، في حين نصَّ في الإبرازة المختصرة على أن الأقوال في مسألة بيع أمهات الأولاد خمسة، ثم استدرك قولين في آخر الرسالة أحدهما من عنده، وعندما ذكر رسالته هذه في «مسند الفاروق» -وهو من كتبه المتأخرة- نصَّ على أنه تحصَّل لديه ثمانية أقوال.

ثالثًا: لم يتطرَّق ابنُ كثير لذِكْرِ مؤلَّف الحافظ ابن سيِّد الناس في الإبرازة المختصَرة، بل نَقَل منه بعض الفوائد على حاشية النسخة، وفي المقابل ذكر في متن الإبرازة المُسْهَبة أنَّ لابن سيِّد الناس «مجموعًا مفيدًا [في مسألة بيع

(1)

وإن كان يفعل ذلك أحيانًا، ولكن على نُدرة.

(2)

«إنباء الغمر» (3/ 527).

ص: 21

أمهات الأولاد]، أجاد فيه وأتقن، وحرَّر فأحسن

»؛ فالظاهر أن ابن كثير لما ألَّف الإبرازة الأولى، وهي المختصرة، لم يكن قد وقف بَعْدُ على مصنَّف ابن سيد الناس المذكور، ثم وَقَفَ عليه بَعْد ذلك، فاستفاد منه، ونَقَل منه فوائدَ علَّقها على حاشية نُسخته، ثم أعاد النظر في مؤلَّفه كلِّه، وقام بصياغته من جديد، وأضاف إليه ما تجمَّع لديه من فوائد ومناقشات وتحقيقات تتعلَّق بالمسألة حَصَلتْ عنده في أثناء بحثه ومطالعته، ولا يبعد أن يكون ابن عُروة وَقَفَ على هذه النُّسخة الخاصة بابن كثير، بدليل أنه نقلها بحواشيها، وهذه الحواشي لابن كثير قطعًا؛ لأنه يُصرِّح بالنقل عن شيخه المزي، بلفظ «شيخنا» .

وبعبارة أخرى: إنه أعاد تأليفه مرةً أخرى. وأخرجَهُ للناس من جديد؛ فالفرق بين النسختين كبير، ولا يمكن إيضاحُهُ في الحواشي بإيجاز، لذا؛ أرى أنَّ من المفيد نَشْرَ الإبرازتين جميعًا؛ كي يقف الباحث على التطور العِلْمي والفِقْهي والفِكْري للحافظ ابن كثير، على أنَّ الإبرازة الأولى (المختصَرة) لا تخلو من فائدة، ليست في الإبرازة المُسْهَبة.

وليس هذا هو الكتابَ الوحيد الذي أبرزه ابنُ كثير غير مرَّة، بل هذا الأمر ينسحب على كثير من كتبه، ومنها تفسيره المشهور الذي وضع الله له القَبُول عند الموافق والمخالف، وطبَّقت شهرته الآفاق، أبرزه ابن كثير أكثر من مرة

(1)

. وكذلك «مسند الفاروق» ، وفيه بحث ليس هذا موضعَهُ.

(1)

انظر مقدمة تحقيق «تفسير القرآن العظيم» لعبد العزيز غنيم، ومحمد أحمد عاشور، ومحمد

إبراهيم البنا (1/ 7)، ط. الشعب.

ص: 22

‌دراسة المخطوط المعتمد في التحقيق:

اعتمدتُّ في تحقيق هاتين الإبرازتين على نُسْختين خطيتين، نقلهما ابن عروة الحنبلي تِباعًا في كتابه العظيم «الكواكب الدراري» ، في المجلد الثالث والثمانين منه (83)، وأصله محفوظ في المكتبة الظاهرية بدمشق، تحت رقم (578) عام.

فنَقَلَ ابنُ عروة الإبرازةَ الأخيرة، وهي التي وقعت له بالرواية، وتقع من ورقة (193/ أ) إلى منتصف الورقة (201/ أ)، ثم أردفها بالإبرازة الأولى من ورقة (201/ أ) واستغرقت إلى نهاية الورقة (204/ ب).

ناسخ المجلد: هو إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر الحنبلي، وهو الحافظ الناجي نفسه

(1)

. وهنا عندنا وقفة:

الحافظ الناجي رحمه الله نسخ جُلَّ مجلدات الكواكب، وخطه من نمط نستعليق، وهذا النمط (نستعليق) كان شائعًا عندهم في ذلك العهد؛ لجماله وسُهُولته، وهو وإن كان ناسخ المجلد إلا أنه لم ينسخ هذه الرسالة بعينها، لأن خطَّها مختلف، وبعيد كل البعد عن خط الحافظ الناجي الجميل، وبعيد أيضًا عن أسلوبه المتقن في النسخ، فهو -أي: الحافظ الناجي- يكتب بانسجام تام، وبنمط واحد، وعلى وتيرة واحدة، وبأسطر متساوية ومتوازية

(1)

انظر ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 166).

ص: 23

ومستقيمة، ويُراعي تساويَ بدايات ونهايات الأسطر.

‌وصف المخطوط:

أما خط ناسخ هذه الرسالة فهو رديء، ولم يتبع الناسخ فيه أي نمط من أنماط الخطوط الشائعة في تلك الأيام فيما نعلم.

بدايات الأسطر منضبطة نوعًا ما، أما نهاياتها فغير منضبطة، ولا متساوية، ولا متوازية، والمسافات بين السطور متباينة مما أدَّى إلى اختلاف كبير في عدد الأسطر بين صفحة وأخرى، والكلمات متراصَّة بحيث يعسر إضافة أي لَحَق بينها، وليس له قاعدة مضطردة في رسم الحروف والكلمات، وهذه الأمور من شأنها أن تُفْقِدَ النصَّ النواحي الجمالية فيه.

ويضع علامة اللَّحَقَ (العطفة) متعطفة دائمًا إلى جهة اليمين، ثم يكتب اللَّحَق -في الغالب- على جهة الشمال.

الناسخ يكتب بقلم ثخين، وبمِدادٍ داكن وثقيل، وبعد مضي مِئات السنين ما زالت الكتابة في غاية الوضوح، ومحافظة على بريقها.

ولا يهتم كثيرًا بإعجام الحروف، بل كثيرًا ما يترك بعض الحروف المعجمة مهملة. ويستخدم أحيانًا علامة الإهمال على بعض الحروف المهملة كالسين.

ويضع الناسخ الدوائر المنقوطة بغرض المراجعة، لا للدلالة على نهاية الكلام.

ويستخدم نظام (التعقيبة) للمحافظة على ترتيب الصفحات، وهذا

ص: 24

النظام كان يستخدم آنذاك عوضًا عن ترقيم الصفحات في عصرنا هذا.

وله أكثر من طريقة للضرب على الخطأ، منها أنه يخط خطًّا أفقيًّا على الكلام الخطأ، بحيث يُقرأ الكلام من تحته، وهذه طريقة معروفة. وله طريقة أخرى خاصة. وهي أنه يحكّ أو يكشِط الكلمة الخطأ مِنْ الورق، وهذه الطريقة مذمومةٌ عندهم؛ لأنه لا يمكن للقاراء قراءة الكلمة المُزَالة، مما يُفقد الثقة بالمخطوط

(1)

، ولكنه تلافيًا لهذا المحظور كان يُراعي في أثناء كَشْطِ الكلمة ألَّا يُزيلها بشكل كامل، بل يترك أثرًا لها، بحيث يتمكَّن القاراء من قراءتها بعد الكَشْط

(2)

. وهذا منهج خاص به.

والمخطوطُ مقابَلٌ، ومراجَعٌ، ومصحَّحٌ على ابن عُرْوة نفسِهِ.

ومن دقَّة الناسخ أنه ميَّز بين الكتاب والحواشي التي عليه، فلم يُقْحِمها في المتن، بل مازَ بينها وبين اللَّحَق، فكتب في الحاشية الرمز التالي (حشـ) قبالة الكلام المراد التعليق عليه، ثم يكتب التعليق، وتقدَّم بيان أن هذه التعليقات والحواشي لابن كثير نفسه.

ثم وجدت الحافظ الناجيَ قد نَصَّ في قَيْد فراغ بعض مجلدات الكواكب أنه استنتج بعض إخوانه بعض الكراريس منه، كما في المجلد (41/ ق 243/ أ)، والمجلد (120/ ق 244/ أ)، بل إن هذا المجلد (83)

(1)

انظر «الإلماع» للقاضي عياض ص 170 - 171.

(2)

انظر مثلًا: (ق/ 191/ أ)، السطر (7) حيث كشط «لا» ، و (ق/ 198/ ب) السطر (1)، حيث كشط «ال» من كلمة «الولد» ، وأضاف «هـ» فوق الدال من الكلمة نفسها.

ص: 25

تناوبت على نسخه عدة خطوط متباينة، وإن كان للحافظ النَّاجي القَدْر الأكبر من النسخ، وهذه الرسالة تندرج ضمن الكراريس التي عَهِد بها لبعض إخوانه بلا شكٍّ، ولعل مَرَدَّ هذا إلى ضخامة حجم الكتاب غير المألوفة، فكان لا بُدَّ من أن يَستعين ببعض إخوانه في هذه المهمَّة الشاقة. ولم أجده نصَّ على اسم أحد ممن ساعده في النسخ.

وهو وإن لم ينسخ الرسالة بنفسه إلا أنه ساهم في مراجعتها وتصحيحها، لأنه ختم الأسطر الأخيرة من هذه الرسالة بخطِّه، حيث لم تتسع هذه الورقة الأخيرة لما تبقَّى من الرسالة وهو قليل، ومع حرص الحافظ الناجي أن يختم الرسالة بهذه الورقة، وهي نهاية الكراس، أكمل ما تبقى منها على الحاشية بعد أن ضرب على التعقيبة، فاستدارت (الكتابة) حول النص الأصلي فيما يُشبه الإطار. وكذلك فعل في أكثر الكراريس التي عهد بنسخها إلى أصحابه؛ إذ نجد بعض اللَّحَق والتصحيح في الحاشية بخطه المميز.

‌تاريخ النسخ:

فَرَغَ الناسخُ مِنْ نَسْخِ المجلد يوم الأحد، رابع شهر رجب، سنة تسع وعشرين وثمانمِئة من الهجرة النبوية (829 هـ)؛ كما جاء في قيد الفراغ (ق 235/ ب).

تاريخ القراءة: بعد أن فرغ الحافظ النَّاجي من نسخ المخطوط أو استنساخه، قرأه على مؤلِّفه ابن عُرْوة في عدة مجالس في الجامع الأموي، على عادة ابنِ عُرْوة، حيث كان يصلِّي الجمعة في الجامع الأموي، ثم يُقرأ عليه

ص: 26

كتابه هذا بعد صلاة الجمعة

(1)

، ولم يكن الحافظ النَّاجي مهتمًا بتأريخ شيء من مجالس القِراءة هذه، إلا ما وَرَدَ في قَيْد السماع في الورقة (ق 107/ أ) من هذا المجلد (83) إذ نصَّ على تاريخ القراءة على خلاف عادته، وذلك بمناسبة مجيء عَرَفة يوم الجمعة، فقال: «بلغ

قراءة على مرتِّبه أمتع الله تعالى به، في الجامع الأموي يوم الجمعة، وكان يومَ عَرَفة، سنة اثنين وثلاثين وثمانمِئة، وسمِع ولدي محمد وابن عمِّه وجماعة غيرهما»، ورسالتنا هذه قُرِئت بعد هذا المجلس بمجلسين، كما تفيده قيود السماع والقراءة على حواشي المجلد، فيكون تاريخ قراءتها هو (يوم الجمعة، الموافق للثالث والعشرين من ذي الحجة، من عام اثنين وثلاثين وثمانمِئة (832 هـ) أي: قبل وفاة ابن عروة رحمه الله بخمس سنوات، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1)

انظر «شذرات الذهب» (7/ 222).

ص: 27

‌ترجمة المؤلِّف الحافظ ابن كثير

(1)

هو الإمام الحافظ، أبو الفِداء، عمِاد الدِّين، إسماعيل بن عُمر بن كَثير بن ضَوء بن كَثير، القرشي، البُصروي، الدمشقي، الشافعي.

وُلِدَ سنة إحدى وسبعمِئة (701 هـ) كما أخبر عن نفسه

(2)

، في قرية مَجْدَل

(1)

انظر في ترجمته «المعجم المختص» (ص 74 - 75)، و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1508) كلاهما للذهبي، و «الدرر الكامنة» (1/ 373 - 374)، و «إنباء الغمر بأنباء العمر» (1/ 39) كلاهما لابن حجر، و «ذيل تذكرة الحفاظ» للحسيني (ص 57)، و «إرشاد الطالبين» (مشيخة ابن ظهيرة)(3/ 1410)، و «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي (11/ 123)، و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 113 - 115)، و «ذيل طبقات الحفاظ» للسيوطي (ص 361).

وقد أفرد ترجمته بالتصنيف غير واحد، منهم:

1 -

الدكتور مسعود الرحمن خان الندوي في كتابه «الإمام ابن كثير سيرته ومؤلفاته ومنهجه في التاريخ» ، وهو كتاب مفيد معجب، وإن الناظر فيه ليلمس الجهد الذي بُذل فيه، وفيه بعض الأوهام، وقد استفدت منه.

2 -

والدكتور محمد الزحيلي في كتابه «ابن كثير الدمشقي الحافظ المفسر المؤرخ الفقيه» .

3 -

والدكتور عدنان بن محمد بن عبد الله آل شلش في كتابه «الإمام ابن كثير وأثره في علم الحديث رواية ودراية» .

4 -

والدكتور محمد بن عبد الله بن صالح الفالح في كتابه «حياة ابن كثير وكتابه تفسير القرآن العظيم» .

فجزاهم الله خيرًا.

(2)

«البداية والنهاية» (18/ 15).

ص: 28

القرية شرقيَّ مدينة بُصْرَى من بلاد حوران، ثم انتقلت به أسرته إلى دمشق سنة (707 هـ) بعد وفاة والده فيها، وعمره إذ ذاك ست سنوات.

نشأ في دمشق، وسمِع من: الحجَّار ابن الشِّحنة، والمِزِّي، والذَّهبي، وابن الفِركاح، وابن جماعة، وعلم الدِّين البِرْزَالي، وابن الزَّرَّاد، وإسحاق بن إبراهيم الآمدي الحنفي، والقاسم ابن عساكر، وابن الرضي، وطائفة.

وأجاز له من مصر: أبو الفتح الدُّبُوسي، وأبو بكر الواني، وبدر الدِّين الختني، ومن بغداد ابن الدواليبي.

صَحِب شيخَ الإسلام ابن تيمية رحمه الله منذ الصِّغَر، وأحبَّه، وقرأ عليه كثيرًا، ولازمه فأكثرَ عنه، وانتفع بعلومه، وامتُحِنَ بذلك، وأُوذي.

يقول ابنُ كثير: وجلستُ يومًا إلى القاضي صدر الدِّين الحنفي بعد مجيئه من مصر، فقال لي: أتحبُّ ابنَ تيمية؟ فقلتُ: نعم. فقال لي وهو يضحك: والله لقد أحببتَ شيئًا مَليحًا. وكان عمره وقتها ثمان سنوات.

ولازم الحافظَ المِزي، وأخذ عنه كثيرًا، وانتفَعَ به، وتخرَّج عليه، وسَمِع منه أكثرَ تصانيفه. وتزوَّج من ابنته أَمَةِ الرحيم زينب.

ثناء العلماء عليه:

قال عنه شيخه الذهبي: الإمام الفقيه، المحدِّث الأوحد البارع

فقيه متقن، ومُحدِّث محقق، ومفسِّر نقَّاد، وله تصانيف مفيدة، يَدْرِي الفقه، ويفهم العربية والأصول، ويحفظ جملةً صالحةً من المتون والتفسير، والرجال وأحوالهم، سمِع منِّي، وله حفظ ومعرفة.

ص: 29

وقال الحسيني: الشيخ الإمام، الحافظ المفيد البارع

أفتى ودرَّس وناظر، وبرع في الفقه والتفسير والنحو، وأمعن النظر في الرجال والعِلل.

وقال ابن حبيب الحلبي الدمشقي: إمام ذوي التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل، سَمِع وجَمَع وصنَّف، وأطرَبَ الأسماعَ بأقواله وشَنَّف، وحدَّث وأفاد، وطارتْ أوراقُ فتاواه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رئاسة العِلم في التاريخ والحديث والتفسير.

وقال تلميذه ابن الجزري: الإمام، مؤرِّخ الإسلام، حافظ الشام.

وقال ابن ناصر الدين: ثقة

(1)

المحدِّثين، عُمدة المؤرِّخين، عَلَم المفسِّرين.

وقال الحافظ إبراهيم بن محمد بن محمود النَّاجي

(2)

: الإمام العلامة، الحافظ المحقق

(3)

.

وقال الشيخ محمد بن محمد الخَيضري الشافعي: الشيخ العلَّامة، الحافظ القدوة، المتقِن المُحقِّق

(4)

.

‌أشهر مؤلفاته:

تفسير القرآن العظيم.

(1)

«ثقة» كذا في مطبوعة الرد الوافر لابن ناصر الدين (ص 92)! والوجه عندي: «بقية» .

(2)

وهو ناسخ كتاب الكواكب الدراري الذي حفظ لنا رسالة ابن كثير هذه كما تقدم بسطه.

(3)

«جزء في عدم صحة ما نُقل عن بلال بن رباح من إبداله الشين في الأذان سينًا» . (ص 23).

(4)

المرجع السابق (ص 28).

ص: 30

والبداية والنهاية.

واختصار علوم الحديث لابن الصلاح.

وجامع المسانيد والسنن.

ومسند الفاروق.

‌وفاته:

تُوفِّي في شهر شعبان من سنة أربع وسبعين وسبعمِئة (774 هـ)، ودُفن -بناءً على وصيته- في تُرْبة شيخِه، شيخ الإسلام ابن تيميَّة، بمقبرة الصوفية، خارج باب النصر بمدينة دمشق، وكانت له جِنازة حافلة مشهورة، رحمه الله رحمة واسعة.

ص: 31

‌ترجمة راوي الكتاب ابن عُرْوة الحنبلي

(1)

هو أبو الحسن، علي بن الحسين بن عروة، المَشرقي، ثم الدمشقي الحنبلي، ويُعرف بابن زَكْنون.

وُلِد قبل سنة (760 هـ).

وكان في بداية أمره جَمَّالًا، ثم أعرض عن ذلك، وحفِظ القرآن، وتفقَّه.

سمع من: ابن المُحِبِّ، ويحيى بن عمر الرَّحَبي، وعمر بن أحمد الجرهمي، والحافظ ابن كثير.

انقطع إلى الله تعالى في مسجد القَدَم

(2)

، واعتنى بتحصيل نفائس الكُتُب. ورتَّب «المسند» للإمام أحمد على أبواب البخاري، وسمَّاه:«الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري» ، وفرغ منه في تسعة عشر (19) مجلدًا، ثم شَرَحه في (127) سبعة وعشرين ومئة مجلَّدٍ.

ثار بينه وبين الشافعية شرٌّ كبيرٌ، وأُوذِيَ بسبب الاعتقاد.

قال ابن حَجَر: كان زاهدًا عابدًا قانتًا خيِّرًا، لا يقبَلُ لأحدٍ شيئًا، ولا يأكل إلا مِنْ كَسْب يده.

(1)

انظر «إنباء الغمر» (3/ 527)، و «الضوء اللامع» (5/ 214)، و «الجوهر المنضد» (ص 95 - 99)، و «السحب الوابلة» (2/ 732)، و «شذرات الذهب» (7/ 222).

(2)

وهو مسجد أثري قديم، في الجهة الجنوبية لمدينة دمشق، وما زال قائمًا إلى عصرنا هذا، وكان لشيخنا المحدِّث ريحانة الشام عبد القادر أرناؤوط رحمه الله دَرْس فيه.

ص: 32

‌وفاته:

تُوفِّي يوم الأحد ثاني عشر جمادى الآخرة، سنة (837 هـ) بمنزله في مسجده، وهو مسجد القَدَم، ودُفِن فيه (!)

(1)

. رحمه الله رحمة واسعة.

(1)

هذا من فعل الرعاع والعوام الجهلة من أهل محلته في عصره، أما هو فكان أوصى رحمه الله أن يُدفن بسفح جبل قاسيون المشرف على دمشق عند الموفق ابن قُدامة، فلما عَلِم أهلُ محلَّته ذلك؛ لبسوا السلاح، وقالوا: نقاتل من يخرج به من أرضنا، نحن رضينا به حيًّا عندنا فكيف نخرجه بعد موته من أرضنا؟! وقامت فتنة كبيرة، فلما رأى وصيُّه ذلك أمر بدفنه في محلته، فدفنوه في مسجده! راجع تعليقات الدكتور عبد الرحمن العثيمين -حفظه الله- على «الجوهر المنضد» (ص 95 - 99).

ص: 33

‌المنهج المتبع في التحقيق:

1 -

نَسختُ المخطوط، ثم قابلتُ منسوختي بالمخطوط مرارًا.

2 -

خرَّجتُ الأحاديث والآثار، ومنهجي في ذلك: أنني إذا وجدتُ أحدًا من أهل العلم قد استوعَبَ تخريج الحديثَ وشفى فيه؛ فإنني أخرِّجه تخريجًا مختصرًا، وأُحيل إلى المصدر الذي خرَّجه بتوسُّع، وإنْ لم أجد فإنني أتعنَّى تخريجَهُ، وإذا اقتضى الحالُ التوسُّعَ توسَّعتُ.

3 -

حَرَصتُ على توثيق الأقوال والمسائل الفقهية الواردة في الكتاب ما استطعتُ إلى ذلك سبيلًا، وقد فرض عليَّ ذلك أمرٌ، وهو كون المخطوط المعتمد في التحقيق فريدًا؛ بغية تلافي السقط والتصحيف إن وُجِدا، وقد وُجِدَ شيء من ذلك.

4 -

صحَّحت بعضَ الأخطاء الواردة في المتن

(1)

، واستدركتُ بعض الأسقاط، اعتمادًا على توثيق النصوص والأقوال التي نقلها ابن كثير، ونبَّهتُ في الحاشية على ما في الأصل.

5 -

ترجمتُ لبعضِ الأعلام غير المشهورين.

6 -

قدَّمتُ للكتاب بدراسة عن الكتاب والمخطوط، وعرَّفت فيها بالمؤلِّف والراوي عنه باختصار، وأحَلْتُ على مصادر ترجمتهما لمن أراد التوسُّع.

(1)

إن ترجُّح عندي أن الخطأ من الناسخ أصلحته، أما إن ترجَّح أنه من المؤلف أبقيته ونبَّهت في الحاشية.

ص: 34

وبعد فراغي من التحقيق تفضل الأخوان الكريمان: وِئام رشيد بدر، وحُسني حسنين بمراجعة العمل، فجزاهما الله خيرًا، وشكر سعيهما.

وبعدُ -أخي القاراء الكريم- هذا جهدُ العاجزِ الفقير؛ إلى مولاه العلي القدير، أقدِّمه لك، وأضعه بين يديك؛ لعَلِّي أظفر منك بدعوةٍ صالحة تنفعني يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، فإن صادف ذلك عندك قَبولًا ووجدتَ فيه نفعًا، فالحمدُ لله، وإلا؛ فأستغفرُ الله، ثم إني أعتذر إليك، وعُذْري أني بذلت جهدي، وأفرغت وسعي، والوهم والغفلة والقصور مِنْ لوازم طبيعة البشر، وصَلَّى اللهُ وسلَّم وبارك على نبينا وحبيبنا وقُرَّة أعيننا محمد وآله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

قيَّده

عمر بن سليمان الحَفْيان

غفر الله له ولوالديه

الرياض في غُرَّة صَفَر من عام 1426 هـ

ص: 35

‌النصُّ المُحقَّق

ص: 41

‌جُزْءٌ في بَيْعِ أمُّهْاتِ الأولاد

الإبْرَازَةُ الْأَخِيْرةُ

تأليفُ

الإمام الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر

ابن كثير الدمشقي

(المتوفى 774 هـ)

تحقيق

عمر بن سليمان الحفيان

ص: 43

[بسم الله الرحمن الرحيم]

قال المؤلِّف

(1)

، الشيخُ الإمام، العلامةُ الحافظ، علاءُ الدين، أبو الحسن

(2)

، علي بن حسين بن عُروة: أنبأني العلامةُ الحافظُ المُكْثِرُ، أبو الفِداء، عمادُ الدين، إسماعيلُ بنُ عُمرَ بنِ كثير، القُرشي، البُصراوي، الشافعي:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، مِلءَ السماواتِ والأَرَضِين، حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه؛ كما يحب ربُّنا ويرضى دائمًا مُستمِرًّ

(3)

إلى يوم الدِّين، وصَلَّى اللهُ على سيِّد المرسَلين، وإمام المتقين، محمدٍ عبدِهِ ورسولِهِ إلى المكلَّفين، ورضِي الله عن أصحابه وأتباعِهِ خيرِ الأُمم أجمعين.

أما بعدُ:

فقد اختلفَ العلماءُ رضي الله عنهم في جواز بَيْعِ أُمِّ الولد على أقوالٍ؛ بعد اتِّفاقهم على أنها لا تَعْتِقُ بمجرَّد الاستيلاءِ

(4)

في حياة سيِّدِها؛

(1)

أي: مؤلِّف كتاب «الكواكب الدراري» .

(2)

في الأصل: «الحسين» وهو سبقُ قلمٍ من الناسخ، وقد كتبها الناسخ على الصواب «الحسن» على ظهرية (ورقة العنوان) مجلدات الكواكب كلها

(3)

«مستمر» كذا في الأصل؛ بحذف ألف تنوين النصب، وله نظائر سوف تأتي في هذا الكتاب، وهو منصور مُنوَّن، فكان حقُّهُ أن يُكتَبَ بالألف، ولكن سقطت الألف من الكتابة فقط، وهذا يفعله المحدِّثون كثيرًا. فيكتبون:«سمعت أنسَ» بغير ألف، ويقرؤونه بالنصب. انظر:«شرح صحيح مسلم» للنووي (2/ 227)، و «فتح الباري» (9/ 921).

(4)

«الاستيلاد» في الأصل: «الاستبلآ» .

ص: 45

قاله أبو عُمرَ ابنُ عبد البَرِّ

(1)

، رحِمهُ اللهُ تعالى:

أحد الأقوال: أنه لا يجوزُ بَيْعُها البتَّةَ.

الثاني: أنه يجوز بيعُها مطلقًا.

الثالث: أنه يجوز لسيدِها بيعُها حياتَهُ، فإذا مات عَتَقَتْ.

الرابع: أنها تُباع في الدَّيْن.

الخامس: أنها تُباع، ولكن إنْ كان ولدُها موجودًا عند موتِ أبيهِ سيدِها حُسِبتْ من نصيبه؛ إن كان ثَمَّ مشاركةٌ له في التَّرِكة.

السادس: أنه يجوز بيعُها بشرط العِتق، ولا يجوز بغيره.

السابع: أنها إنْ عفَّتْ واتَّقتْ لم يجز بيعُها، وإن فَجَرَتْ أو كَفَرَتْ جاز بيعُها.

الثامن: الوقف في ذلك.

أما القول الأول:

فهو المشهور عن أمير المؤمنين عُمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه الذي صار إليه في أثناء خِلافته

(2)

، وعُثمانَ بن عفَّان

(3)

، وعليٍّ في أول أمره

(4)

، وجابر بن عبد الله

(5)

.

(1)

انظر «الاستذكار» (23/ 152 و 157)، و «التمهيد» (3/ 136)، و «الكافي في فقه أهل المدينة» (2/ 978).

(2)

سيأتي تخريج ذلك عنه (ص 50).

(3)

أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة (6/ 440).

(4)

سيأتي تخريج ذلك عنه (ص 76).

(5)

أخرج أبو داوُد (3954)، والحاكم (2/ 18)، والبيهقي (10/ 347) عن جابر=

= ابن عبد الله رضي الله عنه قال: «بعنا أُمَّهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ، فلما كان عُمر نهانا فانتهينا» .

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

وقال المنذري في «مختصر سنن أبي داود» (5/ 412): حديث حسن.

وقال ابن كثير -كما سيأتي (ص 98) -: هذا على رَسْم مسلم.

ص: 46

وقاله: الحسنُ البصري

(1)

، ومحمدُ بن سيرين

(2)

، والزُّهريُّ

(3)

، وعُمرُ بن عبد العزيز

(4)

، والشَّعْبيُّ

(5)

، وحمَّادُ بن أبي سُليمان، وعطاءٌ

(6)

، ومجاهدٌ

(7)

، وسالمُ بن عبد الله

(8)

، وإبراهيمُ النَّخَعي

(9)

، ويحيى بن سعيد

(1)

أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة (6/ 440).

(2)

أخرج أبو بكر بن أبي شيبة (6/ 440) عن سليمان بن طَرخان قال: كان ابن سيرين يرى أن تُباع [أي: إنْ بغت].

وعليه: ينبغي أن يُدرج في القول السابع.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 295) رقم (13240)، و (7/ 439) رقم (13803).

(4)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 294) رقم (13238)، وأبو بكر بن أبي شيبة (6/ 439) رقم (1636)، و (6/ 440) رقم (1643).

(5)

أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة (6/ 441) رقم (1644).

(6)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 295) رقم (13241).

(7)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 295) رقم (13241).

(8)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 295) رقم (13242)، وأبو بكر بن أبي شيبة (6/ 441) رقم (1646).

(9)

أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة (6/ 440) رقم (1641).

ص: 47

الأنصاري، وأبو الزِّناد، وربيعةُ بن أبي عبد الرحمن، وابنُ شُبْرُمة، والأوزاعيُّ، والليثُ، والحسنُ بن صالح بن حَيٍّ، والثوريُّ، ومالكٌ

(1)

، وأبو حنيفة

(2)

، والشافعيُّ

(3)

على الصحيح من الأقوال عنه، وأحمدُ بن حنبل

(4)

، وإسحاقُ بن راهويه

(5)

، وأبو عبيد القاسم بن سلَّام، وأبو يوسف، وزُفَر، وأبو ثَوْر، وابنُ حَزْم

(6)

وغيرُه من الظَّاهرية

(7)

.

وقد حكاه غيرُ واحدٍ إجماعًا: كالخطَّابي، وابن بطَّال، والبيهقيِّ، وأبي عُمر بن عبد البَرِّ، وأبي الوليد الباجي، والغزالي، والبَغَوي، وغيرِهم، كما سأذكرُهُ

(8)

إن شاء الله تعالى.

وقد احتُجَّ عليه: بالكتاب، والسُّنة، والإجماع، والمعنى:

(1)

«المدونة الكبرى» (3/ 328).

(2)

انظر «المبسوط» (7/ 149).

(3)

«روضة الطالبين» (12/ 310).

(4)

«المغني» (14/ 580)، و «كشاف القناع» (4/ 567)، و «مسائل الكوسج» (1/ 401) رقم (1033).

(5)

«مسائل الكوسج» (1/ 401) رقم (1033).

(6)

«المحلى» (9/ 18).

(7)

انظر «الإشراف على مذاهب أهل العلم» لابن المنذر (1/ 175) فقد نسب هذا القول لكل من ذكر ابن كثير، وانظر أيضًا «الاستذكار» (23/ 152 - 154)، و «التمهيد» (3/ 137).

(8)

انظر (75).

ص: 48

أما الكتاب:

فقوله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} [محمد: 22] ممن رُوي أنه احتجَّ بها: عُمرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه؛ كما قال أبو عُمر، أحمد بن سعيد بن حَزْم الصَّدَفي المُنْتجِالي

(1)

في «فوائده» : أخبرنا أبو القاسم

(2)

؛ عبد الله بن محمد بن جعفر القَزْويني، حدَّثنا محمد بن مُسلِم -يعني: ابن وَارَة- حدَّثنا يحيى بن يعلى بن الحارث، ثنا أبي، حدَّثنا غَيْلان بن جامع، عن إبراهيم

(3)

بن حرب، عن ابن بُرَيدة، عن أبيه قال: كنتُ جالسًا عند عُمرَ بن الخطَّاب؛ إذ سَمِع صوتَ صائحةٍ؛ فقال: يا يَرْفَأُ، انظرْ ما هذا الصوتُ؟!

(1)

المُنْتِجالي: بضم الميم، ثم نون ساكنة، ثم تاء مثناة فوقية، ثم جيم، ثم ألف ممالة، نسبة إلى «مُنْت جِيل» بلد بالأندلس. وهو الشيخ العالم، الحافظ الكبير، المؤرِّخ، أبو عُمر، أحمد بن سعيد بن حَزْم بن يونس، الصَّدَفي الأندلسي، المُنْتجِيْلي، مؤلِّف كتاب «التاريخ الكبير في أسماء الرجال» في عدة مجلدات، جمع فيه جميع ما أمكنه من أقوال الناس في أهل العدالة والتجريح، وكان أحد أئمة الحديث، وله عناية تامة بالآثار. تُوفِّي رحمه الله سنة (350) بقُرطبة.

انظر «جذوة المقتبس» للحميدي ص/ 125، و «الإكمال» لابن ماكولا (2/ 450)، و «معجم البلدان» (5/ 207)، و «سير أعلام النبلاء» (16/ 104)، و «فهرسة ابن خير الإشبيلي» رقم (408).

(2)

(حاشية): أبو القاسم هذا كان قاضيَ مصرَ، وكان ضعيفًا، قال ابن يونس: وضع أحاديث. [ابن كثير].

(3)

(حاشية): إبراهيم هذا لا يُعرف. [ابن كثير].

ص: 49

فانْطَلَقَ، فنَظَرَ، ثم جاء فقال: جاريةٌ من قُريش تُباعُ أُمُّهَا.

فقال عُمرُ: ادْعُ لي المهاجرين (ق 193/ ب) والأنصار.

فلم يكنْ إلا ساعةٌ حتى امتلأتِ الدَّارُ والحُجْرة، فحَمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: أمَّا بعدُ، فهل تعلمونه فيما جاء

(1)

به محمدٌ القطيعةَ؟

قالوا: لا والله!

قال: فإنها قد أصبحتْ فيكم فاشية، قال: ثم قرأ: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} [محمد: 22].

ثم قال: أيُّ قطيعةٍ أقطعُ أن تُباع أمُّ امراءٍ منكم، وقد أوسعَ اللهُ!

قالوا: فاصْنَعْ ما شئتَ.

فكتب في الآفاق: لا تُباع أمُّ حُرٍّ؛ فإنها قطيعةٌ، وإنه لا يصلُحُ أو يَحِلُّ.

وقد روى البيهقيُّ عن الحاكم، عن عبد الله بن جعفر بن دَرَسْتُوْيَهْ الفارسي، عن يعقوب بن سفيان، ثنا يحيى بن يعلى بن الحارث، عن أبيه، بسنده مثله

(2)

.

وقد احتجَّ عِكرمةُ مكولى ابن عباس على ذلك بقوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]، قال: «وعُمرُ مِنْ

(1)

«فهل تعلمونه فيما جاء» كذا في الأصل، وفي «المستدرك» و «السنن الكبرى» للبيهقي: «فهل تعلمونه كان مما جاء

».

(2)

رواه الحاكم (2/ 458)، وعنه البيهقي (10/ 344).

ص: 50

أُولي الأمر، وقد حَكَمَ بِعِتْقِهنَّ» رواه سعيد بن منصور

(1)

: حدَّثنا سفيان، حدَّثني الحَكَم بن أَبان، عن عِكْرمة. وسيأتي

(2)

إسنادُ ذلك عن عُمرَ رضي الله عنه.

وأما السُّنَّة:

ففي المسألة أحاديثُ؛ منها صريحةٌ في أسانيدها نَظَرٌ، وصحيحةٌ تدلُّ باللازم، ولْنتكلَّم على كُلٍّ مِنْ القسمين:

القسم الأول:

روى الإمام أحمد بن حنبل، وأبو عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجَهْ، مِنْ حديث شَريك بن عبد الله القاضي، عن حسين بن عبد الله بن عُبيد الله بن عبَّاس، عن عِكرمة، عن ابن عبَّاس قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما رَجُلٍ وَلَدَتْ أَمَتُهُ منه؛ فهي مُعتَقةٌ عن دُبُرٍ منه»

(3)

.

(1)

في «سننه» (4/ 1292) رقم (657)، وأخرجه -أيضًا- البيهقي (10/ 346)، وأبو عمر بن عبد البر في «جامع بيان العلم» (2/ 1175) رقم (2325). وقد توسَّع الشيخ سعيد الحُميِّد -حفظه الله- في تخريج هذا الأثر في تحقيقه لـ «سنن سعيد بن منصور» ، فارجِعْ إليه ثَمَّ.

(2)

(ص 57).

(3)

أخرجه الإمام أحمد (1/ 303 و 317 و 320)، وابن ماجه (2515)، وعبد الرزاق (7/ 290) رقم (13219)، وأبو بكر بن أبي شيبة (6/ 436) رقم (1630)، والدارمي (3/ 1676) رقم (2616)، والدارقطني (4/ 130 - 131)، والحاكم (2/ 19)، والبيهقي (10/ 346) كلهم من طريق شريك، به.

ص: 51

ورواه الدارقطني

(1)

عن ابن عُقدة، عن أحمد بن [تميم بن عبَّاد المَرْوَزي، ثنا حامد بن آدم، ثنا الفضل بن موسى، عن سفيان]

(2)

، عن حسين بن عبد الله، بسنده، نحوه.

هذا حديث لا يصحُّ رَفْعُهُ مِنْ هذا الوجه؛ لأنَّ حسين بن عبد الله هذا: تَرَكه أحمدُ بن حنبل

(3)

، وعليُّ ابن المديني

(4)

.

وقال ابن معين

(5)

: ليس به بأس.

وقال مرَّةً هو

(6)

وأبو حاتمٍ الرَّازي

(7)

: ضعيف.

زاد أبو حاتم: يُكْتَبُ حديثُهُ، ولا يُحتجُّ به.

(1)

في «سننه» (4/ 131).

(2)

في الأصل: «إبراهيم بن عبَّاد بن خالد بن آدم، عن الفضل بن موسى» ، وما أثبتُّه بين المعقوفين من سنن الدارقطني، وانظر «إتحاف المهرة» (7/ 531).

(3)

«التاريخ الصغير» (الأوسط) للبخاري (2/ 54).

(4)

المرجع السابق، و «التاريخ الكبير» للبخاري (2/ 388) رقم (2872). وقال علي ابن المديني في «سؤالات محمد بن عثمان بن ابي شيبة له» ص/ 88 رقم (82): كان ضعيفًا، ليس بشيء.

(5)

«تهذيب الكمال» (6/ 384).

(6)

«تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين» ص/ 95 رقم (257)، و «الجرح والتعديل» (3/ 57).

(7)

«الجرح والتعديل» (3/ 57).

ص: 52

وقال أبو زُرْعة

(1)

: ليِّن الحديث.

وقال الجُوزْجاني السَّعدي: لا يُشتغل بحديثه

وقال محمد بن سعد

(2)

: لم أرَهُمْ يحتجُّون بحديثه.

وقال البخاري: يُقال: إنه يُتُّهم بالزندقة.

وقال النَّسَائي

(3)

: متروكٌ. وقال مرَّةً: ليس بثقةٍ.

وقال أبو جعفر العُقيليُّ

(4)

: له غيرُ حديثٍ لا يُتابَعُ عليه.

وقال ابن عَديٍّ

(5)

: هو ممن يُكتب حديثه، فإني لم أجد في أحاديثه حديثًا منكرًا قد جاوز الحَدَّ.

حديث ثاني

(6)

: قال ابن ماجَهْ أيضًا: حدَّثنا أحمد بن يوسف، حدَّثنا أبو عاصم، عن أبي بكرٍ -يعني: النَّهْشَلي- عن حسين بن عبد الله، عن عِكْرمة، عن ابن عبَّاس رضي الله عنه قال: ذُكِرَتْ أمُّ إبراهيم عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا»

(7)

.

(1)

«الجرح والتعديل» (3/ 57)، وعبارته فيه وفي «تهذيب الكمال» (6/ 358)، وفي الإبرازة الأولى (ق 204/ أ):«ليس بقوي» .

(2)

«الطبقات الكبير» (7/ 472) ت: علي محمد عمر، ط. الخانجي.

(3)

كتاب «الضعفاء والمتروكون» ص/ 168 رقم (145).

(4)

كتاب «الضعفاء» . (1/ 265).

(5)

«الكامل» (2/ 761).

(6)

«ثاني» كذا في الأصل بإثبات الياء، وهو صحيح فصيح، ومنه قوله تعالى في قراءة ابن كثير المكي:{ولكل قوم هادي} ، وانظر «شرح قطر الندى» (ص 326).

(7)

ابن ماجه (2516). وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (8/ 215)، وابن أبي عاصم=

= في «الآحاد والمثاني» (5/ 450) رقم (3132)، وابن حبان في «المجروحين» (1/ 293)، والدارقطني (4/ 131)، والحاكم (2/ 19)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (10/ 346)، وفي «معرفة السنن والآثار» (14/ 469)، وابن عساكر (3/ 237) كلهم من طرق عن أبي بكر بن أبي سبرة، عن حسين، به.

ص: 53

كذا وقع في رواية ابن ماجَهْ: «عن أبي بكر، يعني: النَّهْشَلي» وليس كذلك! وإنما هو عن أبي بكر بن أبي سَبْرةَ، كذاك هو مصرَّحٌ به في رواية الدارقطني والبيهقي

(1)

. وكذا قاله شيخُنَا المِزِّيُّ في «تهذيبه»

(2)

، وهو متروك بمرَّةٍ، قال فيه الإمام أحمد

(3)

: كان يضع الحديثَ. وشيخُهُ حسين بن عبد الله هو المتقدم. (ق 194/ أ) فهو أضعفُ مِنَ الذي قبلَهُ.

قال البيهقيُّ

(4)

: وقد روى هذا الحديث أبو أويس، عن حسين بن عبد الله، إلا أنه أرسَلَهُ.

كذا قال! وقد رواه الدارقطني

(5)

من حديث عبد الحميد بن أبي أويس، عن أبيه، عن حسين، عن عِكرمة، عن ابن عباس، فَرَفَعَهُ.

ومن حديث عبد الحميد

(6)

-أيضًا- عن أبي بكر بن أبي سَبْرة، عن حسين متَّصِلًا مرفوعًا.

(1)

وكذا في مصادر التخريج السالفة كافة.

(2)

(33/ 108).

(3)

«العلل ومعرفة الرجال» (1/ 510) رقم (1193).

(4)

«معرفة السنن والآثار» (14/ 469).

(5)

في «سننه» (4/ 132).

(6)

المرجع السابق.

ص: 54

وقال الدارقطني

(1)

: حدَّثنا أبو عُبيد القاسم بن إسماعيل، ثنا زياد بن أيوب، ثنا سعيد بن زكريا المدائني، عن أبي سارة

(2)

، عن ابن أبي حسين، عن عِكرمة، عن ابن عباس، مرفوعًا.

قلت: أبو سَارَةَ

(3)

هذا؛ قال بعض الحُفَّاظ

(4)

: هو ابن أبي سَبْرة

(5)

. وابن أبي حسين هو حسين المتقدِّم.

وقال قاسم بن أَصْبَغ

(6)

في «مصنَّفه» : عن منصور بن محمد

(7)

، عن

(1)

في «سننه» (4/ 131 - 132)، ومن طريقه أخرجه البيهقي (10/ 346)، وابن عساكر (3/ 237).

(2)

كذا في الأصل «أبي سارة» في هذا الموضع، وكذا في الإبرازة الأولى (ق 204/ أ) أيضًا. وفي «سنن الدارقطني» ومصادر التخريج، و «نصب الراية» للزيلعي:«أبن أبي سارة» ، ولعل هذا الوهم من ابن كثير نفسه؛ لأنه قال بعد ذلك: «أبو سارة

»، وهذا يؤيد أن المسألة ليست مسألة سقط من الناسخ، والله أعلم.

(3)

صوابه: «ابنُ أبي سارة» ، وانظر التعليق السابق.

(4)

لعله الحافظ ابن سيد الناس اليَعْمَري، كما صرَّح به ابن كثير في حاشية له على الإبرازة الأولى (ص 135).

(5)

وقال الزيلعي في «نصب الراية» (3/ 387): ابن أبي سارة مجهول.

(6)

هو الإمام الحافظ العلامة، محدِّث الأندلس، أبو محمد، قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف بن ناصح، القرطبي، مولى بني أمية. سمع: بقي بن مخلد، ومحمد بن وضاح، وابن أبي الدنيا، والحارث بن أبي أسامة، وخلقًا سواهم. صنَّف «سُننًا» على وَضْع «سنن أبي داوُد» ، و «صحيحًا» على هيئة «صحيح مسلم» ، وألَّف كتاب «بِر الوالدين» ، و «مسند مالك» ، وغيرهما، توفي سنة (340 هـ) بقرطبة، رحمه الله تعالى.

= انظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 472).

(7)

«منصور بن محمد» كذا وقع في الأصل (!).

وجاء في «المحلي» لابن حزم (9/ 18): «مصعب بن سعد» .

وجاء في موضع ثانٍ من «المحلى» (9/ 219)، و «الإحكام في أصول الأحكام» (1/ 551) له أيضًا، وفي «الأحكام الكبرى» لعبد الحق الإشبيلي [كما في بيان الوهم والإيهام (2/ 85)]:«مصعب بن محمد» .

وجاء في «الأحكام الوسطى» (4/ 24) لعبد الحق الإشبيلي: «محمد بن مصعب» .

وكل ذلك وهمٌ وتخليط، والصواب ما حرَّره ابنُ القطان الفاسي في «بيان الوهم والإيهام» (2/ 86):«محمد عن مصعب» ومحمد هو: ابن وضَّاح، ومصعب هو: ابن سعيد أبو خيثمة المصيصي.

واعتمد تحقيقه هذا: الزيلعي في «نصب الراية» (3/ 287)، وابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 757)، والحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» (4/ 218).

ص: 55

عُبيد الله بن عَمرو الرَّقِّي، عن عبد الكريم الجَزري، عن عِكرمة، عن ابن عباس قال: لما ذُكرتْ ماريَةُ أمُّ إبراهيم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَعْتَقَها وَلَدُها»

(1)

.

وقد صحَّح هذا الحديثَ أبو محمد بنُ حَزْمٍ في «كتابه»

(2)

، وهو عُمْدته

(1)

أخرجه قاسم بن أصبغ في «مصنفه» [كما في بيان الوهم والإيهام (2/ 86) وقد نقل ابن القطان من كتاب قاسم بن أصبغ مباشرة]، ومن طريقه ابن حزم في «المحلى» (9/ 18 و 219)، وفي «الإحكام في أصول الأحكام» (1/ 551) له أيضًا، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الكبرى» [كما في «بيان الوهم والإيهام» (2/ 85)]. وقد تقدم تحرير الإسناد في التعليق السابق.

(2)

قال في «المحلى» (9/ 18): هذا خبر صحيح السند، والحُجة به قائمة. =

= وقال أيضًا (9/ 219): هذا خبر جيد السَّند، كلُّ رواته ثقات. وقال ابنُ حجر في «الدراية» (2/ 87): إسنادها جيد. وتقدَّم بيان أن إسناد هذا الحديث قد تصحَّف على ابن حزم وغيره؛ فلا جرم صحَّحه لذلك، كما قال ابنُ الملقن في «البدر المنير» (9/ 757)، ومن ثَمَّ تعقَّب ابنُ القطان في «بيان الوهم والإيهام» (2/ 86) تصحيحَ الحديث، وقال: مصعب بن سعيد المصيصي يُضعَّف.

قلت: مصعب بن سعيد، أبو خيثمة المصيصي، قال ابن عدي في «الكامل» (6/ 364): يحدِّث عن الثقات بالمناكير ويصحِّف عليهم

والضعف على حديثه بيِّن. وقال ابن حبان في «الثقات» (9/ 175): ربما أخطأ، يُعتبر حديثه إذا روى عن ثقة، بيَّن السماع في حديثه؛ لأنه كان مدلِّسًا، وقد كُفَّ في آخر عمره. وقال صالح جزرة: شيخ ضرير، لا يعقل ما يقول. وانظر «لسان الميزان» (8/ 75).

ص: 56

في هذه المسألة.

ورواه الدارقطني

(1)

من حديث الحسين بن عيسى الحَنَفي، عن الحَكَم ابن أَبان، عن عِكرمة، عن ابن عباس، مرفوعًا.

ورواه ابن عُيينة

(2)

، عن الحكم بن أبان، عن عِكرمة، عن عُمرَ؛ قولَهُ. وهذا هو الصحيحُ بلا شكٍّ.

وكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة في «مصنَّفه»

(3)

، عن وكيع، عن الثَّوْري، عن أبيه، عن عِكرمة، عن عُمرَ أنه قال في أُمِّ الولد: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا، وإنْ

(1)

في «سننه» (4/ 131).

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (4/ 1292)، ت: الحميد، والبيهقي (10/ 346).

(3)

(6/ 406) رقم (1519).

ص: 57

كان سِقْطًا».

ورواه خُصيف

(1)

، عن عِكرمة، عن ابن عباس، عن عُمرَ؛ قولَه.

قال البيهقيُّ

(2)

: «فرجع الحديثُ إلى قول عُمرَ، وهو الأصلُ في ذلك» . وصَدَقَ رحمةُ الله عليه.

حديث ثالث: قال الدارقطني

(3)

: حدثَّنا محمد بن الحسن النقَّاش، حدَّثنا الحسن بن سُفيان، حدَّثنا مُصَرِّف بن عَمرو، حدَّثنا ابن عُيينة، عن عبد الرحمن بن زياد بن أَنْعُم الإفريقي، عن مسلِم بن يَسار، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عُمرَ أَعتَقَ أُمَّهاتِ الأولاد، قال عُمرُ: أعتقَهُنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

ورواه عبد الملك بنُ حبَيب

(4)

في كتاب «الواضحة» فقال: حدَّثني

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (2/ 64)، ت: الأعظمي، والبيهقي (10/ 346)، وفي «معرفة السنن والآثار» (14/ 469).

(2)

«معرفة السنن والآثار» (14/ 469).

(3)

في «سننه» (4/ 136). وقال الحافظ ابن حجر في «الدراية» (2/ 88): إسناده ضعيف.

(4)

هو الإمام العلامة، فقيه الأندلس، أبو مروان، عبد الملك بن حَبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة ابن الصحابي عباس بن مرداس الأسلمي، القرطبي، المالكي، أَخذ عن: ابن الماجِشون، ومطرِّف بن عبد الله، وأسد بن موسى، وأصبغ بن الفرج، وعِدَّة من أصحاب مالك بن أنس. صنَّف كتاب «الواضحة» في عدَّة مجلدات، وكتاب «الجامع» ، و «فضائل الصحابة» ، و «غريب الحديث» ، و «تفسير الموطأ» ، وغيرها. انظر «سير أعلام النبلاء» (12/ 102).

ص: 58

المقراء

(1)

، عن ابن أنَعْمُ، عن مُسلِم بن يَسار، عن ابن المسيّب؛ فذكر نحوَهُ.

عبد الرحمن بن أَنْعُم ضعَّفه غيرُ واحدٍ من الأئمة كالبخاري وغيره، كما هو مبسوطٌ في موضعه

(2)

. وسعيدُ بنُ المسيّب لم يسمعْ من عُمرَ شيئًا على الصحيح عند الأئمة

(3)

، وقيل: سَمِعَ منه نَعْيَ النُّعمان بن مُقَرِّن

(4)

، وقولَهُ عند رؤيةِ البيت

(5)

؛ كما رواه سعيد بن منصور.

(1)

(حاشية): هو أبو عبد الرحمن بن يزيد المقراء، قاله شيخُنا المِزِّيُّ [انظر:«تهذيب الكمال» (16/ 320)]، وهو ظاهر، ومع هذا فقد جهَّله الحافظ أبو بكر اليعمري في كتابه. [ابن كثير].

(2)

انظر «تهذيب الكمال» (17/ 102 - 110).

(3)

انظر «تحفة التحصيل» (ص 128).

(4)

أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة (13/ 7)، وابن سعد في «الطبقات الكبير «(8/ 141)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 510)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/ 316) رقم (1079)، والفريابي في «كتاب الصيام» (ص 162) رقم (40)، والبيهقي في «معرفة السنن والآثار» (12/ 144) رقم (16235)، كلهم من طريق شُعبة، عن إياس بن معاوية، قال: سمعت سعيدَ بن المسيب، به.

وإسناده صحيح.

(5)

أخرجه الإمام أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (1/ 199) رقم (197)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 394)، وابن سعد في «الطبقات الكبير» (7/ 120)، وابن مَعين في «تاريخه» برواية الدُّوري (3/ 211)، وأبو داوُد في «سؤالاته للإمام أحمد» (ص 162) رقم (6)، والبيهقي (5/ 73) من طريق إبراهيم ابن طريف، عن حميد بن يعقوب، أنه سمع سعيد ابن المسيب يقول: سمعت من عُمرَ كلمة ما بقي على الأرض سمع هذا منه غيري: أنه نظر إلى البيت فقال: «اللهم أنت=

= السلام، ومنك السلام، فحيِّنا ربَّنا بالسلام».

ص: 59

فهذا حديث لا يَثبتُ رَفْعُهُ، والله أعلم.

وقد رواه الثوريُّ في «الجامع»

(1)

عن عبد الرحمن بن زياد بن أَنْعُم، عن مُسلِم بن يَسار قال: سألتُ سعيدَ بنَ المسيّب عن عِتْقِ أُمَّهاتِ الأولاد؟ فقال: إنَّ الناس يقولون: إنَّ أوَّل مَنْ أَمَرَ بعِتْقِ أُمَّهات الأولاد عُمر بن الخطاب، وليس كذلك، ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أوَّل من أعتقَهُنَّ، ولا يجعلهن في ثُلث، ولا يستَسْعَيْن

(2)

في دَيْن.

وقال عبد الملك بن حَبيب في «كتابه» : حدثني الأُوَيْسي

(3)

، عن إسماعيل بن عيَّاش، عن مُسلِم بن يَسار، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بعِتْقِ أُمَّهاتِ الأولاد، وقال:«لا يُجعلنَ في (ق 194/ ب) وصية، ولا يُجعلنَ في دَيْن» .

وهذا معلولٌ من أربعة أوجه:

(1)

ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (10/ 344).

(2)

«يستسعين» كذا في الأصل، وفي «السنن الكبرى» للبيهقي (10/ 344):«يبعن» ، وأشار المحقق في الحاشية إلى أنه جاء في نسختين من «السنن الكبرى» للبيهقي:«يسعين» .

(3)

(حاشية): جهَّله اليعمري أيضًا، وقال: لا يُعرف، وهو عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، شيخ البخاري صاحب الصحيح؛ قاله شيخنا [انظر:«تهذيب الكمال» (18/ 160)]. [ابن كثير].

ص: 60

أحدها: أن جماعة من المالكية تكلَّموا في ابن حَبيب؛ كَسحْنُون

(1)

وغيره، واتَّهموه في نَقْله

(2)

.

الثاني: أن إسماعيل بن عيَّاش ضعَّفه بعضُ الأئمة في نفسِه.

الثالث: روايته

(3)

عن غير الشاميين لا تُقبل على الصحيح عند الأئمة من ثلاثة الأقوال: قَبُولِهِ مطلقًا، وعدمِهِ مطلقًا، والتفصيلِ بين ما رواه عن أهلِ الشام فيُقبل، أو لا فيُردُّ؛ وعليه جمهور الأئمة

(4)

.

ومُسلِمُ بن يَسار

(5)

: مِصريٌّ، إمامٌ في العلم، وحديثه ليس هو في الصَّحيح.

الرابع: إرساله لو صحَّ إلى سعيد، والمرسَلُ قد عِلُم ما فيه من النزاع،

(1)

بفتح السين وضمِّها، هو في الأصل اسم طائر بالمغرب، يوصف بالفطنة والتحرُّز. «السير» (12/ 68).

(2)

نقل أقوالهم الذهبيُّ في «سير أعلام النبلاء» (12/ 104 - 107) وتعقَّب رميهم له بالكذب بقوله: ولا ريب أنه كان صُحُفِيًّا، وأما التعمُّد [للكذب] فلا.

(3)

أي: إسماعيل بن عياش.

(4)

انظر «تهذيب الكمال» (3/ 63 - 181).

(5)

ذكره ابنُ حِبان في «الثقات» (5/ 390)، وقال الدارقطنيُّ كما في «سؤالات البرقاني» (492):«لا يُعتبر به» . كذا (!) وقد نقل الذهبيُّ في «السِّير» ، و «المغني» و «الميزان» وابنُ حجر في «تهذيب التهذيب» عن الدارقطني أنه قال فيه:«يُعتبر به» .

وقال الذهبي في «الميزان» : لا يبلغ حديثه درجة الصحة، وهو في نفسه صدوق. وقال الحافظ في «التقريب»: صدوق. انظر «تهذيب الكمال» (27/ 556) تعليق رقم (2).

ص: 61

كما هو مقرَّر في موضعه

(1)

، وقد حُكِي فيه الإجماعُ من الطرفين، فَنَقَلَ بعضُ الحُفَّاظ من المتأخِّرين إجماعَ المحدِّثين على ردِّهِ؛ وليس كما زعم، فإن الإمام أبا عبد الله الشافعي نَصَرَ في كتاب «الرسالة»

(2)

أنه يَقبل مُرسلَ كِبَارِ التابعينَ، وكذا غيرُه من الأئمة المالكية والحنفية؛ قَبِلوا المرسلَ مطلقًا، وحتى زعم بعضُهم أنه أقوى مِنْ المُسنَدِ! وهذا في غاية المبالغة، وهو بعيدٌ.

وقال قائلون: إنكارُ كونِ المُرسَلِ حُجَّةً بدعةٌ حدثتْ بعد المِئَتَيْنِ أيام الفِتنة.

وهذا لا يصح أيضًا؛ لأنَّ جماعةً من الأئمة قبْل المِئَتيْنِ رَدُّوا المرسلَ؛ كابن المبارك وغيرِه. وهذا الشافعيُّ رحمه الله لا يَقبلُ كلَّ المرسلات، وإنَّما له تفصيلٌ؛ مختلَفٌ فيه عنه. والصحيح الذي حكيتُهُ عنه في «الرسالة» .

حديث رابع: قال الدارقطني

(3)

: حدثَّنا أبو بكر الشافعي: حدَّثنا القاسم بن زكريا المقراء، حدَّثنا محمد بن عبد الله المُخرِّمي، ثنا يونس بن محمد -من أصل كتابه- حدثنا عبد العزيز بن مُسلِم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عُمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بَيْع أُمَّهاتِ الأولاد. وقال: «لا يُبعنَ، ولا يُوهبنَ، ولا يُورَثنَ، يَستمتعُ منها سيِّدُها ما دام حَيًّا، فإذا

(1)

انظر «جامع التحصيل» للعلائي (ص 27) وما بعدها.

(2)

(ص 467).

(3)

في «سننه» (4/ 134)، ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي في «التحقيق في أحاديث الخلاف» (2/ 397).

ص: 62

مات هي حُرَّةٌ».

ثم رواه الدارقطني

(1)

من حديث عبد الله بن جعفر المدائني

(2)

-والد عليّ، وهو ضعيفٌ

(3)

- عن عبد الله بن دينار، مثله.

فهذا الحديث مَنْ نَظَرَ فيه حَكَمَ بصحَّتِه بادِاء الرَّأي؛ لأنَّ إسنادَه الأول

(1)

في «سننه» (4/ 135) قال: حدثنا أبو بكر الشافعي، نا الهيثم بن محمد بن خلف، نا عبد الله بن مطيع، نا عبد الله بن جعفر، به. وأخرجه ابن عَدي في «الكامل» (4/ 1494) أخبرنا القاسم بن يحيى، ثنا عبد الله بن مطيع، ثنا عبد الله بن جعفر، به. وأعلَّه بعبد الله بن جعفر، وقال: غير محفوظ.

(2)

«المدائني» كذا في الأصل وهو الصواب بلا تردد، ووقع مكانها في مطبوعة «السنن» للدارقطني:«هو المخرِّمي» (!)، وكذا في النسخة المخطوطة لصاحب «التعليق المغني». وهذه الزيادة خطأ محضٌ؛ للأمور التالية:

أولًا: أن الدارقطني صرَّح في «العلل» (2/ 41) رقم (98) أنه المدائني، وكذلك ابن عَدي رواه في «الكامل» في ترجمة عبد الله بن جعفر المدائني، وأعلَّه به.

ثانيًا: أن عبد الله بن جعفر المخرِّمي لم يُذكر أنه روى عن عبد الله بن دينار، ولا أنه روى عنه عبد الله بن مطيع، كما في ترجمته في «تهذيب الكمال» (14/ 372). بخلاف عبد الله ابن جعفر المدائني؛ حيث ذكر المِزِّيُّ في «تهذيب الكمال» (14/ 380) أنه روى عنه عبد الله بن مطيع، وروى هو عن عبد الله بن دينار.

ثالثًا: أن الزيلعي نقل في «نصب الراية» (3/ 288) إسناد الدارقطني كاملًا دون هذه الزيادة «هو المخرمي» ، ثم قال: «وهذا أعلَّه ابنُ عَدي بعبد الله بن جعفر بن نجيح المديني

».

(3)

كذا قال هنا، وقال في الإبرازة الأولى (ص 133): ضعيف جدًّا.

ص: 63

رجاله ثقات، لكنه غَلَطٌ بلا شكٍّ، يُبَاهِلُ مَنْ ذاق طَعْمَ هذه الصناعة على أنَّ رَفْعَهُ غَلَطٌ؛ فإن الدارقطنيَّ رواه

(1)

أيضًا عن أبي بكر الشافعي، عن القاسم بن زكريا، عن محمد بن عبد الله المُخرِّمي، ثنا يحيى بن إسحاق، ثنا عبد العزيز بن مسلِم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عُمرَ، عن عمر، قولَه.

وهذا هو الصحيح.

وكذا رواه الثَّوريُّ

(2)

، وسليمان بن بلال

(3)

، وغيرهما، عن عبد الله بن دينار، عن

(4)

ابن عُمر، عن عُمر.

ورواه فُلَيح بن سُليمان

(5)

، عن عبد الله بن دينار، عن [ابن عمر، عن]

(6)

عُمرَ.

قال البيهقي

(7)

: وقد رَفَعَهُ بعضُهم عن عبد الله بن دينار، وهو وَهَمٌ

(8)

لا يحلُّ روايته.

(1)

في «سننه» (4/ 134).

(2)

أخرجه عبد الرزاق في (7/ 292) رقم (13228)، والبيهقي (1/ 343).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 439)، والبيهقي (10/ 342).

(4)

في الأصل: «وعن» وزيادة الواو لا وجه لها.

(5)

أخرجه الدارقطني (4/ 134).

(6)

ما بين المعقوفين ليس في الأصل، واستدركته من «السنن» للدارقطني.

(7)

«معرفة السنن والآثار» (14/ 467)، و «السنن الكبرى» (10/ 343).

(8)

الوهَم: كالغَلَط، وزنًا ومعنًى.

ص: 64

وقال الإمام مالك رحمه الله في «الموطأ»

(1)

: عن نافع، عن عبد الله ابن عُمر، عن عُمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال:«أيُّما وَلِيدةٍ وَلَدَتْ من سيدها فإنه لا يَبيعُها، ولا يَهَبُها، ولا يورِّثُها، وهو يَستمتِعُ منها، فإذا مات فهي حُرَّة» .

وكذا رواه عبيدُ الله بن عُمر

(2)

، وأخوه (ق 195/ أ) عبدُ الله بن عُمر

(3)

، وعُمرُ بن محمد

(4)

، ويحيى بن سعيد الأنصاري

(5)

، عن نافع.

فعلمتَ أنَّ الحديث مِنْ قول عُمرَ رضي الله عنه ومَن رَفَعَهُ فقد وَهِمَ لا محالة

(6)

؛ ولهذا قال الإمام أبو عبد الله الشافعي رحمه الله: «إذا وطاء الرجُلُ بالمِلْكِ فولَدَتْ له فهي مملوكةٌ بحالها، لا تَرِثُ، ولا تورَّث إلا أنه لا يجوز لسيدها بيعُها، ولا إخراجُها من مِلْكِه بشيءٍ غير العِتْق، وإنها حُرَّة إذا مات

(1)

(2/ 776)، وانظر «الموطأ برواياته الثمانية» (4/ 34) رقم (1599).

(2)

أخرجه ابن عيينة في «جزئه» (ص 117) رقم (50)، وعبد الرزاق (7/ 292) رقم (13225)، ومسدد بن مسرهد في «مسنده» كما في «المطالب العالية» (7/ 488) رقم (1526)، والدارقطني (4/ 134).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 292) رقم (13225)، والبيهقي (10/ 342).

(4)

أخرجه البيهقي (10/ 342).

(5)

أخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (2/ 88)، ت: الأعظمي.

(6)

ورجَّح وَقْفَهُ كلٌّ من: الدارقطني في «العلل» (2/ 42) رقم (98)، والبيهقي، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (1/ 267)، وعبد الحق في «الاحكام الوسطى» (4/ 22)، والذهبي في «تنقيح التحقيق» له (2/ 336)، وابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (3/ 571).

ص: 65

من رأس المال

»، إلى أن قال:«وهو تقليدٌ لعُمرَ بن الخطَّاب» .

كذا نَقَلَهُ البيهقيُّ

(1)

.

فعلمتَ من هذا: أن الشافعي ليس عنده في هذه المسألة سِوى قول عُمرَ بنِ الخطاب، فلو كان فيها حديثٌ مرفوعٌ لم يَعْدِل عنه إلى التقليد، مع شِدَّةِ حِرْصه على ذلك، وهو كما قال فيه إمامُ الأئمَّة محمد بن إسحاق بن خُزيمة:«قَلَّ سُنَّةٌ لم تبلُغِ الشافعيَّ»

(2)

. وتقدم

(3)

قولُ البيهقيِّ: «فرجَعَ الحديثُ إلى قول عُمرَ، وهو الأصلُ في ذلك» .

فليس فيما تقدَّم حديثٌ يصِحُّ رَفْعُهُ، والله أعلم.

(1)

«معرفة السنن والآثار» (14/ 467)، و «السنن الكبرى» (10/ 342).

(2)

أخرجه البيهقي في «مناقب الشافعي» (1/ 477)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (51/ 370) بإسناده عن يحيى بن منصور القاضي قال: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وقلت له: هل تعرف سُنَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام؛ لم يودِعْها الشافعي في كتابه؟ قال: لا.

قال المؤلِّف ابنُ كثير في «مناقب الشافعي» (ص 150) معلِّقًا على قول ابن خزيمة المتقدم: «ومعنى هذا: أنه ليس ثَمَّ سُنَّةٌ معتمَدٌ عليها في الأصول والفروع إلا وقد بلغت الشافعيَّ، لكن قد تبلغه من وجه لا يرتضيه؛ فلذلك يقف في بعضها، أو يعدل عنها، أو يعلِّق القول على صحتها، والله أعلم» .

تنبيه: كتاب «مناقب الشافعي» جزء من كتاب ابن كثير «طبقات الشافعية» ، وقد طُبع مفرَدًا، وقد سقطت ترجمة الشافعي من مطبوعة «طبقات الشافعية» !

(3)

(ص 58).

ص: 66

حديث خامس: قال الحسن بن زياد اللُّؤلُؤيُّ: عن أيوب بن عُتْبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن أُمِّ الولد فقال: «يَستمتِعُ بها صاحبُها حياتَهُ، فإذا مات فهي حُرَّةٌ» .

لكن قال أبو حاتم الرازي في «كتاب العلل»

(1)

فيما رواه ابنُه عبدُ الرحمن عنه: «هذا حديثٌ باطلٌ لا أصلَ له» ، يعني: من هذا الوجه؛ لضعف الحسن بن زياد، وشيخِهِ أيوبَ بن عُتْبة، والله أعلم.

القسم الثاني من الأحاديث:

وهو ما ليس صريحًا في المسألة، ولكن قد احْتَجَّ به بعضُ الفقهاء فيها بوجهٍ من وجوه الاستدلال، وهو أحاديث:

الحديث الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل: يا رسولَ الله، إنا نصيبُ سَبَايا، ونحِبُّ المال، فكيف ترى في العَزْلِ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا عليكم ألَّا تفعلوا؛ فإنه ليست نَسَمَةٌ كَتَبَ اللهُ أن تخرجَ إلا وهي كائنةٌ» ، أخرجه الشيخان

(2)

: البخاريُّ ومسلمٌ من حديث محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن ابن مُحَيريز، عنه.

ووجه الدلالة منه: أنه لو لم يكن الحَمْلُ مُبطِلًا للثَّمن -وهو المال- لم يُقِرَّهم عليه السلام على هذا الاعتقاد. هكذا وجَّهَهُ القاضي عبد الوهَّاب المالكي،

(1)

(2/ 433) رقم (2804).

(2)

البخاري (2542 و 4138 و 7409)، ومسلم (1438).

ص: 67

ونحوه للقاضي أبي الوليد بن رُشْد الجَدِّ، وغيرهما ممن صنَّف في الأحكام وغيرها.

وأُجيب عن هذا: بأنهم كرهوا أن تنقُصَ عليهم أثمانهنَّ؛ فإن الأَمَةَ إذا وَلَدَتْ تتغيَّر هيئتُها كما هو المعهود من النساء، فتنقُصُ بذلك قيمتُها.

أو أنهم إذا أحبلوهنَّ؛ طال عليهم بيعُهُنَّ؛ لانتظار مُدَّة الحَمْل ومُدَّة الفِطام بعدَهُ، وكذا مدَّة بلوغ الولد؛ لئلا يُفرَّق بينهما.

وأحسن من ذلك: ما جاء في رواية «الموطأ»

(1)

عن أبي سعيد قال: «خرجنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بني المُصْطَلِق، فأصبنا سَبْيًا مِنْ سَبْي العرب، فاشتهينا النِّساءَ، واشتدَّتْ علينا العُزْبَة، وأحببنا الفِداء، فأردنا أن نَعْزِلَ، فسألنا عن ذلك

» وذَكَرَ الحديثَ. والحديثُ يفسِّر بعضُه بعضًا، ووجه (ق 195/ أ) هذا ظاهر؛ فإنهم كرهوا أن يَحمِلنَ منهم فيتعذَّر عليهم فِداهنَّ، ورَدُّهنَّ إلى أهليهنَّ؛ لأن أولادهم ينعقدون مسلمين، ويُخشى مِنْ رَدِّهم في بطون أمهاتهم الكفرَ عليهم؛ فلذلك سألوه عليه السلام عن العَزْل، ولا يبقى فيه دلالة في المسألة المعينة بحال.

وقد يَحتجُّ بهذا الحديث مَنْ يجوِّز وَطْءَ المملوكة الكافرة، سواء كانت مشرِكة أو كتابيَّة، وهو قولُ بعض الناس. ومَن مَنَعَ مِنْ ذلك أجاب بجوابين:

(1)

(2/ 594)، وانظر «الموطأ برواياته الثمانية» (3/ 317) رقم (1376).

ص: 68

أحدهما: أن هذا الحديث محمولٌ على وَطْءِ مَنْ أَسْلَمَ منهنَّ.

وهو بعيدٌ؛ لقوله: «وأحببنا الفِداء» إذ يمتنع ردُّها إلى الكفَّار وقد أسلَمتْ؛ اللَّهم إلا أن يُقال: كان هذا قبل تحريم ذلك؛ فإن غزوة بني المُصْطَلِق كانت قبل الحُديبية التي حُرِّم فيها ردُّ المسلمة إلى الكفَّار، وحينئذٍ فيقوى هذا الجواب.

الثاني: جواب أبي الوليد بن رُشدٍ حيث قال: يحتمل أن بني المُصْطَلِق كانوا يدينون بدِين أهل الكتاب.

وهو بعيدٌ جدًّا؛ إذ هو خِلاف المعلوم مِنْ السِّيَرِ والتواريخ. مع أنَّ الجواب الأول أسدُّ، والله أعلم.

قلت: ويتعيَّن حَمْلُ حديث أبي سعيد هذا على أنهم أحبُّوا الفِداء لا البيع؛ لأن النَّسائي روى عن أبي سعيد أنهم كانوا يبيعون أُمَّهات الأولاد على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي بيانه

(1)

-إن شاء الله- في دليل القول الثاني.

الحديث الثاني: قال البخاريُّ ومسلمٌ: عن عبد الله بن يوسف، وإسماعيل بن أبي أويس. ومسلم عن يحيى بن يحيى. ثلاثتهم عن مالك، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دينارًا ولا درهمًا، ما تَرَكْتُ بعد نفقةِ نِسائي ومَؤُونَةِ عامِلي

(1)

انظر (ص 99).

ص: 69

فهو صَدَقَةٌ»

(1)

.

وروى هذا الحديثَ: أبو بكر الصديق

(2)

، وعُمرُ بن الخطَّاب

(3)

، وعُثمانُ، وعليٌّ، والعباسُ، وعبدُ الرحمن بن عَوف، والزبيرُ بن العوَّام، وسعدُ بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وعائشةُ

(4)

، رضي الله عنهم أجمعين.

وكذا الحديث الثالث: وهو ما رواه البخاريُّ

(5)

، من حديث أبي إسحاق السَّبيعي، عن عَمرِو بن الحارث -أخي جويريَةَ بنت الحارث أمِّ المؤمنين- قال:«ما تَرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند موتِه دينارًا، ولا دِرْهمًا، ولا عبدًا، ولا أَمَةً» .

قالوا: وماريَةُ أُمُّ ولدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قد عاشتْ بعدَه على الصحيح، كما ذكر الواقديُّ

(6)

وغيره

(7)

؛ مِنْ أنها ماتت أيام عُمرَ سنة [ست]

(8)

عشرة،

(1)

البخاري (2776 و 3096 و 6729)، ومسلم (1760).

(2)

البخاري (4240، 4241)، ومسلم (1759).

(3)

البخاري (3094 و 4033 و 6728 و 7305)، ومسلم (1757).

(4)

البخاري (4034 و 6727 و 6730)، ومسلم (1758) عن الصحابة، المذكورين.

(5)

(6)

أخرجه ابنُ سعد في «الطبقات الكبير» (10/ 205) عن الواقدي، ومن طريقه رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (3/ 238).

(7)

منهم: خليفة بن خيَّاط، وأبو عبيد، ويعقوب بن سفيان. انظر «تاريخ دمشق» لابن عساكر (3/ 238).

(8)

ما بين المعقوفين ليس في الأصل، واستدركته من مصادر التخريج.

ص: 70

وحُشِدَ

(1)

الناسُ في جنازتها، ومع هذا لم تُبَعْ في تَرِكَةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حتى يُجعَل

(2)

في صدقته، فدلَّ على أنها عَتَقَتْ بموته عليه الصلاة والسلام.

والجواب: قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعون مولًى

(3)

ما بين ذَكرٍ وأنثى -لولا الإطالة لسردْناهم ولله الحمد- قد ذكر أنه أعتق منهم على التعيين بضعةَ عَشَرَ، فمِن أين لكم عِتْقُ الباقين؟

وكيف لم يُبع أحدٌ منهم في تَرِكته؛ ليُجعلَ في صدقته؟

فما كان جوابَكُم عن ذلك؛ فهو جوابٌ لنا في ماريَة سواء.

الثاني: (ق 196/ أ) يحتمل أنه عليه السلام نَجَّزَ عِتقَهَا في حياته، وإذا احتَمَل الدليلُ واحتَمَل؛ سقطت الدلالةُ منه، بل لو ادُّعيَ القطعُ في ذلك لكان صحيحًا، والحُجَّةُ: حديث عَمرِو بن الحارث المتقدِّم

(4)

: «ما تَرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارًا، ولا درهمًا، ولا عبدًا، ولا أَمَةً» فدلَّ على أنه نَجَّزَ عِتْقَ الجميع في حياته؛ لقوله: «عند موته» .

وهذا هو اللائقُ بحاله صلى الله عليه وسلم، والذي يُظَنُّ به، وإذا أعتق العبيدَ منهم والإماءَ؛ فَلَأَنْ يُعتِق أُمَّ ولدِه أَولى وأحرى؛ وحينئذٍ: فلا يبقى فيما ذكرتم دليلٌ، والله أعلم.

(1)

«حشد» كذا في الأصل، وفي مصادر التخريج المتقدمة:«حشر» بالراء.

(2)

أي: ثمنها.

(3)

انظر «تاريخ دمشق» لابن عساكر (4/ 251 - 311).

(4)

(ص 70).

ص: 71

هذا؛ وقد ذكر أبو الحسن بن المُغَلِّس

(1)

أنها ماتتْ قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقليل؛ وعلى هذا: فتسقط الدلالة بمرَّةٍ.

وأيضًا: فأبو بكر الصِّديق رضي الله عنه كان ممن يرى بيع أُمَّهات الأولاد كما سيأتي

(2)

، فلولا أنه عليه السلام نجَّز عِتْقَ ماريَة في حياته لَبِيْعتَ.

اللَّهُمَّ إلا أن يُقال: إنه يمتنع بيعها لمعنًى آخر، وهو أنها تحرُمُ على غيرِهِ صلى الله عليه وسلم كما يحرُمُ نساؤه على غيره رضي الله عنهن؛ وحينئذٍ: فتبقى هذه خصوصيةً في ماريَة من دون أُمَّهات الأولاد، فلا يدلُّ امتناعُ بَيْعها على امتناع بَيْع أُمَّهات الأولاد، والله أعلم.

حديث رابع: عن العِرْبَاض رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسُنَّتي، وسُنَّة الخلفاءِ الراشدين، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذ

» الحديث.

رواه أبو داود، وابن ماجه، والترمذيُّ وصحَّحه، والحاكمُ في

(1)

هو الإمام العلامة، فقيه العراق، أبو الحسن، عبد الله بن أحمد بن محمد المُغلِّس، البغدادي، الداوُدي، الظاهري. حدَّث عن جده، وأبي قلابة الرقاشي، وإسماعيل القاضي، وطبقتهم. وتفقَّه على أبي بكر محمد بن داود، وبرع وتقدَّم. أخذ عنه أبو المفضل الشيباني وغيره. وله من التصانيف: كتاب «أحكام القرآن» ، وكتاب «الموضح» في الفقه، وكتاب «المبهج» ، وكتاب «الدامغ» في الرد على من خالفه، وغير ذلك. انظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 77).

(2)

(ص 94).

ص: 72

«مستدركه»

(1)

وقال: هو على شرط الشيخين، ولا أعلمُ له عِلَّة.

حديث خامس: عن حُذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقْتَدُوا باللَّذَين مِنْ بعدي: أبي بكرٍ، وعُمرَ» .

رواه ابنُ ماجه، والترمذيُّ وحسَّنه، وصحَّحه ابنُ حِبَّان

(2)

.

ورواه الترمذيُّ

(3)

من حديث ابن مسعود، ولا يثبُتُ

(4)

.

قالوا: وأمير المؤمنين عُمر رضي الله عنه أَحدُ من أُمِرنا بالتمسُّكِ بسُنَّتِهِ

(1)

أبو داود (4607)، وابن ماجه (43)، والترمذي (2676)، والحاكم (1/ 95) وغيرهم كثير. وصححه: الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والبزار، وأبو نُعيم، والبغوي، وشيخ الإسلام الهروي، والضياء المقدسي، والذهبي، وأبو العباس الدغولي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، والشاطبي، والألباني، وغيرهم رحِم الله الجميع.

وانظر «السلسلة الصحيحة» للعلامة الألباني (2/ 610 و 717) حديث (937).

(2)

ابن ماجه (97)، والترمذي (3662)، وابن حبان «الإحسان» (15/ 328) حديث (6902). وصحَّحه الحاكم وابن حبان. وحسَّنه الترمذيُّ، وأبو عمر ابن عبد البَرِّ، وقال العقيلي: وهو يُروى عن حذيفة بأسانيد جياد تثبت. انظر «العلل» لابن أبي حاتم الرازي (2/ 381)، و «التلخيص الحبير» (4/ 190)، و «السلسلة الصحيحة» للعلامة الألباني (3/ 233) حديث (1233)، و «الروض البسام» (4/ 279) حديث (1464).

(3)

حديث رقم (3805).

(4)

أي: لا يثبت من حديث ابن مسعود.

ص: 73

من

الخلفاء الراشدين، وأَحدُ الشيخين المنصوص على

(1)

الاقتداءِ بهما، وقد صحَّ عنه أنه حَكَمَ بعِتْق أُمَّهاتِ الأولاد؛ فوجب المصيرُ إلى قوله.

وأُجيب: بأن ذلك فيما لم يصحَّ عندنا فيه سُنَّةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صحَّ لنا فيما سنذكره

(2)

أنهنَّ كُنَّ يُبَعْنَ في حياته، يبلغه ذلك ولا يُنكِرُهُ، وهذا مقدَّم على قول كلِّ أَحدٍ من الناس.

وأيضًا: فقد خالفه مَنْ هو أجلُّ منه، وهو الصِّدِّيق، كما سيأتي

(3)

.

وكذا خالفه عليٌّ رضي الله عنه في آخر أمْرِه، ورجع إلى بيعهنَّ، كما سنذكره

(4)

؛ إن شاء الله.

وإذا اختلف الصحابةُ تخيَّرنا، ولم نَعْدُهُمْ؛ كما قال الإمامُ الحَبْرُ أبو حنيفة

(5)

رحمه الله.

وأما ذِكْر حكايةِ الإجماعِ على هذا القول:

فقال أبو سليمان الخَطَّابي

(6)

فيما رواه حمَّاد بن زيد، عن أيوب، عن ابن

(1)

«علي» في الأصل: «عن» .

(2)

(ص 96 - 100).

(3)

(ص 94).

(4)

(ص 76).

(5)

أخرجه ابن عبد البَرِّ في «الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء» (ص 261 و 264 - 265 و 266 - 267).

(6)

في «معالم السنن» (5/ 414).

ص: 74

سيرين، عن عَبيدة السَّلْماني قال: كتب إليَّ عليٌّ، وإلى شُرَيحٍ (ص 196/ ب) يقول:«إني أُبْغِضُ الاختلافَ، فاقْضُوا كما كنتم تقضون -يعني: في أُمِّ الولد- حتى يكون الناسُ جماعةً، أو أموتَ كما مات صاحباي»

(1)

.

قال: واختلافُ الصحابة إذا خُتِمَ بالاتفاق، وانقرضَ العصرُ [عليه]

(2)

صار إجماعًا. ومثل هذا سواء قال البغوي في «شرح السنة»

(3)

.

وقد أُجيب عن هذا بأجوبة:

أحدها: أن البخاري روى هذا عن عَبيدة

(4)

، وليس فيه ذِكْرُ أُمِّ الولد،

(1)

أخرجه ابن المنذر كما في «فتح الباري» لابن حجر (7/ 73) عن حماد بن زيد، عن أيوب، به. (بذكر أمِّ الولد).

وأخرجه معمر في «الجامع» (11/ 329) رقم (20677)، وأبو عبيد في كتاب «الأموال» ص/ 305 رقم (850)، والبخاري في «الصحيح» (3707)، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (8/ 42) عن شُعبة بن الحجاج.

ورواه الإمام أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (2/ 389) عن إسماعيل بن عُلية.

كلاهما (شعبة، وإسماعيل بن عُلية) عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن عَبيدة، عن عليٍّ، به. من دون قوله:«يعني: في أمِّ الولد»

ووقع في مطبوعة «الجامع» لَمْعمر: أيوب، عن ابن سيرين، عن عليٍّ.

وحماد بن زيد: ثقة ثبت فقيه، وهو أثبت الناس في أيوب السختياني. انظر «تهذيب الكمال» (7/ 248).

(2)

ما بين المعقوفين ليس في الأصل، واستدركته من «معالم السُّنن» و «شرح السُّنة» .

(3)

(9/ 370).

(4)

رقم (3707).

ص: 75

فلعلَّ بعضَ الرواة فسَّره مِنْ عنده.

الثاني: أنه أمرهم ألَّا يَحكموا بما يُخالِف حُكْمَ أهلِ الشام في المسائل الاجتهادية؛ لِئَلا يُؤدِّيَ إلى الفُرْقة والاختلاف بين الأئمَّة وقد يَترُكُ الإنسانُ الراجحَ لمصلحةٍ أرجحَ منه، وذلك كما في حديث عائشة أنه عليه السلام قال لها: «لولا أنَّ قومَكِ حديثٌ عَهْدُهم بجاهلية؛ لنقضتُ الكعبةَ، فجعلتُ لها بابين

» الحديثَ، وهو في «الصحيح»

(1)

.

فهذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد تَرَكَ ما كان فيه مصلحةٌ لمصلحةٍ أرجح؛ فصار ذلك سُنَّة.

ويمكن جواب ثالث: وهو أنَّ عَليًّا رضي الله عنه لما كان قد خَطَبَ الناسَ فقال: «إنَّ عُمر رضي الله عنه استشارني في بَيْعِ أُمَّهات الأولاد، فرأيتُ -أنا وهو- أنها عَتيقة، فقضى به عُمرُ حياتَهُ، وعُثمانُ بعدَهُ، فلما وُلِّيتُ رأيتُ أنها رقيقٌ» . ورواه الشافعي

(2)

، وأبو بكر بن أبي شيبة

(3)

، من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي، عن عَبيدة السَّلْماني، عنه.

ورواه سعيد بن منصور

(4)

، عن أبي عَوانة، عن مُغيرة، عن الشَّعبي،

(1)

البخاري (1548 و 7243 و 126)، ومسلم (1333).

(2)

«الأم» (7/ 175).

(3)

«المصنف» (6/ 436) رقم (1631).

(4)

في «سننه» (2/ 63) رقم (2047) ت: الأعظمي، ومن طريقه ابن حزم في «المحلى» (9/ 217).

ص: 76

عن عَبيدة، عنه.

ورواه محمد بن سيرين

(1)

، عن عَبيدة، وزاد: فقلتُ له: «رأيُكَ ورأيُ عُمرَ في الجماعة أحبُّ إليَّ مِنْ رأيكَ وحدَكَ في الفتنة» .

وهذا يقوله عَبيدة لعليٍّ كالمشورة عليه؛ لا أنه يَرُدُّ عليه اجتهادَهُ، إلا أنه يقول له: رأيُكَ ورأيُ عُمرَ في ذلك الوقتِ أحبُّ إلينا في وقت هذه الفتنة مِنْ رأيك الآن؛ فإنه مما ينفِّرُ الخواطِرَ عليك إذا رأوكَ خالفتَ عُمرَ، فلما تبيَّن عليٌّ ما قاله عَبيدة، وأنه رأيُ رُشْدٍ، كَتَبَ إليه وإلى شُرَيحٍ أن يحكما بما كانا يَحكمان به، وألَّا يُغيِّراه؛ لِئَلَّا يختلف الناسُ على عليٍّ رضي الله [عنه] وأرضاه.

وعلى هذا: فلا يلزم منه رجوعُ عليٍّ عن بَيْعِ أُمَّهات الأولاد؛ وهذا ظاهرٌ -إن شاء الله- لمن تأمَّله، ولله الحمد، فلم ينختم

(2)

اختلاف الصحابة بالاتفاق.

وأيضًا: فإن ابن الزبير كان يبيعهنَّ في أيامه في حدود سنة سبعين؛ بعد موت عليٍّ بثلاثين سَنَة، وهو قولُ أبي سعيد، وابن عبَّاس، وقولُ الصِّدِّيق، كما سيأتي بيانه

(3)

؛ إن شاء الله.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور (2/ 63) رقم (2048) ت: الأعظمي، وعبد الرزاق في «المصنف» (7/ 291) رقم (13224)، وأبو بكر بن أبي شيبة (6/ 436) رقم (1631)، والبيهقي (10/ 343 و 348).

(2)

«ينختم» قد تُقرأ في الأصل: «يتحتم» .

(3)

(ص 93 - 95).

ص: 77

فكيف يكون في المسألة إجماعٌ مِنْ الصحابة أو مِنْ غيرهم؟!

وقال أبو الحسن علي بن خلف بن بطَّال

(1)

: «والعلماءُ مُجمِعون على أنه لا يجوز بَيْعُ أُمِّ الولد وهي حامل، فإذا وضعت فهي على الأصل الذي اتفقوا عليه في مَنْع البيع، ولا يجوز الانتقال عنه إلا باتفاق آخر» .

قال: «وأئمة الفتوى بالأمصار متفقون على أنه لا يجوز بَيْعُ أُمِّ الولد، وإنما خالف ذلك أهلُ الظَّاهر وبِشْرٌ المرِّيسيُّ، وهو شذوذٌ لا يُلتفت إليه» .

ومثل كلامه في استصحابِ الإجماعِ حكاه الحافظُ أبو عُمر ابنُ عبد البَرِّ

(2)

، إلا أنه عارضه بنظيره من جهة القائلين بجواز (197/ أ) البيع، وهو أنه كان يجوز بيعُها قبل أن تحمِلَ بالاتفاق، فبعد وَضْعها يجب أن يجوز استصحابًا

(3)

لذلك الاتفاق الذي لا يجوز العدول عنه إلا باتفاق آخر، ولم يوجد.

وأما قول ابن بَطَّال: «إنه لم يُخالِفْ فيه إلا أهلُ الظَّاهر وبِشْرٌ» فكلامٌ باطلٌ؛ لأن جماعة من الصحابة يقولون بالجواز كما سيأتي

(4)

. وهو قولٌ عن أبي عبد الله الشافعي في القديم، كما سيُذْكَرُ في موضعه

(5)

، وليس كلُّ أهلِ الظاهر ذهبوا إليه كما قال، ولو لم يخالف في المسألة إلا الظَّاهريَّة لم ينعقدِ

(1)

«شرح صحيح البخاري» لابن بطَّال (7/ 60).

(2)

«التمهيد» (3/ 163).

(3)

«استصحابًا» في الأصل: «استصحابنا» .

(4)

(ص 93 - 95).

(5)

(ص 84 - 95).

ص: 78

الإجماع على أحد أقوال العلماء، ولا يضرُّهم موافقةُ بِشْرٍ المرِّيسيِّ لهم إذا كان قولهم حقًّا.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي

(1)

: «يحتمل أن يكون عُمرُ رضي الله عنه بَلَغَهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حَكَم بعتقِهنَّ بموت ساداتهنَّ نَصًّا، فاجتمع هو وغيره على تحريم بيعهنَّ، ويحتمل أن يكون هو وغيره استدلُّوا ببعض ما ذكرنا [هـ]، وما لم نذكره مما يدلُّ على عِتقهنَّ، فاجتمَعَ هو وغيرُهُ على تحريم بيعهنَّ، فالأَولى بنا متابعتهم فيما اجتمعوا عليه قبل وقوع الاختلاف، والله أعلم» .

وهذا الكلام يدلُّ على أنه وقع الاتفاق على تحريم بيعهنَّ في زمان عُمر، ثم حَدَثَ اختلافٌ بعدَهُ. وكأنه ضِدُّ كلام الخطَّابي.

ونَحْوَ ما سَلَكَهُ البيهقيُّ قد قال بعضُهم؛ فادَّعى إجماعًا سكوتيًّا على ذلك أيام عُمرَ بنِ الخطاب، وهو يفتقر إلى ثلاثة أشياء:

أحدها: اشتهاره في الصحابة.

الثاني: عدم مخالفتهم لذلك.

الثالث: الدليل على كونه حُجَّة.

أما الأول: فمُسَلَّمٌ؛ فإنه قال سفيان الثوري، عن سلمة بن كُهَيل، عن زيد بن وهب، قال: «باع فينا عُمرُ أُمَّهاتِ الأولاد، ثم ردَّهنَّ حَبالى من

(1)

«معرفة السنن والآثار» (14/ 470)، وانظر «السنن الكبرى» (10/ 348).

ص: 79

تُسْتَر»

(1)

، ومثل هذا يشتهر.

وأما أنه [لم]

(2)

يُخالَفْ؛ فغير مُسَلَّم؛ لأنه أكثر ما فيه سكوتهم، وقد يكون عن أسباب وموانع كثيرة؛ أرجاها هنا هَيبةُ عُمر رضي الله عنه قال محمد ابن إسحاق، عن الزُّهْري، عن عبيد الله بن عبد الله، قلت لابن عباس: هلا أشرتَ بقولكَ -يعني: تَرْكَ العَوْل- على عُمرَ؟ فقال: «إنه كان رجُلًا مَهيبًا»

(3)

. وكذلك لما نهاهم عن مُتعة الحجِّ انتهوا

(4)

، فلم تكن تُفعَل في زمانه مع أن الكتاب والسُّنَّة دالَّان عليها.

وله رضي الله عنه في هذا اجتهادٌ وعملٌ صالح، هذا مع أنَّا لا نُسلِّم أنهم سكتوا، فإنه لم ينقرض عصرُهم حتى خالفوه؛ كعليٍّ، وابنِ عباس، وابنِ الزبير، وأبي سعيد.

(1)

أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في «المصنف» (6/ 438) رقم (1634)، وابن حزم في «المحلى» (9/ 218) من طريق وكيع قال: حدثنا الثوري، به.

وقال ابن حزم: ولا سبيل إلى أن يفشو حُكم أكثر من هذا الفشوِّ، بمثل هذا الحكم المعلن، والأسانيد المنيرة.

(2)

ما بين المعقوفين ليس في الأصل، وهي زيادة يقتضيها السياق، والله أعلم.

(3)

أخرجه إسماعيل القاضي كما في «المحلى» (9/ 264)، ومن طريقه ابن حزم في «الإحكام» (4/ 567)، والبيهقي (6/ 253).

قال المصنف (ابن كثير) في «مسند الفاروق» (1/ 382): هذا إسناد جيد، صحيح إلى عُمر، وهو مشهورٌ عنه.

(4)

أخرجه مسلم (1217)، وانظر «مسند الفاروق» (1/ 304).

ص: 80

وأيضًا: فقد تقدَّمه الإجماعُ في عصر الصِّدِّيق كما سيأتي

(1)

، وانقرَضَ في عصره، وإلى أن رأى عُمر عِتقَهُنَّ في نصف إمارته أزيَدَ من ثلاثين ألف صحابي في الغزوات، وبتقدير أنه لم يُخالَفْ في زمانه، بل سكتوا كلُّهم، وأنَّ انقراض العصر ليس بشرطٍ في صِحةِ انعقادِ الإجماع؛ فلا نُسلِّم كون الإجماع السكوتي حُجَّة، وما الدليل على ذلك؟! وهذه المسألة فيها خمسة أقوال للأصوليين، هي خمسة أوجه في مذهب الشافعي:

أحدها: أنه إجماع وحُجَّة، وهو المذهب؛ قاله أبو إسحاق الشيرازي

(2)

وغيره

(3)

.

والثاني: (ق 197/ ب) لا هذا ولا هذا، وهو قولٌ للشافعي، كما سأذكره، وهو المشهور من قول الخُراسانيين، واختيار الغزالي

(4)

.

(1)

(ص 102).

(2)

«الشيرازي» في الأصل «الرازي» ! ولعلَّ الصواب ما أثبته، انظر «الإصابة» للعلائي (ص 20).

(3)

انظر «المستصفى» للغزالي (2/ 365)، و «الإحكام» للآمدي (1/ 334).

قلت: وهو مذهب أحمد وأصحابه، وأكثر أصحاب أبي حنيفة، والمالكية، انظر -مع ما تقدم- «المسودة» لآل تيمية (ص 335)، و «التمهيد» لأبي الخطاب الكلوذاني (3/ 323)، و «فواتح الرحموت» (2/ 221)، و «إحكام الفصول في أحكام الأصول» للباجي (ص 407).

(4)

«المستصفى» (2/ 366).

ص: 81

الثالث: أنه حُجَّة، ولا يُسمَّى إجماعًا

(1)

.

والرابع: إن كان صادِرًا من مُفْتٍ فهو حُجَّة، وإن كان من حاكم فليس بحُجَّة؛ لأنهم كانوا لا يرون الخروجَ عليهم، والإنكار عليهم فيما رأوه

(2)

لا وَجْه له، وهذا اختيار ابن جرير

(3)

.

وقيل: عكسه. وهو بعيدٌ، والله أعلم.

الخامس: أنه حُجَّة بشرط انقراض العصر، وهو اختيارُ أبي علي الجُبَّائي

(4)

، وهو قويٌّ؛ لاحتمال أن بعض المجتهدين لما بَلَغَه ذلك لم يكن نَظَرَ في المسألة، أو نَظَرَ ولكنه يحتاج إلى تَرَوٍّ، أو أدَّاه اجتهادُه إلى الوقف، أو خالف؛ ولكنه هابَ القائلَ لذلك، كابن عباسٍ مع عُمرَ في تَرْكِ العَوْلِ، وقد كان ابنُ عباس بعد ذلك يُبَاهِلُ على أنه لا يعال الفرائض، وهذا هو الأظهر في هذه المسألة، والله أعلم.

والدليل على ذلك: قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [آل عمران: 104]، وقوله:

(1)

وهو قول أبي هاشم الجُبَّائي المعتزلي. انظر «المعتمد في أصول الفقه» لأبي الحسين محمد ابن علي بن الطيب المعتزلي (2/ 533)، و «الإحكام» للآمدي (1/ 331).

(2)

«رأوه» في الأصل: «رواه» .

(3)

واختيار أبي علي بن أبي هريرة من أصحاب الشافعي، انظر «الإحكام» للآمدي (1/ 331 - 332) وقد ناقش حجج أصحاب هذا القول ثَمَّ.

(4)

انظر «المعتمد في أصول الفقه» لأبي الحسين محمد بن علي بن الطيب المعتزلي (2/ 533)، و «الإحكام» للآمدي (1/ 331).

ص: 82

{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران: 110]؛ فلو كان منكَرًا لا متنع سكوتُهم كلِّهم مع انقراضِ عصرهم، ولَمَّا سكتوا عن آخرهم دَلَّ على رضاهم به، وتسويغهم له.

فأما مسألة أمهات الأولاد: فليست كذلك؛ لأنهم قد خالفوه فيها، كما سيأتي

(1)

عن عليٍّ، وابنِ عباس، وابنِ الزُّبير، وأبي سعيدٍ، وغيرِهم. وهذا عليٌّ رضي الله عنه خَطَبَ الناسَ، وذكر أنه كان هو وعُمرُ قد رأيا أنَّ أُمَّهاتِ الأولاد يَعْتِقنَ بموت السَّادات، ثم رأى عليٌّ -لما وُلِّيَ- إرقاقَهنَّ، فلو كان ما تقدَّم في زمان عُمرَ رضي الله عنه حُجَّةً لما خالفه عليٌّ، وهو أَحدُ الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين رضي الله عنه ودَلَّكَ هذا على أنَّه وعُمرَ لم يَريا ذلك عن نصٍّ بلغهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما قاله البيهقيُّ

(2)

، وإنما كان ذلك رأيًا رأوه مِنْ عند أنفسهم؛ ولهذا استجاز

(3)

عليٌّ الرجوعَ عنه.

وقال القاضي أبو الوليد سليمان بن خَلَف الباجي

(4)

: «مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وجماعة الفقهاء من الصحابة والتابعين: أن أُمَّ الولد لا يجوز أن يملكها غير سيدها ببيعٍ ولا هِبةٍ، ولا غير ذلك، ولا تُسلَّم في جِناية، ويضمن سيدُها الجِنايةَ.

(1)

(ص 93 - 95).

(2)

«معرفة السنن والآثار» (14/ 470).

(3)

«استجاز» في الأصل «استخار» ، والصواب ما أثبته؛ بقرينة أن ابن كثير كرَّر العبارة في (ص 102) فقال ثَمَّ: «ومن استجازة علي

».

(4)

في كتابه «المنتقى شرح الموطأ» (7/ 367).

ص: 83

والدليل على ذلك: إجماعُ الصحابة رضي الله عنهم؛ روى الشَّعبيُّ عن عَبيدة السَّلماني، قال: خطبنا عليٌّ فقال: رأى أبو بكر وعُمرُ عِتْقَ أُمهات الأولاد حتى مضيا، ثم رأى عُثمان ذلك، ثم رأيتُ أنا -بَعْدُ- أن يُبعنَ في الدَّين.

قال عَبيدة: فقلتُ لعليٍّ: رأيُكَ ورأيُ أبي بكرٍ وعُمرَ وعُثمان في الجماعة أحبُّ إلينا من رأيك في انفرادك في الفرقة. فقَبِلَ منِّي وصدَّقَني».

كذا نقل هذا الأثر! وقد رواه الشافعي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وسعيد ابن منصور من طُرق عن عَبيدة

(1)

، وليس في شيءٍ منها ذِكْرُ أبي بكر، بل ولا تُعرف في شيءٍ من الروايات، وكذا زيادة قول عَبيدة:«فقَبِلَ منِّي وصدَّقني» لا يُعرف أيضًا.

وأما حكايته عن الشافعي أنها لا تُباع، فعن الشافعي في هذه المسألة أربعة أقوال، قال المُزني في «مختصره»

(2)

: «قَطَعَ الشافعيُّ في خمسةَ عَشَرَ كتابًا بعِتق أُمَّهاتِ الأولاد، ووقف في غيرها» . هذان قولان، وحكى الغزاليُّ (ق 198/ أ) وغيرُه عن القول القديم أنها تُباع مطلقًا، وعن كتاب «المَنَاصيص»

(3)

أنها تُباع حياةَ سيدِها، وتَعْتِق بموته.

(1)

تقدم تخريجه (ص 76).

(2)

(ص 332).

(3)

كتاب «مناصيص الشافعي» للإمام عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الرُّوياني، الطبري، الشافعي، شيخ المذهب، قُتل على يد الإسماعيلة الباطنية بجامع آمُل، يوم الجمعة حادي عشر محرم سنة (501 هـ) بعد فراغه من مجلس الإملاء، رحمه الله.

انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 260).

ص: 84

وحكايتُهُ الإجماعَ على أن جنايتها مضمونةٌ على سيدِها غيرُ مُسَلَّم؛ فقد حكى القاضي عبدُ الوهَّاب في كتاب «الإشراف»

(1)

الخلافَ في ذلك عن أبي ثَور.

وقال الغزاليُّ في «الوسيط»

(2)

: «مذهب العلماء قاطبةً في هذه الأعصار أنَّ مَنْ استولد جاريتَهُ عَتَقَتْ عليه بموته، ولم يجز بيعُها قبل الموت، وللشافعي قولٌ قديم -وهو مذهب عليٍّ-: أنه يجوز البيعُ، فإن لم يتَّفق عَتَقَتْ بالموت. وقيل: معنى قول

(3)

القديم: أنها لا تَعْتِق، بل الاستيلاد كالاستخدام بإرضاع الولد. لكنِ اختلف الأصحابُ في أنه لو قضى قاضٍ ببيع أُمَّهات الأولاد هل يُنْقَضُ قضاؤه؟ وكأنهم يرون الاتفاقَ بعد الاختلاف قاطعًا أثرَ الخلاف

(4)

».

هذا كلامه! وهو ظاهرٌ في حكاية إجماعٍ بعد خلافٍ، وفيه نِزاع لو كان الإجماع قوليًّا، والصحيحُ أنه لا يُعدُّ إجماعًا، بل الغزاليُّ ممن اختار امتناعَ ذلك

(5)

تَبَعًا للإمام أحمد

(6)

، وأبي الحسن الأشعري

(7)

؛ كذا حكاه عنه الإمامُ

(1)

(2/ 1004).

(2)

(7/ 543).

(3)

«قول» كذا في الأصل، وفي مطبوعة «الوسيط»:«قوله» .

(4)

«الخلاف» كذا في الأصل، وفي مطبوعة الوسيط:«الاختلاف» ، وأشار في الحاشية إلى أنه جاء في نسخة:«الخلاف» .

(5)

«المستصفى» (2/ 392).

(6)

انظر «شرح الكوكب المنير» (2/ 272)، و «المسودة» لآل تيمية ص/ 325.

(7)

انظر «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (1/ 359).

ص: 85

جمال الدين أبو عَمرو بن الحاجب في «مختصره»

(1)

، وقال هو في هذه المسألة:«والحق أنه بعيد إلا في القليل؛ كالاختلاف في أُمِّ الولد، ثم زال» .

هذا لو كان الإجماعُ المحكيُّ قوليًّا، فكيف وما هو إلا سُكوتي؟! والغزاليُّ ممن اختار أنه لا يُعدُّ إجماعًا، ولا حُجَّةً، كما تقدَّم

(2)

، وقد قال الإمام أبو عبد الله الشافعيُّ في «رسالته المِصرية»

(3)

: «ما لم يُعلم فيه خِلاف فليس إجماعًا» . وقال في «مختلف الحديث»

(4)

: «لم يدَّعِ الإجماعَ -فيما سوى جمل الفرائض التي كُلِّفَتْهَا العامَّةُ- أحدٌ من الصحابة ولا التابعين، ولا القرنِ الذين بعدهم، ولا القرن الذين يلونهم، ولا عالمٌ علمته على ظهر الأرض، ولا أحدٌ نسبته عامَّةٌ إلى عِلم، إلا حديثًا من الزمان» .

(1)

مختصر ابن الحاجب مع شرحه «بيان المختصر» لشمس الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني (ص 599 - 600).

(2)

(ص 81).

(3)

لم أقف على هذا النص في مطبوعة «الرسالة» للشافعي، مع شدة البحث والتقصي، وقد تتابع على نسبته للرسالة عددٌ من الأئمة، منهم: ابن حزم في «الإحكام» (4/ 573)، وابن القيم في «إعلام الموقعين» (1/ 30)، وفي كتاب «الصلاة» ص/ 117، والفلاني في «إيقاظ الهمم» (ص 116)، وابن بدران في «المدخل» (1/ 115).

ثم وجدت الشيخ مشهور حسن سلمان -حفظه الله- قد نصَّ في تحقيقه المفيد لـ «إعلام الموقعين» (2/ 53) على أنه لم يظفر به في كتاب «الرسالة» للشافعي أيضًا.

(4)

(ص 127)، ووجدتُه -أيضًا- بنصِّه في «الأم» (1/ 153).

ص: 86

وقال أبو عبد الله أحمد بن حنبل فيما حكاه ولده عبد الله عنه: «من ادَّعى الإجماعَ فهو كذب، لعلَّ الناس قد اختلفوا، ما يدريه، ولم ينته إليه، فليقل: لا نعلم الناسَ اختلفوا، هذه دعوى بِشْرٍ المَرِّيسي والأَصَمِّ، ولكن يقول: لا نعلم الناسَ اختلفوا، ولم يبلغني ذلك»

(1)

.

فهذان إماما الفقهاء والمحدِّثين قد زَجَرا عن حكاية الإجماع عن عدم العِلْم بالخِلاف، مع أنَّ الخلاف في هذه المسألة لم يزل مِنْ صَدْر الصحابة إلى يومنا هذا، فلا إجماع فيها من الطرفين؛ فإنه قد حكى مَنْ جوَّز البيعَ أيضًا الإجماعَ على ذلك، كما سيأتي بيانه

(2)

، إن شاء الله.

وأما المعنى:

فقالوا: إنَّ الأَمَةَ إذا حملت بالولد من سيدِها فإنه ينعقد حُرًّا، وفيه جزءٌ منها، فقد عَتَقَ بعضُها، ومتى عَتَقَ البعضُ سرى إلى جميعها؛ لحديث أبي هريرة:«مَنْ أعتق شِقْصًا مِنْ مملوكٍ فعليه خلاصُه في ماله»

(3)

، ولِمَا رواه الإمام أحمد: حدَّثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدَّثنا همَّام، عن قتادة، عن أبي المَليح، عن أبيه قال: أعتق رجُلٌ من هُذيلٍ شِقْصًا له مِنْ مملوك، فقال

(1)

مسائل الإمام أحمد بن حنبل برواية ابنه عبد الله (ص 438 - 439) رقم (1587). وأخرجه من طريقه ابن حزم في «المحلى» (10/ 422)، وفي «الإحكام» (4/ 573).

(2)

(ص 102).

(3)

أخرجه البخاري (2492)، ومسلم (1503).

ص: 87

النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «هو حُرٌّ كلُّه، ليس لله شَريك»

(1)

.

(1)

أحمد (5/ 75)، وأخرجه أيضًا: أبو داود (3933)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5/ 34) رقم (4951)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/ 107)، وفي «شرح مشكل الآثار» (13/ 423 - 424) رقم (5381 و 5382)، والطبراني في «المعجم الكبير» (1/ 191) رقم (507)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (1/ 228) رقم (778)، والبيهقي (10/ 273)، والضياء في «المختارة» (4/ 193 - 193) رقم (1408 و 1410، 1411) من طرق عن (أبي سعيد مولى بني هاشم، وأبي الوليد الطيالسي، وأبي عمر الحوضي، وحَبان ابن هلال، وهاناء بن يحيى، وأبي سلمة التبوذكي) كلهم عن همام، به.

قلت: مدار هذا الحديث على قتادة، ويرويه عنه: همام، وسعيد بن أبي عَروبة، وهشام الدستوائي:

1 -

أما رواية همَّام فقد اختُلف عليه فيه بين الوصل والإرسال، فرُوي عنه موصولًا كما تقدم. ورُوي عنه مرسلًا.

أخرجه أحمد (5/ 75)، ومن طريقه أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (1/ 228) رقم (779) عن بَهز.

وأبو داود (3933)، والبيهقي (10/ 273) عن محمد بن كثير.

كلاهما (بهز، ومحمد بن كثير) عن همَّام، عن قتادة، عن أبي المليح: أن رجلًا

الحديث مرسلًا.

قلت: بهز، هو ابن أسد، قال الذهبي في «الكاشف»: حجة إمام. وقال ابن حجر في «التقريب» : ثقة ثبت. وانظر «تهذيب الكمال» (4/ 258).

ومحمد بن كثير، هو العبدي، قال ابن معين: لا تكتبوا عنه، وقال أيضًا: لم يكن بالثقة.

وقال أبو حاتم الرازي: صدوق. وقال ابن حجر في «التقريب» : ثقة لم يُصِبْ مَنْ ضعَّفه. =

= قلت: ولا ريب أن الراجح عنه هي رواية الجماعة المتصلة.

2 -

سعيد بن أبي عروبة، واختُلف عليه فيه أيضًا بين الوصل والإرسال:

فرواه أحمد (5/ 74)، والحارث بن أبي أسامة كما في «بغية الباحث» (ص 154) رقم (472)، ومن طريقه أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (1/ 227) رقم (776 و 777)، والضياء في «المختارة» (4/ 194) رقم (1409) عن عبد الله بن بكر السهمي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، به.

عبد الله بن بكر السهمي ثقة كما في «التقريب» .

وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة (6/ 184) رقم (745)، والبيهقي (10/ 274) عن عبَّاد بن العوَّام، به.

والنسائي في «السنن الكبرى» (5/ 34) رقم (4952)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (13/ 424) رقم (5383) عن إسماعيل بن عُلية.

كلاهما (عبَّاد بن العوَّام، وإسماعيل بن عُلية) عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي المليح به، مرسلًا.

قلت: عباد بن العوَّام: ثقة، وإسماعيل بن عُليَّة ثقة حافظ، كما في «التقريب»؛ وعليه: فإن هذا الوجه هو الأرجح عن سعيد بن أبي عروبة.

3 -

هشام الدستوائي: أخرجه أحمد (5/ 75)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5/ 35) رقم (4953)، وعنه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (13/ 425) رقم (5384) عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أبي المليح، به مرسلًا.

ومن ثم اختلف أهل العلم في الحكم على هذا الحديث:

فرجَّح المتصلَ الطحاوي في «شرح المشكل» ، وصحح إسناده ابن حزم في «المحلى» (9/ 190)، وقال ابن الملقن في «الخلاصة» (2/ 220 - 221): إسناده على شرط الصحيح. وقوَّاه الحافظ ابن حجر في «الفتح» (5/ 159). =

= وقال الإمام أحمد: الصحيح أنه عن أبي المليح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وليس فيه «عن أبيه» . «المغني» (14/ 352).

وقال النسائي: هشام وسعيد أثبت في قتادة من همَّام، وحديثهما أُولى بالصواب. «تحفة الأشراف» (1/ 65).

وتعقب الطحاويُّ -ضمنيًّا- كلامَ النسائي فقال في «شرح المشكل» : وهمام لو روى حديثًا فتفرَّد بروايته إياه، كان مأمونًا عليه، مقبولة روايته فيه، ومن كان كذلك في تفرده برواية حديث كان كذلك في تفرده برواية زيادة في حديث.

وتعقبه أيضًا ابن الملقن في «البدر المنير» (8/ 88) بأن همامًا لم يتفرد بالوصل بل تابعه سعيد ابن أبي عروبة كما في رواية أحمد.

قلت: أما تعقب الطحاوي فليس في مكانه؛ لأن همامًا قد خالفه ثقتان، وروايتهما أرجح، فالمسألة مسألة مخالفة، لا تفرد. وأما تعقُّب ابن الملقن فقد علمتَ أن هذه الرواية مرجوحة؛ فالقول قول الإمام أحمد والنسائي، والله أعلم.

ص: 88

وقد احتجَّ بهذا المعنى عُمرُ بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه وكيع، عن عُمر ابن ذَرٍّ، عن محمد بن عبد الله بن قارب الثقفي، عن أبيه: أنه اشترى مِنْ رجُل جاريةً بأربعة آلاف قد كانت أسْقَطَتْ من مولاها سِقْطًا، فبلغ ذلك عُمرَ فأتاه، فعلاه بالدِّرَّة ضربًا، وقال: «بعدما اختلطتْ لحومُكم بلحومِهنَّ، ودماؤكم بدمائهن، تبيعوهن

(1)

؟! لُعِنَ اليهودُ؛ حُرِّمتْ عليهم الشحوم

(1)

«تبيعوهن» كذا في الأصل ومصادر التخريج، والجادة:«تبيعوهنَّ» ، ولكن حُذفتَ هنا نون الرفع بلا ناصب، ولا جازم، ولا نون توكيد، ولا نون وِقاية، وهو جائز في لغة صحيحة، وإن كانت قليلة الاستعمال، وانظر تفصيله في «شرح صحيح مسلم» للنووي (17/ 207)، و «أضواء البيان» (6/ 115).

ص: 90

فباعوها، وأكلوا أثمانها»

(1)

.

وأيضًا: (ق 198/ ب) فبيعُ أُمِّ وَلَدِه مَعرَّةٌ يُدْخِلُها عليه، وليس ذلك من مكارم الأخلاق، وقد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ طريق جابرٍ، وأبي هريرة، ومعاذ:«إنَّ الله بعثني لأُتمِّمَ محاسنَ الأخلاق»

(2)

.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 296) رقم (13248).

وسعيد بن منصور في «سننه» (2/ 87) رقم (2049) ت: الأعظمي، عن هُشيم.

وأبو بكر بن أبي شيبة (6/ 406) رقم (1520) عن وكيع.

ثلاثتهم (عبد الرزاق، وهُشيم، ووكيع) عن عمر بن ذرٍّ، به.

قلت: عمر بن ذرٍّ: ثقة رُمي بالإرجاء، كما في «التقريب» .

ومحمد بن عبد الله بن قارب، (ويُقال: محمد بن عبد الرحمن بن قارب): ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 146 - 147)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/ 319) -وسكتا عنه- وابنُ حبان في «الثقات» (5/ 372). وقال ابن حجر في «التقريب»: مقبول.

وأبوه: عبد الله بن قارب: ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 141)، وأشار إلى قصته هذه مع عمر بن الخطَّاب، وقال ابنُ حبان في «الثقات» (3/ 240): له صُحبة. وانظر «الإصابة» (4/ 208) فالإسناد إذًا لا بأس به.

(2)

أما حديث أبي هريرة: فأخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبير» (1/ 163)، وأحمد (2/ 381)، والبخاري في «الأدب المفرد» (ص 100) رقم (273)، وفي «التاريخ الكبير» (7/ 188)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (1/ 1) رقم (1)، والحاكم (2/ 613)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (10/ 191 - 192)، وفي «الجامع لشُعب الإيمان» (14/ 134) رقم (7608، 7609)، وابن عبد البر في «التمهيد» (24/ 333) من طريق محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، =

= عن أبي هريرة، به.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/ 15)، والسخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص 180): رجاله رجال الصحيح.

قلت: محمد بن عجلان صدوق، اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة من طريق المقبري، وروى له مسلم استشهادًا. وانظر «تهذيب الكمال» (26/ 105 - 106)، و «الكاشف» (2/ 200).

وأما حديث معاذ: فرواه أحمد بن منيع، والحارث بن أبي أسامة في «مسنديهما» كما في «المطالب العالية» (11/ 450) رقم (2578)، وابن أبي الدنيا في «مكارم الأخلاق» (14)، والبزار «كشف الأستار» (2/ 407) رقم (1973)، والطبراني في «المعجم الكبير» (20/ 65 - 66) رقم (120)، والبيهقي في «الجامع لشُعب الإيمان» (14/ 136) رقم (7611)، وابن عبد البر في «التمهيد» (24/ 334) من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن مكحول، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، به.

ملاحظة: سقط اسم «مكحول» من مطبوعة «كشف الأستار» وكذا في «مختصر زوائد البزار» لابن حجر.

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 23): وفيه عبد الرحمن بن أبي بكر الجدعاني؛ وهو ضعيف.

قلت: وشهر بن حوشب: صدوق كثير الإرسال والأوهام، كما في التقريب.

وأما حديث جابر: فرواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/ 74) رقم (6895)، والبيهقي في «الجامع لشُعب الإيمان» (14/ 135 - 136) رقم (7610)، والبغوي في «شرح السنة» (13/ 202) رقم (3622 و 3623) من طريق يوسف بن محمد بن=

= المنكدر، عن أبيه، عن جابر، به.

قال البيهقي: إسناده ضعيف.

قلت: وهذا الحديث ذكره مالك في «الموطأ» بلاغًا، وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (24/ 333):«وهذا الحديث يتصل من طُرقُ صحاح عن أبي هريرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم» . وكذا صححه العلامة الألباني في «الصحيحة» (45).

ص: 91

وفي رواية: «مكارم» .

ولهذا تقدَّم

(1)

عن عُمرَ أنه لمَّا سَمِعَ صَوْتَ المرأةِ من قريشٍ التي تُباع أُمُّها؛ نهى عن بيعهنَّ، وتلا قولَه تعالى:{فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} [محمد: 23].

وأُجيب عن الأول: بأن الولد ليس جُزْءًا من أُمِّهِ بمنزلة أعضائها.

وعن الثاني -إنْ صحَّ عن عُمرَ- بأنه أشار به عليهم؛ ولهذا قال: «وقد وَسَّعَ اللهُ» ؛ ولا يمتنع بيع أُمِّ الحُرِّ في صُوَرٍ عديدة.

فهذه وجوهُ الاحتجاج لهذا القول، والأجوبةُ عنها على سبيل الاختصار، ولله الحمدُ والمِنَّة.

وأما القول الثاني:

وهو جواز بيع أُمَّهات الأولاد مطلقًا؛ فهو مذهب جماعة من الصحابة: كأبي بكر، وعُمرَ في أول قوليه، وعليٍّ في آخرهما، وابنِ مسعود، وأبي سعيد، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابنِ الزبير، وجابر.

(1)

(ص 49 - 50).

ص: 93

وحَكَمَ به الوليدُ بن عُقبة أيام عُثمان بالكوفة.

قال عبد الرزاق بن همام في «مصنَّفه»

(1)

: حدَّثنا ابن جُريج، أخبرني عبد الرحمن بن الوليد، أن أبا إسحاق الهمْداني أخبره أنَّ أبا بكر الصِّديق كان يبيع أُمَّهاتِ الأولاد في إمارته، وعُمرُ في نصف إمارته.

وقال شُعْبة: عن الحكم، عن زيد بن وهب قال: انطلقتُ إلى عُمرَ بن الخطَّاب أسأله عن أُمِّ الولد؟ فقال: مالُكَ، إنْ شئتَ بِعْتَ، وإنْ شئتَ وَهبْتَ. ثم ذهبتُ إلى ابنِ مسعودٍ فقال: تَعْتِقُ مِنْ نصيب ولدها

(2)

.

وقد تقدَّم

(3)

قولُ عليٍّ أنه رأى هو وعُمر أنْ يَعْتِقْنَ، ثم رأى هو أن يُبعن.

وقال ابن عُيينة، عن عَمرِو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس؛ في أُمِّ الولد، قال: ما هي -والله- إلا بمنزلة شاتِكَ أو بعيرِكَ

(4)

.

وقال ابن جُريج: أخبرني عطاء أنَّ ابن عباس قال: لا تَعْتِقُ حتى يتكلَّم

(1)

(7/ 287) رقم (13210)، ومن طريقه أخرجه ابن حزم في «المحلى» (9/ 218).

(2)

أخرجه ابن حزم في «المحلى» (9/ 218) وقال: هذا إسناد في غاية الصحة.

(3)

(ص 76).

(4)

أخرجه ابن عيينة في «جزئه» (ص 84) رقم (18)، وعبد الرزاق في «المصنف» (7/ 290) رقم (13218)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 288)، وسعيد بن منصور في «سننه» (2/ 90) ت: الأعظمي.

ص: 94

بعِتْقِها

(1)

.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة في «مصنَّفه»

(2)

: حدَّثنا أبو خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، أخبرني نافع: أنَّ رُجلين من أهل العراق سألا ابن عُمر بالأَبْوَاءِ وقالا: إنا تركنا ابنَ الزبير يبيع أُمَّهات الأولاد بمكَّة، فقال: لكن أبو حفص أعتقهنَّ.

وسيأتي

(3)

قولُ جابر وأبي سعيد.

فهذه أسانيد صحيحة عن هؤلاء الصحابة ببيعِهنَّ، وهو قولٌ قديمٌ عبد الله الشافعي

(4)

، وروايةٌ عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، واختيار داود الظاهري، وابنه أبي بكر، وأبي الحسن عبد الله بن المُغَلِّس، وأكثر الظاهرية

(5)

.

واختاره من المتأخِّرين العلامةُ أبو بكر، محمد بن أحمد بن سيِّد الناس، اليَعمرَي الأندلسي، خطيب تونس، وصنَّف في ذلك مجموعًا مفيدًا، أجاد فيه وأتقن، وحرَّر فأحسن، وقد احتجَّ لهذا القول: بالكتاب، والسُّنة، والإجماع، والقياس:

(1)

أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (7/ 290) رقم (13216).

(2)

(6/ 437) رقم (1632). وأخرجه -أيضًا- ابن عيينة في «جزئه» (ص 117) رقم (50)، والبيهقي (10/ 348).

(3)

(ص 96 - 100).

(4)

انظر (ص 84).

(5)

وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيضًا. انظر «الاختيارات» (ص 289).

ص: 95

أما الكتاب:

فعمومُ قولِهِ تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]. ولم يأتِ دليلٌ صحيحٌ صريحٌ في إخراج أُمِّ الولد من ذلك.

وقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون: 5] وأُمُّ الولد يجوزُ وطؤها بالإجماع، وقد سمَّاها اللهُ مملوكةً، وهو المدَّعى، ولم يأتِ ما يخصِّصُ البيعَ مِنْ وَجْهٍ يثبت كونه (199/ أ) حُجَّة.

وأما السُّنة:

فقال الإمام الشافعيُّ

(1)

: حدَّثنا عبد المجيد، عن ابن جُريج، أخبرنا أبو الزبير أنه سمِع جابرَ بن عبد الله يقول: «كُنَّا نَبيعُ سَرارينا أُمَّهاتِ الأولاد، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم فينا، لا نرى

(2)

بذلك بأسًا».

وأخرجه النسائيُّ

(3)

، من حديث مكِّي بن إبراهيم، عن ابن جُريج، ولفظه:«كنَّا نبيعُ أُمَّهات الأولاد والنبيُّ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ فلا يُنْكِرُ علينا»

(4)

.

(1)

«في السنن المأثورة» (ص 293) حديث (286)، ومن طريقه أخرجه البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (14/ 470 - 471).

(2)

«نرى» في الأصل بإهمال الحرف الأول، وفي مطبوعة «السنن المأثورة»:«يرى» ، ووقع في عدة مواضع من الإبرازة الأولى:«نرى» بالنون وهو الصواب.

(3)

في «السنن الكبرى» (5/ 56 - 57) رقم (5021).

(4)

ليس هذا لفظ رواية مكي، بل هو لفظ رواية أبي عاصم عن ابن جريح، وقد رواها النسائي في «السنن الكبرى» عقب رواية مكي (5/ 75) رقم (5022)، وأما =

= لفظ رواية مكي بن إبراهيم فهو: «

ما نرى بذلك بأسًا».

ص: 96

ورواه ابن ماجه

(1)

من حديث عبد الرزاق

(2)

، عن ابن جُريج.

ورواه أبو بكر البزَّار عن عَمرو بن علي، عن أبي عاصم، عن ابن جُريج، عن أبي الزبير، عن جابر قال:«كُنَّا نبيعُ أُمَّهات الأولاد على عَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبلُغُهُ فلا يقولُ شيئًا» .

وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط مسلم، ولا تضرُّ عنعنةُ أبي الزبير عن جابر؛ لأن مسلمًا أخرجها في «صحيحه» .

وقد رواه الحسن بن زياد اللُّؤْلُؤيُّ، عن ابن جُريج، عن أبي الزبير، عن جابر، فذكره.

لكن قال أبو حاتم الرازي في كتاب «العلل»

(3)

: هذا منكرٌ؛ والحسن بن زياد ضعيفُ الحديث، ليس بثقة، ولا مأمون.

وقد روى أبو داود

(4)

هذا الحديث مِنْ وَجْهٍ آخر عن جابرٍ فقال: حدَّثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن قيس، عن عطاء، عن جابر بن

(1)

في «سننه» (2517).

(2)

أخرجه في «المصنَّف» (7/ 288) رقم (13211)، ومن طريقه أخرجه أحمد (3/ 321)، وابن ماجه (2517)، والدارقطني (4/ 135)، والبيهقي (10/ 348).

(3)

(2/ 433) رقم (2806).

(4)

في «سننه» (3954). وأخرجه أيضًا الحاكم (2/ 18)، والبيهقي (10/ 347). وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

ص: 97

عبد الله قال: «بِعْنَا أُمَّهاتِ الأولاد على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم [وأبي بكر]

(1)

، فلما كان عُمرُ نهانا فانتهينا».

وهذا أيضًا على رَسْمِ مسلمٍ؛ لأن حمادًا -هو ابن سَلَمة- انفرد به مسلم، وقيس -هو ابن سعد المكي- ثقةٌ أَخرج له أيضًا.

وقد رُوي من وجهٍ آخر عن جابر، فقال أبو بكر بن أبي شيبة في «مصنَّفه»

(2)

: حدَّثنا معاوية بن هشام، حدَّثنا أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سَلَمة، عن جابر قال: «كُنَّا نبيع أُمَّهاتِ الأولادِ على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم [والنبيُّ صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا]

(3)

، ثم ذكر أنه زجر عن بيعهنَّ، وكان عُمر يشتدُّ في بيعهنَّ».

أيوب بن عتبة: يمامي ضعيف

(4)

.

وقوله: «ثم ذكر أنه زجر عن بيعهنَّ» الظاهرُ أنه من كلام جابر

(5)

؛ لأن

(1)

ما بين المعقوفين ليس في الأصل، واستدركته من «السنن» لأبي داود.

(2)

لم أقف عليه في مطبوعة «المصنَّف» لابن أبي شيبة، وقد نقله عن «المصنَّف» بإسناده ومتنه عبد الحق في «الأحكام الوسطى» (4/ 23)، وابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 760).

(3)

ما بين المعقوفين ليس في الأصل، وقد استدركته من «الأحكام الوسطى» (4/ 23)، و «البدر المنير» (9/ 760)، وانظر التعليق السابق.

(4)

قال عبد الحق في «الأحكام الوسطى» (4/ 23): «أيوب ضعيف، ولكن ذكر أبو حاتم أن كتاب أيوب عن يحيى صحيح» .

(5)

كذا! وقال في (ص 101): «ليس هو صريحًا ولا ظاهرًا أنه من كلام جابر، بل =

= الظاهر خلافه

». وقال في الإبرازة الأولى (ص 131): «يحتمل أن يكون من غير كلام جابر» .

ص: 98

مِنْ مذهبه أنهن بُيعنَ

(1)

، والله أعلم.

وقد رُوي هذا عن أبي سعيد أيضًا؛ فقال الإمام أبو عبد الرحمن النَّسائيُّ

(2)

رحمه الله: ثنا محمد بن عبد الأعلى، ثنا خالد -هو ابن الحارث- ثنا شُعبة، عن زيد العَمِّي، عن أبي الصِّديق النَّاجي، عن أبي سعيد الخدري في أُمَّهات الأولاد قال:«كُنَّا نبيعهنَّ على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

ورواه عن شُعْبة: غُنْدَر، وعَمرُو بن مرزوق.

ولكنْ زيدٌ العَمِّي فيه ضَعْف، قال ابن عَدي

(3)

: لم يروِ شُعْبةُ عن

(1)

كذا في الأصل، ولعل صواب العبارة:«لا يُبعن» ؛ لأنه قد تقدم في (ص 47) أن مذهب جابر منع بيعهنَّ، كعُمر بن الخطاب، وقد نقل ابن عبد البر في «الاستذكار» (23/ 153)، وابن رُشد في «بداية المجتهد» (2/ 329) عن جابر أنه يجيز بيع أمِّ الولد، فليُحرر مذهبه.

(2)

في «السنن الكبرى» (5/ 57) رقم (5023).

وأخرجه -أيضًا- الدارقطني (4/ 135 - 136) عن خالد بن الحارث.

وأبو داود الطيالسي (3/ 654) رقم (2314)، ومن طريقه البيهقي (10/ 348).

وأحمد (3/ 22) عن غُندر.

والحاكم (2/ 19) عن عمرو بن مرزوق.

وابن عدي في «الكامل» (3/ 201) عن عبد الصمد.

(3)

«الكامل» (3/ 201).

ص: 99

أضعفَ منه.

قالوا: فهذا حديثٌ صحيحٌ الإسناد، صريحُ الرَّفْع في رواية النَّسائي والبزَّار، وهي على شرط مسلم، وظاهرٌ في الرفع من رواية الباقين؛ لأنَّ الصحابي إذا قال:«كُنَّا نفعل» ، أو «كانوا» ، فالأكثرُ من أهل العِلْم على أنه حُجَّة، فأما إذا قيَّده بزمان النبيِّ صلى الله عليه وسلم -كما في هذا الحديث- فلم يُخالِف في كونه حُجَّة إلا شذوذٌ من الناس

(1)

.

وليس في الأحاديث شيءٌ يَنسخُ هذا الحديثَ، ونَهْيُ عُمرَ رضي الله عنه إن سُلِّم أنه على التحريم منه، وليس على الكراهية؛ فليس بمُجْمَعٍ عليه ليتضمَّن ناسخًا كما تقدم، فقضاء رآه أنه مذهب صحابي، وهو لا ينسخ الحديث الصحيح بالإجماع.

فأما قولُ البيهقي

(2)

وغيره: «يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يشعر بذلك، ويحتمل أن ذلك كان قبل (ق 199/ ب) النَّهي، أو قبل

(3)

ما استدلَّ به عُمرُ أو غيرُه مِنْ أَمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم على عِتقهن، ومَن فعله منهم لم يبلغه ذلك، والله أعلم».

فَبَرِدُ عليه أشياء منها:

(1)

انظر «تدريب الراوي» للسيوطي (1/ 185 - 187).

(2)

«معرفة السنن والآثار» (14/ 471).

(3)

«قبل» في الأصل: «قيل» والمثبت من الإبرازة الأولى (ص 136) حيث نقل قول البيهقي بنصه، وهو كذلك في «معرفة السنن والآثار» ، وهو الموافق للسياق.

ص: 100

أنَ يَرُدَّ حديثَ أبي سعيد في زكاة الفِطر: «كُنَّا نُخْرِجُ في زمانِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا

» إلى آخره

(1)

. وقد احتجَّ به الجمهورُ على إجزاء غير التَّمْر والشَّعير في زكاة الفِطْر.

وحديث ابن عُمر: «كنا نُفاضِلُ في عَهْدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فنقول: أبو بكر، ثم عُمر، ثم عُثمان» . وقد أخرجه البخاريُّ

(2)

، واحتجَّ به أهلُ السُّنة والجماعة

(3)

، ونحوَ ذلك من الأحاديث.

وقوله

(4)

: «أو كان ذلك قبل النَّهي» ؛ فأين النهيُ؟!

ثم لو ثَبَتَ نهيٌ؛ فأين بيان تأخُّره لمدَّعي النَّسخ؟!

وقد تقدَّم

(5)

تضعيفُ حديث أيوب بن عُتبة الذي قال فيه: «ثم ذكر أنه زَجَرَ عن بيعهن» . ثم لو ثَبَتَ؛ ليس هو صريحً ولا ظاهرً

(6)

أنه من كلام جابر، بل الظاهرُ خِلافه؛ لقول جابر:«ثم نهانا عُمرُ؛ فانتهينا»

(7)

.

(1)

أخرجه البخاري (1505 و 1506 و 1508 و 1510)، ومسلم (985).

(2)

رقم (3655).

(3)

انظر «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» للالكائي (8/ 1371).

(4)

أي: البيهقي.

(5)

(ص 98).

(6)

«صريح ولا ظاهر» كذا في الأصل، والجادة:«صريحًا ولا ظاهرًا» ، ولكن يتَّجه ما في الأصل على حذف تنوين النصب، وقد تقدم التعليق على هذه المسألة (ص 45) تعليق رقم (3).

(7)

تقدم تخريجه (ص 98).

ص: 101

فإنْ قيل: فانتهاءُ جابر يدلُّ على أنه ثَمَّ شيءٌ مرفوعٌ؟

فالجواب: لا يلزمُ ذلك؛ لأن أمير المؤمنين عُمر رضي الله عنه رأى في ذلك المصلحةَ، ولهذا قال لهم:«وقد وسَّعَ اللهُ»

(1)

. وكان رحمه الله رَجُلًا مَهيبًا، ولهذا لمَّا نهاهم عن مُتَّعة الحجِّ؛ انتهوا

(2)

، مع أنها ثابتةٌ بالكتاب والسُّنَّة. وله رضي الله عنه الاجتهادُ الحميد، والرأيُ السَّديد، ولم يكن معه في أُمَّهات الأولاد نصٌّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعًا؛ لِمَا تقدم

(3)

من قول عليٍّ: «استشارني عُمرُ في أُمَّهاتِ الأولاد، فرأيتُ أنا وهو ألَّا يُبعْنَ» ، ومن استجازة عليٍّ مخالفة ذلك الرأي، والله أعلم.

واحتجُّوا أيضًا بحديث عُمر رضي الله عنه في القَدَر؛ لما سأل جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن أشراط الساعة؟ فقال: «أن تَلِد الأَمَةُ ربَّتَها»

(4)

.

قالوا: فإذا كانت مربوبة -وهي المملوكة- جاز بيعُها. والحديث في «الصحيح» ، ومن رواية أبي هريرة أيضًا.

وأما الإجماع:

فحكاه أبو عُمر بن عبد البَرِّ عمَّن قال بهذا القول. وهو بعيدٌ جِدًّا؛ إذ

(1)

تقدم تخريجه (ص 50).

(2)

تقدم تخريجه (ص 80).

(3)

(ص 76).

(4)

أخرجه مسلم (8)، وهو في البخاري (50)، ومسلم (9) من حديث أبي هريرة.

ص: 102

قد صحَّ عن عُمر وعُثمان ومن تقدَّم ذِكْرهم المنعُ من ذلك، وحاول بعضُهم حكايةَ الإجماع في عهد أبي بكر، وهو بعيدٌ أيضًا؛ لأنه يستحيل أن يكون لفظيًّا مع مخالفة عُمر له بعد ذلك، وغايته أنه سكوتي إنْ وُجِدَتْ شروطه من: الاشتهار، وعدمِ الإنكار، وانقراضِ العصر. ولم يوجد حتى خالف عُمر، وإن لم يشترط فخِلاف عُمر يدلُّ على أن الإجماع السُّكوتي

(1)

[ليس بحُجة].

واستدلَّ بعضُهم بالاستصحاب:

فقال: كانت قبل أن تَحمِل يجوز بيعُها بالإجماع، فبعد الوضع يجوز استصحابُ ما كان على ما كان؛ إذ لم يمنع من ذلك مانعٌ.

وهذا قد تقدم معارضتُه، بأنه كان يمتنع بيعُها حالَ حملِها بالإجماع فبعده بطريق الاستصحاب، وقد تقدم الكلام عليه

(2)

، والله أعلم.

وأما القول الثالث:

وهو جواز بَيْعِها حياةَ سيدِها، فإذا مات عَتَقَتْ، فهو محكيٌّ عن عُمر، وعلي بن أبي طالب، وهو قولٌ لأبي عبد الله الشافعي، وحكاه سيفُ [200/ أ] ابن عُمر التميمي في كتاب «وفاة النبي صلى الله عليه وسلم» إجماعًا؛ فإنه قال:

(1)

وضع الناسخ في الأصل بعد هذه الكلمة ثلاث دوائر منقوطة، ثم ترك بعدها مقدار نصف سطر بياض، ثم أكمل الكلام! .. ولعل تتمة العبارة ما أثبته بين المعقوفين، والله أعلم.

(2)

(ص 78).

ص: 103

«وأجمع عُمرُ والمسلمون أن أُمَّ الولد كالمُدَبَّرَة، أنها مملوكة حياة مولاها، ثم هي حُرَّة بعده؛ حِفظًا للفُرُوج»

(1)

.

وسيفُ بن عُمر هذا؛ عَليم بالسِّير والتواريخ وأيام الإسلام؛ إلا أنه ضعيفٌ عند الأئمة بمرَّة، وقال أبو داود: ليس بثقة

(2)

. وقال أبو حاتم: متروك

(3)

. فلو صحَّ حكايته هذا الإجماع؛ لكان حُجَّةً في المسألة كافيةً.

ويُحتجُّ لهذا القول بما احتُجَّ به للمذهب الذي قبلَهُ من عموم: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]، وقوله:{والذين هم لفروجهم حافظون} [المؤمنون: 5]، وحديثِ جابر وأبي سعيد. ويُخصُّ بحديث ابن عباس المتقدم

(4)

مرفوعًا: «أيما رُجل وَلَدَتْ أَمَتُه منه؛ فهي مُعتَقةٌ عن دُبُرٍ منه» .

هذا بتقدير صحته، وإلا فهو من كلام عُمر بن الخطَّاب، فإنه قال:«لا يبيعها سيدها، ولا يهبها، ولا يورثها، وهو يستمتع منها، فإذا مات فهي حُرَّة» ، ندع ما عدا قوله:«فإذا مات فهي حُرَّةٌ» ؛ لمضادته حديث جابر وأبي سعيد، وبقي قوله:«فإذا مات فهي حُرَّة» ، يصلح تخصيص الحديثين به؛

(1)

رواه عنه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (3/ 167)، وقال المصنف في «الإبرازة الأولى» (ص 140):«وهذا إجماعٌ غريبٌ!!» .

(2)

كذا في الأصل! وفي «سؤالات الآجري» (1/ 214) رقم (216)، و «تهذيب الكمال» (12/ 326):«ليس بشيء» .

(3)

«الجرح والتعديل» (4/ 278) رقم (1198).

(4)

(ص 51).

ص: 104

لأن مذهب الصحابي يُخصُّ به العمومُ عند من يراه حُجَّة؛ كالحنفية

(1)

، والحنابلة

(2)

، والشافعي في قوله القديم؛ بلا خِلاف عنه، واختُلف عليه: هل يراه حُجَّة في الجديد أم لا؟ على الطريقين:

فالبيهقي وغيره: على أنه حُجَّة في الجديد أيضًا.

قلت: وهو ظاهر كلامه في آخر «الرسالة»

(3)

، وهي من كُتُبه الجديدة؛ لأنها من رواية الربيع عنه؛ فإنه قال رحمه الله:«الأصلُ: كتابٌ، أو سُنة، أو إجماع الناس، أو قول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم» .

وقال الشيخ أبو حامد الإسفَراييني وجماعة من الفقهاء

(4)

: بل مذهبه في الجديد أن مذهب الصحابي ليس بحُجَّة

(5)

.

(1)

انظر «فواتح الرحموت» (1/ 355).

(2)

«شرح الكوكب المنير» (3/ 375)، و «التحبير شرح التحرير في أصول الفقه» (6/ 2676).

(3)

لم أقف عليه في مطبوعة «الرسالة» للشافعي، ووجدته بنصه في آخر كتاب «الأم» له رحمه الله (8/ 28) وهو من رواية الربيع أيضًا.

(4)

«التبصرة» للشيرازي ص/ 149، و «الإحكام» للآمدي (1/ 406).

(5)

والذي رجَّحه عددٌ من الأئمة المحقِّقين مثل ابن تيمية، وابن القيم، والعلائي: أن مذهب الصحابي حُجة عند الشافعي في القديم والجديد. وانظر تحقيقًا مفيدًا لهذه المسألة في «المسوَّدة» لآل تيمية ص/ 337، و «إعلام الموقعين» (4/ 120)، و «إجمال الإصابة» للعلائي ص 182 - 185.

ص: 105

ولتقرير هذه المسألة موضع آخر

(1)

، والله أعلم.

واحتُجَّ لهذا القول أيضًا بالإجماع على ما حكاه سيفُ بن عُمر.

وبالقياس، ونظمُهُ: أنها مملوكةٌ انعقدَ سببُ عتقها بعد موت سيدِها؛ فجاز بيعُها في حياته؛ قياسًا على المُدَبَّر، والله أعلم.

وأما القول الرابع:

وهو أنها تُباع في الدَّين، ولا تُباع في غيره، فَلِما رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث محمد بن إسحاق بن يسار المدني صاحب «المغازي» ، عن خطَّاب بن صالح مولى الأنصار، عن أُمِّه، عن سَلَامة بنت مَعْقِل امرأة من خارجةِ قيسِ عَيْلان قالت: قَدِمَ بي عمِّي في الجاهلية؛ فباعني من الحُباب بن عَمرو؛ أخي أبي اليَسَر بن عَمرو، فولدتُّ له عبدَ الرحمن بن الحُباب، ثم هلك. فقالت امرأتُه: الآن -والله- تُباعِين في دَيْنه!!

فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسولَ الله، إني امرأةٌ من خارجةِ قيسِ عَيْلان

(2)

، قَدِم بي عمِّي المدينةَ في الجاهلية؛ فباعني من الحُباب بن عَمرو أخي أبي اليَسَر بن عَمرو، فولدتُّ له عبدَ الرحمن، فقالت امرأتُه: الآن -والله- تُباعين في دَيْنه!!

فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وليُّ الحُباب؟» قيل: أخوه أبو اليَسَر بنُ

(1)

انظر «مناقب الإمام الشافعي» للمؤلِّف (ص 173).

(2)

«قيس عيلان» في الأصل «قيس ابن عيلان» ، و «ابن» ليست في «سنن أبي داود» ، ولا في الإبرازة الأولى (ص 138) فلعلها سبق قلم من الناسخ.

ص: 106

عَمرو، فبعث إليه، فقال:«أعْتِقوها، فإذا سمعتم برقيقٍ قَدِم عليَّ فأتوني أعوِّضْكم منها» ، قالت: فأعتقوني، وقَدِم على رسولٍ الله صلى الله عليه وسلم رقيقٌ فعوَّضهم [مني]

(1)

غلامًا

(2)

.

هذا لفظ أبي داود.

زاد الإمام أحمد: قالت: فاختلفوا [فيما]

(3)

بينهم (200/ ب) بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قومٌ: أُمُّ الوَلَد مملوكة، لولا ذلك لم يُعوِّضكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم [منها]

(4)

. وقال بعضهم: هي حُرَّة، قد أعتقها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَفِيَّ كان الاختلاف

(5)

.

(1)

ما بين المعقوفين ليس في الأصل، واستدركته من «السنن» ، ومصادر التخريج.

(2)

أخرجه أحمد (6/ 360)، وأبو داود (3953)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (6/ 193) رقم (3423)، والطبراني في «المعجم الكبير» (4/ 44) رقم (3596)، و (24/ 309) رقم (780)، وفي «المعجم الأوسط» (2/ 11) رقم (1063)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (10/ 345)، وفي «معرفة السنن والآثار» (14/ 470)، والمزي في «تهذيب الكمال» (8/ 267) كلهم من طريق محمد بن إسحاق، به.

قال الطبراني: تفرَّد به محمد بن إسحاق.

قال عبد الحق في «الأحكام الوسطى» (4/ 22): ضعيف الإسناد.

(3)

ما بين معقوفين ليس في الأصل، واستدركته من «المسند» .

(4)

ما بين معقوفين ليس في الأصل، واستدركته من «المسند» .

(5)

زاد الطبراني في آخر هذا الحديث بعد روايته في «المعجم الكبير» (24/ 310) ما نصه: «قال ابن إسحاق: فحدثت ربيعة بن عبد الرحمن بهذا الحديث فقال: والله ما =

= أعتقهم عُمر إلا بهذا الحديث».

ص: 107

هذا حديث غريبٌ، وخطَّاب وأُمُّه لا يُعرفان إلا بهذا الحديث

(1)

.

قال الطبراني

(2)

: لا يُروى إلا بهذا الإسناد.

قلت: وخطَّاب هذا هو ابن صالح بن دينار الأنصاري المدني، أخو داود ومحمد، وثَّقه ابن إسحاق

(3)

، وابن حبان

(4)

.

وقال أبو سليمان الخَطَّابي

(5)

: ليس إسناده بذاك.

وقال الحافظ أبو بكر اليَعمَري في «كتابه» : وإسناد هذا الحديث لا بأس به عند بعضهم.

(1)

وقال في «الإبرازة الأولى» (ص 138): «وإسناده لا بأس به، وقد رُوي له شاهدٌ من وجهٍ آخر» .

(2)

في «المعجم الأوسط» (2/ 11) رقم (1063).

(3)

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 201): «خطَّاب بن صالح، مولى بني ظفر الأنصاري، عن أُمه سلامة بنت مَعقل، أو مغفل؛ قاله يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، وكان ثقة» . وقد اختلف أهلُ العلم في هذا التوثيق، إلى من يرجع؟

فذهب الذهبي في «الميزان» و «الكاشف» إلى أن قائل: «وكان ثقة» هو البخاري نفسه. في حين يُفهم من كلام ابن كثير هنا وابن حجر في «التقريب» أن القائل هو ابن إسحاق. والله أعلم.

(4)

«الثقات» (6/ 271).

(5)

في «معالم السنن» (5/ 410).

ص: 108

قالوا: ففي هذا إقرارُه صلى الله عليه وسلم على جواز بَيْعها في الدَّين، وحديث ابن عباس:«فهي مُعتَقةٌ عن دُبُرٍ منه»

(1)

عامٌّ؛ فيُخصُّ بهذا؛ فتَعْتِقُ بموته؛ إلا أن يكون عليه دَيْنٌ فتُباع فيه.

وهذا المذهب مفرَّع على صحة هذين الحديثين، وفيهما نظر، والله أعلم.

وأما القول الخامس:

وهو أنها تُحسَبُ من نصيب ولِدها، فهو مذهبُ ابنِ مسعود

(2)

، وابنِ عباس

(3)

، وابنِ الزبير

(4)

، وقد رُوي عن عُمرَ أيضًا. وكأنه يرجع إلى المذهب الثاني، وهو أنها رقيقةٌ فإذا مات سيدُها فإن ولدها يرثُها مع الورثة، فَيَعْتِقُ منها ما ملكه ولدها، ويسري العتق في الباقي كما تقدَّم في الحديث؛ ولهذا قال أبو بكر بن أبي شيبة

(5)

: حدَّثنا وكيع، حدَّثنا الأعمش، عن زيد بن وهب قال: مات رجُلٌ مِنْ الحَيِّ وترك أُمَّ ولدٍ، فأمر الوليدُ بنُ عُقبة ببيعِها، فأتينا ابنَ مسعود فسألناه؛ فقال: إنْ كنتم لا بُدَّ فاعلين فاجعلوها مِنْ نصيب وَلَدِها.

وقال عبد الرزاق

(6)

: حدثنا ابن عُيينة، عن الأعمش، عن زيد: مات

(1)

(ص 51).

(2)

سيأتي تخريج المصنف له بعد أسطر.

(3)

أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة (6/ 440) رقم (1640).

(4)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 290) رقم (13217).

(5)

في «المصنف» (6/ 438) رقم (1633).

(6)

في «المصنف» (7/ 289) رقم (13214 و 13215)، وأخرجه أيضًا سعيد =

= ابن منصور في «سننه» (2/ 66) رقم (2061) ت: الأعظمي.

ص: 109

رجُلٌ مِنَّا وتَركَ أُمَّ ولدٍ، فأراد الوليدُ بيعَها في دَيْنه، فأتينا ابنَ مسعود فقال: إنْ كنتم لا بُدَّ فاعلين فاجعلوها من نصيب ولدها.

وأما القول السادس:

وهو أنه يجوز بيُعها بشرط العِتق، فقد حكاه الحافظُ أبو بكر اليَعمَري في غبون

(1)

كلامه على أنه لم يُصرِّحْ به في صَدْر كتابه، ولم يَحْكِ في كتابه سوى أربعة أقوال:

القولان الأولان.

وأنها تَعتِقُ من نصيب ولدها.

والرابع: التفريق بين أن تَبَرَّ وتتقي فلا تُباع، وبين أن تفجُرَ وتزني فتُباع.

وهذا القول السابع في هذه المسألة:

وهو قولٌ ثالث عن عُمرَ في أُمِّ الولد، قال أبو بكر بن أبي شيبة

(2)

: حدَّثنا وكيع، حدَّثنا يزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين، عن مالك بن أبي عامر الهَمْداني، قال: قال عُمرُ في أُمِّ الولد: «إنْ هي أحصَنتْ وأسلمت وعفَّت؛ عَتَقَتْ، وإنْ هي فَجَرَتْ وكَفَرتْ وزَنَتْ؛ رقَّتْ» .

(1)

«غبون» كذا في الأصل، وقد تكرَّرت هذه الكلمة في كلام المصنِّف كثيرًا في كتابه «البداية والنهاية» ، قال في «اللسان» (13/ 310) مادة (غبن):«غبن الثوب؛ إذا ثناه وعطفه» . فيتوجَّه كلام المصنِّف على أنها بمعنى «أثناء» ، والله أعلم.

(2)

في «المصنف» (6/ 441 - 442) رقم (1647). وأخرجه أيضًا سعيد بن منصور في «سننه» (2/ 65) ت: الأعظمي، عن ابن سيرين، عن أبي عطية، عن مالك، به.

ص: 110

وقال معمر

(1)

: عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي العجفاء، عن عُمر:«أنها إذا زَنَتْ؛ رقَّتْ» .

وقال أبو بكر

(2)

: حدَّثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه قال: كان الحسن وإبراهيم لا يريان أن تُباع أُم الولد، وإنْ بغتْ. وكان ابن سيرين يرى أن تُباع.

وهو محكيٌّ عن الزُّهري أيضًا، وهو يُشبه قولَهُ في أُمِّ ولد النصراني (201/ أ) إذا أسلمتْ أنها تَعْتِقُ، كما سيأتي ذلك في موضعه

(3)

، إن شاء الله.

ويُحتجُّ لهذا القول بمِثلِ ما احتُجَّ به لقول مَنْ جَوَّز بيعَها حياةَ سيدِها مِنْ تخصيص حديثِ جابر-: «كنَّا نبيعُ أُمَّهات الأولاد»

(4)

، وحديثِ ابن عباس:«فهي مُعتَقةٌ عن دُبُرٍ منه»

(5)

- بقولِ عُمرَ رضي الله عنه.

وأما القول الثامن:

وهو الوقف في المسألة فقد تقدَّم

(6)

حكاية المُزني عن الشافعي رحمه الله أنه قَطَعَ في خمسةَ عَشَرَ كتابًا ببيع أُمَّهات الأولاد، ووقف في غيرها. وإلى هذا مال بعضُ أهل العِلم مِنْ المتأخِّرين.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 294) رقم (13237).

(2)

في «المصنف» (6/ 440) رقم (1642).

(3)

(ص 115).

(4)

تقدم تخريجه (ص 96 - 97).

(5)

تقدم تخريجه (ص 51).

(6)

(ص 84).

ص: 111

ووجهه: تعارض الأدلة مِنْ الطَّرفين، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

ص: 112

‌فصل

وأُمُّ الولد هي التي مَلَكَها السيدُ ملكاً شرعيًّا، وحَمَلتْ منه في ملكه حملاً تخلَّق بخَلْق آدمي، سواءٌ أسقطتْهُ، أو وضعتْهُ لوقته في ملكه.

فلو أولدها في ملك غيره، ثم مَلَكها، فهل تصير أُمَّ وَلَدٍ له؟

فيه أربعة أقوال للعلماء، هي أربع روايات في مذهب الإمام أحمد بن حنبل

(1)

رحمه الله:

أحدها: أنها تصير أُمَّ ولدٍ له؛ وهو مذهب أبي حنيفة

(2)

.

الثاني: لا تصير؛ وهو مذهب الإمام الشافعي

(3)

، لا خِلاف عنه في ذلك. وهو قول عَبيدة السَّلْماني.

الثالث: إنْ ملكها حاملاً صارت أُمَّ ولدٍ، وإلا فلا؛ وهو قول مالك

(4)

بن أنس، والمُزني

(5)

من أصحابنا.

الرابع: أنها لا تصير بمجرَّد الملك أُمَّ ولدٍ، بل إن وطِئها في ملكه صارت

(1)

«المغني» (14/ 589).

(2)

انظر: «المبسوط» (7/ 154).

(3)

انظر: «روضة الطالبين» (12/ 312).

(4)

انظر: «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (2/ 1004)، و «مواهب الجليل» وبحاشيته «التاج والإكليل» (6/ 356).

(5)

في «مختصره» ص/ 94.

ص: 113

أُمَّ ولدٍ له؛ وإلا لم تصِرْ، والله أعلم.

مسألة:

وأولاد أُمِّ الولد الذين حَدَثوا بعد ولادتها لسيِّدها من غير [هـ] حكمُهم كحكمها في الرِّق والحرية

(1)

؛ صحَّ ذلك عن: ابن عُمر

(2)

، والشَّعبي

(3)

، والنَّخَعي

(4)

، وعُمر

(5)

بن عبد العزيز، والحسن

(6)

البصري.

مسألة:

واختلف مَنْ مَنَعَ مِنْ بيع أُمِّ الولد في إجارتها:

فقال الجمهور بجواز ذلك؛ وهو مذهب الثلاثة

(7)

.

(1)

انظر «المغني» (14/ 599).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 298) رقم (13254 و 13255)، وأبو بكر بن أبي شيبة (6/ 161 - 162) رقم (658)، والبيهقي (10/ 348 - 349).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 298) رقم (13259)، وأبو بكر بن أبي شيبة (6/ 161) رقم (655)، والبيهقي (10/ 349).

(4)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 299) رقم (13262)، وأبو بكر بن أبي شيبة (6/ 160) رقم (654)، والبيهقي (10/ 349).

(5)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 297) رقم (13252)، وأبو بكر بن أبي شيبة (6/ 162) رقم (662)، والبيهقي (10/ 349).

(6)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 298 - 299) رقم (13258 و 13261)، وأبو بكر بن أبي شيبة (6/ 163) رقم (666)، والبيهقي (10/ 349).

(7)

انظر «المبسوط» (7/ 183)، و «لسان الحكام» (1/ 363)، =

= و «روضة الطالبين» (4/ 146)، و «نهاية المحتاج» (4/ 330 - 331)، و «المغني» (8/ 74 - 75)، و «كشاف القناع» (3/ 554).

ص: 114

وقال مالك

(1)

: لا يجوز إجارتها. حكاه القاضي عبدُ الوهاب

(2)

عنه.

مسألة:

لو أسلمتْ أُمُّ وَلَدِ الكافر؛ ففيه أربعة أقوال للعلماء:

أحدها: أنه يُحال بينه وبينها ما دام كافرًا، وينفِق عليها إلى أن تموت، فتَعْتِق، أو يُنْجِزُ عتقها في حال حياته؛ وهو قول الإمام أبي عبد الله الشافعي وأصحابه قاطبةً

(3)

.

الثاني: أنها تَعْتِق عليه بمجرَّد إسلامها؛ وهو مذهب الزُّهري، ورواية في مذهب مالك

(4)

وأحمد رحمهما الله.

الثالث: أنها تَستسعي في ثمنها؛ وهو رواية عن الإمام أحمد

(5)

.

(1)

«المدونة الكبرى» (4/ 436)، و «الكافي» لابن عبد البر (2/ 981).

(2)

في كتابه «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (2/ 1004 - 1005)

(3)

انظر «روضة الطالبين» (12/ 313)، وهذا مذهب الإمام أحمد أيضًا، انظر «المغني» (14/ 600)، و «كشاف القناع» (4/ 571).

(4)

«المدونة الكبرى (3/ 266)، و «الكافي» لابن عبد البر (2/ 981).

(5)

انظر «المغني» (14/ 600). وعلَّق ابن كثير في حاشية الأصل على هذا الموضع ما نصه: «وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله» . وانظر «المبسوط» (7/ 168)، و «البحر الرائق» لابن نجيم (4/ 295).

ص: 115

الرابع: أنها تُباع عليه؛ وهو رواية في مذهب مالك بن أنس رحمه الله؛ حكاها القاضي عبد الوهاب في «إشرافه»

(1)

وهي غريبة جدًّا!!

وقال مَعمَرٌ، عن عَمرو بن ميمون: كتب عُمر بن عبد العزيز في مَنْ أسلم من رقيق [أهل]

(2)

الذِّمَّة أن يُباعوا، ولا يُتركوا يَسترقونهم، ويدفع الثمن إليهم

(3)

.

وكأنَّ وَجْهَ هذا القول: أنه إذا لم

(4)

تُباع وُقِفَ الأمر، فيبقى ملكه مستمِرًّا عليها، وذلك محذور؛ لقوله تعالى:{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا} [النساء: 141].

ولما روى ابنُ أبي ذئب، عن الزُّهري قال: مَضَتِ السُّنة ألَّا يَسترِقَّ كافرٌ

(1)

«الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (2/ 1005).

(2)

ما بين المعقوفين ليس في الأصل، واستدركته من مصادر التخريج.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (6/ 46) رقم (9962)، وفي (6/ 44) رقم (9955) عن معمر والثوري، عن عمرو بن ميمون، به. وفي (6/ 41) رقم (9940) و (6/ 48) رقم (9968) عن معمر قال: كتب عمر بن عبد العزيز ....

(4)

علَّق الناسخ في حاشية الأصل: «لعله: تكن» بإهمال الحرف الأول، أي: إذا لم تكن -أو يكن- تُباع، والذي دعاه إلى ذلك أنه رأى الجازم دخل على المضارع «تباع» فلم يجزمه! وكان حقه أن يقول:«لم تُبَعْ» ولكن يُخرَّج ما في الأصل على وجهين: الأول: بضم العين، فلذلك على إهمال «لم» فيُرفع المضارع بعدها حملًا على «لا» أو «ما» النافيتين.

والثاني: بفتح العين، وذلك لجريانه على لغة من ينصب الفعل المضارع بِـ «لم» .

ص: 116

مسلمًا

(1)

.

والعتق (201/ ب) متعذِّر؛ لئلا يَضِيع ماله، ولأنه لا دليلَ عليه، وكذا الاستسعاء، فيتعيَّنُ القولُ بالبيع.

وأعجب من هذا: ما روى عبد الرزاق

(2)

، عن ابن جُريج قال: أخبرني رجُلٌ أنَّ نصرانيًّا أعتَقَ مسلِمًا، فقال عُمر بن عبد العزيز:«أعطوه قيمته من بيت المال، وولاؤه للمسلمين، هذا الرَّجُلُ منهم» .

مسألة:

واختلفوا: بماذا تتربَّص أُمُّ الولد إذا مات عنها سيدُها؟

فقيل: بحيضة إن كانت ممن تحيض، أو بشهر، أو ثلاثة أشهرٍ إن كانت ممن لا تحيض لإياسٍ.

قال مالك

(3)

، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه قال في أُمِّ الولد يُتوفَّى عنها

(1)

أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة (7/ 150) رقم (2704).

(2)

في «المصنف» (6/ 48) رقم (9969)، و (10/ 355) رقم (19352) عن ابن جريج، قال: أخبرني بعض أهل الرضا، به.

(3)

«مالك» في الأصل: «سالم» ! وهو خطأ محض، وهو في موطأ الإمام مالك (2/ 593)، وانظر الموطأ برواياته الثمانية (3/ 314) رقم (1371)، وأخرجه -أيضًا- الشافعي في مسنده (2/ 58 ترتيبه) رقم (189)، وفي «الأم» (5/ 218)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 447) و (10/ 349)، وفي «معرفة السنن والآثار» (11/ 238)، كلهم من طريق مالك، به.

ص: 117

سيدها: «تَعتدُّ بحيضة» . وهو قول الجمهور ممن أجاز بيعَها وممن منعه؛ لأن المراد براءة الرَّحِم، وذلك حاصلٌ بحَيضة.

وقيل: تَعتدُّ بأربعة أشهر وعشر؛ وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله؛ حكاها الشيخ الموفَّق

(1)

عنه وغيره.

واستدلَّ على ذلك: بما قال الإمام أحمد في «مسنده»

(2)

: حدَّثنا يزيد بن هارون، أنا سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن رجاء بن حَيوة، عن قَبيصة ابن ذؤيب، عن عَمرِو بن العاص رضي الله عنه قال:«لا تَلْبِسُوا علينا سُنَّةَ نبينا، عِدَّة أُمِّ الولد -إذا تُوفِّي عنها سيدُها- أربعة أشهرٍ وعشرًا» ؛ هكذا رواه الإمام أحمد.

وأخرجه أبو داود في «سننه»

(3)

عن قُتيبة، عن غُنْدَر.

وعن ابن المثنى، عن عبد الأعلى،

وابن ماجه

(4)

عن علي بن محمد، عن وكيع.

ثلاثتهم، عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن مَطَر، عن رجاء بن حَيوة، عن قَبيصة بن ذؤيب، عن عَمرِو بن العاص قال: «لا تَلْبِسوا علينا سُنَّة نبينا،

(1)

في «المغني» (11/ 262).

(2)

(4/ 203).

(3)

رقم (2308).

(4)

في «سننه» رقم (2083).

ص: 118

عِدَّة المتوفَّى عنها أربعة أشهرٍ وعشرًا. يعني: أُمَّ الولد».

وهكذا رواه الحاكم أبو عبد الله في كتابه «المستدرك»

(1)

، وقال: صحيح الإسناد، على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

قال شيخنا أبو الحجَّاج المِزِّي: رواية أبي داود وابن ماجه أقربُ إلى الصحة من رواية أحمد؛ حيثُ قال: «عن سعيد، عن قتادة» ، ويحتمل أن يكون الوَهَم من يزيد بن هارون؛ لأنه سلك المَجَرَّةَ:«سعيد عن قتادة» ، أو من سعيد بن أبي عَرُوبة؛ فإنه اختلَطَ في آخر عُمُرِه؛ وعلى التقديرين فكلٌّ من قتادة ومطر: ثقة، لا يضرُّ الحديث.

وقد رواه بعضُهم عن سعيد عن قتادة ومطر جميعًا، كما ذكره البيهقي

(2)

؛ فعلى هذا: هذا حديث صحيح مرفوع عند الجمهور؛ لأن الصحابي إذا قال: من السُّنة كذا؛ فالصحيح رَفْعُه، لا سيما وقد صرَّح هنا بقوله:«سُنَّة نَبيِّنا» ، فتعيَّن الرفعُ.

لكن قال البيهقي

(3)

: قال أحمد: هذا حديث مُنكَر. وحكى الإمام أبو محمد المقدسي

(4)

عن الإمام أحمد أنه قال: لا يصح هذا الحديث.

(1)

(2/ 228).

(2)

في «معرفة السنن والآثار» (11/ 238).

(3)

في «السنن الكبرى» (7/ 447)، وفي «معرفة السنن والآثار» (11/ 239).

(4)

«الشرح الكبير» (24/ 205). وانظر «مسائل صالح» (2/ 74 - 77). وقال الإمام محمد بن نصر المروزي في «اختلاف الفقهاء» ص/ 309: وضعَّف أحمد =

= وأبو عبيد حديث عمرو بن العاص، ولم يُثبتاه.

ص: 119

وقال الدارقطني

(1)

: قَبيصة لم يسمع من عَمرو، والصوابُ:«لا تلبسوا علينا» موقوف

(2)

.

وفي هذا نظر

(3)

؛ لأن قَبيصة كبيرٌ في التابعين، وأبوه صحابي مات عام حجَّة الوداع، والشهادة على نفي سماعه من عَمرو صعبة؛ لأن عمرًا مات سنة ثلاث وأربعين، وقَبيصة كان إذ ذاك كبيرًا.

وقال البيهقي

(4)

: «روى هذا الحديث سليمانُ بن موسى، عن رجاء بن حَيْوة، عن قَبيصة، عن عَمرو بن العاص أنه قال: «عِدَّةُ أُمِّ الولد عِدَّةُ الحُرَّة» .

وقيل: عن الزُّهري، عن قَبيصة، عن عَمرو: مثل ذلك.

وقيل غير هذا، والله أعلم».

قلت: إنْ صحَّ رَفْعُ هذا الحديث؛ ففيه دلالةٌ لمن يرى أنَّ أُمَّ الولد تَعْتِقُ بموت السيد

(5)

، والله أعلم. (202/ أ).

(1)

في «سننه» (3/ 309).

(2)

«موقوف» كذا في الأصل؛ بحذف ألف تنوين النصب، وقد تقدم التعليق على هذه المسألة (ص 45) تعليق رقم (3)، ويتوجَّه هنا جواب آخر: أنها خبر ثانٍ.

(3)

وكذا قال ابن عبد الهادي في «المحرر» ص/ 348 رقم (1100)، وانظر «زاد المعاد» (5/ 722).

(4)

في «معرفة السنن والآثار» (11/ 239).

(5)

وقد احتج به الإمام أحمد على عدم بيعهن، انظر «مسائل الكوسج» (1/ 401)

رقم (1033).

ص: 120

‌مسألة:

في قَرْض الإماء

خمسةُ أقوالٍ للعلماء:

أحدها: أنه حرام؛ لما يؤدِّي إليه من وَطْءِ الأَمَةِ، ثم ردِّها؛ فتكون كالمستعارة. أو لأنه عَقْد جائزٌ من الطرفين؛ فالملك فيه مزلزل، والفُرُوجُ لا تُستباح بذلك؛ كوَطْءِ الأَمَة المُشتراة في مدة الخيار؛ فإنه لا يجوز؛ لَمَّا كان كلٌّ من البائع والمشتري متمكِّنً

(1)

من فَسْخ العقد. وكذا كلٌّ من المُقْرِض والمُقْرَض له أن يفسخ العقد ما دامت العين باقية، وللمُقرِض المطالبةُ متى شاء، سواء كانت العينُ باقية أم لا، هذا في القرضِ الغيرِ المؤجَّلِ.

هذا الذي ذكرتُهُ: مذهب مالك

(2)

، وأبي حنيفة

(3)

، ووجهٌ في مذهب أحمد

(4)

، رحمهم الله.

الثاني: أن ذلك مكروه؛ وهو وجه في مذهب أحمد، فإنه قال:«أكرَه قَرْضَ بني آدم» ، فحُمِل على الكراهة التنزيهيَّة. وقيل: على التحريم كما

(1)

«متمكن» كذا في الأصل، والجادة:«متمكنًا» ، وقد تقدم التعليق على هذه المسألة (ص 45) تعليق رقْم (3).

(2)

«الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (2/ 565)، و «مواهب الجليل» (4/ 545 - 546).

(3)

«حاشية ابن عابدين» (التكملة)(8/ 383).

(4)

«المغني» (6/ 433)، و «المقنع» مع «الشرح الكبير» و «الإنصاف» (12/ 325 - 329).

ص: 121

تقدَّم؛ حكاه الإمام موفَّق الدِّين

(1)

.

الثالث: أن ذلك جائز مطلقًا من غير كراهة؛ وهو قول المُزَني، وداود، وابن جرير، وابن حزم

(2)

، والإمام موفَّق الدين

(3)

؛ لأنَّ المقترض يملك العين ملكًا صحيحًا؛ فجاز وَطْءُ الأَمَة فيه، كسائر الأملاك، والَوْطءُ لا يَمْنَعُ الردَّ كوَطْءِ المَعيبة؛ فإنه لا يمنع على قول الجمهور.

الرابع: أنه يجوز قرضهنَّ لمن لا يملك وَطْأهُنَّ؛ وهو مذهب الشافعي

(4)

؛ لزوال المحذور.

الخامس: أنه يجوز قرضهنَّ لمن يملك ولمن لا يملك، إلا أنه لا يحل لمن يملك وَطْؤهُنَّ ذلك بهذا العقد؛ لضعف الملك فيه؛ وهو وَجْهٌ في مذهب الشافعي.

مسألة:

إذا أسلم أحدُ أبوي الطفل؛ تبعه في الدِّين، هذا قول الشافعي

(5)

، وأبي حنيفة، وأحمد، والجمهور.

وقال مالك: إنما يتبع الأبَ فقط.

(1)

في «المغني» (6/ 433).

(2)

«المحلى» (8/ 76).

(3)

«المغني» (6/ 433).

(4)

«روضة الطالبين» (4/ 32).

(5)

«مختصر المزني» ص/ 308.

ص: 122

وقال بعضُ أهل المدينة: إنما يتبع الأمَّ فقط؛ لأنه يرقُّ برقِّها، ويتحرَّرُ بعتِقها.

وروى ابنُ جُريج، عن سليمان بن موسى أنه قال:«إذا مات طِفلٌ لنصرانيينِ، وله أخٌ من أُمِّهِ مسلمٌ، أو أختٌ مُسلمِة، فإنه يرث منه ما فَرَضَ الله له، والباقي للمسلمين» .

وهذا يقتضي أنه يتبعه في الدِّين؛ لأنهم أجمعوا على أنه إذا مات الطفل الذِّميُّ أنَّ أبويه يرِثانه. واستدلُّوا في المسألة بحديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«كلُّ مولودٍ يُولدُ على الفِطْرة؛ فأبواه يهوِّدانه، وينصِّرانه، ويمجِّسانه»

(1)

.

قالوا: فإذا أسلمَا أو أحدهما فقد فُقِدَ ذلك؛ فنحكم بإسلامه لذلك، وقد قال الإمام أحمد بإسلام الطفل إذا مات أبواه؛ أخذًا بهذا الحديث

(2)

. ويلزم على هذا: إسلامُ الطفل إذا مات أحد أبويه أيضًا.

على أنه قد حُكي الإجماعُ من الصحابة وغيرهم على خِلاف ذلك؛ فإنه قد كان يقعُ مثلُ ذلك ضرورةً في عصر الصحابة؛ لكثرة أهل الذِّمَّة، ولم يُنقَل أنَّ أحدً

(3)

من الصحابة حَكَمَ بإسلام أولادِهم الصِّغارِ لهذا

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري (1358 و 1359 و 1384 و 1385 و 4475 و 6597 و 6598 و 6599 و 6600)، ومسلم (2658).

(2)

«أحكام أهل الملل» من الجامع للخلال (ص 23 - 26) رقم (51 - 60).

(3)

«أحد» كذا بالأصل، وقد تقدم التعليق على هذه المسألة (ص 45) تعليق رقم (3).

(4)

وعن أحمد رواية ثانية، وهي: لا يحكم بإسلامه، وهذا قول الجمهور. قال شيخ =

= الإسلام ابن تيمية: «وهذا القول هو الصواب، بل هو إجماع قديم من السلف والخلف، بل هو ثابت بالسنة التي لا ريب فيها، فقد عُلم أن أهل الذِّمة كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ووادي القُرى، وخيبر، ونجران، واليمن، وغير ذلك، وكان فيهم من يموت وله ولد صغير، ولم يحكم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإسلام يتامى أهل الذِّمة، ولا خلفاؤه. وأهل الذِّمة كانوا في زمانهم طبق الأرض، بالشام ومصر والعراق وخراسان، وفيهم من يتاماهم عدد كثير، ولم يحكموا بإسلام واحد منهم، فإن عقد الذِّمة اقتضى أن يتولَّى بعضهم بعضًا، فهم يتولون حضانة يتاماهم، كما كان الأبوان يتولَّون تريبتهم» .

وعنه رواية ثالثة، وهي: إن كفله أهل دينه فهو باق على أبويه، وإن كفله المسلمون فهو مسلم، نص عليه في رواية يعقوب بن بختان، كما ذكره الخلال في جامعه.

قال ابن القيم: «وهذه الرواية هي أصح الأقوال في هذه المسألة دليلًا، وهي التي نختارها، وبها تجتمع الأدلة، فإن الطفل يتبع مالكه وسابيه، فكذلك يتبع كافله وحاضنه، فإنه لا يستقل بنفسه، بل لا بُدَّ له ممن يتبعه، ويكون معه، فتبعيته لحاضنه وكافله أَولى من جعله كافرًا بكون أبويه كافرين، وقد انقطعت تبعيته لهما، بخلاف ما إذا كفله أهل دين الأبوين، فإنهم يقومون مقامهما، ولا أثر لفقد الأبوين إذا كفله جده، أو جدته، أو غيرهما من أقاربه، فهذا القول أرجح في النظر، والله أعلم» . انظر: «شفاء العليل» لابن القيم (2/ 812 - 815).

ص: 123

قال محمد بن سعد

(1)

: عن موسى بن إسماعيل، عن يزيد بن زُرَيع، عن ابن أبي عَروبة -أحسبه عن قتادة- قال: «إذا اجتمع لي أربعةٌ لم أذهب

(2)

إلى غيرهم، ولم أبالِ مَنْ خالفهم: الحسن، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم،

(1)

«الطبقات الكبير» (9/ 171).

(2)

«أذهب» في «الطبقات الكبير» : «ألتفت» .

ص: 124

وعطاء. فإن هؤلاء أئمةُ الأمصار».

قال أبو محمد؛ الحسن بن علي بن عفَّان العامري

(1)

: حدثَّنا جعفر بن عون العمري؛ عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه قال:«إذا أعتَقَ الرَّجُل أَمَته فإنه يجوز له وَطْؤُها واستخدامها، ولا (202/ ب) يجوز له بيعها، ولا إجارتها، ولا رهنها، وولدها مثلها» .

هذا إسناد صحيح إليه.

قال المؤلِّف

(2)

عليُّ بن حسين بن عُروة: أخبرني بذلك شيخنا الشيخ الإمام العلامة الحافظ، أبو الفِداء، عماد الدِّين، إسماعيل بن عُمر بن كثير إجازةً، قال: أخبرني شيخنا الشيخ المُسنِد الرُّحْلَة، أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحجَّار قراءة عليه وأنا أسمع، سنةَ ستٍّ وعشرين وسبعمِئة بدمشق، أخبرنا أبو المُنَجَّا، عبد الله بن عُمر بن علي بن زيد ابن اللتِّي، قراءةً عليه وأنا أسمع، سنة ثلاث وثلاثين وستمِئة، أخبرنا الشيخ الثقة أبو الفتح مسعود ابن محمد بن شنيف سنة إحدى وخمسين وخمسمِئة، أخبرنا أبو عبد الله، الحسين بن محمد بن الحسين بن عبيد الله المعروف بابن السرَّاج، وأبو غالب محمد بن محمد بن عبيد الله العطار، قالا: أنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان، قراءةً عليه سنة ثنتين وعشرين

(1)

في «جزء الأمالي والقراءة» له (1/ 282) رقم (855) مطبوع ضمن مجموع أجزاء حديثية اسمه «الفوائد» لابن منده!

(2)

أي: مؤلِّف «الكواكب الدراري» .

ص: 125

وأربعمِئة من كتابه نسخته، قال: أنا أبو الحسن بن علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي قراءة عليه سنة سبع وأربعين وثلاثمِئة، أنا أبو محمد الحسن ابن علي بن عفَّان العامري، سنة خمسٍ وستين ومئتين، قال: حدَّثنا جعفر العمري، أنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال:«إذا أعتقَ الرجلُ وليدتَهُ فله أن يطأَها ويستخدمَها وينكِحَها، وليس له أن يبيعها، أو يهبها، وولدُها بمنزلتها» .

وقد يكون أراد أن يُبيِّن حكم أُمِّ الولد وعبَّر عن ذلك بقوله: «إذا أعتقَ الرجلُ وليدته» ، كما جاء في الحديث عن ماريَة:«أعتَقَها ولدُها» ، والله أعلم.

[نهاية الإبرازة الأخيرة]

ص: 126

جُزْءٌ في

بيعِ أمهاتِ الأولادِ

الإبْرَازَةُ الأوُلى

تَأليفُ

الإِمَامِ الحَافِظِ عِمَادِ الدِّينِ إِسْمَاعِيل بن عُمَر

ابن كَثِير الدِّمَشْقِي

(المتوفى 774 هـ)

تحقيق

عمر بن سليمان الحفيان

ص: 127

[بسم الله الرحمن الرحيم]

قال الإمام العلامة أبو الفِداء ابنُ كثير:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم النبيين، وإمام المتقين، محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فهذه مسألة في بيع أُمَّهات الأولاد، مشروحة مبيَّنة بحمدِ الله، أذكرُ فيها أقوالَ الأئمة وأدلَّتَهم، إن شاء الله تعالى.

فنقول: اختلف العلماءُ في بيع أُمَّهات الأولاد بعد انعقادِ الإجماعِ على أنهنَّ لا يَعْتِقْنَ في حياة الموالي على خمسة أقوال:

أحدها: أنهنَّ يُبعن.

والثاني: لا يُبعنَ.

والثالث: أن أُمَّ الولد تُباع في تَرِكَةِ سيدِها إنْ كان عليه دَيْن، وإلا فلا.

والرابع: أنها تُباع من نصيب ولدِها إذا مات سيدُها وولدها موجود.

والخامس: أن أُمَّ الولد يجوز لسيدِها بيعُها ما دام حيًّا، وإذا مات عَتَقَتْ من تَرِكَتِهِ، ولا يجوز حينئذٍ بيعُها.

أما القول الأول: فهو قول عليٍّ بن أبي طالب، وهو قولٌ قديمٌ للشافعي، ونَصَرَه بعضُ المتأخِّرين.

ص: 129

ودليله: ما قال الشافعي: حدثنا عبد المجيد، عن ابن جُريج، أنا أبو الزبير أنه سمِع جابرَ بن عبد الله يقول:«كُنَّا نبيعُ سرارينا أُمَّهات الأولاد، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ فينا، لا نرى بذلك بأسًا» .

وهذا إسناد صحيح، ورواه النسائيُّ من حديث علي بن إبراهيم، وابنُ ماجه من حديث عبد الرزاق، كلاهما عن ابن جُريج به، فهو على شرط مسلمٍ.

وفي لفظٍ للنسائي: «كُنَّا نبيعُ أُمَّهاتِ الأولاد والنبيُّ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ فلا يُنكر علينا» .

ورواه البزَّار من حديث أبي عاصم، عن ابن جُريج، عن جابر قال ولفظه (202/ ب):«كُنَّا نبيعُ أُمَّهاتِ الأولاد على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبلُغه فلا يقول شيئًا» .

وقال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حمَّاد، عن قيس

(1)

، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله قال:«بِعْنَا أُمَّهاتِ الأولاد على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان عُمر نهانا فانتهينا» .

وهذا إسناد صحيح أيضًا، فهو حديثٌ ثابتٌ.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا معاوية بن هشام، ثنا أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر قال: «كُنَّا نبيعُ أُمَّهاتِ

(1)

(حاشية): هو ابن سعد المكي، روى له مسلم (ابن كثير).

ص: 130

الأولاد على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر أنه زجر عن بيعهنَّ، وكان عُمرُ يشتدُّ في بيعهن».

أيوب بن عتبة: ضعيف.

وقوله: «ثم ذكر أنه زجر عن بيعهنَّ» يحتمل أن يكون من غير كلام جابر، والله أعلم.

وقال النسائي: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا خالد -هو ابن الحارث-، حدثنا شُعبة عن زيد العَمِّي، عن أبي الصِّديق النَّاجي، عن أبي سعيدٍ الخدري في أُمَّهات الأولاد وقال:«كنا نبيعهنَّ على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

وكذا رواه غُنْدَر وعمر بن مرزوق عن شُعبة، ولكن في زيد العَمِّي ضعفٌ.

ونَهْيُ عُمرَ رضي الله عنه لم ينعقد عليه إجماعٌ؛ إذِ الخلافُ في أُمَّهات الأولاد مشهورٌ بعدَه وقبلَه. يبطل ما كان في عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا ظهر علمه به، وتقريره عليه، وما اتفق عليه في عهد أبي بكر، إذ يحتمل أن عمر لم يعلم بذلك، وإنما نهى عنه اجتهادًا منه، أو يكون نهاهم عنه ذلك نهي كراهة لما رأى في ذلك من المصلحة، لا نهي محرِّم لذلك.

وقول جابر: «فانتهينا» لا يدل على بطلان ما نقل؛ لأن عمر كان رجلًا مهيبًا، هذا أبو موسى الأشعري قد كان يفتي الناسَ بالتمتُّع، فلما قَدِم عُمر نهاه فانتهى، مع أن المُتعة ثابتةٌ بكتاب الله وسُنِة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 131

فما قال عليه السلام أو فَعَلَ أو قرَّر عليه لا يُعارض إلا بمثِله، أو بأن يُجمِع المسلمون بعدَه على خلاف ذلك، فيتضمن إجماعُهم: قولًا عنه، أو فِعلًا، أو تقريرًا. هذا إن اتفق إجماع في مثل هذه الصورة، وإلا فقد مَنَعَ من ذلك الشافعيُّ وغيره من أهل الأصول.

وأما القول الثاني: وهو عدم بيعهنَّ، فهو الذي عليه الجمهور، وهو الصحيح الجديد من مذهب الشافعي، فإنه قال رحمه الله:«إذا وطاء الرجلُ بالملك فولدت له فهي مملوكةٌ بحالها، لا ترث ولا تورث، إلا أنه لا يجوز لسيدها بيعها، ولا إخراجها من ملكه بشيء غير العِتق، وإنها حرَّة إذا مات من رأس المال» إلى أن قال: «وهو تقليدٌ لعمرَ بن الخطاب» .

وحجته: ما قال مالك في «الموطأ» : عن نافع، عن عبد الله بن عُمر: أنَّ عُمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: «أيما وليدة ولدت مِنْ سيدها؛ فإنه لا يبيعها، ولا يهبها، ولا يورثها، وهو يستمتع منها، فإذا مات فهي حُرَّةٌ» .

وهكذا رواه عبيد الله بن عُمر، عن نافع.

ورواه فُليح، عن عبد الله بن دينار، عن عُمر.

ورواه الثوري وسليمان بن بلال وغيرهما، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عُمر، عن عُمر رضي الله عنه.

قال البيهقي: وقد رَفَعَهُ بعضُهم من هذا الوجه.

قلت: فقال الدارقطني: حدثنا أبو بكر الشافعي، حدثنا القاسم بن زكريا المقراء، ثنا محمد بن عبد الله المخرمي، ثنا يونس بن محمد من أصله

ص: 132

قال: ثنا عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع أُمَّهاتِ الأولاد، وقال:«لا يُبعنَ، ولا يوهَبنَ، ولا يورَثنَ، يستمتع منها سيدُها ما دام حيًّا، فإذا مات فهي حُرَّةٌ» .

وهذا غَلَطٌ بلا شكٍّ، فإنه قد رواه الدارقطنيُّ بهذا الإسناد عن المخرمي، ثنا يحيى بن إسحاق، ثنا عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عُمر، عن عمر: قولَه.

ثم قال الدارقطنيُّ: ثنا أبو بكر الشافعي، ثنا الهيثم بن محمد بن خلف، ثنا عبد الله بن مطيع، ثنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عُمر، فَرَفَعَهُ.

وهذا غَلَطٌ أيضًا، وعبد الله بن جعفر -والد علي ابن المديني- ضعيفٌ جدًّا.

قال الحافظ أبو بكر البيهقي: وهو وَهَمٌ لا يحلّ روايته.

وقال الدارقطنيُّ: حدثنا محمد بن الحسن النقَّاش، حدثنا الحسن بن سفيان، ثنا مصرف بن عمرو، ثنا ابن عُيينة، عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، عن مسلم بن يسار، عن سعيد بن المسيب: أن عُمر أعتق أُمَّهاتِ الأولاد، وقال:«أعتقهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

لكن؛ عبد الرحمن هذا يُضعَّف في الحديث، والصحيح: أن سعيد بن المسيب لم يسمع من عُمرَ شيئًا. ثم هو موقوفٌ، كما تقدم.

وقال عبد الملك بن حبيب في «الواضحة» : حدثني المقراء، هو

ص: 133

أبو عبد الرحمن، عن ابن أَنْعُم، عن مسلم بن يسار، عن سعيد بن المسيب: فذكر نحوه.

وهو الصواب.

وقال أيضًا: حدثني الأويسي -وهو عبد العزيز بن عبد الله-، عن إسماعيل بن عياش، عن مسلم بن يسار، عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بعِتْقِ أُمَّهاتِ الأولاد، وقال:«لا يُجعلن في وصية، ولا يجعلنَّ في دين» .

وقد روى الإمام أحمد بن حنبل، وأبو عبد الله ابن ماجه من حديث شريك القاضي، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عِكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أيما رُجلٍ ولدتْ أَمَتُهُ منه فهي معتقةٌ عن دُبُرٍ منه» .

ورواه الدارقطنيُّ أيضًا: عن ابن عُقدة، عن أحمد بن إبراهيم بن عبَّاد، عن خالد بن آدم، عن الفضل بن موسى، عن حسين؛ فذكره.

ولابن ماجه أيضًا عن أحمد بن يوسف، عن أبي عاصم، عن أبي بكر -يعني: النَّهشلي- عن حسين هذا، عن عِكرمة، عن ابن عباس قال: ذُكرت أُمُّ إبراهيم عند رسو [ل] الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعتقها ولدُها.

كذا وقع في سنن ابن ماجه: «عن أبي بكر يعني النَّهشلي» وليس كذلك، وإنما هو أبو بكر بن أبي سَبْرة، وهو ضعيفٌ جدًّا. قال الإمام أحمد: كان يضعُ الحديثَ. وهكذا جاء مفسَّرًا في رواية الدارقطني والبيهقي، وقاله

ص: 134

شيخُنا أبو الحجاج المِزِّيُّ في «تهذيبه» .

وحسين بن عبد الله هذا: تَرَكَهُ أحمدُ بن حنبل، وعليُّ ابن (204/ أ) المديني. وقال ابنُ معين: ليس [به] بأس، يُكتب حديثه. وقال مرَّة هو وأبو حاتمٍ: ضعيف. زاد أبو حاتم: يُكتب حديثه؛ ولا يُحتج به. وقال أبو زُرعة: ليس بقوي. وقال السَّعديُّ: لا يُشتغل بحديثه. وقال ابن سعد: لم أرَهم يحتجُّون بحديثه. وقال النسائي: متروك. وقال مرَّة: ليس بثقة. وقال أبو جعفر العُقيليُّ: له غير حديث لا يُتابع عليه. وقال أبو أحمد ابن عَدي: هو ممن يُكتب حديثه، فإني لم أجد في أحاديثه حديثًا منكرًا قد جاوز الحدَّ، وقال البخاريُّ: يُقال: إنه كان يُتهم بالزندقة.

وقد روى هذا الحديث أبو أويس عن حسين بن عبد الله هذا إلا أنه أرسله؛ قاله البيهقيُّ.

ورواه الدارقطني من حديث عبد الحميد بن أبي أُويس، حدثني أبو بكر ابن أبي سَبْرة، عن حسين بن عبد الله، عن عِكرمة، عن ابن عباس: فَرَفَعَهُ.

وكذا رواه الدارقطني أيضًا من حديث عبد الحميد، عن أبيه، عن حسين، عن عِكرمة، عن ابن عباس؛ مرفوعًا.

ورواه الدارقطنيُّ: ثنا أبو عبيد؛ القاسم بن إسماعيل، ثنا زياد بن أيوب، ثنا سعيد بن زكريا المدائني، عن أبي سارة

(1)

، عن ابن أبي حسين، عن عِكرمة، عن ابن عباس، فَرَفَعَهُ.

(1)

(حاشية): قيل: صوابه ابن أبي سبرة؛ قاله أبو بكر اليعمري [ابن كثير].

ص: 135

ورواه خُصيف، عن عِكرمة، عن ابن عباس، عن عُمر رضي الله عنه.

ورواه الثوري، عن أبيه، عن عِكرمة، عن عمر أنه قال في أُمِّ الولد:«أعتقها ولدُها وإن كان سِقطًا» .

وكذا رواه الدارقطنيُّ من حديث الحسين بن عيسى الحنفي، عن الحكم ابن أَبان، عن عِكرمة، عن ابن عباس، مرفوعًا.

ورواه ابن عُيينة، عن الحكم بن أَبان، عن عِكرمة، عن عُمر.

قال البيهقيُّ: فرجع الحديث إلى قول عُمر، وهو الأصل في ذلك.

قال البيهقي -في قول جابر: «كنا نبيعُ سرارينا أُمَّهات الأولاد والنبيُّ صلى الله عليه وسلم حيٌّ فينا لا نرى بذلك بأسًا» -: «يحتمل أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يشعر بذلك، ويحتمل أن ذلك كان قبل النهي، وقبل ما استدلَّ به عمر أو غيره من أمر النبي صلى الله عليه وسلم على عتقهن، ومن فعله منهم لم يبلغه ذلك، والله أعلم» .

قلت: يرد عليه في الاحتمال الأول حديث أبي سعيد في زكاة الفِطر فإنه والجمهور احتجُّوا به وبمِثله، ثم الصحيح عند أهل الأصول أن قول الصحابي:«كُنَّا نفعل كذا» أنه حُجَّة.

وأما دَفْعُه باحتمال تقدُّم على النهي، فأين النهيُ؟ ثم لو كان فأين إثبات التقدُّم، وهو يدعي والحالة هذه النسخَ، والنسخُ لا يثبت بالاحتمال.

ثم قال البيهقيُّ: «يحتمل أن يكون عُمر رضي الله عنه بلغه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه حكم بعتقهنَّ بموت ساداتهنَّ نصًّا، فاجتمع هو وغيره على

ص: 136

تحريم بيعهنَّ، ويحتمل أن يكون هو وغيرُه استدلُّوا ببعض ما ذكرنا وما لم نذكره مما يدل، فاجتمع هو وغيره على تحريم بيعهن، فالأَولى بنا متابعتهم فيما اجتمعوا عليه قبل وقوع الاختلاف، والله أعلم».

قلت: إثبات نصٍّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمجرَّدِ الاحتمال لا يكون، ودعوى الإجماع على قول عُمر لا يصح، فإن جابرًا قد حكى ما يدلُّ على الإجماع -أيامَ أبي بكرٍ- على بيعهنَّ، وقد حكى عنه البيهقي الإجماع في زمان عُمر على خِلاف ذلك.

قال أبو عبد الله الشافعي فيما بلغه عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عَبيدة قال: قال عليٌّ: «استشارني عُمرُ في بيع أُمَّهات الأولاد، فرأيت أنا وهو أنها عَتيقةٌ، فقضى به عُمرُ حياته، وعُثمان بعدَه، فلما وليت رأيتُ أنها رقيقٌ» .

ورواه أبو بكر بن أبي شيبة: عن أبي خالد الأحمر، عن إسماعيل بن أبي خالد: مثله، وقال:«خطب عليٌّ الناسَ فقال: .. » وذكره.

وكذا رواه سعيد بن منصور: عن أبي عوانة، عن مغيرة، عن الشعبي، عن عَبيدة قال: «خطب عليٌّ الناسَ

» فذكره.

وكذا رواه محمد بن سيرين: عن عَبيدة، وزاد: فقلت له: «رأيك ورأي عُمرَ في الجماعة أحبُّ إليَّ مِنْ رأيك وحدك في الفتنة» .

فهذا يدلُّكَ على أن ما فَعَلَ عُمر لم يكن عن نصٍّ بلغه، وإنما فَعَلَهُ هو وغيره عن رأي.

ص: 137

وأما المذهب الثالث: وهو أن أُم الولد تُباع في دَيْنِ سيدِها، فيُحتجُّ له بما رواه الإمام أحمد وأبو داود من رواية محمد بن إسحاق، عن خطاب بن صالح مولى الأنصار، عن أُمِّه، عن سلامة بنت معقل امرأة من خارجة قيس عَيْلان قالت: قدم بي عمِّي في الجاهلية؛ فباعني من الحُباب بن عمرو أخي أبي اليَسَر بن عَمرو، فولدت له عبد الرحمن بن الحُباب، ثم هلك، فقالت (204/ ب) امرأته: الآن -والله- تُباعين في دَيْنِهِ.

فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسولَ الله، إني امرأة من خارجة قيس عَيلان، قَدِم بي عمِّي المدينة في الجاهلية؛ فباعني من الحُباب بن عَمرو أخي أبي اليَسَر بن عَمرو، فولدتُ له عبدَ الرحمن، فقالت امرأتُهُ: الآن -والله- تُباعين في دَيْنِهِ.

فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وليُّ الحُباب؟» قيل: أخوه أبو اليَسر ابن عَمرو، فبعث إليه، فقال:«اعتقوها، فإذا سمعتم برقيقٍ قَدِمَ عليَّ فأْتُوني أعوِّضكم منها» . قالت: فأعتقوني، وقَدِمَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رقيقٌ فعوَّضهم مني غلامًا. هذا لفظ أبي داود.

وزاد الإمام أحمد: قالت: فاختلفوا بينهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قومٌ: أُمُّ الولد مملوكة، لولا ذلك لم يعوِّضكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: هي حُرَّةٌ قد أعتقها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَفِيَّ كان الاختلاف.

وإسناده لا بأس به، وقد رُوي له شاهدٌ من وجهٍ آخر.

ووجه الدلالة منه لهذا القائل: أنه عليه السلام أقرَّ على قول المرأة:

ص: 138

«الآن تُباعين في دَيْنِهِ» ولم يُنكِرْهُ؛ فدلَّ على جواز ذلك، وأمره بعتقها إما لكونها حُرَّة في الأصل، وبيع عمِّها لها لا يُخرجها عن ذلك، وإما رِفقًا بها، ولهذا عوَّضهم عنها.

وأيضًا: لو كانت تعتق بمجرَّد الموت، لم يأمرهم بعتقِها، بل يُقال: لا سبيلَ لكم عليها، هي حُرَّة، ففي أمرهم بعتقِها إشعارٌ برِقِّها، والله أعلم. فدلَّ على صحة بيعها في الدَّيْن.

وأما أنها لا تُباع في غير الدَّين؛ فَلِحديث ابن عباس المتقدم مرفوعًا: «أيما رجل ولدت أَمَتُهُ منه فهي مُعتقةٌ عن دُبُرٍ منه» . فهذا عامٌّ، وحديث سلامة بنت معقل هذا خاصٌّ، والخاصُّ يقضي على العامِّ، والله أعلم.

وأما المذهب الرابع: وهو أنها تُباع في حِصَّة ولدِها. قال الشافعيُّ فيما بلغه عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله: أنه قال: «أُمُّ الولد تعتق من نصيب ولدها» .

وكأن هذا القول يرجع إلى أن أُمَّ الولد رقيقةٌ، ولكن إذا مات سيدُها ولها منه وَلَدٌ موجود فإنه يعتق منها ما ملك ولدها منها، ثم يعتق باقيها على ولدها من نصيبه، فليس هو بمذهب مستقل، والله أعلم.

وأما المذهب الخامس: وهو أن لسيدها بيعها ما دام حيًّا، فإذا مات عَتَقَتْ، فقد حُكي عن عُمر وعن الصحابة كلهم، قال سيف بن عُمر التميمي في كتاب «وفاة النبي صلى الله عليه وسلم»:«وأجمعَ عُمر والمسلمون أن أُمَّ الولد كالمُدبَّرة، أنها مملوكةٌ حياة مولاها، ثم هي حُرَّة بعده حِفظًا للفُروج» .

ص: 139

وهذا إجماعٌ غريبٌ!! وسيفُ بن عُمر ضعَّفه ابنُ معين وغيره، وقال أبو داود: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: متروك. وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة، وقالوا: إنه كان يضع الحديث. إلا أنه عَليم بالأخبار والتواريخ وأيام الإسلام.

وهذا قول حُكي عن الإمام أبي عبد الله الشافعي في كتاب «المناصيص» ، ونقله الخراسانيون عنه، وممن ذكره الغزالي في «الوسيط» وعزاه إلى علي رضي الله عنه أيضًا، وحكاه ابن يونس في شرحه «التنبيه» عن الشافعي أيضًا.

وهو قولٌ له اتجاه، وذلك للجمع بين حديث جابر:«كُنَّا نبيعُ أُمَّهاتِ الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرى بذلك بأسًا، وأيام أبي بكر» وبين حديث ابن عباس مرفوعًا: «أيما رجلٍ ولدت أَمَتُهُ منه فهي مُعتَقةٌ عن دُبُرٍ منه» فيُحمل حديث جابر على بيعهن حياة المولى، وحديث ابن عباس على العِتق بالموت.

ويزيده قوة: قول عُمر رضي الله عنه: «فإذا مات فهي حُرَّةٌ» . ومثل هذا يشتهر في الصحابة، ولم يُنقل له مخالف، إلا ما حُكي عن عليٍّ، وليس ذلك بمعارض؛ لأن عُمر رأى أن أُمَّ الولد لا تُباع حال الحياة ولا بعد الموت، ورأى عليٌّ بيعهنَّ حال الحياة، كما كان يُفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

و [أ] ما بعد وفاة السيد فلم يُخالف عليٌّ عُمرَ كما حكاه صاحب «الوسيط» ، وكما نقله سيفُ بن عُمر إجماعًا عن عُمر والمسلمين، وقول

ص: 140

عُمر رضي الله عنه في أُمِّ الولد: إنها لا تباع - يعني قبل وفاة سيدها - لا يُعارِض حديثَ جابر؛ لأن الظاهر عِلمه عليه السلام بذلك وتقريره عليه. فهذا توجيهُ هذا القول، والله أعلم.

ورَجَعَ حاصلُ الخلاف إلى أن أُمَّ الولد تُباع في حياة السيد؛ لحديث جابر، فإذا مات عتقت؛ لحديث ابن عباس، وقول عُمر المشتهر في الصحابة، إلا أن يكون على سيدها بعد وفاته دَيْن فتُباع فيه؛ لحديث سلامة بنت معقل حيث قالت لها امرأةُ الحُباب بن عَمرو:«الآن تُباعين في دَيْنِهِ» . فذكرتْ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقرَّرها عليه، كما تقدم توجيه ذلك.

وهذا تفصيلٌ لا يرفع ما اتفق عليه الأقوال المتقدمة، بل توافق كلًّا في صورة، ومثل هذا يجوز إحداثُهُ على الصحيح من أقوال أهل الأصول، وهو الذي نَصَرَه الآمديُّ وابنُ الحاجب وغيرهما، فيصير قولًا سادسًا في المسألة.

وفيها قولٌ سابعٌ وهو الوقف، قال المزني في «مختصره»:«وقد قَطَعَ -يعني: الشافعيّ- في خمسة عشر كتابًا بعِتق أُمَّهات الأولاد، ووَقَفَ في غيرها» .

قلت: فيتلخَّص من كلام الأصحاب عن الشافعي أربعة أقوال:

الجديد المشهور: أن أُمَّ الولد لا تُباع بحال.

الثاني: أنها تُباع مطلقًا.

ص: 141

الثالث: أنها تُباع حياة سيدها، وتعتق بموته، كما تقدم توجيهه.

الرابع: الوقف لتعارض الأدلة، وقد مال إلى هذا القول جماعة من المتأخِّرين، والله أعلم

(1)

.

(1)

وافق الفراغ من نسخ هذه الرسالة، ومقابلتها على أصلها، وتخريج أحاديثها وآثارها، والتعليق عليها، لبضع ليال بقين من شهر رمضان المبارك، لعام خمسة وعشرين وأربعمائة وألف (1425) من هجرة نبينا وحبيبنا محمد صَلَّى الله عليه؛ وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، وكان ذلك على يد العبد الفقير إلى عفو ربِّه ومغفرته وسَتْره عمر بن سليمان الحفيان.

ص: 142

فهرس‌

‌ المصادر والمراجع

«الآحاد والمثاني» ؛ لابن أبي عاصم. تحقيق: د. باسم فيصل أحمد الجوابرة. نشر: دار الراية (الرياض)، ط/ 1/ سنة (1411 هـ).

«الأخبار العلمية في الاختيارات الفقهية» ؛ لابن تيمية، تحقيق: أحمد بن محمد بن حسن الخليل. نشر: دار العاصمة (الرياض)، ط/ 1 سنة 1418 هـ.

«ابن كثير الدمشقي الحافظ المفسر المؤرخ» ؛ للدكتور محمد الزحيلي.

«إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة» ، للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: جماعة من الباحثين، نشر: مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالمدينة المنورة- وزارة الأوقاف بالمملكة العربية السعودية، ط/ 1.

«إجمال الإصابة في أقوال الصحابة» ؛ للعلائي، تحقيق: محمد سليمان الأشقر، نشر: مركز المخطوطات والتراث (الكويت).

«الأحاديث المختارة» ؛ لضياء الدين المقدسي. تحقيق: د. عبد الملك بن دهيش. نشر: مكتبة النهضة (مكة المكرمة)، ط/ 1/ سنة (1410 هـ).

«الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان» ؛ ترتيب ابن بَلْبان الفارسي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت) ط/ 1/ سنة (1408 هـ).

«إحكام الفصول في أحكام الأصول» ؛ لأبي الوليد الباجي؛ تحقيق: عبد الله محمد الجبوري، نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت)، سنة (1409 هـ).

ص: 153

«الأحكام الوسطي» ؛ لعبد الحق الإشبيلي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، وصبحي السامرائي. نشر: مكتبة الرشد (الرياض)، سنة (1416 هـ).

«الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم، نشر: دار الحديث (القاهرة)، ط/ 1/ سنة (1404 هـ).

«الإحكام في أصول الأحكام» ؛ للآمدي، علق عليها: عبد الرزاق عفيفي، نشر: دار الصميعي (الرياض)، ط/ 1/ سنة (1424 هـ).

«اختلاف الفقهاء» ، لمحمد بن نصر المروزي. تحقيق: محمد طاهر حكيم، نشر: مكتبة أضواء السلف (الرياض)، ط/ 1/ سنة (1420 هـ).

«الأدب المفرد» للإمام البخاري، بتخريجات الشيخ ناصر الدين الألباني، نشر: دار الصديق (الجبيل)، ط/ 1/ سنة (1419 هـ).

«إرشاد الطالبين» (مشيخة ابن ظهيرة».

«الاستذكار» ؛ لابن عبد البر، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، نشر: دار قتيبة (دمشق)، ودار الوعي (حلب)، ط/ 1، سنة (1414 هـ).

«الإشراف على مذهب العلماء» ؛ لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر. تحقيق: صغير أحمد محمد حنيف. نشر: دار طيبة (الرياض)، ط/ 1.

«الإشراف على نكت مسائل الخلاف» ؛ للقاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي، تحقيق: الحبيب بن طاهر. نشر: دار ابن حزم (بيروت)، ط/ 1، سنة (1420 هـ).

ص: 154

«الإصابة في تمييز الصحابة» ؛ للحافظ ابن حجر العسقلاني. تحقيق: علي محمد البجاوي. نشر: دار نهضة مصر للطباعة (القاهرة). ط/ 1/ سنة (1388 هـ).

«أصول نقد النصوص ونشر الكتب» ؛ للمستشرق الألماني براجستراسر، إعداد وتقديم: محمد حمدي البكري، ط/ 2، طبع: مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة، سنة (1995 هـ).

«أضواء البيان» ؛ لمحمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي، طبع: مطبعة المدني (القاهرة)، سنة (1378 هـ).

«إعلام الموقعين عن رب العالمين» ؛ لابن القيم، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، نشر: دار الجيل (بيروت)، سنة (1973 هـ).

«الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والألقاب» لابن ماكولا. نشر: مطبعة دائرة المعارف العثمانية (الهند). ط/ 1/ سنة 1381 هـ.

«الإلماع إلى معرفة أصول السماع وتقييد السماع» ؛ للقاضي عياض بن موسى اليحصبي، تحقيق: السيد أحمد صقر، نشر: دار التراث (القاهرة)، والمكتبة العتيقة (تونس)، ط/ 1، سنة (1389 هـ).

«الأم» للإمام الشافعي، تصحيح: محمد زهري النجار، تصوير: دار المعرفة (بيروت). ط/ 2/ سنة 1393 هـ.

ص: 155

«الإمام ابن كثير سيرته ومؤلفاته ومنهجه في كتابه التاريخ» للدكتور: مسعود الرحمن خان الندوي، نشر: دار ابن كثير (دمشق - بيروت)، ط/ 1، سنة (1420 هـ).

«الإمام ابن كثير وأثره في علم الحديث رواية ودراية» ؛ للدكتور: عدنان بن محمد بن عبد الله آل شلش.

«إنباء الغمر بأنباء العمر» للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: د/ حسن حبشي، نشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية -وزارة الأوقاف المصرية- (القاهرة)، سنة (1418 هـ).

«الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء» للحافظ أبي عمر ابن عبد البر، اعتنى به: عبد الفتاح أبو غدة، نشر: مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، ط/ 1، سنة (1417 هـ).

«أهل الملل والردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض» ، من كتاب الجامع للخلال. تحقيق: د. إبراهيم السلطان، مكتبة المعارف، ط/ 1 سنة (1416 هـ).

«أهمية التراث العلمي العربي» للدكتور/ أحمد فؤاد باشا، طبع: دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة.

«إيقاظ الهمم» ، لصالح بن محمد بن نوح العمري الفلاني، نشر: دار المعرفة، (بيروت)، سنة (1389 هـ).

ص: 156

«البحر الرائق شرح كنز الدقائق» ؛ لابن نجيم. تصحيح: محمد الزهري الغمراوي، طبع: المطبعة العلمية بجوار الأزهر، سنة (1311 هـ)، تصوير: دار الكتاب الإسلامي.

«بداية المجتهد» ؛ لابن رشد، طبع: مطبعة أحمد كامل بدار الخلافة العلية (الآستانة)، سنة (1333 هـ).

«البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير» لابن الملقن، تحقيق: جماعة من الباحثين، نشر: دار الهجرة (الخُبر)، ط/ 1، سنة (1425 هـ).

«بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث» للهيثمي. تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، نشر: دار الطلائع (القاهرة)، سنة (1413 هـ).

«بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب» لشمس الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني؛ تحقيق: محمد مظهر بقا، نشر: جامعة أم القرى (مكة المكرمة)، سنة (1406 هـ).

«بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام» ؛ لابن القطان الفاسي. تحقيق: د. الحسين آيت سعيد، نشر: دار طيبة (الرياض). ط/ 1/ سنة (1418 هـ).

«التاج والإكليل لمختصر خليل؛ للموّاق. (مطبوع بهامش مواهب الجليل). تصحيح: عبد السلام بن الأمين بن العباس بن شقرون. طبع: مطبعة السعادة (القاهرة)، سنة 1329 هـ، تصوير: مكتبة النجاح (طرابلس، ليبيا).

ص: 157

«التاريخ الصغير» (الأوسط)؛ للإمام البخاري، تحقيق: محمود إبراهيم زايد. نشر: دار الوعي (حلب)، ط/ 1/ سنة (1397 هـ). ملاحظة: الصواب أنه التاريخ الأوسط.

«التاريخ الكبير» للإمام البخاري. تصحيح وتعليق: الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني. طبع: دائرة المعارف العثمانية (حيدر آباد الدكن - الهند)، سنة 1361 هـ، تصوير: المكتبة الإسلامية (تركيا).

«تاريخ بغداد» ؛ للخطيب البغدادي. نشر: مكتبة الخانجي (القاهرة)، والمكتبة العربية (بغداد)، ومطبعة السعادة، (القاهرة)، سنة (1349 هـ)، تصوير: دار الكتاب العربي (بيروت).

«تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين» ، تحقيق: أحمد محمد نور سيف، نشر: دار المأمون للتراث (دمشق)، سنة (1400 هـ).

«تاريخ مدينة دمشق» ؛ لابن عساكر. تحقيق: عمر بن غرامة العمروي. نشر: دار الفكر (بيروت). ط/ 1/ سنة (1415) هـ.

«التاريخ» ؛ لابن معين، برواية عباس الدوري، تحقيق: أحمد محمد نور سيف، ونشر: مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز (مكة المكرمة)، ط/ 1، سنة (1399).

«التبصرة في أصول الفقه» ؛ للشيرازي، تحقيق: أحمد حسن هيتو، نشر: دار الفكر (بيروت)، سنة (1403 هـ).

ص: 158

«التحبير شرح التحرير في أصول الفقه» ؛ للمرداوي

«تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» ؛ للمزِّي. تحقيق: عبد الصمد شرف الدين. نشر: المكتب الإسلامي. ط/ 2/ سنة (1403) هـ.

«تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل» للحافظ ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم العراقي، تحقيق: عبد الله نوارة. نشر: مكتبة الرشد (الرياض)، ط/ 1، سنة (1419).

«التحقيق في أحاديث الخلاف» ؛ لابن الجوزي، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت).

«تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي» ؛ لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، نشر: دار الكتب الحديثة، (القاهرة)، ط/ 2، سنة (1385).

«تذكرة الحفاظ» للإمام الذهبي.

«تفسير القرآن العظيم» ؛ للحافظ ابن كثير، تحقيق: عبد العزيز غنيم، ومحمد أحمد عاشور، ومحمد إبراهيم البنا، طبع: الشعب (القاهرة).

«تقريب التهذيب» ؛ لابن حجر العسقلاني. تحقيق: محمد عوامة.

«التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» ؛ لابن حجر العسقلاني، تصحيح: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني. سنة (1384) هـ.

ص: 159

«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب الكلوذاني، تحقيق: مفيد أبو عمشة، ومحمد ابن علي، نشر: مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى (مكة المكرمة)، ط/ 1، سنة (1406).

«التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» ؛ لابن عبد البر. تحقيق: مجموعة من العلماء. نشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية. سنة (1387) هـ.

«تنقيح تحقيق أحاديث التعليق» ؛ للذهبي، تحقيق: مصطفى أبو الغيط عبد الحي عجيب، نشر: دار الوطن، ط/ 1، سنة (1421 هـ).

«تنقيح تحقيق أحاديث التعليق؛ لابن عبد الهادي المقدسي. تحقيق: أيمن صالح شعبان. نشر: دار الكتب العلمية، ط/ 1/ سنة (1419 هـ).

«تهذيب الكمال في أسماء الرجال» ؛ للمزِّي. تحقيق: بشّار عواد معروف. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/ 1 سنة (1400 هـ).

«تهذيب سنن أبي داود» ، لابن قيم الجوزية، تحقيق: أحمد شاكر، ومحمد حامد الفقي. طبع: مطبعة السنة المحمدية (القاهرة)، سنة 1369 هـ. (ومعه: مختصر سنن أبي داود للمنذري، ومعالم السنن للخطابي).

«جامع التحصيل في أحكام المراسيل» ؛ للعلائي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. نشر: الجمهورية العراقية، وزارة الأوقاف، سنة (1398) هـ.

ص: 160

«الجامع الصحيح» (سنن الترمذي)؛ للترمذي. تحقيق: أحمد محمد شاكر. طبع: مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، (القاهرة).

«جامع بيان العلم وفضله» ؛ لابن عبد البر. تحقيق: أبي الأشبال الزهيري. نشر: دار ابن الجوزي (الدمام). ط/ 1/ سنة (1414 هـ).

«جذوة المقتبس» ؛ للحميدي، طبع: الدار المصرية للتأليف والترجمة.

«الجرح والتعديل» ، لابن أبي حاتم الرازي، طبع: مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن (الهند)، ط/ 1، سنة (1371).

«جزء الأمالي والقراءة» ؛ للحسن بن علي بن عفان العامري، تحقيق: خلاف محمود عبد السميع، نشر وطبع: دار الكتب العلمية، (بيروت)، ط/ 1، سنة (1423). ملاحظة: هذا الجزء مطبوع ضمن مجموع فيه أجزاء حديثية باسم (الفوائد لابن منده)!!.

«جزء في عدم صحة ما نقل عن بلال بن رباح من إبداله الشين في الأذان سينًا» لمحمد بن محمد الخيضري الشافعي، نشر: دار البشائر، ضمن مجموعة (لقاء العشر الأواخر)، المجموعة الرابعة، نشر: دار البشائر (بيروت)، سنة (142).

«جزء فيه حديث سفيان بن عيينة» ، برواية زكريا المروزي عنه، تحقيق: أحمد بن عبد الرحمن الصويان، نشر: مكتبة النار (الخرج) السعودية، ط/ 1، سنة (1407).

ص: 161

«الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد» ليوسف بن حسن بن عبد الهادي (ابن المبرد)، تحقيق: عبد الرحمن العثيمين، نشر: مكتبة العبيكان، ط/ 1 سنة (1421).

«حاشية ابن عابدين» (رد المختار على الدر المختار)؛ لمحمد أمين الشهير بابن عابدين. طبع: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي (القاهرة)، ط/ 2/ سنة (1386) هـ.

«حياة ابن كثير وكتابه تفسير القرآن العظيم» ؛ للدكتور محمد بن عبد الله بن صالح الفالح.

«خلاصة البدر المنير» ؛ لابن الملقن، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، نشر: مكتبة الرشد (الرياض)، ط/ 1، سنة (1410).

«الدراية في تخريج أحاديث الهداية» لابن حجر العسقلاني. تحقيق: عبد الله هاشم اليماني. نشر: مطبعة الفجالة الجديدة (القاهرة) سنة 1384 هـ.

«الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة» ؛ لابن حجر. طبع: دائرة المعارف العثمانية (حيدر آباد)، ط/ 2/ سنة (1350) هـ. تصوير: دار الجيل.

«ذيل تذكرة الحفاظ» ؛ للحسيني، تصوير: دار إحياء التراث (بيروت).

«ذيل طبقات الحفاظ» ؛ للسيوطي = ذيل تذكرة الحفاظ.

«الرد الوافر» ؛ لابن ناصر الدين.

ص: 162

«الرسالة» ؛ للإمام الشافعي. تحقيق: أحمد محمد شاكر. طبع: مصطفى البابي الحلبي، ط/ 1/ سنة 1385 هـ.

«الرق في الإسلام» كتبه بالفرنسية: أحمد شفيق باشا، وعربه: أحمد زكي باشا، وطبع في مطابع الاعتماد، (من دون تاريخ).

«الروض البسام بترتيب وتخريج فوائد تمام» ؛ لجاسم بن سليمان الفهيد الدوسري، نشر: دار البشائر الإسلامية، (بيروت)، ط/ 1، سنة (1418).

«روضة الطالبين» للنووي، طبع ونشر: المكتب الإسلامي، (بيروت)، ط/ 1، سنة 1386 هـ.

«زاد المعاد في هدي خير العباد» ؛ لابن قيم الجوزية. تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، وشعيب الأرناؤوط. نشر: مؤسسة الرسالة، ط/ 1، سنة (1399) هـ.

«سؤالات أبي بكر البرقاني للدارقطني في الجرح والتعديل» ، رواية أبي غالب محمد بن الحسن بن أحمد الكرجي. تحقيق: مجدي السيد إبراهيم. نشر: مكتبة الساعي (الرياض).

«سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في معرفة الرجال وجرحهم وتعديلهم» ؛ تحقيق: عبد العليم عبد العظيم البستوي، نشر: دار الاستقامة (مكة المكرمة) ودار الريان (بيروت)، ط/ 1، سنة (1418).

ص: 163

«سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة» ؛ لعلي بن المديني، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، نشر: مكتبة المعارف (الرياض)، ط/ 1/ سنة (1404).

«السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» ؛ لمحمد بن عبد الله بن حميد النجدي، تحقيق: بكر أبو زيد، وعبد الرحمن العثيمين، نشر: مؤسسة الرسالة، ط/ 1، سنة (1416).

«سلسلة الأحاديث الصحيحة» ؛ للألباني، نشر: مكتبة المعارف (الرياض)، من سنة (1415) إلى سنة (1422).

«السنن الكبرى» ؛ للبيهقي. طبع: دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن (الهند)، سنة (1355 هـ). تصوير: دار المعرفة (بيروت).

«السنن الكبرى» ؛ للنسائي، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت)، ط/ 1، سنة (1422).

«السنن المأثورة» ، للإمام الشافعي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، نشر: دار المعرفة (بيروت)، ط/ 1، سنة (1406).

«سنن النسائي» (الصغرى). تحقيق: مكتب تحقيق التراث الإسلامي. نشر: دار المعرفة (بيروت)، ط/ 1/ سنة 1411 هـ.

«السنن» لابن ماجه. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. نشر: دار إحياء الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي القاهرة)، سنة (1372) هـ.

ص: 164

«السنن» ؛ لأبي داود. تحقيق: عزت عبيد الدعاس. نشر: دار الحديث (حمص، سوريا)، ط/ 1/ سنة (1388) هـ.

«السنن» ؛ لسعيد بن منصور. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. نشر: المجلس العلمي (الهند)، سنة (1387 هـ). وقطعة أخرى من الكتاب بتحقيق: د. سعد الحميد، نشر: دار الصميعي (الرياض)، ط/ 2/ سنة (1420) هـ.

«السنن» ؛ للدارقطني. تحقيق: عبد الله هاشم اليماني. نشر: دار المحاسن للطباعة (القاهرة)، سنة 1386 هـ.

«السنن» ؛ للدارمي. تحقيق: حسين سليم أسد. نشر: دار المغني، (الرياض). ط/ 1/ سنة 1421 هـ.

«سير أعلام النبلاء» ؛ للذهبي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرون، نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت). ط/ 1/ سنة 1401 هـ.

«شبهات حول الإسلام» ؛ للأستاذ محمد قطب.

«شذرات الذهب» ، لابن العماد الحنبلي. طبع: حسام الدين القدسي. تصوير: دار إحياء التراث العربي، (بيروت). وطبعة جديدة بتحقيق: محمود الأرناؤوط، نشر: دار ابن كثير (دمشق، بيروت). ط/ 1/ سنة 1406 - 1414 هـ.

«شرح أصول اعتقاد أهل السنة» ؛ للالكائي، تحقيق: د. أحمد بن سعد حمدان، نشر: دار طيبة (الرياض)، ط/ 1/ سنة (1402) هـ.

ص: 165

«شرح قطر الندى وبل الصدى» ؛ لابن هشام، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد.

«الشرح الكبير» ؛ لشمس الدين المقدسي. (مطبوع مع المقنع والإنصاف) تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، ود. عبد الفتاح الحلو. نشر: دار هجر (مصر). ط/ 1/ سنة (1414) هـ.

«شرح الكوكب المنير» ؛ تأليف: محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي الحنبلي، تحقيق: محمد الزحيلي، ونزيه حماد، نشر: مكتبة العبيكان، ط/ 1، سنة (1413).

«شرح صحيح البخاري» ؛ لابن بطال. تحقيق: ياسر بن إبراهيم. نشر: مكتبة الرشد (الرياض)، سنة 1420 هـ.

«شرح قصيدة ابن فرح الإشبيلي غرامي صحيح» ، للإمام: محمد بن أحمد بن عبد الهادي، تحقيق: عمر بن سليمان الحفيان، ونشر: دار الفلاح - مصر (الفيوم)، ط/ 1، سنة (1423).

«شرح مشكل الآثار» ؛ لأبي جعفر الطحاوي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/ 1/ سنة 1415 هـ.

«شرح معاني الآثار» ؛ لأبي جعفر الطحاوي. تحقيق: محمد زهري النجار، ومحمد سيد جاد الحق. نشر: عالم الكتب (بيروت). ط/ 1/ سنة (1414) هـ.

ص: 166

«شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل» لابن قيم الجوزية، تحقيق: عمر بن سليمان الحفيان، نشر: مكتبة العبيكان (الرياض)، ط/ 1/ سنة (1420).

«صحيح مسلم بشرح النووي» (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)، طبع: المطبعة المصرية بالأزهر (القاهرة)، سنة (1349) هـ، تصوير: مكتبة المثني (بيروت)، ودار إحياء التراث العربي (بيروت)

«صحيح مسلم» تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. نشر: دار إحياء الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي). ط/ 1/ سنة 1374 هـ.

«الصلاة وحكم تاركها» ؛ لابن قيم الجوزية، تحقيق: بسام عبد الوهاب الجابي، نشر: دار ابن حزم (بيروت)، ط/ 1/ سنة (1416).

«الضعفاء الكبير» ؛ للعقيلي، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/ 1/ سنة 1404 هـ.

«الضعفاء والمتروكون» ، للدارقطني. تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر. نشر: مكتبة المعارف (الرياض). ط/ 1/ سنة 1404 هـ.

«الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» ؛ لشمس الدين السخاوي، نشر: مكتبة القدسي، القاهرة، سنة (1354)، وتصوير: دار الكتاب الإسلامي (القاهرة).

ص: 167

«طبقات الشافعية الكبرى» ، لتاج الدين السبكي. تحقيق: محمود محمد الطناحي، وعبد الفتاح محمد الحلو، طبع: مطبعة عيسى البابي الحلبي (القاهرة)، ط/ 1/ سنة 1383 هـ.

«طبقات الشافعية» لابن قاضي شُهبة الدمشقي الشافعي، تصحيح وتعليق: عبد العليم خان، طبع: مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، بحيدر آباد الدكن (الهند)، ط/ 1/ سنة (1398).

«الطبقات الكبير» ؛ لابن سعد، تحقيق: علي محمد عمر، نشر: مكتبة الخانجي، (القاهرة)، ط/ 1/ سنة (1421).

«العلاقات بين النصوص» ؛ للدكتور كمال عرفات نبهان، رسالة دكتوراه غير مطبوعة إلى تاريخه.

«علل الحديث» ، لابن أبي حاتم الرازي، تصحيح: محب الدين الخطيب، وطُبع بنفقة: محمد نصيف وشركاه، طبع: المطبعة السلفية ومكتبتها، (القاهرة) ط/ 1/ سنة (1343).

«العلل الواردة في الأحاديث النبوية» ، للدارقطني. تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله السلفي. نشر: دار طيبة (الرياض). ط/ 1/ سنة (1405) هـ.

«العلل ومعرفة الرجال» ؛ للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: وصي الله عباس. نشر: المكتب الإسلامي (بيروت)، ودار الخاني (الرياض)، ط/ 1/ سنة (1408) هـ.

ص: 168

«غاية الوصول إلى شرح لب الأصول» ؛ لزكريا الأنصاري، طبع: مطبعة مصطفى البابي الحلبي (القاهرة).

«فتح الباري شرح صحيح البخاري» ؛ لابن حجر العسقلاني، تحقيق: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. تصحيح: محب الدين الخطيب، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي. طبع: المطبعة السلفية، (القاهرة) سنة (1380) هـ.

«فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية» - المجاميع، للأستاذ ياسين محمد السواس.

«فهرسة ابن خير الإشبيلي» لمحمد بن خير بن عمر الإشبيلي، طبع: دار الآفاق الجديدة، ط/ 2، سنة (1399).

«فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت» ؛ لمحب الله بن عبد الشكور، مطبوع في حاشية المستصفى للغزالي - طبعة بولاق (القاهرة)، سنة (1324).

«الكاشف» ؛ للذهبي، تحقيق: محمد عوّامة، وأحمد محمد الخطيب. نشر: دار القبلة (جدة)، ومؤسسة علوم القرآن (جدة)، ط/ 1/ سنة 1413 هـ.

«الكافي في فقه أهل المدينة» ؛ لابن عبد البر، تحقيق: محمد محمد أحيد ولد مادي الموريتاني، نشر: مكتبة الرياض الحديثة، (الرياض)، ط/ 1، سنة (1398).

«الكامل في ضعفاء الرجال» لابن عدي. نشر: دار الفكر (بيروت)، ط/ 1/ سنة 1404 هـ.

ص: 169

«كتاب الثقات» لابن حبان، بمراقبة: محمد عبد المعيد خان، طبع: مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، بحيدر آباد الدكن (الهند)، ط/ 1/ سنة (1393).

«الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات» ؛ للدكتور أيمن فؤاد سيد، نشر: الدار المصرية اللبنانية، (القاهرة)، ط/ 1، سنة (1418).

«كتاب المجروحين» ؛ لابن حبان، تحقيق: محمود إبراهيم زايد. نشر: دار الوعي، (حلب). ط/ 1/ سنة (1396) هـ.

كتاب «المعتمد في أصول الفقه» لأبي الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، نشر: المعهد الفرنسي بدمشق.

«كشاف القناع عن متن الإقناع» للشيخ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي الحنبلي، تعليق ومراجعة: هلال مصيلحي مصطفى هلال، نشر: مكتبة النصر الحديثة (الرياض).

«كشف الأستار عن زوائد البزار» ؛ للهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. نشر: مؤسسة الرسالة، ط/ 1/ سنة (1399) هـ.

«لسان الحكام» ، لإبراهيم بن أبي اليمن الحنفي، طبع: البابي الحلبي (القاهرة)، ط/ 2/ سنة (1393).

«لسان العرب» ، لابن منظور، نشر: دار صادر (بيروت).

«لسان الميزان» ، لابن حجر العسقلاني.

ص: 170

«المبسوط» لشمس الدين السرخسي. تصحيح: محمد راضي الحنفي بمساعدة جماعة من أهل العلم. طبع: مطبعة السعادة (مصر). ط/ 1/ سنة (1324) هـ، تصوير: دار المعرفة (بيروت).

«مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» ؛ للحافظ نور الدين الهيثمي، نشر: دار الكتاب العربي، ط/ 1/ سنة (1967) هـ.

«المحرر في الحديث» لابن عبد الهادي، تحقيق: محمد بن مصطفى عَلّوش، وعادل الهدبا، نشر: دار العطاء، ط/ 1/ سنة (1422).

«المحلى» ؛ لابن حزم، تحقيق: أحمد محمد شاكر. تصوير: المكتب التجاري للطباعة والنشر (بيروت).

«مختصر المزني» ، مطبوع في آخر الأم للشافعي.

«مختصر سنن أبي داود» للمنذري = تهذيب سنن أبي داود.

«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل» ؛ لعبد القادر بن بدران الدمشقي، تحقيق: عبد المحسن بن عبد الله التركي، نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت)، ط 2/ سنة (1401).

«المدونة الكبرى» لسحنون. طبع: مطبعة السعادة (القاهرة) ط/ 1/ سنة 1324 هـ، تصوير: دار صادر (بيروت).

«مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح» ، تحقيق: د. فضل الرحمن دين محمد. نشر: الدار العلمية (الهند، دلهي).

ص: 171

«مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود» تحقيق: محمد رشيد رضا، طبع: مطبعة المنار (مصر). الناشر: إبراهيم ابن حمد الصنيع. ط/ 1/ سنة 1353 هـ. وطبعة أخرى (فيها زيادات) بتحقيق: طارق بن عوض الله محمد. نشر: مكتبة ابن تيمية (القاهرة). ط/ 1/ سنة 1420 هـ.

«مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه برواية إسحاق بن منصور الكوسج» ، تحقيق: وئام الحوشي، وخالد الرباط، ود/ جمعة فتحي، نشر: دار الهجرة (الخبر)، ط/ 1، سنة (1425).

«المستدرك على الصحيحين» ؛ للحاكم. طبع: مطبعة دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد الدكن (الهند)، ط/ 1/ سنة 1335 هـ. تصوير: دار المعرفة.

«المستصفى» ؛ للغزالي، تحقيق: حمزة بن زهير حافظ، (المدينة المنورة).

«مسند الفاروق» ؛ لابن كثير. تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي. نشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع (المنصورة، مصر)، ط/ 1/ سنة 1411 هـ.

«المسند» ؛ للإمام أحمد بن حنبل، الطبعة: الميمنية، وطبعة أخرى بتحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرون. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت). ط/ 1/ سنة 1412 هـ.

«المسودة» ؛ لآل تيمية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، طبع: مطبعة المدني (القاهرة)، ط/ 1، سنة (1384)، تصوير: دار الكتاب العربي.

ص: 172

«المصنف» ؛ لابن أبي شيبة، تحقيق: جماعة من العلماء. نشر: الدار السلفية (الهند). ط/ 2.

«المصنف» ؛ لعبد الرزاق الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. نشر: المكتب الإسلامي (بيروت). ط/ 1/ سنة 1390 هـ.

«المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية» ، للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: جماعة من الباحثين، تنسيق: سعد بن ناصر الشثري، نشر: دار العاصمة (الرياض)، ودار الغيث (الرياض)، ط/ 1، سنة (1419).

«معالم السنن» = تهذيب سنن أبي داود.

«المعجم الأوسط» ؛ للطبراني. تحقيق: طارق عوض الله، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، نشر: دار الحرمين (القاهرة)، ط/ 1، سنة (1415).

«المعجم الكبير» ؛ للطبراني تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. نشر: دار إحياء التراث العربي، ط/ 2 مزيدة ومنقحة.

«المعجم المختص بالمحدثين» ؛ للذهبي. تحقيق: محمد الحبيب الهيلة. نشر: مكتبة الصديق (الطائف). ط/ 1/ سنة 1408 هـ.

«معرفة السنن والآثار» ، للبيهقي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، نشر: جامعة الدراسات الإسلامية (كراتشي)، ودار الوعي (حلب)، ودار قتيبة (دمشق)، ودار الوفاء (المنصورة)، ط/ 1، سنة (1411).

ص: 173

«معرفة الصحابة» ؛ لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق: عادل يوسف العزازي، نشر: دار الوطن، ط/ 1/ سنة (1419).

«المغني في الضعفاء» ، للذهبي. تحقيق: نور الدين عتر. نشر: دار المعارف (سوريا)، ط/ 1/ سنة 1391 هـ.

«المغني» ؛ لابن قدامة المقدسي، تحقيق: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح الحلو. نشر: دار هجر، ط/ 1/ سنة 1407 هـ.

«مكارم الأخلاق» ؛ للخرائطي. تحقيق: د/ سعاد سليمان الخندقاوي، نشر: المؤسسة السعودية بمصر (القاهرة)، ط/ 1/ سنة 1411 هـ.

«مكارم الأخلاق» ؛ لابن أبي الدنيا، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، نشر: مكتبة الساعي (الرياض).

«مناقب الشافعي» للبيهقي، تحقيق: السيد أحمد صقر، نشر: مكتبة دار التراث، ط/ 1/ سنة (1391).

«مناقب الإمام الشافعي» ، لابن كثير، تحقيق: خليل إبراهيم ملا خاطر، نشر: مكتبة الإمام الشافعي (الرياض)، ط/ 1/ سنة (1412)، ملاحظة: هذا الكتاب جزء من طبقات الشافعية لابن كثير.

«المنتقى شرح موطأ مالك للباجي» ، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا، طبع ونشر: دار الكتب العلمية، (بيروت)، ط/ 1/ سنة (1420).

«مواهب الجليل» = التاج والإكليل.

ص: 174

«الموسوعة العربية العالمية» ؛ عن مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، ط/ 2/ سنة (1419).

«الموطأ برواياته الثمانية» ، للإمام مالك بن أنس، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي، نشر: مكتبة الفرقان (دبي)، ط/ 1، سنة (1424).

«ميزان الاعتدال في نقد الرجال» للحافظ الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، تصوير: دار المعرفة (بيروت)، سنة (1382).

«النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي، تحقيق: جماعة من الباحثين، نشر: الهيئة المصرية للتأليف والنشر، (القاهرة)، من سنة (1383) إلى سنة (1392).

«نصب الراية لأحاديث الهداية» ؛ للزيلعي، تحقيق: محمد عوّامة. نشر: دار القبلة (جدة)، ومؤسسة الريان (بيروت). ط/ 1/ سنة (1418).

«النكت على مقدمة ابن الصلاح» ؛ لبدر الدين محمد بن جمال الدين عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي، تحقيق: الدكتور زين العابدين بن محمد بلا فريج، نشر: دار أضواء السلف، الرياض، ط/ 1، سنة (1419).

«نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج» ؛ لشمس الدين الرملي، طبع: شركة مصطفى البابي الحلبي (القاهرة)، الطبعة الأخيرة، سنة (1368).

«الوافي بالوفيات» ؛ لصلاح الدين خليل بن أبيك الصفدي، تحقيق: أحمد الأرناؤوط، وتركي مصطفى، نشر: دار إحياء التراث العربي (بيروت)، ط/ 1، سنة (1420).

ص: 175

«الوسيط في المذهب» للغزالي، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم، ومحمد محمد تامر، نشر: دار السلام (القاهرة)، ط/ 1، سنة (1417).

ص: 176