الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدّمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيّدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه .. وبعد:
فهذا كتاب جمعتُ فيه ما وقفتُ عليه من اختيارات الحافظ مؤرخ الإسلام؛ شمس الدين أبي عبد الله، محمد بن أحمد الذهبي الشافعي، (ت: 748 هـ) رحمه الله، فيما يتعلق بمسائل الفروع الفقهية العملية.
وهو عملٌ لا أعرف أحداً سبقني إليه، ولا من حام طائر فكره عليه
(1)
، رغم كثرة ما صُنّف حول هذا العالم الجليل، من أبحاث ودراسات، وكتب ومصنّفات في مختلف المناحي.
لقد اشتهر الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله بكونه عالماً مختصاً في فنون التاريخ ونقد الرواة، وعامة كتبه تدور في فلك هذين العِلْمين الجليلين.
بيد أن الرجل لم يكن في معرفة فروع الفقه والاطلاع على خباياه
(1)
ينظر ما كتبته بعد ذلك في نهاية المقدمة.
بأقلّ درجة، ولا أنزل مرتبة، وإن لم يُوْلِ هذا الجانب عناية بالكتابة والتأليف.
لقد وصفه صديقه وتلميذه المؤرخ الكبير صلاح الدين الصفدي، (ت: 764 هـ) فقال: "اجتمعتُ به غير مرة، وقرأتُ عليه كثيراً من تصانيفه. ولم أجد عنده جمود المحدثين، ولا كودنة
(1)
النقلة، بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس، ومذاهب الأئمة والسلف وأرباب المقالات"
(2)
.
ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، الذي قام باستقراء تراث الذهبي، وجَرَد مطوّلاته، فاستخرج منه ما تناثر من آرائه الفقهية، واختياراته العملية، مما كان يبثه وينثره هنا وهناك، كلما دعتْ حاجة أو عنّتْ مناسبة.
إن القاري الكريم سوف لا تخطئ عينه حسن ما كان عليه الحافظ الذهبي، من براعة في الاستنباط، وعمق في التصور، وتمسّك بنصوص الكتاب والسُنّة، وبعد عن التعصب المذهبي
(3)
، مع مراعاته لمقاصد الشريعة، دون جمود ظاهري، ولا إغراق في تأويل بعيد.
وأهم تصانيف الحافظ الذهبي التي قمتُ باستقرائها وجرْدها هي:
1 -
المهذب في اختصار السنن الكبير
2 -
تاريخ الإسلام
3 -
سير أعلام النبلاء
4 -
تذكرة الحفاظ
5 -
بيان الإلباس في فنون اللباس
(1)
الكودنة: قلة الفهم والفطنة.
(2)
"أعيان العصر" 4/ 92.
(3)
حيث خالف مذهب إمامه الشافعي في غير ما مسألة، انظر خاتمة البحث.
6 -
الطب النبوي
7 -
الكبائر
8 -
تلخيص مستدرك الحاكم
9 -
التمسك بالسنن
10 -
الموقظة
11 -
حق الجار
12 -
تنقيح التحقيق.
وما سوى ذلك من التصانيف فقد أعرضتُ عنها، لبعدها عن احتمالية وجود مادة تخدم البحث، من أمثال: كتب الذهبي في نقد الرواة، وتراجم النقلة، ككتابه: الكاشف، وميزان الاعتدال، وديوان الضعفاء، وكتاب العرش، ونحوها.
وقد رأيتُ ألا أذكر من اختيارات الذهبي إلا ما كان كلامه واضحاً وصريحاً في الاختيار والترجيح، وأما ما ليس بواضح ولا بصريح فقد استبعدته، حتى لا أنسب للذهبي شيئاً لم يقله، ولا يعتقده.
كما أنني رأيتُ الاكتفاء بجمع هذه الاختيارات، مع ترتيبها
(1)
، وتبويبها، وتوثيقها من كُتب الذهبي، دون خوض في التعليق عليها، أو الاستدلال لها أو عليها، إلا في حدود إيضاحية ضيّقة جداً. ذلك أن القارئ الكريم في الغالب إنما يريد العيش مع كلام الذهبي وترجيحاته، ولا يهمه رأي جامع الكتاب وترجيحاته.
إنه لمن المؤسف حقاً أن نعلم أن الإمام الذهبي رحمه الله، رغم كثرة وغزارة ما ألّف من كتب ومصنّفات، في مجالات مختلفة، إلا أنه لم يكتب شيئاً في الفروع الفقهية
(2)
، ولا في شروح الأحاديث، ولا في
(1)
رتبتها حسب أبواب الفقه العامة.
(2)
إلا كتباً يسيرة في مسائل فقهية محدودة، ككتابه في أحكام اللباس، المسمى: بيان الإلباس في فنون اللباس، وكتابه: حق الجار، وبعض الأجزاء في مسائل مفردة، معظمها مفقود. ينظر: كتاب "الذهبي ومنهجه في تاريخ الإسلام" ص 139.
الفتوى، ومن هنا جاء كلامه في مسائل الفقه مجرد تعليقات مقتضبة، كان يدوّنها وينثرها في مناسبات مختلفة، هنا وهناك.
بيد أن هذه التعليقات المقتضبة لم تكن بالقليلة، إذا ما ضُمّ بعضها بجانب بعض، ويمكن أن تُكوّنَ مَعْلَمَةً فقهية خاصة بالذهبي، تُضَم إلى نظائرها من ترجيحات الأئمة، لتوسع من دائرة فهم نصوص الكتاب والسنّة، وتزيد من معرفة دلالاتها بصورة أعمق.
•
الدراسات السابقة:
وكنتُ أحسب عندما شرعتُ في جمع مادة الكتاب؛ أنه لم يسبقني إليها أحد، كما أشرت في المقدمة قبل قليل، ولكن بعد أن أوشكت الفراغ من العمل، وكدت أدفع بالكتاب إلى المطبعة، نبهني بعض فضلاء أهل العلم، إلى وجود رسالة علميّة في آراء الذهبي الفقهية
(1)
، في قسم الفقه، بالجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة.
فبادرتُ الذهاب إلى مكتبة الجامعة، وطلبت الرسالة، وأخذت في مطالعتها، فألفيتُ صاحبها قد بذل جهداً مشكوراً في جمع آراء الذهبي الفقهية، ودراستها وتوثيقها.
لكني وجدت طبيعة رسالته تختلف عن طبيعة كتابي هذا في نواح عدة؛ منها: أنني قصرت بحثي على اختيارات الذهبي وحدها، دون التعليق عليها، إلا في حدود ضيقة جداً جداً. أما الرسالة المذكورة
(1)
عنوانها: الآراء الفقهية للإمام الذهبي، جمعاً ودراسة، للطالب: عرفات بن حسن بن جعفر.
فقد أسهب صاحبها في مناقشة اختيارات الذهبي وآرائه، ومقارنتها بمذاهب الأئمة، ودراسة الأدلة، وفحص الاعتراضات، وإبداء ما يراه راجحاً وصواباً، حتى إنه قد يكتب في المسألة الواحدة نحو عشر صفحات أو أكثر، مما يخرج بالموضوع عن حدوده ومقصوده.
وقد جاءت رسالته في أكثر من (1350) صفحة من القطع الكبير، بينما لم تصل صفحات كتابي المائتين!!
كما أن صاحب الرسالة المذكورة قد دَرَجَ على نقل اختيارات الذهبي وآرائه بالمعنى، وفحوى الخطاب، دون أن يذكر نَصّ كلام الذهبي، من أول رسالته إلى آخرها!! فيكتفي بقوله: ذهب الإمام الذهبي إلى كذا وكذا، ورجّح كذا وكذا .. بينما حرصتُ في كتابي على نقل نَصّ كلام الذهبي بحروفه، ليقف القارئ على حقيقة رأيه واختياره.
كما أنني لاحظتُ على صاحب الرسالة وفقه الله أنه ينسب أحياناً اختيارات وترجيحات للذهبي لم يقل بها، وليس في كلامه ما يدل عليها، وربما قال بعكسها، كنسبته إليه القول بوجوب غُسل يوم الجمعة، وأن من أفسد حجه لزمه أن يمضيَ فيه، ونسبته إليه القول بتحريم الإسبال مطلقاً على الرجال، سواء كان على وجه الخيلاء، أو لغير خيلاء، مع أن الذهبي قد فرق صراحة بين الأمرين، وقال ما نصّه:"الإسبال حرام في الذيل والكم والعذبة خيلاء .. ومكروه من غير خيلاء"
(1)
.. إلى غير ذلك من الأمثلة، وهي كثيرة.
(1)
"بيان الإلباس" ص 87.
وليس المقصود الآن نقد هذه الرسالة، وبيان ما لها وما عليها. لكن من هنا تأتي أهميّة نقل نصوص الذهبي وضرورتها كما هي، حتى يقف القارئ على جليّتها، ويفهم دلالتها بدقة، وليس نقل معاني الكلام وفحواه فحسب، كما فعل الباحث وفقه الله.
كذلك وقفتُ على رسالة أخرى عنوانها: "المسائل الفقهية المستخرجة من كتاب "سير أعلام النبلاء"، للباحث محمد جمعة بدوي. لكن هذه الرسالة كما ترى قد اقتصرتْ أولاً على كتاب "السير" فحسب. والأمر الثاني: أنها تبحث في المسائل الفقهية العامة، التي ورد ذكرها في "السير"، حتى ولو لم يكن للذهبي فيها اختيار أو ترجيح.
ومع ذلك فقد أفدتُ من الرسالتين المذكورتين، واستدركتُ منهما ما فاتني من اختيارات الذهبي وغاب عني، فجزاهما الله خيراً.
وقد ختمتُ الكتاب بباب جامع، ذكرتُ تحته مسائل فقهية متفرقة، لا تندرج عادة في أبواب الفقه المعروفة، وبعضها ربما خرج قليلاً عن دائرة الفقه بمعناها الاصطلاحي، ذكرتها للفائدة.
ثم ذيلّتُ الكتاب بخاتمة ذكرت فيها أبرز ما توصلت إليه من نتائج ظهرت لي أثناء جمعي لهذه المادة النافعة، إن شاء الله.
هذا واللهَ أسألُ أن ينفع بالكتاب كاتبه وقارئه، والمرجو ممن وقف على كبوة، أو نبوة، أو شيء من اختيارات الذهبي مما فات
الكتابَ تنبيهُ مؤلّفه عليه عبر بريده الالكتروني المدون أدناه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
وكتبه: أ. د هاني فقيه
المدينة المنورة
كتاب الطهارة
1 - وجوب غسل الرجلين في الوضوء:
قال الذهبي رحمه الله رداً على من أجاز مسح الرجلين في الوضوء: " غسل الرجلين شرع لازم، بيّنه لنا الرسول - اللهم صلِّ عليه - وقال:«ويلٌ للأعقاب من النار»
(1)
، وعليه عمل الأُمة، ولا اعتبار بمن شذّ"
(2)
.
قلت: القول بجواز مسح القدمين في الوضوء قد نسب خطأ إلى بعض علماء السنة، كالإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المفسر الشهير، (ت: 310 هـ)، والصواب أنه طبري آخر من علماء الرافضة، وليس طبري أهل السنة، كما أوضح ذلك العلامة الألوسي (ت: 1270 هـ) رحمه الله، في تفسيره
(3)
.
2 - وجوب غسل الكفين في الوضوء قبل إدخالهما في الإناء:
قال الذهبي رحمه الله: "ذهب إلى وجوب غسل اليدين ثلاثًا،
(1)
"صحيح البخاري"(60)، "صحيح مسلم"(240).
(2)
"السير" 4/ 127.
(3)
"تفسير روح المعاني" للألوسي 3/ 250.
عند القيام من النوم: أحمد بن حنبل وغيره، والوجوب ظاهر لثبوت النصوص به. وهو أمرٌ مستقلٌ بنفسه، وقدرٌ زائدٌ على الوضوء، من تركه فوضوؤه صحيح، لكنه يأثم"
(1)
.
3 - صحة الوضوء من إناء الفضة مع الإثم:
قال الذهبي رحمه الله: "الوضوء من إناء فضة إثم، فليتبْ إلى الله، ووضوؤه صحيح"
(2)
.
قلت: اختيار الذهبي هذا هو مذهب جماهير العلماء من الحنفية والشافعية والمالكية، والحنابلة في الأصح
(3)
.
4 - جواز الوضوء بالماء المشمّس
(4)
:
قال الذهبي رحمه الله: "كره الشافعي الوضوء بالماء المشمّس، والحديث فيه لا يصحّ، ولا أعلم أحداً من الأطباء كرهه"
(5)
.
قلت: خالف الحافظ الذهبي في هذه المسألة مذهب إمامه الشافعي رحمه الله تعالى
(6)
.
(1)
"المهذب في اختصار السنن" 1/ 51.
(2)
"بيان الإلباس" ص 215.
(3)
"الموسوعة الفقهية الكويتية" 21/ 280.
(4)
المراد بالماء المشمس: وهو الذي يتعرض للشمس داخل الأواني.
(5)
"الطب النبوي" ص 47.
(6)
"البيان في مذهب الإمام الشافعي" 1/ 13.
5 - جواز المسح على الجبيرة حال العذر:
قال الذهبي رحمه الله: "يجوز المسح على الجبيرة إلى حين البُرء"
(1)
.
قلت: لا خلاف بين المذاهب الأربعة في وجوب المسح على موضع الجبر إذا شُدّت عليه جبيرة، وتعذر غسل العضو
(2)
.
6 - مسّ الذكر مطلقاً ينقض الوضوء:
رَدَّ الذهبي رحمه الله على من قال: إن مَسّ الذَّكَر بظهر الكف لا ينقض الوضوء، فقال:"أحاديث المسّ مطلقاً أصحّ وأعمّ في مسمّى المسّ"
(3)
.
قلت: يشير إلى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من مَسَّ ذَكَره فلا يصلّي حتى يتوضأ»
(4)
.
7 - وجوب الاغتسال على من أولج بغير إنزال:
قال الذهبي رحمه الله: "نحن: نحكي قول ابن عباس في المتعة، وفي الصرْف، وفي إنكار العَوْل
(5)
، وقول طائفة من الصحابة
(1)
"الطب النبوي" ص 261.
(2)
"الموسوعة الفقهية الكويتية" 15/ 102.
(3)
"المهذب في اختصار السنن" 1/ 141.
(4)
"سنن الترمذي"(82)، وقال: حسن صحيح.
(5)
العَوْل: هي مسألة تتعلق بعلْم الفرائض، وهي التي ينقص فيها أنصباء أصحاب الفروض عن مقدار أصلها، من غير نقصان السهام.
في ترك الغسل من الإيلاج، وأشباه ذلك، ولا نجوّز لأحدٍ تقليدهم في ذلك"
(1)
.
قلت: واختياره هو ما عليه عامة أهل العلم من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم، وفيه خلاف ضعيف
(2)
.
8 - إجزاء الماء الممتزج بالصابون في غُسل الجنابة:
أورد الذهبي رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «كان يغسل رأسه بالخِطْمي
(3)
وهو جنب، يجتزئ بذلك ولا يَصُبُّ عليه الماء»
(4)
، ثم علَّق عليه فقال:"لا يقال في عرف الخطاب أن فلاناً غسل رأسه بسدر، أو غسله بصابون أو بتراب ونحو ذلك إِلا إِذا أنقاه من أثر الغسول. فمعنى الحديث: أنه عليه السلام كان يتغسل بالخِطْمي كما يتغسل الطاهر، ويجزئه ذلك عن غسل خاص للجنابة إِذا نوى"
(5)
.
9 - الاغتسال يوم الجمعة لابد أن يكون بماء يزيل وسخ الجسم والرأس:
ساق الذهبي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «حَقُّ
(1)
"السير" 13/ 108.
(2)
ينظر: "بداية المجتهد" 1/ 53.
(3)
الخطمي: نبات يستعمل ورقه في غسل الرأس وتنظيفه.
(4)
"سنن أبي داود"((256)) بإسناد ضعيف.
(5)
"المهذب في اختصار السنن" 1/ 188، وكلام الذهبي كأنه يقصد به: أنه كان يكتفي بالماء الذي يغسل به الخطمي، ولا يحتاج إلى اتباعه بماء نقي بعده، والله أعلم.
على كل مسلم في كلّ سبعة أيامٍ يوماً يغسل رأسه وجسده»
(1)
، ثم علَّق عليه قائلاً:"ليس المراد به غسل بماء فقط، بل بماء يزيل وسخ الرأس والجسم ويذهب الرائحة"
(2)
.
قلت: كأن الذهبي يذهب إلى التفرقة بين غُسل الجنابة التعبدي، الذي يكفي فيه تعميم البدن بالماء، وغُسل الجمعة المعقول المعنى، الذي يقصد به تنظيف البدن، وتنقيته من الدرن والوسخ.
10 - طهارة عَرَق الآدمي:
قال الذهبي رحمه الله: "نعلم بالضرورة أن أهل الحجاز أكثر الناس عرقاً لشدّة حرّهم، ويتيقن أنه ما غَسَلَ أحد منهم ثوبه من عرقه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشتدّ عرقه من ثقل الوحي، وما غسله أصلاً".
(3)
قلت: طهارة عرق الآدمي مسألة إجماعية
(4)
.
11 - استحباب الوضوء قبل النوم:
قال الذهبي رحمه الله: "يستحبُ له ألّا ينام حتى يتوضأَ، وقد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث عائشة وغيرها، وكذلك إذا أراد أن
(1)
"صحيح البخاري"(896).
(2)
"المهذب في باختصار السنن" 1/ 296.
(3)
"المهذب في اختصار السنن" 1/ 258.
(4)
"نيل الأوطار" 1/ 80، "مواهب الجليل" 1/ 29.
يأكل أو يشرب"
(1)
.
12 - طهارة بول ما يؤكل لحمه:
ذكر الذهبي رحمه الله الحديث الوارد في أمره صلى الله عليه وسلم للعُرنيين؛ بالشرب من أبوال الإبل وألبانها
(2)
، ثم قال:"فيه دليل على طهارة بول ما يؤكل لحمه"
(3)
.
قلت: ما رجحه الذهبي هو قول طائفة من الأئمة كمالك وأحمد، وجماعة من الشافعية والحنفية
(4)
.
13 - اشتراط طهارة الثياب والبدن من النجاسة في الصلاة:
عَدّ الذهبي رحمه الله عدم التنزه من البول من الكبائر، وذكر أنه من شعار النصارى، وقال:"إن من لم يحترز من البول في بدنه وثيابه، فصلاته غير مقبولة"
(5)
.
(1)
"الطب النبوي" ص 51، لكن قول الذهبي باستحباب الوضوء قبل الأكل والشرب لا أعرف له دليلاً حسب علمي القاصر، إلا إن أراد الوضوءَ اللغوي، الذي هو بمعنى غسل اليدين. نعم جاء عن سلمان الفارسي رضي الله عنه مرفوعاً:«بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده» ، لكن المراد بالوضوء هنا: المعنى اللغوي، الذي هو الطهارة وغسل اليدين وتنظيفها، كما أوضحه كثير من شراح الحديث.
(2)
"صحيح البخاري"(233)، "صحيح مسلم"(1671).
(3)
"الطب النبوي" ص 177.
(4)
"الموسوعة الفقهية الكويتية" 8/ 166.
(5)
"الكبائر" ص 163.
قلت: وكذا عَدَّ ابنُ حجر الهيتمي (ت: 974 هـ) عدم التنزه من البول في الثياب والبدن من الكبائر، ونقله عن جماعة من الأئمة، كالإمام البخاري والخطابي وغيرهما
(1)
.
14 - استحباب غسل الإناء من ولوغ الهرة:
أورد الذهبي رحمه الله بعض الأحاديث المتعارضة في وجوب غسل الإناء من ولوغ الهرة، كحديث:«إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات»
(2)
، وحديث:«يُغسل الإناء من الهرّ كما يُغسل من الكلب»
(3)
، ثم قال:"يمكن الجمع بين الأحاديث بأن الغسل على الندب"
(4)
.
قلت: وافق الإمام الذهبي ذهبَ الإمام أبي حنيفة في كراهة سؤر الهرّ، ولم يكره ذلك الجمهور
(5)
.
(1)
"الزواجر عن اقتراف الكبائر" 1/ 207.
(2)
رواه "أبو داود"(75)، و"الترمذي" (92) وقال: حسن صحيح.
(3)
رواه "الدارقطني"(208)، وقال: لا يثبت مرفوعاً.
(4)
"تنقيح التحقيق" 1/ 29.
(5)
"التمهيد" لابن عبد البر 1/ 324.
كتاب الصلاة
15 - لا يجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية:
قال الذهبي رحمه الله: "أما الجهر وعدمه بالبسملة، فقد صَحَّ عن أنس بن مالك، من حديث قتادة وغيره: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم"
(1)
.
قلت: قد خالف الذهبي رحمه الله في هذه المسألة مذهب إمامه الشافعي، الذي كان يرى الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية
(2)
.
16 - وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة:
أورد الذهبي رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:«أمرنا رسول الله أن نقرأ بالفاتحة وما تيسر»
(3)
. ثم علَّق بقوله: "سنده صحيح، ويدل على وجوب الفاتحة"
(4)
.
(1)
"السير" 21/ 171 بتصرف يسير جداً.
(2)
"البيان في مذهب الإمام الشافعي" للعمراني 2/ 185.
(3)
"سنن أبي داود"((818)) بإسناد صحيح.
(4)
"المهذب في اختصار السنن" 1/ 510، وهذا هو مذهب الجمهور، خلافاً للحنفية القائلين بأنه يجزئ في الصلاة قراءة ما تيسر من القرآن، ينظر:"الموسوعة الفقهية الكويتية" 25/ 288.
قلت: اختيار الذهبي موافق لمذهب جمهور العلماء القائلين بتعيّن قراءة الفاتحة في الصلاة، خلافاً لأبي حنيفة؛ القائل: يجزئ قراءة ما تيسّر من القرآن
(1)
.
17 - قراءة ما زاد على الفاتحة في الصلاة ليس بواجب:
قال الذهبي رحمه الله: "ما زاد على الفاتحة، وقول: سمع الله، ليس ذا بواجب"
(2)
.
وصَرَّح في موطن آخر بأن الاقتصار على قراءة الفاتحة: "خلاف السنّة"
(3)
.
قلت: عدم وجوب قراءة ما زاد على الفاتحة هو مذهب جمهور الفقهاء
(4)
.
18 - المرأة غير داخلة في النهي عن كفّ الثوب والشعر في الصلاة:
أورد الذهبي رحمه الله بعض ما ورد في النهي عن كفّ الثوب والشعر في الصلاة، ثم علَّق بقوله: "هذا في الرجل، فأما المرأة فغير
(5)
داخلة في النهي، وخرجتْ بكونها لا تنقض ضفر رأسها للجنابة"
(6)
.
(1)
"نيل الأوطار" 2/ 243.
(2)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 799.
(3)
"المهذب في اختصار السنن" 1/ 512.
(4)
"الموسوعة الفقهية الكويتية" 27/ 89.
(5)
كلمة "غير" سقطت من النسخة المطبوعة من المهذب، والسياق يقتضي إثباتها.
(6)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 556.
19 - نسخ التطبيق في الركوع
(1)
:
ساق الذهبي رحمه الله حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطبّق يديه بين ركبتيه في الركوع
(2)
، ثم علّق عليه بقوله:"كان في صدر الإِسلام"
(3)
.
قلت: قد استقرت الأمة على نسخ التطبيق، وأن السنّة وضع اليدين على الركبتين في الركوع
(4)
.
20 - سنّية المجافاة بين اليدين في السجود إلا لمن كان داخل الصفّ:
قال الذهبي رحمه الله: "هذا التجافي منه عليه السلام، كان لأنه كان إماماً لا يزحمه أحد، فأما إِذا كان الصفّ رصّاً، فهو أولى بهم من تخللهم؛ فمع التراصّ لا يمكنهم التجافي"
(5)
.
21 - عدم شرعية رَدّ السلام في الصلاة:
قال الذهبي رحمه الله: "رَدّ السلام فريضة، وأن نفشي رَدّ السلام، وأن نُقبل بالردّ على من سلّم .. وحقيقة الردّ أن يقول: وعليك السلام، ولا يُشرع للمصلّي قول ذلك"
(6)
.
(1)
التطبيق: جعل اليدين بين الفخذين في الركوع.
(2)
"سنن أبي داود"(747) بإسناد حسن.
(3)
"المهذب في اختصار السنن" 1/ 525.
(4)
"المفهم" 2/ 133، "إرشاد الساري" 2/ 105.
(5)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 561.
(6)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 623، باختصار.
قلت: النطق بردّ السلام يُبطل الصلاة عند الجمهور
(1)
.
22 - إذا سلّم المصلّي فإنه ينوى بسلامه الملكين عن يمينه وشماله:
قال الذهبي رحمه الله: "ينوي بالسلام على الملكين اللذين عن يمينه وعن شماله، وإن نسي النيّة في ذلك فلا حرج عليه"
(2)
.
23 - ترك المداومة على القنوت في صلاة الفجر
(3)
:
ناقش الذهبي رحمه الله مسألة القنوت في صلاة الفجر، ورد على القائلين باستحباب المداومة عليه
(4)
، فقال بعد ذكر الأحاديث المتعارضة في الباب:"ولا منافاة بينهما، بل يدل على أنهم كانوا يقنتون ويتركون؛ إِذْ "كان" لا تستدعي دوام الفعل"
(5)
.
وقال في موضع آخر: "هذا يوضح أنهم قنتوا، وأنهم تركوا، وأنهم كانوا لا يرون القنوت راتباً في الصبح. وبهذا تتوفق الأحاديث كلها، مع أن بعض الصحابة كان يدمنه، وفي التابعين جماعة فعلوه راتباً
(6)
".
كما علّق على ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان لا يقنت في صلاة الصبح، فقال: "هذا صحيح عن ابن عمر، وكونه مع فرط متابعته
(1)
ينظر: "معالم السنن" 1/ 219، "المغني" لابن قدامة 2/ 460.
(2)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 623.
(3)
وهو: الدعاء الذي يؤتى به بعد الركوع في الركعة الثانية من صلاة الفجر.
(4)
وهو المشهور من مذهب الشافعية، ينظر:"المجموع" للنووي 3/ 504.
(5)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 653.
(6)
"تنقيح التحقيق" 1/ 247.
للسنّة واعتنائه بالآثار النبوية لم يحفظه، يدل على ترك مداومة ذلك أو عدمه .. وكان ابن عمر ملازمًا للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، شديد الاتباع"
(1)
.
وفي موضع ثالث ردّ على من استدل بحديث البراء بن عازب: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في المغرب والفجر»
(2)
. فقال: "هذا محمول على قنوت النوازل"
(3)
.
كذلك ناقش استدلال بعضهم بحديث أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، قال:«ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا»
(4)
. فقال: "الحديث محمول على أنه ما زال يطوّل صلاة الفجر؛ فإن القنوت لفظ مشترك بين القنوت العرفي والقنوت اللغوي، قال الله تعالى:{أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً} [الزمر: 9]، فالمراد هنا بالقنوت: العبادة بلا ريب. ومثله: {يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43]. وفي الحديث: «أن رجلاً قال: يا رسول الله، أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت»
(5)
. وفي لفظ: «طول القيام» . فالمراد بهذا القنوت: العبادة؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها
(1)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 653.
(2)
"صحيح مسلم"(678).
(3)
"تنقيح التحقيق" 1/ 223.
(4)
"مسند أحمد"(12657) بإسناد ضعيف.
(5)
"صحيح مسلم"(756).
مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] "
(1)
.
قلت: خالف الذهبي رحمه الله مذهب إمامه الشافعي، الذي كان يرى استحباب المداومة على دعاء القنوت في صلاة الفجر
(2)
.
24 - بطلان صلاة من جرّ إزاره خيلاء:
نقل الذهبي رحمه الله عن الإمام البيهقي، قوله بكراهة صلاة من جرّ إزاره خيلاء، ثم تعقّبه فقال:"بطلانها متوجّه، وجرّ الإزار كبيرة"
(3)
.
قلت: القول ببطلان صلاته لا أعلم أحداً صرح به، إلا ابن حزم الظاهري رحمه الله تعالى
(4)
.
25 - ليس كل كلام يبطل الصلاة:
قال الذهبي رحمه الله: "قد يُسمع من المصلّي حرفان فتبطل صلاته، مثل أن يقول: قف، وصم، وعس، وهن، وبع، وأمثال ذلك، وقد يُسمع منه حرفان لا تعد في العرف كلاماً ولا يعد هو بها متكلماً، كمن سَعَلَ فقال: أه أه، أو أح أح، وكمن تنحنح، وكأنين الشيخ إذا أخفاه مثل: آه آث، فهذا ونحوه لا يُبطل، ومن تعمّق في هذا وقع في الوسواس ولابد"
(5)
.
(1)
"تنقيح التحقيق" 1/ 230.
(2)
"المجموع شرح المهذب" 3/ 504.
(3)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 681.
(4)
ينظر: "المحلى" لابن حزم 2/ 391.
(5)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 692.
26 - قطع الصلاة بمرور الكلب الأسود والحمار والمرأة:
أورد الذهبي رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله عنه، مرفوعاً:«يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحْل: المرأة والحمار والكلب الأسود»
(1)
، ثم علّق عليه بقوله:"هو نصّ في قطع الصلاة وفسادها"
(2)
.
قلت: هذا هو مذهب الحنابلة وطائفة من المحدثين، وتأول الجمهور الحديث بقطع كمال الصلاة
(3)
.
27 - تحريم رفع البصر عند الدعاء في الصلاة إلى السماء:
ذكر الذهبي رحمه الله بعض الأحاديث الواردة في النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، ثم علّق قائلاً:"هذه الأحاديث نصّ في التحريم"
(4)
.
قلت: الأكثرون على الكراهة، وحكي الإجماع على ذلك
(5)
، ونصّ ابن حزم على التحريم
(6)
.
(1)
"صحيح مسلم"(510).
(2)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 713.
(3)
"فتح الودود في شرح سنن أبي داود" 1/ 434.
(4)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 722، والجمهور يقولون بالكراهة فحسب، كما في "فيض القدير" 5/ 398.
(5)
"الكواكب الدراري" 5/ 117، "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" 7/ 36.
(6)
"المحلى" لابن حزم 2/ 320.
28 - عدم وجوب مباشرة الجبهة للأرض في السجود:
ذكر الذهبي رحمه الله حديث ابن عباس: «كان النبي صلى الله عليه وسلم، يصلّي في ثوب واحد، يتقي بفضوله حَرّ الأرض وبردها»
(1)
، ثم علّق فقال:"هذا الدليل على السجود على كور العمامة"
(2)
.
قلت: خالف الذهبي رحمه الله مذهب إمامه الشافعي، الذي قال: لا يجزيه السجود على كور العمامة
(3)
. وقد رخص فيه جماعة من العلماء، كالحنفية
(4)
.
29 - السجود على الأرض أفضل من السجود على الحصير والمنديل:
ذكر الذهبي رحمه الله حديث سجود النبي صلى الله عليه وسلم في ماء وطين
(5)
، وقال:"يدل على أن السجود على الأرض أفضل منه على حصير ومنديل"
(6)
.
قلت: وهذا مذهبٌ لبعض العلماء، لما فيه من التواضع
(7)
.
(1)
"مسند أحمد"(2320) بإسناد فيه ضعف، وله شواهد.
(2)
"السير" 12/ 203.
(3)
"معالم السنن" 1/ 183.
(4)
"مختصر اختلاف العلماء" للجصاص 1/ 232.
(5)
"صحيح البخاري"(2016)، "صحيح مسلم"(1167).
(6)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 724.
(7)
وهُم: المالكية كما في "المدخل" لابن الحاج 2/ 211، "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" 1/ 252.
30 - لا فرق بين الإتمام والقضاء في الصلاة:
أورد الذهبي رحمه الله اختلاف الرواة في حديث أبي هريرة المرفوع: «ما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتموا»
(1)
، وبعضهم يقول:«فاقضوا»
(2)
، فعلّق الذهبي بقوله:"ما يظهر لي كثير فرق بين قوله "فأتموا" و"فاقضوا"، لأن كل من أتم الصلاة فقد قضاها، قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10]، أي فإِذا تمت الصلاة"
(3)
.
31 - المأموم إذا كان يجهل أن الإمام كان على غير طهارة، فإنه لا يعيد الصلاة:
تطرق الذهبي رحمه الله لما ورد فيمن صلّى بالناس على غير طهارة، فقال:"إِنْ علموا بأنه صلّى بهم بلا وضوء عامدًا، أعادوا تلك الصلاة"
(4)
.
32 - سنيّة الصلاة قبل المغرب في المسجد:
أورد الذهبي رحمه الله حديث أنس رضي الله عنه: «كنا بالمدينة إذا أذن المؤذن للمغرب ابتدروا السواري، وركعوا ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صُلّيتْ من كثرة من
(1)
"صحيح البخاري"(635)، "صحيح مسلم"(602).
(2)
"صحيح مسلم"(602) بلفظ: واقض ما سبقك.
(3)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 738.
(4)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 826.
يصلّيها»
(1)
. قال الذهبي: "هذا يدل على أنهم كانوا يصلّون سُنّة المغرب في المسجد"
(2)
.
33 - جواز الائتمام بمن لم ينوِ الإمامة:
أورد الذهبي رحمه الله حديث ابن عباس: «أنه أتى خالته ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل إلى سقاية فتوضأ، ثم قام، وقمتُ فتوضأتُ، ثم قمتُ عن يساره .. وذكر الحديث»
(3)
.
قال الذهبي: "هو دال على الائتمام بمن لم ينوِ الإِمامة"
(4)
.
قلت: عامة الشراح وافقوا الذهبي على هذا الاستنباط
(5)
.
34 - بطلان صلاة من صلّى خلف الصفّ وحده:
أورد الذهبي رحمه الله حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلّي خلْف الصفّ وحده، فأمره أن يعيد الصلاة»
(6)
. ثم علّق عليه فقال: "ظاهره نفي الصحة، كما قلنا في قوله للمسيء صلاته: ارجع فصل فإِنك لم تصل"
(7)
.
قلت: بطلان صلاة المنفرد خلف الصفّ وحده هو مذهب
(1)
"صحيح مسلم"(837).
(2)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 907.
(3)
"صحيح البخاري"(728)، "صحيح مسلم"(763).
(4)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 1030.
(5)
ينظر: "إحكام الأحكام" 1/ 222، "النفح الشذي" 4/ 233.
(6)
"سنن أبي داود"(682)، "سنن الترمذي"(230)، وقال: حديث حسن.
(7)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 1037.
الحنابلة، وجمهور العلماء حملوا الحديث على الندب
(1)
.
35 - التخفيف المطلوب في الصلاة يرجع إلى عُرف الشارع:
أورد الذهبي رحمه الله حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي الصلوات كنحو من صلاتكم، ولكنه كان يخفف، كانت صلاته أخفّ من صلاتكم، كان يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور»
(2)
. قال الذهبي معلقاً وشارحاً لهذا الحديث: "وصف جابرٌ صلاة أئمته بالطول لكونها أطول من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يخفف بالنسبة إلى أولئك الأئمة، وصلاته طويلة بالنسبة إِلي أئمة زماننا، فظهر لك بقوله عليه السلام: "فليخففْ"، أي لا يزيد علي مقدار صلاتي؛ فإِن التخفيف أمرٌ نسبي يختلف باختلاف الأزمنة، ولا جائز أن يرد إلى العرف اليوم، بل يرد إِلي عرف الشارع وأصحابه"
(3)
.
قلت: للإمام ابن القيم (ت: 752 هـ) رحمه الله تقرير نحو هذا يقول فيه: "التخفيف أمر نسبي يرجع إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين"
(4)
.
36 - امتناع اجتماع صلاة العيد والخسوف أبداً:
(1)
"نيل الأوطار" 3/ 220.
(2)
"صحيح مسلم"(458)، وفيه:"يقرأ في الفجر بق والقرآن"، بدل الواقعة.
(3)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 1050.
(4)
"زاد المعاد" 1/ 207.
نقل الذهبي رحمه الله عن الإمام البيهقي تجويز اجتماع صلاة العيد والخسوف معاً في يوم واحد تبعاً للشافعي، ثم تعقبه بقوله:"لم يقع ذلك ولن يقع، والله قادر على كل شيء، لكن امتناع وقوع ذلك كامتناع رؤية الهلال ليلة ثامن وعشرين الشهر"
(1)
.
قلت: وذلك لأن الله عز وجل قد أجرى العادة بأن القمر لا يخسف إلا عند إبداره ليلة الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، والتي تسمى بالليالي البيض.
37 - من أخَّر الصلاة عن وقتها فهو صاحب كبيرة:
قال الذهبي رحمه الله: "مؤخّر الصلاة عن وقتها صاحب كبيرة، وتاركها بالكلية أعني الصلاة الواحدة، كمن زنى وسرق"
(2)
.
38 - تارك الصلاة أحياناً لا يقتل:
نقل الذهبي رحمه الله عن الإمام البيهقي قوله بقتل تارك الصلاة كسلاً، ثم تعقبه فقال:"المنافق أسوأ حالاً باتفاقٍ من تارك الصلاة، ومع ذلك فقد نهى عليه السلام عن قتله، فبالأولى ألّا يُقتل المرء بترك الصلاة في الأحايين"
(3)
.
39 - من ترك صلاة عمداً حتى يخرج وقتها لابد له من قضائها:
رَدَّ الذهبي رحمه الله على من قال بعدم قضاء الصلاة الفائتة
(1)
"المهذب في اختصار السنن" 3/ 1261.
(2)
"الكبائر" ص 93.
(3)
"المهذب في اختصار السنن" 3/ 1296.
عمداً، وقال:"جمهور الأمة على أنه لابد من قضائها، وأنّ قضاءها لا ينفي عنه الإثم إلا بتوبة منه"
(1)
.
قلت: الأمر كما قال الذهبي رحمه الله، فالجمهور على وجوب قضاء الصلاة الفائتة، سواء فاتته عمداً أو سهوًا، ويرى البعض عدم وجوب القضاء على المتعمد في الترك
(2)
.
40 - صحة صلاة من صبر على مدافعة الأخبثين:
قال الذهبي رحمه الله تعليقاً على مسألة مدافعة الأخبثين في الصلاة: "إن عرض له ذلك في الصلاة وأمكنه الصبر، فصلاته صحيحة، وإن أجهده ذلك فلينصرف"
(3)
.
قلت: عامة العلماء على كراهة الصلاة حال مدافعة الأخبثين، أما إن كانت المدافعة شديدة، بحيث لا يدري ولا يعقل صلاته، فصلاته باطلة
(4)
.
41 - منع قراءة القرآن حال الركوع والسجود:
نقل الذهبي رحمه الله عن ابن الزبير، أنه ركع مرة فقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه، ثم تعقبه فقال:"هذا ما بلغ ابنَ الزبير فيه حديث النهي"
(5)
.
(1)
"السير" 10/ 555.
(2)
ينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" 34/ 26.
(3)
"السير" 5/ 29.
(4)
"المفهم" للقرطبي 2/ 165، "الموسوعة الفقهية الكويتية" 2/ 84.
(5)
"السير" 3/ 369.
قلت: يشير إلى حديث: «ألا وإني نُهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً»
(1)
.
42 - فضيلة تعجيل صلاة المغرب أول وقتها:
عرض الذهبي رحمه الله لخلاف العلماء في مسألة آخر وقت صلاة المغرب، وقال:"فعل المغرب في وقت واحد هو الأفضل، ويبقى وقت الجواز"
(2)
.
قلت: كأن الذهبي استند في هذا إلى مواظبته صلى الله عليه وسلم على تعجيل صلاة المغرب أول وقتها، دون تأخير
(3)
.
43 - الأمر بالإنصات للإمام في الصلاة الجهرية:
أورد الذهبي رحمه الله حديث عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهاهم عن القراءة خلف الإمام»
(4)
، ثم علّق عليه فقال: هذا "محمول على جهره، فإن الله أمرنا بالإنصات"
(5)
.
قلت: كأن الذهبي رحمه الله أراد الردّ على من منع القراءة خلف الإمام مطلقاً، في الجهرية والسرية
(6)
.
(1)
رواه مسلم ((479))، من حديث ابن عباس.
(2)
"تنقيح التحقيق" 1/ 99.
(3)
"شرح صحيح مسلم" 5/ 136.
(4)
"سنن الدارقطني"(1240) بإسناد ضعيف.
(5)
"تنقيح التحقيق" 1/ 157.
(6)
وهو المشهور من مذهب الحنفية، ينظر "الحجة على أهل المدينة" 1/ 116.
44 - استحباب قصر الصلاة في السفر:
عرض الذهبي رحمه الله لمسألة قصْر الصلاة في السفر، وقال:"وفي المسألة نصوصٌ تدل على أولوية القصر، وذهب إلى وجوبه بعض العلماء"
(1)
.
45 - مشروعية تنفل المأموم قبل صلاة العيد في المصلّى:
أورد الذهبي رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر، فصلّى ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها»
(2)
، ثم علّق فقال:"هو نص في الإمام، أما المأموم، فيتنفل إن شاء"
(3)
.
قلت: هو نصّ كلام الشافعي رحمه الله، حيث قال:"أحب للإمام ألا يتنفل قبلها ولا بعدها، وأما المأموم فمخالف له في ذلك"
(4)
.
46 - التكبير في أيام العيد سنّة دون التقيّد بعدد:
قال الذهبي رحمه الله: "ما ثبت في العدد شيء، ولا ذُكِر التكبيرُ في عيد الفطر، وهو سُنّة، والآية دالة عليه؛ وهي: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ} [البقرة: 185] "
(5)
.
قلت: وبهذه الآية الكريمة أخذ جمهور من العلماء مشروعية واستحباب التكبير في عيد الفطر المبارك
(6)
.
47 - صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان:
ذكر الذهبي رحمه الله خلاف العلماء في صفة صلاة الكسوف، بناء على اختلاف الروايات الواردة فيها، ثم علّق بقوله: "حديثهم
(7)
مجمل، وحديثنا مفصّل مبين، وهو أصَحّ"
(8)
.
قلت: يشير بالحديث المفصّل إلى ما أخرجه الشيخان، عن عائشة رضي الله عنها، في وصفها لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم للكسوف، وفيه:«فكبّر وصفّ الناس وراءه، فكبروا، فقرأ قراءة طويلة، ثم كبّر فركع ركوعاً طويلاً، ثم قال: سمع الله لمن حمده. فقام ولم يسجد، فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبّر وركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. ثم سجد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعات، وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف»
(9)
. وبهذا أخذ جمهور العلماء؛ مالك والشافعي وأحمد، أعني أن صلاة الكسوف ركعتان، في كل ركعة ركوعان
(10)
.
(1)
"تنقيح التحقيق" 1/ 270.
(2)
"صحيح البخاري"(964).
(3)
"تنقيح التحقيق" 1/ 290.
(4)
"شرح سنن أبي داود" لابن رسلان 5/ 719.
(5)
"تنقيح التحقيق" 1/ 291.
(6)
"تفسير ابن كثير" 1/ 505.
(7)
الضمير يعود في قوله: "حديثهم" إلى الحنفية، القائلين بأن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوع واحد، كبقية الصلوات.
(8)
"تنقيح التحقيق" 1/ 296.
(9)
"صحيح البخاري"(1046)، "صحيح مسلم"(901).
(10)
"نيل الأوطار" 3/ 389.
كتاب الأذان
48 - ليس للعيدين، ولا لصلاة الاستسقاء والكسوف أذان:
قال الذهبي رحمه الله: "يُستدل بتركه يعني: النبي صلى الله عليه وسلم التأذين في العيد والكسوف والاستسقاء على عدم الاستحباب، وأنه ليس بدين، فما أمسك عن فعله، أو الأمر به، مع قيام المقتضي دَلَّ على أنه ليس بحسن ولا برّ"
(1)
.
قلت: قد نقل ابن رجب الاتفاق على أن الأذان للعيدين بدعة محدثة
(2)
.
49 - تقديم الأذان الأول قبل الأذان الثاني بزمن يسير في صلاة الفجر:
قال الذهبي رحمه الله: "مجموع ما ورد في تقديم الأذان قبل الفجر إِنما ذلك بزمن يسير، لعله لا يبلغ مقدار قراءة الواقعة أو نحو ذلك؛ بل أقل، فبهذا المقدار تحصل فضيلة التقديم لا بأكثر، أما ما يُفعل في زماننا من أنه يؤذن للفجر أولاً من الثلث الأخير فخلاف السنّة
(1)
"التمسك بالسنن" ص 118 باختصار.
(2)
"فتح الباري" لابن رجب 8/ 447.
لو سُلّم جوازه"
(1)
.
50 - قول: "حي على خير العمل" في الأذان من شعار الرافضة:
نقل الذهبي رحمه الله عن الإمام البيهقي أن جملة "حي على خير العمل" لم تثبت في الأذان، ثم علَّق فقال:"قد صارت سمة وشعاراً للإمامية"
(2)
.
قلت: وبنحوه قال العلامة الشوكاني (ت: 1250 هـ): "هذا اللفظ قد صار من المراكز العظيمة عند غالب الشيعة"
(3)
.
51 - المؤذن بحاجة إلى التفرغ للتأذين، ومراقبة أوقات الصلوات:
نقل الذهبي رحمه الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: لو أطقتُ الأذان مع الخلافة لأذَّنت. ثم علّق عليه فقال: "قلت: يعني أنه لا يتفرغ من أعباء الخلافة، والمؤذن فيريد أن يكون مراقباً للأوقات مشتغلاً بها"
(4)
.
52 - كراهة الأذان الجماعي:
أورد الذهبي رحمه الله حديث: «لو يعلم الناس ما في النداء والصفّ الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه»
(5)
، ثم علّق عليه فقال: "هذا الحديث دال على كراهية أذان جماعة معاً؛
(1)
"المهذب في اختصار السنن" 1/ 377.
(2)
"المهذب في اختصار السنن" 1/ 419.
(3)
"السيل الجرار" للشوكاني ص 126.
(4)
"المهذب في اختصار السنن" 1/ 421.
(5)
"صحيح البخاري"(615)، "صحيح مسلم"(437).
إذ لو ساغ ذلك لأذّنوا جميعهم، ولما احتاجوا إلى الاستهام"
(1)
.
قلت: يريد تأذينهم معاً بصوت واحد في مسجد واحد. وقد عَدَّ غير واحد هذا الفعل من البدع المحدثة، كابن الحاج المالكي رحمه الله (ت: 737 هـ) وغيره
(2)
.
(1)
"المهذب في اختصار السنن" 1/ 422.
(2)
"المدخل" لابن الحاج 2/ 242.
كتاب المساجد
53 - تقديم الأقرأ على الأفقه في إمامة الصلاة:
قال الذهبي رحمه الله: "قدَّم المهاجرون وفيهم عمر رضي الله عنه في الصلاة بهم سالماً مولى أبي حذيفة، لكونه أكثرهم قرآناً، وعمر أفقه منه بكثير"
(1)
.
قلت: وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وبعض أصحاب الشافعي
(2)
.
54 - منع الركوع دون الصفّ وأن يأتي إلى الصلاة سعياً:
ساق الذهبي رحمه الله حديث أبي بكرة رضي الله عنه: أنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصفّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«زادك الله حرصاً ولا تعد»
(3)
، وعلّق عليه فقال: "الظاهر أن هذا نهي يقتضي الزجر في الموضعين، فلا يركع الإِنسان حتى يقوم في الصفّ، ولا يأت الصلاة سعياً، فما أدرك في الصورتين صلّى، وما
(1)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 1051.
(2)
"البدر التمام شرح بلوغ المرام" 3/ 333.
(3)
"صحيح البخاري"(783).
فاته قضاه"
(1)
.
55 - تحريم خروج المرأة إلى المسجد متطيّبة ولو كانت عجوزاً:
ذكر الذهبي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعاً:«أيُّما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة»
(2)
، ثم علّق عليه فقال:"في الحديث دليل على تحريم إتيان المرأة المسجد متطيّبة، ولو كانت عجوزًا .. ولكن إذا أرادت المرأة أن تطيّب بالمسك والعنبر فلتلزم بيتها، إلى أن يذهب ريح الطيب"
(3)
.
56 - المرأة تصفّ في الجماعة خلف الرجال:
أورد الذهبي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن جدته مُليكة دعتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته، فأكل منه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قوموا، فلأصلّي لكم» . قال أنس: فقمتُ إلى حصير قد اسود من طول ما لُبس، فنضحته بماء، «فقام عليه رسول الله، وقمتُ أنا واليتيم وراءه، وقامتْ العجوز من وراءنا، فصلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم انصرف»
(4)
. وعلّق الذهبي عليه بقوله: "صلاتها وحدها في صفّ يدل على جواز ذلك لها، وعلى منعها من مصافّة أنس واليتيم"
(5)
.
(1)
"المهذب في اختصار السنن" 1/ 536.
(2)
"صحيح مسلم"(444).
(3)
"تذكرة الحفاظ" 4/ 1433.
(4)
"صحيح البخاري"(380)، "صحيح مسلم"(658).
(5)
"تنقيح التحقيق" 1/ 254.
قلت: قد حكى ابن القطان رحمه الله (ت: 628 هـ) الإجماع في ذلك فقال: "أجمعوا أن المرأة تصلّي خلف الصف وحدها، وخلف المنفرد وحدها، وتلك سنتها"
(1)
.
57 - تحية المسجد ليست واجبة بالإجماع:
ذكر الذهبي رحمه الله حديث: «إذا دخل أحدكم المسجد فليصل ركعتين قبل أن يجلس»
(2)
، ثم قال:"هذا حديث صحيح، متفق على أن الأمر فيه أمر ندب"
(3)
.
قلت: وعلى هذا "اتفق أئمة الفتوى، أن الأمر في ذلك للندب"، حسب عبارة الحافظ ابن حجر
(4)
، لكن نقل الاتفاق فيه نظر، فقد نقل ابن بطال عن أهل الظاهر قولهم بالوجوب
(5)
.
58 - منع رفع الصوت بالقرآن إذا كان يشوّش على المصلين:
أورد الذهبي رحمه الله حديث عليّ رضي الله عنه: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل صوته بالقرآن قبل العشاء وبعدها، يغلط أصحابه .. »
(6)
، ثم علّق عليه بقوله: "فيه النهي عن قراءة الأسْبَاع
(1)
"الإقناع في مسائل الإجماع" 1/ 148.
(2)
"صحيح البخاري"(1163)، "صحيح مسلم"(714).
(3)
"تذكرة الحفاظ" 3/ 1245، 4/ 30.
(4)
"فتح الباري" لابن حجر 1/ 537.
(5)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 93.
(6)
أورده الذهبي هنا بسنده، وقال: صالح الإسناد.
التي في المساجد، وقت صلوات الناس فيها، ففي ذلك تشويش بيّن على المصلين"
(1)
.
قلت: وبنحوه قال الإمام ابن الحاج المالكي (ت: 737 هـ) رحمه الله: "وينبغي له أن ينهى من يقرأ الأعشار وغيرها بالجهر، والناس ينتظرون صلاة الجمعة أو غيرها من الفرائض؛ لأنه موضع النهي .. ، ولا يظنّ ظان أن هذا إنكار لقراءة القرآن، بل ذلك مندوب إليه، بشرط أن يسلم من التشويش على غيره من المصلين، والذاكرين، والتالين، والمتفكرين"
(2)
.
(1)
"السير" 11/ 102.
(2)
"المدخل" لابن الحاج 2/ 225.
كتاب الجنائز
59 - جواز إخبار المريض عن مرضه دون تسخط، وكراهة تمنّي الموت:
قال الذهبي رحمه الله: "يجوز للمريض أن يقول أنا شديد الوجع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وارأساه»
(1)
، ولا يُظهر الجزع والتسخّط .. ويُكره للمريض تمنّي الموت، وإن خاف على دينه جاز له ذلك"
(2)
.
قلت: وبهذا صرح كثير من العلماء، كقول الإمام القسطلاني (ت: 923 هـ): "إذا خاف على دينه والوقوع في الفتنة فيجوز بلا كراهة"
(3)
.
60 - استحباب غسل من غسّل ميتاً، والوضوء من حمل الجنازة:
أورد الذهبي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعاً:«من غُسْلِه الغُسل، ومن حمْلِه الوضوء»
(4)
. ثم علّق فقال: "هو ظاهر في أن
(1)
"صحيح البخاري"(5666).
(2)
"الطب النبوي" ص 292.
(3)
"إرشاد الساري" للقسطلاني 10/ 279.
(4)
"سنن الترمذي"(993) وقال: حديث حسن.
ذلك سُنّة، ولا بد للحديث من تقدير شيء محذوف مع الغسل ومع الوضوء، فالمقدّر: المشروع أو المسنون أو المستحب أو الواجب، والله أعلم"
(1)
.
وقد صرَّح في موضع آخر باستحباب الغسل لمن غسل ميتاً جمعاً بين النصوص
(2)
.
قلت: قال الإمام الخطابي (ت: 288 هـ) رحمه الله: "أما الاغتسال من غسل الميت فقد اتفق أكثر العلماء على أنه على غير الوجوب"
(3)
.
61 - غسل الشهيد الذي مات وهو جنب:
ذكر الذهبي رحمه الله قصة غسل الملائكة لحنظلة بن أبي عامر حين استشهد وهو جنب يوم أحد
(4)
، ثم علّق عليها بقوله:"لو غسل الشهيد الذي يكون جنباً استدلالاً بهذا الحديث، لكان حسناً"
(5)
.
قلت: قد صرح بهذا بعض العلماء، فقالوا:"يغسل للجنابة لا بنية غسل الميت"
(6)
.
(1)
"السير" 18/ 357.
(2)
"تلخيص المستدرك" 1/ 386.
(3)
"معالم السنن" 1/ 110.
(4)
"مستدرك الحاكم" 3/ 204 وصححه.
(5)
"السير" 3/ 322.
(6)
"فتح الباري" لابن حجر 3/ 212.
62 - مشروعية الصلاة على الغائب إن لم يكن صُلّي عليه:
قال الذهبي رحمه الله: "ولم يثبت أنه صلّى صلى الله عليه وسلم على غائب سواه
(1)
، وسبب ذلك: أنه مات بين قوم نصارى، ولم يكن عنده من يصلّي عليه، لأن الصحابة الذين كانوا مهاجرين عنده خرجوا من عنده مهاجرين إلى المدينة، عام خيبر"
(2)
.
قلت: وبنحو كلام الذهبي صرح كثير من العلماء، كقول ابن بطال رحمه الله (ت: 449 هـ): "الصلاة على الجنائز من فروض الكفاية، يقوم بها من صلى على الميت في البلد التي يموت فيها، ولم يحضر النجاشي مسلمٌ يصلي على جنازته"
(3)
.
63 - النهي عن تأخير دفن الميت:
قال الذهبي رحمه الله: "خُص صلى الله عليه وسلم بتأخير دفنه يومين، ويكره تأخير أُمته، لأنه هو أُمِنَ عليه التغيّر، بخلافنا، ثم إنهم أخروه حتى صلّوا كلّهم عليه، داخل بيته، فطال لذلك الأمر، ولأنهم تردّدوا شطر اليوم الأول في موته، حتى قَدِمَ أبو بكر الصديق من السُّنْح
(4)
، فهذا كان سبب التأخير"
(5)
.
قلت: جمهور العلماء على كراهة تأخير دفن الميت، لا سيما إذا
(1)
يعنى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي.
(2)
"السير" 1/ 260.
(3)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 243.
(4)
السُّنح: موضع من عوالي المدينة، بينه وبين المسجد النبوي نحو ميْل.
(5)
"السير" 8/ 30.
لم تدعو حاجة إلى ذلك
(1)
.
64 - النهي عن تطيين القبر
(2)
:
نقل الذهبي رحمه الله عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله المنع من تطيين القبر، وعلّق عليه فقال:"حجة أبي حنيفة أقوى وأبين"
(3)
.
قلت: يريد بحجة أبي حنيفة: حديث النهي عن البناء على القبر
(4)
، مع أنه ليس بصريح في المنع. ومسألة تطيين القبر قد اختلفت المذاهب فيها، بين من كره، ومن رخّص، لا سيما إن كان المراد من التطيين: المحافظة على القبر من نسف الرياح له، أو أن تبعثره الأمطار
(5)
.
65 - النهي عن المشي بين القبور بالنعال:
ذكر الذهبي رحمه الله مسألة المشي بين القبور بالنعال، فقال:"منهي عنه".
(6)
قلت: هكذا جاء كلام الذهبي مقتضباً جداً، دون أن يُبيّن إن كان النهي للتحريم أم للكراهة، وأكثر أهل العلم أباح ذلك، لا سيما عند
(1)
ينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" 10/ 13.
(2)
طلاؤه وتلبيسه بالطين.
(3)
"تنقيح التحقيق" 1/ 319.
(4)
"صحيح مسلم"(970).
(5)
ينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" 32/ 250، "أحكام الجنائز" ص 205.
(6)
"المهذب في اختصار السنن" 3/ 1430.
الحاجة، والله أعلم
(1)
.
66 - النهي عن البناء على القبور:
قال الذهبي رحمه الله: "قد نهى عليه الصلاة والسلام أن يبنى على القبور"
(2)
.
قلت: لم يُبيّن الذهبي إن كان النهي للتحريم أم للكراهة، والعلماء مختلفون بين قائل بالتحريم، وقائل بالكراهة
(3)
.
67 - مشروعية البكاء على الميت دون ندب
(4)
أو صُراخ:
قال الذهبي رحمه الله: "هنا ثلاث صور: بكاء بدمع العين، فهذا مباح. وبكاء بندب الميت ونعيه، فهذا محرم. وبكاء بصوت عال وصُراخ بلا ندب .. فهذا منهي عنه أيضاً"
(5)
.
68 - النهي عن الدفن في البيوت:
أورد الذهبي رحمه الله حديث: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها قبوراً»
(6)
. ثم علّق قائلاً: "فيه النهي عن الدفن
(1)
انظر: "المغني" لابن قدامة 3/ 514.
(2)
"السير" 8/ 29.
(3)
ينظر: "شرح سنن أبي داود" لابن رسلان 13/ 541، "شرح الصدور بتحريم رفع القبور" ص 8.
(4)
ندب الميت: تعداد محاسنه ومناقبه وبكاه كأنه يسمعه، ك: ياسندي، ويا عضدي.
(5)
"تنقيح التحقيق" 1/ 323.
(6)
"صحيح مسلم"(777).
في البيوت .. ولو اندفن الناس في بيوتهم، لصارت المقبرة والبيوت شيئاً واحداً .. ، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«أفضل صلاة الرجل في بيته، إلا المكتوبة»
(1)
، فناسب ذلك ألا تُتخذَ المساكنُ قبوراً. وأما دفنه في بيت عائشة، صلوات الله عليه وسلامه، فمختص به، كما خُصّ ببسط قطيفة تحته في لحده، وكما خُصّ بأن صلّوا عليه فرادى بلا إمام، فكان هو إمامهم حياً وميتاً، في الدنيا والآخرة"
(2)
.
69 - النهي عن الصلاة في المقبرة:
قال الذهبي رحمه الله: "الصلاة في المقبرة منهي عنها، نهي كراهية أو نهي تحريم"
(3)
.
قلت: لم يجزم الذهبي في المسألة، وقد اختلف فيها الأئمة بين مانع ومجوّز
(4)
.
70 - تحريم وضع الستائر على المشاهد والقبور:
قال الذهبي رحمه الله: "يحرم ستر الحيطان والأبواب بالأستار، إلا ستر باب المنزل، لا لمخيلة ولا سرف .. وكذلك يحرم السُّتُر في المساجد والمشاهد وعلى القبور"
(5)
.
(1)
"صحيح البخاري"(731).
(2)
"السير" 8/ 30.
(3)
"السير" 8/ 30.
(4)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 86.
(5)
"بيان الإلباس" ص 164.
قلت: عامة الشراح كالقاضي عياض والنووي والمناوي وغيرهم رجحوا أن ستر الحيطان مكروه وليس محرماً
(1)
.
وأما وضع الستائر على المشاهد والقبور فقد حكى ابن تيمية اتفاق الأئمة على عدم شرعيته
(2)
.
71 - النهي عن الكتابة على القبور:
نقل الذهبي رحمه الله كلاماً للإمام الحاكم، صاحب المستدرك (ت: 405 هـ) في جواز الكتابة على القبور، بحجة العمل الجاري عليه بين الأئمة خلفاً عن سلف، ثم تعقبه فقال:"ما قلتَ طائلاً، ولا نعلم صحابياً فعل ذلك، وإنما هو شيء أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم، ولم يبلغهم النهي"
(3)
.
قلت: هذه مسألة خلافية، فمن العلماء من قال بتحريم الكتابة، ومنهم من قال بالكراهة، ومنهم من أجاز كتابة اسم الميت فحسب، لا على وجه الزخرفة، والله أعلم
(4)
.
72 - مشروعية زيارة القبور، وأنها من القُرَب:
قال الذهبي رحمه الله: "من سار إلى زيارة قبر فاضلٍ من غير شدّ رحل، فقربةٌ بالإجماع بلا تردد، سوى ما شذّ به الشعبي،
(1)
"إكمال المعلم" 6/ 595، "شرح صحيح مسلم" للنووي 14/ 86، "التيسير بشرح الجامع الصغير" 1/ 259.
(2)
"جامع المسائل" 3/ 149.
(3)
"تلخيص المستدرك" 1/ 370.
(4)
ينظر: "مرعاة المفاتيح" 5/ 445.
ونحوه، فكأنه بلغهم النهي عن زيارة القبور، وما علموا بأنه نُسخ ذلك"
(1)
.
(1)
"السير" 9/ 368.
كتاب الزكاة
73 - عدم وجوب الزكاة في الخضروات:
قال الذهبي رحمه الله: "يستدل بتركه صلى الله عليه وسلم الزكاة في الخضروات التي بالمدينة على عدم الوجوب"
(1)
.
قلت: وهو مذهب الجمهور خلافاً للحنفية
(2)
.
74 - عدم وجوب الزكاة في حُليّ المرأة المستعمل:
قال الذهبي رحمه الله: "لا زكاة في حُليّ مباحٍ على الصحيح، كما لا زكاة في الإبل والبقر العوامل"
(3)
.
قلت: وهو مذهب الجمهور، خلافاً للحنفية، الذين أوجبوا الزكاة في حُلي المرأة المستعمل إذا بلغ النصاب
(4)
.
75 - عدم وجوب التصدق بالمال الزائد عن الحاجة:
نقل الذهبي رحمه الله في ترجمة أبي ذر رضي الله عنه، أنه قال:
(1)
"التمسك بالسنن"118.
(2)
ينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" 23/ 278.
(3)
"بيان الإلباس" ص 225.
(4)
"معالم السنن" 2/ 17.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أحب أن لي هذا الجبل ذهباً أنفقه، ويتقبل مني، أذر خلفي منه ستة أواق»
(1)
. قال أبو ذر: أنشدك الله يا عثمان، أسمعته قال مراراً؟ قال: نعم. ثم علّق الذهبي فقال: "هذا دال على فضل إنفاقه، وكراهية جمعه؛ لا يدل على تحريم"
(2)
.
76 - ما يحل من سؤال الناسِ وما لا يحل:
قال الذهبي رحمه الله: "من أخذ من الأمراء والكبار بلا سؤال وهو محتاج، فهذا مغتفرٌ له، فإن أخذ بسؤال رُخّصَ له بقدْر القوت، وما زاد فلا، ومن سأل وأخذ فوق الكفاية ذُمّ، ومن سأل مع الغنى والكفاية حرم عليه الأخذ، فإن أخذ المال والحالة هذه وكنزه، ولم يؤد حق الله، فهو من الظالمين الفاسقين
(3)
".
(1)
"مسند أحمد"(453) بإسناد ضعيف.
(2)
"السير" 2/ 67.
(3)
"السير" 21/ 511.
كتاب الصيام
77 - ترك صوم رمضان من أعظم الذنوب:
قال الذهبي رحمه الله بعد أن أورد جملة من النصوص الدالة على فرضية صوم رمضان، قال معلقاً:"وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان، بلا مرض ولا غرض؛ أنه شرّ من الزاني والمكاس ومدمن الخمر، بل يشكّون في إسلامه، ويظنون به الزندقة والانحلال"
(1)
.
78 - مشروعية سرد الصوم:
أورد الذهبي رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها، أن حمزة الأسلمي قال: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال:«صُمْ إن شئتَ وأفطرْ إن شئتَ»
(2)
، ثم علَّق بقوله:"فيه أنه أذن له في سرد الصوم"
(3)
.
قلت: لم يبيّن الذهبي مرادَه بسرد الصوم، فهو يطلق عند بعض
(1)
"الكبائر" ص 109.
(2)
"صحيح البخاري"(1943)، "صحيح مسلم"(1121).
(3)
"المهذب في اختصار السنن" 3/ 1621.
العلماء على موالاة الصوم وتتابعه، دون أن يفصل بينه بفطر، وأجازوا ذلك في حال عدم إضرار المرء بنفسه، وتفويت واجباته. وأحياناً يطلقون السرد على الإكثار من الصوم
(1)
.
79 - مشروعية السواك للصائم في أي وقت:
قال الذهبي رحمه الله رداً على من كره السواك للصائم، بعد الزوال:"أحاديث السواك وفضلها عامة لم يُستثنَ منها صائمٌ ولا وقت"
(2)
.
قلت: وهو مذهب طائفة من العلماء، يرون عدم كراهية السواك للصائم، في أي وقت كان، أول النهار وآخره
(3)
.
80 - استحباب فطر الصائم على عجوة أو تمر:
قال الذهبي رحمه الله: "من السُنّة للصائم أن يفطر على العجوة أو التمر، قال عليه الصلاة والسلام:«مَنْ وجد تمراً فليفطر عليه، ومَنْ لا، فليفطر على الماء، فإنه طهور»
(4)
"
(5)
.
قلت: الحديث الذي احتج به الذهبي ضعيف الإسناد، لكن
(1)
"النهاية في غريب الحديث" 2/ 358، "مرعاة المفاتيح" 7/ 57.
(2)
"المهذب في اختصار السنن" 4/ 1650.
(3)
ينظر: "نيل الأوطار" 1/ 139.
(4)
"سنن الترمذي"(694)، من حديث أنس بن مالك، وأشار إلى ضعف إسناده.
(5)
"الطب النبوي" ص 90.
يغني عنه ما رواه أحمد في المسند وغيره، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطباتٍ قبل أن يصلّي، فإن لم يكن رطباتٌ، فتمراتٌ، فإن لم يكن تمراتٌ حسا حسواتٍ من ماء»
(1)
.
81 - النهي عن الوصال في الصوم
(2)
:
نقل الذهبي رحمه الله عن ابن الزبير أنه كان يواصل الصيام سبعة أيام، ثم علّق فقال:"لعله ما بلغه النهي عن الوصال، ونبيُّكَ صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم، وكلّ من واصل، وبالغ في تجويع نفسه، انحرف مزاجه، وضاق خُلُقُه، فاتباع السنّة أولى"
(3)
.
قلت: كأنه يفهم من كلامه: أنه يرى التحريم، وليس الكراهة، وهو مذهب لبعض العلماء
(4)
.
82 - النهي عن صوم الدهر
(5)
:
نقل الذهبي رحمه الله في ترجمة الأسود بن يزيد النخعي، أنه كان يصوم الدهر، ثم علّق فقال:"كأنه لم يبلغه النهي عن ذلك، أو تأول"
(6)
.
(1)
"مسند أحمد"(12676) بإسناد صحيح.
(2)
الوصال: تتابع الصوم من غير فطر بالليل، فيصل صوم الغد بالأمس.
(3)
"السير" 3/ 368.
(4)
انظر: "مرعاة المفاتيح" 6/ 458.
(5)
صوم الدهر معناه: سرد الصوم في جميع الأيام إلا الأيام التي لا يصح صومها، وهي العيدان وأيام التشريق.
(6)
"السير" 4/ 52.
وقال في موطن آخر: "صَحَّ نهيُهُ عليه الصلاة والسلام عن صومِ الدهر"
(1)
.
قلت: لكنه لم يوضحْ إن كان النهي للتحريم أم للكراهة، والجمهور على الكراهة، لأنه يضعف الصائم عن الفرائض والواجبات
(2)
.
83 - تفضيل الفطر على الصيام في السفر:
قال الذهبي رحمه الله: "الأفضل للمسافر إفطار صوم الفرض، فالنافلة أولى"
(3)
.
قلت: وهي مسألة خلافية، منهم من يرى الصوم أولى، ومنهم من يرى الفطر أولى، أخذاً بالرخصة، ومنهم من قال: أفضلهما أيسرهما على المسافر
(4)
.
84 - السفر الذي يباح فيه الفطر:
ذكر الذهبي رحمه الله الآية الكريمة: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، ثم علّق عليها فقال:"الآية عامّة في مسمّى السفر"
(5)
.
قلت: يعني أن السفر الذي يبيح الفطر، لا يشترط فيه مسافة
(1)
"السير" 9/ 143.
(2)
الموسوعة الفقهية الكويتية 28/ 16.
(3)
"السير" 10/ 684.
(4)
"الإشراف على مذاهب العلماء" 3/ 143.
(5)
"المهذب في اختصار السنن" 4/ 1617.
معينة، وإنما كل ما يسمَّى سفراً عند الناس، فإنه يجوز فيه الفطر، وهو مذهب طائفة من أهل العلم
(1)
.
85 - الحقنة
(2)
للصائم لا تفطّر:
قال الذهبي رحمه الله: الحقنة هل تفطّر الصائم أو لا؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فعند الشافعي ورواية عن أحمد: أنها تفطّر، وعند أبي حنيفة: أنها لا تفطّر، وإليه ذهب أحمد بن تيمية، وهو الصحيح"
(3)
.
86 - الحجامة تفطّر الصائم:
في كلام الذهبي رحمه الله ما يدل على أنه يختار القول بالتفطير بالحجامة، فبعد أن أورد حديث:«أفطر الحاجم والمحجوم»
(4)
، وحديث «احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم»
(5)
، علّق عليهما بقوله:"أحاديث "أفطر" أقوى من حديث "احتجم صائماً". ثم أخذ يردّ على من قال بنسخ حديث: أفطر الحاجم والمحجوم
(6)
.
قلت: القول بتفطير الحجامة للصائم هو مذهب الحنابلة،
(1)
ينظر: "المغني" لابن قدامة 3/ 108.
(2)
المراد بالحقنة: إدخال الدواء عن طريق الدبر.
(3)
"الطب النبوي" ص 216.
(4)
"سنن الترمذي"(774)، وقال: حسن صحيح.
(5)
"صحيح البخاري"(3938).
(6)
"المهذب في اختصار السنن" 4/ 1645.
خلافاً للجمهور
(1)
.
87 - النهي عن صوم يوم عرفة للحاج:
قال الذهبي رحمه الله: "من صام يوم عرفة بها مع علمه بالنهي، وبأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صامه بها، ولا أحدٌ من أصحابه فيما نعلم، لم يصبْ والله أعلم، ولا نقطع على الله بأن الله لا يأجره، ولكن لم يكن صومه له مكفراً لسنتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما قال ذلك في حق المقيم لا المسافر"
(2)
.
قلت: يشير بحديث النهي إلى ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة»
(3)
.
وأما فطره صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فقد صحّ في أحاديث كثيرة، ثابتة في الصحيحين وغيرهما
(4)
.
(1)
"معالم السنن" 2/ 110.
(2)
"السير" 10/ 684.
(3)
"سنن أبي داود"(2440)، وسنده ضعيف.
(4)
ينظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 6/ 357.
كتاب الحج
88 - وجوب الحج على المرأة المستطيعة:
نقل الذهبي رحمه الله عن سفيان الثوري رحمه الله (ت: 161 هـ)، أنه قال: ليس على نساء خراسان حج! ثم تعقبه فقال: "هذا قول عجيب، أفما هنّ من الناس؟ فكأنه لمح بُعْدَ الشُّقَّةِ، وكثرة المشقة"
(1)
.
89 - الرَّمَل
(2)
سنّة في طواف القدوم وإن زالت علته:
قال الذهبي رحمه الله: "بقي الرَّمَل سنّة في طواف القدوم؛ وإن كان قد زالت علته، فإن جابراً قد حكى في حجة النبي صلى الله عليه وسلم رَمَلَه، ورملوا في عمرة الجعرانة"
(3)
.
قلت: القول ببقاء سنيّة الرَّمَل؛ هو ما عليه المذاهب الأربعة
(4)
.
(1)
"السير" 9/ 486.
(2)
الرمل: إسراع المشي مع تقارب الخطى وهز الكتفين من غير وثب.
(3)
"تاريخ الإسلام" 1/ 311.
(4)
"التمهيد" لابن عبد البر 2/ 70، "فتح الباري" لابن حجر 3/ 471.
90 - عدم وجوب الإحرام على كل قادم لمكة المكرمة:
رَدَّ الذهبي رحمه الله على من أوجب الإحرام بالعمرة أو الحج، لمن أراد دخول مكة، فقال:"الحج والعمرة لا يجب إِلا مرة، ومن أوجب الإِحرام على كل قادم لتجارة وغيرها، فقد أوجب الاعتمار ولا بدّ مكرراً، لأنهم يقولون: لا يحل من إِحرامه إِلا بعمرة أو بحج، والمسألة فلا إِجماع فيها، وما في الكتاب ولا السنّة شيء يوجب الإِحرام على كل قادم"
(1)
.
قلت: وهذا هو اختيار جماعة من المحققين، كالنووي
(2)
وابن القيم
(3)
، وهو ظاهر تبويب البخاري في صحيحه
(4)
.
91 - وجوب العمرة:
أشار الذهبي رحمه الله إلى حديث سراقة بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»
(5)
، ثم قال:"هذا يدل على أن الحج والعمرة لا يجب إِلا مرة"
(6)
.
قلت: كلام الذهبي يدل على ترجيحه وجوب العمرة مرة في العمر، وهي مسألة خلافية، منهم من يقول ذلك، ومنهم من يرجح
(1)
"المهذب في اختصار السنن" 4/ 1934.
(2)
"شرح صحيح مسلم" 8/ 83.
(3)
"زاد المعاد" 3/ 429.
(4)
حيث قال في صحيحه 3/ 17: باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام .. وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإهلال لمن أراد الحج والعمرة.
(5)
"صحيح مسلم"(1218).
(6)
"المهذب في اختصار السنن" 4/ 1934.
أنها سنة وتطوع
(1)
.
92 - جواز اتجار الحاج في الحج:
أورد الذهبي رحمه الله حديث نبيشة رضي الله عنه مرفوعاً: «إنا كنا نهيناكم عن لحومها
(2)
أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم، جاء اللَّه بالسعة، فكلوا وادخروا واتجروا»
(3)
، قال الذهبي: هذا "إذن منه بالتجارة أيام الموسم، لا اتجروا في اللحم"
(4)
.
قلت: هذا تفسير طريف من الذهبي رحمه الله، لم يذكره أحد من الشراح فيما علمت، وإنما فسر الشراح "اتجروا" بطلب الأجر بالإطعام والصدقة، وليس من التجارة الدنيوية
(5)
، لكن تفسير الذهبي له وجاهة وفيه إضافة.
93 - تنفير الصيد
(6)
لا ضمان فيه:
قال الذهبي رحمه الله: "التنفير لا ضمان فيه"
(7)
.
(1)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 434.
(2)
يعني لحوم الأضاحي.
(3)
"سنن أبي داود"(2813)، بإسناد صحيح.
(4)
"المهذب في اختصار السنن" 8/ 3879. وقد ذكر الذهبي هذا التفسير رداً على البيهقي الذي فسر الحديث بقوله: ""اتجروا" ابتغوا أجرها، ليس من باب التجارة".
(5)
ينظر: "معالم السنن" 2/ 232، "تفسير القرطبي" 12/ 49.
(6)
تنفير الصيد: إخافته وزجره وإزعاجه.
(7)
"تنقيح التحقيق" 2/ 35.
قلت: حكى ابن بطال الاتفاق على أن مجرد التنفير لا يوجب الجزاء
(1)
.
94 - جواز استظلال المحرم بالمحمل والهودج:
ذكر الذهبي رحمه الله حديث أم الحصين رضي الله عنها، قالت:«حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ، حتى رمى جمرة العقبة»
(2)
. ثم ذكر تأويل ابن الجوزي للحديث: بأنه يحتمل أنه كان يستر رأسه من جهة الشمس. ثم رد عليه الذهبي بقوله: "هذا لا يستقيم؛ فإن التظليل عليه صلى الله عليه وسلم إنما كان بعد الزوال، والشمس في فصل الصيف، وهي على أعلى الرؤوس؛ فتعين أن التظليل كان على رأسه الشريف"
(3)
.
قلت: وعلى هذا أكثر أهل العلم؛ أن المحرم له أن يستظل بالمظلة، نازلاً بالأرض وراكباً
(4)
.
95 - إشعار الهدي
(5)
سنّة:
نقل الذهبي رحمه الله عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه قال:
(1)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 501.
(2)
"صحيح مسلم"(1298).
(3)
"تنقيح التحقيق" 2/ 27.
(4)
"معالم السنن" 2/ 179.
(5)
إشعار الهدي معناه: جرح البهيمة في صفحة سنامها كي يسيل الدم منها، ويعرف أنها هدي، وهو خاص بالإبل والبقر، دون الأغنام لضعفها.
الإشعار مُثْلَةٌ!!، ثم علّق عليه فقال:"ما كأنه بلغه الحديث"
(1)
.
(1)
"تنقيح التحقيق" 2/ 57.
كتاب النكاح والطلاق والعشرة الزوجية
96 - مشروعية تفويض الولي غيره في النكاح:
نقل الذهبي رحمه الله عن الأشعث بن قيس رضي الله عنه، أنه قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: زوجني أختك، فزوجه فروة بنت أبي قحافة. وعلّق الذهبي فقال:"لعل أباها فوّض النكاح إلى أبي بكر"
(1)
.
قلت: التفويض في النكاح جائز باتفاق الفقهاء
(2)
.
97 - تحريم نكاح المتعة:
قال الذهبي رحمه الله: "نحن: نحكي قول ابن عباس في المتعة، وفي الصرف، وفي إنكار العول
(3)
، وقول طائفة من الصحابة في ترك الغسل من الإيلاج، وأشباه ذلك، ولا نجوّز لأحد تقليدهم في ذلك"
(4)
.
(1)
"السير" 2/ 39.
(2)
ينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" 41/ 246.
(3)
العول هو: مسألة من مسائل المواريث، معناها: أن يزيد في عدد السهام وينقص في أنصبة الورثة.
(4)
"السير" 13/ 108.
98 - تحريم إتيان المرأة في دبرها:
قال الذهبي رحمه الله: "ثبت نهي المصطفى صلى الله عليه وسلم عن أدبار النساء، ولي فيه مصنّف"
(1)
.
وكرره في موضع آخر، فقال:" قد تيقنّا بطرق لا محيد عنها نهيَ النبي صلى الله عليه وسلم عن أدبار النساء، وجزمنا بتحريمه، ولي في ذلك مصنّف كبير"
(2)
.
قلت: وعلى التحريم جماهير علماء السلف والخلف، كما قال الإمام ابن تيمية
(3)
.
99 - تعقّبه للإمام ابن تيمية (ت: 728 هـ) في مسألة الحلف بالطلاق:
قال الذهبي رحمه الله: " ذهب إمام في زماننا إلى أن من حلف على حض أو منع بالطلاق، أو العتاق، أو الحج ونحو ذلك فكفارته كفارة يمين، ولا طلاق عليه"
(4)
.
ثم تعقبه فقال: "والذي عرفنا من مذهب بعض السلف؛ الكفارة فيمن حلف بعتق عبيده، أو حلف بالحج حافياً، أو حلف بصدقة ما يملك، ولم يأت عنهم كفارة في الحلف بالطلاق فيما علمت"
(5)
.
(1)
"تذكرة الحفاظ" 2/ 699.
(2)
"السير" 14/ 128.
(3)
"مجموع فتاوى ابن تيمية" 32/ 266.
(4)
"السير" 14/ 279.
(5)
"تذكرة الحفاظ" 2/ 714.
وطَرَق الذهبي المسألة في كتاب آخر، مصرّحاً باسم هذا الإمام، فقال:"وذهب شيخنا ابن تيمية، وهو من أهل الاجتهاد لاجتماع الشرائط فيه: أن الحالف على شيء بالطلاق، لم تطلق منه امرأته بهذه اليمين، سواء حنث أو بر. ولكن إذا حنث في يمينه بالطلاق مرة قال: يكفر كفارة يمين. وقال: إن كان قصد الحالف حضاً أو منعاً، ولم يُرد الطلاق فهي يمين. وإن قصد بقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق شرطاً وجزاءاً فإنها تطلق ولا بد. وكما إذا قال لها: إن أبريتني من الصداق فأنت طالق، وإن زنيت فأنت طالق. وإذا فرغ الشهر فأنت طالق؛ فإنها تطلق منه بالإبراء والزنا وفراغ الشهر، ونحو ذلك. لكن ما علمنا أحداً سبقه إلى هذا التقسيم، ولا إلى القول بالكفارة؛ مع أن ابن حزم نقل في كتاب "الإجماع" له خلافاً في الحالف بالعتاق والطلاق، هل يكفر كفارة يمين أم لا؟ ولكنه لم يسم من قال بالكفارة. والله أعلم. والذي عرفنا من مذهب غير واحد من السلف؛ القول بالكفارة في الحلف بالعتق وبالحج، وبصدقة ما يملك. ولم يأتنا نص عن أحد من البشر بكفارة لمن يحلف بالطلاق. وقد أفتى بالكفارة شيخنا ابن تيمية مدة أشهر، ثم حرم الفتوى بها على نفسه، من أجل تكلم الفقهاء في عرضه. ثم منع من الفتوى بها مطلقاً"
(1)
.
قلت: قد أطال الإمام ابن تيمية في تقرير هذه المسألة، وأثبت الخلاف فيها، لا كما يُفهم من كلام الذهبي، فالله تعالى أعلم
(2)
.
(1)
"تاريخ الإسلام" 7/ 160.
(2)
ينظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" 33/ 126.
100 - السُنّة ألا تأذن المرأة لأجنبي في الدخول إلى بيتها إلا بإذن زوجها:
نقل الذهبي رحمه الله عن عامر الشعبي رحمه الله (ت: 103 هـ)، أنه قال: لما مرضتْ فاطمة رضي الله عنها أتاها أبو بكر فاستأذن، فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له. قال الذهبي:"عَمِلَتْ السنّة رضي الله عنها، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره"
(1)
.
101 - التفصيل في تصدّق المرأة من مال زوجها:
ذكر الذهبي رحمه الله الحديث الوارد في تصدّق المرأة من بيت زوجها
(2)
، ثم قال:"الظاهر أنه أراد الإِذن لها في الصدقة، مما يقتاتونه من المطبوخ والمخبوز، وهو الطعام الرطب، دون ما في البيت من مثل العسل والزيت والجبن، مما يدخر، فإن ذلك مال"
(3)
.
102 - استحباب التسمية عند الجماع:
قال الذهبي رحمه الله: "يستحب التسمية عنده (يعني: الجماع)، قال عليه الصلاة والسلام: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال:
(1)
"السير" 2/ 121.
(2)
وهو ما رواه البخاري (1425)، ومسلم (1034)، من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً:«إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها، غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً» .
(3)
"المهذب في اختصار السنن" 3/ 1558.
بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يمسه الشيطان»
(1)
"
(2)
.
قلت: وعليه عامة الشراح
(3)
.
103 - كراهة إفشاء أسرار الجماع:
قال الذهبي رحمه الله: "يكره أن يَصِفَ أو ينعت كيفيات الفعل، ونحو ذلك، فإِن ذلك من إِفضاء سرّ الجماع"
(4)
.
قلت: لعل الكراهة في كلام الذهبي هنا كراهة تحريم، لأن هذا ما صرح به عامة الشراح، للوعيد الوارد في ذلك
(5)
.
104 - جواز العزل
(6)
والخضاب
(7)
:
قال الذهبي رحمه الله: "العزل والخضاب قد جاء الجواز فيهما ثابتاً"
(8)
.
وقال في موضع آخر: "وأما العزل فإنه جائز إذا اتفقا عليه"
(9)
.
(1)
"صحيح مسلم"(1434).
(2)
"الطب النبوي" ص 51.
(3)
"إحكام الأحكام" 2/ 180، "إرشاد الساري" 1/ 232.
(4)
"المهذب في اختصار السنن" 6/ 2766.
(5)
ينظر: "إكمال المعلم" 4/ 614، "شرح صحيح مسلم" للنووي 10/ 8.
(6)
العزل: إنزال الرجل خارج فرج المرأة عند الجماع حتى لا تحبل.
(7)
الخضاب: تغيير الشيب بالصبغ.
(8)
"المهذب في اختصار السنن" 8/ 3949.
(9)
"الطب النبوي" ص 273.
قلت: وهذا مذهب لبعض العلماء، وفي المسألة أقوال أخرى
(1)
.
105 - النهي عن الاستمناء
(2)
:
قال الذهبي رحمه الله: "الاستمناء باليد يوجب الغم، ويضعف الشهوة والانتشار، وقد كرهه الشارع"
(3)
.
قلت: لم يبيّن الذهبي إن كانت الكراهة هنا؛ كراهة تحريم أو تنزيه، وهي مسألة خلافية، وعامة العلماء على تحريم الاستمناء، لا سيما إن كان لمجرد استدعاء الشهوة
(4)
.
(1)
ينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" 30/ 81.
(2)
الاستمناء: اخراج المني بغير جماع، استدعاء للشهوة.
(3)
"الطب النبوي" ص 52.
(4)
"تفسير القرطبي" 12/ 106، "الموسوعة الفقهية الكويتية" 4/ 97.
كتاب البيوع والمعاملات
106 - تحريم التطفيف في الوزن والمكيال:
عَدّ الذهبي رحمه الله المطفف في وزنه وكيله من أصحاب الكبائر، وقال إن:"ذلك ضربٌ من السرقة والخيانة، وأكل المال بالباطل"
(1)
.
107 - كراهة بيع الحيوان بالحيوان نسيئة:
جمع الذهبي رحمه الله بين الأحاديث الواردة في النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وما ورد منها بالجواز، فقال:"يمكن الجمع بين البابين بأن هذا النهي للتنزيه والأول للجواز"
(2)
.
108 - شفعة
(3)
الجار مستحبة وليست بواجبة:
ذكر الذهبي رحمه الله معارضة حديث: «إذا وقعت الحدود
(1)
"الكبائر" ص 240.
(2)
"المهذب في اختصار السنن" 4/ 2056.
(3)
الشفعة: تملك الجار أو الشريك العقار المباع جبراً، عن مشتريه بالثمن الذي تم عليه العقد.
فلا شفعة»
(1)
لحديث: «الجار أحق بسقبه
(2)
»
(3)
، وجمع بينهما، فقال:"يمكن الجمع بأن هذا محمول على الأولوية؛ فإن الجار له حقوق"
(4)
.
وقال في موضع آخر: "الجار أحق" لا يقتضي وجوب الحق له؛ بل للاستحباب"
(5)
.
قلت: وهذا هو قول جمهور العلماء؛ أن الجار ليس له حق واجب في الشفعة، ويحملون حديث «الجار أحق بسقبه» على الجار الشريك
(6)
، والذهبي حمله على الندب والاستحباب.
109 - وجوب العمل بحديث المصرَّاة
(7)
:
أورد الذهبي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في المصرَّاة، وقال: "أبو هريرة إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول عليه السلام، وأدائه بحروفه، وقد أدّى حديث المصرَّاة بألفاظه، فوجب علينا العمل به،
(1)
"صحيح البخاري"(2213).
(2)
أي: بقُربه، والسقب: القُرْب.
(3)
"صحيح البخاري"(2258).
(4)
"المهذب في اختصار السنن" 5/ 2236.
(5)
"تنقيح التحقيق" 2/ 127.
(6)
"معالم السنن" 3/ 154، "كشف المشكل من حديث الصحيحين" 4/ 32.
(7)
المصرَّاة هي: الناقة أو البقرة أو الشاة، يُحبس اللبن في ضرعها قبل البيع، ليظن المشتري أنها غزيرة اللبن.
وهو أصلٌ برأسه"
(1)
.
قلت: يشير إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «من اشترى غنماً مصرَّاةً فاحتلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر»
(2)
. وقد قال بمقتضى هذا الحديث جمهور العلماء؛ مالك والشافعي وأحمد، خلافاً لبعضهم
(3)
.
110 - جواز أخذ الأجرة على رواية الحديث إذا كانت تشغله عن الكسب:
نقل الذهبي رحمه الله عن الفقيه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم (ت: 268 هـ) أنه قال: حلال ألا أقرأ لك ورقة إلا بدرهم .. ! وعلّق عليه فقال: "هذا الذي قاله ابن عبد الحكم متوجّه في حق متسبب، يفوته الكسب والاحتراف لتعوّقه بالرواية"
(4)
.
111 - القمار من الكبائر:
عَدّ الذهبي رحمه الله القمار من كبائر الذنوب، وبعد أن أورد حديث:«من قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق»
(5)
، قال: "فإذا كان مجرد القول معصيةً موجبةً للصدقة المكفرة، فما ظنّك بالفعل؟!
(1)
"السير" 2/ 619.
(2)
"صحيح البخاري"(2151)، "صحيح مسلم"(1524).
(3)
"معالم السنن" 3/ 113.
(4)
"السير" 12/ 322.
(5)
"صحيح البخاري"(4860)، "صحيح مسلم"(1647).
وهو داخل في أكل المال بالباطل"
(1)
.
112 - ثبوت خيار المجلس بين المتبايعين:
نقل الذهبي رحمه الله عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله (ت: 179 هـ) قوله؛ بعدم العمل بحديث خيار المجلس، ثم تعقبه بقوله:"قد عَمِلَ جمهور الأئمة بمقتضاه، أولهم: عبد الله بن عمر، راوي الحديث"
(2)
.
قلت: حديث خيار المجلس هو ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«المتبايعان كل واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرقا»
(3)
.
113 - تحريم بيع المسلم على بيع أخيه، وبيع النجْش
(4)
، وبيع حَبَل الحبلة
(5)
، وبيع المزابنة
(6)
:
أورد الذهبي رحمه الله حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبع بعضكم على بيع بعض، ونهى عن النجش، ونهى عن بيع حبل الحبلة، ونهى عن المزابنة»
(7)
. ثم علّق عليه فقال: "هذه البيوع الأربعة محرمة، والأخيران منها فاسدان"
(8)
.
(1)
"الكبائر" ص 247.
(2)
"السير" 10/ 65.
(3)
"صحيح البخاري"(2079)، "صحيح مسلم"(1531).
(4)
النجش: أن يزيد في ثمن السلعة ولا يريد الشراء، لتغرير غيره.
(5)
حَبَل الحبلة: ما ستلده الأجنّة، التي ما زالت في بطون أمهاتها.
(6)
المزابنة: بيع الرطب في رؤوس النخل بتمر مجذوذ
(7)
الحديث في الصحيحين مفرقاً في مواضع عدة.
(8)
"السير" 10/ 61.
كتاب الذبائح والأطعمة والأشربة
114 - تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير:
قال الذهبي رحمه الله تحت هذا العنوان: "من تعمّد أكل ذلك لغير ضرورة فهو من المجرمين، وما أحسب أن مسلماً يتعمّد أكل لحم الخنزير .. ، وفي نفوس المؤمنين؛ أن أكل لحم الخنزير أعظم إثماً من شرب الخمر"
(1)
.
115 - إباحة أكل ما ذُبح لمعبد أو كنيسة:
نقل الذهبي رحمه الله عن جُبير بن نُفير، أنه قال: دخلت على أبي الدرداء رضي الله عنه، وبين يديه جفنة من لحم، فقال: اجلس، فكل، فإن كنيسة في ناحيتنا أهدى لنا أهلها مما ذبحوا لها. فأكلت معه. قال الذهبي:"فيه أن ما ذُبح لمعبَد مباح، وإنما يحرم علينا ما ذُبح على نُصب"
(2)
.
قلت: هذه مسألة مختلف فيها، وقد نسب ابن المنذر رحمه الله
(1)
"الكبائر" ص 160.
(2)
"السير" 4/ 77.
(ت: 319 هـ) إلى الجمهور القول بالإباحة
(1)
.
116 - جواز شرب النبيذ غير المسكر:
قال الذهبي رحمه الله: "النبيذ الذي هو نقيع التمر، ونقيع الزبيب، ونحو ذلك والفقاع
(2)
، حلال شربه، وأما نبيذ الكوفيين الذي يسكر كثيره، فحرام الإكثار منه عند الحنفية، وسائر العلماء، وكذلك يحرم يسيره عند الجمهور، ويترخص فيه الكوفيون، وفي تحريمه عدة أحاديث"
(3)
.
117 - جواز الأكل من ثمار الشجر، والشرب من لبن الماشية، بعد أن ينادي على صاحبها ثلاثاً:
أورد الذهبي رحمه الله حديث: «إذا أتى أحدكم على راع فليناد: يا راعيَ الإبل ثلاثاً، فإن أجابه وإلا فيحلب وليشرب، ولا يحملن، وإذا أتى أحدكم على حائط
(4)
فليناد ثلاثاً: يا صاحب الحائط، فإن أجابه وإلا فليأكل ولا يحملن»
(5)
، ثم نقل تضعيف البيهقي له، وردّ عليه بقوله:"هذا قلّة إِنصاف .. وبانضمام هذا إِلى ما قبله يصير سُنّة ثابتة"
(6)
.
(1)
نقله عنه النووي في "المجموع شرح المهذب" 9/ 78.
(2)
شراب يصنع من الشعير، سمي لذلك لما يعلوه من الزبد.
(3)
"السير" 8/ 504.
(4)
الحائط: البستان.
(5)
"مسند أحمد"(11045) بإسناد حسن.
(6)
"المهذب في اختصار السنن" 8/ 3960 باختصار.
قلت: يشير "بما قبله" إلى حديث الحسن، عن سمرة، مرفوعاً:«إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أذن له فليحتلب وليشرب، وإن لم يكن فيها فليصوّت ثلاثًا، فإن أجابه فليستأذنه، وإلا فليحلب وليشرب ولا يحمل»
(1)
.
118 - جواز أكل لحوم الخيل:
قال الذهبي رحمه الله: "صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نهى يوم خيبر، عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل"
(2)
.
قلت: يشير بهذا إلى حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في الصحيحين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نهى يوم خيبر، عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل»
(3)
.
119 - تحريم أكل لحوم الحُمُر الأهلية
(4)
:
قال الذهبي رحمه الله "صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نهى يوم خيبر، عن لحوم الحمر الأهلية"
(5)
.
وقال في موطن آخر: "وقد حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الأُتن وألبانها يوم خيبر"
(6)
.
(1)
"سنن أبي داود"(2619)، بإسناد فيه ضعف.
(2)
"الطب النبوي" ص 184.
(3)
"صحيح البخاري"(5520)، "صحيح مسلم"(1941).
(4)
الحمر الأهلية: ضد الوحشية، وهي التي تألف البيوت، وتسمى بالإنسية.
(5)
"الطب النبوي" ص 184.
(6)
"الطب النبوي" ص 246.
قلت: أكثر أهل العلم على نجاسة وتحريم ألبان الحمر الأهلية
(1)
.
120 - جواز شرب أبوال الإبل للضرورة ولغير ضرورة:
قال الذهبي رحمه الله: "ويجوز شرب أبوال الإبل للضرورة .. ، وأما شربها لغير ضرورة فهل يجوز؟ الصحيح: أنه يجوز لحديث أنس المتقدم"
(2)
.
قلت: يشير بحديث أنس إلى قصة العرنيين الذين اجتووا المدينة واستوخموها، وفيه إذنه صلى الله عليه وسلم لهم بالشرب من أبوال الإبل وألبانها
(3)
.
121 - النهي عن أكل السباع
(4)
والطيور الجارحة:
قال الذهبي رحمه الله: "نهى صلى الله عليه وسلم، عن أكل كلّ ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير"
(5)
.
قلت: لم يصرح الذهبي إن كان النهي للتحريم أو للكراهة، والجمهور على التحريم
(6)
.
122 - جواز أكل الضبّ:
قال الذهبي رحمه الله: "ولما عافت نفسه الزكية صلى الله عليه وسلم أكل
(1)
"المغني" لابن قدامة 9/ 408.
(2)
"الطب النبوي" ص 246.
(3)
"صحيح البخاري"(233)، "صحيح مسلم"(1671).
(4)
وهي الحيوانات المفترسة ذات الأنياب.
(5)
"الطب النبوي" ص 184.
(6)
"الموسوعة الفقهية الكويتية" 5/ 133.
الضبّ، ما حرّمه، واعتذر بأن لم يكن بأرض قومه"
(1)
.
قلت: يشير إلى حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أحرام الضبّ يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه»
(2)
.
123 - حرمة أكل الدم والميتة، والسم وكل حيوان خبيث الغذاء:
قال الذهبي رحمه الله: "فالمحرم خبيث: كالدم، والميتة .. ، وأكل السم، والسباع، والرَّخَم
(3)
، وكل حيوان خبيث الغذاء"
(4)
.
124 - جواز قطع اللحم بالسكين:
أورد الذهبي رحمه الله حديث: «لا تقطعوا اللحم بالسكين فإن ذلك من صنيع الأعاجم»
(5)
، ثم أورد بعده حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «احتز من كتف شاة بالسكين»
(6)
، ثم علّق فقال:"هذا الحديثّ أصحّ وأولى بالاتباع، وإِن صحّ ما قبله فعلى سبيل الأولوية"
(7)
.
قلت: لم يصحّ، وقد ضعفه عامة أهل العلم، بمن فيهم الإمام الذهبي نفسه، حيث قال: "ومن مناكيره
(8)
: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة -
(1)
"التمسك بالسنن" ص 114.
(2)
"صحيح البخاري"(5391)، "صحيح مسلم"(1945).
(3)
الرخم: طائر من فصيلة النسور الصغيرة.
(4)
"التمسك بالسنن" ص 121.
(5)
"سنن أبي داود"(3778) بإسناد ضعيف.
(6)
"صحيح البخاري"(208)، "صحيح مسلم"(355).
(7)
"المهذب في اختصار السنن" 6/ 2858.
(8)
يعني: نجيح بن عبد الرحمن أحد رجال إسناد الحديث المذكور.
مرفوعاً: لا تقطعوا اللحم بالسكين، فإنه من صنيع الأعاجم"
(1)
.
(1)
"ميزان الاعتدال" 4/ 247.
كتاب اللباس والزينة
125 - وجوب ستر العورة:
قال الذهبي رحمه الله: "ستر العورة مجمع عليه، لا سيما في الحمّام
(1)
. روى جابر مرفوعاً: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمّام إلا بمئزر»
(2)
"
(3)
.
126 - تحريم إظهار المرأة زينتها أمام الأجانب:
قال الذهبي رحمه الله: "من الأفعال التي تُلعن عليها المرأة: إظهارُ الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب، وتطيّبها بالمسك والعنبر والطيب، إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأُزر والحرير والأقبية القصار مع تطويل الثوب، وتوسعة الأكمام وتطويلها، إلى غير ذلك إذا خرجت، وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه، ويمقت
(1)
الحمّام يقصد منه: المكان العام الذي يغتسل فيه الناس، وهو مظنة لانكشاف العورة أمام الأجانب.
(2)
"سنن النسائي"(401)، بإسناد حسن.
(3)
"الطب النبوي" ص 46.
فاعله في الدنيا والآخرة"
(1)
.
127 - تحريم الإسبال
(2)
إذا كان للخيلاء وكراهته من غير خيلاء:
قال الذهبي رحمه الله: "الإسبال حرام في الذيل، والكم والعذبة خيلاء، لا ينبغي للمسلم فعله، فقد ثبت النهي عنه، ومكروه من غير خيلاء"
(3)
.
وقد عَدّ الذهبي إسبال الإزار خيلاء من الكبائر
(4)
.
وكتب مؤكداً ضرورة الاحتراز من الإسبال، فقال:"ينبغي للمسلم ألا يفصّل قميصاً ولا فرجيَّة إِلا ويحترز من أن يطوّله عن الكعبين، خوفاً من الوعيد بالنار على ذلك، وكذلك السراويل"
(5)
.
128 - تحريم كل لباس أوجد في المرء خيلاء:
قال الذهبي رحمه الله: "كل لباس أوجد في المرء خيلاء فتركه متعيّن، ولو كان من غير ذهب أو حرير"
(6)
.
129 - استحباب لبس العمامة للرجال دون النساء:
قال الذهبي رحمه الله: "العمامة مستحبة للمؤمن"، و"للمرأة
(1)
"الكبائر" ص 135.
(2)
يقصد للرجال.
(3)
"بيان الإلباس" ص 87.
(4)
ينظر: "الكبائر" ص 214.
(5)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 683.
(6)
"السير" 3/ 234.
مذمومة؛ لما فيها من التشبه بالرجال"
(1)
.
قلت: وبنحوه قال الإمام ابن تيمية رحمه الله (ت: 728 هـ): " العمائم التي تلبسها النساء حرام بلا ريب .. وما كان من لباس الرجال مثل العمامة والخف والقباء الذي للرجال .. ، فإن المرأة تنهى عنه، وعلى وليّها كأبيها وزوجها أن ينهاها عن ذلك"
(2)
.
130 - استحسان لبس السراويل للنساء والرجال:
قال الذهبي رحمه الله: "السراويل حسن للرجل وللمرأة، وقد صحّ أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى سراويل، وما كان ليشتريه عبثاً"
(3)
.
131 - تحريم القَزَع
(4)
:
قال الذهبي رحمه الله: "حلْق بعض الرأس منهي عنه"
(5)
.
قلت: يشير إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نهى عن القَزَع»
(6)
. وقد اتفق الفقهاء على كراهة القزع
(7)
.
132 - تفضيل لبس اللون الأبيض في الثياب ثم الأخضر:
قال الذهبي رحمه الله وهو يتحدث عن ألوان الثياب:
(1)
"بيان الإلباس" ص 125.
(2)
"مجموع الفتاوى" 22/ 156.
(3)
"بيان الإلباس" ص 141.
(4)
القزع: حلق بعض الرأس وترك باقيه.
(5)
"تنقيح التحقيق" 2/ 51.
(6)
"صحيح البخاري"(5921)، "صحيح مسلم"(2120).
(7)
"الموسوعة الفقهية الكويتية" 33/ 165.
"الأبيض أفضل، ثم الأخضر"
(1)
.
133 - تحريم الجلوس على الحرير وجلود السباع:
قال الذهبي رحمه الله: "يحرم الجلوس على الحرير، والمزركش
(2)
، وجلود النمور، وسائر السباع للرجال، وكذا حكم المرأة في جلود السباع"
(3)
.
134 - تحريم لبس ما فيه صور:
قال الذهبي رحمه الله: "يحرم لبس الثوب الذي فيه صورة، على الرجل والمرأة، وفيما بُسط وديس منها رخصة"
(4)
.
وأورد في موضع آخر حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: «دخل علّي النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت قِرام
(5)
فيه صور، فتلون وجهه .. »، وعلّق فقال:"هذا نصّ في تحريم التصاوير المنسوجة والمرسومة"
(6)
.
135 - تحريم لبس الثوب المعصفر
(7)
على الرجال:
أورد الذهبي رحمه الله حديث أَمْرِه صلى الله عليه وسلم، لعبد الله بن عمرو،
(1)
"بيان الإلباس" ص 77.
(2)
لم يتضح لي مراده من هذه الكلمة، إلا أن يكون أراد: المزركش بالحرير.
(3)
"بيان الإلباس" ص 162.
(4)
"بيان الإلباس" ص 163.
(5)
القِرام: ستر رقيق أو صفيق، من صوف، ذو ألوان.
(6)
"بيان الإلباس" ص 201.
(7)
المعصفر: ثوب مصبوغ بالعصفر، وهو نبات يستخرج منه صبغ أحمر.
بحرق ثوبين معصفرين كان يلبسهما
(1)
، ثم علّق عليه فقال:" الإحراق هنا تعزير، ولعل صبغهما كان لا يزول بالغسل كما ينبغي، والمعصفر يُرخّص للمرأة"
(2)
.
قلت: هذه مسألة خلافية، والجمهور على كراهة لبس المعصفر للرجال
(3)
.
136 - تحريم لبس الحرير للرجال، إلا قدر أربع أصابع أو كان الحرير قليلاً:
قال الذهبي رحمه الله: "الحرير حرام على الذكور، إلا قدر أربع أصابع مضمومة فما دونها، فقد كانت جُبّة النبي صلى الله عليه وسلم مزرّرة بالديباج، ولبنة جيبها من ديباج .. ، فلابسُ الحرير يفسق بذلك، والمصرّ عليه صاحب كبيرة"
(4)
.
وقال في موضع آخر: "يجوز الثوب بحرير، إذا كانت الكثرة لغير الحرير، ففي ذلك حديث صالح الإسناد، رواه أبو داود من حديث ابن عباس، قال: «إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت
(5)
من الحرير. فأما العَلَم
(6)
وسدى
(7)
الثوب فلا
(1)
"صحيح مسلم"(2077).
(2)
"السير" 11/ 135.
(3)
"الموسوعة الفقهية الكويتية" 11/ 267.
(4)
"بيان الإلباس" ص 184.
(5)
المصمت: الخالص، الذي لم يخالطه غيره.
(6)
العَلَم: التطريز والسجاف الذي يكون في حواشي الثوب.
(7)
السدى: الخطوط التي تنسج طولاً في الثوب.
بأس به»
(1)
"
(2)
.
وقد عَدّ الذهبي لبس الحرير والذهب للرجال من الكبائر
(3)
.
وقال في موضع آخر: "ثبت أنه صلى الله عليه وسلم رخص في الحرير للحكة، وفي مقدار أربع أصابع، وفي سنّ الذهب ونحوه"
(4)
.
137 - تحريم تحلية الرجل سيفه بالذهب:
قال الذهبي رحمه الله: "يباح للرجل من الفضّة حلية السلاح والحياصة
(5)
ونحو ذلك، ولا يباح له الذهب بحال، واختلف في النزر اليسير منه"
(6)
.
قلت: وهناك من العلماء كالمالكية، قالوا بجواز تحلية السيف بالذهب، لأن فيه إرهاباً للعدو
(7)
. وصححه ابن تيمية
(8)
.
138 - تحريم صنع ما يحرم لبسه من الثياب أو بيعه:
قال الذهبي رحمه الله: "عَمَلُ ما يحرُمُ لُبسه، وبيعه، وخياطته حرام، وكذلك صنعة ما يحرم استعمال المرأة له، والتجارة
(1)
"سنن أبي داود"(4055)، بإسناد ضعيف لكن له شواهد يتقوى بها.
(2)
"بيان الإلباس" ص 227.
(3)
"الكبائر" ص 217.
(4)
"الكبائر" ص 218.
(5)
الحياصة: الحزام الذي يشد به سرج الدابة.
(6)
"بيان الإلباس" ص 171.
(7)
"حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب" 2/ 450،
(8)
"مختصر الفتاوى ا لمصرية" 1/ 490.
فيه؛ لأن ذلك إعانة على المعاصي"
(1)
.
139 - تحريم استعمال أدوات الذهب والفضة للرجال والنساء:
قال الذهبي رحمه الله: "يحرم استعمال المكحلة الفضة، والميل
(2)
، وحُق الغالية
(3)
، ودَواة
(4)
الفضة، وكذا الذهب"
(5)
.
140 - تحريم لبس خاتم الذهب على الرجل:
نقل الذهبي رحمه الله في ترجمة الصحابي أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه، أنه كان له خاتم من ذهب، ثم علًق فقال:"كأنه لم يبلغه التحريم"
(6)
.
قلت: انعقد الإجماع على تحريم تختم الرجل بالذهب
(7)
.
141 - إباحة التحلّي بالذهب والفضة للمرأة:
قال الذهبي رحمه الله: "للمرأة التحلّي بالذهب والفضّة، ويحرم عليها استعمال آنيتهما"
(8)
.
(1)
"بيان الإلباس" ص 202.
(2)
الميل: عصا دقيقة يجعل بها الكحل في العين.
(3)
الغالية: أخلاط من الطيب، كالمسك والعنبر.
(4)
الدواة: المحبرة.
(5)
"بيان الإلباس" ص 212.
(6)
"السير" 2/ 539.
(7)
"الموسوعة الفقهية الكويتية" 21/ 280.
(8)
"بيان الإلباس" ص 207.
142 - تحريم لبس الثوب المنسوج بالذهب المموَّه:
قال الذهبي رحمه الله: "الثوب المنسوج بالذهب المموَّه حرام على الرَّجل، إلا عند الحرب، فيباح للضرورة، إذا لم يجد غيره، وكذلك يحرم ما في الطُّرز من الذهب، ولوزات الخاتم، وتطعيم الدّواة والطاسة، والأواني بيسير الذهب .. ، لا يباح للرجل من الذهب شيء، لقوله: صلى الله عليه وسلم: «إنه حرام على ذكور أمَّته»
(1)
"
(2)
.
قلت: سبق للذهبي الإشارة إلى اختلاف العلماء في يسير الذهب، عندما قال:"واختلف في النزر اليسير"
(3)
.
143 - تحريم تحلية الكتب بالذهب والفضة:
قال الذهبي رحمه الله: "تحلية الكتب بذهب أو فضة حرام، إلا المصحف ففيه نزاع"
(4)
.
144 - جواز تختم المرأة بالفضة:
نقل الذهبي رحمه الله عن الإمام الخطابي قوله: "يُكره للمرأة خاتم الفضة، لأنه من شعائر الرجال، وتزول الكراهة بتصفيره بذهب وبزعفران وشبهه"، ثم تعقبه فقال:"وهذا كما ترى غلوٌّ، فقد نقل الإجماعَ على الجواز جماعةٌ"
(5)
.
(1)
جزء من حديث أخرجه أبو داود في "سننه"(4057) بإسناد حسن.
(2)
"بيان الإلباس"218.
(3)
المسألة رقم: 137.
(4)
"بيان الإلباس" ص 225.
(5)
"بيان الإلباس" ص 223.
145 - جواز خيط السُّبْحة من الحرير:
قال الذهبي رحمه الله: "يجوز عمل سبحة الرجل بخيط ثخين من حرير، وكذلك أزرار الثياب، وخياطتها بحرير"
(1)
.
(1)
"بيان الإلباس" ص 230.
كتاب الطب والتداوي
146 - استحباب التداوي من الأمراض:
أورد الذهبي رحمه الله أثراً عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه لما سقط في عينيه الماء، أراد أن يخرجه من عينيه، فقيل: إنك تستلقي سبعة أيام لا تصلّي إلا مستلقياً، فكره ذلك، وقال:"إنه بلغني أنه من ترك الصلاة وهو يستطيع أن يصلّي لقي الله وهو عليه غضبان"، فعلّق الذهبي:"إسناده حسن، وابن عباس فكرهه تورعًا، والتداوي مشروع"
(1)
.
بل أكد الذهبي على استحباب التداوي من الأمراض في مواضع مختلفة من كتبه، فقال رحمه الله: "أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم التداوي، وحثّ عليه، فروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم:«لكل داء دواء، فإذا أصاب الدواء الداء برئ بإذن الله عز وجل»
(2)
"
(3)
.
وقال تعليقاً على حديث: «تداووا، ولا تتداووا بمحرّم»
(4)
، قال:
(1)
"المهذب في اختصار السنن" 2/ 747.
(2)
"صحيح مسلم"(2204).
(3)
"الطب النبوي" ص 217.
(4)
"سنن أبي داود"(3874)، وهو حديث حسن بشواهده.
"تداووا أمر، وأقل رتب الأمر الندب، والنهي فيه دال على التحريم"
(1)
.
وقال في موضع آخر: "الطب من السنن القائمة، لأنه صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به"
(2)
.
وفي موطن رابع قال: "أجمعوا على جوازه، وذهب قوم أن التداوي أفضل، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: «تداووا»، لأنه كان يديم التطبب في صحته ومرضه"
(3)
.
ونقل عن الإمام أحمد بن حنبل وجهاً في الوجوب
(4)
.
وقد ردّ الذهبي رحمه الله، على من قال بترك التداوي توكلاً على الله، فقال: "التوكل اعتماد القلب على الله، وذلك لا ينافي الأسباب ولا التسبب، بل التسبب ملازم للمتوكل، فإن المعالج الحاذق يعمل ما ينبغي ثم يتوكل على الله في نجاحه، وكذلك الفلَّاح يحرث ويبذر ثم يتوكل على الله في نمائه ونزول الغيث، قال الله تعالى:{وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 102]، وقال عليه الصلاة والسلام:«اعقلها وتوكل»
(5)
، وقال صلى الله عليه وسلم:«أغلقوا الأبواب»
(6)
. وقد اختفى في الغار ثلاثاً"
(7)
.
(1)
"الطب النبوي"103.
(2)
"الطب النبوي" ص 219.
(3)
"الطب النبوي" ص 220.
(4)
"الطب النبوي" ص 221.
(5)
"سنن الترمذي"(2517)، وهو حديث حسن بالشواهد.
(6)
"صحيح البخاري"(3280)، "صحيح مسلم"(2012).
(7)
"الطب النبوي" ص 222.
147 - مشروعية الرقى، وجواز أخذ الأجرة عليها:
قال الذهبي رحمه الله: "الرقى المذمومة ما كانت بغير العربي، ولا يُعلم معناها، أما إذا عُلمت فمستحبة"
(1)
.
وقال في موضع آخر: "النهي إنما كان عن رقى كفرية، أو كان النهي ثابتاً ثم نسخ"
(2)
.
وقد جمع الذهبي رحمه الله، بين النصوص التي أباحت الرقى والتي نهت عنها، فقال:"وجه الجمع بين ذلك أنهم كانوا يخلطون برقاهم شركاء، فنُهوا لذلك، فإن سلمتْ منها جاز"، ثم قال: "وفي أخذهم القطيع
(3)
دليلٌ على أخذ الأجرة على الطب والرقى، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: اضربوا لي معكم سهم"
(4)
.
148 - جواز مداواة النساء للرجال والرجال للنساء عند الحاجة:
قال الذهبي رحمه الله: "نص أحمد أن الطبيب يجوز له أن ينظر المرأة الأجنبية إلى ما تدعو إليه الحاجة إلى العورة .. كذلك يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورة الرجل عند الحاجة .. وكذلك يجوز خدمته الأجنبية، ويشاهد منها عورة في حال المرض، وكذلك المرأة
(1)
"الطب النبوي" ص 276.
(2)
"الطب النبوي" ص 277.
(3)
يشير إلى حديث أبي سعيد الخدري الوارد في صحيح البخاري (2276)، وصحيح مسلم (2201)، عندما رقى أحد الأعراب واشترط عليه قطيعاً من الغنم في حال الشفاء، وقوله في نهاية الحديث:«كلوا واضربوا لي معكم سهم» .
(4)
"الطب النبوي"233.
يجوز لها أن تخدم الرجل، وتشاهد منه عورة في حال المرض، إذا لم يوجد رجل أو محرم، وكذلك يجوز للشاهد أن ينظر إلى وجه المرأة، وكذلك من أراد تزوجها"
(1)
.
149 - الجمع بين الأحاديث المبيحة للكي والمانعة منه:
أورد الذهبي رحمه الله بعض ما ورد في العلاج بالكي، إذناً ومنعاً، ثم جمع بين النصوص فقال:"وهذه الأحاديث المذكورة بعضها يدل على الإذن، وبضعها يدل على المنع. والجمع بينهما: أن النهي إنما كان من أجل أنهم يعظمون أمر الكي، ويرون أنه يحسم الدواء، وأنه إن لم يكووا العضو بطل؛ فنهاهم إذا كان على هذا الوجه، وأباحه إذا كان سبباً للشفاء لا علّة، فإن الله تعالى هو الذي يشفي ويبرئ، لا بالكي ولا الدواء، وهذا أمرٌ يكثر فيه شكوك الناس، يقولون: لو شرب الدواء لم يمت، ولو أقام ببلده لم يقتل"
(2)
.
150 - جواز الفرار من المجذوم وترك مواكلته:
قال الذهبي رحمه الله: " الفرار من المجذوم وترك مؤاكلته جائز، لكن ليكن ذلك بحيث لا يكاد يشعر المجذوم؛ فإن ذلك يحزنه، ومن واكله ثقةً بالله وتوكلاً عليه فهو مؤمن"
(3)
.
151 - تحريم التداوي بالخمر:
ذكر الذهبي رحمه الله بعض الأحاديث الواردة في النهي عن
(1)
"الطب النبوي" 237 باختصار.
(2)
"الطب النبوي" ص 260.
(3)
"السير" 2/ 493.
التداوي بالخمر، ثم علقّ عليها فقال:"والصحيح أنها لا منفعة فيها .. ومعلوم أنها دواء لبعض الأمراض، ولكنه عليه الصلاة والسلام نقلها من باب الدنيا إلى باب الآخرة، ومن الطبيعة إلى الشريعة"
(1)
.
قلت: وهو مذهب جمهور الفقهاء
(2)
.
152 - جواز التداوي بالذهب والفضة:
قال الذهبي رحمه الله: "وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استعمال آنية الذهب والفضة، وجوّز التداوي بهما"
(3)
.
قلت: التداوي بالذهب والفضة هو قول عامة أهل العلم، كشدّ الأسنان ونحو ذلك
(4)
.
153 - إباحة التداوي بالفصد
(5)
:
قال الذهبي رحمه الله: "وفي كراهة فصد العروق روايتان، أظهرهما عدم الكراهة"
(6)
.
(1)
"الطب النبوي" ص 104.
(2)
ينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" 5/ 25.
(3)
"الطب النبوي" ص 120.
(4)
ينظر: "مجلة الفقه الإسلامي" 8/ 1409.
(5)
الفصد: اخراج الدم من الجسم جراحياً عن طريق الوريد.
(6)
"الطب النبوي" ص 53.
كتاب القضاء والجنايات
154 - تحريم القضاء بغير علم ولا بيّنة:
قال الذهبي رحمه الله: "كلُّ من قضى بغير عِلْم، ولا بيّنة من الله ورسوله على ما يقضي به؛ فهو داخلٌ في هذا الوعيد"
(1)
.
قلت: قاله تعليقاً على حديث بريدة رضي الله عنه مرفوعاً: «قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار .. وذكر منهم: وقاضٍ قضى بغير علم فهو في النار»
(2)
.
155 - تحريم القضاء حال الغضب:
قال الذهبي رحمه الله: "يحرم على القاضي أن يحكم وهو غضبان، لا سيما من الخصم. وإذا اجتمع في القاضي قلّة علم، وسوء قصد، وأخلاقٌ زعرة، وقلّة ورع، فقد تمت خسارته، ووجب أن يعزل نفسه، ويبادر بالخلاص من النار"
(3)
.
156 - من شروط توبة السارق أن يردّ ما سرقه:
قال الذهبي رحمه الله: "لا تنفع السارق توبته إلا بأن
(1)
"الكبائر" ص 154.
(2)
"مستدرك الحاكم"(7091) وصححه.
(3)
"الكبائر" ص 155.
يردّ ما سرقه، فإن كان مفلساً تحلل من صاحب المال"
(1)
.
قلت: وجوب رد السارق للعين المسروقة حال وجودها مسألة متفق عليها بين العلماء
(2)
.
157 - من وجد مع امرأته رجلاً فلا يجوز له قتلهما:
قال الذهبي رحمه الله فيمن وجد مع امرأته رجلاً في الفراش: "لا ينتفي من حملها إلا باللعان، ولا يجوز له التعرض لقتلهما"
(3)
.
قلت: لأنه إن قتلهما في هذه الحال لم يقبل قوله إلا ببينة، فيلزمه القصاص
(4)
.
158 - لا يقتل مسلم بكافر:
نقل الذهبي رحمه الله رجوع الإمام زُفَر بن الهُزيل رحمه الله (ت: 158 هـ) عن القول بقتل المسلم بالكافر، لما ذُكِرَ له حديث:«لا يُقتل مسلم بكافر»
(5)
، ثم علّق الذهبي فقال:"هكذا يكون العالم وقّافاً مع النَّص"
(6)
.
قلت: وهو قول الجمهور خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله
(7)
.
(1)
"الكبائر" ص 144.
(2)
انظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" 24/ 345.
(3)
"المهذب في اختصار السنن" 8/ 4151.
(4)
"المغني" لابن قدامة 11/ 461.
(5)
"صحيح البخاري"(111).
(6)
"السير" 8/ 41.
(7)
"المغني" لابن قدامة 11/ 466.
159 - لا يقتل من شرب الخمر في الرابعة:
قال الذهبي رحمه الله: "من أخذ بحديث صحيح وقد تنكّبه سائر أئمة الاجتهاد، فلا، كخبر: «فإن شرب في الرابعة فاقتلوه» "
(1)
.
قلت: انعقد الإجماع على أن شارب الخمر لا يقتل وإن تكرر منه ذلك، والحديث الذي أشار إليه الذهبي منسوخ عند جماهير أهل العلم
(2)
.
160 - تحريم تفضيل أحد الأبناء بالعطية دون سبب شرعي:
أشار الذهبي رحمه الله إلى حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، والذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم:«أَشْهِدْ على هذا غيري»
(3)
، ثم علّق الذهبي عليه بقوله: "أحاديث النعمان دالة علي المنع من ذلك، ومجموع ألفاظ الحديث تدل على أن قوله:«أشهدْ على هذا غيري» من قبيل قوله تعالى: {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91]، وكقوله:«إِذا لم تستحِ فاصنعْ ما شئت»
(4)
، فأما إِذا كان بعض أولاده فقيراً ذا عائلة والآخرون أغنياء ولهم أموال ورثوها فلا بأس - إن شاء الله - أن ينحله، كما فعل ابن عمر بولده واقد، وكذلك إِذا كان له ولد عاق فاسق، فلا يعطه ما يتقوى به على المعاصي؛ بل ينحله كإِخوته، ويحجر عليه فيما نحله"
(5)
.
(1)
"السير" 16/ 405.
(2)
"شرح المشكاة" للطيبي 8/ 2541.
(3)
"صحيح البخاري"(2586)، "صحيح مسلم"(1623).
(4)
"صحيح البخاري"(3483).
(5)
"المهذب في اختصار السنن" 5/ 2326.
161 - الساحر يكفر وحدّه القتل:
قال الذهبي رحمه الله: "الساحر لابد أن يكفر، قال الله تعالى: {وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]، فترى خلقاً كثيراً من الضلال يدخلون في السحر، ويظنونه حراماً فقط، وما يشعرون أنه الكفر .. وحدّ الساحر القتل، لأنه كفر بالله أو ضارع الكفر"
(1)
.
162 - لا دية على من قتل جنياً؟
ذكر الذهبي رحمه الله في ترجمة السيدة عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما، أن جاناً كان يطلع عليها، فحرَّجت عليه مرة بعد مرة بعد مرة، فأبى إلا أن يظهر
(2)
، فعدت عليه بحديدة فقتلته. فأُتيت في منامها، فقيل لها: أقتلت فلاناً، وقد شهد بدراً، وكان لا يطلع عليك، لا حاسراً ولا متجردة، إلا أنه كان يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخذها ما تقدم وما تأخر؛ فذكرت ذلك لأبيها. فقال: تصدقي باثني عشر ألفاً ديته
(3)
.
ثم علّق الذهبي قائلاً: "ما أعلم أحداً اليوم يقول بوجوب دية في مثل هذا"
(4)
.
قلت: يبدو أن هذا الجني كان يظهر في صورة حيّة أو نحوها. فقتلتها أم المؤمنين، وهي لا تعلم أنها كانت جنيّاً مسلماً، والله أعلم.
(1)
"الكبائر" ص 85.
(2)
الظاهر أنه كان يظهر لها في صورة حيّة أو نحو ذلك، والله أعلم.
(3)
حَكَم محقق "السير" 2/ 197 على إسناد القصة بقوله: رجاله ثقات.
(4)
"السير" 2/ 197.
كتاب الجامع
(1)
163 - كراهة إقراء أكثر من قارئ في الوقت نفسه في سور مختلفة:
ذكر الذهبي رحمه الله في ترجمة شيخ قراء زمانه: علم الدين علي بن محمد الهمداني السخاوي (ت: 643 هـ) أنه كان يستمع لاثنين وثلاثين قارئاً، يقرؤون عليه دفعة واحدة، في أماكن مختلفة، وهو يردّ على الجميع!
وعلّق بقوله: "في نفسي شيء من صحة الرواية على هذا النعت؛ لأنه لا يتصور أن يسمع مجموع الكلمات، فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. وأيضاً فإن مثل هذا الفعل خلاف السنّة، ولا أعلم أحداً من شيوخ المقرئين كان يترخص في هذا، إلا الشيخ علم الدين"
(2)
.
وقال في موضع آخر: "هذا خلاف السُنّة، لأننا أُمِرنا بالإنصات إلى قارئ لنفهم ونعقل ونتدبر"
(3)
.
(1)
مشتمل على مسائل متفرقة.
(2)
"تاريخ الإسلام" 14/ 460.
(3)
"السير" 21/ 409.
164 - جواز قطع ورق السدر
(1)
للانتفاع به:
ساق الذهبي رحمه الله بعض ما ورد في النهي عن قطع السدر، ونقل عن أبي داود صاحب السنن أن هذا محمول على ما كان في فلاة يَستظل بها ابنُ السبيل والبهائمُ، عبثاً وظلماً بغير حق، فأيَّد الذهبي كلامه، وقال:"تأويل أبي داود أقرب على ما فيه؛ فإِن السدرة إِنما يستظل بورقها، والورق جائز الانتفاع به للاغتسال، ولو صحّ الخبر لكان دالّاً على ما سوى الورق"
(2)
.
قلت: أشار بالخبر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «من قطع سدرة صوّب الله رأسه في النار»
(3)
.
165 - قيام الليل لم يكن فرضاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم:
أورد الذهبي رحمه الله الآية الكريمة: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79]، ثم علَّق فقال:"نافلة لك صريحة في عدم الوجوب، وأيضًا فلو كان قيام الليل فرضاً لما صلَّاها جالساً، ولا صلَّاها على الراحلة، صلى الله عليه وسلم"
(4)
.
166 - التطير من البيت!!
أورد الذهبي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: جاء رجل من الأنصار إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، إنا كنا في دار كثير
(1)
نوع من الشجر، ينبت في جزيرة العرب وبلاد الشام والمناطق الاستوائية.
(2)
"المهذب في اختصار السنن" 5/ 2274.
(3)
"سنن أبي داود"(5239) بإسناد ضعيف، لكن له شواهد.
(4)
"المهذب في اختصار السنن" 5/ 2598.
فيها عددنا، كثير فيها أموالنا، ثم تحوّلنا إلى دار أخرى، فقلّ فيها عددنا، وقلَّت فيها أموالنا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«دعوها ذميمة»
(1)
. ثم علَّق الذهبي فقال: "الطيرة منهي عنها مطلقاً، فلعله عليه السلام رخص من ذلك الدار فقط"
(2)
.
167 - وجوب برّ الأمّ المشركة وطاعتها في غير معصية:
ساق الذهبي رحمه الله حديث معاوية بن جَاهِمة السُلمي: «أن جاهمة جاء فقال: يا رسول اللَّه، أردتُ أن أغزو وقد جئتك أستشيرك. فقال: هل لك من أمٍ؟ قال: نعم. قال: فالزمها؛ فإن الجنة عند رجليها»
(3)
.
ثم علَّق الذهبي فقال: "قد سأله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يعلم أن له أماً، فلما قال: نعم. لم يسأله أمسلمة هي أم لا؛ بل أمره ببرها مطلقاً، مع كثرة الآباء والأمهات على الشرك في ذلك الوقت، والقرآن يدل على ذلك، قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8]، فهنا أراد المشركين؛ لأنه قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} [العنكبوت: 8] "
(4)
.
(1)
"سنن أبي داود"(3924)، وقال الإمام البخاري في "الأدب المفرد" (918): في إسناده نظر.
(2)
"المهذب في اختصار السنن" 6/ 3236.
(3)
"مستدرك الحاكم"(2502)، وقال: صحيح الإسناد.
(4)
"المهذب في اختصار السنن" 7/ 3535.
168 - الإيمان يجبّ ما قبله من الآثام:
قال الذهبي رحمه الله: "مجرد الإِيمان يَجُبُّ كلّ ما قبله، كما في الحديث الآخر
(1)
، وكما لو فعل كلَّ قبيح ثم أسلم، فمات في الحال، لم يعاقب بقبائحه"
(2)
.
قلت: المسألة إجماعية في حقوق الله تعالى، وأما حقوق الآدميين ففيها تفصيل ونزاع
(3)
.
169 - جواز وضع الجار خشبة في جدار جاره:
قال الذهبي رحمه الله: "ومن حقوق الجار وضع جسره على حائط جاره، فقد ذهب إلى ذلك أحمد وغيره. وصَحَّ عن أبي هريرة قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا استأذن أحدكم جاره أن يغرس خشبة في جداره فلا يمنعه»
(4)
"
(5)
.
قلت: قيّده من قال به بالحاجة وعدم ضرر الجار
(6)
.
170 - المبارزة من أفضل الجهاد:
نقل الذهبي رحمه الله عن الإمام الشافعي أنه قال: "لا بأس
(1)
يشير إلى حديث عمرو بن العاص في "صحيح مسلم"(121)، مرفوعاً:«إن الإسلام يهدم ما كان قبله» .
(2)
المهذب في اختصار السنن 7/ 3660.
(3)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 8/ 570، "الجامع لأحكام الإسلام" 7/ 402.
(4)
"صحيح البخاري"(2463)، "صحيح مسلم"(1609).
(5)
"حق الجار" ص 36.
(6)
"المغني" لابن قدامة 7/ 35.
بالمبارزة، قد بارز يوم بدر عبيدة وحمزة وعلي". وعلّق عليه فقال:"بل هي من أفضل الجهاد"
(1)
.
قلت: أراد بهذا الرد على من كره المبارزة من العلماء، وهو قول منسوب للحسن البصري رحمه الله
(2)
.
171 - كراهة النوم بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وقبل صلاة العشاء:
قال الذهبي رحمه الله: "يكره النوم بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وقبل العشاء الآخرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبلها، أو الحديث بعدها، فإن كان في عِلم، أو ذكر، أو محادثة أهله فلا يكره"
(3)
.
172 - كراهة نوم الإنسان على وجهه:
قال الذهبي رحمه الله: "يكره النوم على الوجه، فإنها نومة جهنمية، ويستحب النوم على طهارة، لما تقدم من حديث البراء"
(4)
.
قلت: يشير إلى ما أخرجه الشيخان، عن البراء بن عازب رضي الله عنه، مرفوعاً:«إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة .. »
(5)
وذكر بقية الحديث.
(1)
"المهذب في اختصار السنن" 7/ 3669.
(2)
"المغني" لابن قدامة 13/ 38.
(3)
"الطب النبوي" ص 44.
(4)
"الطب النبوي" ص 44.
(5)
"صحيح البخاري"(247)، "صحيح مسلم"(2710).
173 - ما يجوز من التمائم وما يحرم:
قال الذهبي رحمه الله: "أما تعليق التمائم فنص أحمد على كراهتها .. والكلام على الكراهة وعدمها، إذا اعتقد أحدٌ أنها تنفع بنفسها أو تضر، أو كان فيها ما لا يُعرف"
(1)
.
174 - التفصيل في مسألة السماع:
قال الذهبي رحمه الله: "السماع منه محرم، ومنه واجب، ومنه مباح، ومنه مستحب، ومنه مكروه. والمحرم: سماع غناء الصبيّة المليحة الأجنبية، التي يخاف منها الفتنة، وكذلك صوت الأمرد المليح، وهو أشد تحريماً، فإذا أضيف إلى ذلك دفوف وشبابات
(2)
تأكد التحريم .. والواجب هو: سماع القرآن في الفرائض .. والمباح: سماع الحداء الطيّب، وسماع الشعر، وسماع غناء الرجل لنفسه، وغناء المرأة لزوجها، والجارية، ونحو ذلك، وسماع الرجل الذي يغني لأصحابه، ينشد أبياتاً ملحنة، ولكن يصير مكروهاً إذا أكثروا من ذلك، واتخذوه عادة، والمستحب له صور، منها: جماعة يقرأ لهم قارئ طيّب الصوت، بتلحين سائغ .. ومن صور المستحب: رجل صالح له صوت مطرب ينشد أبياتاً ملحنة موزونة .. وأما المكروه فبالإكثار من حضور السماع بالكف وبالدُّف. وأما حضوره بالشبابة فإني متوقف في تحريمه بعد، مع اعتقادي بأنها مكروهة، وغالب السماع من الباطل، لا من الحق
(1)
"الطب النبوي" ص 281.
(2)
الشبَّابة: آلة موسيقية تصنع من خشب أو قصب مجوّف، ينفخ فيها، وتسمى أيضاً بالمزمار أو اليراعة.
في شيء، ولكن الباطل منه مباح، ومنه مكروه، ومنه محرم"
(1)
.
175 - القطع بطهارة ما انفصل من شعر النبي صلى الله عليه وسلم:
قال الذهبي رحمه الله رداً على من خالف في طهارة ما انفصل من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتعين على كل مسلم القطع بطهارة ذلك، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما حَلَقَ رأسه، فرّق شعره المطهّر على أصحابه، إكراماً لهم بذلك، فوالهفي على تقبيل شعرة منها"
(2)
.
176 - جواز التكلم بالكفر للمكره:
أشار الذهبي رحمه الله إلى قصة تعذيب المشركين لعمار بن ياسر رضي الله عنه بمكة، وأنهم كانوا لا يتركونه حتى يكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له:«إن عادوا فقل ذاك لهم»
(3)
. وعلّق عليها الذهبي بقوله: "رخص له في ذلك لأنه مكره"
(4)
.
177 - مشروعية الجمع بين التجارة والعبادة:
نقل الذهبي رحمه الله عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: كنت تاجراً قبل المبعث، فلما جاء الإسلام، جمعت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا، فتركت التجارة، ولزمت العبادة. فعلّق الذهبي عليه فقال: "الأفضل جمع الأمرين مع الجهاد، وهذا الذي قاله، هو
(1)
"الطب النبوي" ص 317، وقد اختصرت بعض كلام المؤلف لطوله.
(2)
"السير" 13/ 547.
(3)
"الطبقات الكبرى" لابن سعد 3/ 189، بإسناد رجاله ثقات، لكنه مرسل.
(4)
"تاريخ الإسلام" 2/ 321.
طريق جماعة من السلف والصوفية، ولا ريب أن أمزجة الناس تختلف في ذلك، فبعضهم يقوى على الجمع كالصِّديق، وعبد الرحمن بن عوف، وكما كان ابن المبارك، وبعضهم يعجز ويقتصر على العبادة، وبعضهم يقوى في بدايته، ثم يعجز، وبالعكس، وكلٌ سائغ، ولكن لا بدّ من النهضة بحقوق الزوجة والعيال"
(1)
.
178 - لا نعامل التوراة الموجودة الآن بتعظيم ولا بإهانة:
قال الذهبي رحمه الله: "لا يشرع لأحد بعد نزول القرآن أن يقرأ التوراة، ولا أن يحفظها، لكونها مبدّلة، محرّفة، منسوخة العمل، قد اختلط فيها الحق بالباطل، فلتجتنب. فأما النظر فيها للاعتبار، وللرّد على اليهود، فلا بأس بذلك للرجل العالم قليلاً، والإعراض أولى"
(2)
.
وقال في موضع آخر: "ونحن نعظّم التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام، ونؤمن بها. فأما هذه الصحف التي بأيدي هؤلاء الضلّال، فما ندري ما هي أصلاً، ونقف فلا نعاملها بتعظيم ولا بإهانة، بل نقول: آمنّا بالله وملائكته وكتبه ورسله، ويكفينا في ذلك الإيمان المجمل، ولله الحمد"
(3)
.
179 - جواز كتمان بعض الأحاديث النبوية إذا كانت تحرك فتنة:
نقل الذهبي رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان يقول:
(1)
"السير" 2/ 338.
(2)
"السير" 3/ 86.
(3)
"السير" 2/ 419.
رُبَّ كيس عند أبي هريرة لم يفتحه، يعني: من العِلْم. قال الذهبي: "هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث، التي تحرك فتنة في الأصول أو الفروع، أو المدح والذم، أما حديث يتعلق بحل أو حرام، فلا يحلّ كتمانه بوجه، فإنه من البينات والهدى"
(1)
.
180 - كراهة قراءة القرآن كلّه في أقلّ من ثلاثة أيام:
قال الذهبي رحمه الله: "أقل مراتب النهي؛ أن تكره تلاوة القرآن كلّه في أقل من ثلاث، فما فقه ولا تدبر من تلا في أقل من ذلك"
(2)
.
ونقل عن سعيد بن جبير رحمه الله (ت: 95 هـ) أنه كان يختم القرآن كلّه فيما بين المغرب والعشاء، في شهر رمضان، وعلّق عليه بقوله:"هذا خلاف السنّة، وقد صحّ النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث"
(3)
.
قلت: وبنحوه قال العلامة أبو الحسن السندي (ت: 1138 هـ): "ظاهر الحديث كراهة الختم فيما دون ثلاث"
(4)
.
181 - تحريم السماع والنظر إلى الغلمان المرد الحسان:
قال الذهبي رحمه الله: "إباحة السماع وإباحة النظر إلى المرد، هذه معصية، وقول الظاهرية بإباحتها مرجوح"
(5)
.
(1)
"السير" 2/ 597.
(2)
"السير" 3/ 84.
(3)
"السير" 4/ 324.
(4)
"حاشية السندي على سنن ابن ماجه" 1/ 406.
(5)
"السير" 19/ 364.
182 - جواز ترك الفرض عند الإكراه:
قال الذهبي رحمه الله: "إن آذاه (الحاكم) فله ترك السنّة، وليس له ترك الفرض إلا أن يخاف السيف"
(1)
.
183 - جواز أكل الولي الفقير من مال اليتيم بالمعروف:
قال الذهبي رحمه الله: "كل ولي ليتيم كان فقيراً فأكل بالمعروف فلا بأس عليه، وما زاد على المعروف فسحتٌ حرام، والمعروف يرجع فيه إلى عُرف الناس المؤمنين الخالين من الأغراض الخبيثة"
(2)
.
184 - لا يأثم المرء إلا بعد العلم بالنص:
قال الذهبي رحمه الله: "لا يأثم أحدٌ إلا بعد العلم، وبعد قيام الحجة عليه، والله لطيف بعباده رؤوف بهم، قال الله تعالى: {وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] وقد كان سادة الصحابة بالحبشة، وينزل الواجب والتحريم على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يبلغهم تحريمه إلا بعد أشهر، فهم في تلك الأشهر معذورون بالجهل، حتى يبلغهم النَّص، فكذا يعذر بالجهل كل من لم يعلم، حتى يسمع النص، والله تعالى أعلم"
(3)
.
185 - اللواط أفحش من الزنا:
قال الذهبي رحمه الله: "أجمع المسلمون من أهل الملل: أن التلوط من الكبائر، قال الله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ * وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ
(1)
"السير" 19/ 364.
(2)
"الكبائر" ص 104.
(3)
"الكبائر" ص 88.
رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ} [سورة الشعراء: 165 - 166]. واللواط أفحش من الزنا وأقبح"
(1)
.
186 - كفر من قذف أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
قال الذهبي رحمه الله: "من قَذَفَ أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بعد نزول براءتها من السماء، فهو كافر مكذبٌ للقرآن فيُقتل"
(2)
.
187 - تحريم اللعب بالنرد
(3)
:
قال الذهبي رحمه الله: "أجمع المسلمون على تحريم اللعب بالنرد، ويكفيك من حججهم على تحريمه قول النبي صلى الله عليه وسلم، الذي ثبت عنه:«من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه»
(4)
"
(5)
.
188 - تحريم الخيانة وأنها درجات:
عَدّ الذهبي رحمه الله الخيانة من الكبائر، وقال: إنها "في كلّ شيء قبيحة، وبعضها شرٌّ من بعض، وليس من خانك في فلْس كمن خانك في أهلك ومالك وارتكب العظائم"
(6)
.
(1)
"الكبائر" ص 131.
(2)
"الكبائر" ص 134.
(3)
النرد: لعبة تعتمد على الحظ، ذات صندوق وحجارة وزهرين.
(4)
"صحيح مسلم"(2260) عن بريدة رضي الله عنه.
(5)
"الكبائر" ص 160.
(6)
"الكبائر" ص 167.
189 - كثرة اللعن من الكبائر:
عَدّ الذهبي رحمه الله الذي يكثر اللعن من أصحاب الكبائر، وقال: "قد عاقب النبي صلى الله عليه وسلم التي لعنتْ ناقتها، بأن سلبها إيّاها، فقال عمران بن حصين وأبو برزة، والحديث لعمران، قال:«بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأةٌ من الأنصار على ناقةٍ، فضجرتْ فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة، قال عمران: فكأني أنظر إليها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحدٌ»
(1)
"
(2)
.
190 - الغدر بولي الأمر من الكبائر:
عَدّ الذهبي رحمه الله الغدر بولي الأمر من الكبائر، وقال:"وأي جُرم أعظم من أن تبايع رجلاً، ثم تنزع يدك من طاعته، وتنكث الصفقة وتقاتله بسيفك، أو تخذله حتى يُقتل"
(3)
.
191 - تعلّم النبي صلى الله عليه وسلم يسير الكتابة لا يخرجه عن أميته:
قال الذهبي رحمه الله: "ما المانع من جواز تعلّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسير الكتابة بعد أن كان أمياً لا يدري ما الكتابة. فلعلّه لكثرة ما أملى على كتّاب الوحي، وكتّاب السُّنن، والكتب إلى الملوك، عرف من الخط وفهمه، وكَتَبَ الكلمة والكلمتين، كما كَتَبَ
(1)
"صحيح مسلم"(2595).
(2)
"الكبائر" ص 183، والحديث عند مسلم (2595).
(3)
"الكبائر" ص 187.
اسمه الشريف يوم الحديبية محمد بن عبد الله، وليست كتابته لهذا القدر اليسير مما يخرجه عن كونه أميّاً، ككثير من الملوك أميّين ويكتبون العلامة"
(1)
.
وقال في موضع آخر: "ما كُل من عرف أن يكتب اسمه فقط بخارج عن كونه أميّاً؛ لأنه لا يسمّى كاتباً، وجماعة من الملوك قد أدمنوا في كتابة العلَامَة، وهم أميّون، والحكم للغلبة لا للصورة النادرة، فقد قال عليه السلام:«إنا أمّة أميّة»
(2)
؛ أي: أكثرهم كذلك، لندور الكتابة في الصحابة، وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: 2] "
(3)
.
192 - تبديع الخوارج مع عدم القطع لهم بالنار:
للذهبي رحمه الله نصوص عديدة في تبديع الخوارج والتحذير منهم، مع عدم القطع لهم بالنار، يقول رحمه الله:"الخوارج كلاب النار، وشرّ قتلى تحت أديم السماء، لأنهم مرقوا من الإسلام، ثم لا ندري مصيرهم إلى ماذا، ولا نحكم عليهم بخلود النار، بل نقف"
(4)
.
ويقول: "الخوارج كلاب النار، قد مرقوا من الدين، ومع هذا فلا نقطع لهم بخلود النار، كما نقطع به لعبدة الأصنام والصلبان"
(5)
.
(1)
"تذكرة الحفاظ" 2/ 742.
(2)
"صحيح البخاري"(1913)، "صحيح مسلم"(1080).
(3)
"تذكرة الحفاظ" 3/ 1181.
(4)
"السير" 1/ 63.
(5)
"السير" 3/ 128.
ويقول أيضاً: "الخوارج مبتدعة، مستحلّون الدماء والتكفير .. "
(1)
.
193 - تكفير الصحابة كفرٌ، وسبّهم كبيرة:
قال الذهبي رحمه الله: "من قال لأبي بكر ودونه: يا كافر! فقد باء القائل بالكفر هنا قطعاً، لأن الله تعالى قد رضي عن السابقين الأولين، قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]، ومن سبّ هؤلاء فقد بارز الله تعالى بالمحاربة، بل من سبّ المسلمين وآذاهم وازدراهم، فقد قدّمنا أن ذلك من الكبائر، فما الظنّ بمن سبّ أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لكنه لا يخلد بذلك في النار، إلا أن يعتقد نبوَّة عليّ رضي الله عنه، أو أنه إله، فهذا ملعون كافر"
(2)
.
194 - قتل الجاسوس إذا ترتب على جسّه وهنٌ على الإسلام وأهله:
عَدّ الذهبي رحمه الله التجسس على المسلمين من كبائر الذنوب، وقال بعد أن أورد بعض النصوص على تحريمه، قال: "فإن ترتب على جسّه وهنٌ على الإسلام وأهله، وقتل مسلمين، وسبي وأسر ونهبٌ، أو شيء من ذلك؛ فهذا ممن يسعى في الأرض فساداً، وأهلك الحرث والنسل، فتعيّن قتله، وحق عليه العذاب، نسأل الله العافية. وبالضرورة يدري كل ذي جس: أن النميمة إذا كانت من
(1)
"الكبائر" ص 207.
(2)
"الكبائر" ص 225.
الكبائر، فنميمة الجاسوس أكبر وأعظم بكثير"
(1)
.
قلت: وبقتله صرّح بعض الأئمة، لا سيما إن رأى الحاكم في ذلك مصلحة
(2)
.
195 - أضعف الإيمان إنكار المنكر بالقلب:
أورد الذهبي رحمه الله حديث: «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان»
(3)
، ثم قال:"فيه دليل على أن من لم ينكر المعاصي بقلبه، ولا يود زوالها، فإنه عديم الإيمان، ومن جهاد القلب التوجه إلى الله تعالى، في أن يمحق الباطل وأهله، أو أن يصلحهم"
(4)
.
196 - الشدّة في الأمر بالمعروف قد تفضي إلى التكفير وسفك الدماء:
قال الذهبي رحمه الله: "ربما آل الأمر بالمعروف بصاحبه إلى الغضب والحدّة، فيقع في الهجران المحرم، وربما أفضى إلى التكفير والسعي في الدماء"
(5)
.
ويقول أيضاً: "وأوقعهم يعني: الخوارج الغلوُّ في الدين إلى
(1)
"الكبائر" ص 252.
(2)
"الموسوعة ا لفقهية الكويتية" 16/ 314.
(3)
"صحيح مسلم"(49).
(4)
"الكبائر" ص 554.
(5)
"السير" 17/ 41.
تكفير العصاة بالذنوب، وإلى قتل النساء والرجال، إلا من اعترف لهم بالكفر وجدد إسلامه"
(1)
!!.
197 - عدم التسرع في التكفير بغير برهان قطعي:
قال الذهبي رحمه الله: "ما ينبغي لك يا فقيه أن تبادر إلى تكفير المسلم إلا ببرهان قطعي، كما لا يسوغ لك أن تعتقد العرفانَ والولاية فيمن قد تبرهن زغله، وانهتك باطنه وزندقته، فلا هذا ولا هذا"
(2)
.
198 - وجوب اتباع الدليل لمن بلغ رتبة الاجتهاد:
قال الذهبي رحمه الله: "من بلغ رتبة الاجتهاد، وشهد له بذلك عدّة من الأئمة، لم يسغ له أن يقلّد، كما أن الفقيه المبتدئَ والعاميَّ الذي يحفظ القرآنَ أو كثيراً منه، لا يسوغ له الاجتهاد أبداً، فكيف يجتهد، وما الذي يقول؟ وعلام يبني؟ وكيف يطير ولما يُرَيِّش؟، والقسم الثالث: الفقيه المنتهي اليقظ الفهم المحدّث، الذي قد حفظ مختصراً في الفروع، وكتاباً في قواعد الأصول، وقرأ النحو، وشارك في الفضائل، مع حفظه لكتاب الله، وتشاغله بتفسيره وقوة مناظرته، فهذه رتبة من بلغ الاجتهاد المقيّد، وتأهل للنظر في دلائل الأئمة، فمتى وضح له الحق في مسألة، وثبت فيها النص، وعمل بها أحد الأئمة الأعلام؛ كأبي حنيفة مثلاً، أو كمالك، أو الثوري، أو
(1)
"تاريخ الإسلام" 2/ 342.
(2)
"السير" 14/ 343.
الأوزاعي، أو الشافعي، وأبي عبيد، وأحمد، وإسحاق، فليتبع فيها الحق، ولا يسلك الرخص، وليتورّع، ولا يسعه فيها بعد قيام الحجة عليه تقليد"
(1)
.
وقال في موطن آخر: " فيا لله العجب! من عالم يقلّد دينه إماماً بعينه في كل ما قال، مع علمه بما يَرِدُ على مذهب إمامه من النصوص النبوية، فلا قوة إلا بالله"
(2)
.
ويقول في موطن ثالث: "لا ريب أن كل من آنس من نفسه فقهاً، وسعة علم، وحسن قصد، فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل، ولاح له الدليل، وقامت عليه الحجة، فلا يقلّد فيها إمامه، بل يعمل بما تبرهن، ويقلّد الإمام الآخر بالبرهان، لا بالتشهي والغرض. لكنه لا يفتي العامة إلا بمذهب إمامه، أو ليصمت فيما خفي عليه دليله"
(3)
.
199 - التحذير من غريب المذاهب الشاذة:
قال الذهبي رحمه الله: "ينبغي للمسلم أن يستعيذ من الفتن، ولا يشغب بذكر غريب المذاهب، لا في الأصول ولا في الفروع، فما رأيت الحركة في ذلك تُحَصِّلُ خيراً، بل تُثير شراً وعداوة ومقتاً .. "
(4)
.
(1)
"السير" 18/ 191.
(2)
"تذكرة الحفاظ" 1/ 18.
(3)
"السير" 8/ 94.
(4)
"السير" 20/ 142.
وقال في موضع آخر: "لا يكاد يوجد الحق فيما اتفق أئمة الاجتهاد الأربعة على خلافه، مع اعترافنا بأن اتفاقهم على مسألة، لا يكون إجماع الأمة، ونهاب أن نجزم في مسألة اتفقوا عليها، بأن الحق في خلافها"
(1)
.
ويقول في موطن ثالث: " من أخذ بحديث صحيح، وقد تنكّبه سائر أئمة الاجتهاد، فلا"
(2)
.
200 - ترك التنطّع في الفقه:
أورد الذهبي رحمه الله حديث شداد بن أوس رضي الله عنه، في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، والحسن أو الحسين راكب فوق ظهره
(3)
، ثم علّق عليه بقوله:"أين الفقه المتنطّع عن هذا الفعل"
(4)
؟!!.
201 - المفاضلة بين طلب العلم والاشتغال بالعبادة:
قال الذهبي رحمه الله: "هذه مسألة مختلف فيها: هل طلب العلم أفضل، أو صلاة النافلة والتلاوة والذكر؟ فأما من كان مخلصاً لله في طلب العلم، وذهنه جيّد، فالعلم أولى، ولكن مع حظ من صلاة وتعبّد
(5)
.. ، وأما من كان طلبه الحديث والفقه غِيَّة ومحبة نفسانية،
(1)
"السير" 7/ 117.
(2)
"السير" 16/ 405.
(3)
"مسند أحمد"(16033)، بإسناد صحيح.
(4)
"السير" 3/ 257.
(5)
هذا قيد مهم، إذ لا يُتصور طالب علم يُعرض عن التعبّد والتنفل مطلقاً.
فالعبادة في حقه أفضل، بل ما بينهما أفعل تفضيل"
(1)
.
202 - وجوب تصحيح النيّة في طلب العلم:
قال الذهبي رحمه الله: " تصحيحُ النيَّة من طالب العلم متعيَّنٌ. فمن طَلَب الحديث للمكاثرة، أو المفاخرة، أو ليَروِيَ، أو ليتناول الوظائف، أو ليُثْنَى عليه وعلى معرفته: فقد خَسِر. وإن طلَبَه لله، وللعمل به، وللقُربة بكثرة الصلاة على نبيّه صلى الله عليه وسلم، ولنفع الناس: فقد فاز. وإن كانت النيَّةُ ممزوجة بالأمرين: فالحكمُ للغالب"
(2)
.
203 - وجوب الحذر من رواية الأحاديث النبوية المشكلة في مجالس العامة:
قال الذهبي رحمه الله: "وليجتنِبْ رواية المشكلات، مما لا تحملُه قلوبُ العامة. فإن رَوَى ذلك، فليكنْ في مجالس خاصة. وَيَحرُمُ عليه رواية الموضوع، ورواية المطروح، إلا أن يُبيّنه للناس ليَحذروه"
(3)
.
204 - ضرورة الاقتصاد في التديّن دون إفراط أو تفريط:
قال الذهبي رحمه الله: "أما من بالغ في الجوع - كما يفعله الرهبان - ورفض سائر الدنيا، ومألوفات النفس من الغذاء والنوم والأهل، فقد عرض نفسه لبلاء عريض، وربما خُولط في عقله، وفاته
(1)
"السير" 7/ 167 باختصار.
(2)
"الموقظة" ص 65.
(3)
"الموقظة" ص 67.
بذلك كثير من الحنيفية السَّمْحَة، وقد جعل الله لكلّ شيء قدراً. والسعادة في متابعة السُّنن، فزنْ الأمور بالعدل، وصمْ وأفطر، ونمْ وقم، وألزم الورع في القوت، وارضَ بما قسم الله لك، واصمتْ إلا من خير"
(1)
.
(1)
"السير" 14/ 69.
الخاتمة
وبعد،
فهذا ما يسّر الله تعالى جمعه من اختيارات الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي الفقهية، مما ذكره في مختلف كتبه ومصنفاته. وقد بذلت في جمعها والتعليق عليها من الوسع ما أمكن، راجياً من الله تعالى أن ينفع بها طلاب العلم وأهله، وأن تكون نبراساً يهتدون بها إلى ما سواها من المسائل والأحكام.
ولعله من المستحسن الآن، وبعد دراسة هذه الاختيارات، أن نخلص إلى بعض النتائج المهمة التالية:
أولاً: إن الأبحاث والدراسات التي تناولت تراث الذهبي، كمؤرخ ومحدث وناقد كثيرة جداً، إلا أن الجانب الفقهي من تراثه ظل مغفلاً في هذه الدراسات، وهي الحلقة التي حاولتُ إكمالها في هذا العمل المتواضع.
ثانياً: رغم اشتهار الإمام الذهبي بكونه محدثاً ومؤرخاً عظيماً، إلا أن منزلته في علم الفقه والاستنباط لم تكن بأقل منزلة، ولا أنزل درجة، كما ظهر ذلك من خلال اختياراته وترجيحاته الفقهية الدقيقة، التي عرضناها في الكتاب.
ثالثاً: رغم غزارة إنتاج الذهبي وكثرة مؤلفاته، إلا أنه لم يترك لنا كتباً في فروع الفقه، ولا في شروح الأحاديث النبوية، ولا في الفتوى، لذا فقد جاءت اختياراته وترجيحاته الفقهية مجرد تعليقات مقتضبة، كان يبثها وينثرها، هنا وهناك، كلما عنّت لها مناسبة، أو دعت إليها حاجة.
رابعاً: لكن هذه الاختيارات ومع كونها تعليقات مختصرة ومتناثرة، إلا أنها من الكثرة بحيث يمكن أن تكوّن مَعْلَمة فقهية مستقلة، خاصة بالإمام الذهبي، إذا ما ضُمّ بعضها إلى بعض، وهذا ما وفقني الله تعالى لعمله في هذا الكتاب، حيث جمعتُ من اختياراته وترجيحاته أكثر من مائتي مسألة في الفروع.
خامساً: ظهر لي من خلال دراسة اختيارات الذهبي الفقهية، أن صاحبها رحمه الله كان أبعد ما يكون عن التعصب المذهبي، حيث خالف مذهب إمامه الشافعي في مسائل عديدة، كمسألة الوضوء بالماء المشمّس
(1)
، ومسألة الجهر بقراءة البسملة في الصلاة
(2)
، ومداومة القنوت في صلاة الفجر
(3)
، والسجود على كور العمامة
(4)
، وغيرها.
سادساً: كما ظهر لي أن الإمام الذهبي رحمه الله وبرغم شدة تمسكه بنصوص الكتاب والسنة، إلا أنه كان في الوقت نفسه ينأى بنفسه عن الشذوذ، أو الخروج عن مذاهب الأئمة المعتبرة، وفقه سلف الأمة، بل لقد كان يوصي ويقول: "ينبغي للمسلم ألا يشغب
(1)
ينظر: المسألة رقم: 4.
(2)
ينظر: المسألة رقم: 15.
(3)
ينظر: المسألة رقم: 23.
(4)
ينظر: المسألة رقم: 28.
بذكر غريب المذاهب، لا في الأصول ولا في الفروع، فما رأيت الحركة في ذلك تُحَصِّلُ خيراً ..
(1)
.
سابعاً: كذلك ظهر لي من خلال دراسة تراث الذهبي الفقهي أنه وبالرغم من ردّه أحياناً على بعض الأئمة والعلماء، ونقده لهم، إلا أنه كان يترفع ويتنزه عن أسلوب التهجم والتجريح، بل لقد كان يلتمس الأعذار والمخارج للمخالفين، كقوله: لعل فلاناً لم يبلغه النص، أو لم يبلغه النهي، أو أنه تأول، ونحو ذلك من العبارات اللطيفة، كما تقدم معنا في بعض المسائل
(2)
.
ثامناً: كان الذهبي رحمه الله يتورع أحياناً عن الجزم ببعض المسائل، فتجده يعرض المسألة على الاحتمال إذا لم يظهر له مرجح، كقوله:"الصلاة في المقبرة منهي عنها، نهي كراهية أو نهي تحريم"
(3)
.
تم الكتاب بحمد الله
(1)
ينظر المسألة رقم: 199.
(2)
ينظر على سبيل المثال المسألة رقم: 82، 140.
(3)
ينظر المسألة: 69.
فهرس المصادر والمراجع
(أ)
1 -
. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لمحمد بن علي ابن دقيق العيد، مطبعة السنة المحمدية، بدون تاريخ طبع.
2 -
. أحكام الجنائز، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط: الرابعة، 1406 هـ.
3 -
. الأدب المفرد، لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامي، ط: 1409 هـ.
4 -
. إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، لأحمد بن محمد القسطلاني المصري، المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، ط: 1323 هـ.
5 -
. الاستذكار في شرح الموطأ، ليوسف بن عبد البر النمري القرطبي، تحقيق: سالم محمد عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط: 1421 هـ.
6 -
. الإشراف على مذاهب العلماء، لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق: صغير أحمد الأنصاري، مكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة، الإمارات العربية المتحدة، ط: الأولى، 1425 هـ.
7 -
. أعيان العصر وأعوان النصر، لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، تحقيق الدكتور علي أبو زيد، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط: الأولى، 1418 هـ.
8 -
. إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي، تحقيق الدكتور يحيى إسماعيل، دار الوفاء للطبعة والنشر، مصر، ط: 1419 هـ.
(ب)
9 -
. بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، دار الحديث، القاهرة، ط: 1425 هـ.
10 -
. البدر التمام شرح بلوغ المرام، للحسين بن محمد المغربي، تحقيق: علي بن عبد الله الزبن، دار هجر، ط: الأولى، 1414 هـ.
11 -
. بيان الإلباس في فنون اللباس، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، دار غراس، الكويت، ط: الأولى، 1436 هـ.
12 -
. البيان في مذهب الإمام الشافعي، ليحيى بن أبي الخير العمراني، تحقيق: قاسم محمد النوري دار المنهاج، جدة، ط: الأولى، 1421 هـ.
(ت)
13 -
. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، ط: 2003 م.
14 -
. تذكرة الحفاظ، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط: الأولى، 1419 هـ.
15 -
. تفسير القرطبي، المعروف بالجامع لأحكام القرآن، لمحمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني، دار الكتب المصرية، القاهرة، ط: الثانية، 1384 هـ.
16 -
. تفسير ابن كثير، المعروف بتفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق: سامي بن محمد السلامة، دار طيبة للنشر
والتوزيع، ط: الثانية، 1420 هـ.
17 -
. تلخيص مستدرك الحاكم، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط: الأولى، 1411 هـ.
18 -
. التمسك بالسنن والتحذير من البدع، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: محمد باكريم، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط: 1416 هـ.
19 -
. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي وجماعة، وزارة عموم الأوقاف، المغرب، ط: 1387 هـ.
20 -
. تنقيح ا لتحقيق، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: مصطفى أبو الغيط، دار الوطن، الرياض، ط: الأولى، 1421 هـ.
21 -
. التوضيح لشرح الجامع الصحيح، لعمر بن علي ابن الملقن الأنصاري، تحقيق: جماعة من الباحثين، دار النوادر، دمشق، سوريا، ط: الأولى، 1429 هـ.
22 -
. التيسير بشرح الجامع الصغير، لعبد الرؤوف المناوي المصري، مكتبة الإمام الشافعي، الرياض، ط: الثالثة، 1408 هـ.
(ج)
23 -
. جامع الأصول في أحاديث الرسول، لمجد الدين ا لمبارك بن محمد بن الأثير الجزري، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة الحلواني، ط: الأولى، 1389 هـ.
24 -
. جامع المسائل، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: محمد عزير شمس وجماعة، دار عطاءات العلم، الرياض، دار ابن حزم، بيروت، ط: الثانية، 1440 هـ.
(ح)
25 -
. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، لمحمد بن أحمد الدسوقي المالكي، دار الفكر، بدون تاريخ طبع.
26 -
. حاشية السندي على سنن ابن ماجه، لأبي الحسن محمد بن عبد الهادي السندي، دار الجيل، بيروت، لبنان، بدون تاريخ طبع.
27 -
. حاشية العدوي على كفاية الطالب، لعلي بن أحمد العدوي، تحقيق: يوسف الشيخ البقاعي، دار الفكر، بيروت، لبنان، بدون تاريخ طبع.
28 -
. الحجة على أهل المدينة، لمحمد بن الحسن الشيباني، تحقيق: السيد مهدي حسن الكيلاني القادري، لجنة إحياء المعارف النعمانية، حيد آباد الدكن، عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط: الثالثة، 1403 هـ.
29 -
. حق الجار، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: هشام بن إسماعيل السقا، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع، ط: 1405 هـ.
(ذ)
30 -
. الذهبي ومنهجه في تاريخ الإسلام، للدكتور بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، ط: الأولى، 1429 هـ.
(ر)
31 -
. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، لشهاب الدين محمود بن عبد الله الألوسي، تحقيق علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط: الأولى، 1415 هـ.
(ز)
32 -
. زاد المعاد في هدي خير العباد، لمحمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب وعبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط: السابعة والعشرون، 1415 هـ.
33 -
. الزواجر عن اقتراف الكبائر، لأحمد بن محمد بن حجر الهيتمي، دار الفكر، ط: الأولى، 1407 هـ.
(س)
34 -
. سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد كامل قره، دار الرسالة العالمية، ط: الأولى، 1430 هـ.
35 -
. سنن الترمذي، لمحمد بن عيسى الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، وإبراهيم عطوة، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط: الثانية، 1395 هـ.
36 -
. سنن الدارقطني، لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وجماعة، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط: الأولى، 1424 هـ.
37 -
. سنن النسائي، لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة الحلبي، مكتب المطبوعات الإسلامية، ط: الثانية، 1406 هـ.
38 -
. سير أعلام النبلاء، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: مجموعة من المحققين، بإشراف شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط: الثالثة، 1405 هـ.
39 -
. السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، لمحمد بن علي الشوكاني، دار ابن حزم، ط: الأولى.
(ش)
40 -
. الشرح الكبير على المقنع، لعبد الرحمن بن محمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح الحلو، دار هجر للطباعة والنشر، مصر، القاهرة، ط: الأولى، 1415 هـ.
41 -
. شرح سنن أبي داود، لأحمد بن الحسين بن رسلان الشافعي، تحقيق: عدد من الباحثين، دار الفلاح للبحث العلمي، مصر، ط: الأولى، 1437 هـ.
42 -
. شرح صحيح البخاري، لابن بطال علي بن خلف بن عبد الملك، تحقيق: ياسر إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض، ط: الثانية، 1423 هـ.
43 -
. شرح الصدور بتحريم رفع القبور، لمحمد بن علي الشوكاني، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط: الرابعة، 1408 هـ.
44 -
. شرح مشكاة المصابيح، المعروف بالكاشف عن حقائق السنن، للحسين بن عبد الله الطيبي، تحقيق الدكتور عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط: الأولى، 1417 هـ.
45 -
. الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي، دار الفكر للطباعة والنشر، ط: 1409 هـ.
(ص)
46 -
. صحيح البخاري، المعروف بالجامع الصحيح، لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: جماعة من العلماء، الطبعة السلطانية، المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، مصر، ط: 1311 هـ.
47 -
. صحيح مسلم، المعروف بالجامع المسند الصحيح، لمسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، مصر، القاهرة، ط: 1374 هـ.
(ط)
48 -
. الطب النبوي، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: أحمد رفعت البدراوي، دار إحياء العلوم، بيروت، لبنان، ط: الثالثة، 1410 هـ.
49 -
. الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد الهاشمي، تحقيق: محمد عبد القادر
عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط: الأولى، 1410 هـ.
(ف)
50 -
. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط: 1379 هـ.
51 -
. فتح الباري شرح صحيح البخاري، لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق: محمود بن شعبة وجماعة، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، ط: الأولى، 1417 هـ.
52 -
. فتح الودود في شرح سنن أبي داود، لأبي الحسن السندي، تحقيق: محمد زكي الخولي، مكتبة لينة، مصر، دمنهور، ط: الأولى، 1431 هـ.
(ك)
53 -
. الكبائر، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: محمد بن عوض المصري، دار الميراث النبوي، الجزائر العاصمة، ط: 1437 هـ.
54 -
. كشف المشكل من حديث الصحيحين، لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي الحنبلي، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن، الرياض، بدون تاريخ طبع.
55 -
. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، لمحمد بن يوسف الكرماني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط: الأولى، 1356 هـ.
56 -
. الكوكب الوهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لمحمد الأمين بن عبد الله الهَرري، دار المنهاج، ط: الأولى، 1430 هـ.
(م)
57 -
. مجلة الفقه الإسلامي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، لمجموعة
من العلماء والباحثين، إصدار منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة.
58 -
. المجموع شرح المهذب، ليحيى بن شرف النووي، بتصحيح لجنة من العماء، إدارة الطباعة المنيرية، مصر، القاهرة، ط: 1344 هـ.
59 -
. مجموع فتاوى ابن تيمية، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، ط: 1425 هـ.
60 -
. المحلى بآثار، لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري، دار الفكر، بيروت، لبنان، بدون تاريخ طبع.
61 -
. مختصر اختلاف العلماء، لأبي بكر أحمد بن علي الجصاص الحنفي، تحقيق الدكتور عبد الله نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية بيروت، لبنان، ط: الثانية، 1417 هـ.
62 -
. مختصر الفتاوى المصرية، لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني، اختصرها: محمد بن علي البعلي، تحقيق: الدكتور عبد العزيز العيدان والدكتور أنس اليتامي، دار ركائز للنشر والتوزيع، الكويت، ط: الأولى، 1440 هـ.
63 -
. المدخل، لمحمد بن محمد المالكي، الشهير بابن الحاج، دار التراث، بدون تاريخ طبع.
64 -
. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، لعبيد الله بن محمد المباركفوري، إدارة البحوث العلمية، الجامعة السلفية، بنارس الهند، ط: الثالثة، 1404 هـ.
65 -
. المستدرك على الصحيحين، لمحمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط: الأولى، 1411 هـ.
66 -
. مسند الإمام أحمد، لأحمد بن محمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وجماعة، مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1421 هـ.
67 -
. معالم السنن شرح سنن أبي داود، لحمد بن محمد الخطابي، المطبعة العلمية، حلب، ط: الأولى، 1351 هـ.
68 -
. المغني، لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار عالم الكتب للطباعة والنشر، الرياض، ط: الثالثة، 1417 هـ.
69 -
. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأحمد بن عمر القرطبي، تحقيق: محيي الدين مستو وجماعة، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، ط: الأولى، 1417 هـ.
70 -
. المهذب في اختصار السنن الكبير، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: ياسر بن إبراهيم، دار الوطن للنشر، ط: الأولى، 1422 هـ.
71 -
. مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، لمحمد بن محمد الحطاب المالكي، دار الفكر، ط: الثالثة، 1412 هـ.
72 -
. الموسوعة الفقهية الكويتية، لمجموعة من العلماء والباحثين، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، ط: 1404 هـ.
73 -
. موطأ الإمام مالك، لمالك بن أنس الأصبحي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط: 1406 هـ.
74 -
. الموقظة في علم مصطلح الحديث، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، ط: الثانية، 1412 هـ.
75 -
. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط: الأولى، 1382 هـ.
(ن)
76 -
. النفح الشذي في شرح جامع الترمذي، لمحمد بن محمد ابن سيد الناس
اليعمري، تحقيق الدكتور أحمد معبد عبد الكريم، دار العاصمة، الرياض، ط: الأولى، 1409 هـ.
77 -
. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، مصر، ط: الأولى، 1413 هـ.