الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبْوَابُ الْجَنَائِز
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
بَابُ مَا جَاءَ فِي ثَوَابِ المَريضِ
629 -
(965) - (3/ 288) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يُصِيبُ المُؤْمِنَ شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً".
قالَ: وفي البَاب عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَنَسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَسَدِ بْنِ كُرْزٍ، وَجَابِرِ بْنٍ عَبْدِ اللهِ، وَعبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ، وَأَبِي مُوسَى. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قَالَ: "فَمَا فَوْقَهَا": يمكنُ أنْ يرادَ به ما هو فوقَها بالصِّغْر والقِلَّةِ فيَرْجع إلى ما هو أقَلّ منها، أو ما هو فوقَها في التَّألُّم فيَرْجعُ إلى ما هو أكبرُ منها، وقد فسَّرُوْا بالوجهين قولَه تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}
(2)
والمعنى الأوَّل أنسبُ وأفْيَدُ. والله تعالى أعلم.
630 -
(966) - (3/ 289) سُفْيَانُ بْن وَكيعٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ الْجَنَائِزِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
(2)
البقرة: 26.
الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ، وَلا حَزَنٍ، وَلا وَصَبٍ حَتَّى الهَمُّ يَهُمُّهُ إِلَّا يُكَفِّرُ اللّهُ بِهِ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي هَذَا البَاب، قَالَ: وَسَمِعْتُ الجَارُودَ يَقول: سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقول: لمْ يُسْمَعْ فِي الهَمِّ أَنَّهُ يَكونُ كفّارَةً إِلَّا فِي هَذا الحَدِيثِ، قال: وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: و "نَصَبٍ": - بفتحتين - التَّعَبُ.
• قوله: "وَلا وَصَبٍ": - بفتحتين - المَرَضُ.
• قوله: "من الهَمِّ": قيل: الهَمُّ: الحُزْن بمعنى، وقيل الهَمُّ: للمكروهِ الحَالي، والحزنُ: للمَاضي. وقيل: الحزَنُ خُشُوْنَةٌ في النَّفْس لحصولِ غَمٍّ، والغَمُّ: حُزْنٌ يُذِيْبُ الإنسانَ فهو أخَصُّ من الحزَن. وقيل الهمُّ: بالآتِي، والحزْنُ، بالماضِي، والظَّاهرُ أن المرادَ ههنا أدْنى غَمٍّ ليَظْهُرَ معنى"حَتَّى".
• وقوله: "يَهُمُّهُ": - بفتح ياءٍ، وضَمِّها - أي: يَعْرِضُه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي عِيَادَةِ المَريضِ
631 -
(969) - (3/ 291 - 292) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ ثُويرٍ هُوَ ابْنُ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِي، قَالَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى الحَسَنِ نَعُودُه، فَوَجَدْنَا عِنْدَه أَبَا مُوسَى، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: أَعَائِدًا جِئْتَ يَا أَبَا مُوسَى أَمْ زَائِرًا؟ فَقَالَ: لا بَلْ عَائِدًا، فَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَه عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الجَنَّةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مِنْهُمْ مَنْ وَقَفَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَأَبُو فَاخِتَةَ: اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ عِلاقَةَ.
• قوله: "وإن عَادَ
…
" إلخ، كلمةُ "إنْ" نَافِيةٌ. و"خَرِيْفٌ في الجَنَّةِ"، أي: مخروفٌ من ثِمَارِ الجَنِّةِ. ذكره في "المجمع"
(1)
.
وقال السيوطيُّ في حاشية أبي داود
(2)
: "خَرِيْفٌ في الْجَنَّةِ"، أي: بستانٌ في الجَنَّةِ، بل صَرَّح في حاشية الكتابِ هذا.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 2/ 30.
(2)
راجع: مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود للسيوطي: 2/ 793.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْى عَنْ التَّمَنِّى لِلْمَوْتِ
632 -
(970) - (3/ 292 - 293) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى خَبَّابِ وَقَدِ اكتَوَى فِي بَطْنِهِ، فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ مِنَ البَلاءِ مَا لَقِيتُ، لَقَدْ كُنْتُ وَمَا أَجِدُ دِرْهَمًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي نَاحِيَةٍ مِنْ بَيْتِي أَرْبَعُونَ أَلْفًا، وَلَوْلا أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَوْ نَهَى أَنْ نَتَمَنَّى المَوْتَ لتَمَنَّيْتُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ خَبَّابٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال:"لا تتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَل بِهِ، وَليَقل: اللهُمَّ أحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاة خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّني إذَا كَانَتِ الْوَفَاة خَيْرًا لِي".
• قوله: "اكْتَوَى": من الكَيِّ بالنَّار وهو دَواءٌ لكثيرٍ منَ الأمْرَاض، وقد جاءَ النَّهْي عنة، فيُقَال مَحْمَلُه تركُ الأوْلى؛ لأنَّ النَّهْيَ في قبيل الإرشادِ إلى التَّوَكُّل. وقيل فيمن يرى التَّأثيرَ منه لا فيمن يراه سببًا عادِيًا ويرى أَنَّ الشِّفَاءَ منه تعالى.
• "لا تتَمَنَّيَنَّ": نَهيٌ منه - بالنُّون الثَّقيلةِ - من التَّمَنِّي.
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّعَوُّذ لِلْمَريضِ
633 -
(972) - (3/ 294) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ البَصْرِيُّ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أشْتَكَيْتَ؟ قَالَ:"نَعَمْ"، قَالَ: بِاسْمِ اللّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، وَعَيْنٍ حَاسِدَةٍ، بِاسْمِ اللّهِ أَرْقِيكَ وَاللّهُ يَشْفِيكَ.
• قوله: "أَرْقِيكَ": - بفتح الهَمْزة، وكسر القَاف - والاسم: الرُّقِيَّةُ - بضَمٍّ، فسكودن - وهي العَوذة التي يُرْقَى بِها صاحُبُ آفةٍ كالحُمَّى، والصَّرْعِ وغير ذلك، وما رُوِيَ في النَّهْي عنها محمولٌ على ما لا يُفْهَم من الكَلام وعلى رُقْيَةِ الكَفَرَةِ ونحو ذلك.
• وقوله: "مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ": يحتملُ أنْ يكونَ بَدَلًا من قولِه من كُلِّ شَيءٍ، ويحتملُ أنْ تكونَ كلمةُ "مِنْ" بَيَانِيَّةٌ وهو بيانٌ لشيءٍ، ويحتملُ أنْ يَكُوْنَ مُتَعَلِّقٌ بما بعدَه وهو "أرْقِيْكَ" الثَّاني.
634 -
(973) - (3/ 295 - 294) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِثٌ عَلَى أَنَس بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ ثابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ اشْتَكَيْتُ، فَقَالَ أَنَسٌ: أَفَلَا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ:"اللهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ البَأسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَنَسٍ، وَعَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقُلْتُ لَهُ: رِوَايَةُ عَبْدِ العَزِيزِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَصَحُّ، أَوْ حَدِيثُ عَبْدِ العَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ؟ قَالَ: كِلاهُمَا صَحِيحٌ. وَرَوَى عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ عَنْ أَبيهِ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ.
• قوله: "مُذْهِبَ الْبَأسِ": من الإذْهَاب. و"البَأْسُ": - بالهمزةِ - الشِّدَّةُ والخَوْفُ، والمَرَض.
• وقوله: "شِفَاءً": - بالنَّصب - على أنَّه مصدرُ "اشْفِ"، وما بينَهما اعتراضٌ. ومعنى "لا يُغَادِرُ"، أي: لا يتْرُكُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الحَثِّ عَلَى الوَصِيَّةِ
635 -
(974) - (3/ 295 - 296) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبرنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ وَلَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَة عِنْدَهُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مَا حَقُّ امْرِئٍ
…
" إلخ، قيل: أي: ما الحَزْمُ والاحتياطُ له إلا أنْ تكونَ وَصيَّتهُ مكتوبةً عندَه، وهذا المَعْنى مَرْوِيٌّ عن الشَّافعيِّ وذلك؛ لأنَّه لا يدْرِي متى تُوَافِيْه مَنِيَّتهُ فتَحُوْلُ بينَه وبينَ ما يريدُه من ذلك. وقيل: ما المعروفُ في الأخلاقِ المَحْمُوْدَة إلا هذا، إلا من جِهَةِ الفَرْض.
• وقوله: "يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ": بتقدير "أنْ"، أو بدُوْنِ تقديرِ "أنْ" في معنى المَصْدَر خبرٌ عن الحَقِّ، ومثله قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ}
(1)
. وذِكْرُ "لَيْلتيْن" ليسَ على وجهِ التَّحْدِيْدِ بل على وَجْهِ التَّعْلِيل، أي: لا ينبغي له أنْ يَمْضِيَ عليه زمانٌ.
وأنَّ قولَه: "وَلَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ": حالٌ، أو "يُوْصَى فِيْهِ": على بناءِ المفعولِ صِفَةُ شيءٍ، أي: يَجِبُ فيه أنْ يُوصِيَ مِمَّا له أو عليه، أو مِنْ شأنِه أنْ
(1)
الروم: 24.
يُوْصي فيه، أو على بناءِ المفعول، أي: يريدُ أن يُوْصِيَ فيه كما في رواية
(1)
.
• قوله: "إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ": استثناءٌ من أعَمِّ الأحوالِ، ومنهم من جَعَل "يَبِيْت لَيْلتيْن" صفةَ "مُسْلِمٍ"، وجعل قولَه:"إلا وَوَصِيَّته مَكْتُوْبَة" في مَحَلِّ الخَبر، والنَّظر الصحيحُ اقتضى فسادَه إذ لا يظهرُ لتَصْديرِ جملةِ "وَوَصِيَّتهُ" بالواو وجه، وليسَ فيه عائدٌ إلى الحَقِّ فلا يصلحُ أنْ يكونَ خبرًا عن الحَقِّ، وأيضًا إذا جعل "يَبِيْتُ" صفةً، يصيرُ المعنى أن المسلمَ البائتَ حَقُّه كذا وهو غيرُ مناسبٍ، وإنَّما المناسبُ لا ينبغي للمسلمِ أنْ يبيتَ بلا وَصِيَّةٍ، فافْهَمْ.
(1)
راجع: صحيح مسلم، كتاب الوصية، ح:1627.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الوَصِيَّةِ بالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ
636 -
(975) - (3/ 296 - 297) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَرِيضٌ، فَقَالَ:"أَوْصَيْتَ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:"بِكَمْ؟ "، قُلْتُ: بمَالِي كُلِّهِ فِي سَبيل اللهِ، قَالَ:"فَمَا تَرَكتَ لِوَلَدِكَ؟ "، قُلْتُ: هُمْ أَغنِيَاءُ بخَيْر، قال:"أوْصِ بالعُشْرِ"، فمَا زلْتُ أُنَاقِصُهُ حَتَّى قال:"أوْصِ بالثلثِ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ". قال أبُو عَبْدُ الرَّحْمَن: وَنَحْنُ نَسْتَحِبُّ أنْ يَنْقصَ مِنَ الثُّلُثِ، لِقوْل رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم "وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ".
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ سَعْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقد رُوِيَ عَنهُ مِنْ. غيْرِ وَجْهٍ، وَقد رُوِيَ عَنهُ:"وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، وَيُرْوَى كَبِيرٌ".
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْل العِلْم لا يَرَوْنَ أَنْ يُوصِيَ الرَّجُلُ بأَكثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، وَيَسْتَحِبُّونَ أنْ يَنْقُصَ مِنَ الثُّلُثِ. قال سُفيَانُ الثَّوْريُّ: كَانوا يَسْتَحِبُّونَ فِي الوَصِيَّةِ الخُمُسَ دُونَ الرُّبُعِ، وَالرُّبُعَ دُونَ الثُّلُثِ، وَمَنْ أوْصَى بالثُّلُثِ فلمْ يَتْرُك شَيْئًا وَلا يَجُوزُ لَهُ إِلَّا الثُّلُثُ.
• قوله: "فَقَالَ: أَوْصَيْتَ": على لفظِ الخِطَابِ بتقدير حَرْفِ الاستفهامِ.
• وقوله: "فَمَا زِلْتُ أُنَاقِصُهُ": المشهورُ فيه الصَّادُ المُهْمَلة، أي: أرَاجِعُه في النُّقْصَان، أي: أعُدُّ ما ذكره ناقِصًا، ولو قُرِئ - بمُعجمةٍ - من المُنَاقِضَة لكانَ له وجهٌ، أي: فما زَال يَنْقُضُ قَوْلي، وأنْقُضُ قولَه، والمرادُ: المُرَاجَعَةُ، والمُرَاوَدَةُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَلْقِين المَريضِ عِنْدَ المَوْتِ وَالدُّعَاءِ لَهُ [عِنْدَه]
637 -
(976) - (3/ 297 - 298) حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللّهُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَسُعْدَى المُرِّيَّةِ وَهِيَ امْرَأَة طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيث حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيْحٌ.
• قوله: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ": المراد به مَنْ حضَره الموتُ كما أفاده المصنِّف بتَرْجمةِ الباب وبما سيَذْكُره، وبه جَزمَ النوويُّ
(1)
وغيره، والمراد: ذكِّروه هذه الكلمةَ؛ لتكُونَ آخرَ كلامِه لِمَا في الحديثِ: "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ"
(2)
.
638 -
(977) - (3/ 298 - 299) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ لنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا حَضَرتُمُ المَرِيضَ أَوِ المَيِّتَ فَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ"، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ مَاتَ، قَالَ:"فَقُوليَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ، وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً"، قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَأَعْقَبَني اللّهُ مِنْهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ رَسُول اللّهِ صَلَّى اللّهُ
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 6/ 219.
(2)
راجع: سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب: في التلقين، ح:3116.
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
شَقِيقٌ: هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ أَبُو وَائِلٍ الأسَدِيُّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَقَّنَ المَرِيضُ عِنْدَ المَوْتِ قَوْلَ لا إِلَهَ إِلَّا الله، وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: إِذَا قَالَ ذَلِكَ مَرَّةً فَمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلَقَّنَ، وَلا يُكْثَرَ عَلَيْهِ فِي هَذَا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ: أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاة جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللّه وَأَكْثَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ:"إِذَا قُلْتُ مَرَّةً فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ تكَلَّمْ بِكَلامٍ"، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ عَبْدِ اللّهِ إِنَّمَا أَرَادَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ كَانَ آخِرُ قَوْلهِ لا إِلَهَ إِلَّا اللّه دَخَلَ الجَنَّةَ".
• قوله: "وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً"، أي: أعْطِني بَدلَه عاقبةً حميدةً.
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ عِنْدَ المَوْتِ
639 -
(978) - (3/ 299) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَن ابْن الهَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَرْجِسَ عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشة، أَنَّهَا قالتْ: رَأيْتُ رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالمَوْتِ، وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، وَهُوَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي القَدَحِ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالمَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ:"اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى غَمَرَاتِ المَوْتِ أَوْ سَكَرَاتِ المَوْتِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "وَهُوَ بِالمَوْتِ"، أي: بقُرْبِه، أو مقرونٌ بأسبابه ومقَدَّمَاته. "وغَمَرَاتُ الْمَوْتِ": شدَائدُه، وكذلك "سَكَرَاتُه": شدَائدُه التي تغيِّر عقلَ الإنسانِ كالسكر من الشَّراب.
640 -
(979) - (3/ 300) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاح البَزَّارُ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الحَلَبِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ العَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا أَغْبِطُ أَحَدًا بِهَوْنِ مَوْتٍ بَعْدَ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ مَوْتِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، وَقُلْتُ لَهُ: مَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ العَلاءِ؟ فَقَالَ: هُوَ الْعَلاءُ بْنُ اللَّجْلَاجِ. وَإِنَّمَا أَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "مَا أَغْبِطُ": من غِبْطَةٍ كضَرَبَ وسَمِعَ إذا اشْتَهى أنْ يكونَ له ما لصَاحِبِه، أي: إذا رأيتُ أحدًا قد هانَ عليه الموتُ فما تَمَنَّيْتُ حالَه في هَوْن الموتِ لنَفْسِي.
بَابٌ
641 -
(983) - (3/ 302) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْكُوفِيُّ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَزَّارُ الْبَغْدَادِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ هُوَ ابْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي المَوْتِ، فَقَالَ:"كَيْفَ تَجِدُكَ؟ "، قَالَ: وَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنِّي أرْجُو اللّهَ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فقال رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"لا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا المَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلَا.
• قوله: "وَآمَنَهُ": ضُبِطَ بالمَدِّ والتَّخْفيفِ، والقَصْر والتَّشْدِيد.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّعْي
642 -
(985) - (3/ 303 - 304) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوميُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الوَليدِ العَدَنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ نَحْوَه وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: وَالنَّعْيُ أَذَانٌ بِالمَيِّتِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَنْبَسَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، وَأَبُو حَمْزَةَ هُوَ: مَيْمُونٌ الأعْوَرُ وَلَيْسَ هُوَ بِالقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَبْدِ اللّهِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ النَّعْيَ، وَالنَّعْيُ عِنْدَهُمْ: أَنْ يُنَادَى فِي النَّاسِ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ لِيَشْهَدُوا جَنَازَتَهُ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْم: لا بَأْسَ أَنْ يُعْلِمَ أَهْلَ قَرَابَتِهِ وَإِخوَانهُ. وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال: "لا بَأسَ بِأنْ يُعْلِمَ الرَّجُل قرَابَتَهُ".
643 -
(986) - (3/ 304) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ القُدُّوسِ بْنُ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ سُلَيْمٍ العَبْسِيُّ، عَنْ بِلالِ بْنِ يَحْيَى العَبْسِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، قَالَ: إِذَا مِتُّ فَلا تُؤْذِنُوا بِيْ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ.
• قوله: "إِذَا مِتُّ": بكسر الميمِ أو ضَمِّها.
• وقوله: "فَلا تُؤْذنُوا": من الإيْذَان أو التَّأذين معنى الإعْلام مطلقًا.
• قوله: "وَالنَّعْيُ عِنْدَهُمْ"، أي: حملوا النَّهْيَ على مُطْلَق النَّفْي وهو خبرُ الموتِ كما هو مقتضى كلامِ حذيفةَ على طريقِ الاحْتِمَالاتِ حيث قال "فَإنِّي أخَافُ".
• وقوله: "وَقَالَ بَعْضُهُمْ
…
" إلخ، أي: يَحْمِلُ الحديثَ على نَعْيِ الجَاهِلِيَّةِ.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الصَّبْرَ فِي الصَّدْمَةِ [الأُولَى]
644 -
(987) - (3/ 304 - 305) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الصَّبْرُ فِي الصَّدْمَةِ الأُولَى".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "الصَّدْمُ": ضربُ الشَّيءِ الصُّلْبِ بمِثْلِه، "والصَّدْمَةُ": المَرَّة منه، ثم استعملَ في كلِّ مكروهٍ حصلَ بَغْتَةً، والمعنى الصَّبْرُ الذي يُحْمَدُ عليه صاحِبُه، ويُثاب عليه فاعلُه لجَزيل الأجْر ما كان عندَ مُفَاجَأة المُصِيْبَةِ بخلافِ ما بعدَ ذلك فإنَّه على الأيَّام يَسْلُوْ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَقْبيل المَيِّتِ
645 -
(989) - (3/ 305 - 306) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ وَهُوَ يَبْكِي، أَوْ قَالَ: عَيْنَاه تَذْرِفَانِ.
وَفِي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشةَ. قَالُوا: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَيِّتٌ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "يُهْرَاقَانِ"
(1)
: على بناءِ المفعول، أي: يسِيْلان دموعًا وهو المرادُ بالبُكاء في رواية: "يَبْكِيْ"، لا البكاءُ الذي يظهر منه صوتٌ.
(1)
هكذا في المخطوط، وفي نسخة أحمد شاكر:"تَذْرِفَان" كما ذكر في متن الحديث.
بَابُ مَا جَاءَ فِي غُسْل المَيِّتِ
646 -
(990) - (3/ 306 - 308) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، وَمَنْصُورٌ، وَهِشَامٌ، فَأَمَّا خَالِدٌ، وَهِشَامٌ فَقَالا: عَنْ مُحَمَّدٍ، وَحَفْصَةَ، وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلأثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ، وَاغْسِلْنَهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَاذِنَّنِي"، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَه، فَقَالَ:"أَشْعِرْنَهَا بِهِ".
قَالَ هُشَيْمٌ: وَفِي حَدِيثِ غَيْرِ هَؤُلاءِ: وَلا أَدْرِي وَلَعَلَّ هِشَامًا مِنْهُمْ، قَالَتْ: وَضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلاثةَ قُرُونٍ، قَالَ هُشَيْمٌ: أَظُنُّهُ قَالَ: "فَأَلْقَيْنَاه خَلْفَهَا". قَالَ هشَيْم، فَحَدَّثَنَا خَالِدٌ مِنْ بَيْنِ القَوْمِ عَنْ حَفْصَةَ، وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: وَقَالَ لنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ".
وَفِي البَاب عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَل عَلى هَذا عِنْدَ أهْلِ العِلمِ. وَقدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قال: غُسْلُ المَيِّتِ كَالغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ. وقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لَيْسَ لِغُسْلِ المَيِّتِ عِنْدَنَا حَدٌّ مُؤَقَّتٌ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ وَلَكِنْ يُطَهَّرُ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ قَوْلًا مُجْمَلًا يُغَسَّلُ وَيُنْقَى وَإِذَا أُنْقِيَ المَيِّتُ بِمَاءٍ قَرَاحِ أَوْ مَاءٍ غَيْرِهِ أَجْزَأَ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِهِ، وَلَكِنْ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُغْسَلَ ثَلاثًا فَصَاعِدًا، لَا يُقْصَرُ عَنْ ثَلَاثٍ لِمَا قَالَ رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"اغسِلْنَهَا ثَلَاثا أوْ خَمْسًا"، وَإِنْ أَنْقَوْا فِي أَقَلَّ مِنْ
ثَلاثِ مَرَّاتٍ أَجْزَأَ، وَلا نَرَى أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى الإِنْقَاءِ ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا وَلَمْ يُؤَقِّتْ، وَكَذَلِكَ قَالَ الفُقَهَاءُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَعَانِي الحَدِيثِ. وقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: وَتَكُونُ الغَسَلاتُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَيَكُونُ فِي الآخِرَةِ شَيْءٌ مِنْ كَافُورٍ.
• قوله: "تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم": قال النووي: "زينبُ" هكذا قاله الجمهور. قال بعض أهل السِّيَر: إنَّها أمُّ كلثوم، والصَّواب فنحب. ذكره السيوطي في حاشية النسائي
(1)
.
• قوله: "فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا"، أي: فقال للنِّسَاء الحاضراتِ، وكانت فيهِنَّ: أمُّ عَطِيَّةَ أيضًا.
• وقوله: "أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكِ": - بكسر الكاف - قيل: خطابٌ لأمِّ عَطِيَّةَ، قلتُ: بل لرئِيْسَتِهِنَّ سواءً كانت هي أم غيرُها.
• وقوله: "فَآذِنَّنِي": - بمدِّ الهمزةِ، وتشديدِ النُّونِ الأولى - من الإيْذَان، ويحتملُ أنْ يجعلَ من التأذين والمشهورُ الأوَّل.
• "حِقْوَهُ": مَعْقَد الإزار، ثم يرادُ به الإزار للمُجَاوَرَة وهو بفتح الحاء ويكسر في لغة.
• وقوله: "أَشعِرْنَهَا": من الإشْعار، أي: اجْعَلْنَه شِعارًا لها وهو الثَّوبُ الذي يَلي الجَسَد، وإنَّما أمَرَ بذلك تَبَرُّكًا به.
• قوله: "فِي الآخِرَةِ"، أي: في المَرَّةِ الآخِرَة أو الغَسْلَة الآخِرَةِ.
(1)
راجع: سنن النسائي بشرح السيوطي: 4/ 329.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الغُسْل مِنْ غُسْل المَيِّتِ
647 -
(993) - (3/ 309 - 310) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد المَلِكِ بْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ المُخْتَارِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مِنْ غُسْلِهِ الغُسْلُ، وَمِنْ حَمْلِهِ الوُضُوءُ"، يَعْني: المَيِّتَ.
وَفِي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا.
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي الَّذِي يُغَسِّلُ المَيِّتَ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: إِذَا غَسَّلَ مَيِّتًا فَعَلَيْهِ الغُسْلُ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ الوُضُوءُ. وقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: أَسْتَحِبُّ الغُسْلَ مِنْ غُسْلِ المَيِّتِ، وَلا أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا، وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا أَرْجُو أَنْ لا يَجِبَ عَلَيْهِ الغُسْلُ، وَأَمَّا الوُضُوءُ فَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ، وقَالَ إِسْحَاقُ: لا بدَّ مِنَ الوُضُوءِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: لا يَغْتَسِلُ وَلا تتَوَضَّأُ مَنْ غَسَّلَ المَيِّتَ.
• قوله: "مِنْ غُسْلِهِ الغُسْل":، والغَسْل - بالفتح - مصدر غَسَلَ، و - بالضَّمِّ - الاسم، فالأقربُ أن الأوَّلَ بالفتح والثاني بالضَّمِّ، إذ سببُ وجوبِ الغُسْل أو استحبابِه في حَقِّ الغَاسل فعلُه، ثم الظَّاهر أنَّه ليسَ المرادُ في الحديثِ وجوبُ الغُسْل بمُجَرَّدِ الغَسْل، ووجوبُ الوضوء بمُجَرَّدِ الحَمْل، بل المرادُ أن الغَاسِل عادةً لا يخلو عن إصَابة رَشَاشَةٍ من نَجَاسَةٍ ربما كانَتْ على بدنِ المَيِّتِ ولا يُدْرَى
مكانُه فيحتاجُ إلى الوُضُوء.
قال الخطَّابي: لا أعلَمُ منَ الفُقَهاء مَنْ يُوْجِب الغُسلَ على من غسَّل المَيِّتَ، ولا الوضوءَ على من حَمَلَه ولعلَّه أمرُ ندبِ. وردَّه في "المجمع" فقال: قلتُ: بل هو مسنون
(1)
. وذهب بعضُهم إلىَ وُجُوْبِه، وأكثرُهم جارٍ على أن الغُسْلَ لأجل إصَابَةِ الرَّشَاشَةِ من نَجَاسَتِه وبما كانَتْ على بَدَنِ المَيِّتِ ولا يُدْرَى مكانُه.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 4/ 37.
بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الأَكْفَان
648 -
(994) - (3/ 310 - 311) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "البَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ البَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ".
وَفِي البَاب عَنْ سَمُرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ أَهْلُ العِلْمِ. وقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا. وقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَيْنَا أَنْ يُكَفَّنَ فِيهَا البَيَاضُ، وَيُسْتَحَبُّ حُسْنُ الكَفَنِ.
• قوله: "البَسُوا": بفتح الباء. والمرادُ بـ "البَيَاضِ": الثِّيابُ البِيضُ، ولذا قال:"إنَّهَا" بجَمْع الضَّمير.
بَابٌ [مِنْهُ]
649 -
(995) - (3/ 311 - 312) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْن عَمَّارٍ، عَنْ هِشَامِ بْن حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِيرِينَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وَليَ أَحَدُكمْ أَخَاه فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ". وَفِيهِ عَنْ جَابِرٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: قَالَ سَلَّامُ بْن أَبِي مُطِيعٍ فِي قَوْلهِ: "وَلْيُحَسِّنْ أَحَدُكُمْ كفَنَ أَخِيهِ"، قَالَ: هُوَ الصَّفَاءُ وَلَيْسَ بِالمُرْتَفِعِ.
• قوله: "فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ": قيل كَفْنه - بسُكون الفاءِ - مصدرٌ، أي: تَكْفِيْنه، فيَشْمَل الثَّوبَ وهَيْئَته وعَمَله، والمعروف الفتحُ. قال النَّووي في "شرح المُهَذَّبِ": هو الصَّحيحُ. قال أصحابُنا: والمراد بتَحْسِيْنِه بياضُه، ونظافَتُه، وسُبُوْغُه، وكثافَتُه لا كُوْنُه ثمينًا لحديثِ النَّهْي عن المُغَالاتِ. انتهى
(1)
.
(1)
راجع: كتاب المجموع شرح المهذب للنووي: 5/ 155.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَمْ كُفِّنَ النَّبيُّ صَلَّى اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
650 -
(996) - (3/ 312) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْن غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:"كُفِّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيْضٍ يَمَانِيَةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ". قَالَ: فَذَكَرُوا لِعَائِشَةَ قَوْلَهُمْ: فِي ثَوْبَيْن وَبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَقَالَتْ: قَدْ أُتِيَ بالبُرْدِ وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوْهُ، وَلَمْ يُكَفِّنُوْهُ فِيهِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَثْوَاب بِيْض": أخذَ منه استحبابُ بياض الكَفْن؛ لأنَّ الله تعالى لم يكن يختارُ لِنَبِيِّه صلى الله تعالى عليه وسلم إلا الأفضلَ.
• وقوله: "يَمَانِيَةٍ": - بتخفيف الياء - منسوب إلى اليَمَن، والأصلُ يَمَنِيَّة - بالتَّشْديد - خُفِّفَ بإحْدَى يايَي النِّسْبة، وعُوِّضَ منها الألف.
• وقوله: "لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ
…
"إلخ، الجمهورُ على أنَّه لم يكن في الثِّيَابِ التي كُفِّنَ فيها صلى الله تعالى عليه وسلم قميصٌ ولا عِمَامَةٌ أصلا، وقيل ما كان القميصُ ولا العِمَامةُ من الثَّلاثَة بل كان زَائِدَيْن على الثَّلاثة.
قال العراقيُّ
(1)
:
(1)
هو: الحافظ أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن الكردي، الرازياني الأصل، المهراني، المصري، الشافعي، المعروف بـ:"العراقي"، ولد في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبع مائة، قدم به أبوه من رازيان إلى مصر وهو صغير فتعلم ونبغ فيها، =
وهو خلافُ ظاهرِ الحديثِ
(1)
. قلتُ: بل يَرُدُّه حديثُ أبي بكرٍ رضي اللّهُ تعالى عنه: "في كَمْ كُفِّنَ رَسُوْلُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "؟ فقالت عائشةُ رضي اللّه تعالى عنها: "في ثَلاثَةِ أثْوَابٍ"، فقال أبو بكر رضي اللّه تعالى عنه لثَوب عليه:"كَفِّنُوْنِي فيه مَعَ ثَوْبَيْن آخَرَيْن" وهو حديثٌ صحيح
(2)
.
651 -
(997) - (3/ 313) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْن السَّرِيِّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْد اللّهِ بْن مُحَمَّدِ بْن عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد اللّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كفَّنَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْد المُطَّلِبِ فِي نَمِرَةٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْد اللّهِ بْن مُغَفَّلٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ فِي كَفَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَصَحُّ الأحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي كفَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَالعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُكَفَّنُ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، إِنْ شِئْتَ: فِي قَمِيصٍ وَلفَافَتَيْنِ، وَإِنْ شِئْتَ فِي ثَلاثِ لَفَائِفَ، وَيُجْزِئ ثَوْبٌ وَاحِدٌ إِنْ لَمْ يَجِدُوا ثَوْبَيْنِ، وَالثَّوْبَانِ يُجْزِئانِ، وَالثَّلَاثَةُ لِمَنْ وَجَدَهَا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ
= وقام برحلة إلى الحجاز، والشام، وفلسطين، وعاد إلى مصر، فتوفي بالقاهرة ثامن شعبان سنة ست وثمان مائة. من تصانيفه:"المغني عن حمل الأسفار في الأسفار"، و"نكت منهاج البيضاوي"، و"نظم الدرر السنية"، و"طرح التثريب في شرح التقريب" وغير ذلك. راجع لترجمته: طبقات الحفاظ: 543، الضوء اللامع: 171، والأعلام للزركلي: 3/ 344.
(1)
راجع: طرح التثريب في شرح التقريب للحافظ العراقي: 3/ 275، 276.
(2)
راجع: موطأ الإمام مالك بن أنس: 2/ 189، ح: 575، ومسند الإمام أحمد بن حنبل: 10/ 34، ح:24850.
الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالُوا: تُكَفَّنُ المَرْأَة فِي خَمْسَةِ أثوَابٍ.
• قوله: "نَمِرَةٍ": - بفتح نونٍ، وكسر ميمٍ - بُرْدَةٌ من صُوْفٍ أو غيره مخَطَّطَةٌ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامَ يُصْنَعُ لِأَهْلِ المَيِّتِ
652 -
(998) - (3/ 314) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، وَعَلِيُّ بْن حُجْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْن عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْن خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّه بْن جَعْفَرٍ قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اصْنَعُوا لِأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى أَهْلِ المَيِّتِ شَيْءٌ لِشُغْلِهِمْ بِالمُصِيبَةِ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيِّ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَجَعْفَرُ بْن خَالِدٍ هُوَ ابْنُ سَارَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ ابْنُ جريجٍ.
• قوله: "نَعْيُ جَعْفَرٍ": هو - بفتح نونٍ، وسكونِ عَينٍ، وتخفيفِ ياءٍ - خبرُ المَوْتِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْي عَنْ ضَرْب الخُدُودِ وَشَقِّ الجُيُوب عِنْدَ المُصِيبَة
653 -
(999) - (3/ 315) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زُبَيْدٌ الأيَامِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللّه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الجُيُوبَ، وَضَرَبَ الخُدُودَ، وَدَعَا بِدَعْوَةِ الجَاهِلِيَّةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَيْسَ مِنَّا"، أي: من أتْبَاعِ سُنَّتِنَا أو من أهل قُرْبِنا.
• "مَنْ شَقَّ الْجُيُوْبَ": الشَّقُّ: القَطْع، وجيبُ القميصِ معلومٌ.
• وقوله: "وَدَعَا بِدَعْوَةِ الجَاهِلِيَّةِ": نحو أن يتكَلَّمَ بكلمةِ الكفر عندَ النِّيَاحَةِ أو يُحِلُّ حَرامًا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كرَاهِيَةِ النَّوْحِ
654 -
(1000) - (3/ 315 - 316) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا قُرَّانُ بْن تَمَّامٍ، وَمَرْوَانُ بْن مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَعِيدِ بْن عُبَيْدٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن رَبِيعَةَ الأسَدِيِّ، قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنَ الأنصَارِ يُقَالُ لَهُ: قَرَظَةُ بْنُ كعْبٍ، فَنِيحَ عَلَيْهِ، فَجَاءَ المُغِيرَة بْنُ شُعْبَةَ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا بَالُ النَّوْحِ فِي الإِسْلامِ، أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ عُذِّبَ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ".
قَالَ: وفِي الباب عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي مُوسَى، وَقَيْسِ بْن عَاصِمٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وجُنَادَةَ بْنِ مَالِكٍ، وَأَنَسٍ، وَأُمِّ عَطِيَّةَ، وَسَمُرَةَ، وَأَبِي مَالِكٍ الأشْعَرِيِّ. قَالَ أبوْ عِيْسَى: حَدِيثُ المُغِيرَةِ حَدِيثٌ غَرِيْبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مَنْ نِيحَ": نيحَ كبيْعَ من النِّيَاحَة، و"مَنْ" شرطيةٌ أو موصولةٌ و"مَا" في قوله:"مَا نِيْحَ" مصدريَّةٌ حِيْنِيَّةٌ، أي: عُذِّبَ مدَّةَ النِّيَاحَةِ عليه.
655 -
(1001) - (3/ 316) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْن غَيْلَانَ، حَدَّثنَا أَبُو دَاوُدَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، وَالمَسْعُودِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْن مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِي الرَّبيِعِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ لَنْ يَدَعَهُنَّ النَّاسُ: النَّيَاحَةُ، وَالطَّعْنُ فِي الأحْسَابِ، وَالعَدْوَى أَجْرَبَ بَعِيرٌ فَأَجْرَبَ مِائَةَ بَعِيرٍ، مَنْ أَجْرَبَ البَعيِرَ الأَوَّلَ، وَالأَنوَاءُ مُطِرْنَا بِنَوْءٍ كَذَا وَكذَا".
قَال أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "أرْبَعٌ"، أي: أربعُ خِصَالٍ، أو خصالٌ أربع فهو مبتدأ لتَخْصِيْصِه بالإضَافةِ أو الصِّفَةِ.
• وقوله: "فِي أُمَّتِي": خبَرٌ، أي: تدُوْمُ وتَبْقَى في طائِفَةٍ منهم.
• وقوله: "مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ": حالٌ من ضمير الخَبَر، أي: حالَ كَوْنِها من أمرِ الجَاهِلِيَّةِ.
• وقوله: "لَنْ يَدَعَهُنَّ النَّاسُ": تأكيدٌ لقوله: "فِي أمَّتِيْ".
• "وَالطَّعْنُ": القَدْح. و"الحَسَبُ": الشَّرَفُ بالآباءِ وما بعدَه للمَرْءِ من مَفَاخِرهم، وقيل: الحَسَب شرفُ النَّفس لا من جِهَة الآباءِ، ويُقَابِلُه النَّسَبُ وهو الشَّرَفُ من جِهَتِهم، والمرادُ: الوقوعُ في أعراضِ النَّاسِ بالذَّم والغِيْبة ونحو ذلك.
• "وَالعَدْوَى": مُجَاوَزَةُ العِلَّةِ، والخلق إلى الغَير، وكانوا يَزْعُمُوْن أن البعيرَ الأجربَ يَتَعَدَّى منه الجَرَبُ إلى الصَّحيحِ إذَا خَالَطَه، وقد أبْطَلَه الشَّارعُ بقوله:"لا عَدْوَى" لكن ذاك أمر ثابتٌ في طائفةٍ من النَّاس.
• وقوله: "أَجْرَبَ": بيانٌ لثُبوتِ العَدْوَى فيهم، أي: يقولُوْن: "أجْرِبَ": - على بناء المفعول - أي: أصَابَه الجربُ.
• وقوله: "فَأَجْرَبَ": يحتمل أنَّه للفاعِل، أي: فأعْدَى ذلك الإبلُ الجَرَبَ إلى مائة، ويحتمل أنَّه للمفعول، أي: فأصَاب الجربُ بسبِبه إلى مائةٍ.
• وقوله: "مَنْ أَجْرَبَ البَعِيرَ الأوَّلَ": - على بناء الفاعل - إنكارٌ عليهم وبيانٌ لقِلَّةِ تَفَكُّرِهم حيثُ لا يتفكرونَ في الأوَّل أنَّه من أيْنَ جاءَ الجربُ.
• "وَالأَنوَاءُ": جمعُ نَوْءٍ بمعنى الطُّلُوْع والغُروب من الأضدادِ، وكانوا يَزْعُمُوْن أن المَطرَ لأجل أنَّ الكوكبَ نَاءَ، أي: غرب أو طَلَع، فكانوا يقولون:"مُطِرْنَا بنَوْءِ كَذَا": - على بناءِ المفعول - أي: أصابَنا المطرُ بسبب طُلُوْع الكَوْكَب الفُلانِيِّ أَو غُرُوبِه وهذا مِمَّا نَهي عنه الشَّارعُ لكن طائفةً لا تفارقُه.
[بابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ البُكَاءِ عَلَى المَيِّتِ]
656 -
(1003) - (3/ 317 - 318) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَني أَسِيدُ بْن أَبِي أَسِيدٍ أَنَّ مُوسَى بْنَ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيَّ، أَخْبَرَه عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكيهِ، فَيَقُولُ: وَاجَبَلَاهْ وَاسَيِّدَاهْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إِلَّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ: أَهَكَذَا كنْتَ؟ "
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "يَلْهَز": اللَّهْز: الضَّربُ بجَمْع الكَفِّ في الصَّدْر، ولَهَزَه بالرُّمْح إذا طَعَنَه به "مجمع"
(1)
.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 4/ 518.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي البُكَاءِ عَلَى المَيِّتِ
657 -
(1004) - (3/ 315 - 316) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ المُهَلَّبِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَرْحَمُهُ اللّهُ، لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ وَهِمَ، إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ مَاتَ يَهُودِيًّا:"إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَائِشَةَ. وَقَدْ ذَهَبَ أَهْلُ العِلْمِ إِلَى هَذَا، وَتَأَوَّلُوا هَذِهِ الآيَةَ:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
(1)
وَهُوَ قَول الشَّافِعِيِّ.
• قوله: "ببُكَاءِ الحَيِّ": الظَّاهر أن الحَيَّ في مُقَابَلةِ المَيِّتِ أريد به غير الميِّت، ويحتمل أنَّ المرادَ به القَبيلةُ، أي: ببكاءِ حَيِّه وقَبِيْلَتِه ليُوافِقَ روايةَ: "ببُكَاءِ أهْلِهِ".
• قوله: "فَقَالَتْ عَائِشَةُ
…
" إلخ، إنكارُ عائشةَ لعَدم بُلوغِ الخَبر إليها من وجهٍ آخَر، فحملت الخبرَ على الخبرِ المعلومِ عندَها بواسِطَةِ ما ظَهَر لها من اسْتِبْعادِ أنْ يُعَذَّبَ أحدٌ بذنْبِ آخَر، وقد قال:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
(2)
لكن الحديثَ ثابتٌ بوجوهٍ كثيرةٍ، وله معنى صحيحٌ وهو حَمْلُه على ما إذَا رَضِيَ المَيِّتُ
(1)
الأنعام: 164.
(2)
الأنعام: 164.
ببُكَائِهم وأوْصَى به، أو عَلِم من دأبِهم أنَّهم يَبْكُوْنَ عليه ولم يَمْنَعْهم عن ذلك فلا وجهَ للإنْكارِ ولا إشكالَ في الحديثِ. واللّه تعالى أعلم.
• قوله: "وَتَأَوَّلُوا هَذِهِ الآيَةَ"، أي: أيَّدُوْه بتأويل هذه الآيةِ، ومُوَافَقَة تأوُّلِه هذا القولِ.
658 -
(1005) - (3/ 319) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبرنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، فَوَجَدَه يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَتَبْكِي، وَلَمْ تَكُنْ نَهَيْتَ عَنِ البُكَاءِ؟ قَالَ:"لا، وَلَكِنْ نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، خَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ". وَفِي الحَدِيِثِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "يَجُودُ بِنَفْسِهِ"، أي: يُخْرِجُها ويَدْفَعُها كما يدفعُ الإنسانُ مالَه يَجُوْدُ به يريدُ أنَّه في النَّزْع وسياقِ المَوْت.
• قوله: "فِي حَجْرِهِ": هو - بتقديم المُهملةِ المفتوحةِ على الجيم السَّاكنة - الثَّوبُ، والحِضْنُ.
• وقوله: "نَهَيْتَ". في الموضِعَيْن مَبْنِيٌّ للفَاعل أو المفعول.
• وقوله: "صَوْتٍ": بالجَرِّ. و "خَمْشِ وُجُوهٍ": مصدرُ خَمَشَتِ المرأةُ وَجْهَهَا إذا قَشَّرَتْه بالأظْفار.
• "وَرَنَّة" - بفتح راءٍ، وتشديدِ نونٍ - صوتٌ مع بُكاءٍ فيه تَرَجُّعٌ كالقَلْقَلَة، واللَّقْلَقَةِ. وقد حمَلها النوويُّ على الغِناء والمَزامير، فتكونُ الرَّنَّةُ هي الصَّوتُ الثاني. وحَمَلها العراقيُّ على رَنَّةِ النَّوحِ فهي الصَّوتُ الأوَّل، والعَطفُ لمُغَايَرةِ اللَّفظِ، والثاني غير مذكورٍ ههنا اختصارًا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المَشْي خَلْفَ الجَنَازَةِ
659 -
(1011) - (3/ 323 - 324) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى إِمَامِ بَنِي تَيْمِ اللّهِ، عَنْ أَبِي مَاجِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ المَشْيِ خَلْفَ الجَنَازَةِ؟ قَالَ: "مَا دُونَ الخَبَبِ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا عَجَّلْتُمُوه، وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَلا يُبَعَّدُ إِلَّا أَهْلُ النَّارِ، الجَنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلا تَتْبَعُ، وَلَيْسَ مِنْهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْن مَسْعُودٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يُضَعِّفُ حَدِيثَ أَبِي مَاجِدٍ هَذَا. وقَالَ مُحَمَّد: قَالَ الحُمَيْدِيُّ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنهَ: قِيلَ لِيَحْيىَ، مَنْ أَبُو مَاجِدٍ هَذَا؟ قَالَ: طَائِرٌ طَارَ فَحَدَّثَنَا.
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ إِلَى هَذَا، رَأَوْا أَنَّ المَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاق.
وَأَبُو مَاجِدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لا يُعْرَفُ، إِنَّمَا يُرْوَى عَنْهُ حَدِيثَانِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَيَحْيىَ إِمَامُ بَنِي تَيْمِ اللّهِ ثِقَةٌ، يُكْنَى أَبَا الحَارِثِ، وَيُقَالُ لَهُ يَحْيَى الجَابِرُ، وَيُقَالُ لَهُ يَحْيَى المُجْبِرُ أيضًا، وَهُوَ كُوفِيٌّ، رَوَى لَهُ شعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو الأحْوَصِ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ.
• قوله: "وَلا تَتْبَعُ": على بناء الفاعل - بالتَّخفيفِ -، أي: ولَيْسَتْ بتابعةٍ.
• وقوله: "وَلَيْسَ مِنْهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا": هكذَا في غالبِ نُسَخ التِّرمذيِّ، أي: ليسَ من تَوابِعِها وحَمَلَتِها وأصحابِها، وفي نسخةٍ "مِنَّا"، أَي: من أتْباع سُنَّتِنَا، والأقربُ إلى الذِّهْن وليسَ معها مَنْ تقدَّمها، ثم راجعتُ "المجمعَ"، فرأيت فيه نقَلَه بعلامة:"الْجَنَازَة مَتْبُوْعَةٌ وَلا تُتْبَعُ": هو صفةٌ مؤكَّدةٌ، أي: متبوعةٌ غير تابعةٍ.
• قوله: "وَلَيْسَ مِنْهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا": تقريرٌ بعد تقريرٍ، أي: ليسَ المُتَقَدِّمُ مِمَّنْ يَتْبَعُها فلا يثابُ. انتهى
(1)
.
قلتُ: قوله: "وَلا تُتْبَعُ": فائِدَتُه بيانُ أنَّها متبوعة مَحَضَّةٌ ولا تكونُ تابعةً أصلا، لا أنَّها تابعةٌ من وجهٍ، وعلى هذا المعنى العطف - كما في نسخ الترمذي - أقربُ. واللّه تعالى أعلم.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 1/ 251.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الرُّكُوبِ خَلْفَ الجَنَازَةِ
660 -
(1013) - (3/ 325) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: "كنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَنَازَةِ ابْنِ الدَّحْدَاحِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ يَسْعَى وَنَحْنُ حَوْلَهُ وَهُوَ يتَوَقَّصُ بِهِ".
• قوله: "ابْن الدَّحْدَاحِ": بَدَالَيْن، وحَائَيْن مهملاتٍ.
661 -
(1014) - (3/ 325) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الهَاشمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ عَنْ الجَرَّاحِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْن سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّبَعَ جَنَازَةَ ابْنِ الدَّحْدَاحِ مَاشِيًا، وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "اتَّبَعَ": بتشديد التَّاء.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الإسْرَاعِ بالجَنَازَةِ
662 -
(1015) - (3/ 326) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَسْرِعُوا بِالجَنَازَةِ، فَإِنْ يَكُنْ خَيْرًا تُقَدِّمُوهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ يَكُنْ شَرًّا تَضَعُوهُ عَنْ رِقَابِكُمْ".
وَفِي البَاب عَنْ أَبِي بَكْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَسْرِعُوا": أمرٌ من الإسْراع، الظَّاهر أن المرادَ به الإسراعُ بحَمْلِها إلى قَبْرها، وقيل: الإسراعُ بتَجْهِيْزِها، وعلى الأوَّل المرادُ شِدَّة المَشْيِ لكن دونَ الخَبَبِ كما تقدَّم في حديثِ ابن مسعودٍ، والمعنى الثَّاني قد ردَّه غيرُ واحدٍ؛ لأنَّه لا يُنَاسِب "تَضَعُوْنَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ"، وردَّ بأنَّ الحملَ على الرِّقابِ كنايةٌ عن ثِقْل مَنْ لا خيرَ فيه، والمعنى تَسْتَريْحُون مِنْ نَظْر مَنْ لا خيرَ فيه.
• و"الجَنَازَة": - بالفتح، والكسر - المَيِّتُ محمولًا على سريره، وقيل: بالكسر: السَّرير، وبالفتح: المَيِّتُ، وقيل: بالعكس، وضمير "يَكُ": للجَنازةِ بالنَّظْر إلى أنَّ المرادَ: المَيِّتُ، وضميرُ "إلَيْهِ"، و"تَضَعُوْهُ" للخَيْر والشَّرِّ مطلقًا. وفي بعض النُّسَخ "تَضَعُوْنَهُ" بإثْباتِ النُّونِ، والأوْجه "تَضَعُوْهُ" بالحذف كما في بعض النسخ المُصَحَّحةِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ وَذكْرِ حَمْزَةَ
663 -
(1016) - (3/ 326 - 327) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنسِ بْن مَالِكٍ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَمْزَةَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَرَآهُ قَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ:"لَوْلا أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا لَتَركتُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ العَافِيَةُ حَتَّى يُحْشَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ بُطُونِهَا"، قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِنَمِرَةٍ فَكَفَّنَهُ فِيهَا، فكَانَتْ إِذَا مُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا مُدَّتْ عَلَى رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ، قَالَ: فَكَثُرَ القَتْلَى وَقَلَّتِ الثِّيَابُ، قَالَ: فَكُفِّنَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالثَّلاثَةُ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، ثُمَّ يُدْفَنُونَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْال عَنهمْ:"ايهم أَكْثَر قُرْآنًا"، فيُقدمُهُ إِلى القِبْلةِ، قال: فدَفَنَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ. النَّمِرَة: الكِسَاءُ الخَلَقُ. وَقَدْ خُولِفَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فِي رِوَايَةِ هَذَا الحَدِيثِ، فَرَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن كعْبِ بْن مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَرَوَى مَعْمَر عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن ثَعْلَبَةَ، عَنْ جَابِرٍ، وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَه عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنسٍ إِلَّا أُسَامَةُ بْن زَيْدٍ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثُ اللَّيْثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرٍ أَصَحُّ.
• قوله: "قَدْ مُثِّلَ بِهِ": - بضَمِّ، فكسر مع التَّخفيفِ والتَّشْديدِ - للمُبَالَغَةِ، والاسمُ: المُثْلةُ، وهي تَعْذِيْبُ الحيوانِ أو المقتولِ بقَطْع أعْضَائِه، وتَشْويهُ وَجْهِه
قبلَ أنْ يُقْتَلَ أو بعدَه بأن يُجْدَعَ أنْفُه أو أذُنُه ونحو ذلك.
• وقوله: "أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ"، أي: تَحْزَن وتَجْزِعَ.
• و"العَافِيَةُ": كلُّ طالبِ رِزْقٍ من أنْواعِ الحيوانِ، والمرادُ السِّبَاعُ والطُّيور التي تأكُلُ الأمواتَ، والجمعُ: العَوافِي، وكانَ ذلك لِيَتِمَّ به الأجرُ له ويَكْمُلَ، ويكونُ كُلُّ البَدَنِ مصروفًا في سبِيْلِه تعالى، أو كأنَّه لبيانِ أنَّه ليسَ عليه فيما فعلوا به من المُثْلةِ تعذيبٌ حتى أن دَفنَه وتركَه سواءٌ.
• وقوله: "بِنَمِرَةٍ": - بفتح، وكسر - بُرْدَةٌ من صُوفٍ أو غيره مُخَطَّطَةٌ.
• وقوله: "بَدَتْ"، أي: انْكَشَفَتْ.
بَابٌ آخَرُ
664 -
(1017) - (3/ 328) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ مُسْلِمٍ الأعْوَرِ، عَنْ أَنَسٍ بْن مَالِكٍ، قَالَ:"كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُ المَرِيضَ، وَيَشْهَدُ الْجَنَازَةَ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ"، وَكَانَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حِمَارٍ مَخْطُومٍ بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ، عَلَيْهِ إِكَافُ لِيفٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ. وَمُسْلِمٌ الأعْوَرُ يُضَعَّفُ، وَهُوَ مُسْلِمُ بْنُ كَيْسَانَ المُلائِيُّ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ.
• قوله: "يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ": بالتَّصغيرِ. و"الخِطَام": هو الحَبْل الذي يُقَادُ به البعيرُ ونحوُه. و"الإكافُ": وَالْوِكَاف: للحِمَار كالسَّرج للفَرْس، و"إِكَافُ لِيفٍ" بالإضَافة، وبتَرْكِها على البَدَلِيَّةِ.
[بابٌ آخَرُ]
665 -
(1019) - (3/ 330) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ عِمْرَانَ بْن أَنسٍ المَكِّيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اذْكرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ، وَكفُّوا عَنْ مَسَاوئهِمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: عِمْرَانُ بْنُ أَن المَكِّيُّ مُنْكَرُ الحَدِيثِ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ: وَعِمْرَانُ بْنُ أَبِي أنَسٍ مِصْرِيٌّ أَقْدَمُ وَأَثْبَتُ مِنْ عِمْرَانَ بْن أَنسٍ المَكِّيِّ.
• قول: "اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ": كأنَّه لمُرَاعاةِ ما وردَ: "مَنْ أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَهُوَ فِي النَّارِ"
(1)
.
(1)
راجع: صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب: ثناء الناس على الميت، ح: 1367، وصحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب فيمن يثنى عليه خيرا أو شرا من الموتى، ح:949.
بَابُ مَا جَاءَ في الجُلُوس قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ
666 -
(1020) - (3/ 331) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْن عِيسَى عَنْ بِشْرِ بْن رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن سُلَيْمَانَ بْن جُنَادَةَ بْن أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اتَّبَعَ الجَنَازَةَ لَمْ يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ، فَعَرَضَ لَهُ حَبْرٌ، فَقَالَ: هَكَذَا نَصْنَعُ يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ:"خَالِفُوهُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيبٌ، وَبِشْرُ بْنُ رَافِعٍ لَيْسَ بِالقَوِيِّ فِي الحَدِيثِ.
• قوله: "اتَّبَعَ": بتشديد التاء. " والحَبْر": - بالفتح، والكسر - العَالِم، واشْتَهر هذا الاسمُ في علماءِ اليَهُوْدِ وهو المرادُ.
• وقوله: "خَالِفُوهُمْ"، أي: اليهودَ.
بَابُ مَا جَاءَ فَضْل المُصِيبَةِ إذَا احْتَسَبَ
667 -
(1021) - (3/ 332) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ المُبَارَكِ عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، قَالَ: دَفَنْتُ ابْني سِنَانًا، وَأَبُو طَلْحَةَ الخَوْلانِيُّ جَالِسٌ عَلَى شَفِيرِ القَبْرِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ الخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي، فَقَالَ: أَلا أُبَشِّرُكَ يَا أَبَا سِنَانٍ؟ قُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ: حَدَّثَني الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَرْزَبٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا مَاتَ ولَدُ العَبْدِ قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "إِذَا احْتَسَبَ": على بناءِ الفاعل، أي: صَاحِبُها.
• قوله: "شَفِيْرِ القَبْرِ"، أي: طَرفه.
• وقوله: "قَبَضْتُمْ": بتقدير حرفِ الاستفهام بقرينةِ الجَوابِ، ولعَلَّ السؤالَ لإظهارِ فضيلةِ العَبْدِ عندَ الملائكةِ.
• و"الْفُؤَادُ": القلبُ، وسُمِّيَ الولدُ ثمرةَ الفؤادِ؛ لأنَّه خلاصةُ مَا يُحِبُّه الفؤادُ؛ ولأنَّ الإنسانَ كثيرًا ما يشتاقُ إلى الوَلَدِ، ثم يُبَاشِر أسبابَ حُصولِه فيحصلُ بعد ذلك، فيصيرُ كأنَّه ثمرةٌ ونتيجةٌ لتلك المَحَبَّةِ السَّابقةِ.
• وقوله: "يَسْتَرْجِعُ"، أي: قال: إنَّا للهِ وإنَّا إليه رَاجِعُوْنَ.
بَابُ مَا جَاءَ في التَّكْبيرِ عَلَى الجَنَازَةِ
668 -
(1022) - (3/ 333) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَن الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلّى عَلَى النَّجَاشِيِّ فَكَبَّر أَرْبَعًا.
وَفِى البَاب عَن ابْن عَبَّاس، وَابْن أَبى أَوْفَى، وَجَابرٍ، وَيَزيدَ بْن ثَابتٍ، وَأنَسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَيَزِيدُ بْن ثَابِتٍ هُوَ أخُو زَيْدِ بْن ثابِتٍ، وَهُوَ أكبر مِنهُ شَهِدَ بَدْرًا وَزَيْدٌ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: يَرَوْنَ التَّكْبِيرَ عَلَى الجَنَازَةِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكِ بْن أَنسٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "عَلَى النَّجَاشِيِّ": قال الزَّرْكَشِيُّ
(1)
: فيه ثلاثُ لغاتٍ: تشديدُ الياء مع فتح النُّون، وكسرِها، وتخفيفُ الياءِ مع فتح النُّون
(2)
.
(1)
هو: الإمام العلامة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي، تركي الأصل، ولد بمصر سنة خمس وأربعين وسبع مائة، كان فقيها، أصوليا، أديبا، فاضلا في جميع ذلك. درَّس وأفتى، وولي خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى، له تصانيف كثيرة في عدة فنون، منها:"الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة"، و"البحر المحيط"، و"إعلام الساجد بأحكام المساجد"، و"الديباج في توضيح المنهاج"، و"التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح " وغير ذلك. توفي بمصر في رجب، سنة أربع وتسعين وسبع مائة.
راجع لترجمته: 8/ 572، الدرر الكامنة: 3/ 397، والأعلام للزركلي: 6/ 60.
(2)
راجع: التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح للزركشي: 304.
بَابُ مَا يَقُولُ في الصَّلَاةِ عَلَى المَيِّتِ
669 -
(1024)(3/ 334 - 335) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا هِقْلُ بْن زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَني أَبُو إِبْرَاهِيمَ الأشْهَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى عَلَى الجَنَازَةِ، قَالَ:"اللهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكرِنَا وَأُنْثَانَا".
قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ، وَزَادَ فِيهِ:"اللهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ".
وفِي البَاب عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَعَوْفِ بْن مَالِك، وَجَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ وَالدِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى هِشَامٌ الدَّسْتُوَائيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، وَرَوَى عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَتِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَحَدِيثُ عِكْرِمَةَ بْن عَمَّارٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَعِكْرِمَةُ رُبَّمَا يَهِمُ في حَدِيثِ يَحْيَى، وَرُوِى عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ فِي هذا حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثيرٍ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الأشْهَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِ
أَبِي إِبْرَاهِيمَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ.
• قوله: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا
…
" إلخ، المقصودُ في مثلِه تعميمُ المَغْفرَةِ فلا إشكالَ بأنَّ المغفرةَ مَسْبُوْقةٌ بالذُّنوبِ فكيف تَتَعَلَّقُ بالصَّغيرَ ولا ذنبَ [له].
• قول: "الإِسْلام": هو التَّمَسُّكُ بالأركانِ الظَّاهِرِيَّةِ وهذا لا يتأتَّى إلا في حالةِ الحَياةِ، وأمَّا الإيمانُ فهو التَّصْديقُ البَاطِنِيُّ وهو المطلوبُ عليه الوفاة، فقد اخْتَصَّ الأوَّلَ بالإحْياءِ والثاني بالإمَاتةِ.
670 -
(1025) - (3/ 336) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْن صَالِحٍ عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن جُبَيْرِ بْن نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: سَممِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى مَيِّتٍ، فَفَهِمْتُ مِنْ صَلاتِهِ عَلَيْهِ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، وَاغْسِلْهُ بِالبَرَدِ، وَاغْسِلْهُ كمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح، قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصَحُّ شَيءٍ فِي هَذَا البَابِ هَذَا الحَدِيثُ.
• قوله: "بِالبَرَدِ": - بفتحتين - حبُّ الغَمام، وهو لكونِه مصونًا من مَسِّ أيدي المُذْنِبِيْن من أطْهر أنْواعِ المِيَاه، والمقصودُ: طُهْره مِنَ الذُّنوبِ بأنْواع المُطَهِّر مِنَ الدَّنَس، والغرضُ منه المبالغةُ.
بَابُ [مَا جَاءَ] في القِرَاءَةِ عَلَى الجَنَازَةِ بفَاتِحَةِ الكِتَاب
671 -
(1026) - (3/ 337 - 336) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْن حُبَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْن عُثْمَانَ عَنْ الحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ عَلَى الجَنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاس حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ الْقَوِيِّ، إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ هُوَ أَبُو شَيْبَةَ الوَاسِطِيُّ مُنْكَرُ الحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: مِنَ السُّنَّةِ القِرَاءةَ عَلَى الجَنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ.
• قوله: "مِنَ السُّنَّةِ
…
" إلخ، هذه الصِّيْغةُ عندَهم حُكْمُها الرَّفعُ لكن في إفادَتِه فَرْضِيَّةَ الفاتحةِ بحثٌ ظاهرٌ، سِيَّمَا مع قوله: "أوْ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ" فإنَّه صريحٌ في عدمِ الافتراض. والله تعالى أعلم.
بَابٌ كَيْفَ الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّتِ وَالْشَّفَاعَةُ لَه
(1)
672 -
(1028) - (3/ 338) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ الْمُبَارَكِ، وَيُونُسُ بْن بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْن أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ اليَزَنِيِّ، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ إِذَا صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ، فَتَقَالَّ النَّاسَ عَلَيْهَا جَزَّأَهُمْ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلاثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ أَوْجَبَ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَيْمُونَة زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ مَالِكِ بْن هُبَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، هَكَذَا رَوَاه غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْن سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ هَذَا الحَدِيثَ، وَأَدْخَلَ بَيْنَ مَرْثَدٍ، وَمَالِكِ بْن هُبَيْرَةَ رَجُلًا، وَرِوَايَةُ هَؤُلاءِ أَصَحُّ عِنْدَنَا.
• قول: "فَتَقالَّ": - بفتح اللَّام المُشَدَّدة - صيغةُ الماضي، وضميرُه لمالكٍ، و "النَّاسَ" - بالنَّصب - مفعولُه، أي: فعدَّهم قَلِيْلِيْن لا يبلغونَ ثلاثةَ صفوفٍ لو تُرِكوا على حَالِهم.
673 -
(1029) - (3/ 339) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أيُّوبَ، وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن يَزِيدَ، رَضِيعٍ كانَ
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَةِ وَالشَّفَاعَةِ لِلْمَيِّتِ.
لعَائِشَةَ، عَن عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا يَمُوتُ أَحَدٌ مِنَ المُسْلمِينَ، فَتُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، يَبْلُغُونَ أَنْ يَكُونُوا مِائَةً فَيَشْفَعُوا لَهُ إِلَّا شُفِّعوا فِيهِ". وقَالَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ فِي حَدِيثِهِ: "مِائَةٌ فَمَا فَوْقَهَا".
قَالَا أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيث حَسَن صَحِيح، وَقَدْ أَوْقَفَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَرْفعْهُ.
• قوله: "أُمَّةٌ"، أي: جَماعةٌ. "يَبْلُغُوْنَ أنْ يَكُونُوْا مِائَةً": أي: يبلغون عَدَدَ المائةِ.
• وقوله: "شُفِّعُوا": - بتَشديدِ الفَاء - على بناءِ المَفعول، أي: قُبِلَ شَفَاعَتُهْم فيه.
بَابُ مَا جَاءَ في كرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَةِ عِنْدَ طُلُوع الشَّمس وَعِنْدَ غُرُوبهَا
674 -
(1030) - (3/ 339 - 340) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ عَنْ مُوسَى بْن عَلِيِّ بْن رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبةَ بْن عَامِرِ الجُهَنيِّ، قَالَ:"ثَلاثُ ساعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: يَكْرَهُونَ الصَّلاةَ عَلَى الجَنَازَةِ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ.
وقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ: "أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا"، يَعْني: الصَّلاةَ عَلَى الجَنَازَةِ، وَكَرِهَ الصَّلاةَ عَلَى الجَنَازَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لا بَأْسَ فِي الصَّلاةِ عَلَى الجَنَازَةِ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي تُكْرَه فِيهِنَّ الصَّلاة.
• قوله: "بَازِغَةً"، أي: طالعةً ظاهرةً لا يخْفَى طُلُوْعُها.
• "قَائِمُ الظَّهِيْرَةِ": هو قائمُ الشَّمْس وقتَ الزَّوالِ مِنْ قَامت به دابَتُه، أي: وَقَفَتْ، و [المعنى أنَّ] الشَّمسَ إذا بَلَغَتْ وَسَطَ السَّماءِ أبْطأتْ حَرَكَتُها فتُحْسَب واقفةً.
• وقوله: "يَقُومُ"، أي: يَحْصُل قيامُ الظَّهيرةِ.
• وقوله: "تَضَيَّفُ": - بتَشديدِ الياءِ بعدَ الضَّادِ وضَمِّ الفاء - صيغةُ المُضارعِ، أصلُه: تَتَضَيَّفُ - بالتَّائَيْن - حُذِفَتْ إحدَاهُما، أي: تَمِيل.
• قوله: "يَعْني: الصَّلاةَ": قيل: تفسيرُ قَبر المَوتى بالصَّلاةِ من باب الكِنايَةِ لمُلازَمَةٍ بينَهما، ولا يخفى أنَّه معنى بعيدٌ لا يَنْسَاقُ إليه الذِّهنُ من لفظِ الحديثِ. قال بعضُهُمْ: يقالُ: قبَّره إذا دَفَنَه، ولايقال: قبَّره إذا صَلَّى عليه، والأقربُ إلى الحديثِ قولُ أحمدَ وغيره: إنَّ الدَّفنَ مكروهٌ في هذه الأوقاتِ. والله تعالى أعلم.
مَا جَاءَ في الصَّلَاةِ عَلَى الأطْفَالِ
675 -
(1031) - (3/ 340 - 341) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ ابْنِ بِنْتِ أَزْهَرَ السَّمَّانِ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدِ بْن عُبَيْدِ الله، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ زِيَاد بْنِ جُبَيْرِ بْن حَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْن شُعْبَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الرَّاكبُ خَلْف الجَنَازَةِ، وَالمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا، وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ إِسْرَائِيلُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ.
وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْض أَهْلِ العِلْم مِنْ أَصْحَاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغيْرِهِمْ قالوا: يُصَلى عَلى الطفلِ وَإِنْ لمْ يَسْتَهِلَّ بَعْدَ أنْ يُعْلمَ أنّهُ خلِق، وَهُوَ قوْل أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "خَلْفَ الجَنَازَةِ": ظرفٌ. و"الْمَاشِي": يَمْشِي إلى أيِّ جانبٍ من الجَنازةِ يريدُ، يجوزُ المشيُ في الجوانب كُلِّها.
• قوله: "بَعْدَ أنْ يُعْلمَ أنَّهُ خلِق"، أي: بعدَ أن يَسْتَبِيْنَ أنّه خلِقَ.
بابُ ما جَاءَ في تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْطِفْل
(1)
[حَتَّى] يَسْتهِلَّ
676 -
(1032) - (3/ 341 - 342) حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الوَاسِطِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن مُسْلِمٍ المَكِّيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الطِّفلُ لا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلا يَرِثُ، وَلا يُورَثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث قَدِ اضْطَرَبَ النَّاس فِيهِ، فَرَوَاه بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرْفُوعًا، وَرَوَى أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءِ بْن أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا، وَكَأَنَّ هَذَا أَصَحُّ مِنَ الحَدِيثِ المَرْفُوعِ.
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى هَذَا، قَالُوا: لا يُصَلَّى عَلَى الطِّفْلِ حَتَّى يَسْتَهِلَّ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ.
• قوله: "حَتَّى يَسْتَهِلَّ"، أي: يَصِيْحَ، أرادَ العلمَ بحَياتِه، أي: حينَ خَرَجَ بصِياحٍ، واخْتِلافٍ، أو نَفَسٍ، أو حركةٍ، أو عُطاسٍ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "الجَنِينِ" مكان "الْطِفْلِ".
بَابُ [مَا جَاءَ] أَيْنَ يَقُوم الإمَامُ مِنَ الرَّجُل وَالمَرْأَةِ؟
677 -
(1034) - (3/ 343 - 345) حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُنِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْن عَامِرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَنَس بْن مَالِكٍ عَلَى جَنَازَةِ رَجُلٍ، فَقَامَ حِيَالَ رَأْسِهِ، ثُمَّ جَاؤوا بِجَنَازَةِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَامَ حِيَالَ وَسَطِ السَّرِيرِ، فَقَالَ لَهُ العَلاءُ بْن زِيَادٍ: هَكَذَا رَأَيْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الجَنَازَةِ مُقَامَكَ مِنْهَا وَمنَ الرَّجُلِ مُقَامَكَ مِنْهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: احْفَظُوا.
وفِي البَاب عَنْ سَمُرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَنسٍ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ هَمَّامٍ مِثْلَ هَذَا، وَرَوَى وَكيعٌ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ هَمَّامٍ فَوَهِمَ فِيهِ، فَقَالَ: عَنْ غَالِبٍ، عَنْ أَنسٍ، وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي غَالِبٍ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَبْدُ الوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي غَالِبٍ مِثْلَ رِوَايَةِ هَمَّامٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِ أَبِي غَالِبٍ هَذَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَالُ: اسمُهُ نَافِعٌ، وَيُقَالُ: رَافِعٌ، وَقَدْ اذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى هَذَا، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "حِيَالَ رَأْسِهِ": - بكسر مُهمَلةٍ، وتخفيفِ مثَنَّاةٍ - أي: حذاءَ رأسِه.
• قوله: "فَقَامَ وَسْطَهَا": - بسُكون السِّين - أي: مُحَاذِيًا لوَسَطها - بفتح السِّين - اسم، أو بسكونِها ظرفٌ.
بَابُ مَا جَاءَ في تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهيدِ
678 -
(1036) - (3/ 346 - 345) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن كَعْبِ بْن مَالِكٍ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي الثَّوْب الوَاحِدِ، ثمَّ يَقُولُ:"أيُّهُمَا أَكثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ"، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحدِ، وَقَالَ:"أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ"، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهمْ وَلَمْ يُصلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَنسِ بْن مَالِكٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن ثَعْلَبَةَ بْن أَبِي صُعَيْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمنْهُمْ مَنْ ذَكَرَه عَنْ جَابِرٍ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي الصَّلاةِ عَلَى الشَّهِيدِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يُصَلَّى عَلَى الشهِيدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْل المَدِينَةِ، وَبهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. وقَال بعْضُهمْ: يُصَلى عَلى الشهِيدِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ صلَّى عَلى حَمْزَةَ، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ، وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ.
• قوله: "فِي الثَّوْبِ": قال المَظْهري: المرادُ به قبرٌ واحدٌ إذا لا يجوزُ تَجْريدُهُمَا بحيث تَتَلاقَى بِشْرَتَاهما انتهى. نقله السيوطيُّ في حاشية النَّسائي وسكتَ عليه
(1)
، وكذا نَقَله في المجمع
(2)
عن الطَّيبي وسَكَتَ عليه.
(1)
راجع: سنن النسائي بشرح السيوطي: 2/ 363.
(2)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 1/ 311.
قلتُ: يَرُدُّه حديثُ أنسٍ السَّابق في بابِ قَتْلَى أُحُدٍ: "فَكَثُرُوْا وَقَلَّتِ الثِّيَابُ، فكُفِّنَ الرَّجُلُ والرَّجُلانِ والثَّلاثَةُ في الثَّوْبِ الوَاحِدِ، ثُمَّ يُدْفَنُوْنَ في قَبَرٍ وَاحِدٍ".
بَقِيَ كيف يُتَصَوَّرُ هذا والشَّهيدُ يُدْفَنُ في ثِيَابِه الَّتي عليه؟ فكأنَّ هذا فيمن قُطِع ثوبُه ولم يَبْقَ على بَدَنِه، أو بَقِي منه قليلٌ لكثرةِ الجُرُوْح - والله تعالى أعلم -، وعلى تقديرِ القَوْل بِبقَاء شيءٍ من الثَّوبِ السَّابقِ لا إشكالَ؛ لكَوْنِه فاصِلًا عن مُلاقَاةِ بِشْرَتِهما.
• قول: "صُعَيْرٍ": بالعَين المُهْمَلة، والتَّصْغير.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى القبْرِ
679 -
(1037) - (3/ 346 - 347) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا الشَّيْبانِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَرَأَى قَبْرًا مُنْتَبِذًا فَصَفَّ أَصْحَابَهُ خَلْفَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَقيل لَهُ: مَنْ أَخْبَرَكهُ؟ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَنسٍ، وَبُرَيْدة، ويَزِيدَ بْن ثابت، أَبي هُرَيْرَة، وَعامِرِ بْن رَبِيعةَ، وَأَبِي قَتَادةَ، وسَهْلِ بْن حُنَيْفٍ. قَال أبوْ عيْسَى: حدِيث ابن عَبَّاسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وَالعمَل على هَذا عِنْدَ أَكثَرِ أَهل العلم من أصحَاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرهمْ، وَهو قَول الشَّافِعِيِّ وأَحمَد وَإِسْحَاق. وقَال بعضُ أَهل العِلْمِ: لا يُصَلَّى على القَبْرِ، وَهو قَوْلُ مَالِك بْنِ أَنَسٍ. وقَالَ عبد اللهِ بْن الْمُبَارَك: إِذَا دُفِنَ المَيِّت وَلمْ يُصلَّ عَلَيْه صُلِّيَ عَلَى القَبْر، ورأى ابن المُبَارَك الصَّلَاة على القَبْر، وقال أَحمَد، وَإِسْحاق: يُصلَّى عَلَى القَبرِ إِلَىَ شَهْرٍ، وقالا أكثَر ما سَمِعْنا عن ابن المُسَيِّب أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى على قَبْر أُمِّ سَعْد بن عُبادة بعد شهر.
• قوله: "أخْبَرَنِي": مفعول "أخْبَرَنِي" محذوفٌ، أي: بهذا الخَبَر.
• قوله: "وَرأَى قَبْرًا". هو حالٌ بتقدير "قَدْ"، وضميرُه للنبي صلى الله عليه وسلم أيضًا.
• و"أصحابَهُ": بالنَّصب مفعولُه، وهذَا وأمثالُه لا يمكنُ حَمْلُها على عَدَم الصَّلاةِ على صاحب ذلك القَبَر كما لا يخْفى، فلا مَخْلَص لمَنْ لا يقولُ به إلا القَول بالخُصُوْصِ، وفي بعض الأحاديث يمكنُ أن يكونَ إشارةً إلى ذلك.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّم عَلَى النَّجَاشِيِّ
680 -
(1039) - (3/ 348) حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي المُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ لنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَخَاكُمُ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ"، قَالَ: فَقُمْنَا، فَصَفَفْنَا كمَا يُصَفُّ عَلَى المَيِّتِ، وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ كمَا يُصَلَّى عَلَى المَيِّتِ.
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَأبي سَعِيدٍ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رَوَاه أَبُو قِلابَةَ عَنْ عَمِّهِ أَبِي المُهَلَّبِ، عَنْ عِمرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. وَأَبُو المُهَلَّبِ: اسمُهُ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ لَهُ: مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو.
• قوله: "النَّجَاشِيَّ": - بفتح النُّون، وتخفيفِ الياءِ - أشْهَرُ، ومن لا يقولُ بِهذا الحَديثِ يَحْمِله على الخُصُوْص، أو على حُضُوْر الجَنازةِ عليه صلى الله تعالى عليه وسلَّم.
بَابُ مَا جَاءَ في فَضْل الصَّلَاةِ علَى الجَنَازَةِ
681 -
(1040) - (3/ 349) حَدَّثَنَا أَبُو كريْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَة بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى يُقْضَى دَفْنُهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ، أَحَدُهُمَا أَوْ أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ"، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لابْنِ عُمَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلَها عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كثِيرَةٍ.
وَفِي البَابِ عَنْ البَرَاءِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأُبَيِّ بْن كعْبٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَثَوْبَانَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
• قوله: "قِيرَاط": هو عبارةٌ عن ثَوابٍ مَعلومٍ عندَ اللهِ عبَّر عنه ببَعْضِ أسماءِ المَقَاديرِ، وفسَّر بجبلٍ عظيمٍ تعظيمًا له وهو أحُدٌ - بضَمَّتَين -، ويحتملُ أن ذلك العملَ يُجَسَّمُ على قدر جِسْم الجَبَل المذكورِ تَثْقِيْلًا للميزانِ.
• قوله: "فَرَّطْنَا": - بتَشديدِ الرَّاء - أي: قَصَّرْنَا في تحصيلِها بتَرْكِ الاتِّباعِ بعدَ الصَّلاةِ.
[بابُ آخَرُ]
682 -
(1041) - (3/ 350) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا المُهَزِّمِ، قَالَ: صَحِبْتُ أَبَا اهُرَيْرَةَ عَشْرَ سِنِينَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ تَبعَ جَنَازَةً وَحَمَلَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ منْ حَقِّهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَرَوَاه بَعْضُهُمْ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
وَأَبُو المُهَزِّمِ: اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ وَضَعَّفَهُ شُعْبَةُ.
• قوله: "ثَلاثَ مَرَّاتٍ": يحتملُ أن المرادَ من كُلِّ جَانِبٍ ثلاثَ مَرَّاتٍ، أو ثلاثَ مَرَّاتٍ مُطْلقًا ولو مِنَ الجَوانِبِ الأرْبَع.
بَابُ مَا جَاءَ فِي القِيَام لِلْجَنَازَةِ
683 -
(1042) - (3/ 351) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عن سالم بن عبد الله عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وحدَّثنا قُتَيْبة قال: حدَّثنا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَامِرِ بْن رَبِيعَةَ، عَنْ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ. "إِذَا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ".
قال: وفي الباب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَجَابِرٍ، وَسَهْلِ بْن حُنَيْفٍ، وَقَيْسِ بْن سَعْدٍ، وأَبي هُريْرة. قَال أبُو عيسى: حَدِيثُ عَامِرِ بْن رَبِيعَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "حتَّى تُخَلِّفَكُمْ": نِسْبَةُ التَّخْليفِ إلى الجَنَازَة مَجَازِيَّةٌ، والمرادُ تَخْلِيْفُ حَامِلِها.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ في تَرْكِ القِيَام لَهَا
684 -
(1044) - (3/ 352 - 353) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ وَاقِدٍ وَهُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذ، عَنْ نَافِع بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مَسْعودِ بْنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ، أنَّهُ ذُكرَ القِيَامُ فِي الجَنَائِزِ حَتَّى تُوضَعَ، فَقَالَ عَلِيٌّ:"قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَعَدَ".
وَفِي البَاب عَنِ الْحَسَنِ بْن عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيث عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ رِوَايَةُ أَربَعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا البَاب، وَهَذَا الحَدِيثُ نَاسِخٌ لِلأوَّلِ إِذَا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ فَقُومُوا. وقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ شاءَ قامَ، وَإِنْ شاءَ لمْ يَقمْ، وَاحْتَجَّ بِأنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قدْ رُوِيَ عنهُ أنهُ قَامَ ثُمَّ قَعَدَ، وَهَكَذَا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: مَعْنَى قَوْلِ عَلِيٍّ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الجَنَازَةِ ثُمَّ قَعَدَ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى الجَنَازَةَ قَامَ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدُ، فَكَانَ لا يَقُومُ إِذَا رَأَى الجَنَازَةَ.
• قوله: "ومَعْنَى قَوْلِ عَلِيٍّ
…
": يريدُ أنَّه ليسَ معنى هذا الحديثِ أنَّه قَامَ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم ثم قَعَدَ عن ذلك القِيَام حتَّى يقالَ: إنَّ هذا دليلٌ على ثُبُوتِ القِيَامِ، فكيفَ يَصِحُّ أنْ يكونَ دليلًا على النَّسْخِ؟ بل معناه أنَّه قامَ أوَّلا ثمَّ تَركَ القِيامَ عندَ مُرُوْرِ الْجَنازةِ.
بقي أن معنى الأوَّل هو المُتبَادَرُ، فأيُّ دليلٍ على أن المرادَ الثَّاني حتى يَصِحَّ دليلا للنَّسْخِ؟
فالجوابُ: أن ذلك مَحَلُّ الكلامِ فإنَّه قد عُلِم من خَارجٍ أن غرضَ عَلِيٍّ كانَ بيانُ المَنع عن القِيامِ، وأنَّه لا حاجةَ إليه فالمَدَارُ على ذلك، وقد يقالُ: الدَّليلُ هو أنَّه لا يظهر فائدةُ "ثُمَّ قَعَدَ" إلا على معنى تَرْكِ الْقِيَام، وإلا فالقُعُوْدُ عن الْقِيَام بعدَ وُجُوْدِه ضَروريٌّ لا فائدةَ لذِكْرِه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وسلَّم اللَّحْدُ لنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرنَا
685 -
(1045) - (3/ 354) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَنَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُوفِيُّ، وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى القَطَّانُ الْبَغْدَادِيُّ، قَالُوا: حدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الأعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّحْدُ لنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا".
وَفِي البَاب عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَائشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "لِغَيْرِنَا": في "المَجْمع"
(1)
أي: لأهل الكِتَاب، والمرادُ تَفْضِيْلُ اللَّحْدِ إلا إذَا كانَ المكانُ رَخْوًا.
[قال] الطيبيُّ: رجلانِ أحدُهُما يَلْحَدُ والآخَر لا، فاخْتَلَفَ الصَّحَابةُ في اللَّحْد والشَّقِّ له، فقالوا: أيُّهَمَا جاءَ أوَّلا يعمل، فجاءَ اللَّاحِدُ، فلذا قال:"لَنَا"، أي: لي، فتكونُ معجزةً، والجَمعُ للتَّعظيم. أو المرادُ اخْتَيِارُنَا فيكونُ تفضيلًا، أي:"اللَّحْد"، وليسَ فيه نَهْيٌ عن الشَقِّ وإلا مَنَعَ غيرَ اللَّاحِد عن الشَّقِّ، ولَمَا اختلفوا في قبره. انتهى
(2)
. لكن ظاهرَ روايةِ أحمدَ للحديثِ أن المعنى هو الأوَّل، قال السُّيوطي: وفي رواية أحمدَ: "والشَّقُّ لأهْلِ الكِتَابِ"
(3)
.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 4/ 471.
(2)
راجع: الكاشف عن حقائق السنن للطيبي: 4/ 1407.
(3)
راجع: قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي: 1/ 318.
بَابُ مَا جَاءَ في الثَّوْب الوَاحِدِ يُلْقَى تَحْتَ المَيِّتِ في القَبْر
686 -
(1047) - (3/ 356) حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ فَرْقَدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:"الَّذِي أَلْحَدَ قَبْرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبُو طَلْحَةَ، وَالَّذِي أَلْقَى القَطِيفَةَ تَحْتَهُ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم".
قَالَ جَعْفَرٌ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بْنُ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شُقْرَانَ يَقُولُ: أَنا وَاللهِ طَرَحْتُ القَطِيفَةَ تَحْتَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي القَبْرِ.
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاس. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ شُقْرَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ فَرْقَدٍ هَذَا الحَدِيثَ.
• قوله: "شُقْرَان": من مَوالِيه صلى الله تعالى عليه وسلَّم. فـ "القَطيفَةُ": نوعٌ من الكِسَاء، وقالَ شُقْران في بيان سبب مَا فَعَلَه: كرهتُ أنْ يَلْبَسَه أحدٌ بعدَه. "مجمع"
(1)
.
• "والشُّقْرَان": بضَمِّ الشِّين وسكونِ القَاف.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 4/ 299.
بَابُ مَا جَاءَ في تَسْويَةِ القُبُور
687 -
(1049) - (3/ 357 - 358) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْن أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِأبِي الهَيَّاجِ الأسَعدِيِّ: أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَني بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "أَنْ لا تَدَع قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ، وَلا تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ جَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْض أَهْلِ العِلْم يَكْرَهُونَ أَنْ يُرْفَعَ القَبْرُ فَوْقَ الأرْض. قال الشافِعِيُّ: أكرَه أنْ يُرْفعَ القَبْرُ إِلَّا بِقَدْرِ مَا يُعْرَف انهُ قبْرٌ لِكَيلا يُوطَأ وَلا يُجْلَسَ عَلَيْهِ.
• قوله: "لِأبِي الهَيَّاجِ": بفَتح الهاءِ، وتشديدِ اليَاءِ المُثَنَّاةِ من تحت، وآخرُه جيمٌ، اسمُه: حَيَّان: - بفتح الحَاء المُهْمَلة، وفتح المُثَنَّاة من تحت - ليسَ له في الكُتب إلا هذَا الحديث الواحد، كذا ذكره السيوطي في حاشية النسائي
(1)
.
(1)
راجع: سنن النسائي بشرح السيوطي: 4/ 393.
بَابُ مَا جَاءَ في كرَاهِيَةِ الوَطْي
(1)
عَلَى القُبُور، وَالجُلُوس [عَلَيْهَا، وَالصَّلَاةِ] إلَيْهَا
688 -
(1050) - (3/ 358) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثنَا عَبْدُ الله بْنُ المُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأسْقَعِ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَبَشِيرِ بْنِ الخَصَاصِيَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
• قوله: "لا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ": وفي روايةِ: "لا تَقْعُدُوْا"
(2)
قيل: أرادَ القُعُودَ لقَضَاء الحَاجَةِ، أو للإحْدادِ والحُزْنِ بأنْ يُلازِمَه ولا يرجعَ عنه، أو أرادَ احترامَ المَيِّتِ وتَهْويلَ الأمر في القُعُودِ عليه تَهَاوُنًا بالميِّتِ والموتِ أقوالٌ. ورُوِيَ
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "المَشْيِ" مكان "الوَطْيِ".
(2)
راجع: سنن النسائي، كتاب الجنائز، باب التشديد في الجلوس على القبور، ح: 2045، ومسند الإمام أحمد بن حنبل: 39/ 479، ح:43000.
أنَّه رأى رجلًا مَتَّكِئًا على قَبَرٍ، فقال:"لا تُؤْذِ صَاحب الْقَبْرِ"
(1)
. [قال] الطِّيبي: هو نَهْيٌ عن الجُلُوس لِمَا فيه من الاسْتِخْفافِ بحَقِّ أخِيْه. انتهى
(2)
.
وحَمَله مالكٌ على الحديث عليه لِمَا رُوِي أن عَلِيًّا كان يَقعُد عليه، وحرَّمه أصحابُنا وكذا الاستناد والاتِّكاء. "مجمع"
(3)
. قلتُ: ويؤيِّدُ الحملَ على ظَاهِره ما سيجيءُ في البابِ الآتِي من النَّهي عن وَطْيِه.
(1)
راجع: مسند الإمام أحمد بن حنبل: 9/ 651، ح: 24464، وشرح معاني الآثار للطحاوي، كتاب الجنائز، باب: الجلوس على القبور: 1/ 515، ح: 2944، وكنز العمال للشيخ - حسام الدين الهندي: 15/ 759، ح:42988.
(2)
راجع: الكاشف عن حقائق السنن: 4/ 1407.
(3)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 4/ 300.
بَابُ مَا جَاءَ في [كرَاهِيَةِ] تَجْصِيص القُبُور، وَالكِتَابَةِ عَلَيْهَا
689 -
(1052) - (3/ 359 - 360) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأسْوَدِ أَبُو عَمْرٍو البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:"نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُجَصَّصَ القبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وَأَن يُبْنَى عَلَيْهَا، وَأَنْ تُوطَأَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ. وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْهُمُ: الْحَسَنُ البَصْرِيُّ فِي تَطيينِ القُبُورِ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ: "لا بَأْسَ أَنْ يُطيَّنَ القَبْرُ".
• قوله: "أَن تُجَصَّصَ
…
" إلخ، قال العراقيُّ: ذَكر بعضُهم أن الحكمَةَ في النَّهْي عن تَجْصِيْصِ القُبُورِ كَوْنُ الجَصِّ أحْرقُ بالنَّار، قال: وحينئذٍ لا بأسَ بالتَّطْيِيْن كما نصَّ عليه الشَّافعِيُّ.
قلتُ: "التَطْيِيْنُ" لا ينَاسب ما وَرَدَ من تَسْوِيَةِ القُبُوْر المُرْتَفِعَةِ كما سَبَقَ، وكذَا لا ينَاسب بقوله:"أنْ يُبْنَى عَلَيْها"، والظَّاهر أن المرادَ النَّهْي عن الارتفَاع والبِنَاء مُطْلقًا، وإفرادُ التَّجْصِيْصِ؛ لأنَّه أتمُّ في أحكام البِنَاءِ فخُصَّ بالنَّهْي مبالغةً.
• وقوله: "وَأَنْ يُكْتَبَ": يحتملُ النَّهْيَ عن الكتابةِ مطلقًا كَكِتَابةِ اسمِ صاحِب القَبَر وتاريخِ وفَاتِه، أو كتابةِ شيءٍ منَ القُرآن، وأسماءِ اللهِ تعالى ونحوِ ذلك للتَّبرُّك؛ لاحتمالِ أنْ يُوْطَأ أو يَسْقُطَ على الأرضِ فيصيرَ تحتَ الأرْجُلِ.
قال الحاكمُ بعد تخريجِ هذا الحديثِ في المستَدْرَك
(1)
: الإسنادُ صحيحٌ، وليسَ العملُ عليه، فإنَّ أئمةَ المسلمين من الشَّرْق إلى الغَرب يكتبونَ على قُبُوْرهم وهو شيءٌ أخَذَه الخَلَفُ عن السَّلَف، وتَعَقَّبه الذَّهَبِيُّ في مُختَصَره بأنَّه مُحدثٌ ولم يَبْلُغْهم النَّهْيُ.
• وقوله: "أَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا": يحتمل أن المرادَ: البناءُ على نفسِ القَبَر ليُرْفعَ عن أنْ يُنالَ بالوَطْي كما يفعله كثيرٌ من النَّاس، أو البناءُ حولَه.
(1)
راجع: المستدرك على الصحيحين للحاكم: 1/ 525، ح:1370.
بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ المَقَابرَ
690 -
(1053) - (3/ 360) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ أَبِي كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ المَدِينَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ:"السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ القُبُورِ، يَغْفِرُ اللهُ لنَا وَلَكُمْ، أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالأثرِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ بُرَيْدَةَ وَعَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو كُدَيْنَةَ: اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ المُهَلَّبِ. وَأَبُو ظَبْيَانَ: اسْمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبٍ.
• قوله: "أَنْتُمْ سَلَفُنَا": سَلَفُ الإنْسَان - بالفَتْحتَيْن -: مَنْ تقدَّم بالمَوْت من آبائِه وذَوِي قَرَابَتِه، فَفِيْه تنزيل للأخُوَّةِ الإسلامِيَّةِ منزِلَةَ القَرابة.
• قوله: "وَنَحْنُ بِالأثَرِ": بفتحتين، أو بكسر، فسكون.
بَاب مَا جَاءَ في الرُّخْصَةِ في زيَارَةِ القُبُور
691 -
(1054) - (3/ 361) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمِ النَّبِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنَ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ كنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ، فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: لا يَرَوْنَ بِزِيَارَةِ القُبُورِ بَأْسًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "نَهَيْتُكُمْ
…
" إلخ، كأنَّه نُهُوْا أوَّلا عن ذلك لقُرْب عَهْدِهم بتَعْظِيم الأصْنامِ وعبادةِ الأوْثَانِ. والله تعالى أعلم.
• قوله: "فَزُوْرُوْهَا"، أي: القُبُوْرَ فإنَّ الإذنَ له صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلم إذْنٌ لكم.
692 -
(1055) - (3/ 362) حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْن حُرَيْثٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْن يُونُسَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِحُبْشِيٍّ، قَالَ: فَحُمِلَ إِلَى مَكَّةَ فَدُفِنَ فِيهَا، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ أتَتْ قَبْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ:
وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً
…
مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فلمّا تفرَّقْنَا كأنِّي وَمَالِكًا
…
لِطولِ اجْتِمَاعٍ لمْ نَبِتْ ليْلةَ مَعَا
ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ لَوْ حَضَرتُكَ مَا دُفِنْتَ إِلَّا حَيْثُ مُتَّ، وَلَوْ شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ.
• قول: "كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ": تَثْنِيَةُ نَدْمَان، أضِيْفَ إلى جَذِيْمة - بفتح جيم، وكسر ذالٍ -: اسم مَلِكةٍ.
• "وحِقْبَةً": - بكسر الحاءِ - ثمانونَ سنةً، وقيل: أكثر.
• وقوله: "لَنْ يتَصَدَّعَا"، أي: لن يَتفَرَّقَا.
• وقوله: "لِطُولِ اجْتِمَاعٍ"، أي: مع طولِ اجتماعِ فيما سَبَقَ، أو لبُعْدِ اجتماعِ فيما بعد.
• وقوله: "مَما دُفِنْتَ": على بناءِ المفعول، أي: لو كنتُ حاضرةً عندَك وقتَ الموتِ لَمَا نُقِلَ جنازتُك من مكانٍ إلى مكان.
• وقوله: "وَلَوْ شَهِدْتُكَ": يحتمل أنْ يكونَ تأكيدًا لهذا المعنى، أي: ولو شهدتُك وقتَ الموتِ لَمَا أمْكَنَنِي في زيارَتك للدَّفْن في مكانِ المَوْت، ويحتملُ أن المرادَ أنَّها لو شهدتُك عندَ الموتِ لاكتَفَيْتُ بذلك عن الزِّيارةِ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ زيَارَةِ الْقُبُورِ لِلنِّسَاءِ
693 -
(1056) - (3/ 363 - 362) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زَوَّارَاتِ القُبُورِ.
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَسَّانَ بْن ثَابِتٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُرَخِّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي زِيَارَةِ القُبُورِ، فَلَمَّا رَخَّصَ دَخَلَ فِي رُخْصَتِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا كُرِهَ زِيَارَة القُبُورِ لِلنِّسَاءِ لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ وَكَثْرَةِ جَزَعِهِنَّ.
• قوله: "لِلنِّسَاءِ": لقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ. قلتُ: وهو الأقْربُ لتَخْصِيْصِهِنَّ بالذِّكْر.
بَابُ مَا جَاءَ في الدَّفْنِ باللَّيْلِ
694 -
(1057) - (3/ 364 - 363) حَدَّثَنَا أَبُو كريْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ اليَمَانِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ خَلِيفةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا، فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ، فَأَخَذَه مِنْ قِبَلِ القِبْلَةِ، وَقَالَ:"رَحِمَكَ اللهُ! إِنْ كُنْتَ لأوَّاهًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ"، وَكَبَّر عَلَيْهِ أَرْبَعًا.
وَفِي البَاب عَنْ جَابِرٍ، وَيَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ، وَهُوَ أَخُو زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَكْبَر مِنْهُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاس حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى هَذَا، وَقَالُوا: يُدْخَلُ المَيِّتُ القَبْرَ مِنْ قِبَلِ القِبْلَةِ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَلُّ سَلًّا، وَرَخَّصَ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ فِي الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ.
• قوله: "فَأُسرِجَ": على بناءِ المفعول، أي: نوِّر له ذلك المكانُ.
• وقوله: "فَأَخَذَه"، أي: المَيِّت، و"إنْ" في "إنْ كنْتَ": مخَفَّفةٌ، أي: أن الشأنَ.
• و "أوَّاهًا": - بتشديد الواو - مُتَضَرِّعًا، أو كثيرَ البكاءِ، أو كثيرَ الدُّعاء.
"وتَلَّاءً": - بتشديد اللام - مبالغةٌ من التِّلاوةِ.
• قوله: "يُدْخَلُ المَيِّتُ القَبْرَ مِنْ قِبَلِ القِبْلَةِ": وذلك أنْ تُوْضَعَ الجنازة في جانبِ القِبْلَةِ من القَبَر، ويُحْمَلُ المَيِّتُ منه فيُوضَعُ في اللَّحْدِ، فيكونُ الأخذُ من مُسَتْقَبَل القبلةِ حالَ الأخْذِ.
• وقوله: "وقَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَلُّ سَلًّا": السَّلُّ: - بتشديد اللام - الإخْراجُ بتأنٍّ وتدريجٍ، وهو بأنْ يُوْضَعَ السَّريرُ في مؤخَّر القَبَر، ويُحْمَلُ المَيِّتُ منه فيُوضَعُ في اللَّحْد، فيكونُ الآخِذُ له مستقبلَ القِبْلَة حتى يكونَ رأسُ المَيِّتِ [عندَ] القَبر، ويُسَلُّ كذلك فتكونُ رجلاه موضعَ رأسِه ثم تُدْخَلُ رجلاه ويُسَلُّ كذلك.
بَابُ مَا جَاءَ [فِي] الثَّنَاءِ الحَسَنِ عَلَى المَيِّتِ
695 -
(1058) - (3/ 364) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مُرَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَجَبَتْ"، ثُمَّ قَالَ:"أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأرْض".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَكعْبِ بْن عُجْرَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مُرَّ": على بناءِ المفعول.
• وقوله: "ووَجَبَتْ"، أي: ثَبَتَتْ له الجَنَّةُ، وعُلِم ثناءُ الناس بثُبوتِها له.
• وقوله: "أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ": قال السُّيوطي في حاشيةِ النَّسائي: أي: المخاطبونَ بذلك منَ الصَّحَابةِ ومَنْ كان على صِفَتِهم منَ الإيمان. وحكي ابنُ التِّيْن: أن ذلك مخصوصٌ بالصَّحابةِ؛ لأنَّهم كانوا ينطقون بالحُكْم بخلافِ مَنْ بعدهم. قال: والصَّوابُ أن ذلك يَخْتَصُّ بالثِّقَات والمُتَّقِيْن. انتهى
(1)
.
قلتُ: والتَّخصيصُ بالصَّحابةِ مردودٌ لظاهر حديث عمرَ
(2)
. وقال
(1)
راجع: سنن النسائي بشرح السيوطي: 2/ 351.
(2)
راجع: صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب: ثناء الناس على الميت، ح: 1367، وصحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب فيمن يثنى عليه خيرا أو شرا من الموتى، ح: 949، وسنن النسائي، كتاب الجنائز، باب الثناء، ح:1934.
بعضُهم: الحديث مُقَيَّدٌ بالثَّناءِ على طبقِ أعمالِه.
قال في "المجمع"
(1)
: والصحيحُ أنَّه على عمومِه فإنَّ مَنْ ألْهَمَ النَّاسَ في الثَّناءِ [عليه] فإنَّه [دليلٌ] على [أنَّه شاءَ] مغفرتَه، وبه يظهر فائدة الثَّناءِ.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 3/ 269.
بَابُ مَا جَاءَ في ثَوَابِ مَنْ قَدَّم وَلَدًا
696 -
(1060) - (3/ 365 - 366) حَدَّثنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بْن أَنسٍ، (ح)، وحَدَّثَنَا الأنصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا يَمُوتُ لِأحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ ثَلاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ القَسَمِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَمُعَاذٍ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ، وَأُمِّ سُلَيْمٍ، وَجَابِرٍ، وَأَنسٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الأشْجَعِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَقُرَّةَ بْن إِيَاسِ المُزَنِيِّ. قَالَ: وَأَبُو ثَعْلَبَةَ الأشْجَعِيُّ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيث واحِدٌ هُوَ هَذَا الحَدِيثُ، وَلَيْسَ هُوَ الخُشَنيُّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مِنَ الْوَلَدِ": - بفَتْحَتَيْن - وهو يَشْملُ الذَّكرَ والأنْثَى.
• وقوله: "فَتَمَسَّهُ النَّار": المشهورُ النَّصب، وصرَّح به غيرُ واحدٍ على أنَّه جوابُ النَّفْي. وأنس خبيرٌ بأنَّ الفاءَ في جواب النَّفْي تَدُلُّ على سَبَبيَّةِ الأوَّل للثَّاني، قال تعالى:{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا}
(1)
إذْ موتُ الأولادِ ليس سببًا لدُخُوْل النَّار، بل لو فُرِضَ صِحَّةُ السَّبَبِيَّةِ فهي غيرُ مرادَةٍ ههنا؛ لأنَّ المطلوبَ أن النَّارَ لا تمَسُّ مَنْ ماتَ له ثلاثةُ ولدٍ إِلَّا تَحِلَّةَ القَسَم. وعلى تقدير كونِه جوابًا يصيرُ المعنى لا يموتُ لأحدٍ ثلاثةُ ولدٍ حتى تَمَسَّه النَّارُ بسَبِبِه إلا تَحِلَّةَ القَسم، وهذا المعنى فاسِدٌ جِدًّا يُعْرَفُ فسادُه بأدْنَى تأمُّلٍ، فالْوَجْهُ الرَّفعُ على أن الفاءَ عاطفةٌ للتَّعقيبِ مطلقًا، والمعنى أنَّه لا يكونُ بعدَ موتِ ثلاثةِ ولدٍ مَسُّ النَّار إلا
(1)
فاطر: 36.
تَحِلَّة القَسم. وقيل: إن ثَبَتَتِ الرِّوايةُ بالنَّصب يحتمل أنْ يُجعلَ الفاءُ بمعنى الوَاو بعدَ النَّفْي للجَمْع، أي: لا يجْتمعُ موتُ ثلاثةٍ ومسُّ نَارٍ إلا تحِلَّة القَسم. والله تعالى أعلم. [وتَحِلَّةُ القَسم]
(1)
: به قال الجمهورُ، والمرادُ بذلك قولُه تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
(2)
وهو في كلامِه تعالى بمنزلةِ القَسم المُؤكّد، وقدِ اخْتُلِفَ في معنى الوُرُوْد، فقيل: المرادُ: الدُّخولُ، وتَصِيْرُ بردًا وسلامًا على المؤمن، وقيل: المرورُ على الصِّراطِ، فعلى الأوَّل الاسْتثناءُ مُتَّصِلٌ، وعلى الثَّاني مُنْقطعٌ. وقيل: إلا قدرَ ما يُحِلُّ به الرَّجلُ يمِيْنَه. وقيل: بل المرادُ به القِلَّةُ من غير أن يكونَ هناك قسمٌ، والظَّاهرُ أن القِلَّةَ كنايةٌ عن العَدَم.
697 -
(1061) - (3/ 366) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا العَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب، عَنْ أَبِي عُبَيْد بن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَدَّمَ ثَلاثةً لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُمَ كَانُوا لَهُ حِصْنًا حَصِينًا مِنَ النَّارِ"، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَدَّمْتُ اثْنَيْنِ، قَالَ:"وَاثْنَيْنِ"، فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كعْب سَيِّدُ القُرَّاءِ: قَدَّمْتُ وَاحِدًا، قَالَ. "وَوَاحِدًا، وَلَكِنْ إِنَّمَا ذَاكَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأولَى".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَبُو عُبَيْد لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ.
• قوله: "قَدَّمَ"، أي: بالصَّبْر على مَوتِهم كأنَّهم قدَّمَهم ليُهَيِّئوا له ما يحتاجُ إليه في سَفَره، وَجَعَلَهم فَرْطًا له.
• وقول: "لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ": - بكسر الحَاء المُهْمَلة، وسكون النُّون -
(1)
هكذا في المخطوط، ولعلها عبارة زائدة.
(2)
مريم:71.
أي: لم يَبْلُغُوا الحلمَ. قال الخليل
(1)
: بلغ الغلامُ الحِنْثَ، أي: جَرى عليه القَلَمِ
(2)
. والحِنْثُ: الذَّنْبُ، وخَصَّ الإثمَ؛ لأنَّ الثوابَ قد يَحْصُل للصَّبْي أيضًا، وخصَّ الصغيرَ بذلك؛ لأنَّ الشَّفقةَ عليه أعظمُ، والحُبُّ له أشدّ، والرَّحمةُ له أوْفَرُ فمن بَلَغَ الحِنْثَ لا يحصلُ لفَاقِدِه هذا الثوابُ.
وقال ابنُ المنير
(3)
: يدخلُ الكبيرُ بطريق الفَحْوى؛ لأنَّه إذا ثبتَ ذلك في الطِّفلِ الذي هو كَلٌّ على أبَوَيْه فكيفَ لا يثبتُ في الكبير الذي بَلَغ معه السَّعْيَ ووصل له من النَّفع
(4)
.
• قوله: "حِصْنًا"، أي: من النَّار.
(1)
هو: إمام أهل البصرة في العربية أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي، اليحمدي، البصري، كان إماما في علم النحو، رأسا في لسان العرب، وهو الذي استنبط علم العروض، وأخرجه إلى الوجود، كان ديِّنا، وَرِعا، قانعا، متواضعا، كبير الشأن. من تصانيفيه: كتاب: "العين" في اللغة، و"معاني الحروف"، و"جملة آلات العرب"، و"تفسير حروف اللغة"، وكتاب "العروض"، و"النقط والشكل"، و"النغم". توفي سنة بضع وستين.
راجع لترجمته: وفيات الأعيان: 2/ 244، سير أعلام النبلاء: 7/ 429.
(2)
راجع: كتاب العين لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي:3/ 206.
(3)
هو: ناصر الدين أحمد بن محمد بن منصور بن القاسم بن مختار القاضي، الجذامي، الجروي الإسكندراني، المالكي، المعروف بـ "ابن المنير"، ولد سنة عشرين وست مائة، كان عالما، فاضلا، مفننا، بارعا في الفقه والأصول، والنظر، والعربية، والأدب وفنونه، وله مصنفات مفيدة، منها:"البحر الكبير في نخب التفسير"، و"المتواري على أبواب البخاري"، و"الانتصاف من الكشاف"، و"المقتفى في فضائل المصطفى"، وغير ذلك. توفي في ربيع الأول، سنة ثلاث وثمانين وست مائة. راجع لترجمته: فوات الوفيات: 1/ 149، الوافي بالوفيات: 8/ 84، شذرات الذهب:666.
(4)
ابن المنير - كما في شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك: 2/ 25.
• قوله: "وَاثْنَيْنِ": يحتملُ أنَّه أوْحِي إليه في الحَال ولا بُعْدَ في [أن] نُزُولَ الوَحْي أسرعُ من طَرَفةِ العَين، ويحتملُ أنَّه كان عالمًا بذلك لكنَّه أشفق عليهم أنْ يَتَّكِلوا لكَثرةِ موتِ الإثْنَين والواحدِ، ثم لمَّا سُئل عنه ذلك لم يكُنْ له بدٌّ من الجوابِ.
• قوله: "إِنَّمَا ذَلكَ"، أي: التَّقديرُ بالصَّبْر عند مفاجأةِ المصيبةِ وفَوْرَتها وشدَّتِها.
698 -
(1062) - (3/ 367) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، وَأَبُو الخَطَّاب زيَادُ بْنُ يَحْيَى البَصْريُّ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ بَارقٍ الحَنَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْت جَدِّي أبَا أمِّي سِمَاك بْنَ الوَليدِ الحَنَفِيَّ يُحَدِّث أنهُ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ يُحَدِّث، أنهُ سَمِعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقول:"مَنْ كَانَ لهُ فرَطانِ مِنْ أمّتِي أَدْخَلَهُ اللهُ بِهِمَا الجَنَّةَ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: "وَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ يَا مُوَفَّقَةُ! "، قَالَثْ: فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: "فَأنا فَرَطُ أمَّتِي لَنْ يُصَابُوا بِمِثْلِي".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ رَبِّهِ بْن بَارِقٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأئِمَّةِ، حَدَّثَنَا أحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ المُرَابِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ، قَالَ: أَنْبَأَنا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ بَارِقٍ فَذَكرَ نَحْوَه.
وَسِمَاكُ بْنُ الوَليدِ هُوَ أَبُو زُمَيْلٍ الحَنَفِيُّ.
• قوله: "فَرَطٌ": الفَرَطُ: هو الذي يَتَقَدَّمُ ليُهيِّأ في المنزلِ الماءَ وغيره.
• وقوله: "يَا مُوَفَّقَةُ! "، أي: على الخَير، ترغيبٌ لها في السُّؤال عن الخَير.
وقوله: "لَنْ يُصَابُوا بمِثْلِي"، أي: لن يصلَ مصيبةٌ إلى أمَّتِي بمثل مَوتِي يريدُ أنَّه شفيعٌ يَتَقَدَّم على المشفوعِ له.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشُّهَدَاءِ مَنْ هُم؟
699 -
(1063) - (3/ 368) حَدَّثَنَا الأنصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ.
(ح) وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الشُّهَدَاءُ خَمْسٌ: الَمَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَنسٍ، وَصَفْوَانَ بْن أُمَيَّةَ، وَجَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، وَخَالِدِ بْن عُرْفُطَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْن صُرَدٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَعَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "المَطْعُونُ"، أي: المَيِّتُ بالطَّاعونِ وهو غُدَّةٌ كغُدَّةِ البَعير تَخْرُج في الآبَاطِ وغيرِها.
• و "الْمَبْطُوْنُ": هو الذي يموتُ بمرَض بَطْنِه كالإسْهَال والاستسقاء.
• "وَالغَرِقُ": - بفتح، فكسر - الذي يموتُ غريقًا في الماء.
• "وَصَاحِبُ الهَدَمِ": - بفتحتين - البناء المُنْهدم، أي: الذي سَقَط عليه بيتٌ أو جدارٌ فمات تَحْتَه.
• وقوله: "وَالشَّهِيدُ"، أي: المعلومُ لأنَّه الشَّهيدُ، ومفهومُ العَدد غير معتَبَرٍ، فقد ورد في الأحاديث أزيد من هذا العدد. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ في كرَاهِيَةِ الفِرَار مِنَ الطَّاعُون
700 -
(1065) - (3/ 369) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْن زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْن سَعْدٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكرَ الطَّاعُونَ، فَقَالَ:"بَقِيَّةُ رِجْزٍ أَوْ عَذَابِ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بني إسرائيل، فَإِذَا وَقَعَ بِأَرضٍ وَأَنْتُم بِهَا فَلا تَخْرُجُوا مِنْهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرضٍ وَلَستُم بِهَا فَلا تَهْبِطُوا عَلَيْهَا".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ سَعْدٍ، وَخُزَيْمَةَ بْن ثَابِتٍ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "بَقِيَّةُ رِجْزٍ": بالإضَافة. "والرِّجْز": العذابُ، وكلمةُ:"أو" للشَّكِّ.
• قوله: "فَلا تَخْرُجُوا"، أي: لئلا يضيعَ الموتى والمَرْضى بعدم مَنْ يُجَهِّزُهم ويَفْقدهم.
• وقوله: "فَلا تَهْبِطُوا"، أي: لا تنْزلوا؛ لأنَّه أسكنُ للنَّفْس وأطيبُ للعَيْش. قيل: الأوَّل تفويضٌ وتسليمٌ، والثَّاني تعليم وتأديبٌ.
[بابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحبَّ اللهُ لِقَاءَه]
701 -
(1066) - (3/ 370) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِقْدَامٍ أَبُو الأشعَثِ العِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْن سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَه، وَمَنْ كرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَه".
وَفِي البَاب عَنْ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ
…
" إلخ، فسَّر محبةَ اللهِ تعالى بلقَائه بإرادةِ الخَير له عندَ اللِّقاء. قيل: الشَّرطُ ليسَ سببًا للجَزاء بل الأمرُ بالعَكْسِ، أجيبَ بأنَّ المعنى فلْيَفْرح، أو فأخْبره بأنَّ الله يُحِبُّ لقاءَه.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ
702 -
(1068) - (3/ 371 - 372) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، وَشَرِيكٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْب، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي هَذَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى إِلَى القِبْلَةِ وَعَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وقَالَ أَحْمَدُ: لا يُصَلِّي الإِمَامُ عَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ الإِمَامِ.
• قوله: "فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلَّى
…
" إلخ، وأجابَ هذا البعضُ عن الحديث بأنَّه صلى الله تعالى عليه وسلَّم لم يُصَلِّ عليه بنَفْسه زجرًا للنَّاس عن مثل فعلِه.
بَابُ مَا جَاءَ في [الصَّلَاةِ عَلَى] المَدْيُون
703 -
(1070) - (3/ 373) حَدَّثَني أَبُو الفَضْلِ مَكْتُومُ بْنُ الْعَبَّاسِ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَني اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَني عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بالرَّجُلِ المُتَوَفَّى، عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَقُولُ:"هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قضَاءٍ"، فإِنْ حُدِّثَ أنهُ ترك وَفاءً صَلى عَليْهِ، وَإِلَا قَالَ لِلمُسْلِمِينَ:"صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ"، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الفُتُوحَ، قَامَ فَقَالَ:"أَنا أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ المُسْلِمِينَ فَترُكَ دَيْنًا عَلَيَّ قَضَاؤُه، وَمَنْ تركَ مَالَا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْن صَالِحٍ.
• قوله: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ": قيل: كان ذلك زَجْرًا لهم عن التَّسَاهُل في الاسْتِدَانَة، وعن إهْمال وفائِها.
• قوله: "أَنا أَوْلَى بالمُؤْمِنِينَ": كما قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}
(1)
.
(1)
الأحزاب: 6.
بَابُ مَا جَاءَ في عَذَاب القَبْرِ
704 -
(1071) - (3/ 374 - 375) حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قُبِرَ المَيِّتُ - أَوْ قَالَ: أَحَدُكُمْ - أتَاه مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لِأحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَللآخَرِ: النَّكيرُ، فَيَقُولانِ: مَا كُنْتَ تَقُول فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه وَرَسُولُهُ، فَيَقُولانِ: قَدْ كُنَّا نعْلمُ أنّك تَقول هَذا، ثمَّ يُفسَحُ لهُ فِي قبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: "نَمْ"، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخبِرُهُمْ؟ فَيَقُولانِ: نَمْ كنَوْمَةِ العَرُوس الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ، فَقُلْتُ مِثْلَهُ لا أَدْرِي، فَيَقُولانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أنك تَقول ذلِكَ، فيُقال للأرْض: التَئِمِي عَليْهِ، فتَلتَئِمُ عَليْهِ، فتَخْتَلِفُ فِيهَا أضْلاعُهُ، فَلا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ".
وَفِي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْن ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالبَرَاءِ بْن عَازِبٍ، وَأَبِي أيُّوبَ، وَأنسٍ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشة، وَأبِي سَعِيدٍ كُلهُمْ رَوَوْا عَنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي عَذَابِ القَبْرِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "إِذَا قُبِرَ المَيِّتُ"، أي: المؤمن.
• قوله: "أو أَحَدُكم": شكٌّ، والخطابُ للمؤمنين يحتمل أن المرادَ مطلقُ المَيِّتِ، والخطابُ بالناس مطلقًا وهو الأوفقُ بقوله:"وإنْ كانَ مُنَافِقًا".
• وقوله: "أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ": - بتقديم المُعجمةِ على المُهْملة - أرادَ
سَواد منظرهما، وزُرْقَةَ أعْيُنِهما، والزُّرقةُ أبغضُ الألوَان إلى العرب؛ لأنَّها لونُ أعدائِهم الرُّوم. ويحتمل إرادةَ قُبْح المَنظر، وفضَاعة الصُّورةِ، وتحديد النَّظر، وتقليب البصر كنايةً عن شدَّة الغضبِ.
• وقول: "الْمُنْكَرُ": بفتح الكاف، و "النَّكيرُ" بمعنى: المنكَر - بالفتح - أيضًا وذلك؛ لأنَّهما خُلِقَا بحيث لا أنسَ فيهما للنَّاظر، والمَيِّتُ لم يَعْرِفْهُما ولم يَرَ صورةً مثل صورتهما، والمقصودُ تخويفُ الكافرين بذلك وإظهارُ فضلِ المؤمن وثُباته.
• وقول: "بهَذَا الرَّجُلِ": المرادُ به النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلَّم، والإشارة: إليه للاشتهار المُغْني عن الحضور. وقولهما: "هَذَا الرَّجُلِ": دونَ الرَّسولِ لئلا يَتَلَقَّنَ إكرامَه. فيُعَظِّمُه تقليدًا له؛ لأنَّ المقام مقام الامتحان.
• قوله: "مَا كَانَ يَقُولُ"، أي: في الدُّنيا.
• وقوله: "قَدْ كنَّا نَعْلَمُ"، أي: من آثار السَّعادة الظَّاهِرَة كبَشَاشةِ الوَجْه وطَلاقَتِه لما سَبَقَ من البِشَارةِ عندَ الموتِ.
• وقوله: "ثُمَّ يُفْسَحُ": - بالحَاء المُهملة - على بناء المفعول، أي: يُوسَّع.
• وقوله: "نَمْ": - بفتح النُّون - أشهرُ من ضَمِّها.
• "والعَرُوسِ": - بفتح العين - اسم للزَّوْجَين عند دخول أحدهما بالآخر.
• وقوله: "حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ": غايةٌ لمحذوف، أي: فلم يزل في النَّوم على حُسُن حالٍ أو في النِّعْمة حتى يبعثَه اللهُ، والغايةُ على الثاني لَيْسَت لإفادةِ قَطع النِّعْمةِ عنه بعدَ البعث ونقلِه إلى ضِدِّها، بل لإفادةِ أنَّه يُنْقَل بعد ذلك إلى نعمةٍ
تُنْسَى هذه النعمةُ عندَها.
• وقول: "وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا"، هذا بتَقدير إذا كان مؤمنًا وإن كان منافقًا، ولعلَّ المرادَ به مطلقُ الكافر إذ غيرُ المنافق لا يحتاج إلى السُّؤال لظهور أمرِه. والله تعالى أعلم.
• قوله: "فَقُلْتُ مِثْلَهُ"، أي: تقليدًا.
• وقوله: "لا أَدْرِي"، أي:[ما] جاء عليه الأمر تحقيقًا.
• وقوله: "التَئِمِي": - بالهمزة - الْتَأَمَ: إذا اجتمعَ.
• [فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلاعُهُ]: والاختلافُ: إدخالُ شيءٍ في شيءٍ، أي: يقرُب كلُّ جانبٍ من القَبر إلى الجَانب الآخر ويَضُمُّه ويَعْصِرُه.
• وقوله: "فَلَمْ يَزَلْ [فِيهَا] مُعَذَّبًا"، أي: بذلك العذابِ حتى يَبْعَثَه اللهُ، وبعد ذلك ينتقل إلى عذابٍ أشَدَّ.
705 -
(1072) - (3/ 375) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَة، عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ المَيِّتُ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُه بِالْغَدَاةِ وَالعَشيِّ، إِنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ"، أي: فيُعْرَض عليه من مقاعدِ أهل الجَنَّةِ ويُقال: "هَذَا مَقْعَدُكَ"، أي: المعروضُ، أي: فكُنْ على أن المصيرَ إليه حتى يبعثَك، أو المراد بـ "هَذَا مَقْعَدُكَ"، أي: القبرُ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَجْرِ مَنْ عَزَّى مُصَابًا
706 -
(1073) - (3/ 376) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَاللهِ مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْن عَاصِمٍ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ مَوْقُوفًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَيُقَالُ: أَكْثَرُ مَا ابْتُلِيَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ بِهَذَا الحَدِيثِ نَقَمُوا عَلَيْهِ.
• قوله: "مَنْ عَزَّى": هو - بتشديد الزَّاء المُعجمة -، أي: حَمَله على العَزَاء - بالمَدِّ -: وهو الصَّبْرُ بوَعْدِ الأجْر على الصَّبر، بأن يقولَ: أعظمَ اللهُ أجرَك، أو ما يُناسِبُ هذا المعنى، فيُسَهِّلُ عليه المصيبةَ بذلك وهذا على حسبِ الدَّال على الخَير.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَمُوْتُ
(1)
يَوْمَ الجُمُعَةِ
707 -
(1074) - (3/ 377) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْد عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاه اللهُ فِتْنَةَ القَبْرِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُه بِمُتَّصِلٍ، رَبِيعَةُ بْنُ سَيْفٍ إِنَّمَا يَرْوِي عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلا نَعْرِفُ لِرَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ سَمَاعًا مِنْ عَبْد اللهِ بْنِ عَمْرٍو.
• قوله: "فِتْنَةَ القَبْرِ"، أي: السُّؤال فيه.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "مَاتَ".
بَابٌ آخَرُ فِي فَضْل التَّعْزيَةِ
708 -
(1076) - (379 - 3/ 378) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ المُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ الأسْوَدِ عَنْ مُنْيَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي بَرْزَةَ، عَنْ جَدِّهَا أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدًا فِي الجَنَّةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالقَوِيِّ.
• قوله. "كُسِيَ": على بناء المفعول وضميرُه: لـ"مَنْ".
أبْوَابُ الْنِّكَاحِ
(1)
[بابُ مَا جَاءَ فِي فَضْل التَّزْوِيجِ، وَالحَثِّ عَلَيْهِ]
709 -
(1081) - (3/ 383) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْن عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَابٌ لا نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! عَلَيْكُمْ بِالبَاءَةِ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ نَحْوَه. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الأعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ هَذَا. وَرَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَالمُحَارِبِيُّ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه، قَالَ أبُوْ عِيْسَى: كِلَاهُمَا صَحِيحٌ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ النِّكَاحِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "وَنَحْنُ شَبَابٌ": جمعُ شابٍ، وهو مَنْ بَلَغَ ولم يُجَاوِزْ ثلاثينَ سنةً. "لا نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ": من الفَقْر.
• وقوله: "مَعْشَرَ الشَّبَابِ": المعشرُ: الطَّائفةُ التي يَشْمَلُها وصفٌ كالنَّوع والجِنْس ونحوه، والشَّبابُ كذلك.
• و"البَاءَة": - بالمَدِّ والهاء على الأفْصَح - لغةً: الجماعُ، ويقال للعَقْد وهو المرادُ.
• وقوله: "أَغَضُّ"، أي: أحْبَسُ.
• وقوله: "أَحْصَنُ"، أي: أحْفَظُ.
• وقوله: "فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمُ البَاءَةَ"، أي: مُؤَن النكاحِ على تقدير المُضَاف، أو إطلاقٍ للاسم على مُلازمِه.
• وقوله: "أَحْصَنُ"، أي: للفَرْج.
• "وِجَاء": - بكسر الواو والمَدِّ - أصْلُه أن تُرَضَّ، أي: أنثى الفَحْل
(1)
رَضًّا شديدًا يُذهب شهوةَ الجِماعِ، أراد أن الصومَ يقطعُ النِّكاحَ كما يقطعه الوِجَاء.
(1)
أي: خُصْيَتَاه.
بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْي عَن التَّبَتُّل
710 -
(1082) - (3/ 374) حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْن إِبْرَاهِيمَ الصَّوَّافُ البَصْرِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ التَّبَتُّلِ".
قَالَ أبوْ عِيْسَى: وَزَادَ زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ فِي حَدِيثِهِ وَقَرَأَ قَتَادَة: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}
(1)
قَالَ: وفي البَاب عَنْ سَعْدٍ، وَأَنَسِ بْن مَالِكٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى الأشعَثُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْن هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه، وَيُقَالُ: كِلَا الحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ.
• قوله: "التَّبَتُّلِ": هو الانقطاعُ عن النِّساءِ، وتركُ النكاح انقطاعًا إلى عبادةِ الله تعالى.
711 -
(1083) - (3/ 385) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلوْ أَذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنَا.
(1)
الرعد: 38.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لاخْتَصَيْنَا": قال النَّووي
(1)
: هذا محمولٌ على أنَّهم ظنُّوا جوازَ الاختصاءِ باجتهادِهم، قال: ولم يكن ظَنُّهم هذَا مُوافِقًا فإنَّه مِنَ الآدَمِيِّ حرامٌ صغيرًا كان أو كبيرًا. وردَّ بأنَّ معنى "اخْتَصَيْنَا" فعلنَا فعلَ المُخْتَصِين في تركِ النِّكاح والانقطاع عنه اشتغالًا بالعِبادةِ حملًا لظَنِّهم على أحسنِ الظُّنونِ.
في "المجمع":
(2)
الاختصاءُ من: خصيتَ الفحلَ إذا سَلَلْتَ خَصِيَّتَيه، أي: أخرجتَها، واختصيتَ إذا فعلتَ ذلك بنفسِك وهو ليسَ بمرادٍ؛ لأنَّه مُحَرَّمٌ، وإنَّما المرادُ أن يَقْطَعَ الشَّهوةَ بمعالجةٍ، وقال:"اخْتَصَيْنَا"، أي: تَبَتَّلْنَا من النِّساء.
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 9/ 176.
(2)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 2/ 51.
بَابُ مَا جَاءَ فِي
(1)
مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ فَزَوِّجُوه
712 -
(1085) - (3/ 386) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ البَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن هُرْمُزَ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدٍ ابْنَيْ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ المُزَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوه إِلَّا تَفْعَلُوَا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوه"، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو حَاتِمٍ المُزَنِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ، وَلا نَعْرِفُ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ.
• قوله: "وَخُلُقَهُ": - بضَمَّتَيْن - وذلك لأنَّه مدارُ حسنِ المُعاشَرةِ كما أن الدينَ مدارُ أداءِ الحقوقِ.
• وقوله: "إِلَّا تَفْعَلُوا
…
" إلخ، أي: إن لم تزوِّجُوْا مَنْ ترضَوْن دينَه وخُلُقَه، وترغبوا في ذِي الحَسَب والمالِ تَكُنْ فتنةٌ وفسادٌ؛ لأنَّ الحسبَ والمالَ يجلبان إلى الفِتْنَةِ والفسادِ عادةً. وقيل: إذا نظرتُمْ إلى صاحبِ المَالِ والجاهِ يبقَى أكثرُ الرِّجالِ والنِّساءِ بلا تزوُّجٍ فيكثُر الزِّنا، ويَلْحَقُ العارُ والغَيرةُ بالأولياءِ، فيقعُ القتلُ والفتنةُ. ويمكن أنْ يقالَ: إنَّ تعظيمَ الجاهِ والمالِ، وإيثارَه على الدِّين يؤدِّي إلى الفِتَن، وفيه حُجَّةٌ لمالكٍ على الجمهور فإنَّه يُراعي الكفاءةَ في الدِّين فقط.
• قوله: "وَإِنْ كَانَ فِيهِ"، أي: ما يمنعُ التَزَوُّجَ من فَقْرٍ وعَيْبٍ. والله تعالى أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "إِذَا جَاءَكُمْ" مكان "فِي".
بَابُ مَا جَاءَ فِيْمَنْ
(1)
تُنْكَحُ عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ
713 -
(1086) - (3/ 387) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ المَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا، وَمَالِهَا، وَجَمَالِهَا، فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَائِشَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَبِي سَعِيدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عَلَى دِينِهَا"، أي: لأجل دينِها، فعلى بمعنى اللام كما في قوله تعالى:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}
(2)
وهذا إخبارٌ بما فَعَلَه النَّاسُ في العادةِ فإنَّهم يقصدون هذه الخصالَ، فعليكَ - أيُّها المُسْتَرشدُ - بذاتِ الدِّين لأنّه أمر بذلك.
• قوله: "تَرِبَتْ -": - بفتح التَّاء وكَسْر الرَّاء - من تَرِبَ: إذا افتَقَر ولَصِق بالتُّراب، أي: افْتَقَرْتَ، وهذه كلمةٌ تَجري على لسان العرب مقامَ المدح لا يُراد بِها الدُّعاء على المخَاطب دائمًا، وقد يُراد بِها الدُّعاء أيضًا، وههنا إمَّا للمَدْح، أي: فعليكَ أيُّها العاقلُ الذي يُحْسد عليكَ لكمال عقلكَ، فيقول الحاسدُ حسدًا تَرِبَتْ يدَاك بذاتِ الدِّين، أو للذَّم والدُّعاء عليه بتقدير إنْ خالفتَ هذا الأمر.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "أَنَّ المَرْأَةَ" مكان "فِيْمَنْ".
(2)
الحج: 37.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّظَر إلَى المَخْطُوبَةِ
714 -
(1087) - (3/ 388) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَان هُوَ الأحْوَلُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، عَنِ المُغِيرَةِ بْن شعْبَة أَنَّهُ خَطبَ امْرَأةً، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"انظرْ إِليْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنكُمَا".
وَفِي البَاب عَن مُحَمَّدِ بْن مَسْلَمَةَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي حُمَيْدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْل العِلْم إِلَى هَذَا الحَدِيثِ، وَقَالُوا: لا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِليْهَا مَا لمْ يَرَ مِنْهَا مُحَرَّمًا، وَهُوَ قوْل أحْمَدَ، وَإِسْحَاق. وَمَعْنَى قولِهِ:"أحْرَى أنْ يُؤْدَمَ بَيْنكُمَا"، قَالَ: أَحْرَى أَنْ تَدُومَ المَوَدَّة بَيْنكُمَا.
• قوله: "يُؤْدَمَ بَيْنكُمَا": المَوَدَّةُ والاتِّفاقُ، يقال: أدِمَ بينَهما يَأدم أدْما - بالسُّكون - أي: ألِّفَ، وكذلك آدم، يُؤدِم - بالمَدِّ - فَعَل وأفْعَل بمعنى.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إعْلَان النِّكاحِ
715 -
(1088) - (3/ 389) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَلْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن حَاطِبِ الجُمَحِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَرَامِ وَالحَلَالِ، الدُّفُّ وَالصَّوْتُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَأَبُو بَلْجٍ: اسْمُهُ يَحْيَى بْن أَبِي سُلَيْمٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ سُلَيْمٍ أيضًا. وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ.
• قوله: "الدُّفُّ": - بالضَّمِّ، والفَتح - معروفٌ، والمرادُ إعلانُ النِّكاحِ بالدُّفِّ.
716 -
(1089) - (3/ 389/ 390) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الأنْصَارِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعْلِنُوا هَذَا النِّكاحَ، وَاجْعَلُوه فِي المَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ فِي هَذَا البَابِ. وَعِيسَى بْن مَيْمُونٍ الأنْصَارِيُّ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ، وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الَّذِي يَرْوِي عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ التَّفْسِيرَ هُوَ ثِقَةٌ.
• قوله: "وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ"، أي: لإظهارِه وإعلانِه بالدُّفِّ.
717 -
(1090) - (3/ 390) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ عَلَيَّ غَدَاةَ بُنِيَ بِي، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ لنَا يَضْرِبْنَ بِدُفُوفِهِنَّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ إِلَى أَنْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اسْكُتِي عَنْ هَذِهِ، وَقُولي الَّتِي كنْتِ تَقُولينَ قَبْلَهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "بُنِيَ بِي"، أي: غداةَ دخولِ زَوْجِي عليَّ.
• و"جُوَيْرِيَاتٌ": جمع جُوَيْرِيَة تصغيرُ جاريةٍ.
• وقوله: "وَيَنْدُبْنَ": منَ النُّدْبة، أي: يَذْكُرْنَ أحوالَهم، وهذَا الحديثُ يؤيِّد تفسيرَ الصَّوتِ في حديثِ:"فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَلالِ والْحَرامِ: الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكاحِ" على خلافِ ما فَهِمَه البيهقيُّ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا [جَاءَ فِي] مَا يُقَالُ لِلمُتَزَوِّجِ
718 -
(1091) - (3/ 391) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَّأَ الإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ، قَالَ:"بَارَكَ الله لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنكُمَا فِي الخَيْرِ".
قَالَ: وفي البَاب عَن عَقِيلِ بْن أَبِي طَالِبٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "بَارَكَ الله لَكَ"، أي: باركَ اللهُ فيها لأجلكَ.
• "وَبَارَكَ عَلَيْكَ": ويجوز أنْ يُقَدَّرَ الكلامُ على طَريقِ الاحْتِباكِ، أي: باركَ اللهُ عليها لأجلكَ، وباركَ عليكَ لأجلها.
بَابُ مَا جَاءَ فيمَا يَقُولُ إذَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ
719 -
(1092) - (3/ 392) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْن أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللهِ، اللهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنْ قَضَى اللهُ بَيْنَهُمَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّه الشَّيْطَانُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ
…
" إلخ، مِنْ جَنَّبتُ - بتشديد النُّون - والمراد بـ: "مَا رَرقْتَنَا": الولد، و"قَضَى" بمعنى: خَلَق.
• وقوله: "لَمْ يَضُرَّه الشَّيْطَانُ": لم يَحْمِلْه أحدٌ على العُموم في جميعِ الضَّرَر، والإغواءِ، والوَسْوَسَةِ؛ لأنَّ كُلَّ مولودٍ يَمَسُّه الشيطانُ، فيكونُ من المحفوظين، فمعنى لم يضُرَّه، أي: ليسَ له على الولدِ تَسَلُّطٌ. وقيل: لا يتَخَبَّطُه ولا يُدَاخِلُه بما يَضُرُّ عقْلَه أو بَدَنَه، ولا يَفْتِنُه بالكُفْر.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الأوْقَاتِ الَّتِى يُسْتَحَبُّ فِيهَا النِّكاحُ
720 -
(1093) - (3/ 392 - 393) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:"تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ". وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ يُبْنَى بِنِسَائِهَا فِي شَوَّالٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أُمَيَّةَ.
• قوله: "وَبَنَى بِي"، أي: والأصْلُ أن الرجلَ كانَ إذا تزَوَّجَ امرأةً يُبْنَى عليه قُبَّةٌ ليدخلَ فيها، فيقالُ: بَنَى على أهْلِه وبأهلِه. وقول الجوهري: "ولا يُقالُ بأهلِه" مَحَلُّ نَظَرٍ. كذا في النهاية
(1)
.
• قوله: "تَسْتَحِبُّ": كأنَّها تَسْتَحِبُّ ذلك للاتِّباعِ.
(1)
راجع: النهاية الجزرية لابن الأثير: 1/ 380.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَليْمَةِ
721 -
(1094) - (3/ 394 - 393) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَن بْن عَوْفٍ أَثَرَ صفرَةٍ، فقال:"مَا هَذا؟ " فقال: إِني تَزَوَّجْتُ امْرَأة عَلى وَزْنِ نوَاةٍ مِنْ ذهَبٍ، فَقَالَ:"بَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلمْ وَلَوْ بِشَاةٍ".
وَفِي البَاب عَنِ ابْن مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَزُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: "وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ: وَزْنُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَثُلُثٍ. وقَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ وَزْنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَثُلُثٍ.
• قوله: "أَثَرَ صفرَةٍ": تعَلَّقتْ بجِلده أو ثوبِه من طِيْبِ العُرْس، وليسَ بدَاخِل في النَّهْي عن تَزَعْفُر الرَّجُل؛ لأنَّه فيما قُصِدَ به التَّشِبْيهُ بالنِّساء، وقيل: يُرَخَّصُ فيه للعُرُوس على أن الأثرَ في الثَّوبِ جائزٌ عند مالكٍ، وحملوا النَّهيَ عن التَّزَعْفُر على اسْتِعْمالِه في البَدَن.
• وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "مَا هَذَا" يحتملُ أنْ يكونَ إنكارًا، ويحتملُ أنْ يكونَ سؤالًا، وعلى الثَّاني هو [لَيْسَ] من كَثرةِ السُّؤالِ المَنْهِيِّ عنه؛ لأنَّه يحتملُ أن يكونَ سببُه مِمَّا يَتَعَلَّقُ به بعضُ الأحكام الشَّرعِيَّة المحتاجةِ إلى البيانِ كما ظَهَر بالجوابِ.
• وقوله: "أَوْلمْ": أمرُ ندبٍ عندَ الجمهور وحَمَلَه بعضُهم على الوُجُوْب.
• وقوله: "وَلَوْ بِشَاةٍ": إشارةٌ إلى أن الشاةَ من أهل الغِنَى قليلٌ، وينبغي لهم الإتيانُ بأكثر منها، وليسَ فيها تحديدٌ بمعنى أنَّه لا يجوزُ أقلُّ منها. ووجهُ الوليمةِ هو المبالغةُ في الإعلانِ، وهو لإعلانِ الدُّخولِ لِمَا يَتَعَلَّقُ به من الحُقُوق، أخَذَ بعضُهم من الحديثِ أن الوليمةَ بعدَ الدُّخول.
• قوله: "وَزْنُ ثَلاثَةِ دَراهِمَ": ظاهرُه أن النَّواةَ وَزْنٌ معروفٌ هو وَزْنُ ثلاثةِ دَراهِمَ، وقيل: بل المرادُ ثلاثةُ دراهمَ نفسُ وَزْنِ النَّواةِ من ذهبٍ، وعلى هذا فالْمَهْرُ كانَ ثلاثةَ دراهمَ مثلًا، لكنَّ قولَه:"مِنْ ذَهَبِ" في الحديثُ يأبَى ذلك فإنَّ ظاهرَه أن المَهْرَ كان ذهبًا، وجَعَل وزن نواةٍ [كان]
(1)
قيمةَ ثلاثةِ دراهمَ، فأطْلَق عليه هذا الاسمَ لذلك. والله تعالى أعلم.
722 -
(1095) - (3/ 394) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ.
قَالَ أبُوْ عِيسَى: هَذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "بِنْت حُيَيٍّ": بضم، ففتح، فتشديد الياء الثانية.
723 -
(1097) - (3/ 395 - 394) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "طَعَامُ أَوَّلِ يَوْمٍ حَقٌّ، وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّانِي سُنَّةٌ، وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّالِثِ سُمْعَة، وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ
(1)
قوله: (كان) لا يلائم سياق العبارة، ولعلها من زيادة الناسخ.
عَبْدِ اللهِ، وَزِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ كثِيرُ الغزائِبِ وَالمَنَاكِيرِ، وَسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَذْكرُ عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: قَالَ وَكِيعٌ: زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَعَ شَرَفِهِ يَكْذِبُ فِي الحَديثِ.
• قوله: "حَقٌّ": ظاهرُه الوجوبُ، وحملوه على التَّأكُّد.
• وقوله: "سُنَّةٌ"، أي: فضل وزيادةٌ في الاشْتِهَار المطلوبِ من الوليمةِ بمنزلةِ التَّأكيدِ.
• وقوله: "سُمْعَةٌ"، أي: رِيَاءٌ واشْتِهَارٌ لا لفائدةٍ ديْنِيَّةٍ. و"سَمَّعَ": في المَوْضَعَيْن - بالتَّشديد - أي: مَنْ قَصَدَ السُّمْعةَ فَضَحَه الله تعالى، وشهَّره بسُوْءِ قَصْدِه.
• قوله: "مَعَ شَرَفِهِ يَكْذِبُ فِي الحَدِيثِ": ظاهرُ السَّوْق أنَّه من الكَذِب، وضَبَطَه بعضُهم من التَّكذيبِ لِمَا في التَّقريبِ ولم يَثْبُتْ أن وكيعًا كذَّبه. انتهى
(1)
. لكن قال أبو القاسم السُّهيليُّ
(2)
: ثِقةٌ خرَّج عنه البخاريُّ في كتابِ الجِهاد، وخرَّج عنه مسلمٌ في مواضع من كتابِه وحَسْبُك بِهذا تزكيةً، وذكر البخاري في التَّاريخ عن
(1)
راجع: تقريب التهذيب للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: 346.
(2)
هو: الحافظ العلامة، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبغ الخثعمي الأندلسي المالقي، السهيلي، ولد في مالقة سنة ثمان وخمس مائة، ونسبته إلى "سهيل" من قرى مالقة بالأندلس، كان علامة، واسع المعرفة، غزير العلم، متفننا، لغويا، عالما بالتفسير، عارفا بالرجال والأنساب، وعلم الكلام، وأصول الفقه، حافظا للتاريخ القديم والحديث. توفي يوم الخميس، السادس والعشرين من شعبان، سنة إحدى وثمانين وخمس مائة. من تصانيفه:"التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام"، و"نتائج الفكر"، و"روض الأنف في شرح سيرة ابن هشام". راجع لترجمته: تذكرة الحفاظ.: 4/ 1348، وفيات الأعيان: 3/ 143، شذرات الذهب: 6/ 445.
وكيعٍ، وقال: زيادٌ أشرفُ مِنْ أنْ يَكْذِبَ في الحديثِ، ووَهِمَ الترمذي فقال في كتابِه: عن البخاري، قال: قال وكيع: زيادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ على شَرَفِه يَكْذِبُ في الحديث، وهذا وهمٌ لم يَقُلْ فيه وكيع بالكَذِب فيه إلا ما ذكره البخاريُّ عنه حديثًا واحدًا ولا مسلم. انتهى
(1)
.
(1)
راجع: الروض الأنف للسهيلي: 1/ 21.
بَابُ مَا جَاءَ [فِي] إجَابَةِ الدَّاعِي
724 -
(1098) - (3/ 395) حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ائْتُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالبَرَاءِ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "الدَّعْوَةَ": تَعُمُّ الوليمةَ وغيرَها لكنَّ الوجوبَ عندَ العلماء مخصوصٌ بالوليمةِ، فإن حُمِلَ على الوليمةِ فالأمرُ للوُجُوْب وإلا فللندب.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَجئُ إلَى الوَليمَةِ بغَيْر
(1)
دَعْوَةٍ
725 -
(1099) - (396/ 3) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ إِلَى غُلَامٍ لَهُ لَحَّامٍ، فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الجُوعَ، قَالَ: فَصَنَعَ طَعَامًا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَاه وَجُلَسَاءَهُ الَّذِينَ مَعَهُ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اتَّبَعَهُمْ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ دُعُوا، فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى البَابِ، قَالَ لِصَاحِبِ المَنْزِلِ:"إِنَّهُ اتَّبَعَنَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا حِينَ دَعَوْتَنا فَإِنْ أَذِنْتَ لَهُ دَخَلَ"، قَالَ: فَقَدْ أَذِنَّا لَهُ فَلْيَدْخُلْ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قال: وفي البَاب عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
• قوله: "لَحَّامٍ": كعَلَّامٍ، بائعُ اللَّحْم.
• قوله: "رَأَيْتُ الجُوعَ"، أي: أثَرَه.
• وقوله: "اتَّبَعَهُمْ": بتشديد التاء. و"حِيْنَ دُعُوْا": على بناء المفعول.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَزْوِيجِ الأبْكَارِ
726 -
(1100) - (3/ 397) حَدَّثَنَا قُتَيبةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"أَتَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ:"بِكْرًا، أَمْ ثَيِّبًا؟ "، فَقُلْتُ: لا، بَلْ ثَيِّبًا، فَقَالَ:"هَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ عَبْدَ اللهِ مَاتَ، وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أَوْ تِسْعًا، فَجِئْتُ بِمَنْ يَقُومُ عَلَيْهِنَّ. قَالَ: فَدَعَا لِي.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أُبَيِّ بْن كَعْبٍ، وَكَعْبِ بْن عُجْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْد الله حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "هَلَّا جَارِيَةً"، أي: بِكْرًا.
• وقوله: "تُلَاعِبُهَا": تعليلٌ لقوله: "فَهَلَّا جَارِيَةً"، أي: هَلَّا تزَوَّتْجَتَ بِكْرًا ليكونَ بينكما ألْفٌ وتأنُّسٌ على وجهِ الكمالِ، فإنَّ الثَّيِّبَ قد تكونُ مُعَلَّقَةَ القلبِ بالسَّابق فلم يحصلُ فيها ذلك. و"عَبْدُ اللهِ": هو أبُو جابرٍ.
• وقوله: "بِمَنْ يَقُومُ عَلَيْهِنَّ"، أي: يُصْلِحُ حَالَهُنَّ، ويقومُ بمَصَالِحِهِنَّ أي: تَقُوم حافظةً عليهن مَصَالِحَهُنَّ.
بَابُ مَا جَاءَ لا نِكَاحَ إلَّا بِوَليٍّ
• أي: بإذْنِه كما في الحديث الآتِي.
727 -
(1102) - (3/ 498 - 402) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَليِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَليُّ مَنْ لا وَليَّ لَهُ".
• بِمَا اسْتَحَلَّ": أي: اسْتَمْتَعَ.
بَابُ مَا جَاءَ لا نِكَاحَ إلَّا ببَيِّنَةٍ
728 -
(1103) - (3/ 402) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْن زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"البَغَايَا اللَّاتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ".
قَالَ يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ: رَفَعَ عَبْدُ الأعْلَى هَذَا الحَدِيثَ فِي التَّفْسِيرِ وَأَوْقَفَهُ فِي كِتَابِ الطَّلاقِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
• قوله: "البَغَايَا": جمع بَغِيٍّ - بتشديد الياء - بمعنى الزَّانِيَة وهو مبتدأ، والموصولُ مع صِلَتِه خبرُه، والمعنى ليسَ على الحَصْر بل على أن مِن "البَغَايَا اللَّاتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ" وهو من الإنْكَاح. و"أنْفُسَهُنَّ": بالنَّصب مفعولُه، وجعله من النكاح على أن "أنْفُسَهُنَّ" مرفوعٌ بالفاعِلِيَّة عن لغةِ "أكَلُوْنِي البَراغِيْثُ" أو على أنَّه مرفوعٌ على أنَّه تأكيدُ الفاعل - كما ضبط في بعض النسخ - بعيدٌ جِدًّا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي خُطْبَةِ النِّكاحِ
729 -
(1105) - (3/ 404 - 405) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْثَرُ بْنُ القَاسِمِ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ، وَالتَّشَهُّدَ فِي الحَاجَةِ، قَالَ: التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ: "التَّحِيَّاتُ لِه وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". وَالتَّشَهُّدُ فِي الحَاجَةِ: "إِنَّ الحَمْدَ للهِ نسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، فَمَنْ يَهْدِهِ اللهِ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنِ يُضْلِلْ. فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"، وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ. قَالَ عَبْثَرٌ: فَفَسَّرَه لنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
(1)
(2)
{اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}
(3)
.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَدِيِّ بْن حَاتِمٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ الأعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاه شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكِلَا الحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ لِأنَّ إِسْرَائِيلَ جَمَعَهُمَا،
(1)
آل عمران: 102.
(2)
النساء: 1.
(3)
الأحزاب: 70.
فَقَالَ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأحْوَصِ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَدْ قَالَ أَهْلُ العِلْمِ: إِنَّ النِّكاحَ جَائِزٌ بِغَيْرِ خُطْبَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ.
• قوله: "فِي الحَاجَةِ": ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ يُفيْدُ أن المرادَ بالحَاجَةِ: النِّكاحُ، إذ هو الذي يَتَعَارَفُ فيه الخُطْبة دونَ سائر الحَاجَات، ويمكنُ أنْ يكونَ هَذا عامًا في الحَاجات، ومن جُمْلَتِها النِّكاحُ، فيأتِي الإنسانُ بِهذا يَسْتَعِيْن على قَضائها. والله تعالى أعلم.
730 -
(1106) - (3/ 405) حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمِ بْن كُلَيْبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَاليَدِ الجَذْمَاءِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "كُلُّ خُطْبَةٍ": - بضَمِّ الخَاء، وبكسرها - وعلى الثَّانِي فينبغي أنْ يَتَشَهَّدَ الإنسانُ عندَ ذَهَابِه للخُطبة، فيبدأ كلامَه بَالتَّشَهُّد قبل أنْ يذكرَ مطلوبَه لأهل المرأة. و"اليَدُ الْجَذْمَاء": المُقْطوعةُ التي لا فائدةَ فيها لصَاحِبها، أو التي بِها جُذَامٌ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِئْمَارِ البِكْرِ [وَالثَّيِّبِ]
731 -
(1107) - (3/ 706 - 404) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَإِذْنُهَا الصُّمُوتُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَالعُرْسِ بْن عَمِيرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ الثَّيِّبَ لا تُزَوَّجُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَإِنْ زَوَّجَهَا الأبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْمِرَهَا فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَالنِّكاحُ مَفْسُوخٌ، عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي تَزْوِيج الأبْكَارِ إِذَا زَوَّجَهُنَّ الآبَاءُ، فَرَأَى أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الأَبَ إِذَا زَوَّجَ البِكْرَ وَهِيَ بَالِغَةٌ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَلَمْ تَرْضَ بِتَزْوِيج الأبِ فَالنِّكاحُ مَفْسُوخٌ، وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ المَدِينَةِ: تَزْوِيجُ الأبِ عَلَى البِكْرِ جَائِزٌ وَإِنْ كَرِهَتْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "لَا تُنْكَحُ
…
" إلخ، الأفعالُ كُلُّها على بناءِ المفعول.
• و"الصُّمُوْتُ": كالسُّكُوْت لفظًا ومعنى، وفي اعتبارِ السُّكُوْت إذْنًا مراعاةً لحالِها وإبقاءً لاسْتِحْيائِها؛ لأنَّها لو تَكَلَّمَتْ صريحًا لظُنَّ أنَّها راغبةٌ في الرِّجالِ وذلك لا يليقُ بالبِكْر.
732 -
(1108) - (7/ 403 - 408) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الفَضْلِ، عَنْ نَافِعِ بْن جُبَيْرِ بْن مُطْعِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَليِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، رَوَاه شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ.
وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِجَازَةِ النِّكاحِ بِغَيْرِ وَليٍّ بِهَذَا الحَدِيثِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيثِ مَا احْتَجُّوا بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لا نِكَاحَ إِلَّا بِوَليٍّ"، وَهَكَذَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"لا نِكَاحَ إِلَّا بِوَليٍّ"، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَليِّهَا" عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ الوَليَّ لا يُزَوِّجُهَا إِلَّا بِرِضَاهَا وَأَمْرِهَا، فَإِنْ زَوَّجَهَا فَالنِّكاحُ مَفْسُوخ عَلَى حَدِيثِ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ، حَيْثُ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِكَاحَهُ.
• قوله: "الأَيِّمُ": - بفتح، فتشديد مكسورة - في الأصْل مَنْ لا زَوْجَ لها بِكْرًا كانَ أو ثَيِّبًا، والمرادُ ههنا الثَّيِّبُ لِمَا في بعض الرِّوَايات بلفظ الثَّيِّبِ والمقابلة بالبِكر. وقيل: هو الأكثرُ إستعمالًا.
• قوله: "أَحَقُّ": يقتضي المشاركةَ، أي: أن لهَا حَقًّا في نكاحِ نَفْسِها ولِوَلِيِّها حَقًّا، وحَقُّها أوْكَد من حَقِّه فلا ينافِي حديثَ:"لا نِكَاحَ إلَّا بوَليٍّ".
• وقوله: "صُمَاتُهَا": - بضم الصَّاد - هو السُّكُوْت.
• قوله: "بِنْت خِذَامٍ": بكسر الخاء المُعجمة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إكْرَاهِ اليَتِيمَةِ عَلَى التَّزْوِيجِ
733 -
(1109) - (3/ 408 - 409) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اليَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ صَمَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا"، يَعْنِي: إِذَا أَدْرَكَتْ فَرَدَّتْ.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي تَزْوِيجِ اليَتِيمَةِ، فَرَأَى بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: أَنَّ اليَتِيمَةَ إِذَا زُوِّجَتْ فَالنِّكاحُ مَوْقُوفٌ حَتَّى تَبْلُغَ، فَإِذَا بَلَغَتْ فلَهَا الخِيَارُ فِي إِجَازَةِ النِّكاحِ أَوْ فَسْخِهِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يَجُوزُ نِكَاحُ اليَتِيمَةِ حَتَّى تَبْلُغَ، وَلا يَجُوزُ الخِيَارُ فِي النِّكاحِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ. وقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: إِذَا بَلَغَتِ اليَتِيمَةُ تِسْعَ سَنِينَ فَزُوِّجَتْ فَرَضِيَتْ، فَالنِّكاحُ جَائِزٌ. وَلا خِيَارَ لَهَا إِذَا أَدْرَكَتْ، وَاحْتَجَّا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ:"إِذَا بَلَغَتِ الجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ".
• قوله: "فَلا جَوَازَ عَلَيْهَا"، أي: لا سبيلَ عليها، أو لا وِلايَةَ عليها، وهذا يَدُلُّ على أنَّه ليسَ على الصَّغيرةِ ولايةُ الإجبارِ لغير الأب.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الوَليَّيْن يُزَوِّجَان
734 -
(1110) - (3/ 409 - 410) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَليَّانِ فَهِيَ لِلأوَّلِ مِنْهُمَا، وَمَنْ بَاعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلأوَّلِ مِنْهُمَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ لا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلافًا: إِذَا زَوَّجَ أَحَدُ الوَليَّيْنِ قَبْلَ الآخَرِ فَنِكَاحُ الأوَّلِ جَائِزٌ، وَنِكَاحُ الآخَرِ مَفْسُوخٌ، وَإِذَا زَوَّجَا جَمِيعًا فَنِكَاحُهُمَا جَمِيعًا مَفْسُوخٌ، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "زَوَّجَهَا وَليَّانِ"، أي: من رَجُلَيْن، وضميرُ "فَهِيَ للأوَّل مِنْهُمَا" راجعٌ إلى هذَا المُقَدَّر لا إلى وليَّيْن، ويمكنُ أنْ يقالَ:"هِيَ للأوَّلِ مِنْهُمَا" بمعنى أنَّه ينفدْ فيها تزويْجُه والضَّمير للوَلِيَّين أو للأوَّل ههنا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي نِكَاحِ العَبْدِ بغَيْر إِذْنِ سَيِّدِهِ
735 -
(1111) - (3/ 410 - 411) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا الْوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ".
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْن عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا يَصِحُّ، وَالصَّحِيحُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ، عَنْ جَابِرٍ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ نِكَاحَ العَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ لا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَغَيْرِهِمَا بِلَا اخْتِلَافٍ.
• قوله: "فَهُوَ عَاهِرٌ": وفي روايةِ ابن ماجةَ: "فَهُوَ زَانٍ"
(1)
وهذا تفسيرُ العاهر. فإن قلتَ: المتبادرُ منَ التَزَوُّجِ هو العَقْد دونَ الوَطْي فكيفَ يَصِحُّ أنْ يكونَ العبدُ زانيًا بالعَقْد، وإن أريدُ به الوَطْيُ مجازًا يَلْزَم اشتراطَ الإذْنِ للوَطْي وهو غيرُ لازمٍ؟
قلتُ: المرادُ هو العَقْد، ومعنى كونِه زانيًا أنَّه مباشر مُقَدَّمَاتِه، آتٍ بأسْبابه ولا شكَّ أن العقدَ للوَطْي، ووَطْيُه بِهذه الزَّوْجةِ زناء، فصارَ العقدُ كأنَّه زناءٌ، - ثم لا يخْفَى أن ظاهرَه عدمُ جوازِ هذا التَزَوُّج لا كونه جائزًا موقوفًا. والله تعالى أعلم.
(1)
راجع: سنن ابن ماجة، كتاب النكاح، باب تزويج العبد بغير إذن سيده، ح:1960.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مُهُورِ النِّسَاءِ
736 -
(1113) - (3/ 411 - 412) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْن عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ بْن رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَني فَزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجَازَه.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَهْلِ بْن سَعْدٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي حَدْرَدٍ الأسْلَمِيِّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي المَهْرِ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: المَهْرُ عَلَى مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لا يَكُونُ المَهْرُ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ، وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الكُوفَةِ: لا يَكُونُ المَهْرُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَراهِمَ.
• قوله: "مِنْ بَنِي فَزَارَةَ": هو اسمُ قبيلةٍ، فلا إشْكالَ في عَدَّةِ المَرأةِ منهم.
• و"تَزَوَّجَتْ": بالبناء للفاعل، وظاهرُه أنَّها باشَرَتِ النِّكاحَ لكن ذلك غيرُ لازمٍ في نسبةِ العَقْد إليها؛ لأنَّ النِّسْبةَ تَصِحُّ بمُجَرَّدِ أنَّها رَضِيَتْ بذلك وإنْ كانَ المُباشِر الوَلِيُّ أو غيرُه بإذْنِه، فإذا عُلِم من خارجٍ أنَّه لابدَّ من الوَلِيِّ يُحْمَل الحديثِ على مُقْتَضَاه.
وبعضُهم ضَبَطُوه على بناءِ المفعول وكأنَّهم للفَرار عن ذلك الإيْرَاد ضَبَطُوه كذلك، ولا يَخْفَى أن الظاهرَ حينئذٍ:"زُوِّجَتْ" لا تزَوَّجَتْ، وكلمة "مِنْ" في قوله:"مِنْ نَفْسِكِ" للمقابلةِ والاستبدالِ، أي:"أرَضِيْتِ بِنَعْلَيْن" في مقابلةِ نَفْسِكِ ومالِك، وذلك لأنَّ مالَ الزَّوجةِ يَتَصَرَّفُ [فيه] الزَّوجُ عادةً وينتفع به، فصارَ المهرُ كأنَّه بدلٌ عن النَّفس والمال معًا.
[بابٌ منه]
737 -
(1114) - (3/ 412 - 413) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ، قَالا: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ فَقَامَتْ طَوِيلًا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَزَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ:"هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا" فَقَالَ: مَا عِندِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِزَارُكَ إِنْ أَعْطَيْتَهَا جَلَسْتَ وَلَا إِزَارَ لَكَ فَالتَمِسْ شَيْئًا؟ " قَالَ: مَا أَجِدُ، قَالَ:"فَالتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، قَالَ: فَالتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شيءٌ؟ " قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لا يُصْدِقُهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى سُورَةٍ مِنَ القُرْآنِ، فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَيُعَلِّمُهَا سُورَةً مِنَ القُرْآنِ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: النِّكاحُ جَائِزٌ، وَيَجْعَلُ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا، وَهُوَ قَولُ أَهْلِ الكُوفَةِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "وَهَبْتُ نَفْسِي
…
" إلخ، هبةُ الحُرَّة لا تجُوزُ، فالمرادُ به التَّزَوُّجُ بلا مهرٍ أو تَفْوِيضُ الأمْر إليه، والثاني أظهرُ وأنسبُ بتَزْويْجِه صلى الله تعالى عليه وسلم إيَّاهَا من غيرِه.
• "فَقَامَتْ طَوِيْلًا": أي: قيامًا طويلًا.
• وقوله: "إِنْ لَمْ تَكُنْ": من حسنِ أدَبِه.
• وقوله: "تُصْدِقُهَا": من أصْدَقَها إذا سَمَّيْتَ لها صداقًا، أو أعْطَيْتَها صداقَها يَتَعَدَّى إلى المَفْعُولَيْن، والثَّاني بتقدير عائدٍ إلى شيءٍ تصدقها إيَّاه كما في بعض الرِّواياتِ، والجملةُ صفةُ شيءٍ.
• قوله: "فَالتَمِسْ شَيْئًا"، أي: اطْلُبْ شيئًا آخر.
• وقوله: "بِمَا مَعَكَ"، أي: بتَعْلِيْمِها كما يَدُلُّ عليه بعضُ الرِّواياتِ، ومَنْ لم يأخُذْ بظاهر هذَا الحديثِ يَدَّعِي الخصوصَ بما [رُوِيَ] عن أبي النُّعْمان الصَّحابي، قال: زَوَّجَ وسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمرأةً على سورةٍ من القرآن، وقال:"لا يَكُوْنُ لأحْدٍ بَعْدَكَ"
(1)
وراه سعيدُ بْنُ منصورٍ
(2)
.
738 -
(1114 م) - (3/ 413 - 414) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي العَجْفَاءِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: أَلَا لَا تُغَالُوا صَدُقَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ
(1)
راجع: كتاب السنن للإمام الحافظ سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني: 206، ح:642.
(2)
هو: الإمام الحافظ الحجة، شيخ الحرم أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الطالقاني، البلخي، الخراساني، صاحب "السنن"، سمع بخراسان، والحجاز، والعراق، ومصر، والشام، والجزيرة وغير ذلك من مالك بن أنس والليث بن سعد، وفليح بن سليمان، وأبي معشر السندي، وأبي عوانة وطبقهم. روى عنه أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وأبو محمد الدارمي، وأبو داود، ومسلم، وخلق. توفي بمكة سنة سبع وعشرين ومائتين. راجع لترجمته: التاريخ الكبير: 3/ 516، وتذكرة الحفاظ: 2/ 416، سير أعلام النبلاء: 10/ 586، وشذرات الذهب: 3/ 126.
تَقْوَى عِنْدَ اللهِ لَكَانَ أَوْلاكُمْ بِهَا نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ وَلا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى أَكثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو العَجْفَاءِ السُّلَمِيُّ: اسْمُهُ هَرَمٌ. وَالأُوقِيَّةُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَثِنْتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً أَرْبَعُ مِائَةٍ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا.
• قوله: "صَدُقَة النِّسَاءِ"، أي: مُهُوْرهنَّ.
• قوله: "ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً": قيل: صَوابُه ثِنَتَا عشرةَ. قلتُ: كأنَّه أرادَ الحكايةَ عَمَّا ذكر في كلام عمرَ.
• قوله: "أُوقِيَّةً": الحاصلُ أن في الأوقيةِ ثلاثُ لغاتٍ، الثالثةُ تحريفٌ وهي: وَقِيَّة: بفتح الواو، وتشديد الياء بعدَ القاف المكسووة. والثانيةُ: وُقِيَّة: بضم الواو، وكسر القاف، وتشديدِ الياء. وفي قوله "أوْقِيَةٌ" إيماءٌ إلى الأوْلى، وفي قوله:"الْوقِيَّةُ" إشارةٌ إلى الثَّانيةِ. قيده المطرزي
(1)
.
(1)
راجع: المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي: 2/ 367.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُل يَعْتِقُ الأمَةَ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا
739 -
(1115) - (3/ 514 - 414) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم "أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ صَفِيَّةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَنْ يُجْعَلَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا حَتَّى يَجْعَلَ لَهَا مَهْرًا سِوَى العِتْقِ. وَالقَوْلُ الأوَّلُ أَصَحُّ.
• قوله: "صدَاقَهَا": صَداقُ المرأةِ مَهْرُها، والكسر أصَحُّ من الفتحِ. قال النوويُّ: الصَّحيحُ في معناه أنَّه أعْتَقَها تَبَرُّعًا بلا عِوضِ ولا شرطٍ ثم تزوَّجَها برضَاها بلا صداقٍ. وقيل: شَرَطَ عليها عندَ عتقها أنْ يَتَزَوَّجَها فلزمها الوفاءُ. وقيل أعْتَقَها وتزوجَها على قِيْمَتِها وهي مجهولةٌ والكُلُّ من خَصَائِصِه صلى الله تعالى عليه وسلَّم، وقال أحمدُ بظاهر الحديث
(1)
.
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 9/ 221، 222.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَتَزَوَّجُ المَرْأَةَ: يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بهَا هَلْ يَتَزَوَّجُ ابْنَتَهَا أَمْ لَا؟
740 -
(1117) - (417 - 3/ 416) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلْيَنْكِحْ ابْنَتَهَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ. وَإِنَّمَا رَوَاه ابْنُ لَهِيعَةَ، وَالمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالمُثَنَّى بْن الصَّبَّاحِ، وَابْنُ لَهِيعَةَ يُضَعَّفَانِ فِي الحَدِيثِ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكثَرِ أَهْلِ العِلْمِ قَالُوا: إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ ابْنَتَهَا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الابْنَةَ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا لِقَوْلِ الله تَعَالَى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}
(1)
وَهُوَ قَول الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "لِقَوْلِ اللهِ
…
" إلخ، يريدُ أنَّهم اسْتَدَلُّوا بالآيةِ لا بالحديثُ لضُعْفه، ومعنى الاستدلالِ بالآيةِ أن حرمةَ الأمَّهاتِ فيها مُطْلقةٌ، والبَناتِ مُقَيَّدةٌ بالدُّخولِ بالأمَّهَات.
(1)
النساء: 23.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَيَتَزَوَّجُهَا آخَرُ فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بهَا
741 -
(1118) - (3/ 418 - 417) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَة رِفَاعَةَ القُرَظِيِّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ وَمَا مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، قَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ.
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَالرُّمَيْصَاءِ أَوْ الغُمَيْصَاءِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدخل بِهَا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزّوْجِ الأوَّلِ إِذَا لمْ يَكُنْ جَامَعَ الزَّوْجُ الآخَرُ.
• قوله: "فيُطَلِّقهَا
…
" إلخ، أي: هل تَحِلُّ للأوَّل أم لَا؟
• قوله: "امْرَأَة رِفَاعَةَ": بكسر الرَّاء.
• "القُرَظِي": بضم القاف، وفتح الرَّاء.
• قوله: "فَبَتَّ طَلَاقِي"، أي: طلَّقَني ثلاثةً وكانتْ مُتَفرّقةً كما يدُلُّ عليه
بعضُ الرِّواياتِ.
• قوله: "ابْنُ الزَّبِيْرِ": بفتح الزَّاء، وكسر الباء.
• وقوله: "مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ": - بضَمِّها، وسكون دَالٍ - طرفُ الثَّوب الذي لم يُنْسَجْ. وفي ووايةٍ:"وأخَذَتْ بِهُدْبَةٍ من جِلْبَابِها"
(1)
شَبَّهْته بذلك لصِغر ذَكَرِه أو لاسْتِرخَائِه وهو الأظهرُ، إذ يبعُد أن يكونَ صغيرًا إلى حدٍّ لَا يغيبُ معه قدرُ الحشفة.
• وقوله: "عُسَيْلَتَهُ": - بضم، ففتح - تصغيرُ عَسَلَةٍ، وهو كنايةٌ عن الجِماعِ شبَّه بالعَسل في اللَّذَّة والحَلاوَة، فاسْتَعارَ لها ذَوْقًا، والتَّأنيثُ على معنى قِطْعَةٍ من العَسل أو على إرادَةِ اللَّذَّةِ، وقيل التأنيثُ على إرادَةِ النُّطْفة، ورُدَّ بأنَّ الإنزالَ لَا يشترطُ باتِّفَاقِ العلماءِ، وشَذَّ الحسنُ فقال: العُسَيْلَةُ الإنزالُ راعيًا لمعنى العُسَيْلَة.
(1)
راجع: صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب: الإزار المهدب، ح: 5792، وصحيح مسلم، كتاب النكاح، باب: لَا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره
…
، ح: 1433، و سنن النسائي، كتاب الطلاق، باب: طلاق البتة، ح:3411.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُحِلِّ وَالمُحَلَّلِ لَهُ
742 -
(1119) - (3/ 418 - 419) حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنَا أَشعَثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زُبَيْدٍ الأيَامِيُّ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ المُحِلَّ وَالمُحَلَّلَ لَهُ.
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ. وَهَكَذَا رَوَى أَشْعَث بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ هُوَ الشَّعْبِيُّ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ. وَعَامِر عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُه بِالقَائِمِ، لِأنَّ مُجَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ، مِنْهُمْ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد اللهِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَهَذَا قَدْ وَهِمَ فِيهِ ابْنُ نُمَيْرٍ، وَالحَدِيثُ الأوَّلُ أَصَحُّ وَقَدْ رَوَاه مُغِيرَة، وَابْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ.
• قوله: "المُحِلَّ وَالمُحَلَّلَ لَهُ": من الإحْلالِ، والمُحَلَّ له بلامٍ واحدةٍ مشددَّة، والْمُحَلِّلُ والْمُحَلَّلَ له - بلامَيْن أوَّلُهما مشددَّة - ثم المُحَلِّلُ: مَنْ تزوَّج مطلَّقةَ الغيرِ ثلاثًا لتَحِلَّ له، والمحلَّلَ له هو المُطَلِّقُ، وإنَّما لعن لأنَّه هتكُ مُرُوْءةٍ، وقلَّةُ حَمِيَّةٍ، وخِسَّةُ نَفْسٍ وهو بالنِّسْبةِ إلى المُحَلَّل له ظاهر، أما المُحَلِّل فهو كالتَّيْس يُعِيْر نفسَه بالوَطْي لغَرْض الغَيْر، وتَسْمِيتُه "مُحَلَّلًا" عندَ من يقولُ بصِحَّةِ نكاحِه ظاهرةٌ، ومن لا يقولُ [بِها أنَّه] قصدَ التَّحليلِ وإن كان لا تحل.
743 -
(1120) - (3/ 419 - 420) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلِ بْن شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:"لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُحِلَّ وَالمُحَلَّلَ لَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو قَيْسٍ الأوْدِيُّ: اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الفُقَهَاءِ مِنَ التَّابعِينَ، وَبهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشافِعِيُّ، وَأحْمَدُ، وَإِسْحَاق، قال: وَسَمِعْتُ الجَارُودَ يَذكرُ عَنْ وَكِيعٍ أَنَّهُ قال بِهَذَا، وقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُرْمَى بِهَذَا البَابِ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الرَّأْي. قَالَ جَارُودُ: قَالَ وَكِيعٌ: وَقَالَ سُفْيَانُ: إِذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ لِيُحَلِّلَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَن يُمْسِكَهَا فَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى يَتَزوَّجَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ.
• قوله: "وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا"، أي: من قولِ أصحابِ الرَّأي مُتَعَلِّقٌ بـ "يُرْمَي": أي: يُطْرح ويُلْقَي من قولِهم ما ذكروا في هذَا البابِ من صِحَّةِ النكاحِ وإن قَصَدَ الإحلالَ، وذلك لأنَّ اللَّعْن يقتضي النَّهي عن هذا الفِعْل وحُرْمَته، والحُرْمَةُ في بابِ النِّكاحِ تقتضي عدمَ الصِّحَّةِ، فقوله: بالصِّحَّةِ مخالفٌ للحديثِ، فيكون باطلا مَرْمِيًّا مَطْرُوْحًا، وجوابُهم أن اللَّعنَ قد يكونُ لخِسَّةِ الفعلِ، وتَسْمِيَتُه:"محلِّلًا" يقتضي صِحَّةَ النكاحِ ليَتَرتَّب عليه التَّحليلُ، فالتَّوفيقُ بينَهما أنْ يُحْملَ اللَّعنُ على أنَّه لِلْخِسَّةِ فلا دلالةَ فيه على بُطلان النِّكاح بمُجَرَّدِ أنْ يكونَ من نِيَّتُه الإحلال. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي [تَحْريمِ] نِكَاحِ المُتْعَةِ
744 -
(1121) - (3/ 420 - 421) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَالحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ سَبْرَةَ الْجُهَنيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْءٌ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي المُتْعَةِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلهِ حَيْثُ أُخْبِرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْرُ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ": وهي النِّكاحُ لأجَل معلومٍ أو مجهولٍ كقُدوم زيدٍ، سُمِّيَتْ بذلك لأنَّ الفرضَ منها مُجَرَّدُ التَّمَتُّعِ دونَ التَوالُد وغيره من أغْراض النِّكاحِ.
745 -
(1122) - (3/ 421) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُقْبَةَ أَخُو قَبِيصَةَ بْن عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كعْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ المُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ، كانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ البَلدَةَ ليْسَ لهُ بِهَا مَعْرِفةٌ فيَتَزَوَّجُ المَرْأةَ بِقدرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ فتَحْفظ لَهُ مَتَاعَهُ،
وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ، حَتَّى إِذَا نَزَلَتِ الآيَةُ:{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}
(1)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَى هَذَيْنِ فَهُوَ حَرَامٌ.
• قوله: "وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ"، أي: أمْرَه، بالهمزة في آخره.
(1)
المؤمنون: 6.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْي عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ
746 -
(1123) - (3/ 422) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ وَهُوَ الطَّوِيلُ، قَالَ: حَدَّثَ الحَسَنُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لا جَلَبَ، وَلا جَنَبَ، وَلَا شِغَارَ فِي الإِسْلَامِ، وَمَنْ انْتَهَبَ نُهْبَةً فَلَيْسَ مِنَّا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وَفِي البَاب عَنْ أَنَسٍ، وَأَبِي رَيْحَانَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ.
• قوله: "الشِغَار": بكسر الشِّين المُعجمة، والغَين المُعجمة.
• قوله: "لا جَلَبَ": - بفتحتين - يكونُ في شيئين أحدُهما في الزَّكاةِ وهو أنْ يَنْزل المُصَدِّقُ موضعًا ثم يُرسل مَنْ يجلبُ إليه الأموالَ من أمَاكِنِها ليأخَذَ صدقتَها، فنَهَى عن ذلك وأمرَ أنْ يأخذَ صَدَقاتِهم على مِياهِهم وأمَاكِنهم.
والثَّاني في مُسَابَقة الفُرْسَان وهو أنْ يُتْبعَ رجلًا فرسَه فيَزْجُرُه ويَجْلِب عليه، ويصيحُ حَثًّا له على الجَرْي، فنَهَى عنه. وكذا "الجَنَب": - بفتحتين - يكونُ في الزَّكاةِ وهو أنْ ينزلَ العاملُ موضعًا بعيدًا ثم يأمُر بالأمْوال تُجْنب إليه، أي: تُحْضَر.
وقيل: أن يجنِّب ربّ المالِ بمالِه، أي: يُبْعِده عن موَاضِعِه حتى يحتاجَ العاملُ إلى التَّعب في طَلَبِه، ويكونُ في السَّباق وهو أن يُجَنِّبَ فرسًا إلى فرسِه الذي يُسَابِق عليه فإذا فَتَر المركوبُ يَتَحَوَّلُ إلى المَجْنُوبِ.
• قوله: "وَمَنْ انْتَهَبَ"، أي: سَلَب واخْتلسَ وأخَذَ قهرًا.
• "نُهْبَةً": - بالضَّمِّ - أي: مالا لمُسْلم، والنُّهبةُ: - بالضَّمِّ - هو المَالُ المنهوبُ، وبالفتح مصدرٌ، ويمكنُ الفتحُ ههنا على أنَّه مصدرٌ للتأكيد، والمفعول محذوفٌ بقَرينةِ المُقام، أي: مالا لمُسْلم.
• وقوله: "فَلَيْسَ مِنَّا"، أي: ليسَ من أهل طَريْقَتِنا وسُنَّتِنا، أي:[مؤذينا]
(1)
.
747 -
(1124) - (3/ 423 - 422) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا مَعْنٌ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشِّغَارِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ: لا يَرَوْنَ نِكَاحَ الشِّغَارِ. وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ، أَوْ أُخْتَهُ وَلا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: نِكَاحُ الشِّغَارِ مَفْسُوخٌ، وَلا يَحِلُّ وَإنْ جُعِلَ لَهُما صَدَاقًا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْن أبِي رَبَاحٍ أنَّهُ قَالَ: يُقَرَّانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا وَيُجْعَلُ لَهُمَا صَدَاقُ المِثْلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الكُوفَةِ.
• قوله: "لا يَرَوْنَ نِكَاحَ الشِّغَارِ
…
" إلخ، الشِّغَارُ بِهذا المَعْنى مأخوذٌ من شَغَرَ البلدَ عن السُّلْطَان إذَا خَلا لخُلُوِّهِ عن الصَّداق، أو من شَغَر الكلبُ إذا وَفَعَ رِجْلَه ليَبُوْلَ، كأنَّ كُلًّا مِنَ الْوَلِّيِيْنَ يقولُ للآخَر لا ترْفَع رِجْلَ ابْنَتِي حَتَّى أرفعَ رِجْلَ ابْنَتِك، وفي التَّشْبيهِ بِهذه الهَيْئةِ القَبيحَةِ تَقْبِيْح للشِّغَار وتغليظٌ على فاعِلِه.
• قوله: "وَيُجْعَلُ لَهُمَا
…
" إلخ، قالُوا: وبه يَخْرُج عن كونِه شِغارًا؛ لأنَّه مأخوذٌ فيه عدمُ الصداق وهذا لا يخْلُو عن بحث.
(1)
هكذا في المخطوط، والصحيح "من ديننا".
بَابُ مَا جَاءَ لا تُنْكَحُ المَرْأَة عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا
748 -
(1125) - (3/ 423 - 424) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى بْنُ عَبْدِ الأعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي حُرَيْزٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُزَوَّجَ المَرْأَة عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا.
وَأَبُو حُرَيْزٍ اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ حُسَيْنٍ. حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. قَالَ: وَفِي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي مُوسَى، وَسَمُرَةَ بْن جُنْدَبٍ.
• قوله: "أَنْ تُزَوَّجَ": من التَّزويجِ على بناءِ المفعول بالمُثَنَّاة الفَوْقِيَّةِ، أو على بناءِ الفاعل بالمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَة، أو مِنَ التزَوُّج بحَذْف إحْدَى التَّائَيْن، والصيغةُ للخطاب العام أو للتَّأنيثِ، ونسبةُ التَّزُوُّج إلى المَرْأة شائعٌ.
749 -
(1126) - (3/ 424) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنا دَاوُدُ بْن أَبِي هِنْدٍ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُنْكَحَ المَرْأَة عَلَى عَمَّتِهَا، أَوِ العَمَّةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، أَوِ المَرْأَة عَلَى خَالَتِهَا، أَوِ الخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا، وَلَا تُنْكَحُ الصُّغْرَى عَلَى الكُبْرَى، وَلَا الكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ لا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ اخْتِلافًا أَنهُ لا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا، فَإِنْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، أَوِ العَمَّةَ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا، فَنِكَاحُ الأُخرَى مِنْهُمَا مَفْسُوخٌ، وَبِهِ يَقُولُ عَامَّةُ أَهْلِ العِلْمِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: أَدْرَكَ الشَّعْبِيُّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَرَوَى عَنْهُ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا، فَقَالَ: صَحِيحٌ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "أَنْ تُنْكَحَ": على بناءِ المفعولِ بالفَوقِيَّة، أو الفاعل بالتَّحْتِيَّة من الإنْكاحِ أو النِّكاحِ، ولجوزُ أن يكونَ من النكاح مسندًا إلى ضمير المرأةِ ولا تكرارَ في قوله:"عَمَّتِهَا" أو العَمَّة
…
إلخ، إذ اللَّاحِقَة هي المَنْكُوحَةُ على السَّابقة، والمرادُ "بالْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى" الصُّغرى منهما على الكُبْرى منهما فهو تأكيدٌ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّرْطِ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ
750 -
(1127) - (3/ 425) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا وكِيعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَزِيدَ بْن أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ اليَزَنِيِّ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوفَى بِهَا مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ".
حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ نَحْوَه.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ: عُمَرُ بْن الخَطَّابِ، قَالَ:"إذا تَزَوَّجَ رَجُل امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا أَنْ لا يُخْرِجَهَا مِنْ مِصْرِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا"، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاق.
وَرُوِي عَنْ عَلِيِّ بْن أبِي طالِبٍ أَنَّهُ قال: "شَرْطُ اللهِ قبْل شرْطِهَا كَأَنَّهُ رَأى لِلزَّوْجِ أَنْ يُخْرِجَهَا وَإِنْ كَانَتْ اشْترطَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ لا يُخْرِجَهَا". وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى هَذَا، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَبَعْضِ أَهْلِ الكُوفَةِ.
• قوله: "أَنْ يُوفَى"، أي: بأنْ يُوفِىَ على تقدير حرفِ الجرِّ وهو قياسٌ مع "إنَّ" المشدَّدة، أي: ألْيَقُ الشُّرُوْطِ بالإيْفَاء شروطُ النِّكاحِ، ولعلَّ من لا يقولُ بِها يحملُ الحديثَ على خصوصِ المَهْر فإنَّه مدارُ استحلالِ الفروج.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَعِنْدَه عَشْرُ نِسْوَةٍ
751 -
(1128) - (3/ 426) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَة عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تتَخَيَّرَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَكَذَا رَوَاه مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَحَمْزَةَ، قَالَ: حُدِّثْتُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِنَّمَا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ طَلَّقَ نِسَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:"لَتُراجِعَنَّ نِسَاءَكَ أَوْ لأرْجُمَنَّ قَبْرَكَ كمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَالعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ غَيْلَانَ بْن سَلَمَةَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمُ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
• قوله: "أَبِي رِغَالٍ": ككتابٍ، أبو ثقيفٍ.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] الرَّجُلِ يَشْتَري الجَاريَةَ وَهِىَ حَامِلٌ]
752 -
(1131) - (3/ 428) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الشَّيْبَانِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَسْقِ مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ رُوَيْفِعِ بْن ثَابِتٍ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: لا يَرَوْنَ لِلرَّجُلِ إِذَا اشْترى جَارِيَةً وَهِيَ حَامِلٌ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَضَعَ.
وَفِي البَاب عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ.
• قوله: "فَلا يَسْقي": بإثباتِ الياءِ في غالبِ النُّسَخ على أنَّه نَفْيٌ بمعنى النَّهْي، وفي بعضِها "لا يَسْقِ" بحذف الياءِ على أنَّه نَهْيٌ
(1)
.
قوله: "وَلَدَ غَيْرِهِ": كذَا في النُّسَخ. قيل: والصَّوابُ: زَرْعَ غيرِه وليسَ بلازِمٍ.
(1)
كما في النسخة المطبوعة بتحقيق أحمد شاكر.
بَابُ مَا جَاءَ [فِي الرَّجُل] يَسْبِي الأَمَةَ وَلَهَا زَوْجٌ هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا
753 -
(1132) - (3/ 429) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ البَتِّيُّ عَنْ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: أَصَعبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ فَنَزَلَتْ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
(1)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهَكَذَا رَوَاه الثَّوْرِيُّ عَنْ عُثْمَانَ البَتِّيِّ، عَنْ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. وَأَبُو الخَلِيلِ: اسْمُهُ صَالِح بْنُ أَبِي مَرْيَمَ. وَرَوَى هَمَّامٌ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبي الخَلِيلِ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَبدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْن هِلَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ.
• قوله: "سَبَايَا أَوْطَاسٍ": والسَّبْيُ: النَّهبُ، وأخْذُ النَّاس عبيدًا وإماءً.
والسَّبِيَّةُ: المرأةٌ المنهوبةُ، وجمعها: سَبايَا.
• قوله: "إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"، أي: حَدَث ملكُ أيمَانِكم بالسَّبْي، وأمَّا المملوكةُ بالشراءِ تَحِلُّ للمشترى عندَ غِالبِ أهل العِلْم إذَا كان لها زوجٌ.
(1)
النساء: 24.
بَابُ مَا جَاءَ فِي [كَرَاهِيَةِ] مَهْرِ البَغِيِّ
754 -
(1133) - (3/ 430) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَن ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ": ظاهرُه عدمُ جوازِ البَيْعِ وعليه الجمهورُ، وجوَّزه الحنفيَّةُ، وحملوا الحديثَ على غير المأذُون في اتِّخَاذِه، أمَّا المنتفعُ به حراسةً أو اصطيادًا فيجوزُ.
• "البَغِيِّ": - بفتح، وكسر، وتشديد باء - الزَّانيةُ، فعيل يَسْتَوي فيه المذَكَّرُ والمؤنَّثُ، ومهرُها ما تُعْطَى على الزِّنا.
• و"الحُلْوَان": - بضَمِّ الحاء، وسكون اللام - مصدرُ حَلوتُه إذا أعْطيتَه، والمرادُ ما يُعْطَى [الكاهنُ] على أن يَتكَهَّن، شبَّهَ ما يُعطى الكاهنُ بشيءٍ حُلُوٍّ لأخْذِه إيَّاه سَهْلًا دونَ كُلْفَةٍ، يقال: جَلَوْتُ الرَّجلَ إذا أطعمتَه الحُلُوَّ، ويقال للرِّشْوة: الحُلوان.
بَابُ مَا جَاءَ أَنْ لا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ
755 -
(1134) - (3/ 431 - 432) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَقُتَيْبَةُ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ أَحْمَدُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ سَمُرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قَالَ مَالِكُ بْنُ أنسٍ: إِنَّمَا مَعْنَى كَرَاهِيَةِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ: إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ فَرَضِيَتْ بِهِ فَلَيْسَ لِأحَدٍ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ.
وقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ لا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ هَذَا عِنْدَنَا: إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ فَرَضِيَتْ بِهِ وَرَكنَتْ إِلَيْهِ فَلَيْسَ لِأحَدٍ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ، فَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ رِضَاهَا أَوْ رُكُونَهَا إِلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَهَا، وَالحُجَّةُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حَيْثُ جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ أَبَا جَهْمِ بْن حُذَيْفَةَ، وَمُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ خَطَبَاهَا، فَقَالَ:"أَمَّا أبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ لَا يَرْفَعُ عَصَاه عَنِ النِّسَاءِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ لَهُ، وَلَكِنْ انْكِحِيَ أُسَامَةَ". فَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَنَا - وَاللهُ أَعْلَمُ -: أَنَّ فَاطِمَةَ لَمْ تُخْبِرْهُ بِرِضَاهَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ أَخْبَرَتْهُ لَمْ يُشِرْ عَلَيْهَا بِغَيْرِ الَّذِي ذَكَرَتْ.
• قوله: "وَلا يَخْطُبُ": هو مِنَ الخِطبة - بالكسر - بمعنى التِمَاس النِّكَاحِ.
• قوله: "لَا يَرْفَعُ عَصَاهُ
…
" إلخ، أي: كثيرُ الضَّربِ.
• قوله: "فَصُعْلُوكُ": - بضم الصَّاد - أي: فقير.
• قوله: "وَلَوْ أَخْبَرَتْهُ
…
" إلخ، الظَّاهرُ أن المشاورَ يجوزُ له ذكرُ ما فيه المصْلحَةُ ولو بعدَ الرُّكُوْنِ، وإنَّما الممنوعُ الخَاطبُ والمشتري، ففي الاحتجاج بالحديث نظر. والله تعالى أعلم.
756 -
(1135) - (3/ 433 - 432) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأنا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الجَهْمِ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَحَدَّثَتْنَا أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً، قَالَتْ: وَوَضَعَ لِي عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ عِنْدَ ابْنِ عَمٍّ لَهُ خَمْسَةً شَعِيرًا وَخَمْسَةً بُرًّا، قَالَتْ: فَأتيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَتْ: فَقَالَ: "صَدَقَ"، قَالَتْ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ بَيْتَ أُمِّ شَرِيكٍ بَيْتٌ يَغْشَاهُ المُهَاجِرُونَ، وَلَكِنْ اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَعَسَى أَنْ تُلْقِي ثِيَابَكِ وَلا يَرَاكِ، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ فَجَاءَ أَحَدٌ يَخْطُبُكِ فَآذِنِينِي"، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي خَطَبَنِي أَبُو جَهْمٍ، وَمُعَاوِيَةُ، قَالَتْ: فَأتيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ شَدِيدٌ عَلَى النِّسَاءِ"، قَالَتْ: فَخَطَبَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَتَزَوَّجَنِي، فَبَارَكَ اللهُ لِي فِي أُسَامَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاه سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الجَهْمِ نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ، وَزَادَ فِيهِ فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"انْكِحِي أُسَامَةَ". حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الجَهْمِ بِهَذَا.
• قوله: "خَمْسَةً": بدلٌ من "عَشَرَة" وهو مضافٌ إلى ما بعدَه، والظَّاهرُ
أنَّه بالرَّفْع مبتدأ، خبرُه "شَعِيْرٌ"، أي: خمسةٌ منها شعيرٌ.
• قوله: "صَدَقَ"، أي: في قوله لا نفقةَ لكَ وسُكْنَى، وهذَا هو مقتضى الرِّواياتِ وهذا يندفعُ به غالبُ ما ذكر في الأجْوِبَةِ عن هذَا الحديثِ من لَمْ يأخُذْه بظَاهِره.
• وقوله: "إِنَّ بَيْتَ أُمِّ شَرِيكٍ بَيْتا": هكذا بالنَّصب في بعضِ الأصُوْل والظَّاهرُ: "بيتٌ" بالرَّفْع كما في بعض النُّسخ، وعلى تقدير النَّصب فهو بدلٌ من اسم "إنَّ"، والخبرُ محذوفٌ، أي: لا يُوافِقُك ونحوه.
• وقوله: "يَغْشَاهُ المُهَاجِرُونَ"، أي: يُحِيطونُه ويَجْتَمِعُون فيه عندَ أمِّ شريكٍ، وَيزْرُوْنَها لصَلاحِها وكانَتْ كثيرةَ المعروفِ والنفقةِ في سبيل اللهِ.
• وقوله: "أَنْ تُلْقِي ثِيَابَكِ": من الإلْقَاء، أي: تَضعِينَ عنكِ ثيابكِ كما تفعلُ المرأةُ في بيتِها فلا يَراكِ لكونِه أعْمَى، وما قيل: إنَّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلَّم قد أمَرَ بعضَ أزواجِه بالاحْتِجابِ عنه، فالجوابُ عنه: أن أزواجَه صلى الله تعالى عليه وسلَّم لَسْنَ كغَيْرِهِنَّ في تأكُّدِ الحجاب، وقد قال تعالى:{لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ}
(1)
• وقوله: "فَآذِنِيني": - بمَدِّ الهمزة - أي: أعْلِمِيْني.
• قوله: "أبُو جَهْمٍ": بفتح الجيم.
(1)
الأحزاب: 32.
بَابُ مَا جَاءَ فِي العَزْلِ
757 -
(1136) - (3/ 433 - 434) حَدَّثَّنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ جَابرٍ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كنَّا نَعْزِلُ فزَعَمَتِ اليَهود أَنَّهَا المَوْءُودَة الصُّغْرَى، فَقَالَ:"كَذبَتِ اليَهُودُ، إِنَّ الله إِذا أرَادَ أنْ يَخْلُقَهُ فَلَمْ يَمْنَعْهُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَالبَرَاءِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ.
• قوله: "العَزْلُ": هو الإنْزالُ خارجَ الفرجِ.
• قوله: "أَنَّهَا"، أي: العَزْل والتأنيثُ لمُرَاعَاة الخَبَر.
• "والمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى": في مقابَلةِ الكبرَى المذكورةِ في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}
(1)
والْمَوْءُوْدَةُ: المدفونَةُ حَيَّةً، والمقصودُ تشبيهُ العزل بالمدفون حَيًّا.
(1)
التكوير: 8 - 9.
[بابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ العَزْلِ]
758 -
(1138) - (3/ 435) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَقُتَيْبَةُ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: ذُكِرَ العَزل عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"لِمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: زَادَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ وَلَمْ يَقُلْ: "لا يَفْعَلْ ذَاكَ أَحَدُكُمْ"، قَالَا فِي حَدِيثِهِمَا:"فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللهُ خَالِقُهَا".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ جَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْرِهَ العَزْلَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ.
• قوله: "لِمَ يَفْعَلُ": هي "ما" استفهامية دَخَلَتْ عليه اللام الجَارة فسقطت ألفُها، وهذا شائعٌ عندَ دُخولِ الجارِ على الاسْتِفْهاميةِ، تَقُوْل: بِمَ ولِمَ، وقال تعالى:{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}
(1)
أي: أيُّ داعٍ له إلى هذا الفعل ولا يستحسنُ قصدُه بلا داعٍ.
• وقوله: "فَإِنَّهَا لَيْسَتْ
…
" إلخ، تعليلٌ لهذَا الإنكارِ يَنفي ما يُتَوَهَّمُ أنْ يكونَ داعيًا.
• قوله: "مَخْلُوقَةٌ"، أي: مرادةُ اللهِ تعالى مشيئًا خلقها له تعالى.
(1)
النبأ: 1.
بَابُ مَا جَاءَ فِي القِسْمَةِ لِلْبكْرِ وَالثَّيِّبِ
759 -
(1139) - (3/ 436) حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْن خَلَفٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنِسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: لَوْ شِئتُ أَنْ أَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنَّهُ قَالَ:"السُّنَّةُ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ البكْرَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أنِسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَفَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أنسٍ وَلَمْ يَرْفعْهُ بَعْضُهُمْ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ قَالُوا: إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً بِكْرًا عَلَى امْرَأَتِهِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، ثُمَّ قَسَمَ بَيْنَهُمَا بَعْدُ بِالعَدْلِ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثًا، وَهُوَ قَول مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإسْحَاقَ. وَقَالَ بَعْضُ أهْلِ العِلم مِنَ التَّابعِينَ: إذا تَزَوَّجَ البكرَ عَلى امْرَأتِهِ أَقَامَ عِندَهَا ثَلَاثًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أقامَ عِندَهَا ليْلتَيْنِ وَالقوْلُ الأوّل أصَحُّ.
• قوله: "عَنْ أَنسِ بْن مَالِكٍ قَالَ: لَوْ شِئْتُ": ضميرُ "قال" لأبي قِلابَةَ لا لأنسٍ يدُلُّ عليه الرِّواياتُ، جوابُ "لَوْ" محذوفٌ، أي: لقُلْتُ وكنتُ صادقًا لو شئتُ أنْ أقولَ بعدَ عن أنس: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لقُلْتُ وكنتُ صادقًا، ولكنَّه، أي: مقُوْلِي بعدَ عن أنسٍ: قال، أي: أنسٌ: "السُنَّةُ" وهذَا أيضًا في حُكْم الرَّفْع فكأنَّه احترزَ عن صَريحِ الرَّفْع احتياطًا بالنَّظْر إلى عينِ اللَّفظِ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّسْويَةِ بَيْنَ الضَّرَائِرِ
760 -
(1141) - (3/ 438) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَإِنَّمَا أَسْنَدَ هَذَا الحَدِيثَ هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ، وَرَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: وَلا نَعْرِفُ هَذَا الحَدِيثَ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، وَهَمَّامٌ ثِقَةٌ حَافِظٌ.
• قوله: "وَشِقُّهُ": هو - بالكسر - النِّصف.
• وقوله: "سَاقِطٌ"، أي: مائِلٌ كما في روايةِ أبي داود
(1)
، أي: يَجِيءُ يومَ القِيامةِ غيرَ مُسْتَوى الطَّرفَيْن بل يكونُ أحدُهما كالرَّاجِح في الوَزْن كما كان في الدُّنْيا غيرَ مستوى الطَّرْفَيْن بالنَّظْر إلى المَرْأتَيْن بل كان يُرَجِّح إحداهما.
(1)
راجع: سنن أبي داود، كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء، ح:2133.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الزَّوْجَيْن [المُشْرِكَيْنِ] يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا
761 -
(1142) - (3/ 439 - 438) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَهَنَّادٌ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الحَجَّاجِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْن الرَّبِيعِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ المَرْأَةَ إِذا أَسْلَمَتْ قَبْلَ زَوْجِهَا ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِي العِدَّةِ أَنَّ زَوْجَهَا أَحَقُّ بِهَا مَا كَانَتْ فِي العِدَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، وَالأوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ"، أي: من حيث أن هذا الحديثَ يقتضي الرَدَّ بعدَ العِدَّةِ يحتاج إلى نِكاحٍ جديدٍ، فالرَدُّ بلا نكاحٍ لا يكونُ إلا قبلَ العِدَّة.
762 -
(1143) - (3/ 439) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْن الرَّبِيعِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ بِالنِّكَاحِ الأوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثْ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، وَلَكِنْ لا نَعْرِفُ وَجْهَ هَذَا الحَدِيثِ، وَلَعَلَّهُ قَدْ جَاءَ هَذَا مِنْ قِبَلِ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
• قوله: "وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا
…
" إلخ، قالَ البيهقيُّ في معرفةِ السُّنَن: ولو صحَّ الحديثانِ لقُلْنَا بحديثِ عَبْدِ اللهِ بْن عمرو؛ لأنَّه زائدٌ لكنَّه لم يَثْبُتْ، فقلنَا بحديثِ ابن عباسٍ. فإن قيل: حديثُه أنَّه صلى الله تعالى وسلَّم ردَّها عليه بعدَ سِتِّ سنين والعِدَّةُ لا تبْقَى إلى هذه المُدَّةِ غالبًا.
قلنَا لم يؤثِّرْ إسلامُها وبقاءُه على الكُفْر في قطعِ النِّكَاحِ إلا بعدَ نُزُوْل الآيةِ في المُمْتَحِنَة، وذلك بعدَ صلحِ الحُدَيْبِيَّةِ بزمانٍ يسيرٍ، بحيثُ يمكنُ أنْ يكونَ عِدَّتُها لم تَنْقَضِ في الغالب، فيَشْبَه أنْ يكونَ الرَدُّ بالنِّكاحِ الأوَّل لأجْل ذلك. والله تعالى أعلم انتهى
(1)
.
قلتُ: آيةُ الممتحنةِ هو قوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}
(2)
ويرد على ما ذكره ما قيل إنَّ الفرقةَ وَقَعَتْ من حين نَزَلَتْ {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}
(3)
وهي مَكِّيَّةٌ.
قلتُ: هذا باطلٌ فإنَّ هذه الآيةَ لإفادَةِ تحريم ابتداءِ النِّكَاحِ لا لتَحْريمِ البَقاءِ عليه فأيُّ دلالةٍ على تفرقة؟
(1)
راجع: معرفة السنن والآثار لأبي بكر بن أحمد بن حسين البيهقي: 10/ 145.
(2)
الممتحنة: 10.
(3)
البقرة: 221.
أبوَابُ الرَّضَاع
(1)
[بابُ مَا جَاءَ يُحَرَّمُ مِنَ الرَّضَاع مَا يُحَرَّمُ مِنَ النَّسَبِ]
763 -
(1147) - (3/ 444) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّان، حَدَّثَنَا مَالِكٌ،
(ح)، وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ الوِلَادةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ لا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اختِلافًا.
• قوله: "مِنَ الرَّضَاعَةِ": بفتح الرَّاء وكسرها.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ الرَّضَاع.
بَابُ مَا جَاءَ فِي لَبَنِ الفَحْلِ
764 -
(1148) - (3/ 444 - 445) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ بن عُرْوةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ، فَأبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْمِرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ عَمُّكِ"، قَالَتْ: إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي المَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْني الرَّجُلُ، قَالَ:"فَإِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ كَرِهُوا لَبَنَ الفَحْلِ، وَالأصْلُ فِي هَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي لَبَنِ الفَحْلِ وَالقَول الأوَّلُ أَصَحُّ.
• قوله: "فَأَبَيْتُ"، أي: امتنعتُ.
• "أَنْ آذَنَ": - بالمَدِّ - للتَّرَدُّد في أنَّه مُحرَّم، وتغليب التَّحريم على الإباحَةِ.
• وقوله: "فَلْيَلِجْ": - بالجيم - أي: ليَدْخُلَ.
• قوله: "وإِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي المَرْأَةُ"، أي: امرأة أخيهِ، ولم يُرْضِعْنى الرَّجلُ الذي هو أخُوه حتى يكونَ عَمِّي. وفي روايةِ الموطأ
(1)
قالَتْ عائشةُ: "وذلك بعدَ الحِجَاب".
• قوله: "كَرِهُوا لَبَنَ الفَحْلِ": أي: حَكموا بالحُرْمَةِ من جِهَة لبن الفَحْل
(1)
راجع: موطأ الإمام مالك بن أنس: 3/ 332.
واعتبَرُوْا حكمَ النِّسْبةِ منه.
765 -
(1149) - (3/ 445) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ،
(ح)، وحَدَثَنَا الأنْصَاريُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَن ابْن شِهَابٍ، عَنْ عَمْرِو بن الشَّرِيدِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لهُ جَارِيتَانِ أرْضعَت إِحْدَاهُمَا جَارِيَةً وَالأخرَى غُلامًا، أَيَحِلُّ لِلْغُلامِ أَنْ تتَزَوَّجَ بِالجَارِيَةِ؟ فَقَالَ:"لَا، اللِّقَاحُ وَاحِدٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا الأصْلُ فِي هَذَا البَابِ، وَهُوَ قَول أَحْمَدَ، وَإسْحَاقَ.
• قوله: "جَارِيتَانِ"، أي أمَتَان. وفي روايةِ مالكٍ في الموطأ:"امْرَأتَان"
(1)
.
• وقوله: "أَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا جَارِيَةً"، أي: صغيرةً.
• وقوله: "غُلَامًا"، أي: صغيرًا.
• وقوله: "اللِّقَاحُ": - بفتح اللام - قال الهروي: قال اللَّيثُ: اللِّقاحُ اسمُ ماءِ الفَحْل
(2)
. كأنَّه أرادَ أن ماءَ الفَحْل الذي حَمَلتَا منه واحدٌ، واللَّبنُ الذي أرْضَعَتْ كُلُّ واحدةٍ منهما أصلُه ماءُ الفَحْل.
(1)
راجع: موطأ الإمام مالك بن أنس: 3/ 334.
(2)
راجع: تهذيب اللغة لأبي منصور الهروي الأزهري: 4/ 51.
بَابُ مَا جَاءَ لَا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَلا المَصَّتَانِ
766 -
(1150) - (3/ 446 - 448) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْن سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَلَا المَصَّتَانِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أُمِّ الفَضْلِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالزُّبَيْرِ بْن العَوَّامِ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيث عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَلا المَصَّتَانِ".
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارِ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَزَادَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ البَصْرِيُّ عَنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ حَدِيثُ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا، فَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْن دِينَارٍ وَزَادَ فِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: أُنْزِلَ فِي القُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسٌ، وَصَارَ إِلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأمْرُ عَلَى ذَلِكَ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِهَذَا.
وَبِهَذَا كَانَتْ عَائِشَةُ تُفْتِي وَبَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وقَالَ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَلا المَصَّتَانِ"، وقَالَ: إِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى قَوْلِ عَائِشَةَ فِي خَمْسِ رَضَعَاتٍ فَهُوَ مَذْهَبٌ قَوِيٌّ وَجَبُنَ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ شَيْئًا. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: يُحَرِّمُ قَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكثِيرُه إِذَا وَصَلَ إِلَىَ الجَوْفِ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالأوْزَاعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ، وَوَكِيعٍ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ.
عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْن أَبِي مُلَيْكَةَ وَيُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ قَدْ اسْتَقْضَاه عَلَى الطَّائِفِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "مَعْلُومَاتٍ": وَصَفَها بذلك للتَّحَرُّزِ عَمَّا شُكَّ وصولُه إلى الجَوْف.
• قوله: "وَالأمْرُ عَلَى ذَلِكَ"، أي: هو مِمَّا يقرأ من القرآن كما في كثيرٍ من الرِّوَايات، ولا يَخْفَى أنَّ هذَا على ظاهِره يُوْجد القولَ بتَغَيُّر القُرْآن فلا بدَّ من تأوَيْلِه، فقيل في تأويله: إنَّ الخَمْسَ أيضًا نُسِخَتْ تلاوةً إلا أن نسْخَها كانَ في قُرْب وفاتِه صلى الله تعالى عليه وسلَّم، ثُمَّ تركوا تلاوتَه حين بَلَغَهم النَّسْخُ.
بقي الكلامُ في بَقَاء النَّسْخ حكمًا وقد قيل: إنَّ الأصلَ في منسوخِ التِّلاوَةِ هو نَسْخُ الحكمِ إلا بدليلٍ، فلا بُدَّ لمَنْ يقولُ به من دَليل على البَقاءِ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ المَرْأَةِ الوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ
767 -
(1151) - (3/ 448 - 449) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: حَدَّثَني عُبَيْدُ بْن أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عُقْبَةَ بْن الحَارِثِ قَالَ: وَسَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ وَلَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتكُمَا، فَأتيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ بنْتَ فُلَانٍ، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتكُمَا وَهِيَ كَاذِبَةٌ، قَالَ:"فَأعْرَضَ عَنِّي"، قَالَ: فَأَتيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فأعْرَض عَني بِوَجْهِهِ، فقلتُ: إِنهَا كَاذِبَةٌ، قال:"وَكَيْف بِهَا وَقد زَعَمَتْ أنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا دَعْهَا عَنْكَ".
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنَ الحَارِثِ وَلَمْ يَذْكرُوا فِيهِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ:"دَعْهَا عَنْكَ".
وَالعَمَلُ عَلَى هَذا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْصْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: أَجَازُوا شَهَادَةَ المَرْأَةِ الوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ. وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَإحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ وَيُؤْخَذُ يَمِينُهَا، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: لا تَجُوزُ شَهَادَةُ المَرْأَةِ الوَاحِدَةِ حَتَّى يَكُونَ أَكثَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. سَمِعْتُ الجَارُودَ يَقُولُ: سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ: لا تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الحُكْمِ وَيُفَارِقُهَا فِي الوَرَعِ.
• قوله: "فَأَعْرَضَ عَنِّي"، أي: لقَولي: إنَّها كاذبةٌ، وجَزْمِي بذلك.
• قوله: "وَكيْفَ بِهَا"، أي: كيف تَظُنُّ بِها الكَذِب بلا وجهٍ، أو كيفَ لكَ الصُّحْبةُ بِها، والثاني أظهر.
• قوله: "وَيُفَارِقُهَا
…
" إلخ، هو مَحْمَلُ الحديثِ عندهم.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لا تُحَرِّمُ إلَّا فِي الصِّغَر دُونَ الحَوْلَيْنِ
768 -
(1152) - (3/ 449 - 450) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عن أبِيْهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِر بْن الزُّبَيْرِ بْن الْعَوَّامِ، وَهِيَ امْرَأةُ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الأمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ قَبْلَ الفِطَامِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الرَّضَاعَةَ لا تُحَرِّمُ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الحَوْلَيْنِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ الكَامِلَيْنِ فَإِنَّهُ لا يُحَرِّمُ شَيْئًا.
• قوله: "إِلَّا مَا فَتَقَ الأمْعَاءَ": الفَتْقُ: الشقُّ. "والأمْعَاءَ": - بالمَدِّ - جمعُ مِعىً - بكسر الميم مقصورًا - كعِنَبٍ وأعْنابٍ، وهي: المَصَارين.
[قال] الطِّيبي: أي: ما وَقع مَوْضعَ الغِذاء بأنْ يكونَ في أوَان الرِّضاعِ
(1)
.
قلتُ: الظَّاهرُ أن المرادَ ما يفتحُ الأمعاءَ لكَثْرَتِه ولا يكونَ مَصَّةً ومَصَّتَيْن.
• وقوله: "فِي الثَّدْيِ"، أي: مأخوذًا منه أعَمُّ من أنْ يكونَ الرِّضاعُ منه أم لا.
(1)
راجع: الكاشف عن حقائق السنن للطيبي: 7/ 2300.
بَابُ مَا جَاءَ [فِي] الأمَةِ
(1)
تُعْتَقُ وَلَهَا زَوْجٌ
769 -
(1154) - (3/ 451 - 452) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْن حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا.
• قوله: "فَخَيَّرَهَا": بتشديد الياء.
• قوله: "حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا": لا يَخْفَى أن ظاهرَ السَّوقِ يقتضي السَّبَبِيَّةَ، وكونه حُرًّا لا يصلحُ أنْ يكونَ سببًا لتَخْيِيْر عندَ أحدٍ، بل السَّبَبُ الإعتاقُ مطلقًا أو مع كونِه عبدًا فكأنَّ في الكلامِ تقديرًا، أي: وأعْتِقَتْ فخيَّرها أو فمع ذلك خيَّرها، ثم لا يخْفَى أن حديثَ عائشةَ قدِ اخْتُلِفَ فيه، وحديثُ ابن عبَّاسٍ لا اختلافَ فيه، فالوجهُ هو الأخذُ به. والله تعالى أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: المَرْأَةِ.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الوَلَدَ لِلْفِرَاشِ
770 -
(1157) - (3/ 454) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَللْعَاهِرِ الحَجَرُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَعَمْرِو بْن خَارِجَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَالبَرَاءِ بْن عَازِبٍ، وَزَيْدِ بْن أَرْقَمَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ"، أي: لصَاحب الفِراش، أي: لمَنْ كانتِ المرأةُ فراشًا له. "وللْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، أي: الزَّاني. "الحَجَرُ": المرادُ بذلك الخَيْبَةُ والحِرْمَان. وقيل: كنَّى به عن الرَّجْم، وفيه أنَّه ليسَ كُلُّ زانٍ يُرْجَم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُل يَرَى المَرْأَةَ فَتُعْجِبُهُ
771 -
(1158) - (3/ 455) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى امْرَأَةً، فَدَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ فَقَضَى حَاجَتَهُ وَخَرَجَ، وَقَالَ:"إِنَّ المَرْأَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَأَعْجَبَتْهُ، فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ مَعَهَا مِثْلَ الَّذِي مَعَهَا".
قَالَ: وَفِي البَاب عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَهِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ هُوَ صَاحِبُ الدَّسْتُوَائِيُّ هُوَ هِشَامُ بْنُ سَنْبَرٍ.
• قوله: "فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ": الصُّورةُ تُطْلَقُ على معنى الصِّفَةِ وهو المرادُ ههنا كما ذكره القُرطبي
(1)
أي: أنَّها تُوَسْوِسُ في صدورِ النَّاس.
(1)
راجع: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 15/ 209، 210.
بَابُ مَا جَاءَ فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى المَرْأَةِ
772 -
(1159) - (3/ 459) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأحَدٍ لأمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ مُعَاذِ بْن جَبَلٍ، وَسُرَاقَةَ بْن مَالِكِ بْن جُعْشُمٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن أَبِي أَوْفَى، وَطَلْقِ بْن عَلِيٍّ، وَأمِّ سَلَمَةَ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "لِأحَدٍ"، أي: غيرِ اللهِ. "لأمرتُ
…
" إلخ، كنايةٌ عن بُلُوْغ ما عليها من تَعْظِيمِ الزَّوْج غايتَه.
773 -
(1160) - (3/ 456) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَني عَبْدُ اللهِ بْنُ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْن طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ بْن عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "لِحَاجَتِهِ": المتبادَرُ منها الجِماعُ، ويحتمل العمومَ.
• وقوله: "فَلْتَأْتِهِ"، أي: في الحالِ بشَهادَة المَقام وإن كانَ مطلقُ الأمر لا يدُلُّ على الفَور. و"التَنُّوْرِ" - بفتح، فتشديد - الذي يُخْبَزُ فيه، يقال: إنَّه في
جميع اللُّغاتِ كذلك، وهذا يحتملُ أن يكونَ المرادُ به: وإن كانتْ مشتغلةً بما يُخَافُ عليه الضِّياعُ بالتَّركِ والتأخُّر لأجله لا يفوت الحاجة لقِلَّتِه، فإنَّ الخبزَ على التَّنُّوْر إذَا تُرِك يخافُ عليه الضِيَّاعُ فإنْ لم يُتْركْ فلا يفوتُ الحاجة المدعو لها لقِلَّةِ التأخر عادةً، وإن كانت في ذلك آتيةً على التنور، أي: وإن كانت تلكَ الحاجةُ التي يدعو الزَّوجُ إليها ثقيلةً على المرأةِ في ذلك الوقت جِدًّا بحيث كأنَّها تأتِي فتَصْلَى التنور. والله تعالى أعلم
(1)
.
(1)
ذكر المصنف احتمالين: يبدأ الأول من قوله: "وإن كانت مشتغلة
…
" والثاني من قوله: "وإن كانت آتية في ذلك .. ".
[بابُ مَا جَاءَ فِي حَقِّ المَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا]
774 -
(1162) - (3/ 457) حَدَّثَنَا أَبُوْ كَريْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَة بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَكمَلُ المُؤْمِنِينَ
…
" إلخ، يمكنُ أن يكونَ كنايةً عنه صلى الله تعالى وسلم.
• قوله: "خَيْرُكُمْ
…
" إلخ، أي: من خِيارِكم لئلا يشكل بـ"خِيَارُكُمْ أحْسَنكُمْ قَضَاءً"
(1)
.
775 -
(1163) - (3/ 458) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ شَبِيبِ بْن غَرْقَدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن عَمْرِو بْن الأحْوَصِ، قال: حَدثني أبِي أنَّهُ شهِدَ حَجّةَ الوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكرَ وَوَعَظَ، فَذَكَرَ فِي الحَدِيثِ قِصَّةً، فَقَالَ: "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَعيْئًا غَيْرَ
(1)
راجع: صحيح البخاري، ح: 2305، 2306، 2390، 2393، وصحيح مسلم، ح:1600، 1601، وسنن النسائي، كتاب البيوع، باب استسلاف الحيوان واستقراضه، ح:14621.
ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نسَائِكُمْ حَقًّا، وَلنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَمَعْنَى قَوْلهِ: "عَوَانٌ عِنْدَكمْ"، يَعْنِي: أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ.
• قوله: "أَلَا وَاسْتَوْصُوا
…
" إلخ، "ألَا" - بالتَّخفيفِ - حرفُ تنبيهٍ، والاسْتِيْصاءُ: قَبولُ الوَصِيَّةِ، أي: أوْصِيْكُم بِهِنَّ خيرًا، أي: اقْبلوا وَصِيَّتِي فيهِنَّ. [قال] الطيبي: السِّين للطَّلبِ، أي: اطْلبوا الوَصِيَّةَ من أنْفُسِكُمْ في أنْفُسِهِنَّ بخَير، أو يَطلب بعضُكم من بعضٍ بالإحسان في حَقِّهِنَّ، والصَّبْر على عِوجِ أخْلاقِهِنَّ وكراهةِ طَلاقِهِنَّ بلا سببٍ
(1)
. وقيل: الاستيصاءُ بمعنى الإيصاءِ.
• وقوله: "هُنَّ عَوَانٌ": جمعُ عانيةٍ وهو الأسِيْرةُ.
• وقوله: "إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ
…
" إلخ، أي: لا يملكونَ غيرَ ذلك في وقتٍ إلا وقتَ إتْيانِهِنَّ بفاحشةٍ مُبَيِّنَةٍ، أي: ظاهرةٍ فحشًا وقبحًا، والمرادُ بِها: النُّشُوْزُ، وشَكَاسَةُ الخُلق، وإيذاءُ الزَّوْج وأهلِه باللِّسَان واليدِ إلا الزِّنا إذ لا يناسِبُه.
• "ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ": وهذا هو المُلائِم لقوله تعالى: {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}
(2)
الآية. فالحديثُ على هذا كالتَّفسير للآيةِ بأنَّ المرادَ بالضَّربِ فيها هو الضَّربُ المُتَوَسّط لا الشَّديد.
(1)
راجع: الكاشف عن حقائق السنن للطيبي: 7/ 2326.
(2)
النساء: 34.
• "والمَضَاجِعِ": المراقدُ، أي: فلا تُدْخِلُوْهُنَّ تحتَ اللُّحُف ولا تُبَاشِرُوْهُنَّ فيكون كنايةً عن الجِماع.
• وقوله: "غَيْرَ مُبَرِّحٍ": - بضم، ففتح، وتشديد الرَّاء، وحَاءٍ مهملةٍ - هو الشَّديدُ، الشَّاقُّ.
• وقوله: "فَإِنْ أَطَعْنكُمْ": في ترك النُّشُوْز.
• وقوله: "فَلا تَبْغُوا": بالتَّوبيخِ والأذِيَّة، أي: فأزِيلُوْا عنهنَّ التَّعَرُّضَ، واجعلوا ما كان مِنْهُنَّ كأنْ لم يكن؛ فإنَّ التائبَ من الذَّنْبِ كما لا ذَنْبَ له.
• وقوله: "إلا إِنَّ
…
" إلخ، "ألا": - بالتَّخفيف - حرفُ تنبيهٍ أيضًا.
• وقوله: "ولا يُوطِئْنَ": صيغةُ جمع المؤنَّث من الإيْطاء. قال ابنُ جرير
(1)
تفسيرِه: معناه أنْ لا يُمَكِّنَّ من أنفُسهِنَّ أحدًا سوَاكم. وردَّ بأنّه لا معنى حينئذٍ لاشتراطِ الكراهةِ لأنَّ الزنا حرامٌ على الوُجُوْه كُلِّها.
قلتُ: يمكنُ الجوابُ بأنَّ الكراهةَ في جِمَاعِهِنَّ يشمل عادةً للكُلِّ سوى
(1)
هو: الإمام العلم المجتهد، أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري، صاحب التفسير الكبير، والتاريخ الشهير، ولد سنة أربع وعشرين ومائتين بـ"آمل"، طبرستان، قد أكْثَرَ التِّرْحالَ، وطاف بالبلاد، وسمع بالعراق، والشام، ومصر، كان ثقة، صادقا، حافظا، رأسا في التفسير، إماما في الفقه والإجماع والاختلاف، علَّامة في التاريخ وأيام الناس، عارفا بالقراءات واللغة، مجتهدا ولم يقلِّد أحدا، له منصفات مليحة تدل على سعة علمه، وغزراة فضله، منها:"تاريخ الأمم والملوك"، المعروف بـ:"تاريخ الطبري"، و"جامع البيان عن تأويل آي القرآن" الشهير بـ "تفسير الطبري"، و"اختلاف علماء الأمصار" وغير ذلك. توفي في السادس والعشرين من شوال، سنة عشر وثلاث ببغداد. راجع لترجمته: تاريخ بغداد: 2/ 548، والمنتظم: 13/ 215، وفيات الأعيان: 4/ 191، سير أعلام النبلاء: 14/ 267.
الزَّوج، ولذَا قال ابن جرير: أحدًا سواكم فلا إشكالَ
(1)
.
وقال الخطَّابي: معناه أنْ لا يأذَنَّ لأحدٍ من الرِّجال يدخل فيتحدَّث إلَيْهِنَّ، وكأنَّ الحديثَ من الرِّجال إلى النِّساء من عاداتِ العرب لا يَرَوْن ذلك عيبًا ولا يَعُدُّوْنَه رِيبةً، فلما نزلَتْ آيةُ الحِجاب وصارتِ النِّساءُ مَقْصُوْراتٍ نَهي عن مُحادَثتهنَّ والقعودِ إليهِنَّ
(2)
.
• وقوله: "مَنْ تَكْرَهُونَ"، أي: يُكرَه دخولُه سواءً كرهتموه في نفسِه أم [لا]. قيل: المختارُ مَنْعُهُنَّ عن إذنِ أحدٍ في الدُّخُوْل والجُلُوسِ في المنازِل سواءً كان محرمًا أو امرأةً إلا برضَى الزَّوج.
(1)
راجع: جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري: 6/ 536.
(2)
راجع: معالم السنن للخطابي: 2/ 201.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ
776 -
(1164) - (3/ 459) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَهَنَّادٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأحْوَلِ، عَنْ عِيسَى بْن حِطَّانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْن سَلَّامٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن طَلْقٍ، قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! الرَّجُلُ مِنَّا يَكُونُ فِي الفَلَاةِ فَتكُونُ مِنْهُ الرُّوَيْحَةُ وَيَكُونُ فِي المَاءِ قِلَّةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا فَسَا أَحَدُكمْ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ، فَإِنَّ الله لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَخُزَيْمَةَ بْن ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَلِيِّ بْن طَلْقٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: لا أَعْرِفُ لِعَلِيِّ بْن طَلْقٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ الوَاحِدِ، وَلَا أَعْرِفُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ طَلْقِ بْن عَلِيٍّ السُّحَيْمِيِّ، وَكآنهُ رَأَى أَنَّ هَذَا رَجُلٌ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "الفَلاةِ": المَفازَة. "والرُّوَيْحَةُ": تصغيرُ الرَّائحةِ، والمرادُ بِها الرِّيحُ القليلُ، الخارجُ من المَسْلكِ المُعتادِ وهو المرادُ بقوله:"إِذَا فَسَا"، أي: أحْدَثَ بخُرُوجِ ريحٍ من مَسْلَكِه المعتادِ، وإن كانَ الفَسَا في الأصل اسمًا لِمَا يَخْرُج بلا صوتٍ.
• وقوله: "فَلْيَتَوَضَّأْ": إمَّا لأنَّه كانَ قبلَ شَرْع التَيَمُّم أو بعدَه، لكن بناءً على أن المرادَ بالقِلَّةِ ليسَ ما يُخَافُ معها العطشُ، بل ما هو في مُقابَلة الوُفُوْر،
وذلك لأنَّ مرادَ الرَّجُل كانَ معرفةُ الفَرْق بينَ قليلِ الرِّيحِ وكثيرِها، وأنَّ هذا القدرَ من الماءِ هل يصرف مع قلَّةِ الرِّيح أم لا؟ فأرْشَده صلى الله تعالى عليه وسلم أنَّه لا فرقَ بينهما.
777 -
(1165) - (3/ 460) حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ عَنِ الضَّحَّاكِ بْن عُثْمَانَ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَى وَكيعٌ هَذَا الْحَدِيثَ.
• قوله: "لا يَنْظُرُ اللهُ"، أي: نظرَ رحمةٍ في الآخرةِ أو في الدُّنيا أو فيهما.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كرَاهِيَةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الزِّينَةِ
778 -
(1167) - (3/ 461) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْن خَالِدٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بنْتِ سَعْدٍ، وَكَانَتْ خَادِمًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الرَّافِلَةِ فِي الزِّينَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا كمَثَلِ ظُلْمَةِ يَوْمِ القِيَامَةِ لَا نُورَ لَهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْن عُبَيْدَةَ، وَمُوسَى بْن عُبَيْدَةَ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَهُوَ صَدُوقٌ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
• قوله: "كَمَثَلِ": - بفتحتين - أي: حالها وصِفتها في القُبح، أي: في البُغْض والكَراهةِ عندَ الله كصِفَة ظلمةٍ في البُغْض والكراهة عندَكم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الغَيْرَةِ
779 -
(1168) - (3/ 462) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ عَنِ الحَجَّاجِ الصَّوَّافِ، عَنْ يَحْيَى بْن أَبي كثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله يَغَارُ، وَالمُؤْمِنُ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ المُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَائِشَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الحَدِيثُ، وَكِلَا الحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ. وَالحَجَّاجُ الصَّوَّافُ هُوَ الحَجَّاجُ بْن أَبِي عُثْمَانَ، وَأَبُو عُثْمَانَ: اسْمُهُ مَيْسَرَةُ، وَالحَجَّاجُ يُكْنَى أَبَا الصَّلْتِ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ العَطَّارُ عَنْ عَلِيِّ بْن المَدِينِيِّ، قَالَ: سَأَلْتَ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ القَطَّانَ عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ؟ فَقَالَ. ثِقَةٌ، فَطِنٌ كَيِّسٌ.
• قوله: "الغَيْرَةُ": هي كراهةُ المُشَارَكة في المَحْبُوْب، وإذا نُسِبَ إلى الله تعالى يرادُ بِها: المنعُ أو الغضبُ أو ما يُناسِبُ المقامَ.
• وقوله: "غَيْرَةُ اللهِ"، أي: غَضَبُه لـ"أنْ يَأتِيَ" أو مِنْ أن يأتِي. و"حَرَّمَ": - بالتَّشديدِ - من التَّحريمِ، وضميرُه لِله، والعائدُ على المَوْصُوْل محذوفٌ، أو من الحُرْمة، وضميرُه للمَوْصول، ويحتمل بناءَ المفعولِ من التَّحَرُّم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كرَاهِيَةِ أَنْ تُسَافِرَ المَرْأَةُ وَحَدَهَا
780 -
(1169) - (3/ 462 - 463) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللهِ وَاليَوْم الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إِلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أوْ ابْنُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا".
وَفِي البَاب عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، وَابْن عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرُوِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"لَا تُسَافِرُ المَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ".
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: يَكْرَهُونَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي المَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ مُوسِرَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ هَلْ تَحُجُّ؟ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الحَجُّ لِأَنَّ المَحْرَمَ مِنْ السَّبِيلِ لِقَوْلِ اللهِ عز وجل: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}
(1)
فَقَالُوا: إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ فَلَا تَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ سَبيلًا، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مَعَ النَّاسِ فِي الحَجِّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
• قوله: "مَسِيرَةَ يَوْمٍ
…
" إلخ، ينبغي العملُ به إذ مفْهومُ العَدَدِ ليسَ بحُجَّةٍ، وعلى تقدير كونِه حُجَّةً لًا يعَارض الصَّريحَ.
• قوله: "مِنْ السَّبِيلِ": تفسيرُ السَّبيلِ بالزَّادِ والرَّاحِلَة يأبَى ذلك.
(1)
آل عمران: 97.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى المُغِيبَاتِ
781 -
(1171) - (3/ 465) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِيَّاكمْ وَالدُّخُول عَلى النِّسَاءِ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ، قَالَ:"الحَمْوُ المَوْتُ".
قَالَ: وفي البَاب عَن عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَعَمْرِو بْنِ العَاصِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَإِنَّمَا مَعْنَى كرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ".
وَمَعْنَى قَوْلهِ: "الحَمْوُ"، يُقَالُ: هُوَ أَخُو الزَّوْجِ، كَأَنَّهُ كَرِهَ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا.
782 -
(1172) - (3/ 466) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْن يُونُسَ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا تَلِجُوا عَلَى المُغِيبَاتِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ أَحَدِكُمْ مَجْرَى الدَّمِ"، قُلْنَا: وَمِنْكَ؟ قَالَ: "وَمِنِّي وَلَكِنَّ الله أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِي مُجَالِدِ بْن سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وسَمِعْتُ عَلِيَّ بْن خَشْرَمٍ يَقُولُ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "وَلَكِنَّ الله أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمُ"، يَعْنِي: أَسْلَمُ أَنَا مِنْهُ. قَالَ سُفْيَانُ: وَالشَّيْطَانُ لا يُسْلِمُ.
وَلَا تَلِجُوا عَلَى المُغِيبَاتِ، وَالمُغِيبَةُ: المَرْأَة الَّتِي يَكُونُ زَوْجُهَا غَائِبًا، وَالمُغِيبَاتُ: جَمَاعَةُ المُغِيبَةِ.
• قوله: "المُغِيبَةُ": - بضَمِّ الميم - مِنْ أغَابَت إذا غابَ عنها زَوْجُها يُقال: امرأةٌ مُغِيْبةٌ، ومُغيبٌ بحذف التاء وإثباتِها، ولعلَّ الحذفَ لأَنَّه من صِفَات النِّساءِ كالحائضِ والحامل، والمرادُ أنَّه غابَ عن منزلها سواءً كان في بلدِها أوْ لا.
• قوله: "الحَمْوُ": بفتح مُهملةٍ، فسكون ميم.
• قوله: "لا تَلِجُوا": نَهْيٌ مِنْ وَلَج يلِج: إذا دَخَل.
• وقوله: "فَإِنَّ الشَّيْطَانَ": بيانٌ لكمالِ تَمَكُّنِه من الوَسْوَسَة.
• قوله: "والشَّيْطَان لا يُسْلِمُ": هذا هو العادةُ، وخرقُ العادةِ بالنَّظْر إليه صلى الله تعالى عليه وسلَّم غيرُ بعيدٍ، واللهُ تعالى قادرٌ على كلِّ شيءٍ فلذا جُوِّزَ أنَّه بفتح الميم صيغة الماضي من الإسلام.
بَابٌ
783 -
(1173) - (3/ 467) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَبِي الأحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ": يقالُ: اسْتَشْرفتَ الشيءَ إذا رفعتَ بصرَك تنظر إليه، وبسطتَّ كفَّك فوقَ الحاحط كالَّذي يَسْتَظِلُّ من الشَّمس، ولا يخفى أن الشيطانَ ينظُر إليها وهي في [قَعْرِ]
(1)
بيتِها، فلا يظهر في نظر الشَّيْطانِ إليها على هذا الوجهِ حينَ الخُروجِ فائدةٌ.
قلنَا: قال السيوطيُّ في معناه: أي: يَراها من أعلى ما يَفْتِن به الناس، ودعا الناسَ إلى التَّشرُّفِ إليها، أي: التَّطَلُّع
(2)
.
(1)
هكذا في المخطوط، ولعل الصحيح "عقر بيتها
…
" لأن معنى العُقْر: الوسط، ومعنى القَعْر العمق.
(2)
راجع: قوت المغتذي شرح جامع الترمذي للسيوطي: 1/ 344.
بَابٌ
784 -
(1174) - (3/ 467 - 468) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ بَحِيرِ بْن سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ كثِيرِ بْن مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْن جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الحُورِ العِينِ: لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللهُ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكِ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَرِوايَةُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاش عَنِ الشَّامِيِّينَ أَصْلَحُ، وَلَهُ عَنْ أَهْلِ الحِجَازِ وَأَهْلِ العِرَاقِ مَنَاكيرُ.
• قوله: "لا تُؤْذِيه": هكذَا بإثباتِ الياء في غالبِ النُّسَخ، والصيغةُ صيغةُ النَّهْي إذا المقام لا يسَاعد النَّفْي، فالظَّاهر "أنْ [يُفَارِقَكِ]
(1)
إلَيْنَا" للإشباعِ، وجعله نفيًا بمعنى النَّهي - وإن كان شائعًا إلا أنَّه - غيرُ ظاهرٍ ههنا. والله تعالى أعلم.
(1)
ما بين المعقوفين سقط من المخطوط.
أَبْوَابُ الطَّلَاقِ
(1)
بَابُ مَا جَاءَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ
785 -
(1175) - (3/ 469) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيَّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ يُونُسَ بْن جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ اِبْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرفُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ؟ فَإِنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فأمَرَهُ أنْ يُرَاجِعَهَا، قَالَ: قُلْتُ: فَيُعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: فَمَهْ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ.
• قوله: "فَتَعْتَدُّ"، أي: تَحْسِب تلك التَّطليقةَ من الثَّلاثةِ أم لا لعَدَم مصادَفَتِها وقتَها؟ والشَّيءُ يَبْطُل قبلَ أوَانِه، سِيَّما وقد لَحِقَه الرّجعةُ المُبْطِلَة لأثَره.
• قوله: "فَمَهْ"، أي: اسْكُتْ، قاله رَدْعًا له وزَجْرًا عن التَّكَلُّم بمِثْلِه إذْ كونُها تَحْسب أمرًا ظاهرًا لا يحتاجُ إلى سوالٍ، سِيَّما بعدَ الأمرِ بالمُرَاجَعة إذ لا رجعةَ إلا عن طلاقٍ. ويمكنُ أنْ يقالَ: إنَّه كلمةُ استفهامٍ، وأصلُه "فَمَا"، أي: فماذَا يفعلُ إن لم تَحْسب، ثم قُلِّبَتِ الألفُ هاءً.
• قوله: "إِنْ عَجَزَ" أي: عن الرّجعةِ، أي: فلم تحسب حينئذٍ فإذا حسبت فتحسب بعدَ الرّجعة إذ لا دخلَ للرّجعة في إبطالِ الطَّلاقِ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ الطَّلَاقِ وَاللِّعَانِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "وَاسْتَحْمَقَ"، أي: أتَى بفعلِ الجاهلِ الأحمقِ بأنْ أبَى عن الرَّجعة بلا عجزٍ.
786 -
(1176) - (3/ 475) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَن، مَوْلَى آلِ طلحَةَ، عَنْ سَالِم، عَنْ أَبِيهِ، أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الحَيْضِ، فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"مُرْهُ فليُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ يُونُسَ بْن جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ طَلَاقَ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ طَاهِرٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلسُّنَّةِ أيضًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا تَكُونُ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ إِلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالُوا فِي طَلَاقِ الحَامِلِ: يُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: يُطلِّقُهَا عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ تَطْلِيقَةً.
• قوله: "ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا"، أي: إن بدَا له، والأمرُ يرجعُ إلى القَيْدِ لا إلى نفس الطَّلاقِ، إذْ معلومٌ أن الطلاقَ غيرُ محبوبٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ البَتَّةَ
787 -
(1177) - (3/ 471 - 472) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ عَنْ جَرِيرِ بْن حَازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْن سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن يَزِيدَ بْن رُكَانَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِيَ البَتَّةَ، فَقَالَ:"مَا أَرَدْتَ بِهَا؟ " قُلْتُ: وَاحِدَةً، قَالَ:"وَاللهِ"؟ قُلْتُ: وَاللهِ! قَالَ: "فَهُوَ مَا أَرَدْتَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: فِيهِ اضْطِرَابٌ. وَيُرْوَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْم مِنْ أَصْحَاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرهِمْ فِي طلَاقِ البَتَّةِ، فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَنَّهُ جَعَلَ البَتَّةَ وَاحِدَةً، وَرُوِىَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَعَلَهَا ثَلَاثًا. وقال بَعْضُ أهْلِ العِلمِ: فِيهِ نِيَّةُ الرَّجُلِ: إِنْ نوَى وَاحِدَةً فوَاحِدَةٌ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا وَاحِدَةً، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الكُوفَةِ. وقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي البَتَّةِ: إِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ فَثِنْتَانِ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ.
• قوله: "البَتَّةَ": هو مصدرُ "بَتَّ" بمعنى قَطَع، و"ال" للتَّعريفِ إلا أنَّه بقَطْع الهمزةِ بخلافِ القِياس، ونصبُه بمحذوفٍ، أي: قطعت الوُصلةَ قطعًا، أو هو بمعنى القَاطع، أو هو مصدرٌ لفعل الطَّلاقِ بناءً على أن اعتبارَ الطَّلاقِ قاطعٌ للوُصْلة، فمعنى طلَّقْتَ قطعتَ وصْلَتَها.
بَابُ مَا جَاءَ [فِي] أَمْركِ بِيَدِكِ
788 -
(1178) - (3/ 472 - 473) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لأيوبَ: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ أَحَدًا قَالَ فِي: "أَمْرُكِ بِيَدِكِ": إِنَّهَا ثَلَاثٌ إِلَّا الحَسَنَ؟، فَقَالَ: لَا، إِلَّا الْحَسَنَ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ غَفْرًا إِلَّا مَا حَدَّثَنِي قَتَادَة عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى بَنِي سَمُرَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ثَلَاثٌ"، قَالَ أَيُوبُ: فَلَقِيتُ كثِيرًا مَوْلَى بَنِي سَمُرَةَ فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى قَتَادَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: نَسِيَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْن زَيْدٍ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْن زَيْدٍ بِهَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَكَانَ عَليُّ بْنُ نَصْرٍ حَافِظًا، صَاحِبَ حَدِيثٍ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي: "أَمْرُكِ بِيَدِكِ"، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، مِنْهُمْ: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هِىَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَزيدُ بْنُ ثَابِتٍ:"القَضَاءُ مَا قَضَتْ". وقَال ابْنُ عُمَرَ: إِذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَطَلَّقتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ، وَقَالَ: لَمْ أَجْعَلْ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إِلَّا فِي وَاحِدَةٍ اسْتُخْلِفَ الزَّوْجُ، وَكَانَ القَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَذَهَبَ سُفْيَانُ وَأَهْلُ الكُوفَةِ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللهِ، وأَمَّا مَالِكٌ بْنُ أَنَسٍ، فَقَالَ:"القَضَاءُ مَا قَضَتْ"، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَأَمَّا إِسْحَاقُ فَذَهَبَ إِلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ.
• قوله: "غَفْرًا": هو بمعنى المَغْفرةِ، ونصبُه بتقدير:"اغْفِرْ لي، أو أسْألُكَ، أو ارْزُقْني" ونحو ذلك.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الخِيَارِ
789 -
(1179) - (3/ 474 - 475) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاخْتَرْنَاهُ، أَفَكَانَ طلَاقًا؟
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَاخْتَلفَ أهْل العِلم فِي الخِيَارِ، فرُوِيَ عَنْ عمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ أَنَّهُمَا قَالَا: إنِ اخْتَارَتْ نفسَهَا فوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَرُوِيَ عَنهمَا أَنَّهُمَا قالا أيضًا: وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، وَإِنِ اخْتَارَت زَوْجَهَا فَلَا شَىْءَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أنَّهُ قَالَ: إِنْ اختَارَت نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ. وقَالَ زَيْدُ بْن ثَابِتٍ: إِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ، وَإِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلَاثٌ.
وَذَهَبَ أَكْثر أَهْلِ العِلْمِ وَالفِقْهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي هَذَا البَابِ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ وَهُوَ قَولُ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ، وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَذَهَبَ إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ.
• قوله: "أَفَكَانَ طلَاقًا": الهمزةُ للإنكار، والمقصودُ نَفْيُ كونِه طلاقًا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ
790 -
(1180) - (3/ 475 - 476) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ: طَلَّقَنى زَوْجِي ثَلَاثًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا سُكْنَى لَكِ وَلَا نَفَقَةَ". قَالَ مُغِيرَة: فَذَكَرْتُهُ لإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: قَالَ عُمَرُ: "لَا نَدَعُ كتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لا نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ"، وَكَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَنَا حُصَيْنٌ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَمُجَاهِدٌ، قَالَ هُشَيْمٌ: وَحَدَّثَنَا دَاوُدُ أيضًا - عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا، فَقَالَتْ: طَلَّقَهَا زَوْجُهَا البَتَّةَ، فَخَاصَمَتْهُ فِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُكْنَى وَلا نَفَقَةً، وفي حَدِيثِ دَاوُدَ قَالَتْ: وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهُوَ قَول بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، مِنْهُمُ: الْحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالُوا: لَيْسَ لِلْمُطَلَّقَةِ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً إِذَا لَمْ يَمْلِكْ زَوْجُهَا الرَّجْعَةَ.
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ: عُمَرُ، وَعَبْدُ اللهِ: إِنَّ المُطَلَّقَةَ ثَلاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَهُوَ قَول مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا جَعَلْنَا لَهَا السُّكْنَى
بِكِتَابِ الله، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}
(1)
قَالُوا: هُوَ البَذَاءُ، أَنْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهَا، وَاعْتَلَّ بِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّكْنَى لِمَا كَانَتْ تَبْذُو عَلَى أَهْلِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلا نَفَقَةَ لَهَا لِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ.
• قوله: "لا نَدَعُ كِتَابَ الله": قيل: أمَّا السُّكْنى فهي مذكورةٌ في كتابِ اللهِ قال اللهُ تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}
(2)
الآية. وأمَّا النَّفقةُ فإنَّما هي لأولاتِ الأحمالِ قال تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(3)
.
قلتُ: فلعلَّ عمرَ أخذَ النَّفقةَ لغير الحُبْلَى من دلالةِ السُّكْنى لها - والله تعالى أعلم - لكنَّ القائلين بالمفهومِ أخَذُوا من مفهومِ {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ}
(4)
أي: غير الحُبلى لا نفقةَ لها. وأمَّا قوله: "بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا" فلو ثَبَتَ من قولِ عمرَ لكان فيه حُجَّةٌ قويةٌ؛ لأنَّه بمنزلةِ نقل سُنَّةٍ إجمالًا، لكن قال الدَّارقطني: غيرُ محفوظٍ لم يَذْكُرْها جماعة منَ الثِّقات. والله تعالى أعلم
(5)
.
• قوله: "البَذَاءُ": - بالمَدِّ - الفُحْش في القَول.
(1)
الطلاق: 1.
(2)
الطلاق: 1.
(3)
الطلاق: 6.
(4)
الطلاق: 6.
(5)
راجع: سنن الدارقطني: 3/ 278.
بَابُ مَا جَاءَ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ
791 -
(1181) - (3/ 477 - 478) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ الأحْوَلُ عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا نَذْرَ لابْنِ آدَمَ فِيمَا لا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَمُعَاذِ بْن جَبَلٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍ وحَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَىْءٍ رُوِيَ في هَذَا البَابِ.
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْم مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، رُوِىَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وَالحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ وَشُرَيْحٍ، وَجَابِرِ بْن زَيْدٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِين، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ.
وَرُوِىَ عَنِ مَسْعودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي المَنْصُوبَةِ: "إنَّهَا تَطْلُقُ"، وَقَدْ رُوِىَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، والشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أهْلِ العِلمِ أَنَّهُمْ قَالُوا:"إِذا وَقَّتَ نُزِّلَ"، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْن أَنَسٍ أَنَّهُ إِذَا سَمَّى امْرَأةً بِعَيْنِهَا أَوْ وَقَّتَ وَقْتًا، أَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُ مِنْ كُورَةِ كَذَا، فَإِنَّهُ إِنْ تَزَوَّجَ فإِنَّهَا تَطْلُقُ.
وَأَمَّا ابْنُ الْمُبَارَكِ فَشَدَّدَ فِي هَذَا البَابِ وَقَالَ: إِنْ فَعَلَ لَا أَقُولُ هِيَ حَرَامٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ تَزَوَّجَ لَا آمُرُهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ. وقَالَ إِسْحَاقُ: أَنَا أُجِيزُ فِي المَنْصُوبَةِ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا لَا أَقُولُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَوَسَّعَ إِسْحَاقُ فِي غَيْرِ المَنْصُوبَةِ. وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ
بالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ بِأَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ الفُقَهَاءِ الَّذِينَ رَخَّصُوا فِي هَذَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: إنْ كَانَ يَرَى هَذَا القَوْلَ حَقًّا مِنْ قبْلِ أنْ يُبْتَلى بِهَذِهِ المَسْأَلَةِ فَلَهُ أنْ يَأخُذَ بِقوْلهِمْ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرْض بِهَذا، فَلَمَّا ابْتُلِيَ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلهِمْ، فَلَا أَرَى لَهُ ذَلِكَ.
• قوله: "وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيْمَا لا يمْلِكُ": مَنْ يقولُ بالتَّعليقِ قبلَ المِلْك يُجِيبُ عن الحديثِ: بأنَّا نقولُ بمُوْجِب هذا الحديثِ؛ لأنَّ الذي دلَّ عليه إنَّما هو انتفاءُ وقوعِ الطَّلاقِ قبلَ النِّكاحِ، وقالوا: التَّعليقُ لا يُسَمَّى تطليقًا ولا يُوْصَف الرَّجلُ بأنَّه طلَّق.
• قوله: "فِي المَنْصُوبَةِ"، أي: المُعَيَّنة من نَصَبَ إذا رَفَع، لأنَّ المُعَيَّنة وَقَعَتْ بالتَّعْيينِ من حَضِيْضِ الإبْهام والجَهالة، وفي بعض النُّسَخ "الْمَنْسُوْبَة": - بالسِّين - أي: التي نُسِبَتْ إلى قبيلةٍ أو موضعٍ وهو أظهرُ.
• "وَقَّتَ": - بالتَّشديد - أي: عيَّن وبيَّن، وتفصيلُ هذا ما ذكره مالكٌ في الموطأ بَلاغًا أن عمرَ، وعَبْدَ الله بْنَ عمر، وابْنَ مسعود، وسالمَ بنَ عَبْدِ الله، والقاسمَ بْن محمدٍ، وابنَ شهابٍ، وسليمانَ بْنَ يَسارٍ كانوا يقولون: إذَا حَلف الرَّجُل بطلاقِ المرأةِ قبلَ أن ينكِحَها ثُمَّ أثِم، أي: حَنث أنَّ ذلك لازمٌ له إذا نَكَحها، ثُمَّ قال مالكٌ: بَلَغَه أن ابنَ مسعودٍ كان يقولُ فيمن قالَ: كُلُّ امرأةٍ أنْكِحُها فهي طالقٌ: إنَّه إذا لم يُسَمِّ قبيلةً أو امرأةً بَعَيْنِها فلا شيءَ عليه، قال مالكٌ: مثل ذكر القبيلةِ ذِكْرُ أرْضٍ أو نحو ذلك.
• قوله: "الكُورَة": - بضَمِّ الكَاف - النَّاحِيَةُ والمدينةُ.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ طَلَاقَ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ
792 -
(1182) - (3/ 479) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي القَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"طَلَاقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ".
قَالَ مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى، وحَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُظَاهِرٌ بِهَذَا، قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ، وَمُظَاهِرٌ لَا نَعْرِفُ لَهُ فِي العِلْمِ غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "حَيْضَتَانِ": هو تثنيةُ الحَيْضةِ بالفتح.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ
793 -
(1183) - (3/ 480) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَجَاوَزَ اللهُ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِ.
• قوله: "تَجَاوَزَ اللهُ
…
" إلخ، هذا يدُلُّ على عدمِ المُؤاخَذَةِ بحديثِ النَّفسِ قبلَ التَّكَلُّم به والعمل به، وهذا لا يُنافي ثبوتَ الثَّوابِ على حديثِ النَّفْسِ أصلًا، فمن قال: إنَّه مُعَارِضٌ بحديثِ: "مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَه حَسَنَةٌ"
(1)
فقد وَهِم.
بقي الكلامُ في اعتقادِ الكَفَرة ونحوه، والجوابُ: أنَّه ليسَ من حديثِ النَّفس بل هو مندرجٌ في العمل، وعملُ كُلِّ شيءٍ على حَسْبه، أو نقول: الكلامُ فيما يَتَعَلَّقُ به تَكَلُّمٌ، أو عملٌ بقرينةِ: "مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ
…
" إلخ، وهذا ليسَ منهما وإنَّما هو من أفعالِ القَلْب وعقائدِه ولا كلامَ فيه.
(1)
راجع: صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب: من هم بحسنة أو سيئة، ح: 6491، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب، ح:130.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الخُلْعِ
794 -
(1185) - (3/ 482) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، أَنْبَأنَا الفَضْلُ بْن مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْن يَسَارٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ.
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ.
==
• قوله: "أَنَّهَا أُمِرَتْ
…
" إلخ، لكن هو في المَعنى مثلًا أمَرَها النبيُّ صلى اللهُ تعالى عليه وسلَّم إذ ليسَ هناك آمِرٌ غيرُه في مثل هذه الحَادِثَة، نعم قد رُوِي أنَّها اخْتَلَعَتْ في زمن عثمانَ وهو مِمَّا يُخِلُّ الاستدلالَ.
795 -
(1185 م) - (3/ 482 - 483) أنْبَأنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي عِدَّةِ المُخْتَلِعَةِ، فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: إِنَّ عِدَّةَ المُخْتَلِعَةِ عِدَّةُ المُطَلَّقَةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: إِنَّ عِدَّةَ المُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ. قَالَ إِسْحَاقُ: وَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى هَذَا فَهُوَ مَذْهَبٌ قَوِيٌّ.
• قوله: "فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ
…
" إلخ، كأنَّهم بَنَوْا ذلك على أن الخُلْع طلاقٌ، وعِدَّةُ الطَّلاقِ ثابِتَةٌ بالنَّصِّ، وهذا الحديثُ لا يصِحُّ لمُعَارَضَةِ النَّص.
ومَنْ يقولُ: إنَّ الخُلْعَ فسخٌ لا تظهر المعارضةُ على قولِه، وكأنَّ الحديثَ يؤيِّد قولَ ذلك القائل.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُخْتَلِعَاتِ
796 -
(1186) - (3/ 483) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُزَاحِمُ بْنُ ذَوَّادِ بْن عُلْبَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"المُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالقَوِيِّ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ".
• قوله: "المُخْتَلِعَاتُ": في "النِّهايةِ" اللَّاتِي يَطْلُبْنَ الخُلعَ والطَّلاقَ من أزْواجِهِنَّ بغير عُذْرٍ
(1)
.
• قوله: "لَمْ تَرِحْ
…
" إلخ، راحَ يَريْحُ، ويَراحُ، وأرَاحَ يُريْحُ، وبالثَّلاثةِ روي الحديث، ومعناه لم تَشُمَّ ريحَها، أي: لم تَدْخُلْها أوَّل مرَّةٍ أو هو تغليظٌ.
(1)
راجع: النهاية في غريب الأثر لابن الأثير الجزري: 3/ 1243.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مُدَارَاةِ النِّسَاءِ
797 -
(1188) - (3/ 484 - 485) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابِ عَنْ عَمِّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ المَرْأَةَ كَالضِّلَعِ إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا عَلَى عِوَجٍ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَسَمُرَةَ، وَعَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
• قوله: "كَالضِّلَعِ": الضِّلْعُ - بكسر مُعجمةٍ، وفتح لام وقد يسكن - واحِدة الأضْلاع، أي: هي كالضِّلْع في الاعْوِجَاجِ وعدمِ قَبول الإقامةِ إلا بالكسر.
• وقوله: "ذَهَبْتَ"، أي: شَرَعْتَ وأردتَ. "تُقِيْمُهَا": من الإقَامَة.
"كَسَرْتَهَا"، أي: طلَّقْتَها.
• "والعِوَج": - بالفتح، والكسر - والثَّاني أرْجَحُها لقولهم: بالكسر في المَعانِي، وبالفتح: في الأجْسَام المَرْئِيَّةِ، والمرادُ ههنا عَوِجًا معنىً لا حِسًّا.
[بابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَسْأَلُهُ أَبُوهُ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ]
798 -
(1189) - (3/ 485 - 486) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الله بْن عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا وَكَانَ أَبِي يَكْرَهُهَا، فَأَمَرَنِي أَبِي أَنْ أُطَلِّقَهَا فَأَبَيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، طَلِّقْ امْرَأَتَكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إِنَّمَا نَعْرِفَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ.
• قوله: "طَلِّقْ امْرَأَتَكَ": إطاعةً لأبيكَ وإرْضاءً له.
بَابُ مَا جَاءَ لَا تَسْأَلِ المَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا
799 -
(1190) - (3/ 486) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَسْأَلِ المَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا".
وَفِي البَاب عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَا تَسْأَل": بالرَّفع: نَفْيٌ بمعنى النَّهْي، أو بالكسر نَهْيٌ، والأوَّل أنسبُ بما قبلَه، فإنَّ هذه روايةٌ مختصرةٌ، والمرادُ بالأخْتِ غيرها سواءً كانت من النَّسبِ أو الإسلامِ أوْ لا كالكِتَابِيَّةِ.
• و"تَكْفِئ": - بفتح تاءٍ، وهمزة في آخره - مِنْ كَفَأ الإناءَ: قلَّبَه ليُفْرِغَ ما فيه، أي: لا تسْأل الأجْنَبَيَّةُ طلاقَ زوجةِ أحدٍ ليَنْكِحَها، ويصيرَ لها من نَفَقتِه ما كان للمُطَلَّقَةِ. قال في "النِّهايةِ": وهذَا تمثيلٌ لإمالَةِ الضَرَّةِ حَقَّ صاحِبَتِها من زَوْجِها إلى نفسِها إذا سألَتْ طلاقَها، أي: كأنَّها تُقَلِّب إناءَ ضَرَّتِها في إنائِها
(1)
.
(1)
راجع: النهاية في غريب الأثر لابن الأثير الجزري: 8/ 3641.
بَابُ مَا جَاءَ فِي طَلَاقِ المَعْتُوهِ
800 -
(1191) - (3/ 487) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، أَنْبَأَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الفَزَارِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ المَخْزُومِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ المَعْتُوهِ المَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الحَدِيثِ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ طَلَاقَ المَعْتُوهِ المَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْتُوهًا يُفِيقُ الأَحْيَانَ فَيُطَلِّقُ فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ.
• قوله: "جَائِزٌ"، أي: نافذٌ.
بَابٌ
801 -
(1192) - (3/ 488) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ شَبِيبٍ عَنْ هِشَامٍ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ وَالرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي العِدَّةِ وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى قَالَ رَجُلٌ لامْرَأَتِهِ: وَاللهِ لَا أُطَلِّقُكِ فَتَبِينِي مِنِّي وَلَا آوِيكِ أَبَدًا، قَالَتْ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: أُطَلِّقُكِ فَكُلَّمَا هَمَّتْ عِدَّتُكِ أَنْ تَنْقَضِيَ رَاجَعْتُكِ، فَذَهَبَتِ المَرْأَةُ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَسَكَتَتْ عَائِشَةُ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلَ القُرْآنُ:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(1)
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاسْتَأْنَفَ النَّاسُ الطَّلَاقَ مُسْتَقْبَلًا مَنْ كَانَ طَلَّقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَلَّقَ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْن شَبِيبٍ.
• قوله: "كَانَ النَّاسُ وَالرَّجُلُ": بالوَاو في [جميع] النُّسَخ، والأقربُ أن الواوَ زائدةٌ في خبر "كانَ"، أي: الرَّجُل منهم يُطَلِّقُ، وقد صرَّح في "المُطَوَّل": أنَّه قد يزادُ الواو في باب خبر "كان" وغيرها على خلافِ الأصْل تشبيهًا له بالحَال، ويمكن أن الواوَ للتَّفسير بمنزلةِ الواو في:"أعْجَبَنِيْ زَيْدٌ وَحُسْنُهُ أو عِلْمُهُ" ونحو ذلك، وأمَّا جَعْلُ الواو للحالِ فلا يستقيمُ إذ لا يبْقَى لـ"كانَ" خبرٌ، وجعل "كان"
(1)
البقرة: 229.
تامَّةً لا يساعِدُه المعنى.
• وقوله: "وَلَا أؤوِيكِ": من الإيْوَاء، أي: لا أضُمُّكِ إلى نَفْسِي أبدًا.
• وقوله: "فَكُلَّمَا هَمَّتْ
…
" إلخ، من المَجَاز مثله.
• قوله: "أَنْ يَنْقَضِيَ": والمعنى قَارَبَتِ الانقضاءَ.
• وقوله تعالى: {الطَّلَاقُ} أي: الذي يَعْقبه الرجعةُ {مَرَّتَانِ} أي: ثِنَتان.
{فَإِمْسَاكٌ} أي: فعليكَ إمْسَاكُهُنَّ بعدَهما {بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ} إرسالٌ لَهُنَّ {بِإِحْسَانٍ}
(1)
.
• قوله: "فَتَبِينِي مِنِّي": بحذفِ النُّونِ على أنَّه جوابُ النَّفْي بالفاءِ، وفي بعض النُّسَخ بإثْباتِها بتقدير فأنْتِ تَبِيْنِيْنَ مِنِّي.
(1)
البقرة: 229.
بَابُ مَا جَاءَ فِي [الحَامِلِ] المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَضَعُ
802 -
(1193) - (3/ 489 - 490) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي السَّنَابِلِ بْنِ بَعْكَكٍ، قَالَ: وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا تَعَلَّتْ تَشَوَّفَتْ لِلنِّكَاحِ فَأُنْكِرَ عَلَيْهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"إِنْ تَفْعَلْ فَقَدْ حَلَّ أَجَلُهَا".
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ نَحْوَهُ، قَالَ: وفي البَاب عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي السَّنَابِلِ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَلَا نَعْرِفُ لِلأَسْوَدِ سَمَاعًا مِنْ أَبِي السَّنَابِلِ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: لَا أَعْرِفُ أَنَّ أَبَا السَّنَابِلِ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الحَامِلَ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِذَا وَضَعَتْ فَقَدْ حَلَّ التَّزْوِيجُ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَكْنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: تَعْتَدُّ آخِرَ الأَجَلَيْنِ وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ.
• قوله: "سُبَيْعَة": بضَمِّ السِّين المُهْمَلة، وفتح الموحَّدة، وإسكان التَّحْتِيَةِ، و"زَوْجُهَا": سعدُ بنُ خولةَ، مات بمكَّةَ في حَجَّةِ الودَاع.
• قوله: "أو خَمْسَةٍ": وفي روايةِ مالكٍ في الموطأ "بنِصْفِ شَهْرٍ"
(1)
جزمًا.
• قوله: "فَلَمَّا تَعَلَّتْ": - بتشديد اللام - مِنْ تَعَلَّى: إذا ارْتَفَعَ، أي: ارْتَفَعَتْ وظَهرَتْ، أو مِنْ تَعَلَّى من عِلَّته: إذا بَرِئ، أي: خَرَجَتْ من نِفاسِها.
• وقوله: "تَشَوَّفَتْ"، أي: مَالَتْ.
• قوله: "انْقَضَتْ عِدَّتُهَا"، أي: بالأيَّام، وإلا فالعِدَّةُ بالوَضْع قدِ انْقَضَتْ.
803 -
(1194) - (3/ 490) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْن يَسَارٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَذَاكَرُوا المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الحَامِلَ تَضَعُ عِنْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْتَدُّ آخِرَ الأَجَلَيْنِ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: بَلْ تَحِلُّ حِينَ تَضَعُ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: قَدْ وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ الأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِيَسِيرٍ، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم "فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَأَمَرَهَا"، أي: أباحَ لها وأذِنَ لها في النِّكاح.
(1)
راجع: موطأ الإمام مالك بن أنس: 3/ 305.
بَابُ مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا
804 -
(1195) - (3/ 491) حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، أنْبَأنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي بَكْرِ بْن مُحَمَّدِ بْن عَمْرِو بْن حَزْمٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ: قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ، فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا".
• قوله: "صُفْرَةٌ خَلُوقٌ": - بفَتح الخَاء المُعجمة آخره قافٌ - طِيْبٌ مخلوطٌ، وهو مرفوعٌ على الوَصْف، أو مجرورٌ على الإضَافةِ.
• وقوله: "فَدَهَنَتْ": بدالٍ مُهملةٍ. و"جَارِيَةً": بالنَّصب كأنَّها فَعَلَتْ ذلك لتُخَفِّفَ الصُّفرةَ، والمراد بـ:"عَارِضَيْهَا": جانِبَا وَجْهِهَا.
• وقوله: "أَنْ تُحِدَّ": من الإحْدَاد وهو المشهورُ، وقيل: جاءَ "تَحُدُّ" على حَدِّ نَصَرَ أيضًا، والإحدادُ امتناعُ المرأةِ من الزِّيْنَةِ لمَوْتِ الزَّوْج أو غيره.
805 -
(1197) - (3/ 492 - 493) قَالَتْ زَيْنَبُ: وَسَمِعْتُ أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا أَفَنَكْحَلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: "لَا"، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا هِيَ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ".
قالَ: وفي البَاب عَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ زَيْنَبَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَتَّقِي فِي عِدَّتِهَا الطِّيبَ وَالزِّينَةَ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكِ بْن أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "اشْتَكَتْ": ضميرُ اشْتَكَتْ لبِنْت. و"عَيْنَيْهَا": - بالتَّثنيةِ والنَّصب - مفعولٌ، و"نَكْحَلُهَا": هو بضَمِّ الحَاءِ وفتحها.
• قوله: "إِنَّمَا هِيَ"، أي: العِدَّةُ، "أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرًا": بنصب الجُزئين على حكايةِ لفظِ القرآنِ، وقيل: برفع الأوَّل على الأصْل، والمرادُ: تقليلُ المُدَّةِ وتَهوينُ الصَّبْر عَمَّا مُنِعَتْ منه في العِدَّةِ وهو الاكْتحالُ ونحوه.
• وقوله: "تَرْمِي بِالبَعْرَةِ": - بفتحتين، أو بسكون العين - رجيعُ ذي الخُفِّ والظِّلف، أي: وقد جاءَ الإسلامُ على خلافِه في تخفيفٍ، وكانَت عادةُ أهل الجَاهِلِيَّةِ أن المرأةَ تَعْتَدُّ سنةً، وتتركُ الطِّيبَ وغيرَه في بيتٍ رديءٍ، ثم بعدَ الفراغ تَرْمي ببَعْرَةٍ وتخرج من العِدَّةِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ
806 -
(1198) - (3/ 493 - 494) حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ البَيَاضِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي المُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ قَالَ:"كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا وَاقَعَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ.
• قوله: "يُوَاقِعُ"، أي: يجامعُ.
• قوله: "يُكَفِّرَ": من التَّكفير، أي: قبل أن يؤدِّيَ الكفَّارةَ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ
807 -
(1200) - (3/ 494 - 495) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنْبَأَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الخَزَّازُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَلَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن ثَوْبَانَ، أَنَّ سَلْمَانَ بْنَ صَخْرٍ الأَنْصَارِيَّ أَحَدَ بَنِي بَيَاضَةَ جَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ حَتَّى يَمْضِيَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا مَضَى نِصْفٌ مِنْ رَمَضَانَ وَقَعَ عَلَيْهَا لَيْلًا، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَعْتِقْ رَقَبَةً"، قَالَ: لَا أَجِدُهَا، قَالَ:"فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ"، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ:"أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، قَالَ: لَا أَجِدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِفَرْوَةَ بْن عَمْرٍو:"أَعْطِهِ ذَلِكَ العَرَقَ وَهُوَ مِكْتَلٌ يَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ صَاعًا إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. يُقَالُ: سَلْمَانُ بْنُ صَخْرٍ، وَيُقَالُ: سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ البَيَاضِيُّ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ.
• قوله: "ذَلِكَ العَرَقَ": بفتحتين، أو بسكونِ الثَّاني.
• وقوله: "إطْعَامَ سِتِّينَ": بدلٌ من ذلك العَرَق، أو مفعولٌ لأجله لـ"أعْطِهِ"، والثَّاني بعيدٌ من حيث اللام الجَارةِ عن مفعول لأجْله شَرَطُوا له أنْ يكونَ فاعلُه هو فاعلُ العامل، وههنا فاعلُ الإطْعامِ: المُظَاهِرُ، وفاعلُ الإعْطَاء: غيرُه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الإِيلَاءِ
808 -
(1201) - (3/ 495 - 496) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: آلَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ وَحَرَّمَ، فَجَعَلَ الحَرَامَ حَلَالًا، وَجَعَلَ فِي اليَمِينِ كَفَّارَةً.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَنَسٍ، وَأَبِي مُوسَى. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ مَسْلَمَةَ بْن عَلْقَمَةَ عَنْ دَاوُدَ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَسْلَمَةَ بْن عَلْقَمَةَ. وَالإِيلَاءُ: هُوَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِيهِ إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ، فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ.
• قوله: "آلَى": - بالمَدِّ - من الإيلاءِ، أي: حَلَف من قُرْبَانِهِنَّ، والمشهورُ فيه أنَّه آلى شهرًا وعَزَلَهُنَّ ذلك الشَّهر. و"حَرَّمَ": من التَّحْريم، وظاهرُه حرَّمَهُنَّ على نفسِه، لكن الثابتَ أنَّه حرَّم العسلَ، وروي أنَّه حرَّم بآية. "فَجَعَلَ الْحَرَامَ": أي: ما حرَّم عليه حلالًا بالمُبَاشَرَة. "وَجَعَلَ فِي الْيَمِيْنِ": أي: أعْطَى وأدَّى كفَّارَتَه، فضميرُ الجَعْل في المَوْضِعَيْن لِله تعالى، ويمكنُ بناءُ الجَعْلَيْن للمفعولَين. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اللِّعَانِ
809 -
(1202) - (3/ 497 - 498) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْد المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سُئِلْتُ عَنِ المُتَلَاعِنَيْنِ فِي إِمَارَةِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ "أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا"؟ فَمَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ، فَقُمْتُ مَكَانِي إِلَى مَنْزِلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لِي: إِنَّهُ قَائِلٌ، فَسَمِعَ كَلَامِي، فَقَالَ: ابْنَ جُبَيْرٍ ادْخُلْ، مَا جَاءَ بِكَ إِلَّا حَاجَةٌ؟. قَالَ: فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ مُفْتَرِشٌ بَرْذَعَةَ رَحْلٍ لَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُتَلَاعِنَانِ أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ!، نَعَمْ، إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ أَنَّ أَحَدَنَا رَأَى امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتْ سَكَتَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدْ ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ}
(1)
حَتَّى خَتَمَ الآيَاتِ، فَدَعَا الرَّجُلَ، فَتَلَا الآيَاتِ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ ثَنَّى بِالمَرْأَةِ فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَتْ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا صَدَقَ، قَالَ: فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالخَامِسَة أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ
(1)
النور: 6.
أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ، وَالخَامِسَة أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ سَهْلِ بْن سَعْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ.
• قوله: "سُئِلْتُ": على بناءِ المفعول. "فَقُمْتُ مَكَانِيْ": أي: من مَكَانِي من قَبيل {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ}
(1)
.
• "إنَّهُ قَائِلٌ"، أي: مستريحٌ استراحةَ نصفِ النَّهار.
• وقوله: "ابْنَ جُبَيْرٍ": - بالنَّصب - بتقدير حرفِ النِّداءِ.
• "والْبَرْذَعَةَ": - ضُبِط بفتح الباء الموحَّدَة، وسكون المُهْمَلة، وفتح المُعْجَمَة أو المُهْمَلة - وهو الحِلْس - بالكسر -، وهو: كساءٌ يُلْقَى تحتَ الرَّحْل على ظَهْر البَعِير.
(1)
الأعراف: 155.
بَابُ مَا جَاءَ أَيْنَ تَعْتَدُّ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؟
810 -
(1204) - (3/ 499 - 501) حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، أَنْبَأَنَا مَعْنٌ، أَنْبَأَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعْدِ بْن إِسْحَاقَ بْن كَعْب بْن عُجْرَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْن عُجْرَةَ، أَنَّ الفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ، وَأَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بِطَرَفِ القَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوه، قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لِي مَسْكَنًا يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةً، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ". قَالَتْ: فَانْصَرَفْتُ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الحُجْرَةِ أَوْ فِي المَسْجِدِ نَادَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ أَمَرَ بِي فَنُودِيتُ لَهُ، فَقَالَ:"كَيْفَ قُلْتِ؟ "، قَالَتْ: فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ القِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، قَالَ:"امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ"، قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ.
أنْبَأنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْن كَعْبِ بْن عُجْرَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: لَمْ يَرَوْا لِلْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ وَإِنْ لَمْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ.
• قوله: "أَنَّ الفُرَيْعَةَ": بضَمِّ الفَاء، وفتح الرَّاء.
• وقوله: "بَنِي خُدْرَةَ": بضَمِّ الخَاء المُعْجمة، وسكون الدَّال.
• وقوله: "أَعْبُدٍ": - بضَمِّ الباء - جمعُ عبدٍ.
• "والقَدُومِ": - بالتَّخفيفِ والتَّشديدِ - موضِعٌ على سِتَّةِ أميالٍ من المَدينةِ.
• وقوله: "حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ"، أي: تنتهى العِدَّةُ المكتوبةُ وتبلغ آخرَها.
أَبْوَابُ الْبُيُوعِ
(1)
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الشُّبُهَاتِ
811 -
(1205) - (3/ 502 - 503) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْن بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهٍ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الحَلَالُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَدْرِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَمِنَ الحَلَالِ هِيَ أَمْ مِنَ الحَرَامِ، فَمَنْ تَرَكَهَا اسْتِبْرَاءً لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ فَقَدْ سَلِمَ، وَمَنْ وَاقَعَ شَيْئًا مِنْهَا يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَ الحَرَامَ، كمَا أَنَّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْل الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ".
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْن بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ.
• قوله: "الحَلَالُ بَيِّنٌ
…
" إلخ، ليسَ المعنى أنَّ كُلَّ ما هو حلالٌ عندَ الله
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ الْبُيُوعِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
تعالى فهو بَيِّنٌ بوَصْفِ الحِلِّ يَعْرفُه كُلُّ واحدٍ بِهذا الوَصْف، وأنَّ ما هو حرامٌ عندَه فهو كذلك وإلا لم يبقَ الشُّبْهات، وإنَّما معناه - والله تعالى أعلم -: أن الحلالَ من حيثِ الحُكْم بيِّنٌ بأنَّه لا يضُرُّ تناوُله، وكذا الحرامُ من حيث أنَّه يَضُرُّ تناوُله، أي: هما بَيِّنَان يعرفُ النَّاسُ حكمَهما، لكن ينبغي أنْ يُعلمَ أن حكمَ مَا بَيْنَهما من المُتَشابِهاتِ بأنَّ تناوَله يُخْرج من الوَرع، ويقرِّبُ إلى تناوُل الحَرامِ وعلى هذا فقوله:"الحلال بَيِّنٌ والحرام بيِّنٌ" اعتذارٌ لترك ذكر حُكْمِها.
• وقوله: "وَبَيْنَ ذَلِكَ"، أي: المذكورُ من الحَرامِ والحَلالِ.
• وقوله: "مُشْتَبِهَاتٌ": - بفتح الباءِ أو كسرها - من التَّشْبِيْهِ، أي: مُلْبِسَاتٌ أو مُوْقِعَاتٌ في الشُّبْهةِ لتَجَاذُب الأصْول، المَبْنِيُّ عليها أمرُ الحِلِّ والحُرْمةِ فيها.
• وقوله: "اسْتِبْرَاءً": - بألف - مفعولٌ لأجله لِـ"تَركَ"، أي: تحصيلًا للبراءَةِ لدِيْنِه من الذمَّ الشَّرْعِي، وصَوْنًا لعِرْضِه عن كلامِ النَّاس فيه.
• وقوله: "فَقَدْ سَلِمَ": - بكسر اللام - أي: في الدُّنْيا والآخِرَة.
• وقوله: "يُوشِكُ": - بضَمِّ الياء، وكسر الشِّين - أي: يقرُب؛ لأنَّه يتعاهَد به التَّساهُلَ وَيَتَمَرَّنُ عليه، ويجسر على شُبهةٍ أخرى أغلظُ منها وهكذا حتى يقعَ في الحرامِ.
• "والحِمَى": - بكسر الحَاء، والقصر - أرضٌ تَحْمِيها الملوكُ ويمنعونَ النَّاس عن الدُّخولِ فيها، فمن دَخَلَه أوْقَع فيه العقوبةَ، ومن احتاطَ لنفسه لا يُقارب ذلك الحِمَى خوفًا من الوُقُوْع فيه، والمَحَارمُ كذلك يعاقبُ اللهُ تعالى على ارْتِكابِها فمن احتاطَ لنفسه لم يُقَارِبْهَا بالوُقُوع في الشُّبْهاتِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الرِّبَا
812 -
(1206) - (3/ 503) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:"لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَكَاتِبَهُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
…
" إلخ، أصلُ اللَّعْنِ الطَّردُ والإبعادُ، فلَعْنُ الكفَّار: إبعادُهم عن الرَّحمةِ كلَّ الإبعادِ، ولعنُ العُصَاة: العذابُ والطَّردُ عن الجَنَّةِ أوَّلَ الأمر.
• و"آكِلَ الرِّبَا": البائعُ. و"مُوكِلَهُ": - بضَمٍّ، فسكون واو، فكسر - المُشتري، وقيل: آكِلُه آخِذُه كالمُقْرِضِ، ومؤكِلُه كالمُسْتَقْرض، وسوَّى بينَهم لاشْتِراكِهم في فعل الحَرام.
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيظِ فِي الكَذِبِ وَالزُّورِ [وَنَحْوِهِ]
813 -
(1207) - (3/ 504) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الكَبَائِرِ، قَالَ:"الشِّرْكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَقَوْلُ الزُّورِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَأَيْمَنَ بْن خُرَيْمٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "الزُّورِ": لأنَّه يكثرُ وقوعُه عندَ البيع ترويجًا للمَبيع.
بَابُ مَا جَاءَ فِي التُّجَّارِ وَتَسْمِيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إيَّاهُمْ
814 -
(1208) - (3/ 505) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ، فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الشَّيْطَانَ وَالإِثْمَ يَحْضُرَانِ البَيْعَ فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنِ البَرَاءِ بْن عَازِبٍ وَرِفَاعَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ قَيْسِ بْن أَبِي غَرَزَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ مَنْصُورٌ، وَالأَعْمَشُ، وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ قَيْسِ بْن أَبِي غَرَزَةَ، وَلَا نَعْرِفُ لِقَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هَذَا.
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةً عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْن أَبِي غَرَزَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. وفي البَاب عَنِ البَرَاءِ بْن عَازِبٍ وَرِفَاعَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَنَحْنُ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ": على بناءِ المفعول، أي: نحنُ أهلُ التِّجارةِ ليُسَمِّيْنا الناسُ سَمَاسِرَةً، فَسُمِّيْنا باسم التُجَّار.
قال الخطَّابي
(1)
: هو اسمٌ عَجَمِيٌّ، وكان كثيرٌ مِمَّنْ يُعالج البيعَ والشِّراءَ فيهم العجمُ فتَلَقَّوْا هذا الاسمَ عنهم، فغيَّره النبيُّ صلَّى الله تعالى عليه وسلم إلى التُّجار الذي هو الاسم بالعربيَّة، وقال:"يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ": وهو بضَمٍّ وتَشديدٍ، أو
(1)
راجع: معالم السنن شرح السنن أبي داود للخطابي: 3/ 53.
كسر وتخفيفٍ. "والسَّمَاسِرَةَ": جمعُ سِمْسَارٍ - بكسر السِّين - هو القَيِّمُ بأمره، الحافظُ له.
• وقوله: "فَشُوبُوا": - بضَمِّ الشِّين - أمرٌ من الشَّوْب بمعنى الخَلط، أمَرَهم بذلك ليكونَ كفَّارةً لِمَا يَجْري بينَهم منَ الكَذِب وغيره، والمرادُ بِها صدقةٌ غير مُعَيَّنَةٍ حسبَ تضاعُف الآثَام.
815 -
(1209) - (3/ 506) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَمْزَة. وَأَبُو حَمْزَةَ: اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ شَيْخٌ بَصْريٌّ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أبِي حَمْزَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
• قوله: "مَعَ النَّبِيِّينَ"، أي: لتَعَدِّيْ نَفْعِه.
816 -
(1210) - (3/ 506 - 507) حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا بَشْرُ بْنُ المُفَضَّلَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُثْمَانَ بْن خُثَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلّى المُصَلَّى، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ، فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ"، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ:"إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَنِ اتَّقَى الله وَبَرَّ وَصَدَقَ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَيُقَالُ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ رِفَاعَةَ أيضًا.
• قوله: "فُجَّارًا": لِمَا في البيعِ من الأيْمَان الكاذِبَة والتَّدلِيْس والرِّبا.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ [كَاذبًا]
817 -
(1211) - (3/ 507) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو بْن جَرِيرٍ يُحَدِّثُ عَنْ خَرَشَةَ بْن الحُرِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، قُلْنَا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا؟ فَقَالَ: "المَنَّانُ، وَالمُسْبِلُ إِزَارَهُ، وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلفِ الكَاذِبِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ بْن ثَعْلَبَةَ، وَعِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، وَمَعْقِلِ بْن يَسَارٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَا يَنْظُرُ"، أي: نظرَ رحمةٍ.
• وقوله: "وَلَا يُزَكِّيهِمْ": منَ التَّزكِيَة، أي: لا يُطَهِّرُهم من الذُّنُوبِ بالمَغْفرةِ ليدخُلوا الجَنَّة مع السَّابقين بل لهم عذابٌ أليمٌ فيُعَذَّبُون أوَّلا ثُمَّ يدْخُلُوْن الجَنَّة مع اللاحقين.
• "والمَنَّانُ": - بتشديد النُّون - هو مَنْ يُعْطِي ويَمُنُّ ويَعْتَدُّ به على المُعْطَي - بالفتح -.
• "وَالمُسْبِلُ إِزَارَهُ": من يُطَوِّل ثوبَه ويُرْسِلُه إلى الأرض إذا مَشَى، من الإسْبَال.
• "وَالمُنَفِّقُ": - بتشديد الفاء - منَ النَّفاق ضِدُّ الكَسَاد، أي: المُرَوِّج إيَّاها. "وسِلْعَتَهُ": بكسر السِّين.
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّبْكِيرِ بِالتِّجَارَةِ
818 -
(1212) - (3/ 508) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ عَنْ عُمَارَةَ بْن حَدِيدٍ، عَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا". قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبُرَيْدَةَ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَا نَعْرِفُ لِصَخْرٍ الغَامِدِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ هَذَا الحَدِيثَ.
• قوله: "أَثْرَى"، أي: كثُر مالُه. وقوله: "وَكَثُرَ مَالُهُ": تفسيرٌ له.
• قوله: "فِي بُكُورِهَا"، أي: فيما يأتون بِها أوَّل النَّهار.
[بَابُ مَا جَاءَ] فِي الرُّخْصَةِ فِي الشِّرَاءِ إِلَى أَجَلٍ
819 -
(1213) - (3/ 509 - 510) حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمَرُو بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنَا عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَانِ قِطْرِيَّانِ غَلِيظَانِ، فَكَانَ إِذَا قَعَدَ فَعَرِقَ ثَقُلَا عَلَيْهِ، فَقَدِمَ بَزٌّ مِنَ الشَّامِ لِفُلَانٍ اليَهُودِيِّ، فَقُلْتُ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَاشْتَرَيْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ إِلَى المَيْسَرَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ مَا يُرِيدُ، إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِمَالِي أَوْ بِدَرَاهِمِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"كَذَبَ قَدْ عَلِمَ أَنِّي مِنْ أَتْقَاهُمْ لِله وَآدَاهُمْ لِلأَمَانَةِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ أيضًا عَنْ عُمَارَةَ بْن أَبِي حَفْصَةَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ فِرَاسٍ البَصْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ يَقُولُ: سُئِلَ شُعْبَةُ يَوْمًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: "لَسْتُ أُحَدِّثُكُمْ حَتَّى تَقُومُوا إِلَى حِرْمِيِّ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ فَتُقَبِّلُوا رَأَسَهُ، قَالَ: وَحَرَمِيٌّ فِي القَوْمِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: أَيْ: إِعْجَابًا بِهَذَا الحَدِيثِ.
• قوله: "ثَوْبَانِ قِطْرِيَّانِ": وقع في بعض النُّسَخ "ثَوْبَيْن" بالياء وكذَا ما بعدَه، والصَّوابُ في الكُلِّ الألف.
• و"قِطْرِيَّانِ": - بكسر القَافِ، وسكونِ الطَّاء - نسبةٌ إلى قَطَر - بفتحتين - من قُرَى البَحْرَيْن، وهذا من تغيير النِّسْبة وهو ضربٌ من البُرُوْد، فيها بعضُ الخُشُوْنة.
• "والبَزٌّ": - بتشديد الزَّاء المُعْجمة - ضربٌ من الثِّيابِ.
• وقوله: "إِلَى المَيْسَرَةِ"، أي: مؤجَّلا إلى الغِنَى، ولا يخفَى أنَّه أجلٌ مجهولٌ، فلعلَّ المرادَ إلى يومٍ معلومٍ يُتَوَقَّعُ فيه الغِنى، ومفعول "أرْسَلَ" في قولِه "وَأرْسَلَ إلَيْهِ" محذوفٌ، أي: أحدًا، وكذا مفعول "بَعَثْتَ" وهذا حذفٌ شائعٌ.
• وقوله: "مَا يُرِيدُ": ما استفهاميةٌ أو موصولةٌ، والعلم بمعنى العِرْفان، و"آدَاهُمْ": - بمدِّ الألف - أي: أحْسَنُهم وفاءً. كذا في "المجمع".
بَابُ مَا جَاءَ فِي المِكْيَالِ وَالمِيزَانِ
820 -
(1217) - (3/ 512) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالقَانِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِ المِكْيَالِ وَالمِيزَانِ: "إِنَّكُمْ قَدْ وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ هَلَكَتْ فِيهِ أُمَمٌ سَالِفَةٌ قَبْلَكُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْن قَيْسٍ، وَحُسَيْنُ بْن قَيْسٍ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا.
• قوله: "وُلِّيتُمْ": على بناءِ المفعول.
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ مَنْ يَزِيدُ
821 -
(1218) - (3/ 513) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ شُمَيْطِ بْن عَجْلَانَ، حَدَّثَنَا الأَخْضَرُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ عَبْدِ اللهِ الْحَنَفِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَاعَ حِلْسًا وَقَدَحًا، وَقَالَ:"مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الحِلْسَ وَالقَدَحَ"، فَقَالَ رَجُلٌ: أَخَذْتُهُمَا بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ، مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ "، فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ: فَبَاعَهُمَا مِنْهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الأَخْضَرِ بْن عَجْلَانَ. وَعَبْدُ اللهِ الحَنَفِيُّ الَّذِي رَوَى عَنْ أَنَسٍ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ: لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ فِي الغَنَائِمِ وَالمَوَارِيثِ.
وَقَدْ رَوَى الْمُعْتَمِرُ بْن سُلَيْمَانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كِبَارِ النَّاسِ عَنِ الْأَخْضَرِ بْن عَجْلَانَ هَذَا الْحَدِيثَ.
• قوله: "حِلْسًا": الحِلْسُ - بكسر، فسكون - كِسَاءٌ يُجْعَل على ظَهر البَعير تحتَ رَحْلِه. قال بعضُهم: هذا الحديثُ أصلٌ في الدَّلالةِ في البيعِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ المُدَبَّرِ
822 -
(1219) - (3/ 514) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ دَبَّرَ غُلَامًا لَهُ، فَمَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ، فَبَاعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن النَّحَّامِ. قَالَ جَابِرٌ: عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ الأَوَّلِ فِي إِمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: لَمْ يَرَوْا بِبَيْعِ المُدَبَّرِ بَأْسًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَكَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ بَيْعَ المُدَبَّرِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ.
• قوله: "إِمَارَة": بكسر الهمزة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ تَلَقِّي البُيُوعِ
823 -
(1220) - (3/ 515) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ:"نَهَى عَنْ تَلَقِّي البُيُوعِ". قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "البُيُوعِ": أريدُ بِها المَبِيْعَاتُ التي من شأنِها أنْ تُباعَ، أو أصحابُ البُيوع، والمرادُ النَّهْيُ عن استقبالِ الحَضَرِيِّ البَدَوِيَّ قبلَ وُصولِه إلى أعلى سُوْقِ البَلَدِ، يَشْتَري منه سلعةً بأقلّ من سِعْر السُّوقِ بأنْ يُخْبِرَه بكسادِ ما مَعه في السُّوق كَذِبَا.
824 -
(1221) - (3/ 515 - 516) حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُتَلَقَّى الجَلَبُ، فَإِنْ تَلَقَّاهُ إِنْسَانٌ فَابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ فِيهَا بِالخِيَارِ إِذَا وَرَدَ السُّوقَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ تَلَقِّي البُيُوعِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الخَدِيعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا.
• قوله: "الجَلَبُ": هو - بفتحين، أو بسكون الثَّاني - المُجْلوبُ الذي جِيْءَ به من بَلَدٍ للتِّجَارةِ.
• قوله: "فَابْتَاعَهُ"، أي: اشتراه بالخَديعةِ في ذكر سِعْر السُّوقِ وعدم رواجِه فيه.
بَابُ مَا جَاءَ [لَا] يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ
825 -
(1222) - (3/ 516) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَقَالَ قُتَيْبَةُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ طَلْحَةَ، وَجَابِرٍ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ. عَبَّاسٍ، وَحَكِيمِ بْن أَبِي يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَمْرِو بْن عَوْفٍ المُزْنِيِّ جَدِّ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "لَا يَبِيعُ
…
" إلخ، هو أنْ يبيعَ الحاضرُ مالَ البَادِي نفعًا له بأنْ يكونَ دلالةً، وذلك يَتَضَمَّن الضَّررَ في حَقِّ الحاضرينَ فإنَّه لو تُرِكَ البَادي لكانَ عادةً يبيعُه رخَيْصًا.
وقيلَ هو أنْ لا يبيعَ الحاضرُ متَاعَه من أهل البَلَدِ بل يَبِيْعُه من أهل البَادِيَة طمعًا في غلاءِ ثَمنِ مَتاعِه؛ لأنَّ أهلَ الباديةِ مع قلَّةِ مَعْرفتهم يَقْضُوْن حوائِجَهم على استعجالٍ، فيأخذونَ الشَّيءَ غاليًا، وعلى هذا فاللام في قوله لبَادي بمعنى "مِنْ" أي: يبيعُ الحاضرين من البَادي.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ
826 -
(1224) - (3/ 518) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْن ثَابِتٍ، وَسَعْدٍ، وَجَابِرٍ، وَرَافِعِ بْن خَدِيجٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالمُحَاقَلَةُ: بَيْعُ الزَّرْعِ بِالحِنْطَةِ. وَالمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رُؤوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ: كَرِهُوا بَيْعَ المُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ.
• قوله: "عَنِ الْمُحَاقَلَةِ" مفاعَلةٌ من الحَقْل وهو الحَرْث. وقال اللُّغَوِيُّون: اسمٌ للزَّرع في الأرض، وللأرض التي يُزْرَع فيها.
• "وَالمُزَابَنَة": مُفَاعَلَةٌ من الزَّبَن بمعنى الدَّفْع وهذا البيعُ قد يُفْضِي إلى التَّدَافُع.
• قوله: "بَيْعُ الثَّمَرِ": - بفتح المُثَلَّثَة والميم - الرَّطب على النَّخْل.
• وقوله: "بِالتَّمْرِ": بالفوقانِيَّةِ، وسكونِ الميم.
827 -
(1225) - (3/ 519) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن يَزِيدَ، أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ سَأَلَ سَعْدًا عَنِ البَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ، فَقَالَ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ البَيْضَاءُ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ سَعْدٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ اشْتِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ:"أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ"، قَالُوا: نَعَمْ، "فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ".
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن يَزِيدَ، عَنْ زَيْدٍ أَبِي عَيَّاشٍ، قَالَ: سَأَلْنَا سَعْدًا فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا.
• قوله: "عَنِ البَيْضَاءِ"، أي: الشَّعيرُ كما وَرَدَ بوجهٍ آخَر، والبيضاءُ عندَ العربِ: الشَّعِيرُ، والسَّمر: البُرُّ.
• و"السُّلْتُ": - بضَمِّ السِّين، وإسكان اللام - حَبٌّ بينَ الحِنْطَةِ والشَّعير ولا قشرَ له كقِشْر الشَّعيرِ فهو كالحِنْطَة في مَلاسَتِه، وكالشَّعير في طَبْعِه وبُرُوْدَتِه، ولتَقارُب الشَّعير والسُّلْت يُعَدَّان جِنْسًا واحدًا، فلذَا مَنَع سعيدٌ عن بيعِ أحدِهما بالآخَر مع فضلِ أحَدِهما، وفَسَّرَ مالكٌ الفضلَ بالكثرةِ في الكَيْل.
• قوله: "يُسْأَلُ": على بناءِ المفعول.
• وقوله: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ": تنبيهٌ على عِلَّةِ المَنعْ فيَجْري المنعُ في كل ما يجري فيه هذه العِلَّةُ، ولهذا حَكَم سعيدٌ بالمَنْع في الشَّعيرِ والسُّلْت لِمَا رأى من وجودِ العِلَّةِ فيهما.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أنْ
(1)
يَبْدُوَ صَلَاحُهَا
828 -
(1226) - (3/ 520) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ.
829 -
(1227) - (3/ 520 - 521) وَبِهَذَا الإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ العَاهَةَ، نَهَى البَائِعَ وَالمُشْتَرِيَ.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَزَيْدِ بْن ثَابِتٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: كَرِهُوا بَيْعَ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "بَيْعِ النَّخْلِ"، أي: ما عليه منَ الثِّمارِ مُنْفَردةً عن النَّخْل.
• وقوله: "يَزْهُوَ": - بالواو - من زَهَى يَزْهُو إذا ظَهَرتِ الثَّمرةُ، أي: ظهر صلاحُها، وفي روايةٍ: تُزْهِىَ - بضم التَّاء الفوقانية - من أزْهَى يُزْهِي والمعنى قريبٌ وهما لُغَتان.
• "وبَيْعِ السُّنْبُلِ"، أي: ما فيه من الحَبِّ.
• وقوله: "يَبْيَضَّ": - بتشديد الضَّاد - أي: يَشْتَدُّ حَبُّه. "والعَاهَةَ": هي الآفةُ التي تُصِيْبُ الزَّرعَ أو الثَّمرَ فيَفْسُد.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "حَتَّى" مَكَانَ "قَبْلَ أنْ".
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ
830 -
(1229) - (3/ 522 - 523) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ.
وَحَبَلُ الحَبَلَةِ: نِتَاجُ النِّتَاجِ، وَهُوَ بَيْعٌ مَفْسُوخٌ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ مِنْ بَيُوعِ الغَرَرِ. وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَى عَبْد الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، وَنَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا أَصَحُّ.
• قوله: "حَبَلُ الحَبَلَةِ": هما - بفتحتين - إلا أن الأوَّلَ مصدر حَبُلَتِ المرأةُ، والثاني اسمٌ، جمعُ حابلٍ كظَالم وظَلَمةٍ، وكاتبٍ وكَتَبةٍ، وفي تفسيره اختلافٌ، فكلامُ ابن عمرَ يَدُلُّ على أن المرادَ به أن يباعَ شيءٌ ما ويُجْعَل أجلُ ثَمَنِه إلى أنْ تُنْتِجَ الناقةُ ثم تُنْتِج ما في بَطْنِها، ففسادُ البيعِ لجَهالَةِ الأجل.
وقيل: هو بيعُ ولدِ ولدِ النَّاقةِ الحاملِ في الحَال بأنْ يقولَ: إذا وَلَدتِ النَّاقةُ ثم وَلَدَت التي في بَطْنِها فقد بِعْتُك ولدَها، ففسادُه لأنَّه بيعُ مَا ليسَ عندَه ولا يَقْدِر على تَسْليْمِه فهو غَرَرٌ.
وقيل: المراد به إما التَّأجيل أو ولدُ الجَنِين، فعلى الأوَّل يحتمل التَّأجيل بولادَة الأمِّ أو ولادةِ ولَدِها، وعلى الثَّاني يحتمل مع الجَنِين الأوَّل أو إلى ولادة الأمِّ بعيد. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الغَرَرِ
وهو ما كانَ له ظاهرٌ يغُرُّ المشتري وباطنٌ مجهولٌ. [قال] الأزهري
(1)
: ما كانَ بغير عُهْدةٍ ولا ثِقةٍ، ويدخلُ فيه بيوعٌ كثيرةٌ من كُلِّ مجهولٍ، وبيعُ الآبق والمعدومِ، وغير مقدورِ التَّسْليمِ، وأفْرِدَتْ بعضُها بالنَّهْي من مشاهيرِ بيوعِ الجاهلية.
831 -
(1230) - (3/ 523) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، أنْبَأنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الغَرَرِ، وَبَيْعِ الحَصَاةِ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَنَسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: كَرِهُوا بَيْعَ الغَرَرِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمِنْ بُيُوعِ الغَرَرِ بَيْعُ السَّمَكِ فِي المَاءِ، وَبَيْعُ العَبْدِ الآبِقِ، وَبَيْعُ الطَّيْرِ فِي السَّمَاءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ البُيُوعِ. وَمَعْنَى بَيْعِ الحَصَاةِ: أَنْ يَقُولَ البَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: إِذَا نَبَذْتُ إِلَيْكَ بِالحَصَاةِ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَهَذَا شَبِيةٌ بِبَيْعِ المُنَابَذَةِ وَكَانَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ.
• قوله: "المُنَابَذَة": وهي أن يَنْبُذَ ويطرَحَ كُلٌّ منهما متَاعَه إلى الآخَر من غير تأمُّلٍ، ويقولُ كُلُّ واحدٍ منهما: هذا بذَاك على الإلْزَام من غير نَظر ولا تَراضٍ.
(1)
هو: أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري لقد تقدَّمت ترجمتُه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ
832 -
(1231) - (3/ 524 - 525) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.
وَفِي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ قَالُوا: بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِنَقْدٍ بِعَشَرَةٍ وَبِنَسِيئَةٍ بِعِشْرِينَ، وَلَا يُفَارِقُهُ عَلَى أَحَدِ البَيْعَيْنِ، فَإِذَا فَارَقَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا بَأَسَ إِذَا كَانَتِ العُقْدَةُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمِنْ مَعْنَى نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعَكَ دَارِي هَذِهِ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي غُلَامَكَ بِكَذَا، فَإِذَا وَجَبَ لِي غُلَامُكَ وَجَبَ لَكَ دَارِي، وَهَذَا يُفَارِقُ عَنْ بَيْعٍ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَلَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَتُهُ.
• قوله: "بَيْعَتَيْنِ": بفتح المُوَحَّدةِ على المَشْهور، والأحسنُ كسرها؛ لأنَّ المرادَ الهيئةُ.
• قوله: "وَهَذَا يُفَارِقُ"، أي: فعلُهما وتفارُقُهما في الصُّورَتَيْن المذكورتَيْن تفارقٌ وافتراقٌ عن بيعٍ بغير ثمنٍ معلومٍ في الصُّوْرةِ الأوْلى، وعن بيعٍ "لا يَدْرِي كُلٌّ مِنْهُما"
…
إلخ، في الصُّورة الثَّانيةِ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَه
(1)
833 -
(1232) - (3/ 525) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْن مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْن حِزَامٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي مِنَ البَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي، أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ ثُمَّ أَبِيعُهُ؟ قَالَ:"لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ".
قَالَ: وفي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الله بْن عَمْرٍو.
• قوله: "مِنَ البَيْعِ": هو بمعنى المَبيعِ، والجَارُ والمجرورُ بيانٌ، و"لَيْسَ عِنْدِيْ": أي: يَطْلُب مِنِّي ما ليسَ عِنْدي من المَبيعِ.
• قوله: "أَبْتَاعُ لَهُ"، أي: اشْتَرى له، بيانٌ لذلك كأنَّه قيلَ كيفَ تبيعُ منه مَا ليسَ عندَك؟ فقالَ: "أبْتَاعُ لَه
…
" إلخ.
في "المجمع" هو كبيعِ الآبِق، ومالِ الغير، والمَبيعِ قبلَ القَبْض
(2)
. قال الخطَّابي يريدُ العينَ دونَ بيعِ الصِّفةِ. انتهى
(3)
. يعنى أن المرادَ بيعُ العَينِ دونَ الدين كما في السلَّم فإنَّه مدارُه على الصِّفَةِ وهذا جائزٌ فيما ليسَ عندَ الإنْسَانِ.
834 -
(1234) - (3/ 526 - 527) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "عِنْدَكَ" مكان "عِنْدَه".
(2)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 1/ 242.
(3)
راجع: معالم السنن للخطابي: 3/ 140.
أَبِيهِ، حَتَّى ذَكَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ حَكِيمِ بْن حِزَامٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ رَوَى أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَأَبُو بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْن مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْن حِزَامٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَرَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَوْفٌ، وَهِشَامُ بْن حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ حَكِيمِ بْن حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ إِنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْن مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْن حِزَامٍ.
• قوله: "سَلَفٍ": وبيعُ السَّلَف - بفتحتين - القَرْض، أي: لا يحِلُّ بيعٌ مع شَرطِ قَرْضٍ. وقيلَ هو أنْ تُقْرِضَه ثم تَبِيْعَ منه شيئًا بأكثرَ من قِيْمَتِه فإنَّه حرامٌ، والحاصلُ: أنَّه قرضٌ جَرَّ نفعًا.
وقال الخطابيُّ: هو أنْ تقولَ أبِيْعُكم هذا العبدَ على أنْ تُسْلِفَني ألفًا، وهذا يرجعُ إلى المعنى الأوَّل. و"رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ": البائعُ، هو ربحُ بيعٍ اشترَاه قبلَ أن ينتقلَ من ضمانِ البائعِ إلى ضمانِه بالقَبْض
(1)
.
(1)
راجع: معالم السنن شرح سنن الإمام أبي داود للخطابي: 3/ 141.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الوَلَاءِ وَهِبَتِهِ
835 -
(1236) - (3/ 528 - 529) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَلَاءِ وَهِبَتِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ.
وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ سُلَيْم هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَلَاءِ وَهِبَتِهِ وَهُوَ وَهْمٌ وَهِمَ فِيهِ يَحْيَى بْن سُلَيْمٍ، وَرَوَى عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ.
• قوله: "بَيْعِ الوَلَاءِ": - بفتح الواو والمَدِّ - أصلُه من الوَلْي وهو القُرْب، وإمَّا من [الوِلايَة]: الإمَارَة، فالولاء: بالكسر، وقيل فيهما بالوجهين ويُطلق على معانٍ، والمرادُ ههنا ولاءُ العِتْق، وكانوا في الجَاهِلِيَّةِ يَنْقُلُوْنَ الوَلاء بالمَبيع وغيرِه فنُهُوْا عن ذلك، والمرادُ من الوَلاء: الحَقُّ الثابتُ بالإعْتاقِ، وأمَّا المالُ الحاصلُ للسيِّد بعدَ موتِ العَبْدِ بالوَلاء فذلكَ المالُ مِمَّا يباعُ ويُشْتَرى.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الحَيَوَانِ بِالحَيَوَانِ نَسِيئَةً
836 -
(1237) - (3/ 529 - 530) حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الحَيَوَانِ بِالحَيَوَانِ نَسِيئَةً.
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَمَاعُ الحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ هَكَذَا قَالَ عَلِيُّ بْن المَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ فِي بَيْعِ الحَيَوَانِ بِالحَيَوَانِ نَسِيئَةً، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الكُوفَةِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ. وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ فِي بَيْعِ الحَيَوَانِ بِالحَيَوَانِ نَسِيئَةً، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "وَقَدْ رَخَّصَ
…
" إلخ، وحَمَلوا حديثَ النَّهْي على ما إذا كانَ النَّساءُ من الجانِبَيْن حتى يكونَ بيعُ الكَالي بالكَالي.
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ
(1)
العَبْدِ بِالعَبْدَيْنِ
837 -
(1239) - (3/ 531) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الهِجْرَةِ، وَلَا يَشْعُرُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ عَبْدٌ، فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"بِعْنِيهِ"، فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ، ثُمَّ لَمْ يُبَايعْ أَحَدًا بَعْدُ حَتَّى يَسْأَلَهُ:"أَعَبْدٌ هُوَ؟ ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِعَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ يَدًا بِيَدٍ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِذَا كَانَ نَسِيئًا.
• قوله: "وَاخْتَلَفُوا .. " إلخ، لدُخُولِه تحتَ عمومِ نَهْي بيعِ الحَيوان بالحيوان نَساءً.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "شِرَاءِ" مكان "بَيْعِ".
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الحِنْطَةَ بِالحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَرَاهِيَةَ التَّفَاضُلِ فِيهِ
838 -
(1240) - (3/ 532 - 533) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى، بِيعُوا الذَّهَبَ بِالفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا البُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِلَالٍ، وَأَنَسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ:"بِيعُوا البُرُّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ"، وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ عُبَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ، قَالَ خَالِدٌ: قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: "بِيعُوا البُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ"، فَذَكَرَ الحَدِيثَ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: لَا يَرَوْنَ أَنْ يُبَاعَ البُرُّ بِالبُرِّ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَصْنَافُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "بِيعُوا الشَّعِيرَ بِالبُرِّ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: أَنْ تُبَاعَ الحِنْطَةُ بِالشَّعِيرِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ.
• قوله: "الذَّهَبَ": - بالنَّصب - بتقدير "بِيْعُوْا"، أو - بالرَّفع - مبتدأ والخبرُ يباعُ بالذَّهب، و"مَثَلًا": نصبُه على الحَال، أي: كونُه مثلًا مقابلًا بمثل.
بَابُ مَا جَاءَ في الصَّرْفِ
839 -
(1241) - (3/ 533 - 534) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا شَيبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: انْظَلَقْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ هَاتَانِ يَقُولُ: "لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالفِضَّةَ بِالفِضَّةِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، لا يُشَفُّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهُ غَائِبًا بِنَاجِزٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهِشَامِ بْن عَامِرٍ، وَالبَرَاءِ، وَزَيْدِ بْن أَرْقَمَ، وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبِلالٍ. قَالَ: وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرِّبَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْم مِنْ أَصْحَاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغيْرِهِمْ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لا يَرَى بَأسًا أنْ يُبَاعَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ مُتَفَاضِلًا إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وقَالَ:"إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ"، وَكَذلِكَ رُوِي عَنْ بَعْضِ أصْحَابِهِ شيْءٌ مِنْ هَذا، وَقد رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلهِ حِينَ حَدَّثَهُ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالقَول الأوَّلُ أَصَحُّ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ أنَّهُ قَالَ:"لَيْسَ فِي الصَّرْفِ اخْتِلافٌ".
• قوله: "قال: سَمِعَتْهُ"، أي: قولَه. "أذُنَايَ وَهُوَ يَقُوْلُ": حالٌ، وجملةُ:"سَمِعَتْهُ" مُعْتَرضَةٌ، أو حالٌ بتقدير "قَدْ"، ومقولُ:"قال"، "لا تَبِيْعُوْا
…
" إلخ، والمعنى: لا تبيعُوْهما إلا حالَ كونِهما مُتَمَاثِلَيْن، أي: مُتَسَاوِيَيْن وزنًا.
• وقوله: "لا يُشَفُّ": على بناءِ المفعولِ وتشديدِ الفاء من الإشْفَاف أي: لا يفضل ولا يُزاد.
• "ونَاجِزٍ": - بنُون، وجيم، وزاءٍ مُعْجمةٍ - أي: بحاضِر فلابُدَّ من التَّقابُض في المَجْلِس.
840 -
(1243) - (3/ 536) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أوْسِ بْنِ الحَدَثانِ، أَنَّهُ قال: أقبَلتُ أقول مَنْ يَصْطرِفُ الدَّرَاهِمَ؟. فقال طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: أَرِنَا ذَهَبَكَ، ثُمَّ ائْتِنَا إِذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعْطِكَ وَرقَكَ، فَقَالَ عُمَرُ: كَلَّا وَالله، لَتُعْطِيَنَّهُ وَرقَهُ أَوْ لَترُدَّنَّ إِلَيْهِ ذَهَبَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاء".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَا أَهْلِ العِلْمِ. وَمَعْنَى قَوْلهِ: إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، يَقُولُ:"يَدًا بِيَدٍ".
• قوله: "إِلَّا هَاءَ": هو كجَاءَ، أي: هَاكَ، وأهلُ الحديثِ يقولونَ بالقَصْر. وقال الخطابي
(1)
: الصَّوابُ المَدُّ وهو حالٌ، أي: إلا مقولًا منهما، أي: من المُتَعَاقِدَين خُذْ، وخُذْ، أي: يدًا بيَدٍ.
(1)
راجع: معالم السنن شرح سنن الإمام أبي داود للخطابي: 3/ 98.
بَابُ مَا جَاءَ فِي ابْتِيَاعِ النَّخْل بَعْدَ التَّأْبير وَالعَبْدِ وَلَهُ مَالٌ
841 -
(1244) - (3/ 537 - 538) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ، وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، هَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِم، عَن ابْن عُمَرَ، عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال:"مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أنْ تُؤَبَّرَ فَثمَرَتُهَا لِلبَائِعِ إِلَّا أنْ يَشتَرِط المُبْتَاعُ، وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ". وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرتُهَا لِلبَائِعِ إِلَّا أنْ يَشتَرِط المُبْتَاعُ". وَقد رُوِيَ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عمَرَ أَنَّهُ قال: مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ، هَكَذَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ الحَدِيثَيْنِ.
وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أيضًا، وَرَوَى عِكْرِمَةُ بْن خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ سَالِمٍ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصَحُّ مَا جَاءَ فِي هَذَا البَابِ.
• قوله: "التَّأبِيْر": تأبِيرُ النَّخْل: التَّلْقِيحُ، وهو أن يُشَقَّ طَلْعُ الإنَاثِ ويُؤخَذُ من طَلْع الذَّكَر فيُوْضَعُ فيه ليكونَ ذلك بإذنِ اللّهِ أجودَ مِمَّا لم يؤبَّر. و"المُبْتَاعُ": المشتري.
بَابُ مَا جَاءَ البَيِّعَانِ
(1)
بالخِيَار مَا لَمْ تتَفَرَّقَا
842 -
(245)(3/ 538 - 539) حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأعْلَى، حَدَّثَنَا فُضَيْلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ تتَفَرَّقَا أَوْ يَخْتَارَا". قَالَ: "فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيَجِبَ لَهُ البَيْعُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، وَحَكِيمِ بْن حِزَامٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَبَّاس، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَسَمُرَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيث حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالُوا:"الفُرْقَةُ بالأَبْدَانِ لا بِالكَلَامِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا"، يَعْنِي: الفُرْقَةَ بالكَلَام، وَالقَول الأوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأنَّ ابْنَ عُمَرَ هُوَ رَوَى عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أعْلمُ بِمَعْنَى مَا رَوَى، وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهُ كَانَ إِذا أرَادَ أن يُوجِبَ البَيْعَ مَشَى لِيَجِبَ لَهُ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ.
• قوله: "البَيِّعَانِ": بفتح البَاء، وكسر اليَاء المشَدَّدَة. "بِالْخِيَارِ": أي: لكُلٍّ من البائِع والمشتري خيارُ فَسْخِ البَيعِ ما لم يَتَفَرَّقَا عن مجلسِ البَيعِ بالأبْدَان وعليه الجمهورُ. "أوْ يَخْتَارَا": بأنْ قالَ أحدُهما لصَاحِبه في المَجْلس: اخْتَرْ، فقال:
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "فِي البَيِّعَيْنِ" مكان "البَيِّعَانِ".
اخترتُ، فبأحَدِ هذَيْن الأمْرَيْن من الافتراقِ أو الاختارِ يسقُطُ خيارُ الفَسْخِ ويَلْزَم البيعُ.
• قوله: "يَعْنِي: الفُرْقَةَ بِالكَلامِ
…
" إلخ، ظاهرُ كَلام القَائلين بالفُرقَة بالكلام يَدُلُّ على أن مُرادَهم بذلك ما لم يَضُمَّا القبولَ إلى الإيجابِ، ولا يخفَى أن ذلك الضَمَّ هو الجمعُ والالتِئامُ لا الفُرْقةُ بالكَلام، فالتَّعبِيْرُ بالفُرْقة عن هذا الضمِّ بعيدٌ جِدًّا في إفْهام المُرام، وأيضًا يلزَمُ أنْ يكونَ حاصلُ الكلامِ: هُمَا بالخِيار ما لَم يَتِمَّ بيعُهما بضَمِّ القبولِ إلى الإيجابِ، ولا يَخْفَى أن الخِيارَ قبلَ تَمام البَيْع ضَروريٌّ لا فائدةَ في بَيانِه.
843 -
(1246) - (3/ 539 - 540) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحِ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الحَارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْن حِزَامٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ تتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأسْلَمِيِّ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ فِي فَرَسٍ بَعْدَ مَا تَبَايَعَا وَكَانُوا فِي سَفِينَةٍ، فَقَالَ: لا أَرَاكمَا افترقْتُمَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا". وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى أَنَّ الفُرْقَةَ بِالكَلامِ وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، وَرُوِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: كيْفَ أَرُدُّ هَذَا؟ وَالحَدِيثُ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَحِيحٌ، وَقَوَّى هَذَا المَذْهَبَ.
وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِلَّا بَيع الخِيَارِ"، مَعْنَاه: أَنْ يُخَيِّرَ
البَائِعُ المُشْتَرِيَ بَعْدَ إِيجَابِ البَيْعِ، فَإِذَا خَيَّرَه فَاخْتَارَ البَيْعَ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي فَسْخِ البَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا، هَكَذَا فَسَّرَه الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُه، وَمِمَّا يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: الفُرْقَةُ بِالأَبْدَانِ لَا بِالكَلامِ حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "فَإِنْ صَدَقَا"، أي: صَدَق البائعُ في صِفَة المَبيعِ وبَيَّنَ ما فيه من عَيبٍ وغيره، وكذا المشتري في الثَّمَن.
• قوله: "مُحِقَتْ"، أي: مُحِيَتْ وذَهَبَتْ بركةُ بَيْعِهما.
844 -
(1247) - (3/ 541) أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَمَعْنَى هَذَا: أَنْ يُفَارِقَهُ بعْدَ البَيْع خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ وَلَوْ كَانَتِ الفُرْقَةُ بالكَلامِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ بَعْدَ البَيْعِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الحَدِيثِ مَعْنًى، حَيْثُ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ.
• قوله: "إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ"، أي: هُما بالخِيار قبلَ التَّفَرُّقِ إلا أنْ يكونَ مِمَّا جَرى فيه التَّخَايُر بأنْ قالَ أحدُهما للآخَر في المَجْلِس: "اخْتَرْ"، فقالَ اخْتَرْتُ، فلا خيارَ قبلَ التَّفَرُّقِ، وهذَا المعنى هو المُوافِقُ لرِوَاياتِ الحديثِ.
وقيلَ: إلا أن يكونَ بيعًا شُرِطَ فيه عدمُ الخِيَار، أي: شُرِطَ فيه أنْ لا خيارَ لَهُما في المَجْلس، فيَلْزَم البيعُ بنَفْس العَقْد ولا يكونُ فيه خيارٌ أصلًا، وهذا تأويلُ
مَن يُصَحِّحُ البيعَ على هذا الوجهِ، وعلى الوَجْهَيْن الاستثناءُ من نَفْس الحُكم، وقيل: الاستثناءُ من مَفْهوم الغَايةِ، أي: فإنْ تَفَرَّقَا فلا خيارَ إلا في بيعٍ شُرِطَ فيه الخيارُ، فيَمْتَدُّ الخيارُ فيه إلى الأمَد المشروطِ.
بَابٌ
845 -
(1248) - (3/ 542) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَهُوَ البَجَلِيُّ الكُوفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْن عَمْرِو بْن جَرِيرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا يَتَفَرَّقَنَّ عَنْ بَيْعٍ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيبٌ.
• قوله: "لا يَتَفَرَّقَنَّ": يحتملُ بناءَ المفعولِ وبناءَ الفاعلِ، وعلى الثَّاني يحتملُ فتحَ القَافِ على الإفْرَاد، أي: أحَدٌ، ويحتملُ ضَمَّها على الجَمْع، أي: النَّاس، ورجعُ الضَّمير إلى غيرِ المذكورِ لا يضُرُّ في مَحَلِّ ظهور المَقْصود كما في قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}
(1)
وبالجُملةِ فالحديثُ من مؤيِّدَاتِ خيارِ المَجْلس.
846 -
(1249) - (3/ 542) حَدَّثنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ البَيْعِ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله. "خَيَّرَ أَعْرَابِيًّا": الظَّاهرُ خيارُ المَجْلس فإنَّه يكونُ بعدَ تَمام البيع.
(1)
القدر: 1.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يُخْدَعُ فِي البَيْعِ
847 -
(1250) - (3/ 543) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى بْنُ عَبْدِ الأعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ وَكَانَ يُبَايعُ، وَأَنَّ أَهْلَهُ أتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ احْجُرْ عَلَيْهِ، فَدَعَاه نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَهَاه، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَا أَصْبِرُ عَنِ البَيْعِ، فَقَالَ:"إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ هَاءَ وَهَاءَ، وَلا خِلَابَةَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح غَرِيبٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَقَالُوا: الحَجْرُ عَلَى الرَّجُلِ الحُرِّ فِي البَيعِ وَالشِّرَاءِ إِذَا كانَ ضَعِيفَ العَقْلِ، وَهُوَ قَولُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُحْجَرَ عَلَى الحُرِّ البَالِغِ.
• قوله: "فِي عُقْدَتِهِ": ضُبِط بضَمِّ، فسكون، أي: في رأيِه ونظَرِه في مَصالح نفسِه وعَقْلِه.
• وقوله: "احْجُرْ": - بتقديم المُهملةِ على المُعجَمةِ - أي: امْنَعْه.
• "فَقُلْ هَاءَ هَاءَ وَلا خِلَابَةَ": قيل: إنَّمَا علَّمه النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلَّم ذلك ليَطَّلِع به صاحِبُه على أنَّه ليسَ من ذَوي البَصَائر فيُراعِيه وَيرى له كَمَا يرى لنَفْسِه، وكانَ النَّاسُ في ذلك الزَّمانِ كالإخْوانِ يَنْظُر بعضُهم لبَعْضٍ أكثرَ مِمَّا ينظرون لأنْفُسِهم، ورُوي في آخر هذَا الحديث:"ثُمَّ أنْتَ بالخِيَار فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ثَلاثَ لَيَالٍ" قال أكثرُ أهلِ العَلم: وهذَا خاصٌّ بِهذا الرَّجُل، وحْدَه ولا يَثْبُت لغَيْره الخيارُ بِهذه الكَلِمَة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُصَرَّاةِ
848 -
(1251) - (3/ 544) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اشْترى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالخِيَارِ إِذَا حَلَبَهَا، إِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَنَسٍ، وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "مُصَرَّاةً": اسمُ [مفعول] منَ التَّصْريَة كمُزَكَّاةٍ من التَّزْكِيَة، والتَّصْريَةُ: جمعُ اللَّبَن في الضَّرْع يَومَيْن أو ثلاثةً حَتَّى يَعْظُمَ، فيَظُنَّ المشتري أنَّها كثيرة اللَّبَن. والمُصَرَّاة: هي النَّاقةُ، أو الشَّاة المفعولُ بِها ذلك.
• وقوله: "صَاعًا مِنْ تَمْر": أريدَ به صاع مِمَّا هو غالبُ عيشِ أهلِ البَلدِ، وخَصَّ التَّمر؛ لأنَّه كان يومئذٍ غالبُ عيشِ أهلِ المدِينةِ. وأخَذَ بظاهر هذَا الحديثِ [غالبُ أهلِ العِلْم، وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: إنَّ لبنَ التَّصْريَةِ]
(1)
اخْتَلط باللَّبن الطَّاري في مِلْكِ المُشْتري فلم يَتَهَيَّأ تَقويمُ ما للبَائع منه؛ لأنَّه ما لا يُعْرف غير ممكن [تَقويمُه]، فحَكَم صلى الله تعالى عليه وسلَّم بصاعٍ من تَمَر قطعًا للنِّزاع.
(1)
أثبتنا هذه العبارة من حاشية السندي على سنن أبي داود المسمى بـ "فتح الودود": 3/ 559.
بَابُ مَا جَاءَ مَن اشْتَرَطَ ظَهْرَ الدَّابَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ
849 -
(1253) - (3/ 545) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي عُمَرَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ بَاعَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعِيرًا وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى أَهْلِهِ.
قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْض أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: يَرَوْنَ الشَّرْطَ فِي البَيْعِ جَائِزًا إِذَا كَانَ شَرْطًا وَاحِدًا، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: لا يَجُوزُ الشَّرْطُ فِي البَيْع، وَلا يَتِمُّ البَيْعُ إِذَا كَانَ فِيهِ شَرْطٌ.
• قوله: "إنَّهُ بَاعَ"، أي: في السَّفر.
• وقوله: "وَاشْترط ظَهْرَه"، أي: اشْتَرطَ أنَّه يركَبُ عليه إلى أنْ يصلَ أهلَه، ومن لا يقولُ به يحملُ الشَّرطَ على أنَّه ما كانَ في صُلْب العَقْدِ بل كان بعدَ تَمام العَقْدِ، ومعنى:"اشْتَرَطَهُ": أنَّه طَلَبَ منه صلى الله تعالى عليه وسلَّم مُرَاعاةً منه.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] الانْتِفَاعِ بالرَّهْنِ
850 -
(1254) - (3/ 546) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَيُوسُفُ بْنُ عِيسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الظَّهْرُ يُرْكَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكبُ وَيَشْرَبُ نَفَقَتُهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَبِي هُرَيْرَةَ، وقَدْ رَوَي غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا.
وَالعَمَلُ علي هذا الحَدِيثِ عِنْدَ بعْض أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمدَ، وإسحاق. وقال بعض أَهْلِ العِلْمِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنَ الرَّهْنِ بِشَيْءٍ.
• قوله: "وَعَلَى الَّذِي
…
" إلخ، أي: ليكونَ بَدَلا عن الانْتِفاع بالمَرْهُونِ ولا يكونُ انتفاعًا بمالِ الغَير من غير شَيءٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي شِرَاءِ القِلَادَةِ وَفِيهَا ذَهَبٌ [وَخَرَزٌ]
851 -
(1255) - (3/ 547) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي شُجَاعٍ سَعِيدِ بْن يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْن أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ، قَالَ: اشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلادَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَز فَفَصَّلْتُهَا، فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"لا تُبَاعُ حَتَّى تُفَصَّلَ".
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ أَبِي شُجَاعٍ سَعِيدِ بْن يَزِيدَ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَه. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَرَوْا أَنْ يُبَاعَ السَّيْفُ مُحَلًّى، أَوْ مِنْطَقَةٌ مُفَضَّضَةٌ، أَوْ مِثْلُ هَذَا بِدَرَاهِمَ حَتَّى يُمَيَّزَ وَيُفْصَّلَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ.
• قوله: "فَفَصَّلْتُهَا"، أي: القِلادَةَ، أي: مَيَّزْتُ ذَهَبَها عن الخَرَزِ.
"فَوَجَدْتُ فِيْهَا"، أي: وَجَدتُّ الذَّهبَ فيها.
• وقوله: "حَتَّى تُفَصَّلَ": ظاهرُه حتى تُمَيَّزَ عينُ الذَّهَب عن الخَرَز بقَطْع المَبيع بعضِه عن بعضٍ، قالوا: هو ليسَ المرادُ، وإنَّما المرادُ تَمْيِيْزُ الخَرَز والذَّهبِ في العَقد، ويعرف أن الذهبَ أيُّ قدر، ويروى:"حَتَّى يُمَيَّزَ".
بَابُ مَا جَاءَ فِي اشْتِرَاط الوَلاءِ وَالزَّجْر عَنْ ذَلِكَ
852 -
(1256) - (3/ 548 - 549) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَن الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَرَادَت أن تَشتَرِيَ بَرِيرَةَ فَاشْترطُوا الوَلاءَ، فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اشْتَرِيهَا فَإِنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ أَوْ لِمَنْ وَليَ النِّعْمَةَ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ.
قَالَ: وَمَنْصُورُ بْن المُعْتَمِرِ يُكْنَى أَبَا عَتَّابٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ العَطَّارُ البَصْرِيُّ عَنِ ابْنِ المَدِينِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، يَقُولُ: إِذَا حُدِّثْتَ عَنْ مَنْصُورٍ فَقَدْ مَلأتَ يَدَكَ مِنَ الخَيْرِ لا تُرِدْ غَيْرَه، ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: مَا أَجِدُ فِي إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ أَثْبَتَ مِنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي الأسْوَدِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: مَنْصُور أَثْبَتُ أَهْلِ الكُوفَةِ.
• قوله: "فَاشْترطُوا الوَلاءَ"، أي: اشترطَ مَنْ كانَتْ بَرِيْرةُ عندَهم من مَوَالِيها أن الولاءَ لهم.
• وقوله: "اشْتَرِيْهَا"، ظاهرُ هذه الرِّوايةِ اشْتَريْها من غير تَعَرُّضِ للشَّرْطِ لا إثباتًا ولا نفيًا، وذلك لا يخْلُو عن خديعةٍ، والأقربُ أن يكونَ مع
إظهارِ النَّفْي، وأنه لا يمكنُ لهم الوَلاء شرعًا، وأمَّا روايةُ:"اشْتَرطِي الوَلاءَ لَهمْ"
(1)
فضعيفٌ عندَه. والله تعالى أعلم.
• وقوله: "أَوْ لِمَنْ وَليَ النِّعْمَةَ"، أي: نْعمةَ الإعْتَاقِ.
(1)
راجع: صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشرط في الولاء، ح: 2729، وصحيح مسلم، كتاب العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق، ح: 1054، وسنن النسائي، كتاب الطلاق، باب الأمة تعتق وزوجها مملوك، ح:3453.
بَابٌ
853 -
(1257) - (3/ 549) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ حَبِيبِ بْن أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ حَكِيَمِ بْن حِزَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ حَكِيمَ بْن حِزَامٍ يَشْتَري لَهُ أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ، فَاشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَأُرْبِحَ فِيهَا دِينَارًا، فَاشْترى أُخْرَى مَكَانَهَا، فَجَاءَ بِالأُضْحِيَّةِ وَالدِّينَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"ضَحِّ بِالشَّاةِ، وَتَصَدَّقْ بِالدِّينَارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ حَكِيمِ بْن حِزَامٍ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ عِنْدِي مِنْ حَكِيمِ بْن حِزَامٍ.
• قوله: "فَأُرْبِحَ"، أي: باعَها بدينارَين.
854 -
(1258) - (3/ 550) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ وَهُوَ ابْنُ هِلَالٍ أَبُو حَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا هَارُونُ الأعْوَرُ المُقْرِئُ وَهُوَ ابْنُ مُوسَى الْقَارِئُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الخِرِّيتِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِيِّ، قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا لِأَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً، فَاشْتريْتُ لَهُ شَاتَيْنِ، فَبِعْتُ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجِئْتُ بِالشَّاةِ وَالدِّينَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ لَهُ:"بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ"، فَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى كُنَاسَةِ الكُوفَةِ فَيَرْبَحُ الرِّبْحَ العَظِيمَ، فَكَانَ مِنْ أَكثَرِ أَهْلِ الكُوفَةِ مَالًا.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ أخُو حَمَّاد بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثنَا الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ فَذَكَرَ نَحْوَه عَنْ أَبِي لَبِيدٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى هَذَا الحَدِيت وَقَالُوا بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَلَمْ يَأْخُذْ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ بِهَذَا الحَدِيثِ مِنْهُمْ: الشَّافِعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو حَمَّادِ بْن زَيْدٍ، وَأَبُو لَبِيدٍ اسْمُهُ: لِمَازَة بْنُ زَبَّارٍ.
• قوله: "كُنَاسَةِ الكُوفَةِ": الكُنَاسَة - بالضَّمِّ - مَوْضِغ بالكُوفة.
• قوله: "وَقَالُوا بِهِ"، أي بجوازِ بيعِ الفُضُوْلي.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُكَاتَب إذَا كَانَ عِنْدَه مَا يُؤَدِّي
855 -
(1259) - (3/ 552 - 551) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البَزَّارُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبرنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا أَصَابَ المُكَاتَبُ حَدًّا أَوْ مِيرَاثًا وَرِثَ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ"، وقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يُوْدَي المُكَاتَبُ بِحِصَّةِ مَا أَدَّى دِيَةَ حُرٍّ، وَمَا بَقِيَ دِيَةَ عَبْدٍ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاس حَدِيثٌ حَسَن. وَهَكَذَا رَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَى خَالِدٌ الحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَوْلَهُ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وقَالَ أَكثر أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: المُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "يُوْدَي": هو - بخِفَّةِ دَالٍ - على بناءِ المفعولِ من الدِّيَةِ، و"دِيَةَ حُرٍّ" مفعولٌ له، أي: المُكاتَب إذا جُنِى عليه وقد أدَّى بعضَ مالِ الكتابةِ يُعْطَي بحِصَّةِ ما أدَّاه من النُّجُوم ديةَ حرٍّ وبحِصَّةِ ما بقي ديةَ عبدٍ.
856 -
(1260) - (3/ 552) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ: "مَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاه
إِلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ"، أَوْ قَالَ: "عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ رَقِيقٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ المُكاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ، وَقَدْ رَوَى الحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ نَحْوَه.
• قوله: "ثُمَّ عَجَزَ": قلتُ لا دلالةَ لهذا الحديثِ على خلافِ ما في الحديثِ الأوَّل إذ يجوزُ أنْ يصيرَ مُعْتَقًا بحِسَابِ ما أدَّى عِتْقًا موقوفًا إلى تَمامِ الأدَاء، فإنْ تَمَّ يُعْتَقُ كُلُّه وإلا يصيرُ رقيقًا. والله تعالى أعلم.
857 -
(1261) - (3/ 553) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ نَبْهَانَ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إِحْدَاكُنَّ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَن صَحِيحٌ. وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى التَّوَرُّعِ، وَقَالُوا: لا يَعْتِقُ المُكَاتَبُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي حَتَّى يُؤَدِّيَ.
• قوله: "إِحْدَاكُنَّ": الخطابُ للنِّساءِ.
بَابُ مَا جَاءَ إذَا أَفْلسَ لِلرَّجُل غَريمٌ فَيَجدُ عنْدَه مَتَاعَهُ
858 -
(1262) - (3/ 553 - 554) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن مُحَمَّدِ بْن عَمْرِو بْن حَزْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الحَارِثِ بْن هِشَام، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال:"أَيُّمَا امْرِئٍ أفلسَ وَوَجَدَ رَجُلٌ سِلعَتَهُ عِنْدَهُ بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ سَمُرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَل عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْض أَهْل العِلْم، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وقَالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: هُوَ أسْوَةُ الغُرَمَاءِ، وَهُوَ قَوْل أهْلِ الكُوفَةِ.
• قوله: "أَيُّمَا امْرِئٍ": كملةُ "مَا" زائدةٌ لزِيَادةِ الإبْهام، و"امْرِيء" مجرورٌ بالإضَافةِ.
• وقوله: "أَفْلَسَ": يقالُ: أفْلَسَ الرَّجُلُ إذا صارَ إلى حالِ لا فلوسَ له، أو صارَ ذَا فلوسٍ بعدَ أنْ كانَ ذَا دَوَاهمَ ودنانيرَ، وحقِيْقَتُه الانتِقَالُ من العُسْر إلى اليُسْر. قيل: المُفْلسُ لغةً: من لا عينَ له ولا عرضَ، وشرعًا: من قَصُر ما بيَدِه عَمَّا عليه من الدُّيُونِ.
• وقوله: "وَوَجَدَ رَجُلٌ
…
" إلخ، أي: بعدَ أنْ باعَها منه ولم يَقْبِضْ من
ثَمَنِه شيئًا كما في روايةِ الموطأ عندَ مالكٍ
(1)
.
• وقوله: "فَهُوَ أَوْلَى بِهَا": أي: يجوزُ له أنْ يأخذَها بعَيْنِها ولا تكونُ مشتركةً بينَه وبينَ سائر الغُرَماءِ، وبِهذا يقولُ الجمهورُ خلافًا للحَنَفِيَّةِ فقالوا إنَّه كالغُرَماءِ لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}
(2)
.
• قوله: "أُسْوَةُ الغُرَمَاءِ": الأسْوَةُ - بكسر الهمزةِ، وضَمِّها - أي: يكونُ مثلهم.
(1)
راجع: موطأ الإمام مالك بن أنس: 3/ 401، ح:1495.
(2)
البقرة: 280.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْي للْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الذِّمِّيِّ الخَمْرَ يَبيعُهَا لَهُ
859 -
(1263) - (3/ 554 - 555) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَزنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِي الوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَنَا خَمْرٌ لِيَتِيمٍ فَلَمَّا نَزَلَتِ المَائِدَة سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ، وَقُلْتُ: إِنَّهُ لِيَتِيمٍ، فَقَالَ:"أَهْرِيقُوهُ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيث حَسَنٌ صَحِيْحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوُ هَذَا، وقَالَ بِهَذَا بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ وَكَرِهُوا أَنْ تُتَّخَذَ الخَمْرُ خَلًّا، وَإِنَّمَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ - وَاللهِ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ المُسْلِمُ فِي بَيْتِهِ خَمْرٌ حَتَّى يَصِيرَ خَلًّا، وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي خَلِّ الخَمْرِ إِذَا وُجِدَ قَدْ صَارَ خَلًّا. أَبُو الوَدَّاكِ اسْمُهُ: جَبْرُ بْنُ نَوْفٍ.
• "أَهْرِيقُوه": إطلاقُ الأمْرِ بالإهْراقِ مع أنَّه كانَ ليَتِيمٍ وهو أحَقُّ بحِفْظ مالِه يَدُلُّ على أنَّه لا يجوزُ دفعُه إلى ذِمِيٍّ لبَيْعِه إذ لو جازَ لما أطلق الأمر بإهراقِه. والله تعالى أعلم.
بَابٌ
860 -
(1264) - (3/ 555 - 556) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ عَنْ شَرِيكٍ، وَقَيْسٌ عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَإلَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى هَذَا الحَدِيثِ، وَقَالُوا: إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَلَى آخَرَ شَيْءٌ، فَذَهَبَ بِهِ فَوَقَعَ لَهُ عِنْدَه شَيْءٌ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ عَنْهُ بقَدْرِ مَا ذَهَبَ لَهُ عَلَيْهِ. وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيِّ وَقَالَ: إِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَوَقَعَ لَهُ عِنْدَه دَنَانِيرُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ بِمَكَانِ دَرَاهِمِهِ إِلَّا أَنْ يَقَعَ عِنْدَه لَهُ دَرَاهِمُ فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَحْبِسَ مِنْ دَرَاهِمِهِ بِقَدْرِ مَا لَهُ عَلَيْهِ.
• قوله: "أَدِّ الأَمَانَةَ
…
" إلخ، حاصلُه: أنَّ الأمَانةَ لا تُخَانُ أبدًا؛ لأنَّ صاحبَها إمَّا أمينٌ أو خائنٌ، وعلى التَّقديرَيْن لا تُخَانُ. نُقِلَ عن الشافعيِّ - رحمه الله تعالى - أنَّه قال: قد أذِنَ رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلَّم لزَوْجةِ أبي سفيان حينَ اشْتَكَت إليه أن تأخد من مالِه ما يَكْفِيها بالمعروفِ، فكذا الرَّجُل يكونُ له على آخر حَقٌّ فيَمْنَعه أيَّاه، فله أنْ يأخذَ من مالِه حيثُ وَجَده بوَزْنِه أو بكَيْلِه أو بالقِيْمةِ حتى يجوزَ له أن يبيعَ وَيَسْتَوفِيَ حَقَّه من ثَمَنِه، وحديثُ أداءِ الأمانةِ قيل: إنَّه ليسَ بثابتٍ، وإن ثبتَ لم تكن الخِيَانةُ ما أذِنَ بأخذِه رسولُ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلَّم، وإنَّما الخِيانةُ إنْ أخذَ له درهمًا بعدَ استيفاءِ دراهمَ.
بَابُ مَا جَاءَ [فِي] أَنَّ العَارِيَةَ مُؤَدَّاةٌ
861 -
(1265) - (3/ 556) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاش عَنْ شُرَحْبِيلَ بْن مُسْلِمٍ الخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي الخُطْبَةِ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ: "العَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ سَمُرَةَ، وَصَفْوَانَ بْن أُمَيَّةَ، وَأَنَسٍ. قال: وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ حَدِيثٌ حَسَن غَرِيْبٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أيضًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْه.
• قوله: "الوَدَاع": - بفتح الواو، وجاء كسرُها - ودَّعَ الناسَ فيها وأوْصَاهم، وعلَّمَهم أمرَ دينِهم، ولم يَحُجَّ بعدَ الهجرةِ غيرِها.
• قوله: "العَارِيَة": بتشديد الياء، وتخفيفٍ.
• قوله: "وَالزَّعِيمُ": الكفيلُ. و"غَارِمُهُ": أي: ضامِنُه.
• قوله: "وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ"، أي: يجب قَضاءُه.
862 -
(1266) - (3/ 557) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"عَلَى اليَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ". قَالَ قَتَادَة: ثُمَّ نَسِيَ الحَسَنُ، فَقَالَ: فَهُوَ أَمِينُكَ لا ضَمَانَ عَلَيْهِ، يَعْني: العَارِيَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ إِلَى هَذَا، وَقَالُوا: يَضْمَنُ صَاحِبُ العَارِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ العَارِيَةِ ضَمَانٌ إِلَّا أَنْ يُخَالِفَ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ.
• قوله: "عَلَى اليَدِ"، أي: صاحبِها، يشمَلُ العاريةَ والغَصب والشَّرِقَةَ، ويلزم منه أن السارقَ يَضْمَن المسروقَ وإنْ قُطِع يدُه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الاحْتِكَارِ
863 -
(1267) - (3/ 558) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَزنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ فَضْلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا يَحْتكِرُ إِلَّا خَاطِىٌ" فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّكَ تَحْتكِرُ، قَالَ وَمَعْمَرٌ قَدْ كَانَ يَحْتكِرُ.
قال أبُوْ عِيْسَى: وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَحْتكِرُ الزَّيْتَ وَالحِنْطَةَ وَنَحْوَ هَذَا. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَابْنِ عُمَرَ. وَحَدِيثُ مَعْمَرٍ حَدِيت حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ كَرِهُوا احْتِكَارَ الطَّعَامِ، وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي الاحْتِكَارِ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ، وقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: لا بَأْسَ بِالاحْتِكَارِ فِي القُطْنِ، وَالسِّخْتِيَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
• قوله: "لا يَحْتكِرُ": مِن احْتكَر الطعامَ بحيثُ إذا حَبَسه إرادةَ الغلاءِ، وقدِ اشْتَهر في الطَّعامِ بحيثُ لا يُفْهَم عندَ الإطْلاقِ غيرُه، ولذا حَمله سعيدٌ وغيرُه على ذلك.
بابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ المُحَفَّلاتِ
864 -
(1268) - (3/ 559) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَص عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ؤسَلَّمَ قَالَ:"لا تَسْتَقْبِلُوا السُّوقَ وَلا تُحَفِّلُوا، وَلا يُنَفِّقْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَفِي البَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ كَرِهُوا بَيْعَ المُحَفَّلَةِ، وَهِيَ المُصَرَّاة لا يَحْلُبُهَا صَاحِبُهَا أَيَّامًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِيَجْتَمِعَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا فَيَغْتَرَّ بِهُا المُشْتَرِي، وَهَذَا ضَرْبٌ مِنَ الخَدِيعَةِ وَالغَرَرِ.
• قوله: "لا تَسْتقْبِلُوا السُّوقَ"، أي: من يَقْصِدُ السُّوقَ من الرُّكْبان الجَالِبِيْن للمَتاع إليه.
• [وَلا تُحَفِّلُوا]: وتحفيلُ ذاتِ الضَّرْع: تصْرِيَتُه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اليَمِين الفَاجرَةِ
…
إلخ
865 -
(1269) - (3/ 560) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، فَقَالَ الأشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: فِيَّ وَاللهِ، لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَلكَ بَيِّنَةٌ؟ "، قُلْتُ: لا، فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ:"احْلِفْ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِذًا يَحْلِفُ فَيَذْهَبُ بِمَالِي، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}
(1)
إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيِّ، وَعِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عَلَى يَمِينٍ"، أي: مَحْلوفٍ عليه.
(1)
آل عمران: 77.
بَابُ مَا جَاءَ إذَا اخْتَلَفَ البَيِّعَان
866 -
(1270) - (3/ 561) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اخْتَلَفَ البَيِّعَانِ فَالقَولُ قَولُ البَائِعِ وَالمُبْتَاعُ بِالخِيَارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ لَمْ يُدْرِكِ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ القَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الحَدِيثُ أيضًا، وَهُوَ مُرْسَلٌ أيضًا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: قُلْتُ لِأحْمَدَ: إِذَا اخْتَلَفَ البَيِّعَانِ وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: القَوْلُ مَا قَالَ رَبُّ السِّلْعَةِ أَوْ يَتَرادَّانِ. قَالَ إِسْحَاقُ كمَا قَالَ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ القَول قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ اليَمِينُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَكَذَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ: شُرَيْحٌ وَغَيْرُه وَنَحْوُ هَذَا.
• قوله: "وَالمُبْتَاعُ بِالخِيَارِ": إذا اخْتُلِفَ في قدر الثَّمن أو شَرْطِ الخِيار مثلا يحلفُ البائعُ على ما أنْكر، ثم يُخَيَّر المشتري بينَ أن يَرْضَى بما حَلَف عليه البائعُ وبينَ أنْ يحلفَ على ما أنْكر، فإذا تحالفَا فإمَّا أنْ يرضَى أحدُهما على ما يدَّعِي الآخرُ أو يُفْسَخُ البيعُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ فَضْلِ المَاءِ
867 -
(1271) - (3/ 562) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارُ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْد المُزَنِيِّ، قَالَ:"نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ المَاءِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَبُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأَنَسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ إِيَاس حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أكثرِ أهْلِ العِلمِ أَنَّهمْ كَرِهُوا بَيْعَ المَاءِ، وَهُوَ قوْلُ ابْنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي بَيْعِ المَاءِ مِنْهُمْ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ.
• قوله: "عَنْ بَيْعِ المَاءِ": هذا مَبْنِيٌّ على ما وَرَدَ المسلمونَ شركاءَ في الكَلأ والماءِ والنَّارِ. قيل: والمرادُ به: ماءُ السَّماءِ، والعُيونِ، والأنْهار التي لا مالكَ لها. وذهبَ قومٌ إلى أن الماءَ لا يُمْلَك ولا يصِحُّ بيعُه مطلقًا، وذهب آخرون إلى العَمل بما ذكرنا في معنى الحديثِ، فيجوزُ بيعُ الماءِ إذا أحْرَزه الإنسانُ في الإناء وملكه.
868 -
(1272) - (3/ 563) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الكَلأُ".
قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو المِنْهَالِ اسْمُهُ:
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُطْعِمٍ كُوفِيٌّ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَأَبُو المِنْهَالِ سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ بَصْرِيٌّ صَاحِبُ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ.
• قوله: "وَلا يَمْنَعُ": على بناءِ الفأعل فيهما، أي: أحَدًا، أو على بناءِ المفعولِ، أي: من حَفَر بئرًا في مَواتٍ فمَلَكَها بالإحْياء، وبقرب البِئر مَواتٌ فيه كَلأٌ، ولا يُمكن للنَّاس أوْ يَرعَوْه إلا بأنْ يبذْلَ لهم ماءَه، فليسَ له أن يَمنعَ ماشِيَتَه ليمنعَ به عن الكَلأ. قيل: مفهومُ الحديثِ يقتضي أنَّه لا يجرم إذا لم يَمْنَع به الكلأَ فلا يجبُ بذلُه للزَّرع ويجب للمَاشية.
بَابُ مَا جَاءَ فِي [كرَاهِيَةِ] عَسْبِ الفَحْل
869 -
(1273) - (3/ 563 - 564) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَأَبُو عَمَّارٍ قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبرنَا عَلِيُّ بْنُ الحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:"نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الفَحْلِ".
وَفِى البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَن صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي قَبُولِ الكَرَامَةِ عَلَى ذَلِكَ.
• قوله: "عَسْب الفَحْلِ": - بفتح، فسكون - عَسْبُه: ماءُه فرسًا كانَ أو بعيرًا أو غيرهما، وضِرَابُه أيضًا، ولم يَنْهَ عن واحدٍ منهما بلْ عن كِرَاء يؤخُذُ عليه؛ فإنَّ إعارَتَه مندوبٌ إليها لأحَاديثَ، وفي المَنْع عن إعَارَته قطعُ النَّسْل فهو بحذفِ المُضاف، أعْنى: كِراءَ عَسْبِه، ويقال لكِرائِه: عسبٌ أيضًا.
870 -
(1274) - (3/ 564) حَدَّثَنَا عَبْدَة بْنُ عَبْدِ اللهِ الخُزَاعِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ كِلَاب سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْب الفَحْل، "فَنَهَاهُ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نُطْرِقُ الفَحْلَ فَنكْرَمُ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي الكَرَامَةِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث إِبْرَاهِيمَ بْن حُمَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ.
• قوله: "نُطْرِقُ الفَحْلَ": إطرْاقُ الفَحْلِ: إعارَتُه للضِّرَابِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي ثَمَن الكَلْب
871 -
(1275) - (3/ 565) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَزنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن قَارِظٍ، عَنِ السَّائِبِ بْن يَزِيدَ، عَنْ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ البَغِيِّ خَبِيثٌ، وَثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ رَافِعٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمٍ كَرِهُوا ثَمَنَ الكَلْبِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ فِي ثَمَنِ كلْبِ الصَّيْدِ.
• قوله: "مَهْرُ البَغِيِّ": - بتشديد الياء - الزَّانِيةُ، ومهرُها: أجْرَتُها على الزَنا.
872 -
(1276) - (3/ 566) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
(ح)، وحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوميُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنصَارِيِّ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ": - بضَمٍّ، فسكون - أجْرَتُه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَسْبِ الحَجَّامِ
873 -
(1277) - (3/ 566 - 567) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسِ عَن ابْن شِهَابٍ، عَن ابْن مُحَيِّصَة أخِي بَنِي حَارِثة، عَنْ أَبيهِ، أَنَّهُ اسْتَأْذنَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فِي إِجَارَةِ الحَجَّامِ، "فنَهَاه عَنهَا"، فلمْ يَزَل يَسْأَلهُ وَيَسْتَأْذِنهُ حَتّى قال:"اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ، وَجَابِرٍ، وَالسَّائِبِ بْن يَزِيدَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ مُحَيِّصَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ، وقال أحْمَدُ: إِنْ سَأَلنِي حَجَّامٌ نهَيْتُهُ وَآخُذ بِهَذا الحَدِيثِ.
• قوله: "ابْنِ مُحَيِّصَةَ": بضَمِّ الميم، وفتح الحَاء المُهملةِ، وتشديدِ التَّحْتِيَةِ وقد تُسكن.
• قوله: "فِي إِجَارَةِ الحَجَّامِ": هكذَا في بعض نُسَخ الترمذي، والظَّاهرُ في أجْرَةِ إجَارَتِه، وذلك لأنَّ غلامَه كان حَجَّامًا، وقد جعل عليه خراجًا فكانَ يستأذن في استعمالِه، "فَنَهَاه": قيل: أي: تَنزيهًا.
• و"النَّاضِحُ": الجملُ الذي يُسْقَى عليه الماءُ، أي: اجْعَله علفًا له. وأخذَ أحمدُ بظاهر الحديثِ فمنع الحرَّ من الإنفاقِ على نفسِه من الحِجَامَةِ، وأباحَ من الإنفاقِ علي عَبْدِه ودَوَابِه، وأبَاحُوه للعَبدِ ملطقًا. لهذا قلتُ: وبِهذا التَّفْصيلِ يحصلُ التَّوفيقُ بينَ الأحاديثِ ويصيرُ كلٌّ معمولًا به في مَوْردِه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي كَسْبِ الحَجَّامِ
874 -
(1278) - (3/ 567) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ كَسْبِ الحَجَّامِ، فَقَالَ أَنَسٌ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَحَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، وَقَالَ:"إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الحِجَامَةَ"، أَوْ "إِنَّ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمُ الحِجَامَةَ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَنَسٌ حَدِيث حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْم مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ فِي كسْبِ الحَجَّامِ، وَهُوَ قَوْلُ الشُّافِعِيِّ.
• قوله: "أَبُو طَيْبَةَ": بفتح، فسكون.
• قوله: "أَهْلَهُ"، أي: سَيِّدَه.
• وقوله: "مِنْ خَرَاجِهِ": - بفتح الخاء المُعجمةِ - ما يُقَرِّرُه السَيِّدُ على عبدِه أن يؤدِّيَه إليه كلَّ يومٍ أو شهرٍ أو نحو ذلك. و"مِنْ": تَبْعِيضِيَّةٌ، أي: وَضَعُوا بَعْضَها ليَتَخَفَّفَ أمرُها.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كراهِيَةِ ثَمَن الكَلْب وَالسِّنَّوْرِ
875 -
(1279) - (3/ 568 - 569) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالا: أنْبَأنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:"نَهَي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ وَلا يَصِحُّ فِي ثَمَنِ السِّنَّوْرِ، وَقَدْ رُوِيَ هذَا الحَدِيثُ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ بَعْض أَصْحَابِهِ، عَنْ جَابِرٍ، وَاضْطَرَبُوا عَلَى الأعْمَشِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الحَدِيثِ.
وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ ثَمَنَ الهِرِّ، وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ قَول أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَرَوَى ابْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ
…
" إلخ، قال السيوطيُّ في حاشيةِ أبي داودَ: الأوَّل للتَّحْريم، والثَّاني للتَّنزيهِ. وقال البَيهقِيُّ: هذا الحديثُ على شرطِ مسلمٍ دونَ البُخاري، فإنَّ البخاريَّ لا يحْتَجُّ بروايةِ أبي سفيانَ، وقد حَمَلَه بعضُ أهلِ العلم على الهِرِّ إذا تَوَحَّشَ ولم يقدر على تَسْلِيْمِه، وزَعَم البعضُ أن النَّهْيَ كانَ في ابتداءِ الإسلامِ حينَ كانَ محكومًا بنَجَاسَتِه، ثم صارَ محكومًا بطهارَةِ سؤرِه وحَلَّ ثمنُه، وهذا وأمثالُه لا يوافِقُ الحديثَ، ولم يثبت نسخُ الحديثِ أيضًا
(1)
.
(1)
راجع: مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود للسيوطي: 2/ 854.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ المُغَنِّيَاتِ
876 -
(1282) - (3/ 570 - 571) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، أَخْبَرنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن يَزِيدَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا تَبيعُوا القَيْنَاتِ وَلا تَشْتروهُنَّ، وَلا تُعَلِّمُوهُنَّ، ولَا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ، وَثمَنُهُنَّ حَرَامٌ، فِي مِثلِ هَذا أنزِلتْ هَذِهِ الآيَةُ:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}
(1)
إِلَى آخِرِ الآيَة.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ وَضَعَّفَهُ وَهُوَ شَامِيٌّ.
• قوله: "القَيْنَة": - بفتح القاف - الأمَةُ مطلقًا، وتُطْلَقُ كثيرًا على المُغَنِّيَة من الإمَاء، وجَمْعُها:"قَيْناتٌ"، وهو المرادُ في الحديثِ، أي: لا تبِيْعُوا المُغَنِّيَاتِ.
• وقوله: "وَلا تُعَلِّمُوهُنَّ": من التَّعليمِ، أي: الغِنَاء.
• وقوله: "فِيهِنَّ": مُتَعَلِّق بتِجارةٍ.
(1)
لقمان: 6.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الأخَوَيْن أَوْ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فِي البَيْع
877 -
(1284) - (3/ 571 - 572) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الحَجَّاجِ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونِ بْن أَبِي شَبِيبِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: وَهَبَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غُلامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ غُلامُكَ"، فَأَخْبَرتُهُ، فَقَالَ:"رُدَّ ردَّه".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ السَّبْيِ فِي البَيْعِ. وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهل العِلْم فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ المُوَلَّدَاتِ الَّذِينَ وُلدُوا فِي أَرْض الإِسْلَام، وَالقَوْلُ الأوَّلُ أصَحُّ، وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلدِهَا فِي البَيْعِ، فقِيل لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ اسْتَأْذَنْتُهَا بِذَلِكَ فَرَضِيَتْ.
• قوله: "مَا فَعَلَ غُلامُكَ": هو على بناءِ الفاعل، و"غَلامُكَ" فاعلُه، والمقصودُ السَّؤالُ عن حاله، أي: ما حَالُه وكيف هو، وظاهرُ الأمرِ بالردِّ يفيدُ عدمَ صِحَّةِ، البيعِ. والله تعالى أعلم.
• وقوله: "وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ
…
" إلخ، لا يخفى أن الكراهةَ لَيْسَت للأمِّ وحدها حتى يكفيَ إذْنُها بل حَقُّ الصَّغير فيها أكثرُ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَشْتري العَبْدَ وَيَسْتَغِلُّهُ ثُمَّ يَجدُ بهِ عَيْبًا
878 -
(1286) - (3/ 573 - 574) حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خلَفٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيُّ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنَّ الخَرَاجَ بِالضَّمَانِ.
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رَوَي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجيُّ هَذا الحَدِيثَ عَنْ هشَامِ بْن عُرْوَةَ، وَرَوَاه جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ أيضًا، وَحَدِيثُ جَرِيرٍ يُقَالُ تَدْلِيسٌ دَلَّسَ فِيهِ جَرِيرٌ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ. وَتَفْسِيرُ الخرَاج بالضَّمَانِ: هُوَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي العَبْدَ فَيسْتَغِلُّهُ ثُمَّ يَجدُ به عَيْبًا فَيَرُدُّهُ عَلى البَائِعِ فالغَلَّةُ لِلمُشْتَرِي؛ لِأنَّ العَبْدَ لوْ هَلكَ هَلكَ مِنْ مَالِ المُشْتَرِي، وَنَحْوُ هَذَا مِنَ المَسَائِلِ يَكُونُ فِيهِ الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: اسْتَغْرَبَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، قُلْتُ: تَرَاه تَدْلِيسًا؟ قَالَ: لا".
• قوله: "ويَسْتَغِلُّهُ": - بتَشديدِ اللام - أي: يَطْلُب غَلَّتَه، والغَلَّةُ هي التي تَحْصُل من الإجارَة.
• قوله: "أَنَّ الخَرَاجَ": - بالفتح - أريدَ به ما يَخْرُج ويحصلُ من غَلَّةِ العَين المُشتراةِ عينًا كان أو غيره، وذلك أن يشتريَه فيَسْتَغِلَّه زمانًا ثم يَعْثُر منه على عيبٍ كانَ فيه عندَ البَائعِ، فله رَدُّ العين المَبِيْعَةِ وأخذُ الثَّمنِ، ويكونُ للمشتري مَا اسْتَغَلَّه؛ لأنَّ المبيعَ لو تَلِف في يدِه لكان في ضَمَانِه ولم يكُنْ له على البَائع شَيءٌ. والباءُ في قوله:"بالضَّمَانَ" مُتَعَلِّقَة بمحذوفٍ، وتقديرُه: الخراج مُسْتَحِقٌّ بالضَّمانِ، أي: بسَببِبِه، إي: ضمان الأصْل بسببِ ملكِ خَرَاجِه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي أَكْلِ الثَّمَرَةِ لِلْمَارِّ بهَا
879 -
(1287) - (3/ 574 - 575) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْن أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلا يَتَّخِذْ خُبْنَةً".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَعَبَّادِ بْن شُرَحْبِيلَ، وَرَافِعِ بْن عَمْرٍو، وَعُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْن سَلِيمِ. وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ لابْنِ السَّبِيلِ فِي أَكْلِ الثِّمَارِ، وَكرِهَهُ بَعْضُهُمْ إِلَّا بِالثَّمَنِ.
• قوله: "خُبْنَةً": الخُبْنةُ - بضَمِّ الخَاء المُعجمةِ، وسكونِ الباءِ المُوحَّدةِ ونُونٍ - مَعْطَف الإزَار، وطرفُ الثَّوبِ، أي: لا يأخُذُ منه في ثَوْبه، قيل: إنَّما أبيحَ أكلُه للمُضْطَرِّ، وكذا أكلُ ما يَسْقُط. وردَّه صاحبُ "المَجْمَع"
(1)
، فقالَ:
(1)
هو: الشيخ الإمام، العالم الكبير، المحدث اللغوي، العلامة مجد الدين محمد بن طاهر بن علي الحنفي، الفتني، الكجراتي، ولد سنة ثلات عشرة وتسغ مائة بـ "فتن" من بلاد كجرات ونشأ بها، وحفظ القرآن وهو لم يبلغ الحنث، واشتغل بالعلم على أستاذ الزمان ملا مهته، والشيخ برهان الدين السمهودي، ومولانا يد الله السوهي وعلى غيرهم، ورحل إلى الحرمين الشريفين سنة أربع وأوبعين وتسع مائة فحج وزار وأقام بها مدة، وأخذ عن الشيخ أبي الحسن البكري، والشهاب أحمد بن حجر المكي، والشيخ عبيد الله السرهندي، والسيد عبد الله العيدروس وغيرهم. ورجع إلى الهند وقصر همته على التدريس والتصنيف، برع في فنون عديدة، وفاق الأقران حتى لم يعلم أن أحدا من علماء كجرات بلغ مبلغه في فن الحديث.
له مصنفات جليلة، منها: مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار"، و"تذكرة =
أقُوْل: لو كان للاضْطِرارِ: لَمَا قُيِّدَ بما يَسْقُط، فإنَّ له أكلَ ما وراءَه
(1)
.
880 -
(1288) - (3/ 575) حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ صَالِحِ بْن أَبِي جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَافِع بْن عَمْرٍو، قَالَ: كنْتُ أَرْمي نَخْلَ الأَنْصَارِ، فَأَخَذُونِي، فَذَهَبُوا بِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"يَا رَافِعُ، لِمَ تَرْمِي نَخْلَهُمْ"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! الجُوعُ، قَالَ:"لَا تَرْمِ، وَكُلْ مَا وَقَعَ أَشْبَعَكَ اللهُ وَأَرْوَاكَ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• وقوله: "اللَّهُمَّ أشْبِعْ بَطْنَهُ": يدُلُّ على أنَّه لم يكن مُضْطَرًّا.
• قوله: "وَكُلْ مَا وَقَعَ"، أي: سَقَط.
= الموضوعات"، و"المغني في أسماء الرجال". توفي سنة ست وثمانين وتسع مائة ببلدة "أجين"، فنقلوا جسده إلى "فتن"، ودفنوه بمقبرة أسلافه. راجع نزهة الخواطر: 4/ 409.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 2/ 8.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْي عَن الثُّنْيَا
881 -
(1290) - (3/ 576) حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ البَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ العَوَّامِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنِ، عَنْ يُونُسَ بْن عُبَيْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ، وَالمُخَابَرَةِ، وَالثُّنْيَا، إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْن عُبَيْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ.
• قوله: "وَالمُخَابَرَةِ": قيل هي المُزَارَعةُ على نصيبٍ معلولٍ كالثُّلُث والرُّبْع، وفيها اختلافٌ بينَهم.
• و"الثُّنْيَا": كالدُّنيا في الوَزْن، ومعناه: الاسْتِثْناءُ، أي: لا يجوزُ الاستثناءُ إلا أنْ كانَ المُسْتَثْنى معلومًا، وأمَّا إذا كانَ مجهولًا فلا يَصِحُّ؛ لأنَّه يفسِدُ البيعَ ويجعلَ البيعَ مجهولا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ
882 -
(1291) - (3/ 577) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ طَاؤوْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ"، قَالَ ابْنُ عَبَّاس: وَأَحْسِبُ كلَّ شَيْءٍ مِثْلَهُ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ كرِهُوا بَيْعَ الطَّعَامِ حَتَّى يَقْبِضَهُ المُشْتَرِي، وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ. فِيمَنِ ابْتَاعَ شَيْئًا مِمَّا لا يُكَالُ وَلا يُوزَنُ مِمَّا لا يُؤْكَلُ وَلا يُشْرَبُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، وَإِنَّمَا التَّشْدِيدُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ فِي الطَّعَامِ، وَهُوَ قَول أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "مَنِ ابْتَاعَ"، أي: اشترى. "فَلا يَبِيْعُهُ": أي: فلا يجوزُ أن يَبِيْعَه، لا أنَّه إخبارٌ عنه بأنَّه لا يتَحَقَّقُ منه جهلًا. "حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ"، أي: يَقْبِضَه.
قال الخطَّابيُّ: أجمعَ أهلُ العلمِ على أن الطَّعامَ لا يجوزُ بيعُه قبلَ القَبْض وإنَّما اخْتَلَفُوا فيما عَدَاه
(1)
.
(1)
راجع: معالم السنن للخطابي: 3/ 135.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْي عَن البَيْعِ عَلَى بَيْع أَخِيهِ
883 -
(1292) - (3/ 578) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا يَخْطُبُ بَعْضُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ بَعْضٍ".
قَالَ. وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَمُرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقدْ رُوِيَ عَنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: "لا يَسُومُ الرَّجُل عَلى سَوْمِ أَخِيهِ"، وَمَعْنَى البَيْعِ فِي هَذَا الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ: هُوَ السَّوْمُ.
• قوم: "لا يَبِيعُ": - بالرَّفع - على الخَبَر، يعني النَّهي للمُبالغةِ، وروي بالجَزْم بحذفِ الياءِ على صيغةِ النَّهْي.
• قوله: "عَلَى سَوْمِ". قالَ مالكٌ في تفسير "لا يَبِيْعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أخِيْهِ": إنَّما نَهى أنْ يَسُوْمِ الرَّجُل على سَوْم أخِيْه. قيل: للمشتري دونَ البائع؛ لأنَّ البائعَ لا يكادُ يدخلُ على البَائع، وإنَّما المشهورُ زيادةُ المشتري على المُشتري.
قيل: ويحتمل حَمْلُه على ظاهِرِه فيَمْتَنِعُ البائعُ أيضًا أن يبيعَ على بيعِ أخِيه، وهو أن يَعْرض سِلْعَتَه على المشتري الرَّاكن إلى شِراءِ سِلْعةِ غيره ليُزَهِّدَه في شِراء سِلعتِه، قال عياضٌ: وهو الأولى
(1)
.
(1)
راجع: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض بن موسى اليحصبي: 4/ 557.
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الخَمْر وَالنَّهْي عَنْ ذَلِكَ
884 -
(1293) - (3/ 579) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُليْمَانَ، قال: سَمِعْتُ لَيْثًا يُحَدِّثُ عَنْ يَحْيَى بْن عَبّادٍ عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أبِي طلحَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنِّي اشْتريْتُ خَمْرًا لأيتَامٍ فِي حِجْرِي، قَالَ:"أَهْرِقِ الخَمْرَ، وَاكسِرِ الدِّنَانَ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ رَوَى الثَّوْرِيُّ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ يَحْيَى بْن عَبَّادٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ عِنْدَه وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ.
• قوله: "فِي حِجْرِي": بتقديم المُهملةِ المفتوحةِ المكسورةِ على الجيم.
• قوله: "الدِّنَانَ": جمعُ دَنٍّ، أي: ظُرُوْفَها مبالغةً.
[بابُ النَّهْي أَنْ يُتَّخَذَ الخَمْرُ خَلًّا]
885 -
(1295) - (3/ 580 - 581) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:"لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالمُشْتَرِي لَهَا، وَالمُشْتراةَ لَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "فِي الخَمْرِ"، أي: في شَأنِها وسَبِبِها. و"الْعَاصِرُ": من عَصَرها مطلقًا. و"الْمُعْتَصِرُ": من يَعْصِر الخمرَ لنَفْسِه هو اسمُ الفاعل، وضميرُ "لَهَا" للخَمر، واللام داخلٌ على المَفعولِ به للتَّقْويَة، أي: ومُشْتَريها، وأمَّا "الْمُشْترى لَهَا": فهو اسمُ مفعولٍ، مسندٌ إلى الجَار والمجرورِ، وليسَ فيه ضميرُ إلى الخَمرِ وإلا لكانَ:"والمشتراةُ له" كالمحمولةِ إليه، أي: الذي أوْقَع الشِّراءَ لأجله. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي احْتِلَاب المَوَاشِى بغَيْر إذْن الأَرْبَابِ
886 -
(1296) - (3/ 581 - 582) حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ، فَإِنْ كانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ فَلْيُصَوِّتْ ثَلاثًا، فَإِنْ أَجَابَهُ أَحَدٌ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلا يَحْمِلْ".
وَفِي البَابِ عَنْ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَالَ عَلِيُّ بْن المَدِينِيِّ: سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَديت في رِوَايَةِ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا يُحَدِّث عَنْ صَحِيفَةِ سَمُرَةَ.
• قوله: "عَلَى مَاشِيَةٍ": تُطْلَق على الإبل، والبَقَر، والغَنَم والأخير أكثرُ، ولعلَّ الحديثَ محمولٌ على المُضْطَرِّ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ جُلُودِ المَيْتَةِ وَالأصْنَامِ
887 -
(1297) - (3/ 582 - 583) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ يَقُولُ:"إِنَّ الله وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْر، وَالمَيْتَةِ، وَالخِنْزير، وَالأصْنَام" فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، قالَ:"لا هُوَ حَرَامٌ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ:"قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ إِنَّ الله حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فَأَجْمَلُوه، ثُمَّ بَاعُوه، فَأَكلُوا ثَمَنَهُ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ.
• قوله: "وَرَسُولَهُ": يمكنُ أن يقالَ: إنِّه مرفوعٌ، خبرُه مقدَّر، أي: بلَّغ، والجملةُ معترضةٌ، وضميرُ "حرَّم اللهُ" وهو خبرٌ له.
• وقوله: "فَأَجْمَلُوة": مِنْ أجْملَ الشَّحْمَ: أذَابَه، واستخَرْجَ دُهْنَه. قال الخطَّابي: معناه أذَابُوها حتى تَصيرَ ودَكًا، فيزولَ عنها اسمُ الشَّحْم، وفي هذا اتَّكال على حيلةٍ يُتَوَصَّلُ بِها إلى محرَّم وأنَّه لا يتغير حُكْمُه بتغيُّر هَيْئَتِه وتبدُّل اسمه
(1)
.
(1)
راجع: معالم السنن شرح سنن أبي داود للخطابي: 3/ 133.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الرُّجُوعِ مِنَ
(1)
الهبَةِ
888 -
(1298) - (3/ 583) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَيْسَ لنَا مَثَلُ السُّوءِ العَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِه".
قال: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال "لا يَحِلُّ لِأحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً فَيَرْجعَ فِيهَا إِلَّا الوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَه".
• قوله: "مَثَلُ السُّوءِ"، أي: ليسَ لنا أن نَفْعل ما يُفْضِي إلى مثل السُّوء، وليسَ لنا أن نعودَ في الهِبَةِ لإفْضَائِه إلى ذلك.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "فِي" مكان "مِن".
بَابُ مَا جَاءَ فِي العَرَايَا وَالرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ
889 -
(1300) - (3/ 585) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لِأَهْلِ العَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الحَدِيثَ، وَرَوَى أَيُّوبُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ. وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَن ابْن عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْن ثَابِتٍ، عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَخَّصَ فِي العَرَايَا، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.
• قول: "العَرَايَا": جمعُ عَرِيَّةٍ فَعِيْلةٌ، وهي على ما يُفْهَم من كلامِ المُصَنَّفِ نخلةٌ أو نخلتان [يَشْتريهَا من يريدُ أكلَ الرّطبةِ ولا نقدَ بيدِه]
(1)
يشتريها به، فيشتريها بتَمر بَقِي من قُوْتِه، فرخَّصَ له في ذلك دفعًا للحَاجةِ فيما دونَ خَمْسةِ أوْسُقٍ أو في خمسةٍ، وقد اختلفوا في تَفْسَيرها خلافًا كثيرًا. والله تعالى أعلم.
• قوله: "خَرْصهَا": الخَرْص - بكسر، فسُكون - اسمٌ بمعنى المَخْرُوص، أي: القَدر الذي يُعْرَف بالتَّخْمِين - وبفتح، فسُكون - مصدرٌ بمعنى التَّخْمِين، ويمكنُ أن يرادَ به المَخْروصُ أيضًا كالخَلْق بمعنى المَخلوقِ، والمرادُ
(1)
أثبتنا ما بين المعقوفين من حاشية السندي على سنن أبي داود، المسمى بـ "فتح الودود": 3/ 519.
ههنا: المخروصُ، فيَصِحُّ الوجهان. والله تعالى أعلم.
890 -
(1301) - (3/ 586) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي بَيْعِ العَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ كَذَا. حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ دَاوُدَ بْن حُصَيْنٍ نَحْوَه. وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي بَيْعِ العَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
• قوله: "أَوْ كَذَا"، أي: خمسةٌ، وهو شكٌّ من الرَّاوي.
891 -
(1302) - (3/ 586 - 587) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيَّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْن ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي بَيْعِ العَرَايَا بِخَرْصِهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْهُمْ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالُوا: إِنَّ العَرَايَا مُسْتَثْنَاةٌ مِن جُمْلَةِ نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ نَهَى عَنِ المحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ زَيْدِ بْن ثَابِتٍ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالُوا: لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ. وَمَعْنَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا لِأَنَّهُمْ شَكَوْا إِلَيْهِ، وَقَالُوا: لَا نَجِدُ مَا نَشْتَرِي مِنَ الثَّمَرِ إِلَّا بِالتَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنْ يَشْتَرُوهَا فَيَأْكُلُوهَا رُطَبًا.
• قوله: "لِأَنَّهُمْ
…
" إلخ، روى محمودُ بْن لبيدٍ: قلتُ لزيدِ بْن ثابتٍ: مَا عَرَايَاكُم هَذه؟ فسَمَّى رِجالا مُحْتاجِين من الأنْصارِ شَكَوْا إلى رسولِ اللهِ صلى الله
تعالى عليه وسلَّم: أن الرُّطَب يأتِي وما بأيْدِيْهم ما يشتَرُوْن به رُطَبًا يأكُلُوْنَه وعندَهم فصولٌ من التَّمر، فرخَّص لهم أنْ يشتَرُوْا العَرايَا بخَرْصِها من التَّمر يأكلونَ رُطَبًا. قيل: متَّفقٌ عليه وهو وَهْمٌ؛ لأنَّه ليسَ في شَيْءٍ من الكتب الستة.
قال الزَّيلعي
(1)
- مُخرِّج أحاديثِ الهداية -: ولم أجِدْ له سندًا بعدَ الفَحْص البالغ، ولكنَّ الشافعيَّ ذكره في كتابِه في بابِ العَرِيَّةِ من غير إسنادٍ
(2)
، وكذا ذكره المُحَقِّقُ ابنُ الهُمَّام
(3)
. قلتُ: لكن في لفظِ الصَّحِيْحَيْن
(4)
ما يشيرُ إليه وهو: "رَخَّصَ في العَرِيَّةِ أنْ تؤخَذَ بمثل خَرْصِها تَمرًا يأكلُها رُطَبًا"، وذلك فيما ذكر من تفسير العَرِيَّةِ لا في غيره من تفاسير العرية. والله تعالى أعلم.
• قوله: "مِنَ الثَّمَرِ": - بالمُثَلَّثَة - لا بـ"التَّمر" بالمُثَنَّاةِ من فوق.
(1)
هو: الإمام الفاضل، المحدث العلامة جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي الحنفي، اشتغل كثيرا، وأخذ عن أصحاب النحيب وعن القاضي علاء الدين التركماني وعن جماعة، ولازم مطالعة كتب الحديث إلى أن خرَّج أحاديث الهداية، وأحاديث الكشاف، توفي في المحرم سنة اثنتين وستين وسبعة مائة. راجع لترجمته: البدر الطالع: 1/ 402، الأعلام للزركلي: 4/ 147.
(2)
نصب الراية لأحاديث الهداية: 4/ 13، 14.
(3)
راجع: شرح فتح القدير لابن الهمام: 6/ 381.
(4)
في صحيح البخاري: "إلا أنه رخص في العرية يبيعها أهلها بخرصها يأكلونها رطبا" كتاب البيوع، باب: بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب أو الفضة، ح: 2191، وفي صحيح البخاري:"رخص في العرية يأخذها أهل البيت يخرصها تمرا يأكلونها رطبا"، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، ح:1539.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّجْشِ [فِي البُيُوعِ]
892 -
(1304) - (3/ 588 - 589) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا تَنَاجَشُوا".
وَفِي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ كَرِهُوا النَّجْشَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَالنَّجْشُ: أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ الَّذِي يَفْصِلُ السِّلْعَةَ إِلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ فَيَسْتَامُ بِأَكثَرَ مِمَّا تَسْوَى، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يَحْضُرُه المُشْتَرِي يُرِيدُ أَنْ يَغْتَرَّ المُشْتَرِي بِهِ وَلَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ الشِّرَاءُ إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَخْدَعَ المُشْتَرِيَ بِمَا يَسْتَامُ، وَهَذَا ضَرْبٌ مِنَ الخَدِيعَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ نَجَشَ رَجَلٌ، فَالنَّاجِشُ آثِمٌ فِيمَا يَصْنَعُ، وَالبَيْعُ جَائِزٌ، لِأنَّ البَائِعَ غَيْرُ النَّاجِشِ.
• قوله: "النَّجْشَ": - بفتح، فسُكون - هو أنْ يمدحَ السِّلعة ليروِّجَها ويزيدَ في الثَّمن ولا يريدُ شِراءَها ليَغْتَرَّ به غيرُه، وجِيْءَ بالتَّفاعُل؛ لأنَّ التُّجَّارَ مُتَعارِضُون، فيفعل هذا بصاحِبِه على أنْ يُكَافِئَه بمثله.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّجْحَانِ فِي الوَزْنِ
893 -
(1305) - (3/ 589) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْن قَيْسٍ، قَالَ: جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ، فَجَاءَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ، وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأُجْرَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْوَزَّانِ:"زِنْ وَأَرْجِحْ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ سُوَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَهْلُ العِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ الرُّجْحَانَ فِي الوَزْنِ. وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ سِمَاكٍ، فَقَالَ: عَنْ أَبِي صَفْوَانَ وَذَكَرَ الحَدِيثَ.
• قوله: "مِنْ هَجَرَ": - بفتح الهَاء - مدينةٌ، هي قاعِدةُ البَحرين.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِنْظَارِ المُعْسِرِ وَالرِّفْقِ بِهِ
894 -
(1306) - (3/ 590) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَظَلَّهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي اليَسَرِ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَحُذَيْفَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُبَادَةَ، وَجَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْه.
• قوله: "إنْظَار": الإنظارُ: التَّأخيرُ، والإمهالُ.
• وقوله: "أَوْ وَضَعَ"، أي: حَطَّه عنه من أصْل الدين شيئًا، واللام بمعنى "عَنْ" كَما في بعضِ الرِّوَايات، والمعنى وَضَعَ لمُرَاعَاتِه والنَّظر له.
• وقول: "إلا أظَلَّهُ"، أي: ظِلّ العرش، وظِلُّ اللهِ بمعنى أنَّه مخصوصٌ به لا يدخلُ فيه أحدُ إلا بإذْنِه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَطْلِ الغنِيِّ [أَنَّهُ ظُلْمٌ]
895 -
(1308) - (3/ 591) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ". قَالَ: وَفِي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالشَّرِيدِ بْن سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ.
• قوله: "مَطْلُ الغَنِيِّ"، أي: منعُ القَادِر على أداءِ ما عليه ولو فقيرًا. [قال] القاضي: المَطلُ: منعُ ما اسْتحقَّ أداءه
(1)
. زاد القرطبي
(2)
: مع التَّمَكُّن من ذلك، وطَلَبِ صاحبِ الحَقِّ حقَّه. والإضافة إلى الفاعل، وقيل: إلى المفعولِ، أي: أنْ يُمْنعَ الغَنيُّ عن إيصال الحَقِّ إليه ظلمٌ، فكيف منعُ الفَقير عن إيصالِ الحَقِّ إليه. والمعنى يجب وفاءُ الدَّين وإن كان صاحبُه غنِيًّا فالفقيرُ بالأولى، والظُّلم: وضعُ الشَّيءِ في غير مَحَلِّه، والمطْلُ: وضع المنعِ موضعَ القَضاء.
• وقوله: "أُتْبعَ": بضم، فسكون، فكسر. "والمَلِيُّ": كالغَنِيِّ لفظًا ومعنى.
• وقوله: "فَلْيَتْبَعْ": - بإسكان الفَوقِيَّة - على المشهورِ، وقيل: بشَدِّها، والجمهورُ على أن الأمرَ للاستحبَابِ، وحَمَله بعضُهم على الوجوبِ.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 36.
(2)
راجع: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 7/ 202، 201.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُلَامَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ
896 -
(1310) - (3/ 593 - 592) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ المُنَابَذَةِ وَالمُلَامَسَةِ".
وَفي البَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ: أَنْ يَقُولَ إِذَا نَبَذْتُ إِلَيْكَ الشَّيْءَ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ. وَالمُلامَسَةُ: أَنْ يَقُولَ إِذَا لَمَسْتَ الشَّيْءَ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى مِنْهُ شَيْئًا مِثْلَ مَا يَكُونُ فِي الجِرَابِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ.
• قوله: "الجِرَابِ": بكسر الجيم، والعَامةُ تفتحه، وقيل: بِهما: وِعاءٌ من الجِلْد يُدْخَلُ فيه السَّيفُ مع غِمْدِه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّلَفِ
…
إلخ
897 -
(1311) - (3/ 593 - 594) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي التَّمْرِ، فَقَالَ:"مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبْزَى. قَالَ أبُو عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْم مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: أَجَازُوا السَّلَفَ فِي الطَّعَام وَالثِّيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ حَدُّهُ وَصِفَتُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي السَّلَمِ فِي الحَيَوَانِ، فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمُ السَّلَمَ فِي الحَيَوَانِ جَائِزًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمُ السَّلَمَ فِي الحَيَوَانِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ. أَبُو المِنْهَالِ اسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُطْعِمٍ.
• قوله: "يُسْلِفُونَ": يُقال: سلَّف تسليفًا وأسْلَف إسلافًا، والاسمُ: السَّلَفُ، وهو على وجهين: أحدُهما قرضٌ لا مَنْفعةَ فيه للمُقْرِض غيرَ الأجْر والشُّكْر، والثاني: يُعْطِي مالًا في سِلْعةٍ إلى أجلٍ معلومٍ.
• وقوله: "وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ": - بالواو - في الأصُوْل، فقيل: الواو للتَّقْسيمِ أي: كَيْلٌ فيما يُكَال، ووَزْنٌ فيما يُوْزَن، وقيلَ: بتقدير الشَّرْطِ، أي: في كَيلٍ معلومٍ إن كانَ كَيْلِيًّا، ووزنٍ إن كانَ وَزْنِيًّا، ومن أسْلَف في مَكيلٍ فَلْيُسْلِفْ في كَيلٍ معلومٍ، ومن أسْلَفَ في موزونٍ فلْيُسْلِفْ في وزنٍ معلومٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَرْضِ المُشْتَرِكِ يُرِيدُ بَعْضُهُمْ بَيْعَ نَصِيبِهِ
• قوله: "أرْضُ الْمُشْتَرِكِ": بالإضافةِ، أي: أرضٌ لحائطِ المُشْتَركِ.
بَابُ مَا جَاءَ مِنَ
(1)
المُخَابَرَةِ وَالمُعَاوَمَةِ
898 -
(1313) - (3/ 596 - 597) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ، وَالمُخَابَرَةِ، وَالمُعَاوَمَةِ، وَرَخَّصَ فِي العَرَايَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَالمُخَابَرَةِ": والمُخَابَرة، قيل: هي المُزَارَعة على نَصيبٍ مَعْلومٍ كالرُّبع، والثُّلُثِ من الخُبْرةِ: النَّصيبُ. وقيل: من الخَبَار وهو الأرضُ اللَّيِّنةِ، واستدَلَّ بعضُهم به على المَنْع عن المُسَاقَاةِ بأنَّ المُخَابَرة من خَيبر، أي: نَهي عن الفَعل الذي وَقَع في خيبرَ من المُسَاقَاة. وردَّ بأنَّ العربَ كانَتْ تَعْرِف المُخابَرةَ قبلَ الإسلامِ، وهي عندَهم كِراءُ الأرضِ بما يَخْرج منها، مأخوذٌ من الخَبر وهو الحَرث.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "فِي" مكان "مِن".
[بابُ مَا جَاءَ فِي التَّسْعِيرِ]
899 -
(1314) - (3/ 596 - 597) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَثَابِثٌ، وَحُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ:"إِنَّ الله هُوَ المُسَعِّرُ، القَابِضُ، البَاسِطُ، الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "سَعِّرْ لَنَا": بالتَّشديدِ.
• وقوله: "هُوَ المُسَعِّرُ"، أي: أنَّه هو الذي يُرَخِّصُ الأشياءَ ويُغْلِيْهَا فلا اعتراضَ عليه لأحَدٍ.
• "والمَظْلِمَة": - بكسر اللام - هي ما تَطْلُبه من عندِ الظَّالِم مِمَّا أخذَه منك.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الغِشِّ فِي البُيُوعِ
900 -
(1315) - (3/ 597 - 598) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ العَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَه فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ:"يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ! مَا هَذَا؟ "، قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ"، ثُمَّ قَالَ:"مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي الحَمْرَاءِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبُرَيْدَةَ، وَأَبِي بُرْدَةَ بْن نِيَارٍ، وَحُذَيْفَةَ بْن اليَمَانِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ كَرِهُوا الغِشَّ، وَقَالُوا: الغِشُّ حَرَامٌ.
• قوله: "عَلَى صُبْرَةٍ": - بضَمٍّ، فسكون - هي الطَّعامُ المجتمعُ كالكَوْمةِ.
• "والغِشُّ": ضدُّ النَّصحِ من الغَشَش، وهو المَشرب الكَدِر، أي: ليسَ على خُلُقِنا وسُنَّتِنا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِقْرَاضِ البَعِيرِ
…
إلخ
901 -
(1316) - (3/ 598 - 599) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْن صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْن كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِنًّا، فَأَعْطَاهُ سِنًّا خَيْرًا مِنْ سِنِّهِ، وَقَالَ:"خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ، وُسُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ لَمْ يَرَوْا بِاسْتِقْرَاضِ السِّنِّ بَأْسًا مِنَ الإِبِلِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ.
• قوله: "أَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً"، أي: للدَّيْن، قيلَ: إنَّ الله تعالى. يُوَفِّقُ لهذا خِيارَ الناس انتهى. أي: لأنَّه يصيرُ بمُجرَّد ذلك من خِيار النَّاس.
قال بعضُ العارِفين هو الكَرم الخَفِيُّ اللاحِقُ بصَدَقة السِرِّ؛ فإنَّ المعطيَ له لا يَشْعُر بأنَّه صَدقةُ سِرٍّ في علانيةٍ، ويُورِثُ ذلك الوُدَّ في نفس المقضِيِّ له، وتَخْتَفي نعمتُك عليه في ذلك، ففي حُسْن القَضَاء فوائدُ جَمَّةٌ.
902 -
(1317) - (3/ 599) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَاُبهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا"، ثُمَّ قَالَ:"اشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا، فَأَعْطُوهُ إِيَّاه"، فَطَلَبُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا سِنًّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ، فَقَالَ: "اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ
إِيَّاهُ، فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً". حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْن كُهَيْلٍ نَحْوَهُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "تَقَاضَى"، أي: طلبَ دينَه، والتَّقاضِي: مُطالَبةُ الغَريمِ بقَضَاءِ الدين والمُلازَمةِ لذلك.
• وقوله: "فَهَمَّ بِهِ أصْحَابُهُ"، أي: قَصَدُوه بالسُّوء.
• وقوله: "فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا": إرشادٌ إلى أنَّه يحتملُ من صاحبِ الدَّين الكلامُ المعتادُ في المُطَالَبة، ولعلَّ هذا الإغلاظُ كان مُجَرَّدَ تَشَدُّدٍ في المُطالبَةِ، ويحتمل أن الفاعلَ كان كافرًا وهو الأقربُ. والله تعالى أعلم.
903 -
(1318) - (3/ 600) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْن يَسَارٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَقُلْتُ: لَا أَجِدُ فِي الإِبِلِ إِلَّا جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَعْطِهِ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "بَكْرًا": - بفتح، فسكون - الفَتى من الإبل كالغُلام من الذُّكور.
• وقوله: "رَبَاعِيًا": - بتَخفيف الياء - وهو ما دَخل في السَّنَة السَّابِعَة؛ لأنَّه سِنُّ ظهورِ رَبَاعِيَّتِه، ولعلَّه أدَّى من الصَدَقة بالشِّرَاء منه. وقيل: يُمكن أن اسْتِقراضَه إنَّما كانَ لواحدٍ من أهل الصَّدقَةِ، وكانَ هذا الرَّجُل الذي اسْتَقْرضَ منه أهلًا للصَّدَقة أيضًا بأنْ كانَ من الغَارِمِين، فيكونُ الفضلُ صدقةً عليه، فلا يَرِدُ أنَّه
كيف قضى من إبل الصَّدقةِ أجودَ مِمَّا يستَحِقُّه الغريمُ معَ أنَّه لا يجوزُ لناظر الصَّدقاتِ تَبَرُّعُه منها؟ وبِهذا انْدَفع أن الصدقةَ لا تحِلُّ له صلى اللّه تعالى عليه وسلَّم فكيفَ يَقْضِي منها.
904 -
(1319) - (3/ 600 - 601) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ بْن مُسْلِمٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ الله يُحِبُّ سَمْحَ البَيْعِ، سَمْحَ الشِّرَاءِ، سَمْحَ القَضَاءِ".
قَالَ: وفي الْبْابِ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ يُونُسَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "سَمْحَ البَيْعِ": السَّمْح - بفتح، فسكون - منَ السَّماحَةِ، وهي الجُوْد، وسَمْح البَيعِ: بأنْ يَرضَى بربحٍ قليلٍ، وسَمْح الشِّراءِ: بأنْ [لا] يُنَاقِش فيه، وسَمْح القَضَاء:[أن] يُؤدِّي ما عليه بطلب نفسِه ويَقْضي أفضلَ ما يَجِد.
[بَابُ النَّهْيِ عَنِ البَيْعِ فِي المَسْجِدِ]
905 -
(1321) - (3/ 601 - 602) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي المَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً، فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللهُ عَلَيْكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ كَرِهُوا البَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي المَسْجِدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي البَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي المَسْجِدِ.
• قوله: "أَوْ يَبْتَاعُ"، أي: يَشتري.
• وقوله: "يَنْشُدُ": كـ"يَطْلُب" وَزنًا ومعنًى.
• قوله: "لَا أَرْبَحَ اللهُ": دعاءٌ عليه. وقيل: "لا": نَهْيٌ، و"أرْبَحَ اللهُ" دعاءٌ له، أي: لا تَفْعل، وكذا قولُه:"لَا رَدَّ اللهُ عَلَيْكَ"، والحاصلُ: أن المسجدَ ما بُنِي لأمْثالِ هذه الأشْيَاء، فمَنْ فَعَلَ فيه شيئًا يَسْتَحِقُّ أنْ يُدْعَى عليه، وأنْ يُنْهَى عنه، والكلامُ يَحْتَمل الوَجْهَين.
أبْوَابُ الأحْكَامِ
(1)
بَابُ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ تَعَالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي القَاضِي
906 -
(1322) - (3/ 603 - 604) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ المَلِكِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَوْهَبٍ، أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لابْنِ عُمَرَ: اذْهَبْ فَاقْضِ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: أَوَ تُعَافِينِي يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! قَالَ: فَمَا تَكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ يَقْضِي؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ كَانَ قَاضِيًا فَقَضَى بِالعَدْلِ فَبِالحَرِيِّ أَنْ يَنْقَلِبَ مِنْهُ كَفَافًا" فَمَا أَرْجُو بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَفِي الحَدِيثِ قِصَّةٌ.
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ المُعْتَمِرُ هَذَا، هُوَ: عَبْد المَلِكِ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ.
• قوله: "أَوَ تُعَافِينِي"، أي: أوَ تَتْرُكني عن تكليفِ القَضَاء وتُسَامِحُني في تركه.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ الْأَحْكَامِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
• "فَبِالحَرِيِّ أَنْ يَنْقَلِبَ
…
" إلخ، أي: فهو أهلٌ وحَقِيقٌ بأن ينقلبَ "كَفَافًا"، أي: مَكْفُوفًا عن شَرِّه. وقيل: "كَفَافًا": أن لا يكونَ له ولَا عليه، و"الحَرِيُّ": يكونُ مُشدَّدًا بمعنى الجَدير، [و] الخَلِيق. ومُخَفَّفًا بمعنى اللِّيَاقةِ، فعلى الأوَّل الباءُ زائِدةٌ فهو الحَرِيُّ بأنْ يَنْقَلِبَ لا الذي لم يَقْضِ بالعدل، وعلى الثَّاني بمعنى التلَبُّس، أي: فهو مُتَلَبِّسٌ باللِّياقة أنْ ينقلبَ، أي: فانْقِلابُه كفافًا مُتَلَبِّسٌ باللِّياقةِ، والمقصودُ على التَّقدير أنَّه حقيقٌ بذلك.
907 -
(1323) - (3/ 604 - 605) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَأَلَ القَضَاءَ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُجْبِرَ عَليْهِ يُنْزِلُ اللهُ عَلَيْهِ مَلَكًا فَيُسَدِّدُهُ".
• قوله: "وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ": فوِّض إليها، وهذا كنايةٌ عن عَدم العَوْنِ من اللهِ تعالى في مَعْرفةِ الحَقِّ، أي: لا يُعِيْنُه اللهُ في معرفةِ الصَّوابِ.
• قوله: "فَيُسَدِّدُهُ"، أي: يُرْشِدُه ويَهْدِيه طُرقَ السَّدادِ، أي: الصَّواب [و] العدل.
908 -
(1324) - (3/ 605) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ بِلَالِ بْنِ مِرْدَاسٍ الفَزَارِيِّ، عَنْ خَيْثَمَةَ وَهُوَ البَصْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنِ ابْتَغَى القَضَاءَ وَسَأَلَ فِيهِ شُفعَاءَ وُكِلَ إِلَى نَفسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى.
• قوله: "مَنِ ابْتَغَى"، أي: طَلَب، وسأل فيه "شُفَعَاءَ"، أي: الْتَمَس منهم أنْ يَشْفَعوا له في ذلك.
909 -
(1325) - (3/ 605 - 606) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا الفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَلِيَ القَضَاءَ، أَوْ جُعِلَ قَاضِيًا بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ أيضًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "وَلِيَ القَضَاءَ": هو على بناءِ الفاعل - بالتَّخفيفِ - أي: تَصَدَّى للقَضَاء وتَوَلَّاه، أو على بناءِ المفعول - بالتَّشديدِ - وهو المُناسِب بروايةِ "جُعِلَ قَاضيًا".
• وقوله: "فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ": أرِيْدَ أنَّه ذُبِحَ أشدَّ الذَّبح؛ لأنَّ الذَّبح بالسِّكين أرْيَحُ للذَّبيحَةِ بخلافِه بغيره
(1)
، أو المرادُ أنَّه ذُبِح لا ذَبْحًا يَقْتُله بل ذَبْحًا يَبْقَى فيه لا حَيًّا ولا مَيِّتًا؛ لأنَّه ليسَ ذَبحًا بسكِّينٍ حتَّى يموتَ، ولا هو سالمٌ عن الذَّبْح حتى يكونَ حَيًّا.
(1)
أي: بخلاف الذبح بغير السكين.
بَابُ مَا جَاءَ فِي القَاضِي يُصِيبُ وَيُخْطِئُ
910 -
(1326) - (3/ 606) حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعيدٍ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
• قوله: "إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ"، أي: أرادَ الحُكمَ.
• وقوله: "وَإِذَا حَكَمَ فَأَخْطَأَ": بتقدير: "فاجْتَهَدَ فأخْطَأ"، أي: اللَّازمُ عليه الاجتهادُ في إدْرَاك الصَّوابِ، وأمَّا الوُصولُ إليه فليسَ بقُدْرَتِه، فهو معذورٌ إنْ لم يَصِلْ إليه، نَعم إنْ وُفِّقَ للصَّوابِ فله أجْرَان: أجرُ الاجتهادِ، وأجرُ الحُكْمِ بالحَقِّ وإلا فلَه أجرُ الاجتهادِ فقطُ.
بقي أن هذا هل هو اجتهادٌ في مَعرفَةِ الحُكمِ في مَعرفةِ أدِلَّتِه، أو اجتهادٌ في معرفةِ حَقِيقةِ الحَادِثةِ ليَقْضِى على وفْقِ ما عليه الأجرُ في نفسِه، والأوَّل أنسبُ بحديثِ مُعاذٍ، وعليه حمله العلماءُ. والله تعالى أعلم.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي القَاضِي كَيْفَ يَقْضِي]
911 -
(1327) - (3/ 607) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ:"كَيْفَ تَقْضِي؟ "، فَقَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ، قَالَ:"فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كتَابِ اللهِ؟ "، قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ "، قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، قَالَ:"الحَمْدُ لِله الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ الله".
• قوله: "بَعَثَ مُعَاذًا
…
" إلخ، كِلَا الإسنادَيْن لا يخلُو عن مجهولٍ بل هو إسنادٌ واحدٌ قال السيوطيُّ في حاشيةِ أبي داود: هذا الحديثُ أوردَه الجَوزقَاني
(1)
في المَوْضُوعات، وقال: هذا حديثٌ باطلٌ، رَواه جماعةٌ عن شعبةَ.
(1)
هو الإمام الحافظ الناقد أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن الحسين بن جعفر الهمذاني الجَوْرقاني - هكذا ضبطه الذهبي في سير الأعلام، وضبطه ابن الأثير في "اللباب" بضم الجيم وسكون الراء، وضبط ابن حجر في لسان الميزان، فقال:"وجُوزَقَان": بضم الجيم، وسكون الواو، وبعدها زاي ثم قاف، وقد ورد في تذكرة الحفاظ، وشذرات الذهب بالزاي - سمع الكثير، وكتب وحصَّل، وصنف عدة كتب في علم الحديث، منها:"كتاب الموضوعات" الذي أجاد تصنيفه، روى عن أبي الغنائم الديلمي، وسعيد الهاشمي، وأبيه إبراهيم بن الحسين وجماعة كثيرين، وقدم بغداد وحدث بها، توفي سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة. راجع لترجمته: اللباب في تهذيب الأنساب: 1/ 307، الوافي بالوفيات: 12/ 195، سير أعلام النبلاء: 20/ 177، تذكرة الحفاظ: 4/ 1308، لسان الميزان: 3/ 142، شذرات الذهب: 6/ 222.
وقد تَصَفَّحتُ عن هذا الحديثِ في المَسانِيدِ الكِبارِ والصِّغارِ، وسألتُ عَمَّنْ لقيتُه من أهل العِلم فلم أجِدْ له طريقًا غيرَ هذا، والحارثُ بْنُ عمرو هذا مجهولٌ، وكذا أصحابُ مُعاذٍ، وأهلُ حِمَّص لا يُعْرَفُونْ، ومثل هذا الإنسانِ لا يُعْتَمد عليه في أصلٍ من أصولِ الشَّريعةِ، وذِكْرُ الفُقَهاءِ إيَّاه في كُتُبِهم ليس بحُجَّةٍ؛ لأنَّه من بابِ تَقليدِ الخَلَف السَّلَفَ، وليسَ لهم طريقٌ غير هذا، نعم إنْ أتَوا بطريقٍ غير هذا يُنْظَر فيه، وأنَّى لهم ذلك؟. وقال المِزِّي
(1)
: "ابنُ عمرو لا يُعْرَف بِهذا الحديثِ، لا يصِحُّ حديثُه ولا يُعْرَف".
قلتُ: لكنَّ الحديثَ له شواهدُ موقوفةٌ عن عمر، وابنِ مسعودٍ، وزيدِ بْن ثابتٍ، وابن عباسٍ، وقد أخْرَجَها البيهقيُّ في سُنَنِه عقيبَ تَخْريْجِه لهذا الحديثِ تقويةً له. انتهى
(2)
.
• قوله: "أَجْتَهِدُ": الاجتهادُ بذلُ الوُسْع والطَّاقةِ، ويتَعدَّى بـ"في" يُقال:
(1)
هو: الإمام العلامة حافظ العصر، العالم الحبر، محدِّث الشام، ناقد الأسانيد والألفاظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف القضاعي الكلبي المزي، الدمشقي الشافعي، ولد بظاهر حلب في العاشر من ربيع الآخر، سنة أربع وخمسين وست مائة، ونشأ بالمزة، وحفظ القرآن وتفقه على مذهب الشافعي، وحصَّل طرفا من العربية، وبرع في التصريف واللغة، ثم شرع في طلب الحديث بنفسه وله عشرون سنة، وسمع بالحرمين، وحلب، وحماة، وبعلبك وغير ذلك، وبرع في فنون الحديث، وأقرَّ له الحُفَّاظ من مشايخه وغيرهم بالتقدُّم، وحدَّث بالكثير نحو خمسين سنة، فسمع منه الكبار والحفَّاظ، وولي دار الحديث الأشرفية ثلاثا وعشرين سنة ونصف، من تصانيفه:"تهذيب الكمال"، و"الأطراف" وغير ذلك. توفي ثاني عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبع مائة، ودفن بمقابر الصوفية. راجع لترجمته: تذكرة الحفاظ: 4/ 1498، الوافي بالوفيات: 29/ 106، طبقات الشافعية الكبرى: 10/ 395، شذرات الذهب: 236: 8.
(2)
راجع: مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود للسيوطي: 2/ 881، 880.
اجْتَهَدَ في الأمرِ.
• وقوله: "رَأْيًا"
(1)
: منصوبٌ بتقدير: "في"، أي: أجتهدُ في إصابةِ رأي الحَقّ، واسْتِخْراجِ الحُكْم به من أصُوْلِ الشَّرْع المعلومةِ من الكتابِ والسُّنَّةِ. ويمكنُ أن نصبَه بتقدير البَاء؛ لأنَّ الرأيَ آلةُ الاجتهادِ واسْتِخْراجِ الحُكم، وأمَّا مَحَلُّه فأصولُ الكتابِ والسُّنَّةِ، أي: أجْتَهِدُ برأيي في الأصُولِ المَعْلومةِ من الكِتابِ والسُّنَّةِ لرَدِّ القَضِيَّةِ الوَاقِعَةِ إليها، وإثباتِ حكمٍ مثل حكمِ تلك الأصُوْل في هذه القَضِيَّةِ بعدَ معرفةِ المُشَاركَة بينهما في معنَى النَّصِّ وعِلَّةِ الحُكْم.
(1)
هذا الشرح حسب النسخة التي كانت عند المصنف، وفي نسخة أحمد شاكر التي اعتمدنا عليه في مقارنة الأحاديث كما ذكر في الحديث.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الإِمَامِ العَادِلِ
912 -
(1329) - (3/ 608) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ فُضَيْلِ بْن مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ، وَأَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللهِ وَأَبْعَدَهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ جَائِزٌ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي أَوْفَى. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "وَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا"، أي: أقْربُهم منه مكانةً ومرتبةً لا مكانًا، والمرادُ مِنْ أحَبِّهم وأقْرَبِهم، وكذا في الثَّاني من أبْغَضِهم. والله تعالى أعلم.
913 -
(1330) - (3/ 609) حَدَّثَنَا عَبْدُ القُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو بَكْرٍ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ القَطَّانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي أَوْفَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله مَعَ القَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ القَطَّانِ.
• قوله: "مَما لَمْ يَجُرْ": - بضَمِّ الجيم - من الجَوْر: وهو الميل عن الحَقِّ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي القَاضِى [لَا] يَقْضِي بَيْنَ الخَصْمَيْنِ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَهُمَا
914 -
(1331) - (3/ 609 - 616) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلَانِ فَلَا تَقْضِ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الآخَرِ، فَسَوْفَ تَدْرِي كَيْفَ تَقْضِي"، قَالَ عَلِيٌّ:"فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا بَعْدُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "إذا تَقَاضَى": التَّقاضي مطالبةُ الغَريمِ لقَضَاءِ الدَّين، والمَعنى: تَخَاصَم رجلان متوجِّهَيْن إليكَ للحُكْم بينَهما.
• وقوله: "فَلَا تَقْضِى": بإثباتِ الياء في غَالِب النُّسَخ على أنَّه مضارعٌ بمعنى النَّهْي، وفي بعض النُّسَخ بدونِ الياءِ على أنَّه نَهْيٌ.
بَابُ مَا جَاءَ لَا يَقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ
915 -
(1334) - (3/ 611 - 612) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: كَتَبَ أَبِي إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ قَاضٍ: أَنْ لَا تَحْكُمْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لَا يَحْكُمُ الحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو بَكْرَةَ اسْمُهُ: نُفَيْعٌ.
• قوله: "لَا يَحْكُمُ الحَاكِمُ": نَفْيٌ بمعنى النَّهْي أو نَهْيٌ.
• وقوله: "وَهُوَ غَضْبَانُ": لأنَّ الغضبَ يُفْسِدُ الفِكْرَ، ويَضُرُّ الحالَ فلا يُؤمَنُ عليه في الحُكْم.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي هَدَايَا الأُمَرَاءِ
916 -
(1335) - (3/ 612) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ الأَوْدِيِّ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى اليَمَنِ، فَلَمَّا سِرْتُ أَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَرُدِدْتُ، فقَالَ: أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ؟ لَا تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ إِذنِي فَإِنَّهُ غُلُولٌ {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (1) لِهَذَا دَعَوتُكَ، فَامْضِ لِعَمَلِكَ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ، وَبُرَيْدَةَ، وَالمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، وَأَبِي حُمَيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ مُعَاذٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ دَاوُدَ الأَوْدِيِّ.
• قوله: "فِي أَثَرِي": بفتحتين، أو بكسر فسكون.
• وقوله: "فَرُدِدْتُ": على بناءِ المفعول.
• "والغُلُول": - بضَمَّتَيْن - الحَرامُ، والخِيَانةُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي فِي الحُكْمِ
917 -
(1336) - (3/ 613) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:"لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ فِي الحُكْمِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ حَدِيدَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَصِحُّ، قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا البَابِ وَأَصَحُّ.
• قوله: "الرَّاشِيَ": هو المُعْطِي للرِّشْوة. و"المُرْتَشِيْ": هو الآخذُ لها.
والرِّشْوَة: - بالكسر، والضَّمِّ - وصيلةٌ إلى الحَاجةِ للمُصَانعةُ من الرَّشاءِ المُتَوَصِّل به إلى الماءِ، ومَنْ يُعْطِي دفعًا لظُلْمٍ فغيرُ داخلٍ فيه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَبُولِ الهَدِيَّةِ وَإجَابَةِ الدَّعْوَةِ
918 -
(1338) - (3/ 614 - 615) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ وَلَوْ دُعِيتُ عَلَيْهِ لأَجَبْتُ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ، وَالمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَسَلْمَانَ، وَمُعَاوِيَةَ بْن حَيْدَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "كُرَاعٌ": الكُراع - بضَمِّ الكاف - يعني أنَّه يقبلُ الهَدِيَّةَ ويُجِيبُ الدَّعوةَ وإن كانَتْ أقَلَّ شيءٍ تواضُعًا منه صلى الله تعالى عليه وسلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ عَلَى مَنْ يُقْضَى لَهُ بِشَىْءٍ لَيْسَ لَهُ [أَنْ يَأْخُذَهُ]
919 -
(1339) - (3/ 615) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدَة بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنْ قَضَيْتُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، فَلَا يَأخُذْ مِنْهُ شَيْئًا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَيْسَ لَهُ": الجُملةُ صفةُ "شَيْءٍ".
• قوله: "وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ"، أي: لا أعْلمُ من الغَيبِ إلا ما أطْلَع اللهُ [عليه كما هو شأنُ البَشر].
• ["ألْحَنَ": أي أفْطَن] لها وأعرفَ بِها، وقيل أي: أقدرَ على بيان مَقْصودِه من لَحِنَ - بالكسر - إذا نَطَق بحُجَّتِه.
• وقوله: "أَقْطَعُ لَهُ مِنَ النَّارِ"، أي: أقْطَع له ما هو حَرامٌ عليه يُفْضِيْه إلى النَّار. فإن قيلَ هذا يدُلُّ على أنَّه صلى الله تعالى عليه وسلَّم قد يُقَرِّر على الخَطأ وقد أطْبَقَ الأصُولِيُّوْن على أنَّه لا يقَرِّرُ عليه.
أجيبَ: بأنَّه فيمَا حَكَم بالاجْتِهادِ، وهذا في فصلِ الخُصُوماتِ بالبَيِّنَةِ والإقْرارِ والنُّكُولِ. قال السُّبْكيُّ
(1)
: هذه قضِيَّةٌ شرطيةٌ لا تستدعِي وجودَها، بل معناها بيانُ أن ذلك جائزٌ، قال: ولم يَثْبُتْ لنا قطُّ أنَّه صلى الله تعالى عليه وسلَّم حَكم بحُكْم ثُمَّ بَانَ خلافه بوجهٍ من الوُجُوه، وقد صانَ اللهُ تعالى أحكامَ نَبِيِّه صلى الله تعالى عليه وسلَّم عن ذلك مع أنَّه لو وَقَع لم يكُنْ في ذلك محذورٌ
(2)
.
قلتُ: الحكمُ بالظَّاهر واجِبٌ عليه في مثل ذلك ولا خَطأ منه أصلًا في ذلك، وإنّما الخَطأ مِمَّن أقامَ الحُجَّةَ البَاطِلةَ، ولو سُلِّم فمِنْ أينَ عُلِم أنَّه يُقَرِّر عليه
(1)
هو: شيخ الإسلام، الفقيه المحدِّث، الحافظ المفسر، الأصولي المتكلم، اللغوي النحوي، المنطقي الجَدَلِيُّ، تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان السبكي الشافعي، والد تاج الدين السبكي، ولد مستهل صفر سنة ثلاث وثمانين وست مائة بـ"سبك"، قرأ القرآن على التقي بن الصايغ، والتفسير على العَلَم العراقي، والفقه على ابن الرفعة، والأصول على العلاء الباجي، والنحو على أبي حيان، والحديث على الشرف الدمياطي. ورحل وسمع من ابن الصواف والموازيني، وأجاز له الرشيد بن أبي القاسم، وإسماعيل بن الطبَّال وخلق. برع في الفنون، وتخرَّج به خلق في أنواع العلوم، وناظر وأقرّ له الفضلاء، وولي قضاء الشام بعد الجلال القزويني، وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية، والشامية البرَّانية، والمسرورية وغيرها. كان محقِّقا مدقِّقا نظَّارا، له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة، والدقائق والقواعد المحررَّة التي لم يُسبق إليها. صنَّف نحو مائة وخمسين كتابا، من منصفاته:"شفاء السِّقام في زيارة خير الأنام"، و"الإبهاج في شرح المنهاج"، "السيف الصقيل"، و"رفع الشقاق في مسألة الطلاق"، "السيف المسلول على من سبَّ الرسول"، "بيان الأدلة في إثبات الأهلة"، "تقييد التراجيح في صلاة التراويح"، "فتاوى السبكي"، وغيرها من الكتب النافعة. توفي بمصر سنة ست وخمسين وسبع مائة. راجع لترجمته: طبقات الشافعية الكبرى: 10/ 139، شذرات الذهب: 8/ 307، الدرر الكامنة: 3/ 63، الأعلام للزركلي: 4/ 302.
(2)
راجع: الإبهاج في شرح المنهاج للسبكي: 3/ 252.
حَتَّى يُتَوَهَّم التَّنافي بينَ هذا وبينَ القَاعِدة الأصُوْليةِ فيحتاجُ إلى الجَواب، إذْ لَيْس في الحديثِ أزيدَ من إمكانِ القَضَاءِ؟ فلعلَّه لا يقَرِّرُ على ذلك القضاءِ ويكونُ مُجرَّد الأخذِ بذلك القَضَاء مُفْضِيًا إلى النَّار في حَقِّ من يأخذُ مالَ الغَيرِ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ البَيِّنَةَ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ
920 -
(1340) - (3/ 616 - 617) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْن وَائِلِ بْن حُجْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ، وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ الحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي، فَقَالَ الكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي وَفِي يَدِي ليْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَضْرَمِيِّ:"أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ:"فَلَكَ يَمِينُهُ؟ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ، قَالَ:"لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ"، قَالَ: فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ لِيَحْلِفَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَدْبَرَ:"لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِكَ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ الله وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَالأَشْعَثِ بْن قَيْسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ وَائِلِ بْن حُجْرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "غَلَبَنِى"، أي: غَصَبَها مني.
• قوله: "فَاجِرٌ"، أي: دأبُه الكَذِبُ.
• قوله: "وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ"، أي: يَحْتَرزُ، أي: لا يمَيِّزُ بينَ الحَرامِ والحَلالِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اليَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ
921 -
(1343) - (3/ 618) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:"قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِاليَمِينِ مَعَ الشّاهِدِ الوَاحِدِ". قَالَ رَبِيعَةُ: وَأَخْبَرَنِي ابْنٌ لِسَعْدِ بْن عُبَادَةَ، قَالَ: وَجْدنَا فِي كِتَاب سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِاليَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسُرَّقَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِاليَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الوَاحِدِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِاليَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ
…
" إلخ، الجمهورُ على أن معناه أنَّه كانَ للمُدَعِّي شاهدٌ واحِدٌ فحَلَف على مُدَّعَاه بدلًا عن الشَّاهد الآخر فقَضَى له بِهما، وهذا هو ظاهرُ روايةٍ، فقَضَى بشاهدٍ ويمينٍ، ولعلَّ تأويلَه عندَ مَن لا يقولُ به أنَّه قَضَى بيَمينِ المدَّعَى عليه معَ وُجودِ شاهدٍ واحدٍ للمُدَّعِي؛ لعَدَم تَمامِ الحُجَّةِ بذلك، ويشكل عليه قَضاءٌ بشاهدٍ ويمينٍ فإنَّه صريحٌ في أن الشَّاهدَ قد قَضَى به؛ لأنَّه تَركَ الشَّاهدَ الواحدَ وقَضَى باليَمِين، ولعَلَّه يقولُ المرادُ بالشَّاهِد الجِنْس، أي: قَضَى بشاهدِ المُدِّعي تارةً وبيمينِ المُدَّعَى عليه أخْرى وهذَا معنى بعيدٌ جِدًّا. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي العَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ
922 -
(1346) - (3/ 620) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا"، أَوْ قَالَ:"شِقْصًا"، أَوْ قَالَ:"شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مِنَ المَالِ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ العَدْلِ فَهُوَ عَتِيقٌ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ". قَالَ أَيُّوبُ: وَرُبَّمَا قَالَ نَافِعٌ فِي هَذَا الحَدِيثِ، يَعْنِي:"فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَاه سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
• قوله: "مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا": المرادُ به مَن يَلْزم عِتْقُه، فخَرَج الصَّبِيُّ والمجنونُ.
• "والشِقْصُ": - بكسر الشِّين، وسكون القَاف -[أي بعضًا، ويقال له: "الشَّقِيْصُ" أيضًا] وكذا الشِّرْكُ، و - سكون الرَّاء - بمعنى النَّصيب في عينٍ مُشْتَركَةٍ.
• وقوله: "ثَمَنَهُ"، أي: ثمن البَاقِي منه.
• وقوله: "بِقِيمَةِ العَدْلِ": على الإضَافة البَيَانِيَّة، أي: بقِيْمةِ هي عَدْلٌ وسطٌ لا زيادةَ فيها ولا نَقص.
• وقوله: "فَهُوَ"، أي: فعَبْدُه ذلك عَتِيقٌ عليه، وعليه إعطاءُ القِيْمةِ لشُركَائِه و"إلا" أي: وإنْ لَم يكُنْ له من المَال ما يَبْلُغ، "فَقَدْ عَتَقَ": من العَبْد القَدْرُ الذي عَتَق بإعْتَاقِه.
923 -
(1348) - (3/ 621 - 622) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْن أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْن نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا"، أَوْ قَالَ:"شِقْصًا فِي مَمْلُوكٍ فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ يُسْتَسْعَى فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي عَرُوبَةَ نَحْوَهُ. وَقَالَ:"شَقِيصًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَكَذَا رَوَى أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْن أَبِي عَرُوبَةَ. وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ يَذْكرْ فِيهِ أَمْرَ السِّعَايَةِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي السِّعَايَةِ، فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ السِّعَايَةَ فِي هَذَا، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: إِذَا كَانَ العَبْدُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَرِمَ نَصِيبَ صَاحِبِه وَعَتَقَ العَبْدُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنَ العَبْدِ مَا عَتَقَ وَلَا يُسْتَسْعَى، وَقَالُوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ المَدِينَةِ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بْن أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ.
• قوله: "ثُمَّ يُسْتَسْعَى": الاسْتِسْعاءُ: أن يُتَكَلَّفَ الاكتسابُ والطَّلب حتى يَحْصُلَ قيمةُ نصيبِ الشَّريكِ، وقيل: لا يُسْتَغْلَي عليه في الثَّمن. ومن لا يقولُ بالاسْتِسْعاءِ بالمعنى المُتَعارَف يُفَسِّرُ بأنْ يَسْتَخْدِم عبيدَه الذي لم يعتق بقَدر مالِه ولا يُكَلِّفُه بما يَشُقُّ عليه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي العُمْرَى
924 -
(1349) - (3/ 623) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"العُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا، أَوْ مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُعَاوِيَةَ.
• قوله: "العُمْرَى": - بضمَّتَيْن، أو بفتح، فسكون - مِنْ: أعْمَرْتَه دارًا إذا أعْطَيْتَه أيَّاهَا، وقلتَ: هي لكَ عُمْرى، أي: ما دمتَ حَيًّا.
925 -
(1350) - (3/ 623 - 624) حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ المَوَارِيثُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَكَذَا رَوَى مَعْمَرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلَ رِوَايَةِ مَالِكٍ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وَلِعَقِبِهِ، وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"العُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا"، وَلَيْسَ فِيهَا لِعَقِبِهِ. وَهَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ.
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، قَالُوا: إِذَا قَالَ: هِيَ لَكَ حَيَاتَكَ وَلِعَقِبِكَ، فَإِنَّهَا لِمَنْ أُعْمِرَهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى الأَوَّلِ، وَإِذَا لَمْ يَقُلْ لِعَقِبِكَ فَهِيَ رَاجِعَةٌ
إِلَى الأَوَّلِ إِذَا مَاتَ المُعْمَرُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"العُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا". وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ قَالُوا: إِذَا مَاتَ المُعْمَرُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تُجْعَلْ لِعَقِبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "أُعْمِرَ": على بناءِ المفعول.
• وقوله: "عَقِبِهِ": - بكسر القاف، أو إسكانِها مع فتح العين وكسرها - أولادُ الإنسان.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقْبَى
926 -
(1351) - (3/ 624 - 625) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشيْمٌ عَنْ دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "العُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا، وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الرُّقْبَى جَائِزَةٌ مِثْلَ العُمْرَى، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَفَرَّقَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ، بَيْنَ العُمْرَى وَالرُّقْبَى، فَأَجَازُوا العُمْرَى وَلَمْ يُجِيزُوا الرُّقْبَى.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَتَفْسِيرُ الرُّقْبَى: أَنْ يَقُولَ هَذَا الشَّيْءُ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِنْ مُتَّ قَبْلِي فَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَيَّ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: الرُّقْبَى مِثْلُ العُمْرَى وَهِيَ لِمَنْ أُعْطِيَهَا وَلَا تَرْجِعُ إِلَى الأَوَّلِ.
• قوله: "الرُّقْبَى": يقال: أرْقَبَه الرُّقْبى وهو أنْ يقولَ لآخَر: قد وَهَبْتُ لكَ هذه الدَّار فإن متَّ قبلي رجعَتْ إليَّ، وإن متُّ قبلَك فهي لكَ، من المُراقَبة؛ لأنَّ كُلًّا منهما يَرقب موتَ صاحبِه.
بَابُ مَا ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصُّلْحِ بَيْنَ النَّاسِ
927 -
(1352) - (3/ 625 - 626) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرِو بْن عَوْفٍ المُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إِلَّا صُلْحًا": في بعضِ النُّسَخ: "صلحٌ" بالرَّفع، وكأنَّه بتقدير: أي: فلا يُحَرَّم إلا صلحٌ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَضَعُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ خَشَبًا
928 -
(1353) - (3/ 626 - 627) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدَكُمْ جَارُهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ فَلَا يَمْنَعْهُ"، فَلَمَّا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ طَأْطَأُوا رُؤُوسَهُمْ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَالله لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْهُمْ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، قَالُوا: لَهُ أَنْ يَمْنَعَ جَارَه أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ، وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ.
• قوله: "أَحَدَكُمْ": - بالنَّصب - والفاعل جارُه.
• قوله: "عَلَى خَشَبَةٍ": بالإضَافةِ إلى الضَّمير أو بتاءِ الوَحْدةِ روايتان يَجِب على الجَار أنْ يَسْمَحَ بِها بخلافِ الخَشَب الكثير. قيل: المرادُ بالوحْدَة: الجِنْسُ، فيَتَّحِدُ معنى الرِّوَايتين.
• "طَأْطَأُوا رُؤوسَهُمْ"، أي: نَكَسُوْها.
• وقوله: "مُعْرِضِينَ"، أي: عَمَّا ذكرتُ لهم.
• "لأرْمِيَنَّ بِهَا"، أي: بِهذه المَقَالة، "بَيْنَ أكْتَافِهم"
(1)
: بالتَّاء جمعُ كتفٍ
(1)
هكذا في المخطوط، وفي الترمذي كما ذكر في متن الحديث.
بمعنى الجَانب، أي: لأشِيْعَنَّ هذه المقالةَ فيكم بحيثُ تَصيرُ كأنَّه بينَ [أكتَافِهم]
(1)
فلا يمكنُ لكم أنْ تغفلوا عنها، أو الضَّميرُ للخَشْبة، والمعنى: إن رَضِيْتُم بِهذا الحُكمِ وإلا لأجْعَلنَّه بينَ رقَابِكم كارِهين، والمرادُ المبالغةُ في إجْراءِ هذَا الحُكم فِيهم وإنْ ثَقُل عليهم على هذا الوَجْه، قيلَ وقع ذلك من أبي هريرة حينَ كان واليًا على المدينةِ.
• قوله: "قَالُوا
…
" إلخ، أي: وحَمَلوا النَّهْي على التَّنَزُّه.
(1)
هكذا في المخطوط، ولكنه لا يناسب سوق الكلام، والصحيح:"بين أكتافكم".
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ اليَمِينَ عَلَى مَا يُصَدِّقُهُ صَاحِبُهُ
929 -
(1354) - (3/ 627) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ المَعْنَى وَاحِدٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اليَمِينُ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ"، وقَالَ قُتَيْبَةُ:"عَلَى مَا صَدَّقَكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي صَالِحٍ هُوَ أَخُو سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي صَالِحٍ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قال: إِذا كَانَ المُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الحَالِفِ، وَإِذَا كَانَ المُسْتَحْلِفُ مَظْلُومًا فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الَّذِي اسْتَحْلَفَ.
• قوله: "اليَمِينُ مَا يُصَدِّقُكَ
…
" إلخ، أي: لا ينفعُ الحِيلةُ في اليَمِين بأنْ يريدَ الحالفُ به غيرَ ما يُسْتَحْلَفُ عليه، بل يَقَعُ اليمينُ على ما يُسْتَحْلفُ عليه سواءً أرادَ الحالفُ ذلك أو لا، ولعلَّ مَحَلَّ الحديثِ هو ما ذكره النَّخعِيُّ
(1)
- والله تعالى أعلم -، والإطلاقُ مَبْنِيٌّ على العادةِ، فإنَّ العادةَ هو أنْ يُسْتَحْلَفَ المظلومُ لا الظَّالمُ.
(1)
وهو قول إبراهيم النخعي المذكور في متن الحديث.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الطَّرِيقِ إِذَا اخْتُلِفَ فِيهِ كَمْ يُجْعَلُ؟
930 -
(1355) - (3/ 628) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ المُثَنَّى بْن سَعِيدٍ الضُّبَعِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ بَشِيرِ بْن نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلُوا الطَّرِيقَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ".
• قوله: "اجْعَلُوا الطَّرِيقَ
…
" إلخ، هذا المُطْلق محمولٌ على المُقَيَّدِ في الحديثِ الآتِي وهو: "إذَا تَشَاجَرْتُمْ"، أي: اختلفتُمْ كما في روايةِ مسلم
(1)
، أي: إذَا كان أرضٌ لقومٍ وأرادُوا إحياءَها وعمارتَها، فإنِ اتَّفَقُوا في الطَّريق على شيءٍ فذاك وإلا فيجعلوا عَرْضَ طَريْقِهم سَبْعَةَ أذْرُعٍ لدُخول الأحْمالِ والأثْقال وخُرُوجِها.
(1)
وهو ما رواه الإمام مسلم، فقال: حدثني أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري، حدثنا عبد العزيز بن المختار، حدثنا خالد الحذاء عن يوسف بن عبد الله عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيْقِ جُعِلَ عَرْضُه سَبَعَ أذْرُعٍ". راجع: صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب قدر الطريق إذا اختلفوا فيه، ح:1613.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الوَالِدَ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ
931 -
(1358) - (3/ 630 - 631) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ بْن عُمَيْرٍ، عَنْ عَمَّتِهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ عُمَارَةَ بْن عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا: عَنْ عَمَّتِهِ عَنْ عَائِشَةَ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: إِنَّ يَدَ الوَالِدِ مَبْسُوطَةٌ فِي مَالِ وَلَدِهِ يَأْخُذُ مَا شَاءَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ إِلَّا عِنْدَ الحَاجَةِ إِلَيْهِ.
• قوله: "إِنَّ أَطْيَبَ
…
" إلخ، الطيِّب: الحلالُ، والتَّفضيلُ فيه بناءً على بُعْدِه عن الشُّبْهات ومَظانِّها. و"الْكَسْبُ": السَّعْيُ في تَحصيل الرِّزْق وغيرِه، والمرادُ: المَكْسوبُ الحاصلُ بالطَّلَب والجِدِّ في تَحْصيلِه بالوَجْهِ المَشْرُوع، ووَلَدُ الإنسانِ مِنْ كَسْبِه، أي: منَ المَكْسُوب الحاصلِ بالجِدَّ والطَّلَب ومُباشَرةِ أسْبابِه، ومالُ الوَلَد من كسبِ الوَلَد، فصارَ من كسبِ الإنسانِ بوَاسِطَةٍ فجازَ له أكلُه.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يُكْسَرُ لَهُ الشَّيْءُ مَا يُحْكَمُ لَهُ مِنْ مَالِ الكَاسِرِ؟
932 -
(1359) - (3/ 631 - 632) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَهْدَتْ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا فِي قَصْعَةٍ، فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ القَصْعَةَ بِيَدِهَا فَأَلْقَتْ مَا فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"طَعَامٌ بِطَعَامٍ، وَإِنَاءٌ بِإِنَاءٍ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "القَصْعَةَ": هي إناءٌ معروفٌ.
• وقوله: "فَأَلْقَتْ": فيه اختصارٌ، أي: وكَسَرَتِ القَصعةَ، فأرسَل قصعةَ عائشةَ إليها، فلعلَّ قصعةَ عائشةَ كانت كقَصْعَتِها في القِيمة، أو أن القَصْعَتَين كانتا ملكًا له صلى الله عليه وسلم، وإنَّما أرادَ بما فعلَ جَبْرَ الخَاطر فلا يَضُرُّ التَّفاوُت بينَهما. والله تعالى أعلم.
933 -
(1360) - (3/ 632). حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: اسْتَعَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَصْعَةً فَضَاعَتْ، فَضَمِنَهَا لَهُمْ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَإِنَّمَا أَرَادَ عِنْدِي سُوَيْدٌ الحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَحَدِيثُ الثَّوْرِيِّ أَصَحُّ. اسْمُ أَبِي دَاوُدَ: عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ.
• قوله: "فَضَمِنَهَا لَهُمْ"، أي: أعطَاهم بدله.
بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ بُلُوْغِ الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ
934 -
(1361) - (3/ 632 - 633) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَزِيرٍ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَيْشٍ وَأنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يَقْبَلْنِي، فَعُرِضْتُ عَلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ فِي جَيْشٍ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَقَبِلَنِي. قَالَ نَافِعٌ: وَحَدَّثْتُ بِهَذَا الحَدِيثِ عُمَرَ بْنَ عَبْد العَزِيزِ، فَقَالَ: هَذَا حَدُّ مَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، ثُمَّ كَتَبَ أَنْ يُفْرَضَ لِمَنْ يَبْلُغُ الخَمْسَ عَشْرَةَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ كَتَبَ أَنَّ هَذَا حَدُّ مَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ وَذَكَرَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ نَافِعٌ: فحَدَّثْنَا بِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْد العَزِيزِ، فَقَالَ: هَذَا حَدُّ مَا بَيْنَ الذُّرِّيَّةِ وَالمُقَاتِلَةِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ يَرَوْنَ أَنَّ الغُلَامَ إِذَا اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرِّجَالِ، وَإِنِ احْتَلَمَ قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرِّجَالِ. وقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: البُلُوغُ ثَلَاثَةُ مَنَازِلَ بُلُوغُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوِ الاحْتِلَامُ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ سِنُّهُ وَلَا احْتِلَامُهُ فَالإِنْبَاتُ يَعْنِي العَانَةَ.
• قوله: "عُرِضْتُ": على صيغةِ المُتَكَلِّم على بناءِ المفعول من العَرْضِ بمعنى الإظْهار.
• وقوله: "فَلَمْ يَقْبَلْنِي"، أي: لم يَرْضَ بخُرُوجِي معَ العَسْكر، والفاءُ في "فَعُرِضْتُ" لمُجَرَّدِ التَّراخِي، لا للتَّراخِي بلا مُهْلَةٍ.
بَابٌ مَا جَاءَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبيهِ
935 -
(1362) - (3/ 634) حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: مَرَّ بِي خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَمَعَهُ لِوَاءٌ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: بَعَثَني رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَنْ آتِيَهُ بِرَأْسِهِ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ قُرَّةَ المُزَنِيِّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ البَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن يَزِيدَ، عَنِ البَرَاءِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ البَرَاءِ، عَنْ أَبِيهِ. وَرُوِي عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ البَرَاءِ، عَنْ خَالِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ": على عادةِ أهل الجَاهلِيَّةِ فإنَّهم كانُوْا يَتَزَوَّجُونَ بأزْواج آبائِهم ويعدُّوْدن ذلك من بابِ الإرْث، ولذا ذكر النَّهي عن ذلك بخصوصِه بقوله:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ}
(1)
مبالغةً في الزَّجْر عن ذلك، فالرَّجُل سلكَ مَسْلَكَهم في عدِّ ذلك حلالًا، فصارَ مُرْتَدًّا فقُتِل لذلكَ، وهذا تأويلُ الحديثِ عند [مَنْ] لا يقولُ بظاهره.
(1)
النساء: 22.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلَيْن يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الآخَر فِي المَاءِ
936 -
(1363) - (3/ 636 - 635) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عرْوَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أن عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أن رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شِرَاجِ الحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ المَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِ فَاخْتَصَمُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ:"اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ المَاءَ إِلَى جَارِكَ"، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:"يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حَتَّى يَرْجعَ إِلَى الجَدْرِ"، فَقَالَ الزُّبَيْرُ:"وَاللهِ إِنِّي لأَحْسِبُ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ": {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}
(1)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْن الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ، وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ نَحْوَ الحَدِيثِ الأَوَّلِ.
(1)
النساء:65.
• قوله: "مِنَ الأَنْصَارِ": وفي روايةٍ: "قَدْ شَهِدَ بَدْرًا"
(1)
وهذا دليل على أنَّه كان مُؤمِنًا لا منافقًا كما قيل، إذ اسمُ الأنصارِ لم يَتَعَارَفْ بينَ السَّلَف في أهل النِّفاق، فإنَّه صفةُ مدحٍ سِيَّما أهل بدرٍ.
• و "الشِرَاجِ": بكسر الشِّين المُعجمة وآخرُه جيمٌ، جمع شَرْجَةٍ - بفتح، فسكون - وهي مسائلُ الماءِ بالحَرَّة: وهي الأرضُ ذاتُ الحِجَارة السُّوْد.
• وقوله: "سَرِّحِ المَاءَ": من التَّسريح، أي: أرْسِلْه.
• وقوله: "اسْقِ": قيل: بفتح الهمزة أو كسرها.
• وقوله: "أَنْ كانَ": بفتحِ الهَمزةِ على أنَّها حرفٌ مَصْدَرِيٌّ، أي: حكمتَ به لكونِه ابنَ عَمَّتِك، ورُوِيَ بالكسر على أنَّه مُخَفَّفُ "إنَّ"، والجملةُ استينافٌ في موضع التَّعليلِ.
• قوله: "فَتَلَوَّنَ"، أي تغيَّر وظَهَر فيه أثرُ الغَضَب مِمَّا سَمِع منه.
• وقوله: "إِلَى الجَدْرِ": - بفتح الجيم وكسرها، وسكون الدَّال المُهملة - وهو الجِدار، قيل: المرادُ به ما رُفِع حولَ المَزْوعة كالجِدار، وقيل: أصولُ الشَّجر، والأقربُ أن المرادَ به جدارُ الحائطِ.
أمَرَه صلى الله تعالى عليه وسلَّم بالإيثَار والمُسَامَحةِ بأنْ يَسْقِى شيئًا يَسيرًا ثُمَّ يُرْسِله إلى جارِه، فلمَّا قال الأنصاريُّ ما قال وجَهِل موضعَ حَقِّه أمَرَه بأنْ يأخذَ تَمامَ حَقِّه وَيسْتَوْفِيَه فإنَّه أصلحُ له وفي الزَّجْر أبلغُ، وقولُ الأنصاريِّ ما قال زَلَّةٌ منَ الشَّيطانِ بالغَضَب. والله تعالى أعلم.
(1)
راجع: صحيح البخاري، كتاب الصلح، باب: إذا أشار الإمام بالصلح فأبى حَكَم عليه بالحُكْم البَيِّن، ح:2708.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يُعْتِقُ مَمَالِيكَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ [وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ]
937 -
(1364) - (3/ 637 - 636) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي المُهَلَّب، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ مَوْتهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، "فَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا ثُمَّ دَعَاهُمْ فَجَزَّأَهُمْ، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً".
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٌ. قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَول مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ يَرَوْنَ اسْتِعْمَالَ القُرْعَةِ فِي هَذَا وَفِي غَيْرهِ. وَأَمَّا بَعْضُ أَهْل العِلْم مِنْ أَهْل الكُوفَةِ وَغَيْرهِمْ فَلَمْ يَرَوْا القُرْعَةَ، وَقالوا: يُعْتَق مِنْ كُلِّ عَبْد الثُّلُثُ وَيُسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ. وَأَبُو المُهَلَّبِ اسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الجَرْمِيُّ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي قِلَابَةَ، وَيُقَالُ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو. وَأَبُو قِلَابَةَ الجَرْمِيُّ اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ.
• قوله: "أَعْبُدٍ": - بضَمِّ الباء - جمعُ عبدٍ.
• قوله: "فَقَالَ لَهُ"، أي: فيه، أي: في شأنِه قولًا شديدًا، فُسِّر في بعض الرِّوايات أنَّه قال:"قَدْ هَمَمْتُ أنْ لا أصَلِّيَ عَلَيْه"
(1)
، أو "لَوْ عَلِمْنَا مَا صَلَّيْنَا
(1)
راجع: سنن النسائي، كتاب الجنائز، باب الصلاة على من يحيف في وصيته، ح:1960.
عَلَيْه"
(1)
.
• قوله: "فَجَزَّأَهُمْ": هو بتَشديد الزَّاء وتَخْفِيْفِها وفي آخره همزةٌ، أي: فرَّقَهم أجزاءً ثلاثةً، وهذا مَبْنِيٌّ على تَسَاوي قِيْمَتِهم، وقد استبعدَ مَنْ لا يقولُ به من حيث أن يكونَ للرَّجُل سِتَّةُ أعبدٍ ولا شيءَ له غير ذلك، ومن حيث تَسَاويهم في القيمةِ. قلتُ: لجوَاز أنَّه ما بَقِي بعدَ الفراغ من تَجْهيزِه وتَكْفِينِه وقَضَاءِ دُيُونِه إلا ذلك، وأمَّا تَسَاوي كثيرٍ في القِيمةِ فغيرُ عزيزٍ، وبمثله لا يُرَدُّ الحديثُ إذا صَحَّ.
(1)
راجع: مسند الإمام أحمد بن حنبل: 33/ 211، ح: 20009، والسنن الكبرى للبيهقي: 6435، ح:12550.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ
938 -
(1365) - (3/ 638 - 637) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ مُسْنَدًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عُمَرَ شَيْئًا مِنْ هَذَا، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ العَمِّيُّ البَصْرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ فِي هَذَا الحَدِيثِ عَاصِمًا الأَحْوَلَ عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، غَيْرَ مُحَمَّدِ بْن بَكْرٍ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَقَدْ رُوِيَ. عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ"، رَوَاه ضَمْرَة بْنُ رَبِيعَةَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ ويُتَابَعْ ضَمْرَة عَلَى هَذَا الحَدِيثِ، وَهُوَ حَدِيثٌ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ.
• قوله: "مَحْرَمٍ": بالجَرِّ على الجوار لأنَّه صفة ذَا رَحِمٍ لا مُحرَم، وهو منصوبٌ، وضمير "فَهُوَ" لـ"ذَا رَحِم" لا لـ"مَنْ"، وعلى هذا فـ"مَنْ" شرطيةٌ مبتدأ، خبرُه الجملةُ الشَّرطِيَّةُ لا الجملةُ الجَزائيَّةُ كما ذكر كثيرٌ من المُحَقِّقِينَ، فلا يلزَم خُلُوُّ الجملةِ الجزائيةِ عن العائدِ، وإنْ جُعِلَت الجملةُ الجزائيةُ خبرًا، أو جُعِلَتْ "مَنْ" موصولةً، فلا بدَّ من القَول بتَقديرِ العائدِ، أي: فهو مُعْتَقٌ عليه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النُّحْلِ وَالتَّسْويَةِ بَيْنَ الوَلَدِ
939 -
(1367) - (3/ 640 - 641) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْن عَلِيٍّ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنٍ المَعْنَى وَاحِدٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْن النُّعْمَانِ بْن بَشِيرٍ يُحَدِّثتانِ عَنِ النُّعْمَانِ بْن بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاه نَحَلَ ابْنًا لَهُ غُلَامًا فَأتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُشْهِدُه، فَقَالَ:"أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ هَذَا؟ "، قَالَ: لا، قَالَ:"فَارْدُدْهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْن بَشِيرٍ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ التَّسْوِيةَ بَيْنَ الوَلَدِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَوِّي بَيْنَ وَلَدِهِ حَتَّى فِي القُبْلَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَوِّي بَيْنَ وَلَدِهِ فِي النُّحْلِ وَالعَطِيَّةِ، يَعْنِي الذَّكرُ وَالأُنْثَى سَوَاءٌ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الوَلَدِ أَنْ يُعْطَى الذَّكَرُ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ مِثْلَ قِسْمَةِ المِيرَاثِ، وَهُوَ قَول أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "النُّحْلِ": - بضم، فسكون - مصدرُ نَحَلْتَه، أي: أعطيتَه بلا عِوَضٍ، وبكسر [ففتح]
(1)
: نِحْلةٌ قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}
(2)
أي: هِبةً من الله تعالى وفريضةً عليكم.
(1)
كذا في المخطوط، والصحيح:"فسكون".
(2)
النساء:4.
• قول: "غُلَامًا"، أي: عبدًا.
• قوله: "أكُلَّ وَلَدِكَ": - بِهمزة الاستفهامِ - ونصبِ: "كُلّ" على الإضْمار على شَريْطةِ التَّفسير، ويحتملُ الرَّفعَ على الابتداءِ خبرُه ما بعدَه، ولفظُ الولدِ يَشْمَل الذَّكرَ والأنثى، فمُقْتَضاه التَّسْويَةُ بينَهما في العَطِيَّة، وروايةُ:"أكُلَّ بَنِيْكَ"
(1)
محمولةٌ على التَّغليبِ إن كان له إناثٌ.
(1)
كما في صحيح مسلم، كتاب الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة، ح: 1623، وسنن أبي داود، كتاب البيوع والإجارات، باب في الرجل يُفَضِّل بعضَ ولدِه في النُّحْل، ح:3542.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشُّفْعَةِ
940 -
(1368) - (3/ 641 - 642) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ الشَّرِيدِ، وَأَبِي رَافِعٍ، وَأَنَسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ حَدِيثُ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَلا نَعْرِفُ حَدِيثَ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْن يُونُسَ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْن الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا البَابِ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْن مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْن الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ كِلَا الحَدِيثَيْنِ عِنْدِي صَحِيحٌ.
• قوله: "أَحَقُّ بِالدَّارِ"، أي: أحقُّ بشِرائِها إذا بِيْعَتْ من غيرِه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشُّفْعَةِ لِلْغَائِب
941 -
(1369) - (3/ 643 - 642) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، يُنْتَظَرُ بِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الحَدِيثَ غَيْرَ عَبْد المَلِكِ بْن أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي عَبْدِ المَلِكِ بْن أَبِي سُلَيْمَانَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الحَدِيثِ، وَعَبْدُ المَلِكِ هُوَ ثِقَةٌ مَأمُونٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ لا نَعْلَمُ أَحَدًا تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرَ شُعْبَةَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى وَكيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ هَذَا الحَدِيثَ، وَرُوِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: عَبْد المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ مِيزَانٌ، يَعْنِي: فِي العِلْمِ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ الرَّجُلَ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، فَإِذَا قَدِمَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ.
• قوله: "فَإِذَا قَدِمَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ
…
" إلخ، يفيدُ أنْ ليسَ معنى قولِه: "يُنْتَظَرُ بِهِ": أن البائعَ ينتظره ولا يبيعُ، وإنَّما معناه أن المشتريَ ينتظر في حَقِّ قَطْعِ الشُّفْعةِ ويحتاجُ إلى إذْنِه في ذلك، لكنَّ أحاديثَ الإذْنِ ظاهرُها أن البائعَ يحتاجُ إلى الإذنِ ولا يحِلُّ له البيعُ بدونِه، لكنَّ العلماءَ حَمَلوهَا على كَراهِيَّةِ البَيعِ - والله تعالى أعلم -، وقالُوا: المكروهُ يصدُق عليه. أنَّه لا يحلُّ، إذ الحلالُ هو المُباحُ وهو مستوى الطَّرفين.
بَابُ [مَا جَاءَ] إذَا حُدَّتِ الحُدُودُ وَوَقَعَتِ السِّهَامُ فَلَا شُفْعَةَ
942 -
(1370) - (3/ 643 - 644) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَبِهِ يَقُولُ بَعْضُ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ، مِثْلَ: عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَول أَهْلِ المَدِينَةِ، مِنْهُمْ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: لا يَرَوْنَ الشُّفْعَةَ إِلَّا لِلْخَلِيطِ، وَلا يَرَوْنَ لِلْجَارِ شُفْعَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ خَلِيطًا.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ، وَاحْتَجُّوا بِالحَدِيثِ المَرْفُوعِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالذَّارِ"، وَقَالَ:"الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ"، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ.
• قوله: "إِذَا وَقَعَت"، أي: الشُّفعةُ إنَّما هي ما دَامَتِ الأرضُ مشتركةً بينَهم وأمَّا إذا قُسِّمَتْ، وعُيِّنَ لكلِّ منهم سَهْمُه، وجُعِلَ لكُلِّ قِطعةٍ طريقٌ مفردةٌ فلا شُفْعةَ.
• قوله: "أحَقُّ بِسَقْبِه": السَّقَبُ - بفتحتين - القُرْبُ، وباء "بِسَقْبَه" صلةُ "أحَقُّ" لا للسَّبَب، أي: الجارُ أحَقُّ بالدَّار السَّابقَةِ، أي: القَريبةِ، ومن لا يقولُ بشُفْعِةِ الجَار يؤوِّلُه بحملِ الجَار على الشَّريكِ فإنَّه يُسَمَّى جارًا بحَمْل الباءِ على السَّبَبِيَّةِ، أي: أحَقُّ بالبِرِّ والمَعُونَةِ بسبب قُرْبِه من جارِه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اللُّقَطَةِ وَضَالَّةِ الإِبِلِ وَالغَنَمِ
• "اللُّقَطَة": - بضَمٍّ، ففتح أو سكون - الشَّيءُ الذي يُلْتقَطُ.
943 -
(1372) - (3/ 647 - 646) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى المُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنيِّ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ:"عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّها فَأَدِّهَا إِلَيْهِ"، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَضَالَّةُ الغَنَمِ؟ فَقَالَ: "خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاه أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ:"مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاءهَا حَتَّى تَلْقَى رَبَّهَا".
حَدِيثُ زَيْدِ بْن خَالِدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَحَدِيْثُ يَزِيْدَ مَوْلَى المُنْبَعِثِ عَنْ زَيْد بْنِ خَالِدٍ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
944 -
(1373) - (3/ 647 - 649) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْن سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ:"عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ اعْتُرِفَتْ فَأَدِّهَا، وَإِلَّا فَاعْرِفْ وِعَاءَهَا وَعِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا ثُمَّ كُلْهَا، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَالجَارُودِ بْنِ
المُعَلَّى، وَعِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ زَيْدِ بْنُ خَالِدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا البَابِ هَذَا الحَدِيثُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَرَخَّصُوا فِي اللُّقَطَةِ إِذَا عَرَّفَهَا سَنَةً فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَغَيْرِهِمْ: يُعَرِّفُهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، وَهُوَ قَول أَهْلِ الكُوفَةِ: لَمْ يَرَوْا لِصَاحِبِ اللُّقَطَةِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا إِذَا كَانَ غَنِيًّا.
وقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْتَفِعُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لِأَنَّ أُبَيَّ بْنِ كَعْبٍ أَصَابَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَأَمَرَه رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَرِّفَهَا ثُمَّ يَنْتَفِعَ بِهَا، وَكَانَ أُبَيٌّ كَثَيرَ المَالِ مِنْ مَيَاسِيرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَرِّفَهَا فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، فَأَمَرَه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْكُلَهَا، فَلَوْ كَانَتِ اللُّقَطَةُ لَمْ تَحِلَّ إِلَّا لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ لَمْ تَحِلَّ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَصَابَ دِينَارًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَرَّفَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَكلِهِ، وَكَانَ لا يَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ.
وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِذَا كَانَتِ اللُّقَطَةُ يَسِيرَةً أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا وَلا يُعَرِّفَهَا. وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا كانَ دُونَ دِينَارٍ يُعَرِّفُهَا قَدْرَ جُمْعَةٍ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْن إِبْرَاهِيمَ.
945 -
(1374) - (3/ 649) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْن عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْن كهَيْلٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْن غَفَلَةَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ زَيْدِ بْن صُوحَانَ، وَسَلْمَانَ بْن رَبِيعَةَ فَوَجَدْتُ سَوْطًا، قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ: فَالتَقَطْتُ سَوْطًا فَأَخَذْتُهُ، قَالَا: دَعْهُ، فَقُلْتُ: لا أَدَعُهُ تَأْكُلْهُ السِّبَاعُ، لآخُذَنَّهُ فَلأَسْتَمْتِعَنَّ بِهِ، فَقَدِمْتُ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ وَحَدَّثْتُهُ الحَدِيثَ، فَقَالَ: أَحْسَنْتَ، وَجَدْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لِي:"عَرِّفْهَا حَوْلًا"، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، فَمَا أَجِدُ مَنْ يَعْرِفُهَا ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ:"عَرِّفْهَا حَوْلًا آخَرَ"، فَعَرَّفْتُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ:"عَرِّفْهَا حَوْلًا آخَرَ"، وَقَالَ:"أَحْصِ عِدَّتَهَا، وَوِعَاءَهَا، وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا فَأَخْبَرَكَ بِعِدَّتِهَا، وَوِعَائِهَا، وَوِكَائِهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "صُوحَانَ": ضُبِطَ بضَمِّ الصَّادِ.
• قوله: "فَوَجَدْتُ سَوْطًا": في القَاموس: السَّوطُ من القَديدِ فَضْلُه
(1)
.
وهذا المعنى هو المُناسِب بقوله: "تأكُلُه السِّبَاعُ" لا المَعنى المُتعارَف وهو آلةُ الضَّرْبِ، وحَمْلُه على المعنى المُتَعارَفِ يَحتَاجُ إلى أنْ يُرادَ بِالسِّبَاعِ: مَنْ على صِفَةِ السِّباعِ مِنَ النَّاس، أي: يأخُذُه مَنْ لا يرُدُّ على صَاحِبه إنْ وُجِدَ صاحِبُه.
• قوله: "عَرِّفْهَا": من التَّعريفِ.
• وقوله: "مَنْ يَعْرِفُهَا": من المَعْرِفَة، وهذا الحديثُ يَقْتَضي التَّعريفَ ثلاثَ سِنين وقلَّ مَنْ ذَهَب إليه، وإنَّما أخَذُوْا بالسَّنَة الوَاحِدةِ كما في الحديثِ
(1)
راجع: القاموس المحيط للفيروزآبادي: 672.
الآتِي؛ وذلك إمَّا لأنَّ الحديثَ شَكَّ فيه الرَّاوي بينَ الثلاثةِ والواحدِ كما في مسلم
(1)
فطَرحُوا بِها لمكانِ الشَّكِّ، أو لأنَّه يحتملُ أن التَّعريفَ في المُدَّةِ الأوْلى والثَّانيةِ لم يَقَعْ على وَجْهِه فأمِرَ بالإعَادةِ، وهذا بعيدٌ من مثل أبَيٍّ الذي هو من فُقَهاءِ الصَّحابةِ وفُضَلائِهم، أو لأنَّه محمولٌ على الاحتياطِ، والواجبُ هو السَّنَةُ الواحدة كما يُفيدُه الحديثُ الآتي. والله تعالى أعلم.
• قوله: "العِفَاص": - بكَسْر العين وبالفاء - هو الوِعَاء، والعطفُ للتَّفسير.
• وقوله: "اسْتَنْفِقْ بِهَا"، أي: أنْفِقْها على نفسِك وتمَلَّكْها. وقيل: تصدَّقْ بِها.
• قوله: "لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ": إن أخِذَتْ، "أَوْ لِلذِّئْبِ"، أي: إن لم تُؤْخَذْ، والمقصودُ [بالإذن]
(2)
في أخذها.
• قوله: "الوَجْنَةُ": - بفتح الواو وقد تُضَمُّ وتكسر - اللَّحم المُرتِفُع من الخَّدَيْن، كأنَّه صلى الله تعالى عليه وسلَّم كَرِه السُّؤالَ عن أخْده مع ظهور عَدمِ الحَاجة إليه، ومالُ الغَير لا يُبَاحُ أخذُه إلا للْحَاجَةِ.
• قوله: "حِذَاؤُهَا": - بكسر، والذَّالِ المُعجمَةِ - أْي: خِفَافُها، فَتَقْوَى بِها على السَّير وقَطع البِلادِ البعيدةِ.
• قوله: "وَسِقَاؤُهَا": - بكسر - السِّين - أريدَ به الجَوفُ، أي: حيثُ وَرَدَتِ الماءْ شرِبَتْ ما يكفيهَا حتَّى تَرِدَ ماءً آخر.
(1)
راجع: صحيح مسلم، كتاب اللقطة، ح:1723.
(2)
هكذا في المخطوط، والصحيح "والمقصود: الإذن في أخذها".
• وقوله: "حَتَّى تَلْقَى رَبَّهَا": غايةٌ لمحذوفٍ، أي: فاتْرُكْها تَلْقَى، أو فتأكُل وتَشْرب حتَّى تَلْقى رَبَّها.
• قوله: "أَحْصِ": أمرٌ من الإحْصَاء بمعنى الحِفْظ. و"الْوِعَاءُ": - بالكسر - الذي فيه الدَّراهمُ من جِلْدٍ أو غيره. و"الْوِكَاءُ": - بالكسر - هو الخَيْطُ الذي يُشَدُّ به الوِعاءُ، وظاهرُ الحديثِ أنَّه يُعرف ذلك بعدَ التَّعريفِ في المَرَّةِ الثَّانِيةِ وسيجيءُ التَّصريحُ به، وهذا يفيدُ أن معرفةَ الوِعَاء ونحوَه بعدَ التَّعريفِ، وكثيرٌ من الرِّواياتِ يُفِيدُ تقديمَ المَعرفةِ على التَّعريفِ، وأجيبَ بأنَّ هذه معرفةٌ أخرى، ولكونُ مأمورًا بمَعْرِفَتَيْن، فيعرِّفُها أوَّلَ ما يَلْتَقِطُها حتى يُعْلمَ صدقُ واصِفِها، فإذَا عرَّفَها سَنَةً وأرادَ تَمَلُكَّها يَتَعَرَّفُها أيضًا مرَّةً أخرى تعرُّفًا وافِيًا ليَرُدَّها على صَاحِبها إن جاءَ بعدَ تَمَلُّكِها.
• قوله: "فَإِنْ اعْتُرِفَتْ": على بناءِ المفعولِ، وضميرُه للُقْطَةٍ، أي: عرَفها صاحبُها.
بَاب مَا جَاءَ فِي الوَقْفِ
946 -
(1375) - (3/ 650 - 651) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَصَبْتُ مَالًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فمَا تَأمُرُنِي، قال:"إِنْ شِئتَ حَبَسْتَ أصْلهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا"، فَتَصَدَّق بِهَا عمَرُ أَنَّهَا لا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلا يُوهَبُ وَلا يُورَثُ، تَصَدَّقَ بِهَا فِي الفُقَرَاءِ وَالقُرْبَى وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَليَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ.
قَالَ: فَذَكَرْتُهُ لِمُحَمَّدِ بْن سِيرِينَ فَقَالَ: غَيْرَ مُتَأثِّلِ مَالًا. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فحَدثَنِي بهِ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ قرَأَهَا فِي قِطعَةِ أدِيمٍ أحْمَرَ غيْرَ مُتَأَثِّلِ مَالًا. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: وَأَنَا قَرَأْتُهَا عِنْدَ ابْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَكَانَ فِيهِ غَيْرَ مُتَأثِّلٍ مَالًا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ لا نَعْلَمُ بَيْنَ المُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي إِجَازَةِ وَقْفِ الأَرَضِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
• قوله: "وَتَصَدَّقْتَ بِهَا"، أي: بثَمْرتِها.
• وقوله: "أَنَّهَا"، أي: على أنَّها لا يباع أصلُها.
• قوله: "معْرُوف"، أي: المُعتادُ.
• قوله: "غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيْهِ"، أي: غير مُتَّخِذٍ منه مالا.
• وقوله: "مُتَأثِّلٍ": من تأثَّل - بتشديد الثَّاء - أي: غير جامعٍ مالا.
• قوله: "لا نَعْلَمُ بَيْنَ المُتَقَدِّمِينَ": كأنَّه أشارَ إلى أن خلافَ من خالفَ مُخالفٌ لإجماع من سَبَق من المُتَقَدِّمِين.
947 -
(1376) - (3/ 651) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ"، أي: انْقَطعَ عنه الثَّوابُ من أعمالِه إلا من ثلاثٍ، وعَدَّ الولدَ من عَمَلِه؛ لأنَّه حَصَله بواسطةِ سَعْيِه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي العَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ
948 -
(1377) - (3/ 652 - 653) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "العَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ". حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المُزَنِيِّ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ عَنْ مَعْنٍ قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. وَتَفْسِيرُ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "العَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ"، يَقُولُ: هَدَرٌ لَا دِيَةَ فِيهِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَمَعْنَى قَوْلهِ: "العَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ"، فَسَّرَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ قَالُوا: العَجْمَاءُ: الدَّابَّةُ المُنْفَلِتَةُ مِنْ صَاحِبِهَا، فَمَا أَصَابَتْ فِي انْفِلَاتِهَا فَلا غُرْمَ عَلَى صَاحِبِهَا. وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ يَقُولُ: إِذَا احْتَفَرَ الرَّجُلُ مَعْدِنًا فَوَقَعَ فِيهَا إِنْسَانٌ فَلا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ البِئْرُ إِذَا احْتَفَرَهَا الرَّجُلُ لِلسَّبِيلِ، فَوَقَعَ فِيهَا إِنْسَانٌ فَلا غُرْمَ عَلَى صَاحِبِهَا، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ. وَالرِّكَازُ: مَا وُجِدَ فِي دَفْنِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ فَمَنْ وَجَدَ رِكَازًا أَدَّى مِنْهُ الخُمُسَ إِلَى السُّلْطَانِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَهُ.
• قوله: "العَجْمَاءُ جَرْحُهَا": البهيمةُ. "والجَرْحُ": - بالفتح - مصدرٌ وهو المرادُ، وبالضَّمِّ اسمٌ منه. "والجُبَار": - بضم وخِفَةِ باءٍ - الهَدْرُ. "وَالمَعْدِنُ": بكسر الدَّال. "وَالرِّكَازُ": بكسر الرَّاء.
بَابُ مَا [ذُكِرَ] فِي إحْيَاءِ أَرْضِ المَوَاتِ
949 -
(1387) - (3/ 653 - 654) حَدَّتئَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْن زيْدٍ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ أَحْيَا أَرضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَدا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رَوَاه بَعْصهُمْ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَولُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قَالُوا: لَهُ أَنْ يُحْيِيَ الأَرْضَ المَوَاتَ بِغَيْرِ إِذْنِ السُّلْطَانِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْيِيَهَا إِلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، وَالقَوْلُ الأوَّلُ أَصَحُّ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَعَمْرِو بْن عَوْفٍ المُزَنِيِّ جَدِّ كَثِيرٍ، وَسَمُرَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الوَليدِ الطَّيَالِسِيَّ عَنْ قَوْلهِ: "وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ"، فَقَالَ: العِرْقُ: الظَّالِمُ الغَاصِبُ الَّذِي يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ. قُلْتُ: هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَغْرِسُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ؟، قَالَ: هُوَ ذَاكَ.
• قوله: "المَوَاتَ": - بالفتح - الأرضُ التي لا مالكَ لها من الآدَمِيِّيْن ولا ينتفع بِها أحدٌ.
• قوله: "مَيِّتَةً": بالتَّخفيفِ كقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ}
(1)
أو بالتَّشديدِ، واستعمالُ المَيْتَة -[بالياء] المُخفَّفة [و] بتاء التأنيث - كثيرٌ، ومنه قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}
(2)
فلا وجهَ لإنكار مَنْ أنكر ذلك.
• قوله: "فهي"، أي: بمُجَرَّد الإحياءِ، وهو المُتَبادرُ وكذا قال الجمهورُ، أو بإذْنِ الإمامِ وبه قال أبو حنيفةَ، ومَنْشأ الخلافِ أن هذا حكمٌ حَكَم به من جِهَة كونِه إمَامًا، أو فتوًى أفْتَى به من جِهةِ كونِه نَبِيًّا.
• وقوله: "لِعِرْقٍ ظَالِمٍ": بالتَّوصيفِ على الاتِّساعِ بإعْطاءِ صِفةِ صاحِبه له أو بالإضافةِ على الحقيقةِ. "العِرْقُ": - بكسر العَين، وسكون الرَّاء - أحدُ عُروقِ الشَّجرةِ، والحاصلُ أنَّه ليسَ لغَرس الغاصبِ حَقُّ إبقَاءٍ في ملكِ الغير.
(1)
يس: 33.
(2)
المائدة: 3.
بَابُ مَا جَاءَ فِي القَطَائِعِ
950 -
(1380) - (3/ 650 - 651) قَالَ: قُلْتُ لِقُتَيْبَةَ بْن سَعِيدٍ: حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْن قَيْسِ المَأْرِبيُّ، حَدَّثَنِي أَبي عَنْ ثُمَامَةَ بْن شَرَاحِيلَ، عَنْ سُمَيِّ بْن قيْسٍ، عَنْ شُمَيْرٍ، عَنْ أبْيَض بْن حَمَّالٍ، أَنَّهُ وَفدَ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَقْطَعَهُ المِلْحَ فَقَطَعَ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنَ المَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قطعْتَ لهُ؟ إِنَّمَا قطعْتَ لهُ المَاءَ العِدَّ، قال: فانتَزَعَهُ مِنْهُ، قال: وَسَأَلَهُ عَمَّا يُحْمَى مِنَ الأَرَاكِ، قَالَ: مَا لَمْ تَنَلْهُ خِفَافُ الإِبِلِ، فَأَقَرَّ بِهِ قُتَيْبَةُ وَقَالَ: نَعَمْ.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْن قَيْسٍ المَأْرِبِيُّ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَه. المَأْرِبُ: نَاحِيَةٌ مِنَ اليَمَنِ. قَالَ: وفي البَابِ عَنْ وَائِلٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبْيَضَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ فِي القَطَائِعِ يَرَوْنَ جَائِزًا أَنْ يُقْطِعَ الإِمَامُ لِمَنْ رَأَى ذَلِكَ.
• قوله: "القَطَائِعِ": جمعُ قَطِيعةٍ، وهي قطعةٌ من الأرض يَقْطَعها الإمامُ لأحدٍ، أي: يُعْطيها إيَّاه، مِنْ قَطَعَه له وأقْطَعَه إيَّاه: إذا أعْطَاه، وهو أعَمُّ من التَّمليكِ فإنَّه يكونُ تَمليكًا وغيره.
• قوله: "اسْتَقْطَعَهُ"، أي: طلبَ منه أن يَجْعَلَه له خالصًا يَتَمَلَّكُه أو يَسْتَبِدَّ به.
• وقوله: "قَطَعَ"، أي: أعْطَاه إيَّاه، قيل: ظَنًّا بأنَّ القطيعةَ معدنُ يحصلُ
منه الملحُ بعملٍ وكَدٍّ فلمَّا ظهرَ خلافُه رَجَع.
• وقوله: "وَلَّى": - بالتَّشديدِ - أي: أدْبَر.
• "والعِدَّ": - بكسر العَين وتشديدِ الدَّال - الماءُ الذي لا انقطاعَ لمَادَتِه، أو الكثير، أو القديمُ وجمعه أعدادٌ.
بَابُ مَا جَاءَ
(1)
فِي المُزَارَعَةِ
951 -
(1383) - (3/ 657 - 658) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَجَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرهِمْ: لَمْ يَرَوْا بالمُزَارَعَةِ بَأسًا عَلَى النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُع. وَاخْتَارَ بَعْضهُمْ: أنْ يَكُونَ البَذْرُ مِنْ رَبِّ الأَرْضِ، وَهُوَ قوْل أحْمَدَ، وَإسْحَاق، وَكَرهَ بَعْض أهْل العِلم المُزَارَعَةَ بالثُّلُثِ وَالرُّبُع، وَلمْ يَرَوْا بمُسَاقاةِ النَّخِيلِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَأسًا، وَهُوَ قوْل مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَلمْ يَرَ بَعْضهُمْ أَنْ يَصِحَّ شَيْء مِنَ المُزَارَعَةِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ الأرْضَ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ.
• قوله: "عَامَلَ خَيْبَرَ": وكانتِ المعاملةُ مُسَاقاةً مُتَضَمِّنةً للمزَارَعةِ لا مُزَارعةَ فقط.
• "والمُسَاقَاة": إجارةٌ على العَمل في الأشْجارِ بجُزءٍ من الخَارج.
• "والمُزَارَعةُ": كراءُ الأرضِ بما يَخْرُج منها وبينَهما فرقٌ، والمُساقاة قد تَتَضَمَّن المُزَارعةَ بأنْ يكونَ في البُستانِ أرضُ بَياضٍ فيُشْتَرط الزَّرعُ فيها أيضًا
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "باب: ما ذُكِرَ" مكان "جَاءَ".
تبعًا للمُسَاقاةِ فكأنَّه اسْتَدَلَّ المصنفُ بالحديثِ على المُزَارَعةِ لدَلالةِ الحديثِ على أنَّها كانَتْ في ضمن المُساقاةِ، لكنَّ بعضَ مَنْ لم يُجَوِّزْ المزاوعةَ يُجَوِّزُ المساقاةَ المُتَضَمِّنَةَ للمُزَارعةِ، فالاستدلالُ لا يخْلو عن بُعدٍ. والله تعالى أعلم.
بَابٌ [مِنَ المُزَارَعَةِ]
952 -
(1384) - (3/ 658 - 659) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمْرٍ كَانَ لنَا نَافِعًا، إِذَا كَانَتْ لِأَحَدِنَا أَرْضٌ أَنْ يُعْطِيَهَا بِبَعْضِ خَرَاجِهَا أَوْ بِدَرَاهِمَ، وَقَالَ:"إِذَا كَانَتْ لِأَحَدِكُمْ أَرْضٌ فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ أَوْ لِيَزْرَعْهَا".
• قوله: "فَلْيَمْنَحْهَا"، أي: لتقْطَعْها أخَاه ليَنْتَفِع بِها بالزَّرعِ فيها وتَمَلُّكِه مَنْفَعَتَها، ولم يُرِدْ تَمْليكَ الرَّقبة.
• قوله: "فَلْيَمْنَحْهَا": - بفتح الياء والنون - أي: يجعلها له مِنْحَةً، أي: عارِيَةً.
[كِتَابُ الدِّيَاتِ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ فِي الدِّيَةِ كَمْ هِيَ مِنَ الإِبِلِ
953 -
(1386) - (4/ 10 - 11) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيُّ الكُوفِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الحَجَّاجِ، عَنْ زَيْدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنْ خَشْفِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي دِيَةِ الخَطَإِ عِشْرِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرِينَ بَنِي مَخَاضٍ ذُكورًا، وَعِشْرِينَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرِينَ جَذَعَةً وَعِشْرِينَ حِقَّةً".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو. أَخْبَرَنَا أَبُو هِشَامِ الرِّفَاعِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنِ الحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ نَحْوَه. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِن هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ مَوْقُوفًا، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى هَذَا، وَهُوَ قَول أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَرَأَوْا أن دِيَةَ الخَطَإِ عَلَى العَاقِلَةِ. وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ العَاقِلَةَ قَرَابَةُ الرَّجُلِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَهُوَ قَول مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا الدِّيَةُ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ مِنَ الْعَصَبَةِ، يُحَمَّلُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رُبُعَ دِينَارٍ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى نِصْفِ دِينَارٍ فَإِنْ تَمَّتِ الدِّيَةُ وَإِلَّا نُظِرَ إِلَى أَقْرَبِ القَبَائِلِ مِنْهُمْ فَأُلْزِمُوا ذَلِكَ.
• قوله: "بِنْتَ مَخَاضٍ": هي التي أتَى عليها الحَولُ.
• و"بِنت لبونٍ": هي التي أتَى عليها حولان.
• "والحِقَّة": - بكسر الحَاء، وتشديدِ القاف - هي التي دَخَلَتْ في الرَّابعةِ.
• "والجَذَعَة": - بفتح الجيم، والحَاء - هي التي دَخَلَتْ في الخَامسةِ.
954 -
(1387) - (4/ 11 - 12) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ وَهُوَ ابْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمًّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْليَاءِ المَقْتُولِ، فَإِنْ شَاؤوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاؤُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ، وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ العَقْلِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "خَلِفَةً": - بفتح، فكسر - هي النَّاقةُ الحَامِلة إلى نصف أجَلِها ثم هي عِشَارٌ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُوضِحَةِ
955 -
(1390) - (4/ 13) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"فِي المَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ: أَنَّ فِي المُوضِحَةِ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ.
• قوله: "فِي المَوَاضِحِ": جمعُ مُوضِحَةٍ: وهي الشَّجَّةُ التي تُوَضِّح العظمَ، أي: تُظْهِرُه، والشَّجَّةُ: الجِرَاحَةُ، وإنَّما تُسَمَّى شَجَّة إذا كانت في الوَجْه والرأسِ.
• وقوله: "خَمْسٌ خَمْسٌ": بالتَّكرارِ على معنى في كُلِّ مُوْضِحَةٍ خمسٌ، قالوا: والتي فيها خمسٌ من الإبل ما كانَ في الرَّأس والوَجْه، أمَّا في غيرهما فحكومةُ عَدْلٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي العَفْوِ
956 -
(1393) - (4/ 14 - 15) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو السَّفَرِ، قَالَ: دَقَّ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ سِنَّ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! إِنَّ هَذَا دَقَّ سِنِّي، قَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ، وَأَلحَّ الآخَرُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَبْرَمَهُ فَلَمْ يُرْضِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: شَأْنْكَ بِصَاحِبِكَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ جَالِسٌ عِنْدَه، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بشَيْءٍ فِي جَسَدِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ إلَّا رَفَعَهُ الله بِهِ دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَةً"، قَالَ الأَنْصَارِيُّ: أَأَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاه قلبِي، قال: فإِنِّي أذرُهَا لهُ، قال مُعَاوِيَةُ: لا جَرَمَ لا أُخَيِّبُكَ، فَأمَرَ لهُ بِمَالٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَلا أَعْرِفُ لِأَبِي السَّفَرِ سَمَاعًا مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَأَبُو السَّفَرِ اسْمُهُ: سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ، وَيُقَالُ: ابْنُ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيُّ.
• قوله: "فَاسْتَعْدَى": أي: الإنصاريُّ عليه، أي: على القَرَشِيِّ.
"مُعَاوِيَةُ": أي: أرادَ منه أن يحملَ عليه ويأخذَ منه حَقَّه.
• وقوله: "وَأَلحَّ الآخَرُ عَلَى مُعَاوِيَةَ": - بالمُهْملةِ المُشَدَّدَة في آخره - أي: لَزِمَه وأصَرَّ عليه من ألحَّ على الشَّيءِ إذا لَزِمَه.
• قوله: "فَأَبْرَمَهُ": أي: حَبسه معاويةُ، فقالَ للأنصاريِّ: "شَأْنَكَ
بِصَاحِبِكَ"، أي: خُذْ منه حَقَّك، والشَّأن منصوبٌ أو مرفوعٌ بتقدير الفعل أو الخَبر.
• وقوله: "فَيَتَصَدَّقُ بِهِ": كنايةٌ عن العَفْو إن كانَ الإصابةُ من إنْسَانٍ، وعن الصَّبر إن كانت منَ اللهِ تعالى.
• وقوله: "أَذَرُهَما": - بالذَّال المُعْجَمة - حقيقةً، أي: أترك هذه الإصابةَ للرَّجل. والله تعالى أعلم.
• وقوله: "ولَا جَرَمَ": بمعنى لابُدَّ.
• وقوله: "لا أُخَيِّبُكَ": - بتشديدِ الياء، والمُثَنَّاة قبل الباءِ المُوَحَّدةِ - أي: لا أحرمك.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ رُضِخَ رَأْسُهُ بحَجَرٍ
(1)
957 -
(1394) - (4/ 15) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ فَأَخَذَهَا يَهُودِيٌّ فَرَضَخَ رَأْسَهَا بِحَجَرٍ، وَأَخَذَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الحُلِيِّ، قَالَ: فَأُدْرِكَتْ وَبِهَا رَمَقٌ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"مَنْ قَتَلَكِ، أَفُلَانٌ؟ "، قَالَتْ بِرَأْسِهَا: لَا، قَالَ:"فَفُلَانٌ" حَتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فَقَالَتْ بِرَأْسِهَا: نَعَمْ، قَالَ: فَاخذَ، فَاعْترَفَ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرُضِخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَول أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: لا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ.
• قوله: "فِيْمَنْ رَضَخَ": - بخاءٍ مُعجمَةٍ في آخره - على بناءِ المفعول من الرَّضْخِ وهو الدَقُّ والكَسْر، أي: فيمن كُسِر رأسُه بحَجرٍ.
• قوله: "مِنَ الحُلِيِّ": - بضم، فكسر، وتشديد ياء - جمع حَلْي - بالفتح - كثَدْي، وثُدَيٍّ.
• وقوله: "فَأُدْرِكَتْ": على بناءِ المفعول.
• و"الرَّمَقُ": - بفتحتين - بَقِيَّةُ الحَياةِ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "بِصَخْرَةٍ" مكان "بِحَجَرٍ".
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَشْدِيدِ قَتْل المُؤْمِنِ
958 -
(1395) - (4/ 16) حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو نَحْوَه وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ. وفي البَاب عَنْ سَعْدٍ، وَابْن عَبَّاسٍ، وَأَبي سَعِيدٍ، وَأَبي هُرَيْرَةَ، وَعُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، وَبُرَيْدَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيث عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو هَكَذا رَوَاه ابْنُ أبِي عَدِيَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلى بْن عَطاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاءٍ فَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَهَكَذَا رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاءٍ مَوْقُوفًا وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الحَدِيثِ المَرْفُوعِ.
• قوله: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا
…
" إلخ، هذا تغليظٌ لأمر القَتْل وتعظيمٌ له.
• قوله: "فَلَمْ يَرْفَعْهُ
…
" إلخ، لكن قد يقالُ: هذا الموقوفُ في هذا الباب إذا صَحَّ يكونُ في حُكمِ الرَّفع إلا أنْ يقالَ: ذاك إذا لم يكن الرَّاوي عالمًا بالكُتبَ المُتَقَدِّمَة، وأمَّا العالمُ بِها فيمكنُ أنْ يكونَ حديثُه حكايةً عن الكتب المُتَقَدِّمةِ فلا يكونُ نَصًّا في الرَّفع، وعبدُ الله بن عمرو من العلماءِ بالكتب المتقدمةِ.
[بابُ الحُكْمِ فِي الدِّمَاءِ]
959 -
(1396) - (4/ 17) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحْكَمُ بَيْنَ العِبَادِ فِي الدِّمَاءِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الأعْمَشِ مَرْفُوعًا، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنِ الأعْمَشِ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ.
• قوله: "مَا يُحْكَمُ بَيْنَ العِبَادِ
…
" إلخ، قال النَّووي: وليسَ هذا الحديثُ مُخالفًا للحديثِ المشهورِ في السُّنَن "أوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ"
(1)
لأنَّ حديثَ الصَّلاةِ فيما بينَ العَبْدِ ورَبِّه، وحديثُ الباب فيما بينَ العبادِ. والله تعالى أعلم
(2)
.
• قوله: "مَا يُحْكَمُ": كلمةُ "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ، والجَار والمجرورُ خبرٌ، أي: أنَّ أوَّلَ حكمٍ يَجْري بينَ العِبَادِ يكون في الدِّماءِ.
• قوله: "لأكَبَّهُمْ": - بتشديد الباء - أي: ألقَاهم ورَمَاهُم.
(1)
راجع: سنن الترمذي، كتاب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاةُ، ح: 413 سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه، ح: 864، وسننن ابن ماجة، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في أول ما يحاسب به العبد الصلاةُ، ح: 1426، وسنن النسائي، كتاب الصلاة، باب: المحاسبة على الصلاة، ح:468.
(2)
راجع: المنهاج شرح مسلم بن الحجاج للنووي: 11/ 167.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ يُقَادُ مِنْهُ أَمْ لا؟
960 -
(1399) - (4/ 18) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا المُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سُرَاقَةَ بْن مَالِكِ بْن جُعْشَمٍ، قَالَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقِيدُ الأَبَ مِنْ ابْنِهِ، وَلا يُقِيدُ الابْنَ مِنْ أَبِيهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُه بِصَحِيحٍ، رَوَاه إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ المُثَنَّى بْن الصَّبَّاحِ، وَالمُثَنَّى بْن الصَّبَّاحِ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنِ الحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ، عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الَحَدِيثُ عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ مُرْسَلًا وَهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ الأَبَ إِذَا قَتَلَ ابْنَهُ لا يُقْتَلُ بِهِ، وَإِذَا قَذَفَ ابْنَهُ لا يُحَدُّ.
• قوله: "يُقِيدُ": - بضَمِّ الياءِ، وكسر القاف - مِنْ أقادَ منه إذا أمْكَنَه منه ليَقْتُله قِصَاصًا، أي: يُمَكَّن الأبُ منَ الْابْن لتقْتُل ابنَه قِصَاصًا، والمرادُ يُمَكَّن من الابن لأجل الأبِ، ولا يُمَكَّنُ من الأب لأجل الابْن، وإلا فالتَّمْكِينُ للوَرَثةِ لا للمقتولِ.
961 -
(1400) - (4/ 18) حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ عَنِ الحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ، عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يُقَادُ
الوَالِدُ بِالوَلَدِ".
• قوله: "لا يُقَادُ
…
" إلخ، أي: لا يقْتَلُ والدٌ بقَتْلِه ولدَه، أو لا يقْتَل الوالدُ بعِوَضِ الَّذِي عليه القِصاصُ كعَادةِ الجَاهلِيَّةِ كانوا يقتلونَ في مُقَابَلَتِه.
بَابُ مَا جَاءَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بإحْدَى ثَلَاثٍ
962 -
(1402) - (4/ 19) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئ"، أي: إهراقُه.
• وقوله: "يَشْهَدُ
…
" إلخ، إشارةٌ إلى أن المدارَ على الشَّهادةِ الظَّاهِريَّة، لا تحَقُّقِ إسلامِه في الوَاقع.
• وقوله: "الثَّيِّبُ الزَّانِي"، أي: الزَّاني المُحْصِن، وهذا تفصيلٌ للخِصَال الثَّلاثِ بذِكر المُتَّصِفِين بِها، والتَّقديرُ يُقْتَل الثَّيِّبُ الزَّاني بالرَّجم بزنَاه، وتُقْتل النَّفسُ بالنَّفْس بالقِصَاص، والمرادُ بـ "التَّارك لدِيْنِه": دينَ الإسلام؛ لأنَّ أوَّل الكلامِ فيه.
• وقوله: "المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ"، أي: لجَماعةِ المُسْلمين لزِيادةِ التَّوضِيحِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي حُكْمِ وَليِّ القَتِيل [فِي القِصَاصِ وَالعَفْوِ]
963 -
(1405) - (4/ 21) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، وَيَحْيَى بْن مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا الوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَني أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولهِ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"وَمَنْ. قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَعْفُوَ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ".
قَالَ: وفي البَابِ عَن وَائِلِ بْن حُجْرٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي شُرَيْحٍ خُوَيْلِدِ بْن عَمْرٍو.
• قوله: "بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ"، أي: جازَ له نَظَران أنْ يختارَ أعْجَبَهما إليه.
964 -
(1406) - (4/ 21 - 22) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: خَدَّثَني سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الكَعْبِيِّ، أَنَّ رَسُولَ للهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ الله حَرَّمَ مَكَّةَ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَسْفِكَنَّ فِيهَا دَمًا، وَلا يَعْضِدَنَّ فِيهَا شَجَرًا، فَإِنْ تَرَخَّصَ مُتَرَخِّضٌ، فَقَالَ: أُحِلَّتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ الله أَحَلَّهَا لِي وَلَمْ يُحِلَّهَا لِلنَّاسِ، وَإنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَإِنِّي عَاقِلُهُ، فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيل بَعْدَ اليَوْمِ، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا، أَوْ يَأْخُذُوا العَقْلَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاه شَيْبَانُ أيضًا عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ مِثْلَ هَذَا، وَرُوِي عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الخُزَاعِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ،
أَوْ يَعْفُوَ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ". وَذَهَبَ إِلَى هَذَا بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "فَلَا يَسْفِكَنَّ": بكَسْر الفاء. "ولَا يَعْضِدَنَّ": - بضَمِّ الضاد، وقيل: بكسرها - أي: لا يقْطَعَنَّ.
• قوله: "فَإِنَّ الله أحَلَّهَا لِيْ
…
" إلخ، أي: فقولُه باطلٌ؛ لأنَّ حِلَّها كان مخصوصًا بي فلا يَتِمُّ له الدَّليلُ بذلك، وكان لي أيضًا ساعةً من نِهار فدَلِيْلُه باطلٌ بالوَجْهين.
965 -
(1407) - (4/ 22) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُتِلَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَدُفِعَ القَاتِلُ إِلَى وَليِّهِ، فَقَالَ القَاتِلُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَاللهِ مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمَا إِنَّهُ إِنْ كَانَ قَوْلُهُ صَادِقًا فَقَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النَّارَ"، فَخَلَّى عَنْهُ الرَّجُلُ وَكَانَ مَكْتُوفًا بِنِسْعَةٍ، فَخَرَجَ يَجُرُّ نِسْعَتَهُ، فَكَانَ يُسَمَّى ذَا النِّسْعَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالنِّسْعَةُ: حَبْلٌ.
• قوله: "نِسْعَةٍ": - بنونٍ مكسورةٍ، ثم سين مُهملة ساكنة، ثم عين مهملة - حَبلٌ من الجِلد.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْي عَنِ المُثْلَةِ
966 -
(1408) - (4/ 22 - 23) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْن مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْرًا، فَقَالَ:"اغْزُوا بِسْمِ اللهِ، وَفِي سَبِيلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَليدًا". وفي الحَدِيثِ قِصَّةٌ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، وَشَدَّادِ بْن أَوْسٍ، وَعِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، وَأَنَسٍ، وَسَمُرَةَ، وَالمُغِيرَةِ، وَيَعْلَى بْن مُرَّةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَكَرِهَ أَهْلُ العِلْمِ المُثْلَةَ.
• قوله: "وَمَنْ مَعَهُ": عطفٌ على "خَاصةِ نَفْسِهِ":، أي: أوْصَاه فيمن معه. و"خَيْرًا": منصوبٌ بنَزْع الخَافِض، أي: بخَيرٍ، والحاصلُ أنَّه يوجه في المعاملة التي بينه وبين رَبِّه بالتَّقْوى، وفي المعاملةِ التي بينَه وبينَ الخَلْق بالخَير والجُوْدِ والتَّسَامُح والتَّحَمُّل عنه. والفاءُ في "فَقَالَ" ليسَ للتَّفسير بل للتَّعِقيب، أي: فقالَ لهم بعدَ ذلك.
• وقوله: "وَلا تَغُلُّوا": - بضَمِّ الغَين - من الغُلُوْل وهو الخِيَانةُ في المَغْنم، والسَّرِقَة قبلَ القسمةِ.
• وقوله: "وَلا تَغْدِرُوا": - بكسر الدَّال - من الغَدْر وهو نَقْضُ العَهْد.
وقوله: "وَلا تُمَثِّلُوا": بضَمِّ المُثَلَّثَة مخفَّفًا، أو بكسرها مشدَّدًا، والتشديدُ للمُبَالَغة، والمُخَفَّف أنسبُ بمَحَلِّ النَّهي، والمشهُورُ هو المشدَّدةُ. و"الْوَليْدُ": الصَّبِيُّ.
967 -
(1409) - (4/ 23) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الأشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ شَدَّادِ بْن أَوْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ الله كتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. أَبُو الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ اسْمُهُ: شَرَحْبِيْلُ بْنُ آدَةَ.
• قوله: "عَلَى كُلِّ شَيْءٍ"، أي: في كلِّ شَيْءٍ.
• قوله: "شَفْرَتَهُ": - بفتح الشين - السِّكين.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الجَنِينِ
968 -
(1410) - (4/ 23 - 24) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيُّ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ: أَيُعْطَى مَنْ لَا شَرِبَ، وَلا أَكَلَ، وَلَا صَاحَ، فَاسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ هَذَا لَيَقُولُ بِقَوْلِ شَاعِرٍ، بَلْ فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ".
وَفِي البَابِ عَنْ حَمَلِ بْن مَالِكِ بْن النَّابِغَةِ وَالمُغِيرَةِ بْن شُعْبَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: الغُرَّة: عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، أَوْ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ فَرَسٌ أَوْ بَغْلٌ.
969 -
(1411) - (4/ 24) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدِ بْن نَضْلَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْن شُعْبَةَ، أَنَّ امْرَأتَيْنِ كَانَتَا ضَرَّتَيْنِ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ أَوْ عَمُودِ فُسْطَاطٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الجَنِينِ غُرَّةٌ عَبْدٌ، أَوْ أَمَةٌ، وَجَعَلَهُ عَلَى عَصَبَةِ المَرْأَةِ.
قَالَ الحَسَنُ وَأَخْبَرَنَا زَيْدُ بْن حُبَابٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا الحَدِيثِ نَحْوَه. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "ضَرَّتَيْن"، أي: زَوْجَتَين لرجلٍ واحدٍ، وكُلُّ واحِدةٍ من زَوْجَتَي الرَّجل تُسَمَّى ضَرَّةَ الأخْرى لحُصولِ المَضارَّةِ بينَهَما عادةً.
• قوله: "عَمُود فُسْطَاطٍ": هو - مُثَلَّثةُ الفاءِ وبسكون المُهملة - ضربٌ من الخِيَم.
• وقوله: "غُرَّةٌ": - بالتنوين - وما بعدَه بدلٌ منه، أو تفسيرٌ له.
• قوله: "أَنُعْطِى
(1)
مَنْ لَا شَرِبَ": هكذا في نُسَخ الترمذي، أي: أنُعْطِي ديةَ "مَنْ لَا شَرِبَ"، أي: بدلَه أو فيه.
• وقوله: "فَاسْتَهَلَّ"، أي: فيقال فيه اسْتَهَلَّ، وكأنَّه لم يظهر المعنى لبَعْضِهم فكتب موضع "نُعْطِي":"نُغَرَّم"، وموضعَ "فاسْتَهَلَّ":"ولا اسْتَهَلَّ" كما هو روايةُ غير الترمذي
(2)
، ولكن المعنى صحيحٌ. والله تعالى أعلم.
• وقوله: "يُطَلَّ": - بوجهين: بضَمِّ الياء المُثَنَّاةِ، وتشديدِ اللام - ومعناه: يُهْدَر، ويُلْقَى ولا يُضْمَن، والثاني: - بفتح المُوَحَّدةِ، وتخفيفِ اللام - من البُطْلان.
• وقوله: "يَقُولُ بِقَوْلِ شَاعِرٍ": إنكارٌ عليه، وذمٌّ له حيث عَارضَ الشَّرْعَ بسَجْعِه وأتَى بما لا حَقِيقةَ له.
(1)
في نسخة أحمد شاكر: "أيُعْطَى" كما ذكر في متن الحديث.
(2)
كما في رواية صحيح مسلم: كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب دية الجنين
…
، ح: 1681، وسنن النسائي، كتاب القسامة، باب دية جنين المرأة، ج: 4820، 4822.
بَابُ مَا جَاءَ لَا يُقْتَلُ بِكَافِرٍ
970 -
(1412) - (4/ 24 - 25) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أنْبَأَنَا مُطَرِّفٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جُحَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ هَلْ عِنْدَكُمْ سَوْدَاءُ فِي بَيْضَاءَ لَيْسَ فِي كتَابِ اللهِ؟ قَالَ: "لا وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عَلِمْتُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللهُ رَجُلًا فِي القُرْآنِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ"، قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: "العَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكِ بْن أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قَالُوا: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: يُقْتَلُ المُسْلِمُ بِالمُعَاهِدِ، وَالقَول الأوَّلُ أَصَحُّ.
• قوله: "بِالمُعَاهِدِ"، أي: الذِّمِيُّ.
• قوله: "هَلْ عِنْدَكمْ"، أي: أهل البيت.
• قوله: "سَوادٌ فِي بَياض"
(1)
، أي: أحكامٌ مكتوبةٌ في أوْراقٍ بيضَاء، وأرادَ كتابًا غيرَ القرآن، أي: هل خَصَّكُم النَّبِيُّ صلى الله تعالى عليه وسلَّم بكتابٍ آخر؟ لمَّا رأى وفورَ علمه زَعَم لعلَّه صلى الله تعالى عليه وسلَّم خَصَّه وسائرَ أهل
(1)
هكذا في المخطوط، وفي النسخة التي اعتمدنا عليه:"سَوْدَاء في بَيْضَاء" كما في الحديث المذكور أعلاه.
البيتِ بكتابٍ آخر.
• وقوله: "فَلَقَ الحَبَّةَ"، أي: شقَّها بإخْراج النَّباتِ. "وَبَرَأَ النَّسَمَةَ"، أي: خَلَق النَّفْس، و"النَّسَمَة": بفتحتين.
• وقوله: "مَا عَلِمْتُهُ": يحتملُ أنْ يكونَ العِلمُ مُتَعَدِّيًا إلى مفعولٍ واحدٍ ويحتملُ أنْ يكونَ إلى اثنين، وضميرُ "عَلِمْتُه": للمَعلوم الذي تَوَهَّم تَخْصِيْصَه بكتابِ آخر. و"فَهْمًا": على الأوَّلِ منصوبٌ بنَزْع الخَافِض، أي: ما علمتُ هذا المعلَوم الذي يُوْهِمُك تخصيصًا بكتابٍ آخر إلا بفَهْمٍ يُعْطِيْه اللهُ رجلًا، وأرادَ به نفسَه، أي: أعطاني اللهُ، وعلى الثَّاني هو مفعولٌ ثانٍ على حذفِ المُضافِ، أي: ما علمتُ هذا المعلومَ إلا أثرًا، أي: هذا المعلوم أعتقده أثرَ الفَهْم.
• وقوله: "وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ": عطفٌ على القُرآن، أو على ما يُفْهَم من الكلام، أي: فعندَنا هذا الفهم وما في الصَّحِيفةِ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المَرْأَةِ هَلْ تَرثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا؟
971 -
(1415) - (4/ 27) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَأَبُو عَمَّارٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّب أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الدِّيَةُ عَلَى العَاقِلَةِ وَلَا تَرِثُ المَرْأَة فِي دِيَةِ زَوْجِهَا. شَيْئًا حَتَّى أَخْبَرَه الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الكِلَابِيُّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ: "وَرِّثْ امْرَأَةَ أَشيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَدا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ.
• قوله: "وَلا تَرتُ المَرْأَةُ"، أي: لأنَّها لَيْسَتْ منَ العَاقلة فكمَا أن الدِّيةَ لَيْسَتْ عليها كذلك ليسَتْ لها؛ لأنَّ الغَنم بالغرم.
• وقوله: "حَتَّى أَخْبَرَه"، أي: فرجع عنه.
• قوله: "أَنْ": تفسيريةٌ. "وَرِّثْ": أمْرٌ من التَّوريثِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي القِصَاصِ
972 -
(1416) - (4/ 27 - 28) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمِ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى يُحَدِّثُ عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَه فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاه، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الفَحْلُ لَا دِيَةَ لَكَ"، فَأَنْزَلَ اللهُ:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}
(1)
.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ يَعْلَى بْن أُمَيَّةَ، وَسَلَمَةَ بْن أُمَيَّةَ وَهُمَا أَخَوَانِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "كَمَا يَعَضُّ الفَحْلُ": هو - بالحاء - أرادَ به الفحلَ من البَهائم.
(1)
المائدة: 45.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهيدٌ
973 -
(1418) - (4/ 28 - 29) حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، وَحَاتِمُ بْن سِيَاهٍ المَرْوَزِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَمْرِو بْن سَهْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن زَيْدِ بْن عَمْرِو بْن نُفَيْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ سَرَقَ مِنَ الأرْضِ شِبْرًا طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أرْضِيْنَ". وَزَادَ حَاتِمُ بْن سِيَاهٍ المَرْوَزِيُّ فِي هَذَا الحَدِيثِ، قَالَ مَعْمَرٌ بَلَغَنِي عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ زَادَ فِي هَذَا الحَدِيثِ "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ".
وَهَكَذَا رَوَى شُعَيْبُ بْن أَبِي حَمْزَةَ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَمْرِو بْن سَهْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْن زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَمْرِو بْن سَهْلٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "دُونَ مَالِهِ"، أي عندَه أو قُدَّامَه.
974 -
(1419) - (4/ 29) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ المُطَّلِبِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الحَسَنِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّدِ بْن طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَسَعِيدِ بْن زَيْدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيت عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ لِلرَّجُلِ: أَنْ يُقَاتِلَ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: يُقَاتِلُ عَنْ مَالِهِ وَلَوْ دِرْهَمَيْنِ.
• قوله: "عَنْ نَفْسِه"، أي للدَّفع والطَّردِ عن نفسِه ومالِه.
975 -
(1421) - (4/ 30) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْن عَمَّارِ بْن يَاسِرِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْدٍ نَحْوَ هَذَا. وَيَعْقُوبُ هُوَ ابْنُ إبرَاهِيمَ بْن سَعْدِ بْن إبرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ.
• قوله: "دُونَ دِينِهِ"، أي: أرادَ أحدٌ من الكَفَرة أو المُبْتدِعِين أن يَفْتِنَه في دِينِه فذبَّه عنه فقتل في ذلك.
بَابُ مَا جَاءَ فِي القَسَامَةِ
976 -
(1422) - (4/ 30 - 31) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْن يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْن أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ يَحْيَى: وَحَسِبْتُ عَنْ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ أَنَّهُمَا قَالَا: خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَيِّصَةُ بْن مَسْعُودِ بْن زَيْدٍ حَتَّى إِذَا كَانَا بِخَيْبَرَ تَفَرَّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَاكَ، ثُمَّ إِنَّ مُحَيِّصَةَ وَجَدَ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا قَدْ قُتِلَ فَدَفَنَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن سَهْلٍ وَكانَ أَصْغَرَ القَوْمِ ذَهَبَ عَبْد الرَّحْمَنِ لِيَتكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبَيْهِ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"كَبِّر لِلْكُبْرِ" فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاه ثُمَّ تَكَلَّمْ مَعَهُمَا، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَقْتَلَ عَبْدِ اللهِ بْن سَهْلٍ، فَقَالَ لَهُمْ:"تحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ؟ " قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ؟ قَالَ: "فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا"، قَالُوا: وَكيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى عَقْلَهُ.
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَل عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ فِي القَسَامَةِ، وَقَدْ رَأَى بَعْضُ فُقَهَاءِ المَدِينهِ القَوَدَ بِالقَسَامَةِ، وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ: إِنَّ القَسَامَةَ لا تُوجِبُ القَوَدَ وَإِنَّمَا تُوجِبُ الدِّيَةَ.
• قوله: "القَسَامَة": - بفتح القاف - مأخوذٌ من القَسْم بمعنى الحلف.
• قوله: "وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ": - بضم، دفتح، ثم ياء مشدَّدة مكسورة، أو مخفَّفة ساكنة - وجهان مشْهوران فيهما أشْهرُهما التَّشديدُ.
• قوْله: "ذَهَبَ"، أي: شْرَع.
• وقوله: "كبِّرِ": - بتشديد الباء - مِنْ كبَّر الشَّيءَ جعَله كبيرًا.
• و "الكُبْر": - بضم، فسكون - الأكبرُ، أي: قدِّم الأكبرَ، قالوا: هذا عندَ تَسَاويهم في الفَضْل، وأمَّا إذا كان الصَّغيرُ ذَا فضلٍ فلا بأسَ أن يُقَدَّمَ، روي أنَّه قَدِم وفدٌ من العِراق إلى عمرَ بنَ عَبْدِ العزيز فنَظَر عمرُ إلى شابٍ منهم يريدُ الكلامَ، فقال عمرُ:"كبِّر"، فقال الفَتى: يا أميرَ المؤمنين! إنَّ الأمرَ لَيسَ بالسِّنِّ ولو كان كذلكَ لكان في المسلمين من هو أسَنُّ منكَ، قال: صدقتَ، تكلَّمْ رحمَك اللهُ.
• وقوله: "فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ"، أي: ديةَ صَاحِبِكم المقتولِ أو دَم صاحبِكم القاتلِ هو المناسب بروايةِ "قَاتِلَكُمْ"
(1)
، أي: قاتلِ قَريبِكم، وهذا على مذهبِ من يُثْبِت بالقَسَامة القِصاصَ ظاهرٌ، وأمَّا على مذهبِ من لا يقولُ به فيحتاجُ إلى أنْ يرادَ بدل دمِ القاتلِ وهو الدِّيَةُ باعتبارِها بَدَلًا عن القِصَاصِ عندَ المانع عنه. وقال النووي: معناه ثَبَتَ حَقُّكم على من حَلَفْتم عليه أعَمُّ من أن يكونَ قِصَاصًا أو دِيَةً
(2)
.
• وقوله: "فَتبرِّئُكُمْ يَهُودُ"، أي: تبرأ إليكم من دَعَواكم، وقيل: تخلص
(1)
كما في سنن النسائي، كتاب القسامة، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر سهل فيه، ح: 4718، والسنن الكبرى للبيهقي: 8/ 125، ح:16138.
(2)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 11/ 147.
بكم عن اليمين بأنْ يَحْلِفُوا فتَنتهي الخصومةُ بحلفهم.
• وقوله: "أَعْطَى عَقْلَهُ"، أي: دِيَتَه، قالوا: إنَّما أعْطَى دفعًا للنِّزاعِ أو صلاحًا لذاتِ البَيْن، وجَبْرًا لِمَا لَحِقَهم من الكَسْر بوَاسِطةِ قتلِ قَرِيْبِهم وإلا فأهلُ القَتيلِ لا يسْتَحِقُّوْن إلا أنْ يَحْلِفُوا أو يَسْتَحْلِفوا المُدَّعى عَليهم مع نُكُوْلِهم ولَم يَتحَقَّقْ شيءٌ من الأمرين ههنا.
[كِتَابُ الْحُدُودِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ لا يَجبُ عَلَيْهِ الحَدُّ
977 -
(1423) - (4/ 32 - 33) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى القُطَعِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنِ المَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ:"وَعَنِ الغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ"، وَلا نَعْرِفُ لِلْحَسَنِ سَمَاعًا مِنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ، وَرَوَاهُ الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: قَدْ كَانَ الحَسَنُ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ وَقَدْ أَدْرَكَهُ وَلَكِنَّا لا نَعْرِفُ لَهُ سَمَاعًا مِنْهُ. وَأَبُو ظَبْيَانَ اسْمُهُ:
حُصَيْنُ بْنُ جُنْدَبٍ.
• قوله: "رُفِعَ القَلَمُ": كِنايةٌ عن عَدم كِتابَةِ الآثَامِ عليهم في هذه الأحْوَال؛ لحديثِ: "رُفِعَ الخَطَأ عن الأمَّةِ" مع أن القاتلَ خَطأ يَجِبُ عليه الدِّيَة، ولهذا الصَّحيحُ أن الصَّغيرَ يُثابُ على الصَّلاةِ وغيرها، وعلى هذا ففِي دَلالةِ الحَديثِ على عَدم الحَدِّ فِي حَقِّ هؤلاء بَحْثٌ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دَرْءِ الحُدُودِ
978 -
(1424) - (4/ 33 - 34) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ أَبُو عَمْرٍو البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ادْرَؤُوا الحُدُودَ عَنِ المُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي العَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي العُقُوبَةِ".
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ عَنْ يَزِيدَ بْن زِيَادٍ نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْن رَبِيعَةَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْن رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْن زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ يَزِيدَ بْن زِيَادٍ نَحْوَه وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَرِوَايَةُ وَكيعٍ أَصَحُّ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذا عَنْ غيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أصْحَاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ قالوا مِثْلَ ذلِكَ. وَيَزِيدُ بْن زِيَادٍ الدِّمَشْقِيُّ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ، وَيَزِيدُ بْن أَبِي زِيَادٍ الكُوفِيُّ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا وَأَقْدَمُ.
• قوله: "ادْرَؤُوا"، أي: ادْفَعوا.
• قوله: "فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ": هو بدلُ اشْتِمالٍ عن الإمَام، والخبرُ هو "خَيْرٌ"، أو هو مبتدأ، خبرُه "خَيْرٌ"، والجملةُ خَبرُ "إنَّ".
بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّتْر عَلَى المُسْلِمِ
979 -
(1425) - (4/ 34) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّس اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كربِ الآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ على مسلِمٍ، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ".
قَالَ: وَفِي البَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ، وَرَوَى أَسْبَاطُ بْن مُحَمَّدٍ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه، وَكَانَ هَذَا أَصَحُّ مِنَ الحَدِيثِ الأَوَّلِ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْن مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الحَدِيثِ.
• قوله: "مَنْ نَفَّسَ": - بتشديدِ الفاء - أي: فرَّج كُرْبَةً ودَفَعَها عنه، مِنْ أنْتَ فِي نَفَسٍ، أي: سَعَةٍ.
• قوله: "سَتره اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ": والسِّتْر في الآخِرة أنْ يأمَنَه من الافْتِضَاح على رُؤوس الأشْهَاد، ويحتملُ أن المرادَ سِتْر ذُنُوبِه بالمغفرةِ.
980 -
(1426) - (4/ 34 - 35) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ،
وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ". قال أبُوْ عِيْسَى: هَذا حَدِيثٌ حسنٌ صحِيحٌ عرِيبٌ.
• قوله: "لا يَظْلِمُهُ"، أي: بنَفْسِه. "ولا يُسْلِمُهُ"، أي: إلى عَدُوِّه من أسْلَمَ، أي: لا يتْرُكُه ولا يَرْمِيْه في يَدِ ظَالمٍ يَظْلِمُه، في "النِّهاية"
(1)
مِنْ: أسْلَمَه اللهُ إذا ألْقَاه في الهَلَكَة ولم يَحْمِه من عَدُوِّه، وهو عامٌ في كُلِّ مَنْ أسْلَمْتَه إلى شَيءٍ ولكن غَلَب في الإلقاءِ في الهَلَكَة.
(1)
راجع: النهاية الجزرية لابن الأثير: 5/ 1988، 1987.
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّلْقِينِ فِي الحَدِّ
قوله: "التَّلْقِيْنُ": المَشْهورُ التَّلْقِين هو أنْ يُلَقِّنَ الإِمامُ الرَّجُوعَ عن الإقْرَارِ بالزِّنا بأنْ يَقُوْلَ له بعدَ الإقْرَار: "لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ" ونحو ذلك وهو الوَارِدُ في حديثِ ماعِز وغيرِه.
قال النوويُّ
(1)
: وقد جاءَ تَلْقِينُ الرُّجُوْع عن الإقْرَار بالحُدُوْدِ عن النَّبِيِّ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّم، وعن الخُلَفَاء الرَّاشِدِين ومَنْ بعدَهم، واتَّفَقَ العلماءُ عليه، ولا يَخْفى أن هذا الحديثَ الذي ذكرَه المُصَنِّفُ يَدُلُّ بظاهِره على الحَمْل على الإقْرَار بالزِّنا، وتلقينُ أنْ يقِرَّ به وهو يضادُ التَّلقينَ المعروفَ فلا يُمكنُ الاسْتِدْلالُ به، وهذا الحديثِ بظَاهِره مُخَالِفٌ لِما سَيَجِيءُ في البابِ الثَّاني أنَّه أعْرضَ عنه حينَ أقَرَّ به، ولمَا هو المشهورُ أنَّه لَقَّنَه الرُّجُوعَ عن الإقْرَار فإنَّه ظاهرٌ، والحديثُ أخْرَجه مسلمٌ
(2)
وغيرُه
(3)
.
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 11/ 195.
(2)
راجع: صحيح مسلم: كتاب الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنى، ح:1691.
(3)
راجع: صحيح البخاري: كتاب الحدود، باب: هل يقول الإمام للمقر: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ أو غَمَزْتَ؟ ح: 6824، وسنن أبي داود: كتاب الحدود باب: رجم ماعز بن مالك، ح:4427.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دَرْءِ الحَدِّ عَن المُعْتَرفِ إذَا رَجَعَ
981 -
(1428) - (4/ 36) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَة بْن سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ مَاعِزٌ الأَسْلَمِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ شِقِّهِ الآخَرِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ قَدْ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثمَّ جَاءَ مِنْ شِقِّهِ الآخَرِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ قَدْ زَنَى، فَأَمَرَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ، فَأُخْرِجَ إِلَى الحَرَّةِ فَرُجِمَ بِالحِجَارَةِ، فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الحِجَارَةِ فَرَّ يَشْتَدُّ حَتَّى مَرَّ برَجُلِ مَعَهُ لِحْيُ جَمَلِ فَضَرَبَهُ بِهِ، وَضَرَبَهُ النَّاسُ حَتى مَاتَ، فَذَكَرُوا ذلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَرَّ حِينَ وَجَدَ مَسَّ الحِجَارَةِ وَمَسَّ المَوْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلَّا تَرَكتُمُوهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ. أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا.
• قوله: "ويَشْتَدُّ"، أي: يَعْدُوْ ويُسْرِع.
• و "لِحْيُ جَمَلٍ": - بكسر اللَّام، وسكونِ الحَاءِ المُهْمَلةِ - عَظْمُه الَّذي يَنْبُتُ عليه الأسْنَان.
982 -
(1429) - (4/ 36 - 37) حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاعْترفَ بِالزِّنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ اعْترفَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَبِكَ جُنُونٌ"، قَالَ: لا، قَالَ:"أَحْصَنْتَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بالمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَة فَرَّ فَأُدْرِكَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ المُعْتَرِفَ بالزِّنَا إِذَا أَقَرَّ عَلى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ الحَدُّ، وَهُوَ قوْل أحْمَدَ، وَإِسْحَاق. وقال بَعْضُ أهْلِ العِلمِ: إِذا أَقَرَّ عَلى نَفْسِهِ مَرَّةً أُقِيمَ. عَليْهِ الحَدُّ، وَهُوَ قَول مَالِكِ بْن أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ هَذَا القَوْلَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْن خَالِدٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ابْنِي زَنَى بِامْرَأَةِ هَذَا
…
الحَدِيثَ بِطُولهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْترفَتْ فَارْجُمْهَا"، وَلَمْ يَقُلْ فَإِنْ اعْترفَتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
• قوله: "أَبِكَ جُنُونٌ": قال النَّوويُّ: إنَّما قَال ذلك لِيَتَحَقَّقَ حالُه؛ فإنَّ الغالبَ أن الإنْسَانَ لا يُصِرُّ على الإقْرار بما يَقْتَضِي قتلَه مع أن له طريقًا إلى سُقُوْطِ الإثْمِ بالتَّوْبَة
(1)
.
• قوله: "أَحْصَنْتَ": فيه إنَّ الإمامَ يَسْأل عن شُرُوْطِ الرَّجْم من الإحْصَانِ وغيره، سواء ثَبَتَ بالإقرارُ [أم] بالبَيِّنَةِ. كذا ذكره النَّوويُّ
(2)
.
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 11/ 193.
(2)
راجع: المصدر السابق: 11/ 193.
• قوله: "أَذْلَقَتْهُ": هو - بالذَّالِ المُعْجمة، وبالقاف - أي: أصَابَتْه بحَدِّها. [قاله] نووي
(1)
.
• قوله: "فَإِن اعْترَفَتْ": جوابُ مَنْ يَشْتَرِطُ الأربعَ، أن المرادَ به إنِ اعْترفَتْ بالرُّجُوْع الذي لا يوْجِبُ الرَّجْمَ، وكانَ ذلك الوجهُ معلومًا ومشهورًا بينَهم فاكْتَفى بذلك ولابُدَّ من ذلك، كيف ولو اعْترفَتْ مع دعوى الإكْراه أو الجُنُوْنِ و [ثَبَت]
(2)
ذلك فلا رَجْم، فالاسْتِدْلالُ بِهذا الحديثِ لا يخْلُو عن نَظرٍ.
(1)
راجع: المصدر السابق: 11/ 194.
(2)
في المخطوط: "وإثباتها".
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يُشْفَعَ فِي الحُدُودِ
983 -
(1430) - (4/ 37 - 38) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. عَنْ عُروَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُوميَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ. وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْن زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟ "، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، فَقَالَ:"إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تركُوه، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَأيْمُ اللهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ مَسْعُودِ ابْنِ العَجْمَاءِ وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَيُقَالُ: مَسْعُودُ بْنُ العَجْمَاءِ بْنِ الأَعْجَمِ، وَلَهُ هَذَا الْحَدِيْثُ.
• قوله: "مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا"، أي: في شأنِها، وعَفْوِ الحَدِّ عنها. "مَنْ": للإنْكَار فرَجع إلى النَّفْي، فلذا اسْتَثْنَاه بقوله:"إلَّا أسَامَةَ".
• و "الحِبُّ": - بكسر الحَاء - بمعنى المَحْبُوب، ومعنى"يَجْتَرِئُ": يَتَجَاسر عليه بطَريقِ الإدْلالِ.
• وقوله: "وَأيْمُ الله
…
" إلخ، فيه دَليلٌ لجَوازِ الحَلف من غير اسْتِحَلافٍ وهو مُسْتَحِبٌّ إذَا كانَ فيه تَفْخِيمٌ لأمْرٍ مَطْلوبٍ في الحديثِ، ونظائرُه كثيرةٌ ذَكَره النَّووي
(1)
.
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 11/ 186، 187.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَحْقِيق الرَّجْمِ
984 -
(1431) - (4/ 38) حَدَّثَنَأ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ:"رَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَجَمَ أَبُو بَكْرٍ وَرَجَمْتُ، وَلَوْلا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَزِيدَ فِي كِتَابِ اللهِ لَكَتَبْتُهُ فِي المُصْحَفِ، فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ أَنْ تَجِيءَ أَقْوَامٌ فَلا يَجِدُونَهُ فِي كِتَابِ اللهِ فَيَكْفُرُونَ بِهِ".
قَالَ: وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمَرَ.
985 -
(1432) - (4/ 38 - 39) حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْن شَبِيبٍ، وَإِسْحَاقُ بْن مَنْصُورٍ، وَالْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ الخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: إِنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بالحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَه، وَإِنِّي خَائِفٌ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ، فَيَقُولَ قَائِلٌ: لا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ وَقَامَتِ البَيِّنَةُ أَوْ كَانَ حَبَلٌ أَوِ اعْتِرَافٌ. وَفِي البَابِ عن عليٍّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه.
• قوله: "آيَةُ الرَّجْمِ": أرادَ بِها: "الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارجُمُوْهُما البَتَّةَ"، وهذا مما نُسِخَ. لفظُه وبقي حُكْمُه.
• وقوله: "فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم"، أي: أمرَ به.
وقوله: "أَحْصَنَ": - بضم الهمزة - تزَوَّجَ، وَوَطِئ مُبَاحًا، وكانَ عاقِلًا بالغًا، وزَادَ علماءُنا الحَنَفِيَّةُ الإسلامَ.
• "أَوْ كَانَ حَبَلٌ": بأن وُجِدَتْ امرأةٌ حُبْلَى بلا زَوْجٍ وسَيِّدٍ، ووجُوْبُ الحدِّ به.
• قوله: "عُمَرَ": ومَنْ وَافَقَه، والجَمْهورُ على خِلافِه لكنَّ إعلانَ عمرَ بذلك على المِنْبَرِ كما هو المَرْوِيُّ في هذا الحديثِ، وسكوتَ الصَّحابةِ من الحَاضِرين عن مُخَالَفَتِه بالإنكارِ دَليلٌ على ثبوتِ الرَّجْم بذلك، وقد استَدَلَّ النَّوويُّ
(1)
بذلك على إثْباتِ أصل الرَّجْم، والاسْتِدْلالُ بمِثْلِه عندَهم مشهورٌ بل يَعُدُّونَه إجماعًا سُكُوْتِيا. والله تعالى أَعلم.
• قوله: "فَيَكْفُرُونَ بِهِ"، أي: يُنْكِرُوْنَه. قال النَّووي
(2)
: وهذا الذي خَشِيَه قَدْ وَقَع منَ الخَوارِج ومَنْ وَافَقَهُمْ، وهذَا مِنْ كَرَاماتِ عمرَ رَضِي اللهُ تعالى عنه، ويحتملُ أنَّه عَلِم ذلك من جِهَتِه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم.
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 11/ 191.
(2)
المصدر السابق: 11/ 191.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ
986 -
(1433) - (4/ 39 - 41) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُتْبَةَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي هرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْن خَالِدٍ، وَشِبْلٍ، أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَحَدُهُمَا، وَقَالَ: أَنْشُدُكَ الله يَا رَسُولَ اللهِ، لَمَا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ؟ فَقَالَ خَصْمُهُ وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ! اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ وَائْذَنْ لِي فَاتكَلَّمَ: إِنَّ ابْنى كانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْني الرَّجْمَ، فَفَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، ثُمَّ لَقِيتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، فَزَعَمُوا أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، المِائَةُ شَاةٍ وَالخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْترفَتْ فَارْجُمْهَا"، فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْترفَتْ فَرَجَمَهَا.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْن خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه بِمَعْنَاه. حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ بِمَعْنَاهُ.
قَالَ: وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْن سَمُرَةَ، وَهَزَّالٍ، وَبُرَيْدَةَ، وَسَلَمَةَ بْن المُحَبَّقِ، وَأَبِي بَرْزَةَ، وَعِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْن خَالِدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَكَذَا رَوَى مَالِكُ بْن أَنَسٍ، وَمَعْمَرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُتْبَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْن خَالِدٍ، عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَوْا بِهَذا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال:"إِذا زَنَتِ الأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا، فَإِنْ زَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ فَبِيْعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ". وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْن خَالِدٍ، وَشِبْلٍ، قَالُوا: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، هَكَذَا رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ الحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْن خَالِدٍ وَشِبْلٍ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَهِمَ فِيهِ سُفْيَانُ بْن عُيَيْنةَ أَدْخَلَ حَدِيثًا فِي حَدِيثٍ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الوَليدِ الزُّبَيْدِيُّ، وَيُونُسُ بْن عُبَيْدٍ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْن خَالِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا".
وَالزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ شِبْلِ بْن خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَالِكٍ الأَوْسِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ" وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ. وَشِبْلُ بْن خَالِدٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا رَوَى شِبْلٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَالِكٍ الأَوْسِيِّ، عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا الصَّحِيحُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَة غيْرُ مَحْفوظٍ، وَرُوِيَ عَنهُ أنَّهُ قال شِبْلُ بْن حَامِدٍ وَهُوَ خَطأٌ، إِنَّمَا هُوَ شِبْلُ بْن خَالِدٍ وَيُقَالُ أيضًا شِبْلُ بْن خُلَيْدٍ.
• قوله: "أَنْشُدُكَ الله": - بفتح الهمزةِ، وضَمِّ الشِّيْن، ونصبِ "الله" بنَزْع الخافِض - أي: أسألُكَ باللهِ.
• وقوله: "لَمَّا": - ضُبِط بتَشْديد الميم - فيكونُ بمَعْنى "إلا". وقيلَ: -
بتَخْفِيْفِ اللام المفتوحَة
(1)
- في جَوابِ القَسْم، و"مَا" زَائِدةٌ، والأظْهَر عندِي كَسْرُ اللام وتخفيفُ المِيم على أن "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ، أي: لأجْل أنْ يُقْضَى، والتَّعبيرُ بالمَاضِي للإشْعَار بأنَّ قَضَاءَه بكتابٍ مُتَحَقِّق الوُجُوْدِ بحيثُ كأنَّه تَحَقَّقَ، لكن كسرَ اللام غيرُ مشهورٍ رِوَايةً.
• وقوله: "وَكَانَ أَفْقَهَ": يحتملُ أنَّه كانَ أفْقَهَ عمومًا أو في خُصُوْصٍ مِن هذه القَضِيَّةِ لأدَائِها على وَجْهِها، ويحتملُ أنَّه لحُسْن أدَبِه واسْتِئْذَانِه في الكلامِ.
• قوله: "جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ": بالإضَافةِ فيهما.
• قوله: "رَدٌّ عَلَيْكَ"، أي: مردودٌ عليكَ.
• "فاغْدُ يَا أُنَيْسُ
…
" إلخ، قالَ النَّووي: اعْلَمْ أن بَعْثَ أنيسٍ مَحْمولٌ على إعلامِ المَرأةِ بأنَّ هذَا الرَّجُلَ قذَفها بابْنِه؛ ليُعَرِّفَهَا بأنَّ لَهَا عندَه حَدُّ القَذْفِ فتُطَالِب به أو تَعْفُو عنه، إلا أنْ تَعْتَرفَ بالزِّنَا فلا يَجِبُ عليه حَدُّ القَذْفِ بل يَجِبُ عليها حَدُّ الزِّنا وهو الرَّجْم؛ لأنَّها كانَتْ مُحْصِنَةً ولا بُدَّ من هذا التَّأويلِ لأنَّ ظَاهرَه أنَّه بعثَ لطَلبِ إقَامَةِ حَدِّ الزِّنا وهو غيرُ مرادٍ؛ لأنَّ حدَّ الزِّنا لا يحتاطُ له بالتَّجْسِيْس والتَّفْسِير، بل لو أقَرَّ به الزَّاني استحبَّ أنْ يُلَقَّنَّ الرُّجوعَ
(2)
.
• قوله: "ضَفِير": كفَعيلٍ: الحَبْلُ، وهذا الفعلُ مُسْتَحَبٌّ عندَ الجُمهور، ويَلْزَم على البائع أنْ يُبَيِّنَ حالَها للَمُشْتري لأنَّه عيبٌ. فإنْ قيل: كيفَ يَكْرَه شَيْئًا وَيرْتَضيه لأخِيه المُسْلِمِ؟ فالجوابُ لعلَّها تسْتَعِفُّ عندَ المُشتري بأنْ يُعِفَّها بنَفْسِه، أو يَصُوْنَها بِهَيْبَتِه، أو بالإحْسَانِ إليها والتَّوسعة عليها، أو يُزَوِّجَها أو غيرَ
(1)
كما ورد في نسخة أحمد شاكر للترمذي.
(2)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 11/ 207.
ذلك. والله تعالى أعلم كذا ذكره النووي
(1)
.
987 -
(1434) - (4/ 41 - 42) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْن زَاذَانَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا عَنِّي، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، ثُمَّ الرَّجْمُ، وَالبِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ: عَلِيُّ بْن أَبِي طَالِبٍ، وَأبَيُّ بْن كَعْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: الثَّيِّبُ تُجْلَدُ وَتُرْجَمُ، وَإِلَىَ هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَول إِسْحَاقَ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَغَيْرُهُمَا: الثَّيِّبُ إِنَّمَا عَلَيْهِ الرَّجْمُ وَلا يُجْلَدُ، وَقَدْ رُوِيَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ هَذَا فِي غَيْرِ حَدِيثٍ فِي قِصّةِ مَاعِزٍ وَغيْرِهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِالرَّجْمِ وَلمْ يَأْمُرْ أنْ يُجْلدَ قبْل أَنْ يُرْجَمَ. وَالعَمَل على هَذا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ.
• قوله: "فَقَدْ جَعَلَ لَهُنَّ سَبِيلًا: هذه إشارةٌ إلى قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}
(2)
فبَيَّنَ صلَّى الله تعالى عليه وسلم أن هذا هو ذلك السَّبيلُ.
• قوله: "وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، إِلَى قوله: الثَّيِّبُ إِنَّمَا عَلَيْهِ الرَّجْمُ": قلتُ: هكذا في كثيرٍ من نُسَخِ الكتابِ، ووقع في بعض النسخ: "وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ وَهُوَ
(1)
المصدر السابق: 11/ 211، 212.
(2)
النساء: 15.
قَوْلُ إسْحَاقَ، وَقَالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
…
"إلخ، وهذه النُّسْخَة أظهرُ مَعْنًى، وأمَّا النُّسْخَةُ المشهورةُ فتَوجِيْهُها أنْ يُجعلَ الإشارة في قولِه: "وإلى هَذا" الرَّجم المُتَّصل به، أي: وإلى الرَّجم فقطُّ بقَرِيْنَةِ ما ذكر من البَيانِ بقوله: "الثَّيِّبُ إِنَّمَا عَلَيْهِ الرَّجْمُ": والله تعالى أعلم.
باب منه
(1)
988 -
(1435) - (4/ 42) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي المُهَلِّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ اعْترفَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالزِّنَا، فَقَالَتْ: إِنِّي حُبْلَى، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَليَّهَا، فَقَالَ:"أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَأَخْبِرْنِي"، فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا، فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَجْمِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ! رَجَمْتَهَا ثُمَّ تُصَلِّي عَلَيْهَا، فَقَالَ:"لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينهِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَحْسِنْ إِلَيْهَا": قالَ ذلك دَفْعًا لِمَا كانَ عليهَا من أذَى الأقَارِب بوَاسِطَة لُحُوْقِ العَار، أو لأنَّها تابَتْ فاسْتَحَقَّتِ الإحْسَانَ.
• قوله: "مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا
…
" إلخ، من الجُوْدِ، أي: صَرَفَتْ نَفْسَها في رضى اللهِ تعالى كما يَصْرِفُ أحدٌ المالَ فيه ويجودُ به.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ تَرَبُّصِ الرَّجْمِ بِالحُبْلَى حَتَّى تَضَعَ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رَجْمِ أَهْلِ الكِتَابِ
989 -
(1437) - (4/ 43/ 44) حَدَّثَنَاِ هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْن سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً.
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالبَرَاءِ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَعَبْدِ اللهِ بْن الحَارِثِ بْن جُزْءٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ جَابِرِ بْن سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَن غَرِيبٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ، قَالُوا: إِذَا اخْتَصَمَ أَهْلُ الكِتَابِ وَتَرَافَعُوا إِلَى حُكَّامِ المُسْلِمِينَ حَكَمُوا بَيْنَهُمْ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِأَحْكَامِ المُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَول أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يُقَامُ عَلَيْهِمُ الحَدُّ فِي الزِّنَا، وَالقَوْلُ الأوَّلُ أَصَحُّ.
• قوله: "لا يُقَامُ عَلَيْهِمُ الحَدُّ": قالوا: حُكْمُه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلم عليهم بالرَّجْم كانَ بالتَّوْرَاةِ.
قلتُ: فيَجِبُ علينَا اتِّباعُه في الحُكْم بينَهم بما أنزلَ اللهُ على أن هذا مُسْتعبد، بل ظاهرُ قوله تعالى:{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} الآية
(1)
. تَقْتَضي أنَّه يَجِبُ الحكمُ بينَهم بشَريعَتِه. والله تعالى أعلم.
(1)
المائدة: 48.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّفْيِ
990 -
(1438) - (4/ 44 - 45) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَيَحْيَى بْن أَكْثَمَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن إِدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْن خَالِدٍ، وَعُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، رَوَاه غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن إِدْرِيسَ فَرَفَعُوه، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن إِدْرِيسَ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْن عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن إِدرِيسَ. وَهَكَذَا رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إِدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ نحْوَ هَذَا، وَهَكَذَا رَوَاه مُحَمَّدُ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَلَمْ يَذْكَرُوا فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّفْيُ رَوَاه أَبُو هُرَيْرَةَ، وَزَيْدُ بْن خَالِدٍ، وَعُبَادَة بْن الصَّامِتِ وَغَيْرُهُمْ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْل العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَأبَيُّ بْن كعْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو ذَرٍّ وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكِ بْن أَنَسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ": في حديثِ العَسِيْفِ حديثٌ قالَ فيه صلَّى الله تعالى عليه وسلم: "عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ".
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الحُدُودَ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا
991 -
(1439) - (4/ 46 - 45) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ، قَالَ: كنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَجْلِسٍ، فَقَالَ:"تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزنوا - قَرَأَ عَلَيْهِمُ الآيَةَ - فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُه عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ عَلَيْهِ فَهُوَ كفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَخُزَيْمَةَ بْن ثَابِتٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ أَسْمَعْ فِي هَذَا البَابِ أَنَّ الْحَدَّ يَكُونُ كَفَّارَةً لِأَهْلِها شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبي بَكْرِ، وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أمَرَا رَجُلًا أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ.
• قوله: "وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا": هذا مَخصوصٌ بغير الشِّرْكِ وإلا فالمُشْركُ لا يُغْفَرُ له ولا يكونُ عُقُوْبَتُه كَفَّارةً له.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إقَامَةِ الحَدِّ عَلَى الإِمَاءِ
992 -
(1441) - (4/ 47) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْن عَلِي الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْن قُدَامَةَ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ سَعْدِ بْن عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى أَرِقَّائِكُمْ مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ، وَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا، فَأتيْتُهَا فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ، فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا، أَوْ قَالَ: تَمُوتَ، فَأتيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"أَحْسَنْتَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَالسُّدِّيُّ اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ قَدْ سَمِعَ مِنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، وَرَأَى حُسَيْنَ بْنَ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ.
• قوله: "عَلَى أَرِقَّائِكُمْ": - بفتح الهَمزةِ، وكسر الرَّاء، وتشديدِ القَاف - كالأحِبَّاء وزنًا.
993 -
(1440) - (4/ 46 - 47) حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا ثَلاثًا بِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ عَادَتْ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَشِبْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ الأَوْسِيِّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ رَأَوْا أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ الحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ دُونَ السُّلْطَانِ، وَهُوَ قَولُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُرْفَعُ إِلَى السُّلْطَانِ وَلَا يُقِيمُ الحَدَّ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَالقَوْلُ الأوَّلُ أَصَحُّ.
• قوله: "ثَلَاثًا"، أي: ثلاثَ مرَّاتٍ. "فإنْ عَادَتْ": في المَرَّة الرَّابعَةِ إلى الزِّنا.
• قوله: "يَرْفَعُ إلى السُّلْطَانِ": ففسَّرُوا قولَه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم: "فَلْيَجْلِدْهَا": بذلك. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ السَّكْرَانِ
994 -
(1442) - (4/ 47 - 48) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْن وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ زيدٍ العَمِّيِّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ البَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ الحَدَّ بِنَعْلَيْنِ أَرْبَعِينَ. قَالَ مِسْعَرٌ: أَظُنُّهُ فِي الخَمْرِ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَزْهَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالسَّائِبِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُقْبَةَ بْن الحَارِثِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَأَبُو الصِّدِّيقِ البَّاجِيُّ اسْمُهُ: بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ: بَكْرُ بْنُ قَيْسٍ.
• قوله: "ضَرَبَ الحَدَّ"، أي: أمَر بالضَّرْبِ.
• وقوله: "بِنَعْلَيْنِ": قيل: إنَّه ضَرَبَ بكُلٍّ منهما عدَدًا حَتَّى كَمُل من الجَمْع أربعونَ، وكذا ما في الحديثِ الآتِي، فضَرَبه بجَرِيْدَتَيْن. وقيل: بل جَمَعَهما وجلده بِهما فيكونُ المبلغُ ثمانين.
995 -
(1443) - (4/ 48) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّت عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ فَضَرَبَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ الأرْبَعِينَ، وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ: كَأَخَفِّ الحُدُودِ ثَمَانِينَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ.
قَالَ أَبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ
أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ حَدَّ السَّكْرَانِ ثَمَانُونَ.
• قوله: "اسْتَشَارَ النَّاسَ": بسَبَب أنَّه كَتَب إليه خالدُ بنُ الوليدِ أن النَّاسَ قد انْهَمَكُوْا في الشُّرب وتَحَاقَرُوْا العُقُوبةَ.
• وقوله: "فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ"، أي: بعدَ اتِّفَاقِ الصَّحابةِ عليه كما ثَبَتَ بذلك الرَّواية.
بقي أن الحُدودَ لا تزاد بالقِياس والمَصَالح، والإجماعُ لا ينْسَخ، ولا جوابَ إلا بالْتِزام أن العَملَ في وَقْتِه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم كانَ مختلفًا، فأخَذوا بأغْلَظِ ذلك كُلِّه. والله تعالى أعلم.
• قوله: "كَأَخَفِّ الحُدُودِ
…
" إلخ، المرادُ بِهما الحُدُوْدُ المذكورةُ في القُرآنِ من حَدِّ الزِّنا، والسَّرقة، والقَذفِ، وأخَفُّها حَدُّ القَذفِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَمْ يُقْطَعُ
(1)
[يَدُ] السَّارِقِ
996 -
(1445) - (4/ 50) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْن حُجْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْن عُيَيْنةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَتْهُ عَمْرَة، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْطَعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَدا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ غَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاه بَعْضُهُمْ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا.
• قوله: "مَرْفُوْعًا"، أي: بلَفظِ قال رسولُ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلم: "لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا في رُبْعِ دِيْنَارٍ فَصَاعِدًا".
997 -
(1446) - (4/ 50 - 51) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَطَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ.
قَالَ: وَفِي البَابِ عَنْ سَعْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَيْمَنَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرِ الصِّدِّيقُ قَطَعَ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَرُوِي عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ: أَنَّهُمَا قَطَعَا فِي رُبُعِ دِينَارٍ. وَرُوِي عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُمَا قالَا: تُقْطَعُ اليَدُ
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "تُقْطَعُ" مكان "يُقْطَعُ".
فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ، وَهُوَ قَول مَالِكِ بْن أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ: رَأَوْا القَطْعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا.
وَقد رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعودٍ أنهُ قال: "لا قَطْعَ إِلَّا فِي دِينَارٍ أوْ عَشرَةِ دَرَاهِمَ"، وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ رَوَاه القَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَالقَاسِمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْم، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأهْلِ الكُوفةِ، قَالُوا: لا قَطعَ فِي أقَلَّ مِنْ عَشرَةِ دَرَاهِمَ. وَرُوِي عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ". وَلَيْسَ إِسْنَادُه بِمُتَّصِلٍ.
• قوله: "مِجَنٍّ": - بكسر، ففتح، فتشديد نون - اسم لكُلِّ مَا يُسْتَر به من التُرْس ونحوه.
• وقوله: "قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ": من يقولُ بظاهِر الحديثِ الأوَّل يَحْمِلُه على أنَّه هذا القدرُ كان رُبْعُ دينارٍ في ذلك الوَقْتِ والرِّوَاياتُ شاهِدةٌ بذلك.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعْلِيق يَدِ السَّارِقِ
998 -
(1447) - (4/ 51) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن مُحَيْرِيزَ، قَالَ: سَأَلْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ تَعْلِيقِ اليَدِ فِي عُنُقِ السَّارِقِ أَمِنَ السُّنَّةِ هُوَ؟ قَالَ: "أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسَارِقٍ فَقُطِعَتْ يَدُه ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْن عَلِيٍّ المُقَدَّمِيِّ عَنِ الْحَجَّاجِ بْن. أَرْطَاةَ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مُحَيْرِيزَ هُوَ أَخُو عَبْدِ اللهِ بْن مُحَيْرِيز شَامِيٌّ.
• قوله: "فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ": قال القاضي أبو بكرٍ: كأنَّه من بابِ التَّطْويفِ به والإشَادَة بذِكْره ليَرْتَدِعَ به، ولو ثَبَتَ لكان حَسَنًا صحيحًا لكنَّه لم يَثْبُتْ، ويَرْويه الحَجَّاجُ بْنُ أرطاةَ
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح الترمذي لابن العربي: 6/ 180.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الخَائِنِ، وَالمُخْتَلِسِ، وَالمُنْتَهِبِ
999 -
(1448) - (4/ 52) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْن خَشْرَمٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْن يُونُسَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ، وَلا مُنْتَهِبٍ، وَلا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُغِيرَةُ بْن مُسْلِمٍ أَخُو عَبْدِ العَزِيزِ الْقَسْمَلِيِّ، كَذَا قَالَ عَلِيُّ بْن المَدِينيِّ بَصْرِيٌّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
• "الخَائِن": هو الذي جُعِل أمينًا على مالٍ فخانَ فيه "والمُنْتَهِب": من يأخُذُ مُكَابَرةً. "وَالمُخْتَلِس": من يَخْتَلِسُ بسُرعَةٍ على غَفْلةٍ.
قال القاضي: الخائنُ قد يُمَكَّنُّ من المَالِ فلم يَكُنْ مَحْرُوزًا عنه، والمُنْتَهِب: جَاهرٌ، ومقتضى السَّرقةِ الخفاءُ والسِّترُ عن الأبْصَار والأسْمَاع، وَالمُخْتَلِس: سارقٌ لغةً لكنَّه مُجَاهرٌ لا يقْصِد الخَلَواتِ، ولا يَقْصِد الغَفَلاتِ إلا عن المَسْرُوقِ منه خَاصَّةً، والمَرعِيُّ فعلُ السَّرقةِ على العُمُوْمِ
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح الترمذي لابن العربي: 6/ 181.
بَابُ مَا جَاءَ لَا قَطَعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ
1000 -
(1449) - (4/ 52 - 53) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى بْن حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْن حَبَّانَ، أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: "لا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَكَذَا رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى بْن حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْن حَبَّانَ، عَنْ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْن سَعْدٍ، وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى بْن حَبَّانَ، عَنْ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ وَاسِعِ بْن حَبَّانَ.
• قوله: "فِي ثَمَرٍ": فُسِّر بِمَا كان مُعَلَّقًا في النَّخْل قبلَ أن يُجَدَّ ويُحْرَز.
• "وَالكَثَر": - بفتحتين - جُمَّارُ النَّخْل - بضَمِّ الجيمِ، وتشديدِ الميم - قال في "النِّهايةِ": وهو شَحْمُه الذي في وَسَطِ النَّخْلَة
(1)
.
(1)
راجع: النهاية الجزرية لابن الأثير: 8/ 3582.
بَابُ مَا جَاءَ أَنْ لَا تُقْطَعُ الأَيْدِي فِي الغَزْوِ
1001 -
(1450) - (4/ 53 - 54) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْن عَيَّاشِ الْبصْرِيِّ، عَنْ شُيَيْمِ بْن بَيْتَانَ، عَنْ جُنَادَةَ بْن أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ بُسْرِ بْن أَرْطَاةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا تُقْطَعُ الأَيْدِي فِي الغَزْوِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رَوَاه غَيْرُ ابْنِ لَهِيعَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَ هَذَا، وَيُقَالُ بُسْرُ بْن أَبِي أَرْطَاةَ أيضًا.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْهُمْ: الأَوْزَاعِيُّ لَا يَرَوْنَ أَنْ يُقَامَ الحَدُّ فِي الغَزْوِ بِحَضْرَةِ العَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ مَنْ يُقَامُ عَلَيْهِ الحَدُّ بِالعَدُوِّ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ مِنْ أَرْضِ الحَرْبِ وَرَجَعَ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ أَقَامَ الحَدَّ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ كَذَلِكَ قَالَ الأوْراعِيُّ.
• قوله: "وَالعَمَل عَلَى هَذا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ": لم يَقُلْ بظَاهِره أكثرُ الفُقَهَاء، فقال قائلٌ: إنَّه ضعيفٌ. وقال آخرون: المرادُ بقولِه: "في غَزْوٍ" في غَنِيمةٍ لأنَّه شريكٌ بسَهْمِه فيه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُل يَقَعُ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ
1002 -
(1451) - (4/ 54) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْن حُجْرٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي عَرُوبَةَ، وَأَيُّوبَ بْن مِسْكِينٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْن سَالِمٍ قَالَ: رُفِعَ إِلَى النُّعْمَانِ بْن بَشِيرٍ رَجُلٌ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ:"لأقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لَئِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَهُ لأجْلِدَنَّهُ مِائَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ رَجَمْتُهُ".
• قوله: "لأَجْلِدَنَّهُ مِائَةً": أجَلَدتُّه الحَدَّ، يعنى أدَّبْتُه تعزيرًا، وبَلَغ به عددَ الحُرِّ تنكيلًا؛ لأنَّه رأى حدَّه بالجلد حَدًّا له. قاله القاضي
(1)
.
قلتُ: لأنَّ المُحْصِنَ حَدُّه الرَّجْمُ لا الجَلْد، ولعلَّ سببَ ذلك أن المَرأةَ إذا أحَلَّتْ جاريتَها لزَوْجِها فهي إعارةُ الفُرُوْج فلا تَصِحُّ، لكن العَاريةَ تصيرُ شُبْهَةً تُسْقِط الحدَّ إلا أنَّها شُبْهَةٌ ضعيفةٌ جِدًّا، فيُعَزَّو صاحِبُها، والحديثُ مضطربٌ ضَعَّفه البُخاري
(2)
؛ فلذلك تَرَكَه غالبُ الفُقهاءِ.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 184.
(2)
راجع: كتاب الضعفاء الصغير للإمام الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري: 53.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المَرْأَةِ إذَا اسْتُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا
1003 -
(1454) - (4/ 56) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن يُوسُفَ عَنْ إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْن حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْن وَائِلٍ الكِنْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ امْرَأَةً خَرَجَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُرِيدُ الصَّلاةَ، فَتَلَقَّاهَا رَجُلٌ فَتَجَلَّلَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا فَصَاحَتْ، فَانْطَلَقَ وَمَرَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ، فَقَالَتْ: إنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ فَعَلَ بي كَذَا وَكَذَا، وَمَرَّتْ بعِصَابَةٍ مِنَ المُهَاجرينَ، فَقَالَتْ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ فعَلَ بِي كَذا وَكَذا، فَانْطَلَقُوا، فأَخَذُوا الرَّجُلَ الذِي ظَنَّتْ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا وَأَتُوْهَا، فَقَالَتْ: نَعَمْ هُوَ هَذَا، فَأَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَمَرَ بِهِ لِيُرْجَمَ قَامَ صَاحِبُهَا الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا صَاحِبُهَا، فَقَالَ لَهَا:"اذْهَبِي فَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكِ"، وَقَالَ لِلرَّجُلِ قَوْلًا حَسَنًا، وَقَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا:"ارْجُمُوه"، وَقَالَ:"لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا أَهْلُ المَدِينَةِ لَقُبِلَ مِنْهُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلِ بْن حُجْرٍ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ بْن وَائِلٍ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ.
• قوله: "فَتَحلَّلَهَا"، أي: تغَشَّاها وجَامَعها من الحَلال - بالحاء المُهملة - وقيل: أي: صار لَهَا كالجُلِّ عليها، وهذا يدُلُّ على أنَّه الجِيمُ
(1)
.
• قوله: "فَلَمَّا أَمَرَ بِهِ لِيُرْجَمَ": لا يخْفى أنَّه بظَاهِره مُشْكِلٌ إذ لا يسْتَقِيمُ الأمرُ برَجْمِه من غَيرِ إقْرَارٍ ولا بَيِّنَةٍ، وقولُ المرأةِ لا يصلحُ بَيِّنَةً، بل هي التي
(1)
وقد ورد في نسخة أحمد شاكر للترمذي بالجيم كما ذكر في متن الحديث.
تَسْتَحِقُّ أنْ تُحَدَّ حَدَّ القَذفِ، فلعلَّ المرادَ فلَمَّا قَاربَ أنْ يَأمرَ به، وذلك قال الرَّاوي من حيثِ الظَّاهر أنَّهم أحْضَرُوْه في المَحْكم عندَ الإمام، فالإمامُ اشْتَغلَ بالتَّفْتِيْشِ عن حالِه. والله تعالى أعلم.
وأجاب القاضي:
(1)
بأنَّه حَكَم به لإظْهارِ الحَقِّ لا لِيَرْجُم، قال وفي هذا حكمةٌ عظيمةٌ، وذلك أن النبيُّ صلَّى اللهُ تعالى عبيه وسلَّم إنَّمَا أمَر به ليُرْجَم به قبلَ أن يُقِرَّ بالزِّنا، أوْ أنْ يَثْبُتَ عليه؛ ليكونَ ذلك سبببًا في إظْهَار الفَاعِل لنَفْسِه حَتَّى خَشِي أنْ يُرْجَم مَنْ لم يَفْعَلْ، وفدْا من غَريْبِ اسْتِخراج الحُقُوْقِ ولا يجوزُ ذلك لغَيْره صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم؛ لأنَّ غيرَه لا يَعْلَم من البَواطِن ما عَلِمَ هو صلَّى الله تعالى عليه وسلم. والله تعالى أعلم.
قلتُ: وفيه بحثٌ إذِ الْحُدوْدُ مِمَّا يُمْحَل في دَفْعِها لا في إثْبَاتِها، بل إذا أقَرَّ يَنْبَغي أنْ يُلَقَّنَ الرُّجُوعَ، فكيفَ يُحْمَل على الإقْرارِ بِهذا الوَجْه؟
ويمكنُ الجَوابُ بأنَّه لابُدَّ ههنا من إحْدَى الْحَدَّيْن، إمَّا أنْ تُحَدَّ المرأةُ بالقَذْفِ إنْ لَمْ يَثْبُتِ الزِّنَا، أو يُحَدَّ الرَّجُلُ إنْ ثَبَتَ، ففِي مثلِ هذَا يُمْكِنُ التَّمَحُّلُ لاسْتِخْرَاج الحَقِّ، لكنَّه قَدْ يُقَال: المَرأة يَنْبغِي أن تُحَدَّ؛ لأنَّها قَذَفَتْ ذلك الرَّجُلَ، وذلك الحَدُّ لا يزُوْلُ بظُهُورِ الحَقِّ إلا أنْ يُقَالَ: إذَا ظَهَر أن المرأةَ في أصْل القَذْفِ صَادِقَةٌ، وبالنَّظْر إلى خُصُوْصِ الرُّجُل قد ظَهَر أنَّه اشْتبَه عَلَيْها الأمْرُ وهِيَ مَعْذورةٌ، ففي مِثْلِ هذه الصُّوْرَة يَنْدَفِعُ عنها الحَدُّ إذا ثَبَتَ أصْلُ الزِّنَا، فلذلك يُمْحَل في اسْتِخْراجِ أصْلِ الزِّنَا. والله تعالى أعلم.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 188.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَقَعُ عَلَى البَهيمَةِ
1004 -
(1455) - (4/ 56 - 57) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عَمْرٍو السَّوَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْن أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجَدْتُمُوه وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوه وَاقْتُلُوا البَهِيمَةَ"، فَقِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا شَأْنُ البَهِيمَةِ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ لَحْمِهَا أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا وَقَدْ عُمِلَ بِهَا ذَلِكَ العَمَلُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْن أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أبِي رُزَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قال: "مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الحَدِيثِ الأَوَّلِ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَول أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "مِنَ الحَدِيثِ الأَوَّلِ": قال القَاضي: قال البُخاري: "عمرو بْنُ أبي عُمَر صَدوقٌ ولكنَّه أكثرَ عن عِكرمةَ ولم يَثْبُتْ سماعُه عنه. وقال أبو داودَ: حديثِ عاصمٍ يُضْعِفُ حديثَ عَمْرو وليسَ بصَحيحٍ وهي مَسْألةٌ أصُولِيَّةٌ هل يُسْقِطُ فَتْوى الرَّاوي ووايتَه أم لا؟ والصَّحيحُ أنَّه لا يسْقِطُها؛ لأنَّه أحدُ المُجْتَهدِين فيمَا رَأى، فيُمْكن أن يُخْطِئَ فيمَا رأى فلا يُتْرَكُ روايتُه لرَأيِه. انتهى
(1)
.
(1)
راجع عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 188.
قلتُ: لكن ههنا عَدَم صِحَّةِ الحديثِ معَ مُخَالَفَة الفَتْوى يُرَجِّحُ جَانِبَ السُّقُوطِ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ
1005 -
(1456) - (4/ 57 - 58) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عَمْرٍو السَّوَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْد العَزِيزِ بْن مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْن أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعُولَ بِهِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا الحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْن إِسْحَاقَ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْن أَبِي عَمْرٍو، فَقَالَ:"مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ"، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ القَتْلَ، وَذَكَرَ فِيهِ "مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً". وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ عَاصِمِ بْن عُمَرَ، عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"اقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعُولَ بِهِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلا نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهَ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ غَيْرَ عَاصِمِ بْن عُمَرَ العُمَرِيِّ، وَعَاصِمُ بْن عُمَرَ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ، فَرَأَى بَعْضُهُمْ: أَنَّ عَلَيْهِ الرَّجْمَ أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: حَدُّ اللُّوطِيِّ حَدُّ الزَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ.
• قوله: "وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ
…
" إلخ، المشهورُ من قَولِ أبي حنيفةَ أنَّه يُؤدَّبُ ولا حَدَّ فيه، واسْتَدَلَّ أصْحَابُه له بقَوْلِه تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ
فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا}
(1)
والله تعالى أعلم.
1006 -
(1457) - (4/ 58) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن هَارُونَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنِ القَاسِم بْنِ عَبْد الوَاحِدِ المَكِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُحَمَّدِ بْن عُقَيلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا. يَقول: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أخوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُحَمَّدِ بْن عُقَيلِ بْن أَبِي طَالِبٍ، عَنْ جَابِرٍ.
• قوله: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ": اسمُ التَّفْضِيل مَبْنِيٌّ للمَفْعُوْل، ولذَا أضِيْفَ إلى "مَا أخَافُ"، أي: الذي هو أكثرُ خوفًا وأشُدُّ ضَرَرًا من الأمُوْرِ الَّتِي يُخَافُ مِنْها على أمَّتِي، و [هوٍ] المُرادُ من "أخْوَفَ" لئلا يُعَارِضُه كونُ "أخْوَفَ مَا أخَافَ عَلَى أمَّتِي الأئِمَّة الْمُضِلُّوْنَ"
(2)
ونحوَه. والله تعالى أعلم.
(1)
النساء: 16.
(2)
راجع: مسند الإمام أحمد بن حنبل: 45/ 478، ح: 27485، وكنز العمال: 10/ 188، ح:28986.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُرْتَدِّ
1007 -
(1458) - (4/ 59) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلَامِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَقَتَلْتُهُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ"، وَلَمْ أَكُنْ لِأُحرِّقَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ. وَسَلَّمَ:"لا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ"، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا، فَقَالَ: صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ فِي المُرْتَدِّ، وَاخْتَلَفُوا فِي المَرْأَة إِذَا ارْتَدَّتْ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: تُقْتَلُ، وَهُوَ قَولُ الأوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: تُحْبَسُ وَلا تُقْتَلُ، وَهُوَ قَولُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ.
• قوله: "حَرَّقَ": منَ التَّحْرِيق.
• قوله: "مَنْ بَدَّلَ": أريدَ به المُسْلمُ على أن المَوصُوْلَ للعَهْدِ والمُسْلِم هو المعهودُ في مثل هذا. وقيل: على تقدير الصِّفَة، أي: من بدَّل دينَه الحَقَّ، وعلى الوَجْهَيْن فالحديثُ لا يَشْمَل مَنْ أسْلَم من الكَفَرة، والمرادُ "بعَذَابِ اللهِ": النار؛ لأنَّه لا يَنْبَغِي لأحَدٍ أن يُعَذِّبَ بِها غيرُ اللهِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ
1008 -
(1459) - (4/ 59 - 60) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو السَّائِبِ سَالمُ بْن جُنَادَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَلَمَةَ بْن الأَكْوَعِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي مُوسَى حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عَلَيْنَا"، أي: على أهْلِ الإسْلامِ، والمرادُ، أي: مِنْ غَير موجبٍ شَرْعِيٍّ.
• وقوله: "فَلَيْسَ مِنَّا"، أي: من أهْل طَريْقَتِنا، أو "لَيْسَ مِنَّا"، أي: من أهْل الإسْلامِ على التَّغْلِيظِ. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ السَّاحِر
1009 -
(1460) - (4/ 60) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن مُسْلِمٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ جُنْدَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
وَإِسْمَاعِيلُ بْن مُسْلِمٍ المَكِّيُّ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ وَإِسْمَاعِيلُ بْن مُسْلِمٍ العَبْدِيُّ البَصْرِيُّ، قَالَ: وَكِيعٌ هُوَ ثِقَةٌ وَيُرْوَي عَنِ الْحَسَنِ أيضًا، وَالصَّحِيحُ عَنْ جُنْدَبٍ مَوْقُوفٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْن أَنَسٍ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ إِذَا كَانَ يَعْمَلُ فِي سِحْرِهِ مَا يَبْلُغُ بِهِ الكُفْرَ، فَإِذَا عَمِلَ عَمَلًا دُونَ الكُفْرِ فَلَمْ نَرَ عَلَيْهِ قَتْلًا
.
• قوله: "ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ": المرادُ به القَتْلُ، والوَحْدةُ للإشَارةِ إلى الإسْراعِ بقَتْلِه، أي: يُضْرَبُ بالسَّيْفِ بحَيثُ يَمُوْتُ بمَرَّةٍ من الضَّرْبِ. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الغَالِّ مَا يُصْنَعُ بهِ
1010 -
(1461) - (4/ 61) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عَمْرٍو السَّوَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْن مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْن مُحَمَّدِ بْن زَائِدَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْد اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ وَجَدْتُمُوه غَلَّ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ"، قَالَ صَالِحٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى مَسْلَمَةَ وَمَعَهُ سَالِمُ بْنُ عَبْد اللهِ، فَوَجَدَ رَجُلًا قَدْ غَلَّ، فَحَدَّثَ سَالِمٌ بِهَذَا الحَدِيثِ فَأَمَرَ بِهِ، فَأُحْرِقَ مَتَاعُهُ، فَوُجِدَ فِي مَتَاعِهِ مُصْحَفٌ، فَقَالَ سَالِمٌ: بِعْ هَذَا وَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا الحَدِيثُ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَول الأوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: إِنَّمَا رَوَى هَذَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن زَائِدَةَ، وَهُوَ أَبُو وَاقِدٍ اللَّيثِيُّ وَهُوَ مُنْكَرُ الحَدِيثِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الغَالِّ فَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِحَرْقِ مَتَاعِهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "غَلَّ فِي اللهِ"، أي: خَانَ في الغَنيمَةِ.
• وقوله: "فَوُجِدَ": على بناءِ المفعول.
• قوله: "فَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِحَرْقٍ"، أي: فهو معَ ضُعْفِه مُخَالِفٌ لِمَا هو أصَحُّ منه.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَقُولُ لِآخَرَ يَا مُخَنَّثُ
1011 -
(1462) - (4/ 62) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: يَا يَهُودِيُّ! فَاضْرِبُوه عِشْرِينَ، وَإِذَا قَالَ: يَا مُخَنَّثُ! فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ، وَمَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوه".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا، قَالُوا: مَنْ أَتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ وَهُوَ يَعْلَمُ فَعَلَيْهِ القَتْلُ. وقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ قُتِلَ. وقَالَ إِسْحَاقُ: مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ قُتِلَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ رَوَاه البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَقُرَّة بْنُ إِيَاسٍ المُزَنِيُّ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ.
• قوله: "أي مُخَنَّثُ": قد يُرَادُ به مُجَرَّدُ أنَّه تَشَبُّهٌ بالنِّسَاء، وقد يُرَادُ به التَّعْريضُ بالقَذْفِ.
بَاب [مَا جَاءَ] فِي التَّعْزير
1012 -
(1463) - (4/ 63) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْن أَبِي حَبيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ الله بْن الأشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْن نِيَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ بُكَيْرِ بْن الأشَجِّ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي التَّعْزِيْرِ، وَأَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي التَّعْزِيْرِ هَذَا الحَدِيثُ، قَالَوَا قَدْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ بُكَيْرِ، فَأَخْطَأَ فِيهِ، وَقَالَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ خَطَأٌ، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ اللَّيثِ بْن سَعْدٍ، إِنَّمَا هُوَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْن نِيَارٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "إِلَّا فِي حَدٍّ": المُتبَادرُ منه الحدودُ المُقَدَّرةُ كحَدِّ الزِّنَا، والقَذْفِ وغيرِه. وقيل: المرادُ به الذَّنْبُ الفاحِشُ الذي يَشبَه أنْ يكونَ فيه حَدٌّ وإنْ لَمْ يُشْرَعْ، وهذا تأويلٌ بَعِيْدٌ جِدًّا ولا يُسَاعِدُه قولُه صلى الله عليه وسلم:"مِنْ حُدُوْدِ اللهِ"، وعلى الأوَّلِ مَا لا حَدَّ فيه لا يُزَادُ فيه عَلى العَشْر، وعلى الثَّاني الأمورُ القَريبةُ التي تكونُ في الذُّنُوب اليَسِيْرةِ لا يُزادُ فيها على العَشَرة، وأمَّا ما فحُش من ذَنْب وقَبُحَ مِمَّا لم يَردْ فيه حَدٌّ فللإمامِ فيه الزِّيَادةُ على العَشرِ على حسبِ ما يَراه بالاجْتِهادِ، وهذا الثَّاني قولُ مالكٍ ومَنْ وَافَقَه. والله تعالى أعلم.
[كِتَابُ الصَّيْدِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ [مَا] يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الكَلْبِ وَمَا لا يُؤْكَلُ
1013 -
(1465) - (4/ 65) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْن غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ عَدِيِّ بْن حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نُرْسِلُ كِلَابًا لنَا مُعَلَّمَةً، قَالَ:"كُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَتَلْنَ مَا لَمْ يَشْرَكهَا كَلْبٌ غَيْرُهَا"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نَرْمِي بِالمِعْرَاضِ، قَالَ:"مَا خَزَقَ فَكُلْ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَسُئِلَ عَنِ المِعْرَاضِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
1014 -
(1464) - (4/ 64) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن هَارُونَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبي ثَعْلَبَةَ. وَالحَجَّاجُ عَن الوَليدِ بْن أَبي مَالِكٍ، عَنْ عَائِذِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أبَا ثعْلبَةَ الخُشَنِيَّ، قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا أَهْلُ صَيْدٍ، قَالَ:"إِذَا أَرْسَلْتَ كلْبَكَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، فَأَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ"، قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلَ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَتَلَ"، قُلْتُ: إِنَّا أَهْلُ رَمْي، قَالَ:"مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ فَكُلْ"، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّا أَهْلُ سَفَرٍ نَمُرُّ بِاليَهُودِ، وَالنَّصَارَى،
وَالمَجُوسِ فَلَا نَجِدُ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ، قَالَ:"فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَاغْسِلُوهَا بِالمَاءِ ثُمَّ كُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا".
قَالَ: وَفِي البَابِ عَنْ عَدِيِّ بْن حَاتِمٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَعَائِذُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ هُوَ أَبُو إِدْرِسٌ الخَوْلانِيُّ. وَاسْمُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيِّ جُرْثُومٌ، وَيُقَالُ: جُرْثُمُ بْن نَاشِمٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ قَيْسٍ.
• قوله: "مَا لَمْ يَشْرَكهَا كَلْبٌ غَيْرُهَا"، أي: مِنْ غَير كِلابِك، وفي روايةٍ "فإنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ"
(1)
وبِهذه الرِّوَاية تَبَيَّنَ أن المرادَ بكَلْبٍ مِنْ غَيرِها ما لم يُسَمَّ عليه، وأمَّا الذي سُمِّىَ عليه فهو مثلُ كَلْبِه.
• قوله: "مَا خَزَقَ": - بمعجمتين - أي: قَتَلَ بحَدِّه.
• قوله: "بالمِعْرَاضِ": قال السيوطيُّ: - بكسر الميم، وسكونِ العين المُهْملة، وآخرُه ضَادٌّ مُعجمةٌ - خَشْبَةٌ ثقيلةٌ، أو عصًا في طَرفِها حديدةٌ وقد تكونُ بغير حَدِيَدةٍ
(2)
. وقيل: هو سَهْمٌ لا ويشَ له. وقيلَ: عُوْدٌ رقيقُ الطَّرْفَيْن، غليظُ الوَسَط.
• قوله: "قَوْسُكَ": أي: رَمْيك.
(1)
راجع: صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد، باب: إذا وجد مع الصيد كلبا آخر، ح: 5486، وصحيح مسلم: كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب: الصيد بالكلاب المعلمة، ح: 1929، وسنن النسائي: كتاب الصيد والذبائح، باب: إذا وجد مع كلبه كلبا آخر، ح:4271.
(2)
راجع: قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي: 1/ 385.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صَيْدِ كَلْبِ المَجُوسِ
1015 -
(1466) - (4/ 65 - 66) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْن عِيسَى، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنِ الحَجَّاجِ، عَنِ القَاسِمِ بْن أَبِي بَزَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ اليَشْكُرِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ:"نُهِينَا عَنْ صَيْدِ كَلْبِ المَجُوس".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكثَرِ أَهْلِ العِلْمِ لا يُرَخِّصُونَ فِي صَيْدِ كلْبِ المَجُوسِ. وَالقَاسِمُ بْن أَبِي بَزَّةَ هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ نَافِعٍ المَكِّيُّ.
• قوله: "كَلْب المَجُوس"، أي: ما أرْسلَه المَجُوْسِيُّ، وفي مَعْناه ما أرْسَل بلا تَسْمِيَةٍ عندَ كثيرٍ، وأمَّا إذا استَعار أحدٌ الكلبَ من المَجُوسِيِّ وأرْسَله [بـ] بِسْمِ اللّهِ فلا بأسَ به.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صَيْدِ البُزَاةِ
1016 -
(1467) - (4/ 66) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْن عَلِيٍّ، وَهَنَّادٌ، وَأَبُو عَمَّارٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْن حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَيْدِ الْبَازِي، فَقَالَ:"مَا أَمْسَكَ أعَلَيْكَ فَكُلْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث لا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ لا يَرَوْنَ بِصَيْدِ البُزَاةِ، وَالصُّقُورِ بَأْسًا. وقَالَ مُجَاهِدٌ: "البُزَاة: هُوَ الطَّيْرُ الَّذِي يُصَادُ بِهِ مِنَ الْجَوَارِحِ الَّتِي قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ}
(1)
فَسَّرَ الكِلابَ وَالطَّيْرَ الَّذِي يُصَادُ بِهِ.
وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي صَيْدِ البَازِي وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، وَقَالُوا: إِنَّمَا تَعْلِيمُهُ إِجَابَتُهُ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، وَالفُقَهَاءُ أَكثرهُمْ قَالُوا: نَأْكُلُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ.
• قوله: "وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ"، أي: البَازِيُّ، وأمَّا الكلبُ فالأكثرُ فيه على الحُرْمَةِ إذا أكَلَ كما سَيَجِيءُ.
(1)
المائدة: 4.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِيمَنْ يَرْمِى الصَّيْدَ فَيَجِدُهُ مَيِّتًا فِي المَاءِ
1017 -
(1469) - (4/ 67 - 68) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنِي عَاصِمٍ الأحْوَلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْن حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْصَّيْدِ، فَقَالَ:"إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إِلَّا أَنْ تَجِدَه قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَلا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِي المَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيحٌ.
• قوله: "فَإِنَّكَ لا تَدْرِيْ
…
" إلخ، يُفيدُ أن الأصلَ الحُرْمةُ، فإذَا حَصَل الشَكُّ يُطْرَحُ ويَرْجعُ إلى الأصْل وعَلَى هذا جميعُ صُوَر الشَكِّ.
• قوله: "قَدْ قَتَلَ": على بناءِ الفاعل، فالضَّميرُ للسَّهْم.
[بابُ مَا جَاءَ فِي الكَلْب يَأْكُلُ مِنَ الصَّيْدِ]
1018 -
(1470) - (4/ 68) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَيْدِ الكَلْبِ المُعَلَّمِ، قَالَ:"إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَإِنْ أَكَلَ فَلا تَأْكلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ"، "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ خَالَطَتْ كِلابَنَا كِلابٌ أُخَرُ؟ قَالَ: "إِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تَذْكُرْ عَلَى غَيْرِهِ". قَالَ سُفْيَانُ: أَكْرَهُ لَهُ أَكلَهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبِيحَةِ إِذَا وَقَعَا فِي المَاءِ أَنْ لا يَأْكُلَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الذَّبِيحَةِ إِذَا قُطِعَ الحُلْقُومُ فَوَقَعَ فِي المَاءِ فَمَاتَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي الْكَلْبِ إِذَا أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ، فَقَالَ أَكثَرُ أَهْلِ العِلْمِ: إِذَا أَكَلَ الكَلْبُ مِنْهُ فَلا تَأْكُلْ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ فِي الأكلِ مِنْهُ وَإِنْ أَكَلَ الكَلْبُ مِنْهُ.
• قوله: "فَإِنْ أَكَلَ فَلا تَأْكُلْ": وهذا الحديثُ في الصَّحِيحَيْن
(1)
، وبه
(1)
راجع: صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد، باب: إذا أكل الكلب، ح: 5483، صحيح مسلم: كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب: الصيد بالكلاب المعلمة، ح:1929.
أخذَ غالِبُ العُلَمَاء.
• وقوله: "فَإِنَّمَا أَمْسَكَ
…
" إلخ، يفيدُ أن اللهَ تعالى إنَّمَا أباحَه بشَرْطِ إنْ أمْسَكَ عَلَينا، وإذَا أكَل فقَدْ أمْسَكَ على نَفْسِه فلم يُوْجَدْ شَرْطُ الإبَاحَة، والأصْل تَحْرِيْمُه.
• قوله: "وَإِنْ أَكَلَ الكَلْبُ مِنْهُ": اسْتَدَلُّوْا بِمَا في سُنَنِ أبي داود
(1)
وغيره
(2)
بإسنادٍ حَسَن عن أبي ثَعْلَبَةَ أن النبيَّ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم قال له: "كُلْ وإنْ أكَلَ مِنْهُ الْكَلبُ " وهذا مُعَارِضٌ بالحَديثِ السَّابقِ لكنَّهم بَنَوْا دليلَهم على أن الأصلَّ الحِلُّ.
وجوابُ الجُمْهور أن حديثَ الحرمةِ أصَحُّ؛ فإنَّه في الصَّحِيْحَيْن، وأنَّ الحُرْمةَ عندَ التَّعَارُض أرْجَحُ قرَّره علماؤنا في الأصُوْل.
• قوله: "إِنَّمَا ذَكرْتَ اسْمَ الله
…
" إلخ، هذَا الحديثُ وأمثالُه ظاهرةٌ في أن مَتْروكَ التَّسْمِيَة في الصَّيدِ حرامٌ. والله تعالى أعلم.
(1)
راجع: سنن أبي داود: كتاب الصيد، باب: في الصيد، ح:2857.
(2)
راجع: مسند الإمام أحمد بن حنبل: 3/ 591، ح:6896.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صَيْدِ المِعْرَاضِ
1019 -
(1471) - (4/ 69) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْن عِيسَى، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْن حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَيْدِ المِعْرَاضِ، فَقَالَ:"مَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَمَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ". حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَكرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْن حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ.
• قال النَّوويُ: "المِعْرَاضِ": - بكَسْر الميمِ والعَين المُهْمَلة - خَشْبَةٌ ثقيلةٌ، أو عصًا في طَرفها حديدةٌ وقد يكونُ بغَير حَديدةٍ هذا هو الصَّحيحُ في تفسيره
(1)
.
• وقوله: "بِعَرْضِهِ": وهو - بفَتح العين - أي: بغَير مُحَدَّدٍ منه.
• وقوله: "فَهُوَ وَقِيذٌ"، أي: حرامٌ لعَدِّهِ تعالى المَوْقُوذَةَ من المُحرَّمات. قال النَّووي: "والوَقِيْذُ وَالْمَوْقُوْذُ": هو الذي يُقْتَل بغير مُحَدَّدٍ من عَصًا أو حَجَرٍ أو غيرهما
(2)
. وقال السيوطيُّ: "الوَقِيْذ": - بالذَّال المُعْجَمة - فعيلٌ بمعنى مفعولٍ
(3)
.
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 13/ 75.
(2)
راجع: المصدر السابق: 13/ 75.
(3)
قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي: 1/ 385.
[كِتَابُ الذّبَائِحِ]
باب في الذَّبْح بالمَرْوَة
(1)
1020 -
(1472) - (4/ 70) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى القُطَعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ صَادَ أَرْنَبًا أَوْ اثْنَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِمَرْوَةٍ فَتَعَلَّقَهُمَا حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهِمَا.
قَالَ: وَفِي البابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن صَفْوَانَ، وَرَافِعٍ، وَعَدِيِّ بْن حَاتِمٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْل العِلْم فِي أَنْ يُذَكِّيَ بمَرْوَةٍ وَلَمْ يَرَوْا بأَكْلِ الأرْنَب بَأسًا، وَهُوَ قوْل أكثرِ أهْلِ العِلمِ، وَقد كَرِهَ بَعْضُهُمْ أكْل الأرْنَبِ. وَقدِ اخْتَلفَ أَصْحَابُ الشَّعْبِيِّ فِي رِوَايَةِ هَذَا الحَدِيثِ فَرَوَى دَاوُدُ بْن أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن صَفْوَانَ، وَرَوَى عَاصِمٍ الأحْولُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ صَفْوَانَ بْن مُحَمَّدٍ أَوْ مُحَمَّدِ بْن صَفْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بْن صَفْوَانَ أَصَحُّ، وَرَوَى جَابِرٌ الجُعْفِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ نَحْوَ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ رِوَايَةَ الشَّعْبِيِّ عَنْهُمَا، قَالَ مُحَمَّدٌ: حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ غَيْرُ مَحْفوظٍ.
• قوله: "بمَرْوَةٍ": هو - بفتح ميمٍ، وسكون راءٍ - حَجرٌ أبيض برَّاقٌ، ويُجْعَل منه كالسِّكِّينِ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي الذَّبِيحَةِ بِالمَرْوَةِ.
[كِتَابُ الأطْعمَةِ]
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي كَرَاهِيَةِ أَكْل المَصْبُورَةِ
1021 -
(1473) - (4/ 71) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي أيُّوبَ الأفْرِيقِيِّ، عَنْ صَفْوَانَ بْن سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ المُجَثَّمَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُصْبَرُ بِالنَّبْلِ".
قَالَ: وفِي البَابِ عَنْ عِرْبَاضِ بْن سَارِيَةَ، وَأَنَسٍ، وَابْن عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
• "صَبْرُ الحيوان": هو أن يُمْسَكَ حيًّا، ويُحْبَسَ ويُرْمَى حتى يموتَ فهذا لا يجوزُ أكلُه لأنَّه مِيْتَة.
1022 -
(1474) - (4/ 71 - 72) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن يَحيْىَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قالوا: حدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ وَهْبِ بْن خالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ العِرْبَاضِ وَهُوَ ابن سَاريَةَ، عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ كُلِّ ذِي نَابٍ السَّبُعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ، وَعَنْ لُحُومِ الحُمُر الأَهَليَّةِ، وَعَنْ الْمُجَثَّمَةِ، وَعَنْ الخَلِيسَةِ، وَأَنْ تُوطَأَ الحبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى: سُئِلَ أَبُو عَاصِمٍ عَنِ المُجَثَّمَةِ، قَالَ: أَنْ يُنْصَبَ الطَّيْرُ أَوِ الشَّيءُ فَيُرْمَى. وَسُئِلَ عَنِ الخَلِيسَةِ، فَقَالَ: الذِّئْبُ أَوِ السَّبُعُ يُدْرِكهُ الرَّجُلُ فَيَأْخُذُه مِنْهُ فَيَمُوتُ فِي يدِهِ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهَا.
• قوله: "ذِي نَابٍ": هو ما يَتَعَدَّى بنَابه ويَصْطَاد، وفي "المَجْمع" هو: ما يَفْتَرسُ الحيوانَ ويأكُلُه قَهْرًا كالأسَد
(1)
.
قال ابنُ الأثير: "النَّابُ": السِنُّ الذي خَلْفَ الرُّبَاعِيَّة
(2)
. وهل المرادُ كُلُّ ذِي نَابٍ يَعْدُوْ ويَصُوْلُ به على غَيره، أو مَا يَعْدُوْ بطَبْعِه غالبًا بخلافِ غير العَادي؟ وَجْهان، و"مِنْ" على الأوَّل تَبْعِيْضِيَّةٌ، وعلى الثَّاني لبيانِ الجِنْس إذ السِّبَاع كلُّها ذاتُ أنْيابٍ.
• "والمِخْلَب": - بكسر الميم وفتح اللَّام - وهو للطَّير، والسِّباع بمنزلةِ الظُّفْر منَ الإنْسَانِ.
• "فَقَالَ: الذِّئْبُ
…
" آه، لم يُرِدْ أن الْخَلِيَّةَ يعنى الذِّئب، بل أرادَ أنَّها مَا أخَذَه الذِّئبُ والسَّبُع ليأكلَه فيُخلِّيْه الإنسانُ من الذِّئْب، وقد ذكرَ اللهُ تعالى في كتَابه واسْتَثْنى فقال:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ}
(3)
.
1023 -
(1475) - (4/ 72) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد الأعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَّخَذَ شَيءٌ فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للشيخ محمد طاهر الهندي: 4/ 815، 816.
(2)
راجع: النهاية الجزرية لابن الأثير: 9/ 4321.
(3)
المائدة: 4.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ.
• قوله: "غَرَضًا"، أي: مَرْمَى؛ لأنَّه تعذيبٌ للحَيْوانِ أو إتْلافٌ له لأنَّه إنْ كانَ حَلالًا يَصيرُ ميْتَةً فيحرمُ، وإن كانَ حَرامًا يَخْرُجُ عن المَنْفَعَةِ.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي ذَكَاةِ الجَنِين
1024 -
(1476) - (4/ 72 - 73) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ عَنْ مُجَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْن غِيَاثٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِي الوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"ذَكَاةُ الجَنِينِ ذَكَاةُ أمِّهِ".
قَالَ: وَفِي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَأَبُو الوَدَّاكِ اسْمُهُ: جَبْرُ بْن نَوْفٍ.
• "ذَكَاةُ الجَنِينِ ذَكَاة أُمِّهِ": قيل: على الحَقِيْقةِ بمعنى أن ما طيَّبَ أمَّه من الذَّبْح طَيَّبَه فهو إذا خَرجَ من بَطْن أمِّه ميِّتًا يُؤكَل إذَا ذُبِح أمُّه، وإليه ذَهَب محمَّدٌ من علمائِنا. وقيل على التَّشْبِيهِ، أي: كما أنَّ أمَّه تَحتاجُ إلى ذَبحٍ جديدٍ، يحتاجُ الجَنينُ إليه، فإذَا خَرج مَيِّتًا لا يؤكَل، وإن خرجَ حَيًّا فذُبِحَ يُؤكَل، وإليه ذَهب من عُلمائِنا أبو حنيفةَ. ورُدَّ بأنَّه إذا أمكنَ العملُ بالحَقِيقَةِ لم يُعْدَلْ عنها.
قال القاضي: الحديثُ ذكره أبو داود، والنسائي، والدارُقطني وغيرُهم، وفيه قلنا: "يَا رَسُوْلَ اللهِ! نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبقَرَةَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فَي بَطْنِهَا الْجَنِيْنَ
أنُلْقِيْهِ أمْ نَأْكُلُهُ؟ " قال: "كُلُوْهُ إنْ شِئْتُمْ فإنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاة أمِّهِ"
(1)
. وهذا ظاهرٌ فِي الحَقيقةِ إذ لا يُشْكَل على الصَّحَابةِ إلا ما خَرجَ مَيِّتًا. والله تعالى أعلم.
(1)
عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي للقاضي لابن العربي: 6/ 213.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي كرَاهِيَةِ كُلِّ ذي نَابٍ وَ [ذي] مِخْلَبٍ
1025 -
(1478) - (4/ 73) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْن غَيْلَانَ، حَدَّتنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:"حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعنِي يَوْمَ خَيْبَرَ - الحُمُرَ الإِنْسِيَّةَ، وَلُحُومَ البِغَالِ، وَكُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِرْبَاضِ بْن سَارِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيث حَسَن غَرِيبٌ.
• قوله: "الإِنْسِيَّةَ": - بكسر الهَمزةِ، أو فتحها وسكونِ النُّون - وهي الأهْلِيَّةُ.
باب مَا جَاءَ ما قُطِعَ من حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ
1026 -
(1480) - (4/ 74) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْن رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْن يَسَارٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَهُمْ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الإِبِلِ، وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الغَنَمِ، فَقَالَ:"مَا قُطِعَ مِنَ البَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ".
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْن يَعْقُوبَ الجُوزَجَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْد الله بْن دِينَارٍ نَحْوَه. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ. وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ اسْمُهُ: الحَارِثُ بْن عَوْفٍ.
• قوله: "يَجُبُّونَ" من الجَبِّ - بالجيم، وتَشديدِ الباء - بمعنى القَطْع. و"أَلْيَاتِ الغَنَمِ " جَمعُ إلْيَةٍ، أي: كانوا يَقْطَعُوْن بعضَ أجْزاءِ الحَيِّ ويأكُلُوْنَه. وقيل: إنَّما كانَ كذلك لأنَّهم كانُوْا يَخُصُّوْنَ ذلك الجَزْمَ بالقَطْع، فحرم ذلك لأنَّه لم يكُنْ ذكاةً، وأمَّا من قَصَد قتلَ الصَّيْد، فأبَانَ عُضْوًا منه فماتَ فإنَّه ذكاةٌ لأنَّه قَصَدَ الذَّكَاة بفِعْلٍ مأذُونٍ فيه.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] الذَّكَاةِ فِي الحَلْق وَاللَّبَّةِ
1027 -
(1481) - (4/ 75) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكيعٌ عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن هَارُونَ، أنْبَأنَا حَمَّادُ بْن سَلَمَةَ عَنْ أَبي الْعُشَرَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَمَا تَكُونُ الذَّكَاة إِلَّا فِي الحَلْقِ وَاللَّبَّةِ؟ قَالَ: "لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لأجْزَأَ عَنْكَ". قَالَ أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ: قَالَ يَزِيدُ بْن هَارُونَ: هَذَا فِي الضَّرُورَةِ.
قَالَ: وَفِي البَابِ عَنْ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، وَلا نَعْرِفُ لِأبِي العُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ. وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِ أَبِي العُشَرَاءِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اسْمُهُ أُسَامَةُ بْن قِهْطِمٍ، وَيُقَالُ: اسْمُهُ يَسَارُ بْن بَرْزٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ بَلْزٍ، وَيُقَالُ: اسْمُهُ عُطَارِدٌ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ.
• قوله: "أَمَا تَكُونُ
…
" إلخ، الهمزةُ للاسْتِفْهام و"مَا" نافِية. "وَاللَّبَّة" - بفَتح اللام، فمَوَحَّدة مُشَدَّدَة - موضِعُ القِلادة من الصَّدرِ، سُئِل أنَّ الذَّكاةَ مُنْحَصِرةٌ فيهما دائِمًا، فأجابَ إلا في الضَّرُوْرَة. قال القاضني: الحديثُ مشهورٌ لكن تفرَّدَ به حمَّادُ بْنُ سلمةَ، فَهِمَ المسلمونَ أنَّ محلَّ الذَّكاةِ الحَلْق فيما يُذْبَحُ، واللَّبَة فيما يُنْحَر، فسألوا النبيَّ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم هل تكونُ ذكاةٌ في غيرِهما؟ فقال: "لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا أجْزَأ عَنْكَ " يعني ومَاتَتْ، ويُعْضِدُه الحديثُ الصَّحيحُ: "ندَّ بَعِيْرٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ تَعَالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَدَّ فَافْعَلُوْا بِه هَكَذَا" وهذا يَدُلُّ على أنَّه ذكاةٌ وإلا لَمَا أمَرَه به، لأنَّه تَعْريضٌ لتَلْفِه منه وفَسَادِه به، وذلك لا يجُوْزُ منه صلى الله تعالى عليه وسلَّم؛ لأنَّه بُعِثَ مُبِيِّنًا
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 216، 217.
[كِتَابُ الأحْكَامِ وَالْفَوَائِدِ]
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي قَتْل الوَزَغِ
1028 -
(1482) - (4/ 76) حَدَّثَنَا أَبُو كريْبٍ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَهْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً بِالضَّرْبَةِ الأُولَى كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنًةً، فَإِنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، فَإِنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ كَانَ لَهُ كذَا وَكَذَا حَسَنَةً".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْن مَسْعُودٍ، وَسَعْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ شَرِيكٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: - "وَزَغَةً": - بفتحتين - وقد وَقَع في روايةٍ مُسْلم "كُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وفِي الثَّانِيَةِ دُوْنَ ذَلِكَ، وَفِي الثَّالِثَةِ دُوْنَ ذَلِكَ، في رواية: فِي أوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِيْنَ حَسَنَةً"
(1)
: قالوا: إنَّما أمَر بقَتْلِها لكَوْنِها من المُؤْذِيَات، وزيادةُ الحَسَناتِ في الضَّربَةِ الأوْلى قَبْلَها للحَثِّ على المُبَادَرَة بقَتْلِها والاعتناءِ به؛ فإنَّها رُبَّمَا تَفْلُتُ فيَفوتُ قَتْلُها، واختلافُ الرِّوَايِتَين في الضَّربةِ الأولى لعَلَّه بناء على أنَّه أخْبَر أوَّلا بسبعين، ثم تصدَّق الله تعالى بالزِّيادَةِ فأخبر ثانيًا. والله تعالى أعلم.
(1)
راجع: صحيح مسلم، كتاب السلام، باب استحباب قتل الوزغ، ح:2240.
بَابٌ فِي قَتْل الْجِنَانِ
(1)
1029 -
(1483) - (4/ 76 - 77) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْتُلُوَا الحيَّاتِ، وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ، وَالأبتر، فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ البَصَرَ، وَيُسْقِطَانِ الحُبْلَى".
قَالَ: وَفِي البَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَهْلِ بْن سَعْدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ حَيَّاتِ البيوتِ. وَهِيَ: العَوَامِرُ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْن الخَطَّابِ أيضًا. وقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ إِنَّمَا يُكْرَه مِنْ قَتْلِ الحَيَّاتِ: قَتْلُ الحَيَّةِ الَّتِي تَكُونُ دَقِيقَةً كَأَنَّهَا فِضَّةٌ وَلا تَلْتَوي فِي مِشْيَتِهَا.
• قوله: "ذَا الطُّفْيَتَيْنِ": هو - بضَمِّ الطَّاء وسكون الفاءِ - الخَطَّانِ الأبْيَضَانِ على ظَهْر الحَيَّةِ. "وَالأبترَ": هو الَّذِي لا ذَنَبَ له أو قَصير الذَّنَب. "والحَبَل": - بفتحتين - مصدرٌ أطْلِق على المَحْبُولِ.
قال السُّيوطِيُّ: يعنى "يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ"، أي: إذا نَظَر إلى الإنْسَانِ ذَهَب بصرُه بالخَاصِيَّةِ فيهما، وكذا قولُه:"وَيُسْقِطَانِ الحُبُل": بالخَاصِيَّةِ أيضًا
(2)
. وقيل: إنَّهما يَقْصِدَانِ البَصَر باللَّسْع. والله أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الحَيَّاتِ.
(2)
راجع: قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي: 1/ 388.
• قوله: "من قَتْلِ جِنَّانِ البُيُوتِ": قَال السُّيوطيُّ: - بكَسْر جيمٍ، وتشديدِ النُّون الأوَّل - مفردٌ، وقيل: جمعُ جَانٍّ وهو الأصَحُّ
(1)
.
وقال ابنُ العَربيِّ
(2)
: الجِنَّانُ: الحيَّة، وقيل: الحَيَّاتُ، فإنْ كانَ واحدًا فوَزْنُه فَعْلَانٌ، وإنْ كانَ جمعًا فوَاحِدَةُ جِنٍّ، والأصَحُّ أنَّه جمعٌ لقَولِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم:"إنَّ بَالْمدِيْنَةِ جِنًّا أسْلَمُوْا عَلَيْهِ".
• "والعَوَامِرُ": جمعُ عَامِرَةٍ، وهي التي تُلازمُ البُيُوتَ. قال السُّيوطِيُّ: صحَّح ابنُ عَبْدِ البرَّ أنَّه خَاصٌّ ببُيُوتِ المَدِيْنَةِ، وصحَّح ابنُ العَربي أنَّه عامٌ
(3)
.
قلتُ: ظاهرُ هذا الحديثِ العُمومُ، وظاهرُ حديثِ "إنَّ لِبَيُوْتِكُمْ" الخُصُوصُ، ثُمَّ قيلَ: الأمرُ بقَتْلِ الحَيَّاتِ يَخُصُّ منه عَوامِرَ البُيُوتِ مُطْلَقًا، وقيل: بل يَخُصُّ منه عوامرَ البُيُوْتِ سِوَى ذِي الطُّفْيَتَيْن والأبْتَر، وما ظَهَر بعدَ الإنْذَار، فعَلَى الأوَّل التَّخصيصُ في الأمْر فقطُّ، وعلى الثَّاني في الأمْر والنَّهْي عن عَوامر البيوتِ معًا، وعلى التَّقْدِيْرَيْن يَبْقَى الإذْنُ في البَرارِي على أيِّ صِفَةٍ كانَتِ الحَيَّةُ، وروايةُ الموطأ
(4)
صريحة في التَّخْصِيْصَيْن.
(1)
المصدر السابق: 1/ 388.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 219.
(3)
راجع: قوت المغتذي للسيوطي: 1/ 388.
(4)
راجع: موطأ الإمام مالك بن أنس: 4/ 472، ح:1967.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَتْل الكِلَابِ
1030 -
(1486) - (4/ 78 - 79) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْن زَاذَانَ، وَيُونُسُ بْن عُبَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلا أَنَّ الكِلابَ أُمَّةٌ مِنَ الأُممِ لأمَرْتُ بِقَتْلِهَا كلِّهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي رَافِعٍ، وَأَبِي أَيَّوبَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْن مُغَفَّلٍ حَدِيث حَسَن صَحِيحٌ.
وَيُرْوَى فِي بَعْضِ الحَدِيثِ أَنَّ الكَلْبَ الأسْوَدَ البَهِيمَ شَيْطَانٌ، وَالكَلْبُ الأسْوَدُ البَهِيمُ الَّذِي لا يَكُونُ فِيهِ شَيْء مِنَ البَيَاضِ، وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ صَيْدَ الكَلْبِ الأسْوَدِ البَهِيمِ.
• قوله: "أُمَّةٌ مِنَ الأُممِ"، أي: أمَّةٌ لا تُؤذِي، أو أمَّةٌ خُلِقَتْ لمَنَافِعَ. وقال الخطَّابي: إنَّه كَرِهَ إفْناءَ أمَّةٍ من الأَمَم بحيثُ لا يَبْقَى منها باقِيةٌ؛ لأنَّه مَا مِنْ خَلْق اللهِ عز وجل إلا وفيه نَوْعُ حِكْمةٍ، أي: إذَا كانَ الأمْرُ على هَذا فلا سبيلَ إلى قَتْلُ كُلِّهنَّ، فاقْتُلُوْا أشْرَارهُنَّ وهي السُّوْدُ البُهْم، وأبْقُوْا ما سِوَاهَا لتَنْتفِعُوا بِها في الحِراسَة، ويقالُ: إنَّ أسودَ الكلابِ شِرَارُها وعُقْرها
(1)
.
• قوله: "البَهِيمَ"، أي: خالصُ السَّوَادِ الذي لا يُخَالِطُ لونَه لونٌ آخر.
(1)
راجع: معالم السنن للخطابي: 4/ 289.
بَابُ [مَا جَاءَ] مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا مَا ينتقص مِنْ أَجْرهِ
1031 -
(1487) - (4/ 79) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْن إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا أَوْ اتَّخَذَ كلبًا لَيْسَ بِضَارٍ وَلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُغَفَّلٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسُفْيَانَ بْن أَبِي زُهَيْرٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيث حَسَن صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: أوْ كَلبَ زَرْعٍ.
• قوله: "مَنْ اقْتَنَى"، أي: اتَّخَذَ.
• وقوله: "لَيْسَ بِضَار"، أي: ليسَ بمُعلَّم لصَيْدٍ.
• وقوله: "قِيْرَاطَانِ"، أي: قدرٌ معلومٌ عندَ الله.
1031 -
(1488) - (4/ 79 - 80) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْن زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلَابِ إِلَّا كلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ"، قِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: "أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ"، فَقَالَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَهُ زَرْعٌ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَهُ زَرْعٌ": يعني فهو أحْفَظُ باسْتِثْنَاءِ كَلْبِ الزَّرْع للاعْتِنَاء بشَأنِه والاهْتِمَامِ بأمْرِه؛ لأنَّ المُبْتَلى بشيءٍ أحْفَظُ [مِن] غير المُبْتَلى، ولَم يُرِدْ فهو زَادَ في الحديثِ لذلك فإنَّ مثْلَه لا يُتَوَهَّم في شَأنِ أبي هريرةَ سِيَّمَا عن
ابن عمرَ وضي الله تعالى عنه.
1032 -
(1490) - (4/ 80) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ اتَّخَذَ كلْبًا إِلَّا كلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوْ صَيْدٍ، أَوْ زَرْعٍ، انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ".
قال أبُوْ عِيْسَى: هَذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَيُرْوَى عَنْ عَطاءِ بْن أبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي إِمْسَاكِ الكَلْبِ وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ إِسْحَاق بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْن مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ بِهَذَا.
• قوله: "قِيرَاط": المرادُ به قدرٌ معلومٌ فلعلَّه عبَّر عنه تارةً بالقيراطِ، وتارةً بالقِيْرَاطَيْن، ويَحْتَمل أن حديثَ أبي هريرةَ كان متأخِّرًا أو كانَ أمرُ الكلابِ مِمَّا خُفِّفَ بعدَ الشِّدَّةِ فيه، فأمِرُوْا أوَّلا بالقَتْل، ثم خُفِّفَ بأنَّ اتِّخَاذَهم يَنْقُص من الأجْر كثيرًا، [ثم خُفِّفَ] بأنَّه يَنْقُصُ أقلَّ منه، ووخَّصَ في كلبِ الزَّرْع حينئذٍ أيضًا. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا [جَاءَ] فِي الذَّكَاةِ بالقَصَب وَغَيْرهِ
1033 -
(1491) - (4/ 81) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْن مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْن رِفَاعَةَ بْن رَافِعِ بْن خَدِيجٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نَلْقَى العَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ فَكُلُوه مَا لَمْ يَكُنْ سِنًّا أَوْ ظُفُرًا، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ: فَمُدَى الحَبَشَةِ".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَبَايَةَ بْن رِفَاعَةَ بْن رَافِعِ بْن خَدِيجٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه وَلَمْ يَذْكَرْ فِيهِ عَبَايَةَ عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا أَصَحُّ، وَعَبَايَةُ قَدْ سَمِعَ مِنْ رَافِعٍ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: لا يَرَوْنَ أَنْ يُذَكَّى بِسِنٍّ وَلا بِعَظْمٍ.
• "القَصْبُ": هو العَظْمُ الأجْوَفُ.
• قوله: "إِنَّا نَلْقَى العَدُوَّ": يعني فلو اسْتَعْمَلْنا السُّيُوفَ في الذَّبائِح لكَلَّتْ فتَعْجِزُ عن المُقَاتَلة.
• "وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى": جمع مُدْيةٍ - بالضَمِّ، والكسر - وقيلَ: - بتَثْلِيْثِ الميم - والمُدْيَةُ: السِّكِّينُ.
• وقوله: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ"، أي: أسَالَه وأجْرَاه تَشْبِيْهًا له بجِرْيَانِ المَاء في النَّهْر، وصَحَف من رَوَاه بالزَّاء المُعْجَمَةِ. كذا ذكره السيوطي
(1)
. والنَّهْز: -
(1)
راجع: قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي: 1/ 389.
المُعْجَمةِ - بمعنى الدَّفْع.
• وقوله: "أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ": صَريحٌ في أن العِلَّة كونُه عَظْمًا، فكُلُّ ما صَدَقَ عليه اسمُ العَظْم لا يجوزُ الذَّكاة به، وفيه اختلافٌ بينَ العُلماءِ.
• وقوله: "فَمُدَى الحَبَشَةِ": فمعناه أنَّهم كُفَّارٌ، وقد نُهِيْتُمْ عن التشَبُّهِ بالكُفَّارِ وهذا شِعَارُهم.
كِتَابُ الأضَاحِيِّ [عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
الأضَاحي: فيه أربعُ لُغَاتٍ: "أُضْحِيَّةٌ": بضَمِّ الهَمزةِ وكسرها، وجمعُها الأضَاحِيّ: بتشديد الياء وتخفيفها. واللغة الثالثة: "ضَحِيَّةُ": وجمعُها ضَحَايا كعَطِيَّةٍ وعَطَايا. والرَّابعةُ: "أضْحَاةٌ": بفتح الهمزة، والجمعُ أضْحَى، كأرْطَاةٍ وأرْطَى، وبِها سُمِّي يومُ الأضْحَى.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْل الأُضْحِيَّةِ
1034 -
(1493) - (4/ 83) حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُسْلِمُ بْن عَمْرِو بْن مُسْلِمٍ الحَذَّاءُ المَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي المُثَنَّى، عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّها لتَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، وَزَيْدِ بْن أَرْقَمَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَأَبُو المُثَنَّى اسْمُهُ: سُلَيْمَانُ بْن يَزِيدَ رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبي فُدَيْكٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَيُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال فِي الأُضحِيَّةِ: "لِصَاحِبِهَا بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ، وَيُرْوَى بِقُرُونِهَا".
• قوله: "أَحَبَّ": قال ابنُ العربي: إنَّ قُرْبةَ كلِّ وَقْتٍ أخَصُّ به مِن غَيرِها وأوْلَى ولأجل ذلك أضِيْفَتْ إليه
(1)
. وقال السُّيوطِيُّ: ثم هو مَحْمولٌ على غيرِ فُرُوْضِ الأعْيانِ كالصَّلاةِ
(2)
.
• قوله: "بِمَكَانٍ"، أي: بمَكَانَةٍ، والمرادُ القَبُولُ.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 229.
(2)
راجع: قوت المغتذي على جامع الترمذي: 1/ 390.
• وقوله: "قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأرْضِ"، أي: على الأرْض و"مِنْ" لِمُجَرَّدِ المُشَاكَلةِ.
• قوله: "حَسَنٌ": قال ابنُ العربي: ليسَ في فَضْل الأُضحِيَّةِ حديثٌ صحيحٌ، وقد رَوَى النَّاسُ فيها عَجَائبَ لم يَصِحَّ، منها قولُه:"إنَّهَا مَطَايَاكُمْ إلى الجَنَّةِ"
(1)
قال العِراقيٌّ: وصحَّح الحاكمُ حديثَ عائشةَ الذي أخْرَجَه المُصَنِّفُ، وصحَّحَ أيضًا حديثَ أبي هريرة
(2)
.
قلتُ: وكأنَّ مرادَ ابن العربيِّ ترجيحُ ما ذكره المُصَنِّفُ من التَّحْسِين مِمَّا ذكره الحاكمُ من التَّصحيحِ، ومعلومٌ أن تصحيحَ الحَاكم لا يُعْبَأ.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 228.
(2)
العراقي كما في قوت المغتذي للسيوطي: 1/ 390.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الأُضحِيَّةِ بكَبْشَيْنِ
1035 -
(1494) - (4/ 84) حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ:"ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّر وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا".
قَالَ: وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وأَبِي أَيُّوبَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي رَافِعٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي بَكْرَةَ أيضًا. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عَلَى صِفَاحِهِمَا"، أي: علَى صَفْحَة العُنُق، وهي جَانِبُه وإنَّما فَعَل ذلك ليكونَ أثْبَتَ له وأمْكَنَ لئَلَّا يَضْطَرِبَ الذَّبِيْحةُ برأسِها فتَمْنَعُه من إكْمَال الذَّبْح أو تُؤْذِيه. كذا ذكره النووي
(1)
. وقال ابنُ العربي: وَوَضَعَ رِجْلَه على صَفْحَتِه؛ لأنَّ ذلك أسكَنُ له حتى يَتَمَكَّنَ من الذَّبْح ولا يَضْطَرب فتَبْطُل الذَّكَاة، ويَتَلوَّثُ الذَّابحُ بدَمِه، ثُمَّ قال: وجَعْلُ رجله على صِفَاحِها مُسْتَثنى للحَاجَة من نَهْيِه عن إذْلالِ الوَجْه باللَّطْم وغيره انتهى
(2)
. وهذا يَدُلُّ على أن المرادَ صَفْحَةُ الوَجْه وهو أقْرَبُ بالنَّظْر إلى ما ذَكَرُوْا من العِلَّة. والله تعالى أعلم.
• قوله: "صِفَاحِهِمَا": بكسر الصَّاد، جمعُ صَفْح - بضم أو فتح - بمعنى الجَانب، أو جمعُ صَفْحَةٍ: عَرْضُ الوَجْه، والجَمعُ مَحْمولٌ على الاثنَيْن وهما أقلُّ الجُمْعِ.
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 13/ 121.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 232.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الأُضحِيَّةِ عَن المَيِّتِ
1036 -
(1495) - (4/ 84 - 85) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبي الحَسْنَاءِ، عَنِ الحَكَم، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالآخَرُ عَنْ نفسِهِ، فَقِيلَ لَهُ: فَقَالَ: "أَمَرَنِي بِهِ" - يَعْني النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلا أَدَعُهُ أَبَدًا.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ. وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَنْ يُضَحَّى عَنِ المَيِّتِ، وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُضَحَّى عَنْهُ. وقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُ وَلا يُضَحَّى عَنْهُ، وَإِنْ ضَحَّى فَلا يَأْكلُ مِنْهَا شَيْئًا وَيَتَصَدَّقُ بِهَا كُلِّهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيِّ: وَقَدْ رَوَاه غَيْرُ شَرِيكٍ، قُلْتُ لَهُ: أَبُو الحَسْنَاءِ مَا اسْمُهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، قَالَ مُسْلِمٌ: اسْمُهُ الحَسَنُ.
• قوله: "أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُتَصَدَّقَ": قال ابنُ العربي: اتَّفَقُوا على أنَّه يُتَصَدَّقُ عنه، والضَّحِيَّةُ ضَرْبٌ من الصَّدقَة؛ لأنَّها عبادةٌ مَاليةٌ ولَيْسَتْ كالصَّلاةِ والصَّومِ، فالصَّدقَةُ والأضْحِيَّةُ سواء في الأجْر عن المَيِّتِ، وإنَّما قال:"لا يَأْكُلُ مِنْهَما شَيْئًا": لأنَّ الذَّابحَ لم يَتَقَرَّبْ بِهَا من نَفْسِه، وإنما تَقَرَّبَ بِهَا عَن غَيره فلم يَجُزْ له أنْ يأكُلَ من حقِّ الغَير شيئًا انتهى
(1)
. قلتُ: كأنَّ ابنَ المُبارك نَظَر إلى أن المَطْلوبَ في الأضْحِيَّةِ إهْرَاقُ الدم لا التَّصَدُّق باللَّحْم، ولهذا يَجُوْز له أنْ يأكُلَ اللَّحْمَ فليسَ حُكْمُها حكم الصَّدقة من كُلِّ وجهٍ.
(1)
راجع: المصدر السابق: 6/ 230.
بَابُ [مَا جَاءَ] مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الأضَاحِيِّ
1037 -
(1496) - (4/ 85) حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْن غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ:"ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ، يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ، وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَاِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْن غِيَاثٍ.
• قوله: "يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ": يعني ما حَوْلَ فَمِه أسْود، وأنَّ قوائِمَه ومَا بين عينيه أسْوَد، قال ابن العربي: وذلك أجْمَلُ له
(1)
.
• قوله: "أَقْرَنَ فَحِيلٍ": يعني كامِلَ الخِلْقَة لم تُقْطَع انثَياه، ورِوَايةُ أبي داودَ تَدُلُّ على أنَّه "ضَحَّى بِكَبْشَيْن قد رُضَّتِ الأُنثَيان مِنْهُمَا"
(2)
، وذلك أسْمنُ لَحْمًا، ولا اختلافَ لحَمْلِها على حَالَيْن وكُلٌّ منهما فيه صِفَةٌ مَرْغُوْبَةٌ.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 231.
(2)
في رواية أبي داود: عن جابر عبد الله، قال: ذَبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مُوجَأيْنِ .... "، كتاب الضحايا، باب ما يستحب من الضحايا، ح:2795.
بابُ مَا لا يَجُوزُ مِنَ الأضَاحِيِّ
1038 -
(1497) - (4/ 85 - 86) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْن أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ بْن فَيْرُوز، عَنِ البَرَاءِ بْن عَازِبٍ رَفَعَهُ، قَالَ:"لا يُضَحَّى بِالعَرْجَاءِ بَيِّنٌ ظَلَعُهَا، وَلا بِالعَوْرَاءِ بَيِّن عَوَرُهَا، وَلا بِالمَرِيضَةِ بَيِّن مَرَضُهَا، وَلا بِالعَجْفَاءِ الَّتِي لا تُنْقِي".
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ بْن فَيْرُوزَ، عَنِ البَرَاءِ بْن عَازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاه. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيت عُبَيْدِ بْن فَيْرُوزَ عَنِ البَرَاءِ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ.
• قوله: "لا يُضَحَّى": على بناءِ المفعول. "بِالعَرْجَاءِ": بالمَدِّ.
• وقوله: "بَيِّن ظَلَعُهَا": - بفتح، فسكون - أي: عَرْجُها، و "بَيِّنٌ ظَلَعُهَا": بالتَّنكير في نُسَخ الكتابِ فهُوَ بدلٌ بالْجَرِّ بدلٌ من العَرْجَاء. وفي المُوطأ
(1)
وغيره
(2)
بالتَّعريفِ "البَيِّنُ ظلعُهَا" على أنّه نَعْتُ عَوْرَاء - بالمَدِّ - تأنِيْث الأعْوَر، والْعَوَرُ: - بفحتين - ذَهابُ بَصَر إحْدَى الْعَيْنَيْن.
(1)
راجع: موطأ الإمام مالك بن أنس: 3/ 86، ح:1126.
(2)
راجع: سنن ابن ماجه: كتاب الأضاحي، باب: ما يكره أن يضحى به، ح: 3144، وسنن النسائي: كتاب الضحايا، باب: ما نهي عنه من الأضاحي: العرجاء، ح:4372.
بَابُ مَا يُكْرَه مِنَ الأضَاحِيِّ
1039 -
(1498) - (4/ 86 - 87) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاق، عَنْ شُريحِ بْنِ الْنُّعْمَانِ الصَّائِدِيِّ وَهُوَ الهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ، قَالَ:"أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَشْرِفَ العَيْنَ وَالأُذُنَ، وَأَنْ لا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ، وَلا مُدَابَرَةٍ، وَلا شَرْقَاءَ، وَلا خَرْقَاءَ".
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْن مُوسَى، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ شُرَيْحِ بْن النُّعْمَانِ، عَنْ عَلِيٍّ عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهم، وَزَادَ قال: المُقابَلة: مَا قُطِعَ طرَفُ أُذُنِهَا، وَالمُدَابَرَة: مَا قُطِعَ مِنْ جَانِبِ الأُذُنِ، وَالشَّرْقاءُ: المَشْقُوقَةُ، وَالخَرْقَاءُ: المَثْقُوبَةُ.
قَالى أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَن صَحِيح. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَشُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ الصَّائِدِيُّ هُوَ كُوفِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَشُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ كُوفِيٌّ، وَلوَالِدِهِ صُحْبَةٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَشُرَيْحُ بْنُ الْحَارِثِ الكِنْدِيُّ أَبُو أُمَيَّةَ القَاضِي، قَدْ رَوَى عَنْ عَلِيٍّ، وَكُلُّهُمْ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ.
• قوله: "أَنْ نَسْتَشْرِفَ"، أي: نطَّلِع [على] العَيْن والأذُنِ ونَبْحَثَ عنهما لئلَّا يَكُونَ فيهما عَيبٌ. [قاله] ابنُ العربي
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 235.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي الجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ فِي الأضَاحِيِّ
1040 -
(1499) - (4/ 87 - 88) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ كِدَامِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي كِبَاشٍ، قَالَ: جَلَبْتُ غَنَمًا جُذْعَانًا إِلَى المَدِينَةِ فَكَسَدَتْ عَلَيَّ، فَلَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "نِعْمَ الأضْحِيَّةُ الجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ"، قَالَ: فَانْتَهَبَهُ النَّاسُ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ بلَالِ ابْنَةِ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهَا، وَجَابِرٍ، وَعُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيث غَرِيبٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا. وَعُثْمَانُ بْنُ وَاقِدٍ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْن زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ بْن الخَطَّابِ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الجَذَعَ مِنَ الضَّأْنِ يُجْزِئُ فِي الأُضْحِيَّةِ.
• "الجَذَعُ": بفتحتين. وَ"الجُذْعَان": ضُبِطَ بضَمِّ الجِيم، جَمْعُه.
• وقوله: "فَانْتهبَهُ النَّاسُ" أي: سَارَعُوا في شِرائِه، وإفْرادُ ضَميرِ "انْتَهَبَه" لرَجْعِه إلى المَجْلُوبِ، أي: فانْتُهِبَ ما جُلِبَ من الغَنَم.
1041 -
(1500) - (4/ 88) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ أَوْ جَدْيٌ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ
صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"ضَحِّ بِهِ أَنْتَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ وَكيعٌ: الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ يَكُونُ ابْنَ سَنَةٍ أَوْ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ.
وَقد رُوِيَ مِنْ غيْرِ هَذا الوَجْهِ عَنْ عقبَة بْن عَامِرٍ أَنَّهُ قال: قسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَحَايَا فَبَقِيَ جَذَعَةٌ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"ضَحِّ بِهَا أَنْتَ"، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَأَبُو دَاوُدَ، قَالا: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ بَعْجةَ بْنِ عَبْد اللهِ بْن بَدْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الحَدِيثِ.
• قوله: "عَتُودٌ": ضُبِط - بفتح، فضم - وهو الذي قَوِيَ على الرَّعْيِ واسْتَقَلَّ بنَفْسِه عن الأمِّ، وإذا مرَّ عليه حولٌ فهو "تَيْسٌ" كذا نَقَله ابنُ العربي عن أبي عبيدة
(1)
. وقد صرَّح غيرُه بأنَّه من أولادِ المَعْز
(2)
.
• قوله: "وَجَدْيٌ": - بالواو - في بَعْض النُّسَخ، وفي بَعْضِها بـ "أو"، وهو أظْهَر؛ لأنَّه شَكٌّ من الرَّاوي، وقد ضُبِط - بفتح، فسكون مُهْمَلةٍ - وهو ما بَلَغَ ستَّةَ أشْهُر أو سَبْعَةً من أولاد المَعْزِ.
• وقوله: "ضَحِّي": بإثبات الياءِ ههنا وفيما بعدَه. قيل: والصَّوابُ "ضَحِّ": بحَذْفِ الياءِ كما هو في بعضِ النُّسَخ. قلتُ: وكأنَّ الياءَ للإشْبَاع. والله أعلم.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربى: 6/ 237.
(2)
راجع: السنن الكبرى للبيهقي: 9/ 452، ح: 19062، والمجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: للحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر بن عيسى المديني الأصفهاني: 2/ 400.
والحاصلُ: أن هذا كانَ جَذعًا من المَعْز كما جاءَ به الرِّوايةُ صَريحًا، ولذا قالوا: إنَّ هذَا كانَ رُخْصةً لعُقْبَةَ. قال البيهقيُّ: ويدلُّ عليه ما في بعض الرِّواية "ولا رُخْصَةَ لأحَدٍ بَعْدَكَ فِيْهَا"
(1)
. والله أعلم.
(1)
راجع: السنن الكبرى الإمام البيهقي: 9/ 452، ح:19062.
بَاب [مَا جَاءَ] فِي الاشْتِرَاكِ [فِي الأُضحِيَّةِ]
1042 -
(1501) - (4/ 89) حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بْن حُرَيْثٍ، أحَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنِ الحُسَيْنِ بْن وَاقِدٍ، عَنْ عِلْبَاءَ بْن أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"كنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الأضْحَى فَاشْتركْنَا فِي البَقَرَةِ سَبْعَةً، وَفِي البَعِيرِ عَشَرَةً".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي الأسَدِ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَأَبِي أَيَّوبَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيث حَسَن غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الفَضْلِ بْن مُوسَى.
• قوله: "سَبْعَةً": ضُبِط - بالنصب - والأقْربُ الرَّفْعُ على أنَّه بَدَلُ البَعْض اشتراكُ سبعةٍ هنا في البَقَرة، وعلى تقدير النَّصب يكونُ حَالًا لكنَّه بعيدٌ معنًى. والله تعالى أعلم.
1043 -
(1502) - (4/ 89 - 90) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وقَالَ إِسْحَاقُ:"يُجْزِئُ أيضًا البَعِيرُ عَنْ عَشَرَةٍ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ".
• قوله: "البَدَنَةَ": - بفتحتين - وهو الأشْهَر، أو - بضَمٍّ فسكون - واحِدُ البُدْن: بضم، فسكون أو بضمتين.
• قوله: "عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ": قال ابنُ العربي: قال به جميعُ العُلَماء إلا مالكٌ، وليس لهذه الأحَاديثِ تأويلٌ، ولا يَرُدُّهَا القِيَاسُ بل يَشْهدُ لها النَّظر
(1)
.
• قوله: "أنْ نَسْتَشْرِفَ"، أي: نتأمَّل سَلامَتَها من آفةٍ تكونُ بِهِمَا، وظاهرُه الحَصْر وأنَّ المانِعَ هي الآفةُ فيهما. والله أعلم.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 238.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الشَّاةَ الوَاحِدَةَ تُجْزِي عَنْ أَهْل البَيْتِ
1044 -
(1505) - (4/ 91) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أبو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، حَدَّتنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي عُمَارَة بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْن يَسَارٍ، يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا أَيَّوبَ الأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا عَلَي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كمَا تَرَى".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعُمَارَة بْنُ عَبْدِ اللهِ هو مَدَنِيٌّ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مَالِكُ بْن أَنْسٍ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْض أَهْلِ العِلْم، وَهُوَ قَول أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَاحْتَجَّا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ضحّى بكَبْشٍ، فقال:"هَذا عَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي". وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: لا تُجْزِي الشَّاة إِلَّا عَنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللهِ بْن المُبَارَكِ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ.
• قوله: "تَبَاهَى": تَغَالَبُوْا وتَفَاخَرُوْا.
• قوله: "كمَا تَرَى": لا يَحْسِبُوْن الشَّاةَ إلا عن نفسٍ واحدةٍ مباهاةً.
• قوله: "عَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ"، أي: يُجْعَل عن الكُلِّ شاةٌ واحِدةٌ.
• قوله: "إِلَّا عَنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ": قال ابن العربي: والآثار الصِّحَاح ترد عليه
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: 6/ 239، 240.
بَاب [مَا جَاءَ] فِي الذَّبْحِ بَعْدَ الصَّلَاةِ
1045 -
(1508) - (4/ 93 - 94) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْن حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمِ عَنْ دَاوُدَ بْن أَبي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ البَرَّاءِ بْن عَازِبٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ نَحْرٍ، فَقَالَ:"لا يَذْبَحَنَّ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ"، قَالَ: فَقَامَ خَالِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا يَوْمٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَإِنِّي عَجَّلْتُ نُسُكِي لِأُطْعِمَ أَهْلِي وَأَهْلَ دَارِي أَوْ جِيرَانِي، قَالَ:"فَأَعِدْ ذَبْحًا آخَرَ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، أَفَأَذْبَحُهَا؟ قَالَ:"نَعَمْ، وَهِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ، وَلا تُجْزِئُ جَذَعَةٌ بَعْدَكَ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَجُنْدَبٍ، وَأَنسٍ، وَعُوَيْمرِ بْن أَشْعَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي زَيْدٍ الانصَارِيِّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكثَرِ أَهْلِ العِلْمِ: أَنْ لا يُضَحَّى بِالمِصْرِ حَتَّى يُصَلِّيَ الإِمَامُ. وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ لِأهْلِ القُرَى فِي الذَّبْحِ إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ المُبَارَكِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ: أَنْ لا يُجْزِئَ الجَذَعُ مِنَ المَعْزِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا يُجْزِئُ الجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ.
• قوله: "اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ": قال النَّووي: قال الحَافظُ أبو موسى الأصْبهانيُّ معناه هذا يومٌ طَلبُ اللَّحم فيه شَاقٌّ وهذا أحسن
(1)
.
• وقوله: "عَنَاقُ لَبَنٍ": هو - بفتح المُهملة - مُضَافٌ إلى اللَّبَن، ومعناه صغيرةٌ قريبةٌ مِمَّا تُرْضِع وهي الأَنْثى من أولادِ المَعْز دونَ السَّنَة قال النووي
(2)
.
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 13/ 113.
(2)
راجع: المصدر السابق: 13/ 113.
• قوله: "خَيْرٌ"، أي: أطيبُ لحمًا وأنفعُ لسِمَنِها ونَفَاسَتِها، فشاةٌ سمينةٌ أفضلُ من شَاتَين غير سَمِيْنَتَيْن، ومعنى "خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ": أنَّك ذبحتَ صورةَ نَسِيْكتَيْن وهما هذه والتي ذبحتَها قبلَ الصَّلاةِ، وهذه أفضل لأنَّها حَصَلَتْ بِها التَّضْحِيَّةُ بخلافِ الأولى، نَعم في الأولى أيضًا ثوابٌ للنِيَّةِ فلذا كانَتْ هذه خَيْرًا منها، فإنَّ هذا يَقْتَضِي أن في الأولى أيضًا ثوابًا.
• وقوله: "وَلا تُجْزِئُ
…
" إلخ، بيانٌ للاختِصَاص.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي الرُّخْصَةِ فِي أَكْلِهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ
1046 -
(1510) - (4/ 94 - 95) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ وغيرُ واحِد، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْن مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاثٍ لِيَتَّسِعَ ذُو الطَّوْلِ عَلَى مَنْ لا طَوْلَ لَهُ، فَكُلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ، وَنُبيْشَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَقَتَادَةَ بْن النُّعْمَانِ، وَأَنَسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ.
• قوله: "عَنْ لُحُومِ الأضَاحِيِّ"، أي: عن ادِّخَارِهَا فوقَ ثلاثٍ.
بَاب [مَا جَاءَ] فِي الفَرَعِ وَالعَتِيرَةِ
1047 -
(1512) - (4/ 95 - 96) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْن غَيْلانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةَ" وَالفَرَعُ: أَوَّلُ النِّتاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ فَيَذْبَحُونَهُ.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ نُبيْشَةَ، وَمِخْنَفِ بْن سُلَيْمٍ وأبِي العَشْرَاءِ عَنْ أبِيْهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَتِيرَةُ: ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي رَجَبٍ يُعَظِّمُونَ شَهْرَ رَجَبٍ لأَنَّهُ أَوَّلُ شَهْرٍ مِنْ أَشْهُرِ الحُرُمِ، وَأَشْهُرِ الحُرُمِ: رَجَبٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحَجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَأَشْهُرُ الحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو القَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ، كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ.
• قوله: "وَالفَرَعُ": - بفاءٍ، ثُمَّ راءٍ مَفْتُوْحَتَيْن، ثم عين مُهملةٍ - ويُقَال فيه: الفرعةُ بالهاء. "وَالعَتِيرَة": بعينٍ مُهمَلةٍ مفتوحةٍ ثم تاء مُثَنَّاة من فوقٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي العَقِيقَةِ
1048 -
(1513) - (4/ 96 - 97) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن خَلَفٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا بشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْن خُثَيْمٍ عَنْ يُوسُفَ بْن مَاهَكَ، أَنَّهُمْ دَخَلوا عَلى حَفصَة بِنتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فسَألوهَا عَنِ العَقِيقةِ، فأخْبَرَتْهُمْ أن عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَأُمِّ كُرْزٍ، وَبُرَيْدةَ، وَسَمُرَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَأَنَسٍ، وَسَلْمَانَ بْن عَامِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَحَفْصَةُ هِيَ: بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
[قال] ابنُ العربي: قال قومٌ من أهل اللُّغَة هي الشَّعر الذي على رأسِ المَوْلُوْد، وقال آخرون هي الذَّبْح نفسُه واحْتَجَّ على ذلك بعُقُوقِ الوَالِدَين والرَّحم؛ فإنَّه يَرْجع إلى القَطْع وهو اختيارُ أحمدَ بْن حنبلٍ، ويعضده حديثُ: سُئِلَ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَقِيْقَةِ، فقال:"لا أحِبُّ الْعُقُوْقَ" وكأنه كره الاسم انتهى
(1)
.
وفي "شَرح المُوَطَّأ"
(2)
قال الأصمَعيُّ
(3)
: العَقيقةُ وغيره الشَّعر الذي يكون
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 248.
(2)
راجع: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك بن أنس: 2/ 361.
(3)
هو: الإمام الحافظ، العالم العلامة، أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمغ بن مُظَهِّر بن عبد شمس بن أُعْيا بن سعد الأصمعي البصري. سمع ابن عون، =
على رأس الصَبِيِّ حين يُوْلَد، وسُمِّيَتِ الشاةُ التي تُذْبَح عنه عقيقةً؛ لأنَّه يُحْلَق عنه ذلك الشَّعر عند الذَّبح.
وقال أبو عبيد
(1)
: فهو من تَسْمِيَة الشَّيءِ باسم غَيره إذا كانَ معَه أو من سَبَبِه. وقيل: هي الذَّبِيحَةُ سُمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّها تُعَقُّ، أي: تُشَقُّ وتُقْطَع، وقد أنْكَر
= وسليمان التيمي، وعمرو بن العلاء، وقرة بن خالد، وعمر بن أبي زائدة، وشعبة وغيرهم. حدث عنه: أبو عبيد، ويحيى بن معين، وإسحاق بن إبراهيم الموصلي، وزكريا بن يحيى المنقري، وأبو حاتم السجستاني، ونصر بن علي وخلق كثير. كان حجة بحرا في الأدب لا يُعرف مثلُه، صاحبَ لغة ونحو، إماما في الأخبار والنوادر، والمُلَح والغرائب، كان يحفظ ستة عشر ألف أجوزة. له تصانيف كثيرة، منها:"خلق الإنسان"، وكتاب "الأجناس"، وكتاب "الأنواء"، وكتاب "الأمثال"، وكتاب "الأضداد"، وكتاب "النوادر"، و"أصول الكلام"، و"معاني الشعر"، و"ما اتفق لفظه واختلف معناه"، وكتاب "غريب الحديث" وسوى ذلك من التصانيف الرائعة. توفي في صفر سنة بضع عشرة ومائتين. راجع لترجمته: التاريخ. الكبير للبخاري: 5/ 428، تاريخ بغداد: 18/ 157، وفيات الأعيان: 3/ 170، تهذيب الكمال: 18/ 382، سير أعلام النبلاء: 10/ 175.
(1)
هو: الإمام الحافظ المجتهد البحر، ذو الفنون، أبو عبيد القاسم بن سلَّام البغدادي كان أبوه عبدًا رومِيًّا لرجل من هرات، واشتغل أبو عبيد بالحديث والأدب والفقه، كان فاضلا في دينه وعلمه، ربانيا مُتَفَنِّنا في أصناف علوم الإسلام من القراءات والفقه والعربية والأخبار، حسن الرواية صحيح النقل، عارفا بالفقه والاختلاف، حافظا للحديث وعلله وأسانيده، رأسًا في اللغة، إماما في القراءات، سمع إسماعيل بن جعفر، وشريكا القاضي، وهشيما، وابن عيينة، وعباد بن عوام، وسفيان بن عيينة وطبقتهم، وهو أوَّل من صنَّف في الغريب. من تصانيفه: كتاب "الأموال"، وكتاب "فضائل القرآن"، و"غريب الحديث"، و"الناسخ والمنسوخ"، و"الغريب المصنف في علم اللِّسان " وغير ذلك، توفي سنة أربع وعشرين ومائة بمكة المشرفة. راجع لترجمته: طبقات الحنابلة: 2/ 210، وفيات الأعيان: 4/ 60، تهذيب الكمال: 23/ 354، تذكرة الحفاظ: 2/ 417، سير أعلام النبلاء: 10/ 490، العبر في خبر من غبر: 1/ 308، البداية والنهاية: 14/ 268.
أحمدُ قولَ الإصمعي بأنَّه لا وجهَ له، وإنَّما هي الذَّبْح نفسُه، قال أبو عمرو وهذا أولى وأقربُ إلى الصَّواب، واحْتَجَّ له بعضُهم بأنْ "عَقَّ": لغةً قَطَعَ انتهى
(1)
.
قلتُ: لكن حديثَ: "مَعَ الغُلامِ عَقِيْقَتُه" يؤيِّد قولَ الإصمعي فتأمَّلْ. والله أعلم.
• قوله: "عَنِ الْغُلامِ شَاتَانِ": هو مبتدأ وخبرٌ، والجملةُ بيانُ الأمر بتقدير "قال"، كأنَّه قيل كيفَ أمرَهم؟ فقالَتْ: قال: "عَنِ الْغُلامِ شاتَانِ" وخبرُ الشَّارع في المَعنى أوكَدُ من الأمر.
• وقوله: "مُتكَافِئَتَانِ": - بِهَمزة - أي: مُتَساوِيتان في الشدَّةِ بمعنى أنَّه لا يَنْزل سِنُّهما عن سِنِّ أدْنَى ما يُجْزئ في الأضْحِيَّة. وقيل: متساويتان أو متقاربتان وهو - بكسر الفاء - كافَأه إذا سَاوَاه. قال الخطَّابي: والمحدِّثون يفتحون الفَاء وأرَاه أولى؛ لأنَّه يريدُ شَاتَيْن قد سُوِّي بينَهما، أي: مُسْتَوى بينَهما، وأما - بالكسر - فمعناه يُسَاويَان، فيحتاجُ إلى شَيءٍ آخَر يُسَاوِيَانِه، وأمَّا لو قيل: مُتكَافِئَتان لكان الكسر أولى
(2)
. وقال الزَّمخشري
(3)
: لا فرقَ بينَ الفتح والكسر؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 6/ 248.
(2)
راجع: غريب الحديث للإمام أبي سليمان حمد بن إبراهيم الخطابي البستي: 1/ 605.
(3)
هو: أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري المعتزلي، الإمام الكبير في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان، ولد بـ "زمخشر" من قرى "خوارزم" في رجب سنة سبع وستين وأربع مئة، وتوفي بخوارزم ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة. سافر إلى مكة وجاور بِها زمانا، فصار يقال له:"جار الله"، ورحل إلى بغداد ومصر، ولقي بِها العلماء الأفاضل، وصنف التصانيف البديعة، منها:"الكشاف في تفسير القرآن"، "والفائق في غريب الحديث"، و"أساس البلاغة" في اللغة ودون ذلك من التصانيف الرائعة. راجع لترجمته: المنتظم: 18/ 37، وفيات الأعيان: 5/ 168، سير أعلام النبلاء: 20/ 151، تاج التراجم: 291، لسان الميزان: 8/ 8.
إذا كافَأتْ أختَها فقد كُوْفِئَتْ، فهي مُكَافِئَةٌ ومُكَافَأةٌ؛ أو يكون معناه مُعَادِلَتان لما يَجِب في الأضْحِيَّةِ من الأسْنان، ويحتملُ مع الفتح أنْ يُرادَ مَذْبُوحَتَان من كَافَأ الرَّجُلُ بينَ بَعِيرَيْن إذا نَحَر هذا ثُمَّ هذا مَعًا من غير تَفْريقٍ كأنَّه يريدُ شَاتَيْن تَذْبَحُهُمَا معًا
(1)
.
1049 -
(1515) - (4/ 96 - 97) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ الخلَّالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبرنَا هِشَامُ بْن حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ بْن عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأذَى".
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْن أعين، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبرنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمِ بْن سُلَيْمَانَ الأحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ بْن عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَمِيطُوا عَنْهُ الأذَى"، أي: احْلِقُوا رأسَه.
(1)
راجع: الفائق في غريب الحديث للعلامة محمود بن عمر الزمخشري: 3/ 267.
بَابٌ
1050 -
(1517) - (4/ 98) حَدَّثنَا سَلَمَةُ بْن شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيرَةِ عَنْ عُفَيْرِ بْن مَعْدَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْن عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الأُضْحِيَّةِ الكَبْشُ، وَخَيْرُ الكَفَنِ الحُلَّةُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَعُفَيْرُ بْن مَعْدَانَ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ.
• قوله: "الحُلَّةُ واحدة": الحُلَل وهي بُرُودُ اليَمَن، ولا تُسَمَّى حُلَّةً إلا أن تكونَ ثوبَيْن من جنسٍ واحدٍ.
بَابٌ [مِنَ الْعَقِيقَة]
1051 -
(1522) - (4/ 101) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْن حُجْرٍ، أَخْبرنَا عَلِيُّ بْن مُسْهِرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الغُلامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُسَمَّى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ". حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ الشَلَّالُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن هَارُونَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْن أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْن جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُذْبَحَ عَنِ الغُلَامِ العَقِيقَةُ يَوْمَ السَّاجِ، فَإِنْ لَمْ تتَهَيَّأْ يَوْمَ السَّابِعِ فَيَوْمَ الرَّابِعَ عَشَرَ، فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ عُقَّ عَنْهُ يَوْمَ حَادٍ وَعِشْرِينَ، وَقَالُوا: لا يُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ مِنَ الشَّاةِ إِلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الأُضحِيَّةِ.
• قوله: "الغُلامُ": أريدُ به الصَّغيرُ مُطْلقًا ذكرًا كانَ أو أنْثَى.
[بَابُ تَرْكِ أَخْذِ الشَّعْر لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ]
1052 -
(1523) - (4/ 102) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَكَمِ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، عَنْ عَمْرٍو أَوْ عُمَرَ بْن مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ رَأَى هِلالَ ذِي الحِجَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلا مِنْ أَظْفَارِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالصَّحِيحُ هُوَ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ، قَدْ رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْن عَلْقَمَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ نَحْوَ هَذَا. وَهُوَ قَول بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ سَعِيدُ بْن المُسَيِّبِ، وَإِلَى هَذَا الحَدِيثِ ذَهَبَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي ذَلِكَ، فَقَالُوا: لا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجَّ بحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ بِالهَدْيِ مِنَ المَدِينَةِ، فلا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ مِنْهُ المُحْرِمُ.
• قوله: "وَإِلَى هَذَا"، أي: قالوا: بحُرْمَةِ الأخْذِ بظَاهر الحَديثِ.
• قوله: "وَهُوَ قَول الشَّافِعِيِّ": قرَّر النوويُّ: أنَّ الشَّافعيَّ وأصْحَابَه قائلون بالكَراهَة دونَ الحُرْمَة
(1)
.
• قوله: "وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ": قلتُ: هو دليلٌ ضعيفٌ جِدًّا يظهر بأدنى تأمُّل.
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 13/ 138.
[أَبْوَابُ النُّذُورِ وَالأيْمَان عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ
1053 -
(1524) - (4/ 103) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ بْن يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كفَّارَةُ يَمِينٍ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَعِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ؛ لِأنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: مُوسَى بْن عُقْبَةَ، وَابْنُ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن أَرْقَمَ، عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالحَدِيثُ هُوَ هَذَا.
• قوله: "لا نَذْرَ
…
" إلخ، ليسَ معناه أنْ لا يَنْعَقِد أصلًا إذ لا يُنَاسِب ذلك قوله: "وَكَفَّارَتُهُ
…
" إلخ، بل معناه ليسَ فيه وفاءٌ، وهذا هو صَريحُ بعضِ
الرِّوَاياتِ الصَّحِيحَةِ، وأنَّ فيها لا وفاءَ لنَذْرٍ في مَعْصِيةٍ.
• وقوله: "وَكَفَّارَتُهُ
…
" إلخ، معناه أنَّه يَنْعَقِد يمينًا يَجِبُ فيه الحنثُ.
بَاب [مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ]
1054 -
(1526) - (4/ 104 - 105) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْد المَلِكِ الأيْلِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ الله فَلَا يَعْصِهِ". حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْد المَلِكِ الأيْلِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَواه يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْن مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَول بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، قَالُوا: لا يَعْصِي الله وَلَيْسَ فِيهِ كفَّارَةُ يَمِينٍ إِذَا كَانَ النَّذْرُ فِي مَعْصِيَةٍ.
• قوله: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ الله فَلا يَعْصِهِ": لا دَلالةَ لهذا الحديثِ على أنَّه لا كَفَّارَةَ في نَذرِ المَعْصِيَةِ، فإذا ثَبَتَ يَجِبُ القَولُ به، نَعم هم يُنْكرون ثبوتَ الكَفَّاوَة ويقولونَ بضُعْفِ حديثِ:"وَكَفَّارتُهُ كَفَّارَة يَمِيْنٍ"
(1)
ويقولون: إنَّ في سَنَده سُلَيْمانُ بْنُ أرْقم وهو ضعيفٌ. والله أعلم.
(1)
ذكر هذا الحديث في السابق.
بَاب [مَا جَاءَ فِي كَفَّارَةِ] النَّذْر إذَا لَمْ يُسَمَّ
1055 -
(1528) - (4/ 106) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْن عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ مَوْلَى المُغِيرَةِ بْن شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي كعْبُ بْن عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ كفَّارَةُ يَمِينٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "كَفَّارَة النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ كفَّارَة يَمِينٍ"، أي: إذا قَال: عَلَيَّ نذرٌ ولم يعيِّنْ شيئًا بعَيْنِه، فعَلَيه كَفَّارة اليَمينِ.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا
1056 -
(1529) - (4/ 106 - 107) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَن! لا تَسْأَلِ الإمَارَةَ، فَإنَّكَ إِنْ أَتَتْكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أَتَتْكَ عَنْ غيْرِ مَسْأَلةٍ أعِنْتَ عَليْهَا، وَإِذا حَلَفْتَ عَلى يَمِينٍ فرَأيْتَ غيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فأتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ".
وَفِي البَاب عَنْ عَدِيِّ بْن حَاتِمٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبِي مُوسَى. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "الإِمَارَةَ": - بكسر الهَمزةِ - الوِلايَةُ.
• وقوله: "وُكِلْتَ وأُعِنْتَ": مبنياتٌ للمفعول.
• وقوله: "إِلَيْهَا"، أي: إلى المَسْألةِ وهو كِنَايةٌ عن عدم العَوْن عليها، والمرادُ باليمين المَحْلُوْفُ عليه.
• وقوله: "وَلْتُكَفِّر": - بإثباتِ اللَّام والتَّاء - في نسخ الترمذي
وهي لغةٌ شاذةٌ قليلةٌ، واللُّغَة المشهووة "وكَفِّرْ" بحَذْفِهما.
بَاب [مَا جَاءَ] فِي الكَفَّارَةِ قَبْلَ الحِنْثِ
1057 -
(1530) - (4/ 107) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ".
قَالَ: وفي الْبَاب عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ تُجْزِئُ، وَهُوَ قَول مَالِكِ بْن أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْم: لا يُكَفِّرُ إِلَّا بَعْدَ الحِنْثِ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنْ كفَّرَ بَعْدَ الحِنْثِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِنْ كفَّرَ قَبْلَ الحِنْثِ أَجْزَأَه.
• قوله: "فَلْيُكَفِّرْ": اسْتَدَلُّوا به على جَواز تَقديمِ الكَفَّارةِ على الحِنْثِ، وكأنَّهم بَنَوْا ذلك على أن الفَاء للتَّعْقيبِ، فتَدُلُّ على أن الكفَّارةَ عقبَ الحَلْفِ بلا مُهْلةٍ أصلًا ولا تكونُ كذلك إلا إذا كانَ قبلَ الحِنْثِ وهذا دليلٌ فاسدٌ؛ أمَّا أوَّلا فلأنَّ الفَاء الدَّاخِلةَ على جوابِ الشَّرطِ لا تَدُلُّ على التَّعْقِيبِ بلا مُهْلَةٍ أصلا، وإنَّما الدَّلالةُ على ذلك الفَاء العَاطِفَةِ.
وأما ثَانِيًا: فلأنَّه لا يَسْتقيمُ ذلك عنه أحدٌ إذا يَلْزَم منه وجوبُ تَقديمِ الكَفَّارَةِ على الحِنْثِ ولا يقولُ به أحدٌ، ويؤدِّي ذلك إلى التَّعَارُض بينَ حديثِ "فَلْيَأتِ ولْيُكَفِّرْ"، وبينَ حديثِ "فَلْيُكَفِّرْ ولْيَفْعَلْ".
وأمَّا ثالثًا: فلأنَّ تَعقيبَ الكَفَّارةِ بلا مُهلَةٍ يَقْتضي أنْ يَجِبَ اتِّصالُ الكَفَّارَة بالحَلْف بِحَيثُ لا يَقَعُ بينَهما فَصْلٌ لا بالحِنْث ولا بغَيْره، وهذا أمرٌ لا يقولُ به عَاقِلٌ.
وأمَّا رابعًا: فلأنَّه يُمْكِن القولُ باعتبار التَّعْقِيب بالنِّسْبة إلى مَجْموعِ الكَفَّارَةِ، والفعل باعتبار العَطف بينَهما أوَّلا، ثُمَّ اعتبار دُخُولِ الفاءِ على مَجموعِهما، فلا يَبْقَى دلالةٌ على تَقديمِ أحَدِهما على الآخَر أصْلًا.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِثْنَاءِ فِي اليَمِين]
1058 -
(1532) - (8/ 104 - 109) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاؤُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسوَلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ لَمْ يَحْنَثْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيتِ، فَقَال: هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ أَخْطَأَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، اخْتَصَرَه مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاؤوْسٍ عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوَدَ قَلَ: لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَعبْعِينَ امْرَأَةً تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلامًا فَطَافَ عَلَيْهِنَّ فَلَمْ تَلِدْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ نِصْفَ غُلَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ لَكَانَ كَمَا قَالَ". هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاؤوسٍ، عَنْ أَبِيهِ هَذَا الحَدِيثُ بِطُولهِ، وَقَالَ: "سَبْعِينَ امْرَأَةً"، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "قَالَ سُلَيْمَانُ بْن دَاوُدَ لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ".
• قوله: "لأطُوفَنَّ": كنايةٌ عن الجِماع.
• وقوله: "تَلِدُ كُلُّ": أرادَ أرْجُو أن تَلِدَ.
• قوله: "نِصْفَ غُلامٍ": قيل: هو الجَسَد الذي ذَكَره اللهُ تعالى في كتابه {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا}
(1)
.
(1)
سورة " ص": 34.
• وقوله: "فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
…
" إلخ، هذا مَحْمُولٌ على أنَّه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم أوْحِي إليه بذلك في حقِّ سُلَيمان، لا أن كلَّ مَنْ فَعَلَ هذا يَحْصُل له هذا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كرَاهِيَةِ الحَلفِ بغَيْر اللهِ
1059 -
(1533) - (9/ 104 - 115) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ وَهُوَ يَقُولُ: وَأَبِي، وَأَبِي، فَقَالَ:"أَلَا إِنَّ الله يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ"، فَقَالَ عُمَرُ:"فَوَاللهِ مَا حَلَفْتُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ذَاكِرًا وَلا آثِرًا".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ ثَابِتِ بْن الضَّحَّاكِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِى هُرَيْرَةَ، وَقُتَيْلَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن سَمُرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَى قَوْلهِ "وَلَا آثِرًا"، أَيْ: لَمْ آثرْهُ عَنْ غَيْرِي، يَقُولُ: لَمْ أَذْكُرْهُ عَنْ غَيْرِي.
• قوله: "وَلَا آثِرًا": يقولُ: لَمْ آثره هذا حاصلُ المعنى، وأمَّا تقدير الكَلام فأنْ يُقالَ: ولا ذَكَرْتُه آثِرًا، أي: رَاوِيًا وحَاكِيًا عن غَيْري.
1060 -
(1534) - (4/ 110) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَة عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَدْرَكَ عُمَر وَهُوَ فِي رَكْبِ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الله يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ لِيَحْلِفْ حَالِفٌ بِاللهِ أَوْ لِيَسْكُتْ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لِيَحْلِفْ بِاللهِ"، أي: ليَحْلِفْ مَنْ يُريدُ الحَلْف بالله، أو ليَسْكُتْ وَيتْرُك الشَّيءَ على وِفْقِ الإرَادِةِ.
1061 -
(1535) - (4/ 110 - 111) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعْدِ بْن عُبَيْدَةَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لا وَالكَعْبَةِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لا يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللهِ، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَفُسِّرَ هَذَا الحَدِيثُ عِنْدَ بَعْض أَهْل العِلْمِ أنّ قوْلهُ: "فقد كفرَ أوْ أشرَك" عَلى التَّغلِيظِ، وَالحُجَّةُ فِي ذلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ: وَأَبي وَأَبي، فَقَالَ:"أَلا إنَّ الله يَنْهَاكُمْ أنْ تَحْلِفوا بِآبَائِكُمْ"، وَحَدِيث أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"مَنْ قَالَ فِي حَلفِهِ وَاللَّاتِ، وَالعُزَّى فَلْيَقُلْ: لا إلَهَ إلَا اللهُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا مِثْل مَا رُوِيَ عَنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: "إِنّ الرِّيَاءَ شِرْكٌ". وَقد فسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ هَذِهِ الآيَةَ: {يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} الآيَه
(1)
، قَالَ: لا يُرَائِي.
• قوله: "أَوْ أَشْرَكَ": على التَّغْليظِ، وحَمَله بعضُهم على شِرْكِ الأعْمَالِ وكُفْرِها لا على شِرْكِ الاعْتِقَادِ وكُفْرِه، أي: فَعَلَ فِعْلَ الكَفَرَة.
• قوله: "وَاللَّاتِ"، أي: بلا قَصْدٍ بل على طَريق جَرْيِ العَادَةِ بينَهم؛ لأنَّهم كانوا قَرِيْبِي عَهْدٍ بالجَاهِلِيَّةِ.
• وقوله: "لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ": اسْتِدْرَاكٌ لِمَا فاتَه من تَعْظِيْمِه تعالى في مَحَلِّه، ونَفْيٌ لِمَا تَعَاطَى من تَعْظِيم الأصْنَام صورةً، وأمَّا مَنْ قَصَد الحَلْف بِهما تَعْظِيمًا لهما فهو كافرٌ نعوذُ بالله تعالى.
(1)
الكهف: 110.
بَابُ [مَا جَاء] فِيمَنْ يَحْلِفُ بالمَشْيِ وَلا يَسْتَطِيعُ
1062 -
(1537) - (1/ 114) حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْن المُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَيْخٍ كَبِيرٍ يَتَهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ، فَقَالَ:"مَا بَالُ هَذَا؟ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! نذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، قَالَ:"إِنَّ الله عز وجل لَغَنِيٌ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ"، قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
• قوله: "يُهَادَى"، أي يُمْسِكُه ابنَاه من جَانِبَيْه بعَضُدِه يَعْتَمِد عليهمَا.
بَابٌ فِي كرَاهِيَةِ النَّذْرِ
1063 -
(1538) - (4/ 112) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لا يُغْنِي مِنَ الْقَدَرِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ".
قَالَ: وفي الْبَاب عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهُمْ كَرِهُوا النَّذْرَ، وقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: مَعْنَى الكَرَاهِيَةِ فِي النَّذْرِ فِي الطَّاعَةِ وَالمَعْصِيَةِ، وَإِنْ نَذَرَ الرَّجُلُ بِالطَّاعَةِ فَوَفَّى بِهِ فَلَهُ فِيهِ أَجْرٌ وَيُكْرَهُ لَهٌ النَّذْرُ.
• قوله: "لا تَنْذِرُوا": - بكَسر الذَّال أو ضَمِّها - لُغَتان كأنَّ المرادَ لا تنذروا بظَنِّ أنَّه يُفيدُ حُصولَ المَرْغُوبِ والخَلاص عن المَكروهِ.
• وقوله: "وَإِنَّمَا يُخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ"، أي: الَّذي لا يَأتي بِهذه الطَّاعَةِ إلا في مُقَابَلَةِ شِفَاءِ مَريضٍ ونَحْوِه مِمَّا علَّق النَّذْر عليه.
بَابُ [مَا جَاءَ] كَيْفَ كَانَ يَمِينُ رَسُولِ اللهِ
(1)
صلى الله عليه وسلم
1064 -
(1540) - (4/ 113) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: كَثِيرًا مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَحْلِفُ بهَذِهِ اليَمِين: "لَا وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لّا وَمُقَلِّب القُلُوب": كلمةُ "لا" يَحْتَمِل أنْ تكونَ جَوابًا مُتَعَلِّقًا بالكلام السَّابِق، ويحتملُ أن تكونَ زائِدةً لتأكِيدِ القَسْم كما في قوله تعالى:{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}
(2)
ونحو ذلك.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "النَّبِيِّ" مكان "رَسولِ الله".
(2)
البلد:1.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي ثَوَابِ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً
1065 -
(1541) - (4/ 114) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ عُمَرَ بْن عَلِيِّ بْن الحُسَيْنِ بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، أَعْتَقَ اللهُ مِنْهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ، حَتَّى يَعْتِقَ فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَائِشَةَ، وَعَمْرِو بْن عَبْسَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَوَاثِلَةَ بْن الأسْقَعِ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَعُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، وَكَعْبِ بْن مُرَّةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
وَابْنُ الهَادِ اسْمُهُ: يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ أُسَامَةَ بْن الهَادِ وَهُوَ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ، قَدْ رَوَى عَنْهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ منْ أَهْلِ العِلْمِ.
• قوله: "مُؤْمِنَةً": فيه إشارةٌ إلى فَضْل عِتْق المُؤمن وُندْبِه؛ لأنَّ العِتْقَ تَخْلِيصٌ للعَبْد لعِبَادةِ اللهِ تعالى وذلك لا يَظْهر في الكَافِر إلا نَادِرًا.
• وقوله: "حَتَّى يَعْتِقَ
…
"إلخ غايةٌ لإفَادَة الاستِيْفَاء؛ لأنَّ الفَرْجَ من الأعْضَاء الخَفِيَّةِ التي لا يَشْمَلُها ذِكْرُ العُضْو مطلقًا، ولا يُحْسَب في الأعْضَاء عادةً، فلذا جُعِل غايةً لإفَادَةِ الاسْتِيفَاء، والعِتْقُ من النَّار لا يكونُ إلا بعُمُومِ المَغْفِرَةِ للصَّغَائر والكَبَائر، بل التَّعْذِيبُ بالنَّار غالبًا لا يَتَحَقَّقُ إلا من جِهَةِ الكَبائر، فالعِتْقُ منها لا يكونُ بدُوْنِ تَكفِيرهَا، فالحديثُ دليلٌ على تكفير الكَبَائر بِهذا الوَجْه.
وأمَّا قولُ مَنْ قال: إنَّ مَعْصِيَةَ الفرْج الزِّنَا، فعِتْقُه يدُلُّ على تَكْفِير الكَبائر،
فَيُرَدُّ عليه أن الفرْج يَتَعَلقُ به نِكاحُ اليَدِ والإيلاجُ فيما دون الفرْج.
قال ابن العربي: الفَرْجُ يَتَعَلَّقُ به المَسُّ في الأعْضَاء وفيما دونَ الفَرْج، وهذا من الصَّغَائر
(1)
. تخصيصُ ابن العَربي الحديثَ بالصَّغائر بعيدٌ جِدًّا.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 7/ 21.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَلْطِمُ خَادِمَهُ
1066 -
(1542) - (4/ 114 - 115) حَدَّتنَا أَبُو كريْبٍ، حَدَّثَنَا المُحَارِبِيُّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ هِلالِ بْن يَسَافٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْن مُقَرِّنٍ المُزَنِيِّ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا سَبْعَةَ إِخْوَةٍ مَا لنَا خَادِمٌ إِلَّا وَاحِدَة فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُعْتِقَهَا.
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي الحَدِيثِ، قَالَ: لَطَمَهَا عَلَى وَجْهِهَا.
• "الخَادِم": يُطْلَقُ على الجَاريةِ كما يُطْلَق على الرَّجُل.
• وقوله: "فَأَمَرَ": حَمَلُوه على النُّدب، وذلك إذا لم يَكُنْ عن ذَنْبٍ، وتعليمٍ وتأديبٍ، وهذا العِتْقُ يكونُ مكَافِئًا لِمَا صَدَرَ من اللَّطْم والظُّلْم في حَقِّه.
بَابٌ
1067 -
(1543) - (4/ 115) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَة، عَنْ ثَابِتِ بْن الضَّحَّاكِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلامِ كَاذِبًا فَهُوَ كمَا قَالَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي هَذَا إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِمِلَّةٍ سِوَى الإِسْلَامِ، فَقَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إِنْ فَعَلَ كذَا وَكذَا فَفَعَلَ ذَلِكَ الشَّيءَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ أَتَى عَظِيمًا وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول أَهْلِ المَدِينَةِ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَإِلَى هَذَا القَوْلِ ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الكَفَّارَةُ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "كَاذِبًا": ظَاهرُ هذا أنَّه في يَمينِ الغُمُوسِ إذِ الْكَذِبُ يَظْهر فيه، ويمكنُ أنْ يقالَ: حالٌ مُقَدَّرٌ، أي: مُقَدَّرٌ كَذِبُه فيَشْمَل الحَلْف على المُسْتقبل.
• قوله: "فَهُوَ كمَا قَالَ": بظَاهِره يَقْتضِي أنَّه يَصيرُ كافرًا، وقد أوِّل بضُعْفِه في دِيْنِه وخُرُوْجِه عن الْكَمَال فيه، ويُمْكن أنْ يقالَ ذلك إذا رَضِي بالدُّخوْلِ فيه. والله أعلم.
[بَابٌ]
1068 -
(1544) - (4/ 116) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن زَحْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الرُّعَيْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَالِكٍ اليَحْصبِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَى البَيْتِ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الله لا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ، وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ".
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَول أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ"، أي: غَير سَاتِرَةٍ رأسَها بالخِمَار.
• قوله: "فَلْتَرْكبْ وَلْتَخْتَمِرْ": أمَرَها بالاخْتِمَار والاسْتِتَار؛ لأنَّ تَرْكَه مَعْصِيةٌ لا نذرَ فيه، وأمَّا المَشْيُ حَافِيًا فيَصِحُّ النَّذْرُ فيه لعلَّها عَجَزَتْ عن الْمَشْي، والأمْرُ بالصَّوْم مَبْنِيٌّ على أن كفَّارةَ النَّذر كَفَّارةُ اليَمين. والله أعلم.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْل مَنْ أَعْتَقَ]
1069 -
(1547) - (4/ 117 - 118) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبد الأعلَى، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْن عُيَيْنَةَ، وَهُوَ أَخُو سُفْيَانَ بْن عُيَيْنَةَ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْن أَبِي الجَعْدِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَيُّمَا امْرِئِ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَه مِنَ النَّارِ، يُجْزِئ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ، وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فَكَاكَهُ مِنَ النَّارِ، يُجْزِئ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ امْرَأةٌ مُسْلِمَةً كَانَتْ فَكَاكَهَا مِنَ النَّارِ، يُجْزِي كلُّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. قالَ أبُو عِيْسَى: وَفِي الحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِتْقَ الذُّكُورِ لِلرِّجَالِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الإنَاثِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فَكاكَهُ مِنَ النَّارِ، يُجْزِي كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ. الْحَدِيثَ صَحَّ فِي طُرُقِهِ.
• قوله: "كَانَ فِكَاكَه": الضَّميرُ للمُعْتَق - بالفَتح -، ومِكَاكَه - بالنَّصَب - خبرُ كان، والضَّميرُ المَجرورُ للمُعْتِق: بالكسر.
• قوله: "الذُّكورِ أَفْضَلُ مِنْ الإِنَاثِ": وقيل: بلِ الذَّكَر من الذَّكَر، والأنْثَى منَ الْأنْثَى، والظَّاهر أن الذَّكرَ إذا قَام مقامَ امرأتَيْن فهو أفضلُ منَ الذَّكر والأنثى، غايةُ الأمْر أن الأنْثَى يَكْفِيْهَا الأنثى في الإعْتَاقِ من النَّار وزيادة، والله أعلم.
[كِتَابُ السِّيَر عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
• قوله: "السِّيَرِ": هو - بكسر، ففتح - جمع سِيْرة - بكسر، فسكون - بمعنى الطَّريقَة؛ لأنَّ الأحْكامَ المذكورةَ فيها مُتَلَقَّاةٌ من سِيَر رسولِ الله صلى الله تعالى عليه وسلَّم في غَزَواتِه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الدَّعْوَةِ قَبْلَ القِتَالِ
1070 -
(1548) - (4/ 119 - 120) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، أَنَّ جَيْشًا مِنْ جُيُوشِ المُسْلِمِينَ كَانَ أَمِيرَهُمْ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ حَاصَرُوا قَصْرًا مِنْ قُصُورِ فَارِسَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! أَلا نَنْهَدُ إِلَيْهِمْ؟ قَالَ: دَعُونِي أَدْعُهُمْ كَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُمْ فَأَتَاهُمْ سَلْمَانُ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ فَارِسِيٌّ تَرَوْنَ العَرَبَ يُطِيعُونَنى، فَإِنْ أَسْلَمْتُمْ فَلَكُمْ مِثْلُ الَّذِي لنَا وَعَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْنَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا دِينكُمْ تَرَكنَاكُمْ عَلَيْهِ وَأَعْطُونَا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ، قَالَ: وَرَطَنَ إِلَيْهِمْ بِالفَارِسِيَّةِ: وَأَنْتُمْ غَيْرُ مَحْمُودِينَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُمْ عَلَى سَوَاءٍ، قَالُوا: مَا نَحْنُ بِالَّذِي نُعْطِي الجِزْيَةَ وَلَكِنَّا نُقَاتِلُكُمْ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! أَلَا نَنْهَدُ إِلَيْهِمْ؟ قَالَ: لا، فَدَعَاهُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَى مِثْلِ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: انْهَدُوا إِلَيْهِمْ، قَالَ: فَنَهَدْنَا إِلَيْهِمْ فَفَتَحْنَا ذَلِكَ القَصْرَ.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ بُرَيْدَةَ، وَالنُّعْمَانِ بْن مُقَرِّنٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ،
وَحَدِيثُ سَلْمَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: أَبُو البَخْتَرِيِّ لَمْ يُدْرِكْ سَلْمَانَ، لِأنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، وَسَلْمَانُ مَاتَ قَبْلَ عَلِيٍّ.
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ إِلَى هَذَا، وَرَأَوْا أَنْ يُدْعَوْا قَبْلَ القِتَالِ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: إِنْ تُقُدِّمَ إِلَيْهِمْ فِي الدَّعْوَةِ فَحَسَن يَكُونُ ذَلِكَ أَهْيَبَ، وقَالَ بَعْضُر أَهْلِ العِلْم: لا دَعْوَةَ اليَوْمَ. وقَالَ أَحْمَدُ: لا أَعْرِفُ اليَوْمَ أَحَدًا يُدْعَى، وقَالَ الشَّافِعِيُّ: لا يُقَاتَلُ العَدُوُّ حَتَّى يُدْعَوْا إِلَّا أَنْ يَعْجَلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَة.
• قوله: "إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ"، أي: فلا أريْدُ لكم إلا ما كانَ خَيْرًا لكم.
• وقوله: "تَرَوْنَ العَرَبَ"، أي: فإنْ لم تُطِيْعُوني ولم تَقْبَلوا دَعْوتِي أحَارِبْكُمْ بِهم، أو المرادُ أنَّه يُطِيْعُني مَنْ هو خَيرٌ منكم، أو يُطِيْعُني مَنْ ليسَ قَبِيْلَتِي فأنْتُمْ أحَقُّ بذلك.
• "وَرَطَنَ إِلَيْهِمْ"، أي: تَكَلَّم معهم، وألْقَى إلَيْهم بالفَارِسِيَّةِ بحيثُ ما فَهِمَه غيرُهم، من "الرَّطَانَة" - بفتح الرَّاء وكسرها - وهو التكَلُّم باصْطِلاحٍ لا يَفْهَم الجُمْهور، وإنَّما يَفْهَمُه من تَحَرَّى الخطابَ بينهم.
• "ونَابَذْنَاكُمْ"، أي: بطَرْح المُصَالَحة الجَارِية بينَنا وبينكم، والأمانُ الموجودُ حالَ كَونِ كُلٍّ مِنَّا ومِنْكم "عَلَى سَوَاءٍ": على عِلْمٍ مُسَاوٍ لعِلْم الآخَر، أي: تَقَاتُلُكم لا يَقَع بلا علمٍ بالخَدِيْعَةِ.
1071 -
(1549) - (4/ 120) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ: المَكِّيُّ وَيُكْنَى بِأَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ هُوَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنةَ
عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْن نَوْفَلِ بْنْ مُسَاحِقٍ، عَنِ ابْنِ عِصَامٍ المُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ جَيْشًا أَوْ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمْ: "إِذَا رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا أَوْ سَمِعْتُمْ مُؤَذَنَا فَلَا تَقْتُلُوا أَحَدًا".
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ.
• قوله: "فَلَا تَقْتُلُوا أَحَدًا": حَذرًا عن الوُقُوْعِ في قَتْل مُسْلِمٍ.
بَابٌ فِي الْبَيَاتِ وَالْغَارَاتِ
1072 -
(1550) - (4/ 121) حَدَّثَنَا الأنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ أَتَاهَا لَيْلًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِح، فَلَمَّا أَصْبَحَ، خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ، وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَافَقَ وَاللهِ مُحَمَّدٌ الخَمِيسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ".
• قوله: "لَمْ يُغِرْ": من الإغَارَةِ، وجُوِّزَ فتحُها على أن قولَه:"لمْ يَغِرْ" من غَارٍ.
• وقوله: "بِمَسَاحِيهِمْ": جَمْعُ مِسْحَاةٍ، وهي آلةٌ من حَديدٍ يُجَوَّل بِها التُّرابُ والمَاءُ، ومِيْمُه زَائِدةٌ من السَّحْو: الكَشْف، والإزَالَة.
• وقوله: "مَكَاتِلهم": جمعُ مَكْتَل: القُفَّةُ الكَبِيرة يُحَوَّلُ فيها التَّرابُ، [أي]: هم خَرَجُوْا بآلاتِ الزَّرْع.
• وقوله: "مُحَمَّدٌ": بالرَّفع.
• وقوله: "وَافَقَ": من الوفاق بتقديم الفَاء على القَافِ.
• وقوله: "والخَمِيسَ": - بالنصب - مفعولٌ " وَافَقَ"، أي: وافَقَهم في المُحَارَبة ونَزَل معهم بِها.
• قوله: "خَرِبَتْ خَيْبَرُ": تفاؤلًا بِمَا رَأى في أيْدِيْهم من آلاتِ الهَدْم،
وبما سَمِعَ منهم من اسم الخَمِيس المُشْتَقِّ من الخُمُس، أي: الذي هو مُقتَضَى سَبْق الغَنِيْمة، ولذَا كان صلى اللهُ تعالى عليه وسلَّم يُحِبُّ الخُرُوْجَ يومَ الخَمِيس، والمرادُ خَرِبَتْ على أهلِها وفُتِحَتْ على المُسْلِمِين.
• قوله: "إِنَّا"، أي: مَعْشرَ الرُّسُل أو معَشْرَ المُسلمين
• قوله: "المُنْذَرِينَ": - بفتح الذَّال - أي: الذين أنْذَرهم الرُّسُلُ وحذَّرُوهم عن مَعْصِيَةِ اللهِ فمَا انتهَوْا عن ذلك.
1073 -
(1551) - (4/ 121 - 122) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِعَرْصَتِهِمْ ثَلَاثًا.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَحَدِيثُ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي الغَارَةِ بِاللَّيْلِ وَأَنْ يُبَيَّتُوا، وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، وقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: لا بَأْسَ أنْ يُبَيَّتَ العَدُوُّ لَيْلًا. وَمَعْنَى قَوْلهِ: وَافَقَ مُحَمَّدٌ الخَمِيسَ، يَعْنِي بِهِ: الجَيْشَ.
• قوله: "ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ"، أي: غَلَب عليهم.
• وقوله: "أَقَامَ
…
" إلخ، ولعلَّ ذلك كانَ لإظْهَار أحْكَام اللهِ تَعالى فيهم. والله أعلم.
• قوله: "وَأَنْ يُبَيَّتُوا": على بناءِ المَفْعول مِنْ بيَّت - بالتَّشديدِ - أي: أنْ يُغَارَ عليهم باللَّيْل. و"الغَارَةِ": النَّهْب والهُجُوم على العدُوِّ من غَير علمٍ.
بَابٌ فِي التَّحْرِيقِ وَالتَّخْرِيبِ
1074 -
(1552) - (4/ 122) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهِيَ البُوَيْرَة، فَأَنْزَلَ اللهُ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}
(1)
.
وَفِي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى هَذَا، وَلَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِقَطْعِ الأشْجَارِ وَتَخْرِيبِ الحُصُونِ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَول الأوْزَاعِيِّ، قَالَ الأوْزَاعِيُّ: وَنَهَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنْ يَقْطَعَ شَجَرًا مُثْمِرًا، أَوْ يُخَرِّبَ عَامِرًا، وَعَمِلَ بِذَلِكَ المُسْلِمُونَ بَعْدَه.
وقَالَ الشَّافِعِيُّ: لا بَأْسَ بِالتَّحْرِيقِ فِي أَرْضِ العَدُوِّ وَقَطع الأشْجَارِ وَالثِّمَارِ.
وقَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ تَكُونُ فِي مَوَاضِعَ لا يَجِدُونَ مِنْهُ بُدًّا، فَأَمَّا بِالعَبَثِ فَلا تُحَرَّقْ، وقَالَ إِسْحَاقُ: التَّحْرِيقُ سُنَّة إِذَا كَانَ أَنْكَى فِيهِمْ.
• قوله: "بَنِي النَّضيرِ": هو كأمِيْر.
• "والبُوَيْرَةُ": - بضم، ففتح - مَوْضِعٌ كانَ به نَخْلُ بني النَّضِير، فأنزلَ اللهُ تعالى وذلك أنَّه حين قُطِع نادَوْه: يا مُحَمَّد! قد كنتَ تَنْهَى عن الفَسَاد وتَعِيْبُه على من صَنَعَه فمَا بالُك تَقْطَع النَّخْلَ وتُحرِّقها؟ قال السُّهيليُّ: قال أهلُ التَّأويل وَقَع في نُفُوْس بعض المُسلمين من هذا الكَلام شَيءٌ حتى أنزلَ اللهُ تعالى: {مَا
(1)
سورة الحشر: 5.
قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا}
(1)
.
• "اللِّيْنَةُ": أنواعُ التَّمر ما عَدا العَجْوة. ذكره في المواهب
(2)
. واللِّيْنة: فِعْلَةٌ من اللَّوْنِ، وياءُها بدَلٌ من الوَاو لكَسْرةِ مَا قَبْلَها.
(1)
سورة الحشر: 5.
(2)
راجع المواهب اللدنية للعلامة أحمد بن محمد القسطلاني: 1/ 430.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الغَنِيمَةِ
1075 -
(1553) - (4/ 123) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ الله فَضَّلَنِي عَلَى الأَنْبِيَاءِ"، أَوْ قَالَ:"أمَّتِي عَلَى الأُمَمِ، وَأَحَلَّ لنَا الْغَنَائِمَ".
وَفِي البَاب عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي ذَرٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَسَيَّار هَذَا يُقَالُ لَهُ: سَيَّارٌ مَوْلَى بَني مُعَاوِيَةَ وَرَوَى عَنْهُ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بَحِيرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءَ بِسِتٍّ: أعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الخَلْقِ كافَّةً، وَخُتمَ بِيَ النَّبِيُّونَ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَوْ قَالَ: أُمَّتِي": وتَفْضِيلُهم يَسْتَلْزم تَفْضِيلَ نَبِيِّهِم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلم.
• قوله: "أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ": وهِيَ القرآنُ الجامعُ كَلماتُه للمَعَانِي الكَثِيرةِ مع وِجَازَة اللَّفْظ، أو هي كَلامُه الجَامعُ لِمَا أعْطِيَ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم من فَصَاحة اللِّسَان وبَرَاعَة البَيَان.
• و"الرُّعْبِ": - بضَمِّ الرَّاء - الخَوْفُ والفَزَع، وقد أوْقَع اللهُ تَعالى الخَوْفَ فِي قُلُوْب أعْدَائِه مَسِيرة شَهْر.
[بَابٌ فِي سَهْمِ الْخَيْل]
1076 -
(1554) - (4/ 124) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدةَ الضَّبِّيُّ، وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ فِي النَّفَلِ لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وَللرَّجُلِ بِسَهْمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ أَخْضَرَ نَحْوَه.
وَفِي البَاب عَنْ مُجمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ. وَهذَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالأوْزَاعِيِّ، وَمَالِكِ بْن أَنَسٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ قَالُوا: لِلْفَارِسِ ثَلاثَةُ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَللرَّاجِلِ سَهْمٌ.
• قوله: "فِي النَّفَلِ": - بفَتْحَتَيْن على المَشْهور وقد تُسْكَن الفَاء - واحدُ الأنْفَال، وهي زيادةٌ يُزَادُها الغَازي على نَصِيْبِه من الغَنِيْمَة.
قال النَّووي: والمرادُ بالنّفل ههنا الغَنِيْمَةُ، وأطلِقَ عليها اسمُ النَّفَل لكَوْنِها نَفَلا لغةً، فإنَّ النَّفَل في اللُّغَة الزِّيَادةُ والعَطِيَّةُ وهذه زِيَادةٌ وعَطِيَّةٌ من اللهِ تعالى، فإنَّها أحِلَّتْ لهذه الأمَّةِ دونَ غَيره
(1)
. قلتُ: ومن إطْلاقِ النَّفَل على الغَنِيْمة قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية
(2)
.
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 12/ 83.
(2)
الأنفال: 1.
بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّرَايَا
1077 -
(1555) - (4/ 125) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى الأزْدِيُّ البَصْرِيُّ، وَأَبُو عَمَّارٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ بْن يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِائَةٍ، وَخَيْرُ الجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلافٍ، وَلا يُغْلَبُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا يُسْنِدُه كَبيرُ أَحَدٍ غَيْرُ جَرِيرِ بْن حَازِمٍ، وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا. وَقَدْ رَوَاهُ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ العَنَزِيُّ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.
• قوله: "خَيْر الصَّحَابَةِ"، أي: خيرُ الرُّفَقاء، وخَيْرُ هذه الأعدادِ بالنِّسْبة إلى مَا دُوْنَها.
• وقوله: "لا يُغْلَبُ": - على بناءِ المفعول تَرْغِيب لهم في الصَّبْر، وأنَّه ليسَ لهم أنْ يرَوْا أنْفُسَهم قَلِيْلِيْن فيَنْفِرُوا لذلك. والله أعلم.
بَابُ مَن يعطَى الفىْ
ءَ
• أراد "بِالْفَيْءِ": الغَنِيْمَةُ، وهو ما أخِذَ عَنْوَةً بقَرِيْنَةِ حديثِ البَابِ، لا المَعْنى المُتَعارَف وهو ما يَحْصل بمُصَالَحةِ أهْلِه مثلًا.
1078 -
(1556) - (4/ 125 - 126) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْن إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْن هُرْمُزَ، أَنَّ نَجْدَةَ الحَرُورِيَّ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: كتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي هَلْ كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ، وَكانَ يَغْزُو بِهِنَّ، فَيُدَاوِينَ المَرْضَى، وَيُحْذَيْنَ مِنَ الغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ.
وَفِي البَاب عَنْ أَنَسٍ، وَأُمِّ عَطِيَّةَ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَول سُفْيَانَ التوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: يُسْهَمُ لِلْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ، وَهُوَ قَول الأوْزَاعِيِّ، قَالَ الأوْزَاعِيُّ: وَأَسْهَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلصِّبْيَانِ بِخَيْبَرَ، وَأَسْهَمَتْ أَئِمَّةُ المُسْلِمِينَ لِكُلِّ مَوْلُودٍ وُلدَ فِي أَرْضِ الحَرْبِ، قَالَ الأوْزَاعِيُّ: وَأَسْهَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلنِّسَاءِ بِخَيْبَرَ، وَأَخَذَ بِذَلِكَ المُسْلِمُونَ بَعْدَه، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأوْزَاعِيِّ بِهَذَا. وَمَعْنَى قَوْلهِ: "وَيُحْذَيْنَ مِنَ الغَنِيمَةِ"، يَقُولُ: يُرْضَخُ لَهُنَّ بِشَيْءٍ مِنَ الغَنِيمَةِ يُعْطَيْنَ شَيْئًا.
• قوله: "فَيُدَاوِينَ": هو مِن المُدَاوَاةِ - بضَمِّ الياءِ، وكَسْر الواو - يعني كانَ المقصودُ من خُرُوْجِهِنَّ مُدَاوَاةُ المَرْضى لا القِتالُ.
• وقوله: "يُحْذَيْنَ": من الحَذِيَّة - بضَمِّ الياء، وسُكون المُهْملة، وفتح الذَّال المُعْجَمة - أي: يُعْطَيْنَ عَطِيَّةً دونَ السَّهْم.
• قوله: "يُرْضَخُ": من الرَّضْخِ - بإسْكان الضَّاد، والخاء المُعْجَمَتْين - وهي العَطِيَّةُ القَليلةُ.
بَابٌ: هَلْ يُسْهَمُ لِلْعَبْدِ
1079 -
(1557) - (4/ 127) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن زَيْدٍ، عَنْ عُمَيْرٍ، مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ، قَالَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي، فَكَلَّمُوا فِيَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكلَّمُوهُ أَنِّي مَمْلُوكٌ، قَالَ: فَأَمَرَ بِي، فَقُلِّدْتُ السَّيْفَ، فَإِذَا أنا أَجُرُّه، فَأَمَرَ لِي بِشَئٍ مِنْ خُرْثِيِّ المَتَاعِ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ رُقْيَةً كُنْتُ أَرْقِي بِهَا المَجَانِينَ، فَأَمَرَنِي بِطَرْحِ بَعْضِهَا وَحَبْسِ بَعْضِهَا.
وَفِي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ لا يُسْهَمُ لِلْمَمْلُوكِ وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُ بِشَيءٍ، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
• قوله: "فَكَلَّمُوا فِيَّ"، أي: في شَأني.
• وقوله: "فَأَمَرَ بِي"، أي: أمَرَنِي بأنْ أحْمِل السِّلاحَ، أو أكونَ مع المُجَاهدين لأتَعَلَّم المُحاربةَ.
• "فَإِذَا أَنَّا أَجُرُّهُ": - بتشديدِ الرَّاء - أي: أجُرُّ السَّيْفَ على الأرْض من
قِصْر قَامَتِي لصِغْر سِنِّي، ويُمْكن أنَّه كنَّى بذلك عن كَوْنِه لا يُحْسِنُ تَقلِيْدَ السَّيفِ ولم يَكُنْ من أهْلِه.
• "وخُرْثِيِّ المَتَاعِ": - بضَمِّ الخَاء المُعجمة، وسُكونِ الرَّاء المُهْمَلة، وكَسر الثَّاء المُثَلَّثةِ، وتشديد الياء - أثاثُ البَيتِ ومتَاعُه.
• "والرُقْيَة": - بضَمِّ الرَّاء، وتخفيفِ الياء - العَوْذَةُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَهْل الذِّمَّةِ يَغْزُونَ مَعَ المُسْلِمِينَ هَلْ يُسْهَمُ لَهُمْ؟
1080 -
(1558) - (4/ 127 - 128) حَدَّثَنَا الأنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الفُضَيْلِ بْن أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن نِيَارٍ الأسْلَمِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ حَتَّى إِذَا كَانَ بِحَرَّةِ الوَبَرَةِ لَحِقَهُ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكينَ يَذْكُرُ مِنْهُ جُرْأَةً وَنَجْدَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولهِ؟ "، قَالَ: لا، قَالَ:"ارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ".
وَفِي الحَدِيثِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ، قَالُوا: لا يُسْهَمُ لِأهْلِ الذِّمَّةِ وَإِنْ قَاتَلُوا مَعَ المُسْلِمِينَ العَدُوَّ، وَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: أَنْ يُسْهَمَ لَهُمْ إِذَا شَهِدُوا القِتَالَ مَعَ المُسْلِمِينَ.
وَيُرْوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْهَمَ. لِقَوْمٍ مِنَ اليَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَزْرَةَ بْن ثَابِتٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "جُرْأَةً": الْجُرْأةُ - بضَمٍّ، فسكون، فهمزة - الإقْدَام على الشَّيءِ. "وَالنَّجْدَة": - بفتح نون، وسكون جيم - الشَّجَاعةُ، والعَطْفُ بمَنْزلةِ التَّفْسِير.
• وقوله: "يَذْكُرُ": يَحْتَمل البِناءَ للفَاعل والمَفْعُول. قالوا: قد ثَبَتَ أنَّه اسْتَعانَ بصَفْوانَ قبلَ إسلامِه، فيُحْمَل الأمْران على حَالةِ الحَاجةِ وعَدَمِها.
بَابٌ
1081 -
(1559) - (4/ 128 - 129) حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لنَا مَعَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، قَالَ الأوْزَاعِيُّ: مَنْ لَحِقَ بِالمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يُسْهَمَ لِلْخَيْلِ أُسْهِمَ لَهُ. وَبُرَيْدٌ يُكْنَى أَبَا بُرْدَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ، وَرَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمَا.
• "فَأَسْهَمَ لنَا مَعَ الَّذِينَ
…
" إلخ، قيل أسْهَمَ لهم؛ لأنَّهم وَرَدُوْا عليه قبلَ حِيَازَة الغَنِيْمَةِ، أو برَضَى الغَانِمِيْن.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الانْتِفَاعِ بآنِيَةِ المُشْركينَ
1082 -
(1565) - (4/ 129 - 130) حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيِّ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قُدُورِ المَجُوسِ، فَقَالَ:"أَنْقُوهَا غَسْلًا، وَاطْبُخُوا فِيهَا، وَنَهَى عَنْ كُلِّ سَبُعٍ ذِي نَابٍ".
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو إِدْرِدسَ الخَوْلانِيُّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، وَأَبُو قِلَابَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، إِنَّمَا رَوَاه عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَال: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيَّ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الخَوْلانِيُّ عَائِذُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الخُشَنيَّ، يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابِ نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، قَالَ:"إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكلُوا فِيهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عَنْ قُدُورِ المَجُوسِ": حَمَلوا ذلك على ما يَسْتَعْملون فيها الأشْياءَ النَّجِسَةَ، ولذلك كَرِهَ الأكلَ فيها عندَ وُجُوْدِ غَيرِها كما في الحديث اللَّاحِق.
بَابُ النَّفَلِ
• بفَتْحَتَين وقد تُسْكَن، زِيَادةٌ يُخَصُّ بِها بَعْضُ الغُزَاةِ.
1083 -
(1561) - (4/ 130 - 131) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِثِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي أمَامَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُنَفِّلُ فِي البَدْأَةِ الرُّبُعَ، وَفِي القُفُولِ الثُّلُثَ.
وَفِي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَبِيب بْن مَسْلَمَةَ، وَمَعْنِ بْن يَزِيدَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَلَمَةَ بْن الأكوَعِ. وَحَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْم فِي النَّفَلِ مِنَ الْخُمُسِ، فَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لمْ يَبْلغنِي أنّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم نَفَّل فِي مَغازِيهِ كلِّهَا، وَقد بَلغني أَنَّهُ نَفَّلَ فِي بَعْضِهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الاجْتِهَادِ مِنَ الإِمَامِ فِي أَوَّلِ المَغْنَمِ وَآخِرِهِ.
قَالَ ابْنُ مَنْصُورِ: قُلْتُ لِأحْمَدَ: إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ إِذَا فَصَلَ بِالرُّبُعِ بَعْدَ الخُمُسِ، وَإِذا قفل بِالثُّلثِ بَعْدَ الخُمُسِ، فقال: يُخْرِجُ الخُمُسَ ثمَّ يُنَفِّلُ مِمَّا بَقِيَ وَلا يُجَاوِزُ هَذَا. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا الحَدِيثُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ
النَّفَلُ مِنَ الخُمُسِ، قَالَ إِسْحَاقُ كمَا قَالَ.
• قوله: "كَانَ يُنَفِّلُ": من التَّنْفِيل وهو إعْطاءُ النَّفَل، والمرادُ ابْتداءُ الغَزْو والرُّجْعَة، والمعنى: كان إذا نَهَضَتْ سَرِيَّةٌ من جُمْلةِ العَسْكر المُقْبِل على العَدُوِّ، وابْتَدَرُوْا إليهم فَغَنِمُوا، نَفَلَها الرُّبْع مِمَّا غَنِمَتْ، وإذا قَفَلُوْا ورَجَعَتْ طَائِفةٌ منهم فأوْقَعُوْا بالعَدُوِّ وغَنِموا، نَفَلَها الثُّلُث؛ لأنَّ الكرَّةَ الثَّانِيةَ أشَدُّ لضُعْفِ الظَّهْر، والعُدَّةِ والفُتُوْر وزيَادَةِ الشَّهْوَة إلى الأوْطَان فزادَ لذلك.
• قوله: "تَنَفَّلَ سَيْفَهُ"، أي: أخَذَه زِيَادَةً لنَفْسِه.
• قوله: "الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا"، أي: النبِيُّ صلَّى اللهُ تَعَالى عليه وسلَّم ليلةَ الجُمُعَة رُؤْيا، فلمَّا أصْبَحَ قال:"وَاللهِ إنِّي قَدْ رَأيْتُ خَيْرًا، رَأيْتُ بَقَرًا تُذبَحُ، وَرَأيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثُلمًا، فأمَّا الْبَقَرُ فَنَاسٌ مِنْ أصْحَابِي يُقْتَلُوْنَ، وَأمَّا الثُّلمُ الَّذِيْ رَأيْتُ فِي سَيْفِي فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ". ثُمَّ خَرَجَ بعدَ صَلاةِ العَصْر يومَ الجُمْعَة إلى بَدْرٍ
(1)
. كذا ذكره في المواهب.
• قوله: "إِذَا فَصَلَ"، أي: خَرَجَ كقوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ}
(2)
والمرادُ في بَدْء الأمْر.
(1)
هكذا في المخطوط وهو خطأ؛ لأن هذه الرؤيا قد رآها النبي صلى الله قبل خروجه إلى غزوة أحد كما ذكر ذلك في جميع كتب السيرة، والمواهب اللدنية الذي اقتبس منه المصنف هذه العبارة، ولم يكن شيء من قبيل الرؤيا عند غزوة بدو، لأنها وقعت على غير ميعاد بين النبي صلى الله وبين عدوه، وأيضا لم يقتل فيها أحد من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقتل فيها إلا بعض الصحابة الكرام، وإنما أوقع الله تبارك بأسه من القتل والأسر في جموع المشركين. راجع: المواهب اللدنية للقسطلاني: 1/ 393، 392.
(2)
البقرة: 239.
• قوله: "في النَّفَل مِنَ الخُمُسِ": اخْتَلَف العُلماءُ فِي النَّفَل هل هو من أصْلِ الغَنِيْمَةِ ومِنَ الخُمُس أوْ من خُمُس الخُمس؟ ورَوَى مالكٌ عن سعيدِ بْن المُسَيِّبِ أنَّه "كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفْلَ مِنَ الْخُمُسِ"
(1)
. قال الحافظُ: ظاهرُه اتِّفَاقُ الصَّحَابةِ على ذلك. قال ابنُ عَبْدِ البر: إن أرادَ الإمامُ تَفْضِيلَ بعضِ الجَيْش لمَعْنى فيه فذاك من الخُمُس لا من رَأس الغَنِيْمَةِ، وإن انْفَردَتْ قِطْعةٌ فأرادَ أنْ يُنَفِّلَهَا مِمَّا غَنِمَتْه دونَ سَائر الجَيْش فذلك من غَير الخُمس بشَرْطِ أنْ لا يَزيدَ على الثُّلُثِ. انتهى
(2)
.
(1)
راجع: موطأ الإمام مالك بن أنس: 3/ 28، ح:1071.
(2)
راجع: فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ أحمد بن علي بن حجز العسقلاني: 6/ 277.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ
1084 -
(1562) - (4/ 131 - 132) حَدَّثَنَا الأنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْن كَثِيرِ بْن أَفْلَحَ، أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي الحَدِيثِ قِصَّة حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. وَفِي البَاب عَنْ عَوْفِ بْن مَالِكٍ، وَخَالِدِ بْن الوَليدِ، وَأَنَسٍ، وَسَمُرَةَ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ نَافِعٌ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَول الأوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: لِلإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ السَّلَبِ الخُمُسَ. وقَالَ الثَّوْرِيُّ: النَّفَلُ أَنْ يَقُولَ: الإِمَامُ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَهُوَ جَائِزٌ وَلَيْسَ فِيهِ الخُمُسُ. وقَالَ إِسْحَاقُ: السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا كثِيرًا فَرَأَى الإِمَامُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ الخُمُسَ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ.
• "السَّلَبِ": - بفتحتين - ما يُؤخَذُ من المُحَارِب من مَلْبُوسٍ وغَيرِه عندَ الجمهور، وعن أحمدَ لا تَدْخُل الدَّابة، وعن الشَّافعي يَخْتَصُّ بأدَاةِ الحَرْب، والجمهورُ على أنَّه لابُدَّ من بَيِّنَةٍ تَشْهد بأنَّه قَتَلَه، وصَرَّح بعضُهم بأنَّه يَكْتَفِي بالوَاحِد، ثم حَمَلَ هذا الحَديثَ كثيرٌ من العُلَمَاء على التَّشرِيْع، فقالوا: السَّلَب
للقَاتِل سواءً قال الإمامُ ذلك أم لا. وبعضُهم حَمَلوه على أنَّه قالَ ذلك بطَريق الإذْنِ؛ لكَوْنِه إمامًا، وللإمَام الإذْنُ، فقالوا: ليسَ السَّلَب للقَاتِل إلا أنْ يَأذَنَ الإمامُ.
بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ المغَانِم حَتَّى تُقْسَمَ
1085 -
(1563) - (4/ 132) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن زَيْدٍ، عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شِرَاءِ المَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ".
وَفِي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "عَنْ شِرَاءِ المَغَانِمِ": يُمكن حَمْلُه على معنى البَيْعِ، ويُمكِن حملُه على ظَاهِره، والنَّهْيُ عن الشِّراءِ يستلزمُ النَّهْيَ عن البَيْع. والله أعلم.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي كَرَاهِيَةِ وَطْءِ الحَبَالَى مِنَ السَّبَايَا
1086 -
(1564) - (4/ 133) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ وَهْبٍ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، أَنَّ أَبَاهَا أَخْبَرَهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، "نَهَى أَنْ تُوطَأَ السَّبَايَا حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَدِيثُ عِرْبَاضٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْم. وقَالَ الأوْزَاعِيُّ: إِذَا اشْترى الرَّجُلُ الجَارِيَةَ مِنَ السَّبْيِ وَهِيَ حَامِلٌ فقد رُوِيَ عَنْ عمَرَ بْنِ الخَطابِ أَنَّهُ قال: لا تُوطَأ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ. قَالَ الأوْزَاعِيُّ: وَأَمَّا الحَرَائِرُ فَقَدْ مَضَتِ السُّنَّةُ فِيهِنَّ بأَنْ أُمِرْنَ بِالعِدَّةِ كُلُّ هَذَا حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ.
• قوله: "تُوطَأَ السَّبَايَا": والمرادُ الحُبَالَى من السَّبَايا بقَريْنَةِ الغَايةِ كما أشارَ إليه المُصَنِّفُ بالتَّرْجَمَةِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي طَعَامِ المُشْركِينَ
1087 -
(1565) - (4/ 133 - 134) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، قَال: سَمِعْتُ قَبِيصَةَ بْنَ هُلْبِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ طَعَامِ النَّصَارَى؟ فَقَال: "لا يَتَخَلَّجَنَّ فِي صَدْرِكَ طَعَامٌ ضَارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانِيَّةَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ مَحْمُودٌ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ موسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ قَبِيصَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. قَالَ مَحْمُودٌ: وَقَالَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُرَيِّ بْن قَطَرِيٍّ، عَنْ عَدِيِّ بْن حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْد أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي طَعَامِ أَهْلِ الكِتَابِ.
• قوله: "ضَارَعْتَ": - بسُكونِ العَيْن، وفتح التَّاءِ على صِيْغَةِ الخِطَاب - أي: شابَهْتَ به المِلَّةَ النَّصْرانِيَة، أي: أهلَها، ولا نخْفى أن مُشَابَهةَ أهلِ النَّصْرانِيَّةِ مَمْنُوعةٌ مَكْرُوْهةٌ، فهذا الكلامُ يَقْتَضي أن سَوْقَ الجَواب لإفَادَةِ المَنعْ عن طَعَامِهم وكَراهَتِه، لكن قولَه:"لا يَتَخَلَّجَنَّ": - أي: لا يَتَحَرَّكَنَّ ولانتردَّدَنَّ - يَقْتَضِي أن سَوْقَ الجَواب لإفَادَة الإبَاحَةِ والإذْنِ في طَعَامِهم؛ لحَديثِ: "الإثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ"، ولأنَّه إذا كانَ للمَنْع، فالتَّرَدُّدُ بينَ كونِه حرامًا أو مُباحًا مَوْجُوْدٌ فلا يَسْتَقِيْمُ نَفْيُ التَّرَدُّدِ؛ ولذا حَمَل كثيرٌ منهم على الإذْن إلا أنْ يُقَال: نَفَى التَردُّدَ بينَ كونِه مُباحًا أو ممنوعًا، وأثْبَتَ فيه المَنْعَ، والتَّردُّد فيه بعدَ ذلك بينَ أقْسامِ المَنْع لا يُنَافِيه، وكأنَّه لهَذا جَزَم بعضُهم بأنَّ سِيَاقَ الحديثِ لا يُنَاسِب الإذْنَ، وإنَّمَا يُناسِبُ المنعَ.
وقَدْ يُقال: إنَّه للإذْنِ ومَحَطُّ الكلام هو الطَّعامُ، والمَعْنى أنَّه لا يَخْتَلِجْ في صَدْرك طَعامٌ تشبهُ فيه النَّصَارى، يعنى أن التَّشبُّهَ الممنوعَ إنَّما هو في الدِّين، والعَادات والأخلاقِ، لا في الطَّعام الذي يَحتاجُ إليه كلُّ واحدٍ والتَّشَبُّه فيه لازمٌ، إذ مأكولُ الفَريقَيْن من جِنسٍ واحدٍ، وقد أذِنَ اللهُ تعالى فيه بقوله:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}
(1)
فالتَّشَبُّهُ في مِثْلِه لا عِبْرةَ به، ولا يَخْتَلِج في الصَّدْرِ حتى يُسْأل عنه.
وأجاب الطِّيبي: بأنَّ المرادَ تشابَهتَ النَّصرانِيَّةَ والرَّهْبانِيَّةَ في تَشْديدِهم وتَصْنِيْعِهم، وكيفَ وأنتَ على الحَنَفِيَّةِ السَّهْلة
(2)
. يريدُ أن المَعْنى على الإذْنِ. والله أعلم.
(1)
المائدة: 5.
(2)
راجع: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح: 9/ 2811، ح:4087.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الأُسَارَى وَالفِدَاءِ
1088 -
(1567) - (4/ 135) حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفَر وَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الهَمْدَانِيُّ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ جِبْرَائِيلَ هَبَطَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: خَيِّرْهُمْ - يَعْنِي أَصْحَابَكَ - فِي أُسَارَى بَدْرٍ القَتْلَ أَوِ الفِدَاءَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ قَابِلًا مِثْلُهُمْ، قَالُوا: الفِدَاءَ وَيُقْتَلُ مِنَّا".
وَفِي البَاب عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي بَرْزَةَ، وَجُبَيْرِ بْن مُطْعِمٍ. قالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَرَوَى أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه، وَرَوَى ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَة، عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا. وَأَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ اسْمُهُ: عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ.
• قوله: "قَالُوا الفِدَاءَ وَيُقْتَلُ مِنَّا
…
" إلخ، هذا مَحْمَولٌ على أنَّهم رَغِبوا في فَضْل الشَّهادةِ في سَبيلِ اللهِ فاخْتَارُوا الفداءَ تَبْعًا لذلك، لا أنَّهم رَغِبوا في الدُّنْيا بحيثُ رَضُوا لها عن القَتْل فهذا بعَيدٌ عنهم لا يُتَوَهَّمُ فيهم أصْلًا، ومع هذا فالحديث لا يَخْلو عن نَوع بُعْدٍ إذ لا يُنَاسِبُه ظاهرُ قوله تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} الآية
(1)
. والله أعلم.
(1)
الأنفال: 67.
1089 -
(1568) - (4/ 135 - 136) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَى رَجُلَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنَ المُشْرِكينَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَمُّ أَبِي قِلابَةَ هُوَ أَبُو المُهَلَّبِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ: مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو قِلَابَةَ اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ الجَرْمِيُّ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنَّ لِلإِمَامِ أَنْ يَمُنَّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنَ الأُسَارَى، وَيَقْتُلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، وَيَفْدِي مَنْ شَاءَ، وَاخْتَارَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ القَتْلَ عَلَى الفِدَاءِ، وقَالَ الأوْزَاعِيُّ: بَلَغَني أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}
(1)
نسختها {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}
(2)
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ عَنِ الأوْزَاعِيِّ. قَالَ إِسْحَاقُ بْن مَنْصُورٍ: قُلْتُ لِأحْمَدَ: إِذَا أسِرَ الأسِيرُ يُقْتَلُ أَوْ يُفَادَى أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: إِنْ قَدَرُوا أَنْ يُفَادُوْا فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَإِنْ قُتِلَ فَمَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا، قَالَ إِسْحَاقُ: الإِثْخَانُ أَحَبُّ إِلَيَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا فَأَطْمَعُ بِهِ الكَثِيرَ.
• قوله: "فَدَى رَجُلَيْنِ"، أي: خلَّصَهُمَا من أيْدِي المُشْركين بدَفْع مُشْركٍ إليهم.
(1)
محمد: 4.
(2)
البقرة: 191.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْل النِّسَاءِ وَالصِّبْيَان
1090 -
(1569) - (4/ 136 - 137) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَخْبَرَه، أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
وَفِي البَاب عَنْ بُرَيْدَةَ، وَرَيَاحٍ، وَيُقَالُ: رَبَاحُ بْنُ الرَّبِيع، وَالأسْوَدِ بْن سَرِيعٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالصَّعْبِ بْن جَثَّامَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ كَرِهُوا قَتْلَ النِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي البَيَاتِ وَقَتْلِ النِّسَاءِ فِيهِمْ وَالوِلْدَانِ، وَهُوَ قَول أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ وَرَخَّصَا فِي البَيَاتِ.
• قوله: "وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ"، أي: عَمَدًا إذ هو الذي يَدْخُل تحتَ النَّهْي.
1091 -
(1570) - (4/ 137) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الصَّعْبُ بْن جَثَّامَةَ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ خَيْلَنَا أَوْطَأَتْ مِنْ نِسَاءِ المُشْرِكينَ وَأَوْلادِهِمْ، قَالَ:"هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ"، أي: في الحُكْم في تلك الحَالةِ المَسْؤُولِ
عنها، وفي ذلك القَتْل الغَير القَصَديِّ، وأمَّا القَصَدِيُّ فقد نَهى عنه كما تقدَّم، فالحَاصِل أن السُّؤالَ ههنا عن القَتْل اتِّفَاقًا، والنَّهي عن القَصدِيِّ فلا مُعَارَضَةَ بينَ الحَدِيْثَيْن. والله [أعلم].
بَابُ مَا جَاءَ فِي الغُلُولِ
1092 -
(1572) - (4/ 138) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ: الكِبْرِ، وَالغُلُولِ، وَالدَّيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ".
وَفِي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْن خَالِدٍ الجُهَنِيِّ.
• قوله: "مِنْ الكِبْرِ": - بكَسْر الكَاف، وسُكْون الباء، والرَّاء المُهْملة - أي: العُلُوُّ والتَّكَبُّر قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}
(1)
وفي روايةِ سعيدٍ: "الكَنْز": - بفَتح الكافِ، وسكون النُّون، والزَّاء المُعْجَمة - أي: تَرْك الزَّكَاةِ قال الله تعالى: {يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}
(2)
الآية، وهذا هو المُنَاسِب لِمَا بعدَه إذ الكلامُ فيما يَتَعَلَّقُ بالأمْوال. "وَالغُلُولِ": بضَمَّتَيْن.
1093 -
(1574) - (4/ 139) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّتنَا سِمَاكٌ أَبُو زُمَيْلٍ الحَنَفِيُّ، قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ فُلَانًا قَدْ اسْتُشْهِدَ، قَالَ:"كَلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ بِعَبَاءَةٍ قَدْ غَلَّهَا"، قَالَ:"قُمْ يَا عَلِيُّ فَنَادِ إِنَّهُ لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا المُؤْمِنُونَ" ثَلَاثًا. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا
(1)
القصص: 83.
(2)
التوبة: 34.
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قول: "بِعَبَاءَةٍ": هو ضَرْبٌ من الأكْسِيَة، والبَاءُ تَحْتَمِل السَّبَبِيَّة والمُصَاحَبة، ويؤيِّد الثَّاني، "والَّذِي نَفْسِيْ بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا"
(1)
.
• وقوله: "لَا يَدْخُلُ"، أي: ابتداءً. "إلَّا الْمُؤْمِنُوْنَ"، أي: كَامِلُوا الإيْمَانِ، ويُمْكن أن المُرادَ الإطْلاقُ، ويكونُ المَقْصُوْدُ من هذا النِّداءِ أنْ لا يَرْتَابَ أحدٌ في هذا الخَبَر بناءً على أنَّه قَدْ صَدَر مِنْهم الدَّعْوى في حَقِّ هذا الرَّجُل على خِلافِ ما أخْبَر به صلَّى اللهُ تَعَالى عليه وسلَّم عنه، فيَحْتَمِل أن تلك الدَّعْوى تَخْتَلِج في قُلوبِ بعضٍ فيُخَافُ عليه الشكُّ في الخَبر بوَاسِطَتِه. والله أعلم.
(1)
راجع: كتاب الأيمان والنذور، باب: هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والمغنم والزرع والأمتعة، ح: 2707، وصحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب: غلظ تحريم الغلول، وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، ح: 115، وسنن أبي داود: كتاب الجهاد، باب: في تعظيم الغلول، ح:2711، وسنن النسائي: كتاب الأيمان والنذور، باب: هل تدخل الأرضون في المال إذا نذر، ح:3829.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الحَرْبِ
1094 -
(1575) - (4/ 139) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى للهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مَعَهَا مِنَ الأَنْصَارِ يَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَفِي البَاب عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "يَغْزُو بأم سُلَيْمٍ": قال النَّوويُّ: فيه خُرُوْجُ النِّسَاء في الغَزْو، والانْتِفَاع بِهِنَّ في السَّقْي والمُدَاوَاة، وهذه المُدَاوَاة لمَحارمِهِنَّ وأزْوَاجِهِنَّ ولغَيْرهِنَّ بلا مَسِّ بِشْرِةٍ إلا لحَاجَةٍ
(1)
.
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 12/ 188.
بَابُ مَا جَاءَ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ
• لَمَّا كانَ سببُ سُجُودِ الشُّكْر فَجْأةً نعمةٌ عظيمةٌ لا يَتكَّرر مثلُها كُلَّ حينٍ، وغالبُ ما تحقَّقَ في حَقِّه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم من هذا النَّوْعِ [في] الفُتُوحِ، ذَكَرَ هذا البابَ ههنا. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاء فِي أَمَانِ المَرْأَةِ
(1)
وَالعَبْدِ
1095 -
(1579) - (4/ 141 - 142) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْوَليدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْزَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ المَرْأَةَ لتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ"، يَعْنِي: تُجِيرُ عَلَى المُسْلِمِينَ.
وَفِي البَاب عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ قَدْ سَمِعَ مِنَ الْوَليدِ بْن رَبَاحٍ، وَالْوَليدُ بْنُ رَبَاحٍ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ. حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أبِي طَالِبٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا قَالَتْ: أَجَرْتُ رَجُليْنِ مِنْ أَحْمَائِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ أَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ أَجَازُوا أَمَانَ المَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، أَجَازَ أَمَانَ المَرْأَةِ، وَالعَبْدِ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وَأَبُو مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ لَهُ أيضًا: مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أيضًا، وَاسْمُهُ: يَزِيدُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَجَازَ أَمَانَ العَبْدِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْد اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "ذِمَّةُ
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: أَمَانِ العَبْدِ وَالمَرْأَةِ.
المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَمَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ مَنْ أَعْطَى الأَمَانَ مِنَ المُسْلِمِينَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى كُلِّهِمْ.
• قوله: "لتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ"، أي: تأخُذُ الأمانَ على المُسْلمين لقَوْمٍ من الكَفَرةِ.
• قوله: "أَدْنَاهُمْ"، أي: أقلُّهم عَدَدًا وهو الوَاحِد، وأوضْعُهم مَنْزلَةً وهو العَبْدُ، والحَاصِلُ: إذا أجَارِ عَبْدٌ أو امْرأةٌ أمْضِيَ جوارُه ولا يُنْقَض.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الغَدْرِ
1096 -
(1580) - (4/ 143) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أنبأنا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الفَيْضِ، قَال: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ أَهْلِ الرُّومِ عَهْدٌ وَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلَادِهِمْ، حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ عَلَى فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، وَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، فسَألَهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ ذلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْدًا، وَلَا يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ"، قَالَ: فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَكَانَ يَسِيرُ"، أي: أيامَ العَهْد.
• وقوله: "وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ"، أي: يَجِبُ عليكَ وَفاءٌ لا غَدْرَ معه، وهذا الوَفاءُ يَتضمَّنُ نوعَ غَدْرٍ.
• وقوله: "فَلَا يَحُلَّنَّ": - بتشديد اللام - مِنْ حلَّ العُقْدةَ هو مع ما بعدَه كِنَايةٌ عن عَدم التَعَرُّضِ للعَهْد.
• وقوله: "أَوْ يَنْبِذَ": أي، يَطْرحُ إليهم طَرْحًا واقعًا على الاسْتِوَاء من حيثِ العِلْم لِعِلْمِ الكُلِّ مع السَّوِيَّة.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ القِيَامَةِ
1097 -
(1581) - (4/ 144) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ الغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَأَنَسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ حَدِيثِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِمَارَةَ بْن عُمَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ"، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا الحَدِيثَ مَرْفُوعًا.
• قوله: "اللِّوَاء": - بكسر اللَّام - الرَّايةُ العَظيمةُ ويكونُ من اللِّوَاء التَّشْهِيرُ فهو كِنَايةٌ عن تَشْهِيره بالغَدْر يومَ القِيَامةِ على رُؤوس الأشْهَادِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النُّزُولِ عَلَى الحُكْمِ
1098 -
(1582) - (4/ 144 - 145) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: رُمِيَ يَوْمَ الأَحْزَابِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَطعُوا أَكْحَلهُ أَوْ أَبْجَلَهُ، فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَتَرَكَهُ فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَحَسَمَهُ أُخْرَى، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لا تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ، فَمَا قَطَرَ قَطْرَةً حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَحَكَمَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُمْ وَتُسْتَحْيَىَ نِسَاؤُهُمْ، يَسْتَعِينُ بِهِنَّ المُسْلِمُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَصَبْتَ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ"، وَكَانُوا أَرْبَعَ مِائَةٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِهِمْ انْفَتَقَ عِرْقُهُ فَمَاتَ.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَطِيَّةَ القُرَظِيِّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "رُمِيَ": على بناءِ المَفعول، وضميرُ "قَطَعُوا": للرُّماةِ المَدْلُول عليهم بـ "رُمِيَ". و"الأكْحَلُ": عِرْقٌ معروفٌ، قال الخليلُ
(1)
: إذا قُطِع في اليد لم يَرْقأ الدمُ وهو عِرْقُ الحَياةِ، في كُلِّ عُضْوٍ منه شُعْبَةٌ لها اسمٌ. و"الأبْجَلُ" عِرْقٌ غليظٌ في الرِّجْل أو اليد بإزاء الأكْحَل.
• وقوله: "فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم"، أي: قَطَع الدمَّ عنه بالكَيِّ.
(1)
راجع: كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي: 2/ 215، 6/ 136.
• وقوله: "لَا يُخْرِجْ": من الإخْراجِ مَجْزُوْمٌ على الدُّعَاء، ويحتملُ أنَّه من الخُروج مرفوعٌ.
• وقوله: "فَاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ"، أي: انْقَطع دمُه.
• وقوله: "فَأَرْسَلَ": على بناءِ المفعول والفاعِل، وضميرُه للنَّبِيِّ صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم، فبَعَثَ إليه مَنْ يأتي به إلى مَحَلِّ الحُكم.
• وقوله: "وتُسْتَحىَ نِسَاؤُهُمْ"، أي: تُبْقَى النِّسَاءُ أحْياءً للانتفاع بِهِنَّ.
• وقوله: "انْفَتَقَ عِرْقُهُ"، أي: انْشَقَّ.
1099 -
(1583) - (4/ 145) حَدَّثَنَا أحمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ أَبُو الْوَليدِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْن بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْن جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ". وَالشَّرْخُ: الغِلْمَانُ الَّذِينَ لَمْ يُنْبِتُوا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْن أَرْطَاةَ، عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ.
• قوله: "شُيُوخَ المُشْرِكينَ": قيل: أريدُ بالشُّيوخِ الرِّجَال الذين هُمْ أهل القُوَّة والجَلْد، لا الهَرْمَى فلا يُنافِي حديثَ:"لا تَقْتُلُوْا شَيْخًا فَانِيًا".
• "وَالشَّرْخُ": - بفتح مُعَجمةٍ، وسكون مُهْملَةٍ، وخَاء معجمةٍ - قيل: مصدرٌ [فتُطْلَق]
(1)
على الكَثير، وقيل: جُمع شَارخٍ.
(1)
هكذا في المخطوط، والصحيح: "فيُطْلَق
…
".
بَابُ مَا جَاءَ فِي الحِلْفِ
1100 -
(1585) - (4/ 146) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا يَزيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ:"أَوْفُوا بِحِلْفِ الجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ لا يَزِيدُهُ - يَعْنِي الإِسْلَامَ - إِلَّا شِدَّةً، وَلَا تُحْدِثُوا حِلْفًا فِي الإِسْلَامِ".
قَالَ: وَفِي البَاب عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَجُبَيْرِ بْن مُطْعِمٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَيْسِ بْن عَاصِمٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "الحِلْف": - بالكسر - العَهْدُ بينَ القَوْم على التَّنَاصُر. إيفاءُه: الخروجُ عن الاهْتِمَام برذِيْلةِ الكَذِب، والاتِّصَاف بأحْسنِ الأخْلاقِ، وكُلُّ ذلك مِمَّا يؤكِّدُه الإسلامُ قال اللهُ تعالى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ}
(1)
والمرادُ أنَّه إذا لَم يَكُنْ مُفْضِيًّا إلى خلافِ مُقتَضَى الإسْلام وهذا ظاهرٌ، وإنَّما مُنِع عن إحْداثِه في الإسْلام، لأنَّ الإسلامَ وَرَدَ بإيْفَاءِه، والعَهْد قد يُفْضِي إلى خلافِ ذلك فلا حَاجةَ إلى إحْداثِه، بل قد يكونُ سَببًا للجَوْر وغيرِه إذا عهد على وجهِ العُموم وأرادَ إيفاءَه بمَعُوْنَة النَّفْس عليه.
(1)
الإسراء: 34.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي أَخْذِ الجزْيَةِ مِنَ المَجُوسٍ
1101 -
(1586) - (4/ 146 - 147) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ بَجَالَةَ بْنِ عَبْدَةَ، قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَلَى مَنَاذِرَ، فَجَاءَنَا كتَابُ عُمَرَ: انْظُرْ مَجُوسَ مَنْ قِبَلَكَ فَخُذْ مِنْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنٍ بنَ عَوْفٍ أَخْبَرَنِي، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "مَنْ قِبَلكَ": أي: في جَانِبَك.
• قوله: "مَنَاذِر": كمَسَاجد بَلْدَتَان بناحِيَة الأهْوَاز: صُغْرى وكُبْرَى.
• قوله: "هَجَرَ": - بفتحتين - مدينةٌ على قاعِدَة البَحْرين.
• قوله: "هَجَرَ": - بفتحتين - مدينةٌ على قاعِدَة البَحْرين.
بَابُ مَا جَاءَ مَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِ [أهل] الذِّمَّةِ
1102 -
(1589) - (4/ 148) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزيدَ بْن أَبِي حَبيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نَمُرُّ بِقَوْمٍ فَلَا هُمْ يُضَيِّفُونَا وَلا هُمْ يُؤَدُّونَ مَا لنَا عَلَيْهِم مِنَ الْحَقِّ وَلا نَحْنُ نَأْخُذُ مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنْ أَبَوْا إِلَّا أنْ تَأْخُذُوا كَرْهًا فَخُذُوا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَاه اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزيدَ بْن أبِي حَبيب أيضًا. وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذا الحَدِيثِ: أَنَّهُمْ كَانوا يَخرُجُونَ فِي الغَزْوِ فَيَمُرُّونَ بِقَوْمٍ وَلا يَجِدُونَ مِنَ الطَّعَام مَا يَشْتَرُونَ بِالثَّمَنِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إنْ أَبَوْا أَنْ يَبيعُوا إلَا أَنْ تَأخُذُوا كَرْهًا فَخُذُوا"، هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْض الحَدِيثِ مُفسَّرًا، وَقد رُوِيَ عَنْ عمَرَ بْن الخَطابِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَأمُرُ بِنَحْوِ هَذا.
• قوله: "يُضَيِّفُونَا": - بتَشديد اليَاء - وأصله: يُضَيَّفُوْنَنَا - بنُوْنَيْن - وكأنَّه حُذِف إحدى النُّوْنَين تخفيفًا، أي: بالدَّعْوة إلى بينِهم وصنْعِ الطَّعام لنا.
• وقوله: "وَلَا هُمْ يُؤَدُّونَ
…
" إلخ، أي: بإهْداءِ الطَّعام أو الفُلُوس إلينا.
• وقوله: "مِنَ الحَقِّ"، أي: حَقِّ الضِّيَافةِ، وهذا الحديثُ حَمَله المصنِّفُ على أخْذ الطَّعامِ بالبَيْع كرهًا حَالةَ الاضْطِرار. وقيل: كان هذا وأمثالُه في بَدْء الإسلامِ حَتَّى كانَتِ المُواسَاةُ واجِبَةً. وقيل: فيمن شُرِطَ عليهم ضِيافةُ من يَمُرُّ عليهم من أهل الذِّمَّةِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الهجْرَةِ
1103 -
(1590) - (4/ 148 - 149) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاؤُوْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
قَالَ: وَفِي البَاب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَعَبْدِ اللهِ بْن حُبْشِيٍّ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْن المُعْتَمِرِ نَحْوَ هَذَا.
• قوله: "لَا هِجْرَةَ"، أي: لا هِجْرةَ من مَكَّة بعد فَتْحِها فريضة؛ لأنَّها صَارَتْ دارَ إسلامٍ فما بَقِي فضِيْلةُ الهِجْرة. "وَلَكِنْ جِهَادٌ"، أي: لكن لكم طَريقٌ إلى تَحْصيل فَضَائِل في معنى الهَجْرة من دَار الحَرْب كالجِهَاد، وَنِيَّةِ الخَير في كُلِّ شَيءٍ يصلح لذلك، وأمَّا الهِجْرةُ من دَار الحَرْب إلى دَار الإسْلامِ وهي وَاجِبَةٌ دائِمًا.
• وقوله: "وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ"، أي: يَطْلُب الإمامُ منكم الخُرُوْجَ للجِهَادِ فاخْرُجُوْا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1104 -
(1591) - (4/ 149) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد اللهِ فِي قَوْلهِ تَعَالَى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}
(1)
قَالَ جَابِرٌ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنْ لا نَفِرَّ، وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى المَوْتِ.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعُبَادَةَ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْد اللهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ عِيسَى بْن يُونُسَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَلَمْ يُذْكرْ فِيهِ أَبُو سَلَمَةَ.
• قوله: "عَلَى المَوْتِ": هذا بيانُ مَا ذَكَرُوْا من اللِّفْظ عندَ البَيْعةِ، واللَّفظان صَحِيْحَان وموادُهُما واحِدٌ فإنَّ البيعةَ على المَوْت ليسَ معناه الجَزْم بالمَوْتِ، بل إن لَحِقَ الموتُ نَمُوتُ ونَصْبِر عليه لا نَفِرُّ عنه. والله تعالى أعلم.
1105 -
(1593) - (4/ 150) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا ونُبَايِعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَيَقُولُ لنَا:"فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ كِلَاهما. وَمَعْنَى كِلَا الْحَدِيثَيْنِ
(1)
الفتح: 18.
صَحِيحٌ، قَدْ بَايَعَهُ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى المَوْتِ، وَإِنَّمَا قَالُوا: لا نَزَالُ بَيْنَ يَدَيْكَ حَتَّى نُقْتَلَ، وَبَايَعَهُ آخَرُونَ فَقَالُوا: لا نَفِرُّ.
• قوله: "فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ": إذ لا طَاعَةَ فوقَ الطَّاقَة، وفي التَّصْريح به عندَ البَيْعَةِ احْتِرازٌ عن لُزُوْم الكَذِب عندَ عَدم الطَّاقةِ.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي نَكْثِ البَيْعَةِ]
1106 -
(1595) - (4/ 150 - 151) حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا فَإِنْ أَعْطَاهُ وَفَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَلَى ذَلِكَ الأَمْرُ بِلَا اخْتِلَافٍ.
• قوله: "لَا يُكَلِّمُهُمُ": كنايةٌ عن عَدم الالْتِفَاتِ إليهم وقَطْعِ الرَّحْمةِ عنهم. "وَلَا يُزَكِّيهمْ": ولا يَغْفِر لهم ليَدْخُلوا الجَنَّةَ أوَّلا، بل لهم عذابٌ أليمٌ فيدخلون الجنَّةَ آخرًا. والله أعلم.
والرجل الثاني في الحديث: من كانَ له فضلُ ماءٍ بالطَّريق فمَنَعَه من ابن السَّبيلِ. والثَّالث: مَنْ أقَام سِلْعَتَه بعدَ العَصْر، فقالَ: واللهِ الذي لا إله إلا هو لقَدْ أعْطِيْتُ كذا، فصدَّقَه رجلٌ فأخَدهَا ولم يُعْطَها.
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعَةِ النِّسَاءِ
1107 -
(1597) - (4/ 151 - 152) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيْقَةَ، تَقُولُ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ، فَقَالَ لنَا:"فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ"، قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنَّا بِأَنْفُسِنَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَايِعْنَا، - قَالَ سُفْيَانُ: تَعْنِي صَافِحْنَا -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَائِشَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكُ بْن أَنَسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن المُنْكَدِرِ وَنَحْوهُ، قَالَ: وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ لِأُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ، وَأُمَيْمَةُ امْرَأَةٌ أُخْرَى لَهَا حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "يَعْني صَافِحْنَا"، أي: باليَد، ولا يَخْفى أن الجَوابَ المَذْكورَ في الكِتَاب لا يُناسِب هذا المعنى، وإنَّما المعنى المُناسِب له بايعْ كلَّ واحِدةٍ منَّا على حِدَة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّهْبَةِ
• قوله: "النَّهْبَةَ": - بالفَتْح - مصدرٌ بمعنى السَّلْب والاخْتِلاسِ.
1108 -
(1600) - (4/ 153 - 154) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْن مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ:"كنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَتَعَجَّلُوا مِنَ الغَنَائِمِ، فَاطَّبَخُوا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُخْرَى النَّاسِ، فَمَرَّ بِالقُدُورِ فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ بَيْنَهُمْ، فَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ وَهَذَا أَصَحُّ. وَعَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ، قَالَ: وفي البَاب عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي رَيْحَانَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَبْدِ الرَّحْمنِ بْن سَمُرَةَ، وَزَيْدِ بْن خَالِدٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا أَصَحُّ. وَعَبَايَةُ بْن رِفَاعَةَ سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ.
1109 -
(1601) - (4/ 154) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
• قوله: "سَرَعَانُ": - بضَمِّ السِّين، وسُكون الرَّاء - جمعُ مُسْرِعٍ أو
سَرِيْعٍ. وقيل: "سَرَعَانُ النَّاسِ" - بفَتْحَتَيْن - أوَائِلُهم الذين يَتَسارَعُون إلى الشَّيءِ ويُقْبِلُوْن عَليه بسُرْعَةٍ ويجوزُ سَكُوْنُ الرَّاء. "فَاطَّبَخُوا": - بتشديد الطَّاء - افْتَعالٌ من الطَّبْخ، والفَرْق أن الطَّبخَ يَعُمُّ لمَنْ طَبَخَ لنَفْسِه وغيرِه والاطَّباخ لنَفْسِه.
• قوله: "فَأُكْفِئَتْ": - بضَمِّ الهمزة، وكسر الفاء - أي: قُلِّبَتْ وأرِيْقَ مَا فيها؛ لأنَّهم ذَبَحُوْا المَغْنَم قبلَ الغَنِيْمَة، والأكْلُ قبلَ القِسْمةِ إنَّما يُباحُ في دَار الحَرْب وكانُوا انْتَهَوْا إلى دَار الإسْلام. وقيل: عُقُوْبةً لاسْتِعْجَالِهم في السَّيْر، وتِرْكِهِم النبيَّ صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم في آخِر النَّاس مُتَعرِّضًا لمَنْ قَصَدَه من عَدُوٍّ، ولعلَّهم رَدّوْا اللَّحْم إلى المَغْنم لئلا يكونَ تَضْييعًا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ المُقَامِ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْركِينَ
1110 -
(1604) - (4/ 155) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْن أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ، فَأُسْرَعَ فِيهِمُ القَتْلُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ:"أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِينَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلمَ؟ قَالَ: "لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا".
1111 -
(1605) - (4/ 155 - 156) حَدَّثنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ جَرِيرٍ وَهَذَا أَصَحُّ. وفي البَاب عَنْ سَمُرَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ جَرِيرٍ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: الصَّحِيحُ حَدِيثُ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ. وَرَوَى سَمُرَة بْن جُنْدَبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تُسَاكِنُوا المُشْرِكِينَ، وَلَا تُجَامِعُوهُمْ، فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِثْلُهُمْ".
• قوله: "بِالسُّجُودِ"، أي: سَجَدُوا ليكونَ السُّجُوْد عاصِمًا لهم بأنْ يَظُنَّهُم الناسُ مسلمين. "فَأسْرعَ": على بناءِ المَفعول، أي: بحيثُ ما تمَيَّز
المُسْلمُ منهم من الكَافِر. و"أمَرَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ: لأنَّهم أعَانُوْا على أنْفُسِهم بمَقامِهم بينَ الكَفَرةِ، فكَانُوا كمَنْ هَلَك بفِعل نَفْسِه وفِعْل غَيرِه فسَقَط حِصَّةُ جِنَايَتِه من كُلِّ مُسْلِم، أي: بَرِيء من حِفْظِه ومُوَالاتِه لإيْقَاعِه نَفْسَه في التَّهْلُكَة، أو بَرِيء مِنْ دَمِه إنْ قُتِل ودِيَتِه.
• وقوله: "لَا تَترَاءَى نَارَاهُمَا"، أي: يَجِب على المُسلم أنْ يَتَباعَدَ عن مَنْزِل مُشْرك، ولا يَنْزل بمَوْضِعٍ يَظهر فيه نارُ كُلِّ منهما لِنَارِ صَاحِبه، وأصْل "تَتَراءى": تَفَاعَل من الرُّؤْية قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ}
(1)
أي: رأى كُلُّ جَمْعٍ الجَمْعَ المُقَابِل له، وإسنادُه إلى النَّارَيْن مَجَازًا إذا النَّار يَظْهر من بَعيدٍ، ففِيه مبالغةٌ في التَّباعُد بينَهما.
• قوله: "فَهُوَ مِثْلُهُمْ": تغليظٌ لمُصَاحَبَتِهم.
(1)
الشعراء: 61.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْرَاجِ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزيرَةِ العَرَب
كَرِه النَّبِيُّ صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم اجْتِماعَ دِيْنَيْن في جَزيرةِ العَرب لاخْتِصَاصِها به صلى الله تعالى عليه وسلَّم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1112 -
(1608) - (4/ 157) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: مَنْ يَرثُكَ؟ قَالَ: أَهْلِي، وَوَلَدِي، قَالَتْ: فَمَا لِي لَا أَرِثُ أَبِي؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: "لا نُورَثُ"، وَلَكِنِّي أَعُولُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُولُهُ، وَأُنْفِقُ عَلَى مَنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَيْهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدٍ، وَعَائِشَةَ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ إِنَّمَا أَسْنَدَه حَمَّادُ بْن سَلَمَةَ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا حَمَّادَ بْن سَلَمَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ.
• "أَعُولُ"، أي: أمُوْنُ، يُرْيدُ أنَّه يُعَامِل مَعَها ومع غَيرها كمُعَامَلةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ تَعَالى عليه وسلَّم معهم في الإنْفَاقِ.
1113 -
(1610) - (4/ 158) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، أَخْبرنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ،
وَالزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ، وَالعَبَّاسُ يَخْتَصِمَانِ، فَقَالَ عُمَرُ لَهُمْ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا نُورَثُ، مَا ترَكْنَاه صَدَقَةٌ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَليُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتَ أَنْتَ وَهَذَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَطْلُبُ أَنْتَ مِيرَاثَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ صَادِقٌ، بَارٌّ، رَاشِدٌ، تَابِعٌ لِلْحَقِّ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَفِي الحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَس.
• قوله: "مَا تَرَكنَاهُ صَدَقَةٌ": هو مُبتدأ وخبرٌ، والتَّقديرُ "مَا تَرَكْنَاه صَدَقَةٌ". والجُمْلةُ بيانٌ لقَوْلِه:"لا نُوْرَثُ". وأمَّا نَصْبُ "صَدَقَةً" على أنَّه مفعولٌ ثَانٍ لـ "تَرَكْنَا"، وجعلُ المَوْصُوْل مفعولَ "نُوْرَثُ" فهو مَخَالَفَةٌ للرِّوَايةِ لا يَقْبَله العَقْلُ السَّليمُ أن المَقْصُودَ [بالحَدِيْثِ]
(1)
تَخْصِيْصُ الأنبياءِ بأنَّهم لا يُوْرَثُوْنَ وعلى هذا الوَجْهِ لا يَبْقَى التَّخْصِيصُ.
(1)
في المخطوط: "بالسيوف".
بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ [فِيهَا] القِتَالُ
1114 -
(1612) - (4/ 159 - 160) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَني أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ النُّعْمَانِ بْن مُقَرِّنٍ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ أَمْسَكَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَاتَلَ، فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ أَمْسَكَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ قَاتَلَ حَتَّى العَصْرِ، ثُمَّ أَمْسَكَ حَتَّى يُصَلِّيَ العَصْرَ ثُمَّ يُقَاتِلُ، قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ عِنْدَ ذَلِكَ تَهِيجُ رِيَاحُ النَّصْرِ وَيَدْعُو المُؤْمِنُونَ لِجُيُوشِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنِ النُّعْمَانِ بْن مُقَرِّنٍ بِإِسْنَادٍ أَوْصَلَ مِنْ هَذَا، وَقَتَادَةُ لَمْ يُدْرِكِ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ، وَمَاتَ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ فِي خِلافَةِ عُمَرَ.
• قوله: "رِيَاحُ النَّصْرِ": قد أجْرى اللهُ العَادةَ أن الرِّياحَ تَهُبُّ من جَانب المَنْصُوْر فهي عَلامةُ النَّصْر، ولذَا تُضَاف إلى النَّصْر، ويُكَنَّى بِها عن النَّصْر، فيقالُ: الرَّيحُ لآلِ فُلانٍ، أي: النَّصْر لهم، وعليه قولُه تعالى:{وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}
(1)
وقال صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا"
(2)
. والله أعلم.
(1)
الأنفال: 4.
(2)
راجع: صحيح البخاري: كتاب الاستسقاء، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالصبا"، ح: 181، وصحيح مسلم: كتاب صلاة الاستسقاء، باب: في ريح الصبا والدبور، ح:900.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الطِّيَرَةِ
1115 -
(1614) - (4/ 160 - 161) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الطِّيَرَةُ مِنَ الشِّرْكِ، وَمَا مِنَّا وَلَكِنَّ الله يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَابِسٍ التَّمِيمِيِّ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَعْدٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْن كُهَيْلٍ، وَرَوَى شُعْبَةُ أيضًا عَنْ سَلَمَةَ هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يَقُولُ فِي هَذَا الحَدِيثِ: "وَمَا مِنَّا وَلَكِنَّ الله يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ"، قَالَ سُلَيْمَانُ: هَذَا عِنْدِي قَوْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "وَمَا مِنَّا".
• "الطِّيَرَةُ": هي - بكَسْر، وفتح ياءٍ وقد تُسْكَن -: التَّشَاؤم بالشَّيء، وأصْلُه أنَّهم كانُوا في الجَاهِلِيَّةِ إذَا خَرَجُوا لحَاجَةٍ فإنْ رأوا الطَّيْر طَارَ عن يَمِيْنِهم فَرِحُوا واسْتَمرُّوْا، وإن رأوا طَار عن يَسَارِهم تَشاءَمُوْا به ورَجَعُوْا، وربما هيَّجُوْا الطَّير ليَطيرَ فيَعْتَمِدُوْن [على] ذلك، فكَان يَصُدُّهُم ذلك عن مَقَاصِدهم فنَفَاه الشَّرعُ وأبْطَله ونَهَى عنه، وأخبَر أنَّه لا تَأثيرَ له في جَلْب نَفْعٍ أو دَفْع ضَرَرٍ، وأنَّ اعْتِقَادَ تأثيرِه شِركٌ؛ لأنَّه اعتقادُ أن لغيره تأثيرًا في الإيْجَادِ.
• وقوله: "وَمَا مِنَّا": أحدٌ يَخْلُو عن اعْتِراء شَيءٍ ما منه في أوَّل الأمْر قبلَ التَّأمُّلِ.
• وقوله: "وَلَكِنَّ الله يُذْهِبُ بِالتَّوَكُّلِ": أنَّه إذا تَوَكَّل على اللهِ ومَضَى
على ذلك الفِعْل ولَمْ يَعْمَلْ بوِفْقِ هذا العَارض غُفِر له.
1116 -
(1615) - (4/ 161) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَأُحِبُّ الفَأْلَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: "الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَا عَدْوَى": أي: لا يُعْدِي مَريضٌ مَرضَه إلى غَيره.
و"الفَأْلُ": مهموزٌ ويجوزُ تَركُ الهَمْزةِ. قال العلماءُ: فيما يَسُرُّ وفيما يَسُوْء، والغَالبُ في السُّرُوْرِ، والطِّيَرةُ لا تكونُ إلا فيما يَسُوْء.
بَابُ مَا جَاءَ فِي وَصِيَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم
1117 -
(1617) - (162/ 4 - 163) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَقَالَ:"اغْزُوا بِسْمِ اللهِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، وَلا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَليدًا، فَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ أَيَّتُهَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، وَادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ، وَالتَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ المُهَاجِرِينَ، وَأَخْبرْهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى المُهَاجِرِينَ، وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَولُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأعْرَابِ المُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ مَا يَجْرِي عَلَى الأَعْرَابِ، لَيْسَ لَهُمْ فِي الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ حِصْنًا فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَاجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَمَ أَصْحَابِكَ، لِأَنَّكُمْ إِنْ تَخْفِرُوا ذِمَّتَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ فَلَا تُنْزِلُوهُمْ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لَا"، أَوْ نَحْوَ هَذَا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ. وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثنَا أَبُو أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْن
مَرْثَدٍ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ، وَزَادَ فِيهِ: فَإِنْ أَبَوْا فَخُذْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ عَلَيْهِمْ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَكَذَا رَوَاهُ وَكيعٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ، وَرَوَى غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ وَذَكَرَ فِيهِ أَمْرَ الْجِزْيَةِ.
• قوله: "وَمَنْ مَعَهُ": عطفٌ على "خَاصَّةِ نَفْسِهِ"، و"خَيْرًا": مَنْصوبٌ بنَزْع الخَافِض، أي: بخَيْرٍ، أي: أوْصَاه في مُعَامَلَتِه مع اللهِ بالتَّقْوى والشدَّة على النَّفْس، وفي مُعَامَلِته مع الخَلْق بالمُسَامَحَة.
• "وَلَا تَغْدِرُوا": - بكَسْر الدَّال - من الغَدْو وهو تَرْكُ الوَفاء بالعَهْد.
• "وَلَا تُمَثِّلُوا": - بالتشديد - للمُبَالَغةِ وهو المَشهورُ، وإن كانَ مَوْضِعُ النَّهي يقتضي أنْ يكونَ بالتَّخْفيفِ إذ لا يُناسبه المُبالَغةُ في النَّهي كما قالوا في قوله تعالى:{وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}
(1)
كأنَّه نَهْي على وجه التَّأكَيدِ عن المُثْلة، لا نَهْي عن المُبَالَغةِ في المُثْلة مع الإذْن في أصْل المُثْلة. و"الْوَليْدُ": الصَّبِيُّ.
• وقوله: "وَالتَّحَوُّل": حملوا التحوَّلَ على الاسْتِحْبَاب، أي: يستحب لهم أنْ يُهَاجِرُوا إلى المدينةِ.
• وقوله: "لَيْسَ معَهُمْ فِي الغَنِيمَةِ": ظاهرُه أنَّه ليسَ معهم مِنَ الفَيءِ نَصِيبٌ، وقال بظاهرِه الشَّافعيُّ
(2)
.
• وقوله: "فَإِنْ أَبَوْا": قد سَقَطَتْ من ههنا الخِصْلةُ الثَّالثةُ وهي الجِزْيَة كما سَيُنبِّهُ عليه المُصَنِّفُ.
(1)
آل عمران: 182.
(2)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 12/ 38.
• وقوله: "فَأَرَادُوكَ"، أي: مِنْكَ.
• وقوله: "أَنْ تُخْفِرُوا": - بضَمِّ التَّاء المُثَنَّاة، وبالخَاء المُعجمةِ - من أخْفَرَ العَهْدَ إذا نَقَضَه.
• وقوله: "تُنْزِلُوهُمْ": من الإنْزال، والنَّهْيُ في المَوْضِعَيْن على التَّنزيهِ والاحْتِيَاطِ.
[كِتَابُ فَضائِل الْجهَادِ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم]
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] فَضْل الجهَادِ
1118 -
(1619) - (4/ 164) حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا يَعْدِلُ الجِهَادَ؟ قَالَ: "لَا تَسْتَطِيعُونَهُ". فَرَدُّوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ:"لَا تَسْتَطِيعُونَهُ"، فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ:"مَثَلُ المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ مَثَلُ القَائِمِ الصَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ".
وَفِي البَاب عَنِ الشِّفَاءِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ حُبْشِيٍّ، وَأَبِي مُوسَى، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأُمِّ مَالِكٍ البَهْزِيَّةِ وَأَنَسٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "مَا يَعْدِلُ": - بكَسر الدَّال - أي: ما يُسَاوِيْه من الأعْمَال.
• قوله: "لَا تَسْتَطِيعُونَهُ"، أي: ذلك العَمَل المُسَاوي للجِهَادِ.
• قوله: "لَا يَفْتُرُ": عن صَلاةٍ - بضَمِّ التَّاء - المُراد، أي: لا يَكْسَل عنها لَحظةً من اللَّحَظاتِ، ومعلومٌ أن هذا لا يتأتَّى لأحَدٍ فلهذا قال
صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم: "لَا تَسْتَطِيْعُوْنَه".
1119 -
(1620) - (4/ 164 - 165) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي مَرْزُوقٌ أَبُو بَكْرٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي يَقُولُ اللهُ عز وجل: "المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ هُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ إِنْ قَبَضْتُهُ أَوْرَثْتُهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ رَجَعْتُهُ رَجَعْتُهُ بِأَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ". قَالَ: هُوَ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
• قوله: "ضَمَانٌ"، أي: ذُوْ ضَمَانٍ أو مَضْمون.
• وقوله: "إِنْ رَجَحْتُهُ": مِنْ رَجَعَ المُتَعَدِّي، ومثلُه قوله تعالى:{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ}
(1)
.
• وقوله: "بِأَجْرٍ"، أي: فقطُّ إن لم يكُنْ له غَنِيمةٌ، أي: أيضًا أو مع أجْر إن كانَتْ له غَنِيمةٌ، والحاصلُ: أن المُجاهدَ مَضْمونٌ له الخَيرُ على كُلِّ حَالٍ رَجَعَ أو مَاتَ.
(1)
التوبة: 83.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ مَنْ مَاتَ مُرَابطًا
1120 -
(1621) - (4/ 165) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الخَوْلَانِيُّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ الجَنبِيَّ أَخبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:"كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَيَأمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ"، وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"المُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، وَجَابِرٍ. وَحَدِيثُ فَضَالَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "يُخْتَمُ"، أي: لا يَزيدُ له العملُ السَّابقُ كما في المُرابِطِ وإلا فَقَدْ [يَبْقَى] على عَمَلِه كالصَّدَقةِ الجَاريةِ.
• قوله: "مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ الله"، أي: مُلازِمًا على الجِهَاد، أو رَابِطًا حَبْلَه في الثَّغْر الذي [هو] حَدُّ بلادِ الإسْلام للجِهَادِ.
• قوله: "يُنْمَى"، أي: يَزيد هو وَيَرْتَفِع.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْل الصَّوْمِ فِي سَبيل اللهِ
1121 -
(1622) - (4/ 166) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهيعَةَ عَنْ أَبي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْن الزُّبَيْرِ، وَسُليْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا حَدَّثاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ زَحْزَحَهُ اللهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"، أَحَدُهُمَا يَقُولُ:"سَبْعِينَ"، وَالآخَرُ يَقُولُ:"أَرْبَعِينَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَأَبُو الأَسْوَدِ اسْمُهُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الأَسَدِيُّ الْمَدَنِيُّ. وفي البَاب: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَنَسٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ.
• قوله: "زَحْزَحَهُ اللهُ"، أي: بَعَّدَه.
• وقوله: "سَبْعِينَ": بمعنى أنَّها مَسَافَةٌ لا تُقْطَع إلا بسَيْر سَبْعِين خريفًا، وهو كنايةٌ عن حُصُول البُعْد بينَهما.
1122 -
(1623) - (4/ 166) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوميُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَليدِ العَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عَبِدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَن النُّعْمَانِ بْن أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَصُومُ عَبْدٌ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا بَاعَدَ ذَلِكَ اليَوْمُ النّارَ عَنْ وَجْهِهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "ذَلِكَ اليَوْمُ": إمَّا هو بالرَّفْع على أنَّه الفَاعِل، أو بالنَّصْب على أنَّه ظَرْفٌ، والفاعل ضميرُ "الله"، أو الصَّوم، أو العَبْدُ فالوجوهُ في الفَاعل أربعةٌ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْل النَّفَقَةِ فِي سَبِيل اللهِ
1123 -
(1625) - (4/ 167) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْن الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُسَيْرِ بْن عَمِيلَةَ، عَنْ خُرَيْمِ بْن فَاتِكٍ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللهِ كُتِبَتْ لَهُ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الرُّكيْنِ بْن الرَّبِيعٍ.
• قوله: "فِي سَبِيلِ اللهِ"، أي: في الجِهَادِ أو بإخْلاص النِّيِّةِ، وهذا الحديثُ يُفَسِّرُه قوله تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ}
(1)
الآية.
(1)
البقرة: 261.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْل الخِدْمَةِ فِي سَبيل اللهِ
1124 -
(1626) - (4/ 168) حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْن رَافِعٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْن حُبَابٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْن صَالِح عَنْ كثِيرِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَدِيِّ بْن حَاتِمٍ الطَّائِيِّ، أَنَّهُ سَأل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "خِدْمَةُ عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ ظِلُّ فُسْطَاطٍ، أَوْ طَرُوقَةُ فَحْلٍ فِي سَبِيلِ اللهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْن صَالِحٍ هَذَا الحَدِيثُ مُرْسَلًا، وَخُولفَ زَيْدٌ فِي بَعْضِ إِسْنَادِهِ، قَالَ: وَرَوَى الْوَليدُ بْن جَمِيلٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ القَاسِمِ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ زِيَادُ بْن أَيُّوبَ.
1125 -
(1627) - (4/ 168 - 169) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الْوَليدُ بْنُ جَمِيلٍ عَنِ القَاسَمِ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصَّدَقَاتِ ظِلُّ فُسْطَاطٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنِيحَةُ خَادِمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ طَرُوقَةُ فَحْلٍ فِي سَبِيلِ اللهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْن صَالِحٍ.
• قوله: "خِدْمَةُ عَبْدٍ": ظاهرُه الإعَارةُ من الغَازِي أو الوَقْف على الغُزَاة، ويَحْتمل الهِبَةَ إذ المَقْصُودُ من هِبَةِ العَبْدِ الخِدْمَة، ويَحْتَمِل أن يكونَ المرادُ من العَبْد الشَّخْصُ نَفْسُه، أي: أفْضَل الصَّدقَةِ أنْ يَخْدِمَ الشَّخصُ في سبيلِ اللهِ، والتَّعبيرُ
عن الشَّخْصِ نَفْسِه بالعَبْدِ غيرُ بعيدٍ، وقد تَقَدَّم في قولِه:"لا يَصُوْمُ عَبْدٌ".
• وَ"الْفُسْطَاطُ": - مُثَلَّثَةُ الطَّاء - نوعٌ من الخِيَمِ، أي: أفْضَل الصَّدَقةِ ظِلُّ الْفُسْطَاطِ أيضًا، إمَّا بالإعَارةِ من الغَازي يُسْتَظَلُّ به في الطَّريقِ، أو الوَقْف له، أو بأنْ يَنْصِبَه فيَسْتَرِيْحُ الغُزاةُ بظِلِّه أو بالهِبَةِ.
• و"طَرُوقَةُ الفَحْلِ": النَّاقةُ التي من شَأنِها أن يَطْرُقَها الفَحْلُ، والظَّاهر من التَّصَدُّق بِها الهَبِةُ أو الوَقْف، ويحتمل الإعَارةَ. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي [فَضْل] مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا
1126 -
(1628) - (4/ 169) حَدَّثَنَا أَبُو زَكرِيَّا يَحْيَى بْن دُرُسْتَ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي كثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ بُسْرِ بْن سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْن خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ الله فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "جَهَّزَ": - بالتشديد - وتَجْهيزُ الغَازي تَحْمِيْلُه، وإعْدادُ ما يحتاجُ إليه في الغَزْو.
• وقوله: "خَلَفَ غَازِيًا"، أي: أقَام بعدَه مَقامَه في خِدْمَةِ أهْلِه، وصَار كأنَّه خَلِيفَةٌ عنه، ونَابَ عنه في خِدْمَة أهِله.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي فَضْل] مَن اغْبَرَّتْ قَدَمَاه فِي سَبيل اللهِ
1127 -
(1632) - (4/ 170 - 171) حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بْن حُرَيْثٍ، حَدَّثَنَا الوَليدُ بْن مُسْلِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْن أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ألْحَقَنِي عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ وَأَنَا مَاشٍ إِلَى الجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَبْشِرْ، فَإِنَّ خُطَاكَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْسٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو عَبْسٍ اسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَبْرٍ. وفي البَاب عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَيَزِيدُ بْن أَبِي مَرْيَمَ هُوَ رَجُلٌ شَامِيٌّ رَوَى عَنْهُ الوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَيَحْيَى بْن حَمْزَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. وَبُرَيْدُ بْن أَبِي مَرْيَمَ كوفِيٌّ، أَبُوهُ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَبُرَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ سَمِعَ مِنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، وَرَوَى عَنْ بُرَيْدِ بْن أَبِي مَرْيَمَ أَبُو إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، وَعَطَاءُ بْن السَّائِبِ، وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَشُعْبَةُ، أَحَادِيثَ.
• قوله: "أَبْشِرْ": من الإبْشَار وجَاء من نَصَر بمعناه.
• وقوله: "مَنْ اغْبَرَّتْ": "مَنْ" شَرْطِيَّةٌ مبتدأ، خَبَرُها جملةُ الشَّرْطِ على الأصَحِّ، فلا حاجةَ إلى العَائد في جُمْلةِ الْجَزَاء، ولو قُلْنَا: جملةُ الجَزاءِ هي الخَبَر يَصِحُّ بأنْ يُقالَ: قولُه: "فَهُمَا": بمنزلةِ: "فَقَدَمَاهُ" ومن هنا ظَهَر صِحَّةُ جَعْلِها موصولةً أيضًا.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي فَضْل الغُبَارِ فِي سَبيل اللهِ
1128 -
(1633) - (4/ 171) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الله المَسْعُودِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ عِيسَى بْن طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ الله حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ الله وَدُخَانُ جَهَنَّمَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ هُوَ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ مَدَنِيٌّ.
• قوله: "لَا يَلِجُ حَتَّى يَعُودَ": تعليقٌ بالمُسْتَحِيل العَادِي لِيُعْلَم أن دخولَه النارَ مستحيلٌ، ومثلُه قوله تعالى:{حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}
(1)
.
(1)
الأعراف: 40.
بَابُ مَا جَاءَ مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللهِ
(1)
1129 -
(1636) - (4/ 173) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْن مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الخَيْلُ مَعْقودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ: هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَهِيَ عَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ: فَالَّذِي تتَّخِذُهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُعِدُّهَا لَهُ، هِيَ لَهُ أَجْرٌ لَا يَغِيبُ فِي بُطُونِهَا شَيْءٌ إِلَّا كتَبَ اللهُ لَهُ أَجْرًا". وَفِي الحَدِيثِ قِصَّةٌ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَى مَالِكُ بْن أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا.
• قوله: "الخَيْرُ"، أي: هي تَجْلِبُ الخَيرَ لأهْلِها من أجْرٍ وغَنِيمةٍ، وعِزٍّ، فهي كِنَايَةٌ عن لُزُوْم الخَيْر عادةً.
• و"النَّاصِيَةُ": الشَّعْر المُسْتَرْسَل على الجَبْهَةِ.
• "وَلرَجُلٍ سِتْرٌ": - بكسر، فسكون - أي: سَاتِرٌ لفَقْره وحَالِه.
• وقوله: "فَيُعِدُّهَا": بضَمِّ اليِاءِ، وكسر العَيْن، وتشديدِ الدَّال. "لَهُ"، أي: لله، أي: لسَبِيْلِه.
• وقوله: "وَلَا تُغِيِّبُ"
(2)
: - بتشديد الياء - وضميرُ للخَيل.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ مَنْ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سبِيلِ اللهِ.
(2)
هكذا في المخطوط، أما في نسخة أحمد شاكر للترمذي فـ:"لا يَغِيْبَ" كما ذكر في متن هذا الحديث.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْل الرَّمْي فِي سَبِيلِ اللهِ
1130 -
(1637) - (4/ 174) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزيدُ بْن هَارُونَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي حُسَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ الله لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الوَاحِدِ ثَلَاثَةً الجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَالمُمِدَّ بِهِ"، وَقَالَ:"ارْمُوا وَاركَبُوا، وَلأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ المُسْلِمُ بَاطِلٌ، إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الحَقِّ".
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَزْرَقِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ كعْبِ بْنِ مُرَّةَ، وَعَمْرِو بْنِ عَبسَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الخَيْرَ"
(1)
.
• وقوله: "وَالمُمِدَّ بِهِ"، أي: من يَقُومُ عندَ الرَّامي فيُنَاوِلُه سَهْمًا بعدَ سَهْمٍ، أو يَرُدُّ عليه النَّبْل من الهَدَفِ، مِنْ "أمْدَدْتُه" بكَذا، أي: أعْطَيْتُه إيَّاه. قلتُ: بل مِنْ أمَدَّه إذا أعَانه، أي: والمُعِيْنُ للرَّامي في الرَّمْي بإعْطَاءِ السَّهم إيَّاه.
1131 -
(1638) - (4/ 174 - 175) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْن هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْن أَبِي الجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْن أَبِي
(1)
لم يُذْكَر بعده شرح في الكتاب.
طلْحَةَ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ السُّلَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ الله فَهُوَ لَهُ عَدْلُ مُحَرَّرٍ".
قَالَ أبوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو نَجِيحٍ هُوَ: عَمْرُو بْن عَبْسَةَ السُّلَمِيُّ. وَعَبْدُ الله بْنُ الأَزْرَقِ هُوَ: عَبْدُ الله بْنُ يَزِيْدَ.
• قوله: "عَدْلُ": بفَتح العَين أو كَسْرها. "مُحَرَّر": - بفتح الراء - من التَّحْرير، أي: يُسَاوي إعْتَاقَ العَبْد.
بَابُ مَا جَاءَ فِي ثَوَاب الشُّهَدَاءِ
1132 -
(1641) - (4/ 176) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَر، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْن مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي طَيْرٍ خُضْرٍ تَعْلُقُ مِنْ ثَمَرِ الجَنَّةِ أَوْ شَجَرِ الجَنَّةِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فِي طَيْرٍ"، أي: في صُوَرِ طَيْرًا خُضَرٍ كما في بَعْض الرَّوَاياتِ، أي: تَتَشَكَّلُ الأرْواحُ وتَتَمَثَّل بأمْر اللهِ طَيْرًا خَضْراء كتَمَثُّل المَلَك بَشَرًا، أو في أجْوَاف طَيْر خُضَر كما في رِوَاياتٍ أخَر. قال السُّيوطيُّ: إذا فسَّرْنَا الحديثَ بأنَّ الرُّوحَ تَتَشَكَّل طَيرًا، فالأشْبَه أن ذلك في القُدْرةِ على الطَّيرَانِ فقطُّ لا في صُوْرةِ الخِلْقةِ، لأنَّ شَكْلَ الإنْسَانِ أفْضَلُ الأشْكالِ. انتهى
(1)
.
قلتُ: هذا إذا كانَ الرُّوحُ الإنْسَانِيُّ له شكلٌ في نَفْسِه ويكونُ على شكلِ الإنْسَانِ، وأمَّا إذا كانَ في نَفْسِه لا شكلَ له بل يكونُ مُجَرَّدًا، وأرادَ اللهُ أن يَتشَكَّلَ ذلك المُجَرَّدُ لحِكْمَةٍ ما، فلا يَبْعُد أن يَتَشَكَّلَ من أوَّلِ الأمْر على تَشَكُّلِ الطَّيْرِ والله تعالى أعلم.
وعلى الثَّاني فقد أوْرَدَ عليه الشَّيخُ عَلَم الدِّين العَراقِي: أنَّه لا يَخْلُو إمَّا أنْ يَحْصُلَ للطَيْر الحَياةُ بتلك الأرْوَاحِ أوْ لَا، والأوَّل: عينُ ما تَقُولُه التَّنَاسُخِيَّةُ، والثَّاني مُجَرَّدُ حَبْسٍ للأرْوَاح وتَسَجُّنٍ.
(1)
راجع: مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود للسيوطي: 2/ 631.
وأجابَ السُّبكيُّ باخْتيارِ الشِّقِّ الثَّاني ومنعِ كَوْنِه حَبْسًا وَتَسَجُّنًا؛ لجَواز أنْ يُقدِّرُ اللهُ في تلك الأجْوَاف من السُّرُور والنَّعيم مَا لا تَجدُه في الفَضَاء الوَاسِع انتهى
(1)
.
وتَوْصِيْفُها بالخُضَر قيل: يَحْتَمل أنْ يكونَ لونُها كذلك، ويحتملُ أنْ يُرَادَ به أنَّها غَضَّةٌ ناعِمَةٌ.
قلتُ: ولعلَّ الحكمةَ في تَشَكُّلِها بشَكْل الطُّيورِ أو إدْخالِها في أجْوَافِها أن الله تَعالى أخْبَر [بأن عادتَه]
(2)
أن التَّنَعُّم والتلَذُّذَ - الجسْمَانيَّ لا يُوْجَد ولا يَتِمُّ إلا بوَاسِطَة البَدَنِ والجِسْم ولَيْسَ للرُّوحِ المُجَرَّدِ منها نصيبٌ، وقد تعلق إرادتُه [تعالى] بحَياةِ الشُّهَداء وتلَذُّذِهم بالنِّعَم الجِسْمانِيَّة كما نَصَّ عليه تعالى في كتابه الكريم، فلذلك تَتَشَكَّل الأرْواحُ أو تَدْخُل في أبْدانِ الطُّيور ليَنَالُوا من تلك اللذَّات الجِسمانِيَّة ويُصِيْبُوْا منها على الوَجْه المَعْهودِ، وبِهذا حَصَل الفَرقُ بينَ أرْواح الشُّهدَاء وغيرهم حَتَّى وَصَفهم اللهُ تعالى في كتابه بالحَياةِ، وأنَّهم يُرْزَقُون بخِلافِ غيرِهم مع إبْقَاءِ الرُّوحِ في الكُلِّ على التَّحقيقِ. والله ولي التوفيق.
1133 -
(1642) - (4/ 176) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْن عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَامِرٍ العُقَيْلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ
(1)
راجع: الطبقات الكبرى للقاضي تاج الدين السبكي: 10/ 95، 96.
(2)
هكذا في المخطوط، ولعل العبارة وقع فيها تقديم وتأخير، وينبغي أن تكون هكذا:"قلتُ: ولعلَّ الحكمةَ في تَشَكُّلِها بشَكْل الطُّيورِ أو إدْخالِها في أجْوَافِها أن الله تَعالى أخْبَر بأنَّ التَّنَعُّم والتلَذُّذَ الجسْمَانيَّ لا يُوجَد عادةً ولا يَتِمُّ إلا بوَاسِطَة البَدَنِ والجِسْمِ ولَيْسَ للرُّوْح المُجَرَّدِ مِنْهَا نَصِيْبٌ".
يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ: شَهِيدٌ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ، وَعَبْدٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ الله وَنَصَحَ لِمَوَالِيهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "أَوَّلُ ثَلاثَةٍ"، أي: أوَّلُ فَوجِ هم ثلاثةُ نَفرٍ.
• قوله: "عَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ": العِفَّةُ: الكَفُّ عَمَّا لا يَحِلُّ. و"التَّعَفُّفُ": الكَفُّ عن الحَرام والسُّؤال عن النَّاس كذا فُسِّر، والظَّاهر أن العَفيفَ مَنْ طُبِعَ على العِفَّةِ كما يدُلُّ عليه هذا الوَزنُ، والمُتَعَفَّفُ: المُتكَلِّف في ذلك كما يَدُلُّ عليه هذا البابُ فإذا اجْتَمع أمْران في شَخْصٍ صَارَ أكملَ في العِفَّةِ، والاحْترازِ عن المَحارِم وما لا يَنْبغي على وَجْهِ الكَمَال.
1134 -
(1643) - (4/ 177) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْن حُجْر، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْن جَعْفرٍ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:"مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا فِيهَا، إلَّا الشَّهِيدُ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَل مَرَّةً أُخْرَى". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: قَالَ سُفْيَانُ بْن عُيَيْنَةَ: كَانَ عَمْرُو بْن دِينَارٍ أَسَنَّ مِنَ الزُّهْرِيِّ.
• قوله: "مَا مِنْ عَبْدٍ": "ما" نَافيةٌ، و"مِنْ" زائِدةٌ، و"يَمُوْتُ": صِفةُ عَبدٍ، وجملةُ "لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ":[دارٌ]
(1)
بلا واو، أو صفةٌ بعدَ صفةٍ، وجملةُ "يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ": خبرُ "مَا" النَّافية، وجملةُ "وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا": حالٌ من فاعلِ "يَرْجعُ".
(1)
كذا في المخطوط. ويحتمل أن يكون "لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ" خبرٌ، مكان "دار"، أو صفة بعد صفة
…
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْل الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ
1135 -
(1644) - (4/ 177 - 178) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءِ بْن دِينَارٍ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الخَوْلَانِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"الشُّهَدَاءُ أَرْبَعَةٌ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الإِيمَانِ لَقِيَ العَدُوَّ فَصَدَقَ الله حَتَّى قُتِلَ، فَذَلِكَ الَّذِي يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ أَعْيُنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ هَكَذَا وَرَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى وَقَعَتْ قَلَنْسُوَتُهُ، قَالَ: فَمَا أَدْرِي أَقَلَنْسُوَةَ عُمَرَ أَرَادَ أَمْ قَلَنْسُوَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: "وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الإِيمَانِ لَقِيَ العَدُوَّ فَكَأَنَّمَا ضُرِبَ جِلْدُهُ بِشَوْكِ طَلْحٍ مِنَ الْجُبْنِ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَقَتَلَهُ فَهُوَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا لَقِيَ العَدُوَّ فَصَدَقَ الله حَتَّى قُتِلَ فَذَلِكَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ لَقِيَ العَدُوَّ فَصَدَقَ الله حَتَّى قُتِلَ فَذَلِكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْن دِينَارٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: قَدْ رَوَى سَعِيدُ بْن أَبِي أَيُّوبَ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْن دِينَارٍ، وَقَالَ: عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ خَوْلَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِي يَزِيدَ، وقَالَ عَطَاءُ بْن دِينَارٍ:"لَيْسَ بِهِ بَأسٌ".
• قوله: "فَصَدَقَ الله": - بتَخفيفِ الدَّال، ونصب الجَلالَة - أي: عاملَ الله مُعَاملةَ صِدْقٍ وخُلوصٍ في فعل القِتال، وقَاتَل بقُوَّة نفسٍ، وهِمَّةٍ عَلِيَّة ولم يَجْعَلْ قِتَالَه مَشُوبًا بجُبْنٍ وضُعْفِ قَلْبٍ.
• وقوله: "هَكَذَا": صفةُ مَصدَرٍ مَحذُوفٍ، أي: رفعًا مثلَ رَفَعَ رأسِي
هكذا، والفَرقُ بينَ الأوَّل والثَّاني مع اشْتِراكِهما في جَوْدَة الإيمانِ أن الأوَّل صَدَق الله بالشَّجَاعة، والثَّاني بذَل نفسَه لكن لم يَصْدُقْ لجُبْنِه.
• قوله: "ضُرِبَ": على بناءِ المفعول. و"الطَّلْحُ": شيءٌ معروفٌ.
• وقوله: "سَهْمٌ غَرْبٌ"، أي: لا يُعْرَفَ رَاميه، وهو بفَتح [واء] أو سكونِها وبإضافةٍ، وتَركِها. وقيل: هو بالسُّكون، [و] ما ذَكروا بالفتح: إذا رَمَاه فأصَاب غيرَه.
• وقوله: "أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ": قال بعضُ أهل التَّحقِيقِ: فيه دليلٌ على أن الكَبائرَ لا تُنافي الإيمانَ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي غَزْوِ البَحْرِ
1136 -
(1645) - (4/ 178 - 179) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْن مُوسَى الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَام تَحْتَ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فأطعَمَتْهُ، وَجَلسَتْ تَفلِي رَأسَهُ، فنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، يَرْكبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ مُلُوكٌ عَلَى الأَسِرَّةِ، أَوْ مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ" - نَحْوَ مَا قَالَ فِي الأَوَّلِ - قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ:"أَنْتِ مِنَ الأَوَّلينَ"، قَالَ: فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ البَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْن أَبِي سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ البَحْرِ فَهَلَكَتْ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ هِيَ: أُخْتُ أُمِّ سُلَيْمٍ وَهِيَ خَالَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
• قوله: "بِنْتِ مِلْحَانَ": بكسر الميم، وإسكانِ اللام.
• وقوله: "تَفْلِي": - بفتح التَّاء، وإسكانِ الفاء، وكسر اللام - أي: تُفَرِّقُ شَعْرَ وسولَ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلَّم، وتُفَتِّشُ القُمَّلَ منه. قال بعضُهم: إنَّها
كانَتْ محرمًا له بوَاسِطَة أنَّ أمَّه من بَنِي النَّجَّار. قيل: وعليه الأكْثر، وقال آخرون: بأنَّ هذا من خَصَائِصِه صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم.
• وقوله: "ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ": - بالثَّاء المُثَلَّثَة، والباء المُوَحَّدَة المفتوحَتَيْن وجيم - أي: وَسْطه، والمرادُ يركبونَ السُّفُن، وأنَّها غالبًا تَجْري في الوَسط.
• "مُلُوْكٌ": - بالرَّفع - في نسخ الترمذي، بتقدير "هُمْ مُلُوْكٌ"، والجملةُ حالٌ. و"الأسِرَّة": جمعُ سَريرٍ.
• قوله: "نَحْوَ مَا قَالَ فِي الأَوَّلِ": فَسَّر بِتَشْبِيْهِهِمْ بالمُلُوْكِ فقطّ لا بالرُّكوبِ في البَحْر؛ لأنَّ هؤلاء غُزَاة البَرِّ كما هو مُقْتَضى بعض الرِّواياتِ فيَحْصُل الفرقُ بينَ الفَريقَيْن.
• وقوله: "فَصُرِعَتْ": على بناءِ المفعول، أي: أسْقِطَتْ عن ظَهرها.
بَابُ مَا جَاءَ [فِي] مَنْ يُقَاتِلُ رِيَاءً [وَ] لِلدُّنْيَا
1137 -
(1646) - (4/ 179) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ:"مَنْ قَاتَلَ لِتكُونَ كلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "حَمِيَّةً": - بفتح الحَاء، وكسر الميم، وتشديدِ الياء - أي: تأنُّفًا من أن يُقال له: جَبانٌ ونحوه.
• قوله: "فقَالَ"، أي: ليسَ شيءٌ من هؤلاء في سبيلِ اللهِ، وإنَّما الذي في سبيلِ اللهِ مَنْ يُقَاتِل لإعلاءِ دِيْنِه وإعْزَازِه.
1138 -
(1647) - (4/ 179 - 180) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْن وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرتُهُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ امْرَأَةٍ تتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأئِمَّةِ هَذَا عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ وَلا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ
حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ. قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: يَنْبَغِي أَنْ نَضَعَ هَذَا الحَدِيثَ فِي كُلِّ بَابٍ.
• قوله: "إِنَّمَا الأعْمَالُ
…
" إلخ، تكَلَّمُوا على هذَا الحديثِ في أوْرَاق وذكروا له مَعَاني، وإنَّما الذي عِنْدي في معناه هو أن الأعْمالَ، أي: الأفْعَال الاخْتِيَارِيَّةَ لا تُوْجَد ولا تَتَحَقَّقُ إلا بالنِّيَّة، وليسَ للفاعِل من فِعْلِه إلا ما نَوى، أي: نِيَّتَه على أن "مَا" مَصْدريةٌ، أي: الذي يَرجع إليه من عَمَلِه نفعًا وضَرًّا هي النِيَّةُ، فإنَّ العملَ يُحْسَب بحَسْبها خيرًا وشرًّا، ويُجْزَى المرءُ بحَسْبها على العَمَل ثوابًا وعقابًا، وإذا تَقَرَّرت هاتان المُقَدَّمَتان تَرتَّبَ عليهما.
• "فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولهِ": أجرًا وثوابًا
…
إلخ. وقد أوْضَحْتُ عن هذا المعنى في حَاشيةِ الأذْكَار إيضاحًا وافيًا، ولعلَّ المتأمِّلَ في مَباني الألفاظِ ونَظمها يَشْهد بأنَّ هذا المعنى هو معنى هذه الكلماتِ. والله أعلم.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي [فَضْلِ] الغُدُوِّ وَالرَّوَاِحِ فِي سَبِيلِ اللهِ
1139 -
(1650) - (4/ 801) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْن مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ هِشَامِ بْن سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْن أَبِي هِلالٍ، عَنْ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشِعْبٍ فِيهِ عُيَيْنَةٌ مِنْ مَاءٍ عَذْبَةٌ فَأَعْجَبَتْهُ لِطِيبِهَا، فَقَالَ: لَوِ اعْتَزَلْتُ النَّاسَ فَأَقَمْتُ فِي هَذَا الشِّعْبِ، وَلَنْ أَفْعَلَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"لا تَفْعَلْ، فَإِنَّ مُقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَامًا، أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَيُدْخِلَكُمُ الجَنَّةَ، اغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ، مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
1140 -
(1651) - (4/ 181 - 182) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْن حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْن جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضِعُ يَدِهِ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأرْضِ لأضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلأتْ مَا بَيْنَهمَا رِيحًا، وَلنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَغَدْوَةٌ": بفتح الغَين المُعجَمةِ، وسكون الدَّال. "والرَوْحَة": مثلُه وزنًا، قال: النووي
(1)
وغيرُه
(2)
: الأوَّل: السَّيْرُ من أوَّل النَّهار إلى الزَّوال،
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح النووي: 13/ 26.
(2)
راجع: قوت المغتذي للسيوطي: 1/ 422، والنهاية الجزرية لابن الأثير: 7/ 2982.
والثَّاني السَّيْر من الزَّوال إلى آخر النَّهار. وفي "المجمع"
(1)
"الغَدْوَة": المَرَّةُ من الذَّهاب، و"الرَوْحَةُ": المرَّة من المَجيء، وقال: التَّقيِيدُ بأوَّل النَّهار وآخره غيرُ مُعْتَبرٍ.
• قوله: "خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا": أكثرُ وأكبرُ مِمَّا في الدُّنيا من الخَير عندَ أهلِها، أو على أن ثوابَ الغَدْوة خيرٌ من ثَواب الدُّنْيا وما فيها لو مَلَك إنسانٌ وملك جميعَ ما فيها وأنْفَقَها في أمورِ الآخِرةِ.
• قوله: "اطَّلَعَتْ": - بتَشديد الطاء - أي: ظَهَرَتْ لأهْلها، ونَظرَتْ إليها من مَوْضِع عَالٍ.
• قوله: "مَا بَيْنَهُمَا"، أي: ما بينَ السَّماءِ والأرْض.
• قوله: "بِشِعْبٍ": - بكسر مُعْجَمةٍ، وسكون مُهْمَلةٍ - هو ما انْفَرَجَ بينَ جَبَلَيْن، وقيل: الطَّريقُ فيه.
• "وعُيَيْنَة": تصغيرُ العَين.
• "و فَوَاقَ نَاقَةٍ": - بضَمِّ الفَاء ويُفتح - هو ما بينَ الحُلْبَتَيْن من الرَّاحةِ، ونصبه على الظَّرفِيَّةِ بتقدير "وَقْتَ فَواق" أي: وقتًا مقدَّرًا بذلك أو على إجْرائِه مَجْرى المَصْدر، أي: قِتالًا قليلًا.
(1)
راجع: محمع بحار الأنوار للهندي: 4/ 13.
بَابُ مَا جَاءَ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟
1141 -
(1652) - (4/ 182) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْد الله بْن الأشَجِّ، عَنْ عَطَاءِ بْن يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ؟ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي تتْلُوه؟ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ يُؤَدِّي حَقَّ اللهِ فِيهَا، أَلَا أُخْبرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ؟ رَجُلٌ يُسْأَل بِاللهِ وَلا يُعْطِي بِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَيُرْوَى هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ": العِنَان: - بكسر الهَمزة - سَيْر اللجَّام، وهذا كنايةٌ عن دَوام تَهَيُّئه للجهاد أو مُباشرَته به، وليسَ المرادُ كونُه على الفَرس دائمًا.
• "الْغُنَيْمَة": تَصغير غَنَمٍ، والمرادُ قِطَعةٌ منها، اسْتدَلَّ به مَنْ يقولُ بفَضل العَزْلَة، وأجابَ من يَقول بفَضل الاخْتِلاطِ بحَمْلِه على زَمان الفِتَنِ، أو بحَمْلِه على من لا يَسْلِمُ النَّاسُ منه.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ سَأَلَ الشَّهَادَةَ
1142 -
(1653) - (4/ 183) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن سَهْلِ بْن عَسْكَرٍ البَغدَادِيُّ، حَدّثنَا القاسِمُ بْنُ كَثِيرٍ المِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن شُرَيْحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ أَبي أُمَامَةَ بْن سَهْلِ بْن حُنَيْفٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"مَنْ سَأَلَ الله الشَّهَادَةَ مِنْ قلبِهِ صَادِقًا بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ سَهْلِ بْن حُنَيْفٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن شُرَيْحٍ، وَقَدْ رَوَاه عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ.
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن شُرَيْحٍ يُكْنَى: أَبَا شرَيْحٍ وَهُوَ إِسْكَنْدَرانِيٌّ. وَفِي البَاب عَنْ مُعَاذِ بْن جَبَلٍ.
• قوله: "صَادِقًا": المرادُ به صِدْق العَزيمَةِ، والقَصْد، والنِيَّةِ لا صِدْق القَوْل، فلا يرد أن السُّؤالَ إنْشَاءٌ فلا يَتَّصِفُ بالصِّدْق والكَذِب.
• قوله: "مِنْ قَلْبِهِ"، أي: سَائلًا منْ قَلْبه فهو تأكيدٌ لصَادِقٍ، أو صِدْقًا ناشِئًا من مَحَبَّةِ قَلْبه للقَتل في سبيل اللهِ لا صِدْقًا ناشئًا من خَلطٍ، عِلَّتُه ذلك الوَهْمُ بسبب أن الإنسانَ يُحِبُّ مَراتبَ الشَّهادةِ، فيَرِى نَفْسَه صَادِقًا في سُؤالِه وهو كاذبٌ. واسْتُشْكِل سؤالُ الشَّهادةِ بأنَّ حاصِلَه أن يدعوَ الله أن يُمَكِّنَ منه كافرًا يَعْصي الله بقتله فَيَقِلُّ عددُ المسلمين، وَتَسُرُّ قلوبُ الكَفَرةِ.
وأجابَ عنه ابنُ المنير
(1)
: بأنَّ المدعوَّ به قَصْدًا إنَّما هو نَيْلُ الدَّرَجة المُعَدَّة للشُّهَداء، وأمَّا قتلُ الكافرِ المُسلمَ فليسَ بمَقْصُودٍ أصَالةً، وإنَّما هو من ضَرُوْراتِ الوُجودِ؛ لأنَّ الله أجْرى حُكْمَه أنْ لا ينالَ تلك الدَّرجةَ إلا شهيدٌ.
قلتُ: المقصودُ بالذَّاتِ مَوتُ الإنسانِ على أحْسَنِ الأحْوالِ، وفَنَاءُه والمَوْتُ مُحَتَّمٌ، وكونُ تلك الحَال في سبيل اللهِ لا يُتَوسَّل إليها إلا بمَعْصِيةِ كافرٍ لا نظرَ إليه في السُّؤال، والله أعلم بحَقيقةِ الحَالِ.
(1)
راجع: المتواري على أبواب البخاري للعلامة ناصر الدين بن المنير: 154، 155.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُجَاهِدِ وَالنَّاكِح وَالمُكَاتَب وَعَوْن اللهِ إيَّاهُمْ
1143 -
(1655) - (4/ 184) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "حَقٌّ عَلَى الله"، أي: بمُقْتضَى وَعْدِه الجَميلِ. "العَفَافَ": - بفتح العَين - الكَفُّ عن مَحَارم اللهِ تعالى.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْل مَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ
1144 -
(1656) - (4/ 184) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْد العَزِيزِ بْن مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "لا يُكْلَمُ": علَى بناءِ المَفْعُول، أي: لا يُجْرح.
• وقوله: "وَاللهُ أَعْلَمُ": معتَرضةٌ لبيانِ أن المدارَ على خُلوص النِيَّةِ لا على ظَاهر الحَال.
1145 -
(1657) - (4/ 185) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فُوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَمَنْ جُرِحَ جُرْحًا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ نُكِبَ نَكْبَةً، فَإِنَّهَا تَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَغْزَرِ مَا كَانَتْ لَوْنُهَا الزَّعْفَرَانُ وَرِيحُهَا كالمِسْكِ".
• قوله: "مِنْ رِجُلٍ مُسْلِمٍ": بيانُ مَنْ قَاتَل وجُرِح ونُكِب على بَناءِ المَفعول.
• و"النَّكْبَةُ": - بفَتح النُّون - وهي ما أصَابَه في اللهِ من الحِجَارَة. وقوله:
"فَإنَّهَا"، أي: كُلُّ واحدٍ من الجرحةِ والنَّكْبةُ. و"أغْزَرُ": - بغَينٍ، وزَاءٍ مُعْجَمتَيْن، ثُمَّ راءٌ مهملةٌ - أي: أكثر مَا كانَت من حيث الدَّم.
بَابُ [مَا جَاءَ] أَيُّ الأعْمَالِ أَفْضَلُ؟
1146 -
(1658) - (4/ 185) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْن سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أيُّ الأعْمَالِ أَفْضَلُ، وَأيُّ الأعْمَالِ خَيْرٌ؟ قَالَ:"إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولهِ"، قِيلَ: ثُمَّ أيُّ شَيْءٍ؟ قَالَ: "الجِهَادُ سَنَامُ العَمَلِ"، قِيلَ: ثُمَّ أيُّ شَيْءٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "إِيمَانٌ بِاللهِ": مَبْنِيٌّ على أن المرادَ بالعَمل ما يَعُمُّ الجَوارحَ والقَلْبَ.
• وقولة: "سَنَامُ العَمَلِ": - بفَتح السِّيْن - أي: أعْلاه، وأعْلاه مُستَعارٌ من سَنَام الجَمَل لمَا ارْتَفَع من ظَهره، وهذا مَبْنِيٌّ على أن المرادَ بالعَمَل ما يَخُصُّ الجَوارحَ فلا يَشْمَلُ الإيمانَ فلا يُتَوَهَّم التّنَاقُض، وأمَّا اختلافُ الجَوابِ في السُّؤالِ عن أفْضَل الأعْمَال ونَحْوه فقد ذَكَروا أن سببَه اختلافُ المُخَاطَبين، وأنَّه صلَّى اللهُ تَعالى عليه وسلَّمْ كانَ يَجِيْبُ كُلًّا حَسْبَ مَا يَقتَضِيه حالُه، والأعمالُ تَخْتلفُ بالنَّظْر إلى العَامِلِيْن. والله أعلم.
[بَابُ مَا ذُكِرَ أَنَّ أَبْوَابَ الجَنَّةِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ]
1147 -
(1659) - (4/ 186) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ، قَال: سَمِعْتُ أَبِي بِحَضْرَةِ العَدُوِّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ رَثُّ الهَيْئَةِ: أَأَنْتَ سمعتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلَامَ، وَكسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ، فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْن سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ، وَأَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: اسْمُهُ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى، قَالَ أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ:"هُوَ اسْمُهُ".
• قوله: "الجَنَّة تَحْتَ
…
" إلخ، كنايةٌ عَن حُصُولِ الجَنَّةِ لِمَنْ [كان] تَحْتَ ظِلال السُّيُوفِ ولُزُوْمِها له، بحيثُ كأنَّه حالَ كَوْنِه تحتَ الظِّلالِ في الجَنَّة ودَاخلها، و"ظِلالُ السُّيوْفِ": كنايةٌ عن الدُنُوِّ من الضُرَّاب في الجِهادِ حتَّى يَعْلُوَه السُّيوفُ ويَصيرَ ظِلالُها عليه.
• قوله: "رَثُّ
…
": - بتشديد الثَّاء - خَلِق الثِّيابِ.
بَابُ مَا جَاءَ أَيُّ النَّاس أَفْضَلُ؟
1148 -
(1660) - (4/ 186 - 187) حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الوَليدُ بْن مُسْلِمٍ عَنِ الأوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْن يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ"، قَالُوا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ تتَّقِي رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَيَدَعُ النَّاسَ": فيه تَنْبيهٌ على أن مَنْ يَعْتَزل ينبغي له أنْ يَنْوي في اعْتِزَالِه ويَقْصِد به هذا الأمرَ، ولا يَعْتزلُ عن النَّاس خوفًا عن شَرِّهم فإنَّه يُؤدِّي إلى تَحقِيْر النَّاس.
[بَابٌ فِي ثَوَابِ الشَّهيدِ]
1149 -
(1661) - (4/ 187) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أنسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ يَسُرُّه أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا غَيْرُ الشَّهِيدِ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، يَقُولُ: حَتَّى أُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، مِمَّا يَرَى مِمَّا أَعْطَاه الله مِنَ الْكَرَامَةِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
1150 -
(1663) - (4/ 187 - 188) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَليدِ عَنْ بَحِيرِ بْن سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْن مَعْدَانَ، عَنِ المِقْدَامِ بْن مَعْدِي كَرِبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْن وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِين، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ". قال أبُوْ عِيْسَى: هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "وَيَرَى مَقْعَدَه": يَحتملُ أنَّه يَرى في آخر لَمْحةٍ من الحَياةِ، ويَحتملُ أنَّه في القَبر كما وَوَد في حَقِّ سائر المُؤمنين، وليسَ المرادُ بيانُ ما يَخُصُّ الشَّهيدَ بل بيانُ الكَراماتِ التي تَحْصُل له سواءً شَارَكه في بعضِهَا أو في كُلِّها غيرُه أم لا.
• وقوله: "وَيُجَارُ"، أي: يُؤْمَن الخَوفَ والفَزَع."والفَزَعِ الأكْبَرِ": قبلَ النَّفْخةِ الأخِيرَةِ، وقيل: الإرْسَالُ إلى النَّار.
• "الوَقَارِ": - بفَتْح الواو - الحِلْم والرَّزَانَة. "تَاجُ الوَقَارِ": إنْ كَانتِ الإضَافةُ بمعنى "مِنْ" كما في خَاتَم فِضَّةٍ لا يكونُ مِمَّا يَتَعَارفه النَّاسُ، وإنْ كانَت لاميةً كان المُتَعارفُ، ويؤيِّد الثَّاني "اليَاقُوتَةُ مِنْهَا
…
" إلخ.
• قوله: "حَتَّى أُقْتَلَ": عَلى بناءِ المفعول.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ المُرَابطِ
1151 -
(1664) - (4/ 186 - 187) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْن أَبِي النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْل بْن سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبيل اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أحَدِكُمْ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَرَوْحَةٌ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ الله أَوْ لَغَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا".
• قوله: "رِبَاطُ يَوْمٍ"، أي: ارْتباطُ الخَيل بالثَّغْر والمقام فيه.
1152 -
(1666) - (4/ 189) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا الوَليدُ بْنُ مُسْلِم عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن رَافِع، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَال: قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لقِيَ الله بِغَيْرِ أثرٍ مِن جِهَادٍ لقِيَ الله وَفِيهِ ثلمَةٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْن مُسْلِمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن رَافِعٍ. وَإِسْمَاعِيلُ بْن رَافِعٍ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: هُوَ ثِقَةٌ مُقَارِبُ الحَدِيثِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدِيثُ سَلْمَانَ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ لَمْ يُدْرِكْ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ أَيُّوبَ بْن مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ، عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "بِغيْرِ أَثرٍ"، أي: من مُبَاشرَةٍ أو نِيَّةٍ كما يُفِيْده الأحاديثُ.
• وقوله: "وَفِيهِ ثُلْمَةٌ"، أي: نقصانٌ.
1153 -
(1668) - (4/ 190) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، وَأَحْمَدُ بْن نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْن حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ القَتْلِ إِلَّا كمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ القَرْصَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "مِنْ مَسِّ القَرْصَةِ": - بفَتح القَاف وسكون الرَّاء - قيل: وهذا في شَهيدٍ دونَ شَهيدٍ، أي: فيمَنْ يَتَلَذَّذُ بِبَذْلِ نَفْسِه في سَبيل اللهِ.
[كِتَابُ الْجهَادِ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ فِي [الرخصة لِـ] أَهْلِ العُذْرِ فِي القُعُودِ
1154 -
(1670) - (4/ 191) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْن سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ بْن عَازِبٍ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"ائْتُؤنِي بِالكَتِفِ أَوِ اللَّوْحِ"، فَكَتَبَ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (1) وَعَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ: هَلْ لِي مِنْ رُخْصَةٍ؟ فَنَزَلَتْ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (2).
وَفِي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَزَيْدِ بْن ثَابِتٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا الحَدِيثَ.
• قوله: "بِالكَتِفِ": هو عَظْمٌ عَريضٌ كانُوْا يَكْتُبونَ فيه لقِلَّةِ القَرَاطِيس عندَهم.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ خَرَجَ فِي الغَزْوِ وَتَرَكَ أَبَوَيْهِ
1155 -
(1671) - (4/ 191 - 192) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنْ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي العَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ:"أَلَكَ وَالِدَانِ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَبُو العَبَّاسِ هُوَ الشَّاعِرُ الأعْمَى المَكِّيُّ، وَاسْمُهُ: السَّائِبُ بْن فَرُّوخَ.
• قوله: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ"، أي: جاهِدْ نَفْسَك في تَحْصيل رِضَاهما، وإيثَار هَوَاهُما على هَوَاكَ. والفَاءُ الأولى فصِيحةٌ، والثَّانيةُ زَائِدةٌ، وزيادتُها في مثل هذَا سَائغٌ، ومنه قولُه تعالى:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}
(1)
.
(1)
المطففين: 26.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يُسَافِرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ
1156 -
(1674) - (4/ 193) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْن مُوسَى الأنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثّنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن حَرْمَلَةَ، عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ، وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْن زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، قَالَ: مُحَمَّدٌ: هُوَ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، وَعَاصِمُ بْن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ لَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا، وَحَدِيثُ عَبْد الله بْن عَمْرٍو حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "الرَّاكبُ شَيْطَانٌ"، أي: سَفرُ ما دونَ الثَّلاثةِ مَنْهِيٌ، ففَاعِلُه مطيعٌ للشَّيطَان، أوْ آتٍ بالمَعْصِيةِ التي هي أفعالُه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الكَذِب وَالخَدِيعَةِ فِي الحَرْبِ
1157 -
(1675) - (4/ 193 - 194) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، وَنَصْرُ بْن عَلِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنةَ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْد الله يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الحَرْبُ خُدْعَةٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْن ثَابِتٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْن السَّكَنِ، وَكعْبِ بْن مَالِكٍ، وَأَنَسٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "خُدْعَةٌ": - بفَتح الخَاء أو ضَمِّها، وإسكانِ الدَّال، أو بضَمِّ الخَاء وفتح الدَّال - واتَّفقَ العُلماءُ على جَواز خَدع الكُفَّار في الحَرْب كَيفَ أمْكَن إلا أنْ يكونَ فيه نَقْضُ عَهدٍ أمَانٍ فلَا يَحِلُّ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي غَزَوَاتِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَمْ غَزَا؟
1158 -
(1676) - (4/ 194) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْن أَرْقَمَ، فَقِيلَ لَهُ: كمْ غَزَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةٍ؟ قَالَ: "تِسْعَ عَشْرَةَ"، فَقُلْتُ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: "سَبْعَ عَشْرَةَ"، قُلْتُ: أَيَّتُهُنَّ كَانَ أَوَّلَ؟ قَالَ: "ذَاتُ العُشَيْرِ، أَوِ العُشَيْرَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "ذَاتُ العُسَيْراء أَوِ العُشَيْرة": هَكذا وَقَع في بَعض نُسَخ التِّرمَذي بالتَّصْغِير، في آخِرهما ألفٌ ممدودةٌ، أحدُهما: بالسِّين المُهملَةِ والآخر بالمُعْجَمةِ والتَّصغير، آخرُه هَاءٌ، قال: لم يَخْتَلِف أهلُ المَغازي في ذلك، قال: ونُسِبَت هذه إلى المَكان الذي وَصَلُوا إليه وهو مَوضعٌ لبَنِي مَذْحِج.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّفِّ وَالتَّعْبئَةِ عِنْدَ القِتَالِ
1159 -
(1677) - (4/ 194 - 195) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، قَالَ:"عَبَّأَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبَدْرٍ لَيْلًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ أَبِي أَيُّوبَ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْن إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْن إِسْحَاقَ سَمِعَ مِنْ عِكْرِمَةَ، وَحِينَ رَأَيْتُهُ كَانَ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي مُحَمَّدِ بْن حُمَيْدٍ الرَّازِيِّ ثُمَّ ضَعَّفَهُ بَعْدُ.
• قوله: "عَبَّأَنَا": مِنْ عَبَّأْتَ الجَيشَ - بالتَّشدِيدِ بِهَمزة - وعَبَّيْتَ - بِيَاءٍ - رتَّبْتهم في مَواضِعهم وهَيَّأتَهُم للحَرْب.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الألْوَيةِ
1160 -
(1679) - (4/ 195 - 196) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عُمَرَ بْن الوَليدِ الكِنْدِيُّ الكُوفِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْن رَافِعٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدَمَ عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَمَّارٍ يَعْنى الدُّهْنِيَّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ وَلوَاءُهُ أَبْيَضُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْن آدَمَ عَنْ شَرِيكٍ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْن آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، وقَالَ: حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ". قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالحَدِيثُ هُوَ هَذَا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: "وَالدُّهْنُ بَطْنٌ مِنْ بَجِيلَةَ، وَعَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ هُوَ عَمَّارُ بْن مُعَاوِيَةَ الدُّهْنيُّ، وَيُكْنَى أَبَا مُعَاوِيَةَ وَهُوَ كُوفِيٌّ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ.
• قوله: في المَواهب "اللِّوَاءُ": هو العَلَم الذي يُحْمَل في الحَرْب ويُعْرَف به مَواضِعُ الجَيشِ، وقد يَحْمِلُه أميرُ الجَيش وقد يَدْفَعُه لمَقْدم العَسْكر، وقد صَرَّح جماعةٌ من أهل اللُّغة بتَرَادُف اللِّواءِ والرَّايةِ، لكن رَوى أحمدُ والترمذي عن ابن عبَّاس:"كَانَتْ رَايَةُ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَوْدَاءُ وَلِوَاءُه أبْيَضَ" ومثلُه عند الطَّبراني عن بُرَيْدَة،
وعندَ ابن عَدِيٍّ
(1)
عن أبي هريرةَ وزادَ مكتوبٌ فيه: "لا إلهَ إلا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ" وهو ظَاهرٌ في التَّغَايُر فلعلَّ التَّفرقةَ بينَهما عُرفِيَّةٌ، وذَكره ابنُ إسحاقَ
(2)
وكذا أبو الأسودِ عن عُروةَ إنَّ أوَّل ما حدثت الرَّاياتُ يومَ خَيبر وما كانوا يَعْرفون قبلَ ذلك إلا الألْوِيَةَ. انتهى
(3)
.
(1)
هو: الإمام العلامة، الحافظ الكبير، الناقد الجوَّال أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن مبارك بن قطَّان الجُرْجاني، ولد مستهلَّ ذي القعدة، سنة سبع وسبعين ومائتين، كان من الجهابذة الذين طافوا البلاد، وهجروا الوساد، وواصلوا السُّهاد، وقطعوا المعتاد طالبين للعلم. وكتابه "الكامل" طابق اسمه معناه، ووافقه لفظه فحواه، من عينه انتجع المنتجعون، وإلى ما يقول رجع المتقدمون والمتأخرون. رحل إلى الشام ومصر رحلتين، وسمع عبد الرحمن بن القاسم الروَّاس، وأبا عقيل أنس بن السَّلْم، والحسن بن سفيان، وأبا عبد الرحمن النسائي وغيرهم. حدث عنه شيخه أبو العباس بن عقدة، وأبو سعد الماليني، والحسن بن رامين، وحمزة السهمي وآخرون. توفي في جمادى الآخرة، سنة خمس وستين وثلاث مائة. راجع لترجمته: اللباب في تهذيب الأنساب: 1/ 270، سير أعلام النبلاء: 15/ 154، طبقات الشافعية: 3/ 315، البداية والنهاية: 15/ 365، وطبقات الحافظ:380.
(2)
هو: الإمام الحافظ العلامة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار القرشي المطلبي، صاحب السيرة النبوية، ولد سنة ثمانين من الهجرة، ورأى أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، حدث عن أبيه، وعن عمه موسى، وفاطمة بنت المنذر، والقاسم، وعطاء، والأعرج، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وعمرو بن شعيب، ونافع العُمَري، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والزهري، وخلق كثير. حدث عنه: يزيد بن أبي حبيب، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهما من التابعين، وجرير بن حازم، والحمادان، وإبراهيم بن سعد، وزياد بن عبد الله البكائي، ويونس بن بكير، وشعبة، والثوري وغيرهم. كان من أحفظ الناس، حبرا في معرفة المغازي والسير. توفي ببغداد، سنة إحدى وخمسين ومائة. راجع لترجمته: التاريخ الكبير: 1/ 5، وتاريخ بغداد: 2/ 7، وفيات الأعيان/ 4/ 276، تهذيب الكمال: 24/ 405، الوافي بالوفيات: 2/ 132، تذكرة الحفاظ: 1/ 172، سير أعلام النبلاء: 7/ 33.
(3)
راجع: المواهب اللدنية للقسطلاني: 1/ 336.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشِّعَارِ
1161 -
(1682) - (4/ 197) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُهَلَّبِ بْن أَبِي صُفْرَةَ، عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِنْ بَيَّتَكُمُ العَدُوُّ فَقُولُوا: حَم لَا يُنْصَرُونَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَهَكَذَا رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مِثْلَ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنِ الْمُهَلَّبِ بْن أَبِي صُفْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.
• قوله: "إِنْ بَيَّتَكُمُ": - بالتَّشديد - أي: وَقَع فيكم لَيْلًا. "فَقُولُوا: حَم لَا يُنْصَرُونَ"، أي: اجْعَلُوا شِعَارَكم هذه الكَلِمةَ، قيل: معناه: اللهُمَّ لَا يُنْصَرُوْن، أو وَاللهِ لَا يُنْصَرُوْن، وهذا مَبْنِيٌّ على أنَّ "حم" من أسْمَاءِ اللهِ تعالى كما هو مَرْوِيٌّ عن ابن عَبَّاس
(1)
.
• وقوله: "لَا يُنْصَرُونَ": على الإخْبَار ولو كانَ دعاءً لكانَ "لَا يُنْصَرُوْا" بالجَزْم، وقيل: الشِّعارُ هو "حم" فقط.
• وقوله: "لَا يُنْصَرُونَ": بيانٌ لفَائِدَة هذا القَوْل مكانَه، قيل: ما الفَائدَةُ إذا قُلنا: "حم؟ " فقيل: "لَا يُنْصَرُوْنَ"، أي: فائدتُه أنَّهم لَا يُنْصَرُوْنَ عليكم.
• "والشِّعَارُ": - بكسر الشِّين - العَلامةُ، والمرادُ ههنا ما يَجْعلُونَ علامةً بينَهم من الكَلِماتِ يَتَعَارَفُوْنَ بِها لأجْل ظُلْمةِ اللَّيْل.
(1)
راجع: كنز العمال: 2/ 498، ح:4589.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ سَيْفِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
1162 -
(1683) - (4/ 197 - 198) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن شُجَاعٍ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ الحَدَّادُ عَنْ عُثْمَانَ بْن سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: صَنَعْتُ سَيْفِي عَلى سَيْفِ سَمُرَةَ بْن جُندَبٍ، وَزَعَمَ سَمُرَة أَنَّهُ صَنَعَ سَيْفهُ عَلى سَيْفِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ حَنَفِيًّا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَقَدْ تكَلَّمَ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ القَطَّانُ فِي عُثْمَانَ بْن سَعْدٍ الكَاتِبِ وَضَعَّفَهُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
• قوله: "وَكَانَ حَنَفِيًّا"، أي: حَنَفِيًّا مَنسوبًا إلى أحْنَف بْن قَيسٍ؛ لأنَّه أوَّلُ مَنِ اتَّخَذَها.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "رَسُولِ اللهِ" مكان "النَّبِيِّ".
بَابُ مَا جَاءَ فِي الخُرُوجِ عِنْدَ الفَزَعِ
1163 -
(1685) - (4/ 198) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْن غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ أنْبَأنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْن مَالِكٍ، قَالَ: رَكِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا لِأبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ: مَنْدُوبٌ، فَقَالَ:"مَا كَانَ مِنْ فَزَعٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عَمْرِو بْن العَاصِ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَإِنْ وَجَدْنَاه لَبَحْرًا": "إن" مُخَفَّفةٌ من الثَّقِيْلةِ، أي: أن الشَّأنَ، وضميرُ "وَجَدْنَاه" للفَرس، أي: وَجَدنا الفرسَ بحرًا، واسِعَ الجَرْي كالبَحر لَا يَنْفَدُ جَرْيُه كما لا ينفدُ ماءُ البَحر.
1164 -
(1687) - (4/ 199) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْرَأِ النَّاسِ، وَأَجْوَدِ النَّاسِ، وَأَشْجَعِ النَّاسِ، قَالَ: وَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً سَمِعُوا صَوْتًا، قَالَ: فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَرَسٍ لِأبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، فَقَالَ:"لَمْ تراعُوا، لَمْ تُرَاعُوا"، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَجَدْتُهُ بَحْرًا" يَعْنِي: الفَرَسَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عُرْيٍ": بضَمِّ مُهملةٍ، وسُكُونِ رَاءٍ، وقيل: بكَسر رَاءٍ وتَشديدِ يَاءٍ - أي: لَا سَرْجَ عليه.
• قوله: "لا تراعُوا": مُضارعٌ مجهولٌ من الرَّوعِ هو خَبرٌ بمَعنى النَّهْي أي: لَا فزعَ فاسْكُنُوْا ولا تَخَافُوا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الثُّبَاتِ عِنْدَ القِتَالِ
1165 -
(1688) - (4/ 199 - 205) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْن عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ لنَا رَجُلٌ: أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ، مَا وَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانُ النَّاسِ تَلَقَّتْهُمْ هَوَازِنُ بِالنَّبْلِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَتِهِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْد المُطَّلِبِ آخِدٌ بِلِجَامِهَا، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْد المُطَّلِبْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مَا وَلَّى": - بالتَّشديدِ - أي: ما أدْبَر.
• "سَرَعَانُ النَّاسِ": قيل: - بضَمِّ، فسكون - جمعُ سَريعٍ، وقيل: بفَتْحتَين، ويجوزُ سُكونُ الرَّاء، أي: أوَائِلُهم الذين يَتَسَارَعُوْن إلى الشَّيءِ ويَقْبَلُون عليه بسُرعَةٍ.
• وقوله صلى اللهُ تعالى عليه: "أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ .... " إلخ، فقدْ قيل: الرِّوايةُ - بفتح الباء - فلا يُتَوَهَّم أنَّه شِعْرٌ، ورُدَّ بأنَّ الرِّوايةَ إسْكانُ [البَاء]، فيُشْكَل ورُوْدُه من النَّبِيِّ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم لقَولِه تعالى:
{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}
(1)
وأجيبَ تارةً يمنع أن هذا الوزنَ من أوْزَانِ الشِّعْر، وتارةً بأنَّ الشَّاعرَ إنَّما سُمِّي شَاعرًا بوُجوهٍ، منها: أنَّه شَعَر القَوْلَ وقَصدَه وأتَى به كَلامًا مَوْزُوْنًا على طَريقَة العَرب مُقَفّى، فإنْ خَلا عن هذه الأوْصَاف أوْ بعضِها لم يكن شِعْرًا، والنبي صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم لم يَقْصِدْه بكَلامِه ذلك فلا يُعَدُّ شِعْرًا وإن كان موزُوْنًا.
وأمَّا نِسْبَتُه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم إلى الجَدِّ فقيل: لأنَّ شُهرَتَه كانَتْ أكبرُ بجَدِّه من شُهْرَتِه بأبِيْه لأنَّ أبَاه تُوُفِّيَ في حَياةِ أبيه، وكان عَبْدُ المطلب مشهورًا شهرةً ظاهرةً وكان سَيِّدُ قُريش، فاشْتَهر صلى الله تعالى عليه وسلَّم به.
1166 -
(1689) - (4/ 200) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْن عَلِيٍّ المُقَدَّمِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سُفْيَانَ بْن حُسَيْنٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:"لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّ الْفِئَتَيْنِ لَمُوَلِّيَتَيْنِ، وَمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةُ رَجُلٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "لَمُوَلِّيَتَيْنِ": في بعض النُّسَخ لَمُوَلِّيَتَيْن - بالياء - والصَّحيحُ مُوَلِّيَتَان - بالألف - كما نُقِل عن بعض النُّسَخ.
(1)
سورة يس: 69.
بَابُ مَا جَاءَ فِي السُّيُوفِ وَحِلْيَتِهَا
1167 -
(1690) - (4/ 200) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن صُدْرَانَ أَبُو جَعْفَرٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا طَالِبُ بْن حُجَيْرٍ عَنْ هُودِ بْنِ عَبْد الله بْن سَعْدٍ، عَنْ جَدِّهِ مَزِيدَةَ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، قَالَ طَالِبٌ: فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْفِضَّةِ؟ فَقَالَ: "كَانَتْ قَبِيعَةُ السَّيْفِ فِضَّةً".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ أَنَسٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَجَدُّ هُودٍ: اسْمُهُ مَزِيدَةُ العَصَرِيُّ.
• قوله: "قَبِيعَةُ": كسَفِينةٍ، ما على طَرف مَقْبَضِه من فِضَّةٍ أو حَديدٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المِغْفَرِ
1168 -
(1693) - (4/ 202) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَقِيلَ لَهُ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ، فَقَالَ:"اقْتُلُوهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُ كبِيرَ أَحَدٍ رَوَاهُ، غَيْرَ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
• "المِغْفَرُ": رِدَاءٌ يُنْسَجُ على قَدر الرَّأس وِقايةً له، وكان هذا أوَّل دخولِه، ثم أزَالَه ووَضَع العِمَامةَ فلا يُنَافي حديثَ العِمَامةِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الخَيْلِ
1169 -
(1694) - (4/ 202 - 203) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْثَرُ بْنُ الْقاسِمِ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الخَيْرُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِي الخَيْلِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ الأجْرُ وَالمَغْنَمُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَجَرِيرٍ، وَأَبِى هُرَيْرَةَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، وَالمُغِيرَةِ بْن شُعْبَةَ، وَجَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعُرْوَة هُوَ ابْنُ أَبِي الجَعْدِ البَارِقِيُّ، وَيُقَالُ: هُوَ عُرْوَةُ بْنُ الْجَعْدِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: وَفِقْهُ هَذَا الحَدِيثِ أَنَّ الجِهَادَ مَعَ كُلِّ إِمَامٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.
• قوله: "الخَيْرُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِي الخَيْلِ"، [أي: مَلازِمٌ لها كأنَّه مَعْقُودٌ فيها، كذَا في المَجْمَع، والمرادُ أنَّها أسْبابٌ لحُصُولِ الخَير لصَاحِبِها، فاعْتبر ذاك كأنَّه عُقِدَ الخَيرُ فيها، ثُمَّ لَمَّا كانَ الوَجهُ هو الأشْرفُ، ولا يُتَصَوَّرُ العَقْد في الوَجه إلا في النَّاصِيَة اعتبر ذاك عقدًا له في النَّاصِية.]
(1)
• "وَفِقْهُ هَذَا الحَدِيثِ"، أي: الحُكْم بدَوَام عَقْدِ الخَير بنَواصِي الخَيل مع تَفسير ذلك الخَير بالأجْر والغَنِيمة يَسْتَلْزم بقاءَ الجِهَاد ودَوامَه إذ لَا أجرَ وغنيمةَ إلا به.
(1)
ما بين المعقوفتين أثبتاه من حاشية السندي على سنن النسائي: 3/ 530.
بَابُ [مَا جاءَ] مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الخَيْلِ
1170 -
(1695) - (4/ 203) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الهَاشِمِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُمْنُ الخَيْلِ فِي الشُّقْرِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ.
• قوله: "يُمْن": - بالضَمِّ - البركةُ. " والشُّقْرِ": - بضم، فسكون - جمعُ أشْقَر، والشُّقْرة في الخَيل الحُمْرة الصَّافِيةُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّهَان [وَالسَّبَق]
1171 -
(1699) - (4/ 205) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَزِيرٍ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْرَى المُضَمَّرَ مِنَ الْخَيْلِ مِنَ الحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ وَبَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ، وَمَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنَ الْخَيْلِ مِنْ ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ إِلَى مَسجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَبَيْنَهُمَا مِيلٌ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرَى، فَوَثَبَ بِي فَرَسِي جِدَارًا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَنَسٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ.
• "الرِّهَانُ": - بكَسْر الرَّاء - من رَاهَنْتَه إذا خَاطَرْتَه عَلى شَيءٍ.
• قوله: "المُضَمَّر مِنَ الخَيْلِ": إضمارُ الخَيْل وتضميرُها: أنْ يُقَلَّل عَلفُها مدَّةً، وتُدْخَل بيتًا وتُجَلَّل فيه لتَعرقَ ويَجِفَّ عَرقُها، فيَخِفُّ لَحْمُها وتَقْوَى على الجَرْي.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ تُنْزَى الحُمُرُ عَلَى الخَيْلِ
1172 -
(1701) - (4/ 205 - 206) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَهْضَمٍ مُوسَى بْنُ سَالِمٍ عَنْ عبْدِ اللهِ بْن عُبَيْدِ اللهِ بْن عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدًا مَأْمُورًا، مَا اخْتَصَّنَا دُونَ النَّاسِ بِشَيْءٍ إِلَّا بِثَلَاثٍ:"أَمَرَنَا أَنْ نُسْبِغَ الوُضُوءَ، وَأَنْ لَا نَأْكُلَ الصَّدَقَةَ، وَأَنْ لَا نُنْزِيَ حِمَارًا عَلَى فَرَسٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ هَذَا، عَنْ أبِي جَهْضَمٍ، فَقَالَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عَبَّاسٍ، عَنِ ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: حَدِيثُ الثَّوْرِيِّ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَوَهِمَ فِيهِ الثَّورِيُّ وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ الوَارِثِ بْن سَعِيدٍ عَنْ أَبِي جَهْضَمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُبَيْدِ اللهِ بْن عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
• قوله: "مَا اخْتَصَّنَا"، أي: أهلَ البَيتِ. "أَمَرَنَا أَنْ نُسْبغَ": من الإسْبَاغ يفيدُ أن الإسْبَاغَ في حَقِّ أهْل البَيتِ مؤكَّدٌ.
• قوله: "أَنْ لَا نُنْزِيَ": من أنْزَيْتَ الفرسَ على الأنْثَى إذا أوْثَبْتَه عليه، قيل: سببُ الكرَاهةِ سبقُه إلى الذي هو أدْنَى بالذي هو خيرٌ، والحديثُ يفيدُ أن الكَراهَةَ في حَقِّ أهل البَيتِ مؤكَّدةٌ. قُلنا: بعُموم الكَرَاهَة لغَيرهم كما قيل، وإلا فالكَراهَةُ مَخْصُوصَةٌ بِهم، واستُدلَّ على الجَواز برُكُوْبه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم البغلَ، وبِمَنِّ اللهِ تعالى على عبادِه بقوله:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ}
(1)
وأجيبَ بأنَّه كالصُّوَر فإنَّ عَمَلَها حَرامٌ، واستِعْمَالَها في الفُرُش مُباحٌ.
(1)
النحل: 8.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِفْتَاحِ بصَعَالِيكِ المُسْلِمِينَ
• "الاسْتِفْتَاحُ"، أي: الاسْتِمدادُ بفُقَرائِهم.
1173 -
(1702) - (4/ 206) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْن جَابِرٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ جُبَيْرِ بْن نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ": بدُون كلمةِ "في" هكَذا وَجَدْناه في كثيرٍ من النسخ، يقال: بَغَيْتُه [و] أبْغَيْتُه: طَلَبتُه، وأبْغَاه الشَّيءَ: طَلَبه له، أو أعَانَه على طَلبه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي [كَرَاهِيَةِ] الأجْرَاسِ عَلَى الخَيْلِ
1174 -
(1703) - (4/ 207) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْن مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَصْحَبُ المَلائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كلْبٌ وَلا جَرَسٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "رُفْقَةً": الرُّفْقةُ - بضَمِّ الرَّاء وكسرها - الجَماعه المُرافقون في السَّفر.
• وقوله: "فِيْهَا كلْبٌ": قيل: لأنَّه لَمَّا نُهي عن اتِّخاذِها عُوْقِب مُتَّخِذُها بتَجَنُّبِ الملائكةِ من صُحْبَتِه.
• "والجَرَس": - بفَتحتين - هو الجَلْجَلُ الذي يُعَلَّقُ على عُنق الدَّواب. قيل: إنَّما كَرِهَه؛ لأنَّه يدلُّ على أصْحَابه بصَوْته، وكان عليه الصلاة والسلام يُحِبُّ أنْ لَا يَعلمَ العَدُوُّ به حتى يَأتيهم فُجْأةً.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الإمَامِ
1175 -
(1705) - (4/ 208 - 209) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَلَا كلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعِ وَمَسْؤوْلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤوْلٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَة رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤوْلٌ عَنْهُ، أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: حَكَاه إِبْرَاهِيمُ بْن بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْن عُيَيْنَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَخْبَرَنِي بذَلِكَ ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا وَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الله سَائِل كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاه"، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.
• "رَاعٍ"، أي: حافظٌ مؤتَمَنٌ، ومعنى "كُلُّكُمْ رَاعٍ": أنَّه يَجِبُ عليه الحِفْظُ، ولا أقلَّ من كَوْنِه واعيًا على أعْضَائِه وجَوارِحه. "والرَعِيَّة": فَعِيْلةٌ بمعنى المَفْعول، أي: مسؤولٌ عَمَّا يَجِب عليه رِعَايَتُه.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي طَاعَةِ الإمَامِ]
1176 -
(1706) - (4/ 209) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْن أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ العَيْزَارِ بْن حُرَيْثٍ، عَنْ أُمِّ الحُصَيْنِ الأحْمَسِيَّةِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ قَدِ التَفَعَ بهِ مِنْ تَحْتِ إِبْطِهِ، قَالَتْ: فَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى عَضَلَةِ عَضُدِهِ تَرْتَجُّ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا الله وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ فَاسْمَعُوا لَهُ، وَأَطِيعُوا مَا أَقَامَ لَكُمْ كِتَابَ اللهِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِرْبَاضِ بْن سَارِيَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أُمِّ حُصَيْنٍ.
• قوله: "التَفَعَ بالثَّوْبِ": اشْتَمَل به.
• وقوله: "تَرْتَجُّ": - بتَشديدِ الجِيْم - تَضْطَرب افتعالٌ من الرَجِّ وهو الحَركَة.
• وقوله: [أُمِّرَ]:
(1)
على بناءِ المَفعولِ من التَّأمِير، أي: جُعِلَ عليكم أمِيرًا.
• قوله: "مُجَدَّعٌ": - بالتشديد - أي: مقطوعُ الأطْرَاف، والتَّشديدُ - للتَّكثير. فإنْ قيل: شرطُ الإمام الحُرِيَّةُ، والقَرشِيَّةُ، وسَلامةُ الأعْضَاء. قلتُ: لَيْس الكلامُ فِي السُّلْطان بخُصُوصِه بل في مُطْلَق الأمِيْر، ويَجُوْزُ أن الإمامَ يُفوِّض بعض
(1)
لم تذكر المقولة في المخطوط وأثبتناها لاقتصاء الموضع.
الأمور إلى بعض عَبِيدِه على أن المُتَغَلّب قد لَا يوجدُ فيه شروطُ الإمَامَة، وتُحرم مخالفتُه، وتُنْفذ أحكامُه مع أن المقصودَ المبالغةُ في وُجُوبِ طَاعةِ الإمامِ، ولا يَلزَمُ منه أنْ تَصِحَّ إمامةُ المَوصوفِ بِهذه الصِّفات.
بَابُ مَا جَاءَ فِي [كرَاهِيَةِ] التَّحْريشِ بَيْنَ البَهَائِمِ [وَالضَّرْب] وَالوَسْمِ فِي الوَجْهِ
• التَّحريشُ: هو الإغراءُ وتَهيِيْج بعضِها على بعضٍ كما يُفْعلُ بينَ الدُّيوكِ وغيرِها.
1177 -
(1710) - (4/ 210 - 211) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الوَسْمِ فِي الوَجْهِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عَنِ الوَسْمِ": بمُهْملةٍ على الصَّحيحِ، وقيل: أو بمُعْجمةٍ هو الكَيَّةُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دَفْنِ الشُّهَدَاءِ
1178 -
(1713) - (4/ 213) حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْن هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ، عَنْ هِشَامِ بْن عَامِرٍ، قَالَ: شُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الجِرَاحَاتُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ:"احْفِرُوا، وَأَوْسِعُوا، وَأَحْسِنُوا، وَادْفِنُوا الاثْنَيْنِ وَالتلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَقَدِّمُوا أَكثَرَهُمْ قُرْآنًا"، فَمَاتَ أَبِي، فَقُدِّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلَيْنِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ خَبَّابٍ، وَجَابِرٍ، وَأَنس، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُه هَذَا الحَدِيثَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْن هِلَالٍ، عَنْ هِشَامِ بْن عَامِرٍ. وَأَبُو الدَّهْمَاءِ: اسْمُهُ قِرْفَةُ بْن بُهَيْسٍ أَوْ بَيْهَسٍ.
• قوله: "شُكِيَ": على بناءِ المفعول، وكأنَّهم ذكروا له صلى الله تعالى عليه وسلَّم أن الشُّهداءَ يُخاف عليهم أنْ يَلْصَق أبدانُ بعضِهم بعضًا، أو أنْ يتلوَّثَ بعضُهم بدماءِ بعضٍ بسببِ كثرةِ الجِراحاتِ والدِّماءِ إنْ دُفِنَ أكثرُ مِنْ واحدٍ في قبرٍ واحدٍ. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المَشُوْرَةِ
1179 -
(1714) - (4/ 213 - 214) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْن مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَجِيءَ بِالأُسَارَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلاءِ الأُسَارَى" فَذَكَرَ قِصَّةً فِي هَذَا الحَدِيثِ طَوِيلَةً.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُوْرَةً لِأصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "أَكْثَرَ مَشُوْرَةً": عملًا بقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر}
(1)
.
(1)
آل عمران: 159.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي الفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ]
1180 -
(1716) - (4/ 215) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْن أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيَّةٍ، فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَاخْتبَيْنَا بِهَا وَقُلْنَا: هَلَكْنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! نَحْنُ الفَرَّارُونَ، قَالَ:"بَلْ أَنْتُمُ العَكَّارُونَ وَأنا فِئَتُكُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثٌ يَزِيدَ بْن أَبِي زِيَادٍ، وَمَعْنَى قوْلهِ: فحَاصَ النّاسُ حَيْصَةً، يَعْني: أَنَّهمْ فَرُّوا مِنَ القِتَالِ. وَمَعْنَى قوْلهِ: "بَلْ أَنْتُمُ العَكَّارُونَ"، وَالعَكَّارُ: الَّذِي يَفِرُّ إِلَى إِمَامِهِ لِيَنْصُرَه لَيْسَ يُرِيدُ الفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ.
• قوله: "وَأنا فِئَتكُمْ"، أي: مَلْجَأكم ونَاصِرُكم، والفِئةُ: الجماعةُ التي تكون وَراءَ الجَيشِ إنْ وَقَعَ فيهم هَزِيمةً.
[كِتَابُ اللِّبَاسِ]
بَابُ مَا جَاءَ فِي الحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلرِّجَالِ
1181 -
(1720) - (4/ 217) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"حُرِّمَ لِبَاسُ الحَرِيرِ وَالذَّهَبُ عَلَى ذَكُورِ أُمَّتِي وَأُحِلَّ لإِنَاثِهِمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، وَأَنَسٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَأُمِّ هَانِئٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَعِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَجَابِرٍ وَأَبي رَيْحَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، واثِلَةَ بن الأسْقَعِ. وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى حَدِيِثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• "حُرِّمَ": على بناءِ المفعول مشدَّدًا، أو على بناءِ الفاعل مخفَّفًا أو مشدَّدًا، والضَّميرُ "لله" لأنَّه المُتَعَيِّنُ، والأوَّل أنسبُ بقَوْلِه تعالى:{أُحِلَّ}
(1)
وإفرادُ ضمير "أحِّلَ"[إلى الأوَّل]
(2)
لرُجُوعِه إلى اللِّبَاسِ.
(1)
البقرة: 187.
(2)
كذا في المخطوط، والظاهر أنه لا يلائم السياق ولعله زائد .. والله أعلم بالصواب.
1182 -
(1721) - (4/ 217) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشامٍ، حَدثنَا أبِيُّ عَنْ قتَادَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْن غَفلةَ، عَنْ عمَرَ، أَنَّهُ خَطبَ بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ:"نَهَى نَبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الحَرِيرِ، إِلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ": قال القاضي: كلمةُ "أو"[ليسَ]
(1)
للشكِّ منَ الرَّاوي وإنَّما هو تفصيلٌ للإبَاحَة
(2)
.
(1)
ما بين المعقوفين سقط من المخطوط، وزدناه من عارضة الأحوذي.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 7/ 163.
بَابُ مَا جَاءَ [فِي الرُّخْصَةِ] فِي لُبْسِ الحَرير فِي الحَرْبِ
1183 -
(1722) - (4/ 218) حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثّنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنَا وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْن سَعْدِ بْن مُعَاذٍ، قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَتيْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْن سَعْدِ بْن مُعَاذٍ، قَالَ: فَبَكَى، وَقَالَ: إِنَّكَ لَشَبِيهٌ بِسَعْدٍ، وَإِنَّ سَعْدًا كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلهِمْ، وَإِنَّهُ بُعِثَ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم جُبَّةٌ مِنْ دِيبَاجِ مَنْسُوجٌ فِيهَا الذَّهَبُ، فَلَبسَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَعِدَ المِنْبَرَ، فَقَامَ - أَوْ قَعَدَ - فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْمسُونَهَا، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا كَاليَوْمِ ثَوْبًا قَطُّ، فَقَالَ:"أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذه؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَرَوْنَ". قَالَ: وَفِي البَاب عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَأَطْوَله": هكذا في غالب النُّسَخ بإفراد الضَّمير، والظَّاهر و"أطْوَلِهِمْ " بالجَمْع كما ذكره القَاضي ابنُ العربي في شَرحه
(1)
، وضميرُ "إِنَّهُ" للشَّأْن. و"بعِثَ": على بناءِ المفعول، وحمل القاضي لِبَاسه صلى لله تعالى عليه وسلم "الدِّيْبَاجَ": على ما إذَا كان مُباحًا
(2)
.
• قوله: "مِنْ هَذِهِ؟ ": [أي: الجُبَّةُ]. "لَمَنَادِيلُ"، أي: التي شأنُها الامْتحَان هي أجَلُّ من الجُبَّة المُتَّخَذةِ لرِفْعةِ اللَّباسِ.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح الترمذي للقاضي ابن العربي: 7/ 166.
(2)
راجع: المصدر السابق مع نفس الجزء والصفحة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الفِرَاءِ
1184 -
(1726) - (4/ 220) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْن مُوسَى الفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ هَارُونَ البُرْجُمِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّمْنِ وَالجُبْنِ وَالفِرَاءِ، فَقَالَ:"الحَلالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كتَابِهِ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنِ الْمُغِيرَةِ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلا مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَرَوَى سُفْيَانُ وَغَيْرُه عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ قَوْلَهُ، وَكَأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ، وَسَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: مَا أُرَاه مَحْفُوظًا، رَوَى سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ مَوْقُوفًا. قَالَ البُخَارِيُّ: وَسَيْفُ بْنُ هَارُونَ مُقَارِبُ الحَدِيثِ، وَسَيْفُ بْن مُحَمَّدٍ عَنْ عَاصِمٍ ذَاهِبُ الحَدِيثِ.
• قوله: "عَنِ السَّمْنِ وَالجُبْنِ وَالفِرَاءِ": أمَّا السَّمنُ، والجُبنُ فمَعروفان، والفِرَاء - بكسر الفَاء، والمَدِّ - جَمع فَرَى كجسن: حمارُ الوَحْش، وهذا مقتضى جَمْعِه في الحَديث بالمأكُوْلات، أو جمع فَرْوَة: وهي مَا تلبس من الجُلُودِ، وهذا هو مُقْتَضى تَرجَمَة المُصَنَّف، وهذه الأشْيَاءُ ما صرَّح الكتابُ بحَلِّها أو حُرْمَتِها فهي مُنْدَرَجةٌ في المَسْكُوتِ عنه ظاهرًا وهذا هو المُوافِقُ بسَوْق الحديث.
بَقِي في الحديث إشكالٌ وهو أنَّ الحديث بظَاهِره يقتضي أن لَا يثْبُتَ من الحَلال والحَرام بالسُّنَّة وهو خلافُ الوَاقع وخلافُ ما يُعْطِيه حديث "ألَا إنِّي
أوْتِيْتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ
…
"
(1)
الحديث. وقد ذَمَّ صلى الله عليه وسلم فيه مَنْ لا يأخذُ بما حرّم في الحديثِ ويَعْتذرُ بأنَّه ما وَجَدَه في القرآنِ فلا بدَّ من صَرْف الحديثِ عن ظَاهِره؛ لأنَّ المرادَ بمَا أحَلَّه الله تعالى في كتابه لهم وما حرَّم أعَمُّ مِمَّا أحَلَّه وحرَّمه تفصيلًا وتعيِيْنًا وإجمالًا، فما أحلَّه أو حرَّمه وسولُ الله صلى الله عليه وسلم فهو مُنْدَرِجٌ في ذلك لقَوْلِه تعالى:{وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}
(2)
وأمثاله، وعلى هذا فهذه الأشياءُ المذكورةُ في الحديثِ مندَرِجَةٌ فيما أحَلَّه، لا فيما سَكَتَ عنه، أمَّا السَّمْنُ فقد وَرَد في الصَّحِيْحَيْن
(3)
وغيرهما
(4)
. وأمَّا الجُبْنُ ففي أبي داودَ عن ابن عمر: "أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أتِيَ بِتبُوْكَ بِجُبْنَة، فَدَعَا بِسِكِّيْنٍ فَسَمَّى وَقَطَعَ
…
". الحديث
(5)
. وأمَّا الفِراءُ جَمع فَرَى بمعنى حِمَار الوحش فقد وَرَدَتْ في الصحيحين وغيرهما، وإن كان جمع فَرْوَةٍ فقد علم طهارة الجِلْد إذا دُبغَ سواءً كانَ جِلْدُ ذَكاةٍ أو مَيتةٍ، فليسَ المرادُ في الحديثِ حينئذٍ بيانُ [أن] هذه الأشياءَ مندرجةٌ في المَسْكوتِ عنه فتكونُ حلالا، بل بيانُ ضابطةٍ في معرفةِ الحلالِ والحرامِ على العموم والإطلاقِ بحيث يُعْرَفُ منها حالُ هذه الأشياءِ وغيرها، فالحديثُ وإن كان موقوفًا على الصَّحيح إلا إنَّه موافقٌ بما في الصَّحيحِ من قوله صلى الله تعالى عليه وسلَّم:"إنَّ الله أمَرَكُمْ بأشْيَاءَ فَامْتَثِلُوْهَا، وَنَهَاكُمْ عَنْ أشيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ مِنْهُ فَلا تَسْألُوْا عَنْهَا".
(1)
راجع: مسند الإمام أحمد بن حنبل: 7/ 144، ح:17637.
(2)
النساء: 59.
(3)
راجع: صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب: إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، ح: 3781، وصحيح مسلم: كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب: إباحة الضبّ، ح:1947.
(4)
راجع: سنن ابن ماجة، كتاب الأطعمة، باب: أكل الجبن والسمن، ح: 3367، وسنن النسائي: كتاب الصيد والذبائح، باب: الضبّ، ح:4321.
(5)
راجع: سنن أبي داود، كتاب الأطعمة، باب: أكل الجبن، ح:3819.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ جَرِّ الإزَارِ
1185 -
(1730) - (4/ 223) حَدَّثَنَا الأنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَعَبْدِ الله بْن دِينَارٍ، وَزَيْدِ بْن أَسْلَمَ كُلُّهُمْ يُخْبِرُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا يَنْظُرُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ حُذَيْفَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَمُرَةَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعَائِشَةَ، وَهُبَيْبِ بْن مُغَفَّلٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لا يَنْظرُ اللهُ": نظرَ رحمةٍ، والمرادُ [لا يدخلُ الجَنَّة] مع السَّابقين.
• قوله: "خُيَلاءَ": - بضم الفاء، وفتح العين ممدودًا، وكسر الفاء - لغةً: الكِبْر والعُجْب والاخْتِيَالُ.
• قوله: "وَهُبَيْبِ": - كزُبَيْر - ابن مغفَّل، صَحَابيٌ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الصُّوفِ
1186 -
(1733) - (4/ 224) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْن هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ كسَاءً مُلَبَّدًا، وَإِزَارًا غَلِيظًا، فَقَالَتْ:"قُبِضَ رُوحُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَيْنِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "كِسَاءً مُلَبَّدًا": - بفتح الباء المشدَّدَة - أي: مرَقَّعًا. وقيل: غليظًا رَكِب بعضُه بعضًا لغِلْظه، وهو لا يناسبُ سياقَ الحديثِ، والكساءُ: يكونُ من الصُّوفِ، ولهذا ذكر الحديث في هذا الباب وفيه ما كان صلى الله تعالى عليه وسلم من الزَّهادةِ في الدُّنيا.
بَابُ [مَا جَاءَ] مَا يُسْتَحَبُّ فِي فَصِّ الخَاتَمِ
1187 -
(1740) - (4/ 227) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْن عُبَيْد اللهِ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:"كَانَ خَاتَمُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "فَصُّهُ مِنْهُ": قالَ القاضي: هذا، وما روي أنَّ فَصَّه كان حَبشِيًّا ليس بتَناقُضٍ، ولكنَّه لَبِسَ الصِفَتَيْنِ، واستَقَرَّ الأمرُ على خَاتَمٍ كان فصُّه منه
(1)
.
وفي حاشيةِ السُّيوطي على أبي داودَ قال البيهقيُّ بعد ذكر الحَديثين: هذا يدلُّ على أنَّه كان له خاتَمان أحدُهما فَصُّه حبشِيٌّ، والآخر فَصُّه منه أو كأنَّ الزُّهريَّ حَفِظ في حديثِه من وَرَقٍ
(2)
. والأشْبَهُ بسَائر الرِّواياتِ أن الذي كان فَصُّه حبشِيًّا هو الخَاتَم الذي اتَّخَذَه من ذَهبٍ ثُمَّ طَرَحَه واتَّخَذَ خاتمًا منْ وَرَقٍ.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 7/ 183.
(2)
راجع: مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود للحافظ جلال الدين السيوطي: 3/ 1026.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الصُّورَةِ
1188 -
(1749) - (4/ 230) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصُّورَةِ فِي البَيْتِ، وَنَهَى عَنْ أَنْ يُصْنَعَ ذَلِكَ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيت جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عَنِ الصُّورَةِ": أريدَ بِهَا صورةُ ذي رُوْحٍ كمَا يَدُلُّ عليه حديثُ البَاب الثَّاني.
• وقوله: "أَنْ يُصْنَعَ ذَلِكَ"، أي: الذي ذكر من الصُّورة.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُصَوِّرِينَ
1189 -
(1751) - (4/ 231) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عَذَّبَهُ اللهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا - يَعْنِي الرُّوحَ - وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ يَفِرُّونَ به مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وَفِي البَاب عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "حَتَّى يَنْفُخَ
…
" إلخ، قد جَعَل غايةَ عذابِه إلى أن يَنْفُخَ فيها الرُّوحَ، وأخْبَرَ أنَّه ليسَ بنَافِخٍ فيَلْزَم أنَّه مُعَذَّبٌ دائمًا، وهذا الحديثُ في حَقِّ مَنْ كَفَر بالتَّصوير، وأمَّا غيرُه وهو العاصي [الذي] يفعل ذلك غيرَ مُسْتَحِلٍّ له، ولا قاصدًا أنْ يعيدَ فيُعذَّبَ - إن لم يُعفَ - عذابًا يستحِقُّه ثم يَخْلُص منه، أو المرادُ به الزَّجرُ الشَّديدُ، أو التَّغليظُ ليكونَ أبلغَ في الارْتداعِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الخِضَابِ
1190 -
(1753) - (4/ 232) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الأجْلَحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأسْوَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ بِهِ الشَّيْبُ الحِنَّاءُ وَالكَتَمُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح. وَأَبُو الأسْوَدِ الدِّيلِيُّ: اسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ عَمْرِو بْن سُفْيَانَ.
• وقوله: "الحِنَّاءُ": بكسر، وتشديدِ نُونٍ، ومَدٍّ. " وَالكَتَمُ": بفتحتين، قال أبو عبيدٍ: هو مشدَّدُ التَّاء، والمشهورُ التَّخفيفُ، نبتٌ يُصْبَغُ به [في]
(1)
الشَّعر. قيل: يَشْبَه أنْ يُرادَ استعمالُ الكَتْم مفردًا عن الحِنَّاءِ إذ معه يُوْجَد السَّوادُ وقد صَحَّ النَّهْيُ عنه.
(1)
كذا في المخطوط، ولعل زيادة (في) الجارة في هذا الموضع من خطأ الناسخ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الجُمَّةِ وَاتِّخَاذ الشَّعَر
1191 -
(1754) - (4/ 233) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:"كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَبْعَةً لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالقَصِيرِ، حَسَنَ الجِسْمِ، أَسْمَرَ اللَّوْنِ، وَكَانَ شَعْرُهُ لَيْسَ بِجَعْدٍ وَلا سَبْطٍ إِذَا مَشَى يَتَوَكَّأ". قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَائِشَةَ، وَالبَرَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِى سَعِيدٍ، وَجَابِرٍ، وَوَائِلِ بْن حُجْرٍ، وَأُمِّ هَانِئٍ. أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ حمَيْدٍ.
• قوله: "رَبْعَةً": - بفتح الرَّاء، وسكون الموحَّدة، وتفتح - أي: معتدلًا متوسِّطًا، وقد فسَّره الرَّاوي بقوله: ليسَ بالطَّويل، والتَّأنيثُ للفظ النَّفْس أو التَّاء للمبالغةِ.
• وقوله: "أَسْمَرَ اللَّوْنِ"، أي: يقتضي غَلْبَةَ الحُمْرةِ في اللَّون، ويُرْوَى "أبْيَضَ مَشْرُبًا حُمْرَةً"
(1)
وهذا [يقتضي] غلبةَ البَيَاض، وجُمِعَ بينَهما بأنَّ ما يَبْرُزُ للشَّمْس كانَ أسمرَ، وما تُوَاريه الثِّيَابُ كانَ أبيضَ.
وجُعُوْدَة في الشَّعر خلافُ السُّبُوطَة وهي التَّرَسُّل، و"الجَعْد": - بفتح، فسكون - أي: المُنْقَبِض المُنْتَشر. و"السَّبْطُ": - بفتح، فكسر أو سكون - أي: البسط المُسْتَرْسل.
• وقول: "يَتَوكَّأُ": كذا في بعض النُّسَخ، وفي بعضها "يَتَكَفَّأُ": قيل: وهو الصَّوابُ، ومعناه: يَمِيْل إلى قُدَّامٍ.
(1)
راجع: مسند الإمام أحمد بن حنبل: 2/ 257، ح:944.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْي عَن التَّرَجُّل إلَّا غِبًّا
1192 -
(1756) - (4/ 234) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْن خَشْرَمٍ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْن يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُغَفَّلٍ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا". حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَفِي البَاب عَنْ أَنَسٍ.
• "التَّرَجُلُ": تَسْريحُ الشَّعْر وتَزيِيْنُه وتحسِينُه.
• وقوله: "إِلَّا غِبًّا": - بكَسْر المُعْجَمة، وتشديدِ الباء - أي: يومًا فيومًا بالتَّفَرُّقِ، أو بعدَ مُدَّةِ أيَّامٍ تحرُّزًا عن الاهتمام بالزِّيْنةِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْي عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَالاحْتِبَاءِ فِي الثَّوْب الوَاحِدِ
1193 -
(1758) - (4/ 235) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسَتَيْنِ: الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "لِبْسَتَيْنِ": - بكسر اللام - للنوع.
• "والصَّمَّاء": هو أن يَشْتَمِل بثَوبِه على جَسَده كُلِّه ولا يَتْرُك منه فُرْجَةً فإنَّه ربما يُصِيْبُه شيءٌ فلا يَقْدِرُ على إخْراج يَدِه ورَفْعِه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مُوَاصَلَةِ الشَّعْر
1194 -
(1759) - (4/ 236) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَعَنَ اللهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ" قَالَ نَافِعٌ: "الوَشْمُ فِي اللِّثَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي البَاب عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَعْقِلِ بْن يَسَارٍ، وَمُعَاوِيَةَ.
• "الوَاصِلَة": قال القاضي: هي التي تُحَاوِل وَصْل الشَّعْر بيَدِها. "وَالمُسْتَوْصِلَة": هي التي تَسْألُ ذلك وتُطَاوِعُها على فِعْلِه بِها.
• "وَالوَاشِمَة": هي تَشِمُ الوَجْهَ، أي: تَطْعَنُه بحَدِيْدَةٍ حتى إذَا جَرى الدمُ، حَشَّتْه بكُحْلٍ حتى يكونَ خالا تحسِّن بها نفسَها. "وَالمُسْتَوْشِمَة": هي طَالِبةُ ذلك، والمُطَاوِعَةُ عَلى فِعْلِها
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 7/ 192.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُكُوبِ المَيَاثِر
1195 -
(1760) - (4/ 236 - 237) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَشْعَثَ بْن أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْن سُوَيْدِ بْن مُقَرِّنٍ، عَنِ البَرَّاءِ بْن عَازِبٍ، قَالَ:"نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رُكُوبِ المَيَاثِرِ".
قَالَ: وفي الحَدِيثِ قِصَّةٌ. قَالَ: وَفِي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَمُعَاوِيَةَ. وَحَدِيثُ البَرَّاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ بْن أَبِي الشَّعْثَاءِ نَحْوَه وَفِي الحَدِيثِ قِصَّةٌ.
• قال السيوطيُّ: "المَيَاثِرِ": بالثَّاء المُثَلَّثَة غير مَهْموزٍ، قال أبو عبيدٍ: كانَتْ مِنْ مَرَاكب الأعَاجِم مِنْ حَريرٍ
(1)
. قال القاضي: هي جَمْعُ مَيْثَرةٍ وهي مَفْعَلةٌ من الوَثَارةِ، وهي المَوْطُوْءَة في المَجْلس والمُضْطَجعُ
(2)
. والمَياثِرُ: تُجْعَلُ في السُّرُوْجِ على خَشَبِها سِتْرًا ليُبُوسَتِها وصَلابَتِها.
(1)
راجع: قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي: 1/ 444.
(2)
راجع: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض اليحصبي: 5/ 566.
بَابُ مَا يُقَالُ
(1)
إذَا لَبسَ ثَوْبًا جَدِيدًا
1196 -
(1767) - (4/ 239) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاه باسْمِهِ عِمَامَةً، أَوْ قَمِيصًا، أَوْ رِدَاءً، ثُمَّ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ خَيْرَه وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْن يُونُسَ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ المُزَنِيُّ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ نَحْوَه. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا"، أي: لَبِسَ ثوبًا جَديدًا.
• وقوله: "خَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ": اسْتِعمَالُه في الطَّاعَة. "شَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ": اسْتِعْمَالُه في المَعْصِيَة.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "يَقُول".
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَدِّ الأسْنَان بالذَّهَب
1197 -
(1770) - (4/ 240 - 241) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْن البَرِيدِ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ أَبِي الأشْهَبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن طَرَفَةَ، عَنْ عَرْفَجَةَ بْن أَسْعَدَ، قَالَ: أُصِيبَ أَنْفِي يَوْمَ الكُلَابِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَاتَّخَذْتُ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيَّ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ، مُحَمَّدُ بْن يَزِيدَ الوَاسِطِيُّ عَنْ أَبِي الأشْهَبِ نَحْوَه.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن طَرَفَةَ، قَدْ رَوَى سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن طَرَفَةَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبي الأشْهَب، وَقد رَوَى غيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أهْلِ العِلمِ أَنَّهمْ شَدُّوا أسْنَانَهُمْ بِالذَّهَبِ، وَفِي هَذا الحَدِيثِ حُجَّةٌ لَهُمْ، وقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: سَلْمُ بْنُ وَزِيرْ وَهُوَ وَهْمٌ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّنْعَانِيُّ: اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُيَسِّرٍ.
• قوله: "يَوْمَ الكُلَابِ": - بضَمِّ الكافِ، وتخفيفِ اللام - اسمُ ماءٍ، وكانَ به وقعةٌ معروفةٌ في الجَاهلِيَّة وهو ما بينَ الكُوفةِ والبَصْرةِ. رُوِي أن حَبَّانَ بْنَ بَشِيرٍ وَليَ القَضاءَ بأصْبَهان فحدَّث بِهذا الحديثِ، فقرأ بكَسْر الكَافِ، فردَّ عليه رجلٌ، وقالَ له: إنَّما هو الكُلاب - بضَمِّ الكافِ - فأمَر بحَبْسِه، فزَاره بعضُ أصحابِه فقال له فيما حُبِسْتَ، فقالَ حَربٌ كانَتْ في الجَاهليَّةِ فحُبِسْتُ بسَبِبها في الإسلامِ. ذكره السيوطي في حاشية أبي داود
(1)
. وذكر في قوله: "مِنْ وَرِق":
(1)
راجع: مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود للسيوطي:3/ 1035.
المَشهورُ - كسرُ الرَّاء - على إرادَةِ الفِضَّةِ، وحُكِي عن الأصمعي أنَّه بفتح الرَّاء من وَرَق الشَّجَر؛ لأنَّ الفِضَّة لا تَنْتِن. وقال ابنُ قتيبةَ
(1)
: كنتُ أحسبُ ما عن الأصمعي صحيحًا حتى أخبَرنِي خبيرٌ أن الذَّهبَ لا تَنْتِن وأنَّ الفِضَّةَ تَنْتِنُ
(2)
.
• قوله: "فَأَنْتَنَ": - بفتح الهمزة - أي: صَار نَتِنًا ذا رائحةٍ كريهةٍ يقال: نَتِنَ، وأنْتَن إذا صَار ذا نتَن.
(1)
هو: العلامة الكبير، أحد العلماء والأدباء والأذكياء أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدَّيْنوري المَرْوَزي، كان فاضلا ثقة، سكن بغداد وحدَّث بها عن إسحاق بن بن راهوية، ومحمد بن زياد بن عبيد الله الزيادي، وزياد بن يحيى الحساني، وأبي حاتم السجستاني وطائفة. حدَّث عنه ابنه أحمد، وابن دُرُسْتَوَيه الفارسي، وله تصانيف مفيدة، منها:"غريب القرآن الكريم"، "وغريب الحديث"، و"عيون الأخبار"، و"مشكل القرآن"، و"مشكل الحديث"، و"طبقات الشعراء"، و كتاب "الهجو"، وكتاب "أعلام النبوة" و كتاب "جامع النحو"، و كتاب "إصلاح الغلط" و كتاب "الردُّ على من يقول بخلق القرآن" وغير ذلك. توفي أوَّل ليلة من رجب سنة ست وسبعين ومائتين. راجع لترجمته: المنتظم: 12/ 276، ووفيات الأعيان: 3/ 42، وتذكرة الحفاظ: 2/ 633، سير أعلام النبلاء: 13/ 296، والبداية والنهاية: 14/ 623.
(2)
راجع: مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود للسيوطي: 3/ 1035.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْي عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ
1198 -
(1770) - (4/ 241) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، وَعَبْدُ الله بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي المَلِيحِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ أَنْ تُفترشَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبي المَلِيح، عَنْ أَبيهِ، أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاع. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ، حَدّثنَا مُعَاذ بْنُ هِشَامٍ، حَدّثنِي أبِي عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أبِي المَلِيحِ أَنَّهُ كَرِهَ جُلُودَ السِّبَاعِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ عَنْ أَبِي المَلِيحِ، عَنْ أَبِيهِ، غَيْرَ سَعِيدِ بْن أَبِي عَرُوبَةَ.
• قوله: "جُلُودِ السِّبَاعِ": هذا قبلَ الدَّبْغِ أو مُطلقًا إن قيلَ بعَدَم طَهارَة الشَّعْر بالدَّبْغ، وإن قيل بطَهَارَته فالنَّهي لأنَّها من دَأب الجَبَابرةِ وعَمَلِ المُتْرَفِّهِيْن.
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَعْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
1199 -
(1772) - (4/ 242) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْن مَالِكٍ: كيْفَ كَانَ نَعْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: "لَهُمَا قِبَالانِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَهُمَا قِبَالانِ": قِبالُ النَّعْل: ككِتَابٍ، زِمَامٌ بينَ الإصْبَع الوُسْطى والتي تَلِيْها.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ المَشْي فِي النَّعْلِ الوَاحِدَةِ
1200 -
(1774) - (4/ 242 - 243) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ، (ح) وحَدَّثنَا الأنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وفي البَاب عَنْ جَابِرٍ.
• قوله: "لا يَمْشِي": نَفْيٌ بعدَ النَّهي، وذلك لِمَا فيه من المُثْلَة، ومُفَارقةِ الوَقَار، ومُشَابِهَةِ زِيِّ الشَّيطانِ كالأكْل بالشِّمالِ، وللمشَقَّة في المَشْي كذلك، والخروج عن الاعتدالِ.
• وقوله: "لِيُنْعِلْهُمَا": - بفتح أوَّله، وضَمِّه - من نَعَلَ، وأنْعَلَ رِجْلَه، أي: ألْبَسَها نعلًا.
• وقوله: "لِيُحْفِهِمَا": - بالحَاء المُهْمَلة - من الإحْفَاء، أي: ليُجَرِّدَهما، والضَّميران للقَدَمَيْن وإن لم يَتَقَدَّمْ لهما ذكرٌ، أو أرادَ النَّعلين [أي]: ليُنْعِلْهُما أو ليَحْتَفِ منهما.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي كرَاهِيَةِ أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ وَهُوَ قَائِمٌ]
1201 -
(1775) - (4/ 243) حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمَّارِ بْن أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ وَهُوَ قَائِمٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَى عُبَيْدُ اللهِ بْن عَمْرٍو الرَّقِّيُّ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَكِلَا الحَدِيثَيْنِ لا يَصِحُّ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ، وَالحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ بِالحَافِظِ، وَلا نَعْرِفُ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَصْلًا.
• قوله: "وَهُوَ قَائِمٌ": قيل: أي: في الصَّلاة، وقيلَ: مخصوصٌ بما إذَا لَحِقَه مَشَقَّةٌ في لَبْسِه قائمًا كالخُفِّ والنِّعَال التي يُحتاجُ إلى شدِّ شِرَاكِهما.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي [الْمَشْي فِي] النَّعْلِ الوَاحِدَاةِ
1202 -
(1777) - (4/ 244) حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُوليُّ كُوفِيٌّ، حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ البَجَلِيُّ الكُوفِيُّ، عَنْ لَيثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:"رُبَّمَا مَشَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ".
• قوله: "رُبَّمَا مَشَي": قيل: إنْ صحَّ فنَادرٌ اتَّفَقَ في دارِه لسَبِبٍ، أو لِيُعْلَمَ أن النَّهيَ للتَّنْزيه، أو ليُعْلَمَ أن النَّهي مختصٌ بمَسَافةٍ يلحقُ التَّعبُ لا في قليلٍ كالمَشْي إلى مَسجدٍ قريبٍ. وفي روايةِ ابن عبد البَرِّ في التَّمهيدِ "رُبَّمَا انْقَطَعَ شِسْعُ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَمْشِي فِي النَّعْلِ الوَاحِدَةِ حَتَّى يُصْلَحَ"
(1)
وهذا يدلُّ على أنَّه كان للضَّرورةِ، فيُحْمل النَّهْيُ على عدم الضَّرورةِ - والله أعلم - ولعلَّه مع ذلك في البيتِ.
(1)
راجع: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر: 18/ 179.
بَابُ مَا جَاءَ بأَيِّ رِجْلٍ يَبْدَأُ إذَا انْتَعَلَ؟
1203 -
(1779) - (4/ 244 - 245) حَدَّثَنَا الأنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ،
(ح)، وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأ بِاليَمِينِ، وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، فَلْتكُنِ اليُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ، وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَوَّلَهُما": - بالنَّصب - على خَبر "تَكُن".
• قوله: "تُنْعَلُ": على بناءِ الفاعل بلفظِ التَّذكير مِنْ أنْعَلَ، أو نَعَلَ، أو على بناء المفعول بلفظ التَّأنيث وهو حالٌ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرْقِيعِ الثَّوْبِ
1204 -
(1780) - (4/ 245) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ، وَأَبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِب، وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأغْنِيَاءِ، وَلا تَسْتَخْلِعِيْ ثَوْبًا حتى ترقِّعِيهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْن حَسَّانَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: صَالِحُ بْن حَسَّانَ مُنْكَرُ الحَدِيثِ، وَصَالِحُ بْن أَبِيْ حَسَّانَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثِقَةٌ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَمَعْنَى قَوْلهِ: "وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأغْنِيَاءِ"، هوَ نَحْوُ مَا رُوِيَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال:"مَنْ رَأى مَنْ فُضِّلَ عَليْهِ فِي الخَلْقِ وَالرِّزْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لا يَزْدَرِيَ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِ". وَيُرْوَى عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: صَحِبْتُ الأغْنِيَاءَ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَكْبَرَ هَمًّا مِنِّي، أَرَى دَابَّةً خَيْرًا مِنْ دَابَّتِي، وَثَوْبًا خَيْرًا مِنْ ثَوْبِي، وَصَحِبْتُ الْفُقَرَاءَ فَاسْتَرَحْتُ.
• قوله: "وَلا تَسْتَخْلِقي"
(1)
، أي: لا تعُدِّي الثوبَ خَلِقًا، ولا تَطْرَحِيه بمُجَرَّدِ أنَّه خَلِق جُزْءٌ منه، بل ارْقَعِيْه واسْتَعْمِلِيْه حتى يَخْلقَ كلُّه.
(1)
هكذا في المخطوط، ولكن في نسخة أحمد شاكر للترمذي "لا تَسْتَخْلِعِي" كما هو المذكور في متن الحديث، ولعل ذلك يرجع إلى فوارق النسخ.
قال ابن العربي: لأنَّه إذا خَلِقَ جزءٌ منه كان طَرْحُ كلِّه من الكبر والمُباهَاة والتَّكاثُر من الدُّنيَا، وإذا وقعه كان بعكس ذلك كلِّه
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 7/ 201.
[بَابٌ فِي مَبْلَغِ الإزَارِ]
1205 -
(1783) - (4/ 247) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُسْلِمِ بْن نَذِيْرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعَضَلَةِ سَاقِي أَوْ سَاقِهِ، فَقَالَ:"هَذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَأَسْفَلَ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَلَا حَقَّ لِلإِزَارِ فِي الكَعْبَيْنِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، رَوَاه الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
• قوله: "بِعَضَلَةِ سَاقِي": - بفتحتين - كُلُّ عَصبةٍ معها لحمٌ غليظٌ.
[بَابُ العَمَائِمُ عَلَى القَلَانِسِ]
1206 -
(1784) - (4/ 247 - 248) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي الحَسَنِ العَسْقَلَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْن مُحَمَّدِ بْن رُكانَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رُكَانَةَ صَارَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رُكَانَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ فَرْقَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ المُشْرِكينَ العَمَائِمُ عَلَى القَلانِسِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُه لَيْسَ بِالقَائِمِ، وَلا نَعْرِفُ أَبَا الحَسَنِ العَسْقَلَانِيَّ وَلا ابْنَ رُكَانَةَ.
• قوله: "صَارَعَ"، أي: قَصدَ كلٌّ منها أن يَطْرحَ صاحبَه على الأرض. "فَصَرَعَهُ"، أي: طَرَحَه - على الأرض وغَلبَه صلى الله تعالى عليه وسلَّم.
• قوله: "عَلَى القَلَانِسِ": قال القاضي ابنُ العربي: السُّنَّةُ أن تُلْبَس القَلنسوةُ والعِمَامة، فأمَّا لبسُ القلنسوةِ وحدَها فهو زِيُّ المشركين، وأمَّا لبسُ العَمائم على غَير قلنسوةٍ فهو غيرُ ثابتٍ لأنَّها مُخِلٌّ لاسِيَّما عندَ الوُضوءِ، وبالقلنسوة تَشْتَدُّ
(1)
.
(1)
لم نعثر على هذه العبارة في عارضة الأحوذي لابن العربي.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي الخَاتَمِ الحَدِيدِ]
1207 -
(1785) - (4/ 248) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، وَأَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ:"مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ؟ "، ثُمَّ جَاءَهُ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ صُفْرٍ، فَقَالَ:"مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الأصْنَامِ؟ "، ثُمَّ أَتَاهُ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ:"ارْمِ عَنْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ "، قَالَ: مِنْ أي: شَيْءٍ أَتَّخِذُه؟ قَالَ: "مِنْ وَرِقٍ، وَلا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وفي البَاب عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمٍ يُكْنَى أَبَا طِيْبَةَ وَهُوَ مَرْوَزِيٌّ.
• قوله: "حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ"، أي: زِيُّ الكفَّار كما قيل، ويُمكن أنْ يكونَ حِلْيةَ أهل النَّار مستعارًا لسَلاسِلِهم. قيل: عَبْدُ اللهِ بْن مسلمٍ ضعيفٌ لا يُحْتَجُّ به، وإن كان الحديثُ محفوظًا يُحْمل المَنعُ على ما إذا كانَ حديدًا صرفًا لِمَا رُوِيَ "أن خَاتَمَه صلى الله تعالى عليه وسلَّم [كانَ] مِنْ حَديدٍ مَلْوِيٌّ عليه فِضَّةٌ"
(1)
وهذا أجودُ إسنادًا. والله تعالى أعلم.
(1)
راجع: سنن أبي داود، كتاب الخاتم، باب ما جاء في خاتم الحديد، ح:4224.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي أَحَبِّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم]
1208 -
(1787) - (4/ 249) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَني أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا الحِبَرَة.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "الحِبَرَة": كعِنبَة ضَرْبٌ من بُرُودِ اليَمن مخطَّطٌ، وهو بالنَّصب خبرُ كان.
• وقوله: "يَلْبَسُهَا": بتقدير "أنْ"، يَلْبَسها متَعَلِّق بـ "أحَبَّ"، أي: كان أحَبّها لأجل لُبْس الحِبَرة لاحتمالِ الوَسخ.
[كِتابُ الأطْعِمَةِ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ عَلى مَا كَانَ يَأْكُلُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
1209 -
(1788) - (4/ 250) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَني أَبِي عَنْ يُونُسَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:"مَا أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي خِوَانٍ، وَلا فِي سُكُرُّجَةٍ، وَلا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ" قَالَ: فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: فَعَلَامَ كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: "عَلَى هَذِهِ السُّفَرِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: وَيُونُسُ هَذَا هُوَ يُونُسُ الإِسْكَافُ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
• قوله: "خِوَانٍ": - بكَسْر الخَاء المُعْجَمة - المائدةُ قبلَ أنْ يُوْضَعَ عليها الطَّعَام. "وسُكُرُّجَةٍ": وهو - بمَضْمُومَاتٍ ثلاثٍ، وشدَّةِ واءٍ، وصُوِّب فتحُ الرَّاء - إناءٌ صغيرٌ يؤكلُ فيه الشَّيءُ القليلُ من الإدام، ويُوْضعُ الشَّهِيَّاتُ حَولَ الأطْعِمَة للتَّشَهِّي، وقيل: قِصَاعٌ صغارٌ، والأكلُ فيها تَكَبُّرٌ وهي كلمة فارسيةٌ.
• وقوله: "وَلا خُبِزَ": على بناءِ المفعول. و"مُرَقَّقٌ": - بتشديد القَاف المفتوحة - ما رقَّقَه الصَّانعُ، أي: جعلَه رقيقًا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَكْل الأرْنَب
1210 -
(1779) - (4/ 251) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْن زَيْدِ بْن أَنَسٍ، قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَلْفَهَا، فَأَدْرَكُتُهَا فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا بِمَرْوَةٍ، فَبَعَثَ مَعِي بِفَخِذِهَا أَوْ بِوَرِكِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، "فَأَكلَهُ"، قَالَ: قُلْتُ: أَكلَهُ؟ قَالَ: "قَبِلَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ جَابِرٍ، وَعَمَّارٍ، وَمُحَمَّدِ بْن صَفْوَانَ، وَيُقَالُ: مُحَمَّدُ بْنُ صَيْفِيٍّ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكثَرِ أَهْلِ العِلْمِ: لا يَرَوْنَ بِأَكْلِ الأرْنَبِ بَأْسًا، وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَكْكَ الأرْنَبِ، وَقَالُوا: إِنَّهَا تُدْمِي.
• قوله: "أَنْفَجْنَا": - بنونٍ، وفاءٍ، وجيم - من الإنْفَاج وهو التَّهيِيْجُ والإثَارةُ.
• قوله: "بِمَرْوَةٍ": - بفتح المِيم، وسكون راءٍ - حَجرٌ أبيض محدَّدُ الطَّرفِ.
• قوله: "قَبِلَهُ": يريدُ أن القبولَ في مثلِه سببٌ للأكل و [وسبب]
(1)
عليه، فوقع التَّعبيرُ عن القَبول للأكل لذلك.
(1)
كذا في المخطوط، والصحيح - والله أعلم - دليلٌ عليه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَكْل الضَّبُعِ
1211 -
(1792) - (4/ 253) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيم بْن أَبِي المُخَارِقِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ حِبَّانَ بْن جَزْءٍ، عَنْ أَخِيهِ خُزَيْمَةَ بْن جَزْءٍ، قَالَ: سَألْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الضَّبُعِ، فَقَالَ:"أَوَ يَأْكُلُ الضَّبُعَ أَحَدٌ؟ "، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الذِّئْبِ؟ فَقَالَ:"أَوَيَأْكُلُ الذِّئْبَ أَحَدٌ فِيهِ خَيْرٌ؟ ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُه بِالقَوِيِّ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْن مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي إِسْمَاعِيلَ، وَعَبْدِ الكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَهُوَ: عَبْدُ الكَرِيمِ بْنُ قَيْسِ بْن أَبِي المُخَارِقِ، وَعَبْدُ الكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الجُزَرِيُّ ثِقَةٌ.
• قوله: "وَسَأَلْتُهُ عَنِ أكْل الذِّئْبِ
…
" إلخ، سَوقُ الحديثِ يُفيدُ أن الضَّبُع مستقذرٌ طبعًا، والذئبُ دينًا. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي لُحُومِ الحُمُر الأهْلِيَّةِ
1212 -
(1795) - (4/ 254 - 255) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَالمُجَثَّمَةَ، وَالحِمَارَ الإِنْسِيَّ".
قَالَ: وَفِي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَجَابِرٍ، وَالبَرَّاءِ، وَابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَأَنَسٍ، وَالعِرْبَاضِ بْن سَارِيَةَ، وَأَبِي ثَعْلَبَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُه عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرو هَذَا الحَدِيثَ، وَإنَّمَا ذَكرُوا حَرْفًا وَاحِدًا: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ.
• قوله: "وَالمُجَثَّمَةَ": - بفتح الجيم، والثَّاء المثلَّثةِ المشدَّدة - كلُّ حَيوانٍ يُنْصَب ويُرْمَى ليُقْتَل.
• "والإِنْسِيَّ": - بكسر الهَمزةِ، وسكونِ النُّونِ - نِسبةٌ إلى الإنْس لاخْتِلالِه بالنَّاس بخِلافِ حِمَارِ الْوُحُوْش وقَدِ اشْتَهر، وقد تُضَمُّ الهمزةُ فبكونُ نسبةٌ إلى الأنْس ضِدَّ الوَحْشة، وقد تُفْتحُ الهمزة والنون، فيكون نسبةٌ إلى الأنَس مصدرُ أنِسْتُ به.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الأَكْلِ فِي آنِيَةِ الكُفَّارِ
1213 -
(1797) - (4/ 255 - 256) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْن يَزِيدَ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ العَيْشِيُّ، حَدَّتنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ، وَقتَادَةَ، عَنْ أبِي قِلابَةَ، عَنْ أبِي أسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ أبِي ثعْلبَة الخشنِيِّ، أَنَّهُ قال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا بِأَرْضِ أَهْلِ الكِتَابِ فَنَطْبُخُ فِي قُدُورِهِمْ، وَنَشْرَبُ فِي آنِيَتِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالمَاءِ"، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا بِأَرْضِ صَيْدٍ فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كلْبَكَ المُكَلَّبَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّبٍ فَذُكِّيَ فَكُلْ، وَإِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ، وَذَكرْتَ اسْمَ اللهِ، فَقَتَلَ فَكُلْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا": فيه استحبابُ الاحتِراز من آنِيَتِهم مع وجودِ الغَير، إذا الكلامُ فيما يستعملون فيه الأشياءَ النَّجِسَة، والاحترازُ عنها أحسن.
• وقوله: "فَأرْحَضُوهَما": - بفتح الحَاء المهملةِ، والضَّاد المُعجمَة - أي: اغْسِلوها من رَحَضَه كمنعه: غَسَله.
• "والمُكَلَّب": - بفتح اللام المشددَّة - أي: المُعَلَّم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ
1214 -
(1798) - (4/ 256 - 257) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُومِيُّ، وَأَبُو عَمَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ، فَسُئِلَ عَنْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ مَيْمُونَةَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَصَحُّ، وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه وَهُوَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْن إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: وَحَدِيثُ مَعْمَر عَن الزُّهْريِّ عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّب عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَذكرَ فِيهِ أَنَّهُ سُئِل عَنْهُ، فقال:"إذا كَانَ جَامِدًا فألقوهَا وَمَا حَوْلهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلا تَقْرَبُوهُ"، هَذا خَطأٌ أخْطأ فِيهِ مَعْمَرٌ قال: وَالصَّحِيحُ حَدِيثٌ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ.
• قوله: "أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا"، أي: إذَا كان جامدًا كما في حديث أبي هريرةَ: "إنْ كَانَ جَامِدًا فَألْقُوْهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوْه، وَإنْ كَانَ مَائِعًا فَأرِيْقُوْهُ"
(1)
.
قال المفسِّرون: قوله: "وَمَا حَوْلَهَا"، يدلُّ على أنَّه [كان] جامدًا إذ لو كان مائعًا لَمَا كان له حولٌ، يعنى فلا حاجةَ إلى قَيدٍ زائدٍ في الكلام، والمرادُ بما حولَها ما يظهر وصولُ الأثر إليه، ففيه تفويضٌ إلى نظر المُكَلَّف في أمثالِه.
(1)
راجع: سنن أبي داود، كتاب الأطعمة، باب: في الفارة تقع في السمن، ح:3842.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْي عَنِ الأكْل وَالشُّرْب بالشِّمَالِ
1215 -
(1799) - (4/ 258 - 257) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا يَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلا يَشْرَبْ بِشِمَالِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ جَابِرٍ، وَعُمَرَ بْن أَبِي سَلَمَةَ، وَسَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ، وَأَنَسِ بْن مَالِكٍ، وَحَفْصَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَكَذَا رَوَى مَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَى مَعْمَرٌ، وَعُقَيْل عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرِوَايَةُ مَالِكٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ أَصَحُّ.
• قوله: "لا يَأْكُلْ": يحتملُ النَّهْي، والنَّفْي بمعنى النَّهْي، وعلى كُلِّ تَقديرٍ يَجْري الوَجْهان في:"لا يَشْرَب"، فالوجوهُ أربعةٌ، وحَمْلُها على التَّوافق أوْلى وأحْرَى. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي لَعْقِ الأصَابعِ [بَعْدَ الأكْلِ]
1216 -
(1801) - (4/ 258) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْن أَبِي الشَّوَارِبِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْن المُخْتَارِ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لا يَدْرِي فِي أَيَّتِهِنَّ البَرَكَةُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ جَابِرٍ، وَكَعْبِ بْن مَالِكٍ، وَأَنَسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ العَزِيزِ مِنَ الْمُخْتَلفِ لا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ.
• قوله: "فَلْيَلْعَقْ": من لَعِقَ كسَمِع.
• قوله: "فِي أَيَّتَهِنَّ": الظَّاهرُ في أيَّةِ أصْبُعٍ من أصَابعه فيكون تعليلًا للَعْق الأصابع كلِّها، أي": لا يَقْتَصِر على بعضِها. وكلامُ القاضي يفيدُ أنَّ المعنى في أيَّةِ لُقْمةٍ من اللُّقَم، أي: البَركةُ في اللُّقَم التي الْتُقِمَتْ من الطَّعام أو التي بَقِي منها على الأصابع
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 7/ 224.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اللُّقْمَة تَسْقُطُ
1217 -
(1803) - (4/ 259) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ، وَقَالَ:"إِذَا مَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأذَى وَلْيَأْكلْهَا وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلِتَ الصَّحْفَةَ"، وَقَالَ:"إِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ فِي أيِّ: طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ": والاقتصارُ على الثَّلاثِ؛ لأنَّه كان بِها يأكلُ كما في الحديث.
1218 -
(1804) ب (4/ 259 - 260) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، أَخْبرنَا أَبُو اليَمَانِ المُعَلَّى بْن رَاشِدٍ، حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أُمُّ عَاصِمٍ، وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِسِنَانِ بْن سَلَمَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا نُبَيْشَةُ الخَيْرِ. وَنَحْنُ نَأْكُلُ فِي قَصْعَةٍ، فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ أَكَلَ فِي قَصْعَةٍ ثُمَّ لَحِسَهَا اسْتَغْفَرَتْ لَهُ القَصْعَةُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ المُعَلَّى بْن رَاشِدٍ، وَقَدْ رَوَى يَزِيدُ بْن هَارُونَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأئِمَّةِ عَنِ المُعَلَّى بْن رَاشِدٍ هَذَا الحَدِيثَ.
• قوله: "نُبَيْشَةُ الخَيْرِ": - بمعجمة مصَغَّرًا - ابن عَبْدِ الله، صحابيٌّ جليلٌ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي [كَرَاهِيَةِ] أَكْلِ الثُّومِ وَالبَصَلِ
1219 -
(1806) - (4/ 261) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا عَطَاء عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ"، قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ:"الثُّومِ"، ثُمَّ قَالَ:"الثُّومِ، وَالبَصَلِ، وَالكُرَّاثِ، فَلَا يَقْرَبْنَا فِي مَسْجِدِنَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَجَابِرِ بْن سَمُرَةَ، وَقُرَّةَ بْن إِيَاسٍ المُزَنِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ.
• قوله: "فَلا يَقْرَبْنَا": من قَرِبَ كسَمِع، أي: دَنَا منه وهو - بسكون الباء، أو فتحها مع تشديدِ النُّون - والنُّون يحتمل أن تكونَ خفيفةً مُدْغَمَةً في نونِ الضَّمير، وأن تكونَ ثقيلةً حُذِفَتْ إحدى النُّوناتِ الثَّلاثِ تخفيفًا، وعلى التَّقاديرِ هو نَهيٌ، ويمكنُ ضَمُّ الباءِ على أنَّه نفيٌ بمعنى النَّهْي.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي أكْل الثُّوْمِ مَطْبُوْخًا
1220 -
(1807) - (4/ 261 - 260) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أنْبَأنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْب، سَمِعَ جَابِرَ بْن سَمُرَةَ، يَقُولُ: نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي أَيُّوبَ وَكَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا بَعَثَ إِلَيْهِ بِفَضْلِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ يَوْمًا بِطَعَامٍ وَلَمْ يَأكُلْ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَتَى أَبُو أَيُّوبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"فِيهِ ثُومٌ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: "لا، وَلَكِنِّي أَكَرَهُهُ مِنْ أَجْلِ رِيحِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَكَانَ"، أي: النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلَّم إذا أكل طعامًا ما. "بعث إليه"، أي: إلى أبي أيوبَ "بفَضْلِه".
• وقوله: "بطَعَامٍ"، أي: بكُلِّه، وإرجاعُ الضَّمير على هذا الوجهِ مِمَّا هو صريحٌ في روايةِ مسلمٍ
(1)
، وفيه استحبابُ الفَضلِ بـ "يُوَاسِيْ بِهِ" من بعدِه سِيَّمَا إذَا كان مِمَّا يُتبرَّك به، ويتأكد هذا في الضَّيف سِيَّما إذا كان عادتُهم أن يخرجوا كل ما عندهم.
(1)
راجع: صحيح مسلم، كتاب الأشربة، باب: إباحة أكل الثوم، وأنه ينبغي لمن أراد خطاب الكبار تركه، وكذا ما في معناه، ح:2053.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخْمِير الإنَاءِ، وَإطْفَاءِ السِّرَاجِ، وَالنَّارِ عِنْدَ المَنَامِ
1221 -
(1812) - (4/ 263) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَغْلِقُوا البَابَ، وَأَوْكئُوا السِّقَاءَ، وَأَكفِئُوا الإِنَاءَ، أَوْ خَمِّرُوا الإِنَاءَ، وَأَطْفِئُوا المِصْبَاحَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَفْتَحُ غَلَقًا، وَلا يَحُلُّ وِكَاءً، وَلا يَكْشِفُ آنِيَةً، وَإِنَّ الفُوَيْسِقَةَ تَضْرِمُ عَلَى النَّاسِ بَيْتَهُمْ".
قَالَ: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ.
• قوله: "أَغْلِقُوا": من الإغْلاقِ وهو مقيَّدٌ باللَّيل كما جاء في الحديثِ و"أوْكُوْا"
(1)
بفتح الهَمْزةِ، وضَمِّ الكاف.
• "والسِّقَاءَ": - بكسر السِّين - القِرْبةُ، أي: شُدُّوْا رأسَها، وارْبطوه بالوكَاء: وهو الخَيْط.
• "وَأَكْفِئُوا": - روي بقَطْع الهمزةِ، وكسر الفَاء، وبوَصْلِها وضَمِّ الفاءِ، أو بعدَها ألف بهمزةٍ - أي: أقْلبُوا الإناءَ واجعلُوْه على فَمِه. "وخَمِّرُوا": من التَّخْمير، أي: غَطُّوه.
(1)
راجع: صحيح البخاري، كتاب الأشربة، باب: تغطية الإناء، ح: 5624، وصحيح مسلم، كتاب الأشربة، باب: الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب .... ، ح: 2012، وسنن ابن ماجة، كتاب الأشربة، باب: تخمير الإناء، ح:3410.
• "وَأَطْفِئُوا": من الإطْفاء، "المِصْبَاحَ": السِّراجُ.
• قوله: "غَلَقًا": - بفتحتين - أي: بابًا مغلوقًا.
• وقوله: "وَلا يَحُلُّ": بفتح الياء وضَمِّ الحَاء، "وِكَاءً": - بكسر الواو - أي: خيطًا رُبِط [به] فَمُ القِرْبَة، وكلُّ ذلك إذا ذكر اسمُ الله تعالى كما يفيدُه الأحاديث.
• "والفُوَيْسِقَةَ": بالتَّصغير للتَّحْقير، والمراد الفأرة سُمِّيَتْ فُوَيْسِقَةُ؛ لكونِها من المؤذِيَات. وقوله:"تُضْرِمُ"
(1)
: - بضم التاء، وكسر الراء - أي: تُوْقَد.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "تَضْرِمُ" بفتح التاء وكسر الراء، كما في متن الحديث المذكور.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ القِرَان بَيْنَ التَّمْرَتَيْن
1222 -
(1814) - (4/ 264) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَبَلَةَ بْن سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْرِنَ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ صَاحِبَهُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَنْ يُقْرِنَ": على بناءِ الفاعل من قَرَن كنصر، وأقرنَ بين الشَّيْئين إذا جَمَع بينها، والضّمير للأكل، والمرادُ بالصَّاحب الذي يأكل معه واحدًا أو أكثر.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِحْبَاب التَّمْر
1223 -
(1815) - (4/ 264 - 265) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُهَيْلِ بْن عَسْكَرٍ البَغْدَادِيُّ، وَعَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالّا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَيْتٌ لا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ سَلْمَى امْرَأَةِ أَبِي رَافِعٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، قَالَ: وَسَأَلْتُ البُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: لا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاه غَيْر يَحْيَى بْن حَسَّانَ.
• قوله: "جِيَاعٌ أَهْلُهُ": جمعُ جائِعٍ. قال القَاضي: لأنَّ التَّمرَ كان قوتَهم فإذَا خلا منها البيتُ جاعَ أهلُه، ولعلَّ كلَّ بلدةٍ بالنَّظر إلى قُوْتِهم يقولون كذلك
(1)
.
وقال الطيبيُّ: لعلَّه حثَّ على القَناعةِ في بلادٍ كثُر فيها التَّمر، أي: من قَنع به لا يجوعُ، وقيل: هو تفضيلٌ للتمر
(2)
. قلتُ: وهذا هو الموافقُ لكلام المصنِّف.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 8.
(2)
راجع: الكاشف عن حقائق السنن: 9/ 2847، ح:4179.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الحَمْدِ عَلَى الطَّعَامِ إذَا فُرغَ مِنْهُ
1224 -
(1816) - (4/ 265) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ الله لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأكُلَ الأكْلَةَ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ، فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَاه غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زَكَريَّا بْن أَبِي زَائِدَةَ نَحْوَه، وَلا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَةَ.
• قوله: "الأكلَةَ والشَّرْبَةَ": - بالفتح - للمرَّة سواء أكانَ المأكولُ والمشروبُ قليلًا أو كثيرًا. "والأُكلَةَ": - بالضم - اللُّقْمةُ، والحملُ عليه يَقتضِي أن يحمدَ بعدَ كُلِّ لقمةٍ وبينَ كُلِّ شربتَيْن والمعهودُ الأوَّل، وإليه تُشِيرُ ترجمةُ الباب. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ المُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ [وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ]
1225 -
(1818) - (4/ 266 - 267) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الكَافِرُ يَأْكلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالمُؤْمِنُ يَأْكلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَفِي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي نَضْرَةَ الْغِفَارِيِّ، وَأَبِي مُوسَى، وَجَهْجَاهٍ الغِفَارِيِّ، وَمَيْمُونَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو.
• قوله: "سَبْعَة أَمْعَاءٍ": جمعُ مِعًى - بكسر الميم، والقَصْر - كعِنَبٍ وأعنابٍ وهي المَصَارين، قالوا: هي سبعةٌ ولا ثامنَ لها -، والمعنى: أنَّ شأنَ المؤمن التَّقلُّلَ في الأكل لاشْتِغَاله بأسبابِ العِبَادةِ، وعُلِمَ أن قصدَ الشَّرع من الأكلِ سَدُّ الجُوعِ، والعونُ على العِبَادة، وبخَشْيةٍ من الحِسَاب. والكافرُ بخلافِ ذلك وهذا أحسنُ ما قيلَ في تأويل الحَديثِ، والأقربُ الأشبهُ بمَوْردِ الحديثِ أن المؤمنَ بسببِ ذكرِ اللهِ وبركةِ الإيمانِ يُبَارَك في قليلِه فيكفيه بخلافِ الكافر. والله أعلم.
1226 -
(1819) - (4/ 267) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَافَهُ ضَيْفٌ كَافِرٌ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ، حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ
سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ أَصْبَحَ مِنَ الغَدِ فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ، فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"المُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ.
• قوله: "حِلَابَ": بكسر الحَاء.
بَابُ مَا جَاءَ فِي طَعَامِ الوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْن
1227 -
(1820) - (4/ 267 - 268) حَدَّثَنَا الأنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ حَدَّثَنَا مَالِكٌ.
(ح)، وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةَ، وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كافِي الأرْبَعَةَ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّتنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا.
• قوله: "كَافِي الثَّلَاثَةَ": فيه إرشادٌ إلى الاقْتصَادِ في الأكلِ، وحثٌّ على التَّصَدُّق ومشارَكةِ الفُقَرَاء في الأكل، أي: ما أعَدَّه اثنان لنَفْسِهما من الطَّعَام لو شارَكَهما فيه ثالثٌ لكَفَى الثَّلاثةُ أيضًا إذا كان من قَصْدِهم الاقتصادُ، [فسعى]
(1)
لهما مشاركةُ الثَّالثِ معهما. والله تعالى أعلم.
(1)
هكذا في المخطوط، والصحيح:"وسع لهما مشاركة الثالث".
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَكْل لُحُومِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا
1228 -
(1824) - (4/ 270) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَة عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَي الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.
• قوله: "الجَلَّالَةِ": - بفتح الجيم، وتشديدِ اللام - هي من الحَيْوانِ مَا تأكلُ العَذْرة. قيل: النَّهي للتَّنزيهِ، وقيل: إذا كان غالبُ عَلفُها منها حتى ظَهر على لَحْمِها، ولَبَنِها، وعَرْقِها يحرم أكلُها إلا بعد أن حُلِبَتْ أيَّامًا، وأمَّا إذا لم يظهر النتنُ فحلالٌ.
1229 -
(1825) - (4/ 270 - 271) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُجَثَّمَةِ، وَلَبَنِ الجَلَّالَةِ، وَعَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي البَاب عَنْ عَبْد الله بْن عَمْرٍو.
• قوله: "والمُجَثَّمَةِ": - بتشديد الثَّاء - المَصْبورةِ، وقد سبَقَتْ مرارًا.
• قوله: "من السِّقَاءِ": - بكسر السِّين - القِربةُ، والنَّهيُ عن ذلك قيل: محمولٌ على التَّنزيه لئلا يتَعَلَّق به روائحُ الأفواه، وشُرْبُه صلى الله تعالى عليه وسلَّم مِنْ فِيْه في بيتِ أمِّ سُليم محمولٌ على أنَّه صلى الله عليه وسلم طَيِّبٌ لا يحدثُ بشُرْبِه إلا الطِّيْبُ، وقيل: غيرُ ذلك. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الشِّوَاءِ
1230 -
(1829) - (4/ 272 - 273) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُف، أَنَّ عَطاءَ بْنَ يَسَارٍ أخْبَرَهُ، أَنَّ أُمَّ سَلمَة أَخْبَرَتهُ: أَنَّهَا قَرَّبَتْ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَنْبًا مَشْوِيًّا فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ وَمَا تَوَضَّأَ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الحَارِثِ، وَالمُغِيرَةِ، وَأَبِي رَافِعٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• "الشِّوَاء": بكَسْر الشِّين.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الأَكلِ مُتَّكِئًا
1231 -
(1830) - (4/ 273) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأقْمَرِ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا أنا فَلَا آكُلُ مُتَكِئًا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْد اللّه بْن عَمْرٍو، وَعَبْد الله بْن عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيحٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الأقْمَرِ، وَرَوَى زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِد، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وابْنُ سَعِيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْن الأقْمَرِ هَذَا الحَدِيثَ، وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ هَذَا الحَدِيثَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأقْمَرِ.
• قوله: "مُتَّكِئًا": الاتِّكاءُ هو أنْ يتمكنَ في الجُلُوسِ متَربِّعًا، أو يستوي قاعدًا على وطاءٍ، أو يُسْند ظَهْرَه إلى شيءٍ، أو يَضع [إحدى]
(1)
يدَيْه على الأرض، وكلّ ذلك. خِلافُ الأدبِ المَطلوب بحالِ الأكْل، وبَعْضُه فعلُ المُتكبِّريْن، وبعضُه فعلُ المُكْثرينَ من الطَّعام.
قال الطيبي: وليس المرادُ بالاتِّكاءُ المَيل والاعْتمادُ على أحدِ جَانِبَيه كمَا يحسبُه العامةُ، ومَنْ حَمَل عليه تأوَّلَه على مذهبِ الطِّبِّ فإنَّه لا يَنْحدِرُ في مَجَاري الطَّعام سَهْلا، ولا يُسِيْغُه هَنِيًّا وربما يتأذَّى به
(2)
.
(1)
ما بين المعقوفين زدناه من حاشية السندي على سنن أبي داود، المسمى بـ "فتح الودود": 3/ 723.
(2)
راجع: الكاشف عن حقائق السنن للطيبي: 9/ 2840، ح:4168.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فضْل الثَّريدِ
1232 -
(1834) - (4/ 275) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْن مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"كمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَة فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَنَسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "كمُلَ": كنَصَر وكرُم.
• وقوله: "إِلَّا مَرْيَمُ .... " إلخ، ليس المرادُ به الحَصْر، بل بيانُ القِلَّةُ وما ذكر فهو مذكورٌ على سبيلِ التَّمْثيلِ فلا إشكالَ بفاطمةَ، وخديجةَ. والله تعالى أعلم.
• و"الثَّرِيدِ": أفضلُ طعامِ العَرب لأنَّه معَ اللَّحْم جامعٌ بينَ اللَّذَّةِ، والقوَّة، وسهولةِ التَّناوُل، وقلَّةِ المؤنةِ في المَضْغ، وفضائلُ عائشةَ أيضًا بوجوهٍ كحُسْن الخُلق، وفصاحةِ اللِّسَان، ورَزَانةِ الرأي ولهذا ذكر فضلَ عائشةَ بكلام مستقلٍّ، ولم يَعْطِف عائشةَ على السَّابقاتِ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ عَن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الرُّخْصَةِ فِى قطع اللَّحم بالسِّكِّين
1233 -
(1836) - (4/ 276 - 277) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْن عَمْرِو بْن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ رَأَى النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَزَّ مِنْ كَتِفِ شاةٍ فَأَكَل مِنْهَا ثمَّ مَضَى إِلى الصَّلاةِ وَلَمْ يتَوَضَّأ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وفي البَابِ عَنِ المُغِيرَةِ بْن شُعْبَةَ.
• قوله: "احْتَزَّ"، أي: قطَع منه لَحْمَها بسِكِّينٍ كذا فسَّرُوْا الاحتزازَ لغةً: القطعُ. قال القاضي: هذا لا ينافي ما سبَقَ من حديثِ: "انْهَسُوْا"، أي: ثَبتَ ذلك الحديثُ؛ لأنَّ ذلك الأمرَ إنما كان على معنى الطِبِّ إذ قَطْعُه بالضِّرْس والإصبع ألَذُّ وأهْنَأ وأمْرَأ
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 7/ 25.
بَابُ مَا جَاءَ فِى أَىِّ اللَّحْمِ كَانَ أَحَبَّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم
1234 -
(1838) - (4/ 277 - 278) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ عَبَّادٍ أَبُو عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنِ يَحْيىَ مِنْ وَلَدِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:"مَا كَانَ الذِّرَاعُ أَحَبَّ اللَّحْمِ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ كانَ لا يَجِدُ اللَّحْمَ إِلَّا غِبًّا فَكَانَ يَعْجَلُ إِلَيْهِ لِأنَّهُ أَعْجَلُهَا نُضْجًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "وَكَانَ"، أي: النبيُّ- صلى اللّه تعالى عليه وسلَّم-، "يَعْجَلُ":- بالتَّخفيفِ- أي: يُبَادِر وَيسْبَق، "إلَيْهِ"، أي: إلى الذِّراع، أو فكانَ الذِّراع يُعَجَّلُ- بالتَّشديدِ- في طَبْخِه وإصلاحِه، "إلَيْهِ"، أي: للحضور بينَ يديه صلى الله تعالى عليه وسلَّم.
بَابُ مَا جَاءَ فِى الخَلِّ
1235 -
(1839) - (4/ 278) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ سَعِيدٍ، هُوَ أَخُو سُفْيَانَ بْن سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ".
• قوله: "نِعْمَ الإِدَامُ": قيل: لأنَّه أقلُّ مؤونةً وأقربُ إلى القَناعَةِ، ولذا قَنَع به أكثرُ العارفين. قال القاضي: هو مدحٌ للاقتصادِ في المأكل
(1)
[قال النوويُّ: والصَّوابُ أنَّه مدحٌ للخَلِّ، والاقتصادُ في المأكل]
(2)
معلوم من قواعد [أخَر].
1218 -
(1841) - (4/ 279) حَدَّثَنَا أَبُو كرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"هَلْ عِنْدَكُمْ شَئٌ؟ " فَقُلْتُ: لَا، إِلَّا كِسَرٌ يَابِسَةٌ وَخَلٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"قَرِّبِيهِ، فَمَا أَقْفَرَ بَيْتٌ مِنْ أُدمٍ فِيهِ خَلٌّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَأَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ اسْمُهُ: ثَابِتُ بْن أَبِي صَفِيَّةَ، وَأُمُّ هَانِئٍ مَاتَتْ بَعْدَ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ بِزَمَانٍ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ قَالَ: لا أَعْرِفُ لِلشَّعْبِيِّ سَمَاعًا مِنْ أُمِّ هَانِئٍ، فَقُلْتُ: أَبُو حَمْزَةَ كيْفَ هُوَ عِنْدَكَ؟
(1)
راجع: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض اليحصبي: 6/ 538.
(2)
ما بين المعقوفين زدناه من حاشية السندي على سنن أبي داود، المسمى بـ "فتح الودود": 3/ 748.
فَقَالَ: أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَهُوَ عِنْدِي مُقَارِبُ الحَدِيثِ.
• قوله: "كِسَرٌ": ضُبِطَ بكَسْر الكافِ، وفَتح السِّين.
• قوله: "أَقْفَرَ":-بتَقْديم القَاف على الفَاء- أي: ما خَلا من الإدامِ، ولا عَدِمَ أهلُه الإدامَ.
• قوله: "أُدمٍ": جمعُ إدامٍ ككُتُب في كتابٍ.
• وقوله: "فِيْهِ خَلٌّ": صفةُ بيتٍ، وفُصِل بينَهما بأدْم.
بَابُ مَا جَاءَ فِى شُرْب أَبْوَالِ الإِبل
1236 -
(1845) - (4/ 281 - 282) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، وَثَابِتٌ، وَقَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا المَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا، فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَقَالَ:"اشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَنْسٍ، رَوَاه أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ.
• قوله: "عُرَيْنَةَ": بالتَّصغيرِ.
• قوله: "فَاجْتَوَوْهَما":-بالجيم- أي: كَرِهُوْهَا ولم يُوَافِقْهم هواءُها، وحَصَلَ لهم به مرضٌ.
بَابُ الوُضُوءِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْده
(1)
1237 -
(1847) - (4/ 282) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنَ الْخَلاءِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ، فَقَالُوا: أَلَا نَأْتِيكَ بِوَضُوءٍ؟ قَالَ: "إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلاةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاه عَمْرُو بْن دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْن الحُوَيْرِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: كانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَكْرَهُ غَسْلَ اليَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ، وَكَانَ يَكْرَه أَنْ يُوضَعَ الرَّغِيفُ تَحْتَ القَصْعَةِ.
• قوله: "بِوَضُوءٍ":- بفَتح الواو- أي: ماء الوضوء.
1238 -
(1848) - (4/ 283 - 284) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا العَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ أَبُو الهُذَيْلِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ عَنْ أَبِيهِ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ، قَالَ: بَعَثَنِي بَنُو مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِصَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ المَدِينَةَ فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا بَيْنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إِلَى بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ:"هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟ " فَأُتِينَا بِجَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالوَذْرِ، وَأَقْبَلْنَا نَأْكُلُ مِنْهَا، فَخَبَطْتُ بِيَدِي مِنْ نَوَاحِيهَا وَأَكلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَقَبَضَ بِيَدِهِ اليُسْرَى
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ فِي تَرْكِ الوُضُوءِ قَبْلَ الطَّعَامِ.
عَلَى يَدِي اليُمْنَى، ثُمَّ قَالَ:"يَا عِكْرَاشُ! كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ"، ثُمَّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانُ التَّمْرِ، أَوْ مِنْ أَلْوَانِ الرُّطَبِ -عُبَيْدُ اللّهِ شَكَّ- قَالَ: فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّبَقِ، وَقَالَ:"يَا عِكْرَاشُ! كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ"، ثُمَّ أُتِينَا بِمَاءٍ فَغَسَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِبَلَلِ كَفَّيْهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ وَقَالَ:"يَا عِكْرَاشُ! هَذَا الوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرُفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ العَلاءِ بْنِ الفَضْلِ وَقَدْ تَفَرَّدَ العَلاءُ بِهَذَا الحَدِيثِ، وَلا نَعْرِفُ لِعِكْرَاشٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا هَذَا الحَدِيثَ.
• قوله: "ثُمَّ أخَذَ بِيَدِيْ": قالَ القاضي
(1)
: هو نوعٌ من التوَدُّدِ والمعروفِ كالمُصَافَحة
(2)
.
• وقوله: "فأتِيْنَا": على بناءِ المفعولِ.
• "وَالْجَفْنَةُ":-بفتح الجيم، وسكون الفَاء- إناءٌ معروفٌ.
• وقوله: "وَالْوَذْرُ":-بفتح واوٍ، فسكونِ ذالٍ مُعْجَمة- قِطَع اللَّحمِ جَمعٌ، واحدُها وَذْرَةٌ.
• "وَالْخَبَطُ": فعلُ الشَّيء على غير نِظامٍ، والمرادُ إدْخَال اليدِ لا على وَجْهِه.
(1)
تأخرت هذه العبارة في المخطوط، وهي في صفحة 149 من المخطوط، وقد قدمناها لتقدم الحديث في نسخة أحمد شاكر للترمذي التي اعتمدنا عليها في ترقيم الأحاديث.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 30.
• وقوله: "فَقَبَضَ بِيَدِهِ الْيُسْرَىْ": قال القاضي: يحتملُ أنَّه كانَ على يَسَار النبيِّ - صلى الله تعالى عليه وسلَّم-، فكان يدُه اليُسرَى أقربَ إليه تناوُلًا فتَناوَله بِها، أو تكون اليمنى فيها أثرُ الدَّسم فاستعملَ اليُسرى، وإنَّما قَبضَه ليكونَ زجرًا بالقَوْل والفِعْل فيكون أبلغ
(1)
.
• قوله: "فإنَّه طَعَامٌ وَاحِدٌ": إشارةٌ إلى أنَّه إذا كان صنعًا واحدًا لم يكن لجَوْلانِ اليدِ معنى إلا الشَّرَه والمَجَاعةُ، وإذا كان ألوانٌ كان جولانُ اليدِ له معنى وهو اختِيارُ ما يستطابُ منه.
• وقول المصنف: "وَفِي الْحَدِيْتِ قِصَّةٌ": قال القاضي: لما وَردَ عكراشُ على النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أنَا عكراش من ذؤيبِ بْن حُرْقُوص بْن جَعدة بْن عمرو بْن النزَّال بْن مُرَّة بْن عبيدٍ، قال: وإنما أمرَه صلى الله عليه وسلم برفع نَسْبه لِيُعَرِّفَ بنفسِه، ويُزِيْل عنه إشكالَ الاشتراكِ مع غيره فيه. انتهى
(2)
.
(1)
عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 30.
(2)
المرجع السابق:8/ 30.
بَابُ مَا جَاءَ فِى أَكْلِ الدُّبَّاءِ
1239 -
(1849) - (4/ 284) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْن صَالِحٍ عَنْ أَبِي طَالُوتَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْن مَالِكٍ وَهُوَ يَأْكُلُ القَرْعَ وَهُوَ يَقُولُ: "يَا لَكِ شَجَرَةً مَا أُحِبُّكِ إِلَّا لِحُبِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِيَاكِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ حَكِيمِ بْن جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "القَرْعَ":- بفتح، فسكون- الدُّباء.
• وقوله: "وَهُوَ يَقُولُ: يَا لَكِ شَجَرَةً مَا أحِبُّكِ إليَّ": هكذَا وقعَ في كثيرٍ من النُّسَخ، وهكذا ذكره القاضي ابنُ العربي في شَرْحه
(1)
، وفي بعض النُّسُخ "مَا أحَبَّكِ إلى رَسُوْلِ اللّهِ -صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَا أحَبَّكِ إليَّ
…
"
(2)
إلخ والله تعالى أعلم.
• قوله: "يَا لَكِ":- بفتح اللام، ووكسر الكاف- للتَّعَجُّب. "وشَجَرَةً": - بالنصب- على التَّمييز. "ومَا أحَبَّكِ": من صيغ التعجب.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي للقاضي ابن العربي: 8/ 32.
(2)
أثبتنا متن الحديث كما في نسخة أحمد شاكر للترمذي التي اعتمدنا عليها في إثبات متن الأحاديث، وأما شرح المصنف فحسب النسخ الأخرى.
بَابُ مَا جَاءَ، فِى أَكْلِ الزَّيْتِ
1240 -
(1851) - (4/ 285) حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَضْطَرِبُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الحَدِيثِ، فَرُبَّمَا ذَكَرَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرُبَّمَا رَوَاهُ عَلَى الشَّكِّ، فَقَالَ: أَحْسِبُهُ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرُبَّمَا قَالَ: عَنْ زيدِ بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعَمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عُمَرَ.
• قوله: "مُبَارَكَةٍ": ذكره القاضي في بَرَكاتِ الزَّيتِ أنَّه يقتلُ كلَّ حَيوانٍ ويدفعُ السُمَّ
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 33.
بَابُ مَا جَاءَ فِى الأَكْلِ المَمْلُوكِ [وَالعِيَال]
1241 -
(1853) - (4/ 286) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُخْبِرُهُمْ ذَاكَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيَأْخُذْ لُقْمَةً فَلْيُطْعِمْهَا إِيَّاهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو خَالِدٍ وَالِدُ إِسْمَاعِيلَ، اسْمُهُ: سَعْدٌ.
• قوله: "إِذَا كَفَى أَحَدَكُمْ": بالنَّصب، "خَادِمُهُ": بالرَّفْع، "طَعَامَه": بالنصب مفعولٌ ثانٍ، "حَرَّه ودُخَانَه": هما بالنَّصب بدلٌ عن طعامِه، أي: إذا فرَغ العبدُ من طَبْخ الطَّعام ينبغي لمَولاه أنْ يأخذَ بيده ليأكلَ معه، فإنْ أبَى المولى ذلك فلا أقلَّ من أن يُعْطِيَه لقمةً من ذلك الطَّعَام.
بَابُ مَا جَاءَ فِى فَضْل إطْعَامِ الطَّعَامِ
1242 -
(1854) - (4/ 286 - 287) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ المَعْنِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْن زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَاضْرِبُوا الهَامَ، تُورَثُوا الجِنَانَ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن سَلامٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَائِشَةَ، وَشُرَيْحِ بْن هَانِئٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "أَفْشُوا": بقَطع همزةٍ من الإفْشاء.
• "الهَامَ":- بتخفيف الميم- جمعُ هامةٍ، وهي الرَّأسُ، والمرادُ به قتالُ العدُوِّ في الجِهادِ.
• وقوله: "تُورَثُوا": على بناءِ المفعول من الإيراثِ والتَّوريثِ على حد {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
(1)
• "والجِنَانَ":- بكَسْر الجِيم- جمعُ جَنَّةٍ. وحُذِفَ نون "تُورَثُوا" لأنَّه جوابُ الأمر.
1243 -
(1855) - (4/ 287) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ
(1)
الزخرف: 72.
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اعْبُدُوا الرَّحْمَنَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلامَ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ". قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "بسَلَامٍ"، أي: سَالِمِين، أو يُسَلِّمُ بعضُكم على بعضٍ، أو يُسَلِّمُ عليكم الملائكةُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِى فَضْل العَشَاءِ
1244 -
(1856) - (4/ 287) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن مُوسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن يَعْلَى الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْن عَلَّاقٍ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم: "تَعَشَّوْا وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ حَشَفٍ، فَإِنَّ تَرْكَ العَشَاءِ مَهْرَمَةٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَعَنْبَسَةُ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بْن عَلَّاقٍ مَجْهُولٌ.
• قوله: "فَضْل العَشَاءِ":-بفَتح العَين- أي: طعامٌ يُؤكَل وقتَ العِشَاء.
• قوله: "الحَشَف":-بفتح حَاءٍ مُهملةٍ، وشِينٍ مُعْجمةٍ- أرْدَأ التَّمر.
• وقوله: "مَهْرَمَةٌ":-بفتح المِيْمَيْن، وسكونِ الهَاء- أي: مَظَنَّةُ الهَرم، قيل: هي كلمةٌ جاريةٌ على الألْسن ولا يُدْرَى أرسولُ اللهِ -صلى الله تعالى عليه وسلَّم- ابتدأها أمْ كانَتْ تُقَال قبلَه؟.
بَابُ مَا جَاءَ فِى التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ
1245 -
(1858) - (4/ 288 - 289) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ العُقَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ، فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللّهِ فِي أَوَّلهِ وَآخِرِه".
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ طَعَامًا فِي سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ أَعْرَابِىٌّ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسنٌ صَحِيحٌ. وأُمُّ كلْثُومَ هى بنتُ مُحَمَّدِ بن أبى بَكْر الصِّدِّيْق رضي الله عنه.
• "أمَا إنَّه": قال القاضي: أخْبَر أنَّه لم يُسَمِّ هذا الأعرابيُّ، فأكَلَ الشَّيْطانُ بيَدِه منه، فارْتَفع البركةُ عنه فلم يَكْفِهم لذلك، ولو سَمَّى لم يَكُنْ للشَّيْطان مَدْخَلٌ. انتهى
(1)
.
قلتُ: مقتضى الحديثِ أنَّ الجَماعةَ المُجْتَمِعَة على الأكْل لابدَّ لكلٍّ منهم من التَّسْمِيَة ولا ينبغي لبَعْضِهم الاكتفاءُ بتَسْمِية الأخَرينَ، وأنَّ البركةَ تَقِلُّ بتَركِ بعضِهم التَّسميةَ. واللّه تعالى أعلم.
(1)
عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 31.
أبْوابُ الأَشْربَةِ
(1)
[عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
[بَابُ مَا جَاءَ فِي شَارِبِ الخَمْر]
1246 -
(1861) - (4/ 290) حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيىَ بْنُ دُرُسْتَ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَابْن عَبَّاسٍ، وَعُبَادَةَ، وَأَبِي مَالِكٍ الأشْعَرِيِّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَاه مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَوْقُوفًا فَلَمْ يَرْفَعْهُ.
• قوله: "وَهُوَ يُدْمِنُهَا": مِنْ أدْمَنَ، أي: يُلازِمُها، والمرادُ أنَّه لم يَتُبْ منها كما في ووايةِ مالكٍ
(2)
.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كتاب الأشربة
…
(2)
راجع: موطأ الإمام مالك بن أنس: 4/ 177، ح:1686.
قال ابنُ العربي: شاربُ الخَمْر لا يَخلُوْ أنْ يتوبَ منها أو يموتَ بلا تَوبةٍ، فإنْ تابَ فالتَّائبُ من الذَّنْب كمن لا ذَنْبَ له، وإن لم يَتُبْ فالذي عليه أهلُ السُّنَّةِ أنَّ أمرَه إلى الله إنْ شاءَ عَاقَبه وإن شاءَ عَفَى عنه، فإن عاقَبه لم يكن مُخَلَّدًا في النَّار أبدًا، بل لابُدَّ له من الخُروج من النَّار بما معه من التَّوحيدِ، ومِنْ دُخولِ الجَنَّة، فإن دخلَ الجَنَّةَ فمذهبُ بعض الصَّحابةِ وأهلِ السُّنَّةِ أنَّه لا يشربُ الخَمْر في الجَنَّة لأنَّه اسْتَعْجَل ما أمِرَ بتأخِيْره ووُعِدَ به، فحُرِمَه عندَ مِيْقاتِه وهو موضعُ إشكالٍ، وعندي الأمر كذلك. انتهى
(1)
.
قلتُ: محلُّ الإشكالِ هو أنَّه كيف يكون كذلك مع قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ}
(2)
والجوابُ أنَّه يجورُ أنَّ الله تعالى يَصْرف شهاه عنها في الآخرةِ. واللّه تعالى أعلم.
1247 -
(1862) - (4/ 290 - 291) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِير بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن عُبَيْدِ بْن عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْن عُمَرَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبِ اللهُ عَلَيْهِ، وَسَقَاه مِنْ نَهْرِ الخَبَالِ" قِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! وَمَا نَهْرُ الخَبَالِ؟ قَالَ: نَهْرٌ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَبْدِ الله بْن عَمْرٍو، وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 40.
(2)
سورة فصلت: 31.
• قوله: "أَرْبَعِينَ صَبَاحًا": قال السُّيوطيُّ
(1)
: ذُكِر في حكمةِ ذلك أنَّها تَبْقَى في عُرُوْقِه وأعْضَائِه أربعينَ يومًا نقله ابنُ القيم
(2)
.
• قوله: "لَمْ يَتُبِ اللهُ عَلَيْهِ": لأنَّه كنايةٌ عن أنَّ اللهَ تعالى لا يُوفِّقُه للتَّوبةِ على وَجْهِها فلا يَقْبَل التوبةَ منه لذلك، أو لا يُوَفَّقُ للتَّوبهِ به أصلًا على أنَّ معنى "إنْ تَابَ" أوادَ أنْ يتوبَ، ومثله قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ}
(3)
.
وقال ابنُ العربي: وهذا مِمَّا لم يثْبُتْ ولا يُعَوَّل عليه فإنَّ اللهَ قد مَدَّ التَّوبةَ
(1)
راجع: قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي: 1/ 460.
(2)
هو: الشيخ الكبير، الإمام العلامة، المجتهد المطلق، المصنف المشهور، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حَريز الزَّرعي ثم الدمشقي، الفقيه الحنبلي، المفسر، النحوي، الأصولى، المتكلم، الشهير بـ"ابن قيم الجوزية"، ولد سنة إحدى وتسعين وست مائة، سمع الشهاب النابلسي وجماعة كثيرة دونَه، واشتغل بالعلم، وبرع في علوم متعددة، وتبَّحر فيها، وفاق الأقران، واشتهر في الآفاق، ولازم الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وغلب عليه حُبُّه حتى كان لا يخرج عن شيء من أقواله، بل ينتصر له في جميع ذلك، واعتُقِل مع ابن تيمة وأهِين، فلمَّا مات ابن تيمية أفْرِجَ عنه. وكان ذا عبادةٍ وتهَجُّدٍ، وطُول صلاةٍ إلى الغاية القُصوى، وتألُّهٍ، ولَهْجٍ بالذِّكر، وشَغفٍ بالمحبَّة والإنابة، والافتقار إلى اللّه تعالى والانكسار له، والاطِّراح بين يديه على عتبةِ عُبودِيَّتِه. وله تصانيف كثيرة، منها:"تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته"، و"منازل السائرين" وشرحه "مراحل السائرين"، و"بدائع الفوائد"، و"طرق السعادتين"، و"القضاء والقدر"، وكتاب "الداء والدواء"، و"زاد المعاد في هدي خير العباد"، و"جلاء الأفهام وفي الصلاة والسلام على خير الأنام"، وغير ذلك، وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف. توفي في الثالث عشر من رجب سنة إحدى وخمسين وسبع مائة. راجع لترجمته: شذرات الذهب: 8/ 287، الوافي بالوفيات: 2/ 195، البداية والنهاية: 18/ 523، الدرر الكامنة: 3/ 400، والبدر الطالع: 2/ 143.
(3)
آل عمران: 90.
إلى المُعَايَنةِ عندَ المَوْتِ وثَبَت الخَبرُ، وأمثاله لا يُلْتَفَتْ إليه. انتهى
(1)
. قلتُ: والتَّأويلُ الذي ذكرنَا أقرب من رَدِّ الخَبرِ.
• وقوله: "مِنْ نَهْرِ الخَبَالِ":-بفتح الخَاء المُعْجَمة- في الأصل: الفَسادُ. قال ابن العربي: فإن قيل: هذا يفيدُ القَطْع [بدُخُولِه النَّار وعُقوبَتِه فيها. قلنَا معناه يُسْقَى مِنْ طِيْنةِ الخَبَال] إنْ لَمْ يغفر اللهُ له بدليل قولِه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ}
(2)
[إنَّ للنَّفْس أو التَّاء للمبالغةِ]
(3)
.
(1)
راجع.: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 42.
(2)
المرجع السابق: 8/ 42.
(3)
هكذا في المخطوط، والظاهر أنه لا يرتبط بالسياق.
بَابُ مَا جَاءَ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ
1248 -
(1866) - (4/ 293) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى بْنُ عَبْدِ الأعْلَى عَنْ هِشَامِ بْن حَسَّانَ، عَنْ مَهْدِيِّ بْن مَيْمُونٍ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ المَعْنَى وَاحِدٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، مَا أَسْكَرَ الفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: قَالَ أَحَدُهُمَا فِي حَدِيثِهِ: "الحَسْوَة مِنْهُ حَرَامٌ". قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَاه لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الأنْصَارِيِّ نَحْوَ رِوَايَةِ مَهْدِيِّ بْن مَيْمُونٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ الأَنْصَارِيُّ اسْمُهُ عَمْرُو بْن سَالِمٍ، وَيُقَالَ: عُمَرُ بْن سَالِمٍ أيضًا.
• قوله: "الفَرَقُ":-بالفاءِ، وسكون الرَّاء- ثلاثةُ آصُعٍ، وقال ابنُ قتيبةَ: هو ثمانيةٌ وعشرون رطْلًا
(1)
، وبفتح الرَّاء ستة عشر.
• و"العَرَق":-بالعين، وفتح الرَّاء- خمسة عشر.
• و"الحَسْوَة": -بضم الحَاء، وسكون السين- الجُرْعَة من الشَّرابِ.
(1)
ونقل القاضي ابن العربي عن ابن قتيبة في عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: أنه أربع وعشرون رطلا، راجع: 8/ 45.
بَابُ مَا جَاءَ فِى نَبيذِ الجَرِّ
1249 -
(1867) - (4/ 293 - 294) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالا: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ طَاؤُوْسٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَبِيذِ الجَرِّ؟ فَقَالَ: "نَعَمْ"، فَقَالَ طَاؤُوْسٌ: وَالله إِنِّي سَمِعْتُهُ مِنْهُ.
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَسُوَيْدٍ، وَعَائِشَةَ، وابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "نَبِيذِ الجَرِّ":-بفَتْح الجيم، وتشديدِ الرَّاء- واحدُها جَرَّةٌ، وهي إناءٌ معروفٌ من آنيةِ الفَخَّار، وأرادَ المَدْهونَةَ لأنَّها أسرعُ في الشِّدَّةِ والتَّخَمُّر.
بَابُ مَا جَاءَ فِى كَرَاهِيَةِ أَنْ يُنْبَذَ فِى الدُّبَّاءِ وَالنَّقِير وَالحَنْتَم
1250 -
(1868) - (4/ 294 - 295) حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْن مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَاذَانَ، يَقُوُل: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَمَّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأوْعِيَةِ -أَخْبِرْنَاه بِلُغَتِكُمْ وَفَسِّرْهُ لنَا بِلُغَتِنَا- فَقَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الحَنْتَمَةِ وَهِيَ الجَرَّةُ، وَنَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَهِيَ القَرْعَةُ، وَنَهَى عَنِ النَّقِيرِ وَهُوَ أَصْلُ النَّخْلِ يُنْقَرُ نَقْرًا أَوْ يُنْسَحُ نَسْحًا، وَنَهَى عَنِ المُزَفَّتِ وَهِيَ المُقَيَّرُ، وَأَمَرَ أَنْ يُنْبَذَ فِي الأَسْقِيَةِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن يَعْمرَ، وَسَمُرَةَ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، وَعِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، وَعَائِذِ بْن عَمْرٍو، وَالحَكَمِ الغِفَارِيِّ، وَمَيْمُونَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَخْبِرْنَاهُ": ضَبَط بعضُهم على لفظِ المَاضي، وبعضُهم على لفظِ الأمْر.
• قوله: "نَهَى عَنِ الحَنْتَمَةِ": وهي جِرَارٌ مَدْهونةٌ تُحْمَل الخَمْرُ فيها إلى المدينةِ، والمرادُ أنَّه نَهى عن الانْتباذِ فيها لأنَّه [تستريحُ الشرة فيها]
(1)
.
• وقوله: "وعَنِ الدُّبَّاءِ"، أي: عن الانتباذِ وذلك لإسْراعِ الشِدَّةِ إليه في هذه الأوانِي.
(1)
هكذا في المخطوط وهو من خطأ الناسخ والصحيح: تستزيد الشدة فيها.
• وقوله: "يُنْسَحُ نَسْحًا": ذكر السيوطي: قال العراقيُّ سِماعُنا بالجيم، وكذا وقعَ في بعض نُسَخ مُسلمٍ. وقال القاضي عياض: إنَّه تصحيفٌ، والصَّوابُ بالحَاء المُهْملةِ، أي: نُقِرَ من القِشْر
(1)
. وقال ابنُ العربي: تقول: نسجتُ الثَّوبَ- بالجيم- ونَسَحْتُ- بالحَاء المُهملةِ- إذا نَحَتَّ العودَ حتى يصيرَ وعاءً ضابطًا لِمَا يُطْرَح فيه من طعامٍ أو شَرابٍ
(2)
.
• "والمُزَفَّتِ":- بضَمِّ الميم، وتشديدِ الفَاء المفتوحةِ- الظُّروفُ.
(1)
راجع: قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي: 1/ 461.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 48.
[بابُ مَا جَاءَ فِى الرُّخْصَةِ أَنْ يُنْبَذَ فِى الطُّرُوفِ]
1251 -
(1870) - (4/ 295 - 296) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْن أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الظُّرُوفِ"، فَشَكَتْ إِلَيْهِ الأَنْصَارُ، فَقَالُوا: لَيْسَ لنَا وِعَاءٌ، قَالَ:"فَلَا إِذَنْ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَلا إِذَنْ"، أي: فلا نَهْي إذن فرَخَّص لهم، ورَفَع النَّهْي عنهم تخفيفًا ودفعًا للحَرج. قال القاضي: فهذه الأحاديثُ تُثْبِتُ نَسْخَ النَّهْي عن الانتباذِ في ظُرُوْفٍ وَقَعَ النَّهيُ عنها، فلم يكُنْ بعدَ ذلك معنى للنَّظْر في الانتباذِ في هذه الأوانِي
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 49.
بَابُ مَا جَاءَ [فِى الِانْتِبَاذ] فِى السِّقَاءِ
1252 -
(1871) - (4/ 296) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يُونُسَ بْن عُبَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، عَنْ أُمِّهِ، عَن عَائِشَةَ قَالَتْ:"كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سِقَاءٍ يُوكأُ فِي أَعْلاهُ، لَهُ عَزْلَاءُ تَنْبِذُهُ غُدْوَةً وَيَشْرَبُهُ عِشَاءً، وَتَنْبِذُه عِشَاءً وَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْن عُبَيْدٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عَائِشَةَ أيضًا.
• قوله: "فِي سِقَاءٍ":- بكسر السِّين- القِرْبَةُ.
• وقوله: "يُوكَأُ": على بناءِ المفعول، أي: يُشَدُّ ويُرْبَطُ.
• و"عَزْلاءُ": هو -بفتح مُهْمَلةٍ، فسكون مُعْجَمةٍ ممَدْودةٍ- فمه الذي يُفْرغ منه الماءُ، والمرادُ فَمُه الأسفَل.
• "والعِشَاء":-بكسر العِين- الوَقْتُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِى الحُبُوب الَّتِى يُتَّخَذُ مِنْهَا الخَمْرُ
1253 -
(1875) - (4/ 297 - 298) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيُّ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو كثِيرٍ السُّحَيْمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوُل: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةُ وَالعِنَبَةُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو كثِيرٍ السُّحَيْمِيُّ هُوَ الغُبَرِيُّ، وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُفَيْلَةَ، وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ بْن عَمَّارٍ هَذَا الحَدِيثَ.
• قوله: "مِنْ هَاتَيْنِ"، أي: لا على وَجْه القَصْر عليها، بل على معنى أنَّه منهما ولا يَقْتَصِر على العِنَب. وقال القاضي: المقصودُ بيانُ ذلك لأهل المدينةِ، ولم يكن عندَهم مشروبٌ إلا من هذين النَّوعَيْن فلا يُعَارِضُ هذا ما تَقَدَّم
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: 8/ 49.
بَابُ مَا جَاءَ فِى خَليطِ البُسْر وَالتَّمْر
1254 -
(1876) - (4/ 298) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْن أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، "أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُنْبَذَ البُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "نَهَى أَنْ يُنْبَذَ البُسْرُ وَالرُّطَبُ
…
" إلخ، قيل: في وجهِ النَّهْي عن الجَمْع أنَّ أحدَهما يَشْتَدُّ بالآخر.
1255 -
(1877) - (4/ 298 - 299) حدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ البُسْرِ وَالتَّمْرِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا، وَعَنِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا، وَنَهَى عَنِ الجِرَارِ أَنْ يُنْبَذَ فِيهَا.
قَالَ وَفِي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَمَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أُمِّهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• "عَنِ الْجِرَارِ":-بكسر الجيم-[أرادَ المَدْهُونةَ لأنَّها]
(1)
يسرع إليها الإسكارُ.
(1)
الزيادة من حاشية السندي على سنن أبي داود، المسمى بـ "فتح الودود".
بَابُ مَا جَاءَ فِى كَرَاهِيَةِ الشُّرْب فِى آنِيَةِ الذَّهَب وَالفِضَّةِ
1256 -
(1878) - (4/ 299) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ، قَالَ: دمَممِعْتُ ابْنَ أَبِى لَيْلَى يُحَدِّثُ أَنَّ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَى، فَأَتَاهُ إِنْسَان بِإِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَرَمَاه بهِ، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُهُ فَأَبَى أَنْ يَنْتَهِيَ، "أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، وَلُبْس الحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ"، وَقَالَ:"هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَالبَرَّاءِ، وَعَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَالدِّيبَاجِ":- بكَسْر الدَّال على المَشهور- ما غَلُظَ من الحَرِير، وقيل: ما كانَ منقُوشًا منه.
• "هِيَ لَهُمْ"، أي: الكَفَرةُ بقرينةِ المُقابَلة بـ: "لَكُمْ"، وليس المرادُ بذلك أنَّها تُبَاحُ لهم وإنَّما المرادُ أنَّهم يَتَنَعَّمُوْنَ بِها.
بَابُ مَا جَاءَ فِى النَّهْيِ عَن الشُّرْب قَائِمًا
1257 -
(1881) - (4/ 300 - 301) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنِ الجَارُودِ بْن المُعلَّى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا.
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيث عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنِ الجَارُودِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَاةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنِ الجَارُودِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ضَالَّةُ المُسْلِمِ حَرَقُ النَّارِ".
وَالجَارُودُ هُوَ ابْنُ الْمُعَلَّى العَبْدِيُّ صَاحِبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيُقَالَ: الجَارُودُ بْنُ العَلاءِ أيضًا، وَالصَّحِيحُ: ابْنُ المُعَلَّى.
• قوله: "ضَالَّةُ المُؤمِن": الضَّالةُ: الضَّائِعةُ من كُلِّ ما يُقْتَني من الحَيوان وغيرِه. "وحَرَقُ النَّارِ":- بالتَّحريك- لَهَبُها، وقد يُسْكن، والمعنى: ضالَّةُ المؤمن إذا أخَذَها إنسانٌ ليَتَمَلَّكها أدَّتْه إلى النَّار.
بَابُ مَا جَاءَ فِى الرُّخْصَةِ فِى الشُّرْب قَائِمًا
1258 -
(1883) - (4/ 301) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:"رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ قَائِمًا وَقَاعِدًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "يَشْرَبُ قَائِمًا وَقَاعِدًا": قيل: هذا من باب تَعَارُض القَوْل والفِعْل، وفي مثله يُقدَّم القولُ. وقيل: النَّهْيُ لمعنى طِبِّيٍّ لا يَرجع إلى الدِّيْن وهو أنَّ الشُّربَ قاعدًا أهْنَأ وأنفعُ للبدنِ فالنَّهْي للتَّنْزيهِ، والفعل لبيانِ الجَوازِ وهو الأوْفَقُ بفعل الصَّحابةِ -رضي الله تعالى عنهم-.
بَابُ مَا جَاءَ فِى التَّنَفُّسِ فِى الإنَاءِ
1259 -
(1884) - (4/ 302) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَيُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بْن سَعِيدٍ عَنْ أَبِي عِصَامٍ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ ثَلاثًا وَيَقُولُ:"هُوَ أَمْرَأُ وَأَرْوَى".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَاه هِشَامٌ الدَّسْتُوَائيُّ عَنْ أَبِي عِصَامٍ، عَنْ أَنَسٍ ورَوَى عَزْرَة بْنُ ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَدنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ ثَلاثًا، حَدَّثَنَا بذلِكَ مُحَمَّدُ يْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَزْرَة بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ تتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ ثَلاثًا. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ": قيلَ: أريدَ به أنَّه لا يَشْربُه في نفسٍ وَاحدٍ، ولكنَّه يَقْطَعه ويَفْصِل الإناءَ عن فيه ويتَنفَّسُ بينَ ذلك، وحاصلُه: أنَّ معنى "يَتَنَفَّسُ في الإناء": في أثْناءِ شُرْبِه، وما سيجيءُ عن التَّنَفُّس في الإناء، فمعناه أنْ يَتَنَفَّسَ من غير إبَانةٍ عن الفَم فلا تَعارُضَ. وقيل: النَّهْي إنَّما هو نَهْي أدبٍ لِمَا يُخَافُ على الماءِ من التَّغَيُّرِ بواسطةِ بُخارِ المَعِدَة، أو بخُرُوْج الرِّيق من الفَم وتلك العِلَّةُ عَدِمَتْ في حَقِّه -صلى الله تعالى عليه وسلَّم-؛ لأنَّ رِيْقَه كان ألذَّ من الماءِ وأعطرَ من المِسْكِ.
بَابُ مَا جَاءَ في كرَاهِيَةِ النَّفْخِ في الشَّرَاب
1260 -
(1887) - (4/ 303 - 304) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَم، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونسَ عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، عَنْ أَيُّوبَ وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ، أنَّهُ سَمِعَ أبَا المُثَنَّى الجُهَنِيَّ يَذْكُرُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الشُّرْبِ، فَقَالَ رَجُلٌ: القَذَاةُ أَرَاهَا فِي الإِنَاءِ؟ قَالَ: "أَهْرِقْهَا"، قَالَ: فَإِنِّي لا أَرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: "فَأَبِنِ القَدَحَ إذنْ عَنْ فِيكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "القَذَاهُ": واحدةُ القَذَىِ -بفَتح القاف، والقصر- وهو ما يَقعُ في العَيْن والماءِ، والشَّراب من تُرابٍ أو تِبْنٍ أو وَسِخٍ ونحو ذلك.
• وقوله: "فَأَبِنِ": أمْرٌ من الإبَانة، أي: اقْطَعْه عن فيكَ وأبْعِدْهُ عنه.
بَابُ مَا جَاءَ في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ
1261 -
(1892) - (4/ 306) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْن جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ كبْشَةَ، قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَشَرِبَ مِنْ فِي قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ قَائِمًا فَقُمْتُ إِلَى فِيهَا فَقَطَعْتُه.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَيَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْن جَابِرٍ هُوَ أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن يَزِيدَ بْن جَابِرٍ، وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْهُ مَوْتًا.
• قوله: "فَقَطَعْتُهُ"، أي: لأحْفَظَه تَبَرُّكًا بأثَره صلى الله تعالى عليه وسلَّم.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الأيْمَنِينَ أَحَقُّ بالشَّراب
1262 -
(1893) - (4/ 306) حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بمَاءٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الأعْرَابِيَّ، وَقَالَ:"الَأيْمَنَ فَالأيْمَنَ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْن عَبَّاسٍ، وَسَهْلِ بْن سَعْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن بُسْرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "قَدْ شِيبَ":- بكَسْر الشِّيْن- أي: خُلِطَ.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ سَاقِىَ القَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا
1263 -
(1894) - (4/ 307) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"سَاقِي القَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "آخِرُهُمْ شُرْبًا": قال القاضي: هو أمْرٌ ثابتٌ عادةً وشرعًا، والحكمةُ فيه استحبابُ الإيثار، فلمَّا صارَ في يدِه اسْتَحَبَّ له أن يُقَدِّمَ غيرَه
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح التِّرمذي لابن العربي: 7/ 68.