الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبْوَابُ البرِّ وَالصِّلَةِ [عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ في برِّ الوَالِدَيْن
1264 -
(1897) - (4/ 309) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أُمَّكَ" قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمَّكَ" قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمَّكَ" قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ الأقْرَبَ فَالأقْرَبَ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَبَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيُّ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي بَهْزِ بْن حَكِيمٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَرَوَى عَنْهُ مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بْن سَلَمَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأئِمَّةِ.
• قوله: "مَنْ أَبَرُّ"- بفتح الباء- منَ البِرِّ: - بكَسْر الباء- وهو الإحْسَان. قال القاضي: هو مُراعَاتُ الحقوقِ الوَاجِبَةِ على المَرْءِ، والقِيامُ بها على الوجهِ المأمورِ به
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 72.
وفي "المجمع"
(1)
بِرُّ الوالدين ضِدُّ العُقوقِ وهو الإسَاءَة وتضييعُ الحُقوقِ، وفي تكريرِ الأمِّ تأكيدٌ في أمْرِها، وزيادةُ اهتمامٍ في بِرِّها فوقَ الأب.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار: 1/ 160.
بَابُ [مَا جَاءَ مِنَ] الفَضْل في رِضَا الوَالِدَيْن
1265 -
(1900) - (4/ 311) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ الْهُجَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ لِيَ امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّي تَأْمُرُنِي بِطلَاقِهَا، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوُل: "الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ البَابَ أَوْ احْفَظْهُ"، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: رُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّ أُمِّي وَرُبَّمَا قَالَ: أَبِي.
وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بْن حَبِيبٍ.
• قوله: "فَأَضِعْ": صيغةُ أمرٍ منَ الْإضاعَةِ، وليس المرادُ به التَّخْيير [في] الأمْرَيْن بل التَّوبيْخُ على الإضافةِ، مثلُه قوله تعالى:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
(1)
(1)
الكهف:29.
بَابُ مَا جَاءَ في عُقُوقِ الوَالِدَيْنِ
1266 -
(1901) - (4/ 312) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا الْجَرِيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُوُل اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "ألا أُحَدِّثُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: "الإِشرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ"، قَالَ: وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ:"وَشَهَادَة الزُّورِ، أَوْ قَول الزُّورِ"، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.
قَالَ: وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو بَكْرَةَ اسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ.
• قوله: "وَجَلَسَ"، أي: للإشْعَار بالاهتمامِ بأمرِه، وكان هذا الاهتمامُ لكثرةِ وُقُوْعِه.
• قوله: "لَيْتَهُ سَكَتَ": تَمَنَّوا السُّكُوْتَ شَفَقةً على رسول اللهِ -صلى الله تعالى عليه وسلَّم-، وكراهةً لِمَا يُزْعِجُه.
1267 -
(1902) - (4/ 312) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ سَعْدِ بْن إبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مِنَ الكَبَائِرِ أَنْ يَشْتُمَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ:"نَعَمْ، يَسُبُّ أبَا الرَّجُلِ فَيَشْتُمُ أَبَاه وَيَشْتُمُ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "يسُبُّ": يريد أنَّ المرادَ بذلك أنْ يَتَسَّببَ لسَبِّ الأب، وشَتْم الأمِّ.
بَاب [مَا جَاءَ] في إكْرَامِ صَدِيقِ الوَالِدِ
1268 -
(1903) - (4/ 313) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا حَيْوَة بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الوَليدُ بْنُ أَبِي الوَليدِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ أَبَرَّ البِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي أَسِيدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
• قوله: "أَبَرَّ البِرِّ": الأبرُّ اسمُ تفضيلٍ يُضَافُ إلى جِنْسه، وليس البِرُّ من جِنْسه وإنَّما الَّذي من جنسِه البَارُّ، ولا يُناسِبُ إرادةُ البَارِّ بالبِرِّ ههنا إذْ لا يُنَاسِبُه.
• قوله: "أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ": وتأويلُه: بـ"ذُوْ أنْ يَصِل" - كما هو المشهورُ- يَقْتَضي إسقاطَ الرَّجُل، وإضمارَ الفاعلْ الرَّاجع إلى أبَرّ، فالظَّاهرُ أنْ يُرادَ بالأبرِّ الأكملُ الأفْضَلُ؛ لأنَّ الأبرَّ هو الموصوفُ بأكمل البِرِّ فأريدَ به ذلك، أو هو من بابِ اعْتِبار البِرِّ بَارًّا كما قالوا في "جَدَّ جَدُّه"، ومرجع الوَجَهَيْن واحدٌ، والمعنى: أكملُ بِرِّ الوالدين أنْ يصلَ الرَّجُل، أي: يَبِرُّ الرَّجلُ الوَالِدَيْن بحيثُ يَصِل بِرُّهما أهلَ مَحَبَّتِهما، وإنَّما يصيرُ أكملَ بِرِّ الوَالدين إذا بَرَّهما، وبَرَّ الصَّديقَ لبِرِّهما. ولو أريدَ بأبرِّ البِرِّ تمامُ بِرِّ الوالدين وكمالُه مجارًا لكانَ أظهرَ إلا أنَّه مجازٌ بعيدٌ -والله تعالى أعلم- ولعلَّ الاقتصارَ على الأبِ ليكونَ دليلًا على الأمِّ بالأولى؛ لأنَّ بِرَّها آكدُ كما سَبَق، أو لأنَّها قد يكونُ وُدُّها في غير مَحَلِّها لنُقْصانِ عَقْل النِّسَاء فلا يكونُ وصلُ ذاك مؤكَّدًا بخلافِ الأبِ عادةً.
بَابُ مَا جَاءَ في دَعْوَةِ الوَالِدَيْن
1269 -
(1905) - (4/ 314) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ يَحْيىَ بْن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَة المَظْلُومِ، وَدَعْوَة المُسَافِرِ، وَدَعْوَة الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رَوَى الْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ يَحْيىَ بْن
أَبِي كَثِيرٍ نَحْوَ حَدِيثِ هِشَامٍ. وَأَبُو جَعْفَرٍ الَّذِي رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو
جَعْفَرٍ المُؤَذِّنُ وَلا نَعْرِفُ اسْمَهُ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ يَحْيىَ بْنُ أَبِي كثِيرٍ غَيْرَ حَدِيثٍ.
• قوله: "وَدَعْوَة الوَالِدِ"، أي: فلا يَنْبغي للوَلَد أنْ يأتيَ بفعل يَدْعُو بسَبِبه الوالدُ عليه، والاقتصارُ على الوالدِ لعلَّه لدَلالَتِه على أنَّ الوَالدةَ أولى وأحْرَى، أو لأنَّها لَيْسَتْ كالأبِ لأنَّها قد تَدْعُو لنُقْصانِ عَقْلِها، وقِلَّةِ صَبْرها بلا تقصيرٍ من الوَلد، أو يأتِي تقصيرًا لا يستَحِقُّ به ذلك الدُّعاءَ، فلا يكونُ دعاءُها في مَحَلِّه بخلافِ دُعَاءِ الوالدِ عادةً.
بَابُ مَا جَاءَ في حَقِّ الوَالِدَيْنِ
1270 -
(1906) - (4/ 315) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن مُوسَى، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ. وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ هَذَا الحَدِيثَ.
• قوله: "فَيُعْتِقَهُ"، أي: فيصير سببًا لعِتْقِه بالشِّراءِ لأنَّ الأبَ يُعْتَقُ عليه بالشِّراءِ من غير فعلٍ منه. قيل: سببُ ذلك أنَّ الوَالدَيْن تَكَفَّلَا بأمْر الوَلَد حالةَ عَجْزِه حتَّى خلقَ اللهُ تعالى له القُدوةَ عليهما والمَعْرفة، فكأنَّما أخْرجَاه منَ الْعَجْز إلى القُدْرَة، فكذا الولدُ إذا فعلَ بأبيه هذا الفعلَ فقد تكفَّل بأمره حَالةَ عجز الرِقِّ، وأخْرجَه من عجز الرقِّ إلى قُدرةِ الْحُرِّيَّةِ.
بَابُ مَا جَاءَ في قَطِيعَةِ الرَّحِمِ
1271 -
(1907) - (4/ 315 - 316) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنهَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: اشْتكَى أَبُو الرَّدَّادِ اللَّيثِيُّ فَعَادَه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ: خَيْرُهُمْ وَأَوْصَلُهُمْ مَا عَلِمْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوُل: "قَالَ اللهُ: أَنَا اللهُ، وَأنا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ".
وَفي البَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَعَامِرِ بْن رَبِيعَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَجُبَيْرِ بْن مُطْعِمٍ. قَالَ أبُوْ غِيْسَى: حَدِيثُ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرَوى مَعْمَر هَذَا الحَدِيث عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ رَدَّادٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، وَمَعْمَرٍ كَذَا يَقُولُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَحَدِيثُ مَعْمَرٍ خَطَأ.
• قوله: "خَلَقْتُ الرَّحِمَ": فإنْ قلتَ: الرَّحِم التي تُوْصَل وتُقْطَع معنى من المَعَاني، وهي قَرابَةٌ ونَسبٌ وليسَتْ هي الرَّحِم التي من أجْزاءِ الآدَميِّ فما معنى خَلْقِها؟ قلتُ: يمكنُ أن يقالَ: خَلْقُها بمعنى خَلْق ما يؤدِّي إليها، ويحصلُ ذلك المعنى بسَببها كخَلْق شَخْصيْن في رَحِم امرأةٍ واحدةٍ فإنَّ خَلْقَهما كذلك يفيدُ تلك القَرابةَ ويُحَصِّلُها، على أنَّ التَّحقيقَ أنَّ المعاني العَقلِيَّة في هذا العالم لها وجودٌ حِسِّيٌ في عالَمٍ آخر، فلا إشكالَ في خَلْق الرَّحِم بالنَّظر إلى ذلك الوُجودِ، ولذا ورد في الأحاديثِ كلامُ الرِّحِم وغير ذلك وقد قال تعالى:{ثُمَّ عَرَضَهُمْ}
(1)
(1)
البقرة: 31.
أي: المُسَمَّيَات ما هي [إلا] عقليَّاتٌ فكيف يُتَصوَّرُ عَرْضُها، بل عَدمِيَّاتٌ؟ واللّه تعالى أعلم. قال القاضي: وهذَا الحديثُ يقتضي مُراعاةَ الاتِّفاق في الأسْماء، وأنَّ ذلك نوعٌ من الإخَاء، وقد قالوا في المثل:"اتِّفَاقُ الكُنَى إخَاءٌ" فإنَّ اللّهَ تعالى راعَى للرَّحِم اتِّفاقَ اسمِها مع اسمِه تعالى في وجهِ انتظام الحُروفِ الأصلِيَّة إذ النُّون زائدةٌ
(1)
.
• وقوله: "فَمَنْ وَصَلَهَا"، أي: من رَاعَى حقوقَها وَفَّيْتُ ثَوابَه، ومن قصَّر في حقِّها "بَتَتُّهُ"، أي: قَطعتُه عن الرَّحْمةِ مع السَّابقين، أو عن ثوابِ وَصْلِ الحُقوقِ. والله تعالى أعلم.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 77،78.
بَابُ مَا جَاءَ في صِلَةِ الرَّحِمِ
1272 -
(1908) - (4/ 316) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا بَشِيرٌ أَبُو إِسْمَاعِيلَ، وَفِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئِ، وَلَكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا انْقَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي البَابِ عَنْ سَلْمَانَ، وَعَائِشَةَ وعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمْرٍ.
• قوله: "بِالمُكَافِئِ"، أي: الَّذي يُحْسِن في مُقابلةِ الإحْسَان، والمعنى: أنَّ المكافأةَ وصلٌ ناقصٌ بحيثُ لا يُعَدُّ صاحِبُه واصلًا، وإنَّما الذي يُعَدُّ واصلًا مَنْ وَصَلَ حين القَطْع.
بَابُ مَا جَاءَ في حُبِّ الوَلَدِ
1273 -
(1910) - (4/ 317) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي سُوَيْدٍ، يَقُوُل: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ، يَقُولُ: زَعَمَتِ المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ- صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْم وَهُوَ مُحْتَضِنٌ أَحَدَ ابْنَيْ ابْنَتِهِ وَهُوَ يَقُوُل: "إِنَّكُمْ لَتْبَخِّلُونَ وَتُجَبِّنُونَ وَتُجَهِّلُونَ، وَإِنَّكُمْ لَمِنْ رَيْحَانِ اللهِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالأشْعَثِ بْن قَيْسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مَيْسَرَةَ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ، وَلا نَعْرِفُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ سَمَاعًا مِنْ خَوْلَةَ.
• قوله: "ومُحْتَضِنٌ"، أي: حاملٌ له في حِضْنِه، أي: جَنْبِه.
بَابُ مَا جَاءَ في النَّفَقَةِ [عَلَى] البَنَاتِ [وَالأخَوَاتِ]
1274 -
(1914) - (4/ 319) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَزِيرٍ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ هُوَ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ الرَّاسِبِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن عُبَيْدِ اللّهِ بْن أَنَسِ بْن مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ الجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ"، وَأَشَارَ بِأصْبُعَيْهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
1275 -
(1916) - (4/ 320) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبرنَا ابْنُ عُيَيْنهَ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْن شَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدٍ الأعْشَى، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الجَنَّةُ".
قَالَ هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بنُ عُبَيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ العَزِيزِ غَيْرَ حَدِيثٍ بهذا الإسنَادِ وَقَالَ عَنِ ابنِ أبي بَكْرٍ بنِ عُبَيْدِ اللّهِ بنِ أنسٍ وَالصَّحَيْحُ هُوَ عُبِيدِ اللّهِ بنِ أبي بَكْرٍ بنِ أنسٍ.
• قوله: "فِيهِنَّ"، أي: في أدَاءِ حُقُوقِهِنَّ، أو في مُعاشَرتِهِنَّ.
• قوله: "فَيُحْسِنَ":- بالنَّصب- جوابُ النَّفْي.
• قوله: "مَنْ عَالَ"، أي: حمَل مؤونَتَهما.
• وقوله: "دَخَلْتُ
…
" إلخ، كنايةٌ عن كمالِ قُرْبِه منه -صلى الله تعالى عليه وسلَّم - حالَ دخولِه الجَنَّةَ.
بَابُ مَا جَاءَ في رَحْمَةِ اليَتِيمِ [وَكفَالَتِهِ]
1276 -
(1917) - (320/ 4 - 321) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالقَانِيُّ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْن سُلَيْمَانَ، وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ قَبَضَ يَتِيمًا مِنْ بَيْنِ المُسْلِمِينَ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ أَدْخَلَهُ اللّهُ الْجَنَّةَ الْبَتَّةَ إِلَّا أَنْ يَعْمَلَ ذَنْبًا لا يُغْفَرُ لَهُ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ مُرَّةَ الفِهْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَسَهْلِ بْن سَعْدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَحَنَشٌ هُوَ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ وَهُوَ أَبُو عَلِيٍّ الرَّحَبِيُّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ يَقُوُل: حَنَشٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ.
• قوله: "مَنْ قَبضَ": أي: انْفَردَ بأمره من بين ما في المُسْلمين.
• وقوله: "ذَنْبًا لا يُغْفَرُ": يريدُ الشِّركَ -نعوذ بالله منه-
بَابُ مَا جَاءَ في رَحْمَةِ النَّاسِ
(1)
1277 -
(1924) - (4/ 323 - 324) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ أَبِي قَابُوسَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللّه". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ": الشُّجْنَةُ -مُثَلَّثَة الشِّين المُعْجَمة مع سكون الجِيم وبعدَه نونٌ -وهي لغةً شُعْبةٌ من غُضْن الشَّجَرةِ، واخْتَلفوا في المرادِ ههنا، فقيل: أي: مُشْتَقَّةٌ من اسم الرَّحمن أو أثرٌ من آثار وحْمَتِه مُشْتَبكَةٌ بِها.
وقال القاضي: وأرادَ أنَّه مُتَعَلِّقٌ به سبحانه وتعالى تَعَلُّقَ المَخْلوقاتِ بالخَالق، والأقربُ التَّفْسيرُ بالاشْتِقَاق، لأنَّه المذكورُ في الحديثِ السَّابق
(2)
، والمرادُ أنَّه مأخوذٌ من اسم الرَّحْمن لفظًا، ومناسبٌ بذلك الاسم معنًى حيثُ أنَّ اسمَ الرَّحْمن يقتضي ثبوتَ الرَّحْمة لمُسَمَّاه، كذلك قَرابةُ الرَّحِم يقتضي الرَّحمةَ فيما بينَ أصحابِها طبعًا. والله تعالى أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "الْمُسْلِمِينَ".
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 85.
[بَابُ مَا جَاءَ في النَّصِيحَةِ]
1278 -
(1926) - (4/ 324 - 325) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَجْلانَ، عَنِ القَعْقَاعِ بْن حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" ثَلاثَ مِرَارٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَنْ؟ قَالَ: "لِلَّهِ، وَلكِتَابِهِ، وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَجَرِيرٍ، وَحَكِيمِ بْن أَبِي يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، وَثَوْبَانَ.
• قوله: "النَّصِيحَةُ": الخُلوصُ عنِ الْغِشِّ، ومنه التَّوبةُ النَّصُوح، فالنَّصِيحةُ لِلهِ أن يكونَ عبدًا خالصًا له في عُبُودِيَّتِه عمَلًا واعتقادًا. "وَللْكِتَابِ": أنْ يكونَ خالصًا له في العَمَل به، وفَهْم معناه عن مُرَاعاةِ الْهَوَى، فلا يَصْرِفُه إلى هَوَاهُ بل يجعلُ هَواه تَابعًا له، ويحكمُ به على هَواه ولا يحكمُ بِهَواه عليه وعلى هذا القِيَاس.
بَابُ مَا جَاءَ في شَفَقَةِ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ
1279 -
(1927) - (4/ 325) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْن مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هِشَامِ بْن سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِم، لا يَخُونُهُ وَلَا يَكْذِبُهُ وَلا يَخْذُلُهُ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ، عِرْضُهُ وَمَالُهُ وَدَمُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاه المُسْلِمَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وفي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي أيُّوبَ.
• قوله: "لا يَخُوُنُهُ": في نَفْسِه وأهلِه ومالِه. "وَلا يَكْذِبُهُ":-بالتَّخفيفِ أو التَّشْديدِ- أي: لا يتكلَّم معه بالكلام الكاذبِ، أو لا يُوْحِشه بالتَكذيبِ، والتَّخفيفُ آثرُ. [وَلَا يَخْذُلُهُ]: والخُذلانُ تركُ العَوْن من حَدِّ نَصَرَ، أي: إنْ وَقَع في أمرٍ يَحتاجُ فيه إلى نَضْرٍ فلا يَتْرُك عونَه بل يَنْصُرُه. "كُلُّ المُسْلِمِ
…
" إلخ، أي: المسلمُ بجميعِ أجْزائِه وما يَتَعَلَّقُ به من المَالِ وغيره حرامٌ.
• وقوله: "عِرْضُهُ ": بدلٌ من "كُلُّ المُسْلم"، بدلُ البَعضِ من الكُلِّ.
• وقوله: "التَّقْوَى هَهُنَا": إشارةٌ إلى الصَّدر، أي: في القَلْب أريدَ أنَّه أمرٌ مُبَطَّنٌ لا يُدْرَى، فلعلَّ صاحبَه كان موصوفًا به وكان أفضلَ منه فكيفَ يَقَعُ فيه.
• وقوله: "بِحَسْبِ امْرِئٍ": الباءُ زائدةٌ وهو خَبرٌ، و"أنْ" مع الفَعل مبتدأ أي: يَكْفِيْه في الشَّرِّ احتقارُه المسلمَ، أي: لو كانَ الشرُّ مطلوبًا لكفى فيه هذا القدرُ، وفيه تعظيمٌ وتكثيرٌ له.
1280 -
(1928) - (4/ 325) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ،
عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
1281 -
(1929) - (4/ 325 - 326) حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَىَ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَدَكُمْ مِرْآةُ أَخِيهِ فَإِنْ رَأَى بِهِ أَذًى فَلْيُمِطْهُ عَنْهُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَيَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللهِ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وفي البَابِ عَنْ أَنسٍ.
• قوله: "كَالبُنْيَانِ": أي: كأجْزاءِ البُنْيان الواحدِ في الاتِّصالِ فلا ينبغي أنْ يَتقدَّم بعضُهم بعضًا كأجْزاءِ البُنيانِ.
• قوله: "مِرْآةُ":-بكَسْر الميم، وسكون الرَّاء- مِفْعَلة من الرُّؤيَةِ، أي: ليَتعبرَ نفسَه من كَمَال التودُّدِ كأنَّه حلَّ فيها صاحبُه كما يُخَيَّل ذلك في المرآةِ، أو ليجعلَ نفسَه مَظْهَرًا أو منظرًا لأخيه يَعْرِفُ حالَ أخيه بالقِيَاس إلى نفسِه كأنَّه يُطالِع أخَاه وينظرُ إليه في نفسِه كما يُطَالع صاحبُ المرآةِ فيها نفسَه فيَكْرهُ له ما يكرهُ لنفسِه، ويُحِبُّ له ما يُحِبُّ لنَفْسِه، فيُسَارعُ إلى إمَاطَة الأذى عنه إن ظَهَر له شيءٌ من الأذَى به بالقِيَاس إلى نفسِه، أو لا يُطَالِع في نفسِه إلا ليظهرَ له فيها حالُ أخيه فيُصْلِحُه، ولا يُطالِعُ إلى نفسِه قصدًا بل توَسُّلًا به إلى إصلاح أخيه فيجعل المقصودَ بالذَّاتِ إصلاحَ الأخ، ويجعلُ النَّظْر إلى نفسِه تابعًا له كالنَّظْر في المرآةِ وهذا أبلغُ. قال القاضي: أي: ليجعلَ نفسَه صافيةً في حَقِّ أخيه كما يجعلُ المرآة كذلك
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 89.
بَابُ مَا جَاءَ في الذَّبِّ عَنْ [عِرْضِ المُسْلِمِ]
1282 -
(1930) - (4/ 326) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ، عَنْ مَرْزُوقٍ أَبِي بَكْرٍ التَّيْمِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ"، أي: إذا وَقَع أحدٌ في عِرْضِ مُسْلمٍ فَلْيَرُدَّه عنه.
بَابُ مَا جَاءَ في كرَاهِيَةِ الهَجْر [لِلْمُسْلِمِ]
1283 -
(1932) - (4/ 327 - 328) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ،
(ح)، قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْن يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا يَحِلُّ لِمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِاَلسَّلَامِ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهِشَامِ بْن عَامِرٍ، وَأَبِي هِنْدٍ الدَّارِيِّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ
…
" إلخ، قال القاضي: لا يَخْلُو إمَّا أن يكونَ، أي: الهجرةُ لأمرٍ دُنَيْويٍّ أو دِيْنِيٍّ فإمَّا إنْ كانَ لدُنَيْويٍّ، فإمَّا أنْ يكونَ بينَ الزَّوْجَيْن، أو بينَ الأبوَيْن، أو بينَ الأجْنَبِيَّيْن، فإنْ كانَ بينَ الزَّوْجَيْن، أو بينَ الأبوين فالهِجْرةُ أكثرُ من الشَّهْر جائزةٌ على معنى الأدَبِ، فقَد هَجَر رسولُ اللهِ صلى اللهُ تعالى عليه وسلَّم نِسَاءَه شهرًا، وإن كانَ بينَ الأجْنَبِيَّيْن فقد رُخِّص في مدَّةِ ثلاثٍ ولا زيادةَ عليه، وإن كان لدِيْنِيٍّ فَلْيَهْجُرْه حتى ينزعَ عن فِعْله وعَقْدِه ذلك، فقد أذِنَ صلى الله عليه وسلم في هجرانِ الثَّلاثةِ الذين خُلِّفُوا خمسينَ ليلةً حتى صَحَّتْ توبَتُهم عندَ اللهِ
(1)
.
• قوله: "فَيَصُدُّ":-بضم الصَّاد- أي: يُعْرِضُ كُلٌّ منهما عن صَاحِبِه.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: 8/ 91.
بَابُ مَا جَاءَ في مُوَاسَاةِ الأَخ
1284 -
(1933) - (4/ 328) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أنسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ عَوْفٍ المَدِينَة آخَى النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْن الرَّبِيعِ، فقال لهُ: هَلمَّ أُقَاسِمْكَ مَالِي نِصْفَيْنِ، وَلِيَ امْرَأَتَانِ فَأُطَلِّقُ إِحْدَاهُمَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا، فَقَالَ: بَاركَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَدَلُّوه عَلَى السُّوقِ، فَمَا رَجَعَ يَوْمئذٍ إِلَّا وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ قَدِ اسْتَفْضَلَهُ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ:"مَهْيَمْ؟ " قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأنصَارِ قَالَ: "فَمَا أَصْدَقْتَهَا؟ " قَالَ: نَوَاةً -قَالَ حُمَيْدٌ أَوْ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ- فَقَالَ:"أَوْلمْ وَلَوْ بِشَاةٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُ ثَلاثَةِ دَرَاهِمَ وَثُلُثٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: "وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَزْنُ حمْسَةِ دَرَاهِمَ" سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ يَذْكُرُ عَنْهُمَا هَذَا.
• قوله: "آخَى": منَ المُؤاخَاةِ، أي: عَقَد بينَهما عقدَ الأخُوَّةِ.
• وَهَلُمَّ"، أي: تعالَ.
• وقوله: "أُقَاسِمْكَ": -بالجزم- على جوابِ الأمر.
• وقوله: "فَتَزَوَّجْهَا": -بالجزم- على صيغةِ الأمْر.
• قوله: "فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ": -بكسر اللَّام- فيهما، ويمكنُ الفتحُ في الثَّاني قياسًا على أنْ يكونَ "مَا" موصولةً واللام جارةً، ويكونُ ذكرُه بعدَ الأهل تعميمًا بعدَ التَّخْصيصِ.
• وقوله: "مَهْيَمْ":-بفتح ميم، فسكونِها، وفتح ياءٍ- كلمةٌ يُسْتَفْهَم بِها، وهي كلمةٌ يمانِيَّةٌ، أي: ما حالُك وما شأنُك؟
بَابُ مَا جَاءَ في الغِيبَةِ
1285 -
(1934) - (4/ 329) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الغِيبَةُ؟ قَالَ: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ"، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ؟ قَالَ: "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُوُل فَقَدْ بَهَتَّهُ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْد الله بْن عَمْرٍو. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "ذِكرُكَ أَخَاكَ"، أي: في الغَيْبة -بالفَتح- كما هو مقتضى مَادةِ اللَّفْظ فكأنَّه ترك اكتفاءً بدلالةِ المَادةِ.
• قوله: "أَرَأَيْتَ"، أي: أعَلِمْتَ لي رخصةً في الذِّكْر إن كان ما أقول صِدْقًا، أو أخْبِرْنِي هل يكونُ الذِّكْرُ المذكورُ غِيْبةً إن كان صدقًا.
• وقوله: "بَهَتَّهُ": -بفَتح الهاءِ المُخَفَّفةِ، وتشديدِ التَّاءِ لإدْغَام تاءِ الكلمة في تاءِ الخِطَاب- أي: كلَّمْتَ عليه بالبُهْتانِ والافْتراءِ الَّذي هو أشدُّ من الغِيبةِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الحَسَدِ
1286 -
(1935) - (9/ 324 - 330) حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ العَطَّارُ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلا تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاه فَوْقَ ثَلَاثٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَالزُّبَيْرِ بْن العَوَّامِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "لَا تَقَاطَعُوا": قال القاضي: المُقَاطَعةُ هي تَرْكُ الحُقوقِ الوَاجِبَة بين النَّاس، وقد تكونُ عامةً وقد تكونُ خاصةً
(1)
، أمَّا "التَّدَابُرُ": فهو أن يُوَلِّي كُلُّ واحدٍ منهم صاحبَه دُبرَه بالأبْدان أو بالآرَاء أو الأقوَال. و"الْبُغْضُ": ضِدُّ المَحبَّة وهي إرادَةُ المَضَرَّة. و"الْحَسَدُ": كَراهةُ ما يَرى من نِعْمةِ اللهِ على غَيْره انتهى. ومعنى "لَا تَحَاسَدُوا": لا يَتَمَّنى بعضُكم زوالَ نعمةِ بعضٍ، سواءً أرادَها لنَفْسِه أوْ لَا، قالوا: إلا إذا كان مُسْتعينًا بالنِّعْمة على المَعْصيةِ.
• وقوله: "وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا": تَوصِيتُه للتَّأليف والمودَّة بينَهم أي: كُونُوْا كلُّكم على طاعَةِ اللهِ، وعلى الأخوَّةِ والمودَّة فيما بينَكم، وفيه إشارةٌ إلى أنَّه لا يَجُرُّكُم الموَّدةُ إلى معصيةِ اللهِ، وإنَّما يكونُ مودَّتُكم في طاعَتِه بحيثُ يكونُ كلٌّ منكم مُعِينًا لصَاحبِه على البِرِّ والتَّقْوى لا على الإثْم والعُدوانِ.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: 8/ 93.
1287 -
(1936) - (4/ 330) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُل آتَاه اللهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوُ هَذَا.
• قوله: "لا حَسَدَ": لَيْسَ المرادُ به بمعنى زَوالِ النِّعْمةِ عن أخِيه بل حُصُول ثوابِها لنَفْسِه، وتُسَمَّى غِبْطةً، وأنَّ الغِبْطةَ وإنْ جَازَتْ في غير المَذْكُوريْن لكنَّها لَيْسَتْ في مَحلِّها، وإنَّما تكونُ في محلِّها إذا كانَتْ في هذين وأمثْالهما فالحصرُ فيهما لذلك.
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّبَاغُضِ
1288 -
(1937) - (4/ 330) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَنَسٍ، وَسُلَيْمَانَ بْن عَمْرِو بْنِ الأحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَأَبُو سُفْيَانَ اسْمُهُ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ.
• قوله: "أَنْ يَعْبُدَهُ": أي: تُعْبدُ الأصنامَ فإنَّ عِبادةَ الأصْنامِ عبادةُ الشَّيطان لكونِه الآمرُ.
• قوله: "في التَّحْرِيشِ"، أي: في حَمْلِهم على العَثْرةِ والحُروبِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ البَيْنِ
1289 -
(1938) - (4/ 331) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَيْسَ بِالكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَقَالَ: خَيْرًا"، أي: ذكر شيئًا أرادَ به الخَيرَ أو ما هو خيرٌ لو كان صادقًا.
• وقوله: "نَمَى خَيْرًا"، أي: رَفعَ من أحدِهما إلى صَاحبه خيرًا بأنْ قال: فلانٌ يدعو لكَ، أو يُثْني عليكَ ونحو ذلك، ولو كان على التأويل بأن يدعوَ لكَ في ضمن الدُّعاء لعُموم المؤمنين كانَ أحسن. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ في الخِيَانَةِ [وَالغِشِّ]
1290 -
(1940) - (4/ 332) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيى بْن حَبَّانَ، عَنْ لُؤْلُؤَةَ، عَنْ أَبِي صِرْمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
1291 -
(1941) - (4/ 332) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ العُكْلِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا فَرْقَدُ السَّبَخِيُّ عَنْ مُرَّةَ بْن شَرَاحِيلَ الهَمْدَانِيِّ وَهُوَ الطَّيِّبُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ بِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيبٌ.
• قوله: "مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا"، أي: أوْصَلَ ضَررًا إلى مسلمٍ في إتلافِ مالٍ أو حقٍّ.
• وقوله: "أو شَاقَّ"، أي: حَمَلهم على أمرٍ يَشُقُّ عليهم، وكذا إذا حَمَل نفسَه على ما لا تُطِيْقُه، أو المعنى خالَفَهم ومَشَى في شِقٍّ هو [غير] شِقِّهم.
• قوله: "مِنَ اللهِ عَلَيْهِ"، أي: ثِقْلُه عليه، أي: ضرَرُه يَرجعُ إلَيه.
بَابُ مَا جَاءَ في الإِحْسَان إلَى الخَدَمِ
1292 -
(1946) - (4/ 334) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هَمَّامِ بْن يَحْيَى، عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ سَيِّئُ المَلَكَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيبٌ. وَقَدْ تَكَلَّمَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ فِي فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
• قوله: "سَيِّئُ المَلَكَةِ": ضُبِط بالفَتَحات.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ ضَرْب الخَدَمِ وَشَتْمِهِمْ
1293 -
(1947) - (4/ 335) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ فُضَيْلِ بْن غَزْوَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم نَبِيُّ التَّوْبَةِ: "مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بَرِيئًا مِمَّا قَالَ لَهُ، أَقَامَ عَلَيْهِ الحَدَّ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَابْنُ أَبِي نُعْمٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي نُعْمٍ البَجَلِيُّ، يُكْنَى أَبَا الحَكَمِ. وفي البَابِ عَنْ سُوَيْدِ بْن مُقَرِّنٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ.
• قوله: "بَرِيئًا": حالٌ من المَمْلوكِ. وقوله: "إِلَّا أَنْ يَكُونَ": استثناءٌ مُنقطِعٌ، أي: لكنَّ وقتَ كونِ العَبْد كما [قال في الوَاقع فحَينئَذٍ] لا يُقيْمُ [اللهُ عليه] الحدَّ. قاله السيوطيُّ إلى آخر ما ذكر
(1)
.
1294 -
(1948) - (4/ 335) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ، قَالَ: كنْتُ أَضْرِبُ مَمْلُوكًا لِي، فَسَمِعْتُ قَائِلًا مِنْ خَلْفِي يَقُولُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، فَالتَفَتُّ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ" قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: "فَمَا ضَرَبْتُ مَمْلُوكًا لِي بَعْدَ ذَلِكَ".
(1)
راجع: قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي: 1/ 470.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ بْن شَرِيكٍ.
• قوله: "لَلَّهُ": -هو بفَتْح اللَّام، والرَّفع- مبتدأ خبرُه "أقْدَرُ".
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَدَبِ الخَادِمِ
1295 -
(1950) - (4/ 337) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ العَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ فَذَكرَ اللهَ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَأَبُو هَارُونَ العَبْدِيُّ اسْمُهُ عُمَارَة بْن جُوَيْنٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ العَطَّارُ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: ضَعَّفَ شُعْبَةُ أَبَا هَارُونَ العَبْدِيَّ قَالَ يَحْيَى: وَمَا زَالَ ابْنُ عَوْنٍ يَرْوِي عَنْ أَبِي هَارُونَ حَتَّى مَاتَ.
• قوله: "فَذَكَرَ اللهَ"، أي: فذكرَ الخادمُ اللهَ -بالتَّخفيفِ- وقال: خَلِّ عَنِّي للهِ مثلًا. ويحتمل التَّشديدَ، أي: ذَكَّرَكُم اللهَ وهذا عطفٌ على الشَّرطِ، والجوابُ قوله:"فَارْفَعُوا".
بَابُ مَا جَاءَ في قَبُولِ الهَدِيَّةِ وَالمُكَافَأَةِ عَلَيْهَا
1296 -
(1953) - (4/ 338) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْن يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ.
• قوله: "وَالْمُكَافَأة": -بالهمزةِ- المُجازَاةُ والمَساواةُ من الكُفْو وهو المثل.
• قوله: "وَيُثِيبُ": من الإثَابةِ، أي: يَجْزِي.
بَابُ مَا جَاءَ في الشُّكْر لِمَنْ أحْسَنَ إلَيْكَ
1297 -
(1954) - (4/ 339) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لا يَشْكُرُ اللهَ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لا يَشْكُرُ النَّاسَ
…
" إلخ، المَشْهورُ في الرِّواية نصبُ "النَّاس"، و"الله"، والمعنى من فَاتَ عنه شكرُ مَنْ جَرَتِ النِّعمةُ على يده من النَّاس، فلم يأتِ بشُكْره تعالى على الوَجْه الذي أمِرَ به؛ وذلك لأنَّ المُعْطِي حقِيْقةً هو اللهُ فهو المُستحِقُّ للشُّكْر لكنَّه أمَرَ بشُكْر مَنْ جَرَتِ النِّعْمةُ على يدِه، فصَارَ شكرُه مِنْ شُكْر اللهِ فمَنْ تَرَكَه أو أخَلَّ به فقَدْ أخلَّ بشُكْر اللهِ تَعالَى، ولَمْ يأتِ بشُكْره على الوَجْهِ الَّذِي أمِرَ به. أو المعنى أنَّ مَنْ لا يعظم النعمةُ عندَه حتى يشكُرَ مَنْ جَرَتْ على يَدِه من النَّاس لا يَشْكُرُ مُعْطِيْها الحقيقيَّ أيضًا، أو مَنْ جَرَتْ عَادتُه في التَّسَامُح في شُكر النَّاس يَتَسامَحُ في شُكْر اللهِ تَعالى، والأوْجَهُ هو المعنى الأوَّلُ -والله تعالى أعلم-.
قال القاضي: ورُوِيَ الحديثُ بنَصبِهما والمعنى على تقديرِ رَفْعِهما مَنْ لا يَشْكُره النَّاسُ لا يَشْكُرُه اللهُ، فرجعَ إلى حديثِ "مَنْ أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا
…
وَأنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ"
(1)
ونحو ذلك.
وعلى تَقدير نصبِ الأوَّل ورَفْع الثَّاني: مَنْ فَاتَه شكرُ النَّاسِ لا يَشْكُره اللهُ، ولا يُثْنِي عليه كمَا أثْنى على المُحْسِنِيْن في كتابِه.
وعلى تقدير [رَفْع] الأوَّل ونَصْب الثَّاني: مَنْ لَمْ يَشْكُرُه النَّاسُ لم يَشْكُرِ اللهَ، وهذا العنوانُ لا يَخْلُو عن بُعْدٍ، والأقربُ مَنْ لم يشكر اللهَ لم يَشْكُرْه الناسُ إلا أن يُؤوَّلَ علَى العِلْم، أي: لم يشْكُره النَّاسُ بعلم أنَّه ما شَكَر اللهَ؛ لأنَّه لو شَكَرَه لشَكَرَه النَّاسُ، فعدم شكرِهم دَليلٌ على أنَّه غيرُ شاكرٍ للهِ تعالى، فافْهَمْ
(2)
.
(1)
راجع: صحيح مسلم، كتاب الجنائر، باب: من يثنى عليه خيرا أو شرا من الموتى، ح:949، وسنن النسائي، كتاب الجنائز، باب: الثناء، ح:1934.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 103.
بَابُ مَا جَاءَ في صَنَائع المَعْرُوفِ
1298 -
(1956) - (4/ 339 - 340) حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الجُرَشِيُّ اليَمَامِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّار، حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ عَنْ مَالِكِ بْن مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو زُمَيْلٍ اسْمُهُ سِمَاكُ بْنُ الوَليدِ الحَنَفِيُّ.
• قوله: "وَبَصَرُكَ": الأوَّل -بفتح، فسكون- مصدرٌ كما ضُبِط، والثَّاني بفتحتَيْن اسمٌ. وقال القاضي في قوله:"وَبَصَرُكَ": يريدُ تَبَصُّرُك، فأوْقَعَ الاسمَ موقعَ المصدر
(1)
، وهذا يقتضي أنَّ الأوَّل أيضًا بفتحتين. والله أعلم.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 104.
بَابُ مَا جَاءَ في المِنْحَةِ
1299 -
(1957) - (4/ 340 - 341) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْن أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ طَلْحَةَ بْن مُصَرِّفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْسَجَةَ، يَقُوُل: سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ "عَازِبِ يَقُوُل: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ هَدَى زُقَاقًا كَانَ لَهُ مِثْلَ عِتْقِ رَقَبَةٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ طَلْحَةَ بْن مُصَرِّفٍ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رَوَى مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَشُعْبَةُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ هَذَا الحَدِيثَ.
وفي البَاب عَنِ النُّعْمَانِ بْن بَشِيرٍ وَمَعْنَى قَوْلهِ: "مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ وَرِقٍ" إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ: قَرْضَ الَدَّرَاهِمِ، قَوْلُهُ:"أَوْ هَدَى زُقَاقًا": يَعْنِي بِهِ هِدَايَةَ الطَّرِيقِ.
• قوله: "أَوْ هَدَى": هَدَي -بالتَّخفيف- من الهدَاية.
• "وزُقَاقًا":-بضَمِّ الزَّاء المُعْجمَةِ- بمعنى الطَّريق، أي: دَلَّ الضَّالَ أو الأعْمَى على طريقه. ورُوِي هَدَّي -بالتَّشديد- إمَّا للمُبالغةِ من الهِدَاية، أو من الهَدِيَّةِ، أي: من تَصدَّق بزُقَاقٍ من النَّخْل وهو السِكَّةُ، والصَّفُّ من أشْجَاره. وقال القاضي: ورَوَى بعضُهم الزِّقاق -بكسر الزَّاء- وهو جَهلٌ عظيمٌ
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 104.
قلتُ: والزِّقاق -بالكَسْر- جَمْعُ زِقٍّ، وهو لا يَسْتقيمُ إلا على تقديرِ تَشْديدِ "هدَي" على أنَّه من الهَدِيَّة، أي: مَنْ أهْدَى زِقَاقًا من العَسْل مثلا، ولا شكَّ ذلك مختلفٌ قِلَّةً وكثرةً، [و] أجر واحد فيه خفيٌّ جدًّا، ومن هنا ظهرَ أنَّ حملَ الكلام على تصدُّق الأشجار أيضًا بعيدٌ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ في إمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّريقِ
1300 -
(1958) - (4/ 341) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي طَرِيقٍ إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَّرَه فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ".
وفي البَابِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي ذَرٍّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "شَوْكٍ":-بفتح، فسكون- واحدةُ شَوكةٍ.
• وقوله: "فَشَكَرَ اللهُ لَهُ"، أي: رضي الله عنه، أو جزَاه، أو أثْنَى عليه.
• وقوله: "فَغَفَرَ اللهُ لَهُ": قال القاضي: إمَّا بأنْ وُفِّقَ بذلك على صَالح الأعْمَالِ فيما بعدُ، أو كانَ الرَّجُل مِمَّنْ سَاوَتْ حسناتُه سيِّئاتِه وبِهذا ترَجَّحَتْ حسناتُه، فالظَّاهرُ أنَّه لا حاجةَ إليه إذ المُعْطِي كريم يُعْطِي الجليلَ على القَليلِ. والله تعالى أعلم
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: 8/ 104.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ المَجَالِسَ بالأمَانَةِ
(1)
1301 -
(1959) - (4/ 342 - 341) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ جَابِرِ بْن عَتِيكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الحَدِيثَ ثُمَّ التَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَإِنَّمَا نَعْرِفهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ.
• قوله: "إِذَا حَدَّثَ"، أي: شَرعَ في التَّحديثِ معه ثُمَّ التفتَ في أثناء التَّحديثِ يمينًا وشمالًا، أو إذَا فرَغ من التَّحديثِ ثمَّ الْتَفَتَ يمينًا وشمالًا خوفًا من سِمَاع غيرِه فهذا دليلٌ على أنَّه يكرَه سماعَ هذا الحديثِ غيرَ الذِّي تكلَّم معه، فبهذَا صارَ أمانةً عندَ الذي أخبرَه به. وقيل: معنى "الْتَفَتَ": غابَ، ولا يخلُو عن بُعدٍ. والله تعالى أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "أَمَانَة".
بَابُ مَا جَاءَ فِى السَّخَاءِ
1302 -
(1960) - (4/ 342) حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ لَيْسَ لِي مِنْ بيتي إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ أَفَأُعطِي؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَلا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ" يَقُوُل: "لا تُحْصِي فَيُحْصَى عَليْكِ".
وَفِي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحِيحٌ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيت بِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا، عَنْ أَيُّوبَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
1303 -
(1961) - (4/ 342 - 343) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللهِ، قَرِيبٌ مِنَ الجَنَّةِ، قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ، بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ، وَالبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللهِ، بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ، بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ، قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ، وَلَجَاهِلُ السَّخِيُّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ عز وجل مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْن مُحَمَّدٍ، وَقَدْ خُولفَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةِ هَذَا الحَدِيثِ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، إِنَّمَا يُرْوَى عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ عَائِشَةَ شَيْءٌ مُرْسَلٌ.
قال القاضي: "السَّخَاءُ": لِيْنُ النَّفْس بالعَطَاء وسَعَة القَلْب للمُواسَاةِ.
• قوله: "قَالَ: نَعَمْ": مَحمولٌ على ما عُلِمَ الإذْنُ به عادةً من الشَّيْءِ الخَفيفِ، وهذا هو مقتضى النَّظر في أحاديثِ الباب كلِّها.
• قوله: "وَلا تُوكِي":-بضم التَّاء المُثَنَّاةِ من فوقٍ، وكسر الكَاف- صيغةُ النَّهْي للمُخَاطَبة من الإيْكَاء بمعنى الرَّبْطِ والشدِّ.
• وقوله: "فَيُوكَى": على بناءِ المفعولِ منه.
• قوله: "لَجَاهِلُ":-هو بفتح اللَّام- مبتدأ، خبرُه "أحَبُّ". قال القاضي: حرفٌ مشكلٌ يباعد الحديثَ عن الصِّحَّة، وعلى تقدير الصِّحة يُحْمَل على الجَهْل عن العِلْم الزَّائدِ عَمَّا لا بدَّ منه ولا غِنَى عنه في العَمَل والاعتقادِ، إذ ضَرَرُ الجَهْل بما لا بدَّ منه أشدُّ من ضَررِ تَرْكِ العمل في العُقوبةِ
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: 8/ 108.
بَابُ مَا جَاءَ في البُخْل
(1)
1304 -
(1964) - (4/ 344) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ بِشْرِ بْن رَافِعٍ، عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "المُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "غِرٌّ كرِيمٌ
…
" إلخ، -بكسر الغَين، وتشديد الرَّاء- قال القاضي: هو الذي لا يَعْرف الشرَّ أو يتغافلُ عنه إلى الخَيْر، وهو معنى قولِه صلى اللهُ تعالى عليه وسلَّم في الحديث الصَّحيح: "أكْثَرُ أهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْه"
(2)
.
• وَ"كرِيْم": معنى شريف الأخلاق.
• "وخَبٌّ":- بفتح الخَاء أو كسرها و تشديدِ الباء- خدَّاع.
• و"لَئِيْمٌ": سَيِّيءُ الأخلاقِ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "البَخِيلِ".
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: 8/ 109.
بَابُ مَا جَاءَ في النَّفَقَةِ عَلَى
(1)
الأهْلِ
1305 -
(1966) - (4/ 344 - 345) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَفْضَلُ الدِّينَارِ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى عِيَالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ"- قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: بَدَأَ بِالعِيَالِ- ثُمَّ قَالَ: "فَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ لَهُ صِغَارٍ يُعِفُّهُمُ اللهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمُ اللهُ بِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عَلَى عِيَالِهِ": بكسر العَين.
• قوله: "يُعِفُّهُمُ": من الإعْفَافِ، أي: يَصُونُهم عن السُّؤَال.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "فِي".
بَابُ مَا جَاءَ في الضِّيَافَةِ [كَمْ هُوَ؟]
1306 -
(1967) - (4/ 345) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن أبِي سَعِيدٍ المَقبُرِيِّ، عَنْ أبِي شرَيْحٍ العَدَوِيِّ أَنَّهُ قال: أبْصَرَت عَيْنَايَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ" قَالُوا: وَمَا جَائِزتُهُ؟ قَالَ: "يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَسْكُتْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَسَمِعَتْهُ"، أي: قولَه:
…
إلخ.
• قوله: "الجَائِزَة": العَطِيَّةُ، أي: لِيَتَكَلَّفْ في اليَوم الأوَّل مِمَّا اتَّسَع له من بِرٍّ وإلطافٍ، وفي اليوم الثَّاني، فالثَّالث يكفى الطَّعامُ المعتادُ.
1307 -
(1968) - (4/ 345 - 346) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الكَعْبِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِرتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَمَا أُنْفِق عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ".
وَفِي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَدْ رَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو شُرَيْحٍ الخُزَاعِيُّ هُوَ الكَعْبِيُّ وَهُوَ العَدَوِيُّ اسْمُهُ خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو.
وَمَعْنَى قَوْلهِ: "لا يَثْوِي عِنْدَه" يَعْنِي: الضَّيْفَ لا يُقِيمُ عِنْدَه حَتَّى يَشْتَدَّ عَلَى صَاحِبِ المَنْزِلِ، وَالحَرَجُ هُوَ الضِّيقُ، إِنَّمَا قَوْلُهُ:"حَتَّى يُحْرِجَهُ" يَقُولُ: حَتَّى يُضَيِّقَ عَلَيْهِ.
• قوله: "أنْ يَثْوِيَ": من ثَوَى بالمَكانِ أقامَ من حَدِّ ضَرَبَ.
• و"يُحْرِجُ": من الإحْرَاج أو التَّحريج.
بَابُ مَا جَاءَ في السَّعْىِ عَلَى الأَرْمَلَةِ وَاليَتِيمِ
1308 -
(1969) - (4/ 346) حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْن سُلَيْمٍ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"السَّاعِي عَلَى الأرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ". حَدَّثَنَا الأنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْن زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ.
وَهَذَا الحَدِيثُ حَدِيث حَسَنٌ غَريبٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو الغَيثِ اسْمُهُ: سَالِمٌ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ وَثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ مَدَنِيٌّ وَثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ شَاميٌّ.
• قوله: "الأرْمَلَةِ": مَنْ لا زَوْجَ لها من النِّسَاء. و"السَّاعي": عَلَيْهِمَا العاملُ المُنْفِقُ عليهما.
بَابُ مَا جَاءَ في طَلَاقَةِ الوَجْهِ وَحُسْنِ البِشْرِ
1309 -
(1970) - (4/ 347) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا المُنْكَدِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن المُنْكَدِرِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ مِنَ المَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَأَنْ تُفْرغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ أَخِيكَ".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "وَأَنْ تُفْرغَ": من الإفْرَاغِ وهو الصَّبُّ.
بَابُ مَا جَاءَ في الصِّدْقِ وَالكَذِبِ
1310 -
(1971) - (4/ 348 - 347) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالكَذِبَ فَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ العَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ، وَعَبْد اللهِ بْن الشِّخِّيرِ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "يَهْدِي": من الهِدَاية.
• و"البِرَّ": جامعٌ للخَيْر كُلِّه، وقيل: أي: إلى العَمَل الصَّالح الخالص من كُلِّ مَذْمومٍ. قال القاضي: إذا تَحَرَّى الصِّدْقَ لم يَعْصِ اللهَ أبدًا إلا أنَّه أرادَ أنْ يفعلَ شيئًا من المَعاصي خافَ أنْ يُقالَ: أفعلتَ كذا فإنْ سَكتَ جرَّ الرِّيْبةَ وإنْ اقال: لا كَذَب، وإن قالَ: نعم، فَسَق وسقطَتْ مَنزلتُه وذهَبَتْ حُرْمَتُه
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: 8/ 111.
بَابُ مَا جَاءَ في الفُحْشِ [وَالتَّفَحُّشِ]
1311 -
(1974) - (4/ 349) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، وَمَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ".
وَفِي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
• قوله: "الفُحْشُ":- بضم، فسكون- اسمٌ من الأفْحَاش. قال القاضي: هو الكلامُ بما يُكْرَه سِماعُه مِمَّا يَتَعَلَّق بالدِّين
(1)
.
1312 -
(1975) - (4/ 349) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خِيَارُكمْ أَحَاسِنكُمْ أَخْلاقًا"، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
• قوله: "فَاحِشًا": أي: طَبْعًا. "وَلَا مُتَفَحِّشًا": أي: ولا آتِيًا بالفُحْش بتَكَلُّفٍ، وكَسْبٍ، وتَعَمُّدٍ.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: 8/ 113.
بَابُ مَا جَاءَ في اللَّعْنَةِ
1313 -
(1976) - (4/ 350) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْن جُنْدَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللهِ، وَلَا بِغَضَبِهِ، وَلَا بِالنَّارِ".
قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
1314 -
(1977) - (4/ 350) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الأَزْدِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن سَابِقٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "لَا تَلَاعَنُوا": التَّلاعُن الدُّعاءُ باللَّعْنة من الطَّرفَيْن، ولَمَّا ذكر باللَّعنة صريحًا فلا بدَّ من اعتبار التَّجْريد، فرَجَع إلى معنى يَدْعُو كلٌّ منكم على صاحبه، وصحَّ تَعَلُّقه باللَّعْنة، وعطفُ قوله:"ولَا بِغَضَبِهِ وَلَا بِالنَّارِ" عليها.
• قوله: "بِالطَّعَّانِ"، أي: العَيَّاب بالنَّاس. وقوله: "الفَاحِشِ"، أي: الآتِي من القَوْل والفعل بما يَقْبَح ذكرُه. "والْبَذْي": -بفتح، فسكون، وتشديدِ ياءٍ- من البَذَاء بمعنى الفُحْش في القَوْل، فيَخُصُّ الأوَّل بالفعل دفعًا للزوم التكرَار.
بَابُ مَا جَاءَ في تَعْلِيمِ النَّسَبِ
1315 -
(1979) - (4/ 351) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْن عِيسَى الثَّقَفِيِّ، عَنْ يَزِيدَ، مَوْلَى المُنْبَعِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي المَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَمَعْنَى قَوْلهِ: "مَنْسَأَةٌ فِي الأثَرِ" يَعْنِي زِيَادَةً فِي الْعُمُرِ.
• قوله: "مَحَبَّة فِي الأهْل": بالإحْسانِ إليهم.
• "والمَثْرَاة": -بالمُثلَّثة- مَفْعَلَة من الثَّراء: الكثرةُ.
• والمَنْسَأَة": مَفْعَلةٌ من النَسْأَة وهو التأخيرُ، يقال: نَسَأْتُه -بالهمزة- أخَّرْتُه، أي: موطنة لذلك وموضع له، وذلك بأنْ يُبارَكَ فيه بالتَّوفيقِ للطَّاعات وعماوةِ أوقاتِه بالخَيْرات، وكذا بَسْطُ الرِّزْق عبارةٌ عن البَركةِ. وقيل: عن توسيعه. وقيل: إنَّه بالنَّظر إلى ما يظهر للملائكةِ، وفي اللَّوح المحفوظِ أي: عمرُه سِتُّون وإن وصلَ فمائة، وقد علم اللهُ سبحانه [أنَّه] سيقَع. وقيل: هو ذكرُه الجميلُ بعدَه فكأنَّه لم يَمُتْ.
بَابُ مَا جَاءَ في دَعْوَةِ الأْخِ لِأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ
1316 -
(1980) - (4/ 352) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زِيَادِ بْن أَنْعُمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَا دَعْوَةٌ أَسْرَعَ إِجَابَةً مِنْ دَعْوَةِ غَائِبٍ لِغَائِبٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَالأَفْرِيقِيُّ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زِيَادِ بْن أَنْعُمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ هوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيُّ.
• قوله: "مَا دَعْوَةٌ": هي المرَّةُ من الدُّعاء. "أَسْرَعَ": -بالنَّصب أو الرَّفع - على إعْمالِه أو إبْطَالِه.
بَابُ مَا جَاءَ في الشَّتْمِ
1317 -
(1981) - (4/ 352) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"المُسْتَبَّانِ مَا قَالَا، فَعَلَى البَادِي مِنْهُمَا مَا لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ".
وَفِي البَاب عَنْ سَعْدٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن مُغَفَّلٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "المُسْتَبَّانِ": افتعالٌ من السَّبِّ، وهما اللَّذان يَسُبُّ كلٌّ منهما صاحبه.
• وقوله: "فَعَلَى البَادِيء"، أي: فإثْمُ ما قالا على مَنْ شَرع أوَّلا؛ لأنَّه الَّذي سَبَّ وتَسبَّبَ لسَبِّ الآخر، ولكن ما دامَ الآخرُ لا يتجاوز حدَّ الاقْتِصَاصِ؛ لأنَّه تَسَبَّبَ لذلك القَدر، فإن جاوَز صار مُسْتَحِقًّا للإثم الزَّائد لعدم تَسَبُّبِ الأوَّل للزَّائد. والله تعالى أعلم.
1318 -
(1982) - (4/ 353) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زِيَادِ بْن عِلَاقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، يَقُوُل: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَسُبُّوا الأمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الأَحْيَاءَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ سُفْيَانَ فِي هَذَا الحَدِيثِ، فَرَوَى بَعْضُهُمْ مِثْلَ رِوَايَةِ الحَفَرِيِّ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زِيَادِ بْن عِلَاقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ عِنْدَ المُغِيرَةِ بْن شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَه.
• قوله: "لا تَسُبُّوا"، أي: لا تَجْعَلوا سَبَّ الأمواتِ مَسْلَكًا لإيذَاء الأحْياءِ، إن أرْدتم إيذاءَهم فلا تَسُبُّوا الأمواتَ فإنَّه يُفْضِيْ إلى إيذَاءِ الأحيَاءِ والأوَّل أبلغُ.
[بَابٌ]
1319 -
(1983) - (4/ 353) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زُبَيْدِ بْن الحَارِثِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كفْرٌ" قَالَ زُبَيْدٌ: قُلْتُ لِأبِي وَائِلٍ: أَأَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "سِبَابُ المُسْلِمِ": السِّبابُ -بكسر الأوَّل- أي: شَتْمُه من إضافةِ المَصْدَر إلى المَفْعُول.
• و"الْفُسُوْقُ": كالخُرُوْج لفظًا ومعنى، وفي الشَّرْع يُطْلَق على الخُروجِ عن الطَّاعَة، وظاهرُ المُقابَلة يقتضي أنَّ القِتالَ كفرٌ حقيقةً لكن يؤوَّلُ بأنَّ الأوَّل فعلُ الفَسَقَة، والثاني فعل الكَفَرة. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ في قَوْلِ الْمَعْرُوف
1320 -
(1984) - (4/ 354) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْن سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفًا ترى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا"، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لِمَنْ أَطَابَ الكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاقَ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاقَ هَذَا مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَهُوَ كُوفِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ مَدَنِيٌّ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا، وَكلاهُمَا كَانَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ.
• قوله: "غُرَفًا": -بضم، ففتح- جمعُ غُرفةٍ وهي العُليَّةُ من البِنَاء.
• وقوله: "وَأَدَامَ الصِّيَامَ": حَمَله القاضي على صِيَام الأيَّام الوَاودَةِ في الشَّرع لا صيامِ الأبَد.
وقال الفرَّاءُ
(1)
: المرادُ بالصِّيام الإمساكُ عن كُلِّ مكروهٍ، فيُمْسك قلبَه عن الاعْتِقَاداتِ البَاطِلة، ولِسَانَه عن الأقوالِ الفَاسدةِ، وبدنَه عن الأفعالِ المَذْمُوْمَةِ
(2)
.
(1)
هو: العلَّامة صاحب التَّصانيف، أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي، الدَّيلمي الكوفي، كان أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، حكي عن أبي العباس ثعلب أنه قال: لولا الفرَّاء لما كانت العربية، ولسقطت لأنه خلَّصها ولأنَّها كانت تُتُنَازع ويدَّعيها كلُّ أحدٍ. أخذ النحو عن أبي الحسن الكسائي، وقال ثمامة بن أشرس: رأيت الفرِّاء ففاتشته عن اللغة فوجدته بحرا، وعن النحو فشاهدته نسيجَ وَحْدِه، وعن الفقه فوجدته عارفا باختلاف القوم، وبالطب خبيرا، وبأيام العرب وأشعارها حاذقا، وبالنجوم ماهرا. من تصانيفه: كتاب "الحدود"، و"المعاني"، وكتاب "البَهِيِّ"، وكتاب "اللغات"، وكتاب "المصادر في القرآن"، وكتاب "الجمع والتثنية في القرآن"، وكتاب "آلة الكاتب"، وغير ذلك. توفي بطريق الحج سنة سبع ومائتين، وله ثلاث وستون سنة. راجع لترجمته: وفيات الأعيان: 6/ 176، وتذكرة الحفاظ: 1/ 372، سير أعلام النبلاء: 10/ 118، البداية والنهاية: 14/ 166.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 117.
بَابُ مَا جَاءَ في مُعَاشَرَةِ النَّاس
1321 -
(1987) - (4/ 355 - 356) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبٍ بْن أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْن أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَه، قَالَ مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا وَكيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْن أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْن أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْن جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه، قَالَ مَحْمُودٌ: وَالصَّحيحُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ.
• قوله: "حَيْثُمَا كُنْتَ"، أي: في أيِّ مكانٍ كنتَ يَراكَ الخالقُ فيه أوَّلا اكتفاءً بنظره عن نظر الأغْيَار.
• "وَأَتْبِعْ": -بفتح الهَمْزة، وسكون التَّاء- أي: بَاشِرِ الحَسَناتِ عقبَ السَّيِّئات تَمْحُ تلك الحسناتُ السيئاتِ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
(1)
.
• "وَخَالِقِ النَّاسَ"، أي: وخَالِطْهم مخالطةً حميدةً.
• "الخُلُق": بضمَّتين وسكونٍ.
(1)
هود: 114.
بَابُ مَا جَاءَ في ظَنِّ السُّوءِ
1322 -
(1988) - (4/ 356) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ بْنَ حُمَيْدٍ يَذْكُرُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: الظَّنُّ ظَنَّانِ: فَظَنٌّ إِثْمٌ، وَظَنٌّ لَيْسَ بِإِثْمٍ، فَأَمَّا الظَّنُّ الَّذِي هُوَ إِثْمٌ فَالَّذِي يَظُنُّ ظَنًّا وَيَتَكَلَّمُ بِهِ، وَأَمَّا الظَّنُّ الَّذِي لَيْسَ بِإِثْمٍ فَالَّذِي يَظُنُّ وَلا يَتَكَلَّمُ بِهِ.
• قوله: "وَيَتَكَلَّمُ بِهِ": كأنَّه أخذَه من قوله: "فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الْحَدِيَثِ" ولا يكونُ حديثًا إلا بالتَّكَلُّم.
بَابُ مَا جَاءَ في المُزَاحِ
1323 -
(1989) - (4/ 357) حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بْنُ الوَضَّاحِ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيُخَالِطنا حَتَّى إِنْ كَانَ لَيَقُوُل لأَخٍ لِي صَغِيرٍ: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ". حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا وَكيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوَه.
وَأَبُو التَّيَّاحِ اسْمُهُ: يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَيْعِيُّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "المُزَاحُ": -بضَمِّ الميم- كلامٌ يُرادُ به المُبَاسَطة حيثُ لا يُفْضِي إلى أذى فإن بلغ الإيذَاء يكونُ سُخْرِيَّة.
• قوله: "إن": مخفَّفةٌ من المُثقَّلةِ، وكذا "إن" في قوله:"حتَّى إنْ كَأنَ".
• قوله: "يَا أبَا عُمَيْرُ" -بالتَّصغير-
• "مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ" فِعْلٌ على بناءِ الفَاعل. "والنُّغَيْرُ": -بالتَّصْغير- اسمُ طائرٍ قالَه حين ماتَ، أي: ما صَنَع وما جرى لَه.
1324 -
(1990) - (4/ 357) حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ:"إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا": كأنَّه استِبْعادٌ منهم لذلك لِمَا جرى به العادةُ أنَّ المُمَازحَ يَتَجاوزُ الحدَّ في الكلام، فيأتِي بمَا لا يليقُ بأوْلي الأحْلام، فقال صلى الله تعالى عليه وسلَّم دفعًا لذلك:"إنِّيْ لَا أقُوْلُ إلا حَقًّا" فمن قدَر على ذلك فلا بأسَ في مُزاحِه وإلا فلا يمازح.
1325 -
(1991) - (4/ 357 - 358) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا اسْتَحْمَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ؟ ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
1326 -
(1992) - (4/ 358) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَنسِ بْن مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ:"يَا ذَا الأُذُنَيْنِ". قَالَ مَحْمُودٌ: قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: يَعْنِي مَازَحَهُ. وَهَذا الحَدِيْثَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "يَا ذَا الأُذُنَيْنِ": قال الخطَّابي: مزَح رسولُ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلم مزحًا لا يَدْخُلْه الكَذِبُ، فكلُّ إنسانٍ له أذُنَان فهو صادقٌ في وَصْفِه إيَّاه بذلك، ويحتملُ أنَّه لم يَقْصِد به المزاحَ وإنَّما أرادَ التَّنْبيهَ على حسنِ الاسْتِمَاع والتَّلَقُّفِ لِمَا يقولُه، أو يعلمه إيَّاه، وسمَّاه "ذَا الأذُنَيْن" إذ الاستماع إنما يكون بحاسة الأذُن
(1)
.
• قوله: "مَا أَصْنَعُ": فَهِمَ من اسم الوَلد الصَّغيرَ، فأرْشَدَه صلى الله تعالى عليه وسلَّم أنَّك لو تأمَّلْتَ ما قُلتَ ذلك، ففيه مع المُبَاسَطة له أرشادٌ له ولغَيْره إلى التأمُّل في معنى الكلامِ وعَدَم التَّبَادُر إلى الرَّدِّ.
(1)
راجع: معالم السنن للخطابي: 4/ 135.
بَابُ مَا جَاءَ في المِرَاءِ
1327 -
(1993) - (4/ 358) حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكَرِّمٍ العَمِّيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ اللَّيْثِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ بُنِيَ لَهُ فِيْ رَبَضِ الجَنَّةِ، وَمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنى لَهُ فِي وَسَطِهَا، وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا".
وَهَذَا الحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْن وَرْدَانَ، عَنْ أَنسِ بن مَالِكٍ.
• قوله: "مَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ
…
" إلخ، قال القاضي: قال العلماءُ المرادُ هو المُنازَعَةُ في القَوْل أو العَمَل، أو الاعتقادُ بقَصْدِ البَاطل وإن كان بقَصْد الحَقِّ فهو جِدَالٌ، وقد تُذكر الشُّبْهةُ في مَعْرض الدَّليل ويكونُ مِراءً أيضًا وهو مِنْ مَرَيْتَ النَّاقةَ إذا اسْتَخْرجْتَ ما في ضَرْعِها، فكأنَّك تستخرجُ به ما عندَك أو عندَ صاحبك من القَول
(1)
.
• وقوله: "مَنْ تَرَكَ الكَذِبَ": هكذَا في بعض نُسَخ الكِتَاب، وفي نُسْخةِ القَاضي المِرَاء
(2)
، وكأنَّ المرادَ بالكذبِ المراءُ بالباطل. والله تعالى أعلم.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 122.
(2)
راجع: المصدر السابق نفسه: 8/ 121، وكذلك في نسخة أحمد شاكر للترمذي.
1328 -
(1995) - (4/ 359) حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا المُحَارِبِيُّ عَنِ اللَّيْثِ وَهُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْد المَلِكِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تُمَارِ أَخَاكَ، وَلَا تُمَازِحْهُ، وَلا تَعِدْهُ مَوْعِدًا فَتُخْلِفَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَعَبْدُ المَلِكِ عِنْدِي هُوَ ابْنُ بَشِيرٍ.
• قوله: "لَا تُمَارِي": -بإثباتِ الياء- نفيٌ بمعنى النَّهْي، والنَّهْي في "تُمَازِحُه" محمولٌ على الإكْثَار، أو على ما إذَا أفْضَى إلى الإيْذَاء أو خلافِ الْحَقِّ وهو الغالبُ في مُزَاح النَّاس.
• وقوله: "تُخْلِفَهُ": من الإخْلافِ، أو النَّهْي عن الإخلافِ بعدَ الوَعْد.
بَابُ مَا جَاءَ فِى المُدَارَاةِ
1329 -
(1996) - (4/ 359 - 360) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن المُنْكَدِرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَجُل عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأنَا عِنْدَهُ فَقَالَ: "بِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ أَوْ أَخُو العَشِيرَةِ" ثُمَّ أَذِنَ لَهُ، فَألَانَ لَهُ القَوْلَ، فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ القَوْلَ فَقَالَ:"يَا عَائِشَةُ! إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قالوا: "المُدَارَاة": بذلُ الدُّنْيا لصَلاحِ الدُّنْيا أو لصَلاح الدِّيْن أو لصَلاحِهما كما بَذَل له صلى الله تعالى عليه وسلَّم حسنَ عِشْرَتِه، والرِّفق في مُكالَمته بخلافِ الْمُدَاهَنة فإنَّه بَذْلُ الدِّيْن لصِلاحَ الدُّنْيا.
• قوله: "رَجُلٌ": وكانَ الرَّجُل رئيسًا قَوْمِه، وحُمِلَ هذا القولُ على أنَّه كانَ من باب النَّصِيْحةِ لمَنْ لا يُعْرَف حالُه، أو الرَّجل كان مُعْلِنًا مُجَاهِرًا بالسُّوْءِ ولا غيبةَ لمثله.
• قوله: "العَشِيرَة": الجَماعةُ والقبيلةُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِى الكِبْرِ
1330 -
(1998) - (4/ 360 - 361) حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كبْرٍ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَلَمَةَ بْن الْأَكْوَعِ، وَأَبِي سَعِيدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "منْ كِبْرٍ":-بكَسْر الكاف، وسكون الباء- وهذا الحديثُ ظاهرُه يوافق قولَه تعالى:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}
(1)
ولعلَّ المرادَ به لا يدخل الجنَّة أوَّلا، والمراد بالثَّاني لا يَخْلُدُ في النَّار. والله تعالى أعلم.
1331 -
(2001) - (4/ 362) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذئْبٍ عَنِ القَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ نَافِعِ بْن جُبَيْرِ بْن مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَكُونُونَ فِي التِّيهِ وَقَدْ رَكِبْتُ الْحِمَارَ وَلَبِسْتُ الشَّمْلَةَ وَقَدْ حَلَبْتُ الشَّاةَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ فَعَلَ هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ مِنَ الكِبْرِ شَيْءٌ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "فِي التِّيهِ": في -تشديد الياء- والتِّيْهُ: التَّكَبُّر.
(1)
القصص: 83.
بَابُ مَا جَاءَ فِي حُسْن الخُلُقِ
1332 -
(2002) - (4/ 362 - 363) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْن دِينَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْن مَمْلَكٍ، عَنْ أمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا شَيْءٌ لا أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنسٍ، وَأُسَامَةَ بْن شَرِيكٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "الفَاحِش"، أي: فعلُ البَذِيء، أي: قولًا، ويمكنُ أنْ يكونَ مِنْ بابِ التَّأكيدِ أو البَيانِ.
1333 -
(2004) - (4/ 363) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، فَقَالَ:"تَقْوَى اللهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ"، وَسُئِلَ فَيْ أكثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ:"الفَمُ وَالفَرْجُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأوْدِيُّ.
1334 -
(2005) - (4/ 363) حَدَّتنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن المُبَارَكِ، أَنَّهُ وَصَفَ حُسْنَ الخُلُقِ فَقَالَ:"هُوَ بَسْطُ الوَجْهِ، وَبَذْلُ المَعْرُوفِ، وَكَفُّ الأَذَى".
• قوله: "بَسْطُ الوَجْهِ"، أي: بِشرتُه وطَلاقَتُه.
• "وَبَذْلُ المَعْرُوفِ"، أي: الإحسانُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الإحْسَانِ وَالعَفْوِ
1335 -
(2006) - (4/ 364) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! الرَّجُلُ أَمُرُّ بِهِ فَلَا يَقْرِينِي وَلَا يُضَيِّفُني فَيَمُرُّ بِي أَفَأقْريهِ؟ قَالَ: "لا، أَقْرِهِ" قَالَ: وَرَآنِي رَثَّ الثِّيَاب، فَقَالَ:"هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟ " قُلْتُ: مِنْ كُلِّ المَالِ قَدْ أَعْطَانِيَ اللهُ مِنَ الإِبِلِ وَالغَنَمِ، قَالَ:"فَلْيُرَ عَلَيْكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو الأحْوَصِ اسْمُهُ: عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ الجُشَمِيُّ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ أقْرِهِ: أَضِفْهُ، وَالقِرَى: هُوَ الضِّيَافَةُ.
• "قوله: "فَلَا يَقْرِينِي": من قَرَى الضَّيْفَ أضافَه مِنْ حَدِّ ضَرب.
• وقوله: "فَلْيُرَ": على بناءِ المفعول وضميرُه للمال، أي: أثرُه.
1336 -
(2007) - (4/ 364) حَدَّثَنَا أَبُو هِشامٍ الرِّفَاعِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الْوَليدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاؤُوْا فَلَا تَظْلِمُوا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• وقوله: "وَطِّنُوا": من التَّوْطِين.
بَابُ مَا جَاءَ فِى زِيَارَةِ الإِخْوَانِ
1337 -
(2008) - (4/ 365) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَالْحُسَيْنُ بْن أَبِي كَبْشَةَ البَصْرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ السَّدُوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ القَسْمَلِيُّ هُوَ الشَّامِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاه مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو سِنَانٍ اسْمُهُ: عِيسَى بْن سِنَانٍ. وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنْ هَذَا.
• قوله: "أَنْ": كلمةُ "أنْ" للتَّفْسير لِمَا في النِّداءِ من معنى القَوْل.
• و"طِبْتَ": دعاءٌ له. "وَطَابَ مَمْشَاكَ"، أي: مشيُك، أي: دعاءٌ بأن يَصيرَ مقبولًا عندَ اللهِ، موجبًا لرضاه.
• "وَتَبَوَّأْتَ"، أي: اتَّخَذْتَ لنَفْسِك، ويحتمل أنَّه إخْبارٌ له باسْتِحْقَاقِه الأجرَ، وقبولِ مَشْيِه عندَ اللهِ.
فإن قلتَ: لا فائدةَ في المُناداةِ إذا لم يَسْمَعْ. قلتُ: إخبارُ الرَّسولِ الصَّادق يُغْنِي عن السِّماع صلى الله تعالى عليه وسلَّم. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِى الحَيَاءِ
1338 -
(2009) - (4/ 365 - 366) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَة بْنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْد الرَّحِيمِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَالبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ، وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَعِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "الحَيَاءُ": منَ الإيْمَان، أي: من أسْبَابِه كما هو المُناسِبُ بقوله: "والإيْمَانُ مِنَ الْجَنَّةِ" أو شعبةٌ منه كما وَوَدَ به الحديثُ، فعلى الأوَّل يُحْمَل الحياءُ على الغَريز، أي: فإنَّه يُعِيْن على الإيْمَان، وعلى الثَّانِي على المُكْتَسب وهو أنْ يُلاحِظَ ربَّه فيستعملَ نفسَه على قانونِ الشَّرع. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّأنِّي وَالعَجَلَةِ
1339 -
(2010) - (4/ 366) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عِمْرَانَ، عَنْ عَاصِمِ الأحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن سَرْجِسَ المُزَنِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الَسَّمْتُ الحَسَنُ، وَالتُّؤَدَةُ وَالاقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ".
وَفِي البَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن سَرْجِسَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَاصِمٍ، وَالصَّحِيحُ حَدِيث نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ.
• قوله: "السَّمْتُ": -بفَتح، فسكون- أي: الهيئةُ الحسنةُ في المُعامَلة والمُباشَرة في أمور الدُّنيا والآخرةِ.
1340 -
(2011) - (4/ 366 - 367) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ:"إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الحِلْمُ، وَالأَنَاةُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وفي الْبَابِ عَنِ الْأشَجِّ الْعَصَرِيِّ.
• "وَالأَنَاةُ": -بفتح أوَّلِه وهي مقصورةٌ- التَّثَبُّتُ وتركُ العجَلةِ. قيل: سببُ أنَاةِ الأشجِّ أنَّ الوفدَ لمَّا وَصلوا المدينةَ بادَرُوْا إلى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلَّم، وقامَ الأشَجُّ عندَ رِحَالِهم فجمعها وعقل ناقتَه، ولَبِس أحسنَ ثيابِه، ثُمَّ أقبلَ إليه صلى الله تعالى عليه وسلَّم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دَعْوَةِ المَظْلُومِ
1341 -
(2014) - (4/ 368) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْن إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيىَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ:"اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو مَعْبَدٍ اسْمُهُ: نَافِذٌ.
• قوله: "اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ": كنايةٌ عن اتِّقَاء الظُّلمِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِى خُلُق النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم
1342 -
(2016) - (4/ 369) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أنْبَأنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الجَدَلِيَّ، يَقُولُ: سأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ:"لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلا صَخَّابًا فِي الأسْوَاقِ، وَلا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفحُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الجَدَلِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ بْنُ عَبْدٍ، وَيُقَالُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ.
• قوله: "وَلَا صَخَّابًا"، أي: مُرْتَفِع الصَّوتِ في الأسْواق، والمَطْلوبُ نَفْئ القَيْد والمُقَيَّد، أي: ما كانَ يرفَع صوتَه لسُوْء خُلُقِه بل كان حَسَن الخُلُق، ولا مشتَغِلًا بأموو الدُّنْيا المتعلِّقةِ بالأسْواقِ. وصيغةُ المُبالَغة للمُبالَغة في النَّفْي كما قالوا في قوله تعالى:{وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}
(1)
أو هو صيغةُ النِّسْبَة كتمَّار. بالجُمْلة ليس الكلامُ لنَفْي المبالغةِ مع إبْقَاء أصلِ الصَّخْب على حَالِه. والله تعالى أعلم.
(1)
آل عمران: 182.
بَابُ مَا جَاءَ فِي حُسْنِ العَهْدِ
1343 -
(2017) - (4/ 369) حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:"مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ أَدْرَكْتُهَا وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِكَثْرَةِ ذِكرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيَتَتَبَّعُ بِهَا صَدَائِقَ خَدِيجَةَ فَيُهْدِيهَا لَهُنَّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "غِرْتُ": -بكَسْر الغين- من الغَيْرة. "وَمَا بِيْ"، أي: مَالِي غيرة لأجل إدراكِ مَقَامِها وفضلها.
بَابُ مَا جَاءَ فِى مَعَالِي الأَخْلَاقِ
1344 -
(2018) - (4/ 370) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْن حرَاشٍ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنكُمْ أَخْلاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: "المُتكَبِّرُونَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ المُبَارَكِ بْن فَضَالَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْن سَعِيدٍ وَهَذَا أَصَحُّ. وَالثَّرْثَارُ: هُوَ الكَثِيرُ الكَلَام. وَالمُتَشَدِّقُ الَّذِي يَتَطَاوَلُ عَلَى النَّاسِ فِي الكَلَامِ وَيَبْذُو عَلَيْهِمْ.
• قوله: "وَالمُتَشَدِّقُ": منَ التَّشَدُّق وهو المُتكَلِّم بأقْصَى فَمِه، والمرادُ التكلُّم بأقصى ما يُمْكِن الوصولُ إليه.
• "وَالمُتَفَيْهِقُونَ": من الفَهْق -بزيادةِ اليَاءِ بعدَ الفَاء، والتَّاء في أوَّله إلحَاقًا له بالرُّباعيِّ المَزيدِ- وهو الامتلاءُ والاتِّسَاعُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِى كَثْرَةِ الْغَضَبِ
(1)
1345 -
(2021) - (4/ 372) حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَرْحُومٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ سَهْلِ بْن مُعَاذِ بْن أَنَسٍ الجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَه دَعَاهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُؤُوْسٍ الخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرهُ فِي أيِّ الحُورِ شَاءَ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "أَنْ يُنَفِّذَهُ": من الإنْفاذِ وهو الإمْضَاء، أي: يَستطيع أنْ يَمْضِي على مقتضَاه.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ فِي كَظْمِ الغَيْظِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إجْلَالِ الكَبِيرِ
1346 -
(2022) - (4/ 372 - 373) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ بَيَانٍ العُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّحَّالِ الأَنْصَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ الله لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَذَا الشَّيْخِ يَزِيدَ بْن بَيَانٍ. وَأَبُو الرِّجَالِ الأَنْصَارِيُّ آخَرُ.
• قوله: "قَيَّضَ": -بالتَّشديدِ- أي: هيَّأ وَيسَّر. قيل: يفيدُ أنَّ الشَّابَ يبلغُ سِنَّ ذلك الشَّيخِ؛ لأنَّه أخْبرَ أنَّ له سِنًّا يُكَافِيه فيها بإكرامِه، وهذا محمولٌ على الغالبِ أو على تقدير الشَّرطِ، أي: يُقَيِّضُ اللهُ تعالى إنْ كانَ سِنٌّ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُتَهَاجرَيْن
1347 -
(2023) - (4/ 373) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: تُفَتَّحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الِإثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ فَيُغْفَرُ فِيهِمَا لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا المُهْتَجِرَيْنِ، يُقَالَ: رُدُّوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَيُرْوَى فِي بَعْضرِ الحَدِيثِ: "ذَرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلهِ المُهْتَجِرَيْنِ: يَعْنى المُتَصَارِمَيْنِ، وَهَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ:"لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاه فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ".
• قوله: "المُتَصَارِمَيْن": المُتَقَاطِعَيْن.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّبْر
1348 -
(2024) - (4/ 373 - 374) حَدَّثَنَا الأنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْن يَزِيدَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ، أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فأعْطاهُمْ، ثُمَّ سَأَلوه فأعْطاهُمْ، ثمَّ قال:"مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَه عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ شَيْئًا هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَنَسٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ هَذَا الحَدِيثُ:"فَلَنْ أَذْخَرَه عَنْكُمْ"، وَالْمَعْنَى فِيهِ وَاحِدٌ يَقُولُ:"لَنْ أَحْبِسَهُ عَنْكُمْ".
• "قوله: "يُعِفَّهُ الله": من الإعْفَافِ.
• وقوله: "وَمَنْ يَتَصَبَّرْ
…
" إلخ، أي: من يَتَعَاطَى الصَّبْرَ أعانَه الله تعالى عليه، وكوُنه أوْسَع لأنَّه اشْتَمل الخَيراتِ كلِّها، إذ كلُّها يحصلُ بوَاسِطَةِ صَبْرْ النَّفْس على خلافِ هَوَاهَا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِي الوَجْهَيْن
1349 -
(2025) - (4/ 374) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ ذَا الوَجْهَيْنِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَنسٍ، وَعَمَّارٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "الوَجْه": بمَعْنى القَصْدِ والصِّفَةِ، أي: أنْ يكونَ معَ كُلِّ قَوْمٍ على قَصْدٍ وَصِفَةٍ يُخَالِف القَصْدَ الذي عليه مع آخرين.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا
1350 -
(2028) - (4/ 376) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَا، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِهِمَا، فَالتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا أَوْ إِنَّ بَعْضَ البَيَانِ سِحْرٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عَمَّارٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن الشِّخِّيرِ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا"، أي: يُوْقِعُ النَّاسَ في الحُبِّ لبَلاغَتِه كالسِّحْر.
بابُ مَا جَاءَ فِي التَّوَاضُع
1351 -
(2029) - (4/ 376 - 377) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ العَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ رَجُلًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، أوْ مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن عَوْفٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي كبْشَةَ الأنْمَارِيِّ، وَاسْمُهُ: عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ"، أي: لنُزُولِ الْبَركَة فيه بالصَّدَقةِ من النُّقْصَان الْحِسِيِّ، إمَّا بالنَّمَاءِ الظَّاهريِّ، وإمَّا بحُصُولِ الثَّوابِ المَقْصودِ للمُؤمِن.
• وقوله: "إِلَّا عِزًّا"، أي: لأنَّه يُورِثُ الموَّدةَ التي يَصِيرُ بسَبِبها الإنسانُ عزيزًا في المواطن بخلافِ الانتقام فإنَّه غايتُه إقامةُ الهَيْبةِ في الظَّاهر ليَخَافَه الخَلْقُ ظاهرًا.
• وقوله: "إلَّا رَفَعَهُ اللهُ": أي: عندَه وعندَ النَّاس لِمَا يَحْصُل لهم من حُسْن الاعْتِقَاد.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرْكِ العَيْبِ لِلنِّعْمَةِ
1352 -
(2031) - (4/ 378 - 377) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:"مَا عَابَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ كَانَ إِذَا اشْتَهَاه أَكلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ الأَشْجَعِيُّ الكُوفِيُّ، وَاسْمُهُ سَلْمَانُ مَوْلَى عَزَّةَ الأَشْجَعِيَّةِ.
• قوله: "مَا عَابَ"، أي: لأنَّه يَكْسِر قلبَ صَانِعِه.
• وقوله: "إِذَا اشْتَهَاه": الظَّاهرُ أنَّ كلمةَ "إذا" بمعنى "إنْ" الشَّرطِيَّة لمُقَابَلَتِها بقَوْلِه: "وَإِلَّا".
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعْظِيمِ اِلمُؤْمِن
1353 -
(2032) - (4/ 378) حَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ أَكْثَمَ، وَالجَارُودُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالا: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ أَوْفَى بْن دَلْهَمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ مَنْ قدْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلا تَتَبِّعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ". قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ: "مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الحُسَيْنِ بْن وَاقِدٍ. وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّمَرْقَنْدِيُّ عَنْ حُسَيْنِ بْن وَاقِدٍ نَحْوَه، وَرُوِي عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأسْلَمِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوُ هَذَا.
• قوله: "صَعِدَ": كسَمِعَ.
• وقوله: "وَلَمْ يُفْضِ": من الإفْضَاء بمعنى الوُصُوْل.
• وقوله: "وَلا تَتَبَّعُوا": [بفَتْح] الثَّلاثِ الأوَلِ مع تَشديد البَاء.
• وقوله: "تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ"، أي: لم يُسْتُر عُيُوبَه.
• "وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ"، أي: ولو فعل ذلك الفِعْلَ الذي يُفْضِحُه اللهُ تعالى به في وَسَط مَنزِله.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُتَشَبِّعِ بِماَ لَمْ يُعْطَهُ
1354 -
(2034) - (4/ 379 - 380) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عُمَارَةَ بْن غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ، فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى فَقَدْ شَكَرَ، وَمَنْ كتَمَ فَقَدْ كفَرَ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَهُ كانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وفي البَابِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَائِشَةَ. وَمَعْنَى قَوْلهِ:"وَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ كَفَرَ" يَقُوُل: قَدْ كَفَرَ تِلْكَ النِّعْمَةَ.
• قوله: "فِي المُتَشَبِّعِ بِمَا لَمْ يُعْطَهُ"، أي: المُتَشَبِّهُ بالشَّبْعَان وليسَ به، المُظْهِر شَبْعَه.
• "بِمَا لَمْ يُعْطَهُ": على بناءِ المفعول، أي: بالفَضيلةِ والخِصْلَةِ التي لم يَرْزُقْه اللهُ تعالى.
• قوله: "مَنْ أعْطِيَ": على بناءِ المفعول.
• وقوله: "فَوَجَدَ"، أي: ما يُكَافيءُ به ذلك العطاءَ.
• وقوله: "فَلْيَجْزِ": من الجَزاء.
وقوله: "وَمَنْ تَحَلّى": تكَلَّف بإظهارِ ما ليس عنده من الفضائل وتزَيَّنَ به.
• وقوله: "كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ"، أي: كمَنْ يَلْبَس ثيابَ الزُّهْد، ويُظْهِرُ التَّخَشُّعَ وليسَ بزَاهدٍ، أو كمَنْ يَلْبَس الثِّيَابَ الحَسَنة ليُصَدَّقَ في شهادةِ الزُّورِ ولا تُرَدُّ شهادتُه لحُسْن لِبَاسِه. وتَثْنِيَةُ الثَّوبِ؛ لأنَّ عادتَهم كانَتْ لَبْسُ الإزار والرِّدَاء. والله تعالى أعلم.
1355 -
(2035) - (4/ 380) حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ بِمَكَّةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا الأَحْوَصُ بْنُ جَوَّابٍ، عَنْ سُعَيْرِ بْنِ الخِمْسِ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ جَيِّدٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا فَلَمْ يَعْرِفْهُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ حَازِمٍ البَلْخِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ المَكِّيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، يَقُوُل: كُنَّا عِنْدَ ابْن جُرَيْجٍ المَكِّيِّ، فَجَاءَ سَائِلٌ فَسَأَلَهُ، فقال ابْنُ جُرَيْجِ لِخَازِنهِ:"أعْطِهِ دِينَارًا"، فقال: مَا عِنْدِي إِلَّا دِينَارٌ إِنْ أعْطيْتُهُ لَجُعْتَ وَعِيَالُكَ، قَالَ: فَغَضِبَ وَقَالَ: "أَعْطِهِ"، قَالَ المَكِّيُّ: فَنَحْنُ عِنْدَ ابْنِ جُرَيْج إِذْ جَاءَه رَجُلٌ بِكِتَابِ وَصُرَّةٍ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ بَعْضُ إِخْوَانِهِ، وَفِي الكِتَابِ: إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ خَمْسِينَ دِينَارًا، قًالَ: فَحَلَّ ابْنُ جُرَيْج الصُّرَّةَ فَعَدَّهَا فَإِذَا هِيَ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ لِخَازِنهِ: "قَدْ أعْطَيْتَ وَاحِدًا فَرَدَّه اللهُ عَلَيْكَ وَزَادَكَ خَمْسِينَ دِينَارًا".
• قوله: "أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ": أبلغَ نفسَه في الثَّناءِ غايةَ ما يُطْلَب من الثَّناءِ.
أَبْوَابُ الطِّبِّ
(1)
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِمْيَةِ
• قوله: "فِي الْحِمْيَة": من حَمَيْتَ المريضَ الطَّعامَ حِمْيةً، أي: مَنَعْته منه.
1356 -
(2036) - (4/ 381 - 382) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَارَةَ بْن غَزِيَّةَ، عَنْ عَاصِمِ بْن عُمَرَ بْن قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْن لَبِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ المَاءَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ صُهَيْبٍ، وَأُمِّ المُنْذِرِ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ مَحْمُودِ بْن لَبِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرٍ و، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ الطِّبِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
نَحْوَه وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ قَتَادَةَ بْن النُّعْمَانِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَتَادَة بْنُ النُّعْمَانِ الظَّفَرِيُّ هُوَ أَخُو أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ لِأُمِّهِ. وَمَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَرَآهُ وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ.
1357 -
(2037) - (4/ 382) حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْن أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ أُمِّ المُنْذِرِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ عَلِيٌّ وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ، قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ وَعَلِيٌّ مَعَهُ يَأْكُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ:"مَهْ مَهْ يَا عَلِيُّ، فَإِنَّكَ نَاقِةٌ"، قَالَ: فَجَلَسَ عَلِيٌّ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا عَلِيُّ! مِنْ هَذَا فَأَصِبْ، فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحِ. وَيُرْوَى عَنْ فُلَيْحٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، قَالَا: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ أُمِّ المُنْذِرِ الأَنْصَارِيَّةِ في حَدِيْثِه، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ يُونُسَ بْن مُحَمَّدٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:"أَنْفَعُ لَكَ". وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: وَحَدَّثَنِيهِ أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. هَذَا حَدِيثٌ جَيِّدٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "دَوَالٍ": في النِّهايةِ الدَّوالي: جمع دَاليةٍ، وهي العِذْقُ من البُسْر يُعَلِّقُ فإذَا أرْطَبَ أكِلَ
(1)
.
(1)
راجع: النهاية الجزرية لابن الأثير: 4/ 1425.
• وقوله: "مَهْ": كلمةٌ يُرادُ بِها الكَفُّ.
• و"النَاقِه": قريبُ العَهْد بالمَرْض.
• وقوله: "فَجَعَلْتُ لَهُمْ": -بالجَمْع- إمَّا لأنَّ المرادَ به هُمَا وأهْلُ البيتِ أو للتَّعْظيم.
• "وَالسِّلْقُ": -بكسر السِّينِ، وسكون اللَّام- معروفٌ.
• قوله: "حَمَاهُ الدُّنْيَا"، أي: مَنَعَه منها.
• و"يَظَلُّ": من ظَلَّ وهو مُقَابِلُ باتَ.
• و"يَحْمِي": كيَضْرب، أي: يَمْنَعُه من الماءِ اغتسالًا أو شُرْبًا إذا كان الشُّربُ يَضُرُّه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الدَّوَاءِ وَالحَثِّ عَلَيْهِ
1358 -
(2038) - (4/ 383) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زِيَادِ بْن عِلَاقَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْن شَرِيكٍ، قَال: قَالَتِ الأعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: "نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ: دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِدًا" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا هُوَ؟ قَالَ: "الهَرَمُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي خُزَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أو": كلمةُ "أوْ" شَكٌّ من الرَّاوِي.
• قوله: [الْهَرَمُ]: هو ضُعْفُ الْكِبْر، وعَدَّه في الأسْقَام وإن لَمْ يَكُنْ منها؛ لأنَّه من أسْبابِ الهَلاكِ ومقدَّمَاتِه كالدَّاء، أو لأنَّه يُغَيِّر البدنَ عن القوَّةِ والاعتدَال كالدَّاءِ.
بَابُ مَا جَاءَ مَا يُطْعَمْ المَريضُ
1359 -
(2039) - (4/ 383 - 384) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ بَرَكَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ أَهْلَهُ الوَعْكُ أَمَرَ بِالحِسَاءِ فَصُنِعَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَحَسَوْا مِنْهُ، وَكَانَ يَقُولُ:"إِنَّهُ لَيَرْتُقُ فُؤَادَ الحَزِينِ، وَيَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقِيمِ كَمَا تَسْرُو إِحْدَاكُنَّ الوَسَخَ بِالمَاءِ عَنْ وَجْهِهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا به أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالقَانِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ.
• قوله: "الوَعْكُ": -بفتح، فسكون-[الحُمَّى] أو ألَمُها. والحَسَاءِ": -بالفتح والمَدِّ- طَبيخٌ يُتَّخَذُ من ماءٍ ودَقيقٍ ودُهْنٍ.
• وقوله: "فَحَسَوْا مِنْهُ"، أي: شَرِبُوا، والضَّميرُ للأهل.
• وقوله: "لَيَرْتُوا"
(1)
: -الرَّاء بعدَها مُثَنَّاةٌ من فَوقٍ بعدَها واوٌ- يَشُدُّه ويُقَوِّيْه. "وَيَسْرُو": -بسِين مُهْملةٍ، ثم رَاء، ثم واو- أي: يكشِفُ عن فؤادِه الألمَ ويُزِيْلُه.
(1)
هكذا في المخطوط، وفي نسخة أحمد شاكر للترمذي:"لَيَرْتُقُ" كما ذُكِر في متن الحديث.
بَابُ مَا جَاءَ لَا تُكْرهُوا مَرْضَاكُم عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
1360 -
(2040) - (4/ 384) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ يُونُسَ بْن بُكَيْرٍ عَنْ مُوسَى بْن عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوُل اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَإِنَّ اللهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "يُطْعِمُهُمْ"، أي: يُغْنِيْهِم عن الطَّعام والشَّرابِ بما يَخْلُق لهم من القوَّةِ بلا طَعامٍ ولا شَرابٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ
1361 -
(2041) - (4/ 385) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَمَرٍو، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُومِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ" وَالسَّامُ المَوْتُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ بُرَيْدةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالحَبَّةُ السَّوْدَاءُ هِيَ الشُّونِيزُ.
• قوله: "مِنْ كُلِّ دَاءٍ": قال القاضي: أي مِنَ الْعِلَل عن بَرْدٍ أو رطُوبةٍ إلا أنْ يَخْلُقَ اللهُ تعالى الموتَ عندَها
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 150.
بَابُ مَا جَاءَ فِي شُرْب الأبْوَالِ
(1)
1362 -
(2042) - (4/ 385) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، وَثَابِتٌ، وَقَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَقَالَ:"اشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَاجْتَوَوْهَا"، أي: لم يُوَافِقْهم هواءُها.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي شُرْبِ أَبْوَالِ الإِبِلِ.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ أوْ غَيْرهِ
1363 -
(2043) - (4/ 386) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا عَبِيدَة بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَرَاه رَفَعَهُ قَالَ:"مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا أَبَدًا".
• قوله: "يَتَوَجَّأُ": -هو مهموز الآخر- أي: يضربُ بِها بطنَه. و"يَتَحَسَّاه ": -ناقصٌ- أي: يَشْربُه ويَتَجَرَّعُه. و"خَالِدًا مُخَلَّدًا": إنْ صَحَّ فهو محمولٌ على من يَسْتَحِلُّ ذلك. والله تعالى أعلم.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] كرَاهِيَةِ التَّدَاوي بالمُسْكِر
1364 -
(2046) - (4/ 387 - 388) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَة، عَنْ سِمَاكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلقمَةَ بْنَ وَائِلٍ، عَنْ أَبيهِ، أَنَّهُ شهِدَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَسَأَلهُ سُوَيْدُ بْنُ طارِقٍ، أوْ طارِق بْن سُوَيْدٍ عَنِ الخَمْرِ فنَهَاهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّا نَتَدَاوَى بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهَا دَاءٌ". حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَشَبَابَةُ، عَنْ شُعْبَةَ، بِمِثْلِهِ.
قَالَ مَحْمُودٌ: قَالَ النَّضرُ: طَارِقُ بْنُ سُوَيْدٍ، وَقَالَ شَبَابَةُ: سُوَيْدُ بْنُ طَارِقٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَلَكِنَّهَا دَاءٌ": قال القاضي: إنْ قِيل: فنحن نُشَاهِد الصِّحَّةَ والقوَّة عند شُرْبِها؟ قلنا: إنَّ ذلك إمْهَالٌ واسْتِدْرَاجٌ، وأنَّ الدَّواءَ مِمَّا يُصَحِّحُ البدنَ ولا يُسْقِم الدِّينَ فإذَا أسْقَم الدِّيْنَ فدواءُه أعظمُ من دَائِه
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 152.
بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّعُوطِ [وَغَيْرهِ]
1365 -
(2047) - (4/ 388) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَدُّوَيْهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ الشَعْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ السَّعُوطُ، وَاللَّدُودُ، وَالحِجَامَةُ، وَالمَشِيُّ"، فَلَمَّا اشْتكَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَدَّه أَصْحَابُهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ:"لُدُّوهُمْ" قَالَ: فَلُدُّوا كلُّهُمْ غَيْرَ العَبَّاسِ.
• قوله: "لَدَّهُ أَصْحَابُهُ": سبُبه أنَّه صلى الله تعالى عليه وسلَّم أغْمِيَ عليه فظنُّوا أنَّ وَجْعَه ذاتُ الجنب فلدُّوه، فجعل يُشِيرُ إليهم أنْ لا يَلُدُّوْه، فقالوا: كراهيةُ المريضِ للدَّواء، فلمَّا أفاقَ قال:"ألَمْ أنْهَكُمْ أنْ تَلُدُّوْنِي؟ "
(1)
فقالوا: ظنَنَّا كراهيةَ المريض للدَّواء فأمرَهم أن يُلَدُّوْا، والعبَّاسُ لم يكن حاضرًا حينئذٍ فلذا اسْتَثْنَي.
قيل: أمرَ بذلك اقتصاصًا وتعقَّب بأنَّ الجميعَ لم يَتَعاطَوْا ذلك، وإنَّما فعل بِهم عقوبةً لهم لتَرْكِهم امتثالَ نَهْيه وتأديبًا لهم لئلا يعودوا لمِثْلِه، ولم يكن اقتصاصًا منه لنَفْسِه وانتقامًا حتى يُنَافِي ما ورد أنَّه "كَانَ لا ينْتَقِمُ لِنَفْسِهِ بَلْ يَعْفُوْ".
(1)
راجع: صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، ح:4458.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ [التَّدَاوِي] بالكَيِّ
1366 -
(2049) - (4/ 389) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الكَيِّ، قَالَ: فَابْتُلِينَا فَاكتَوينَا فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ القُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:"نُهِينَا عَنِ الكَيِّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ
وَهَذَا حَدِيث حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَاكْتَوينَا": حَمَلوا النَّهْيَ على التَّنزيهِ ففَعَلُوا كما يدُلُّ عليه أحاديثُ الرُّخْصَةِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِجَامَةِ
1367 -
(2053) - (4/ 391) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُوُل: كَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ غِلْمَةٌ ثَلَاثَةٌ حَجَّامُونَ، فَكَانَ اثْنَانِ مِنْهُمْ يُغِلَّانِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ وَوَاحِدٌ يَحْجُمُهُ وَيَحْجُمُ أَهْلَهُ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ العَبْدُ الحَجَّامُ، يُذْهِبُ الدَّمَ، وَيُخِفُّ الصُّلْبَ، وَيَجْلُو عَنِ البَصَرِ"، وَقَالَ:"إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ عُرِجَ بِهِ مَا مَرَّ عَلَى مَلَإٍ مِنَ المَلائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: عَلَيْكَ بِالحِجَامَةِ".
وَقَالَ: "إِنَّ خَيْرَ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ يَوْمَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَيَوْمَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَيَوْمَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ" وَقَالَ: "إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ السَّعُوطُ وَاللَّدُودُ وَالحِجَامَةُ وَالمَشِيُّ" وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَدَّه العَبَّاسُ وَأَصْحَاُبهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ لَدَّنِي؟ " فَكُلُّهُمْ أَمْسَكُوا، فَقَالَ: لا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ فِي البَيْتِ إِلَا لُدَّ غَيْرَ عَمِّهِ العَبَّاسِ. قَالَ عَبْدٌ: قَالَ النَّضْرُ: اللَّدُودُ: الوَجُورُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْن مَنْصُورٍ، وفي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ.
• قوله: "لَدَّه العَبَّاسُ": كأنَّه كانَ دخيلًا في المَشُورةِ وإن لم يَكُنْ مشاهدًا كما في البُخاري ذكره في المواهب
(1)
.
(1)
لم نجد هذه العبارة في المواهب اللدنية مع بحث وتمحيص.
• قوله: "الوَجُورُ": -بفَتْح الوَاو- المشهورُ أنَّ الوَجُوْرَ هو ما يُصِيْبُ في الحلق. و"اللَّدُودُ": ما يُجْعل في طَرْفِ الفم، ومنهم من فسَّرهما بما يُوْضَع في الْفَم فجعلَهما واحدًا كما ذكره المُصَنِّفُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّدَاوي بالحِنَّاءِ
1368 -
(2054) - (4/ 392) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الخَيَّاطُ، حَدَّثَنَا فَائِدٌ مَوْلًى لِآلِ أَبِي رَافِع، عَنْ عَلِيِّ بْن عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ جَدَّتِهِ سَلْمَى، وَكَانَتْ تَخْدمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ:"مَا كَانَ يَكُونُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرْحَةٌ وَلَا نَكْبَةٌ إِلَّا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَضَعَ عَلَيْهَا الحِنَّاءَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ فَائِدٍ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ فَائِدٍ، وَقَالَ: عَنْ عُبَيْدِ الله بْن عَلِيٍّ، عَنْ جَدَّتِهِ سَلْمَى. وَعُبَيْدُ الله بْن عَلِيٍّ أَصَحُّ، وَيُقَالُ: سُلْمَى.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْن حُبَاب عَنْ فَائِدٍ، مَوْلَى عُبَيْدِ الله بْن عَلِيٍّ، عَنْ مَوْلَاه عُبَيْدِ اللهِ بْن عَلِيٍّ، عَنْ جَدَّتِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه بِمَعْنَاهُ.
• قوله: "قَرْحَةٌ": -هو بفَتح، فسكون- واحدُ القَرْح بمعنى الجَرْح، وضَمٍّ القَاف لغة فيهما.
• و"النكْبَة": -بضم فسكون-كالنُّقْطة. وأشارَ القاضي
(1)
إلى ضُعفِ هذا الحديثِ وغيره مِمَّا ورد في الحِنَّاء. والله أعلم.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 161.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ
1369 -
(2056) - (4/ 394 - 393) حَدَّثَنَا عَبْدَة بْنُ عَبْدِ اللهِ الخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَنَسٍ، "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الْحُمَةِ وَالْعَيْنِ وَالنَّمْلَةِ".
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالَا:"حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ الأحْوَلِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ، "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الحُمَةِ وَالنَّمْلَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا عِنْدِي أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشَةَ، وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَأَبِي خُزَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
• قوله: "الْحُمَة": بضَمٍّ ففتح مخفَّف.
• قوله: "النَّمْلَةِ": -بفتح نون، وسكون ميم- قُرُوْحٌ تَخرُج في الجَنب تُرْقى فتَبْرأ بإذن اللهِ تعالى. قيل: خَصَّ الثلاثةَ لتَخْصِيصِها بالسُّؤالِ وإلا فالإذْنُ في غيرها ثابتٌ أيضًا.
1370 -
(2057) - (4/ 394) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ برَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
• قوله: "لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ": قيل: لا يُريد به الحَصْرَ وإنَّما أرادَ أنَّه لا أحقَّ بالرُّقْية منهما لشِدَّةِ الضَّريرةِ فيهما.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقْيَةِ بالمُعَوِّذَتَيْنِ
1371 -
(2058) - (4/ 395) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ المُزَنِيُّ عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ:"كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ المُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نَزَلتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَنسٍ، وَهَذَا حَدِيث حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "مِنَ الجَانِّ": -بالتَّشديدِ- بمعنى جِنْس الجِنِّ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ العَيْنِ
1372 -
(2059) - (4/ 395 - 396) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ وَهُوَ أبُوْ حَاتِمٍ ابْنُ عَامِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْن رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ، أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ قالت، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ تُسْرعُ إِلَيْهِمُ العَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ فَقَالَ: "نَعَمْ، فَإِنَّهُ لَوْ كانَ شَيْءٌ سَابَقَ القَدَرَ لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ وَبُرَيْدَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْن عَامِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْن رِفَاعَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ بِهَذَا.
• قوله: "سَابَقَ القَدَرَ"، أي: نازَعَه في السَّبْقَة أي: لسَابِقِيَّةِ العَين. "لَسَبَقَتْهُ": أي: غَلَبَتْه بالسَّبْق ففي الكلام اختصارٌ للظهور.
[بَابٌ]
1373 -
(2060) - (4/ 396) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَيَعْلَى عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْن عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ يَقُوُل: "أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ"، وَيَقُولُ:"هَكَذَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يُعَوِّذُ إِسْحَاقَ وَإِسْمَاعِيلَ".
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ نَحْوَه بِمَعْنَاه. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "الْهَامَّةُ": -بتَشديدِ الميم- كلُّ ذاتِ سُمٍّ يقتل، وجمعُه الهوَامُّ بتشديد الميم.
• قوله: "وَمنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ": -بتشديد الميم- ذات لَمَم، واللَّمم داءٌ يَلُمُّ من خَبْلٍ، أو جُنونٍ، أو نحوهما، أي: من كُلِّ عين تُصِيبُ بسوءٍ.
[بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ العَيْنَ حَقٌّ وَالغَسْلُ لَهَا]
1374 -
(2061) - (4/ 397) حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كثِيرِ أَبُو غَسَّانَ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْن أَبي كَثِيرِ حَدَّثنِي حَيَّة بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"لا شَيْءَ فِي الهَامِ، وَالعَيْنُ حَقٌّ".
• قوله: "فِي الهَامِ": بتَخفيفِ الميم.
• قوله: "وَالعَيْنُ حَقٌّ": بمعنى لهَا تأثيرٌ بمعنى أنَّها سببٌ عاديٌّ كسَائر الأسْبابِ العَادِيَة يَخْلُق اللهُ تعالى عندَ نظر العَيْن إلى شيءٍ وإعجابِه به مَا شاءَ من هلَكةٍ أو ألَمٍ.
1375 -
(2062) - (4/ 397) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْن خِرَاشٍ البَغْدَاْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنِ ابْنِ طَاؤوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ القَدَرَ لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَحَدِيثُ حَيَّةَ بْن حَابِسٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَى شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كثِيرٍ، عَنْ حَيَّةَ بْن حَابِسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ، وَحَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ لا يَذْكرَانِ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "إِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ": على بناءِ المَفعولِ، أي: سُئِلْتُمْ الغُسْلَ فأجيبوا إليه، وهو إشارةٌ إلى دواءِ الْعَيْن بعدَ إصَابَتِها وهو أنْ يُغْسَل العايِنُ داخِلَةَ إزارِه، ووَجْهِه، ويدَيْه، ومِرْفَقَيْه، ورُكْبَتَيْه، وأطرافَ رِجْلَيْه في قَدْحٍ ثُمَّ يُصَبُّ على مَنْ أصَابه العَيْنُ. واختلفَ النَّاسُ في داخِلَة الإزارِ فقيل: هو الفَرْج، وقال القاضي: والظَّاهر الأقْوى أنَّه ما يَلِي البدنَ من الإزار
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 165.
بَابُ مَا جاءَ فِي أَخْذِ الأَجْر عَلَى التَّعْويذِ
1376 -
(2063) - (4/ 398) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْن إِيَاسٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: بَعَثنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيَّةٍ فَنَزَلْنَا بِقَوْمٍ، فَسَأَلْنَاهُمُ القِرَى فَلَمْ يَقْرُونَا، فَلُدِغَ سَيِّدُهُمْ فَأَتَوْنَا فَقَالُوا: هَلْ فِيكُمْ مَنْ يَرْقِي مِنَ العَقْرَبِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ أَنَا، وَلَكِنْ لَا أَرْقِيهِ حَتَّى تُعْطُونَا غَنَمًا، قَالُوا: فإنَّا نُعْطِيكُمْ ثَلَاثِينَ شَاةً، فَقَبِلْنَا فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ:"الحَمْدُ لِلَّهِ" سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَبَرَأَ وَقَبَضْنَا الغَنَمَ، قَالَ: فَعَرَضَ فِي أَنْفُسِنَا مِنْهَا شَيْءٌ فَقُلْنَا: لَا تَعْجَلُوا حَتَّى تَأْتوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَيْهِ ذكَرْتُ لهُ الذِي صَنَعْتُ، قال:"وَمَا عَلِمْتَ أَنَّهَا رُقيَةٌ؟ اقبِضُوا الغَنَمَ وَاضرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَأَبُو نَضْرَةَ اسْمُهُ المُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْن قُطْعَةَ. وَرَخَّصَ الشَّافِعِيُّ لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى تَعْلِيمِ القُرْآنِ أَجْرًا، وَيَرَى لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بِهَذَا الحَدِيثِ.
وجَعْفَر بنُ إياسٍ هُوَ جَعْفَرُ بنُ أبي وَحْشِيَّةَ وَهُوَ أبُوْ بِشْرٍ. وَرَوَى شُعْبَةُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَهِشَام وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "فَسَأَلْنَاهُمُ القِرَى": -بكَسْر القَاف وفتح الرَّاء- الضِّيَافةُ.
قال القاضي: إنَّما سألُوْهم لأنَّه لم يكن معهم شيءٌ يأكلونَه
(1)
. قلتُ: يمكن أنْ يكونَ سؤالُهم حينَ كانتِ الضِّيَافةُ مؤكَّدةً.
• وقوله: "فَلُدِغَ": -على بناء المَفْعول- أي: عَضَّتْه العَقربُ.
• وقوله: "فَعَرَضَ فِي أَنْفُسِنَا": كنايةٌ عن حُصول التَّرَدُّدِ والشُّبْهةِ في أنفسِهم من ذلك المالِ.
• وقوله: "وَمَا عَلِمْتَ أنَّهَا رُقْيَةٌ": بتقدير العَائدِ، أي: وما علمتَ به.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 166.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقَى وَالأَدْوِيَةِ
1377 -
(2065) - (4/ 399 - 400) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي خِزَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئًا؟ قَالَ:"هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي خِزَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوى عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ كِلا الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنْ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنِ ابْنِ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنْ أَبِي خُزَامَةَ، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ ابْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا أَصَحُّ وَلا نَعْرِفُ لِأبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ.
• قوله: "أَرَأَيْتَ": أي: أخْبِرنِي عن هذه الأشْياءِ فإنَّ الرُّؤيةَ سببُ الإخبار فيُرادُ ذلك.
• وقوله: "هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ": يعني أنَّه قدَّر الأسبابَ والمُسَبَّباتِ ورَبَط المُسَبَّباتِ بالأسباب، فحصولُ المُسَبَّباتِ عن حصولِ الأسْبابِ من جُمْلةِ القَدَر.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الكَمْأَةِ وَالعَجْوَةِ
1378 -
(2066) - (4/ 400 - 401) حدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَة أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْهَمْدَانِيُّ وَهُوَ ابْنُ أَبِي السَّفَرِ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "العَجْوَة مِنَ الجَنَّةِ وَفِيهَا شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ، وَالكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ سَعِيدِ بْن زَيْدٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَجَابِرٍ، وَهَذَا حَدِيث حَسَنٌ غَرِيبٌ وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْن عَامِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو.
• قوله: "العَجْوَةُ": صِنْفٌ من تَمر المدينةِ.
• "وَالكَمْأَةُ": معلومةٌ تكونُ على وَجْهِ الأرضِ كما يكونُ الْجُدْريُّ في سَطْح الجِسْم، ولذلك قالَتِ العربُ: إنَّها جُدْرِيُّ الأرضِ تشبيهًا به.
• وقوله: "مِنَ المَنِّ": المرادُ به كما في الحديثِ "مِنَ الْمَنِّ الَّذِيْ أنْزِلَهُ اللهُ عَلَى بَنِيْ إسْرَائِيْلَ"
(1)
. قال القاضي: فأفادَ أنَّ المَنَّ لم يكن طعامًا واحدًا كما يقوله المُفَسِّرُون، وإنَّما كان أنواعًا ومنه الكمأةُ
(2)
.
(1)
راجع: صحيح مسلم، كتاب الأشربة، باب: فضل الكمأة ومداواة العين بها، ح: 2049، وسنن ابن ماجة، كتاب الطب، باب: الكمأة والعجوة، ح:3454.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 171.
1379 -
(2068) - (4/ 401) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: الكَمْأَةُ جُدَرِيُّ الأرْضِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ، وَالعَجْوَةُ مِنَ الجَنَّةِ وَهِيَ شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "جُدَرِيُّ الأرْضِ": -بضَمِّ الجيم، وفتح الدَّال- على تَشْبِيْهِهَا بالجُدْرِيِّ.
1380 -
(2070) - (4/ 402) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "الشُّونِيزُ دَوَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَا السَّامَ" قَالَ قَتَادَةُ: يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ إِحْدَى وَعِشْرِينَ حَبَّةً فَيَجْعَلُهُنَّ فِي خِرْقَةٍ فَلْيَنْقَعْهُ فَيَتَسَعَّطُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَنْخَرِهِ الأيْمَنِ قَطْرَتَيْنِ وَفِي الأيْسَرِ قَطْرَةً، وَالثَّانِي فِي الأيْسَرِ قَطْرَتَيْنِ وَفِي الأيْمَنِ قَطْرَةً، وَالثَّالِثُ فِي الأيْمَنِ قَطْرَتَيْنِ وَفِي الأيْسَرِ قَطْرَةً.
• قوله: "فَيَنْقَعُهُ": مِنْ أنْقَعَه، ونَقَّعَه أي: ألقَاه في المَاءِ ليَخْرُجَ ما فيه إليه.
• وقوله: "فَيَسْتَعِطُ"، أي: يَصُبُّه في أنْفِه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ التَّعْلِيق
1381 -
(2072) - (4/ 403) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَدُّوَيْهِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْن مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، عَنْ عِيسَى أَخِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْن عُكَيْمٍ أَبِي مَعَبْد الجُهَنِيِّ، أَعُودُهُ وَبِهِ حُمَرَةٌ، فَقُلْنَا: أَلا تُعَلِّقُ شَيْئًا؟ قَالَ: المَوْتُ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَحَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْن عُكَيْمٍ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُكَيْمٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كَتَبَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى نَحْوَه بِمَعْنَاه. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِر.
• قوله: "وَبِهِ حُمَرَةٌ": بضَمٍّ، ففتح مخفَّف المِيم.
• وقوله: "ألا تُعَلِّقُ": منَ التَّعليق.
• وقوله: "مَنْ تَعَلَّقَ": من التَّعَلُّقِ بمعنى التَّعليقِ، أي: من علَّق على نفسِه شيئًا من التَّعاويذِ والتَّمائم وأشْباهِها مُعْتَقِدًا أنَّها تَجْلِب إليه نفعًا أو تدفعُ عنه.
و [قال]: "الطيبي" أي: من تَمَسَّك بشيءٍ من المُدَاوَاة واعْتَقَدَ أنَّ الشِّفَاء منه لا مِنَ اللهِ لم يَشْفِه اللهُ، بل وكَّله اللهُ إليه فلا يحصُل له الشِّفاءُ، إذ لا شِفاءَ من غير اللهِ
(1)
.
(1)
راجع: الكاشف عن حقائق السنن للطيبي: 9/ 2970، ح:4556.
وفي "المجمع" ولو قيل: إنَّ معناه وكِّل إلى المُعَاناةِ والمُعَالَجة بتحصيل ذلك الشَّيءِ، أو حرِّم عن الظَّفر بمَقْصودِه من اللهِ بلا واسطةٍ لا يكون بعيدًا. والله تعالى أعلم انتهى
(1)
. وقد حمله القاضي على ظاهِره، فقال: تعليقُ القُرآنِ ليسَ من طَريق السُّنَّةِ وإنَّما السُّنَّةُ فيه الذِّكْر، دونَ التَّعليقِ
(2)
.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار: 3/ 656.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 169.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَبْريدِ الحُمَّى بالمَاءِ
1382 -
(2073) - (4/ 404) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْن مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْن رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الحُمَّى فَوْرٌ مِنَ النَّارِ فَأَبْرِدُوهَا بِالمَاءِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَامْرَأَةِ الزُّبَيْرِ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
• قوله: "الحُمَّى فَوْرٌ
…
": الحديث. "الْحُمَّى": فُعْلَى من حَمِيَ الشَّيءُ إذا اكْتَسَبَ الحرَّ، صارَ اسمًا للحَالةِ المعلومةِ.
• "وَالْفَوْرُ": من فَارَتِ القدرُ إذا غَلَتْ شَبَّهَ شدَّة الحُمَّى بغَلْيَان القِدْرِ، والمرادُ أنَّه كقِطْعةٍ من النَّار وهو المرادُ بالحديثِ "مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ".
(1)
والله تعالى أعلم.
• وقوله: "فابْرُدُوا": -بِهمزة وَصْلِ، وضَمِّ الرَّاء
(2)
- قال القاضي: بتَبرْيدِها بالماءِ على أصْل الطِّبِّ في مُعارَضةِ الَشَّيءِ بضِدِّه، واخْتلفَ النَّاسُ في
(1)
راجع: صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: صفة النار وأنها مخلوقة، ح:3261.
(2)
هكذا ضبطه العلامة السندي وأما في نسخة أحمد شاكر فبهمزة القطع كما ذكر في متن الحديث.
تأويلِ ذلك، فقال ابنُ الأنباري
(1)
: معناه تصدَّقُوْا بالماءِ فإنَّ أفضلَ الصَّدقةِ سَقْيُ الماءِ، وهذا عدولٌ عن الظَّاهر.
ومنهم من حمَله على ظاهِره واغْتَسَل بالماءِ فكادَ يَهْلِكُ فقال ما لا ينبغي وهذا جهلٌ بالتأويل.
ومنهم من قال: إنَّ الحُمَّياتِ على قِسْمَيْن منها ما يكونُ عنْ خلطٍ باردٍ، ومنها ما يكونُ عن حَارٍّ وفيه ينفع الماءُ وهي حُمَّياتُ الحِجاز، وعليها خرج كلامُ النَّبِيِّ صلى اللهُ تعالى عليه وفِعْلُه حتى قال:"صُبُّوْا عَلَىَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبِ لَمْ تُحَلَّلْ أوْكِيَتُهُنَّ" فبَرُدَ وخَفَّ حالُه.
وقد ذكر أبو عيسى حديثًا غريبًا في تَبْريدِ الحُمَّى بالماءِ وذلك باستقبالِ جرية الماء في النَّهر قبل طلوعِ الشَّمس ثلاثَ مرَّات، أو خمسًا أو سبعًا أو تسعًا
(1)
هو: الإمام الحافظ اللُّغوي ذو الفنون، علامَّة وقته أبوبكر محمد بن القاسم بن بشار ابن الأنباري، ولد يوم الأحد لأحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة إحدى وسبعين ومائتين، سمع إسماعيل بن إسحاق القاضي، ومحمد بن يونس الكديمي، وأحمد بن الهيثم البزاز، وأبا العباس ثعلبا وخلقا كثيرا غيرهم. كان من أعلم الناس بالنحو والأدب وأكثرهم حفظا له، ثقة صدوقا إديبا، ديِّنا فاضلا من أهل السنة، صنَّف كتبا كثيرة في علوم القرآن وغريب الحديث، والمُشْكِل والوقف والابتداء وغير ذلك، وذكر عنه أنه كان يحفظ ثلاث مائة ألف بيت من الشواهد في القرآن، وكتب عنه وأبوه حي. من تصانيفه: كتاب "الوقف والابتداء"، وكتاب "المشكل"، و "غريب الحديث"، و "شرح السبع الطوال"، وكتاب "الكافي"، وكتاب "الأضداد"، وكتاب "المذكر والمؤنث"، وكتاب "الرد على من خالف مصحف عثمان" وغير ذلك. توفي ليلة النحر، سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة. راجع لترجمته: 13/ 397، وفيات الأعيان: 4/ 341، الوافي بالوفيات: 4/ 245، سير أعلام النبلاء: 15/ 274، البداية والنهاية: 15/ 125.
انتهى
(1)
. وسيجيءُ هذا الحديثُ في آخر أبواب الطبِّ. وحمَله بعضُهم على ماء زمزمَ لِمَا في صحيح البخاري "فَأبْرِدُوْهَا بِالْمَاءِ، أوْ بِمَاءِ زَمْزَمَ"
(2)
بالشَّكِّ.
وروى مالكٌ في الموطأ: "أنَّ اسماءَ كانَتْ تأخذُ الماءَ وتَصُبُّ على المحمومِ ما بينَه وبينَ الجيبِ وكانَتْ تُفَسِّرُ الحديثَ بذلك"
(3)
. قيل: وهو أوْلَى ما يُفَسَّر به الحديثُ؛ لأنَّ الصَّحابيَّ أعلمُ بالمرادِ من غيرِه لاسِيَّما أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ رضي الله تعالى عنهما، فتَشْكيكُ بعضِهم أنَّ غَسْل المَحْمومِ مُهْلِكٌ لأنَّه يُدْخِلُ الحرارةَ إلى دَاخل البدنِ نَشَأ من عَدَم فَهْم كلامِ النُّبُوَّةِ.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 176، 175.
(2)
راجع: صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: صفة النار وأنها مخلوقة، ح:3261.
(3)
راجع: موطأ الإمام مالك بن أنس: 4/ 388، ح:1890.
[بَابٌ]
1383 -
(2075) - (4/ 405) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي حُبيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْن حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنَ الحُمَّى وَمِنَ الأوْجَاعِ كُلِّهَا أَنْ يَقُولَ:"بِسْمِ اللهِ الكَبِيرِ، أَعُوذُ بِاللهِ العَظِيمِ مِنْ شَرِّ كُلِّ عِرْقٍ نَعَّارٍ، وَمنْ شَرِّ حَرِّ النَّارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْن إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي حُبِيبَةَ وَإِبْرَاهِيمُ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ، وَيُرْوَى:"عِرْقٌ يَعَّارٌ".
• قوله: "نَعَّارٍ": النَّعَّار بالنُّون وتشديدِ العَين. و "اليَعَّار": بالياء وتشديدِ العين. قال القاضي: "النَعَّار" هو الذي يَرْتفع دمُه ويزيدُ فيحدُث فيه الحَرُّ، "واليَعَّارُ" المُضطرب وذكر بزيادةِ الخلط فيه
(1)
.
(1)
عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 175.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الغِيلَةِ
1384 -
(2076) - (4/ 405 - 406) حَدَّثَنَاْ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ ابْنَةَ وَهْبٍ وَهِيَ جُدَامَةُ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَرَدْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الغِيَالِ فَإِذَا فَارِسُ وَالرُّومُ يَفْعَلُونَ وَلا يَقْتُلُونَ أَوْلادَهُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الأسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ مَالِكٌ: وَالغِيَالُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ.
1385 -
(2077) - (4/ 406) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبي الأسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشة، عَنْ جُدَامَة بِنتِ وَهْبٍ الأسَدِيَّةِ، أنَّهَا سَمِعَتْ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"لَقَدْ هَمَمْتُ أَن أَنْهَى عَنِ الغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ".
قَالَ مَالِكٌ: وَالغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ. قَالَ عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَني مَالِكٌ عَنْ أَبِي الأسْوَدِ نَحْوَه، قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "الغَيلَة": -بفتح الغَين، وكسرها- الجمعُ بينَ الجِمَاع والرِّضَاع، بأنْ يُجَامعَ الرَّجُل امرأتَه وهي تُرْضِع. وقيل: بالكسر اسمٌ من الغَيْل بالفتح، ولا يُفْتح إلا مع حذفِ الهاء. وقيل: بل يُفْتَح مع الهاء إذا أريدَ المرَّة، كانَتِ العربُ يخبرون عن الغَيْلة بزَعْم المَضَرَّة فأرادَ صلى الله عليه وسلم النَّهي عنها، فرأى أنَّ فارسَ والرُّومَ يفعلونه ولا يضرُّهم فلم يَنْهَ، وفيه دليلٌ على أنَّه صلى الله تعالى عليه وسلَّم كان يجتهدُ أحيانًا. والله تعالى أعلم.
• قوله: "عَنِ الغِيَالُ": بكسر غين كالغَيْل بالفتح.
بَابٌ
(1)
1386 -
(2081) - (4/ 408 - 409) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرِ، حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، أنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهَا:"بِمَ تَسْتَمْشِينَ؟ " قَالَتْ: بِالشُّبْرُمِ قَالَ: "حَارٌّ جَارٌّ" قَالَتْ: ثُمَّ اسْتَمْشَيْتُ بِالسَّنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْ أَنَّ شَيْئًا كَانَ فِيهِ شِفَاءٌ مِن المَوْتِ لَكَانَ فِي السَّنَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. يَعْنِى دَوَاءَ الْمَشْيِ.
• قوله: "حَارٌّ حارٌّ": بالحَاء المُهملةِ في المَوْضِعَيْن، وفي بعض النُّسَخ بالجيم في الثَّاني قيل ليسَ بصحيح.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّنَا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي [التَّداَويْ] بالْعَسْل
1387 -
(2082) - (4/ 409) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ، فَقَالَ:"اسْقِهِ عَسَلًا" فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَا اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ رَسُوُل اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اسْقِهِ عَسَلًا" فَسَقَاه، ثُمَّ جَاءَه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَلَمْ يَزِدْه إِلَا اسْتِطْلَاقًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ اللهُ وَكذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلًا" فَسَقَاه عَسَلًا فَبَرَأَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا": القاضي: كانَ [به] خَلطٌ، قد أخذ في الخُروج، فأعانَه العَسْلُ حتى خرَج منه ما كان مُهَيَّأ للخُروج، فلما فَنِي انقطعَ، وكانَ النَّبِيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم عالمًا بِهذا ولم يَعْلَمْ به الرَّجل
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 178، 179.
[كِتَابُ الفَرَائِضِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعليمِ الفَرائِض
1388 -
(2091) - (4/ 413 - 414) حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بن القاسِمِ الأسَدِيُّ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دَلْهَمٍ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ شَهر بن حوشَبٍ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَعَلَّمُوا القُرآن والفَرَائِضَ وَعَلِّمُوا النَّاسَ فَإِنِّي مَقْبُوضٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ. وَرَوَى أَبُو أُسَامَةَ هَذَا الحَدِيثَ عَتْ عَوفٍ، عَن رَجُلٍ، عَن سُلَيْمَانَ بْن جَابِرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حَدَّثنا بذلكَ الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيثٍ، أَخبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عَوْفٍ بِهَذَا بِمَعْنَاوه وَمُحَمَّدُ بنُ القاَسِمِ الأسَدِيُّ قَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ وَغَيْرُه.
• قوله: "تَعَلَّمُوا الفَرَائِضَ": حمَلَه بعضُهم على تعلُّم السِّهَام المُقَدَّرَةِ للوَرَثةِ من التَّركَةِ، والأقربُ حَمَله على تَعَلُّم ما فرضَه اللهُ تعالى أعمُّ من ذلك.
• وقوله: "مَقْبُوضٌ"، أي: سأقْبَضُ. والله تعالى أعلم.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ البَنَاتِ]
1389 -
(2092) - (4/ 414 - 415) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْن عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُحَمَّدِ بْن عُقَيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْن الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْن الرَّبِيعِ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا وَلا تُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ، قَالَ:"يَقْضِي اللهُ فِي ذَلِكَ" فَنَزَلَتْ: آيَةُ المِيرَاثِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلى عَمِّهِمَا، فقال:"أعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثيْنِ، وَأعْطِ أمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْن مُحَمَّدِ بْن عُقَيلٍ، وَقَدْ رَوَاه شَرِيكٌ أيضًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُحَمَّدِ بْن عُقَيلٍ.
• قوله: "أَعْطِ ابْنَتَي سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ": فيه دليلٌ على حُكْم البِنْتَيْن، وهو قولُ جمهورِ الصَّحابةِ خلافًا لابن عباس.
• قوله: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لا نَعْرِفُهُ": وفي بعض النُّسَخ "حسنٌ صحيحٌ لا نَعْرِفُه" وهو نسخةُ القاضي، وكلامُ القاضي
(1)
يميل إلى الصِّحَة. والله أعلم.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 185.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ بنْتِ الِابْن بنْتِ الصُّلْب
1390 -
(2093) - (4/ 415) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبي قَيْسِ الأوْدِيِّ، عَنْ هُزَيْلِ بْن شُرَحْبيلَ، قَالَ: جَاءَ رَجُل إِلى أبِى مُوسَى، وَسَلمَانَ بْن رَبِيعَة فسَألهمَا عَنِ الِابْنَةِ وَابْنَةِ الِابْنِ وَأختٍ لِأبِ وَأُمٍّ؟ فَقَالَا: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَللأخْتِ مِنَ الأبِ وَالأمَ مَا بَقِيَ، وَقَالا لَهُ: انْطَلِقْ إِلَىَ عَبْدِ اللهِ، فَاسْأَلْهُ فَإِنَّهُ سَيُتَابِعُنَا، فَأَتَى عَبْدَ اللهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَأَخْبَرَه بِمَا قَالا: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، وَلَكِنْ أَقْضِي فِيهِمَا كمَا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ الَابْن السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثيْنِ، وَللأُخْتِ مَا بَقِيَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو قَيْسٍ الأوْدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ الكُوفِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي قَيْسٍ.
• قوله: "فَإِنَّهُ سَيُتَابِعُنَا"، أي: سيُوافِقُنا فيما قُلنا.
• وقوله: "قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا"، أي: إن وافَقْتُهما.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الإخْوَةِ مِنَ الأب وَالأُمِّ
1391 -
(2094) - (4/ 416) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أخْبَرَنَا سُفيَانُ عَنْ أبِي إِسْحَاق، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ أنَّهُ قال: إِنَّكُمْ تَقرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا}
(1)
وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الوَصِيَّةِ، وَإِنَّ أَعْيَانَ بَنِي الأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي العَلَّاتِ، الرَّجُلُ يَرِثُ أَخَاه لِأبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ أَخِيهِ لِأبِيهِ". حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
• قوله: "وَإِنَّ رَسُولَ الله
…
" إلخ، يريدُ أنَّ تأخيرَ الدَّيْن عن الوَصِيَّةِ ليس لتأخير أدَائِه عن أدَائِها.
1392 -
(2095) - (4/ 416) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَعْيَانَ بَنِي الأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي العَلَّاتِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي الحَارِثِ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ.
(1)
النساء:12.
• وقوله: "أَعْيَانَ بَنِي الأُمِّ": الأعْيانُ: هم الإخْوَة لأبٍ ولأمٍّ. و"بَنُو الْعَلَّاتِ": هم الإخوَة لأب، وبَنُو الأخْيافِ: هم الإخوَةُ لأمٍّ.
بَابٌ
(1)
1393 -
(2097) - (4/ 417 - 418) حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنهَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوُل: مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُوُل اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي، فَوَجَدَنِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَأَتَانِي وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي أَوْ كيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ فَلَمْ يُجبْنِي شَيْئًا، وَكَانَ لَهُ تِسْعُ أَخَوَاتٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}
(2)
الآيَةَ، قَالَ جَابِر: فِيَّ نَزلَتْ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مِنْ وَضُوئِهِ": -بفتح الوَاو- أي: ماءُ الوُضوء. لا يَخْفي ما بينَ الحدِيْثَين منَ التَّعارُض في بيانِ الآيةِ النَّازلة. قال القاضي: وهذا تعارُضٌ لم يَتَّفِقْ بيانُه إلى الآن، اللَّهم إلا أنْ يُقالَ: نزلَتْ آيةُ الفَرائض صحيح، وقوله:{قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} : وَهْمٌ من الرَّاوي فإنَّها آخرُ آيةٍ نزلَتْ. انتهى
(3)
.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مِيرَاثِ الأَخَوَاتِ.
(2)
النساء: 176.
(3)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 190.
بَابٌ فِي مِيرَاثِ العَصَبَةِ
1394 -
(2098) - (4/ 418) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاؤوسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ". حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاؤوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ طَاؤوسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.
• قوله: "لِأوْلَى رَجُلٍ": الإضَافةُ للبيان، والمرادُ أقربُ إلى المَيِّتِ من رَجُلٍ. وقوله:"ذَكَرٍ": للتَّأكيدِ.
بَابُ مَا جَاءَ فى مِيرَاثِ الجدِّ
1395 -
(2099) - (4/ 419) حَدَّثَنَا الحسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هَمَّامِ بْن يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْن، قَالَ: جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي مَاتَ فَمَا لِي فِي مِيرَاثِهِ؟ قَالَ: "لَكَ السُّدُسُ"، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاه، فَقَالَ:"لَكَ سُدُسٌ آخَرُ"، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاه قَالَ:"إِنَّ السُّدُسَ الآخَرَ طُعْمَةٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي البَابِ عَنْ مَعْقِلِ بْن يَسَارٍ.
• قوله: "طُعْمَةٌ": -بالضمِّ- أي: زيادةٌ على الحقِّ المُقرَّر أسْتَحَّقَه بالتَّعْصِيْب.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الجَدَّةِ مَعَ ابْنِهَا
1396 -
(2102) - (4/ 421) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن سَالِمِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ فِي الْجَدَّةِ مَعَ ابْنِهَا: إِنَّهَا أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُدُسًا مَعَ ابْنِهَا وَابْنُهَا حَيٌّ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَقَدْ وَرَّثَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الجَدَّةَ مَعَ ابْنِهَا وَلَمْ يُوَرِّثْهَا بَعْضُهُمْ.
• قوله: "إِنَّهَا أَوَّلُ جَدَّةٍ": الظَّاهرُ أنَّ ضمير "إنَّهَا" للقِصَّةِ و"أوَّلُ جَدَّةٍ" مبتدأ خبرُه "مَعَ ابْنِهَا". وقوله: "وَابْنُهَا حَيٌّ": للتَّأكيدِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الخَالِ
1397 -
(2103) - (4/ 421 - 422) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْن حَكِيمِ بْن عَبَّادِ بْن حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْن سَهْلِ بْن حُنَيْفٍ قَالَ: كتَبَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"اللهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لا مَوْلَى لَهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَالمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِب، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ
…
" إلخ، أي: أنَّه تعَالى ينصُر مَنْ ترك النَّاسُ نُصْرتَه وكذا رسوُله صلى الله عليه وسلم.
1398 -
(2104) - (4/ 422) أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْن مُسْلِمٍ، عَنْ طَاؤوسٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ".
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ أَرْسَلَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَرَّثَ بَعْضُهُمُ الخَالَ وَالخَالَةَ وَالعَمَّةَ، وَإِلَى هَذَا الحَدِيثِ ذَهَبَ أَكْثر أَهْلِ العِلْمِ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الأَرْحَامِ، وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَلَمْ يُوَرِّثْهُمْ وَجَعَلَ المِيرَاثَ فِي بَيْتِ المَالِ.
• وقوله: و"الخَالُ وَارِثُ
…
" إلخ، فيه دليلُ مذهبِ أصْحَابِنا الحنفِيَّةِ مِنْ أنَّ الخَال وارثٌ، ومن لا يقولُ بإرْثِه يقول: يحتملُ أنَّه قال على وَجْه السَّلْبِ والنَّفْي كما قالوا: الصَّبْرُ حِيْلةُ مَنْ لاحِيلةَ له. ويحتمل أنْ يُرادَ به إذا كانَ عُصْبةً. ويحتملُ أنْ يُرادَ به السُّلْطانُ فإنَّه يُسَمَّى خالًا.
(1)
كذا قاله القاضي. والكُلُّ بعيدٌ لا يَخْفَى.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 194.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الَّذِى يَمُوتُ وَلَيْس لَهُ وَارثٌ
1399 -
(2105) - (4/ 422) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الأصْبِهَانِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَهُوَ ابْنُ وَرْدَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ مَوْلًى لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَعَ مِنْ عِذْقِ نَخْلَةٍ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"انْظروا هَلْ لَهُ مِنْ وَارِثٍ؟ " قَالُوا: لا، قَالَ:"فَادْفَعُوه إِلَى بَعْضِ أَهْلِ القَرْيَةِ". وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "في عِذْقِ نَخْلَةٍ": هو -بفَتْح العَيْن المُهملةِ- النَّخْلَةُ نفسُها، وبكَسْرها هو القِنْو.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الَّذِى يُسْلِمُ عَلَى يَدَي الرَّجُل
1400 -
(2112) - (4/ 427) حَدَّثَنَا أَبُو كريْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَوَكِيعٌ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْن عُمَرَ بْنِ عَبْد العَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَوْهَبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن وَهْبِ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ مِنْ أهْلِ الشِّرْكِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ؟ فقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاه وَمَمَاتِهِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْن وَهْبٍ وَيُقَالَ: ابْنُ مَوْهَبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَقَدْ أَدْخَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ عَبْدِ اللهِ بْن وَهَبِ وَبَيْنَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ وَلا يَصِحُّ، رَوَاهُ يَحْيَى بْن حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْن عُمَرَ، وَزَادَ فِيهِ قَبِيصَةَ بْن ذُؤَيْبٍ.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ وَهُوَ عِنْدِي لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ. وَقَالَ: بَعْضُهُمْ يُجْعَلُ مِيرَاثُهُ فِي بَيْتِ المَالِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَنَّ الوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ".
• قوله: "أَنَّ الوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ": كأنَّه فَهِم منه الحَصْرَ كما فَهِموا من حديث: "الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ"
(1)
وإلا فكَوْنُ الوَلاءِ لمَنْ أعْتَقَ لا يُنافِي ثبوتَه لغَيره في غيره. والله أعلم.
(1)
راجع: صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب: إنما الماء من الماء، ح: 343، وسنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب: في الإكسال، ح: 217، وسنن النسائي، كتاب الطهارة، باب: الذي يحتلم ولا يرى الماء، ح: 200، وسنن ابن ماجة، أبواب التيمم، باب: الماء من الماء، ح:607.
بَابُ مَا جَاءَ مَنْ لا يَرثُ الوَلاءَ
(1)
1401 -
(2115) - (4/ 429) حَدَّثَنَا هَارُونُ أَبُو مُوسَى المُسْتَمْلِي البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ رُؤْبَةَ التَّغْلَبِيُّ عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن بُسْرٍ البَصْرِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْن الأسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "المَرْأَة تَحُوزُ ثَلَاثةَ مَوَارِيثَ: عَتِيقَهَا، وَلَقِيطَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لاعَنَتْ عَلَيْهِ".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْن حَرْبٍ.
• قوله: "المَرْأَة تَحُوزُ": أي: تَجْمَع عَتيقَها، أي: من مِيْراثِ عتِيْقها، و "لَقِيْطَها": فيه خلافٌ، والجمهورُ على عَدِم الإرث. وأجاب القاضي عن الحديث: بأنَّه لم يَصِحَّ.
(2)
والله تعالى أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ مَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الوَلَاءِ. وهذه الترجمة هي الصحيحة، ويؤيدها حديث الباب كذلك.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 202.
[كِتَابُ الْوَصَايَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ فِي الوَصِيَّةِ بالثُّلُثِ
1402 -
(2116) - (4/ 430 - 431) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْن سَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرِضْتُ عَامَ الفَتْحِ مَرَضًا أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى المَوْتِ، فَأَتَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي مَالًا كثِيرًا وَلَيْسَ يَرثُنِي إِلَّا ابْنَتِي، أَفَأُوصِي بمَالِي كلِّهِ؟ قَالَ:"لا"، قُلْتُ: فَثُلُثَي مَالِي؟ قَالَ: "لا"، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: "لا"، قُلتُ: فالثُّلُثُ؟ قال: "الثُّلُث وَالثُّلُث كثِيرٌ، إِنَّكَ إِنْ تَدَعْ وَرَثتَكَ أغنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَهُمْ عَالَةً تتكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلَّا أُجِرْتَ فِيهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِي؟ قَالَ:"إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فَتَعْمَلَ عَمَلًا تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ رِفْعَةً وَدَرَجَةً وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنِ البَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ سَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاصٍ.
وَالعَمَل عَلى هَذا عِنْدَ أهْل العِلم أنَّهُ ليْسَ لِلرَّجُل أنْ يُوصِيَ بأكثرَ مِنَ الثُّلُثِ، وَقدْ اسْتَحَبَّ بَعْض أهْل العِلم أنْ يَنْقصَ مِنَ الثُّلُثِ لِقوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَالثُّلُثُ كَثيرٌ".
• قوله: "عَامَ الفَتْحِ": هكذَا رَواه ابنُ عيينةَ عن الزُّهْري، وغيره من أصحاب الزُّهْري رووا عنه:"عامَ حَجَّةِ الوَدَاع". قال الحُفَّاظ: وهي الصَّواب، وما وواه ابن عيينةَ وَهْمٌ منه. والله أعلم.
• وقوله: "أَشْفَيْتُ عَلَى المَوْتِ"، أي: قَارَبْتُه.
• وقوله: "لا يَرثُنِي إِلَّا ابْنَتِي": قيل: أي: لا يَرِثُني من ذَوِي الفُرُوض، أو من الوَلد، أو من النِّساء وإلا فقد كان لسَعْدٍ عصباتٌ.
• قوله: "بِمَالِي كُلِّهِ"، أي: تفويضًا لأمْرِها إلى اللهِ تعالى ولعلَّها كانَتْ غَنِيَّةً.
• وقوله: "الثُّلُثُ كثِيرٌ"، أي: كافٍ في حُصُوْلِ المَطلوبِ من الأجْر أو هو أيضًا كثيرٌ.
• وقوله: "عَالَةً"، أي: فقراءَ، جمعُ عَائِلٍ.
• وقوله: "تتكَفَّفُونَ النَّاسَ"، أي: يَسْألونَهم بأكُفِّهِمْ. يقال: كَفَّفَ النَّاْسَ واسْتَكَفَّ إذَا بَسَط كفَّه للسُّؤالِ.
• وقوله: "وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ
…
" إلخ، يعني أنَّ الأجرَ لا يَتَوِقَّفُ على صَرْفِ المالِ في الفُقَراءِ، بل الصَّرْفُ في الوَرَثة وغيرِهم مِمَّا يُفيْدُ الأجرَ المطلوبَ.
• وقوله: "أُخَلَّفُ": -بتشديد اللَّام على بناء المفعول- من التَّخْليفِ وهو التأخير، أي: أيؤخِّرُنِي اللهُ عن ثَوابِها ويرُدُّها علىَّ؟ يريدُ خوفَ المَوتِ بمكَّةَ لأنَّها دارٌ تركوها لِلهِ، وهاجَروا إلى المدينةِ فلم يُحِبُّوا أن يكونَ موتُهم بِها.
• "وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ"، أي: تؤخَّر من بعدك بتَطْويل العُمر ولا تَموتُ بمَكَّةَ في هذا المرض.
• وقوله: "وَلا تَرُدَّهُمْ"، أي: بالرِّدَّةِ.
• قوله: "لَكِنِ البَائِسُ"، أي: شديد الفَقْر.
• وقوله: "أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ"، أي: لأجل موتِه بِها.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي الضِّرَارِ فِي الوَصِيَّةِ]
1403 -
(2117) - (4/ 431 - 432) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْد الوَارِثِ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ جَدُّ هَذَا النَّصْرِ، حَدَّثَنَا الأشْعَث بْنُ جَابِرٍ عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشبٍ، عَنْ ابِي هرَيْرَة أنَّهُ حَدثهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالمَرْأَة بِطَاعَةِ اللهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا المَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ"، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ أَبُو هُرَيْرَةَ:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ}
(1)
إِلَى قَوْلِهِ: {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
(2)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الَّذِي رَوَى عَنِ الأشْعَثِ بْن جَابِرٍ هُوَ جَدُّ نَصْرِ بْن عَلِيٍّ الجَهْضَمِيِّ.
• قوله: "ثُمَّ يَحْضُرُهُمَ": جمعُ الضَّمير؛ لأنَّ المرادَ بالرَّجُل الجِنْس، وفي نسخةٍ يحضرُهما
(3)
.
(1)
النساء: 12.
(2)
النساء: 13.
(3)
كما ذكر في متن الحديث.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الحَثِّ عَلَى الوَصِيَّةِ
1404 -
(2118) - (4/ 432) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيَّوبَ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلتَيْنِ وَلَهُ مَا يُوصِي فِيهِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَه".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
• قوله: "يَبِيتُ": هو بمعنى المَصْدر خبرٌ عن الحَقِّ إمَّا بتقدير "أنْ" أو بدونِها، وعلى الأوَّل يجوزُ أنْ يُنْصَب أو يُرْفَع كما هو شأنُ "أنْ" المُقَدَّرة في جَواز العَمل.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُوصِ
1405 -
(2119) - (4/ 432) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ عَمْرُو بْن الهَيْثَمِ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مُغْوِلٍ عَنْ طَلْحَةَ بْن مُصَرِّفٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ أَبِي أوْفَى: أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: "لا" قُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَتِ الوَصِيَّةُ وَكَيْفَ أَمَرَ النَّاسَ؟ قَالَ: "أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْن مُغْوِلٍ.
• قوله: "قالَ: "لا": كأنَّه فَهِم السُّؤالَ عَمَّا اشتَهرَ بينَ الجُهَّالِ من الوَصِيَّةِ لعَلِىٍّ، أو فَهِم السُّؤال عن الوَصِيَّة في الأمْوالِ، فقال: في الجَوابِ "لا"، ثُمَّ لَمَّا صرَّح السَّائلُ بما اشتَهر من كتاب الوَصِيَّةِ أعْرضَ عنه، وذكرَ له ما كان به الوَصِيَّةُ، والمرادُ أوْصَى بكتابِ اللهِ أو نحوه كالسُّنَّةِ. والله سبحانه أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ لا وَصِيَّةَ لِوَارثٍ
1406 -
(2120) - (4/ 433 - 434) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، وَهَنَّادٌ، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الخَوْلانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوُل فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ: "إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَللْعَاهِرِ الحَجَرُ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ، وَمَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ التَّابِعَةُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلا الطَّعَامَ؟ قَالَ: "ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا" ثُمَّ قَالَ: "العَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ عَمْرِو بْن خَارِجَةَ، وَأَنَسٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ، وَرِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ بْن عَيَّاشٍ عَنْ أَهْلِ العِرَاقِ وَأَهْلِ الحِجَازِ لَيْسَ بِذَلِكَ فِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ رَوَى عَنْهُمْ مَنَاكِيرَ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ أَصَحُّ، هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الحَسَنِ يَقُوُل: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ أَصْلَحُ حَدِيثًا مِنْ بَقِيَّةَ، وَلبَقِيَّةَ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ عَنِ الثِّقَاتِ وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَقُوُل: سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٍّ، يَقُوُل: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ: خُذُوا عَنْ بَقِيَّةَ مَا حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ وَلا تَأْخُذُوا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن عَيَّاشٍ مَا حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ وَلا عَن غَيْرِ الثِّقَاتِ.
• قوله: "وَحِسَابُهُمْ"، أي: الولدُ يَلْحَق الرَّجلَ من جِهة فِراشِه في الظَّاهر ثم يَتوَّلى اللهُ السَّرائرَ، فيُحاسِب على الظَّاهر والباطن.
• وقوله: "وَمَنْ ادَّعَى": إلى آخره. أو انْتَسبَ نفسَه إلى غير أبيه أو غير مَواليه، والثَّاني يَجْري في العِتْق.
• وقوله: "التَّابِعَةُ"، أي: التي تَتَّبع بعضُها بعضًا.
• قوله: "إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا"، أي: تحقيقًا كما في الكثير، أو دلالةً كما في اليَسير إذا عَلِمَتْ من حالِ زَوجها الرِّضا به.
• وقوله: "العَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ"، أي: لازمٌ أداءُها.
• "وَالمِنْحَةُ": -بكسر الميم- النَّاقةُ أو الشَّاةُ يُعْطِيها رجلٌ لآخر ليَشربَ لبنَها.
• وقوله: "مَرْدُوْدَةٌ"، أي: لازمٌ ردُّها إلى صَاحبها؛ لأنَّه -لم يُعْطِه عينَها إنَّما أعطى لبنَها.
• "وَالزَّعِيمُ": الكفيلُ.
• قوله: "غَارِمٌ"، أي: ضامنٌ.
1407 -
(2121) - (4/ 434) حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن غُنْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْن خَارِجَةَ، أَنَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ عَلَى نَاقَتِهِ وَأَنَا تَحْتَ جِرَانِهَا وَهِيَ تَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا، وَإِنَّ لُعَابَهَا يَسِيلُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَسَمِعْتُهُ، يَقُوُل:"إِنَّ اللهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَالوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَللْعَاهِرِ الحَجَرُ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ رَغْبَةً عَنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلًا".
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُوُل: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لا أُبَالِي بِحَدِيثِ شَهْرِ بْن حَوْشَبِ، قَالَ: وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبٍ فَوَثَّقَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ ابْنُ عَوْنٍ، ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَوْنٍ عَنْ هِلالِ بْن أَبِي زَيْنَبَ، عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "جِرَانَهَا": الجِرانُ -بالكسر- باطنُ عُنقِ البَعِير.
• "وَالْجِرَّة": -بكسر- اسمٌ منِ اجترَّ البعيرَ، وهي اللُّقْمة التي يتعلَّلُ بِها البعيرُ. وقَصْعُهَا: إخْراجُها.
بَابُ مَا جَاءَ يُبْدَأُ بالدَّيْن قَبْلَ الوَصِيَّةِ
1408 -
(2122) - (4/ 435) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الهَمْدَانيِّ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الوَصِيَّةِ، وَأَنْتُمْ تُقِرُّوْنَ الوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ.
قال أبُوْ عِيْسَى: وَالعَمَل عَلى هَذا عِندَ عَامَّةِ أهْلِ العِلمِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ قبْل الوَصِيَّةِ.
• قوله: "وَأَنْتُمْ تُقِرُّوْنَ"، أي: فلا تَفْهموا من التَّقديمِ اللَّفْظي التَّقديمَ الحكميَّ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُل يَتَصَدَّقُ أَوْ يَعْتِقُ عِنْدَ المَوْتِ
1409 -
(2123) - (4/ 435 - 436) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي حُبيبَةَ الطَّائِيِّ، قَالَ: أَوْصَى إِلَيَّ أَخِي بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ، فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقُلْتُ: إِنَّ أَخِي أَوْصَى إِلَيَّ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ، فَأَيْنَ ترى لِي وَضْعَهُ، فِي الفُقَرَاءِ، أَوِ المَسَاكينِ، أَوِ المُجَاهِدِينَ فِي سَبيلِ اللهِ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْتُ لَمْ أَعْدِلْ بِالمُجَاهِدِينَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوُل: "مَثَلُ الَّذِي يَعْتِقُ عِنْدَ المَوْتِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي إِذَا شَبعَ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَأَيْنَ تَرَى"، أي: في أيِّ موضعٍ ترى أنْ أضَعَه؟
• وقوله: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
…
" إلخ، كأنَّه حَبٌّ له على الإنْفاقِ من غير تَأخيرٍ إلى المَوْتِ. والله أعلم.
بَابٌ
1410 -
(2124) - (4/ 436) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ فِي كتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ لِي وَلاؤُكِ فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَة لِأهْلِهَا فَأَبَوْا، وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ وَيَكُونَ لنَا وَلاؤُكِ فَلْتَفْعَلْ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كتَابِ اللهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجهٍ عَنْ عَائِشَةَ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ الوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ.
• قوله: "أَقْضِيَ عَنْكِ"، أي: أشْتَريَكِ منهم بما عليكِ من مالِ الكتابةِ.
• وقوله: "لَيْسَتْ فِي كتَابِ اللهِ"، أي: لم يُعْلَمْ جوازُها فيه، وما ثبتَ شرعًا بأيِّ دليلٍ كانَ قد عُلِمَ جوازُه بكتابِ اللهِ. والله أعلم.
[كِتَابُ الْوَلاءِ وَالْهبَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ الوَلاء لِمَنْ أَعْتَقَ
(1)
1411 -
(2126) - (4/ 437 - 438) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَلاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لا نَعْرفُهُ إلَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ "نَهَى عَنْ بَيْع الوَلاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ"، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، وَيُرْوَى عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ دِينَارٍ حِينَ حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيثِ أَذِنَ لِي حَتَّى كُنْتُ أَقُومُ إِلَيْهِ فَأُقَبِّلُ رَأْسَهُ، وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ نَافِعِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ وَهْمٌ وَهِمَ فِيهِ يَحْيىَ بْنُ سُلَيْمِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، هَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَتَفَرَّدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ بِهَذَا الحَدِيثِ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ.
• قوله: "عَنْ بَيْعِ الوَلاءِ": -بفَتح الواو- أريدَ به مجرَّدُ الاستحقاقِ الحاصل بالإعتاقِ لمَنْ وَلي النِّعْمةَ، أي: نعمةَ الإعْتاقِ لا بيعَ ما حصلَ منه المالُ بسبب ذلك الاستحقاقِ فإنَّ بيعَه جائزٌ.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ أَوْ ادَّعَى إلَى غَيْر أَبيهِ
1412 -
(2127) - (4/ 438 - 439) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلَّا كتَابَ اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ -صَحِيفَةٌ فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ وَأَشْيَاءٌ مِنَ الجِرَاحَاتِ- فَقَدْ كَذَبَ، وَقَالَ فِيهَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنهُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلًا، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ، وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الحَارِثِ بْن سُوَيْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَه. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "فَمَنْ أَحْدَثَ
…
" إلخ، رُتِّب على كونِه حرامًا تغليظُ ما لا ينبغي فعلُه فيها. قال القاضي عياض: معناه من أتَى فيها إثمًا أَوْ آوَى مَنْ أتَاه وضمَّه إليه وحمَاه
(1)
.
• و"آوى": جاءَ بالمَدِّ والقصر، والمدُّ أفصحُ.
• و "مُحْدِثٌ" بالكسر.
(1)
راجع: إكمال المعلم بفوائد مسلم: 4/ 486، ح:1366.
• وقوله: "وَمَنِ ادَّعَى"، أي: غيرَ أبيه أحدًا أو نفسَه. وقد فسِّرَ "الصَّرْفُ": بالفَرْض، و"الْعَدْلُ": بالنَّفل، وقيل: بالعكس، وفُسِّرَ الصَّرفُ: بالتوبة، والعَدْل: بالفِدية. وقيل: إنِّه المَرْوِيُّ عنه صلى الله تعالى عليه وسلم.
• وقوله: "أَدْنَاهُمْ"، أي: أقلُّهم وهو الواحدُ، وأحْقَرُهُمْ وهو العبدُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُل يَنْتَفِي مِنْ وَلَدِهِ
1413 -
(2128) - (4/ 439 - 440) حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بْنُ العَلاءِ بْن عَبْد الجَبَّارِ الْعَطَّارُ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ المَخْزُوميُّ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ لَكَ مِنْ إِبلِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"فَمَا أَلْوَانُهَا؟ " قَالَ: حُمْرٌ، قال:"فهَلْ فِيهَا أوْرَق؟ " قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا، قال:"أَنَّى أَتَاهَا ذلِكَ؟ " قَالَ: لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَهَا، قَالَ:"فَهَذَا لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "الأوْرَقُ": ما يُخَالِط بياضَها سوادٌ، والْوُرْق -بضَمِّ الواو وسكونِ الرَّاء- جمعُه.
• وقوله: "أَنَّى أَتَاهَا ذلِكَ"، أي: من أيِّ موضعٍ، وبأيِّ سببٍ حَصَل لها ذلك اللَّونُ.
• وقوله: "لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَهُ"، أي: لعلَّه جذَبه عِرقٌ في آبائِه إلى شِبْهِه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي القِيَافَةِ
(1)
قال القاضي: القِيَافةُ هو الاستدلالُ بالخِلْقَة على النَّسَب، وهو مِن قَافَ الأثرَ إذا تَبِعَه
(2)
. وفي "المجمع"
(3)
: القائفُ من يَّتَّبعُ الآثارَ ويعرفُها، ويعرفُ شِبْهَ الرَّجل بأخيه وأبيه، والجمعُ "القَافَةُ"، والمصدرُ "القِيَافةُ". وفي كلام بعضِهم هو الذي يُلْحِقُ الفُروعَ بالأصول بالشِّبْه والعلاماتِ.
1414 -
(2129) - (4/ 440) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ:"أَلمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدِ بْن حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْن زَيْدٍ فَقَالَ: هَذِهِ الأقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُيَيْنةَ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَزَادَ فِيهِ:"أَلمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا مَرَّ عَلَى زَيْدِ بْن حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنْ زيدٍ قَدْ غَطَّيَا رُؤُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ". وَهَكَذَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ بْن عُيَيْنَةَ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: القَافَةِ.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي للقاضي ابن العربي: 8/ 221.
(3)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 4/ 333.
وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ بِهَذَا الحَدِيثِ فِي إِقَامَةِ أَمْرِ القَافَةِ.
• و"أَسَارِيرُ الْوَجْه": خطوطٌ تَجتمِعُ في الجَبْهة وتنكسر.
• وقوله: "أَلمْ تَرَيْ": -بفتح الرَّاء، وسكون الياء- خطابٌ للمرأة.
• أَنَّ مُجَزِّزًا": -بجيمٍ وزَائَيْن مُعْجَمَتَيْن أوَّلهما مشدَّدة مكسورةٌ- سُمِّي به؛ لأنَّه كان إذا أخَذ أسيرًا في الجَاهليةِ جزَّ ناصِيتَه وأطلَقه. ووجهُ سُرُوْرِه أنَّ الناسَ كانوا يَطْعَنُون في نسب أسامةَ لكونِه أسود وأبوه زيدٌ أبيض، وقد أخِذَ من هذا الحديث القولُ بالقِيافة في إثباتِ النسب؛ لأنَّ سرورَه بِهذا القولِ دليلٌ على صِحَّتِه لأنَّه لا يسرُّ بالباطل بل لا يقرِّوه بل يُنكِره.
بَابٌ فِي حَثِّ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الهَدِيَّةِ
(1)
1415 -
(2130) - (4/ 441) حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تَهَادَوْا فَإِنَّ الهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ، وَلا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَأَبُو مَعْشَرٍ اسْمُهُ نَجِيحٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
• قوله: "فِرْسِن": هو -بكسر فَاءٍ، وسكون رَاءٍ، وكسر سِيْنٍ بعدَها نونٌ- أي: ظِلْفها. واللام في "لِجَارَتهَا" متعلقةٌ بـ "لا تَحْقِرَنَّ"، أي: لا تحقرَنَّ هَدِيَّةَ جارَتِها حتى في أحقر الأشياءِ، [و] من أبغض المُبْغضين إذا حمل "الجارة" على الضرَّة والمقصودُ المبالغةُ في النهي.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: التَّهَادِي.
[كِتَابُ الْقَدَرِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
بَابُ [مَا جَاءَ فِي حِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عليهما السلام]
1416 -
(2134) - (4/ 444) حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ حَبِيبِ بْن عَرَبِيٍّ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ سُلَيْمَانَ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ: فَقَالَ آدَمُ: وَأَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِكَلَامِهِ أَتَلُومُنِي عَلَى عَمَلٍ عَمِلْتُهُ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ، قَالَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عُمَرَ، وَجُنْدَبٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنِ الأعْمَشِ، وَقَدْ رَوَاه بَعْضُ أَصْحَابِ الأعْمَشِ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "أَغْوَيْتَ النَّاسَ": قال القاضي: أي أنَّ سَجِيَّتَك في الإغْواءِ سَرَتْ إليهم؛ فإنَّ العِرْقَ نزَّاعٌ
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 8/ 226.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ
1417 -
(2135) - (4/ 445) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ مَا نَعْمَلُ فِيهِ أَمْرٌ مُبْتَدَعٌ أَوْ مُبْتَدَأٌ أَوْ فِيمَا قَدْ فُرغَ مِنْهُ؟ فَقَالَ: "فِيمَا قَدْ فُرغَ مِنْهُ يَا ابْنَ الخَطَّابِ! وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلسَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلشَّقَاءِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَحُذَيْفَةَ بْن أَسِيدٍ، وَأنَسٍ، وَعِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَمْرٌ مُبْتَدَعٌ"، أي: أهو أمرٌ مصنوعٌ هنا لا على مثالٍ سَبَقَ، أي: من غير سَبْقِ قَدَرٍ وهو معنى مبتدأ. و "أوْ" للشك. و"أوْ فِيْمَا قَدْ فُرغَ مِنْهُ" أمرٌ ثابتٌ في جملةِ ما قُدِّرَ وفُرِغ من قضَائِه وقَدَره وكُتِب على الإنسانِ فعلُه.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الأعْمَالَ بالخَوَاتِيم
1418 -
(2137) - (4/ 446 - 447) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْن وَهْبِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الَصَّادِقُ المَصْدُوقُ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ إِلَيْهِ المَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ، يَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُه إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ ثُمَّ يَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ ثُمَّ يَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُوُل: مَا رَأَيْتُ بِعَيْنِي مِثْلَ يَحْيىَ بْن سَعِيدٍ القَطَّانِ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ عَنِ الأعْمَشِ نَحْوَهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ زَيْدٍ نَحْوَه.
• قوله: "المَصْدُوقُ"، أي: الذي جاءَه الصِّدْقُ من ربِّه.
• "إِنَّ أَحَدَكُمْ": بكسر الهَمْزة على حِكَايةِ لَفْظِه صلى الله تعالى عليه وسلم، أو فَتْحِها.
• وقوله: "يُجْمَعُ": على بناءِ المفعولِ، أي: يُجْمَع مادة خَلْقِه وهو الماءُ. والمرادُ بـ "بَطْنِ أُمِّهِ": رَحِمُها، أي: يَتِمُّ جمعُه في الرَّحِم في هذه المدَّة، وهذا يقتضي التَّفرقةَ أوَّلا وهو كما قيل: النُّطفةُ في الطَّوْر الأوَّل تَسْرى في جَسَد المرأةِ ثُمَّ تُجْمَع في الرَّحِم فتصيرُ هناك علَقةً، أي: دمًا جامدًا بخَلْط تُرْبةِ قَبْر المَولود بِها على ما قيل. و"المُضْغَة": قِطْعةُ لَحْمٍ قدر ما يُمْضَغ.
• وقوله: "ثُمَّ يُرْسِلُ"، أي: بعدَ تمام الخَلْق وتَشَكُّلِه بشكل الآدمي بأطْوَار أخَر كما قال تعالى: {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}
(1)
، أي: بنَفْخ الرُّوح، ولعلَّ الأطوارَ المتروكةَ في الحديثِ بعدَ الأربعين الثَّالثةِ تحصلُ في مدَّة يسيرةٍ، فلذا اعتبر الإرسالُ بعدَ طورِ المُضْغةِ مُتَّصِلَةً بِها، ولذا اشتهر بينَ النَّاس أن نفخَ الرُّوحِ عقيبَ أربعةِ أشْهُرٍ.
• وقوله: "حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ. . . ." إلخ، كنايةٌ عن القُرْب البالغ نِهايتَه.
• وقوله: "فيَسْبِقُ عَلَيْهِ"، أي: يغلبُ عليه. و"الْكِتَابُ": المكتوبُ الذي كتَبه المَلَك له، والحديث لا يُنافي الوَعيداتِ الواردةِ في الآيات القرآنيةِ والأحاديث مثل {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ}
(2)
الآية؛ لأنَّ المعتبرَ في كلِّها الموتُ على سلامةِ العاقِبةِ وحسن الخاتمة - رزقنا اللهُ تعالى بفَضْله - آمين.
(1)
المؤمنون: 14.
(2)
الكهف:30.
بَابُ مَا جَاءَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ
1419 -
(2138) - (4/ 447) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى القُطَعِيُّ البَصْرِيُّ، حَدثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ رَبِيعَةَ البُنَانِيُّ، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى المِلَّةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُشَرِّكَانِهِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَنْ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كانُوا عَامِلِينَ بِهِ". حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَالحُسَيْنُ بْن حُرَيْثٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه بِمَعْنَاه، وَقَالَ:"يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاه شُعْبَةُ وَغَيْرُه عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِي البَاب عَنِ الأسْوَدِ بْن سُرِيْعٍ.
• قوله: "عَلَى المِلَّةِ"، أي: الإسلامِ، والمرادُ أنَّه في ابتدائِه عارٍ عن دَواعِي الضَّلالةِ.
• وقوله: "يُشَرِّكَانِهِ": - بالتَّشْديد - كالفِعلين السَّابقين قبل ذلك، أي: قبل أن يجعَله أبواه كافرًا.
• وقوله: "اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ بِهِ"، أي: لو كانوا أحياءً، وهذا يفيدُ أن المعتبرَ في الصِّغْر ما يعملُه على تقدير أنَّه بلغ. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَى الرَّحْمَن
1420 -
(2140) - (4/ 448 - 449) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابعِ اللهِ يُقَلِّبُهَا كيْفَ يَشَاءُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي الْبَابِ عَنِ النَّوَّاسِ بْن سَمْعَانَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَعَائِشَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَحَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَنَسٍ أَصَحُّ.
• قوله: "فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا": هذا السُّؤالُ مبنيٌّ علي أنَّه فَهِم من الدُّعَاء السَّابق الإرشاد للأمَّةِ لظُهور أنَّه صلى الله تعالى عليه وسلم مأمونُ العَاقبةِ، ويمكنُ أنَّه لمَّا وأى خوفَه صلى الله تعالى عليه وسلم عَلِم أنَّه يخاف على الأمَّة بالأولى - والله أعلم - والأقربُ أن يقالَ: إنَّ المقصودَ بالإفادَة وهو سرعةُ التَّغليب، وأمَّا الأصابعُ فمُفَوَّضة حقيقةً إلى اللهِ تعالى.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الله كتَبَ كِتَابًا لِأهْل الجَنَّةِ [وَأَهْل] النَّارِ
1421 -
(2141) - (4/ 449 - 450) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ شُفَيِّ بْن مَاتِعِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرِو بْن العَاصِي، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ، فَقَالَ:"أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الكِتَابَانِ؟ " فَقُلْنَا: لا يَا رَسُولَ اللهِ إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنَا، فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ اليُمْنَى:"هَذَا كتَابٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلا يُزَادُ فِيهِمْ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا"، ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَالِهِ:"هَذَا كتَابٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِم وَقَبَائِلِهِمْ، ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا"، فَقَالَ أصْحَابُهُ: فَفِيمَ العَمَلُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرغَ مِنْهُ؟ فَقَالَ: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، فَإِنَّ صَاحِب الجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أيَّ عَمَلٍ، وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أيَّ عَمَلٍ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيْهِ فَنبَذَهُمَا، ثمَّ قَالَ:"فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ العِبَادِ فرِيق فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ". حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْن مُضَرَ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ نَحْوَه. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ، وَأَبُو قَبِيلٍ اسْمُهُ حُيَيُّ بْنُ هَانِئٍ.
• قوله: "كِتَابَان": الظَّاهرُ بقاؤهُما على حقيقةٍ ولا إشكالَ فيه إلا أنَّه كيف حملَ صلى الله تعالى عليه وسلم ذيْنِكَ الكتابَيْن بأيدِيهما مع أنَّه لو جُمِعَ أسماءُ أهل الجنَّة في كتاب بالتَّفصيل لجاءَ مُجَلّداتٍ تعجِزُ عن حملها الجِمالُ، لكنَّ منشأ هذا الإشكالِ قياسُ ذلك الخطِّ بهذا الخَطِّ المعلومِ وهو غير سديدٍ فأنكَر، كيف جمع اللهُ في قلب واحدٍ - وهو قدر لَوْزَةٍ - ما يعجِز عن حملها الجِمالُ. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ لا عَدْوَى وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ
1422 -
(2143) - (4/ 450 - 451) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عِمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْن عَمْرِو بْن جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَاحِبٌ لنَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"لا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا"، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ! البَعِيرُ الجَرِبُ الْحَشَفة بذَنَبِه فَتَجْرَبُ الإِبِلُ كلُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"فَمَنْ أَجْرَبَ الأَوَّلَ؟ لا عَدْوَى وَلا صَفَرَ، خَلَقَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ وَكتَبَ حَيَاتَهَا وَرِزْقَهَا وَمَصَائِبَهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنسٍ، وسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْن صَفْوَانَ الثَّقَفِيَّ البَصْرِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ المَدِينيِّ، يَقُولُ: لَوْ حَلَفْتُ بَيْنَ الرُّكنِ وَالمَقَامِ لَحَلَفْتُ أَنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ.
• قوله: "وَلَا هَامَةَ": - بتَخْفيفا الميم - طائرٌ كانوا يتَشَائَمون به، وليسَ له ذكرٌ في حديثِ الباب لكن يُعْرَف حكمُه بالقِيَاس فلذلك ذكر في الترجمةِ. والله أعلم.
• قوله: "يُعْدِيْ": من الإعْداءِ، أي: لا يُوصِل شيءٌ مرضَه وعِلَّتَه إلى شيءٍ آخر.
• "الْحَشَفة بِذَنَبِه"، أي: القَرْحَةُ في ذنَبه تفسيرٌ "للْجَرَبَ". وأمَّا "الصَّفَر": فكانَ أهلُ الجاهليةِ يجعلونُه مُحَرَّمًا ويُحِلُّوْن المحرَّم، فنُهُوْا عن ذلك.
بَابُ مَا جَاءَ [فِي] أنَّ الإيمَانَ بالقَدَرِ خَيْرهِ وَشَرِّهِ
1423 -
(2145) - (4/ 452) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أنْبَأنا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْن حِرَاشٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ: يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ بَعَثَنِي بِالحَقِّ، وَيُؤْمِنُ بِالمَوْتِ، وَبِالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وَيُؤْمِنُ بِالقَدَرِ".
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ شُعْبَةَ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: رِبْعِيٌّ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيٍّ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ عِنْدِي أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ النَّضْرِ، وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الجَارُودِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا، يَقُولُ: بَلَغَنَا أَنَّ رِبْعِيًّا لَمْ يَكْذِبْ فِي الإِسْلامِ كِذْبَةً.
• قوله: "لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ"، أي: لا يَتِمُّ إيمانُه.
• قوله: "وَيُؤْمِنُ بِالمَوْتِ"، أي: بفَناء الدُّنْيا كلِّها. ويمكنُ أن يكونَ الإيمانُ بالموتِ تمهيدًا للإيمان بالبَعْثِ، فيكونُ الثَّاني الإيمانُ بالرسالة، والثالثُ الإيمان بالبَعْث. والله أعلم.
بَابٌ
1424 -
(2150) - (4/ 455) حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بْنُ فِرَاسٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ مَعلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو العَوَّام عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَثَلُ ابْنِ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً إِنْ أَخْطَأَتْهُ المَنَايَا وَقَعَ فِي الهَرَمِ حَتَّى يَمُوتَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَأَبُو العَوَّامِ هُوَ عِمْرَانُ وَهُوَ ابْنُ دَاوُدَ القَطَّانُ.
• قوله: "مَثَلُ ابْنِ آدَمَ": مبتدأ خبرُه محذوفٌ، أي: عجيبٌ ونحوه. وجملةُ "وإلَى جَانِبِه" حالٌ، ويحتمل أنْ تُجْعلَ الجملةُ الشَّرطِيَّةُ خبرًا، أي: حالُه العجيبةُ، وقِصَّتُه الغريبةُ، والحالُ أن في حياتِه أسبابًا كثيرة للموتِ، متَوجِّهةً إليه، وهو مضمونُ هذه الشَّرطيةِ، والمراد بالعَدد الكثرة بالنَّظر إلى الأسبابِ والأمراض المؤدِّيةِ إلى الهلاكِ. والله تعالى أعلم.
بَابٌ
1425 -
(2155) - (4/ 457 - 458) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ فَلَقِيتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ أَهْلَ البَصْرَةِ يَقُولُونَ فِي القَدَرِ، قَالَ: يَا بُنَيَّ أَتَقْرَأُ القُرْآَنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَاقْرَأِ الزُّخْرُفَ، قَالَ: فَقَرَأْتُ: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}
(1)
فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا أُمُّ الكِتَابِ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ كتَابٌ كَتبَهُ اللهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَقَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الأرْضَ، فِيهِ إِنَّ فِرْعَوْنَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَفِيهِ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبِ وَتَبَّ، قَالَ عَطَاءٌ: فَلَقِيتُ الوَليدَ بْنَ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ: مَا كَانَتْ وَصِيَّةُ أَبِيكَ عِنْدَ المَوْتِ؟ قال: دَعَانِي أبِي فقال لِي: يَا بُنَيَّ! اتّقِ الله، وَاعْلمْ أَنَّك لنْ تَتَّقِيَ الله حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللهِ وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، فَإِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمَ، فَقَالَ: اكْتُبْ، فَقَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ القَدَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ غَريِبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "مَا كَانَ": إنْ قلتَ: إذا كان هذا أوَّلُ المخلوقاتِ على الإطلاقِ فما الذي كان بالنَّظر إليه؟ قلتُ: يكفي في صِدْقِ ما كان تحقُّقُ نفسِه فإنَّه بالنَّظْر إلى وقتِ الكتابةِ يصدق أنَّه ما كان. والله أعلم.
(1)
الزخرف: 1 - 4.
[كِتَابُ الْفِتَن عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم]
[بَابُ مَا جَاءَ دِمَاؤُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ]
1426 -
(2159) - (4/ 461 - 462) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ عَنْ شَعبِيبِ بْن غَرْقَدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن عَمْرِو بْن الأحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ لِلنَّاسِ: "أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " قَالُوا: يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، قَالَ:"فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنكُمْ حَرَامٌ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلا لا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، أَلا لا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ فِي بِلَادِكُمْ هَذه أَبَدًا وَلَكِنْ سَتكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَسَيَرْضَى بِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَحُذَيْمِ بْن عَمْرٍو السَّعْدِيِّ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى زَائِدَة عَنْ شَبِيبِ بْن غَرْقَدَةَ نَحْوَه، وَلا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شَبِيبِ بْن غَرْقَدةَ.
• قوله: "إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ": أي: إثمُ جِنايَتِه راجعٌ إليه قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
(1)
وإن كانَ بعضُ آثار الجِنايةِ يرجع إلى الغَير أيضًا كالدِّيَة على العَاقِلة.
• قوله: "أَنْ يُعْبَدَ"، أي: مِنْ أنْ يُعْبَدَ على بناء المفعول، والمرادُ منه عبادةُ الأوثانِ؛ لأنَّ عِبادتَها عبادةٌ للشَّيطانِ لكونِه الآمرُ.
(1)
الأنعام: 164.
بَابُ مَا جَاءَ لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا
1427 -
(2160) - (4/ 462 - 463) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ السَّائِبِ بْن يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ لَاعِبًا أَوْ جَادًّا، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانَ بْن صُرَد، وَجَعْدَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريِبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ.
وَالسَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَهُ صُحْبَةٌ قَدْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيت وَهُوَ غُلَامٌ، وَقُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَوَالِدُه يَزِيدُ بْنُ السَّائِب لَهُ أَحَادِيثُ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالسَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ أُخْتِ نَمِرٍ.
• قوله: "لاعِبًا جَادًّا": الظَّاهر أنَّه بتقدير "أو" والنَّهْيُ عنه؛ لأنَّه يُوْهِمُ أن مرادَه ضَرْبُه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ تَعَاطِى السَّيْفِ مَسْلُولًا
1428 -
(2163) - (4/ 464) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريِبٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ بُنَّةَ الجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَحَدِيثُ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ عِنْدِي أَصَحُّ.
• قوله: "أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ"، أي: يأخذُ البعضُ منَ البَعْض لأنَّه ربَّما سقَط من اليدِ عندَ الأخذِ فيُؤْذِي الآخذَ أو المُعْطِيَ.
بَابُ [مَا جَاءَ] مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذمَّةِ اللهِ
1429 -
(2164) - (4/ 465) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا مَعْدِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلانَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ فَلا يَتَّبِعَنَكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذِمَّتِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ جُنْدَبٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريِبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
قوله: "فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ"، أي: أمانةٍ لِمَا وُجِدَ منه من دليلِ إيمانِه العاصم للمَال والدَّم والعِرْض.
• وقوله: "فَلا يَتَّبِعَنَكُمُ اللهُ"، أي: فلا تَتَعرَّضُوا لذِمَّتِه تعالى بشَيءٍ فإنَّ مَنْ تعرَّض بشيْءٍ يَطْلُبه اللهُ به، والمطلوبُ نَهيُهم عمَّا يكونُ سببًا لطلبه تعالى إيَّاهم بشيءٍ من الذِّمَّةِ.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي لُزُومِ الجَمَاعَةِ]
1430 -
(2165) - (4/ 465 - 466) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو المُغِيرَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سُوقَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا فَقَالَ: "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلا يُسْتَشْهَدُ، أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن سُوقَةَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "يَحْلِفَ الرَّجُلُ. . ." إلخ، قال القاضي: إشارةٌ إلى قِلَّةِ الثِّقَة بمجرَّدِ الخَبر لغلبةِ التُّهْمَةِ حتى يؤكِّد خبرَه باليَمِين
(1)
.
• قوله: "وَلا يُسْتَشْهَدُ"، أي: لا يبتدأ بِها من قبل نفسِه زُوْرًا يعنى أنَّه ليسَ بشاهدٍ حتى يسألَه أحدٌ الشَّهادةَ.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 8.
• وقوله: "إِلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا"، أي: بالوَسْوسَة، وتَهْيِيج الشَّهْوة، ورَفْع الحياءِ، وتسهيل المَعْصِيَةِ.
• وقوله: "عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ": يعنى أنَّه لا يَحِلُّ لأحدٍ خلافُ الإجماع فإذا اجتمعوا يَجِبُ على الناس موافَقَتُهم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَغْيير المُنْكَر باليَدِ أَوْ باللِّسَان أَوْ بالقَلْبِ
1431 -
(2172) - (4/ 469 - 470) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْن مُسْلِم، عَنْ طَارِقِ بْن شِهَابٍ، قال: أوَّلُ مَنْ قَدَّمَ الخُطبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ، فقامَ رَجُلٌ فقال لِمَرْوَانَ: خَالَفْتَ السُّنَّةَ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، تُرِكَ مَا هُنَالِكَ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُنْكِرْ بِيَدِهِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "قَدَّمَ الخُطْبَةَ"، أي: يوم العيدِ.
• "تُرِكَ هُنَاكَ"، أي: تركتَ السُّنَّةَ.
بَابٌ [مِنْهُ]
1432 -
(2173) - (4/ 470) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْن بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالمُدْهِنِ فِيهَا كمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي البَحْرِ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ المَاءَ فَيَصُبُّونَ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا، فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَعْلاهَا: لا نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا، فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا: فَإِنَّا نَنْقُبُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعًا وَإِنْ ترَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَالمُدْهِنِ فِيهَا": الإدهانُ وهو المُحَاباة في غير حَقِّ التَّاركِ للأمر بالمعروفِ مع القُدْرةِ عليه لاستحياءٍ، أو قِلَّةِ مبالاتٍ في الدِّين، أو لمُحافَظةِ جانٍ.
• قوله: "اسْتَهَمُوا"، أي: اقْتَسُموا السَّفينةَ بالقُرْعةِ.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] سُؤَالِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا فِي أُمَّتِهِ
1433 -
(2175) - (4/ 471 - 472) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن خَبَّابِ بْن الأرَتِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً فَأَطَالَهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! صَلَّيْتَ صَلاةً لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهَا، قَالَ:"أَجَلْ إِنَّهَا صَلَاة رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، إِنِّي سَأَلْتُ الله فِيهَا ثَلاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَمَنَعَنِيهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريِبٌ صَحِيحٌ، وفي البَاب عَنْ سَعْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ.
• قوله: "لا يُهْلِكَ": من الإهلاكِ. "أُمَّتِي": كلها. "بِسَنَةٍ": أو قحطٍ وجُوْعٍ.
• قوله: "مِنْ غَيْرِهِمْ"، أي: من الكَفَرة.
1434 -
(2176) - (4/ 472) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيَّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله زَوَى لِيَ الأرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ
أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ والأصْفَرَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• "زَوَى لِيَ الأرْضَ"، أي: ضمَّ زَواياها، قال: يحتملُ أن يكونَ حقيقةً، ويحتملُ أنْ يخلقَ له الإدراك فيكونَ مجازًا؛ فإنَّه لَمَّا أدركَ جميعَها صارَ كأنَّه جُمِعَتْ له حتى رآها.
• و"الْبَيْضَةُ": الجماعةُ، وقيل: الدَّارُ، ومعناه في الحقيقةِ يستبيحُ أصْلَهم وذلك لأنَّ البيضةَ هي أصلُ الحَيوانِ الذي يَبيضُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رَفْعِ الأَمَانَةِ
1435 -
(2179) - (4/ 474 - 475) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْن وَهْبٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا:"أَنَّ الأمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوب الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ القُرْآنُ، فَعَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ" ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأمَانَةِ فقال: "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَة فتقبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قلبهِ فيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الوَكْتِ، ثمَّ يَنَامُ نوْمَةً فتقبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قلبِهِ فيَظلُّ أَثرُهَا مِثل المَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفَطَتْ فَتراه مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ"، ثُمَّ أَخَذَ حَصَاةً فَدَحْرَجَهَا عَلَى رِجْلِهِ قَالَ:"فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لا يَكَادُ أَحَدُهُمْ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا، وَحَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَه وَأَظْرَفَهُ وَأَعْقَلَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ"، قَالَ:"وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ فِيهِ لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ وَلَئِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ليَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، فَأَمَّا اليَوْمَ فَمَا كنْتُ لأُبَايعَ مِنْكُمْ إِلَّا فُلانًا وَفُلَانًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "حَدِيثَيْنِ": أحدُهما في نزولِ الأمانة، والثَّاني في رَفْعِها. فإن قلتَ آخرُ الحديثِ يدُلُّ على أن رفعَ الأمانةِ ظهرَ في وَقْتِه فما معنى أنْتَظِره؟ قلتُ: المنتظرُ الرَّفعُ بحيث يَصيرُ كالمَجْل.
• وقوله: "الأمَانَة": قيل: المرادُ بِها التَّكاليفُ والعهدُ المأخوذُ المذكورُ في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ}
(1)
وهي عينُ الإيمانِ بدليلِ آخرِ الحديثِ "وَمَا فِي قَلْبِهِ حَبَّةٌ مِنْ إِيمَانٍ"، والأظهرُ حَمْلُها على ظاهِرها بدليلِ "ويُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لا يَكَادُ أَحَدُهُمْ يُؤَدِّي الأمَانَةَ" ويكونُ وضعُ الإيمانِ موضِعَها تفخيمًا لشأنِها لحديثِ "لا دِيْنَ لِمَنْ لَا أمَانَةَ لَهُ"
(2)
.
• قوله: "جَذْر قُلُوبِ الرِّجَالِ": الجَذْرُ - بفتح الجيم وكسرها، وسكونِ الذَّال المُعجَمة - أصل، والمرادُ أصلُ قلوبِ النَّاس أعمُّ من الرِّجالِ والنِّساءِ.
• وقوله: "فَعَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ": حينئذٍ ازْدَادُوا بِهما بصيرةً، وحَسُنَتْ منهم العَلانيةُ والسَّريرة.
• "الوَكْتُ": - بفتحٍ، وسكونٍ، وآخرُه مثنَّاةٌ من فوق - الأثرُ في الشَّيءِ كالنُّقْطة في غير لونِه.
• وقوله: "فَيَظَلُّ"، أي: يصيرُ، والمعنى ثُمَّ يُرفَع الأمانةُ عن القلوبِ عقوبةً على الذُّنوب، حتى إذا اسْتَيقظوا لم يجدُوْا قلوبَهم على ما كانَتْ عليه، ويبقى أثرٌ من الأمانة مثلَ الوَكْت فيها.
• و"الْمَجْلِ": - بفتح المِيم وسكونِ الجيمِ أو فتحها - وهو الأثرُ في الكَفِّ من قُوَّةِ الخِدْمة، وهو غِلَظ الجِلْد يحسَبُه النَّاس أن في جوفِه شيءٌ وليس فيه شيءٌ.
(1)
الأحزاب: 72.
(2)
راجع: السنن الكبرى للبيهقي: 6/ 471، ح: 12690، كنز العمال: 3/ 677.
• وقوله: "كجَمْرٍ"، أي: هو كأثر جَمْر. "دَحْرَجْتَهُ"، أي: قلَّبْتَه على رِجْلِك. "فَنَفَطَ"، أي: موضعُ إصابةِ الجَمْر من رِجْلِك، أي: صار نَفْطَةً، أي: جُدَرِيًّا.
• "فتراه مُنْتَبِرًا": - بضم ميم، وسكون نون، وفتح مثَنَّاةٍ من فوق، وكسر الموحَّدة وآخره راءٌ مهملةٌ - أي: مرتفعًا في جسمكَ، وهذا أقلُّ من الأوَّل؛ لأنَّه شِبْهٌ بالمُجَوَّف الذي يُرى مرتفعًا كبيرًا ولا طائلَ تحتَه.
• وقوله: "يَتَبَايَعُوْنَ": أريدُ به البيعُ والشِّراءُ.
• قوله: "وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ. . . ." إلخ، من كلام حذيفةَ.
• قوله: "دِينُهُ"، أي: الإسلامُ؛ لأنَّه يؤدِّي الأمانةَ بغَلبة الإسلام.
• و"السَّاعِيْ": الولِيُّ الذي يقومُ [بالأمَّة]
(1)
ويستخرجُ حقوقَ النَّاس بعضَهم من بعضٍ.
(1)
هكذا في المخطوط وهو خطأ، والصحيح:"بالأمانة".
بَابُ مَا جَاءَ لتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
1436 -
(2180) - (4/ 475 - 476) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانِ بْن أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! اجْعَلْ لنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "سُبْحَانَ اللهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}
(1)
"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لتَرْكبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ اسْمُهُ: الحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، وَفِي البَاب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "يُقَالُ لَهَا"، أي: سَمَّوها ذاتَ أنواطٍ، أي: ذاتَ تعليقٍ. والنَّوطُ: هو التَّعليقُ، وإنكارُه صلى الله تعالى عليه وسلم قولَهم لوجْهَيْن، أحدُهما: أن الصَّوابَ أنْ يَحْمِل كلُّ واحدٍ سلاحَه مع نفسِه ولا يفارقُه في حالةِ الجِهاد. والثاني: الاقتداءُ بِهم، وذلك داعٍ إلى اتِّباعِهم فيما لا يَحِلُّ فعلُه، ولذلك ضرب النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم المثلَ لهم بقول بني إسرائيل:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}
(1)
الأعراف: 138.
بَابُ مَا جَاءَ فِي انْشِقَاقِ القَمَر
1437 -
(2182) - (4/ 477) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: انْفَلَقَ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اشْهَدُوا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنسٍ، وَجُبَيْرِ بْن مُطْعِمٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عَنِ ابْنِ عُمَرَ"، أي: ورَوَاه مع ابن عمر ابنُ مسعودٍ، وحذيفةُ، وابنُ عبَّاسٍ، وجبيرُ بْنُ مُطْعِمٍ. وفيه إعجازٌ من وَجْهَيْن أحدُهما: انشِقَاقُهَ، والثَّاني: إخفاءُه من أهل مكَّةَ وذلك خلافُ العادةِ فهو معجزةٌ، ومَنْ رآه من قريش قال: انظُرْ فإنْ رآه أحدٌ غيرَنا فليس بسِحْر وإن لم يرَه أحدٌ إلا نحن فهو سِحْرٌ، فلما جاء سفرُهم سألوهم، فقالوا رأيناه فعلموا أنَّها آيةٌ. كذا ذكره القاضي
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 22، 23.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الخَسْفِ
1438 -
(2185) - (4/ 479) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا صَيْفِيُّ بْنُ رِبْعِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنِ القَاسِمِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَكُونُ فِي آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ"، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنُهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الخُبْثُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا. حَدِيث غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
• قوله: "الخُبْثُ"، أي: الفِسْقُ والفُجورُ. وقيل: الزِّنَا. وقيل: المَعاصِي مطلقًا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي طُلُوع الشَّمْسِ مِنْ مَغْربهَا
1439 -
(2186) - (4/ 479) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: دَخَلْتُ المَسْجِدَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، فَقَالَ:"يَا أَبَا ذَرٍّ! أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ؟ " قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:"فَإِنَّهَا تَذْهَبُ تَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا" قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ "وَذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا"، قَالَ: وَذَلِكَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَذَلِكَ"، أي: الموضعُ الذي يسجُد فيه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
1440 -
(2187) - (4/ 480) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوميُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَب بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَوْمٍ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ وَهُوَ يَقُولُ: "لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - يُرَدِّدُهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ - وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقتربَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَعَقَدَ عَشْرًا"، قَالَتْ زَيْنَبُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أفَنُهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخُبْثُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ جَوَّدَ سُفْيَانُ هَذَا الحدِيثَ، هَكَذَا رَوَى الحُمَيْدِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينِيِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الحُفَّاظِ عَنْ سُفْيَانَ بْن عُيَيْنَةَ نَحْوَ هَذَا، وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: حَفِظْتُ مِنَ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الحَدِيثِ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ: زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ، وَهُمَا رَبِيبَتَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهَكَذَا رَوَى مَعْمَرٌ وَغَيْرُهُ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ حَبِيبَةَ، وَقَدْ رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ.
• قوله: "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ": [قال] الطيبيُّ:
(1)
يعني قَرُبَ خروجُ جيشٍ يقاتلُ العربَ.
• "مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ": وهو سَدٌّ بناه ذو القرنين وقدِ انْفَتَحتْ فإذا توسَّعت يخرجون منها، وذاك بعدَ الدَّجال.
• و"الرَّدْم": بكسر الرَّاء وفتحها، وسكون الدَّال.
• قوله: "أَفَنُهْلَكُ": على بناء المفعولِ للمُتكلِّم مع الغير.
• وقوله: "وَفِينَا الصَّالِحُونَ": كأنَّها عَرَفَتْ أن هذه الأمَّة المرحومةَ لا تخلو عن صلحاء.
• "الخُبْثُ": - بالضمِّ وسكودنِ الباء - قيل: الزِّنا والفسادُ. وقيل: مطلقُ المعاصي. وقيل: خصَّ العرب؛ لأنَّ معظمَ شَرِّهم راجعٌ إليهم قال القاضي: العربُ لا تُوَافِقها لا في العَجْز ولا في الدِّين
(2)
.
(1)
لم أعثر على هذه العبارة في شرح الطيبي لمشكاة المصابيح المسمى بـ "الكاشف عن حقائق السنن".
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 27.
بَابٌ فِي صِفَةِ المَارِقَةِ
1441 -
(2188) - (4/ 481) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأحْلَامِ، يَقْرَؤونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ وَصَفَ هَؤُلاءِ القَوْمَ الَّذِينَ يَقْرَؤونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، إِنَّمَا هُمُ الْخَوَارِجُ وَالْحَرُورِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْخَوَارِجِ.
• قوله: "لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ"، أي: لا يَصْعد إلى مَحَلِّ القَبول، أو لا يَنزل إلى قلوبِهم حتى يَعْقِلوا.
• "يَقُولُونَ مِنْ [قَوْلِ] خَيْرِ البَرِيَّةِ"، أي: قولا من قولِ خيرِ النَّاس في الظَّاهر لقولهم: لا حكم إلا لله، ونظائرُهم من دُعَائِهم إلى كتاب الله تعالى. والله أعلم.
• قوله: "مِنَ الرَّمِيَّةِ": - بتشديدِ الياء - بمعنى المَبرمِيِّ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّامِ
1442 -
(2192) - (4/ 485) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ" قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيِّ: هُمْ أَصْحَابُ الحَدِيثِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَن عَبْدِ اللهِ بْن حَوَالَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْن ثَابِتٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيْنَ تَأمُرُنِي؟ قَالَ: "هَاهُنَا"، وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قال القاضي: مأوى الجِهَاد والرِّباطِ، فإذَا فسد أهلُه فسد النَّاس كلُّهم لأنَّهم إذا تركوا الجِهاد ذلَّوا
(1)
.
• و"الطَّائِفَةُ الْمَنْصُوْرَة": قيل: أهلُ الحديث، وقيل: أهل الجهادِ، وقيل: غير ذلك.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 34.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّهُ تَكُونُ فِتْنَةٌ القاعِد فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القائِمِ
1443 -
(2194) - (4/ 486 - 487) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عَيَّاشِ بْن عَبَّاسٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن الأشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْن سَعِيدٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ عِنْدَ فِتْنَةِ عُثْمَانَ بْن عَفَّانَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّهَا سَتكُونُ فِتْنَةٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي" قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي وَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ لِيَقْتُلَنِي؟ قَالَ: "كُنْ كَابْنِ آدَمَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَخَبَّاب بْنِ الأرَتِّ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي وَاقِدٍ وَأَبِي مُوسَى وَخَرَشَةَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ وَزَادَ فِي الإِسْنَادِ رَجُلًا، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "كُنْ كَابْنِ آدَمَ": يريدُ أنَّ الصَّبرَ فيها أحسنُ من الحَركة لكَوْنِ الحركةِ تزيدُ في الفتنةِ، والمثليَّة مختلفٌ فيها، وقد أخذَ بعضُ الصَّحابة بظاهِره، [وقد] دخلَ بعضُ أهلِ الشَّام أيَّام الحرَّة في غارٍ على أبي سعيد الخدريِّ ومعه سيفُه، فقال: له اخرُج، فألقى أبو سعيدٍ سيفَه إليه وخرج، فقال له: أنتَ أبو سعيدٍ؟ فقال: نعم، فكفَّ عنه. ذكره القاضي
(1)
والله أعلم.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 42، 41.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الهَرْجِ [وَالعِبَادَةِ فِيهِ]
1444 -
(2201) - (4/ 489) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْمُعَلَّى بْن زِيَادٍ، رَدَّه إِلَى مُعَاوِيَةَ بْن قُرَّةَ، رَدَّه إِلَى مَعْقِلِ بْن يَسَارٍ، رَدَّه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"العِبَادَةُ فِي الهَرْجِ كالهِجْرَةِ إِلَيَّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْن زَيْدٍ عَنِ المُعَلَّى.
قال القاضي: الهَرْج الاضطرابُ، وأعظمُه أن يكونَ بالقَتْل والقتال
(1)
.
• قوله: "العِبَادَة فِي الهَرْجِ"، أي: في أيَّامه بالفَرارِ زمنَ الهَرْج إليها.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 39.
بَابُ مَا جَاءَ في اتِّخَاذ سَيْفٍ مِنْ خَشَب فِي زَمَن الفِتْنَةِ
1445 -
(2202) - (4/ 490) حَدَّتنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إِذَا وُضِعَ السَّيْفُ"، أي: وقد وُضِع فيهم عندَ قتل إمام الأئمَّة عثمان رضي الله عنه وقد قال لهم: "لا تَسَلُّوْا سيفَ الفِتْنَةِ المَغْمُودِ عَنْكُمْ" فلم يُرْفَعْ عنهم بعدَ ذلك.
1446 -
(2203) - (4/ 490) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُبَيْدٍ، عَنْ عُدَيْسَةَ بِنْتِ أُهْبَانَ بْن صَيْفِيٍّ الغِفَارِيِّ، قَالَتْ: جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَبِي فَدَعَاه إِلَى الخُرُوجِ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي:"إِنَّ خَلِيلِي وَابْنَ عَمِّكَ عَهِدَ إِلَيَّ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ أَنْ أَتَّخِذَ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ" فَقَدِ اتَّخَذْتهُ، فَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ بِهِ مَعَكَ قَالَتْ: فَتَرَكَهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن مَسْلَمَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريِبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْن عُبَيْدٍ.
• قول: "أُهْبَانَ": كعثمان صحابيٌّ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ
1447 -
(2207) - (4/ 492) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يُقَالَ فِي الأرْضِ: "اللهُ، اللهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ نَحْوَه وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الحَدِيثِ الأوَّلِ.
• قوله: "حَتَّى لا يُقَالَ فِي الأرْضِ: اللهُ، اللهُ": هؤلاء الَّذِين لا يذكُرْونَ اسمَ اللهِ تعالى هم الأشرارُ الذين تقوم عليهم القِيَامةُ.
[بَابٌ مِنْهُ]
1448 -
(2208) - (4/ 493) حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَقِيءُ الأرْضُ أَفْلَاذَ كبِدِهَا أَمْثَالَ الأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، قَالَ: فَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ: فِي مِثْلِ هَذَا قُطِعَتْ يَدِي، وَيَجِيءُ القَاتِلُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلْتُ، وَيَجِيءُ القَاطِعُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريِبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "كَبِدهَا": الكَبِدُ - بالفتح فالسُّكون - معروفٌ، وكَبِدُ الأرض ما فيها من معادِن المالِ.
[بَابٌ مِنْهُ]
1449 -
(2209) - (4/ 493 - 494) حَدَّتنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْن أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: وحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْن أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ الأشْهَلِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْن اليَمَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ بْنُ لُكَعٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْن أَبِي عَمْرٍو.
• قوله: "لُكَعُ": - هو بضَمِّ اللَّام - لغةً: العبدُ ثمَّ اسْتُعْمِل في الأحمقِ واللَّئيم. وقيل: الوَسِخ. ويطلقُ على الصَّغير. [قاله] الطيبي
(1)
.
• "أَسْعَدَ النَّاس"، أي: أحْظاهم وأطيبُهم عيشًا، وأراد باللُّكَع مَنْ لا يُعْرَف له أصلٌ، ولا يحمدُ له خُلُقٌ وهو غير منصرفٍ للعَدْل والصِّفةِ.
(1)
راجع: الكاشف عن حقائق السنن للطيبي: 11/ 3392.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "بعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْن" يَعْنى السَّبَّابَةَ وَالوُسْطَى]
1450 -
(2214) - (4/ 496) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أنْبَأنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ" وَأَشَارَ أَبُو دَاوُدَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى فَمَا فَضُلَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى؟.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• "كهَاتَيْنِ": قيل: ليس بينَهما شيءٌ كما ليس بينَ السَّبَابةِ والوُسْطَى أصبعٌ. وقيل: إنَّ الوُسْطى تزيدُ على السَّبابةِ نصفَ سُبعِها فكذا الباقي من الدُّنيا فيما مضى، وهذا بعيدٌ لا يُعْلَم مقدارُ الدُّنيا فلا يحصلُ لنا نصف سبع من مجهولٍ. كذا قاله القاضي
(1)
. "فَمَا فضُل": عطفٌ على السَّبابةِ، أي: فأشارَ بما فضل أحداهُما على الأخرى.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 45، 44.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قِتَالِ التُّرْكِ
1451 -
(2215) - (4/ 497) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ المَخْزُومِيُّ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بْنُ العَلاءِ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَبُرَيْد، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَمْرِو بْن تَغْلِبَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحِيحٌ.
• قوله: "كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ": - بفَتح الميم، وتشديدِ النُّون - جمعُ المِجَنِّ: وهو التُّرس. و"المُطْرَقَةُ": اسمُ مفعولٍ من إطْرَاق وهو المشهورُ، وإطَّراق - بالتَّشديد - أي: الذي رَكِب بعضُها على بعض، وألبست بعضها فوق بعض، والمقصودُ وصفها بالغلظ.
بَابُ مَا جَاءَ إذَا ذَهَبَ كِسْرَى فَلَا كسْرَى بَعْدَه
1452 -
(2216) - (4/ 497) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَه، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لتنْفَقَنَّ كنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
أمَّا أمرُ كِسْرى فقد تحقَّق كما في الحديثِ وأمَّا أمرُ القَيْصَر فلعلَّه يتحقَّق في آخر الأمر في وقتِ عِيْسَى. والله تعالى أعلم.
• قوله: "لَتُنْفَقَنَّ": ضُبِطَ على بناء المَفعول - بفتح القَاف - ويجوزُ أنْ يكونَ على بناء الفاعل بضَمِّ القَاف. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ في القَرْن الثَّالِثِ
1453 -
(2221) - (4/ 500) حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الفُضَيْلِ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُدْرِكٍ، عَنْ هِلَالِ بْن يَسَافٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تتَسَمَّنُونَ وَيُحِبُّونَ السِّمَنَ يُعْطُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُدْرِكٍ، عَنْ هِلَالِ بْن يَسَافٍ، وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الحُفَّاظِ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ هِلالِ بْن يَسَافٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَلِيَّ بْن مُدْرِكٍ. قَالَ: وحَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأعْمَشِ، حَدَّثَنَا هِلالُ بْنُ يَسَافٍ عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَه، وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْن فُضَيْلٍ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "يُعْطُونَ الشَّهَادَةَ. . . ." إلخ، أي: يشْهَدون بالزُّور فإنَّ شاهدَ الزُّور لا يسألُه أحدٌ لعِلْمِه أنَّه ليس بشاهدٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الخِلَافَةِ
1454 -
(2226) - (4/ 503) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ عَنْ سَعِيدِ بْن جُمْهَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَفِينَةُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الخِلافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ" ثُمَّ قَالَ لِي سَفِينَةُ: أَمْسِكْ خِلافَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَخِلافَةَ عُمَرَ، وَخِلافَةَ عُثْمَانَ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَمْسِكْ خِلافَةَ عَلِيٍّ قَالَ: فَوَجَدْنَاهَا ثَلاثِينَ سَنَهً، قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الخِلافَةَ فِيهِمْ؟ قَالَ: كَذَبُوا بَنُو الزَّرْقَاءِ بَلْ هُمْ مُلُوكٌ مِنْ شَرِّ المُلُوكِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ قَالا: لَمْ يَعْهَدِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الخِلافَةِ شَيْئًا، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَدْ رَوَاه غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْن جُمْهَانَ وَلا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْن جُمْهَانَ.
• قوله: "الزَّرْقَاء": امرأةٌ من أمَّهاتِ بني أميَّة ولها قِصَّةٌ غريبةٌ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي نُزُولِ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ [عليه السلام]
1455 -
(2233) - (4/ 506 - 507) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ المَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قول: "حَكَمًا": - بفَتْحَتَين - أي: حاكمًا، أو هو - بضَمٍّ فسكون - من وَضْعِ المصدرِ مَوْضعَ اسم الفاعل، أي: قاضيًا بين النَّاس بشريعةِ نَبِيِّنا صلى الله تعالى عليه وسلَّم نَبِيًّا مرسلًا بشريعة أخرى.
• "مُقْسِطًا"، أي: عادلًا في الحكم.
• قوله: "فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ"، أي: بحيثُ لا يبقَى من جِنْس الصَّليب شيءٌ حتى لا يُعَبْد إلا اللهُ لما في بعض الرِّوايات، وتكون السَّجدةُ لله رَبِّ العالمين.
• وقوله: "وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ"، أي: لا يرَخِّص لهم في أكلِه، ولا يراه حلالًا لهم.
• وقوله: "يَضَعُ الجِزْيَةَ"، أي: لا يقبلها من الكَفَرة ولا يقبل منهم إلا الإسلامَ، وهذا بيان منه صلى الله تعالى عليه وسلَّم لانتهاءِ قَبولِ الجِزْية في الشَّريعة إلى ذلك الوقتِ، فيكونُ عدمُ قبولِ الجِزْيةِ حينئذٍ من شريعتِه صلى الله
تعالى عليه وسلَّم، ولا تكونُ شريعةٌ لعِيْسى عليه السلام مخالفةً لشريعتِه صلى الله تعالى عليه وسلم.
• وقوله: "وَيَفِيضُ المَالُ": عطفٌ على "يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ" والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ في الدَّجَّالِ
1456 -
(2234) - (4/ 507) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن سُرَاقَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْن الجَرَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ بَعْدَ نُوحٍ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَ الدَّجَّالَ قَوْمَهُ وَإِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ" فَوَصَفَهُ لنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "لَعَلَّهُ سَيُدْرِكهُ بَعْضُ مَنْ رَآنِي أَوْ سَمِعَ كَلَامِي"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! فَكَيْفَ قُلُوُبنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "مِثْلُهَا، - يَعْني اليَوْمَ - أَوْ خَيْرٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن بُسْرٍ، وعَبْدِ اللهِ بْنِ الحَرِثِ بْنِ جُزَيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بْن مُغَفَّلٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْن الجَرَّاحِ.
• قوله: "بَعْدَ نُوحٍ": لعلَّ إنذارَ مَنْ بعد نوحٍ أشدُّ وأكثر من إنذارِ نوحٍ، فلذا قيل بعدَ نوحٍ، وعلى هذا معنى قوله:"قَدْ أنْذَرَ"، أي: يُبالغ في الإنذارِ فلا يُشْكل ما سيجيءُ في الحديثِ الآتي، وَلَقَدْ أنْذَرَ نُوْحٌ - والله أعلم - وكان إنذارُهم تعظيمًا لفِتْنَتِه وتقريبًا لها، وبيانٌ منهم أن وقتَها غيرُ معلومٍ عندَهم بالتَّعيين، وعليه يُحْملُ قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:"ولَعَلَّهُ سَيُدْرِكهُ. . ." إلخ، على أن قولَه:"أَوْ سَمِعَ كَلَامِي": يمكنُ حملُه على سماعِه أعَمُّ من أن يكونَ بلا واسطةٍ أو بواسطةٍ، فيكونُ المرادُ بقاءُ كلامِه صلى الله تعالى عليه وسلَّم إلى حين ظهورِ الدَّجَّال. والله تعالى أعلم.
وحملَ بعضُ الفضلاءِ قوله: "لَعَلَّهُ سَيُدْرِكُهُ. . . " إلخ، على خِضْر عليه السلام وقال: وفيه دليلٌ على حياتِه.
وقال القاضي: إنذارُ الأنبياءِ تحذيرٌ للقلوب من الفِتَنِ وطمأنِيْنَةٌ لها حتى لا يضرَّ في حُسْن اعتقادِها ما يَطْرأ عليها من الفِتَن دونَ ذلك، وكذلك تقريبُ النبي صلى الله تعالى عليه وسلَّم له زيادةٌ في التَّحذير؛ لأنَّه إن لم يكن فتنةُ الدَّجالِ قريبةً فإنَّ قريبًا منها قريبٌ في فسادِ الأدْيَان، واتِّباع الأئمة المُضِلِّيْن، والافتتانِ بالسَّلاطين
(1)
.
• قوله: "مِثْلُهَا": قال القاضي: إشارةٌ إلى أنَّهم كانوا على الإيمانِ ثابِتِيْن. وقال: "أَوْ خَيْرٌ"
(2)
: منها ساقطٌ، وإنْ رواها المستورون يعنى أنَّه وقع سهوٌ من الرُّواةِ فإنَّ القلوبَ لم تكن عندَ مُفارَقةِ النبي صلى الله تعالى عليه وسلَّم إلى المَنازلِ كهِيَ بحَضْرَتِه، ولا بعدَ موتِه بلَحْظَةٍ كهِيَ عند ظهور العَيْن، وقد قال أنسٌ:"مَا نَفَضْنَا أيْدِيَنَا مِنْ تُرْبَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أنْكَرْنَا قُلُوْبَنَا" انتهى.
قلتُ: يمكنُ حملُه على الخَيْريَّة من وجهٍ فإنَّ الثُّباتَ على الإيمانِ مع وجودِ تلك الفِتْنةِ لا يُساويه الثُّباتُ عندَ ظهور المُعْجِزاتِ، والخَيْريَّة من وجهٍ لا يُنافيها الخيريَّةُ في وقتِه صلى الله تعالى عليه وسلَّم من وجوهٍ كثيرةٍ، والنَّاظر في الأحاديثِ يعرف أن هذا حقٌّ لابدَّ من اعتبارِه في كثيرٍ من الأحاديث. والله أعلم.
(1)
قال القاضي: (مثلها اليوم أو خير: فهذه الكلمة وأشباهها تسقط الأحاديث وإن رواها المستورون. . .)، راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 62.
(2)
راجع: المصدر السابق نفسه مع نفس الجزء والصفحة.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي عَلَامَةِ الدَّجَّال]
1457 -
(2235) - (4/ 508) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ:"إِنِّي لأُنْذِرُكمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ وَلَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلهُ نَبِيٌّ لِقوْمِهِ: تَعْلمُونَ أَنَّهُ أعْوَرُ وَإِنَّ الله ليْسَ بِأعْوَرَ".
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ أَخْبَرَه بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَئِذٍ لِلنَّاسِ وَهُوَ يُحَذِّرُهُمْ فِتنَتَهُ:"تَعْلمُونَ أَنَّهُ لنْ يَرَى أحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتى يَمُوتَ وَإِنَّهُ مَكتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ "ك، ف، ر" يَقْرَأُه مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إنَّهُ أَعْوَرُ": قال القاضي: إشارةٌ إلى أنَّه يدَّعي الرُّبُوبِيَّة وهو ناقصُ الخِلْقةِ، والإلهُ يتعالى عن النَّقْص فهو لا يقدرُ على إزَاحَةِ آفةِ نفسِه فكيف يدَّعي أنَّه يَرْزُق الخَلْقَ ويُحْيِيهم، فقد عارَض الدَّليلُ الفِتْنةَ فثبتَ أنَّها بلاءٌ من اللهِ ومِحْنَتُه. انتهى
(1)
.
• قوله: "إنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ": إشارةٌ إلى إبطالِ قوله: "أنَا رَبُّكُمْ" بوجهٍ آخر، وفيه دليلٌ على أن مَنْ يدَّعِي رؤيةَ الرَّبِّ تعالى بالعَيْن في الدُّنيا فهو
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 62.
كاذبٌ كما ذكره كثيرٌ من الفُقَهاء، ولم يلزَمْ منه أنَّه صلى الله تعالى عليه وسلَّم لم يَرَ ربَّه ليلةَ المعراج لقوله:"أحدٌ منكم".
• "وَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ": قال القاضي: هذا بيانٌ من الله تعالى لكَذِبِه ونَقْصِه، وأنَّه مفضوحٌ عند خَلْقِه في وجهه. انتهى
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 62.
بَابُ مَا جَاءَ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ
1458 -
(2237) - (4/ 509) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنِ المُغِيرَةِ بْن سُبَيْعٍ، عَنْ عَمْرِو بْن حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا: خُرَاسَانُ تتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَوْذَبٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، وَلا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي التّيَّاحِ.
• قوله: "يُقَالُ لَهَا: خُرَاسَانُ": قال القاضي: قد بيَّنه أكثرُ من هذا فقال: "يَخْرُجُ مِنْ أصْفَهَان" انتهى
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 63.
بَابُ مَا جَاءَ فِي عَلَامَاتِ خُرُوجِ الدَّجَّالِ
1459 -
(2238) - (9/ 504 - 510) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا الحَكَمُ بْنُ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا الوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ الوَليدِ بْن سُفْيَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُطَيْبٍ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ صَاحِبِ مُعَاذٍ، عَنْ مُعَاذِ بْن جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"المَلْحَمَةُ العُظْمَى، وَفَتْحُ القُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنِ الصَّعْبِ بْن جَثَّامَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن بُسْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريِبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ
• قوله: "القُسْطُنْطِينيَّة": في "المَجْمَع"
(1)
- بضَمِّ قافٍ وطاء أولى، وكسر ثانيةٍ، فياء ساكنةٍ، فنونٍ - قال القُرطبي: قد فُتِحَتْ في زمانِ عثمان وتُفْتَحُ عندَ خروج الدَّجَّال. قاله الترمذي انتهى.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 4/ 269، 270.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فِتْنَةِ الدَّجَّالِ
1460 -
(2240) - (4/ 510 - 514) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْر، أَخْبَرَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن يَزِيدَ بْن جَابِرٍ - دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ الآخَرِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن يَزِيدَ بْن جَابِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْن جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن جُبَيْرٍ، عَنْ أَبيهِ، جُبَيْر بْن نُفَيْرٍ، عَن النَّوَّاس بْن سَمْعَانَ الكِلَابِيِّ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاه فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، قَالَ: فَانْصَرَفْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَيْهِ فَعَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ:"مَا شَأْنُكُمْ؟ " قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ الغَدَاةَ فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاه فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، قَالَ:"غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ لِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، شَبِيهٌ بِعَبْد العُزَّى بْن قَطَنٍ، فَمَنْ رَآهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ فَوَاتِحَ سُورَةِ أَصْحَابِ الكَهْفِ"، قَالَ:"يَخْرُجُ مَا بَيْنَ الشَّامِ وَالعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَا عِبَادَ اللّهِ اثْبُتُوا"، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ! وَمَا لَبْثُهُ فِي الأرْض؟ قَالَ: "أَرْبَعِينَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ"، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَرَأَيْتَ اليَوْمَ الَّذِي كَالسَّنَةِ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنْ اقْدُرُوا لَهُ"، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ! فَمَا سُرْعَتُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: "كَالغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ فَيَأْتِي القَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيُكَذِّبُونَهُ وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَتَتْبَعُهُ أَمْوَالُهُمْ وَيُصْبِحُونَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يَأْتِي القَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ وَيُصَدِّقُونَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ، وَيَأْمُرُ الأرْضَ أنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ كَأَطْوَلِ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَمَدِّهِ خَوَاصِرَ، وَأَدَرِّهِ ضُرُوعًا"، قَالَ: "ثُمَّ
يَأْتِي الخَرِبَةَ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَيَنْصَرِفُ مِنْهَا فَيَتْبَعُهُ كيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا شَابًّا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جِزْلَتَيْنِ، ثُمَّ يَدْعُوه فَيُقْبِلُ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هَبَطَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام بِشَرْقِيِّ دِمَشْقَ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَّان كَاللُّؤْلُؤِ"، قَالَ: "وَلا يَجِدُ رِيحَ نَفْسِهِ - يَعْنِي أَحَد - إِلَّا مَاتَ وَرِيحُ نَفْسِهِ مُنْتَهَى بَصَرِهِ"، قَالَ: "فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكُهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلَهُ"، قَالَ: "فَيَلْبَثُ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللّهُ"، قَالَ: "ثُمَّ يُوحِي اللّهُ إِلَيْهِ أَنْ حَوِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ فَإِنِّي قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ"، قَالَ: "وَيَبْعَثُ الله يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ كَمَا قَالَ الله: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ}
(1)
قَالَ: فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ بِبُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ فَيَشْرَبُ مَا فِيهَا، ثُمَّ يَمُرُّ بِهَا آخِرُهُمْ فَيَقُولُ: لَقَدْ كانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مُحْمَرًّا دَمًا، وَيُحَاصِرُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَأَصْحَابَهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ يَوْمَئِذٍ خَيْرًا لِأحَدِهِمْ مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأحَدِكُمُ اليَوْمَ، قَالَ: فَيَرْغَبُ عِيسَى ابْنُ امَرْيَمَ إِلَى اللهِ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: فَيُرْسِلُ اللّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى مَوْتَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ: وَيَهْبِطُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَلَا يَجِدُ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا وَقَدْ مَلأَتْهُ زَهَمَتُهُمْ وَنَتَنُهُمْ وَدِمَاؤُهُمْ، فَيَرْغَبُ عِيسَى إِلَى اللّهِ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: فَيُرْسِلُ اللّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ البُخْتِ، قَالَ: فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ بِالمِهْبِلِ وَيَسْتَوْقِدُ المُسْلِمُونَ مِنْ قِسِيِّهِمْ وَنُشَّابِهِمْ وَجِعَابِهِمْ سَبْعِ سِنِينَ، وَيُرْسِلُ اللّهُ عَلَيْهِمْ مَطَرًا لا يُكَنُّ مِنْهُ بَيْتُ وَبَرٍ وَلا مَدَرٍ، قَالَ: فَيَغْسِلُ الأَرْضَ فَيَتْرُكُهَا كَالزَّلَفَةِ"، قَالَ: "ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ أَخْرِجِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ العِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقَحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى إِنَّ الفِئَامَ مِنَ النَّاسِ لَيَكْتَفُونَ بِاللِّقْحَةِ
(1)
الأنبياء: 96.
مِنَ الإِبِلِ، وَإِنَّ القَبِيلَةَ لَيَكْتَفُونَ بِاللِّقْحَةِ مِنَ البَقَرِ، وَإِنَّ الفَخِذَ لَيَكْتَفُونَ بِاللِّقْحَةِ مِنَ الغَنَمِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللّهُ رِيحًا فَقَبَضَتْ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى سَائِرُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ كَمَا تَتَهَارَجُ الحُمُرُ فَعَلَيْهمْ تَقُومُ السَّاعَةُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن يَزِيدَ بْن جَابِرٍ.
• قوله: "فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ"؛ أي: بالغَ في تَقْريبِه؛ أي: واسْتَعْمَل فيه كلَّ فَنٍّ من خَفْصٍ ووَفْع. "حَتَّى ظَنَنَّاه": لغايةِ المُبالَغةِ في تَقْريبه أنَّه في طائفةٍ من نَخْلِ المدينةِ. وقيل: هما - بتشديد فاءٍ - "خَفَّضَ ورَفَّعَ"، أي: حقَّر أمرَه وعظَّمه، يَجعلُ الخَوارقَ بيَدِه، أو خَفَّضَ صوتَه بعدَ نفيِه لكَثْرةِ التَّكَلُّم ثم رَفْعِه بعدَ الاستراحةِ ليبلغ كاملًا. قلتُ: والمَعْنَيَانَ لا يُناسِبُهما الغايةُ. واللّه أعلم.
• قوله: "إِنْ يَخْرُجْ": كلمة "إنْ" شَرْطِيَّةٌ.
• وقوله: "فَامْرُؤٌ"؛ أي: كلُّ امْرئٍ، من استعمالِ النَّكِرةِ في العمومِ مثل "عَلِمَتْ نَفْسٌ"، و"تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ".
• "فَعَاثَ": قال القاضي: العَيْثُ أشدُّ الفسادِ
(1)
.
• قوله: "يَا عِبَادَ اللهِ اثْبُتُوا": قال القاضي: هذا من كلامِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلَّم تنبيهًا للخَلْق، وفي كتابِ مسلم:"يَا عِبَادَ اللّهِ اثْبُتُوْا" وهو الصَّوابُ
(2)
. قلتُ: وفي بعض نُسَخ التِّرمذي أيَضًا "اثْبُتُوْا". واللّه أعلم.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 64.
(2)
راجع المصدر السابق: 9/ 64.
• قوله: "فَيَتْبَعُهُ"؛ أي: يتَّبِعُه الكنوزُ. "كَيَعَاسِيْبِ النَّحْلِ": كما يَتَّبِعُ النَّحلَ يعاسِيْبُه، و"النَّحْلُ" - بالحَاء المُهْملةِ - ذُبَاب العَسْل. واليَعَاسِيبُ: جَمْع يَعْسُوب وهو كبيرُ النَّحْل ولا يفارقُه النَّحْلُ فيقلُّ الإقبالُ.
قال القاضي: إحياءُ المَوتى فتنةٌ عظيمةٌ، وجاز هذا لأنَّه لا يدَّعي النُّبُوَّة فيمتزجُ الصَّادقُ بالكاذب، وإنما يدَّعي الرُّبوبِيَّةَ فكلَّما ظهر على يديه فإنَّها فتنةٌ معارضةٌ للدَّلالةِ الظَّاهرة اليَقينيةِ
(1)
.
• قوله: "يَعْنِي أَحَدٌ": قال القاضي: يعنى من الكفَّار، وقد قال: يقَاتِل الملوكَ كلَّها، فيحتمل أنَّه يريدُ به يُقَاتِلُهم بنَفْسِه، ويحتملُ أن يرادَ به أن من كان مع الدَّجال ماتَ وكذا غيرهم يموت بالسَّيفِ
(2)
.
• قوله: "فَيَقْتُلُهُ": قال القاضي: رُوِيَ أنَّه إذا رآه الدَّجال ذابَ كما يذوبُ الملحُ في الماء، فإمَّا أن يكونَ تلك صفةُ قَتْلٍ له أضيفَ إلى عيسى لأنَّها عند لِقَائِه، وإمَّا أن يُدْرِكَه في تلك الحالةِ فيقتله. انتهى
(3)
.
• قوله: "لَا يَدَانِ لِأحَدٍ"؛ أي: لا قوَّة. قلتُ: وكأنَّه تعالى لا يريدُ موتَهم برُمْح نفس عِيْسى عليه السلام وإلا لمَا كانَتْ حاجةٌ إلى قِتَالِهم.
• قوله: "حَدَب": مُرْتَفَع من الأرض.
• قوله: "يَنْسِلُوْنَ": يُسْرِعُون.
• "بُحَيْر": هو تصغيرُ بَحْر.
(1)
راجع: المصدر السابق: 9/ 66.
(2)
راجع: المصدر السابق: 9/ 67.
(3)
راجع: المصدر السابق: 9/ 70.
• و"الطَّبْرِيَّةُ": بلدةٌ بناها بعضُ ملوكِ الرُّوم، والنِّسْبة إليها طبراني، والنِّسبة طبرستان بخراسان طبري. كذا ذكره القاضي
(1)
.
• قوله: "بِنُشَّابِهِمْ": - هو بضَمِّ نونٍ، وتشديدِ شِينٍ - السِّهام.
• وقوله: "يُحَاصَرُ": على بناء المفعول؛ أي: يبقَوْن محصورِيْن ويبلغُ بِهم الفاقةُ حتَّى يكونَ رأسُ الثَّور خيرٌ من مائةِ دينارٍ وغيره على هذا الوجه.
• قوله: "بِاللِّقْحَةِ": - بالفَتح والكسر - النَّاقة القريبةُ العَهْد بالنِّتاجِ.
(1)
راجع: المصدر السابق: 9/ 69.
بَابُ مَا جَاءَ أنَّ
(1)
الدَّجَّالَ لَا يَدْخُلُ المَدِينَةَ
1461 -
(2242) - (4/ 514 - 515) حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الخُزَاعِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِي الدَّجَّالُ المَدِينَةَ فَيَجِدُ المَلائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا فَلَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلا الدَّجَّالُ إِنْ شَاءَ اللّهُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَأُسَامَةَ بْن زَيْدٍ، وَسَمُرَةَ بْن جُنْدَبٍ، وَمِحْجَنٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَلا يَدْخُلُهَا": متَرَتِّبٌ على أنَّه يجدُ الملائكةَ يحرسونَها. واللّه تعالى أعلم.
1462 -
(2243) - (4/ 515) حَدَّثَنَاِ قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ العَلَاءِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالكُفْرُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ، وَالسَّكِينةُ لِأهْلِ الغَنَمِ، وَالفَخْرُ وَالرِّيَاءُ فِي الفَدَّادِينَ أَهْلِ الخَيْلِ وَأَهْلِ الوَبَرِ، يَأْتِي المَسِيحُ إِذَا جَاءَ دُبُرَ أُحُدٍ صَرَفَتِ المَلائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ وَهُنَالِكَ يَهْلَكُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: فِي الدَّجَّال.
• قوله: "الإِيمَانُ يَمَانٍ"؛ أي: منسوبٌ إلى اليَمن لأنَّ مبدأه من مكَّة، وهي من تِهامةَ، وهي من أرض اليمن، وأصلُه يمنيٌّ نسبةٌ إلى اليمن، حُذِفَتْ إحدى اليَائَيْن، وعُوِّضَ عنها الألفُ. وقيل: قدِّمَتْ إحداهُما وقلِّبت ألفًا فصار كقاضٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ ابْنِ صَيَّادٍ
(1)
1463 -
(2246) - (4/ 516 - 517) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: صَحِبَنِى ابْنُ صَائِدٍ إِمَّا حُجَّاجًا وَإِمَّا مُعْتَمِرِينَ فَانْطَلَقَ النَّاسُ وَتُرِكْتُ أَنَا وَهُوَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ بِهِ اقْشَعْرَرْتُ مِنْهُ وَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ، فَلَمَّا نَزَلْتُ قُلْتُ لَهُ: ضَعْ مَتَاعَكَ حَيْثُ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَأَبْصَرَ غَنَمًا فَأَخَذَ القَدَحَ فَانْطَلَقَ فَاسْتَحْلَبَ، ثمَّ أَتَانِي بِلَبَنٍ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا سَعِيدٍ اشْرَبْ، فكَرِهْتُ أَنْ أَشْرَبَ مِنْ يَدِهِ شَيْئًا لِمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا اليَوْمُ يَوْمٌ صَائِفٌ وَإِنِّي أَكْرَهُ فِيهِ اللَّبَنَ، قَالَ لِي: يَا أَبَا سَعِيدٍ، هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلًا فَأُوثِقَهُ إِلَى شَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ لِمَا يَقُولُ النَّاسُ لِي وَفِيَّ، أَرَأَيْتَ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيثِي فَلَنْ يَخْفَى عَلَيْكُمْ؟ أَلَسْتُمْ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ؟ أَلمْ يَقُلْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّهُ كَافِرٌ" وَأَنَا مُسْلِمٌ؟ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ عَقِيمٌ لا يُولَدُ لَهُ" وَقَدْ خَلَّفْتُ وَلَدِي بِالمَدِينَةِ؟ أَلمْ يَقُلْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخُلُ أو لا تَحِلُّ لَهُ مَكَّةُ وَالمَدِينَةُ"؟ أَلَسْتُ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ وَهُوَ ذَا أَنْطَلِقُ مَعَكَ إِلَى مَكَّةَ، فَوَاللهِ مَا زَالَ يَجِيءُ بِهَذَا حَتَّى قُلْتُ فَلَعَلَّهُ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، وَاللّهِ لأُخْبِرَنَّكَ خَبَرًا حَقًّا، وَاللّهِ إِنِّي لأعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ وَالِدَهُ وَأَعْرِفُ أَيْنَ هُوَ السَّاعَةَ مِنَ الأرْضِ، فَقُلْتُ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: صَائِدٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إِمَّا حُجَّاجًا"؛ أي: كنَّا إما حُجَّاجًا.
• قوله: "لِمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ"؛ أي: أنَّه الدَّجَّال الموعودُ.
• قوله: "يَوْمٌ صَائِفٌ"؛ أي: حارٌّ.
1464 -
(2247) - (4/ 517 - 518) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَ صَائِدٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ المَدِينَةِ فَاحْتبَسَهُ وَهُوَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ وَلَهُ ذُؤَابَةٌ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ " فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْتَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "آمَنْتُ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ"، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا تَرَى؟ " قَالَ: أَرَى عَرْشًا فَوْقَ المَاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"تَرَى عَرْشَ إِبْلِيسَ فَوْقَ البَحْرِ"، قَالَ:"فَمَا تَرَى؟ " قَالَ: أَرَى صَادِقًا وَكَاذِبِينَ أَوْ صَادِقِينَ وَكَاذِبًا، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لُبِسَ عَلَيْهِ فَدَعَاهُ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ عُمَرَ، وَحُسَيْنِ بْن عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَحَفْصَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
1465 -
(2248) - (4/ 518 - 519) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْن زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَمْكُثُ أَبُو الدَّجَّالِ وَأُمُّهُ ثَلاثِينَ عَامًا لا يُولَدُ لَهُمَا وَلَدٌ ثُمَّ يُولَدُ لَهُمَا غُلَامٌ أَعْوَرُ أَضَرُّ شَئٍ وَأَقَلُّهُ مَنْفَعَةً، تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ"، ثُمَّ نَعَتَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ، فَقَالَ: "أَبُوهُ طِوَالٌ
ضَرْبُ اللَّحْمِ كَأَنَّ أَنْفَهُ مِنْقَارٌ، وَأُمُّهُ فَرْصَاخِيَّةٌ طَوِيلَةُ اليَدَيْنِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: فَسَمِعْنَا بِمَوْلُودٍ فِي اليَهُودِ بِالمَدِينَةِ فَذَهَبْتُ أَنَا وَالزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبَوَيْهِ، فَإِذَا نَعْتُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمَا، فَقُلْنَا: هَلْ لَكُمَا وَلَدٌ؟ فَقَالَا: مَكَثْنَا ثَلَاثِينَ عَامًا لا يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ، ثُمَّ وُلِدَ لَنَا غُلَامٌ أَضَرُّ شَيْءٍ وَأَقَلُّهُ مَنْفَعَةً، تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ، قَالَ: فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمَا فَإِذَا هُوَ مُنْجَدِلٌ فِي الشَّمْسِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ وَلَهُ هَمْهَمَةٌ، فَتَكَشَّفَ عَنْ رَأْسِهِ، فَقَالَ: مَا قُلْتُمَا؟ قُلْنَا: وَهَلْ سَمِعْتَ مَا قُلْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، تَنَامُ عَيْنَايَ وَلا يَنَامُ قَلْبِي".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْن سَلَمَة.
1466 -
(2249) - (4/ 519) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِابْنِ صَيَّادٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ وَهُوَ غُلَامٌ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ:"أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللّهِ؟ " فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَتَشْهَدُ أَنْتَ أَنِّي رَسُولُ اللّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "آمَنْتُ بِاللّهِ وَبِرُسُلِهِ"، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا يَأْتِيكَ؟ " قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"خُلِّطَ عَلَيْكَ الأمْرُ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا"، وَخَبَأَ لَهُ {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}
(1)
فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ
(1)
الدخان: 10.
قَدْرَكَ" قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ يَكُ حَقًّا فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَا يَكُنْهُ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ"، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: يَعْنِي الدَّجَّالَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ
…
" إلخ، قيل: إنَّما كان هذا القول من ابن صيَّادٍ في وقتِ مُعاهدَتِهم على السِّلْم المُطْلق في قولٍ. وقيل: كان صغيرًا لم يأخذِ التَّكليفَ فإنَّه لا يتقتضِي العَهْدُ ذلك الجَفاء والباطل الذي قابَلَه به. انتهى.
• قوله: "الدُّخُّ": قيل: إنَّه لم يُمْكِنْه أنْ يُكمِلَ الكلمةَ، فقال: الدُّخُّ نصفها، وقيل:"الدُّخُّ" لغةً: الدُّخَّان. انتهى [قاله] قاضي
(1)
.
• قوله: "خُلِّطَ
…
" إلخ؛ أي: ما يأتيك به شيطانٌ مختلظٌ بعضه، وبعضُه باطلٌ.
• قوله: "اخْسَأْ"؛ أي: ابْعُدْ بُعدَ الكلب.
• "فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ": في أنَّك كذَّابٌ، وإن كنتَ أصبتَ فيما أضْمَرْتُ وأخبرتَ فليس يُنزِلُك منزلةَ الصَّادقين. انتهى. قاضي
(2)
.
• قوله: "فَدَعَاهُ": صيغةُ أمْرٍ مِنْ وَدَعَ يَدَعُ، والخِطابُ لأبي بكر وعمرَ
رضي الله تعالى عنهما؛ أي: فَاتْرُكَاه.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 74.
(2)
راجع: المصدر السابق: 9/ 74.
• قوله: "طِوَالٌ"؛ أي: طويلٌ.
• وقوله: "ضَرْبُ اللَّحْمِ"؛ أي: خَفِيفُه وهو بفتح ضَادٍ وسكونِ راءٍ.
• قوله: "مُنْجَدِلٌ"؛ أي: مَطْروحٌ.
• وقوله: "وَلَهُ هَمْهَمَةٌ"؛ أي: كلامٌ خَفِيٌّ لا يُفهم، وأصلُ الهَمْهَمَةِ: صوتُ البَقر.
بَابٌ
1467 -
(2251) - (4/ 520) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللّهِ، وَأَبِي بَكْرِ بْن سُلَيْمَانَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ صَلَاةَ العِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ:"أَرَأَيْتكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ"، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَهُ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأرْضِ أَحَدٌ"، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ القَرْنُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَوَهِلَ": - بفتح هاءٍ ويجوزُ كسرُها - أي: غلطوا وذهب هَمُّهم إلى خلافِ الواقعِ في تأويلِه، فقالوا: تقومُ السَّاعة عندَه، وإنَّما مرادُه أنَّه لا يبقى أحدٌ من المَوجودين تلكَ اللَّيلةِ وقد كان كذلك، فإنَّه قد أجمعَ المحدِّثون أن آخرَ الصَّحابةِ موتًا أبو الطُّفيل عامرُ بْنُ واثلةَ، وغايةُ ما قيل فيه: إنَّه بقي إلى سنةِ عشر ومائة وهي رأسُ مِائَة سنةٍ من مَقالَتِه عليه السلام.
[بَابٌ]
1468 -
(2253) - (4/ 521 - 522) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ المِنْبَرَ، فَضَحِكَ فَقَالَ:"إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ حَدَّثَنِي بِحَدِيثٍ، فَفَرِحْتُ بِهِ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ، حَدَّثَنِي أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ رَكِبُوا سَفِينَةً فِي البَحْرِ فَجَالَتْ بِهِمْ حَتَّى قَذَفَتْهُمْ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ البَحْرِ، فَإِذَا هُمْ بِدَابَّةٍ لَبَّاسَةٍ ناشِرَةٍ شَعْرَهَا، فَقَالُوا: مَا أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنا الجَسَّاسَةُ، قَالُوا: فَأَخْبِرِينَا، قَالَتْ: لَا أُخْبِرُكُمْ وَلَا أَسْتَخْبِرُكُمْ، وَلَكِنْ ائْتُوا أَقْصَى القَرْيَةِ فإِنَّ ثَمَّ مَنْ يُخبِرُكُمْ وَيَسْتَخْبِرُكُمْ، فَأَتَيْنَا أَقْصَى القَرْيَةِ فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ بِسِلْسِلَةٍ، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ؟ قُلْنَا: مَلأَى تَدْفُقُ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنِ البُحَيْرَةِ؟ قُلْنَا: مَلأَى تَدْفُقُ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ الَّذِي بَيْنَ الأُرْدُن وَفِلَسْطِينَ هَلْ أَطْعَمَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنِ النَّبِيِّ هَلْ بُعِثَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَخْبِرُونِي كَيْفَ النَّاسُ إِلَيْهِ؟ قُلْنَا: سِرَاعٌ، قَالَ: فَنَزَّى نَزْوَةً حَتَّى كَادَ، قُلْنَا: فَمَا أَنْتَ؟ قَالَ: إِنَّهُ الدَّجَّالُ، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ الأَمْصَارَ كُلَّهَا إِلَّا طَيْبَةَ، وَطَيْبَةُ المَدِينَةُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ.
• قوله: "فَفَرِحْتُ": لمُوَافَقَتِه لِمَا كان يذكرُ صلى الله تعالى عليه وسلَّم من أمر الدَّجَّال.
• قوله: "فَجَالَتْ"، أي: اضْطَربَتْ.
• قَذَفَتْهُمْ"؛ أي: رَمَتْهم.
• قوله: "زُغَرَ": - بضَمِّ الزَّاء [وفتح العَين المُهْمَلةِ]
(1)
- قريةٌ من قُرَى الشَّام، وأيضًا عينٌ بالبصرةِ.
• قوله: "تَدْفُقُ": تدفعُ الماءَ بقُوَّةٍ وسرعةٍ.
• قوله: "سِرَاعٌ": - بكسر السِّين - أي: مُسْرعون إلى الطَّاعة.
• قوله: "كَادَ"؛ أي: يخرج من سِلْسِلَةٍ. والله أعلم.
(1)
ضبظ المصنف بالعين المهلمة خطأ، فقد وردت هذه الكلمة في الترمذي وجميع كتب الحديث بالغين المعجمة كما في صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب: قصة الجساسة، ح: 2942 وسنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب في خبر الجساسة، ح: 4326، وسنن ابن ماجة، كتاب الفتن، باب: فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج، ح:4074.
بَابٌ
1469 -
(2257) - (4/ 524) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أنْبَأنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ وَمُصِيبُونَ وَمَفْتُوحٌ لَكُمْ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَتَّقِ اللّهَ وَلْيَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَلْيَنْهَ عَنِ المُنْكَرِ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مَنْصُوْرُوْنَ": على أعدائِكم. "وَمُصِيْبُوْنَ": إلى مَطَالِبكم. "وَمَفْتُوْحٌ لَكُمْ": بلادُهم. "فَمَنْ أدْرَكَ ذَلِكَ": النَّصر والفتحَ وحصلَ له مطلوبُه. "فَلْيَتَّقِ اللّهَ": فيما فُتِحَ له.
[بَابٌ]
1470 -
(2258) - (4/ 524 - 525) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ، وَحَمَّادٍ، وَعَاصِم بْنِ بَهْدَلَةَ، سَمِعُوا أَبَا وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: أَيَّكُمْ يَحْفَظُ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الفِتْنَةِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا، قَالَ حُذَيْفَةُ:"فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ"، فَقَالَ عُمَرُ: لَسْتُ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، وَلَكِنْ عَنِ الفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كمَوْجِ البَحْرِ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ عُمَرُ: أَيُفْتَحُ أَمْ يُكْسَرُ؛ قَالَ: بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لا يُغْلَقُ إِلَى يَوْم القِيَامَةِ، قَالَ أَبُو وَائِلِ فِي حَدِيثِ حَمَّادٍ: فَقُلْتُ لِمَسْرُوقٍ: سَلْ حُذَيْفَةَ عَنِ البَابِ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: عُمَرُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "تَمُوجُ كمَوْجِ البَحْرِ"؛ أي: عن الفِتْنةِ العَّامة.
• قوله: "بَابًا مُغْلَقًا": فَسَّرَ البابَ بعمر، وقال القاضي: والذي عندي عثمانُ فلمَّا قُتِلَ كُسِرَ البابُ
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 83، 84.
بَابٌ
1471 -
(2261) - (4/ 526 - 527) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكِنْدِيُّ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابِ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْن دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَر، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي بِالمُطَيْطِيَاءِ، وَخَدَمَهَا أَبْنَاءُ المُلُوكِ أَبْنَاءُ فَارِسَ وَالرُّومِ سُلِّطَ شِرَارُهَا عَلَى خِيَارِهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رَوَاه أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ الأنصَارِيِّ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ، وَلا يُعْرَفُ لِحَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ عَبْد اللّهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَصْلٌ، إِنَّمَا المَعْرُوفُ حَدِيثُ مُوسَى بْن عُبَيْدَةَ، وَقَدْ رَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ مُرْسَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
• قوله: "المُطَيْطِاء": كحُمَيْراء التَّبَخْتُر، ومدُّ اليدَيْن في المشي، ويقصر.
1472 -
(2265) - (4/ 529) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْن حَسَّانَ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْن مِحْصَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: "لَا، مَا صَلَّوْا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "تَعْرِفُوْنَ"؛ أي: الحقَّ "وَتُنْكِرُوْنَ".
• "وَمَنْ كَرِهَ"؛ أي: ثقُل عليه العملُ بالحقِّ لكنَّه ما أنكره.
• "وَلَكِنْ مَنْ"؛ أي: لكن صاحبَ الخَير هو من رَضِي بالحقِّ وتابعَه في العمل.
1473 -
(2266) - (4/ 529 - 530) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَشْقَرُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَهَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَا: حَدَّثَنَا صَالِحٌ المُرِّيُّ، عَنْ سَعِيد الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكمْ خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاءُكُمْ شِرَارَكُمْ وَأَغْنِيَاءُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ المُرِّيِّ، وَصَالِح المُرِّيُّ فِي حَدِيثِهِ غَرَائِبُ يَنْفَرِدُ بِهَا لا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ.
• قوله: "فَظَهْرُ الأرْضِ"؛ أي: في الحِياةِ خيرٌ من المَوْت لِمَا فيها من زيادةِ صالح الأعْمَالِ.
أَبْوَابُ الْرُّؤْيَا
(1)
[بَابُ أَنَّ رُؤْيَا المُؤْمِن جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّة]
قال القاضي: الرُّؤيا إدْراكاتٌ يخلُقُها اللّهُ تعالى في قَلْب العَبْد على يدِ المَلَك والشَّيطانِ إمَّا بأسْمائِها أو أمثالِها بكُنَاها وإمَّا تخليطًا
(2)
.
1474 -
(2270) - (4/ 532) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّاب الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا المُؤْمِنِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا المُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَالرُّؤْيَا مِنْ تَحْزِينِ الشَّيْطَانِ، وَالرُّؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ بِهَا الرَّجُلُ نَفْسَهُ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَه فَلْيَقُمْ وَليَتْفُلْ وَلا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ"، قَالَ:"وَأُحِبُّ القَيْدَ فِي النَّوْمِ وَأَكْرَهُ الغُلَّ" الْقَيْدَ: ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ. قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ": قيل: اقتربَ من الاعْتدَال، وقيل: اقتربَ من الانْقِضَاء بإقْبالِ السَّاعةِ. قال القاضي: الأوَّل لا يصِحُّ إذ اعتدَال اللَّيل والنَّهار لا أثرَ له في ذلك ولا يتعلَّق به معنى إلا ما قالَتْه الفَلاسِفةُ من أن اعتدالَ الزَّمان
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ الْرُّؤْيَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 89.
يَعْتدِل به الأخْلاطُ، وهذا مَبنِيٌّ على تعليقِ الرُّؤيا بالطَّبائع وهو باطلٌ، بخلافِ اقْتِراب يوم القِيَامةِ فإنَّها الحَّاقَّة التي يحقُّ فيها الحَقائقُ فكُلُّ ما قرب منها أحقُّ بالحقائقَ
(1)
.
• قوله: "جُزْءٌ": حقيقةُ التَّجَزِّي لا يُدْرَى والرِّواياتُ مُخْتلِفةٌ، والقَدْر الذي أرادَه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن الرُّؤيا لها مناسِبةٌ بالنُّبوَّة من حيثُ أنَّها اطِّلاعٌ على الغَيبِ بواسِطَة المَلَك إذا كان صالحةً.
• قوله: "الْغُلُّ": - بضمِّ الغَين المُعْجَمةِ، وتشديدِ اللَّام - ما يغلُّ به.
• قوله "أُحِبُّ القَيْدَ": قال القاضي: ليسَ من كلام النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلَّم، بيَّنَه الخطيبُ أبو بكر الحافظ
(2)
في كتاب "الفصل للوصل المدرج في
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 90.
(2)
هو: الإمام الأوحد، العلَّامة المُفتي، الحافظ النَّاقد، محدِّث وقتِه، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البَغدادي، المعروف بالخطيب، ولد يوم الخميس لسِتٍّ بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وثلاث مِائَة، كان أبوه خطيبًا بقرية دَرْزيجان من سواد العراق، نشأ بالعراق، وقرأ القرآن والقراءات، وتفقَّه على أبي الحسن المحاملي، والقاضي أبي الطيب الطبري، وأكثرَ من السماع من البغداديين، وارتحل إلى البصرة، ثم إلى نيسابور، وإلى أصبهان، وإلى الشام، وإلى مكة وغير ذلك. كان من كبار الشافعية، آخر الأعيان معرفة، وحفظا وإتقانا وضبطًا للحديث، وتفنُّنًا في عِلَلِه وأسانيده، وعلمًا بصحيحه وغريبه، وفرده ومنكره ومطروحه، ولم يكن ببغداد بعد الدارقطني مثله، انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والإتقان، والقيام بعلوم الحديث وحسن التصنيف. من مصنفاته:"تاريخ بغداد"، و"الكفاية في معرفة علوم الرواية"، وكتاب "المتفق والمفترق"، وكتاب "السابق واللاحق"، وكتاب "الفصل والوصل"، و"الفقه والمتفقه"، وكتاب "التفصيل لمبهم المراسيل"، و"المكمل في المهمل" وغير ذلك. توفي يوم الإثنين، سابع ذي الحجة، سنة ثلاث وستين وأربع مِائَة ببغداد: راجع: المنتظم: 16/ 129، وفيات الأعيان: 1/ 92، تذكرة الحفاظ: 3/ 1135، الوافي بالوفيات: 7/ 126، طبقات الحفاظ: 434، سير أعلام النبلاء: 18/ 270.
النقل". انتهى
(1)
. قلتُ: وسيجيء في آخر هذا البابِ في الكتاب ما يدُلُّ على أنَّه موقوفٌ من كلام أبي هريرةَ.
(1)
راجع: المصدر السابق مع نفس الجزء والصفحة.
[بَابُ ذَهَبَتِ النُّبُوَّة وَبَقِيَتِ المُبَشِّرَات]
1475 -
(2272) - (4/ 533) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا المُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدِ انْقَطَعَتْ فَلَا رَسُولَ بَعْدِي وَلا نَبِيَّ"، قَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "لَكِنِ المُبَشِّرَاتُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ! وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: "رُؤْيَا المُسْلِمِ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحُذَيْفَةَ بْن أَسِيدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ كُرْزٍ وَأَبِي أَسِيدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ المُخْتَارِ بْن فُلْفُلٍ.
• قوله: "فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاس": حيثُ دلَّ ذلك على أنَّه انْقطَع عنهم علمُ الغَيبِ كُلِّيَّةً ولم يبقَ لهم إليه سبيلًا.
بَابُ مَا جَاءَ في قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَآنِي فِي المَنَام فَقَدْ رَآنِي"
• أي: فرؤياه حَقٌّ صِدْقٌ فلا يَتَّحِد الجزاءُ بالشرط.
1476 -
(2276) - (4/ 535) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَابْنِ عَبَّاس، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَجَابِرٍ، وَأَنسٍ، وَأَبِي مَالِكٍ الأشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• وقوله: "لَا يَتَمَثَّلُ بِي"؛ أي: لا يظهرُ بحيث يراه، أي: النَّبِيُّ [صلى الله عليه وسلم].
بَاب: مَا جَاءَ فِي تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا
1477 -
(2278) - (4/ 536) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أنْبَأَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعَ بْنَ عُدُسٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ العُقَيْلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تتَحَدَّثْ بِهَا، فَإِذَا تَحَدَّثَ بِهَا سَقَطَتْ". قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: "وَلا يُحَدِّثُ بِهَا إِلَّا لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا".
• قوله: "عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ": - بكسر الرَّاء - كأنَّها معلَّقةٌ بطائر يُحُوْمُ حولَه ويأتِي ويذهب من فوقِه، ولا يقَعُ عليه ولا يضرُّ ولا ينفعُ، فالرُّؤيا قبل التَّحديث والتَّعبير كذلك لا يُرجى نفعُها ولا يُخْشَى ضُرُّها، وإنَّما تقعُ عندَ التَّحديث بِها والتَّعبير. واللّه أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ في الَّذِي يَكْذِبُ فِي حُلْمِ
(1)
1478 -
(2281) - (4/ 538) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ كَذَبَ فِي حُلْمِهِ كلِّفَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَقْدَ شَعِيرَةٍ".
1479 -
(2283) - (4/ 538) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيَّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ تَحَلَّمَ كَاذِبًا كلِّفَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَعْقِدَ بَيْنَهُمَا". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مَنْ كَذَبَ فِي حُلْمِهِ"؛ أي: أتَى فيه بشيءٍ لم يرَه فكأنَّه نظَّم في غير المنظوم، وعقَد بينَ الكلماتِ الغَير المرتبطةِ، كذلك يُكلَّف بالعَقْد والرَّبطِ بين أشياء لا يمكنُ العَقْد بينَها ليكونَ العِقابُ من جنس المَعْصيةِ.
• قوله: "وَلَنْ يَعْقِدَ بَيْنَهُمَا"؛ أي: فيَمْتدُّ عقابُه بِهذا التَّكليفِ إلى ما شاء اللّهُ أو يدوم إن كان كافرًا. والله تعالى أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: حُلْمِهِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم المِيزَانَ وَالدَّلْوَ
1480 -
(2287) - (4/ 540) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا الأنصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَعلَّمَ، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ:"مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا"؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ أَنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ، وَوُزِنَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَحَ عُمَرُ، ثُمَّ رُفِعَ المِيزَانُ، فَرَأَيْنَا الكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "ثُمَّ رُفِعَ": قال القاضي: رفْعُ الميزانِ دليلٌ على أنَّه ليس هناك من يستَحِقُّ أن يُقْرَنَ بمَنْ تقدَّم، فقد ثبتَ عن ابن عمر قال:"كُنَّا نَقُوْلُ فِي وَمَنِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نعْدِلُ بِأبِيْ بَكْرٍ أحَدًا، ثُمَّ عُمَر، ثُمَّ عُثْمَان، ثُمَّ نَتْرُكُ أصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نفَاضِلُ بَيْنَهُمْ".
• قوله: "فَرَأَيْنَا الكَرَاهِيَةَ": يحتمل أنْ يكونَ النَّبِيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم كَرِهَ وقوفَ التَّخَيُّر، وحصرَ دَرْجاتِ الفَضائل في ثلاثةٍ، ورجَى أنْ يكونَ في أكثر من ذلك، فأعلمه اللهُ أن التفضيلَ أفْضَى إلى المذكورِ فسمَّاه ذلك وحمِدَ الله على ما وَهَبه، وقد روى أبو داود:"فاسْتَاءَ لَهَا" افتعالٌ من الإساءةِ. انتهى
(1)
.
1481 -
(2289) - (4/ 541) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنَي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن عُمَرَ، عَنْ رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ قَالَ:
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 100، 108.
"رَأَيْتُ النَّاسَ اجْتَمَعُوا فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ فِيهِ ضَعْفٌ وَاللّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ قَامَ عُمَرُ فَنَزَعَ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
• قوله: "عَنْ رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ"، أي: عن الرُّؤيا المُتَعِّلق بِهم من النَّبيِّ صلى اللهُ تعالى عليه وسلَّم وهو الرَّائي وهما المرئيُّ فيهما.
• وقوله: "فَقَالَ"، أي: النَّبِيُّ صلَّى اللّهُ تعالى عليه وسلم.
• "والذَّنُوْبَ": - بفتح الذَّال المُعجَمة - الدَّلو.
• وقوله: "ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ": مع قوله: و "فِيهِ ضَعْفٌ" إشارةٌ إلى قلَّة مدَّةِ خلافتِه مع قلَّةِ الفُتوح في وقتِه رضي الله تعالى عنه، لا إلى تقصيرٍ منه في أمر الخِلافة.
• وقوله: "وَاللّهُ يَغْفِرُ لَهُ": جبرٌ لخَاطِره لِمَا يُتوهَّم من الكَسْر بواسطةِ قلَّة الانتِفاع. واللّه تعالى أعلم.
• قوله: "عَبْقَرِيًّا": هو الرَّجل القوِيُّ، وأصلُه في كلِّ شيءٍ السَّابقُ في بابه.
• قوله: "ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ": العَطَن مَبْركُ الإبل عندَ الماء، و"ضَرَبَ النَّاسُ" به أقامُوا عندَه، في "المجمع"
(1)
أي: رَوَتْ إبلُهم حتَّى بَركَتْ وأقامَتْ مكانِها.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار: 3/ 619.
أَبْوَابُ الشَّهَادةِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم
[بَابُ مَا جَاءَ فِي الشُّهَدَاءِ أَيُّهُمْ خَيْرٌ]
1482 -
(2295) - (4/ 544) حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن أَبِي بَكْرِ بْن مُحَمَّدِ بْن عَمْرِو بْن حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن عَمْرِو بْن عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْن خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَلَا أُخْبرُكمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا".
• قوله: "يَأْتِي بِشَهَادَتِه": قيل: المرادُ أن يُخْبر بِها مَنْ يَنْتَفِع بإخبارِه وإعلامِه، أمَّا المشهودُ عليه ليعرف أنَّه شاهدٌ فيخافُ فيؤدِّي الحقَّ بلاخِصامٍ، أو المشهودُ له إذا لم يَكن عندَه علمٌ بشهادتِه فيتحيَّر في أمر الشَّهادةِ.
وبالجُمْلة فليس المرادُ ههنا ما أريدُ به في صفةِ آخر الزَّمان فإنَّ المرادَ هناك شهادةُ الزُّور، وههنا الإخبارُ والإعلامُ بالشَّهادةِ لمن ينتفع به دفعًا للتَّعْب عن المشهودِ له. والله تعالى أعلم.
[بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ]
1483 -
(2298) - (4/ 545 - 545) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الفَزَارِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْن زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَجُوزُ شَهَادَة خَائِنٍ وَلا خَائِنَةٍ، وَلا مَجْلُودٍ حَدًّا وَلا مَجْلُودَةٍ، وَلا ذِي غِمْرٍ لِأخِيهِ، وَلا مُجَرَّبِ شَهَادَةٍ، وَلا القَانِعِ أَهْلَ البَيْتِ لَهُمْ وَلا ظَنِينٍ فِي وَلاءٍ وَلَا قَرَابَةٍ". قَالَ الفَزَارِيُّ: القَانِعُ: التَّابعُ.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْن زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَيَزِيدُ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ وَلا يُعْرَفُ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ. وفي البَاب عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن عَمْرٍو. قَالَ: وَلا نَعْرِفُ مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ وَلَا يَصِحُّ عِنْدِي مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ، وَالعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ فِي هَذَا أَنَّ شَهَادَةَ القَرِيبِ جَائِزَةٌ لِقَرَابَتِهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي شَهَادَةِ الوَالِدِ لِلْوَلَدِ، وَالوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَلَمْ يُجِزْ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ شَهَادَةَ الوَالِدِ لِلْوَلَدِ، وَلا الوَلَدِ لِلْوَالِدِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: إِذَا كَانَ عَدْلًا فَشَهَادَةُ الوَالِدِ لِلْوَلَدِ جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ شَهَادَة الوَلَدِ لِلْوَالِدِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي شَهَادَةِ الأَخِ لِأَخِيهِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةٌ كُلِّ قَرِيبٍ لِقَرِيبِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةٌ لِرَجُلٍ عَلَى الآخَرِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا إِذَا كَانَت بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ، وَذَهَبَ إِلَى حَدِيثِ عَبْد الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا:"لَا تَجُوزُ شَهَادَة صَاحِبِ إِحْنَةٍ"، يَعْنِي صَاحِبَ عَدَاوَةٍ، وَكَذَلِكَ مَعنَى هَذَا الحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ:"لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ صَاحِبِ غِمْرٍ"، يَعْنِي صَاحِبَ عَدَاوَةٍ.
• قوله: "وَلَا ذِي غِمْرٍ": ضبطَه غيرُ واحدٍ بكسر الغَيْن المُعْجَمة، وسكونِ المِيم؛ أي: ذِي حِقْدٍ، وعداوةٍ؛ أي: لا تُقبلُ شهادةُ عَدُوٍّ على عدُوٍّ سواءً كان أخاه من النَّسب أو أجْنَبِيًّا، فالمرادُ بقوله:"لِأخِيْهِ" لمثله، ومقتضى كلام القاموس
(1)
أنَّه بفتحَتَيْن، وأنَّ كسرَ الغين لغةٌ. واللّه أعلم.
• قوله: "وَلا مُجَرَّبِ"؛ أي: الذي جُرِّبَ في الشَّهادة فَوُجِدَ صاحَبَ زُوْرٍ. قال بعض الفُضلاء: هكذا في الأصل، وفي روايةِ السيوطيِّ عن المصنف في ذَيل الجامع "وَلَا مُجَرَّبَ عَلَيْهِ شَهَادَة الزُّوْرِ" ولا إشكالَ فيه.
• قوله: "وَلَا ظَنِيْنَ": وهو المُتَّهَم، وكُلُّ مَنْ لم يُوْثَق به، فحيثُ ظهرتِ التُّهْمةُ بَطَلَتِ الحُجَّةُ.
• وقوله: "فِي وَلاءٍ"؛ أي: بسبب وَلاءٍ. قال القاضي: ذكر الوَلاء والقِرابة؛ لكونِهما من أقرب وجوهِهما، والمرادُ بالوَلاء الصَّداقة فإنَّ الأخُوَّةَ إذا تمكَّنَتْ كان أوْفَى من القِرابة، ومن أمثالهم: من أحَبُّ إليك أخوك أو صديقُك؟ فقال: أخِي إذا كان صدِيْقي. واللّه أعلم.
(1)
راجع: القاموس المحيط: 452.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ]
1484 -
(2301) - (4/ 548) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الفَضْلٍ عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ"؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَة الزُّورِ أَوْ قَوْلُ الزُّورِ" قَالَ: "فَمَا زَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي البَاب عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن عَمْرٍو.
• قوله: "قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ"؛ أي: لِمَا كان عليه في كثرةِ التَّكرار من التَّعب.
أَبْوَابُ الزُّهْدِ
(1)
عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
[بَابٌ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ]
1485 -
(2304) - (4/ 550) حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْد اللّهِ، وَسُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ صَالِحٌ: حَدَّثَنَا، وَقَالَ سُوَيْدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن سَعِيدِ بْن أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدِ بْن أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن سَعِيدِ بْن أَبِي هِنْدٍ فَرَفَعُوه، وَأَوْقَفَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن سَعِيدِ بْن أَبِي هِنْدٍ.
• قوله: "مَغْبُونٌ فِيهِمَا": ذو خُسرانٍ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ الزُّهْدِ.
[بَابٌ: مَن اتَّقَى المَحَارِمَ فَهُوَ أَعْبَدُ النَّاسِ]
1486 -
(2305) - (4/ 551) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ الصَّوَّافُ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي طَارِقٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ"؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنا يَا رَسُولَ اللّهِ! فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ: "اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاس، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ جَعفَرِ بْن سُلَيْمَانَ، وَالحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا. هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ، وَيُونُسَ بْن عُبَيْدٍ، وَعَلِيِّ بْن زَيْدٍ، قَالُوا لَمْ يَسْمَعِ الحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَة، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ هَذَا الْحَدِيثَ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "أَعْبَدَ النَّاسِ"، أي: أكثرهم عبوديةً لربِّه تبارك وتعالى؛ لأنَّ عبادتَه هو القِيام بأوامِره ونوَاهيه فعلًا وتَرْكًا، والمحارِمُ تشملُ محرَّم الفعل ومحرَّم الترك فإذا اتَّقاهما العبدُ فقد قام بحقِّ الأمر والنَّهي جميعًا.
• قوله: "مُؤْمِنًا": فإنَّ المؤمنَ من أمِنَ جاوُه بوائقَه ويظهر ذاك عند الإحسانِ إليه.
• قوله: "مُسْلِمًا": إنَّ المسلمَ من سَلِم المسلمونَ من يده ولسَانِه ولا يَتَيَسَّر ذلك عادةً إلا بما ذكر. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُبَادَرَةِ بالعَمَلِ
1487 -
(2306) - (4/ 552) حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبِ عَنْ مُحَرَّز بْن هَارُونَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظرُوْنَ إلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَرَّر بْن هَارُونَ، وَقَدْ رَوَى بِشْرُ بْنُ عُمَرَ وَغَيْر عَنْ مُحَرَّر بْن هَارُونَ، هَذَا وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ هَذَا الحَدِيثَ عَمَّنْ سَمِعَ سَعِيدًا المَقْبُرِيَّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه، وَقَالَ:"تَنْتَظِرُونَ".
• قوله "فَهَلْ تَنْتَظِرُوْنَ"، أي: في تأخيرِ الأعْمَال إلى أحدِ الأمُورِ السَّبْعةِ تَشْتَغِلوا بالأعمالِ عندَه، مع أن كلًّا منها يفوِّت العملَ، ولا يَنبغي لعاقلٍ أنْ يَنْظر في التَّاخير إلى مثلِ هذه الأمور، يعنى لأنَّ الإنسانَ لا يخلُو عن هذه الأمور فالمؤخِّر للأعمال كأنَّه ناظرٌ إلى هذه الأمورِ ليَشْتَغِل بالإعمالِ عندَها. واللّه أعلم.
بَابٌ
1488 -
(2308) - (4/ 553 - 554) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُف، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ بُحَيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ هَانِئًا مَوْلى عُثْمَانَ، قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تُذْكَرُ الجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ القَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَه أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَه أَشَدُّ مِنْهُ". قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا القَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ". قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْن يُوسُفَ.
• قوله: "أَفْظَعُ": لِمَا فيه من الغُرْبةِ والوَحْدةِ.
بَابُ [مَا جَاءَ] مَنْ [أَحَبَّ] لِقَاءَ اللّهِ [أَحَبَّ اللّهُ لِقَاءَهُ]
أي: حينَ كُوْشِفَ عمَّا له عندَ الله تعالى، وكذا فيمَنْ كَرِهَ وقد سَبَقَ في الكتَابِ مفصَّلًا.
بَاب مَا جَاءَ في قِلَّةِ الكَلَامِ
1489 -
(2319) - (4/ 559) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَة عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَني أَبِي عَنْ جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ الحَارِثِ المُزَنِيَّ صَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاه، وَإِنَّ أَحَدَكمْ لَيتكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاه".
قَالَ: وفي البَاب عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَكَذَا رَوَاه غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو نَحْوَ هَذَا، قَالُوا: عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ، بِلَالِ بْن الحَارِثِ، وَرَوَى هَذَا الحَدِيثَ مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بِلَالِ بْن الحَارِثِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
• قوله: "أَنْ تَبْلُغَ": من البُلوغ؛ أي: لا يَظُنُّ بلوغَها في تحصيل الرِّضْوان للمِقْدارِ الذي بلغَتْه.
بَابُ مَا جَاءَ في هَوَانِ الدُّنْيَا [عَلَى اللّهِ عز وجل]
1490 -
(2320) - (4/ 560) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْن سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ".
وَفِي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "جَنَاحَ بَعُوضَةٍ": بفتح الجيم.
1491 -
(2321) - (4/ 560) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْن أَبِي حَازِمٍ، عَنِ المُسْتَوْرِدِ بْن شَدَّادٍ، قَالَ: كنْتُ مَعَ الرَّكْبِ الَّذِينَ وَقَفُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّخْلَةِ المَيِّتَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا حِينَ أَلْقَوْهَا"، قَالُوا: مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: "فَالدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا".
وَفِي البَاب عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ المُسْتَوْرِدِ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "السَّخْلَةِ": - بفتح سِينٍ فمُعجمة - ولدُ المَعْز والضَّأن ذكرًا أو أنثى. وقيل: وقتَ وَضْعِه.
[بَابٌ مِنْهُ]
1492 -
(2322) - (4/ 561) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْن ثَوْبَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ قُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ ضَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَلا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللهِ وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّم".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ": المرادُ بالدُّنيا كلُّ ما يشغل عن اللّهِ تعالى ويُبْعِدُ عنه، ولعنه: بُعْدُه عن نظر اللهِ تعالى والقَبول عنده. والاستثناءُ في قوله: "إلَّا ذِكْرُ اللّهِ" منقطعٌ، ويحتمل أنْ يُرادَ به العالَم السّفلي وكلُّ ما له نصيبٌ في القبول عنده تعالى قدِ اسْتُثْني بقوله: "إلا ذكر الله
…
" إلخ، والاستثناء متِّصلٌ.
وفي "المجمع"
(1)
قول: "وَمَا وَالَاهُ": المُوالاة المُحَبَّةُ؛ أي: إلا ذكرُ اللّهِ وما أحبَّه اللّهُ ممَّا يجري في الدُّنيا. وقيل: من المُوالاة بمعنى المُتَابَعة. قلتُ: فالمعنى وما يجري على مُوَافَقة أمره تعالى ونَهيه. ويجوزُ أدنْ يُراد بما يوالي ذكرَ الله: طاعَتُه، واتِّباعُ أمره، واجتنابُ نَهيه؛ لأنَّ ذكرَ الله يقتضيه.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 5/ 115.
• وقال: "أوْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا": - بالنَّصب - وتكريرُ "أو" عند ابن ماجةَ وهو الظَّاهر، وفي جامع الأصول، والتِّرمذي بالرَّفع بمعنى لا يُحْمَد فيها إلا ذكرُ الله وعالم. انتهى.
وقال السيوطي: "وَعَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ" هما منصوبان، لأنَّ الاستثناءَ من مُوْجب، وكُتِبَا بلا ألفٍ على طريقةِ كثير من المحدِّثين
(1)
.
(1)
راجع: قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي: 2/ 563.
بَابُ مَا جَاءَ مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ
1493 -
(2325) - (4/ 562 - 563) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُبَادَة بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ خَبَّابٍ عَنْ سَعِيدٍ الطَّائِيِّ أَبي البَخْتَرِيِّ، أَنَّهُ قال: حَدَّثَنِي أبُو كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ" قَالَ: "مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَه اللّهُ عِزًّا، وَلا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللّهُ عَليْهِ بَابَ فقرٍ أوْ كَلِمَةَ نَحْوَهَا"، "وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فاحْفَظُوهُ" قَالَ:"إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ نِيَّتُه فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللّهُ مَالًا وَلا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ نِيَّتُه فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ"؛ أي: لأجل الصَّدقَةِ.
• قوله: "أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ"؛ أي: على حِفْظِهنَّ وأخْذهنَّ كما ينبغي تأكيدًا في أمْرها واهتمامًا بِها.
• "وَأُحَدِّثُكَ حَدِيثًا"؛ أي: مشتَملًا على تلكَ الثَّلاثِ. "فَاحْفَظُوْه"؛ أي: ذلكَ الحديثَ.
• قوله: "يَخْبِطُ فِي مَالِهِ"؛ أي: يفعل فيه ما يُريده من غير مُراعَاةِ نِظامِ الشَّرْع. والخَبْط: فعلُ الشَّيءِ من غير نظامٍ.
• قوله: "فَهُوَ بِنِيَّتِهِ": لعلَّ المرادَ النِّيَّةُ المقرونَةُ مع القولِ لما تقدَّم من قوله: "وهُوَ يَقُولُ" فلا يُنافِي حديثَ عَفْوِ حَديثِ النَّفْس "مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أوْ لَمْ تَتَكَّلَمْ".
(1)
واللّه تعالى أعلم.
(1)
راجع: صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب: إذا حنث ناسيا، ح: 6664، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر، ح: 127، وسنن أبي داود، كتاب الطلاق، باب: في الوسوسة بالطلاق، ح: 2209، وسنن النسائي: كتاب الطلاق، باب: من طلق في نفسه، ح: 3435، 3436، 3437 وسنن ابن ماجة، كتاب الطلاق، باب: من طلق في نفسه ولم يتكلم، ح:2040.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي الهَمِّ فِي الدُّنْيَا وَحُبِّهَا]
1494 -
(2326) - (4/ 563) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ بَشِيرٍ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ طَارِقِ بْن شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَزَلَت بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللّهِ، فَيُوشِكُ اللّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "فَيُوشِكُ اللهُ لَهُ بِرِزْقٍ": أي: يأتِي برزقٍ أو يُغْنِيْه عن الرِّزقِ بالمَوْتِ والأهلِ.
بَابٌ
1495 -
(2327) - (4/ 564) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جَاءَ مُعَاوِيَةُ إِلَى أَبِي هَاشِمِ بْن عُتْبَةَ، وَهُوَ مَرِيضٌ يَعُودُه، فَقَالَ: يَا خَالُ مَا يُبْكِيكَ أَوَجْعٌ يُشْئِزُكَ أَمْ حِرْصٌ عَلَى الدُّنْيَا؟ قَالَ: كُلٌّ لا، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا لَمْ آخُذْ بِهِ، قَالَ:"إِنَّمَا يَكْفِيكَ مِنْ جَمِيْعِ الْمَالِ خَادِمٌ وَمَرْكَبٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ" وَأَجِدُنِي اليَوْمَ قَدْ جَمَعْتُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رَوَاه زَائِدَةُ، وَعَبِيدَة بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْن سَهْمٍ، قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى أَبِي هَاشمٍ فَذَكَرَ نَحْوَه، وفي البَاب عَنْ بُرَيْدَةَ الأسْلَمِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "يُشْئِزُكَ": كيَفرح، وجاءَ من الإفعال؛ أي: يُقْلِقُكَ.
[بَابٌ مِنْهُ]
1496 -
(2328) - (4/ 565) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْن عَطِيَّةَ، عَنِ المُغِيرَةِ بْن سَعْدِ بْن الأخْرَمِ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَتَّخَذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "الضَّيْعَة": قال السُّيوطي: في النَّهايةِ هي ما يكونُ منه المَعاشُ كالصَّنْعةِ، والتِّجارةِ، والزِّراعةِ وغير ذلك. انتهى
(1)
. كأنَّ المرادَ لا تجِدُّوا في أخذِها ولا تَدُوْمُوْا عليها بلِ اكْتَفُوا عنها بقَدر الكِفَايةِ؛ لأنَّ الزَّائدَ منها يُرغِّبُ في الدنيا. والله أعلم.
(1)
راجع: قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي: 2/ 565.
بَابُ مَا جَاءَ في [فَنَاءِ] أَعْمَارِ هَذِهِ الأُمَّةِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ
1497 -
(2331) - (4/ 566) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ كَامِلِ أَبِي العَلَاءِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "عُمْرُ أُمَّتِي مِنْ سِتِّينَ سَنَةً إِلَى سَبْعِينَ سَنَةً".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "عُمْرُ أُمَّتِي"، أي: محلُّ تَمام عُمْرِ مَنْ عُمِّرَ منهم غالبًا من سِتِّينَ إلى سَبعينَ.
بَابُ مَا جَاءَ في تَقَارُبِ الزَّمَانِ وَقِصَر الأَمَلِ
1498 -
(2332) - (4/ 567) حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ سَعْدِ بْن سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونُ السَّنَةُ كالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرمَةِ بِالنَّارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ: أَخُو يَحْيَى بْن سَعِيدٍ.
• قوله: "حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ": قيل: يحتملُ أنْ يكونَ ذلك تفاوُتًا حِسِّيًا ولا يُسْتَبْعَد مثلُه من قُدْرة القَادر تعالى، ولا إحداث الفُصُولِ التي يَعْتَادُ وجودُها في السَّنَةِ في جُمْعةٍ ونحوها، إذ لا تأثيرَ إلا لقُدْرَته تعالى وبالنَّظر إليها الكلُّ سواءٌ. وقيل: المرادُ قِلَّةُ البَركاتِ في الأوْقاتِ فما يكونُ من الأعمالِ في شَهرٍ يكونُ حينئذٍ في سَنةٍ. وفي "النِّهايةِ" أرادَ به طِيْبَ الزَّمان حتَّى يُسْتَطال، وأيَّام السُّرورِ والعافيةِ قصيرةٌ
(1)
.
(1)
راجع: النهاية الجزرية لابن الأثير: 7/ 3342.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قِصَرِ الأمَلِ
1499 -
(2333) - (4/ 567 - 568) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ جَسَدِي، فَقَالَ:"كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي أَهْلِ القُبُورِ". فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: "إِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالمَسَاءِ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَمنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِك فَإِنَّكَ لا تَدْرِي يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ غَدًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ الأعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
• قوله: "مَا اسْمُكَ غَدًا"، أي: أحيٌّ أم مَيِّتٌ، أو المرادُ بغدٍ يومُ القِيامَةِ أي: أسعيدٌ أم شَقِيٌّ. والله تعالى أعلم.
1500 -
(2335) - (4/ 568) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، قَالَ: مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نُعَالِجُ خُصًّا لَنَا، فَقَالَ:"مَا هَذَا"؟ فَقُلْنَا قَدْ وَهَى فَنَحْنُ نُصْلِحُهُ، فَقَالَ:"مَا أَرَى الأَمْرَ إِلَّا أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو السَّفَرِ اسْمُهُ: سَعِيدُ بْنُ مُحَمُّدٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَحْمَدَ الثَّوْرِيُّ.
• قوله: "خُصًّا": هو بيتٌ يُعْمَل من الخَشَب والقَصْب.
• وقوله: "وَهَىَ"، أي: ضَعُفَ.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي: قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ]
1501 -
(2339) - (4/ 570) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَشُبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الحِرْصُ عَلَى العُمُرِ وَالحِرْصُ عَلَى المَالِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَيَشُبُّ": كيَمُرُّ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الزَّهَادةِ فِي الدُّنْيَا
1502 -
(2340) - (4/ 571) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَلْبَسٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِتَحْرِيمِ الحَلَالِ وَلا إِضَاعَةِ المَالِ وَلَكِنَّ الزَّهَادَةَ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَا تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثَقَ مِمَّا فِي يَدِ اللهِ وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَاب المُصِيبَةِ إِذَا أَنْتَ أُصِبْتَ بهَا أَرْغَبَ فِيهَا لوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَأَبُو إِدْرِيسَ الخَوْلانِيُّ اسْمُهُ: عَائِذُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَعَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ مُنْكَرُ الحَدِيثِ.
• قوله: "بِتَحْرِيمِ الحَلَالِ"، أي: يترُك طَيِّبات ما أحلَّه اللهُ ولا يَتنَاوَلها.
• قوله: "أَنْ لَا يَكُونَ"، أي: أنْ لَا يكونَ اعتمادُك على مالِكَ أكثرَ من اعْتِمادِك على رِزْقِ اللهِ أو على ثَوابِه، أو لَا يكونُ اعتِمادُك على طَاعَتِك أكثرَ من اعتمادِك على ثوابِ اللهِ.
• قوله: "فِي ثَوَابِ المُصِيبَةِ"، أي: أن يكونَ أرْغبَ في المُصِيبةِ ودوامها لأجل ما فيها من الثَّوابِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الكَفَافِ [وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ]
1503 -
(2347) - (4/ 575) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْن أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن يَزِيدَ، عَنِ القَاسِمِ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ أَغْبَطَ أَوْليَائِي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ ذُو حَظٍّ مِنَ الصَّلَاةِ، أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَأَطَاعَهُ فِي السِّرِّ، وَكَانَ غَامِضًا فِي النَّاسِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، وَكَانَ رِزْقُهُ كفَافًا فَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ نَقَرَ بِإِصْبَعَيْهِ فَقَالَ: "عُجِّلَتْ مَنِيَّتُهُ قَلَّتْ بَوَاكِيهِ قَلَّ تُرَاثُهُ".
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، قُلْتُ: لَا يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا - أَوْ قَالَ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا - فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ". قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وفي البَابِ عَنْ فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ.
القَاسِم هَذَا هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيُكْنَى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ أيضًا: يُكْنَى أَبَا عَبْدِ المَلِكِ وَهُوَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيةَ وَهُوَ شَامِيٌّ ثِقَةٌ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيْفُ الْحَدِيثِ وَيُكْنَى أَبَا عَبْدِ المَلِكِ.
• قوله: "إِنَّ أَغْبَطَ أَوْلِيَائِي"، أي: أحِبَّائِي من المؤمنين، أي: حَقُّ مَنْ يطلبُ النَّاسَ حصولَ حَالِه لأنفسهم.
• وقوله: "خَفِيفُ الْحَاذِ": - بتَخفِيْفِ الذَّال المُعجمَة - أي: خَفيفُ الظَّهر من العِيال، قال الطيبي: مَنْ ليسَ له عِيالٌ وكثرةُ شُغْلٍ
(1)
.
• وقوله: "ذُو حَظٍّ مِنَ الصَّلاةِ"، أي: يَستريح لها مُنَاجِيًا باللهِ عن التَّعْب الدُّنَيْوي.
• وقوله: "أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللهِ": تعميمٌ بعد تخصيصٍ.
• وقوله: "وَأَطَاعَهُ فِي السِّرِّ": تفسيرٌ للإحسانِ.
• وقوله: "وَكَانَ غَامِضًا فِي النَّاسِ"، أي: خاملًا ذليلًا لَا يُعرَف.
• وقوله: "فَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ"، أي: المذكورِ.
• وقوله: "ثُمَّ نَقَرَ بِيَدِهِ"
(2)
، في "المجمع"
(3)
والمرادُ ضَرْبُ الأنْمُلةِ على الأنملةِ، أو على الأرض كالمُتَقَلِّل للشَّيءِ، أي: يقلِّل عمرَه، وعددَ بواكِيه، ومبلغ تراثه. وقيل: هو فعلُ المُتَعَجِّبُ من الشَّيء، وقيل: التَّنبيهُ على أن ما بعدَه مما نُبِّهْتُمْ به.
• وقوله: "عُجِّلَتْ مَنِيَّتُهُ"، أي: يُسَلِّمُ رُوْحَه سريعًا لقِلَّة تعلُّقِه بالدُّنْيا، وغلبةِ شَوْقِه إلى الآخِرة. أو أرادَ أنَّه قليلُ مؤن المَمَاتِ كما كان قليلَ مؤن الحياةِ.
• وقوله: "قَلَّتْ بَوَاكِيهِ": جمعُ باكيةٍ، أي: امرأةٌ تبكي على المَيِّتِ.
(1)
راجع: الكاشف عن حقائق السنن للطيبي: 10/ 3291.
(2)
هكذا في المخطوط، وفي نسخة أحمد شاكر للترمذي كما ذكر في متن الحديث.
(3)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 1/ 601.
1504 -
(2348) - (4/ 575 - 576) حَدَّثَنَا العَبَّاسُ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْن شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. الحُبُلِيِّ، جمَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَكَانَ رُزِقُه كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ". قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قول: "وَقَنَّعَهُ اللهُ"، أي: جَعَله قانِعًا بما أعطاه لمَعْرِفَته بأنَّه مقسومٌ لن يَعْدُوَ ما قدِّر له.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَعِيشَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلِهِ
1505 -
(2358) - (4/ 579) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا المُحَارِبِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:"مَا شَبعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ ثَلَاثًا تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ البُرِّ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "تِبَاع": التِّباعُ - بكسر التَّاء - الولاء.
1506 -
(2360) - (4/ 580) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ هِلَالِ بْن خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:"كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَبِيتُ اللَّيَالِي المُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا وَأَهْلُهُ لَا يَجِدُونَ عَشاءً وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْزَ الشَّعِيرِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "طَاوِيًا"، أي: خَاليَ البَطْن جائعًا لم يأكُلْ.
1507 -
(2361) - (4/ 580) حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "قُوتًا": أي: لا فضلَ فيه.
1508 -
(2364) - (4/ 581) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، أَخْبَرَنَا
أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْن سَعْدٍ، أَنَّهُ قِيل لَهُ: أَكَلَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّقِيَّ؟ يَعْنِي الحُوَّارَى، فَقَالَ سَهْلٌ:"مَا رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّقِيَّ حَتَّى لَقِيَ الله"، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ مَنَاخِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: "مَا كَانَتْ لَنَا مَنَاخِلُ"، قِيلَ: فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِالشَّعِيرِ؟ قَالَ: "كُنَّا نَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مِنْهُ مَا طَارَ، ثُمَّ نُثرِّيهِ فَنَعْجِنُهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاه مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ.
• قوله: "يَعْنِي الحُوَّارَى": - بضمِّ حَاء، وشدَّةِ واوٍ، وبفَتْح رَاءٍ - ما حُوِّرَ من الطَّعام، أي: بُيِّض وهو الدَّقيقُ الأبْيضُ الذي هو لُبَابُ البُرِّ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَعِيشَةِ أَصْحَاب النَّبيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1509 -
(2367) - (4/ 583) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيَّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِيرِينَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ مِنْ كَتَّانٍ فَتَمَخَّطَ فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ قَالَ: "بَخٍ بَخٍ يَتَمَخَّطُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ مِنَ الجُوعِ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَيَجِيءُ الجَائِي فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي يَرَى أَنَّ بِيَ الجُنُونَ، وَمَا بِي جُنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا الجُوعُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "مُمَشَّقَانِ": في "القَاموس"
(1)
المُمَشَّقُ كالمُعَظَّمِ المَصْبوغِ بالمِشْق - بالكسر - وهو المَغَرَة - بفتحتين - الطِّينُ الأحمر.
• وقوله: "بَخٍ بَخٍ": - بالكسر - يقالُ عندَ المدح والرِّضاء بالشَّيْء، ويُكرَّر للمبالغةِ وهي مَبْنِيَّةٌ على السُّكُونِ، فإنْ وُصِلَتْ جُرِّرَتْ وَنُوِّنَتْ وربما شُدِّدَتْ.
1510 -
(2369) - (4/ 583 - 585) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي
(1)
راجع: القاموس المحيط للفيروزآبادي: 924.
سَاعَةٍ لَا يَخْرُجُ فِيهَا وَلا يَلْقَاهُ فِيهَا أَحَدٌ، فَأَتَاُه أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ:"مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ"؟ فَقَالَ: خَرَجْتُ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ وَالتَّسْلِيمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ:"مَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَرُ"؟ قَالَ: الجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَأَنَا قَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ ذَلِكَ"، فَانْطَلَقُوا إِلَى مَنْزِلِ أَبِي الهَيْثَمِ بْن التَّيْهَانِ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ رَجُلًا كثِيرَ النَّخْلِ وَالشَّاءِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَدَمٌ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالُوا لامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ فَقَالَتْ: انْطَلَقَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا المَاءَ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ أَبُو الهَيْثَمِ بِقِرْبَةٍ يَزْعَبُهَا فَوَضَعَهَا ثُمَّ جَاءَ يَلْتَزِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَيُفَدِّيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى حَدِيقَتِهِ فَبَسَطَ لَهُمْ بسَاطًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلَةٍ فَجَاءَ بقِنْوٍ فَوَضَعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَفلَا تَنَقَّيْتَ لَنَا مِنْ رُطبِهِ"؟ فقال: يَا رَسُول اللهِ إِنِّي أرَدْتُ أنْ تَختَارُوا، أَوْ قَالَ: تَخَيَّرُوا مِنْ رُطَبهِ وَبُسْرِهِ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ المَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَذا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مِنَ النَّعِيمِ الذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ظِلٌّ بَارِدٌ، وَرُطَبٌ طَيِّبٌ، وَمَاءٌ بَارِدٌ"، فَانْطَلَقَ أَبُو الهَيْثَمِ لِيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَذْبَحَنَّ ذَاتَ دَرٍّ"، قَالَ: فَذَبَحَ لَهُمْ عَنَاقًا أَوْ جَدْيًا فَأَتَاهُمْ بِهَا فَأَكَلُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ لَكَ خَادِمٌ"؟ قَالَ: لَا، قَالَ:"فَإِذَا أَتَانَا سَبْيٌ فَأْتِنَا"، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَأَتَاهُ أَبُو الهَيْثَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اخْتَرْ مِنْهُمَا"، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! اخْتَرْ لِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ المُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ، خُذْ هَذَا فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي وَاسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا"، فَانْطَلَقَ أَبُو الهَيْثَمِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: مَا أَنْتَ بِبَالِغٍ مَا قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَنْ تُعْتِقَهُ، قَالَ: فَهُوَ عَتِيقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ الله لَمْ يَبْعَثْ نَبيًّا وَلا خَلِيفَةً إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُه بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَاه عَنِ المُنْكَرِ، وَبِطَانَةٌ لَا تَألُوه خَبَالًا، وَمَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ فَقَدْ وُقِيَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "وَالتَّسْلِيمَ عَلَيْهِ"، أي: أسَلِّم التَّسيلمَ عليه، ويجوزُ أن يكونَ منصوبًا معطوفًا على "ألْقَى"؛ لأنَّه في معنى المَصْدر المَنْصوبِ لأنَّه في المعنى مفعولٌ لأجله.
• قوله: "يَزْعَبُهَا"، أي: يَحْمِلُها.
• قوله: "بِبَالِغٍ"، أي: بوَاصِلٍ إلى المَعروفِ الذي وصَّاكَ به النبيُّ صلى اللهُ تعالى عليه وسلَّم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَخْذِ الْمَالِ بحَقَّه
1511 -
(2374) - (4/ 587) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي الوَليدِ، قَالَ: سَمِعْتُ خَوْلَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَكَانَتْ تَحْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْد المُطَّلِب تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، مَنْ أَصَابَهُ بِحَقِّهِ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِيمَا شَاءَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ مَالِ اللهِ وَرَسُولهِ لَيْسَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا النَّارُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَبُو الوَليدِ اسْمُهُ: عُبَيْدُ سَنُوطَا.
• قوله: "مُتَخَوِّضٍ"، أي: مُتكَلِّفٍ بالخَوْض والدُّخولِ.
بَابٌ
1512 -
(2375) - (4/ 587 - 588) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لُعِنَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَلُعِنَ عَبْد الدِّرْهَمِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيث مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أيضًا أَتَمَّ مِنْ هَذَا وَأَطْوَلَ.
• قوله: "عَبْدُ الدِّيْنَارِ"، أي: الَّذِي يَصْرِفُ هِمَّتَه وأوْقاتَه في تحصيل الدِّينار والدِّرْهم كما يَصْرفُ طالبُ المولى هِمَّتَه في تحصيل مَرْضَاتِه.
بَابٌ
1513 -
(2376) - (4/ 588) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ زَكرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن سَعْدِ بْن زرَارَةَ، عَنِ ابْنِ كعْبِ بْن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَيُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ.
• قوله: "بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ"، أي: ليسَ أكثرَ إفسادًا من إفسادِ حِرْص المَرْء على المَال والشَّرف لدِينه.
بَاب [مَا جَاءَ مَثَلُ ابْنِ آدَمَ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ وَعَمَلِهِ]
1514 -
(2379) - (4/ 589 - 590) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ بْن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي بَكْرٍ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْن عَمْرِو بْن حَزْمٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُوُلُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلَاثٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَمَالُهُ"، أي: بعضُ مالِه فإنَّ الجَنازةَ لَا تخلو عن بعض مالٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ
1515 -
(2382) - (4/ 591 - 593) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شرَيْحٍ، أَخْبَرَنِي الوَليدُ بْنُ أَبِي الوَليدِ أَبُو عُثْمَانَ المَدَنِيُّ، أَنَّ عُقبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ شُفَيًّا الأَصْبَحِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ المَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا قُلْتُ لَهُ: أنشِدُكَ بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفْعَلُ، لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً فَمَكَثَ قَلِيلًا ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا البَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُه، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أخْرَى، ثُمَّ أَفَاقَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ: لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا البَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُه، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أخْرَى، ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ: أَفْعَلُ، لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَه فِي هَذَا البَيْتِ مَا مَعَه أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُه، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ فَأَسْنَدْتُهُ عَلَيَّ طَوِيلًا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ الله تبارك وتعالى إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى العِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ القُرْآنَ، وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَرَجُلٌ كثِيرُ المَالِ، فَيَقُولُ اللهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ! قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ،
فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ المَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ المَالِ فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ! قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ المَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ المَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ"، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللهِ تُسْعَرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ".
وَقَالَ الوَليدُ أَبُو عُثْمَانَ: فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّ شُفَيًّا هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَه بِهَذَا، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: وَحَدَّثَنِي العَلَاءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلاءِ هَذَا فكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ؟ ثمَّ بَكَى مُعَاوِيَة بُكاءً شَدِيدًا حَتَّى ظنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ، وَقُلْنَا قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ، ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: صَدَقَ اللهُ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
(1)
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "لَما حَدَّثْتَنِيْ"، أي: لَا أترُكُ عن السُّؤال إلا حدَّثْتَني.
• قوله: "خَلا"، أي: انفردَ بنَفْسِه.
(1)
هود: 15 - 16.
• قوله: "خَارًّا": من الخَوْر.
• قوله: "رَجُلٌ"، وفي نسخةٍ: رجلًا بالنَّصب بتقدير "كانَ". والله أعلم.
• قوله: "أوَّلُ خَلْقِ اللهِ"، أي: من المسلمين. والله تعالى أعلم.
• قوله: "بِمَنْ بَقِيَ"، أي: الذين ما عملوا مثلَ أعمالهم في الحَسَنات وإنَّما يُشركُوْنَهم في الرِّياء والسَيِّئات.
[بَابُ عَمَلِ السِّرِّ]
1516 -
(2384) - (4/ 594 - 595) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْن أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ الرَّجُلُ يَعْمَلُ العَمَلَ فَيُسِرُّه فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَهُ أَجْرَانِ، أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ العَلَانِيَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَى الأعْمَشُ وَغَيْرُه عَنْ حَبِيبِ بْن أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، وَأَصْحَابُ الأعْمَشِ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ هَذَا الحَدِيثَ فَقَالَ: إِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ فَإِنَّمَا مَعْنَاه أَنْ يُعْجِبَهُ ثَنَاءُ النَّاسِ عَلَيْهِ بِالخَيْرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ" فَيُعْجِبُهُ ثَنَاءُ النَّاسِ عَلَيْهِ لِهَذَا لِمَا يَرْجُو بِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِذَا أَعْجَبَهُ لِيَعْلَمَ النَّاسُ مِنْهُ الخَيْرَ لِيُكْرَمَ عَلَى ذَلِكَ وَيُعَظَّمَ عَلَيْهِ فَهَذَا رِيَاءٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: إِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ رَجَاءَ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِ فَيَكُونُ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ فَهَذَا لَهُ مَذْهَبٌ أيضًا.
• قوله: "فَيُسِرُّه"، أي: يُخْفِيْه عن أعْيُنِ الخَلْق ويكتفي بعلم الرَّبِّ تبارك وتعالى.
[بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ المَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ]
1517 -
(2387) - (4/ 596) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْن حُبَيْشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْن عَسَّالٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ جَهْوَرِيُّ الصَّوْتِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ صَفْوَانَ بْن عَسَّالٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نحْوَ حَدِيثِ مَحْمُودٍ.
• قوله: "جَهْوَرِيُّ الصَّوْتِ"، أي: عَالِيُ الصَّوتِ.
• قوله.: "وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ": كلمةُ "لمَّا" نافيةٌ، أي: لِحُبِّهم، ولم يَلْحَقْ بِهم بعدُ بالأعمال.
بَابُ مَا جَاءَ فِي البِرِّ وَالإِثْمِ
1518 -
(2389) - (4/ 597) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكِنْدِيُّ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْن نُفَيْرٍ الحَضْرَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْن سَمْعَانَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ البِرِّ وَالإِثْمِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مَا حَاكَ": قيل: أي: أثَّر فيها ورسخ. قلتُ: ولعلَّ المرادَ أثَّر فيها التَّردُّدَ، وأوْرَثَ فيها الاضطرابَ فلا يَطمِئِنُّ بِها القلبُ، وهذا بالنِّسْبةِ إلى مَنْ لَا يعتادُ المعاصي.
وقال الطيبي: أي: ما يؤثِّر في النَّفْس الشَّريفةِ القُدُسِيَّة تأثيرًا لَا يَنْفَكُّ عن تَنْفيرٍ، أي: ما لَا يَنْشَرحُ له صدرُ مَنْ شَرح اللهُ صدرَه دونَ عمومِ المؤمنين
(1)
.
وروي بالتَّشديدِ من المحاكَّة.
(1)
راجع: الكاشف عن حقائق السنن للطيبي: 10/ 3232، 3233.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الحُبِّ فِي اللهِ
1519 -
(2390) - (4/ 597 - 598) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي مَرْزُوقٍ عَنْ عَطَاءِ بْن أَبِي رَبَاحِ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلانِيِّ، حَدَّثَني مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَالَ اللهُ عز وجل: المُتَحَابُّونَ فِي جَلالِي لَهُمْ مَنابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ".
وَفِي البَاب عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي مَالِكٍ الأشْعَرِيِّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلانِيُّ اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ ثَوْب.
• قوله: "فِي جَلالِي"، أي: لأجْلِي ولِوَجْهِي لَا لِلْهَوَى.
• وقوله: "يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ": قال الطِّيبي: كلُّ ما يتَحَلَّى به أحدٌ من عِلْمٍ وعمَلٍ فله عندَ اللهِ منزلةٌ لَا يُشارِكُه فيها غيرُه وإن كانْ له من نَوعٍ آخر ما هو أرفعُ مقدارًا، فيَغْبطُه بأنْ يكونَ له مثلُه مضمومًا إلى مَا لَه، والأنبياءُ قدِ اسْتَغْرَقُوا فيما هو أعلى منه من دعوةِ الحَقِّ وإرشادِهم، واشْتغلُوْا به من العُكوفِ على مثلِ هذه الجُزئيَّاتِ والقِيام بحُقُوقِها، فإذا رأوهم يومَ القيامةِ في مَنازِلهم ودُّوا لو كانوا ضَامِّين خِصَالَهم إلى خِصَالِهم
(1)
. ويمكن حَمْلُ الغِبْطةِ على الاسْتِحْسَان، وقيل: إنَّه على تقدير، أي: لو كان للفَريْقَيْن غِبطةً لكانَ على هؤلاء.
(1)
راجع: الكاشف عن حقائق السنن للطيبي: 10/ 3202.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ المُدْحَةِ وَالمَدَّاحِينَ
1520 -
(2393) - (4/ 599 - 600) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْن أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ: قَامَ رَجُل فَأَثْنَى عَلَى أَمِيرٍ مِنَ الأُمَرَاءِ، فَجَعَلَ المِقْدَادُ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ التُّرَابَ، وَقَالَ:"أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَحْثُوَ فِي وُجُوهِ المَدَّاحِينَ التُّرَابَ".
وَفِي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى زَائِدَةُ عَنْ يَزِيدَ بْن أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنٍ الْمِقْدَادِ، وَحَدِيثُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ أَصَحُّ، وَأَبُو مَعْمَرٍ اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ سَخْبَرَةَ، وَالمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ هُوَ المِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الكِنْدِيُّ وَيُكْنَى أَبَا مَعْبَدٍ، وَإِنَّمَا نُسِبَ إِلَى الأَسْوَدِ بْن عَبْدِ يَغُوثَ لِأَنَّهُ كانَ قَدْ تَبَنَّاه وَهُوَ صَغِيرٌ.
• قوله: "أنْ نَحْثُوَ"، أي: نَرمي. حمَله [البَعْضُ] على ظاهِره، وحمَله كثيرٌ منهم على الخَيْبةِ وأنْ لا يُعْطَوا عليه شيئًا.
• قوله: "فِي أفْوَاهِ المَدَّاحِينَ": الظَّاهر أن المرادَ به أن نمنعَهم عن ذلك.
والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّبْر عَلَى البَلَاءِ
1521 -
(2396) - (4/ 601) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْن أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَعْدِ بْن سِنَان، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ".
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ الله إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "فَمَنْ رَضِيَ": الظَّاهر أنَّه تفضيلٌ لمُطْلق المُبْتَلِيْن لَا لمَنْ أحبَّهم فابْتلاهم، إذ الظَّاهر أنَّه يوفِّقهم للرِّضى فلا يَسْخط منهم أحدٌ. والله تعالى أعلم.
• قوله: "فَلَهُ الرِّضَا"، أي: من اللهِ تعالى، أي: له جزاءُ رضائِه، وكذا قوله:"فَلَهُ السَّخَطُ"، أي: من اللهِ، أي: له جزاءُ سَخَطِه. والله أعلم.
1522 -
(2399) - (4/ 602) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى الله وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فِي [نَفْسِهِ، وَوَلَدِهِ": الضَّميرُ للمؤمنِ، وتَرك ذكر المؤمنةِ مقايَسةً كأنَّه قيل: ما يزالُ البلاءُ بالمؤمن في نفسِه
…
إلخ وكذا المؤمنةِ، ويمكن رجعُه إلى كلَّ واحدٍ منهما.
1523 -
(2398) - (4/ 601 - 602) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: "الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأمْثَلُ فَالأمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأُخْتِ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ:"الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأمْثَلُ فَالأمْثَلُ".
• قوله: "وإنْ كانَ": ضميرُ كان للرَّجل، و"رِقَّةٌ": خبرُها بحذفِ مضافٍ أي: ذا رقَةٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي ذَهَاب البَصَرِ
1524 -
(2400) - (4/ 602 - 603) حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو ظِلَالٍ عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله يَقُولُ: إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَيْ عَبْدِي فِي الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ جَزَاءٌ عِنْدِي إِلَّا الجَنَّةَ".
وَفِي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْن أَرْقَمَ، قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيب مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَأَبُو ظِلَالٍ اسْمُهُ: هِلَالٌ.
• قوله: "كَرِيمَتَيْ عَبْدِي"، أي: عَيْنَيْه.
• "لَمْ يَكُنْ [لَهُ] جَزَاءٌ": الظَّاهر أنَّه جزاءٌ للبلاء، وقيل: جزاءٌ له، وإنَّما الجزاءُ للصَّبرِ وهو ظاهرُ الحديثِ. والله سبحانه وتعالى أعلم.
بَابٌ
1525 -
(2402) - (4/ 603) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى القَطَّانُ البَغْدَادِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِغْرَاءَ أَبُو زُهَيْرٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيض".
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ بِهَذَا الإِسْنَادِ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ طَلْحَةَ بْن مُصَرِّفٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَوْلَهُ شَيْئًا مِنْ هَذَا.
• قوله: "قُرِضَت": على بناءِ المَفعول، أي: قُطِعَتْ. و"المِقْرَاضُ": آلةُ القَطْع، و"المَقَارِيضِ" جمعُه.
1526 -
(2403) - (4/ 603 - 604) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلَّا نَدِمَ"، قَالُوا: وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَيَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللهِ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ، وَهُوَ: يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْن مَوْهَبٍ مَدَنِيٌّ.
• قوله: "أَنْ لَا يَكُونَ"، أي: على تَرْكِ الزِّيادةِ وعلى ترك الفَزع.
[بَابٌ]
1527 -
(2404) - (4/ 604) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السُّكَّرِ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ، يَقُولُ اللهُ عز وجل: أَبِي يَغْتَرُّونَ، أَمْ عَليَّ يَجْتَرِئُونَ؟ فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنةً تَدَع الحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانًا". وفي البَاب عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
• قوله: "مِنَ اللِّينِ"، أي: من التَّواضُع، وليْن الجَانب. والحاصلُ أنَّهم يُعامِلون مع الخَلْق بأحسن الأطْوار، ومع الرَّبِّ تعالى بأخبثِ القلوبِ فظاهرُهم خيرٌ وباطنُهم شَرٌّ، وهذا هو المرادُ بالحديثِ. والله تعالى أعلم.
• قوله: "تَدَعُ الحَلِيمَ"، أي: العاقل، وخَصَّ بذلك إذ غيره لَا يدري ماذا فُعِل به.
بَابُ مَا جَاءَ فِي حِفْظِ اللِّسَانِ
1528 -
(2406) - (4/ 605) حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، وحَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْن أَيَّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْن زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا النَّجَاة؟ قَالَ: "أمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "أمْلِكْ عَلَيْكَ": و [هو] من الإملاكِ، أي: اجعلْ لسانَك مالكًا، حافظًا عليك لا يُضَيِّعُكَ بأنْ تتكلَّم بما لا ينبغي.
• وقوله: "وَلْيَسَعْكَ": أمرٌ - باللَّام - من وسِعَ كَسَمِع، أي: ليكُنْ بيتُك واسعًا لك بأن لَا تخرجَ منه بلا ضرورةٍ، فإنَّ الجلوسَ فيه سببُ الخَلاص من الشُّرورِ، ولذا قيل: هذا زمانُ السُّكوتِ، وملازَمةِ البيوتِ، والقَناعَةِ بالقُوتِ إلى أن تموتَ.
1529 -
(2407) - (4/ 605 - 606) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رَفَعَهُ قَالَ:"إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأعْضَاءَ كلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ الله فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا".
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ حَمَّادِ بْن زَيْدٍ نَحْوَه وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْن مُوسَى. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ
حَدِيثِ حَمَّادِ بْن زَيْدٍ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْن زَيْدٍ وَلَمْ يَرْفَعُوه، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: أَحْسِبُهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَه.
• قوله: "تُكَفِّرُ اللِّسَانَ": من التَّكفِير، أي: تتواضَعُ للِّسانِ، وتخضَعُ لدَيْه.
• وقوله: "اتَّقِ الله فِينَا"، أي: في صلاح حَالِنا. "فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ"، أي: متعلِّقةٌ بك استقامةً واعْوِجَاجًا، أي: من بين الأعْضَاء الظَّاهرةِ وإلا فالكلُّ متَعَلِّقٌ بالقَلْب كما يُفيْدُه حديث "إنَّ في الْجَسَد مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ"
(1)
الحديث. وذلك؛ لأنَّ اللِّسانَ له تأثيرٌ القَلْب قَسْوةً وانْشراحًا.، والقَلْب يتَّبِعُه الأعضاءُ كلُّها تَتَبُّعَ الرَّعِيَّةِ لِلْمَلِكِ.
1530 -
(2408) - (4/ 606) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيُّ عَن أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنْ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَتَكَفَّلُ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِا أَتَوَكَّلْ لَهُ بِالْجَنَّةِ".
وَفِي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيْثُ سَهْلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيْثِ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ.
• قوله: "مَنْ يَتَكَفَّلْ": بالجَزْم على أن "مَنْ" شرطِيَّة.
(1)
راجع: صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: فضل من استبرأ لدينه، ح: 52، وصحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب: أخذ الحلال وترك الشبهات، ح: 1599، وسنن ابن ماجة، كتاب الفتن، باب: الوقوف عند الشبهات، ح:3984.
و"لَحْيَيْهِ": - بفتح اللَّام - تَثْنِيَةُ لَحْى، وهما العَظْمان اللَّذانِ نَبَتَتْ عليهما الأسنانُ عُلْوًا وسفلًا، أي: من تكفَّل لي مُحافَظةَ اللِّسان، والفَم عن قبيح الكلام وأكل الحَرام، والفَرْج عن الزِّنا، أكفلُ له دخولَ الجَنَّة أوَّلا، أو درجاتِها العاليةَ. والله أعلم.
أَبْوَابُ
(1)
صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الْحِسَاب وَالْقَصَاصِ
(2)
1531 -
(2415) - (4/ 611) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْن حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى شَيْئًا إِلَّا شَيْئًا قَدَّمَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرَى شَيْئًا إِلَّا شَيْئًا قَدَّمَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ" قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ حَرَّ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ يَوْمًا بِهَذَا الحَدِيثِ عَنِ الأَعْمَشِ، فَلَمَّا فَرَغَ وَكِيعٌ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ قَالَ: مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ فَلْيَحْتَسِبْ فِي إِظْهَارِ هَذَا الحَدِيثِ بِخُرَاسَانَ، لِأنَّ
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ.
(2)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ فِي الْقِيَامَةِ.
الجَهْمِيَّةَ يُنْكِرُونَ هَذَا. اسْمُ أَبِي السَّائِبِ: سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ بْن سَلْمِ بْن خَالِدِ بْن جَابِرِ بْن سَمُرَةَ الكُوفِيُّ.
• قوله: "أنْ يَقِيَ": من الوِقاية وهي تتعدَّى إلى مفعولَيْن أحدُهما "وَجْهَه"، والآخر "النَّارُ"، وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ} .
1532 -
(2416) - (4/ 612) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ أَبُو مِحْصَنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ الرَّحَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَن ابْن عُمَرَ، عَن ابْن مَسْعُودٍ، عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاه، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْن قَيْسٍ، وَحُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. وفي البَاب عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ.
• قوله: "حَتَّى يُسْألَ": على بناءِ المفعول، ويحتمل بناءَ الفاعل وتقديرَ المفعول، أي: حتى يَسْأل ربَّه.
بَاب [مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الْحِسَاب وَالْقصَاصِ]
1533 -
(2419) - (4/ 613 - 614) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَنَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُوفِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا المُحَارِبِيُّ عَنْ أَبِي خَالِدٍ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ زَيْدِ بْن أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللهُ عَبْدًا كَانَتْ لِأخِيهِ عِنْدَه مَظْلَمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ، فَجَاءَه فَاسْتَحَلَّهُ قَبْلَ أنْ يُؤْخَذ وَلَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ حَمَّلُوهُ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، وَقَدْ رَوَاه مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
• قوله: "وَلَيْسَ ثَمَّ"، أي: في مَحَلِّ الحِسَاب.
1534 -
(2420) - (4/ 614) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ".
وَفِى البَاب عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بْن أُنَيْسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا
…
" إلخ، على بناءِ المفعولِ من التَّأدِيَة مع النُّونِ الثَّقيلةِ.
بَابُ مَا جَاءَ حَدِيْثُ سُلَيْم بن عَامرْ [عن] الْمِقْدَاد صَاحِب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(1)
1535 -
(2421) - (4/ 614 - 615) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْن جَابِرٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا الْمِقْدَادُ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أُدْنِيَتِ الشَّمْسُ مِنَ العِبَادِ حَتَّى تَكُونَ قِيدَ مِيلٍ أَوْ اثْنَيْنِ" - قَالَ سُلَيْمٌ: لَا أَدْرِي أيَّ الْمِيلَيْنِ عَنَى؟ أَمَسَافَةُ الأرْضِ، أَمِ الْمِيلُ الَّذِي تَكْتَحِلُ بِهِ الْعَيْنُ؟ - قَالَ:"فَتَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ، فَيَكُونُونَ فِي العَرقِ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُه إِلَى عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُه إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُه إِلَى حِقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا"، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ: أي: يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وفي البَاب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عُمَرَ.
• قوله: "أُدْنِيَت": على بناءِ المفعولِ من الإدْنَاء، أي: قُرِّبَتْ منهم.
• و"قِيدَ مِيْلٍ"، أي: قدرَه.
(1)
وفي نسخة أحمد شاكر للترمذي: باب ما جاء في شأن الحساب والكتاب.
• قوله: "فَتَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ": صَهَرتْه الشَّمسُ كمنع، أي: آلمَتْ دماغَه.
1536 -
(2422) - (4/ 615) حَدَّثَنَأ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ دُرُسْتَ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - قَالَ حَمَّادٌ: وَهُوَ عِنْدَنَا مَرْفُوعٌ - {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ} (1) قَالَ: يَقُومُونَ فِي الرَّشْحِ إِلَى أَنْصَافِ آذَانِهِمْ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
• قوله: "فِي الرَّشَحِ": هو - بفتحتين - العَرْق، لأنَّه يخرُج شيئًا فشيئًا كما يرشح الإناءُ المُتَخَلِّلُ الأجزاء.
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الحَشْرِ
1537 -
(2423) - (4/ 615 - 616) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ المُغِيرَةِ بْن النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا كَمَا خُلِقُوا"، ثُمَّ قَرَأَ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}
(1)
وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى مِنَ الخَلائِقِ إِبْرَاهِيمُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ أَصْحَابِي بِرِجَالٍ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي! فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابهمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالِحُ:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
(2)
.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ بْن النُّعْمَانِ بِهَذَا الإِسْنَادِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "غُرْلًا": - بضمِّ غَينٍ مُعْجمةٍ، ثمَّ راءٌ ساكنةٌ - أي: غير مَخْتونِين جمعُ أغْرَل.
(1)
الأنبياء: 104.
(2)
المائدة: 118.
بَابُ مَا جَاءَ فِي العَرْضِ
1538 -
(2425) - (4/ 617) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْن عَلِيٍّ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرْضَاتٍ، فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَأَمَّا العَرْضَةُ الثَّالِثَةُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الأيْدِي، فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَلا يَصِحُّ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِيِّ بْن عَلِيٍّ وَهُوَ الرِّفَاعِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَلا يَصِحُّ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي مُوسَى.
• قوله: "فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ
…
" إلخ، آخِذٌ على صيغةِ اسم الفَاعل فينقسم النَّاسُ، ففيهم آخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ.
بَابُ حَدِيْث سُوَيْد عَنْ عَائِشَةَ
(1)
1539 -
(2426) - (4/ 617 - 618) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ هَلَكَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الله تَعَالَى يَقُولُ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}
(2)
قَالَ: "ذَلِكَ العَرْضُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ أيضًا عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ.
• قوله: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ
…
" إلخ، هذا السُّؤال مع الجوابِ مَبْنِيٌّ على أنَّ المرادَ بقوله: "نُوْقِشَ الْحِسَابَ" حُوْسِبَ، وذكر المُناقَشة إنَّما هو لجَرْي المناقشةِ عادة في الحساب، وأنَّ الحِسَاب عادة لَا يخلو عنها. والله أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ مِنْهُ.
(2)
الانشقاق: 7 - 8.
بَابُ حَدِيْث سُوَيْد عَنْ أَنَسٍ
(1)
1540 -
(2427) - (4/ 618) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يُجَاءُ بِابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ كأنَّهُ بَذَجٌ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَعْطَيْتُكَ وَخَوَّلْتُكَ وَأَنْعَمْتُ عَلَيْكَ، فَمَاذَا صَنَعْتَ؟ فَيَقُوُلُ: يَا رَبِّ! جَمَعْتُهُ وَثَمَّرتُهُ فَترَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كانَ فَارْجِعْنِي آتِكَ بِهِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَرِنِي مَا قَدَّمْت، فيَقولُ: يَا رَبِّ! جَمَعْتُهُ وثَمَّرْتُهُ فَتَرَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ، فارْجِعْنِي آتِكَ بِهِ، فَإِذَا عَبْدٌ لَمْ يُقَدِّمْ خَيْرًا، فَيُمْضَى بِهِ إِلَى النَّارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدَ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الحَسَنِ قَوْلَهُ وَلَمْ يُسْنِدُوهُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. وفي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ.
• قوله: "بَذَجٌ": - بفتح الموحَّدةِ والذَّال المُعْجَمة، في آخره جيمٌ - وهو ولدُ الضَّانِ، والمرادُ كأنَّه بَذَجٌ في السَّوق لسَوْقه الملائكة. والله تعالى أعلم.
1541 -
(2428) - (4/ 619) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِالعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا وَمَالًا
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ مِنْهُ.
وَوَلدًا، وَسَخَّرْتُ لَكَ الأَنْعَامَ وَالحَرْثَ، وَتركْتُكَ تَرْأسُ وَتَرْبَعُ فكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّكَ مُلَاقِي يَوْمَكَ هَذَا؟ قَالَ: فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ لَهُ: اليَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَمَعْنَى قَوْلهِ: اليَوْمَ أَنْسَاكَ، يَقُولُ: اليَوْمَ أَتْرُكُكَ فِي العَذَابِ. هَكَذَا فَسَّرُوهُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ هَذِهِ {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ}
(1)
قَالُوا: إِنَّمَا مَعْنَاه اليَوْمَ نَتْرُكهُمْ فِي العَذَابِ.
• قوله: "فَكُنْتَ تَظُنُّ": بتقدير حرفِ الاستفهامِ.
(1)
الأعراف: 51.
بَابُ مَا جَاءَ فِي [شَأْنِ] الصُّورِ
1542 -
(2431) - (4/ 620 - 621) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَلَاءِ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ القَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ" فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمْ:"قُولُوا: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
• قوله: و"كَيْفَ أَنْعَمُ": من النَّعْمة - بالفَتح - وهي المسرَّة والفَرح والتَّرَفُّهُ، ومعناه كيف يَطِيب عَيْشِي وقد قرُب أن يُنْفَخ في الصُّور، فَكَنَّى عن ذلك بأنَّ صاحبَ الصُّور وضعَ رأس الصُّور في فمِه وهو مُتَرصِّدٌ، مترقبٌ؛ لأنْ يُؤمرَ فينفخُ فيه. والله تعالى أعلم، ذكره الطِّيبي
(1)
.
(1)
راجع: الكاشف عن حقائق السنن: 11/ 3491.
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَأنِ الشَّفَاعَة
1543 -
(2434) - (4/ 622 - 624) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبى زُرْعَةَ بْن عَمْرو بْن جَريرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعَ فَأَكَلَهُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ثُمَّ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ النَّاس يَوْمَ القِيَامَةِ هَلْ تَدْرُونَ لِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ الأوَّلينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ فَبَلَغَ النَّاسُ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَه مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ! أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَقَدْ سَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا ترَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ نُوحٌ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَه مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لِي دَعْوَةٌ دَعَوتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! أَنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَه مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ
كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ - فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الحَدِيثِ - نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى! أَنْتَ رَسُولُ اللهِ فَضَّلَكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى البَشَرِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى! أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَكلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي المَهْدِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَه مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكرْ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ! أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ فَأَخِرُّ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! أُمَّتِي، يَا رَبِّ! أُمَّتِي، يَا رَبِّ! أُمَّتِي، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ! أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ البَابِ الأيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ"، ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ وَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى".
وَفِي البَاب عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَنَسٍ، وَعُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ اسْمُهُ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْن حَيَّانَ كُوفِيٌّ وَهُوَ ثِقَةٌ، وَأَبُو زُرْعَةَ بْن عَمْرِو بْن جَرِيرٍ اسْمُهُ: هَرِمٌ.
• قوله: "عَلَيْكُمْ بِآدَمَ": قال الشَّيخ محي الدين
(1)
: الحكمةُ في أن الله تعالى ألْهَمَهم سؤالَ آدم ومَنْ بعدَه - صلواتُ اللهِ عليهم - ابتداءً، و [لَمْ] يُلْهِمْهم سؤالَ نَبِيِّنَا صلى اللهُ تعالى عليه وسلَّم فإنَّهم لو سألوه ابتداءً لكان يحتملُ أن غيرَه يَقْدَمه على هذا، وأمَّا إذا سألوا غيرَه ثمَّ انْتهوا إليه فقد عُلِم أن المقامَ المحمودَ لَا يقدِرُ على الإقدامِ عليه غيرُه صلواتُ اللهِ عليه وسلامُه عليه وعليهم أجمعين.
• قوله: "قَدْ غَضِبَ": الغضبُ نَقيضُ الرِّضا من حدَّ يشفع.
• قوله: "أَوَّلُ الرُّسُلِ": قيل: المرادُ أوَّلُ من أرْسِلَ إلى دعوةِ الكفَّار إلى الإيمانِ، وكان مِنْ قبلِه من آدمَ، وشِيْث، وإدريس عليهم السلام لم يكن أرْسِلُوا لذلكَ، وإنَّما أرْسِلُوا لتعليم المُؤمنين من التَّشريع، إذ لم يكُنْ في ذلك الوقتِ من كافر. والله تعالى أعلم.
• قوله: "ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ": إحداها: إنِّي سقيمٌ وثانيها: بل فعلَه كبيرُهم هذا، وثالثها: قوله في سارَة: هي أختي، والحقُّ أنَّها مَعاريض ولكن لمَّا كان صورتُها صورةُ الكَذِب سمَّاها أكاذيب.
• قوله: "وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ"، أي: إن شاؤوْا فليَدْخُلوا من تلكَ الأبواب، وهذا تعليمٌ لهم وتشريفٌ، وإلا فيكفي للدُّخول بابٌ واحدٌ سِيَّما الباب الأشرفُ.
• قوله: "المِصْرَاعَيْنِ": المصرَاعان البابان المُغلقان على مَنفذٍ واحدٍ.
1544 -
(2436) - (4/ 625) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
(1)
راجع: صحيح مسلم بشرح الإمام النووي: 3/ 56.
عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "شَفَاعَتِي لِأهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي" قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: فَقَالَ لِي جَابِرٌ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الكَبَائِرِ فَمَا لَهُ وَللشَّفَاعَةِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ يُسْتَغْرَبُ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
• قوله: "لأهْلِ الكَبَائِر"، أي: هم المُحتاجون إليها أشدَّ الحَاجة والمُنتفعون بِها أزيدَ الانتفاع. وقال الكلبي
(1)
: معنى هذا الحديثِ أن شفاعَتي التي تُنْجِي الهَالكين مختصَّةٌ بأهل الكبائر
(2)
. قلتُ: وبالجملةِ فالشَّفاعةُ تَعُمُّ أهلَ الكبائر وغيرَهم حتى أهل الطَّاعة في رفع الدَّرجات.
(1)
هو: الإمام العلَّامة الحافظ أبو الخطَّاب عمر بن الحسين بن علي بن محمد بن الجُمَيِّل بن فرح بن خلف بن قومس بن مَزْلال بن ملَّال بن بدر بن أحمد بن دحية الكلبي، الأندلسي، ولد في مستهل ذي القعدة سنة أربع وأبعين وخمس مائة، كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، مُتْقِنا لعلم الحديث النَّبوي وما يتلعق به، عارفا بالنحو واللغة وأيَّام العرب وأشعارها، واشتغل بعلم الحديث في أكثر بلاد الأندلس الإسلامية، ولقي بها علماءها ومشايخها، ثم رحل إلى مراكش واجتمع بفضلائها، ثم ارتحل إلى إفريقيا ومنها إلى الدِّيار المصرية، ثم إلى الشام والشرق والعراق، وخراسان وما والاها، كلُّ ذلك في طلب الحديث والاجتماع بأئمته والأخذ عنهم، وهو في تلك الحال يؤخذ عنه ويستفاد منه. ومن تصانيفه:"التنوير في مولد السراج المنير"، و"نهاية السول في خصائص الرسول"، و"الابتهاج في أحاديث المعراج"، و"أنور المشرقين في تنقيح الصحيحين المشرقين"، و"تنبيه البصائر في أسماء أم الكبائر"، و"تاريخ الأمم في أنساب العرب والعجم"، و"أعلام النصر المبين في المفاضلة بين أهل صفين" وغير ذلك. توفي يوم الثلاثاء، الرابع عشر من ربيع الأول، سنة ثلاث وثلاثين وست مائة بالقاهرة، ودفن بسفح المقطم. راجع لترجمته: وفيات الأعيان: 3/ 448، الوافي بالوفيات: 22/ 278، تذكرة الحفاظ: 3/ 1420، العبر في خبر من غبر: 3/ 217، سير أعلام النبلاء: 22/ 389، البداية والنهاية: 17/ 223، شذرات الذهب: 7/ 280.
(2)
راجع: نهاية السول في خصائص الرسول لابن دحية الكلبي: 229، 230.
[بَابٌ مِنْهُ]
1545 -
(2437) - (4/ 626) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَثَلاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ": يحتملُ أن يكونَ مرفوعًا عطفًا على "سبعون"، وأن يكون منصوبًا عطفًا على "سبعين" والأوَّلُ أبلغ، ولعلَّه إن شاء اللهُ تعالى هو المرادُ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الحَوْضِ
1546 -
(2442) - (4/ 628) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْن أَبِي حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ فِي حَوْضِي مِنَ الأَبَارِيقِ بِعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "مِنَ الأَبَارِيقِ": الظَّاهر أن كلمةَ "مِنْ" زائدةٌ، والأباريقُ اسم "إنَّ" وهذا من باب زيادةِ "مِنْ" في الإثباتِ كما هو مذهبُ بعض النُّحَاة. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَوَانِي الحَوْضِ
1547 -
(2444) - (4/ 629 - 630) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُهَاجِرِ عَنِ العَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الحَبَشِيِّ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ فَحُمِلْتُ عَلَى البَرِيدِ، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! لَقَدْ شَقَّ عَلَى مَرْكَبِي البَرِيدُ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَلَّامٍ! مَا أَرَدْتُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ وَلَكِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ تُحَدِّثُهُ عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الحَوْضِ فَأَحْبَبْتُ أَنْ تُشَافِهَنِي بِهِ، قَالَ أَبُو سَلَّامٍ: حَدَّثَنِي ثَوْبَانُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"حَوْضِي مِنْ عَدَنَ إِلَى عَمَّانَ البَلْقَاءِ، مَاءُه أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ، وَأَكْوَابُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا، أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ، الشُّعْثُ رُؤوْسًا، الدُّنْسُ ثِيَابًا، الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ المُتَنَعِّمَاتِ وَلا تُفْتَحُ لَهُمُ أَبْوَابُ السُّدَدِ"، قَالَ عُمَرُ: لَكِنِّي نَكَحْتُ المُتَنَعِّمَاتِ، وَفُتِحَ لِيَ السُّدَدُ، وَنَكَحْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْد المَلِكِ لَا جَرَمَ أَنِّي لَا أَغْسِلُ رَأْسِي حَتَّى يَشْعَثَ، وَلا أَغْسِلُ ثَوْبِي الَّذِي يَلِي جَسَدِي حَتَّى يَتَّسِخَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ مَعْدَانَ بْن أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَأَبُو سَلَّامٍ الحَبَشِيُّ اسْمُهُ: مَمْطُورٌ، وَهُوَ شَامِيٌّ ثِقَةٌ.
• قوله: "فَحُمِلْتُ عَلَى البَرِيدِ"، أي: حَمَلْتُ البريدَ معي على مَرْكبي.
• "فَلَمَّا دَخَلَ"، أي: أبو سلَّام، التفاتٌ إلى الغَيْبة.
بَابُ حَدِيْث أبي حُصَيْنٍ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ
1548 -
(2446) - (4/ 631) حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ عَبْدُ اللهِ بْن أَحْمَدَ بْن يُونُسَ كُوفِيٌّ، حَدَّثَنَا عَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَمُرُّ بِالنَّبِيِّ وَالنَّبِيَّيْنِ وَمَعَهُمُ القَوْمُ، وَالنَّبِيِّ وَالنَّبِيَّيْنِ وَمَعَهُمُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيِّ وَالنَّبِيَّيْنِ وَلَيْسَ مَعَهُمْ أَحَدٌ حَتَّى مَرَّ بِسَوَادٍ عَظِيمٍ، فَقُلْتُ:"مَنْ هَذَا"؟ قِيلَ: مُوسَى وَقَوْمُهُ وَلكِنٍ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَانْظُرْ، قَالَ:"فَإِذَا هُوَ سَوَادٌ عَظِيمٌ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ مِنْ ذَا الجَانِبِ وَمنْ ذَا الجَانِبِ، فَقِيلَ هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ وَسِوَى هَؤُلاءِ مِنْ أُمَّتِكَ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ"، فَدَخَلَ وَلَمْ يَسْأَلُوهُ وَلَمْ يُفَسِّرْ لَهُمْ فَقَالُوا: نَحْنُ هُمْ، وَقَالَ قَائِلُونَ: هُمْ أَبْنَاءُ الَّذِينَ وُلدُوا عَلَى الفِطْرَةِ وَالإِسْلامِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"هُمُ الَّذِينَ لا يَكْتَوُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وفي البَاب عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "جَعَلَ يَمُرُّ
…
" إلخ، كأنَّه لقاءٌ روحانيٌّ لا يتوقَّف على الوُجود الجِسْمَانيِّ، ولهذا لَقِي أمَّتَه قبلَ خَلْقِهم وظُهورهم في هذا العالم الجسمانِيِّ. والله تعالى أعلم.
• قوله: "فَدَخَلَ"، أي: النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم بينَه بعد هذا الحديثِ مع الصَّحابة، والصَّحابةُ ما سألوه فاختلفوا فيما بينَهم.
[بَابٌ]
1549 -
(2448) - (4/ 632) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الأَزْدِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا هَاشِمٌ وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنِي زَيْدٌ الْخَثْعَمِيُّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الخَثْعَمِيَّةِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ وَاخْتَالَ وَنَسِيَ الكَبيرَ المُتَعَالِ، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ وَاعْتَدَى وَنَسِيَ الجَبَّارَ الأعْلَى، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا وَنَسِيَ المَقَابِرَ وَالبِلَى، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ عَتَا وَطَغَى وَنَسِيَ المُبْتَدَا وَالمُنْتَهَى، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، بئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ بِالشُّبُهَاتِ، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُه، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ رَغَبٌ يُذِلُّهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالقَوِيِّ.
• قوله: "يَخْتِلُ الدُّنْيَا"، أي: يَطلُبها بالدِّين.
[بَابٌ]
1550 -
(2449) - (4/ 633) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ المُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْنُ أُخْتِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَارُودِ الأعْمَى وَاسْمُهُ زِيَادُ بْنُ المُنْذِرِ الهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاه اللهُ مِنْ خُضْرِ الجَنَّةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدَنَا وَأَشْبَهُ.
• قوله: "مِنَ الرَّحِيقِ"، أي: الخمرُ الخالصُ من الدَّنس، المختومُ على إنائِها، لا يفكُّ ختمَها إلا أهلُها.
• وقوله: "عَلَى عُرْيٍ": بضَمِّ العَين وسكون الرَّاء.
[بَابٌ مِنْهُ]
1551 -
(2453) - (4/ 635) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ سَلْمَانَ أَبُو عُمَرَ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنِ القَعْقَاعِ بْن حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً وَلكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأصَابِعِ فَلَا تَعُدُّوه".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال:"بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالأصَابِعِ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ".
• قوله: "شِرَّة": - بكسر الشِّين، وتشديدِ الرَّاء - الحرصُ على الشَّيءِ والنِّشاط له. و"إنْ" شرطيَّةٌ و "صَاحِبُهَا" فاعلُ فعلٍ محذوفٍ.
• وقوله: "فَلا تَعُدُّوهُ": من العَدِّ، قيل: معناه منِ اقتصَر في الأمور واجتَنب إفراطَ الشِّرَّة، وتفريطَ الفترة.
• "فَارْجُوه": ولا تلتفتوا إلى شُهْرتِه بينَ الناس واعتقادِهم فيه. قلتُ: وهذا مبنيٌّ على أن "إنْ" الثَّانية وَصليَّةٌ من تَتِمَّةِ الأولى.
• وقوله: "فَلَا تَعُدُّوه"، أي: مضرًّا له وهذا خلافُ الظَّاهر، ولهذا قيل: الظَّاهرُ أن الثَّانية مستَقلَّةُ، تفصيلٌ لذلك المُجْمل يعنى إنَّ لكل شَيءٍ من الأعمال الظَّاهرةِ والباطنةِ طَرْفَي الإفرأطِ والتَّفريطِ، والقَصْدُ منهما المطلوبُ، فإنْ رأيت
أحدًا يسلكُه فارجوه أنْ يكونَ من الفَائزين ولا تقطعوا له، فإنَّ الله تعالى يتولَّى السَّرائرَ، وإن رأيتَه يسلكُ سبيلَ الإفراطِ والغلوِّ حتى يُشارَ إليه بالأصابع فلا تَبُتُّوا بالقولِ: بأنَّه من الخاسرين ولا تعدُّوْه منهم، ولكنِ ارْجُوْه كما رَجَيْتُم المُقْتصِد إذ قد يعصِمه اللهُ تعالى في صورةِ الإفراطِ والشُّهرةِ. وقيل: إنَّ العابدَ يبالغُ في عبادتِه أوَّل مرَّةٍ وكلُّ مبالغ مُفْترٌّ.
• فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ": التَّسديدَ، أعْطِي التَّوفيقَ. "فَارْجُوْه": فإنَّه يقدرُ على الدَّوام وهو أفضلُ الأعمال، وإن بالغ وأتْعَب لم يقدِرْ على الدَّوام فلا تعدُّوه صالحًا. وأيضًا قد يجتمعُ عليه النَّاس، ويبذلون له المالَ والجاهَ، ويُقَبِّلون يديه ورِجْلَيْه فربما يصير مغرورًا أحمق، ويعتقدُ أنَّه خيرٌ من غيره فلا تعدُّوه صالحًا. انتهى.
[بَابٌ]
1552 -
(2454) - (4/ 635 - 636) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنِ الرَّبِيعِ بْن خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: خَطَّ لنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ فِي وَسَطِ الخَطِّ خَطًّا، وَخَطَّ خَارِجًا مِنَ الخَطِّ خَطًّا، وَحَوْلَ الَّذِي فِي الوَسَطِ خُطُوطًا، فَقَالَ:"هَذَا ابْنُ آدَمَ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ الإِنْسَانُ، وَهَذِهِ الخُطُوطُ عُرُوضُهُ إِنْ نَجَا مِنْ هَذَا يَنْهَشُهُ هَذَا، وَالخَطُّ الخَارِجُ الأمَلُ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• وقوله: "هَذَا الَّذِي
…
" إلخ، بيانٌ لقولِه: و "هَذَا ابْنُ آدَمَ".
• قوله: "عُرُوضُهُ": - بضمَّتين - أي: الَّذي يأخذُ يمينًا وشمالًا.
• وقوله: "يَنْهَشُهُ هَذا": في القاموس
(1)
: نَهَشَه، أي: بالمُعْجَمة: لَسَعه وعضَّه، وأخذَه بأضراسِه، وبالسِّين المُهْملة أخذَه بأطْرَاف الأسْنانِ.
1553 -
(2456) - (4/ 636) حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بْنُ فِرَاسٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو العَوَّامِ وَهُوَ عِمْرَانُ القَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطرفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ ابْنِ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً إِنْ أَخْطَأَتْهُ المَنَايَا وَقَعَ فِي الهَرَمِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
(1)
راجع: القاموس المحيط: 608.
• وقوله: "مَثَلُ ابْنِ آدَمَ": هو مبتدأ، خبرُه محذوفٌ كعجيبٍ ونحوِه، وضبَطه بعضُهم بضمِّ الميم وتشديدِ المثلَّثةِ المكسورةِ من التَّمثيل.
[بَابٌ]
1554 -
(2457) - (4/ 636 - 637) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُحَمَّدِ بْن عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْن أُبَيِّ بْن كعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! اذْكرُوا الله اذْكُرُوا الله جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ"، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: "مَا شِئْتَ". قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ:"مَا شِئْتَ فَإِنْ زدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ:"مَا شِئْتَ، فَإنْ زدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قَالَ: قلت: فالثُّلُثيْنِ، قال:"مَا شِئْتَ، فإِنْ زِدْتَ فهوَ خَيْرٌ لكَ"، قُلْتُ: أجْعَل لَكَ صَلَاتِي كلَّهَا قَالَ: "إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ": النَّفْخةُ الأولى، بِها يَرْجُف كلُّ شيءٍ، أي: يتزَلْزَل، فوُصِفَتْ بما يحدُث عندَها من الرَّجف.
• وقوله: "تَتْبَعُهَما الرَّادِفَةُ"، أي: النَّفخةُ الثَّانيةُ، وبينها أربعون سنةً. والجملةُ حالٌ من الرَّاجفةِ، والمُقارنة باعتبار بقاءِ مَجِيْءِ أثر الرَّاجفة وهو الفنَاءُ إلى مجيءِ الرَّادفةِ. والله تعالى أعلم.
• قوله: "مِنْ صَلَاتِيْ"، أي: من دُعائِي.
[بَابٌ]
1555 -
(2458) - (4/ 637) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبَانَ بْن إِسْحَاقَ، عَنِ الصَّبَّاحِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ مُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ". قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نَسْتَحْيِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ:"لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبَانَ بْن إِسْحَاقَ عَنِ الصَّبَّاحِ بْن مُحَمَّدٍ.
• قوله: "وَمَا وَعَى"، أي: ما وعَاه الرَّأسُ وحَفِظَه وجمعَه من القُوى والأعضاءِ من العَيْن، والأذنِ، واللِّسان فلا يَسْتعملُ هذه الأشياءَ فيما لا يَرْضَى به اللهُ تعالى.
• وقوله: "وَمَا حَوَى"، أي: جمعَه ويتَّصِل به من الفَرْج، واليدَيْن، والرِّجْلَيْن، والقَلْب عن استعمالِه في المَعَاصي.
[بَابٌ]
1556 -
(2460) - (4/ 639 - 640) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَدُّوَيْهِ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ العُرَنِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْوَليدِ الوَصَّافِيُّ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُصَلَّاه فَرَأَى نَاسًا كَأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ قَالَ: "أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى المَوْتَ، فَأَكثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ المَوْتِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى القَبْرِ يَوْمٌ إِلَّا تَكَلَّمَ فِيهِ فَيَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الغُرْبَةِ وَأَنَا بَيْتُ الوَحْدَةِ، وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ، وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ، فَإِذَا دُفِنَ العَبْد المُؤْمِنُ قَالَ لَهُ القَبْرُ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا أَمَا إِنْ كُنْتَ لأحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ اليَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَترى صَنِيعِيْ بِكَ"، قَالَ:"فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الجَنَّةِ. وَإِذَا دُفِنَ العَبْد الفَاجِرُ أَوِ الكَافِرُ قَالَ لَهُ القَبْرُ: لا مَرْحَبًا وَلا أَهْلًا أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ اليَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِيْ بكَ"، قَالَ:"فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَقِيَ عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ"، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بِأَصَابِعِهِ، فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ قَالَ:"وَيُقَيِّضُ اللهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنِّينًا لَوْ أَنْ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، فَيَنْهَشْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ حَتَّى يُفْضِى بِهِ إِلَى الْحِسَابِ". قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "إِنْ كُنْتَ": "إن" مخفَّفةٌ من الثَّقيلةِ، أي: أن الشَّأن.
• قوله: "وُلِّيتُكَ": على بناء المفعولِ من التَّولِيَة.
• وقوله: "قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بِأَصَابِعِهِ"، أي: أشارَ إليه.
• و"التِنِّين": - بكسر المثنَّاة من فوقٍ وتشديدِ النُّون - ضَرْبٌ من أعظم الحيَّات.
[بَابٌ]
1557 -
(2462) - (4/ 640 - 641) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَيُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبره، أَنَّ عَمْرَو بْن عَوْفٍ - وَهُوَ حَلِيفُ بَنَ عَامِرِ بْن لُؤَيٍّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ، فَقَدِمَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ وَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَوْا صَلَاةَ الفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ:"أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنْ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ". قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَأَمِّلُوا": أمَلَه كنصر، وأمَّلَه - بالتشديد - بمعنى، أي: ارجوا.
[بَابٌ]
1558 -
(2463) - (4/ 641 - 642) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، وَابْنِ المُسَيِّب، أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ:"يَا حَكِيمُ! إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَه بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلا يَشْبَعُ، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى". فَقَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى العَطَاءِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَه، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ شَيْئًا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تُوُفِّيَ. قَالَ أبُو عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "خَضِرَةٌ": بفَتح الخَاء، وكسر الضَّاد المُعْجَمة.
• و "حُلْوَة": - بصْمِّ الحاءِ والتَّأنيث - لتنزيل المَال منزلةَ الدُّنيا.
• "وَسَخَاوَة النَّفْسِ"، أي: بلا طَمْعٍ وسؤالٍ.
• و "إشْرَافِ النَّفْسِ": طمعًا.
• و"لَا أَرْزَأُ": - بتقديم المُهْمَلة على المُعْجَمة، آخرُه همزةٌ - أي: لا آخذُه.
[بَابٌ]
1559 -
(2465) - (4/ 642 - 643) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ عَنِ الرَّبِيعِ بْن صَبِيحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْن أَبَانَ وَهُوَ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَتِ الآخِرَة هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقرهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ".
• قوله: "شَمْلَهُ": أمورُه المتفرِّقةُ وهو من الأضدَاد، فالمرادُ بقوله:"وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ"، أي: أمورَه المُجْتمَعة كما هو مقتضى التَّفريق، ويمكنُ أن يرادَ الأمورُ المتفرِّقة على معنى أنَّها لم تَجْتَمِعْ له. والله تعالى أعلم.
2468 -
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ لنَا قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ عَلَى بَابِي، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"انْزَعِيهِ فَإِنَّهُ يُذَكِّرُنِي الدُّنْيَا"، قَالَتْ: وَكَانَ لَنَا سَمَلُ قَطِيفَةٍ تَقُولُ عَلَمُهَا مِنْ حَرِيرٍ كُنَّا نَلْبَسُهَا. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "قِرَامُ سِتْرٍ": بكسر القَاف والسِّين.
[بَابٌ]
1560 -
(2470) - (4/ 644) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفيَانَ، عَنْ أبِي إِسْحَاق، عَنْ أبِي مَيْسَرَة، عَنْ عَائِشة، أَنَّهُمْ ذبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا بَقِيَ مِنْهَا"؟ قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا قَالَ: "بَقِيَ كلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو مَيْسَرَةَ هُوَ الهَمْدَانِيُّ اسْمُهُ: عَمْرُو بْن شُرَحْبِيلَ.
• قوله: "بَقِيَ كلُّهَا": لأنَّ الذي صُرِفَ في سبيل الذي هو البَاقي حقيقةً قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}
(1)
.
(1)
النحل: 96.
[بَابٌ]
1561 -
(2471) - (4/ 645) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدَة عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:"إِنْ كُنَّا آلَ مُحَمَّدٍ نَمْكُثُ شَهْرًا مَا نَسْتَوْقِدُ بِنَارٍ إِنْ هُوَ إِلَّا المَاءُ وَالتَّمْرُ". قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إنْ هُوَ": المأكولُ، و "إنْ" نافيةٌ.
• قوله: "فَكلنا من
…
"
(1)
إلخ، كانَ ذلك لبقائِه على ما تَرَكَه عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم.
1562 -
(2472) - (4/ 645) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ أَبُو حَاتِمٍ البَصْريُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابثٌ عَنْ أَنَسٍ، قَال: قَال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لقدْ أُخِفتُ فِي اللهِ وَمَا يُخَافُ أحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ".
قَالَ أبُو عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ: حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَارِبًا مِنْ مَكَّةَ وَمَعَهُ بِلَالٌ إِنَّمَا كَانَ مَعَ بِلَالٍ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَحْمِلُهُ تَحْتَ إِبْطِهِ.
(1)
أثبتنا كما في المخطوط ولم نجد في نسخة الترمذي المطبوعة بتحقيق أحمد شاكر كلمةً في حديث من الأحاديث توافق ما كتبه المصنف، ولعل ذلك يرجع إلى اختلاف النسخ.
• قوله: "وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ"، أي: مثلَ تلك الإخافةِ وكذا في قوله: "وَمَا يؤْذَى أَحَدٌ".
1563 -
(2473) - (4/ 645 - 646) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن كعْبٍ القُرَظِيِّ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَقُولُ:"خَرَجْتُ فِي يَوْم شَاتٍ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَخَذْتُ إِهَابًا مَعْطُوبًا فَحَوَّلتُ وَسَطَهُ فَأَدْخَلْتُهُ عُنُقِي، وَشَدَدْتُ وَسَطِي فَحَزَمْتُهُ بِخُوصِ النَّخْلِ، وَإِنِّي لَشَدِيدُ الجُوعِ وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامٌ لَطَعِمْتُ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ أَلْتَمِسُ شَيْئًا فَمَرَرْتُ بِيَهُودِيٍّ فِي مَالٍ لَهُ وَهُوَ يَسْقِي ببَكَرَةٍ لَهُ فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ ثُلْمَةٍ فِي الحَائِطِ. فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَعْرَابِيُّ، هَلْ لَكَ فِي كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَافْتَحِ البَابَ حَتَّى أَدْخُلَ فَفَتَحَ فَدَخَلْتُ فَأَعْطَانِي دَلْوَهُ فَكُلَّمَا نَزَعْتُ دَلْوًا أَعْطَانِي تَمْرَةً حَتَّى إِذَا امْتَلأتْ كَفِّي أَرْسَلْتُ دَلْوَهُ وَقُلْتُ: حَسْبِي فَأَكلْتُهَا ثُمَّ جَرَعْتُ مِنَ المَاءِ فَشَرِبْتُ ثُمَّ جِئْتُ المَسْجِدَ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "فِي يَوْمٍ شَاتٍ"، أي: ذي بَرْدٍ.
• قوله: "فَجَوَّبْتُ"
(1)
: من التَّجويب وهو القَطْع.
• و"الخُوص": - بضَمِّ الخَاء المُعْجمة - وَوَقُ النَّخْل واحدُه "خُوْصَة". و "بَكْرَة": الْبِئْرِ - بفتح فسكون - خَشْبةٌ يُسْتَقى عليها.
(1)
"فَجَوَّبْتُ" كذا في المخطوط، ولكن في نسخة أحمد شاكر للترمذي:"فَحَوَّلْتُ" كما في متن الحديث.
• وقوله: "ثُمَّ جَرَعَتُ مِنَ الْماءِ"، أي: أخذتُه بالكفِّ.
• قوله: "امْتَلأَتْ كَفِّيْ"، أي: بالتَّمر.
1564 -
(2475) - (4/ 646 - 647) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَام بْن عُرْوَةَ، عَنْ أبيْه، عَنْ وَهْبِ بْن كيْسَانَ، عَنْ جَابر بْن عَبْدِ اللهِ، قَالَ:"بَعَثَنَا رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ ثَلاثُمِائَةٍ نَحْمِلُ زَادَنَا عَلى رِقابِنَا، فَفَنِيَ زَادُنَا حَتَّى إِنْ كَانَ يَكُونُ لِلرَّجُلِ مِنَّا كُلَّ يَوْمٍ تَمْرَةٌ"، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! وَأَيْنَ كَانَتْ تَقَعُ التَّمْرَةُ مِنَ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: "لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا وَأَتَيْنَا البَحْرَ فَإِذَا نَحْنُ بِحُوتٍ قَدْ قَذَفَهُ البَحْرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا أَحْبَبْنَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَرَوَاه مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ وَهْبِ بْن كَيْسَانَ، أَتَمَّ مِنْ هَذَا وَأَطْوَلَ.
• قوله: "أَيْنَ كَانَتْ"، أي: أيُّ فائدةٍ للتَّمرة بالنَّظر إلى الرَّجل، فأجابَ بأنَّه ظهر لنا فائدتُها حينَ ما وَجَدْنَاها.
[بَابٌ]
1565 -
(2477) - (4/ 648 - 649) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَني عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ أَهْلِ الإِسْلَامِ لَا يَأْوُوْنَ عَلَى أَهْلٍ وَلا مَالٍ، وَاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الجُوعِ وَأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطْني مِنَ الجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ فِيهِ فَمَرَّ بِي أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كتَابِ اللهِ مَا أَسْأَلُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنى فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَا أَسْأَلُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَني فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَتبَسَّمَ حِينَ رَآنِي، وَقَالَ:"أَبَا هُرَيْرَةَ" قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "الحَقْ"، وَمَضَى فَاتَّبَعْتُهُ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَاسْتَأذَنْتُ فَأَذنَ لِي فَوَجَدَ قَدَحًا مِنْ لَبَنٍ فَقَالَ:"مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ لَكُمْ"؟ قِيلَ: أَهْدَاهُ لنَا فُلَانٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَبَا هُرَيْرَةَ! " قُلْتُ: لَبَّيْكَ. فَقَالَ: "الحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ"، وَهُمْ أَضْيَافُ الإِسْلَامِ لَا يَأْوُونَ عَلَى أَهْلٍ وَمَالٍ إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذَلِكَ وَقُلْتُ: مَا هَذَا القَدَحُ بَيْنَ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَأَنَا رَسُولُهُ إِلَيْهِمْ فَسَيَأْمُرُنِي أَنْ أُدِيرَه عَلَيْهِمْ فَمَا عَسَى أَنْ يُصِيبَنِي مِنْهُ وَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيبَ مِنْهُ مَا يُغْنِينِي وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولهِ، فَأَتيْتُهُمْ فَدَعَوتُهُمْ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ فَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ فَقَالَ:"أَبُوْ هُرَيْرَةَ، خُذِ القَدَحَ وَأَعْطِهِمْ"، فَأَخَذْتُ القَدَحَ فَجَعَلْتُ أُنَاوِلُهُ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّهُ فَأُنَاوِلُهُ الآخَرَ حَتَّى انْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَى القَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم القَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَتبَسَّمَ فَقَالَ:"أَبَا هُرَيْرَةَ اشْرَبْ"، فَشَرِبْتُ ثُمَّ قَالَ:"اشْرَبْ" فَلَمْ أَزَلْ أَشْرَبُ، وَيَقُولُ:"اشْرَبْ" حَتَّى قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا، فَأَخَذَ القَدَحَ فَحَمِدَ الله وَسَمَّى ثُمَّ شَرِبَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَا يَأْوُونَ"، أي: لا ينصرفُوْن إلى "أَهْلٍ وَلا مَالٍ": إذ لا أهلَ لهم ولا مالَ حتى ينصرفوا إليها.
• قوله: "وَقَالَ: "أبُوْ هُرَيْرَةَ": الظَّاهر أنَّه نِداءٌ لكنَّه ينبغي حينئذٍ "أبا هريرة"، وإنْ جُعِل استفهامًا بتقدير "أنتَ أبو هريرةَ" لا يُوافق الكلام ما بعدَه فكأنَّه منادى أعْطِي له حكمُ المنادِى المفرد لعدم اعتبار الإضافةِ معنى. والله تعالى أعلم.
[بَابٌ]
1566 -
(2481) - (4/ 650) حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سَعيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي مَرْحُومٍ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْن مَيْمُونٍ، عَنْ سَهْلِ بْن مُعَاذِ بْن أَنَسٍ الجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا للهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُؤوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيَره مِنْ أيِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قَوْله: "حُلَلِ الإِيمَانِ": يَعْنِي مَا يُعْطَى أَهْلُ الإِيمَانِ مِنْ حُلَلِ الجَنَّةِ.
[بَابٌ]
1567 -
(2485) - (4/ 652) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَوْفِ بْن أَبِي جَمِيلَةَ الأعْرَابِيِّ، عَنْ زُرَارَةَ بْن أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن سَلَامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْت وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ:"أَيُّهَا النَّاسُ! أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطًّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "انْجَفَلَ": - بالفَاء بعدَ الجيم - أي: ذهبوا إليه مُسْرعِيْن.
• قوله: "كُلٌّ ذَهَبَ"، أي: إلى قبول الحقِّ.
[بَابٌ]
1568 -
(2490) - (4/ 654 - 655) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ عِمْرَانَ بْن زَيْدٍ الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ زَيْدٍ العَمِّيِّ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ:"كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَصَافَحَهُ لَا يَنْزِعُ يَدَه مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ الَّذِي يَنْزِعُ، وَلا يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَصْرِفُهُ وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا": أي: ما كانَ يجلِس في مَجْلس بحيثُ يكون ركبتَاه متقدِّمتَيْن على رُكْبَتَي صاحبِه كفعل الجَبابِرَة في المَجْلس. قيل: لا يمدُّ رجلَيْه عند جليسه تعظيمًا له.
[بَابٌ]
1569 -
(2491) - (4/ 655) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي حُلَّةٍ لَهُ يَخْتَالُ فِيهَا، فَأَمَرَ اللهُ الأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ فَهُوَ تتَجَلْجَلُ فِيهَا - أَوْ قَالَ: تتَلَجْلَجُ فِيهَا - إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَهُوَ مُجَلْجَلٌ"، أي: يَغُوْصُ في الأَرْضِ حتى يُخْسَف به، وَالْجَلْجَلَةُ مع صَوتٍ، ووُوِي "يَتَجْلَجَلُ" أي: يتردَّد.
1570 -
(2492) - (4/ 655) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَجْلَانَ، عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بَولَسَ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الخَبَالِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• وقوله: "بَوْلَسَ": بفتح باءٍ، وسكونِ واوٍ، وفتح لامٍ.
[بَابٌ]
1571 -
(2494) - (4/ 656) حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الغِفَارِيُّ الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَني أَبِي عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ سَترَ اللهُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ: رِفْق بِالضَّعِيفِ، وَشَفَقَةٌ عَلَى الوَالِدَيْنِ، وَإِحْسَانٌ إِلَى المَمْلُوكِ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ المُنْكَدِرِ هُوَ أَخُو مُحَمَّدِ بْن المُنْكَدِرِ.
• قوله: "كَنَفَهُ": - بفتحتين - الجانب، أي: حَفِظَه.
1572 -
(2495) - (4/ 657 - 656) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن غَنْمٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُه فَسَلُونِي الهُدَى أَهْدِكُمْ، وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أَرْزُقْكُمْ، وَكُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ عَافَيْتُ، فَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى المَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلا أُبَالِي، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيكُّمْ وَمَيِّتكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَشْقَى قَلْب عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فسَأَلَ كُلُّ إِنسَانٍ مِنْكُمْ مَا بَلغَتْ أُمْنِيَّتُهُ فأَعْطيْتُ كُلَّ سَائِلٍ مِنْكُمْ مَا سَأَلَ مَا نَقصَ ذلِكَ مِنْ
مُلْكِي إِلَّا كمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِالبَحْرِ فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمَّ رَفَعَهَا إِلَيْهِ، ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَّادٌ مَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ، عَطَائِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ: كُنْ، فَيَكُونُ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبٍ، عَنْ مَعْدِي كَرِبَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
• قوله: "كلُّكُمْ ضَالٌّ"، أي: عارٍ عن الهِدَاية ليس له هدايةٌ من ذاتِه بل هي له من عِنايَةِ ربِّه ولُطْفِه به، وهذا لا يُنافي حديث "كُلُّ مَولوْدٍ يُوْلَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ"
(1)
بحيث يكون خاليًا عن دَواعِي الضَّلالةِ.
• قوله: "عَلَى أَشْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا نَقَصَ دلِكَ مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ"
(2)
.
1573 -
(2496) - (4/ 657 - 658) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْن مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيِّ، عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكثَرَ مِنْ ذَلِكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "كانَ الكِفْلُ مِنْ بني إسرائيل لا تتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ أَرْعَدَتْ وَبَكَتْ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ أَأَكْرَهْتُكِ؟ قَالَتْ: لا وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلَّا الحَاجَةُ، فَقَالَ: تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا
(1)
راجع: مشكاة المصابيح: 1/ 90.
(2)
كذا في المخطوط، ولم يذكر له شرح.
فَعَلْتِهِ؟ اذْهَبِي فَهِيَ لَكِ، وَقَالَ: لَا وَاللهِ لا أَعْصِي الله بَعْدَهَا أَبَدًا، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ، إِنَّ الله قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَاه شَيْبَانُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الأَعْمَشِ نَحْوَ هَذَا وَرَفَعُوه، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنِ الأعْمَشِ فَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الأعْمَشِ فَأَخْطَأَ فِيهِ، وَقَالَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ هُوَ كُوفِيٌّ، وَكَانَتْ جَدَّتُهُ سُرِّيَّةً لِعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ، وَرَوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيِّ عُبَيْدَة الضَّبِّيُّ، وَالحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كبَارِ أَهْلِ العِلْمِ.
• قوله: "حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ"، أي: لمَّا حدَّث ولكن سمِعْتُه أكثرَ من ذلك فعرفتُ بكثرةِ سماعِه منه أنَّه كان يَهْتَمُّ به.
• قوله: "عَمِلَهُ"، أي: أراد أن يَعْملَه.
[بَابٌ]
1574 -
(2498) - (4/ 659) حَدَّثَنَا فَطَار، وقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "للهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضٍ دَوِيَّةٍ مُهْلِكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ المَوْتُ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالنُّعْمَانِ بْن بَشِيرٍ، وَأَنَسِ بْن مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "أفْرَحُ"، أي: أرْضَى.
• قوله: "دَوِيَّةٍ مُهْلِكَةٍ": نَعْتُ أرضٍ.
[بَابٌ]
1575 -
(2500) - (4/ 659 - 660) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وفي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ الكَعْبِيِّ الخُزَاعِيِّ وَاسْمُهُ: خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو.
• قوله: "أَوْ لِيَصْمُتْ": كنَصر، أي: ليَسْكُت.
بَابُ حَدِيْث هَنَّاد عَنْ عَائِشَةَ
1576 -
(2502) - (4/ 660) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلِيِّ بْن الأقْمَرِ، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ، - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ - عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا فَقَالَ: "مَا يَسُرُّنِي أنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا"، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ، وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا كَأَنَّهَا تَعْنِى قَصِيرَةً، فَقَالَ:"لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ البَحْرِ لَمُزِجَ".
1577 -
(2503) - (4/ 660 - 661) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْن الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ أَحَدًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو حُذَيْفَةَ هُوَ كُوفِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَيُقَالُ اسْمُهُ: سَلَمَةُ بْنُ صُهَيْبَةَ.
• قوله: "أَنِّي حَكَيْتُ أَحَدًا"، أي: فعلتُ مثلَ فعله تحقيرًا له، يقال: حكَاه وحَاكاه، وأكثرَ ما يُستَعمل في القَبيح المُحاكاةُ.
• وقوله: "وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا": عطفٌ على "أنَّيْ حَكَيْتُ" على معنى الجمع بين الحِكَاية وحصولِ كذا، أو حالٌ، أي: لا أحبُّ الحِكايةَ والحالُ أنْ يكونَ لي بسببها كذا وكذا من الدُّنْيا فكيف أحِبُّها بدون ذلك؟
• وقوله: "وأنَّ لِيْ كَذَا": وودَ مووِدَ العادةِ والعُرْف؛ لأنَّ الإنسانَ في العادةِ يُحِبُّ حصولَ المنافع الدُّنِيْويَّة فيُحِبُّ بعضَ الأشياء ليتوصَّل به إلى منافِعه، وأمَّا بالنَّظر إليه صلى الله تعالى عليه وسلم فالدُّنيا في نفسها غير مَحْبُوبةٍ فكيف يحبُّ الدُّنيا المكروةَ لأجلها.
• قوله: "مَزَحْتِ"
(1)
: بالحاء المُهْمَلة.
• وقوله: "لَمُزِجَ": - بالجيم - أي: خُلِط. أي: لو صارَ الماءُ مخلوطًا بِها.
(1)
في نسخة الترمذي لأحمد شاكر "مَزَجِتِ" كما في متن الحديث.
بَابُ حَدِيْثِ عُمَرَ بْن إسْمَاعِيلَ عَنْ وَاثِلَةَ بْن الأَسْقَعِ
1578 -
(2506) - (4/ 662) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْن مُجَالِدٍ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْن غِيَاثٍ.
(ح)، قَالَ: وأَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ القَاسِمِ الحَذَّاءُ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ بُرْدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بْن الأسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللهُ وَيَبْتَلِيكَ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَمَكْحُولٌ قَدْ سَمِعَ مِنْ وَاثِلَةَ بْن الأَسْقَعِ، وَأَنَسِ بْن مَالِكٍ، وَأَبِي هِنْدٍ الدَّارِيِّ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مِنْ هَؤُلاءِ الثَّلَاثَةِ، وَمَكْحُولٌ شَامِيٌّ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللهِ وَكَانَ عَبْدًا فَأُعتِقَ، ومكْحُولٌ الأزْدِيُّ بَصْرِيٌّ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، يَرْوِي عَنْهُ عُمَارَة بْنُ زَاذَانَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ تَمِيمِ بْن عَطِيَّةَ، قَالَ: كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ مَكْحُولًا يُسْأَلُ فَيَقُولُ: "نَدَانَمْ".
• قوله: "فَيَرْحَمَهُ": - بالنَّصب - على جوابِ النَّهْي، وما بعدَه عطفٌ عليه.
• قوله: "نَدَانَمْ": في نسخةٍ معناه: لا أدري.
بَابُ حَدِيْثِ أبِي مُوْسَى مُحَمَّدِ بْن المُثَنَّى عَنْ شَيْخٍ مِنْ أصْحَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
1579 -
(2510) - (4/ 664) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكيعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَرْبِ بْن شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ يَعِيشَ بْن الوَليدِ، أَنَّ مَوْلًى لِلزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ، أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ حَدَّثَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ: الحَسَدُ، وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنبِّئُكُمْ بِمَا وينْبِتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ، فَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ يَعِيشَ بْن الوَليدِ، عَنْ مَوْلَى الزُّبَيْرِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ.
• قوله: "دَبَّ فِيْكُمْ"، أي: صارَ فيكم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ.
بَابُ حَدِيْثِ عَلِيِّ بْن حُجْرِ عَنْ أَبى بَكْرَةَ
1580 -
(2511) - (4/ 664 - 665) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُيَيْنةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ لِصَاحِبِهِ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ البَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ". قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مِنَ البَغْي": أصلُ البَغْي مُجَاوَزة الحدِّ، يُطْلق على الخُروج على الإمامِ بشَبْهَةٍ، وعلى الزِّنا والفسادِ في الأرض.
1581 -
(2513) - (4/ 665 - 666) حَدَّثَنَا أَبُو كريْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ عَنِ الأعْمَشَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَل منْكُمْ، وَلا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ": الازْدِراءُ: الاحتقارُ والانتقاصُ والعيبُ، أفتعالٌ من زَرَيْتَ عليه عبتَ، قُلِّبَتِ التاءُ دالًا.
بَابُ حَدِيْثِ بشْر بْن هِلَالِ عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ
1582 -
(2514) - (4/ 666 - 667 - ) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيْرِيِّ، قَالَ:
(ح)، وحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيْرِيِّ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ عَنْ أَبِي عُتمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيَ، - وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَرَّ بِأبِي بَكرٍ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ، نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى الأزْوَاجِ وَالضَّيْعَةِ نَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ: فَوَ اللهِ إِنَّا لَكَذَلِكَ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقْنَا، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَا لَكَ يَا حَنْظَلَةُ"؟ قَالَ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ! نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا رَجَعْنَا عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالضَّيْعَةَ وَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ المَلائِكَةُ فِي مَجَالِسِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ، وَعَلَى فُرُشِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً وَسَاعَةً وَسَامحَةً".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "رَأْيَ عَيْنٍ
…
" إلخ، أو كأنَّا ذَوُوْا رأيَ عينٍ منهما.
[بَابٌ]
1583 -
(2517) - (4/ 668) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا المُغِيرَة بْنُ أَبِي قُرَّةَ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ:"اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ".
قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: قَالَ يَحْيَى: وَهَذَا عِنْدِي حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا.
• قوله: "اعْقِلْهَا"، أي: النَّاقةَ، وذلك أن حقيقةَ التَوكُّل لا تُناقضُ بالنَّظر في الأسْباب بعدَ معرفةِ أن المؤثِّر هو الله، فأمَّا التَّفويضُ بقَطْع الأسبابِ فلا يَقْدر عليه البَشر وإنَّما هو لآحادٍ من الخَلْق وقليل ما هم، وقد كان النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلَّم يعمل بالأسباب سنَّةً للخلق وتطييبًا لنُفُوْسِهم، وإلا فمَنْزلتُه أعظم من مريمَ ولكنَّه صلى الله عليه وسلم بُعِث صلاحًا للدُّنْيا والدِّين ومقيمًا لقانونيهما. ذكره القاضي
(1)
.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 9/ 235.
[كتَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الجَنَّةِ [وَنَعِيمِهَا]
1584 -
(2526) - (4/ 672 - 673) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ زِيَادٍ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: مَا لنَا إِذَا كنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَزَهِدْنَا فِي الدُّنْيَا، وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ، فَإذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ فَآنَسْنَا أَهَالِينَا، وَشَمَمْنَا أَوْلادَنَا أَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ إِذا خَرَجْتمْ مِنْ عِندِي كُنْتُمْ عَلى حَالِكُمْ ذَلِكَ لَزَارَتْكُمُ المَلَائِكَةُ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللهُ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ كَيْ يُذْنِبُوا فَيَغْفِرَ لَهُمْ"، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ؟ قَالَ: "مِنَ المَاءِ"، قُلْنَا: الْجَنَّةُ مَا بِنَاءهَا؟ قَالَ: "لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَاليَاقُوتُ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ وَلا يَبْأَسُ، وَيَخْلُدُ وَلا يَمُوتُ، لا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ، وَلا يَفْنَى شَبَابُهُمْ"، ثُمَّ قَالَ: ثَلَاثٌ لا تُرَدُّ دَعْوتُهُمْ، الإِمَامُ العَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَة المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عز وجل: وَعِزَّتِي لأنصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُه بِذَاكَ القَوِيِّ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ أَبِي مُدِلَّةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• "لَجَاءَ اللهُ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ": إذِ الخَلْق مَظَاهِر للصِّفاتِ الإلهيةِ أفلا بُدَّ فيهم من صفةِ المَغْفرة، ولا يكونُ مَظْهَرُها إلا المُذْنِبُ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ غُرَفِ الجَنَّةِ
1585 -
(2527) - (4/ 673) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْن سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُوارِهَا" فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى للهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاقَ هَذَا مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَهُوَ كُوفِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ مَدَنِيٌّ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا.
• قوله: "وَأَدَامَ الصِّيَامَ"، أي: أتَى به على الوَجْه المَسْنون ولم يُرِدْ صومَ الدَّهْر. والله تعالى أعلم.
1586 -
(2528) - (4/ 673 - 674) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ أَبُو عَبْد الصَّمَدِ العَمِّيُّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ فِي الجَنَّةِ جَنَّتَيْنِ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ فِضَّةٍ، وَجَنَّتَيْنِ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ".
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ اسْمُهُ: عَبْدُ المَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ. وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لا يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَأَبُو مُوسَى الَأْشْعَرِيُّ اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ، وَأَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ اسْمُهُ: سَعْدُ بْنُ طَارِقِ بْن أَشْيَمَ.
• قوله: "وَمَا بَيْنَ القَوْمِ
…
" إلخ، كأنَّه كِنايةٌ عن كمالِ قُرْب أهل جنَّةِ عَدْنٍ من اللهِ تعالى.
• وقوله: "فِي جَنَّةِ عَدْنٍ": خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: ولذلك القُرْب في جنَّةِ عَدْنٍ.
1587 -
(2529) - (4/ 674) حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فِي الجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ"، أي: بحَسْب الارْتفَاع.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ دَرَجَاتِ الجَنَّةِ]
1588 -
(2530) - (4/ 675). حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ البَصْرِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنْ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْن يَسَارٍ، عَنْ مُعَاذِ بْن جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ، وَحَجَّ البَيْتَ - لَا أَدْرِي أَذَكَرَ الزَّكَاةَ أَمْ لَا - إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ إِنْ هَاجَرَ فِي سَبِيل اللهِ، أَوْ مَكَثَ بِأَرْضِهِ الَّتِي وُلدَ بِهَا"، قَالَ مُعَاذٌ: أَلَا أُخْبِرُ بِهَذَا النَّاسَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ذَرِ النَّاسَ يَعْمَلُونَ فَإِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَالفِرْدَوْسُ أَعْلَى الجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا، وَفَوْقَ ذَلِكَ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهَا تُفْجَرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ الله فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَكَذَا رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ هِشَامِ بْن سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْن يَسَارٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ، وَعَطَاءٌ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذَ بْن جَبَلٍ، وَمُعَاذ قَدِيمُ المَوْتِ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ.
• قوله: "مَنْ صَامَ": كلمةُ "مَنْ" استفهاميةٌ تُفيد معنى الإنْكار والنَّفْي فرجع إلى معنى: ما من أحدٍ صام فصحَّ الاستثناءُ. ويمكن أنْ تُجْعَل "مَنْ" شَرْطِيَّةً أو موصولةً، ويقدَّر قبل الاستثناء نفيٌ، أي: ليس كان إلا حقًّا. والحاصلُ: أن الاستثناءَ من الإثبات لا يصِحُّ في هذا المقام فلا بدَّ من اعتبار النَّفْي في الكلام بوجه.
• وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "ذَرِ النَّاسَ": يقتضي أنْ لا يُخْبِرَهم بِهذا الخبر، وكأنَّ العُموماتِ الواردةَ بعموم التَّبليغ كانَتْ بعد هذا الحديثِ، فيحمل معاذٌ تلك العُموماتِ على أنَّها نَاسِخَةٌ لحكم هذا الحديثِ فأخبر به لذلك، ولا يلزمُ أنْ يكونَ مذهبُ مُعاذٍ يخَصِّصُ العمومَ المتأخِّر بالخُصوصِ المتَقَدِّم، بل يجوزُ أن يكونَ مذهبُه نسخُ الخُصوص المتَقَدِّم بالعموم المتأخِّر فلا يَتِمُّ الاعتراضُ عليه بالنَّظر إلى مذهبِ مَنْ يُقدِّم الخصوصَ على العمومِ أصلًا كما لا يخفى.
• وقوله: "يَعْمَلُوْنَ": أي: أزْيَد مِمَّا ذُكِر في الحديث من الأعمال ولا يَقْتَصِرون على المذكوراتِ ثِقَةً بِهذا الحديثِ.
• وقوله: "فإنَّ الْجَنَّةَ": تعليلٌ لتَرْكِهم عامِلِيْن، وحاصلُه: أن نيلَ تلك الدَّرَجات بالأعمال، فَتَرْكُهُمْ عاملين لينالوا تلك الدَّرَجاتِ أولى من إخبارهم بِهذا الخَبر المُفْضِي لهم إلى تَرْكِ الأعمالِ على وجهِ الاحتمالِ. والله تعالى أعلم.
بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ نِسَاءِ أَهْل الجَنَّةِ
1589 -
(2533) - (4/ 676) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا فَرْوَة بْنُ أَبِي المَغْرَاءِ، أَخْبَرَنَا عَبِيدَة بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ، عَنْ عَمْرِو بْن مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إِنَّ المَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ لَيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً حَتَّى يُرَى مُخُّهَا، وَذَلِكَ بِأَنَّ الله يَقُولُ:{كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ}
(1)
فَأَمَّا اليَاقُوتُ فَإِنَّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكًا ثُمَّ اسْتَصْفَيْتَهُ لأُرِيتَهُ مِنْ وَرَائِهِ".
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبِيدَة بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ، عَنْ عَمْرِو بْن مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
• قوله: "وَذَلِكَ بِأَنَّ الله يَقُولُ
…
" إلخ، أي: عِلْمُ ذلك حاصلٌ بأنَّ الله أخْبَر بما يَقْتَضِي ذلك.
(1)
الرحمن: 58.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ جِمَاعِ أَهْلِ الجَنَّةِ
1590 -
(2536) - (4/ 677) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنْ بَشَّارٍ، وَمَحْمُودُ بْن غَيْلَانَ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ عِمْرَانَ القَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يُعْطَى المُؤْمِنُ فِي الجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الجِمَاعِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوَ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ".
وَفِي البَابِ عَنْ زَيْدِ بْن أَرْقَمَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ القَطَّانِ.
• قوله: "قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ": كأنَّ هذا السُّؤالَ منهم مَنْبِيٌّ على حَمْلِهم القوَّة أوَّلا على الشَّهْوة، أي: أن نفوسَهم تشتَهي من الجِماع كذا وكذا، وأنَّ الله تعالى يُعْطِيْهم ذلك الشَّيءَ، فسألوا أنَّهم هل يَقْدِرُوْن على ذلك القَدْر من الجِماع؟ فأجيبوا ببيان أنَّهم يُعْطَوْنَ القُدْرَةَ على ذلك القَدْر أيضًا. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَهْل الجَنَّةِ
1591 -
(2537) - (4/ 678) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْن مُنبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلا يَمْخُطُونَ وَلا تتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمْ مِنَ الألُوَّةِ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَلكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الحُسْنِ لا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُسَبِّحُونَ الله بُكْرَةً وَعَشِيًّا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• وَ "الأُلُوَّةُ": هُوَ العُودُ.
• قوله: "تَلِجُ": من الوُلُوْج الدُّخُول.
• قوله: "آنِيَتُهُمْ فِيهَا": في الجنَّة.
• قوله: و "الأُلُوَّة": - بفتح الهَمْزة ويجوزُ ضَمُّها، وضمِّ اللَّام وتَشديدِ الوَاو - وهو العُوْدُ الذي يُتَبَخَّرُ به.
• "وَرَشْحُهُمْ": - بفتحتين - أي: عَرْقُهم.
• قوله: "يُسَبِّحُوْنَ": لا بالتَّكليفِ بل بالطَّبْع كتَسبيح الملائكةِ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ ثِيَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ
1592 -
(2539) - (4/ 679) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرٍ الأَحْوَلِ، عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَهْلُ الجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كحْلٌ لا يَفْنَى شَبَابُهُمْ وَلا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "كَحْلى"
(1)
: هو جمعُ كَحِيْلٍ كقَتْلَى في جمع قَتِيلٍ.
(1)
هكذا في المخطوط، وفي نسخة الترمذي لأحمد شاكر كما في المتن.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ ثِمَارِ أَهْل الجَنَّةِ
1593 -
(2541) - (4/ 680) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْن بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْن عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُوْلُ وَذُكِرَ لَهُ سِدْرَة الْمُنْتَهَى، قَالَ:"يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّ الفَنَنِ مِنْهَا مِائَةَ سَنَةٍ، أَوْ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا مِائَةُ رَاكِبٍ - شَكَّ يَحْيَى - فِيهَا فَرَاشُ الذَّهَبِ كَأَنَّ ثَمَرَهَا الْقِلَالُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "كَأنَّ ثِمَارَهَا الْقِلَالُ": - بكَسْر القافِ - جمعُ قُلَّةٍ - بضمِّها - وهي جرَّةٌ عظيمةُ تَسَعُ قِرْبتَيْن أو أكثر. فإن قلتَ: هذا الحديثُ في صفةِ ثَمْرةِ سِدْرةِ المنتهى، فأيُّ تَعَلُّقٍ له بثمار الجنَّة حتى ذكره المصنف في الباب؟ قلتُ: ثمارُها مثل ثمار السِّدْرةِ. والله تعالى أعلم.
• قوله: "فِي ظِلِّ الفَنَنِ": هو غصنُ الشَّجرةِ.
• قوله: "فِيهَا فَرَاشُ الذَّهَبِ": الفَراش - بفتح فاءٍ وخِفَّةِ وَاءٍ - طائرٌ يَقَعُ في السِّراجِ، والمرادُ أنَّه يَغْشَاها فَراشٌ من ذَهَبٍ، وهو تفسيرٌ لما يغشى في قوله تعالى:{إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}
(1)
قيل: لعلَّه مَثل ما يغشاهَا من الأنْوار بفَراشٍ من ذهبٍ لصَفائِها.
(1)
النجم: 16.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ طَيْرِ الجَنَّة]
1594 -
(2542) - (4/ 680 - 681) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا الكَوْثَرُ؟ قَالَ: "ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللهُ - يَعْنِي فِي الجَنَّةِ - أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ، فِيهَا طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كأَعْنَاقِ الجُزُرِ"، قَالَ عُمَرُ: إِنَّ هَذِهِ لنَاعِمَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَكلَتُهَا أَحْسَنُ مِنْهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن مُسْلِمٍ هُوَ: ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمٍ قَدْ رَوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بْن مَالِكٍ.
• قوله: "الجُزُرِ": - بضمَّتَيْن - جمعُ جَزُوْر: وهو البَعير ذكرًا كان أو أنثى.
• "والْأَكَلَةُ": - بفتحاتٍ - جمعُ آكلٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ خَيْلِ الجَنَّةِ
1595 -
(2543) - (4/ 681 - 682) حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا المَسْعُودِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْن مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن يَزِيْدَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ فِي الجَنَّةِ مِنْ خَيْلٍ؟ قَالَ: "إِنِ اللهُ أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ فَلا تَشَاءُ أَنْ تُحْمَلَ فِيهَا عَلَى فَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ يَطِيرُ بِكَ فِي الجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتَ"، قَالَ: وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ فِي الجَنَّةِ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: فَلَمْ يَقل لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِصَاحِبِهِ قَالَ: "إِنْ يُدْخِلْكَ اللهُ الجَنَّةَ يَكُنْ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ".
حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْن المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْن مَرْثَدٍ، عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَابِطٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاه، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ المَسْعُودِيِّ.
• قوله: "إِنِ اللهُ": - بكَسْر الهمزةِ - شَرْطِيَّةٌ.
• وقوله: "فَلا تَشَاءُ": نَفْي، والاستثناءُ مقدَّرٌ في الكلام، أي: إن لا أفعلُ بك.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَبْوَابِ الجَنَّةِ
1596 -
(2548) - (4/ 684 - 685) حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى القَزَّازُ عَنْ خَالِدِ بْن أَبِي بَكْرٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَابُ أُمَّتِي الَّذِي يَدْخُلُونَ مِنْهُ الجَنَّةَ عَرْضُهُ مَسِيرَةُ الرَّاكِبِ الجَوادِ ثَلاثًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَيُضْغَطُونَ عَلَيْهِ حَتَّى تَكَادَ مَنَاكبُهُمْ تَزُولُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وقَالَ: لِخَالِدِ بْن أَبِي بَكْرٍ مَنَاكيرُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ.
• قوله: "الجَوَّادُ": يقالُ: أجَادَ وأجْودَ، أي: صارَ ذَا جُودٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي سُوقِ الجَنَّةِ
1597 -
(2549) - (4/ 685 - 686) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ حَبيب بْن أَبي العِشْرينَ، حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيُّ، حَدَّثنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّب، أَنَّهُ لقِيَ أبَا هُرَيْرَةَ فقال أبُو هُرَيْرَةَ: أسْأَلُ الله أنْ يَجْمَعَ بَيْني وَبَيْنَك فِي سُوقِ الجَنَّةِ، فقال سَعِيدٌ: أفِيهَا سُوقٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ، ثُمَّ يُؤْذَنُ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامٍ الدُّنْيَا فَيَزُورُونَ رَبَّهُمْ، وَيُبْرِزُ لَهُمْ عَرْشَهُ وَيَتَبَدَّى لَهُمْ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، فتُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ فِضَّةٍ، وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ وَمَا فِيهِمْ مِنْ دَنِيٍّ عَلَى كُثْبَانِ المِسْكِ وَالكَافُورِ، وَمَا يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَرَاسِيِّ بِأَفْضَلَ مِنْهُمْ مَجْلِسًا"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَهَلْ نَرَى رَبَّنَا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ:"هَلْ تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ"؟ قُلْنَا: لا. قَالَ: "كَذَلِكَ لا تَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ وَلا يَبْقَى فِي ذَلِكَ المَجْلِسِ رَجُل إِلَّا حَاصَرَه اللهُ مُحَاصَرَةً حَتَّى يَقُولَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ: يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ أَتَذْكُرُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيُذَكِّرُ بِبَعْضِ غَدْرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَسَعَةُ مَغْفِرَتِي بَلَغَتْ بِكَ مَنْزِلتَكَ هَذِهِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ غَشِيَتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ طِيبًا لَمْ يَجِدُوا مِثْلَ رِيحِهِ شَيْئًا قَطُّ، وَيَقُولُ رَبُّنَا تبارك وتعالى: قُومُوا إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الكَرَامَةِ فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ، فَنَأْتِي سُوقًا قَدْ حَفَّتْ بِهِ المَلَائِكَةُ، فِيهِ مَا لَمْ تَنْظُرِ العُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ، وَلَمْ تَسْمَعِ الآذَانُ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى القُلُوب فَيُحْمَلُ لنَا مَا اشْتَهَيْنَا، لَيْسَ يُبَاعُ فِيهَا وَلا يُشْتَرَى، وَفِي ذَلِكَ السُّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا"، قَالَ:
"فَيُقْبِلُ الرَّجُلُ ذُو المَنْزِلَةِ المُرْتَفِعَةِ فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ فَيَرُوعَهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاس، فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى تتَخَيَّلَ إلَيْهِ مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ أنْ يَحْزَنَ فِيهَا، ثمَّ نَنْصَرِفُ إِلى مَنَازِلنَا، فيَتَلقَّانَا أزْوَاجُنَا فيَقُلْنَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا، لَقَدْ جِئْتَ وَإِنَّ بكَ مِنَ الجَمَالِ أَفْضَلَ مِمَّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: إِنَّا جَالَسْنَا اليَوْمَ رَبَّنَا الجَبَّارَ، وَبِحِقِّنَا أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَد رَوَى سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو عَنِ الأوْزَاعِيِّ شَيْئًا مِنْ هَذَا الحَدِيثِ.
• قوله: "نَزَلُوا فِيْهَا"، أيْ: في الجنَّة في المنازل المُختَلفة وكلٌّ منهم ينزل في منزلِه بفَضْل عملِه.
• "وَيُبْرِزُ": من الإبْراز، أي: يظهر لهم عَرْشُه.
• وقوله: "وَيَتَبَدَّى"، أي: يظهر لهم.
• قوله: "فَيُذَكِّرُهُمْ": من التَّذكير.
• "بِبَعْضِ غَدَرَاتِهِ": - بفتحتين - جمعُ غُدْرَةٍ بمعنى الغَدْر بتَرْك وفائِه بالعَهْد بارْتِكَاب المَعَاصي.
• "وَقَدْ حَفَّتْ بِهِ المَلَائِكَةُ": روي بِها لأنَّ السُّوْقَ يُذكَّر ويُؤَنَّث، أي: أحْدَقُوا وطافُوْا بجوانب السُّوْقِ.
• وقوله: "مَا لَمْ تَنْظُرِ الْعُيُوْنُ": بدلٌ "مِمَّا أعْدَدْتُ"، أو "مِنْ سُوْقٍ".
• قوله: "فَيَرُوْعُهُ": كأنَّ المرادَ به ما هو مَبادئ الحُزْن من وَسْوَسَةِ الصَّدْر وحديثِ النَّفْس من غير أن يَتَرتَّبَ عليه حزنٌ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الرَّبِّ [تبارك وتعالى]
1598 -
(2551) - (4/ 687) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْن أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، قَالَ: كنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقَالَ:"إِنَّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ فتروْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ لا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا"، ثم قرأ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}
(1)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لا تُضَامُونَ": رُوِي بتَشديدِ المِيم مع ضمَّ التَّاء وفَتْحِها من المُفاعَلة أو التَّفاعُل، أي: لا ينضَمُّ بعضُكم إلى بعضٍ، ولا تَزْدَحِمُون وقتَ النَّظر. وبتَخْفِيْفها، أي: لا ينالُكم ضَيْمٌ وظلمٌ في رؤيته فيَراه بعضٌ دونَ بعضٍ.
• وقوله: "أَنْ لا تُغْلَبُوا": على بناءِ المفعول، أي: لا يَغْلِبُك الهَوى والشَّيطانُ فيؤدِّيْكم إلى التَّرْك، وفيه إشارةٌ إلى أن هاتَيْن الصَّلاتَيْن هُما زيادةُ اخْتِصَاصٍ بأمر الرُّؤيةِ. والله تعالى أعلم.
1599 -
(2552) - (4/ 687 - 688) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلهِ:
(1)
طه:130.
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}
(1)
قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ مَوْعِدًا، قَالُوا: أَلمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَيُنَجِّيْنَا مِنَ النَّارِ وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ؟ قَالُوا: بَلَى، فَيَنْكَشِفُ الْحِجَابُ، قَالَ: فَوَ اللهِ مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا أَسْنَدَه حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَرَفَعَهُ، وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى قَوْلَهُ.
• قوله: "وَتُنْجِيْنَا": بإثباتِ اليِاء مع الجَازم، ويُحْملُ على أنَّها ياءُ الإشباع، أو على الجرِّ المُعْتَلِّ مَجْرى الصَّحيحِ. وقد قيل بذلك في قراءة:"إنَّه مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرْ" على، إثباتِ اليَاء وجزم يَصْبِرْ.
(1)
يونس: 26.
[بَابٌ مِنْهُ]
1600 -
(2553) - (4/ 688) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي شَبَابَةُ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ ثُوَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللهِ مَنْ يَنْظر إِلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً"، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
(1)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَرَوَى عُبَيْدُ اللهِ الأشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَوْلَهُ "وَلَمْ يَرْفَعْهُ"، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ الأشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَه وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
• قوله: "لِمَنْ يَنْظُرُ": بفَتْح اللام.
• "وَجِنَانِهِ": - بكَسْر الجِيْم - جمعُ جَنَّةٍ، أي: بَسَاتِيْنُه، وضميرُ.
• "وَجْهِه" يَرْجعُ إلى اللهِ تعالى.
(1)
القيامة: 22 - 23.
بَابُ مَا جَاءَ فِي خُلُودِ أَهْل الجَنَّةِ [وَأَهْل النَّارِ]
1601 -
(2557) - (4/ 691 - 692) حَدثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ العَالَمِينَ، فَيَقُولُ: أَلا يَتْبَعُ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَه، فَيُمَثَّلُ لِصَاحِبِ الصَّلِيبِ صَلِيبُهُ، وَلصَاحِبِ التَّصَاوِيرِ تَصَاوِيرُهُ، وَلصَاحِبِ النَّارِ نَارُه، فَيَتْبَعُونَ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَيَبْقَى المُسْلِمُونَ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ العَالَمِينَ، فَيَقُولُ: أَلا تَتَّبِعُونَ النَّاسَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، اللهُ رَبُّنَا، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى نَرَى رَبَّنَا وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ وَيُثَبِّتُهُمْ، ثُمَّ يَتَوَارَى ثُمَّ يَطَّلِعُ فَيَقُولُ: أَلَا تتَّبِعُونَ النَّاسَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، اللهُ رَبُّنَا، وَهَذَا مَكَانُنَا حَتَّى نَرَى رَبُّنَا وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ وَيُثِّبَتُهُمْ"، قَالُوا: وَهَلْ نَرَاهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ"؟ قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَإِنَّكُمْ لا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ تِلْكَ السَّاعَةَ، ثُمَّ تتَوَارَى ثُمَّ يَطَّلِعُ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: أَلا رَبُّكُمْ فَاتَّبِعُونِي، فَيَقُومُ المُسْلِمُونَ وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ، فَيَمُرُّونَ عَلَيْهِ مِثْلَ جِيَادِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَقَوْلُهُمْ عَلَيْهِ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَيَبْقَى أَهْلُ النَّارِ فَيُطْرَحُ مِنْهُمْ فِيهَا فَوْجٌ، ثُمَّ يُقَالُ: هَلِ امْتَلأْتِ؟ فَتَقُولُ: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}
(1)
ثُمَّ يُطْرَحُ فِيهَا فَوْجٌ، فَيُقَالُ: هَلِ امْتَلأْتِ؟ فَتَقُولُ: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}
(2)
حَتَّى إِذَا أَوعَبُوا فِيهَا وَضَعَ الرَّحْمَنُ قَدَمَهُ فِيهَا وَأَزْوَى
(1)
سورة ق: 30.
(2)
سورة ق: 30.
بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: قَطْ، قَالَتْ: قَطْ قَطْ، فَإِذَا أَدْخَلَ اللهُ أَهْلَ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ، قَالَ: أُتِيَ بِالمَوْتِ مُلَبِّيًا، فَيُوقَفُ عَلَى السُّورِ الَّذِي بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ! فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ! فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ يَرْجُونَ الشَّفَاعَةَ، فَيُقَالُ لِأهْلِ الجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ: قَدْ عَرَفْنَاهُ، هُوَ المَوْتُ الَّذِي وُكِّلَ بِنَا، فَيُضْجَعُ فَيُذْبَحُ ذَبْحًا عَلَى السُّورِ الَّذِي بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ لا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لا مَوْتَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مِثْلُ هَذَا مَا يُذْكَرُ فِيهِ أَمْرُ الرُّؤْيَةِ أَنَّ النَّاسَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ، وَذِكرُ القَدَمِ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الأشْيَاءَ. وَالمَذْهَبُ فِي هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الأَئِمَّةِ مِثْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكِ بْن أَنَسِ، وَابْن المُبَارَكِ، وَابْن عُيَيْنَةَ، وَوَكيع وَغَيْرِهِمْ أَنَّهمْ رَوَوْا هَذِهِ الأَشْيَاءَ، ثمَّ قالوا: تُرْوَى هَذِهِ الأحَادِيث وَنُؤْمِنُ بِهَا، وَلا يُقَالُ: كيْفَ؟ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَه أَهْلُ الحَدِيثِ أَنْ تُرْوَى هَذِهِ الأشْيَاءُ كمَا جَاءَتْ وَيُؤْمَنُ بِهَا وَلا تُفَسَّرُ وَلا تُتَوَهَّمُ وَلا يُقَالُ: كيْفَ، وَهَذَا أَمْرُ أَهْلِ العِلْمِ الَّذِي اخْتَارُوه وَذَهَبُوا إِلَيْهِ. وَمَعْنَى قَوْلهِ فِي الحَدِيثِ: فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ يَعْنِي يَتَجَلَّى لَهُمْ.
• قوله: "أَلا تَتَّبِعُونَ"، أي: ألا تُرَافِقُونَ النَّاس في اتِّباع المَعْبودَاتِ.
• وقوله: "نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ"، أي: من ظَاهر قولِك، وإلا فالمرادُ هو التَثَبُّت على الحقِّ، وهذَا مَبْنِيٌّ منهم على عدم مَعْرفةِ القَائل به فلا إشكالَ والله تعالى أعلم بحقيقةِ الحَالِ.
• قوله: "حَتَّى إِذَا أُوعِبُوا فِيهَا": جُمِعُوا كلُّهم فيها.
• وقوله: "وَأَزْوَى"، أي: ضَمَّ وجمعَ من غايةِ الامْتلاءِ.
• وقوله: "قَطْ قَطْ": بسُكونِ الطَّاء، أي: حَسْبٌ، وتكريرُه للتَّأكيدِ.
• قوله: "فَيُضْجَعُ": قيلَ: ذلك شيءٌ يخلقه اللهُ تعالى عند ذَبْحِه، عِلمًا ضرُوْريًّا في قُلُوْبِهم أنَّه لا موتَ بعد ذلك، ولو شاءَ لخَلَقَ العلمَ من غير ذَبْح أيضًا لكن لا يُسْألُ عَمَّا يفعَلُ وإلا فالموتُ على تقدير فَرْض وشُبْهَة ذَبْحِه لا يُوْجِب ذَبْحَه ذلك العلمُ بعدَم المَوْت بعدَ ذلك لإمكانِ خَلْقِ مثلِه أو إعَادِتِه كما أعادَ المَوْتى المذبُوْحِيْن منهم وغيرَهم. والله تعالى أعلم.
• قوله: "وَلا يُفَسَّرُ وَلا يُتَوَهَّمُ"، أي: لا يُقَالُ: إنَّه خَطأ.
بَابُ مَا جَاءَ حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكارِهِ [وَحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَوَاتِ]
1602 -
(2559) - (4/ 693) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ، وَثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ صَحِيحٌ.
• قوله: "حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكَارِهِ"، أي: جَعَلَ اللهُ تحمُّل المَكاره قُدَّامَ الوُصُول إليها [من غير إطرافه]
(1)
فلا يَتَمَكَّنُ أحدٌ من الوُصُوْل إليها إلا بتحَمُّل تلكَ المَكاره.
1603 -
(2560) - (4/ 693 - 694) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَمَّا خَلَقَ اللهُ الجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الجَنَّةِ فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأهْلِهَا فِيهَا"، قَالَ:"فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللهُ لِأهْلِهَا فِيهَا"، قَالَ:"فَرَجَعَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَوَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالمَكَارِهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأهْلِهَا فِيهَا"، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأهْلِهَا فِيهَا،
(1)
كذا في المخطوط، والظاهر أن هذه العبارة لا تلائم السياق.
فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ. . ." إلخ، المقصودُ بيانُ أنَّها لكِمَال حُسْنِها تُحَبِّبُ الطِّباعَ والنُّفوسَ إليها فأيُّ أحدٍ لا يَجتهِدُ في دُخُوْلِها؟ وليسَ المرادُ به حقيقة اللَّفْظ حتى يَلْزم الكَذِبُ وعلى هذا قِيَاسُ باقي الكَلِمَاتِ. والله تعالى أعلم.
• وقوله: "لا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ"، أي: لا يُرِيْد ولا يقصدُ أحدٌ النَّجَاة منها إلا يَدْخُلها، أو الاستثناءُ منقطعٌ، أي: لكن يَدْخُلها. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي احْتِجَاجِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ
1604 -
(2561) - (4/ 694) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَة بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "احْتَجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ الجَنَّةُ: يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالمَسَاكِينُ، وَقَالَتِ النَّارُ: يَدْخُلُنِي الجَبَّارُونَ وَالمُتَكَبِّرُونَ، فَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أَنْتَقِمُ بِكِ مِمَّنْ شِئْتُ، وَقَالَ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ شِئْتُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "يَدْخُلُني الضُّعَفَاءُ"، أي: وهم الأحِبَّاء فأَنَا دارُ الأحِبَّاء، فأجَابَتِ النَّارُ: بأنِّي يُعَذَّبُ بي الأعْدَاءُ، فقطع اللهُ الاخْتِصَامَ بينَهما باسْتِنَاد الكلِّ إليه. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ مَا لِأدْنَى أَهْل الجَنَّةِ مِنَ الكَرَامَةِ
1605 -
(2563) - (4/ 695 - 696) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَامِرٍ الأحْوَلِ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "المُؤْمِنُ إِذَا اشْتَهَى الوَلَدَ فِي الجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي هَذَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الجَنَّةِ جِمَاعٌ وَلا يَكُونُ وَلَدٌ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وقَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اشْتَهَى المُؤْمِنُ الوَلَدَ فِي الجَنَّةِ كَانَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كمَا يَشْتَهِي وَلَكِنْ لا يَشْتَهِي"، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ العُقَيْلِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لا يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ". وَأَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِيُّ اسْمُهُ: بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ: بَكْرُ بْنُ قَيْسٍ أيضًا.
• قوله: "وَلَكِنْ لا يَشْتَهِي": يعنى هو على الفَرْض والتَّقدير، فَكَلِمةُ "إذَا" وُضِعَتْ موضعَ "لَوْ" المفيدة للفَرْض. والله تعالى أعلم.
1606 -
(2568) - (4/ 698) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْن المُعْتَمِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ، يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْن ظَبْيَانَ، يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ، وَثَلَاثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللهُ، فَأَمَّا الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ، فرَجُلٌ أَتَى قوْمًا فسَأَلَهُمْ بِاللهِ وَلمْ يَسْألهُمْ بِقرَابَةٍ بَيْنَه وَبَيْنهمْ فمَنعوه،
فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْيَانِهِمْ فَأَعْطَاه سِرًّا لا يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلَّا اللهُ وَالَّذِي أَعْطَاهُ، وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ نَزَلُوا فَوَضَعُوا رُؤُوْسَهُمْ، فَقَامَ أَحَدُهُمْ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقِيَ العَدُوَّ فَهُزِمُوا وَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لَهُ، وَالثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللهُ: الشَّيْخُ الزَّانِي، وَالفَقِيرُ المُخْتَالُ، وَالغَنِيُّ الظَّلُومُ". حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْن شُمَيْلٍ عَنْ شُعْبَةَ نَحْوَهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث صَحِيحٌ. وَهَكَذَا رَوَى شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ نَحْوَ هَذَا، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْن عَيَّاشٍ.
• قوله: "فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْيَانِهِمْ"، أي: بأشْخَاصِهم، والأعْيانُ الأشخاصُ، والمعنى: تركَ القومَ المسؤولَ عنهم خَلْفه وتقدَّم فأعطاه سِرًّا. انتهى.
• قوله: "يَتَمَلَّقُنِي": من المَلَق - بفتحتين - وهو زِيادَةُ التَّوَدُّدِ في الدُّعَاء والتَّضرُّع فوقَ ما ينبغي.
[كتَابُ صِفَةِ جَهَنَّمَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ قَعْرِ جَهَنَّمَ
1607 -
(2576) - (4/ 703) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُوسَى عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ الكَافِرُ سَبْعِينَ خَرِيفًا وَيَهْوِي فِيهِ كَذَلِكَ مِنْهِ أَبَدًا".
قَال أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ.
• قوله: "الصَّعُودُ"، أي: المذْكُوْر في قوله: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}
(1)
(1)
المدثر: 17.
بَابُ مَا جَاءَ فِي عِظَمِ أَهْلِ النَّارِ
1608 -
(2578) - (4/ 703 - 704) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَني جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ، وَصَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَعلَّمَ: "ضِرْسُ الكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ البَيْضَاءِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَسِيرَة ثَلَاثٍ مِثْلَ الرَّبَذَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَمِثْلُ الرَّبَذَةِ كَمَا بَيْنَ المَدِينَةِ وَالرَّبَذَةِ. وَالبَيْضَاءُ: جَبَل مِثْلُ أحدٍ.
• قوله: "مِثْلُ الرَّبَذَةِ": بلدٌ، كأنَّ المرادَ به. وبما وردَ أنَّه ما بينَ مكةَّ والمدينة تعظيمُ مقعدِه في التَّحديدِ. والله تعالى أعلم.
1609 -
(2580) - (4/ 704) حَدَّتنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الفَضْلِ بْن يَزِيدَ، عَنْ أَبِي المَخَارِقِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ - اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الكَافِرَ لَيُسْحَبُ لِسَانُهُ الفَرْسَخَ وَالفَرْسَخَيْنِ يَتَوَطَّؤُهُ النَّاسُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَريِبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَالفَضْلُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ كُوفِيٌّ قَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ، وَأَبُو المَخَارِقِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ.
• قوله: "لَيُسْحَبُ لِسَانُهُ"، أي: يمُدُّه ويفْتَرشِه بحيثُ يَمْشي النَّاس على لسانِه الفَرْسَخَيْن.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ شَرَاب أهْلِ النَّارِ
1610 -
(2581) - (4/ 704 - 705) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلهِ:{كَالْمُهْلِ}
(1)
قَالَ: "كَعَكَرِ الزَّيْتِ، فَإِذَا قَرَّبَهُ إِلَى وَجْهِهِ سَقَطَتْ فَرْوَة وَجْهِهِ فِيهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْن سَعْدٍ، وَرِشْدِينُ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ.
• قوله: "كعَكَرِ الزَّيْتِ": عَكَرُ الزَّيْت - بفتحتين - دَنَسُه ودَرَنُه.
1611 -
(2582) - (4/ 705) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ الحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُؤوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الحَمِيمُ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ فَيَسْلِتُ مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصَّهْرُ ثُمَّ يُعَادُ كمَا كَانَ".
وَسَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ يُكْنَى أَبَا شُجَاعٍ وَهُوَ مِصْرِيٌّ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَابْنُ حُجَيْرَةَ هُوَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُجَيْرَةَ المِصْرِيُّ.
• قوله: "فَيَسْلِتُ مَا فِي جَوْفِهِ"، أي: بدَنه.
(1)
الكهف: 29.
• "حَتَّى يَمْرُقَ"، أي: يَخْرُج، وَهُوَ الصَّهر المذكورُ في قوله تعالى:{يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ}
(1)
1612 -
(2584) - (4/ 706) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ عَنْ دَرَّاج، عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:{كَالْمُهْلِ}
(2)
كعَكَرِ الزَّيْتِ، فَإِذَا قُرِّبَ إِلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ.
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لِسُرَادِقِ النَّارِ أَرْبَعَةُ جُدُرٍ، كِثَفُ كُلِّ جِدَارٍ مِثْلُ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً". وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ فِي الدُّنْيَا لأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْن سَعْدٍ، وفي رِشْدِينَ مَقَالٌ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَمَعْنَى قَوْلهِ كِثَفُ كُلِّ جِدَارٍ: يَعْنِي غِلَظَهُ.
• قوله: "لِسُرَادِقِ النَّارِ": - هو بضَمِّ السِّين - كلُّ ما أحاطَ بشيءٍ من حائطٍ أو خَيْمَةٍ، وروي - بفَتح اللَّام مبتدأ، وكسرها.
• و"كِثَفُ": - بفتح ثَاءٍ - أي: غلظ.
(1)
الحج:20.
(2)
الكهف:29.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ
1613 -
(2586) - (4/ 707 - 708) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا قَطَبَةُ بْنُ عَبْد العَزِيزِ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْن عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الجُوعُ فَيَعْدِلُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ العَذَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْني مِنْ جُوعٍ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ فيُغَاثونَ بِطعَامٍ ذِي غُصَّةٍ، فيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانوا يُجِيزُونَ الغَصَصَ فِي الدُّنْيَا بِالشَّرَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرَابِ فَيُرْفَعُ إِلَيْهِمُ الحَمِيمُ بكَلَالِيبِ الحَدِيدِ، فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ شَوَتْ وُجُوهَهُمْ، فَإِذَا دَخَلَتْ بُطُونَهُمْ قَطَّعَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ، فَيَقُولُونَ: ادْعُوا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ، فَيَقُولونَ: أَلَمْ {تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}
(1)
قَالَ: "فَيَقُولُونَ: ادْعُوا مَالِكًا فَيَقُولُونَ: {يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}
(2)
قَالَ: "فَيُجِيبُهُمْ {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}
(3)
قَالَ الأعْمَشُ: نُبِّئْتُ أَنَّ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَبَيْنَ إِجَابَةِ مَالِكٍ إيَّاهُمْ أَلْفَ عَامٍ قَالَ - فَيَقُولُونَ: ادْعُوا رَبَّكُمْ فَلَا أَحَدَ خَيْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ، فَيَقُولُونَ:{رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}
(4)
قَالَ:
(1)
غافر:50.
(2)
الزخرف: 77.
(3)
الزخرف: 77.
(4)
المؤمنون: 106 - 107.
"فَيُجِيبُهُمْ {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}
(1)
قَالَ: "فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْخُذُونَ فِي الزَّفِيرِ وَالحَسْرَةِ وَالوَيْلِ".
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَالنَّاسُ لا يَرْفَعُونَ هَذَا الحَدِيثَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: إِنَّمَا نَعْرِفُ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْن عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَوْلَهُ: وَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ، وَقَطَبَةُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ.
• قوله: "مِنْ ضَرِيْعٍ": هو نَبْتٌ بالحِجَازِ، ويقال له: الشَّرقُ هو ما يثبتُ في الحَلْق ولم يُسَعْ.
• وقوله: "يُجِيزُونَ الغَصَصَ"، أي: يدفَعون الغَصَصَ، أي: ما يثبتُ بالشَّراب في الدُّنيا.
• قوله: "بِكَلالِيبِ الحَدِيدِ": هي ما يأخذُ بِها الحَدَّادُ الحديدَ المُحَمَّرَ.
1614 -
(2588) - (4/ 709) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ عِيسَى بْن هِلَالٍ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرِو بْن الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ رُضَاضَةً مِثْلَ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الجُمْجُمَةِ، أُرْسِلَت مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْض، وَهِيَ، مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ لبَلغَتِ الأرْضَ قبْل اللَّيْلِ، وَلوْ أَنَّهَا أُرْسِلتْ مِنْ رَأْسِ السِّلسِلةِ لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ قَعْرَهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث إِسْنَادُه حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَسَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ مِصْرِيٌّ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأئِمَّةِ.
(1)
المؤمنون: 108.
• قوله: "مِثْلِ الجُمْجُمَةِ": هي - بالضمِّ - عظمُ الرَّأس المُشتَمِل على الدِّماغ، وفي هذا التَّشبيه تَنْبِيْهٌ على تَدَوُّرِ شَكْلِها وهو الكُرَوِيُّ، ونَبَّه برَزَانَتِه وكبر حَجْمه على إسْراعِه في الهُبوط.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ لِلنَّارِ نَفَسَيْنِ
(1)
1615 -
(2595) - (4/ 712 - 713) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا زَحْفًا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! قَدْ أَخَذَ النَّاسُ المَنَازِلَ"، قَالَ:"فَيُقَالُ لَهُ: انْطَلِقْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ"، قَالَ:"فَيَذْهَبُ لِيَدْخُلَ فَيَجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا المَنَازِلَ، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! قَدْ أَخَذَ النَّاسُ المَنَازِلَ"، قَالَ:"فَيُقَالُ لَهُ: أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: "تَمَنَّ"، قَالَ: "فَيَتَمَنَّى"، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَا تَمَنَّيْتَ وَعَشْرَةَ أَضْعَافِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَقُولُ: "أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ المَلِكُ" قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُه.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَتَسْخَرُ بِي": كتَسْمَعُ، وإنَّما يقول ذلك لِمَا رأى من حَقَارَةِ نفسِه وعظم هذه، وأنَّ نفسَه لا يليق بِها.
1616 -
(2598) - (4/ 714) حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْن يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ مِنْهُ.
مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الإِيمَانِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَمَنْ شَكَّ فَلْيَقْرَأْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}
(1)
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إنَّ [الله] لا يظْلِمُ. . ." إلخ، أي: فلا بدَّ أنْ تُكَالَ ذرَّةٌ إذا كانَ من الإيمانِ فيُعْطَي جزاءُه بدخول الجِنَان. والله أعلم.
1617 -
(2599) - (4/ 714) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أخبَرَنا رِشدِين، حَدَّثَنِي ابْنُ نُعْمٍ عَنْ أبِي عُثمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِنَّ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ دَخَلَ النَّارَ اشْتَدَّ صِيَاحُهُمَا، فَقَالَ الرَّبُّ عز وجل: أَخْرِجُوهُمَا، فَلَمَّا أُخْرِجَا قَالَ لَهُمَا: لأيِّ شَيْءٍ اشْتَدَّ صِيَاحُكُمَا؟ قَالا: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِتَرْحَمَنَا، قَالَ: إِنَّ رَحْمَتِي لَكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا فَتُلْقِيَا أَنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا مِنَ النَّارِ، فَيَنْطَلِقَانِ فَيُلْقِي أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ فَيَجْعَلُهَا عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَيَقُومُ الآخَرُ فَلا يُلْقِي نَفْسَهُ، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ عز وجل: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ كَمَا أَلْقَى صَاحِبُكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! إِنِّي لأرْجُو أَنْ لا تُعِيدَنِي فِيهَا بَعْدَ مَا أَخْرَجْتَنِي، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: لَكَ رَجَاءُكَ، فَيَدْخُلَانِ جَمِيعًا الجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: إِسْنَادُ هَذَا الحَدِيثِ ضَعِيفٌ لِأنَّهُ عَنْ رِشْدِينَ بْن سَعْدٍ، وَرِشْدِينُ بْن سَعْدٍ هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَقْل الحَدِيثِ عَنِ ابْنِ نُعْمٍ وَهُوَ الأَفْرِيقِيُّ، وَالأَفْرِيقِيُّ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ.
• قوله: "فَبِرَحْمَتِيْ"، أي: فبِسَبب رَحْمَتي لكما.
1618 -
(2600) - (4/ 715) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ،
(1)
النساء: 40.
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَيَخْرُجَنَّ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَتِي يُسَمَّوْنَ: "جَهَنَّمِيُّونَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ اسْمُهُ: عِمْرَانُ بْنُ تَيْمٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ مِلْحَانَ.
• قوله: "الجَهَنَّمِيُّونَ": بالرَّفْع على الحِكايةِ عن اللَّفْظ، أي: يقولون: هم الجَهَنَّمِيُّوْنَ.
1619 -
(2601) - (4/ 715) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ عَنْ يَحْيَى بْن عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، وَلا مِثْلَ الجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْن عُبَيْدِ اللهِ، وَيَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللهِ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَكثَرِ أَهْلِ الحَدِيثِ تَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ، وَيَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللهِ هُوَ: ابْنُ مَوْهَبٍ وَهُوَ مَدَنِيٌّ.
• قوله: "مَا رَأَيْتُ"، أي: ما علمتُ مثلَ النَّار أن يكونَ بحيثُ ينام هاربُها ولا ينبغي أن يكونَ كذلك. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْل [النَّارِ] النِّسَاءُ
1620 -
(2602) - (4/ 715) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ".
• قوله: "فَرَأَيْتُ. . ." إلخ، كأنَّه بظُهورِ علامَةٍ يُعْلَم بِها ذلك، أو برؤية صُوَر الفقراء والنِّساء. والله تعالى أعلم.
بَابُ حَدِيْثِ حِكَايَةِ مَحْمُودِ بْن غَيْلَانَ
(1)
1621 -
(2605) - (4/ 717) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَعْبَدِ بْن خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الخُزَاعِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ، كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُتَكَبِّرٍ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَدا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ"، أي: أْقْسَم متوَكِّلًا عليه وليسَ المعنى أنْ يقولَ: أقْسَمْتُ عليك فإنَّه سوءُ أدَبٍ.
• قوله: "مُتَضَعِّفٍ"، أي: من يَعُدُّه النَّاس ضعيفًا، ويتجبرون عليه في الدُّنْيا للفَقْر والرَّثَاثةِ.
• "عُتُلٍّ": - بضمِّ العَين والتَّاء - الشَّديدُ الجَافِي الغَليظُ من الناس.
• و"جَوَّاظٍ": - بفتح جيم، وشدَّةِ واوٍ، وبمُعْجَمةٍ - الجَمُوْعُ المَنُوْعُ.
وقيل: الكثيرُ اللَّحمُ، المُخْتالُ في مِشْيَتِه، وقيل: القصيرُ البَطِينُ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ.
أَبْوَابُ
(1)
الإيمَان عَنْ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
[بَابُ مَا جَاءَ أمِرْت أنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتى يَقُولُوا لا إلَهَ إلَّا اللهُ]
1622 -
(2606) - (5/ 3) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبي صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقولُوا: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فإِذا قالوهَا مَنَعُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأمْوَالهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ".
وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَسَعْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "حَتَّى يَقُولُوا"، أيْ: حتَّى يُظْهِرُوا الإيمانَ فهذا كنايةٌ عن إظهارِه كيفَ ما يكونُ فلا يُشْكَل أن مُنْكِرَ النُّبُوَّةِ لابدَّ له من إظهاو الشَّهادَةِ بالنُّبُوَّةِ أيضًا، وأيضًا لابُدَّ من عدم المُنافِي؛ وذلك لأنَّه لا يُعَدُّ إظهارَ الإيمان إلا عند عدم المُنَافِي منه، وإلا فمع المُنافِي لا يُعَدُّ إظهارًا. والله تعالى أعلم.
ولا يشكل الحديثُ بأنَّ القتالَ ينتهي بالجِزْية أيضًا، إمَّا لأنَّ الحديثَ قبل شَرْع الجِزْيَة لأنَّ المرادَ بالنَّاس مُشْرِكُوا مكَّةَ وأضرابُهم. والله تعالى أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ.
1623 -
(2607) - (5/ 3 - 4) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن عُتْبَةَ بْن مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَه كَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَب فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب لِأبي بَكْر: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أُمِرْت أنْ أُقاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقولُوا: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَمَنْ قال: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالصَّلَاةِ، وَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطابِ: فوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أنْ رَأيْتُ أن الله قد شرَحَ صَدرَ أبِي بَكرٍ لِلقِتَالِ فعَرَفتُ أَنَّهُ الحَقُّ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَكَذَا رَوَى شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَى عِمْرَانُ القَطَّانُ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ خَطَأٌ وَقَدْ خُولِفَ عِمْرَانُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَعْمَرٍ.
• قوله: "عِقَالًا": - بكَسْر العَين - ما يُشَدُّ به البعيرُ من الحَبْل.
• قوله: "فعَرَفتُ أَنَّهُ الحَقُّ": ولعلَّه عَرَف بذلك أنَّه دَاخِلٌ في الحديثِ في قوله: "إلا بحَقِّه". والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا وَصف به جِبْريل للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الإيمَانَ والإِسْلَامَ
1624 -
(2610) - (5/ 6 - 8) حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمُرَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي القَدَرِ مَعَبْدُ الجُهَنِيُّ، قَالَ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيُّ حَتَّى أَتَيْنَا المَدِينَةَ، فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا أَحْدَثَ هَؤُلاءِ القَوْمُ، قَالَ: فَلَقِينَاهُ يَعْنى عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ المَسْجِدِ، قَالَ: فَاكْتَنَفْتُهُ أَنا وَصَاحِبِي، قَالَ: فَظنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الكَلامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّ قَوْمًا يَقْرَؤوْنَ القُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ العِلْمَ، وَيَزْعُمُونَ أَنْ لا قَدَرَ وَأَنَّ الأمْرَ أُنُفٌ، قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَأنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بهِ عَبْدُ اللهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أحُدٍ ذَهَبًا مَا قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ فَقَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَجُل شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَلْزَقَ رُكبَتَهُ بِرُكْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشرِّهِ"، قَالَ: فَمَا الإِسْلامُ؟ قَالَ: "شَهَادَة أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحَجُّ البَيْتِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ". قَالَ: فَمَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ". قَالَ: فِي
كُلِّ ذلِكَ يَقول - لهُ: صَدَقتَ، قال: فتَعَجَّبْنَا مِنهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قال: فمَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ"، قَالَ: فَمَا أَمَارَتُهَا؟ قَالَ: "أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ ترَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ أصْحَابَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ"، قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ، فَقَالَ:"يَا عُمَرُ هَلْ تَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ مَعَالِمَ دِينِكُمْ".
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا كَهْمَسُ بْنُ الحَسَنِ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن المُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْن مُعَاذٍ عَنْ كَهْمَسٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَه بِمَعْنَاه. وَفِي البَابِ عَنْ طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللهِ، وَأَنسِ بْن مَالِكٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحِيحُ هُوَ ابْنُ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قول: "أَنْ تُؤْمِنَ"، أي: تُصَدِّقَ، ففي هذا التَّفسير إشارةٌ إلى أن الإيمانَ الشَّرعيَ هو اللُّغويُّ مع زيادَة خُصُوْص التَّعَلُّق.
• قوله: "كَأَنَّكَ تَرَاهُ"، أي: وكأنَّه يَراك.
• وقول: "فَإنَّه": تعليلٌ لهذا المحذوفِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إضَافَةِ الفَرَائِضِ إلَى الإيمَانِ
1625 -
(2611) - (5/ 8 - 9) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ المُهَلَّبِيُّ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: إِنَّا هَذَا الحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا، فَقَالَ:"آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللهِ - ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ - شَهَادَة أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ".
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ اسْمُهُ: نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ، وَقَدْ رَوَاه شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ أيضًا وَزَادَ فِيهِ أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ؟ شَهَادَة أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ وَذَكر الحَدِيثَ، سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ، يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَؤُلاءِ الأشْرَافِ الأرْبَعَةِ: مَالِكِ بْن أَنسٍ، وَاللَّيْثِ بْن سَعْدٍ، وَعَبَّادِ بْن عَبَّادٍ المُهَلَّبِيِّ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ. قَالَ قُتَيْبَةُ: كنَّا نَرْضَى أَنْ نَرْجِعَ مِنْ عِنْدِ عَبَّادٍ كُلَّ يَوْمٍ بِحَدِيثَيْنِ، وَعَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ هُوَ مِنْ وَلَدِ المُهَلَّبِ بْن أَبِي صُفْرَةَ.
• قوله: "الإِيمَانِ بِاللهِ": يمكنُ نصبُه بتقدير يا أهلَ الإيمانِ باللهِ، ففيه تَنْبِيْهٌ على أن هذه الأربعَ كلَّها بعدَ الإيمانِ باللهِ وهو التَّصديقُ الباطنِيُّ، ويمكن أنْ تكونَ مرفوعًا بتقدير الإيمانِ باللهِ معلومًا أو ظاهرًا أو نحوه، ذلك للتَّنبيهِ على أن هذه الأمورَ الأربعَ كلَّها بعد الإيمان باللهِ، وأمَّا الإيمانُ فهو أصلٌ مُقَدَّمٌ على الكلِّ.
• وقوله: "ثُمَّ فَسَّرَهَا"، أي: الأربعَ. بَقِيَ أن الحديثَ على الوَجْهَيْن لا يُوافِقُ ترجمةَ المصنِّف وإنَّما الموافِق لتَفْسير المصنِّف أنْ يجعلَ الإيمانُ بدلًا عن الأربع، لكونِه مُشْتَمِلًا على الأرْبع، وضميرُ "فسَّرَهَا" للإيمانِ لكونِه عبارةً عن الأربع. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِكْمَالِ الإيمَان وَزِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ
1626 -
(2613) - (5/ 10) حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ هُرَيْمُ بْنُ مِسْعَرٍ الأزْدِيُّ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَوَعَظَهُمْ ثُمَّ قَالَ:"يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ"، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: وَلمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لِكَثْرَةِ لَعْنِكُنَّ، يَعْنِي: وَكفْرِكُنَّ العَشِيرَ". قَالَ: "وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذَوِي الأَلْبَابِ، وَذَوِي الرَّأْيِ مِنْكُنَّ"، قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِهَا وَعَقْلِهَا، قَالَ:"شَهَادَة امْرَأَتَيْنِ مِنْكُنَّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ، وَنُقْصَانُ دِينِكُنَّ، الحَيْضَةُ، تَمْكُثُ إِحْدَاكُنَّ الثَّلَاثَ وَالأرْبَعَ لا تُصَلِّي".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَريِبٌ حَسَنٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
• قوله: "وَكفْرِكُنَّ العَشِيرَ": هذا تفسيرٌ من المصنِّف على وِفْقِ الرِّواياتِ الأخَر فسَّره بذلك بعدَ أنْ تَرَكَ هذا اللَّفظَ من هذه الرِّواية بعضُ الرُّوَاةِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ
1627 -
(2620) - (5/ 13) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَ العَبْدِ وَبَيْنَ الكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو الزُّبَيْرِ اسْمُهُ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْن تَدْرُسَ.
• قوله: "بَيْنَ العَبْدِ وَبَيْنَ الكُفْرِ. . ." إلخ، أي: بينَ العبدِ وبينَ أنْ يَصِلَ إلى الكُفْر أنْ يَتْرُكَ الصَّلاةَ وهذا كما يُقالُ بينَك وبينَ مُرَادِك الاجتهادُ، أي: بينَك وبينَ بُلُوْغ مُرادِك أن تجتهدَ فإذا اجتهدتَّ بلغتَ.
بَابُ حَدِيْثِ قُتَيْبَة عَن العَبَّاسِ
(1)
1628 -
(2624) - (5/ 15) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّاب عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ طَعْمَ الإِيمَانِ، مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَه اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَه أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَاه قَتَادَة عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "كَمَا يَكْرَه"، أي: كما يكرَه أنْ يعودَ، أي: يصير الوقوعُ في الكُفْر والنَّار سَيَّانِ عندَه في الكرَاهةِ، وذلك لا يكونُ إلا عندَ كمالِ اليقينِ بأنَّ الكُفرَ مُوصِلٌ إلى النَّار جزمًا حتى يصيرَ كأنَّ الكفرَ هو النَّارُ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ.
بَابُ [مَا جَاءَ] لا يَزْنِي [الزَّانِي] وَهُوَ مُؤْمِنٌ
1629 -
(2625) - (5/ 15 - 16) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا عُبَيدَة بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ مَعْرُوضَةٌ".
وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن أَبِي أَوْفَى، قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَريِبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الإِيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأسِهِ كَالظُّلَّةِ، فإِذا خَرَجَ مِنْ ذلِكَ العَمَلِ عَادَ إِلَيْهِ الإِيمَانُ"، وَقدْ رُوِيَ عَنْ أبي جَعْفرِ مُحَمّدِ بْن عَلِيٍّ، أَنَّهُ قال فِي هَذا: خَرَجَ مِنَ الإِيمَانِ إِلى الإِسْلَامِ، وَقَد رُوِيَ مِنْ غيْرِ وَجْهٍ عَنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ:"مَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَهُوَ كَفَّارَة ذَنْبِهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتر اللهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ"، رَوَى ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ، وَعُبَادَة بْنُ الصَّامِتِ، وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "وَهُوَ مُؤْمِنٌ": هذا وأمثالُه حمَله العلماءُ على التَّغليظِ أو على كمالِ الإيمانِ. وقيل: المرادُ بالإيمانِ الحَياءُ لكونِه شعبةٌ من الإيمانِ، فالمعنى لا يزنِي الزَّاني وهو مستحي من اللهِ. وقيل: المرادُ للمُؤمن هو ذو الأمْن من العذَاب. وقيل: النَّفْي بمعنى النَّهْي، أي: لا يَنْبغيْ للزَّانِي أنْ يزنِيَ والحالُ أنَّه
مؤمنٌ، فإنَّ مقتضى الإيمانِ أنْ لا يقعَ في مثل هذه الفَاحِشةِ. والله تعالى أعلم.
• قوله: و"التَّوْبَة مَعْرُوضَةٌ"، أي: بابُ التَّوبةِ مفتوحٌ بعدَ الفِعْل.
بَابٌ: بَدَأَ الإِسْلَامُ غَريبًا
(1)
1630 -
(2629) - (5/ 18) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ".
وَفِي البَابِ عَنْ سَعْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَأَنَسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْن غِيَاثٍ، عَنِ الأعْمَشِ، وَأَبُو الأحْوَصِ اسْمُهُ: عَوْفُ بْن مَالِكِ بْن نَضْلَةَ الجُشَمِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصٌ.
• قول: "بَدَأ الإسْلَامُ غَرِيْبًا"، أي: لقِلَّةِ الأعْوانِ والأنْصارِ وكثرةِ المُخَالِفِين وسيَعُوْد كذلك، فطُوْبى للغُرَباء المَتَمَسِّكِيْنَ به فإنَّهم فيما بين المُخَالِفِيْن كالغرباء.
• و"طُوْبَى": فُعْلَى من الطيِّب، قُلِّبَتِ اليَاء واوًا للضمَّةِ قبلَها، والمرادُ بِها الخيرُ الأخْرَوِيُّ.
1631 -
(2630) - (5/ 18) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي كثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَمْرِو بْن عَوْفِ بْن زَيْدِ بْن مِلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا.
إِلَى الحِجَار كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا، وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ ألحِجَار مَعْقِلَ الأُرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ الجَبَلِ، إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "الأُرْوِيَّةِ": - بضمِّ الهمزةِ، وسكونِ الرَّاء، وكسر الوَاو، وتشديدِ الياء - هي شاةُ الجبل.
بَاب [مَا جَاءَ] فِي عَلَامَةِ المُنَافِق
1632 -
(2631) - (5/ 19) حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْن قَيْسٍ عَنِ العَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَملَّمَ: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ العَلاءِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وفي البَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْن مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه بِمَعْنَاه.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو سُهَيْلٍ هُوَ عَمُّ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، وَاسْمُهُ: نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْن أَبِي عَامِرٍ الأصْبَحِيُّ الخَوْلانِيُّ.
• قوله: "آيَةُ المُنَافِقِ": علامَتُه ثلاثٌ، أي: إذا جْتَمعتْ هذه الأمورُ الثلاثةُ في شَخْصٍ يكونُ عادةً منافقًا.
1633 -
(2632) - (5/ 19 - 20) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ
مُنَافِقًا وَإِنْ كَانَتْ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ فِيهِ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُرَّةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَه. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ نِفَاقُ العَمَلِ، وَإِنَّمَا كَانَ نِفَاقُ التَّكْذِيبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، هَكَذَا رُوِيَ عَن الحَسَن البَصْرِيِّ شَيءٌ مِنْ هَذا أَنَّهُ قال: النِّفَاق نِفاقانِ: نِفاقُ العَمَلِ، وَنِفَاقُ التَّكْذِيبِ.
• قوله: "نِفَاقُ العَمَلِ"، أي: كونُ عملِه عمل المُنافِقِين لا نفاقَ التَّكذيبِ، وهو أن يكونَ مكذِّبًا باطنًا فيكونُ اعتقادُه اعتقادَ المنافقين.
بَابُ [مَا جَاءَ] سِبَابُ الْمُسْلِمِ
(1)
فُسُوقٌ
1634 -
(2635) - (5/ 21) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كفْرٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "كُفْرٌ"، أي: من شَأنِ الكَافر أن يقاتلَ المسلمَ وليس من شأنِ المُسْلم ذلك.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: المُؤْمِنِ.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ
1635 -
(2639) - (5/ 24 - 25) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ عَنْ لَيثِ بْن سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَعَافِرِيِّ ثُمَّ الحُبُلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْن العَاصِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الله سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤوسِ الخَلائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْل مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ! فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ! فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لا تُظْلَمُ"، قَالَ: "فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا تثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللهِ شَيْءٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريِبٌ. حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَامِرِ بْن يَحْيَى بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَه.
• قوله: "سَيُخَلِّصُ"، أي: يُمَيِّزْه من بين الخَلائِق فيُؤْتَى به على رؤوْس الأشْهَاد.
[كِتَابُ الْعِلْمِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
بَابُ [فَضْلِ] طَلَبِ الْعِلْمِ
1636 -
(2648) - (5/ 29) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُعَلَّى، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن سِخْبَرَةَ، عَنْ سِخْبَرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ طَلَبَ العِلْمَ كَانَ كفَّارَةً لِمَا مَضَى".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفُ الإِسْنَادِ. أَبُو دَاوُدَ يُضَعَّفُ وَلا نَعْرِفُ لِعَبْد اللهِ بْن سِخْبَرَةَ كَبِيرَ شَيْءٍ وَلا لِأَبِيهِ وَاسْمُ: أَبِي دَاوُدَ نُفَيْعٌ الأعْمَى، تَكَلَمَ فِيْهِ قَتَادَة وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ.
• قوله: "كَانَ كَفَّارَةً"، أي: كانَ طلبُه كفَّارةً لِمَا مضَى من الذُّنوبِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كِتْمَانِ الْعِلْمِ
1637 -
(2649) - (5/ 29 - 30) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَدِيْلِ بْن قُرَيْشٍ اليَامِيُّ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عِمَارَةَ بْن زَاذَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْن الحَكَمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ".
وَفِى البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "ثُمَّ كَتَمَهُ": لعلَّ هذا مخصوصٌ بِمَا [إذا] كانَ السَّائلُ أهلًا لذلك العلم ويكونُ العلمُ نافعًا. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِيصَاءِ بِمَنْ يَطْلُبُ الْعِلْمِ
1638 -
(2650) - (5/ 30) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ العَبْدِيِّ، قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أبَا سَعِيدٍ، فَيَقُولُ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"إِنَّ النَّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ، وَإِنَّ رِجَالًا يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الأَرَضِينَ تتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ، فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: كَانَ شُعْبَةُ يُضَعِّفُ أَبَا هَارُونَ العَبْدِيَّ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَا زَالَ ابْنُ عَوْنٍ يَرْوِي عَنْ أَبِي هَارُونَ العَبْدِيِّ حَتَّى مَاتَ. وَأَبُو هَارُونَ اسْمُهُ: عِمَارَة بْنُ جُوَيْنٍ.
• قوله: فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا"، أي: اطلُبُوْا الخيرَ لهم من أنْفُسِهم، والمرادُ المبالغةُ في فعل الخَيْر حتَّى إذا تحلَّتْ به النَّفْسُ فيَنْبَغِي لهم أنْ يطلبوا منها الخيرَ كيفَ ما أمْكَنَ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي ذَهَابِ الْعِلْمِ
1639 -
(2652) - (5/ 31) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الهَمدَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدَة بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرِو بْن العَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ تتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوْسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".
وَفِي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَزِيَادِ بْن لَبِيدٍ. قَالَ أبُو عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن. عَمْرٍو، وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ هَذَا.
• قوله: "انْتِزَاعًا": تمييزٌ، أي: بطَريقِ الانْتِزاع من القُلُوْب، وجُمْلةُ "يَنْتَزِعُه" بيانٌ له.
• وقوله: "رُؤوْسًا": يحتمل أنْ يكونَ جمعُ رَئيسٍ أو جمعُ رأسٍ.
• وقوله: "فَسُئِلُوا": على بئاءِ المفعولِ، والضَّميرُ للرُّؤسَاء، ويحتمل بناءَ الفاعل، والضَّمير للنَّاس، والمفعولُ محذوفٌ.
1640 -
(2653) - (5/ 31 - 32) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْن صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن جُبَيْرِ بْن نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْن نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: "هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ".
فَقَالَ زِيَادُ بْن لَبيدٍ الأَنْصَارِيُّ: كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا القُرْآنَ فَوَاللهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنا وَأبْنَاءَنا، فقال: "ثكِلتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ! إِنْ كنْتُ لأعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، هَذِهِ التَّوْرَاة وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟، قَالَ جُبَيْرٌ: فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، قُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ؟ فَأَخْبَرتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، قَالَ: صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، إِنْ شِئْتَ لأحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ؟ الخُشُوعُ، يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعًا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريِبٌ. وَمُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ، وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرَ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ القَطَّانِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْن صَالِحٍ نَحْوُ هَذَا. وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن جُبَيْرِ بْن نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْن مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "أنُ يُخْتَلَسُ": بالإضَافةِ أو التَّوصِيْفِ بتقديرِ العَائدِ فيه.
• وقوله: "لَنَقْرَأَنَّهُ": من القِرَاءةِ، أي: نُدَوِام عليه، والثَّاني من الإقْرَاء.
• وقوله: "إنْ كُنْتَ": إنْ مُخَفَّفةٌ، أي: أن الشَّأنَ.
• قوله: "الخُشُوْعُ"، أي: في الصَّلاةِ.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِيمَنْ يَجْلِبُ
(1)
بعِلْمِهِ الدُّنْيَا
1641 -
(2654) - (5/ 32 - 33) حَدَّثَنَا أَبُو الأشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ المِقْدَامِ العِجْلِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْن طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبِ بْن مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ العُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَريِبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ عِنْدَهُمْ، تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
• قوله: "يَصْرِف بِهِ"، أي: بالعِلْم.
• وقوله: "أَدْخَلَهُ"، أي: يَسْتَحِقُّ الإدْخالَ، وكرمُ اللهِ واسعٌ فإنْ شاءَ عَفَى عنه.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: يَطْلُبُ.
بَاب [مَا جَاءَ] فِي الحَثِّ عَلَى تَبْلِيغِ السَّمَاعِ
1642 -
(2656) - (5/ 34 - 33) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبَانَ بْن عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ نِصْفَ النَّهَارِ، قُلْنَا: بِمَا بَعَثَ إِلَيْهِ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا لِشَيْءٍ سَأَلَهُ عَنْهُ، فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: نَعَمْ، سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَه، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ". وَفِي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، وَمُعَاذِ بْن جَبَلٍ، وَجُبَيْرِ بْن مُطْعِمٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَنَسٍ. قَالَه أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ زَيْدِ بْن ثَابِتٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "حَتَّى يُبَلِّغَهُ": من التَّبْليْغ أو الإبْلاغِ، وقد رواه عَبْدُ الْمَلِك لم يُوْجَدْ هذا في بعض الأصُوْلِ.
1643 -
(2658) - (5/ 34 - 35) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْن عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ". ثَلَاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ.
• قوله: "لَا يُغِلُّ": هو بكَسْر الغَيْن مع ضَمِّ الياءِ أو فَتْحِها.
بَابُ مَا [جَاءَ فِيمَنْ] رَوَى حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ
1644 -
(2662) - (5/ 36 - 37) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْن أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْن أَبِي شَبيبٍ، عَن المُغِيرَةِ بْن شُعْبَةَ عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كذِبٌ فَهُوَ وَاحِدُ الكَاذِبِينَ".
وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ وَسَمُرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الحَدِيثَ، وَرَوَى الأَعْمَشُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَأَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ سَمُرَةَ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ أَصَحُّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ حَدِيثِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أحَدُ الكَاذِبِينَ"، قُلْتُ لَهُ: مَنْ رَوَى حَدِيثًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ إِسْنَادَهُ خَطَأٌ أَيُخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ أَوْ إِذَا رَوَى النَّاسُ حَدِيثًا مُرْسَلًا فَأَسْنَدَه بَعْضُهُمْ أَوْ قَلَبَ إِسْنَادَهُ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الحَدِيثِ؟ فَقَالَ: "لَا، إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ إِذَا رَوَى الرَّجُلُ حَدِيثًا وَلَا يُعْرَفُ لِذَلِكَ الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصْلٌ فَحَدَّثَ بِهِ فَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الحَدِيثِ".
• قوله: "فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِينَ"، أي: الوَاضِع [و] الرَّاوِي.
بَابُ مَا نُهِيَ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ حَدِيثِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
1645 -
(2664) - (5/ 38) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحِ عَنِ الحَسَنِ بْن جَابِرٍ اللَّخْمِيِّ، عَنِ المِقْدَام بْن مَعْدِي كرِبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالًا أسْتَحْلَلْنَاه، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاه، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ كَمَا حَرَّمَ اللهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "وَإِنَّ مَا حَرَّمَ": "مَا" موصولةٌ، أي: أن الَّذِي حرَّمه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مثلَ الَّذِي حرَّمه اللهُ تعالى في وجوبِ الأخذِ به.
بَابُ [مَا جَاءَ] فِي كَرَاهِيَةِ كتَابَةِ العِلْمِ
1646 -
(2665) - (5/ 38) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، عَنْ أبِيْهِ عَنْ عَطَاءِ بْن يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ:"اسْتَأْذَنَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الكِتَابَةِ فَلَمْ يَأْذَنْ لنَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ أيضًا عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ رَوَاه هَمَّامٌ عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ.
• قوله: "فِي الكِتَابَةِ"، أي: كتَابةِ الحديثِ. والعلماءُ على أن النَّهْي منسوخٌ بما سَيَجِيء.
بَابُ [مَا جَاءَ] الدَّالُّ عَلَى الخَيْر كَفَاعِلِهِ
1647 -
(2671) - (5/ 41 - 42) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أنْبَأنَا شُعْبَةُ عَنِ الأعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ أُبْدِعَ بِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"ائْتِ فُلَانًا"، فَأَتَاهُ فَحَمَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ، أَوْ قَالَ: "عَامِلِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ اسْمُهُ: سَعْدُ بْنُ إِيَاسٍ. وَأَبُو مَسْعُودٍ البَدْرِيُّ اسْمُهُ: عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو.
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه، وَقَالَ:"مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ" وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ.
• قوله: "أُبْدِعَ بِي": على بناءِ المفعولِ من أبْدَعَ به إذا هلَك ظهرُه الَّذِي يَرْكَبُه.
1648 -
(2672) - (5/ 42) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ. وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"اشْفَعُوا وَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَبُرَيْدٌ يُكْنَى أَبَا بُرْدَةَ أيضًا، وَهُوَ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ فِي الحَدِيثِ، رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ.
• قوله: "وَلْتُؤْجَرُوا": هو أمرٌ بإثباتِ حرفِ المُضَارعِ مع اللَّام، وهو لغةٌ شاذةٌ، والمشهورُ حذفُ حرفِ المُضَارع.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] مَنْ دَعَا إلَى هُدًى فَاتُّبعَ [أَوْ إلَى ضَلَالَةٍ]
1649 -
(2674) - (5/ 43) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ العَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ جمَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ يَتَّبِعُهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تتَّبِعُهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَاتُّبعَ": من الاتِّباعِ على بناءِ المفعولِ.
• قوله: "مَنْ يَتَّبِعُهُ": - بتشديدِ التَّاءِ - من الاتِّباعِ.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] الأَخْذِ بالسُّنَّةِ وَاجْتِنَابِ البِدَعِ
1650 -
(2676) - (5/ 44 - 45) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الوَليدِ عَنْ بُجَيرِ بْن سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْن مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنِ العِرْبَاضِ بْن سَارِيَةَ، قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّع فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلافًا كثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْن مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنِ العِرْبَاض بْن سَارِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْن يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْن مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنِ العِرْبَاضِ بْن سَارِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه. وَالعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ يُكْنَى أَبَا نَجِيحٍ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ حُجْرِ بْن حُجْرٍ، عَنْ عِرْبَاض بْن سَارِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
• قوله: "تَعْهَدُ إِلَيْنَا"، أي: تُوْصِيْنَا به.
قوله: "وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ": ظاهرُه أنَّه مرفوعٌ، فيقدَّر:"وإنْ كانَ عبدٌ حَبْشِيٌّ أميرًا عليكم"، أو "أمِّر عليكم عبدٌ حَبْشِيٌّ". ويحتملُ أنْ يقالَ: منصوبٌ
وترك الألف لتَسَامُح أهلِ الحديثِ في الكتابةِ، فيقدَّر:"وإنْ كَانَ" أي: الأميرُ، أو الواليُّ عبدًا حبشيًّا. والله تعالى أعلم.
1651 -
(2677) - (5/ 45) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْن مُعَاوِيَةَ الفَزَارِيِّ، عَنْ كثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ ابْنُ عَمْرٍو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِبِلالِ بْن الْحَارِثِ:"اعْلَمْ"، قَالَ: مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "اعْلَمْ يَا بِلَالُ! "، قَالَ: مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "إِنَّهُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي فَإِنَّ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ لا تُرْضِي اللّهَ وَرَسُولَهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِ النَّاسِ شَيْئًا". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عُيَيْنَةَ هُوَ: مِصِّيصِيٌّ شَامِيٌّ. وَكَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْن عَوْفٍ المُزَنِيُّ.
• قوله: "اعْلَمْ": الظَّاهرُ أن الأمرَ صِيْغةُ أمْرٍ من الإعْلام، ويمكنُ أنْ يكونَ صيغةُ التكلُّم من العِلْم على معنى أنَّكَ مُباشِرٌ بأسبابِ تَحصيلِ العِلْم، متَوَجِّهٌ إليك فيما تقول. والله تعالى أعلم.
1652 -
(2678) - (5/ 46) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ حَاتِمٍ الأَنْصَارِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْن زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ أَنسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا بُنَيَّ! إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأحَدٍ فَافْعَلْ"، ثُمَّ قَالَ لِي:"يَا بُنَيَّ وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ". وَفِي الحَدِيثِ قِصَّة طَوِيلَةٌ.
• قوله: "غِشٌّ": - بكسر الغَين وتشديدِ الشِّين - أي: حِقْدٌ وغِلٌّ.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي عَاِلم المَدِينَةِ]
1653 -
(2680) - (5/ 48 - 47) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنصَارِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رِوَايَةً:"يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكبَادَ الإِبِلِ يَطْلُبُونَ العِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِينَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَة أنَّهُ قال فِي هَذا: سُئِل مَنْ عَالِمُ المَدِينَةِ؟ فقال: إِنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. وقال إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: هُوَ العُمَرِيُّ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الزَّاهِدُ، وَسَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُوسَى، يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: هُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَالعُمَرِيُّ هُوَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ.
• وقوله: "حَسَنُ بن الصَّبَّاحِ .... عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ"
(1)
.
• قوله: "مِنْ عَالِمِ المَدِينَةِ": الظَّاهرُ أنَّ "مِن" جارةٌ، والجَارُ والمجرورُ بدلٌ عن قولِه:"هَذَا". ويحتملُ أنْ يقالَ: معناه قالَ: "فِي هَذَا"، أو في تفسير هذا الحديثِ:"مَنْ عَالِمُ الْمَدِيْنَةِ؟ " بطريق الاسْتِفْهام والسُّؤال ثم ذكر جوابه، فقالَ: إنَّه مالكٌ.
(1)
هكذا في المخطوط ولم يكتب له شرح.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] فَضْل الفِقْهِ عَلَى العِبَادَةِ
1654 -
(2683) - (5/ 49) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْن مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ، عَنْ يَزِيدَ بْن سَلَمَةَ الجُعْفِيِّ، قَالَ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَخَافُ أَنْ يُنْسِيَنِي أَوَّلَهُ آخِرُهُ، فَحَدِّثْني بِكَلِمَةٍ تَكُونُ جِمَاعًا، قَالَ:"اتَّقِ الله فِيمَا تَعْلَمُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ وَهُوَ عِنْدِي مُرْسَلٌ، وَلَمْ يُدْرِكْ عِنْدِي ابْنُ أَشْوَعَ يَزِيدَ بْن سَلَمَةَ، وَابْنُ أَشْوَعَ اسْمُهُ: سَعِيدُ بْنُ أَشْوَعَ.
• قوله: "أَنْ يُنْسِيَنِي": من الإنْسَاء. و"أوَّلَه": بالنَّصب، و"آخِرُهُ": بالرَّفْع.
1655 -
(2684) - (5/ 49 - 50) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ العَامِرِيُّ عَنْ عَوْفٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَصْلَتَانِ لا تَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ: حُسْنُ سَمْتٍ، وَلا فِقْهٌ فِي الدِّينِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلا نَعْرِفُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَذَا الشَّيْخِ خَلَفِ بْن أَيُّوبَ العَامِرِيِّ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَرْوِي عَنْهُ غَيْرَ أبِيْ كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْن العَلَاءِ، وَلا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ.
• وقوله: "حُسْنُ سَمْتٍ": - بفتح السِّيْن وسكونِ الميم - القَصْدُ.
[كتَابُ الاسْتِئذَان عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] الاِسْتِئْذَان ثَلَاثَةً
1656 -
(2690) - (5/ 53 - 54) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكَيعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ الجَرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَى عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ قَالَ عُمَرُ: وَاحِدَةٌ، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ. قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ قَالَ عُمَرُ: ثِنْتَانِ، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: ثَلَاثٌ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْبَوَّابِ: مَا صَنَعَ؟ قَالَ: رَجَعَ، قَالَ: عَلَيَّ بِهِ، فَلَمَّا جَاءَه، قَالَ: مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتَ؟ قَالَ: السُّنَّةُ، قَالَ: السُّنَّةُ؟ وَاللهِ لتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِبُرْهَانٍ أَوْ بِبَيِّنةٍ أَوْ لأَفْعَلَنَّ بِكَ، قَالَ: فَأَتَانَا وَنَحْنُ رُفْقَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ! الأَنْصَارِ أَلَسْتُمْ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارْجِعْ"، فَجَعَلَ القَوْمُ يُمَازِحُونَهُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: فَمَا أَصَابَكَ فِي هَذَا مِنَ العُقُوبَةِ فَأَنَا شَرِيكُكَ. قَالَ: فَأَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا كُنْتُ عَلِمْتُ بِهَذَا.
وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَأُمِّ طَارِقٍ مَوْلَاةِ سَعْدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالجرَيْرِيُّ اسْمُهُ: سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ يُكْنَى أَبَا مَسْعُودٍ، وَقَدْ رَوَى هَذَا غَيْرُهُ أيضًا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، وَأَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ اسْمُهُ: المُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْن قِطْعَةَ.
• قوله: "وَاحِدَةٌ"، أي: هي مرَّةٌ واحدةٌ، وكان عُمَر مشغولًا بحاجَتِه فلم يفرُغ للإذن، لكنَّه حَسَبَ المرَّاتِ ليَعْتذِر إليه ويعرف قدر مَحْبسه. والله تعالى أعلم.
• قوله: "لَتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِبُرْهَانٍ": كانَ طلبُ البُرهَان من أبي موسى؛ لأنَّه كانَ في مقام المُدافَعَة من نفسِه وفي مثل ذلك المَوْضِع لابدَّ له من حُجَّةٍ، ولا يُصَدَّق الرُّجُل في مثل قولِه ذلك. واللّه تعالى أعلم.
• قوله: "يُمَازِحُونَهُ": تعجُّبًا من مُؤاخِذةِ عمرَ لمُثلِه بمثل هذَا الحديث الوَاضحِ عندَهم.
بَابُ [مَا جَاءَ كَيْفَ] رَدّ السَّلَام
1657 -
(2692) - (5/ 55) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ المَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَعَلَيْكَ، ارْجِعْ فَصَلِّ"، فَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ هَذَا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، فَقَالَ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ:"وَعَلَيْكَ"، قَالَ: وَحَدِيثُ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ أَصَحُّ.
• قوله: "وَعَلَيْكَ": يريدُ المصَنِّفُ بالتَّرجمةِ أن ردَّ السَّلامِ كان بـ "عَلَيْكَ" فقط.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] السَّلَام قَبْلَ الكَلَام
1658 -
(2699) - (5/ 59 - 60) حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ بَغْدَادِيٌّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن زَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "السَّلامُ قَبْلَ الكَلَامِ". وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لا تَدْعُوا أَحَدًا إِلَى الطَّعَامِ حَتَّى يُسَلِّمَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ ذَاهِبٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زَاذَانَ مُنْكَرُ الحَدِيثِ.
• قوله: "السَّلَامُ قَبْلَ الكَلامِ"، أي: ينبغِي أنْ يقدِّم السَّلامَ على الكلام الآخر.
• قول: "لا تَدْعُوا أَحَدًا"، أي: إذا دخَلَ أحدٌ على طعامٍ فإنْ دخلَ بالسَّلام فادْعُوْه إلى الطَّعام وإلا فلا.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّسْلِيم عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ]
1659 -
(2700) - (5/ 60) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا تَبْدَأُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُم إِلَى أَضْيَقِهِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "بِالسَّلَامِ": لِمَا فيه من الإكْرَام ولَيْسُوا أهلًا لذلك.
1660 -
(2701) - (5/ 60) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ. عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنَّ رَهْطًا مِنَ اليَهُودِ دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"عَلَيْكُمْ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا عَائِشَةُ! إِنَّ الله يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَلمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: "قَدْ قُلْتُ عَلَيْكُمْ".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الغِفَارِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُهَنِيِّ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عَلَيْكُمْ": في تَرْكِ الوَاو تَنْبيهٌ بالرَّدِّ عليهم، أي: أن ما قُلْتُمْ مردودٌ عليكم وحدَكم ولو كان بالواو لأفادَتِ الشِّرْكةَ.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّلَامِ عَلَى مَجْلِسِ فِيهِ المُسْلِمُونَ وَغَيْرُهُمْ]
1661 -
(2702) - (5/ 61) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:"مَرَّ بِمَجْلِسٍ وَفِيهِ أَخْلَاطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَاليَهُودِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ": والظَّاهرُ أنَّه نَوَى المسلمينَ بالسَّلامِ إذِ الكَفَرة لا تَسْتَحِقُّ الإكرامَ كما تقدَّم فلا يُنافِي هذا الحديثُ الحديثَ السَّابقَ.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] الاسْتِئْذَان قُبَالَةَ البَيْتِ
1662 -
(2707) - (5/ 63) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كشَفَ سِتْرًا فَأَدْخَلَ بَصَرَه فِي البَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذنَ لَهُ فَرَأَى عَوْرَةَ أهْلِهِ فَقَدْ أَتَى حَدًّا لا يَحِلُّ لهُ أنْ يَأْتِيَهُ، لَوْ أَنَّهُ حِينَ أَدْخَلَ بَصَرَهُ اسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ فَفَقَأَ عَيْنَيْهِ مَا غَيَّرْتُ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَرَّ الرَّجُلُ عَلَى بَابٍ لَا سِتْرَ لَهُ غَيْرٍ مُغْلَقٍ فَنَظَرَ فَلَا خَطِيئَةَ عَلَيْهِ، إِنَّمَا الخَطِيئَةُ عَلَى أَهْلِ البَيْتِ".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ. وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيُّ اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ.
• قوله: "مَا غَيَّرْتُ عَلَيْهِ"، أي: ما حَكَمْتُ عليه بوُجُوْب البدَل والدِّيَة فيها.
بَابُ مَن اطَّلَعَ فِي دَارِ قَوْمٍ بِغَيْر إذْنِهمْ
1663 -
(2709) - (5/ 64) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جُحْرِ فِي حُجْرَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَعلَّمَ، وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِدْرَاةٌ يَحُكُّ بِهَا رَأسَهُ، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لوْ عَلِمْت أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاستِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مِدْرَاةٌ": - بكَسْر المِيْم - هو شيءٌ يُعْمَل من حَديدٍ أو خَشْبٍ على شَكْل سِنٍّ من أسْنَانِ المِشْطِ يستَعْمِلُه مَنْ لا مشطَ [له].
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] التَّسْلِيمِ قَبْلَ الاسْتِئْذَان
1664 -
(2710) - (5/ 64 - 65) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللهِ بْن صَفْوَانَ أَخْبَرَه أَنَّ كَلَدَةَ بْنَ حَنْبَلِ أَخْبَرَهُ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَهُ بلَبَنٍ وَلَبَأٍ، وَضَغَابِيسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَعلَى الوَادِي، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أُسَلِّمْ وَلَمْ أَسْتَأْذِنْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"ارْجِعْ فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ ". وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ صَفْوَانُ قَالَ عَمْرو: وَأَخْبَرَنِي بِهَذَا الحَدِيثِ أُمَيَّةُ بْنُ صَفْوَانَ عَنْ كلَدَةَ بْن حَنْبَلٍ، وَلَمْ يَقُلْ سَمِعْتُهُ مِنْ كلَدَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَرَوَاه أَبُو عَاصِمٍ أيضًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلَ هَذَا. وَضَغَابِيسُ: هُوَ حَشِيشٌ يُؤْكَلُ.
• قوله: "وَلَبَأٍ": هو أوَّلُ ما يُحْلَبُ عندَ الوَلادةِ.
بَابُ [مَا جَاءَ فِي] تَتْريبِ الكِتَابِ
1665 -
(2713) - (5/ 66 - 67) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ عَنْ حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُمْ كتَابًا فَلْيُتَرِّبْهُ فَإِنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لا نَعْرِفُهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، قَالَ: وَحَمْزَة هُوَ عِنْدِي: ابْنُ عَمْرٍو النَّصِيبِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ.
• قوله: "فَلْيُتَرِّبْهُ": من أتْرَبَه إذا جعلَ عليه التُّرابَ. وقال الطيبي: فليُتَرِّبْه أي: فليُسْقِطْه على التُّرابِ اعتمادًا على الحقِّ تعالى في إيصالِه إلى القَصْد
(1)
.
(1)
راجع: الكاشف عن الحقائق للطيبي: 10/ 3048.
بَابُ حَديثِ قُتَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْن ثَابتٍ
1666 -
(2714) - (5/ 67) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الحَارِثِ عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن زَاذَانَ، عَنْ أُمِّ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْن ثَابِتٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَاتِبٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "ضَعِ القَلَمَ عَلَى أُذُنِكَ فَإِنَّهُ أَذْكَرُ لِلْمُمْلِي".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَهُوَ إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، وَعَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدُ بْن زَاذَانَ يُضَعَّفَانِ فِي الحَدِيثِ.
• قوله: "فَإِنَّهُ أَذْكَرُ لِلْمَالِي": هو فاعلٌ مِنْ مَلَي يَمْلي ولم يَجِيءْ في اللُّغَة، وإنَّما فيها مُملْيء، ومُمْلٍ مِنْ أمليتُ الكتابَ، وأملَلْتُ إذا ألقيتَه على الكاتبِ ليَكْتُبَه، والمرادُ الكاتبُ مَجازًا، يريدُ أن وضعَ القَلم على الأذُن أسرعُ تذكيرًا فيما يريدُ الكاتبُ إنشاءَه من العِبَارات، لأنَّه يقتضي التَّأنِي وعدمَ العَجَلَةِ، وكونُ القَلمِ في اليدِ يُحْمَل على الكَتْب بأدْنى تفَكُّر فلا يحسن عبارتُه، وفي وَضْعِه على الأرضِ صورة الفَراغ من الكتَابةِ فتَتقاعدُ النَّفُس عن التأمُّل كذا قيل.
بَابٌ [فِي] مُكَاتَبَةِ المُشْركِينَ
1667 -
(2716) - (5/ 68) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كتَبَ قَبْلَ مَوْتهِ إِلَى كسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدعُوهُمْ إِلَى اللهِ، وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "كتَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ"، أي: أرْسَلَ المكتوبَ إليهم، أو أمَر بالكُتُب إليهم، فالمَجازُ إمَّا في الظَّرفِ أو النِّسْبةِ.
بَابُ كَيْفَ السَّلَامُ
1668 -
(2719) - (5/ 70) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنِ المِقْدَادِ بْن الأَسْوَدِ، قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي قَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الجَهْدِ، فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُنَا، فَأَتيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأتَى بِنَا أَهْلَهُ، فَإِذَا ثَلَاثَةُ أَعْنُزٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا"، فَكُنَّا نَحْتَلِبُهُ، فَيَشْرَبُ كُلُّ إِنْسَانٍ نَصِيبَهُ، وَنَرْفَعُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَصِيبَهُ، فَيَجِيءُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لا يُوقِظُ النَّائِمَ وَيُسْمِعُ اليَقْظَانَ، ثُمَّ يَأْتِي المَسْجِدَ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَأْتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُهُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله "مِنَ الجَهْدِ": - بالفَتْحِ - غايةُ الجُوْع، ونِهايةُ الشِّدَّةِ اللَّاحِقَة.
والجُهْدُ: - بالضَّمِّ - الوُسْعُ والطَّاقةُ، وبالفَتْح: المَشَقَّةُ والغَايةُ
(1)
.
• وقوله: "نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا
…
" إلخ، أي: نَعْرِضُ عليهم أنْ يشاركُونَا في طَعَامِهم.
(1)
في مجمع البحار: الجُهْدُ بالضم: الوسع والطاقة، وبالفتح المشقة، وقيل: المبالغة والغاية.
وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة، فأما في المشقة والغاية فالفتح لا غير: 1/ 418.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كرَاهِيَةِ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكَ السَّلَامُ مُبْتَدِئًا
1669 -
(2721) - (5/ 71 - 72) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ: طَلَبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ فَجَلَسْتُ، فَإِذَا نَفَرٌ هُوَ فِيهِمْ وَلا أَعْرِفُهُ وَهُوَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ مَعَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلامُ يَا رَسُولَ اللهِ! عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللهِ! عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "إِنَّ عَلَيْكَ السَّلامُ تَحِيَّةُ المَيِّتِ، إِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الميِّتِ" ثَلَاثًا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ:"إِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ أَخَاه المُسْلِمَ فَلْيَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ"، ثُمَّ رَدَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ أَبُو غِفَارٍ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْن سُلَيْمٍ الهُجَيْمِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الحَدِيثَ. وَأَبُو تَمِيمَةَ اسْمُهُ: طَرِيفُ بْنُ مُجَالِدٍ.
• قوله: "عَلَيْكَ
…
" إلخ، كأنَّه كان مشتَاقًا إليه فقدَّم ذكرَه لكن لمَّا كان تقدِيمُ السَّلام بِنِيَّةِ التأنُّس بخلاف تقديم "عَلَيْكَ"، بل قد يُفيِد التَّوحُش؛ لأنَّ "عَلَى" تَجِيءُ للضَّرَر كثيرًا، لا يناسبُ الأحياء به بخلافِ الأمْوَات فإنَّهم لا يَلْحَقُهم الوَحْشةُ، فلو قُدِّمَ "عَلَيْكَ" معهم لكانَ صحيحًا مفيدًا للمطلوب من غير ضَرَرٍ، ولعلَّ هذا معنى تَحِيَّةِ الموتى. والله تعالى أعلم.
1670 -
(2723) - (5/ 72) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ:"أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلَاثًا، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "سَلَّمَ ثَلَاثًا": قيلَ: هذا أحْيانًا لا دائمًا مثلًا إذا كانَ القومُ كثيرًا فيُسَلِّم على بعضِهم يمينًا، وعلى بعضِهم شِمالًا، وعلى بعضِهم مُوَاجَهةً، أو استأذنَ فدَخل ثُمَّ خرَج فيُسلِّمُ أوَّلا للاسْتئذانِ ثُمَّ للدُّخول ثُمَّ للخُرُوْج. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُصَافَحَةِ
1671 -
(2728) - (5/ 75) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْن عُبَيْدِ اللهِ عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاه أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "أفَتَلْزَمُهُ؟ قَالَ: لَا": كأنَّ المرادَ المنعُ عن ذلك عندَ المُلاقَاةِ فقط كما هو محلُّ السُّؤال، وأمَّا عندَ مجيئِه عن الغَيْبة فلا، وهو مَحْملُ الحديثِ الثَّاني الآتِي في الباب الثَّاني. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قُبْلَةِ اليَدِ وَالرِّجْل
1672 -
(2733) - (5/ 77 - 78) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْن مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْن عَسَّالٍ، قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَقَالَ صَاحِبُهُ: لا تَقُلْ نَبِيٌّ إِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَألَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ. فَقَالَ لَهُمْ:"لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلا تَسْحَرُوا، وَلا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلا تُوَلُّوا الفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً اليَهُودَ أَنْ لا تَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ"، قَالَ: فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ. فَقَالا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ:"فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي"؟ قَالُوا: إِنَّ دَاوُدَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا اليَهُودُ.
وفي البَاب عَنْ يَزِيدَ بْن الأسْوَدِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَكعْبِ بْن مَالِكٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ"، أي: فَرْحًا لتَصْديقِ اليَهُودِ بنُبُوَّتِه.
• قوله: "ولَا تَمْشُوْا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ": أي: بعدَ أن أجابَهم عمَّا سألُوا عنه أو أعْرضَ عن جوابِهم ذلك، وشرَع فيما ينفعهم اللهُ تعالى، وليس المرادُ أنَّه قال لهم في جَوابِ سُؤَالهم، إذ المشهورُ أن الآياتِ التِّسْعَ في المُعْجِزاتِ كالعَصَا، واليَدِ البَيْضَاء ونحوهما وهو الموافق لظاهر قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا
مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}
(1)
إلخ. وقال بعضُهم: هذا هو كتابُ الآياتِ. قال الطيبي: كان عندَ اليهود
(2)
.
(1)
الإسراء: 101.
(2)
راجع: الكاشف عن الحقائق للطيبي: 2/ 511.
[كِتَابُ الْأدَب عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
بَابُ مَا يَقُولُ العَاطِسُ إِذَا عَطَسَ
1673 -
(2733) - (5/ 77 - 78) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدةَ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَضْرَمِيٌّ مَوْلَى آلِ الْجَارُودِ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنبِ ابْنِ عُمَرَ، فقال: الحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، قال ابْن عُمَرَ: وَأَنَا أَقُول: الحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ:"الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث زِيَادِ بْن الرَّبِيعِ.
• قوله: "وَأَنَا أَقُولُ
…
" إلخ، أي: هذا قولٌ لا بأسَ به في نفسِه أو مرغوبٌ فيه في نفسِه حتى أقولَه أنا أيضًا، لكن ليسَ كلُّ محَلٍّ يَصْلح لكُلِّ قَوْلٍ بل يُنْظَر في كُلِّ مَحَلٍّ سَلامٌ وَرَدَ في ذلك المَحَلِّ، ولم يرد هذا القولُ في هذا المَحَلِّ.
بَابُ مَا جَاءَ كيْفَ يُشَمَّتُ
(1)
الْعَاطِسُ
1674 -
(2739) - (5/ 82) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَكِيمِ بْن دَيْلَمَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ اليَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْجُونَ أَن يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللهُ، فَيَقُولُ:"يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ".
وَفِي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَسَالِمِ بْن عُبَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "يَرْجُونَ
…
" إلخ، يُفْهَم مِنْ هذَا أن العَاطِسَ إنْ كانَ مؤمنًا فكَيْفِيَّةُ تَشْمِيْتِه أنْ يقولَ: يَرْحَمُك اللهُ، وإنْ كانَ كافرًا فكَيْفِيَّةُ تَشْمِيْته أنْ يقولَ: يَهْدِيْك اللهُ ويُصْلِحُ بالَك، فعُلِمَ من هذَا الحديثِ كَيْفِيَّةُ تَشْميتِ الْعَاطِس مؤمنًا كان أو كافرًا.
1675 -
(2740) - (5/ 82 - 83) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْن يَسَافٍ، عَنْ سَالِم بْن عُبَيْدٍ أَنَّهُ كانَ مَعَ القوْمِ فِي سَفرٍ فعَطسَ رَجُلٌ مِنَ القوْمِ، فقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ: عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ، فَكَأَنَّ الرَّجُلَ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَقُلْ إِلَّا مَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ، إِذَا عَطَسَ
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: "تَشْمِيْت" مكان "يُشَمَّتُ".
إحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَلْيَقُلْ: يَغْفِرُ اللهُ لَنَا وَلَكُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ اخْتَلَفُوا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَنْصُورٍ وَقَدْ أَدْخَلُوا بَيْنَ هِلَالِ بْن يَسَافٍ وَسَالِمٍ رَجُلًا.
• "وَعَلَى أُمِّكَ": فيه إشارةٌ إلى أن هذا جَهْلَّ بالشَّرْع تَبعَ فيه الإنسانُ أمَّه؛ فإنَّ الغالبَ على النِّسَاءِ الجَهْل فكأنَّه قيل: السَّلامُ عليكَ وعلى من تَبِعْتَه في هذا الجهل.
بَابُ مَا جَاءَ فِي خَفْضِ الصَّوْتِ [وَتَخْمِير الوَجْهِ عِنْدَ العُطَاسِ]
1676 -
(2745) - (5/ 86) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَزِيرٍ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَجْلَانَ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "غَطَّى وَجْهَهُ": كراهَةَ أنْ يَظْهر الهيئةُ المُسْتَنكِرةُ التي تحصلُ عندَ العُطَاس.
بَابُ مَا جَاءَ إنَّ الله يُحِبُّ العُطَاسَ وَيَكْرَه التَّثَاؤُبَ
1677 -
(2746) - (5/ 86) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"العُطَاسُ مِنَ اللهِ وَالتَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، وَإِذَا قَالَ: آهْ آهْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهِ، وَإِنَّ الله يُحِبُّ العُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ: آهْ آهْ إِذَا تَثَاءَبَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ فِي جَوْفِهِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "مِنْ جَوْفِهِ": كأنَّ المرادَ به المبالغةُ في الضِّحكِ.
1678 -
(2747) - (5/ 87) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ العُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّه مَا اسْتَطَاعَ وَلا يَقُولَنَّ: هَاهْ هَاهْ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَجْلانَ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ وَأَثْبَتُ مِنْ مُحَمَّدِ بْن عَجْلَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكرٍ العَطَّارَ البَصْرِيَّ يَذْكُرُ عَنْ عَلِيِّ بْن المَدِينِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ: أَحَادِيثُ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ رَوَى بَعْضَهَا سَعِيدٌ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ بَعْضُهَا عَنْ سَعِيدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَاخْتَلَطَتْ عَلَيَّ فَجَعَلْتُهَا عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "وَلَا يَقُوْلُ": نَفْيٌ بمعنى النَّهْي عطفٌ على الأمر قبلَه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يُجْلَسُ فِيهِ
1679 -
(2749) - (5/ 88) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيَّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يُقِمْ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ": الظَّاهرُ أنَّه تَنَزُّهٌ واحترازٌ عن التَّشبُّه وإلا فليس فيه إقامةٌ، وإنَّما هو إكرامٌ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيه فَهُوَ أَحَقُّ بهِ
1680 -
(2751) - (5/ 89) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ عَنْ عَمْرِو بْن يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى بْن حِبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعٍ بْن حِبَّانَ، عَنْ وَهْبِ بْن حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وفي البَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ": الظَّاهرُ أن المرادَ به خُرُوْجٌ يكونُ على نِيَّةِ الْعَوْدِ إلى مكانِه، ثم يكونُ على وجهٍ يُعْلَمُ به عودُه إلى مكانِه، والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كرَاهِيَةِ قِيَامِ الرَّجُل لِلرَّجُلِ
1681 -
(2755) - (5/ 90 - 91) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْن الشَّهِيدِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ صَفْوَانَ حِينَ رَأَوْه. فَقَالَ: اجْلِسَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"مَنْ سَرَّه أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَه مِنَ النَّارِ".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ عَنْ حَبِيبِ بْن الشَّهِيدِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
• قوله: "أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ": من مثَّل مثولًا إذا انْتَصَبَ قائمًا، أي: مَنْ أحَبَّ أنْ يقومَ بينَ يديه أو على رأسِه أحدٌ للتَّعْظِيم. وقيل: أي: أنْ يقُوْمُوْا بينَ يديه أو عن جانِبَيْه كما يُفْعَل بالأمراءِ في مجَالِسهم وهو زِيُّ الأعَاجمِ تكبُّرًا وإذلالًا للنَّاسِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ
1682 -
(2756) - (5/ 91) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلالُ. وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ، الاسْتِحْدَادُ، وَالخِتَانُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "الاسْتِحْدَادُ": وهو حَلْقُ العَانةِ بالحَديدِ.
1683 -
(2757) - (5/ 91 - 92) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَهَنَّادٌ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْن شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْن حَبيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ، قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَالاسْتِنْشَاقُ، وَقَصُّ الأظْفَارِ، وَغَسْلُ البَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الإِبطِ، وَحَلْقُ العَانَةِ، وَانْتِقَاصُ المَاءِ"، قَالَ زَكرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: انْتِقَاصُ الْمَاءِ: الاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمَّارِ بْن يَاسِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأبي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "وَغَسْلُ البَرَاجِمِ": هي عُقَدُ الأصَابع ومَفاصِلُها، ويُلْحَق بِها ما يجتَمِع فيه الوَسِخُ بالعَرْق والغُبَار كقَعْر الصِمَاخ، وداخِل الأنفِ ونحوه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَراهِيَةِ الاسْتِلْقَاءِ
(1)
1684 -
(2767) - (5/ 96) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَالاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَأَنْ يَرْفَعَ": هذا إنْ ثبَتَ يُحْمل على ما إذَا كانَ هُناك خوفُ كَشْفِ العَوْرةِ بذلك، وما ثبتَ من الفعل محمولٌ على ما إذا لم يكن هُناك خوفُ الكَشْفِ. والله تعالى أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي الكَرَاهِيَةِ فِي ذَلِكَ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُكُوب ثَلَاثَةٍ عَلَى دَابَّةٍ
1685 -
(2775) - (5/ 100 - 101) حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الجُرَشِيُّ اليَمَامِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ:"لَقَدْ قُدْتُ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ حَتَّى أَدْخَلْتُهُ حُجْرَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، هَذَا قُدَّامُهُ وَهَذَا خَلْفُهُ".
وَفِي البَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "الشَّهْبَاء": اسمُ البَغْلةِ ومعناه القَوِيَّةِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَظْرَةِ الْفُجَاءَةِ
(1)
1686 -
(2777) - (5/ 101) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي رَبيعَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، رَفَعَهُ قَالَ:"يَا عَلِيُّ! لا تُتْبعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ.
• قوله: "إِنَّ لَكَ الأُولَى"، أي: الأوْلَى اتِّفاقِية فلا تُعَاقَبُ بِها فكأنَّه بمنزلةِ المُباح لكَ بخلافِ الأخرى. والله تعالى أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: الْمُفَاجَأةِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْي عَن الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ إلَّا بإذْنِ أَزْوَاجِهن
1687 -
(2779) - (5/ 102 - 103) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ مَوْلَى عَمْرِو بْن العَاصِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ العَاص أَرْسَلَهُ إِلَى عَلِيٍّ يَسْتَأْذُنهُ عَلَى أَسْمَاءَ بنْتِ عُمَيْسٍ فَأُذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ سَأل المَوْلى عَمْرَو بْنَ العَاصِ عَنْ ذلِكَ، فقال:"إِنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَنْ نَدْخُلَ عَلَى النِّسَاءِ بِغَيْرِ إِذْنِ أَزْوَاجِهِنَّ".
وَفِي البَاب عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، وَجَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أسْتَأذُنه
(1)
عَلَى أسْمَاءَ"، أي: في الدُّخُولِ على أسماء.
(1)
هكذا في المخطوط، وفي نسخة أحمد شاكر كما في متن الحديث، ولعل ذلك يرجع إلى اختلاف النسخ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْنَهْيِ عَنْ اتِّخَاذِ القُصَّةِ
(1)
1688 -
(2781) - (5/ 104) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أخبَرَنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بِالمَدِينَةِ يَخْطبُ يَقُولُ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ يَا أَهْلَ المَدِينَةِ؟ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ هَذِهِ القُصَّةِ وَيَقُولُ: "إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاءُهُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ.
• قوله: "أيْنَ عُلَمَاءُكُمْ": سؤالُ إنْكارٍ كيفَ حدَث فيكم مثلُ هذا المنكر، وكيف غفلوا عن تَفْسيره؟!
• وقوله: "القُصَّةِ": القُصَّةُ - بضَمِّ القَافِ، وتشديدِ الصَّادِ المُهْمَلةِ - الخُصْلةُ المجموعةُ من الشَّعْر، وهذه إشارةٌ إلى قُصَّةٍ كانَتْ في يدِ حَرَسِيٍّ، والغَرْضُ النَّهْي عن تَزيِيْن الشَّعْر بمثلها والوَصْل بِها. قال القاضي: لعلَّه كان محرَّمًا على بني إسرائيلَ فعُوْقِبُوْا، والهلاكُ كان به وبغَيْره من المَعاصي
(2)
.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ اتِّخَاذِ القُصَّةِ.
(2)
راجع: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض اليحصبي: 6/ 658.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي الوَاصِلَةِ وَالمُسْتَوْصِلَةِ وَالوَاشِمَةِ وَالمُسْتَوْشِمَةِ]
1689 -
(2782) - (5/ 104 - 105) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا عُبَيدَة بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ مُبْتَغِيَاتٍ لِلْحُسْنِ مُغَيِّرَاتٍ خَلْقَ اللهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاه شُعْبَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأئِمَّةِ عَنْ مَنْصُورٍ.
• قوله: "الوَاشِمَاتِ": والوَشْمُ أن يُغْرَز الجِلْدُ بإبرةٍ ثم يُحْشَى كُحْلٌ، ويُفْعلُ ذلك في الكَفِّ أو الشَّفَةِ أو نحو ذلك. و"المَسْتَوْشِمَةُ": من يُفْعَل بِها ذلك وهي راضِيَةٌ به.
• و"النَّمْصُ": تَرْقِيْقُ الحَواجِب للتَّحْسِيْن. و"النَّامِصَةُ": مَنْ تَنْتِفُ الشَّعْر من وَجْهِها. و"المُتَنَمِّصَةُ": الآمِرةُ مِمَّنْ يُفْعل بِها ذلك وكلُّ ذلك حرامٌ؛ لأنَّه تغييرٌ لخلقِ اللهِ إلا أن تَنْبُتَ لها لِحْيةٌ أو شواربُ.
1690 -
(2783) - (5/ 105) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَعَنَ اللهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ"، قَالَ نَافِعٌ:"الوَشْمُ فِي اللِّثَةِ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَمَعْقِلِ بْن يَسَارٍ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ يَحْيَى قَوْلَ نَافِعٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "اللِّثَةِ": - بكَسْر اللَّام، وتحفيفِ الثَّاء المثلَّثةِ - اللَّحْم حولَ الأسْنانِ. في "المجمع"
(1)
هو عُمُورُ الأسنانِ، أي: مَغَارِزُها.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 4/ 466.
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُتَشَبِّهَاتِ بالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ
1691 -
(2785) - (5/ 106) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كثِيرٍ، وَأَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:"لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالمُترجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ.
• قوله: "المُخَنَّثُ": - بكَسْر نُوْنٍ وفَتْحِها - مَنْ يَتَشَبَّه بالنِّسَاء، سُمِّي بذلك لانْكِسَار كلامِه، والتَّشَبُّه قد يكونُ طَبِيْعِيًّا وقد يكونُ تكلِيْفِيًّا ومن الثاني لَعَنَ المُخَنِّثين.
• قوله: "المُترجِّلاتِ": من التَّرجُّل، أي: المُتَشَبِّهاتِ بالرِّجال في زيِّهم وهَيْئَتِهم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ خُرُوجِ المَرْأَةِ مُتَعَطِّرَةً
1692 -
(2786) - (5/ 106) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ عَنْ ثَابِتِ بْن عِمَارَةَ الحَنَفِيِّ، عَنْ غُنَيْمِ بْن قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالمَرْأَة إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا" يَعْنِي زَانِيَةً.
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ": الصِّفةُ محذوفةٌ، أي: كلُّ عَينٍ نَاظِرَةٍ إلى ما لا يَحِلُّ لها النَّظْر إليه من النِّساء زانيةٌ، أو المرادُ كلُّ ما يتأتَّى منها الزِّنا بالنَّظْر إلى ما لا يَحِلُّ.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي طِيب الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ]
1693 -
(2788) - (5/ 107) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ خَيْرَ طِيبِ الرَّجُلِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَخَيْرَ طِيبِ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ"، وَنَهَى عَنْ مِيثَرَةِ الأُرْجُوَانِ.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "المِيْثَرَةُ": شيءٌ يُتَّخَذُ من الحَرير.
• "والأرْجُوَانِ": - بضَمِّ هَمْزةٍ، وجيم، وسكونِ راءٍ - وَرْدٌ أحمر، أي: نَهْيٌ عن الرُّكوبِ على دَابةٍ على سَرْجِها وسادةٌ صغيرةٌ حمراء، وعن الجُلُوس على ثَوْب أحمر.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ الرّجُلَ وَالمَرْأةِ المَرْأةَ
(1)
1694 -
(2792) - (5/ 109) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تُبَاشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ حَتَّى تَصِفَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لا تُبَاشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ": لأجْل أنْ تَصِفَها عندَ زَوْجِها
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ مُبَاشَرَةِ الرِّجَالِ الرِّجَالَ وَالمَرْأَةِ المَرْأَةَ.
[بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ المَلَائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ]
1695 -
(2806) - (5/ 115) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أتَيْتُكَ البَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ البَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ البَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ وَكَانَ فِي البَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي البَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُصَيَّرْ كهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ يُوطَآنِ، وَمُرْ بِالكَلْبِ فَيُخْرَجْ"، فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ ذَلِكَ الكَلْبُ جَرْوًا لِلْحَسَنِ أَوِ الحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وفي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ.
• قوله: (النَّضَد):- بفَتْحَتَيْن- سَريرٌ يُنَضَّد عليه الثِّيابُ، أي: يُجْعَل بعضُها على بعضٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِى كَرَاهِيَةِ [لُبْسِ] المُعَصْفَر لِلرِّجالِ [وَالقَسِّيِّ]
1696 -
(2809) - (5/ 117 - 101) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأشْعَثِ بْن سُلَيْمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْن سُوَيْدِ بْن مُقَرِّنٍ، عَنِ البَرَاءِ بْن عَازِبٍ، قَالَ:"أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الَجَنَازَةِ، وَعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَرَدِّ السَّلَامِ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، أَوْ حَلْقَةِ الذَّهَبِ، وَآنِيَةِ الفِضَّةِ، وَلُبْسِ الحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَالاسْتَبْرَقِ، وَالقَسِّيِّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ هُوَ: أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ، اسْمُهُ سُلَيْمُ بْنُ الْأسْوَدِ.
• قوله: (وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ): اسمُ فَاعِلٍ مِنْ أقْسَمَ، أي: تصديقُ مَنْ أقْسَمَ عليكَ أنَ تفعلَ مَا سألَه المُلْتَمِس، والمُقْسِم: الحَالِفُ، أي: لو حَلَفَ أحدٌ على أمْرٍ وأنتَ تَقْدِر على تصدِيْقِه كما لو حَلَف أنْ لا يُفَارِقَك حتى تفعلَ كذا فافْعَلْ.
[بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ البَيَاضِ]
1697 -
(2810) - (5/ 117) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْن أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْن أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْن جُنْدَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "البَسُوا البَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ.
• قوله: "أَطْهَرُ
…
" إلخ، أي: لا تَخْفَى النَّجاسَةُ فيه فيُزيْلُها الإنسانُ فيَبْقَى أطهر بخلافِ غيره من الألْوَانِ فقد تَخْفَى فيها النَّجاسةُ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِى الثَّوْب الأَسْوَدِ
1698 -
(2813) - (5/ 119) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ مُصْعَبِ بْن شَيْبَهَ، عَنْ صَفِيَّهَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:"خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مِنْ شَعرٍ أَسْوَدَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مِرْطٌ": -بكَسْر الميم- كِسَاءٌ.
بَابُ مَا جَاءَ فِى الثَّوْبِ الأصْفَرِ
1699 -
(2814) - (5/ 120) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ أبُو عُثمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حَسَّانَ أَنَّهُ حَدَّثَتْهُ جَدَّتَاهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ عُلَيْبَةَ، وَدُحَيْبَةُ بِنْتُ عُلَيْبَةَ، حَدَّثَتَاهُ عَنْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ -وَكَانَتَا رَبيبَتَيْهَا، وَقَيْلَةُ جَدَّةُ أَبِيهِا أُمُّ أُمِّهِ- أَنَّهَا قَالَتْ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتِ الحَدِيثَ بِطُولِهِ حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ وَقَدِ ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ" وَعَلَيْهِ -تَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْمَالُ مُلَيَّتَيْنِ كَانَتَا بِزَعْفَرَانٍ وَقَدْ، نَفَضَتَا وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَسِيبُ نَخْلَةٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ قَيْلَةَ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْن حَسَّانَ.
• قوله: (مُلَاتَيْنِ): وفي نُسْخةٍ (مُلَيَّتَيْنِ).
• وقوله: (أَسْمَال): الظَّاهرُ أنَّه بالإضافةِ من قُبيل أخلاقِ ثِيابٍ، وضُبِطَ بالتَّنْوين، وعلى هذا فما بعدَه منصوبٌ بتقدير نَحْو (أعْنِي)، ووجهُ الجَمْع هو اعتبارُ كُلِّ قِطْعةٍ من الثَّوْب سملًا فجُمِعَ على أسْمَالٍ باعتبار كَثْرةِ القِطْعَاتِ.
[بَابُ مَا جَاءَ في كرَاهِيَةِ التَّزَعْفُرِ وَالخَلُوقِ لِلرِّجَالِ]
1700 -
(2816) - (5/ 121 - 122) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَفْصِ بْن عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ يَعْلَى بْن مُرَّةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَبْصَرَ رَجُلًا مُتَخَلِّقًا قَالَ:"اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ، ثُمَّ لا تَعُدْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الإِسْنَادِ عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ، قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ: مَنْ سَمِعَ مِنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ قَدِيمًا فَسَمَاعُهُ صَحِيحٌ، وَسَمَاعُ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ مِنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ صَحِيحٌ إِلَّا حَدِيثَيْنِ عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، قَالَ شُعْبَةُ: سَمِعْتُهُمَا مِنْهُ بِآخِرَةٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: يُقَالُ: إِنَّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ كَانَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ قَدْ سَاءَ حِفْظُهُ. وفي البَابِ عَنْ عَمَّارٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَأَنَسٍ. وَأَبُو حَفْصٍ هُوَ: أَبُو حَفْصِ بْن عُمَرَ.
• قوله: "مُتَخَلِّقًا": أي: مُسْتَعْملًا للخَلُوق. في (المجمع)
(1)
هو -بفَتْح الخاء- طِيْبٌ مُرَكَّبٌ من الزَّعْفران وغيره، وتَغْلِبُ عليه الحمرةُ والصُّفْرةُ، وَرَدَ إبَاحَتُه تارةً والنَّهْي عنه أخرى؛ لأنَّه من طِيْب النِّسَاء، والظَّاهرُ أنَّ أحايثَ النَّهْي ناسِخَةٌ.
(1)
راجع: مجمع بحار الأنوار للهندي: 2/ 101، 100.
بَابُ مَا جَاءَ إِنَّ اللهَ [تَعَالَى] يُحِبُّ أنْ يَرَى أَثَرَ النِعْمَةِ عَلَي عَبْدِهِ
1701 -
(2819) - (5/ 123 - 124) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَدَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِى الأحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ، وَعِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: (أنْ يَرَى): يحتَمِل البِناءَ للفَاعل والمفعولِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي العِدَةِ
1702 -
(2826) - (5/ 128 - 129) حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ:"رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبْيَضَ قَدْ شَابَ، وَكَانَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ، وَأَمَرَ لنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ قَلُوصًا فَذَهَبْنَا نَقْبِضُهَا فَأَتَانَا مَوْتُهُ فَلَمْ يُعْطُونَا شَيْئًا"، فَلَمَّا قَامَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ فَلْيَجِئْ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَمَرَ لنَا بِهَا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَى مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هَذَا الحَدِيثَ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ نَحْوَ هَذَا، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى هَذَا.
• قوله: (مَوتُهُ): خبرُ موتِه.
[بَابُ مَا جَاءَ في فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي]
1703 -
(2828) - (5/ 130) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:"مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأحَدٍ غَيْرَ سَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاصٍ".
• قوله: "جَمَعَ أَبَوَيْهِ"، أي: في قولِه: فدَاكَ.
1704 -
(2829) - (5/ 130) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ، وَيَحْيَى بْن سَعِيدٍ، سَمِعَا سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ يَقُولُ: قَالَ عَلِىٌّ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَاهُ وَأُمَّهُ لِأحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ:"ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي"، وَقَالَ لَهُ:"ارْمِ أَيُّهَا الغُلَامُ الحَزَوَّرُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي البَابِ عَنِ الزُّبَيْرِ، وَجَابِرٍ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: "ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي".
• قوله: "الحَزَوَّرُ": هو -بفَتْح حَاءٍ مهملةٍ، ثُمَّ زاءٌ معجمةٌ، ثم واو مفتوحةٌ مشدَّدٌ- المقاربُ للبلوغ أو القويُّ.
بَابُ مَا جَاءَ في تَعْجِيلِ اسْمِ المَوْلُودِ
1705 -
(2832) - (5/ 132) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْن سَعْدِ بْن إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْدِ بْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، حَدَّثَنِى عَمِّي يَعْقُوبُ بْنُ إِبَرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ المَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الأذَى عَنْهُ وَالعَقِّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ المَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ": بمعنى أنَّها لا تؤخَّر عنه لا بمعنى لا تقدَّم عليه.
بَابُ مَا جَاءَ مَا يُكْرَهُ مِنَ الأسْمَاءِ
1706 -
(2835) - (5/ 133) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ، قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَأنْهَيَنَّ أَنْ يُسَمَّى: رَافِعٌ، وَبَرَكَةُ، وَيَسَارٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَأَبُو أَحْمَدَ ثِقَةٌ حَافِظٌ، وَالمَشْهُورُ عِنْدَ النَّاسِ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ.
• قوله: "أَنْ يُسَمَّى": أنْ يقالَ: الرَّجل رافعٌ، أي: أهو رافعٌ.
بَابُ مَا جَاءَ فِى أَسْمَاءِ النَّبىِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1707 -
(2840) - (5/ 135) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن جُبَيْرِ بْن مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِي أَسْمَاءً: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا العَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدِي نَبِىٌّ".
وَفِي البَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "عَلَى قَدَمِيْ": يحتملُ تخفيفَ اليَاء على الإفرادِ وتشدَيدها على التَّثْنيةِ وهُمَا روايتان، والمعنى أنَّه يقدُمهم وهم خلَفه.
بَابُ مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الجمْعِ بَيْنَ اسْمِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَكُنْيَتِهِ
1708 -
(2841) - (5/ 135 - 131) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ بَيْنَ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ، وَيُسَمِّيَ مُحَمَّدًا أَبَا القَاسِمِ.
وَفِي البَابٍ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ اسْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكُنْيَتِهِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا فِي السُّوقِ يُنَادِي يَا أَبَا القَاسِمِ، فَالتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لَمْ أَعْنِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". حَدَّثَنَا بذَلِكَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا. وفي هَذَا الحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ أَنْ يُكْنَى أَبَا القَاسِمِ.
• قوله: "لَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي": يعنى أنَّ الاسمَ لا يُوْجِب الالتباسَ؛ لأنَّهم نُهوا عن ندائه صلى الله عليه وسلم بالاسم قال اللّه تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}
(1)
وللتَّعليم الفِعْليِّ من اللهِ تعالى لعِبادِه حيثُ لم يُخاطِبْه في كلامِه إلا مثل: "يا أيُّهَا النَّبِيُّ"، وأمَّا الكُنيةُ فالمنادَاةُ بِها جارِ فالاشتراكُ يُوْجِب الالتباسَ ويترتَّب عليه التأذِّي، وعلى هذا ينبغي أنْ يُحمَل أحاديثُ منع الجَمْع على المَنعْ عن التَّكْنِيَةِ أيضًا، ثم العِلَّةُ تَقْتضِي المنعَ في زَمانِه صلى الله تعالى عليه وسلم. والله تعالى أعلم.
(1)
النور:63.
بَابُ مَا جَاءَ في إِنْشَادِ الشِّعْرِ
1709 -
(2847) - (5/ 139) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ القَضَاءِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَمْشِي وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ
…
اليَوْمَ نَضْرِبكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
ضَرْبًا يُزِيلُ الهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ
…
وَيُذْهِلُ الخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي حَرَمِ الله تَقُوُلُ الشِّعْرَ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاق هَذَا الحَدِيثَ أيضًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوَ هَذَا، وَرُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ القَضَاءِ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الحَدِيثِ لِأنَّ عَبْدَ اللهِ بْن رَوَاحَةَ قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عُمْرَةُ القَضَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ.
• قوله: "نَضْرِبْكُمْ": بسُكونِ بَاءٍ لضَرُورةِ الشِّعر.
• "مَقِيْلَ الهَامِ": موضِعَه مستعارٌ من موضِع القَايِلَةِ.
بَابُ مَا جَاءَ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا
…
إلخ
1710 -
(2852) - (5/ 141) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْن جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سَعْدِ بْن أَبِي وَقَاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَأنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• "القَيْحُ": صَديدٌ يَسِيل من الجِراح.
بَابُ حَدِيْثِ قُتَيْبَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
1711 -
(2857) - (5/ 143) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كثِيرِ بْن شِنْظِيرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْن أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَمِّرُوا الْآنِيَةَ وَأَوْكُوا الأًسْقِيَةَ وَأَجِيفُوا الأبْوَابَ وَأَطْفِئُوا المَصَابِيحَ فَإِنَّ الفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتِ الفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ البَيْتِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "وَأَجِيفُوا": من أجَافَ البابَ ردَّ عليه.
أبْوَابُ الأمْثَالِ
(1)
بَابُ مَا جَاءَ في مَثَل اللهِ لِعِبَادِهِ
1712 -
(2859) - (5/ 144) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الوَليدِ عَنْ بُحَيرِ بْن سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْن مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْن نُفَيْرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بْن سِمْعَانَ الكِلَابِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ ضَرَبَ مَثَلَا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا عَلَى كنَفَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ لَهُمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، عَلَى الأبْوَابِ سُتُورٌ وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ وَدَاَعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ {وَاللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
(2)
وَالأبْوَابُ الَّتِي عَلَى كنَفَيِ الصِّرَاطِ: حُدُودُ اللهِ، فَلا يَقَعُ أَحَدٌ فِي حُدُودِ اللهِ حَتَّى يُكْشَفَ السِّتْرُ وَالَّذِي يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبِّهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. سَمِعْت عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْد الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٍّ، يَقُوُل: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ: خُذُوا عَنْ بَقِيَّةَ مَا
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ الْأَمْثَالِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
(2)
يونس:25.
حَدَّثَكُمْ عَنِ الثِّقَاتِ وَلا تَأْخُذُوا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن عَيَّاشٍ مَا حَدَّثَكُمْ عَنِ الثِّقَاتِ وَلَا غَيْرِ الثِّقَاتِ.
• قوله: "صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا": بدلٌ من "مَثَلًا".
• قوله: "زُوران"
(1)
: -بضَمِّ زَاءٍ- أي: سُوْراَن. قال القاضي: "الصِّرَاطُ المُسْتَقِيْمُ" مثلٌ لكُلِّ معنى مُستَقيمٍ كالهَدْي، والدِّين، والإيمانِ وما عليه من الكِتاب والسُّنَّةِ. و"الأبْوَابُ": قد فُسِّرَتْ بالحُدودِ، ووَصَفَها بالفَتْح لأنَّ الشَّهوَاتِ إليها شَارِعَةٌ والنَّفْس نحوَه نَازِعَةٌ، والسَّبِيل سهلةٌ لَيِّنةٌ. "والسُّتُوْرُ": مثلٌ لكُلِّ حَاجزٍ عن الحَرَام، حاجبٍ عن المَحْظُور من دِيْن، ومرُوْءَةٍ، وحيَاءٍ وهمَّةٍ، وعَارٍ، وعِصْمةٍ. و "الدَّاعِي": النبيُّ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّم وخلفاءُه. والدَّاعي الذي فوقَه هو الوَاعظُ إمَّا من تَهديدٍ، وإمَّا من زَجْر باستيفاءِ الحُدودِ، وإمَّا مِنْ خَوفِ اليوم المَشْهودِ. انتهى
(2)
.
قلتُ: وبَقِي السُّور وكأنَّ ذكرَه لبيانِ الأبْوابِ على طُرُقِها الَّتِي هي الحدودُ التي بمُقارَبَتِها يخرجُ الإنْسَانُ عن سُوْر الإيمانِ وعلى هذا ذكر قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}
(3)
لبيانِ الصِّراطِ لا لبيانِ أنَّ اللهَ تعالى، هو الدَّاعِي. والله تعالى أعلم.
1713 -
(2860) - (5/ 145) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بْن يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي هِلَالٍ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِنْدَ
(1)
هكذا في المخطوط، أما في نسخة أحمد شاكر فكما في متن الحديث.
(2)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن اْلعربي: 10/ 223.
(3)
يونس: 25.
رَأْسِي وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ يَقُوُل أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: "اضْرِبْ لَهُ مَثَلًا، فَقَالَ: اسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنُكَ وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَارًا ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَائِدَةً ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُولَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ، فَاللهُ هُوَ: المَلِكُ، وَالدَّارُ: الإِسْلَامُ، وَالبَيْتُ: الجَنَّةُ، وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ رَسُولٌ، فَمَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الإِسْلَامَ، وَمَنْ دَخَلَ الإِسْلَامَ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الجَنَّةَ أَكَلَ مَا فِيهَا".
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَادٍ أَصَحَّ مِنْ هَذَا. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ لَمْ يُدْرِكْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. وفي البَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
• قوله: "سَمِعَتْ أُذُنُكَ": الظَّاهرُ أنَّه في معنى الأمْر، أي: لِتَسْمَعْ أذُنك. "ولْيَعْقِلْ قَلْبُك": بمنزلةِ التَّأكيدِ، ويحتملُ أنَّه دعاءٌ له، أو بيانُ أنَّه مُطيعٌ سامعٌ عاقلٌ لا يحتاجُ إلى أمر. واللّه تعالى أعلم.
• قوله: "والدَّارُ": الإسلامُ اعتبر الإسلام الدَّار التي الدُّخولُ فيها سببٌ للدُّخولِ في البيتِ.
1714 -
(2861) - (5/ 145 - 147) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ جَعْفَرِ بْن مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم العِشَاءَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ حَتَّى خَرَجَ بِهِ إِلَى بَطْحَاء مَكَّةَ فَأَجْلَسَهُ ثُمَّ خَطَّ عَلَيْهِ خَطًّا ثُمَّ قَالَ: "لَا تَبْرَحَنَّ خَطَّكَ فَإِنَّهُ سَيَنْتَهِي إِلَيْكَ رِجَالٌ فَلَا تُكَلِّمْهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَلِّمُونَكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أَرَادَ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي خَطِّي إِذْ أَتَانِي رِجَالٌ كَأَنَّهُمُ الزُّطُّ أَشْعَارُهُمْ وَأَجْسَامُهُمْ لَا أَرَى عَوْرَةً وَلَا أَرَى قِشْرًا وَيَنْتَهُونَ
إِلَيَّ لَا يُجَاوِزُونَ الخَطَّ ثُمَّ يَصْدُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، لكِنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَاءَنِي وَأَنَا جَالِسٌ، فَقَالَ:"لَقَدْ أُرَانِي مُنْذُ اللَّيْلَة" ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ فِي خَطِّي فَتَوَسَّدَ فَخِذِي فَرَقَدَ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَقَدَ نَفَخَ، فَبَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَسِّدٌ فَخِذِي إِذَا أَنَا بِرِجَالٍ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ اللهُ أَعْلَمُ مَا بِهِمْ مِنَ الجَمَالِ فَانْتَهَوْا إِلَيَّ، فَجَلَسَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ قَالُوا بَيْنَهُمْ مَا رَأَيْنَا عَبْدًا قَطُّ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا النَّبِيُّ، إِنَّ عَيْنَيْهِ تَنَامَانِ وَقَلْبُهُ يَقْظَانُ، اضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا مَثَلُ سَيِّدٍ بَنَى قَصْرًا ثُمَّ جَعَلَ مَأْدُبَةً فَدَعَا النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، فَمَنْ أَجَابَهُ أَكَلَ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرِبَ مِنْ شرَابِهِ وَمَنْ لَمْ يُجِبْهُ عَاقَبَهُ -أَوْ قَالَ: عَذَّبَهُ- ثُمَّ ارْتَفَعُوا، وَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:"سَمِعْتَ مَا قَالَ هَؤُلَاءِ؟ وَهَلْ تَدْرِي مَنْ هَؤُلَاءِ"؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:"هُمُ المَلَائِكَةُ، فَتَدْرِي مَا المَثَلُ الَّذِي ضَرَبوا"؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:"المَثَلُ الَّذِي ضَرَبُوا الرَّحْمَنُ تبارك وتعالى بَنَى الجَنَّةَ وَدَعَا إِلَيْهَا عِبَادَهُ، فَمَنْ أَجَابَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يُجِبْهُ عَاقَبَهُ أَوْ عَذَّبَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَأَبُو تَمِيمَةَ هُوَ الهُجَيْمِيُّ، وَاسْمُهُ: طَرِيفُ بْنُ مُجَالِدٍ. وَأَبُو عُثْمَاْنَ النَّهْدِيُّ اسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلٍّ. وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ قَدْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَنْهُ مُعْتَمِرٌ وَهُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ، وَلَمْ يَكُنْ تَيْمِيًّا وَإِنَّمَا كَانَ يَنْزُلُ بَنِي تَيْمٍ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَا رَأَيْتُ أَخْوَفَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ.
• قوله: (ثُمَّ خَطَّ
…
) إلخ، قالَ القاضي: وَضَعَ النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلَّم الخطَّ علامةً للتَّحْصين عليه من الخُرُوجِ والضَّرَر فلم يَقْدِرْ أحدٌ من الخَلْق على ضَرَرِه ولا على البُلُوغ إليه
(1)
.
• قوله: (أَشْعَارُهُمْ): أيْ: كأنَّهم أشْعارُهم وأجْسَامُهم يريدُ أنَّهم من كثرةِ أشْعَارِهم لا تظهر عَوْراتُهم.
(1)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 10/ 225.
بَابُ مَا جَاءَ في مَثَلِ النَّبِيِّ وَالأَنْبيَاءِ قَبْلَهُ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أجْمَعِيْنَ
(1)
1715 -
(2862) - (5/ 147) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْن حَيَّانَ بَصْرِيٌّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الأنبِيَاءِ قَبْلِي كَرَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا وَأَحْسَنَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا وَيَقُولُونَ لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ".
وفي البَابِ عَنْ أُبَيِّ بْن كَعْبٍ، وَأَبِي هُرَيْرَة. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "اللَّبِنَةُ": أي: فبِهِ صلى الله عليه وسلم تَتِمُّ الدَّارُ، وهي مَوضِعُ اللَّبِنَةِ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي مَثَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ.
بَابُ مَا جَاءَ في مَثَلِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ
1716 -
(2863) - (5/ 148 - 149) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْن سَلَّامٍ أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ حَدَّثَهُ أَنَّ الحَارِثَ الأشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِي إسْرَائِيْلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا، فَقَالَ عِيسَى: إِنَّ اللهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بَنِي إسْرَائِيْلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ وَإِمَّا أَنَا آمُرُهُمْ، فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، فَامْتَلَأَ المَسْجِدُ وَتَعَدَّوا عَلَى الشُّرَفِ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِخَمْس كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ، وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ: أَوَّلُهُنَّ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْترى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ، فَقَالَ: هَذِهِ دَارِي وَهَذَا عَمَلِي فَاعْمَلْ وَأَدِّ إِلَيَّ، فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُه كَذَلِكَ؟ وَإِنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَاتَلْتَفِتُوا فَإِنَّ اللهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ فإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثلِ رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا مِسْكٌ، فَكُلُّهُمْ يَعْجَبُ أَوْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا، وَإِنَّ رِيحَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ، وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ العَدُوُّ فَأَوْثَقُوا يَدَه إِلَى عُنُقِهِ وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَالَ: أَنَا أَفْدِيهِ مِنْكُمْ بِالقَلِيلِ وَالكَثِيرِ فَفَدَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ، وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللهَ فإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى
حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللهِ"، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ، وَالجِهَادُ، وَالهِجْرَةُ، وَالجَمَاعَةُ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلَام مِنْ عُنُقِهِ إلَّا أَنْ يَرْجعَ، وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ فَإنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ"، فقال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟ قَالَ: "وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ، فَادْعُوا بِدَعْوَى اللهِ الَّذِي سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ المُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: الحَارِثُ الأشْعَرِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ وَلَهُ غَيْرُ هَذَا الحَدِيثِ.
• قوله: "على الشُّرْفَةُ": شُرْفَةُ القَصْر -بالضمِّ- مفردٌ، وجمعُه شُرَفٌ كصُرَدٍ. القاموس
(1)
.
• قوله: "دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ": على وُجُوهٍ، منها: الاستِنْفَارُ بالقبائل كقولِه في غزوةٍ: "يا لَلْمُهَاجِرِيْنَ! يَا لَلْأنْصِار! " فقالَ صلى اللهُ تعالى عليه وسلَّم: "مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلَيَّةِ دَعُوْهَا فَإنَّهَا مُنْتِنَةٌ"
(2)
، ومنها: الاسْتِنانُ بسُنَّتِها.
• وقوله: "جُثَا جَهَنَّمَ": -بالحَاء أو الجيم- هي الجَماعةُ الَّذِين سبَقَ فيهم حكمُ اللهِ بالنَّار فمَنْ يَعْتَقِد دَعْوى الجَاهِلِيَّة دِيْنًا ينفَذ فيه هذا الوعيدُ، ومَنْ يفعلُ وهو يعتَقِدُها معصيةً كان في مشيئةِ اللهِ. ذكره القاضي
(3)
.
(1)
راجع: تاج العروس من جواهر القاموس للسيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي: 23/ 501.
(2)
راجع: صحيح البخاري، كتاب التفسير، ح: 4905، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما، ح:2584.
(3)
راجع: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: 10/ 229.
بَابُ مَا جَاءَ في مَثَلِ [الْمُؤْمِنِ] القَارِئِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ القَارِئِ
1717 -
(2866) - (5/ 150) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لا تَزَالُ الرِّيَاحُ تُفَيِّئُهُ، وَلا يَزَالُ المُؤْمِنُ يُصِيبُهُ بَلَاءٌ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ مَثَلُ شَجَرَةِ الأرْزِ لا تَهْتَزُّ حَتَّى تُسْتَحْصَدَ".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "تُفَيِّئُهُ": -بتَشْيدِيدِ الياءِ بعدَها همزةٌ- أي: تُحرِّكُه وتُمِيْلُه يمينًا وشمالًا، وتفسيرُه في الحديثِ وهو:"لَا يَزَالُ المُؤْمِنُ يُصِيبُهُ بَلَاءٌ".
بَابُ مَا جَاءَ مَثَل الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ
1718 -
(2868) - (5/ 151 - 152) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ"؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا".
وَفِي البَابِ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ القُرَشِيُّ عَنِ ابْنِ الهَادِ نَحْوَهُ.
• قوله: "يَمْحُو اللهُ": ما يَشاءُ. إنْ قيلَ: كيفَ يُناسِب هذا الحديثُ الصَّغائرَ على ما قالوا؟ قلتُ: باعتبار أنَّ الصَّغائرَ تُعْتَبَرُ كدَرَنِ ظَاهر الجَسَدِ فإنَّها لا تُؤثِّر إلا في الظَّاهر، وأمَّا الكبائرُ فإنَّه تؤثِّر في البَاطِن. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ [في] مَثَل ابْن آدَمَ وَأَجَلِهِ وَأَمَلِهِ
1719 -
(2870) - (5/ 152) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَي، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ المُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذِهِ وَمَا هَذِهِ، وَرَمَى بِحَصَاتَيْنِ"؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:"هَذَاكَ الأمَلُ وَهَذَاكَ الأجَلُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "هَذَاكَ الأمَلُ": كأنَّه أشارَ في الأوَّل إلى الأسْبَقِ الأقدم فخصَّه بالأمَل. والله تعالى أعلم.
1720 -
(2874) - (5/ 154) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبي الزِّنَادِ، عَن الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فجَعَلتِ الذُّبَابُ وَالفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَأنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهَا".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
• قوله: (وَالفَرَاشُ): -بفَتح الفاء- هي ما يَقَعُ في النَّار والسِّراج من الطَّائِر عادةً. قوله: "بحُجَزِكُمْ":- بضَمِّ المُهْمَلةِ، وفتح الجِيم، والزَّاء المُعْجَمةِ- جَمْعُ حُجْزَةٍ -بسكون الجيم- وهي مَعْقَد الإزَار، وحُجْزةُ السَّراويل ما فيه التكِّةُ. و"التَّقَحُّمُ": الدُّخولُ بتكُلِّفٍ.
أَبْوَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ
(1)
بَابُ مَا جَاءَ في سُورَةِ البَقَرَةِ
1721 -
(2880) - (5/ 158 - 159) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَخِيهِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ سَهْوَةٌ فِيهَا تَمْرٌ، فَكَانَتْ تَجِيءُ الغُولُ فَتَأْخُذُ مِنْهُ قَالَ: فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فَاذْهَبْ فَإِذَا رَأَيْتَهَا فَقُلْ: بِسْم اللهِ أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَأَخَذَهَا فَحَلَفَتْ أَنْ لا تَعُودَ فَأرْسَلَهَا، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا فعَلَ أَسِيرُكَ"؟ قَالَ: حَلَفَتْ أَنْ لَا تَعُودَ: فَقَالَ: "كَذَبَتْ، وَهِيَ مُعَاوِدَةٌ لِلْكَذِبِ"، قَالَ: فَأَخَذَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَحَلَفَتْ أَنْ لَا تَعُودَ فَأَرْسَلَهَا، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ"؟ قَالَ: حَلَفَتْ أَنْ لَا تَعُودَ. فَقَالَ: "كَذَبَتْ وَهِيَ مُعَاوِدَةٌ لِلْكَذِبِ"، فَأَخَذَهَا، فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِكِ حَتَّى أَذْهَبَ بِكِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنِّي ذَاكِرَةٌ لَكَ شَيْئًا آيَةَ الكُرْسِيِّ اقْرَأْهَا فِي بَيْتِكَ فَلا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ وَلَا غَيْرُهُ، قَالَ: فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ"؟ قَالَ:
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
فَأَخْبَرَه بِمَا قَالَتْ، قَالَ:"صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ". قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وفي البَابِ عَنْ أُبَيِّ بْن كَعْبٍ.
• قوله: (سَهْوَةٌ): -بفتح المُهمَلةِ، وسكون الهَاء- بيتٌ صغيرٌ ينْحَدِرُ في الأرض قليلًا.
بَابُ مَا جَاءَ في آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ
1722 -
(2882) - (5/ 159 - 160) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَرْمِيِّ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الأشْعَثِ الجَرْمِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْن بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَان". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيِبٌ.
• قوله: "فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ": ضُبِطَ بالنَّصْب على أنَّه جوابُ النَّفْي بالفَاء لكنَّ المعنى يَشْهَد أنَّه لا يَستقيم الجوابُ، فالوَجْهُ رفعُه على العَطف لكنَّ النَّصبَ يقتضي السَّبَبِيَّةَ كما في قوله:{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ}
(1)
وهي غيرُ ظاهرةٍ ههنا. والله تعالى أعلم.
(1)
فاطر: 36.
[بَابُ مَا جَاءَ في سُورَةِ آلِ عِمْرَان]
1723 -
(2883) - (5/ 160 - 161) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو عَبْدِ المَلِكِ العَطَّارِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْب، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُليْمَانَ عَنِ الوَليدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ عَنْ جُبَيْرِ بْن نُفيْرٍ، عَنْ نَوَّاسِ بْن سَمْعَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَأْتِي القُرْآنُ وَأَهْلُهُ اَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ"، قَالَ نَوَّاسٌ: وَضرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ:"تَأْتِيَانِ كَأَنَّهُمَا غَيَابَتَانِ وَبَيْنَهُمَا شُرَفٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ سَوْدَاوَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا ظُلَّةٌ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُجَادِلانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا".
وَفِي البَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ، وَأَبي أُمَامَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أهْلِ العِلم أَنَّهُ يَجِيءُ ثوَابُ قِرَاءَتِهِ كَذاْ فسَّرَ بَعْضُ أهْلِ العِلمِ هَذَا الحَدِيثَ وَمَا يُشبِهُ هَذَا مِنَ الأحَادِيثِ أَنَّهُ يَجِيءُ ثوَابُ قِرَاءَةِ القُرْآنِ. وفي حَدِيثِ النَّوَّاسِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا يَدُلُّ عَلَى مَا فَسَّرُوا إِذْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَأَهْلُهُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا"، فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ أَنَهُ يَجِيءُ ثوَابُ العَمَلِ.
• قوله: "مَا يَدُلُّ": دَلالَتُه، أي: لأنَّ المُناسِبَ بالعمل الثَّوابُ.
بَابُ مَا جَاءَ في [فَضْلِ] سُوَرَةِ الكَهْفِ
1724 -
(2885) - (5/ 161) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أنْبَأنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُول: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَقْرأُ سُورَةَ الكَهْفِ إِذْ رَأَى دَابَّتَهُ تَرْكُضُ، فَنَظَرَ فَإِذَا مِثْلُ الغَمَامَةِ أَوِ السَّحَابَةِ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"تِلْكَ السَّكِينَةُ نَزَلَتْ مَعَ القُرْآنِ أَوْ نَزَلَتْ عَلَى القُرْآنِ".
وَفِي البَابِ عَنْ أُسَيْدِ بْن حُضَيْرٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "تَرْكُضُ": رَكْض الدَّابةِ ضَرْبُها بالرِّجْل من جَنْبِها.
• قوله: "عَلَى القُرْآنِ": أي: لأجله.
بَابُ مَا جَاءَ في {إِذَا زُلْزِلَتِ}
1725 -
(2885) - (5/ 166) حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكَرَّمٍ العَمِّيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ:"هَلْ تَزَوَّجْتَ يَا فُلَانُ"؟ قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلا عِنْدِي مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ، قَالَ:"أَليْسَ مَعَكَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ"؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ:"ثُلُثُ القُرْآنِ"، قَالَ:"أَليْسَ مَعَكَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالفَتْحُ؟ " قَالَ: بَلَى، قَالَ:"رُبُعُ القُرْآنِ" قَالَ: "أَليْسَ مَعَكَ قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ؟ " قَالَ: بَلَى، قَالَ:"رُبُعُ القُرْآنِ"، قَالَ:"أَليْسَ مَعَكَ إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ؟ " قَالَ: بَلَى، قَالَ:"رُبُعُ القُرْآنِ" قَالَ: "تَزَوَّجْ تَزَوَّجْ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "تَزَوَّجْ": كأنَّه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم أشارَ أنَّ في المُؤمناتِ مَنْ تَرْغَبُ فيكَ لأجْل مَا معَك فلا حاجةَ لكَ في التزوُّج إلى المَال. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاء فِيمَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنَ القُرْآنِ مَا لَهُ مِنَ الأجْرِ
1726 -
(2911) - (5/ 176 - 177) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَذِنَ اللهُ لِعَبْدٍ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ رَكعَتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا، وَإِنَّ البِرَّ لَيُذَرُّ عَلَى رَأْسِ العَبْدِ مَا دَامَ فِي صَلَاتِهِ، وَمَا تَقَرَّبَ العِبَادُ إِلَى اللهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ"، قَالَ أَبُو النَّضْرِ: يَعْنِي القُرْآنَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَبَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ المُبَارَكِ وَتركَهُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ.
1727 -
(2915) - (5/ 178) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُوُل: يَارَبِّ! حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُوُل: يَا رَبِّ! زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ! ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَه وَلَمْ يَرْفَعْهُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وهَذَا أَصَحُّ عِنْدَنَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ شُعْبَةَ.
• قوله: "فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ، وَارْقَ": مِنَ رَقِيَ يرقى -بكسر القَافِ في الماضي، وفتحِها في المُضَارع- والرُّقِيُّ: الصُّعود، المعنى ارْقَ في الدُّرَجِ على قدر ما كنتَ تقرأ من القُرآن، فمَنِ اسْتَوفَى جميعَ آيةٍ اسْتَولَى على أقْصَى دُرَج الجنَّة، ومَنْ قَرأ جزءًا منها كانَ رقْيُه في الدُرَج على قدَر ذلك وهذا معنى ما جاءَ في بعض الرَّواياتِ "فإنَّ مَنْزِلَكَ آخِرَ آيَةٍ"
(1)
.
• قوله: "خَرَج مِنْهُ"، أي: ظهَر منه.
(1)
راجع: سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب: استحباب الترتيل في القراءة، ح:1464.
بَابُ حَدِيْثِ مَحْمُوْدِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ
(1)
1728 -
(2917) - (5/ 179 - 180) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْن غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَن الحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْن حصَيْنٍ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَاصٍ يَقْرَأُ، ثُمَّ سَأَلَ فَاسْتَرْجَعَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوُل: "مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللهَ بِهِ فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يَقرَؤونَ القرْآنَ يَسْأَلُونَ بِهِ النّاسَ".
وقَالَ مَحْمُودٌ: هَذَا خَيْثَمَةُ البَصْرِيُّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ جَابِرٌ الجُعْفِيُّ وَلَيْسَ هُوَ خَيْثَمَة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَيْثَمَةُ هَذَا شَيْخٌ بَصْرِيٌّ يُكْنَى أَبَا نَصْرٍ قَدْ رَوَى عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ أَحَادِيثَ، وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ الجُعْفِيُّ عَنْ خَيثَمَةَ هَذَا أيضًا أَحَادِيثَ، قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ.
• قوله: "ثُمَّ سَأَلَ"، أي: القَارئ. "فاسْتَرْجَعَ": أي: عمرانُ، أي: قال: إنّا للهِ وإنَّا إليه رَاجِعُوْنَ على مَا رأى من سؤالِ القارئ. والله تعالى أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ.
بَابُ مَا جَاءَ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم
1729 -
(2923) - (5/ 182 - 183) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عَبْد الله بْن عُبَيْدِ الله بْن أبِي مُليْكَةَ، عَنْ يَعْلى بْن مَمْلكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلمَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصَلاتِهِ، فَقَالَتْ: مَا لَكُمْ وَصَلاتَهُ؟ كَانَ يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى، ثُمَّ يُصَلِّي قَدْرَ مَا نَامَ، ثُمَّ يَنَامُ قدْرَ مَا صَلَّى حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ نَعَتَتْ قِرَاءَتَهُ، فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بْن سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْن مَمْلَكٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ، وَحَدِيثُ اللَّيثِ أَصَحُّ.
• قوله: "يُقَطِّعُ": من التَّقطيع بمعنى التَّرْتِيل والتَّأنِّي في القِراءة.
[بَابٌ]
1730 -
(2925) - (5/ 184) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ عَنْ سَالِمِ بْن أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ نَفْسَهُ بِالْمَوْقِفِ، فَقَالَ:"أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلْنِي إِلَى قَوْمِهِ؟ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "حَتَّى أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي": فيه بيانُ [أنَّ] القرآنَ كلامُ اللهِ تعالى.
أَبْوَابُ
(1)
الْقِرَاءَاتِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[بَابٌ في فَاتِحَةِ الكِتَابِ]
1731 -
(2929) - (5/ 186) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْن يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْن يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}
(2)
. حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ عَنْ يُونُسَ بْن يَزِيدَ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ يَزِيدَ هُوَ: أَخُو يُونُسَ بْن يَزِيدَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، قَالَ مُحَمَّدٌ: تَفَرَّدَ ابْنُ المُبَارَكِ بِهَذَا الحَدِيثِ عَنْ يُونُسَ بْن يَزِيدَ، وَهَكَذَا قَرَأَ أَبُو عُبَيْدٍ: العَيْنُ بِالعَيْنِ اتِّبَاعًا لِهَذَا الحَدِيثِ.
• قوله: "وَالعَيْنُ": بالرَّفْع.
1732 -
(2930) - (5/ 186) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زِيَادِ بْن أَنْعَمَ، عَنْ عُتْبَةَ بْن حُمَيْدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْن نُسَيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْن جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ:"هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ".
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ.
(2)
المائدة: 45.
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالقَوِيِّ، وَرِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ وَالإِفْرِيقِيُّ يُضَعَّفَانِ فِي الحَدِيثِ.
• "هَلْ تَسْتَطِيْعُ": على صيغةِ الخطَاب، ونصب "رَبَّكَ"، أي: هل تسألُ ربَّك؟
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ هُودٍ]
1733 -
(2931) - (15/ 187) حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا ثابِتُ البُنَانِيُّ عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ:"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَؤُهَا "إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ نَحْوَ هَذَا وَهُوَ حَدِيثُ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أيضًا عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَ: وسَمِعْت عَبْدَ بْنَ حُمَيْدٍ، يَقُولُ: أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ هِيَ أُمُّ سَلَمَةَ الأنْصَارِيَّةُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: كِلَا الحَدِيثَيْنِ عِنْدِي وَاحِدٌ، وَقَدْ رَوَى شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ غَيْرَ حَدِيثٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ الأنْصَارِيَّةِ وَهِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ"، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوُ هَذَا.
1734 -
(2932) - (5/ 187) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَحَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا هَارُونُ النَّحْوِيُّ عَنْ ثَابتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: "إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ".
• قوله: "عَمِلَ": على صِيغَةِ الماضي، ونَصْبِ "غَيْرَ صَالِح".
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ]
1735 -
(2934) - (5/ 188) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعْدِ بْن أَوْسٍ، عَنْ مُصَدَّعٍ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْن كعْبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ: {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}
(1)
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قِرَاءَتُهُ، وَيُرْوَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَمْرَو بْنَ العَاصِ اخْتَلَفَا فِي قِرَاءَةِ هَذِهِ الآيَةِ وَارْتَفَعَا إِلَى كَعْبِ الأحْبَارِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَاسْتَغْنَى بِرِوَايَتِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى كعْبٍ.
• قوله: "اخْتَلَفَا": في الكشَّاف
(2)
وكان ابنُ عبَّاس- رضي الله تعالى عنهما- عندَ معاويةَ فقرأ معاويةُ: "حَامِيَةٍ"، فقال ابنُ عبَّاس:"حَمِئَةٍ"، فقال معاويةُ لعَبْد اللهِ بْن عمرَ: وكيف تقرأ؟ قال: كما يقرأ أميرُ المؤمنين، ثمَّ وجَّه إلى كعب الأحْبار كيف تجدُ الشَّمسَ تغرُب؟ قال: في ماءٍ وطينٍ كذلك نجدُه في التَّوراةِ، فوافَق قولَ ابن عبَّاس. وحَمِئَةٍ: بمعنى ماءٌ ذو طِيْنٍ. وحَامِيَة: بمعنى حارَّة ولا تنافي فجائزٌ أنْ تكونَ العَيْنُ جَامِعةً للوَصْفَيْن جميعًا.
(1)
الكهف: 86.
(2)
راجع: تفسير العلامة الزمخشري: الكشاف عن غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: 3/ 611.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ الرُّومِ]
1736 -
(2936) - (5/ 189) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ النَّحْوِيُّ عَنْ فُضَيْلِ بْن مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قرَأ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ}
(1)
فَقَالَ: "مِنْ ضُعْفٍ".
حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ فُضَيْلِ بْن مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَانَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلِ بْن مَرْزُوقٍ.
• قوله: "مِنْ ضَعْفٍ": "ضَعْف" الأوَّل بفتح الضَّاد، والثَّاني بضَمِّها.
(1)
الروم:54.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ]
1737 -
(2938) - (5/ 190) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ هَارُونَ الأعْوَرِ، عَنْ بُدَيْلِ بْن مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ:"فَرُوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيْم"
(1)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَارُونَ الأعْوَرِ.
• (فَرُوْحٌ): بضَمِّ الرَّاء.
(1)
الواقعة:89.
بَابُ مَا جَاءَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ
1738 -
(2943) - (5/ 193 - 194) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْن الزُّبَيْرِ، عَنْ المِسْوَرِ بْن مَخرَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القارِيَّ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، يَقُولُ: مَرَرْتُ بِهِشَامِ بْن حَكِيمِ بْن حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَمَعْتُ قِرَاءَتَهُ، فَإِذَا هُوَ يَقْرأُ عَلَى حُرُوفٍ كثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاةِ، فَنَظَرْتُهُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَمَّا سَلَّمَ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَؤُهَا؟ فَقَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ وَاللهِ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَهُوَ أَقْرَأَنِي هَذهِ السُّورَةَ الَّتِي تَقْرَؤُهَا. فَانْطَلَقْتُ أَقُودُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، وَأَنْتَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الفُرْقَانِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ"، فَقَرَأَ القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُه، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَكَذَا أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأْ يَا عُمَرُ"، فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَكَذَا أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَؤوا مَا تَيَسَّرَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى مَالِكُ بْن أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ.
• قوله: (أَحْرُفٍ)، أي: سَبع لُغَاتٍ هي أفصحُ اللُّغاتِ، والظَّاهرُ أنَّه رخَّص لهم في القِراءَةِ بأيَّة لغةٍ تسهل عليهم القراءةُ بِها، وهذا [هو]، المُناسِب بالكلام السَّابقِ. والله تعالى أعلم.
• قوله: "فَنَظَرْتُ"، أي: انْتَظرتُ.
بَاب حَدِيْثِ مَحْمُوْدِ بْن غَيْلَانَ عَنْ أبىْ هُرَيْرَةَ
1739 -
(2948) - (5/ 197 - 198) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بْنُ الرَّبِيع، حَدَّثَنَا صَالِحٌ المُرِّيُّ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْن أَوْفَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَال رَجُل: يَا رَسُولَ اللهِ! أيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "الحَالُّ المُرْتَحِلُ". قَالَ: وَمَا الحَالُّ المُرْتَحِلُ؟ قَالَ: "الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ القُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَن غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَإِسْنَادُه لَيْسَ بِالقَوِيِّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمِ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ المُرِّيُّ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْن أَوْفَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نحْوَهُ وَلَمْ يَذْكرْ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وهَذَا عِنْدِي أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ نَصْرِ بْن عَلِيٍّ عَنِ الهَيْثَمِ بْن الرَّبِيعِ.
• قوله: "الحَالُّ": من الحُلُولِ وهو نزُولُ المُسافِر المُرتِحل المبتدئ في السَّير، والمرادُ الخَاتِم المُفتتح، أي: الذي كلَّما ختَم القرآنَ افتتحَ ثانيةً.
1740 -
(2949) - (5/ 198) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن الشِّخِّيرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثٍ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
• قوله: "يَفْقَهُ": فَقِهَ كسَمِع إذا فَهِم، وككرُم إذا صار فقيهًا.
أَبْوَابُ
(1)
تَفْسِير الْقُرْآن عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
[بَابُ مَا جَاءَ في الَّذِى يُفَسِّرُ القُرْآنَ برَأْيهِ]
1741 -
(2950) - (5/ 199) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْن غَيْلانَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الأعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "بِغَيْرِ عِلْمٍ": ظاهرُه بغَير علمٍ بمعناه، وحينئذٍ ينبغي أنْ لا يتكلَّم أحدٌ في معنى القرآنِ إلا بعدَ أنْ عَلِم أنَّ هذا الذي يقولُه معناه وهو مشكل، ولذلك حملوا على أنَّ المرادَ به بغير عِلْمٍ بما يتوَقَّفُ عليه القولُ في معناه، فالمرادُ العلمُ بمُقَدَّمَاتِ القولِ كالعلوم الآليةِ وعلى هذا العملُ. والله تعالى أعلم.
1742 -
(2952) - (5/ 200) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَزْمٍ أَخُو حَزْمٍ القِطَعِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ.
عِمْرَانَ الجَوْنيُّ عَنْ جُنْدَب بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ "وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ بَعْض أَهْلِ العِلْم مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي هَذا فِي أنْ يُفسَّرَ القرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقتَادَةَ وَغيْرِهِمَا مِنْ أهْلِ العِلْمِ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا القُرْآنَ، فَلَيْسَ الظَّنّ بهِمْ انهمْ قالوا فِي القرْآنِ أوْ فسَّرُوه بِغَيْرِ عِلم أوْ مِنْ قِبَلِ أنفسِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا مِنْ قِبَلِ أنفسِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَقدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي سُهَيْلِ بْن أَبِي حَزْمٍ.
حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيٍّ البَصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ إِلَّا وَقَدْ سَمِعْتُ فِيهَا بِشَيْئٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الأعْمَشِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ كنْتُ قَرَأْتُ قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لمْ أحْتَجْ إلى أنْ أسْأَلَ ابْنَ عَبّاسٍ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ القرْآنِ مِمَّا سَأَلْتُ.
• قوله: "بِرَأْيِهِ"، أي: بمُجرَّد الرَّأي من غير استِنادِه إلى العلوم التي يتوقَّف عليها القولُ في القرآن. والله أعلم.
• قوله: "فَأَصَابَ"، أي: فيمَا قالَ فقد أخطأ في نفسِ القَوْلِ إذ لم يَجُزْ له أنْ يقولَ كذلك.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ فَاتِحَةِ الكِتَاب]
1743 -
(2953) - (5/ 201 - 204) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ، غَيْرُ تَمَامٍ" قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ، قَالَ: يَا ابْنَ الفَارِسِيِّ! فَاقْرَأْهَا فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَالَ الله تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلعَبْدِي مَا سَأَلَ، يَقْرَأ الْعَبْدُ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَيَقُولُ اللهُ حَمِدَنِي عَبْدِي، فَيَقُولُ:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فَيَقُولُ اللهُ أثنَى عَلَيَّ عَبْدِي، فَيَقُولُ:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فَيَقُولُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي وَهَذَا لِي وَبَيْني وَبَيْنَ عَبْدِيْ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وَآخِرُ السُّورَةِ لِعَبْدِي، وَلعَبْدِي مَا سَأَلَ، يَقُولُ:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}
(1)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن. وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ، وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالِكُ بْنُ أنسٍ عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامٍ بْنِ زُهْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي أوَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ العَلاءِ بْنِ
(1)
الفاتحة: 1 - 7.
عَبْدِ الرَّحْمَن، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبي، وَأَبُو السَّائِبِ، عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ عَن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا.
أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الفَارِسِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
حَدَّثَني أَبِي، وَأَبُو السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ - وَكَانَا جَلِيسَيْنِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الحَدِيتِ كِلَا الحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ. وَاحْتَجَّ بِحَدِيتِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ العَلَاءِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ. أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ القَوْمُ: هَذَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَجِئْتُ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا كتَابٍ، فَلَمَّا دُفِعْتُ إِلَيْهِ أَخَذَ بِيَدِي، وَقَدْ كَانَ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ:"إِنِّي لأرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللهُ يَدَهُ فِي يَدِي"، قَالَ: فَقَامَ فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَصَبِيٌّ مَعَهَا، فَقَالا: إِنَّ لنَا إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَامَ مَعَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُمَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي حَتَّى أَتَى بِي دَارَه، فَأَلْقَتْ لَهُ الوَليدَةُ وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا، وَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"مَا يُفِرُّكَ أَنْ تَقُولَ لا إِلَهَ إِلَا اللهُ، فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ سِوَى اللهِ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: لا. قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا تَفِرُّ أَنْ تَقُولَ اللهُ أَكْبَرُ، وَتَعْلَمُ شَيْئًا أَكْبَر مِنَ اللهِ؟ " قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ:"فَإِنَّ اليَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ النَّصَارَى ضُلَّالٌ"، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي وَجِئْتُ مُسْلِمًا، قَالَ: فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ تَبَسَّطَ فَرَحًا، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِي فَأُنْزِلْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ جَعَلْتُ أَغْشَاهُ آتِيهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا
عِنْدَهُ عَشِيَّةً إِذْ جَاءَه قَوْمٌ فِي ثِيَاب مِنَ الصُّوفِ مِنْ هَذِهِ النِّمَارِ، قَالَ: فَصَلَّى وَقَامَ فَحَثَّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ:"وَلَوْ صَاعٌ وَلَوْ بِنِصْفِ صَاعٍ وَلَوْ بقَبْضَة وَلَوْ بِبَعْضِ قَبْضَةٍ يَقِي أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ حَرَّ جَهَنَّمَ أَوِ النَّارِ وَلَوْ بِتَمْرَةٍ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَاقِي اللهَ وَقَائِلٌ لَهُ مَا أَقُولُ لَكُمْ: أَلمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا؟ فَيَقُوُل: بَلَى، فَيَقُوُل: أَلمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالًا وَوَلَدًا؟ فَيَقُوُل: بَلَى، فَيَقُوُل، أَيْنَ مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَيَنْظُرُ قُدَّامَهُ وَبَعْدَه، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ لا يَجِدُ شَيْئًا يَقِي بِهِ وَجْهَهُ حَرَّ جَهَنَّمَ، لِتقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، فَإِنِّي لا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الفَاقَةَ، فَإِنَّ اللهَ نَاصِرُكُمْ وَمُعْطِيكُمْ حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ فِيمَا بَيْنَ يَثْرِبَ وَالحِيرَةِ أَوْ أَكْثَرَ مَا يُخَافُ عَلَى مَطِيَّتِهَا السَّرَقُ"، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُوُل فِي نَفْسِي: فَأَيْنَ لُصُوصُ طَيِّئٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبِ. وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الحَدِيثَ بِطُولهِ.
• قوله: "قَسَمْتُ الصَّلاةِ"، أي: فجعلتُ الصَّلاةَ مقسُومَةً بقِسْمةِ الفَاتِحَة ولا يَسْتقِيْم قسمةَ الصَّلاةِ بقِسْمةِ الفَاتِحَة إلا إذَا كانَتْ لازمةً في الصَّلاةِ، ولذا استدَلّ أبو هريرةَ بِهذه القسمةِ على لُزُوْم الفاتحةِ في الصَّلاةِ.
• وقوله: "وَقَائِلٌ"، أي: واللهُ قائلٌ له.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ]
1744 -
(2956) - (5/ 205) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْن مُنبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوُل اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلهِ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}
(1)
قَالَ: "دَخَلُوا مُتَزَحِّفِين عَلَى أَوْرَاكِهِمْ". وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}
(2)
قَالَ: "قَالُوا حَبَّةٌ في شَعْرَةٍ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مُتَزَحِّفِينَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ": مِنْ زَحَف الصَّبِيُّ: دَبَّ على إسْتِه.
• قوله: "حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ": بفَتْح مُهْملةٍ وشدَّةِ موَحَّدةٍ. و"شَعْرَةٌ": - بسكُوْنِ مُهْملَةٍ وفَتْحِها - وهو كلامٌ مهملٌ وغَرْضُهم بذلك مُخالَفةُ مَا أمِرُوْا به مِنْ كلامٍ مُسْتَلْزِمٍ للاسْتغفار، وطلب حَطِّ العُقُوبَةِ.
1745 -
(2961) - (5/ 207) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو معَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلهِ:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}
(3)
قَالَ: "عَدْلًا". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(1)
البقرة: 58.
(2)
البقرة: 59.
(3)
البقرة: 143.
حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا الأعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُدْعَى نُوحٌ فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُوُل: نَعَمْ، فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرِ، وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ، فَيَقُولُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُوُل مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ"، قَالَ:"فيُؤْتَى بكُمْ تَشهَدُونَ أَنَّهُ قدْ بَلَّغَ"، فذلِكَ قوْل اللهِ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}
(1)
وَالوَسَطُ: العَدْلُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عَنِ الأعْمَشِ نَحْوَهُ.
• قوله: "قَالَ: "عَدْلًا": تَسْمِيةُ الْعَدْل بالوَسْط؛ لأنَّ العَدالةَ تَحْصُل بتوَسُّطِ القُوَى الشَّهْويَّةِ والغَضْبِيَّةِ مثلًا من الإفراطِ والتَّفْريطِ.
1746 -
(2963) - (5/ 208) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانُوا رُكُوعًا فِي صَلاةِ الفَجْرِ. وفي البَابِ عَنْ عَمْرِو بْن عَوْفٍ المُزَنِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعُمَارَةَ بْن أَوْسٍ، وَأَنَسِ بْن مَالِكٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فِي صَلاةِ الفَجْرِ": وقد قيلَ: الَّذِين كانُوا في صلاةِ الْعَصْر ومعَهم الخَبرُ غير الَّذِين كانوا في صلاةِ الْفَجر وبلَغَهم الخَبر.
1747 -
(2964) - (5/ 208) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَأَبُو عَمَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الكَعْبَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ
(1)
البقرة: 143.
يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ الله {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}
(1)
الآيَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إيْمَانَكُمْ"، أي: صلاتَكم لبيتِ المَقْدِس.
1748 -
(2966) - (5/ 209) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الأحْوَلِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الصَّفَا وَالمَرْوةِ، فَقَالَ: "كَانَا مِنْ شَعَائِرِ الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلامُ أَمْسَكْنَا عَنْهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تبارك وتعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}
(2)
قَالَ: "هُمَا تَطَوُّعٌ"{وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}
(3)
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيحٌ.
• قوله: " أَمْسَكْنَا"، أي: معشرَ الأنْصَار.
1749 -
(2972) - (5/ 212) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْن حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ حَيْوَةَ بْن شُرَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْن أَبِي حَبِيبِ، عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ، قَالَ: كُنَّا بِمَدِينةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيَمًا مِنَ الرُّومِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ المُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ، وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَعَلَى الجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، فَحَمَلَ رَجُل مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ، فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللهِ يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ. فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَتُؤَوِّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللهُ الإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ
(1)
البقرة: 143.
(2)
البقرة: 158.
(3)
البقرة: 158.
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَمْوَالنَا قَدْ ضَاعَتْ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى نَبيِّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
(1)
فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأمْوَالِ وَإِصْلَاحِهَا، وَتَرْكنَا الغَزْوَ فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصًا فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرُّومِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "شَاخِصًا"، أي: قائمًا.
1750 -
(2980) - (5/ 216) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأشْعَرِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْن أَبِي المُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكْتُ، قَالَ:"وَمَا أَهْلَكَكَ"؟ قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ، قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، قَالَ: فَأُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذ الأيَةُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(2)
أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالحَيْضَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَيَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأشْعَرِيُّ هُوَ: يَعْقُوبُ القُمِّيُّ.
• قوله: "حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ": كنَّى بالرَّحْل عن المَرأةِ، وبتَحْوِيْلِها الذَّهاب إليها من طَرْفِ الدُّبُر وإن كانَ في القُبل.
(1)
البقرة: 195.
(2)
البقرة: 223.
1751 -
(2982) - (5/ 217) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، قَالَ: وحَدَّثَنَا الأنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، عَنِ القَعْقَاعِ بْن حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، مَوْلَى عَائِشَةَ، قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنْ أَكْتُبَ لهَا مُصْحَفًا، فَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الآيَةَ فآذِنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}
(1)
فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى وَصَلاةِ العَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ"، وَقَالَتْ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَفِي البَابِ عَنْ حَفْصَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قول: "وَصَلاة": ظُاهِرُ العَطف أنَّها لَيْسَتْ كصَلاة العصر، ومقتضى الحديثِ الثَّاني أنَّها العَصْرُ فينبغي أنْ تُجْعَل الواوُ للتَّفْسِير جَمْعًا بينَ الحَديثَيْن.
1752 -
(2986) - (5/ 218) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الحَارِثِ بْن شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍ والشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زيدِ بْن أَرْقَمَ، قَالَ: كُنَّا نَتكَلَّمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الصَّلاةِ فَنَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}
(2)
فَأُمُرْنَا بِالسُّكُوتِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْنُ أَبِي خَالِدٍ نَحْوَه، وَزَادَ فِيهِ: وَنُهِينَا عَنِ الكَلَامِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيتٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ اسْمُهُ: سَعْدُ بْنُ إِيَاسٍ.
(1)
البقرة: 238.
(2)
البقرة: 238.
• قوله: "بِاْلسُّكُوتِ": عن الكَلام الغَير الجَائِز في الصَّلاةِ عن مُطْلَق الكلامِ بجَواز الأذْكار والقُرآن، وعلى هذا فمعنى قوله تعالى:{قَانِتِينَ} أي: ساكِتِيْن.
1753 -
(2987) - (5/ 218 - 219) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ البراءِ، {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}
(1)
قَالَ: نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ، كُنَّا أَصْحَابَ نَخْلٍ فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي مِنْ نَخْلِهِ عَلَى قَدْرِ كثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِالقِنْوِ وَالقِنْوَيْنِ فَيُعَلِّقُهُ فِي المَسْجِدِ، وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا جَاعَ أَتَى القِنْوَ فَضَرَبَهُ بِعَصَاه فَيَسْقُطُ مِنَ البُسْرِ وَالتَّمْرِ فَيَأْكُلُ، وَكَانَ نَاسٌ مِمَّنْ لا يَرْغَبُ فِي الخَيْرِ يَأْتِي الرَّجُلُ بالقِنْوِ فِيهِ الشِّيصُ وَالحَشَفُ، وَبِالقِنْوِ قَدِ انْكَسَرَ فَيُعَلِّقُهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}
(2)
قَالُوا: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ مِثْلُ مَا أَعْطَاه لَمْ يَأْخُذْه إِلَّا عَلَى إِغْمَاضٍ وَحَيَاءٍ. قَالَ: فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي أَحَدُنَا بِصَالِحِ مَا عِنْدَهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو مَالِكٍ هُوَ الغِفَارِيُّ وَيُقَالُ اسْمُهُ: غَزْوَانُ، وَقَدْ رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ شَيْئًا مِنْ هَذَا.
• قوله: "الشِّيصُ": هو -بكسر المُعْجَمة، وسكونِ التَّحتِيَة، وبصادٍ مُهملةٍ- ثمرٌ لا يَشْتَدُّ نواه وقد لا يكون له نواةٌ وهو الرَّدي من التَّمر أو البُسْر.
(1)
البقرة: 267.
(2)
البقرة: 267.
1754 -
(2988) - (5/ 219 - 220) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَللْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فمَنْ وَجَدَ ذلِك فليَعْلمْ أَنَّهُ مِنَ اللهِ فليَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"، ثُمَّ قَرَأَ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}
(1)
الآيَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي الأَحْوَصِ لا نَعْلَمُهُ مَرْفُوعًا إِلَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الأحْوَصِ.
• قوله: "لَمَّةُ": -بفَتح اللَّام، وتشديدِ الميم- هي المرَّة من الإلْمَام بمعنى النُّزولِ، أي: لأنَّ للشَّيْطان قُرْبًا من ابن آدمَ.
1755 -
(2989) - (5/ 220) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ عَدِيِّ بْن ثَابتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ:{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
(2)
وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}
(3)
قَالَ: وَذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى
(1)
البقرة: 268.
(2)
المؤمنون: 51.
(3)
البقرة: 172.
السَّمَاءِ يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيبٌ. وَإِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلِ بْن مَرْزُوقٍ. وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ: الأشْجَعِيُّ اسْمُهُ: سَلْمَانُ مَوْلَى عَزَّةَ الأَشْجَعِيَّةِ.
• قوله: "وَذَكَرَ الرَّجُلَ": تَوضِيحٌ لِمَا يتَّرتَّبُ على تناوُل الخَبيثِ من الفَساد.
1756 -
(2992) - (5/ 221 - 222) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ آدَمَ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْر، عَن ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}
(1)
قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا"، فَأَلْقَى اللهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ}
(2)
(3)
قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}
(4)
قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا}
(5)
الآيَةَ قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.
(1)
البقرة: 284.
(2)
البقرة: 285.
(3)
البقرة: 286.
(4)
البقرة: 286.
(5)
البقرة: 286.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَآدَمُ بْن سُلَيْمَانَ هُوَ وَالِدُ يَحْيىَ بْن آدَمَ. وفي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
• وقوله: "فَأَلْقَى اللهُ الإِيمَانَ"، أي: الطَّمأنِيْنةَ والقرارَ.
• قوله: "مِنْهُ شَيْءٌ"، أي: لم يَدْخُلْ منه شيءٌ من القُرآن.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ]
1757 -
(2994) - (5/ 223) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْن حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ القَاسِمِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذِهِ الآيَةِ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ}
(1)
إِلَى آخِرِ الآيَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ تتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ هَذَا الْحَدِيثُ، وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنِ القَاسِمِ بْن مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُسْتَرِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ فِي هَذَا الحَدِيثِ. وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ هُوَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْن أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ أيضًا.
• قوله: "سَمَّاهُمُ اللهُ"، أي: ذكرَهم اللهُ.
• قوله: "فإِذَا رَأَيْتُم": -باليَاء للإمالةِ وإشْباع الكَسْرةِ- ومشَاكَلة فاعْرِفْهم، والمراد: فاعْرِفْهم للاحْتراز عن الوُقُوع في عقيدَتِهم.
1758 -
(2995) - (5/ 223 - 224) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
(1)
آل عمران: 7.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلاةً مِنَ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ وَلِيِّى أَبِي وَخَليلُ رَبِّي"، ثُمَّ قَرَأَ:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}
(1)
.
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو نَعِيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ. وَأَبُو الضُّحَى اسْمُهُ: مُسْلِمُ بْنُ صَبِيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي نَعِيْمٍ وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ.
• قوله: "وُلَاةً"، أي: أحِبَّاء.
1759 -
(3000) - (5/ 226) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الرَّبِيعِ بْن صَبِيحٍ، وَحَمَّادُ بْن سَلَمَةَ عَنْ أَبِي غَالِبٍ، قَالَ: رَأَى أَبُو أُمَامَةَ رُؤُوسًا مَنْصُوبَةً عَلَى دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: كِلَابُ النَّارِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوه، ثُمَّ قَرَأَ:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}
(2)
إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قُلْتُ لِأبِي أُمَامَةَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا حَتَّى عَدَّ سَبْعًا مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَن. وَأَبُو غَالِبٍ يُقَالُ اسْمُهُ: حَزَوَّرٌ. وَأَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ اسْمُهُ: صُدَيُّ بْنُ عَجْلَانَ وَهُوَ سَيِّدُ بَاهِلَةَ.
(1)
آل عمران: 68.
(2)
آل عمران: 106.
• قوله: "كِلَابُ النَّارِ": خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: أصحابُها.
• وقوله: "خَيْرُ قَتْلَى": مبتدأ، خبرُه مَنْ "قَتَلُوْه"، وقَتْلَي بمعنى مقتولٍ في الأوَّل، وقاتلٍ في الثَّاني، ويمكنُ أنْ يكونَ في الثَّاني بمعنى مَفْعولٍ أيضًا وهي رؤوسُ الخَوارج. وقيل: هم المُرْتَدُوْن. وقيل: هم المُبْتَدِعُوْن.
1760 -
(3007) - (5/ 229) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: رَفَعْتُ رَأْسِي يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ وَمَا مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ أحَدٌ إِلَّا يَمِيدُ تَحْتَ حَجَفَتِهِ مِنَ النُّعَاسِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل:{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا}
(1)
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح. حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبَادَةَ عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيحٌ.
• قوله: "إِلَّا يَمِيدُ": يَضْطَرب ويتَحرَّك. وقيل: مِنْ جَانبٍ إلى جانبٍ.
(1)
آل عمران: 154.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَةِ النِّسَاءِ
1761 -
(3023) - (5/ 237) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ:"يَا رَسُولَ اللهِ! لا أَسمَعُ اللهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الهِجْرَةِ". فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}
(1)
.
• قوله: "بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ": لعلَّ فيه إشارةً إلى تَرْكِ ذِكْرهِنَّ في كثيرٍ من المواضِع لما بينَهُنَّ وبينَ الرِّجالِ من الاتِّحادِ فيكتفي بذكرهم عن ذكرهِنَّ.
1762 -
(3026) - (5/ 238) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأعْمَشِ نَحْوَ حَدِيتِ مُعَاوِيَةَ بْن هِشَامٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: "صَنَعَ لنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا فَدَعَانَا وَسَقَانَا مِنَ الخَمْرِ، فَأَخَذَتِ الخَمْرُ مِنَّا، وَحَضَرَتِ الصَّلاة فَقَدَّمُونِي فَقَرَأْتُ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}
(2)
وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَما تَعْبُدُونَ". قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}
(3)
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
(1)
آل عمران: 195.
(2)
الكافرون: 1 - 2.
(3)
النساء: 43.
• قوله: "فَأَخَذَتِ [الخَمْرُ] مِنَّا"، أي: بلَغَتْ محلَّه في التَّاثير، أي: أخَذَتِ الْعَقْلَ مِنَّا.
• قوله: "لاتَقْرَبُوْا الصَّلَاةَ
…
" إلخ، لعلَّ المرادَ نَهْي النَّاس عن مُباشَرةِ السَّكْر قرب الصَّلاة لا نَهي السُّكَارَى إذْ لا يَفْهَمون فكيفَ يُخَاطَبون. والله تعالى أعلم.
1763 -
(3027) - (5/ 238 - 239) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابِ، عَنْ عرْوَةَ بْن الزبَيْرِ أنهُ حَدَّثهُ أنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزّبَيْرِ حَدثهُ أنّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجِ الحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ المَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ:"اسْقِ يَا زُبَيْرُ! وَأَرْسِلِ المَاءَ إِلَى جَارِكَ". فَغَضِبَ الأنصَارِيُّ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:"يَا زُبَيْرُ! اسْقِ وَاحْبِسِ المَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الجُدُرِ"، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ إِنِّي لأحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}
(1)
الآيَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُوُل: قَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ اللَّيْثِ بْن سَعْدٍ، وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ، وَرَوَى شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ.
(1)
النساء: 65.
• قوله: "أَنْ كَانَ":-بفَتْح الهمزةِ- أي: حكمتَ بذلك؛ لكونِه ابن عمَّتِك.
1764 -
(3028) - (5/ 239) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْن ثَابتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ "عَنْ زَيْدِ بْن ثَابِتٍ في هَذِهِ الآيَةِ {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}
(1)
قَالَ: رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ: فَرِيق يَقُولُ: اقْتُلْهُمْ، وَفَرِيقٌ يَقُوُل: لَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}
(2)
وَقَالَ: "إِنَّهَا طِيبَةُ" وَقَالَ: "إِنَّهَا تَنْفِي الْخَبِيْثَ كمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيَدَ هُوَ: الأنْصَارِيُّ الْخَطْمِيُّ وَلَهُ صُحْبَة.
• قوله: "إِنَّهَا طِيبَةُ
…
" إلخ، أي: فهي تغني عن قَتْلِهم. والله تعالى أعلم.
1765 -
(3029) - (5/ 240) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَلمَملَّمَ، قَالَ:"يَجِيءُ المَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخُبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ! قَتَلَني هَذَا، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ العَرْشِ"، قَالَ:
(1)
النساء: 88.
(2)
النساء: 88.
فَذَكرُوا لِابْنِ عَبَّاسٍ التَّوْبَةَ، فَتَلَا هَذِهِ الآيَةَ:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}
(1)
قَالَ: مَا نُسِخَتْ هَذه الآيَةُ وَلا بُدِّلَتْ وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
• قوله: "نَاصِيَتُهُ"، أي: القاتِل. "بِيَدِهِ"، أي: بيدِ المقتولِ.
• قوله: "وَأنَّى لهُ التّوْبَةُ": كأنّه أرَادَ التَّغليظَ في أمر القتْل وإلا فقد قال اللهُ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}
(2)
وذلك بلا تَوبةٍ فكيف بالتَّوبةِ. والله تعالى أعلم.
1766 -
(3031) - (5/ 240 - 241) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ بْن عَازِبِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
(3)
جَاءَ عَمْرُو ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: - وَكانَ ضَرِيرَ البَصَرِ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا تَأْمُرُنِي إِنِّي ضَرِيرُ البَصَرِ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}
(4)
الآيَةَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ائْتُوني بِالكَتِفِ وَالدَّوَاةِ"، أَوْ "اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَيُقَالُ: عَمْرُو ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَيُقَالُ: عَبْدُ اللهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَائِدَةَ، وَأُمُّ مَكْتُومٍ أُمُّهُ.
(1)
النساء: 93.
(2)
النساء: 48.
(3)
النساء: 95.
(4)
النساء: 95.
• قوله: "غُيْرُ أوْلي الضَّرَرِ": كأنَّ تأخيرَ مثلِه لإظهار شَرْف ابن أمِّ مكتومٍ. والله تعالى أعلم.
1767 -
(3032) - (5/ 241) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْج، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الكَرِيم سَمِعَ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْن الحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ قَالَ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}
(1)
عَنْ بَدْرٍ، وَالخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ لَمَّا نَزَلَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشِ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: "إِنَّا أَعْمَيَانِ يَا رَسُولَ اللهِ! فَهَلْ لنَا رُخْصَةٌ؟ فَنَزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}
(2)
وَ {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ}
(3)
{عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً}
(4)
فَهَؤُلاءِ القَاعِدُونَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}
(5)
دَرَجَاتٍ مِنْهُ عَلَى القَاعِدِينَ مِنَ المُؤمِنينَ غَيْرِ أُولي الضَّرَرِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمقْسَمٌ يُقَالُ: هُوَ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْن الحَارِثِ، وَيُقَالُ: هُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو القَاسِمِ.
• قوله: "أنَّهُ قَالَ لا يسْتَوِيْ"، أي: أنَّه فسَّر القاعدين عن بدرٍ والخارِجين إلى بدرٍ، واستَشْهد بشأن النُّزولِ وهو ما ذكره بقوله: "لَمَّا
(1)
النساء: 95.
(2)
النساء: 95.
(3)
النساء: 95.
(4)
النساء: 95.
(5)
النساء: 95.
نَزَلَتْ غَزْوَةُ بَدْر"، أي: حضَرتْ ثمَّ ذكر التَّوفيقَ بين قولِه تعالى: {عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً}
(1)
و {عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}
(2)
بلا عُذرٍ.
1768 -
(3033) - (5/ 242) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْن كيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابِ حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ جَالِسًا فِي المَسْجِدِ فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابتٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمْلَى عَلَيْهِ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
(3)
{وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
(4)
قَالَ: فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمْلِيْهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَاللهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الجِهَادَ لَجَاهَدْتُ، وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ حَتَّى هَمَّتْ تَرُضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}
(5)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْن سَعْدٍ نَحْوَ هَذَا، وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ قَبِيصَةَ بْن ذُؤَيْبِ، عَنْ زَيْدِ بْن ثَابِتٍ. وفي هَذَا الحَدِيثِ رِوَايَةُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ مِنَ التَّابِعِينَ رَوَاه سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ الأنْصَارِيُّ، عَنْ مَرْوَانَ بْن الحَكَمِ، وَمَرْوَانُ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ.
(1)
النساء:95.
(2)
النساء:95.
(3)
النساء:95.
(4)
النساء:95.
(5)
النساء:95.
• قوله: " تَرِضُّ": بالكَسْر.
1769 -
(3036) - (5/ 244 - 247) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْن أَبِى شُعَيْبٍ أَبُو مُسْلِمٍ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاَقَ عَنْ عَاصِمِ بْن عُمَرَ بْن قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَتَادَةَ بْن النُّعْمَانِ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَّا يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو أُبَيْرِقٍ بِشْرٌ وَبَشِيْرٌ وَمُبَشِّرٌ، وَكَانَ بَشِيْرٌ رَجُلًا مُنَافِقًا يَقُولُ الشِّعْرَ يَهْجُو بِهِ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَنْحَلُهُ بَعْضَ العَرَبِ ثُمَّ يَقُولُ: قَالَ فُلَانٌ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ فُلَانٌ: كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا سَمِعَ أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ الشِّعْرَ قَالُوا: وَاللهِ مَا يَقُولُ هَذَا الشِّعْرَ إِلَّا هَذَا الخَبِيثُ أَوْ كَمَا قَالَ الرَّجُلُ، وَقَالُوا: ابْنُ الأُبيْرِقِ قَالَهَا، قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ بَيْتِ حَاجَةٍ وَفَاقَةٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلامِ، وَكَانَ النَّاسُ إِنَّمَا طَعَامُهُمْ بِالمَدِينةِ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ لَهُ يَسَارٌ فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنَ الشَّامِ مِنَ الدَّرْمَكِ ابْتَاعَ الرَّجُلُ مِنْهَا فَخَصَّ بِهَا نَفْسَهُ، وَأمَّا العِيَالُ فَإِنَّمَا طَعَامُهُمُ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ، فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنَ الشَّامِ فَابْتَاعَ عَمِّي رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ حِمْلًا مِنَ الدَّرْمَكِ فَجَعَلَهُ فِي مَشْربَةٍ لَهُ، وَفِي المَشْرُبَةِ سِلَاحٌ وَدِرْعٌ وَسَيْفٌ، فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْتِ البَيْتِ فَنُقِبَتْ المَشْرُبَةُ، وَأُخِذَ الطَّعَامُ وَالسِّلَاحُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَانِي عَمِّي رِفَاعَةُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّهُ قَدْ عُدِيَ عَلَيْنَا فِي لَيْلَتِنَا هَذِهِ، فَنُقِبَتْ مَشْرَبَتُنَا فَذُهِبَ بِطَعَامِنَا وَسِلَاحِنَا. قَالَ: فَتحَسَّسْنَا فِي الدَّارِ وَسَأَلْنَا فَقِيلَ لنَا: قَدْ رَأَيْنَا بَنِي أُبَيْرِقٍ اسْتَوْقَدُوا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَلَا نُرَى فِيمَا نُرَى إِلَّا عَلَى بَعْضِ طعَامِكُمْ، قَالَ: وَكَانَ بَنُو أبَيْرِقٍ قالوا وَنَحْنُ نسْأَلُ فِي الدَّارِ: وَاللهِ مَا نُرَى صَاحِبَكُمْ إِلَّا لَبِيدَ بْن سَهْلٍ، رَجُلٌ مِنَّا لَهُ صَلَاحٌ وَإِسْلامٌ، فَلَمَّا سَمِعَ لَبِيدٌ اخْتَرَطَ سَيْفَهُ، وَقَالَ: أَنَا أَسْرِقُ؟ فَوَ اللهِ لَيُخَالِطَنَّكُمْ هَذَا السَّيْفُ أَوْ لَتُبَيِّنُنَّ هَذِهِ السَّرِقَةَ، قَالُوا: إِلَيْكَ عَنْهَا أَيُّهَا الرَّجُلُ فَمَا أَنْتَ بصَاحِبِهَا، فَسَأَلْنَا فِي الدَّارِ حَتَّى لمْ نَشُكَّ أَنَّهُمْ أصْحَابُهَا، فَقَالَ لِي عَمِّي: يَا ابْنَ أَخِي لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتَ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ قَتَادَة: فَأتيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنَّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلَ جَفَاءٍ عَمَدُوا إِلَى عَمِّي رِفَاعَةَ بْن زَيْدٍ فَنَقَبُوا مَشْرُبَةً لَهُ، وَأَخَذُوا سِلَاحَهُ وَطَعَامَهُ، فَلْيَرُدُّوا عَلَيْنَا سِلَاحَنَا، فَأَمَّا الطَّعَامُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"سَآمُرُ فِي ذَلِكَ"، فَلَمَّا سَمِعَ بَنُو أُبَيْرِقٍ أَتَوْا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: أسِيْرُ بْنُ عُرْوَةَ فَكَلَّمُوه فِي ذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ وَعَمَّهُ عَمَدُوا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلِ إِسْلَامٍ وَصَلَاحٍ يَرْمُونَهُمْ بالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا ثَبَتٍ، قَالَ قَتَادَةُ: فَأَتيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ:"عَمَدْتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ ذُكِرَ مِنْهُمْ إِسْلَامٌ وَصَلَاحٌ تَرْمِيهِمْ بِالسَّرِقَةِ عَلَى غَيْرِ ثَبَتٍ وَلا بَيِّنَةٍ"، قَالَ: فَرَجَعْتُ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ بَعْضِ مَالِي وَلَمْ أُكَلِّمْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ، فَأَتَانِي عَمِّي رِفَاعَةُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا صَنَعْتَ؟ فَأَخْبَرتُهُ بِمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: اللهُ المُسْتَعَانُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ القُرْآنُ {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}
(1)
بَنِي أُبَيْرِقٍ {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ}
(2)
أي: مِمَّا قُلْتَ لقَتَادَةَ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}
(3)
(4)
- إِلَى قَوْلهِ - {غَفُورًا رَحِيمًا}
(5)
أَيْ: لَوِ اسْتَغْفَرُوا اللهَ لَغَفَرَ لَهُمْ {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا
(1)
النساء: 105.
(2)
النساء: 106.
(3)
النساء: 106.
(4)
النساء: 107 - 108.
(5)
النساء: 110.
يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ}
(1)
- إِلَى قَوْلِهِ - {وَإِثْمًا مُبِينًا}
(2)
قَوْلُهُ لِلَبيدٍ {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ} - إِلَى قَوْلهِ - {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}
(3)
فَلَمَّا نَزَلَ القُرْآنُ أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالسِّلَاحِ فَرَدَّه إِلَى رِفَاعَةَ، فَقَالَ قَتَادَة: لَمَّا أَتَيْتُ عَمِّي بِالسِّلَاحِ، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ -عَسَا أوْ عَشا- فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكنْتُ أُرَى إِسْلامَهُ مَدْخُولًا، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ بِالسِّلَاحِ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! هُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَعَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ صَحِيحًا، فَلَمَّا نَزَلَ القُرْآنُ لَحِقَ بَشِيْرٌ بِالمُشْرِكِينَ، فَنَزَلَ عَلَى سُلَاقَةَ بِنْتِ سَعْدِ ابْنِ سُمَيَّةَ فَأَنْزَلَ اللهُ {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}
(4)
فَلَمَّا نَزَلَ عَلَى سُلَاقَةَ رَمَاهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ بِأَبْيَاتٍ مِنْ شِعْرٍ، فَأَخَذَتْ رَحْلَهُ فَوَضَعَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا ثُمَّ خَرَجَتْ بِهِ فَرَمَتْ بِهِ فِي الأَبْطَحِ، ثُمَّ قَالَتْ: أَهْدَيْتَ لِي شِعْرَ حَسَّانَ مَا كُنْتَ تَأْتِينِي بِخَيْرٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيبٌ لا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَه غَيْرَ مُحَمَّدِ بْن سَلَمَةَ الحَرَّانِيِّ. وَرَوَى يُونُسُ بْن بُكَيْرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْن عُمَرَ بْن قَتَادَةَ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَقَتَادَة هُوَ: أَخُو أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ لِأُمِّهِ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: سَعْدُ بْن مَالِكِ بْن سِنَانٍ.
(1)
النساء: 111.
(2)
النساء: 112.
(3)
النساء: 114.
(4)
النساء: 115 - 116.
• قوله: "ثُمَّ يَنْحَلُهُ": كيَمْنع، أي: يَنْسِبُه إليهم بالباطل من النِّحْلة وهي النِّسْبةُ بالباطل.
• قوله: "فَلَمْ يَلْبَثْ"، أي: فلم يتوَقَّفْ نزولُ القرآنِ.
• قوله: "قَوْلَهُمْ":-بالنَّصْب- أي: أراد بذلك قولَهم للَبِيْد.
• قوله: "قَدْ عَشَا أوْ عَسَا": هو بمُهْملةٍ، أي: كبُر وأسَنَّ من عَسَا القضيبُ إذا يَبُس، وبمُعْجَمةٍ من عَشَى البَصرُ إذا ضعُف، أي: قلَّ بصرُه وضعُف.
1770 -
(3039) - (5/ 248) حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ مُوسَى، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَةَ، أَخْبَرَنِي مَوْلَى ابْنِ سِبَاعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: كنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ}
(1)
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا بَكْرِ أَلا أُقْرئُكَ آيَةً أُنْزِلَتْ عَلَيَّ"؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: فَأَقْرَأَنِيهَا فَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنِّي قَدْ كُنْتُ وَجَدْتُ انْقِصَامًا فِي ظَهْرِي فَتَمَطَّأْتُ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا شَأنكَ يَا أَبَا بَكْرٍ"؟ قُلْتُ: يَا رسُولَ اللهِ بأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا وَإِنَّا لَمُجْزونَ بِمَا عَمِلْنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ وَالمُؤْمِنُونَ فَتُجْزَوْنَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى تَلْقَوْا اللهَ وَلَيْسَ لَكُمْ ذُنُوبٌ، وَأَمَّا الآخَرُونَ فَيُجْمَعُ ذَلِكَ لَهُمْ حَتَّى يُجْزَوْا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيبٌ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، مُوسَى بْن عُبَيْدَةَ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، وَمَوْلَى ابْنِ سِبَاعٍ
(1)
النساء: 123.
مَجْهُولٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ عَنْ أَبِى بَكْرٍ وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ أيضًا. وفي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ.
• قوله: "انْقِصَامًا": رُوِي -بالفاء والقَاف- أي: انكسارًا وانفصالًا أي: ثَقُلَ عليَّ.
• وقوله: "فَتَمَطَّأْتُ": الظَّاهرُ أنَّه تَمَطَّيْتُ من التَّمَطِّي وهي التَّمَدُّد ويكون عندَ الثِّقْل.
1771 -
(3042) - (5/ 249) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوُنسَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}
(1)
، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَجْزِيْكَ آيَةُ الصَّيْفِ".
• قوله: "تُجْرئُكَ"، أي: تَكْفِيْكَ آيةُ الصَّيْف هي {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ}
(2)
والآيةُ التي في أوَّلها نزلَتْ في الشِّتاءِ.
(1)
النساء: 176.
(2)
النساء: 176.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَةِ المَائِدَةِ
1772 -
(3045) - (5/ 250 - 251) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَمِينُ الرَّحْمَنِ مَلأَى سَحَّاءُ لا يُغِيضُهَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ"، قَالَ:"أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الأخْرَى المِيزَانُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيْ تَفْسِير هَذِهِ الآيَةِ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}
(1)
وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَتْهُ الأئِمَّةُ نُؤْمِنُ بِهِ كمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَسَّرَ أَوْ يُتَوَهَمَ، هَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأئِمَّةِ: الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ المُبَارَكِ إنَّهُ تُرْوَى هَذِهِ الأشْيَاءُ وَيُؤْمَنُ بِهَا وَلا يُقَالُ كَيْفَ.
• قوله: "سَحَّاءُ":-بتَشديدِ الحَاء والمَدِّ- أي: دائمةُ الصَّبِّ بالعَطاءِ مِنْ سَحَّ سَحًّا فهو ساحٌّ، وروي سَحَّا بالتنوين مصدرًا.
• و"اليَمِيْنُ": كناية عن مَحَلِّ العَطاءِ.
• وقوله: "لا يُغِيضُهَا": لا يَنْقُصُها.
وقوله: "أَرَأَيْتُمْ"، أي: أنَّه قد أنفقَ من زَمَانِ خَلْق السَّماءِ، وكان عرشُه على الماءِ إلى يومِنا ولم ينقُصْ منه شيءٌ.
(1)
المائدة: 64.
• وقوله: "وَبِيَدِهِ الأُخْرَى المِيزَانُ": مثلٌ لقِسْمَةٍ بينَ الخلق بالعَدْل.
• وقوله: "يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ": إشارةٌ إلى إنْزالِه العَدْلَ إلى الأرضِ مرَّةً ووفعِه أخرى.
1773 -
(3047) - (5/ 252) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَلِيِّ بْن بَذِيمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي المَعَاصِي فَنَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ، فَضَربَ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَعَنَهُمْ {عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}
(1)
قَالَ: فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مُتَكِئًا فَقَالَ: "لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ عَلَى الحَقِّ أَطْرًا".
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ يَزِيدُ: وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لا يَقُولُ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيبٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْن مُسْلِمِ بْن أَبِي الوَضَّاحِ، عَنْ عَلِيِّ بْن بَذِيمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. نَحْوَه، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَنْ أَبِي عُبيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ.
• قوله: "فَضَرَبَ اللهُ": كنايةٌ عن عُموم فِسْقِ قلوبِهم.
• قوله: "فَقَالَ: لا"، أي: لا يَتِمُّ الأَمرُ والنَّهْي حتى تصرِفوا الظُّلْمةَ عن المَعاصِى بما تقدُرونَ عليه.
(1)
المائدة: 78.
1774 -
(3050) - (5/ 254) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: "مَاتَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْكَ أَنْ تُحَرَّمَ الخَمْرُ، فَلَمَّا حُرِّمَتِ الخَمْرُ، قَالَ رِجَالٌ: كَيْفَ بِأَصْحَابِنَا وَقَدْ مَاتُوا يَشْرَبُونَ الخَمْرَ، فَنَزَلَتْ:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
(1)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَاه شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ البَرَاءِ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ بُنْدَارٌ.
• قوله: "إذَا مَا اتَّقَوْا"، أي: لاحَظُوا ورَاعُوا فيه حلَّ المَطْعوم، ولاشكَّ أنَّ الذينَ شربوه قبلَ التَّحريم راعُوا حلَّه.
1775 -
(3057) - (5/ 256 - 257) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِدٍ عَنْ قَيْس بْن أَبى حَازم، عَنْ أَبي بَكْر الصِّدَيقِ أنهُ قال: يَا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّكُمْ تَقرَؤونَ هَذِهِ الآيَةَ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}
(2)
وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا ظَالِمًا فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَعكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي خَالِدٍ نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ مَرْفُوعًا، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَوْلَهُ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ.
(1)
المائدة: 93.
(2)
المائدة: 105.
• قوله: "أَوْشَكَ
…
" إلخ، أي: فلا بدَّ في الاهتداءِ من الأمْر بالمَعروفِ، والنَّهي عن المُنْكر، والأخذِ على يدِ الظَّالم، ولايتمُّ الاهتداءُ بدونه، ثم إذا تَمَّ الاهتداءُ لا يضرُّه فعلُ ذلك الرَّجل إذا غلَبه وفعل بعد، النَّهي. والله تعالى أعلم.
1776 -
(3058) - (5/ 257 - 258) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالقَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيَّ، فَقُلْت لَهُ: كيْفَ تَصْنَعُ بهَذهِ الآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}
(1)
قَالَ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"بَلِ ائْتَمِرُوا بِالمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ المُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتبعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدعِ العَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ القَبْضِ عَلَى الجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ"، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ: وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ - قيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ. قَالَ: "بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا": يحتملُ أنْ يكونَ "سَألْتَ" على صيغةِ الخِطاب، ويحتملُ أن يكونَ على صيغةِ المتكلِّم.
1777 -
(3060) - (5/ 259) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكيعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَبِي القَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْن سَعِيدٍ، عَنْ
(1)
المائدة: 105.
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَجُل مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْن بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقِيلَ: اشْتَرَيْنَاه مِنْ عَدِيٍّ وَتَمِيمٍ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْليَاءِ السَّهْمِيِّ، فَحَلَفَا باللهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَأَنَّ الجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، قَالَ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}
(1)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ.
• قوله: "مُخَوَّصًا":-بخَاء مُعجَمةٍ، وتشديدِ الرَّاءِ مفتوحةً، وبصَادٍ مُهْملةٍ- أي: مخطَّطًا بخُطُوطٍ طِوالٍ رِقَاقٍ من الذَّهَب كالخَوْصِ.
(1)
المائدة: 106.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَةِ الأَنْعَامِ
1778 -
(3065) - (5/ 261 - 262) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارِ سَمِعَ جَابرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوُل: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}
(1)
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ"، فَلَمَّا نَزَلَتْ:{أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}
(2)
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَاتَانِ أَهْوَنُ"، أَوْ "هَاتَانِ أَيْسَرُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مِنْ فَوْقِكُمْ": كالحِجَارةِ. "أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْ": كالخَسْف.
• وقوله: "أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا"، أي: يخلُطكم في معَاركِ القِتال حالَ كونِكم فِرَقًا مُخْتلفِةَ الأهْواءِ.
1779 -
(3067) - (5/ 262) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُوُنسَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ}
(3)
شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَأَيُّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ، لِابْنِهِ:
(1)
الأنعام: 65.
(2)
الأنعام: 65.
(3)
الأنعام: 82.
{يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
(1)
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَيْسَ ذَلِكَ"، أي: ليسَ المرادُ ذلك الذي فهمتُمْ من الظُّلْم.
1780 -
(3068) - (5/ 262 - 263) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُف، حَدَّثَنَا دَاوُ. بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ! ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الفِرْيَةَ عَلَى اللهِ، وَاللهُ يَقُوُل:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}
(2)
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}
(3)
وَكُنْتُ مُتَكِئًا فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ! أَنْظِرِينِي وَلاْ تُعْجِلِيني أليْسَ يَقُوُل اللهُ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}
(4)
{وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}
(5)
قَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَنْ هَذَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ مَا رَأَيْتُهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي خُلِقَ فِيهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ المَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ، سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ"، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا كتَمَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ، فَقَدْ أَعْظَمَ الفِرْيَةَ عَلَى اللهِ، يَقُولُ اللهُ:
(1)
لقمان: 13.
(2)
الأنعام: 103.
(3)
الشورى: 51.
(4)
النجم: 13.
(5)
التكوير: 23.
{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}
(1)
وَمَنْ زَعَمَ أنَّهُ يَعْلَمُ مَا في غَدٍ، فَقَدْ أَعْظَمَ الفِرْيَةَ عَلَى اللهِ، وَاللهُ يَقُولُ:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}
(2)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَمَسْرُوقُ بْنُ الأجْدَع يُكنَى أَبَا عَائِشَةَ، وَهُوَ مَسْرُوقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَذَا كَانَ اسْمُهُ فِي الدِّيوَانِ.
• قوله: "لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ": لعلَّ مَنْ يقولُ بالرُّؤيةِ يقول: الإدْراكُ هو الإحاطةُ بجوانب المَرئيِّ، ونفيُه لا يستلزم نفيَ الرُّؤيةِ مُطلقًا، كيفَ والمؤمنونَ يَرَوْن ربَّهم في الجَنَّةِ مع وجودِ هذه الآيةِ؟ والله تعالى أعلم.
• قوله: "أنْظِرِيْنِيْ": من الإنْظَار وهو الإمْهَالِ.
• قوله: "فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللهِ": كأنَّ المرادَ بذلك أعْظمَ الفريةَ على رسول اللهِ؛ لأنَّه أمِرَ بالتَّبليغِ، ومعلومٌ أنَّه لا يتركُ المأمورَ به. ويحتملُ أنَّ المرادَ ظاهرُه، وحينئذٍ فالاستدالُ هو أنَّه تعالى قال بعد ذلك:{وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}
(3)
وقد سمَّاه اللهُ رسولًا في كتابِه ولا يستحِقُّ هذا الاسمَ إلا من يأتِي بالرِّسالةِ على وَجْهِها، فمَنْ زَعَم أنَّه صلى الله عليه وسلم مَا أتَى بالرِّسالةِ على وَجْهِها فقدِ افْتَرى على اللهِ في تَسْميتِه رسولًا. والله تعالى أعلم.
1781 -
(3070) - (5/ 264) حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن فُضَيْلٍ عَنْ دَاوُدَ الأوْدِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الصَّحِيفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
(1)
المائدة: 67.
(2)
النمل: 65.
(3)
المائدة: 67.
فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الآيَاتِ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ}
(1)
الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
(2)
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "خَاتَمُ مُحَمَّدٍ": كأنَّه نزَل ما في صَدْر هذه الآياتِ من قوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ}
(3)
منزلةَ الخاتم. والله تعالى أعلم.
(1)
الأنعام: 151.
(2)
الأنعام: 151.
(3)
الأنعام: 151.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَةِ الأعْرَافِ
1782 -
(3074) - (5/ 265 - 266). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرحْمَن، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْب، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}
(1)
قَالَ حَمَّادٌ: هَكَذَا، وَأَمْسَكَ سُلَيْمَانُ بطَرَفِ إِبْهَامِهِ عَلَى أُنْمُلَةِ إِصْبَعِهِ اليُمْنَى قَالَ: فَسَاخَ الجَبَلُ {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}
(2)
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّاب الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه. هَذَا حَدِيثٌ حَسَن.
• قوله: "وَأَمْسَكَ
…
" إلخ، كأنَّه لبيانِ أنَّ الجبلَ صارَ قِطَعًا متفرِّقةً على قدر أنْمُلةِ الأصْبُع.
• وقوله: "فَسَاخَ الجَبَلُ"، أي: غاصَ في الأَرْض.
(1)
الأعراف: 143.
(2)
الأعراف: 143.
[بَاب وَمِنْ] سُورَةِ الأنْفَالِ
1783 -
(3079) - (5/ 268) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْن عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْن سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ جِئْتُ بِسَيْفٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ قَدْ شَفَى صَدْرِي مِنَ المُشْرِكِينَ -أَوْ نَحْوَ هَذَا- هَبْ لِي هَذَا السَّيْفَ، فَقَالَ:"هَذَا لَيْسَ لِي وَلَا لَكَ" فَقُلْتُ: عَسَى أَنْ يُعْطَى هَذَا مَنْ لا يُبْلِي بَلَائِي، فَجَاءَنِي الرَّسُولُ فَقَالَ:"إِنَّكَ سَأَلْتَنِي وَليسَتْ لِي وَقَدْ صَارَتْ لِي وَهُوَ لَكَ"، قَالَ: فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}
(1)
الآيَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ مُصْعَبٍ أيضًا. وفي البَابِ عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِتِ.
• قوله: "مَنْ لا يُبْلَي بَلائِي"، أي: مَنْ لا يَعْملُ مثلَ عَمَلي في الحَرْب كأنَّه أرادَ أنَّ في الحربِ يُخْتبَر الرَّجلُ، يظهَر به خيرُه وشرُّه وقدِ اخْتُبِرْتُ أنا فظهَر مِنِّي ما ظهَر فأنَا أحقُّ بالسَّيْف مِنَ الَّذِي لم يُخْتَبَرْ مثلَ اختباري.
• وقوله: "فَجَاءَنِيْ الرَّسُولُ
…
" إلخ، أي: الرُّسولُ منه صلى الله تعالى عليه وسلَّم بأنَّك سألتَني.
1784 -
(3081) - (5/ 269 - 270) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ اليَمَامِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، قَالَ: نَظَرَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(1)
الأنفال: 1.
إِلَى المُشْرِكينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَبِضْعَةُ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم القِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يدَيْهِ وَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ:"اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَني، اللَّهُمَّ آتِنيْ مَا وَعَدْتَني، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدُ فِي الأَرْضِ"، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاءُه مِنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتاه أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَه فَأَلْقَاه عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! كفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ إِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}
(1)
.
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْن عَمَّارٍ عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ، وَأَبُو زُمَيْلٍ: اسْمُهُ سِمَاكٌ الحَنَفِيُّ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ.
• قوله: "وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ
…
" إلخ، كأنَّه قالَه تطييبًا لقَلْبه صلى الله عليه وسلم وتبشيرًا له بأنَّه قد ظهَر آثارُ دعائِه وقد عَلِم من عادتِه أنَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ التَّفاؤلَ فأرادَ أبو بَكرٍ رضي الله تعالى عنه أنْ يأتِيَ عندَه بذلك في مثل هذا الوقتِ يستريحُ بسَببِه وهذا أمرٌ غريبٌ من غرائبِ مُسْتَخْرجَاتِه رضي الله تعالى عنه.
1785 -
(3085) - (5/ 271 - 272) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَمْ تَحِلَّ الغَنَائِمُ لِأحَدِ سُودِ الرُّؤوسِ مِنْ قَبْلِكُمْ، كَانَتْ تَنْزُل نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا".
(1)
الأنفال: 9.
قَالَ سُلَيْمَانُ الأعْمَشُ: فَمَنْ يَقُولُ هَذَا إِلَّا أَبُو هُرَيْرَةَ الآنَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَقَعُوا فِي الغَنَائِمِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
(1)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ.
• قوله: "سُود الرُّؤوسِ": فإنَّه كنَّى بذلك عن الشَّباب والقوِّة، [أي]: ما حَلَّتْ لقويٍّ قبلكم.
• قوله: "قَالَ ابْنُ أبِيْ خَيْثَمَةَ": هذا وَهْمٌ، سهيلُ بْن بيضاءَ أسلَمَ ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بمكَّة، وهاجَر وشَهِد بدرًا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: أسلَم سهيلُ بْن بيضاء بمكَّة وكَتَم إسلامَه فأخْرجَه قريشٌ إلى بدرٍ فأسِر يومئذٍ مع المشركين، فشَهِد له عَبْدُ اللهِ بْنُ مسعودٍ أنَّه رآه بمكَّة يُصَلِّي فخلَّى عنه
(2)
. ووَقَع هنا سهيلٌ وهو وَهْمٌ، والأوْجهُ سهلٌ مكبرًا. والله تعالى أعلم.
(1)
الأنفال: 68.
(2)
راجع: الاستيعاب في معرفة الأصحاب للعلامة أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي: 1/ 397.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَةِ التَّوْبَةِ
1786 -
(3086) - (5/ 272 - 273) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْىَ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَسَهْلُ بْن يُوسُفَ، قَالُوا: حَدَّتنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْن عَفَّانَ: مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إلَى الأنفَالِ وَهِيَ مِنَ المَثَانِي، وَإِلَى بَرَاءَة وَهِيَ مِنَ المِئِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكْتُبُوَا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ، مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّوَرُ ذَوَاتُ الْعَدَدِ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَليْهِ. الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ فَيَقُوُل:"ضَعُوا هَؤُلاءِ الآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا"، وَإِذَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ الآيَةَ فَيَقُوُل:"ضَعُوا هَذِهِ الآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كذَا وَكَذَا"، وَكَانَتِ الأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِل مَا أُنْزلَتْ بالْمَدِينَةِ وَكَانَت بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ القُرْآنِ، وَكَانَتْ قِصّتهَا شبيهَةً بقِصّتِهَا فظننت أنَّهَا مِنْهَا، فَقُبِضَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فمِنْ أجْلِ ذلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ عَنْ يَزِيدَ الفَارِسِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَزِيدُ الفَارِسِيُّ قَدْ رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرَ حَدِيثٍ، وَيُقَالُ هُوَ: يَزِيدُ بْنُ هُرْمُزَ، وَيَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ هُوَ: يَزِيدُ بْنُ أَبَانَ الرَّقَاشِيُّ وَلَمْ يُدْرِكْ ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّمَا رَوَى عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ وَكِلاهُمَا مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، وَيَزِيدُ الفَارِسِيُّ أَقْدَمُ مِنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ.
• قوله: "وَهِيَ مِنَ المَثَانِي": يقال: المَثانِي على كُلِّ سُورةٍ أقلُّ من المائتين، أي: ذاتَ مائةِ آيةٍ. قالوا: أوَّل القرآنِ السَّبعُ الطِّوالُ، ثمَّ ذواتُ المائتين، ثمَّ ذاتُ مائةِ آيةٍ، ثم المَثاني، ثم المفَصَّل.
• قوله: "مَا يَأتِيْ"، أي: مِمَّنْ يأتِي فهو وضع "مَا" مَوْضِع "مَنْ".
• قوله: "وَكَانَتِ الأَنفَالُ
…
" إلخ، وهذَا يَقْتَضي أنَّهما سُورتَان.
• وقوله: "وَكَانَتْ قِصَّتُهَا
…
" إلخ، لبيانِ ما يقتضي أنَّهما سورةٌ واحدةٌ، فاشْتَبه الأمرُ فصار ذلك سببًا للقِرَانِ بينَهما مع تركِ البَسْملةِ كما هو مقتضى وَحْدةِ السُّورةِ، وكذلك صارَ سببًا لوَضْعِهما في السَّبْع الطِّوال؛ لأنَّهما إذا كانَتْ واحدةً كانت تلك الوَاحدةُ من الطِّوالِ. والله سبحانه وتعالى أعلم.
1787 -
(3087) - (5/ 273 - 274) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ شَبِيبِ بْن غَرْقَدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن عَمْرِو بْن الأحْوَصِ، حَدثنَا أبِي أَنَّهُ شهِدَ حَجّةَ الوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ ثُمَّ قَالَ:"أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ، أيُّ: يَوْمٍ أَحْرَمُ، أيُّ: يَوْمٍ أَحْرَمُ؟ " قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ: يَوْمُ الحَجِّ الأكْبَرِ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا لَا يَجْني جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، وَلا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلَا إِنَّ المُسْلِمَ أَخُو المُسْلِمِ، فَلَيْسَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا مَا أَحَلَّ مِنْ نَفْسِهِ، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا فِي الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، لَكُمْ رُؤوْسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ غَيْرَ رِبَا العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كلُّهُ، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ دَمٍ وُضِعَ مِنْ دَمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ دَمُ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ
خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئُنَّ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَإِنَّ حَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَهُ أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ شَبِيبِ بْن غَرْقَدَةَ.
• قوله: "أَحْرَمُ"، أي: أعْظُم وأكثرُ حرمةً وأبلُغها عندَ الله تعالى.
• قوله: "مَوْضُوع"، أي: باطل لا يُؤخَذ.
• قوله: "غَيْرَ مُبَرِّحٍ"، أي: غيرَ شديدٍ.
• قوله: "فَلَا يُوطِئْنَ"، أي: لا يُمَكِنَّ أحدًا مِنْ أن يَطأ فُرَشَكم بأنْ يدخلَ عليهِنَّ مِنْ غير إذْنِكم، ويُحَدِّثَهُنَّ، ويَقْعُد على فراشِكم كما كانَتْ عادةُ العَرب.
1788 -
(3094) - (5/ 277 - 278) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْن أَبِي الجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}
(1)
قَالَ: كنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أُنْزلَ فِي الذَّهَب وَالفِضةِ مَا أنزِل لوْ عَلِمْنَا أيّ المَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ؟ فَقَالَ: "أفضَلُهُ لِسَانٌ ذاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ".
(1)
التوبة: 34.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، فَقُلْتُ لَهُ: سَالِمُ بْنُ أَبِي الجَعْدِ سَمِعَ مِنْ ثَوْبَانَ؟ فَقَالَ: "لَا"، فَقُلْتُ لَهُ: مِمَّنْ سَمِعَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: سَمِعَ مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَأنَسِ بْن مَالِكٍ، وَذَكَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "أَفْضَلُهُ"، أي: أفضلُ المالِ. عَدَّ المذكوراتِ من المَال لمشارَكَتِه بالمالِ في مَيْلِ قَلْبِ المُؤمنِ إليها، وأنَّها أمورٌ مطلوبة عنده، ثُمَّ عُدَّتْ أفضلَ الأموالِ؛ لأنَّ نفعَها باقٍ ونفعُ سائر الأموالِ زائلٌ.
1789 -
(3102) - (5/ 281 - 283) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن كعْبٍ بْن مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا حَتَّى كَانَتْ غَزْوَة تَبُوكَ إِلَّا بَدْرًا، وَلَمْ يُعَاتِبِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ، إِنَّمَا خَرَجَ يُرِيدُ العِيرَ فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مُغْوِثِينَ لِعِيرِهِمْ فَالتَقَوْا عَنْ غَيْرِ مَوْعِدٍ كَمَا قَالَ اللهُ عز وجل، وَلَعَمْري إِنَّ أَشْرَفَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ لَبَدْرٌ، وَمَا أُحِبُّ أَنِّي كنْتُ شَهِدْتُهَا مَكَانَ بَيْعَتِي لَيْلَةَ العَقَبَةِ حَيْثُ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلإمِ، ثُمَّ لَمْ أَتَخَلَّفْ بَعْدُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا، وَآذَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بالرَّحِيلِ - فَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولهِ- قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ وَحَوْلَهُ المُسْلِمُونَ وَهُوَ يَسْتَنِيرُ كَاسْتِنَارَةِ القَمَرِ، وَكانَ إِذَا سُرَّ بِالأمْرِ اسْتَنَارَ، فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ:"أَبْشِرْ يَا كعْبُ بْنُ مَالِكٍ بِخَيْرِ يَوْمٍ أَتَى عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ"، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَمِنْ عِنْدِ اللهِ أَمْ مِنْ عِنْدِكَ؟ قَالَ: "بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ"، ثُمَّ تَلَا هَؤُلاءِ الآيَاتِ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
(1)
قَالَ: وَفِينَا أُنزِلَتْ أيضًا: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
(2)
قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْر لَكَ"، فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ، قَالَ: فَمَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ نِعْمَةً بَعْدَ الإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ صَدَقْتُهُ أَنَا وَصَاحِبَايَ، وَلَا نَكُونُ كَذَبْنَا فَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكُوا، وَإِنِّي لأرْجُو أَنْ لا يَكُونَ اللهُ أَبْلَى أَحَدًا فِي الصِّدْقِ مِثْلَ الَّذِي أَبْلَانِي مَا تَعَمَّدْتُ لِكَذِبَةٍ بَعْدُ، وَإِنِّي لأرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللهُ فِيمَا بَقِيَ.
قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ هَذَا الحَدِيثُ بِخِلَافِ هَذَا الإِسْنَادِ فَقَدْ قِيلَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن كَعْبِ بْن مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كَعْبٍ وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ هَذَا، وَرَوَى يُونُسُ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن كَعْبِ بْن مَالِكٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ كَعْبِ بْن مَالِكٍ.
• قوله: "مُغْوِثِيْنَ": من أغْوَثَ. قيل الأوْجه "مُغِيْثِيْنَ" بقَلْب الوَاو ياءً، وفي الحاشية قال في النهاية:"مُغِيْثِيْنَ"
(3)
.
• قوله: "صَدَقْتُهُ":-بالتَخفِيفِ- أي: تكلَّمْتُ بالصِّدْق عندَه.
1790 -
(3103) - (5/ 283 - 284) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْن السَّبَّاقِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ فَإِذَا
(1)
التوبة: 117.
(2)
التوبة: 119.
(3)
راجع: قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي: 2/ 769.
عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ، فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ قَدْ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ يَوْمَ اليَمَامَةِ، وَإِنِّي لأخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بالقُرَّاءِ فِي المَوَاطِنِ كلِّهَا فَيَذْهَبَ قُرْآن كَثِيرٌ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: كيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِيهِ الَّذِي رَأَى"، قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ شَابٌ عَاقِل لا نَتَّهِمُكَ، قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الوَحْيَ فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ، قَالَ: فَوَالله لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللهِ خَيْر، فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَهُمَا: صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ، وَالعُسُبِ، وَالْنِّجَافِ، وَيُرْوَي الْنِّحَاف وَهُوَ الْصَّحِيْحُ، وَالْنِّجَافُ: مَا اْرْتَفَعَ مِنَ الأرْضِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ، فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ بَرَاءَة مَعَ خُزَيْمَةَ بْن ثَابِتٍ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}
(1)
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ بَرَاءَة
…
". إلخ، كأنَّه وجَد معَه مكتوبًا وإن كَانَتْ محفوظةً عندَ غيرِه. والله تعالى أعلم.
(1)
التوبة: 128 - 129.
[بَابُ: مِنْ] سُورَةِ يُونُسَ
1791 -
(3105) - (5/ 286) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِ اللهِ عز وجل:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}
(1)
قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، قَالُوا: أَلمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَتُنَجِّيَنَا مِنَ النَّارِ وَتُدْخِلْنَا الجَنَّةَ؟ قَالَ: "فَيُكْشَفُ الحِجَابُ، قَالَ: فَوَالله مَا أَعْطَاهُمُ اللهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: حَدِيثُ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ مَرْفُوعًا، وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى قَوْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "وَتُنَجِّيْنَا": بإثباتِ الياءِ مع أنَّه معطوفٌ على المَجْزُوم؛ للإشْباعِ أو لتَنْزيلِه منزلةَ الصَّحيحِ.
1792 -
(3157) - (5/ 287) حَدَّثَنَاْ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْن زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْن مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمَّا أَغْرَقَ اللهُ فِرْعَوْنَ قَالَ: {آمَنَتُ
(1)
يونس: 26.
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ}
(1)
فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ فَلَوْ رَأَيْتَني وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ البَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَنٌ.
• قوله: "مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ"؛ أي: مخَافةَ أنْ يُقْبَلَ، فتُدْرِكُه الرَّحْمةُ، فأقيمَ المسبَّبُ مقامَ السَّبَب.
(1)
يونس:90.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة هُودٍ
1793 -
(3109) - (5/ 288) بِسْمِ اللّهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْن حَدَسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: "كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى المَاءِ".
قَالَ أَحْمَدُ بْن مَنِيع: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: العَمَاءُ: أي: لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ. قال أبُوْ عِيْسَى: هَكَذَا يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: وَكِيعُ بْنُ حَدَسٍ. وَيَقُولُ شُعْبَةُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَهُشَيْمٌ: وَكِيعُ بْنُ عَدَسٍ وَهُوَ أَصَحُّ. وَأَبُو رَزِينٍ اسْمُهُ: لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ. قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "الْعَمَاءُ": - بالفَتْح والمَدِّ - السَّحابُ كما في النِّهاية
(1)
. قلتُ: الظَّاهرُ أنَّه ليسَ المرادُ من العَمَاء شيئًا موجودًا غيرَ اللّهِ؛ لأنَّه حينئذٍ من الخَلْق، والكلامُ مَفْروضٌ قبلَ أن يَخْلقَ الخلقَ، ولذَا قال يزيدُ:"الْعَمَاءُ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ" وقال أبو عبيدٍ: لا نَدْري كيفَ كان ذلك العَماء، قال وفي روايةٍ كان في عَمَىً بالقَصْر
(2)
.
1794 -
(3112) - (5/ 289 - 290) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالأسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: جَاءَ
(1)
راجع: النهاية الجزرية لابن الأثير: 7/ 2900.
(2)
راجع: غريب الحديث لأبي عبيد الهروي: 2/ 229.
رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى المَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا وَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللّهُ لَوْ سَتَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَأَتْبَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا، فَدَعَاه فَتَلَا عَلَيْهِ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}
(1)
إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَقَالَ رَجُل مِنَ القَوْمِ: هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ قَالَ: "لا، بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً".
• قوله: "أَنْ أَمَسَّهَا"، أي: أجَامِعَها.
1795 -
(3114) - (5/ 291 - 292) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنْ امْرَأَةٍ قُبْلَةَ حَرَامِ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ كفَّارَتِهَا، فَنَزَلَتْ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
(2)
فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ فَقَالَ: "لَكَ وَلمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَلِمَنْ عَمِلَ بِهَا"، أي: بأنْ أتَى بالحَسناتِ عقبَ السَّيِّئات إنْ وقعَ فيها اتِّفاقًا، وأمَّا الإتْيَانُ بالسَّيِّئات قصدًا فلا ينبغي.
1796 -
(3115) - (5/ 292) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْن مَوْهَبِ، عَنْ مُوسَى بْن طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي اليُسْرِ، قَالَ: أَتَتْنِي امْرَأَةٌ تَبْتَاعُ تَمْرًا، فَقُلْتُ: إِنَّ فِيَ البَيْتِ
(1)
هود: 114.
(2)
هود: 114.
تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ، فَدَخَلَتْ مَعِي فِي البَيْتِ، فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا فَتَقَبَّلْتُهَا، فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكرْتُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا، فَلَمْ أَصْبِرْ فَأَتَيْت عُمَرَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلا تُخْبِرْ أَحَدًا، فَلَمْ أَصْبِرْ، فَأَتيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"أَخَلَفْتَ غَازِيًا فِي سَبيل اللّهِ فِي أهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا؟ " حَتَّى تَمَنَّى أَنَّهُ لمْ يَكُنْ أَسْلَمَ إِلَّا تِلْكَ السَّاعَةَ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أَهْل النَّارِ. قَالَ: وَأَطْرَقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلًا حَتَّى أَوْحَى اللّهُ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}
(1)
إِلَى قَوْلِهِ {ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}
(2)
قَالَ أَبُو اليُسْرِ: فَأَتَيْتُهُ فَقَرَأَهَا عَلَيَّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَلِهَذَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: "بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ ضَعَّفَهُ وَكِيعٌ وَغَيْرُه. وَأَبُو اليُسْرِ هُوَ: كَعْبُ بْن عَمْرٍو. وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ هَذَا الحَدِيثَ مِثْلَ رِوَايَةِ قَيْسِ بْن الرَّبِيعِ. قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَوَاثِلَةَ بْن الأسْقَعِ، وَأَنَسِ بْن مَالِكٍ.
• قوله: "أَخَلَفْتَ غَازِيًا"؛ أي: لعلَّها امرأةُ غازٍ في سبيلِ اللّهِ فكأنَّك صِرْتَ بما فعلتَ من الفِعْل الشَّنِيع خَليفةً لذلك الغَازي في أهلِه.
(1)
هود: 114.
(2)
هود: 114.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة يُوسُفَ
1797 -
(3116) - (5/ 293) بِسْمِ اللّهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْن إِسْحَاقَ بْن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ثُمَّ جَاءَنِي الرَّسُولُ أَجَبْتُ ثُمَّ قَرَأَ {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}
(1)
قَالَ وَرَحْمَةُ اللهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، إِذْ قَالَ:{قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)}
(2)
فَمَا بَعَثَ اللّهُ مِنْ بَعْدِهِ نَبِيًّا إِلَّا فِي ذِرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ".
حَدَّثَنَا أَبُو كرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَة، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو نَحْوَ حَدِيثِ الفَضْلِ بْن مُوسَى، إِلَّا أَنهُ قَالَ: مَا بَعَثَ اللّهُ بَعْدَه نَبِيًّا إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: الثَّرْوَةُ: الكَثْرَة وَالمَنَعَةُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وهَذَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ الفَضْلِ بْن مُوسَى، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَن.
• قوله: "مَا لَبِثَ"، أي: مدَّة لَبْثِه، وهذا وصفٌ له بكَمَال الصَّبْر على الشَّدائِدِ والتَّانِي.
(1)
يوسف: 50.
(2)
هود: 80.
[باب: وَمِنْ سُورَةِ النَّحْلِ]
1798 -
(3129) - (5/ 299 - 300) حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عِيسَى بْن عُبَيْدٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْن أَنَسٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مِنَ الأَنْصَارِ أَرْبَعَة وَسِتُّونَ رَجُلًا، وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّة فِيْهِمْ: حَمْزَة، فَمَثَّلُوا بِهِمْ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْمًا مِثْلَ هَذَا لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْح مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللّهُ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}
(1)
فَقَالَ رَجُلٌ: لا قُرَيْشَ بَعْدَ اليَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"كفُّوا عَنِ القَوْمِ إِلَّا أَرْبَعَةً".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْن كَعْبٍ.
• قوله: "لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ"؛ أي: لنَزيدَنَّ عليهم.
(1)
النحل: 126.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ بَنِي إسْرَائِيل]
1799 -
(3131) - (5/ 301) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِالبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُلْجَمًا مُسْرَجًا فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَبِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هَذَا؟ فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْهُ"، قَالَ: "فَارْفَضَّ عَرَقًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
• قوله: "فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ": كأنَّه كانَ منه ذلك على وَجْه الافْتِخارِ برُكُوْبه صلى اللَّه تعالى عليه وسلَّم، ثُمَّ لمَّا عُوْتِبَ اسْتَحْيى من ذلك ولَحِقَه الخَجْل، فعرق من ذلك العِتَاب.
1800 -
(3132) - (5/ 301) حَدَّثنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ثُمَيْلَةَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْن جُنَادَةَ، عَن ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ قَالَ جِبْرِيلُ بِإِصْبَعِهِ، فَخَرَقَ بِهِ الحَجَرَ وَشَدَّ بِهِ البُرَاقَ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "قَالَ [جِبْرِيلُ] بِإِصْبَعِهِ": ضرَب بِهَا الحَجَر.
• وقوله: "وَشَدَّ بِهِ"؛ أي: رَبَطَ به.
1801 -
(3134) - (5/ 302) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي
أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}
(1)
قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْمسا المَقْدِسِ. قَالَ: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}
(2)
هِيَ شَجَرَة الزَّقُّومِ. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "رُؤْيَا عَيْنٍ"؛ أي: لا رُؤيا نَوْمٍ إذْ لا يَصْلح رُؤيا النَّوْم أنْ تكونَ فِتْنَةً.
1802 -
(3135) - (5/ 302) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْن مُحَمَّدٍ قُرَشِيٌّ كُوفِيٌّ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبي صَالِح، عَنْ أَبِي. هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلهِ:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}
(3)
قَالَ: "تَشْهَد مَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ مِسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مِسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
• قوله: "إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ"؛ أي: صَلاتَه.
1803 -
(3138) - (5/ 303) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ عَامَ الفَتْحِ وَحَوْلَ الكَعْبَةِ ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَطْعَنُهَا بِمِخْصَرَةٍ فِي يَدِهِ -وَرُبَّمَا قَالَ بِعُودٍ-
(1)
الإسراء: 60.
(2)
الإسراء: 60.
(3)
الإسراء: 78.
وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}
(1)
{قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}
(2)
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
• قوله: "نُصُبًا": -بضَمَّتَيْن- جمعُ نِصَابٍ وهي الأصْنَام.
• "وزَهَقَ": الباطلُ؛ أي: اضْمَحَلَّ.
• وقوله: "إنَّ الْبَاطِلَ"؛ أي: العادةُ في البَاطل هو الاضْمِحْلالُ.
• قوله: "وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيْدُ"؛ أي: لم يبقَ له أثرٌ أصلًا، مأخوذٌ من هلاكِ الحَيِّ فكأنَّه إذا هلَك لم يبقَ أبدًا ولا إعادةَ، فجُعِلَ مثلًا في الهلاكِ بالمرَّةِ.
1804 -
(3144) - (5/ 305 - 306) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَأَبُو الوَليدِ - وَاللَّفْظُ لَفْظُ يَزِيدَ وَالمَعْنَى وَاحِدٌ - عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْن مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْن عَسَّالٍ، أَنَّ يَهُودِيَّيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ نَسْأَلُهُ، فَقَالَ: لا تَقُلْ لَهُ نَبِيٌّ فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَهَا تَقُوُل نَبِيٌّ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَاهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عز وجل {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}
(3)
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تُشْرِكُوا بِاللّهِ شَيْئًا، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَلا تَسْرِقُوا، وَلا تَسْحَرُوا، وَلا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى سُلْطَانٍ
(1)
الإسراء: 81.
(2)
سبأ: 49.
(3)
الإسراء: 101.
فَيَقْتُلَهُ، وَلا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ -شَكَّ شُعْبَةُ- وَعَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ خَاصَّةً لا تَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ"، فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، قال: "فمَا يَمْنَعُكُمَا أنْ تُسْلِمَا"؟ قَالا: إِنَّ دَاوُدَ دَعَا اللّهَ أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ إسْلَمْنَا أَنْ تَقْتُلَنَا اليَهُودُ. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "سَمِعَهَا"؛ أي: هذه الكلمةَ وهو الذي ذكرَه بقوله تَقُوْلُ لِيْ.
• قوله: "فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"؛ أي: بعدَ الفَراغ عن بيانِها. وقيل: أي: في بيانِها بناءً على أنَّ المرادَ بالآياتِ الكَلِمَاتُ.
• قوله: "أَنْ لا يَزَالَ
…
" إلخ، إن سُلِّمَ في ذلك، فذلك النَّبِيُّ هو عيسى عليه السلام فانْظر إلى جَهْلِهم أنَّهم قد آذَوْا ذلك النَّبِيَّ حتَّى رُفِع إلى السَّماء ثم يطلبوُنه في الأرض.
1805 -
(3147) - (5/ 307 - 308) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْن أَبِي النُّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْن حُبَيْشٍ، قَالَ: قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ بْن اليَمَانِ: أَصَلَّى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ المَقْدِسِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: أَنْتَ تَقُوُل ذَاكَ يَا أَصْلَعُ، بِمَ تَقُوُل ذَلِكَ؟ قُلْتُ: بِالقُرْآنِ. بَيْني وَبَيْنَكَ القُرْآنُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: مَنِ احْتَجَّ بالقُرآنِ فَقَدْ - قَالَ سُفْيَانُ: يَقُولُ فَقَدِ احْتَجَّ، وَرُبَّمَا قَالَ: أَفْلَحَ، فَقَالَ:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
(1)
قَالَ: أَفَتراهُ صَلَّى فِيهِ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: لَوْ صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَ عَلَيْكُمُ فِيهِ الصَّلَاةُ مَا كتِبَتِ الصَّلاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ حُذَيْفَةُ: أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِدَابَّةٍ طَوِيلَةِ
(1)
الإسراء: 1.
الظَّهْرِ، مَمْدُودَةٍ هَكَذَا، خَطْوُه مَدُّ بَصَرِهِ، فَمَا زَايَلًا ظَهْرَ البُرَاقِ حَتَّى رَأَيَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ وَوَعْدَ الآخِرَةِ أجْمَعَ، ثمَّ رَجَعَا عَوْدَهُمَا عَلى بَدْئِهِمَا. قال: وَيَتَحَدَّثُونَ أَنَّهُ رَبَطهُ، لِمَ؟ أيَفِرُّ مِنْهُ وَإِنَّمَا سَخَّرَهُ لَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَمَا زَايَلَا"، أي: النَّبِيُّ، وجبريلُ صلَّى اللّهُ تعالى عليهما وسلَّم.
• قوله: "لِمَ؟ ": أي: لأيِّ شيءٍ يَرْبطه.
• وقوله: "سَيَفِرَّ مِنْهُ"؛ أي: يربطه لأجل أنَّه يفِرُّ منه إنْ لم يربطه خوفًا من ذلك، فهذا لا يُتَصَوَّرُ أصلًا.
1806 -
(3148) - (5/ 308 - 309) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلِيِّ بْن زَيْدِ بْن جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ"، قَالَ:"فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزَعَاتٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُونَا آدَمُ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا أُهْبِطْتُ مِنْهُ إِلَى الأرْضِ وَلَكِنْ ائْتُوا نُوحًا، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُوُل: إِنِّي دَعَوْتُ عَلَى أَهْلِ الأرْضِ دَعْوَةً فَأُهْلِكُوا، وَلَكِنِ اذْهبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُوُل: إِنِّي كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَلمَعلَّمَ:"مَا مِنْهَا كَذِبَةٌ إِلَّا مَا حَلَّ بِهَا عَنْ دِينِ اللَّهِ". وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُوُل: إِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَىَ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: إِنِّي عُبِدْتُ مِنْ دُونِ اللّهِ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا، قَالَ: فَيَأْتونَنِي فَأَنْطَلِقُ مَعَهُمْ - قَالَ ابْنُ جُدْعَانَ: قَالَ أَنَسٌ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "فَآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الجَنَّةِ فَأُقَعْقِعُهَا فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: مُحَمَّدٌ فَيَفْتَحُونَ لِي وَيُرَحِّبُونَ، فَيَقُولُونَ: مَرْحَبًا، فَأَخِرُّ سَاجِدًا، فَيُلْهِمُنِي اللّهُ مِنَ الثَّنَاءِ وَالحَمْدِ، فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشْفَعْ، وَقُلْ يُسْمَعْ لِقوْلكَ، وَهُوَ المَقَامُ المَحْمُودُ الَّذِي قَالَ اللّهُ:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}
(1)
قَالَ سُعفْيَانُ: لَيْسَ عَنْ أَنسٍ إِلَّا هَذِهِ الكَلِمَةُ. "فَآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الجَنَّةِ فَأُقَعْقِعُهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الحَدِيثَ بِطُولهِ.
• قوله: "مَاحِلٌ": -بالتَّخْفيفِ- من المِحَال - بكسر الميم - وهو الكيدُ. وقيل: القُوَّةُ والشدَّةُ أي: دَافِعٌ.
(1)
الإسراء: 79.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَةِ الكَهْفِ
1807 -
(3149) - (5/ 309 - 312) بِسْمِ اللّهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاس: إِنَّ نَوْفًا البِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ بَنِيْ إسْرَائِيْلَ لَيْسَ بِمُوسَى صَاحِبِ الخَضِرِ، قَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللّهِ، سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كعْبٍ، يَقُوُل: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فِي بَنِيْ إسْرَائِيْلَ، فَسُئِلَ: أيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ، فَعَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللّهُ إِلَيْهِ إنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ: أيْ رَبِّ! فَكَيْفَ لِي بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ تَفْقِدُ الحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونَ وَيُقَالُ يُوْسَعُ، فَجَعَلَ مُوسَى حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ، فَرَقَدَ مُوسَى وَفَتَاهُ فَاضْطَرَبَ الحُوتُ فِي المِكْتَلِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ المِكْتَلِ فَسَقَطَ فِي البَحْرِ"، قَالَ: "وَأَمْسَكَ اللهُ عَنْهُ جَرْيَةَ المَاءِ، حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ وَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا، وَفينَ لِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا وَنُسِّيَ صَاحِبُ مُوسَى أَنْ يُخْبِرَه، فَلَمَّا أَصْبَحَ مُوسَى {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)}
(1)
قَالَ: "وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ المَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بهِ {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ}
(2)
مُوسَى:
(1)
الكهف: 62.
(2)
الكهف: 63 - 64.
{ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا}
(1)
قَالَ: "فَكَانَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا" - قَالَ سُفْيَانُ: يَزْعُمُ نَاسٌ أَنَّ تِلْكَ الصَّخْرَةَ عِنْدَهَا عَيْنُ الحَيَاةِ وَلا يُصِيبُ مَاؤُهَا مَيِّتًا إِلَّا عَاشَ- قَالَ: "وَكَانَ الحُوتُ قَدْ أَكَلَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَطَرَ عَلَيْهِ المَاءُ عَاشَ"، قَالَ: "فَقَصَّا آثَارَهُمَا حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ، فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بثَوْب، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ: أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى، قال: مُوسَى بَنِيْ إسْرَائِيْل؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللّهِ عَلَّمَكَهُ لا أَعْلَمُهُ، وَأَنا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللّهِ عَلَّمَنِيهِ لا تَعْلَمُهُ، فَقَالَ مُوسَى:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}
(2)
قَالَ لَهُ الخَضِرُ: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}
(3)
قَالَ: نَعَمْ، فَانْطَلَقَ الخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمَاهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا فَعَرَفُوا الخَضِرَ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ فَعَمَدَ الخَضِرُ إلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بغَيْر نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا}
(4)
ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ، فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ وَإِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ فَأَخَذَ الخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ، قَالَ لَهُ مُوسَى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)
(1)
الكهف: 64.
(2)
الكهف: 66 - 68.
(3)
الكهف: 70.
(4)
الكهف: 71 - 73.
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}
(1)
قَالَ: وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الأُولَى {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}
(2)
يَقُوُل: مَائِلٌ، فَقَالَ الخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا {فَأَقَامَهُ}
(3)
فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَما وَلَمْ يُطْعِمُونَا {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}
(4)
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُ اللّهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا". قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الأُولَى كَانَ مِنْ مُوسَى نِسْيَانٌ". قَالَ: "وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ثُمَّ نَقَرَ فِي البَحْرِ، فَقَالَ لَهُ الخَضِرُ: مَا نَقَصَ علْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللّهِ إِلَّا مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ مِنَ البَحْرِ"، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَكَانَ -يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ- يَقْرأُ: "وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا"، وَكَانَ يَقْرأُ:"وَأَمَّا الغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْن عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْن كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رَوَاه أَبُو إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْن كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(1)
الكهف: 74 - 75.
(2)
الكهف: 76 - 77.
(3)
الكهف: 77.
(4)
الكهف: 77 - 78.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: سَمِعْتُ أَبَا مُزَاحِمٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ: يَقُوُل سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ المَدِينيِّ، يَقُولُ: حَجَجْتُ حَجَّةً وَلَيْسَ لِي هِمَّةٌ إِلَّا أَنْ أَسْمَعَ مِنْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ فِي هَذَا الحَدِيثِ الخَبَرَ حَتَّى سَمِعْتُهُ يَقُوُل: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَدْ كُنْتُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سُفْيَانَ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الخَبَرُ.
• قوله: "فَكَيْفَ"، أي: فكيفَ لي الوُصُولُ إليه واللِّقاءُ به.
• قوله: "وَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا"؛ أي: مثل السَّرَب وهو الشَّقُّ الطَّويلُ في الأرْض لامنفذَ له.
• قوله: "نَصَبًا": تعبًا.
• قوله: " فَارْتَدَّا"؛ أي: رَجَعَا. "قَصَصًا"؛ أي: يَقُصَّانِ على آثارِهما.
• قوله: "أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ"، أي: مِنْ أينَ السَّلام في هذه الأرْض ولم يَكُنْ مُتَعارِفًا؟ وقولُ موسى جواب بأسلوبِ الحَكيم إشارةً إلى أنَّ الأهمَّ معرفةُ المُسَلِّم.
• قوله: "شَيْئًا": أمرًا، أي: عظيمًا هائلًا.
• قوله: "يَقُولُ: مَائِلٌ"، أي: المرادُ بقوله: "يُرِيْدُ أنْ يَنْقَضَّ" أنَّه مَائلٌ.
• قوله: "مَا نَقَصَ
…
" إلخ، مثل لقِلَّةِ عِلْمِهما بالنِّسْبة إلى علم اللَّه تعالى وإلا فلا يُتَصَوَّرُ النُّقْصان فيما نحن فيه بخِلاف البَحْر.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ]
1808 -
(3156) - (5/ 315 - 316) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو المُغِيرَةِ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}
(1)
قَالَ: "يُؤْتَى بِالمَوْتِ كَأَنَّهُ كبْشٌ أَمْلَحُ حَتَّى يُوقَفَ عَلَى السُّورِ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ! فَيَشْرَئِبُّونَ، وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ! فَيَشْرَئِبُّونَ، فَيُقَالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا المَوْتُ، فَيُضْجَعُ فَيُذْبَحُ، فَلَوْلَا أَنَّ اللّهَ قَضَى لِأَهْلِ الجَنَّةِ الحَيَاةَ فِيهَا وَالبَقَاءَ لَمَاتُوا فَرَحًا، وَلَوْلَا أَنَّ اللّهَ قَضَى لِأهْلِ النَّارِ الحَيَاةَ فِيهَا وَالبَقَاءَ، لَمَاتُوا تَرَحًا". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَيَشْرَئِبُّونَ": هو -بالهَمْزَةِ قبل الباء المشدَّدة- أي: يرفَعُون رؤوسَهم.
1809 -
(3158) - (5/ 316 - 317) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبريلَ: "مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ " قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا}
(2)
إِلَى آخِرِ الآيَةَ.
(1)
مريم: 39.
(2)
مريم: 64.
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عُمَرَ بْن ذَرٍّ نَحْوَهُ.
• قوله: "وَمَا نَتَنَزَّلُ": جوابٌ من جَانب جبريل أجابَ اللّهُ به عن جَانِبه.
1810 -
(3162) - (5/ 318) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَبَّابَ بْن الأرَتِّ، يَقُولُ:"جِئْتُ العَاصَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ أَتَقَاضَاه حَقًّا لِي عِنْدَهُ"، فَقَالَ: لا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ فَقُلْتُ: لَا، حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: إِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ فَقُلْتُ: "نَعَمْ". فَقَالَ: إِنَّ لِي هُنَاكَ مَالًا وَوَلَدًا فَأَقْضِيكَ، فَنَزَلَتْ:{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}
(1)
الآيَةَ.
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ نَحْوَه، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إِنَّ لِي هُنَاكَ": في الآخِرة، أي: إذا بُعِثْتُ.
(1)
مريم: 77.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ طه]
1811 -
(3163) - (5/ 319 - 320) بِسْمِ اللّهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الأخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ أَسْرَى لَيْلًةً حَتَّى أَدْرَكهُ الكَرَى أَنَاخَ فَعَرَّسَ، ثُمَّ قَالَ:"يَا بِلَالُ اكْلَأْ لَنَا اللَّيْلَةَ"، قَالَ: فَصَلَّى بِلَالٌ، ثُمَّ تَسَانَدَ إِلَى رَاحِلَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الفَجْرِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاه فَنَامَ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَكانَ أَوَّلَهُمْ اسْتِيقَاظًا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"أَيْ بِلَالُ"، فَقَالَ بِلَالٌ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ! أَخَذَ بنَفْسِى الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"اقْتَادُوا"، ثُمَّ أَنَاخَ فَتَوَضَّأَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ صَلَّى مِثْلَ صَلاتِهِ لِلْوَقْتِ فِي تَمَكُّثٍ، ثُمَّ قَالَ:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}
(1)
.
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الحُفَّاظِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الأخْضَرِ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ وَغَيْرُه مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
• قوله: "لِذِكرِىْ": كأنَّ المَعْنى على ما يَقْتَضِيه المقامُ، أي: وقتَ ذِكْر الصَّلاةِ، عُبِّر عن ذكر الصَّلاةِ بذكر اللهِ تعالى، فإنَّ ذكرَها يؤدِّي إلى ذِكْر اللّهِ تعالى فيها، فصارَ كأنَّ ذكرَ الصَّلاةِ سببٌ لذِكْر اللّهِ، فَعُبِّرَ عن ذكر اللهِ بذكر الصَّلاةِ. واللّه تعالى أعلم.
(1)
راجع: سورة طه: 14.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَةِ الحَجِّ
1812 -
(3168) - (5/ 322 - 323) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنهَ عَنِ ابْنِ جَدْعَانَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَتْ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}
(1)
إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}
(2)
قَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ:"أَتَدْرُونَ أيَّ يَوْمٍ ذَلِكَ؟ " فَقَالُوا: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "ذَلِكَ يَوْمَ يَقُولُ اللّهُ لِاَدَمَ: ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: تِسْعُ مِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِلَى النَّارِ وَوَاحِدٌ إِلَى الجَنَّةِ"، قَالَ:"فَأَنْشَأَ المُسْلِمُونَ يَبْكُونَ"، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلَّا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهَا جَاهِلِيَّةٌ"، قَالَ:"فَيُؤْخَذُ العَدَدُ مِنَ الجَاهِلِيَّةِ فَإِنْ تَمَّتْ وَإِلَّا كَمُلَت مِنَ المُنَافِقِينَ وَمَا مَثَلُكُمْ وَالأُمَمِ إِلَّا كَمَثَلِ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ أَوْ كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ البَعِيرِ"، ثُمَّ قَالَ:"إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُوُنوا رُبْعَ أَهْلِ الجَنَّةِ" فَكَبَّرُوا، ثُمَّ قَالَ:"إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ" فَكَبَّرُوا، ثُمَّ قَالَ:"إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ" فَكَبَّرُوا قَالَ: لَا أَدْرِي؟ قال: الثُّلُثَيْنِ أَمْ لَا؟.
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(1)
الحج: 1.
(2)
الحج: 2.
• قوله: "الرَّقْمَةُ": -بفَتْح الرَّاءِ والقَاف وسكونِها- الرَّقْمان هما الأثَرَان في بَاطن عَضُدَي الدَّابَةِ شِبْه الظُفْرَيْن. و"الشَّامَةُ": -بخِفَّةِ الميم- الخَالُ.
1813 -
(3169) - (5/ 323 - 324) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَتَفَاوَتَ بَيْنَ أَصْحَابهِ فِي السَّيْرِ فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَوْتَهُ بِهَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}
(1)
إِلَى قَوْلهِ: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}
(2)
فَلَمَّا سَمِعَ ذلِكَ أصْحَابُهُ حَثُّوا المَطِيَّ وَعَرَفوا أَنَّهُ عِنْدَ قوْلٍ يَقُولُهُ، فَقَالَ:"هَلْ تَدْرُونَ أيَّ يَوْمٍ ذَلِكَ"؟ قَالُوا: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "ذَلِكَ يَوْمٌ يُنَادِي اللّهُ فِيهِ آدَمَ فَيُنَادِيهِ رَبُّهُ فَيَقُوُل: يَا آدَمُ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، فَيَقُوُل: يَا رَبِّ! وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُ مِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِىْ النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الجَنَّةِ" فَيَئِسَ القَوْمُ حَتَّى مَا أَبْدَوْا بِضَاحِكَةٍ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بِأَصْحَابِهِ قَالَ:"اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَمَعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْءٍ إِلَّا كثَّرَتَاه، يَأْجُوجُ وَمَأجُوجُ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَبَنِي إِبْلِيسَ"، قَالَ: فَسُرِّيَ عَنِ القَوْمِ بَعْضُ الَّذِي يَجِدُونَ، فَقَالَ:"اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كالشَّامَةِ فِي جَنْبِ البَعِيرِ أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "حَثُّوا": هو -بتَشْديدِ المُثَلَّثَة- حمَلُوْها على إسْرَاعِها، أي: ليُقَرِّبُوْها إليه صلى الله تعالى عليه وسلم قصدًا للسِّمَاعِ.
(1)
الحج: 1.
(2)
الحج: 2.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة النُّورِ
1814 -
(3178) - (5/ 329 - 330) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْد المَلِكِ بْن أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، قَالَ: سُئِلْتُ عَنِ المُتَلَاعِنَيْنِ فِي إِمَارَةِ مُصْعَبِ بْن الزُّبَيْرِ أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَمَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ، فَقُمْتُ مَكَانِي إِلَى مَنْزِلِ عَبْدِ اللّهِ بْن عُمَرَ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لِي إِنَّهُ قَائِلٌ فَسَمِعَ كَلَامِي فَقَالَ لِي: ابْنَ جُبَيْرٍ ادْخُلْ، مَا جَاءَ بِكَ إِلَّا حَاجَةٌ، قَالَ: فَدَخَلْتُ فَإِذَا هُوَ مُفتَرِشٌ بَرْدَعَةَ رَحْلٍ لَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! المُتَلَاعِنَانِ أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللّهِ نَعَمْ، إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَحَدَنَا رَأَى امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللّهُ هَذِهِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ}
(1)
حَتَّى خَتَمَ الآيَاتِ، قَالَ: فَدَعَا الرَّجُلَ فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَه، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ ثَنَّى بِالمَرْأَةِ وَوعَظَهَا وَذَكَّرَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَتْ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا صَدَقَ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ
(1)
النور: 6.
أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ، وَالخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
وَفِي البَابِ عَنْ سَهْلِ بْن سَعْدٍ. قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إِنَّهُ قَائِلٌ": منَ القَيْلُوْلَة.
• و"الْبَرْذَعَةُ": -بفتح الباء، وسكونِ الرَّاء، بعدَها مُعْجمةٌ أو مُهْملةٌ مفتوحةٌ- ما يُفْتَرشُ تحتَ الرَّجل.
1815 -
(3179) - (5/ 331 - 332) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَني عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ ابْنِ السَّحْمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"البَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ"، قَالَ: فَقَالَ هِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِذَا رَأَى أَحَدُنَا رَجُلًا عَلَى امْرَأَتِهِ أَيَلْتَمِسُ البَيِّنَةَ؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "البَيِّنَةَ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ"، قَالَ: فَقَالَ هِلَالٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيَنْزِلَنَّ فِي أَمْرِي مَا يُبرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الحَدِّ، فَنَزَلَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ}
(1)
- فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ - {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)}
(2)
قَالَ: فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فَجَاءَا، فَقَامَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ"؟ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الخَامِسَةِ {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}
(3)
قَالُوا لَهَا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، فَقَالَ ابْنُ
(1)
النور: 6.
(2)
النور: 7.
(3)
النور: 9.
عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَسَتْ حَتَّى ظَنَّنَا أَنْ سَتَرْجِعُ، فَقَالَتْ: لَا أفْضحُ قَوْمِي سَائِرَ اليَوْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ العَيْنَيْنِ، سَابِغَ الألْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ السَّحْمَاءِ"، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْلا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللهِ عز وجل لَكَانَ لنَا وَلَهَا شَأْنٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيْثِ هِشَامٍ بنِ حَسَّانَ، وَهَكَذَا رَوَى عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَاه أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
• قوله: "خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ": -بمُعْجمَةٍ ومُهْملَةٍ، فلامٍ مشدَّدة مُفْتوحَاتٍ - أي: عظِيْمُها.
1816 -
(3180) - (5/ 332 - 336) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ذُكِرَ مِن شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيَّ خَطِيبًا فَتَشَهَّدَ وَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي وَاللّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ قَطُّ وَأَبَنُوا بِمَنْ وَاللّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ وَلا دَخَلَ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ وَلَا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي"، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه فَقَالَ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بْن ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، أَمَا وَاللّهِ أَنْ لَوْ كَانُوا مِنَ الأَوْسِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ شَرٌّ فِي المَسْجِدِ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ اليَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ فَعَثَرَتْ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ،
فَقُلْتُ لَهَا: أيْ أمُّ! تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ فَسَكَتَتْ، ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّانِيَةَ فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لهَا: أيْ أمُّ! تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ فَسَكَتَتْ، ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّالِثَةَ فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ فَانْتَهَرتُهَا فَقُلْتُ لَهَا: أيْ أمُّ! تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ فَقَالَتْ: وَاللّه مَا أَسُبُّهُ إِلَّا فِيكِ، فَقُلْتُ: فِي أيِّ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: فَبَقَرَتْ لِي الحَدِيثَ، قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ هَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَاللّهِ لَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَكَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَمْ أَخْرُجْ، لا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَوُعِكْتُ، فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي، فَأَرْسَلَ مَعِي الغُلَامَ فَدَخَلْتُ الدَّارَ، فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ فِي السُّفْلِ وَأَبُو بَكْرٍ فَوْقَ البَيْتِ يَقْرأُ، فَقَالَتْ أُمِّي: مَا جَاءَ بكِ يَا بُنَيَّةُ! قَالَتْ: فَأَخْبَرتُهَا وَذَكَرْتُ لَهَا الحَدِيثَ فَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي، قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ خَفِّفِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ فَإِنَّهُ وَاللّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا حَسَدْنَهَا وَقِيلَ فِيهَا، فَإِذَا هِيَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي، قَالَتْ: قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَاسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي وَهُوَ فَوْقَ البَيْتِ يَقْرَأُ فَنَزَلَ فَقَالَ لِأُمِّي: مَا شَأْنُهَا؟ قَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكرَ مِنْ شَأْنِهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَاه، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ يَا بُنَيَّةُ إلَا رَجَعْتِ إلَى بَيْتِكِ فَرَجَعْتُ، وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتِي فَسَأَلَ عَنِّي خَادِمَتِي فقالَتْ: لا وَاللّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَتَهَا أَوْ عَجِينَتَهَا، وَانْتَهَزَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَصْدِقِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللّهِ! وَاللّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الأحْمَرِ، فَبَلَغَ الأمْرُ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللّهِ! وَاللّهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللّهِ، قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي فَلَمْ يَزَالَا حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَقَدِ اكْتَنَفَنى أَبَوَايَ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَتَشَهَّدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ يَا
عَائِشَةُ! إِنْ كنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا أَوْ ظَلَمْتِ فَتُوبِي إِلَى اللّهِ، فَإِنَّ اللّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ"، قَالَتْ: وَقَدْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَهِيَ جَالِسَةٌ بِالبَابِ، فَقُلْت: أَلَا تَسْتَحْيِي مِنْ هَذِهِ المَرْأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا، فَوَعَظَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَالتَفَتُّ إِلَى أَبِي فَقُلْتُ: أَجِبْهُ، قَالَ: فَمَاذَا أَقُولُ؟ فَالتَفَتُّ إِلَى أُمِّي فَقُلْتُ: أَجِيبِيهِ، قَالَتْ: أَقُولُ مَاذَا؟ قَالَتْ: فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَا تَشَهَّدْتُ فَحَمِدْتُ اللّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: أَمَا وَاللّهِ لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ وَاللّهُ يَشْهَدُ إنِّي لَصَادِقَةٌ مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ لِي لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ وَأُشْرِبَتْ قُلُوبُكُمْ، وَلَئِنْ قُلْتُ إِنِّي قَدْ فَعَلْت وَاللّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ لتَقُولُنَّ إِنَّهَا قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنِّي وَاللّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا، قَالَتْ: وَالتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ إلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)}
(1)
قَالَتْ: وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَاعَتِهِ فَسَكَتْنَا، فَرُفِعَ عَنْهُ وَإِنِّي لَأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَيَقُولُ:"البُشْري يَا عَائِشَةُ! فَقَدْ أَنْزَلَ اللّهُ بَرَاءَتَكِ"، قَالَتْ: كنْتُ أَشَدَّ مَا كُنْتُ غَضَبًا، فَقَالَ لِي أَبَوَايَ قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: لا وَاللّهِ! لا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلا أَحْمَدُه وَلا أَحْمَدُكُمَا، وَلَكِنْ أَحْمَدُ اللّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، لَقَدْ سَمِعْتُمُوه فَمَا أَنْكَرْتُمُوه وَلا غَيَّرتُمُوه، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: أَمَّا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَعَصَمَهَا اللّهُ بِدِينِهَا فَلَمْ تَقُلْ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا أُخْتُهَا حَمْنَةُ فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِسْطَحٌ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَالمُنَافِقُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابنِ سَلُوْلٍ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَسُوْسُهُ وَيَجْمَعُهُ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَحَمْنَةُ، قَالَتْ: فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا، فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ}
(2)
إِلَى آخِرِ الآيَةِ -يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ- {أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ
(1)
يوسف: 18.
(2)
النور: 22.
وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
(1)
-يَعْنِي مِسْطَحًا- إِلَى قَوْلهِ: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
(2)
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللّهِ يَا رَبَّنَا! إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لنَا، وَعَادَ لَهُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنَ يَزِيدَ، وَمَعْمَرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْن الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْن وَقَّاصٍ اللَّيثِيِّ، وَعُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَائِشَةَ هَذَا الحَدِيثَ أَطْوَلَ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ وَأَتَمَّ.
• قوله: "أَبَنُوا": هو بمُخَفَّفَتَيْن، أي: اتَّهَمُوْها، ورُوِي بتَشديدِ موَحَّدةٍ، وبتَقْديم نُوْنٍ مُشَدَّدَةٍ بمعنى: اللَّوْم، وصُحِفَ بأنَّه لا يُلائِم قوله:"فَإذَا هُوَ" أي: الحديث لم يبلُغْ منها؛ أيْ: مِنْ أمِّي ما بَلَغ مِنَّي في إيْراثِ الغَمِّ والحُزْنِ.
• قوله: "فَإذَا هِيَ"؛ أي: القِصَّةُ لم تَبْلُغ؛ أي: الحديثُ.
• قوله: "إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ": بيانُ أنَّها من الغَافلاتِ.
• "حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا"؛ أي: أظْهَرُوا القولَ السَّقط؛ أي: الرَّدِيَّ. "بِهِ"، أي: بسَبب ذلك، والمرادُ سَبّوها لأجل ذلك.
• قوله: "بَاءَتْ"؛ أي: أقَرَّتْ واعْتَرفَتْ.
(1)
النور: 22.
(2)
النور: 22.
سُوْرة الشَّعَرَاء
1817 -
(3185) - (5/ 338 - 339) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}
(1)
جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا فَخَصَّ وَعَمَّ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللّهِ ضَرًّا وَلا نَفْعًا، يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ مَنافٍ! أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللّهِ ضَرًّا وَلا نَفْعًا، يَا مَعْشَرَ بَنِي قُصَيٍّ! أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا، يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ! أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ! أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لا أَمْلِكُ لَكِ ضَرًّا وَلا نَفْعًا، إِنَّ لَكِ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلالِهَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. يُعرَفُ من حَديث مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ عَنْ عبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحوه بِمَعْنَاهُ.
• قوله: "فَخَصَّ": في الدَّعْوةِ "وَعَمَّ": فيها.
(1)
الشعراء: 214.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ العَنْكَبُوتِ]
1818 -
(3189) - (5/ 341 - 342) بِسْمِ اللّهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ، قَالَ: أُنْزِلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ - فَذَكَرَ قِصَّةً - فَقَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ اللهُ بِالبِرِّ، وَاللّهِ! لا أَطْعَمُ طَعَامًا وَلا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَكْفُرَ، قَالَ: فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا، فَنَزَلَتْ هَذِه الآيَةَ {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا}
(1)
الآيَةَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "شَجَرُوا فَاهَا"؛ أي: فَتَحُوْه بعُوْدٍ، وإنَّما فعلوا ذلك لئلا يُطَبِّقَه فيَمْتَنِعُ وصولُ الطَّعام إلى الجَوْفِ.
1819 -
(3190) - (5/ 342) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ بُكَيْرٍ السَّهْمِيُّ عَنْ حَاتِمِ بْن أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْبِ، عَنْ أَبي صَالِحِ، عَنْ أُمِّ هَانِئِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلهِ تَعَالَىَ:{وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ}
(2)
قَالَ: "كَانُوا يَخْذِفُونَ أَهْلَ الأرْضِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ".
(1)
العنكبوت: 8.
(2)
العنكبوت: 29.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْن أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ سِمَاكٍ، حَدَّثَنَا أحْمِدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِيُّ، حَدَّثَنَا سَلِيْمُ بْنُ أخْضَرَ عَن حَاتِمِ بْنِ أبِيْ صَغِيْرِةَ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَه.
• قوله: "يَخْذِفُونَ": الخَذَفُ الرَّمْي بحَصَاةٍ ونحوها.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ الرُّومِ]
1820 -
(3191) - (5/ 342 - 343) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن خَالِدٍ ابْنُ عَثْمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ فِي مُنَاحَبَةٍ {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ}
(1)
"أَلَا احْتَطْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ البِضْعَ مَا بَيْنَ الثَّلاثِ إِلَى التِسْعٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
• قوله: "أخْفَضْتَ"
(2)
: لعلَّ المَعْنى هل نَزَلْتَ إلى عددٍ أخفض منه على أنَّ معنى "أخْفَضَ" بمعنى دَخل في الخَفْض.
(1)
الروم: 1 - 2.
(2)
هكذا في المخطوط، وفي نسخة أحمد شاكر:"احتطت" كما في متن الحديث، ولعل ذلك يرجع إلى فوارق النسخ.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة سَبَأٍ
1821 -
(3222) - (5/ 361) بِسْمِ اللّهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبِ، وَعَبْدُ بْن حُمَيْدٍ وغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوْا: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الحَسَنِ بْن الحَكَمِ النَّخَعِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَبْرَةَ النَّخَعِيُّ عَنْ فَرْوَةَ بْن مُسَيْكٍ المُرَادِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَلَا أُقَاتِلُ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي بمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ؟ فَأَذِنَ لِي فِي قِتَالِهِمْ وَأمَّرَنِي، فلمَّا خَرَجْتْ مِنْ عِنْدِهِ سَأَلَ عَنِّي:"مَا فَعَلَ الغُطيْفِيُّ؟ " فَأُخْبِرَ أَنِّي قَدْ سِرْتُ، قال: فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَرَدَّنِي فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:"ادْعُ القَوْمَ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ فَلَا تَعْجَلْ حَتَّي أُحْدِثَ إِلَيْكَ"، قَالَ: وَأُنْزِلَ فِي سَبَإٍ مَا أُنْزِلَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ! وَمَا سَبَأٌ: أَرْضٌ أَوْ امْرَأَةٌ؟ قَالَ: "لَيْسَ بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَةً مِنَ العَرَبِ فَتَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَتَشَاءَمَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا فَلَخْمٌ، وَجُذَامٌ، وَغَسَّانُ، وَعَامِلَةٌ، وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا: فَالأَزْدُ، وَالأَشْعَرِيُّونَ، وَحِمْيَرٌ، وَمَذْحِجٌ، وَأنْمَارٌ، وَكِنْدَةُ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ! وَمَا أَنْمَارٌ؟ قَالَ: "الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمُ، وَبَجِيلَةُ".
وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "فَتَيَامَنَ"، أي: سَكَنوا ناحيةَ الْيَمَن. "وَتَشَامَ": أي: أخَذُوا نَاحِيَةَ الشَّام.
1822 -
(3223) - (5/ 362) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"إِذَا قَضَى اللّهُ فِي السَّمَاءِ أَمْرًا ضَرَبَتِ المَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلهِ كَأَنَّهَا سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَـ {إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
(1)
قَالَ: "وَالشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إذَا فُزِّعَ": بالبِناء للفَاعل والضَّمير: للّهِ، أو المفعول، أي: كُشِفَ عنهم الفَزَع.
(1)
سبأ: 23.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ المَلَائِكَةِ]
1823 -
(3225) - (5/ 363) بِسْمِ اللّهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَن الوَلِيدِ بْن عَيْزَارِ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ يُحَدِّثُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كِنَانَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ}
(1)
قَالَ: "هَؤُلاءِ كُلُّهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّهُمْ فِي الجَنَّةِ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ": هي مَنْزلةُ الإيمانِ فتَجْمَعُهم الجَنَّةُ كما جَمَعَهم الإيمانُ.
(1)
فاطر: 32.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة الزُّمَر
1824 -
(3238) - (5/ 371) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، وَسُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ. قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}
(1)
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَمَا قَدَرُوْا اللّهَ"، أي: ما عَرفُوه كما ينبغي حتَّى ترَكُوا الإيمانَ به مع عِلْمِه بقُدْوَته على هذا الوَجْه.
1825 -
(3245) - (5/ 373 - 374) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ بِسُوقِ المَدِينَةِ: لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى البَشَرِ، قَالَ: فَرَفَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَدَهُ فَصَكَّ بِهَا وَجْهَهُ، قَالَ: تَقُوُل هَذَا وَفِينَا نَبِيُّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ رَسُوُل اللّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)}
(2)
فَأكُونُ أَوَّلَ مَنْ
(1)
الأنعام: 91.
(2)
الزمر: 68.
رَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللّهُ، وَمَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْن مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ"؛ أي: يدَّعِي الفَضْلَ افْتِخارًا أو استحقاقًا لذلك بذَاتِه.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة الدُّخَانِ
1826 -
(3254) - (5/ 379 - 380) بِسْمِ اللّهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الجُدِّيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ، وَمَنْصُورٍ، سَمِعَا أَبَا الضُّحَى يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللّهِ فَقَالَ: إِنَّ قَاصًّا يَقُصُّ يَقُولُ: إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الأرْضِ الدُّخَانُ فَيَأْخُذُ بِمَسَامِعِ الكُفَّارِ وَيَأْخُذُ المُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، قَالَ: فَغَضِبَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ: إِذَا سُئِلَ أَحَدُكُمْ عَمَّا يَعْلَمُ فَلْيَقُلْ بِهِ -قَالَ مَنْصُورٌ: فَلْيُخْبِرْ بِهِ- وَإِذَا سُئِلَ عَمَّا لا يَعْلَمُ فَلْيَقُلِ: اللّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنْ عِلْم الرَّجُل إذَا سُئِلَ عَمَّا لا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ: اللّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}
(1)
إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى قُرَيْشًا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ"، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ فَأَحْصَتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الجُلُودَ وَالمَيْتَةَ - وَقَالَ أَحَدُهُمَا: العِظَامَ - قَالَ: وَجَعَلَ يَخْرُجُ مِنَ الأرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللهَ لَهُمْ، قَالَ: فَهَذَا لِقَوْلِهِ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}
(2)
قالَ مَنْصُورٌ: هَذَا لِقَوْلهِ: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}
(3)
فَهَلْ يُكْشَفُ عَذَابُ الآخِرَةِ؟ قَدْ مَضَى البَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ: الدُّخَانُ، وقَالَ أَحَدُهُمَا: الْقَمَرُ، وَقَالَ الآخَرُ: الرُّومُ.
(1)
سورة ص: 86.
(2)
الدخان: 10 - 11.
(3)
الدخان: 12.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَاللِّزَامُ يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "قَدْ مَضَى البَطْشَةُ"، أي: في قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى}
(1)
.
• و"اللِّزَامُ": في قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}
(2)
.
• "والقَمُر": هو المذكورُ في قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ}
(3)
(1)
الدخان: 16.
(2)
الفرقان: 77.
(3)
الروم: 2.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة الأحْقَافِ
1827 -
(3256) - (5/ 381 - 382) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَيَّاةَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْن عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَخِي عَبْدِ اللّهِ بْن سَلامٍ لَمَّا أُرِيدَ عُثْمَانُ جَاءَ عَبْدُ اللّهِ بْن سَلَامٍ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ فِي نَصْرِكَ، قَالَ: اخْرُجْ إِلَى النَّاسِ فَاطْرُدْهُمْ عَنِّي فَإِنَّكَ خَارِجٌ خَيْرٌ لِي مِنْكَ دَاخِلٌ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللّهِ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ كانَ اسْمِي فِي الجَاهِلِيَّةِ فُلَانٌ فَسَمَّانِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللّهِ، وَنَزَلَتْ فِيَّ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
(1)
{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}
(2)
إِنَّ لِلَّهِ سَيْفًا مَغْمُودًا عَنْكُمْ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ قَدْ جَاوَرَتْكُمْ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا الَّذِي نَزَلَ فِيهِ نَبِيكُّمْ، فَاللّهَ، اللّهَ فِي هَذَا الرَّجُلِ أَنْ تَقْتُلُوه، فَوَاللّهِ إِنْ قَتَلْتُمُوه لتَطْرُدُنَّ جِيرَانَكُمُ المَلائِكَةَ، وَلَتُسْأَلُّنَّ سَيْفَ اللّهِ المَغْمُودَ عَنْكُمْ فَلَا يُغْمَدُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، قَالَ: فَقَالُوا: اقْتُلُوا اليَهُودِيَّ وَاقْتُلُوا عُثْمَانَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاه شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْن عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْن سَلَامٍ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللّهِ بْن سَلَامٍ.
(1)
الأحقاف: 10.
(2)
الرعد: 43.
• قوله: "خَارِجٌ": هو -بالنَّصب- وكَتْبُه بلا ألف من تسَامُح أهل الحديثِ، ووَقَع في بعض النُّسَخ "خَارِجًا" بالألف وهوْ أحسن، ويمكنُ أنْ يجعَل "خارجٌ" مرفوعًا بتقدير وأنتَ خارجٌ، ويُجعل الجملةُ خالًا.
سورة الْقِتَالِ
1828 -
(3259) - (5/ 383) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}
(1)
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأسْتَغْفِرُ اللّهَ فِي اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ". وقد رُويَ من غير وجه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "إِنِّي لأسْتَغْفِرُ اللّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ، ورَوَاه مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
• قوله: "واسْتَغْفِرْ"، أي:[لمَّا] نَزَلَتْ هذه الآية.
(1)
سورة محمد: 19.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة الفَتْحِ
1829 -
(3262) - (5/ 385) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ بن عَثْمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ: كنَّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَكَلَّمْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَكَتَ، ثُمَّ كَلَّمْتُهُ فَسَكَتَ، فَحَرَّكْتُ رَاحِلَتِي فَتَنَحَّيْتُ وَقُلْتُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ الخَطَّابِ! نَزَرْتَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لا يُكَلِّمُكَ، مَا أَخْلَقَكَ أَنْ يَنْزِلَ فِيكَ قُرْآنٌ قَالَ: فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي، قَالَ: فَجئْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: "يَا ابْنَ الخَطَّابِ! لَقَدْ أُنْزِلَ عَليَّ هَذِهِ اللَّيْلةَ سُورَةٌ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِنْهَا مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}
(1)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، رَوَاه بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ مُرْسَلًا.
• قوله: "نَزَرْتَ": ألْحَحْتَ عليه في المَسْألةِ.
1830 -
(3263) - (5/ 385 - 386) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}
(2)
مَرْجِعَهُ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى الأرْضِ"، ثُمَّ قَرَأَهَا
(1)
الفتح: 1.
(2)
الفتح: 2.
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: هَنِيئًا مَرِيئًا يَا نَبِيَّ اللّهِ! قَدْ بَيَّنَ اللّهُ لَكَ مَاذَا يُفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يُفْعَلُ بِنَا، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}
(1)
حَتَّى بَلَغَ {فَوْزًا عَظِيمًا}
(2)
.
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ عَنْ مُجَمِّعِ بْن جَارِيَةَ.
• قوله: "مَاذَا يُفْعَلُ بكَ"، أي: بعدَ أن كانَ مُبْهمًا على مقتضى قولِه تعالى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ}
(3)
(1)
الفتح: 5.
(2)
الفتح: 5.
(3)
الأحقاف: 9.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة الحُجُرَاتِ
1831 -
(3266) - (5/ 387) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ بْن جُمَيلٍ الجُمَحِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ! اسْتَعْمِلْهُ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَسْتَعْمِلْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ! فَتَكَلَّمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِةِ الآيَةَ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}
(1)
فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُسْمِعْ كَلَامَهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. قَالَ: وَمَا ذَكَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جَدَّه يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْن الزُّبَيْرِ.
• قوله: "فَكَانَ عُمَرُ": تَخْصيصُ عمرَ بالذِّكْر يدُلُّ على أنَّ رفعَ الصَّوْتِ من أبي بكر [مَا] وَقَع في ذلك أيضًا إلا خطأ، تَعْظيمًا وإجلالًا به صلى اللَّه تعالى عليه وسلم. واللّه تعالى أعلم.
(1)
الحجرات: 2.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَةِ الذَّارِيَاتِ
1832 -
(3273) - (5/ 391 - 392) بِسْمِ اللّهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سَلَّامٍ، عَنْ عَاصِمِ بْن أَبِي النُّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ رَبِيعَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ عِنْدَهُ وَافِدَ عَادٍ، فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ وَافِدِ عَادٍ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"وَمَا وَافِدُ عَادٍ قَالَ؟ " قَالَ: فَقُلْتُ: عَلَى الْخَبِيرِ بِهَا سَقَطْتَ إِنَّ عَادًا لَمَّا أَقْحَطَتْ بَعَثَتْ قَيْلًا فَنَزَلَ عَلَى بَكْرِ بْن مُعَاوِيَةَ فَسَقَاه الخَمْرَ وَغَنَّتْهُ الجَرَادَتَانِ، ثُمَّ خَرَجَ يُرِيدُ جِبَالَ مَهْرَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ آتِكَ لِمَرِيضٍ فَأُدَاوِيَهُ وَلَا لِأَسِيرٍ فَأُفَادِيَهُ فَاسْقِ عَبْدَكَ مَا كُنْتَ مُسْقِيَهُ، وَاسْقِ مَعَهُ بَكْرَ بْنَ مُعَاوِيَةَ يَشْكُرُ لَهُ الخَمْرَ الَّتِي سَقَاه، فَرُفِعَ لَهُ سَحَابَاتٌ، فَقِيلَ لَهُ: اخْتَرْ إِحْدَاهُنَّ، فَاخْتَارَ السَّوْدَاءَ مِنهُنَّ، فَقِيلَ لهُ: خُذْهَا رَمَادًا رِمْدَدًا لا تَذَرُ مِنْ عَادٍ أَحَدَا، وَذُكِرَ أَنَّهُ لَمْ يُرْسَلْ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ إِلَّا قَدْرُ هَذِهِ الحَلْقَةِ -يَعْنِي حَلْقَةَ الخَاتَمِ- ثُمَّ قَرَأَ {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}
(1)
الآيَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ سَلَّامٍ أَبِي المُنْذِرِ، عَنْ عَاصِمِ بْن أَبِي النُّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الحَارِثِ بْن حَسَّانَ، وَيُقَالُ لَهُ: الحَارِثُ بْن يَزِيدَ.
• قوله: "قَيْلًا"؛ أيْ: إلى مكَّة ليَدْعُوَ لهم بالمَطر؛ لأنَّ الدُّعاء في الكعبة كانوا يَزْعُمُونَه مستجَابًا.
(1)
الذاريات: 41 - 42.
1833 -
(3274) - (5/ 392) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّحْوِيُّ أَبُو المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النُّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الحَارِثِ بْن يَزِيدَ البَكْرِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ غَاضٌّ بالنَّاسِ، وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ تَخْفُقُ، وَإِذَا بِلَالٌ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالُوا: يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بْن العَاصِ وَجْهًا. فَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولهِ نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْن عُيَيْنَةَ بِمَعْنَاهُ. قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ: الحَارِثُ بْنُ حَسَّانَ أيْضًا.
• قوله: "غَاضٌّ بِالنَّاسِ"، أي: مُمْتلئٌ بِهم.
• وقوله: "تَخْفُقُ": من خَفَقَتِ الرَّاياتُ إذا حرَّكها الهَواءُ وجاءَ صوتُها.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة النَّجْمِ
1834 -
(3276) - (5/ 393 - 394) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَالِكِ بْن مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْن مُصَرِّفٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سِدْرَةَ المُنْتَهَى، قَالَ:"انْتَهَى إِلَيْهَا مَا يَعْرُجُ مِنَ الأَرْضِ وَمَا يَنْزِلُ مِنْ فَوْقٍ". قَالَ: فَأَعْطَاهُ اللّهُ عِنْدَهَا ثَلَاثًا لَمْ يُعْطِهِنَّ نَبِيًّا كَانَ قَبْلَهُ، فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ خَمْسًا، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِأُمَّتِهِ المُقْحِمَاتُ مَا لَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:{إِذْ يَغْشَى}
(1)
السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، قَالَ: السِّدْرَة فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ سُفْيَانُ: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبِ، وَأَشَارَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ فَأَرْعَدَهَا، وقَالَ غَيْرُ مَالِكِ بْن مِغْوَلٍ: إِلَيْهَا يَنْتَهِي عِلْمُ الخَلْقِ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِمَا فَوْقَ ذَلِكَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "المُقْحِمَاتُ"؛ أي: المُدْخِلاتُ في النَّار من الذُّنُوبِ بالتَّوْبةِ للكُلِّ وبدونِها لمَنْ شاءَ. واللّه تعالى أعلم.
1835 -
(3278) - (5/ 394 - 395) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَقِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا بِعَرَفَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَكَبَّرَ حَتَّى جَاوَبَتْهُ الجِبَالُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ، فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّ اللّهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى، فَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ، وَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ. قَالَ مَسْرُوقٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ تَكَلَّمْتَ بِشَيْءٍ قَفَّ
(1)
النجم: 16.
لَهُ شَعْرِي، قُلْتُ: رُوَيْدًا ثُمَّ قَرَأْتُ {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}
(1)
قَالَتْ: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ؟ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ؟ أَوْ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُمِرَ بهِ، أَوْ يَعْلَمُ الخَمْسَ الَّتِي قَالَ اللّهُ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ}
(2)
فَقَدْ أَعْظَمَ الفِرْيَةَ وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ، لَمْ يَرَهُ فِي صُورَتهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَمَرَّةً فِي جِيَادٍ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَقَدْ رَوَى دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ، وَحَدِيثُ دَاوُدَ أَقْصَرُ مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ.
• قوله: "فِيْ جِيَادٍ": قيل: الصَّوابُ أجْيادٌ: وهو جبلٌ بمَكَّةَ.
(1)
النجم: 18.
(2)
لقمان: 34.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة القَمَرِ
1836 -
(3286) - (5/ 397 - 398) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آيَةً، فَانْشَقَّ القَمَرُ بمَكَّةَ مَرَّتَيْنِ، فَنَزَلَتْ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}
(1)
إِلَى قَوْلهِ: {سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}
(2)
يَقُولُ: ذَاهِبٌ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "ذَاهِبٌ"، أي: دائِمٌ ذَاهبٌ على مَمَرِّ الدُّهُور والأعْوامِ.
(1)
القمر: 1.
(2)
القمر: 2.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة الرَّحْمَنِ
1837 -
(3291) - (5/ 399 - 400) بِسْمِ اللّهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَاقِدٍ أَبُو مُسْلِمٍ الْسَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا الوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا، فَقَالَ: "لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الجِنِّ لَيْلَةَ الجنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلهِ:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
(1)
قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الحَمْدُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الوَلِيدِ بْن مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْن مُحَمَّدٍ. قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: كَأَنَّ زُهَيْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الَّذِي وَقَعَ بِالشَّامِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي يُرْوَى عَنْهُ بِالعِرَاقِ كَأَنَّهُ رَجُلٌ آخَرُ قَلَبُوا اسْمَهُ، يَعْنِي: لِمَا يَرْوُونَ عَنهُ مِنَ المَنَاكِيرِ وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيَّ، يَقُولُ: أَهْلُ الشَّامِ يَرْوُون عَنْ زُهَيْرِ بْن مُحَمَّدٍ مَنَايرَ، وَأَهْلُ العِرَاقِ يَرْوُونَ عَنْهُ أَحَادِيثَ مُقَارِبَةً.
• قوله: "مَرْدُودًا"، أي: جوابًا؛ لأنَّ الجَوابَ هو الذي يرُدُّه المجيبُ. والظَّاهر أنَّه أعْجَبه صلى الله تعالى عليه وسلَّم جوابَ الجِنِّ على سُكُوْتِ الصَّحابةِ المُشْتَمِلِ على عدَم التَّكْذيبِ قَلْبًا، وأنَّه وإنْ كانَ جوابًا بالقَلْب لكنَّ جَمْعَ اللِّسانِ بالقَلْب في مثل هذَا المَوْضِع أتَمُّ. والله تعالى أعلم بالصَّواب.
(1)
الرحمن: 13.
فإن قلتَ: الجوابُ باللِّسانِ يُخِلُّ بالإنْصَاتِ. قلنَا: لا يُخِلُّ به إذا كان عندَ السُّكوتِ. وقيل: إنَّما رجَّح جوابَ الجنِّ بالنِّسْبة إلى جوابِ الإنْس كُلِّهم؛ لأنَّ مِنَ الإنْس مَنْ كذَّب فصارَ جوابُ مَجموعٍ الإنس بتَصْديق البَعْض وتكذيب الَاخرين، وجوابُ الجِنِّ بالتَّصْديق خيرٌ من ذلك. وفيه نظرٌ، أمَّا أوَّلا: فلأنَّ الخِطابَ مع الصَّحابة الحَاضرين. وأمَّا ثانيا: فجميعُ الجِنِّ ما صدَّقُوا، ففيهم المؤمنُ والكافرُ كما في الإنس، وإنَّما آمنَ الحاضرون منهم فقطُّ، والحاضرون من المؤمنين كانوا كذلك. والله تعالى أعلم.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة الوَاقِعَة
1838 -
(3294) - (5/ 401) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبِ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْن الحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلهِ:{وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}
(1)
قَالَ: "ارْتفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ، وَمَسِيرَة مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ.
• قوله: "مَرْفُوْعَةٍ"، أي: على حَسب رِفْعَةِ الدَّرَجات المَفْرُوشَةِ فيها.
(1)
الواقعة: 34.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ الحَدِيد]
1839 -
(3298) - (5/ 403 - 404) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَتَادَةَ، قال: حَدَّثَ الحَسَنُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ وَأَصْحَابُهُ إِذْ أَتَى عَلَيْهِمْ سَحَابٌ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ " فَقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "هَذَا العَنَانُ هَذِهِ زَوَايَا الأرْضِ يَسُوقُهُ اللهُ تبارك وتعالى إِلَى قَوْمٍ لا يَشْكُرُونَهُ وَلا يَدْعُونَهُ"، قَالَ:"هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَكُمْ"؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهَا الرَّقِيعُ سَقْفٌ مَحْفُوظٌ، وَمَوْجٌ مَكْفُوفٌ"، ثُمَّ قَالَ:"هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنكُمْ وَبَيْنَهَا؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "بَيْنكُمْ وَبَيْنَهَا مَسِيرَة خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ". ثُمَّ قَالَ. "هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّ فَوْقَ ذَلِكَ سَمَاءَيْنِ، مَا بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ" حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، مَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، ثُمَّ قَالَ:"هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّ فَوْقَ ذَلِكَ العَرْش وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ بُعْدُ مِثْلِ مَا بَيْنَ السَّمَاءَيْنِ". ثُمَّ قَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّذِي تَحْتَكُمْ"؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهَا الأرْضُ". ثُمَّ قَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّذِي تَحْتَ ذَلِكَ "؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّ تَحْتَهَا أَرْضًا أُخْرَى، بَيْنَهُمَا مَسِيرَة خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ" حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِينَ، بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْن مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنةٍ. ثمَّ قال: "وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّكُمْ دَلَّيْتُمْ رَجُلًا بِحَبْلٍ إِلى الأرْضِ
السُّفْلَى لهَبَطَ عَلَى اللهِ". ثُمَّ قَرَأ {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
(1)
.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، قَالَ: وَيُرْوَى عَنْ أَيُّوبَ، وَيُونُسَ بْن عُبَيْدٍ، وَعلِيِّ بْن زَيْدٍ، قَالُوا: لَمْ يَسْمَعِ الحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ هَذَا الحَدِيثَ، فَقَالُوا: إِنَّمَا هَبَطَ عَلَى عِلْمِ اللهِ وَقُدْرَتهِ وَسُلْطَانِهِ. عِلْمُ اللهِ وَقُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَهُوَ عَلَى العَرْشِ كمَا وَصَفَ فِي كِتَابهِ.
• قوله: "لَهَبَطَ"، أي: الحَبْل، والمراد بيانُ معنى قوله تعالى:{أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}
(2)
• وقوله تعالى: "وَاللهُ مِن وَّرَائِهِمْ مُحِيْطٌ": وهذا لا يُدْوَى وَلَا يُكَيَّفُ.
(1)
الحديد: 3.
(2)
فصلت: 54.
[بَابٌ: وَمَنْ سُورَةِ المُجَادَلَةِ]
1840 -
(3300) - (5/ 406 - 407) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ الأشْجَعِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْن المُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْن أَبِي الجَعْدِ، عَنْ عَلِيِّ بْن عَلْقَمَةَ الأنْمَارِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ}
(1)
قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَى، دِينَارًا؟ " قُلْتُ: لا يُطِيقُونَهُ، قَالَ:"فَنِصْفُ دِينَارٍ؟ "، قُلْتُ: لا يُطِيقُونَهُ. قَالَ: "فَكَمْ؟ " قُلْتُ: شَعِيرَةٌ. قَالَ: "إِنَّكَ لَزَهِيدٌ". قَالَ: فَنَزَلَتْ {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ}
(2)
الآيَةَ. قَالَ: فَبِي خَفَّفَ اللهُ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ.
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ شَعِيرَةٌ: يَعْنِي وَزْنَ شَعِيرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَأَبُو الجَعْدِ اسْمُهُ: رَافِعٌ.
1841 -
(3301) - (5/ 407) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ القَوْمُ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ هَذَا؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، سَلَّمَ يَا نَبِيَّ اللهِ!. قَالَ:"لا وَلَكِنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، رُدُّوهُ عَلَيَّ"، فَرَدُّوهُ، قَالَ:"قُلْتَ: السَّامُّ عَلَيْكُمْ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: "إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ
(1)
المجادلة: 9.
(2)
المجادلة: 13.
الكِتَاب فَقُولُوا: "عَلَيْكَ"، قَالَ:"عَلَيْكَ مَا قُلْتَ"، قَالَ:{وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ}
(1)
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "رُدُّوه عَلَيَّ": كأنَّه مرَّ، فأمَر رسولُ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلم برَدِّه.
• قوله: "دِينَارٌ؟ "، أي: أهي دينارٌ، أي: الصَّدقةُ الوَاجِبةُ بين يدَي النَّجْوى أهِيَ دينارٌ.
(1)
المجادلة: 8.
[بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ المُمْتَحِنَةِ]
1842 -
(3307) - (5/ 411 - 412) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ شَهْرَ بْنَ حَوْشَبٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ الأَنْصَارِيَّةُ، قَالَتْ: قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ: مَا هَذَا المَعْرُوفُ الَّذِي لا يَنْبَغِي لنَا أَنْ نَعْصِيَكَ فِيهِ؟ قَالَ: "لَا تَنُحْنَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ بَنِي فُلَانٍ قَدْ أَسْعَدُونِي عَلَى عَمِّي وَلا بُدَّ لِي مِنْ قَضَائِهِنَّ فَأَبَى عَلَيَّ، فَعَاتَبْتُهُ مِرَارًا، فَأَذِنَ لِي فِي قَضَائِهِنَّ، فَلَمْ أنُحْ بَعْدُ على آخَائِهِنَّ وَلا غَيْرِهِ حَتَّى السَّاعَةَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ النِّسْوَةِ امْرَأَةٌ إِلَا وَقَدْ نَاحَتْ غَيْرِي.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أُمُّ سَلَمَةَ الأنْصَارِيَّةُ، هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْن السَّكَنِ.
• قوله: "قَدْ أَسْعَدُونِي"، أي: وافَقُونِي على النِّيَاحَةِ على عَمِّي.
[بَابٌ: وَمِنْ] سُورَة المُنَافِقِينَ
1843 -
(3315) - (5/ 417 - 418) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ - قَالَ سُفْيَانُ: يَرَوْنَ أَنَّهَا غَزْوَة بَنِي المُصْطلِقِ فكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ! فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ؟ " قَالُوا: رَجُلٌ مِنَ المُهَاجرِينَ كَسَعَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ"، فَسَمِعَ ذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْن أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولٍ، فَقَالَ: أَوَقَدْ فَعَلُوهَا؟ وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! دَعْنِي أَضْرِب عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"دَعْهُ لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"، وَقَالَ غَيْرُ عُمَرَ: فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: وَاللهِ لا تَنْقَلِبُ حَتَّى تُقِرَّ أَنَّكَ الذَّلِيلُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم العَزِيزُ فَفَعَلَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "يَا لَلْمُهَاجِرِينَ":-بفتح اللَّام- للاسْتِغَاثةِ.
• قوله: "وَقَالَ غَيْرُ عُمَرَ"، أي: زادَ غيرُ عمر في روايةِ الحديثِ هذه الزِّيادةَ.
[بَاب وَمِنْ سُورَةِ التَّحْريمِ]
1844 -
(3318) - (5/ 420 - 423) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي ثَوْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُوُل: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا أنْ أسْأَلَ عُمَرَ عَنِ المَرْأَتَيْنِ مِنْ أزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَيْنِ قَالَ اللهُ عز وجل: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}
(1)
حَتَّى حَجَّ عُمَرُ، وَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! مَنِ المَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَانِ قَالَ الله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}
(2)
فَقَالَ لِي: وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاس! -قَالَ الزُّهْريُّ: وَكَرهَ وَاللهِ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَلمْ يَكتُمْهُ-: فَقَالَ: هِيَ عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، قال: ثُمَّ أَنْشَأ يُحَدِّثُنِي الحَدِيثَ فَقَالَ: كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ، فَتَغَضَّبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي، فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِى، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فقالتْ: مَا تُنْكِرُ مِنْ ذلِكَ؟ فوَاللهِ إِنّ أزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ. قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: قَدْ خَابَتْ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْهُنَّ وَخَسِرَتْ، قَالَ: وَكَانَ مَنْزِلِي بِالعَوَالِي فِي بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ لِي جَارٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَيَنْزِلُ يَوْمًا فَيَأْتِينِى بِخَبَرِ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَأَنْزُل يَوْمًا فَآتِيهِ بِمِثْلِ
(1)
التحريم: 4.
(2)
التحريم: 4.
ذَلِكَ. قَالَ: فَكُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ غَسَّانَ تَنْعِلُ الخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا. قَالَ: فَجَاءَنِى يَوْمًا عِشَاءً فَضَرَبَ عَلَيَّ الْبَابَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قُلْتُ: أَجَاءَتْ غَسَّانُ قَالَ: أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ. قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ، قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا كَائِنًا، قَالَ: فَلَمَّا صَلَّيْتُ الصُّبْحَ شَدَدْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: لا أَدْرِي، هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي هَذِهِ المَشْرَبَةِ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَأَتَيْتُ غُلَامًا أَسْوَدَ، فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، قَالَ: فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ، قَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا حَوْلَ المِنْبَرِ نَفَرٌ يَبْكُونَ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ غَلَبَنى مَا أَجِدُ فَأَتَيْتُ الغُلامَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ، قَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى المَسْجِدِ أيضًا فَجَلَسْتُ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَأَتَيْتُ الغُلَامَ، فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. قَالَ: فَوَلَّيْتُ مُنْطَلِقًا، فَإِذَا الغُلَامُ يَدْعُونِي، فَقَالَ: ادْخُلْ فَقَدْ أُذِنَ لَكَ، فَدَخَلْتُ فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَكِئٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ، فرَأيْت أَثَرَهُ فِي جَنْبِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: "لا". قُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ، لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَا رَسُولَ اللهِ! وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ، فَتَغَضَّبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي، فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: مَا تُنْكِرُ؟ فَوَاللهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُه إِحْدَاهُنَّ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ، قَالَ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: أَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَانَا اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: قَدْ خَابَتْ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْكُنَّ وَخَسِرَتْ، أَتَأْمَنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ؟ فَتبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَقُلْتُ
لِحَفْصَةَ: لَا تُرَاجِعِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلا تَسْأَلِيهِ شَيْئًا، وَسَلِيني مَا بَدَا لَكِ، وَلا يَغُرَّنَّكِ إِنْ كَانَتْ صَاحِبَتُكِ أَوْسَمَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَتَبَسَّمَ أُخْرَى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَسْتَأْنِسُ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَمَا رَأَيْتُ فِي البَيْتِ إِلَا أَهَبَةَ ثَلاثَةً. قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لا يَعْبُدُونَهُ، فَاسْتَوَى جَالِسًا، فَقَالَ:"أَوَ في شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الخَطَّابِ! أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا". قَالَ: وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا فَعَاتَبَهُ اللهُ فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ لَهُ كفَّارَةَ اليَمِينِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ بِي قَالَ: "يَا عَائِشَةُ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ شَيْئًا فَلا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَويْكِ"، قَالَتْ: ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الَايَةَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ}
(1)
الآيَةَ. قَالَتْ: عَلِمَ وَاللهِ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، فَقُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَ مَعْمَرٌ فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لا تُخْبِرْ أَزْوَاجَكَ أَنِّي اخْتَرْتُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا بَعَثَنى اللهُ مُبَلِّغًا وَلَمْ يَبْعَثْني مُتَعَنِّتًا".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
• قوله: "صَاحِبَتُكُمْ"، أي: ضرَّتُكم عائشةُ. "أوْسَمُ مِنْكِ"، أي: أحسن.
(1)
الأحزاب: 28.
[بَاب وَمِنْ سُورَةِ "ن"]
1845 -
(3319) - (5/ 424) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ فَلَقِيتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَقُلْتُ لَه: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! إِنَّ نَاسًا عِنْدَنَا يَقُولُونَ فِي القَدَرِ، فَقَالَ عَطَاءٌ: لَقِيتُ الوَليدَ بْنَ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ".
وَفِي الحَدِيثِ قِصَّةٌ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَفِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
• قوله: "إِلَى الأَبَدِ": قيلَ: الوَاقِعُ إلى الأبدِ لا يُمْكن ضَبْطُه بقَيْدِ الكتابةِ، فالمرادُ بذلك إلى القِيامةِ. والله تعالى أعلم.
[بَاب: وَمِنْ سُورَةِ الحَاقَّةِ]
1846 -
(3320) - (5/ 424 - 425) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْن أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْب، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَيْرَةَ، عَنِ الأحْنَفِ بْن قَيْسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْد المُطَّلِب قال: زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا فِي البَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ، وَرَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِيهِمْ، إِذْ مَرَّتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ فَنَظَرُوا إِلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ تَدْرُونَ مَا اسْمُ هَذِهِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، هَذَا السَّحَابُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَالمُزْنُ؟ " قَالُوا: وَالمُزْنُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَالعَنَانُ؟ " قَالُوا: وَالعَنَانُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض؟ "، قَالُوا: لا، وَالله مَا نَدْرِي، قَالَ:"فَإِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ، وَإِمَّا اثْنَتَانِ، أَوْ ثَلاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَالسَّمَاءُ الَّتِي فَوْقَهَا كَذَلِكَ، حَتَّى عَدَّدَهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ كَذَلِكَ"، ثُمَّ قَالَ:"فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ وَرُكَبِهِنَّ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، فَوْقَ ظُهُورِهِنَّ العَرْشُ، بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، وَاللهُ فَوْقَ ذَلِكَ".
قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: أَلَا يُرِيدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ أَنْ يَحُجَّ حَتَّى نَسْمَعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَى الوَليدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكٍ نَحْوَه وَرَفَعَهُ، وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ بَعْضَ هَذَا الحَدِيثِ وَأوْقَفَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْن سَعْدٍ الرَّازِيُّ.
• قوله: "إِمَّا وَاحِدَةٌ
…
" إلخ، كأنَّ التَّوفيقَ بين هذا وبين ما وَرَدَ أنَّ البُعْدَ مَسِيرةُ خمس مائةِ سنةٍ وهو اختلافُ السَّائِريْنَ فهذا بالنِّسْة إلى سَيْر شيءٍ وذلك بالنِّسْبَة إلى سَيْر شيءٍ آخر. والله تعالى أعلم.
[بَاب: وَمِنْ] سُورَةِ سَأَلَ سَائِلٌ
(1)
[بَاب] وَمِنْ سُورَةِ الجنِّ
1847 -
(3323) - (5/ 426 - 427) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَني أَبُو الوَليدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: مَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الجِنِّ وَلا رَآهُمْ، انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ فَقَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَا أَمْرٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ؟ قَالَ: فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا، يَبْتَغُونَ مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ النَّفَرُ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدًا إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللهِ الَّذِي حَالَ بَيْنكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. قَالَ: فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: يَا
(1)
لا يوجد في المخطوط أيُ شرح تحت هذا العنوان.
(1)
فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}
(2)
وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الجِنِّ". قَالَ: وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَوْلُ الجِنِّ لِقَوْمِهِمْ: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}
(3)
قَالَ: لَمَّا رَأَوْهُ يُصَلِّي وَأَصْحَابُهُ يُصَلُّونَ بصَلاتِهِ فَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ، قَالَ: تَعَجَّبُوا مِنْ طَوَاعِيَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}
(4)
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَدا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مَا قَرَأ": كأنَّه إخْبارٌ عن وَاقِعةٍ مَخْصُوصةٍ كواقعةِ النَّخْلة. والله تعالى أعلم.
• قوله: "يَكُوْنُوْنَ عَلَيْهِ لِبَدًا"، أي: يجتمعُ عليه أصحاُبه وَيَزْدَحِمُون في الاجتماع.
1848 -
(3324) - (5/ 427 - 428) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ الجِنُّ يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ الوَحْيَ، فَإِذَا سَمِعُوا الكَلِمَةَ زَادُوا فِيهَا تِسْعًا، فَأَمَّا الكَلِمَةُ فَتَكُونُ حَقًّا، وَأَمَّا مَا زَادُوه فَيَكُونُ بَاطِلًا، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُنِعُوا مَقَاعِدَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ وَلَمْ تَكُنِ النُّجُومُ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ: مَا هَذَا إِلَّا مِنْ أَمْرٍ قَدْ حَدَثَ فِي
(1)
الجن: 1 - 2.
(2)
الجن: 1.
(3)
الجن: 19.
(4)
الجن: 19.
أَرْضٍ، فَبَعَثَ جُنُودَه فَوَجَدُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْنِ -أُرَاهُ قَالَ: بِمَكَّةَ-، فَأتَوْهُ فَأَخْبرُوهُ، فَقَالَ: هَذَا الَّذِي حَدَثَ فِي الأرْضِ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَلَمْ تَكُنِ النُّجُومُ"، أي: على كَثْرةٍ، وإلا فالنُّجُوم كانَتْ في الجَاهِلِيَّةِ أيضًا كما سَبَقَ في بعض الأحاديثِ قَريبًا، والنَّاسُ كانوا يَزْعُمُوْن هنالك أنَّها لمَوْتِ عَظيم أو حَياتِه. والله تعالى أعلم.
[بَاب] وَمِنْ سُورَةِ المُدَّثِّر
1849 -
(3325) - (5/ 428 - 429) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: "بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ فَجُثِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ}
(1)
إِلَى قَوْلهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}
(2)
قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاةُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاه يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ. أبُوْ سَلَمَةَ اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ.
• قوله: "قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاة": بِهذا ظهَر أنَّ استدلالَ بعض الفُقَهاءِ على أنَّ المرادَ بقوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}
(3)
هو تكبيرُ الصَّلاةِ ضَعِيفٌ. والله تعالى أعلم.
(1)
المدثر: 1 - 2.
(2)
المدثر: 5.
(3)
المدثر: 3.
وَمِنْ سُورَةِ الإنْشِقَاقِ
(1)
1850 -
(3337) - (5/ 435) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ عُثْمَانَ بْن الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُوُل: "مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ هَلَكَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ يَقُولُ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}
(2)
إِلَى قَوْلِهِ: {يَسِيرًا}
(3)
قَالَ: "ذَلِكِ العَرْضُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ عُثْمَانَ بْن الأسْوَدِ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَه، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابٍ الثَّقَفِيُّ عَنْ أيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
• قوله: "مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ
…
" إلخ، كأنَّها فَهِمَتْ من المُنَاقَشَة في الحِسَابِ نَقْش الحِسَابِ؛ لأنَّه عادةً يَجْري فيه الحِسابُ ويدُلُّ عليه الرِّوايةُ الأخرى فلذلك سألَتْ. والله تعالى أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَاب وَمِنْ سُورَةِ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ.
(2)
الانشقاق: 7.
(3)
الانشقاق: 8.
[بَاب] وَمِنْ سُورَةِ البُرُوج
1851 -
(3340) - (5/ 437 - 439) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ المَعْنَى وَاحِدٌ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى العَصْرَ هَمَسَ- وَالهَمْسُ فِي بَعْضٍ قَوْلِهِمْ تَحَرُّكُ شَفَتَيْهِ كَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ - فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا صَلَّيْتَ العَصْرَ هَمَسْتَ؟ قَالَ: "إِنَّ نَبِيًّا مِنَ الأنْبِيَاءِ كَانَ أُعْجِبَ بِأُمَّتِهِ، فَقَالَ: مَنْ يَقُومُ لِهَؤُلاءِ؟ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنْ خَيِّرْهُمْ بَيْنَ أَنْ أنْتَقِمَ مِنْهُمْ وَبَيْنَ أَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ، فَاخْتَارُوا النِّقْمَةَ، فَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ المَوْتَ، فَمَاتَ مِنْهُمْ فِي يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا". قَالَ: وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيثِ حَدَّثَ بِهَذَا الحَديثِ الآخَرِ قَالَ: "كَانَ مَلِكٌ مِنَ المُلُوكِ وَكَانَ لِذَلِكَ المَلِكِ كَاهِنٌ يَكْهَنُ لَهُ، فَقَالَ الكَاهِنُ: انْظُرُوا لِي غُلَامًا فَهِمًا -أَوْ قَالَ: فَطِنًا- لَقِنًا فَأُعلِّمَهُ عِلْمِي هَذَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ فَيَنْقَطِعَ مِنْكُمْ هَذَا العِلْمُ وَلا يَكُونَ فِيكُمْ مَنْ يَعْلَمُهُ. قَالَ: فَنَظَروا لَهُ عَلَى مَا وَصَفَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الكَاهِنَ وَأَنْ يَخْتَلِفَ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ وَكَانَ عَلَى طَرِيقِ الغُلامِ رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ -قَالَ مَعْمَرٌ: أَحْسِبُ أَنَّ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ كَانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمِينَ- قَالَ: فَجَعَلَ الغُلَامُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرَّاهِبَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَخْبَرَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَعَبْدُ اللهَ. قَالَ: فَجَعَلَ الغُلامُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرَّاهِبِ وَيُبْطِئُ عَنِ الكَاهِنِ، فَأَرْسَلَ الكَاهِنُ إِلَى أَهْلِ الغُلَامِ إِنَّهُ لا يَكَادُ يَحْضُرُنِي، فَأَخْبَرَ الغُلَامُ الرَّاهِبَ بذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: إِذَا قَالَ لَكَ الكَاهِنُ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْ: عِنْدَ أهْلِي، وَإِذا قال لك اهْلُكَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فأَخْبِرْهمْ أَنَّك كُنْتَ عِنْدَ الكَاهِنِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا الغُلَامُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ مَرَّ بِجَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ كَثِيرٍ قَدْ حَبَسَهُمْ دَابَّةٌ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: إِنَّ تِلْكَ الدَّابَّةَ أَسَدًا. قَالَ: فَأَخَذَ الغُلامُ حَجَرًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ مَا يَقُولُ الرَّاهِبُ حَقًّا فَأَسْأَلُكَ أَنْ أَقْتُلَهَا. قَالَ: ثُمَّ رَمَى فَقَتَلَ الدَّابَّةَ. فَقَالَ النَّاسُ: مَنْ قَتَلَهَا؟ قَالُوا: الغُلامُ، فَفَزِعَ النَّاسُ وَقَالُوا: لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الغُلامُ عِلْمًا لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ. قَالَ: فَسَمِعَ بِهِ أَعْمَى، فَقَالَ لَهُ: إِنْ أَنْتَ رَدَدْتَ بَصَرِي فَلَكَ كَذَا وَكَذَا. قالَ: لَه لا أُرِيدُ مِنْكَ هَذَا، وَلَكِنْ أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعَ إِلَيْكَ بَصَرُكَ، أَتُؤْمِنُ بِالَّذِي رَدَّهُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا اللهَ فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَه، فَآمَنَ الأعْمَى، فَبَلَغَ المَلِكُ أَمْرَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَالَ: لأقْتُلَنَّ كلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قِتْلَةً لا أَقْتُلُ بِهَا صَاحِبَهُ، فَأَمَرَ بِالرَّاهِبِ وَالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ أَعْمَى فَوَضَعَ المِنْشارَ عَلَى مَفْرِقِ أَحَدِهِمَا فَقَتَلَهُ، وَقَتَلَ الآخَرَ بِقَتْلَةٍ أُخْرَى. ثُمَّ أَمَرَ بِالغُلامِ، ققَالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كذَا وَكَذَا فَأَلْقُوهُ مِنْ رَأْسِهِ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الجَبَلِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى ذَلِكَ المَكَانِ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ مِنْهُ جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنْ ذَلِكَ الجَبَلِ وَيَتردَّوْنَ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَا الغُلَامُ. قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ فَأَمَرَ بِهِ المَلِكُ أَنْ يَنْطَلِقُوا بِهِ إِلَى البَحْرِ فَيُلْقُونَهُ فِيهِ، فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى البَحْرِ، فَغَرَّقَ اللهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَأَنْجَاه، فَقَالَ الغُلَامُ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لا تَقْتُلُنِي حَتَّى تَصْلُبَنِي وَتَرْمِيَنِي وَتَقُولَ إِذَا رَمَيْتَنِي: بِسْمِ اللهِ رَبِّ هَذَا الغُلَامِ. قَالَ فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ ثُمَّ رَمَاه، فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ رَبِّ هَذَا الغُلامِ. قَالَ: فَوَضَعَ الغُلَامُ يَدَه عَلَى صُدْغِهِ حِينَ رُمِيَ ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الغُلَامُ عِلْمًا مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ، فَإِنَّا نُؤْمِنُ بِرَبِّ هَذَا الغُلَامِ. قَالَ: فَقِيلَ لِلْمَلِكِ أَجَزِعْتَ أَنْ خَالَفَكَ ثَلَاثَةٌ، فَهَذَا العَالَمُ كُلُّهُمْ قَدْ خَالَفُوكَ. قَالَ: فَخَدَّ أُخْدُودًا ثُمَّ أَلْقَى فِيهَا الحَطَبَ وَالنَّارَ ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ. فَقَالَ: مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ تَرَكْنَاهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ أَلْقَيْنَاه فِي هَذِهِ النَّارِ، فَجَعَلَ يُلْقِيهِمْ فِي تِلْكَ الأُخدُودِ. قالَ: يَقُوُل اللهُ تَعَالَى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}
(1)
حَتَّى بَلَغَ
(1)
البروج: 4 - 5.
{الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}
(1)
قَالَ: فَأمَّا الغُلامُ فَإِنَّهُ دُفِنَ". فيُذكَرُ أنَّهُ أخرِج فِي زَمَنِ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ وَإِصْبَعُهُ عَلَى صُدْغِهِ كمَا وَضَعَهَا حِينَ قُتِلَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "مَنْ يَقُومُ لِهَؤُلاءِ": في وقتِ الحَرْب لكَثْرتِهم وغَلَبتِهم بذلك على أعْدَائِهم.
(1)
البروج: 8.
وَمِنْ سُورَةِ الانْشِرَاح
(1)
1852 -
(3346) - (5/ 442 - 443) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْن صَعْصَعَةَ رَجُل مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَاليَقْظَانِ إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُوُل: أَحَدٌ بَيْنَ الثَّلاثَةِ، فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مَاءُ زَمْزَمَ، فَشَرَحَ صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكذَا -قَالَ قَتَادَة: قُلْتُ: يَعْنِي قُلْتُ لِأَنسِ بْن مَالِكٍ: مَا يَعْنِي؟ - قَالَ: إِلَى أَسْفَلِ بَطْنِي فَاسْتَخْرِجَ قَلْبِي، فَغُسِلَ قَلْبِي بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ ثُمَّ حُشِيَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً". وَفِي الحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
• قوله: "بَيْنَمَا [أَنا عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَاليَقْظَانِ، إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُول]: أَحَدٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ"، أي: هو واحدٌ بينَ الملائكةِ الثَّلاثَةِ، والمراد به هو صلى الله تعالى عليه وسلَّم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَاب وَمِنْ سُورَةِ أَلمْ نَشْرَحْ.
[بَاب] وَمِنْ سُورَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
1853 -
(3350) - (5/ 444 - 445) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، خَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ عَنْ يُوسُفَ بْن سَعْدٍ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى الحَسَنِ بْن عَلِيٍّ بَعْدَ مَا بَايَعَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: سَوَّدْتَ وُجُوهَ المُؤْمِنِينَ، أَوْ يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ المُؤْمِنِينَ فَقَالَ: لا تُؤَنِّبْنِي رَحِمَكَ اللهُ، فَإنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُرِيَ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَسَاءَه ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}
(1)
يَا مُحَمَّدُ! يَعْني نَهْرًا فِي الجَنَّةِ، وَنَزَلَتْ:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}
(2)
يَمْلِكُهَا بَنُو أُمَيَّةَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ القَاسِمُ فعَدَدْنَاهَا فَإِذَا هِيَ أَلْفُ يَوْمٍ لا يَزِيدُ يَوْمًا وَلا يَنْقُصُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ القَاسِمِ بْن الفَضْلِ وَقَدْ قِيلَ عَنِ القَاسِمِ بْن الفَضْلِ عَنْ يُوسُفَ بْن مَازِنٍ، وَالقَاسِمُ بْنُ الفَضْلِ الحُدَانِيُّ هُوَ ثِقَةٌ؛ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. وَيُوسُفُ بْنُ سَعْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ. وَلا نَعْرِفُ هَذَا الحَدِيثَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "لا تُؤَنِّبْنِي": من التَّأنِيبِ وهو المُبَالغَةُ في التَّعْنيفِ والتَّوْبيخِ.
(1)
الكوثر: 1.
(2)
القدر: 1 - 3.
[بَابٌ] وَمِنْ سُورَةِ لَمْ يَكُنْ
1854 -
(3352) - (5/ 446) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ المُخْتَارِ بْن فُلْفُلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُوُل: قَالَ رَجُل لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا خَيْرَ البَرِيَّةِ، قَالَ:"ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيحٌ.
• قوله: "ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ": كأنَّه أرادَ بذلك مَنْعَه على الخِطَاب معه بِهذا اللَّفْظ؛ لأنَّه رُبَّما يَصِير سببًا للمُبالَغة في التَّعْظيم المؤدىِّ إلى الفِتْنةِ. والله تعالى أعلم.
[بَاب وَمِنْ] سُورَةِ الإخْلَاص
1855 -
(3364) - (5/ 451 - 452) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ هُوَ الصَّغَانِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْن أَنَسٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْن كعْبٍ، أَنَّ المُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: انْسُبْ لنَا رَبَّكَ فَأَنْزَلَ اللهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ}
(1)
فَالصَّمَدُ: الَّذِي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} لِأَنَّهُ لَيْسَ شَئٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلا شَيءٌ يَمُوتُ إِلَا سَيُورَثُ، وَإِنَّ الئهَ عز وجل لا يَمُوتُ وَلا يُورَثُ:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}
(2)
قَالَ: "لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلا عِدْلٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ".
• قوله: "انْسُبْ": إمَّا أنَّ المرادَ به الوصْفُ، وإمَّا أنَّ المرادَ ذكرُ النَّسَب فعلى الأوَّل أنْزِلَ إنْجَاحًا لمَقْصُودِهم، وعلى الثَّاني ردًّا عليهم.
(1)
الإخلاص: 1 - 2.
(2)
الإخلاص: 4.
[بَاب وَمِنْ] سُورَةِ المُعَوِّذَتَيْن
1856 -
(3366) - (5/ 452) بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْن عَمْرٍو العَقَدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبِ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إِلَى القَمَرِ، فَقَالَ:"يَا عَائِشَةُ! اسْتَعِيذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "الغَاسِقُ": هو المُقْبِل بالظُّلْمة. "إذَا وَقَبَ"، أي: غابَ.
1857 -
(3367) - (5/ 453) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ الجُهَنِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيَّ آيَاتٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}
(1)
إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}
(2)
إِلَى آخِرِ السُّورَةِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ"، أيْ: في بابِ التَّعَوُّذ.
1858 -
(3368) - (5/ 453 - 454) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ذُبَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا
(1)
الناس: 1.
(2)
الفلق: 1.
خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، فَحَمِدَ اللهَ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ اللهُ، يَا آدَمُ اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ المَلائِكَةِ، إِلَى مَلإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ، فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ اللهُ لَهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أيَّهُمَا شِئْتَ، قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِين مُبَارَكَةٌ ثُمَّ بَسَطَهَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ، فَقَالَ: أيْ رَبِّ! مَا هَؤُلاءِ؟ فَقَالَ: هَؤُلاءِ ذُرِّيَّتُكَ فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُه بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَضْوَؤُهُمْ -أَوْ مِنْ أَضْوَئِهِمْ- قَالَ: يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ قَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ: يَا رَبِّ! زِدْهُ فِي عُمْرِهِ، قَالَ: ذَاكَ الَّذِي كَتَبْتُ لَهُ، قَالَ: أي رَبِّ! فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنَةً، قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ. قَألَ: ثُمَّ أُسْكِنَ الجَنَّةَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا، فَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ، قَالَ: فَأَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: قَدْ عَجَّلْتَ قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ، قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكِ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً، فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ فَنُسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ، قَالَ: فَمِنْ يَوْمِئِذٍ أُمِرَ بِالكِتَابِ وَالشُّهُودِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "فَحَمِدَ اللهَ بِإِذْنِهِ"، أي: بإرادَتِه.
[بَابٌ]
1859 -
(3369) - (5/ 454 - 455) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا العَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْن أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَمَّا خَلَقَ اللهُ الأرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ، فَخَلَقَ الجِبَالَ، فَقَالَ بِهَا عَلَيْهَا فَاسْتَقَرَّتْ، فَعَجِبَتِ المَلائِكَةُ مِنْ شِدَّةِ الجِبَالِ، قَالُوا: يَا رَبِّ! هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الجِبَالِ؟ قَالَ: نَعَمُ الحَدِيدُ، قَالُوا: يَا رَبِّ! فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الحَدِيدِ؟ قَالَ: نَعَمُ النَّارُ، فَقَالُوا: يَا رَبِّ! فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شئٌ أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمُ المَاءُ، قَالُوا: يَا رَبِّ! فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ المَاءِ؟ قَالَ: نَعَمُ الرِّيحُ، قَالُوا: يَا رَبِّ! فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟ قَالَ: نَعَمْ ابْنُ آدَمَ، تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا مِنْ شِمَالِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "تَمِيدُ"، أي: تَضْطَرِب ولا تَسْتَقِرُّ.
• وقوله: "فَقَالَ": من اسْتِعَارةِ القَوْل للفعل.
أَبْوَابُ الدَّعَوَاتِ
(1)
بَاب مَا جَاءَ فِى فَضْل الدُّعَاء
1860 -
(3370) - (5/ 455) حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ العَنْبَرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوْا حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ القَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ القَطَّانِ، وَعِمْرَانُ القَطَّانُ هُوَ ابْنُ دَاوُدَ وَيُكْنَى أَبَا العَوَّامِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عِمْرَانَ القَطَّانِ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَه.
• "لَيْسَ شَيْءٌ أَكرَمَ": أكرم منصوبٌ على أنَّه خَبَرُ "لَيْسَ". و "عَلَى اللهِ": بمعنى عندَه، والمرادُ: أكرم من بين العِبادَات القَوْلِيَّة؛ لأنَّ شرفَ كُلِّ شيءٍ يُعْتَبر في بابه فلا يرادُ أنَّ الصَّلاةَ أفضلُ العِبادَاتِ البَدَنِيَّةِ، ولا يُتَوَهَّمُ أنَّه منَافٍ لقَوْلِه تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
(2)
كذا قيل. قلتُ: والإشكالُ بنَحْو أفضل الأذْكَار قولِ "لَا إلهَ إلَّا اللهُ". وأحَبُّ الأذْكار "سُبْحَانَ اللهِ" الحديث باقٍ بعدُ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ الدَّعَوَاتِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
(2)
الحجرات: 13.
والقَوْلُ: بأنَّ الذِّكْر مُنْدَوِجٌ في الدُّعَاء كما هو مُقْتَضي بعض الأحَاديث يَقْتَضِي انتفاءَ المُفَضَّل عليه إلا أنْ يُرادَ ليس بشَيْءٍ من مُطْلَق القَوْل "أكْرَم" فيصيرُ حاصلُ الحديثِ أنَّ الذِّكْر أكرمُ من مُطْلق القَوْل، وهذا معنى لا يُناسِب متَانةَ الكَلام، فلعَلَّ المرادَ بقوله:"أكْرَم" أسْرع قبولًا وأنفذ تأثِيْرًا. والله تعالى أعلم.
1861 -
(3372) - (5/ 456) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ يُسَيْعٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ" ثُمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}
(1)
.
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاه مَنْصُورٌ، وَالأعْمَشُ عَنْ ذَرٍّ وَلا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ذَرٍّ. ذر هُوَ ذَرُ بنُ عبدِ الله الهَمَدَانيُ ثِقَةٌ والدُ عُمَرَ بنِ ذَر.
مبالغة لَيْسَتْ غيرَ الدُّعاء، أي: أنَّ العِبَادةَ هي العِبادةُ في قوله: "الدَّعاء بخير"، وضميرُ الفَصْل من تَعريفِ المُسْتفَاد من معنى الحَصْر وهذا هو في غايةِ الْقُصُور، والدُّعاء في ذلك والاستعانة والافتقار والخُضوع إظهار التَّذَلُّل للعُبودِيَّةِ لأنَّ حقيقتَه بِها وخالصها
(2)
.
(1)
غافر: 60.
(2)
هكذا فى المخطوط ولعله خطأ وينبغي أن يكون كالآتي: قوله: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ"، أي: الدعاء بخير، وضمير الفصل من التعريف المستفاد منه معنى الحصر وهو غاية القصور في الدعاء، والاستعانة، والافتقار، والخضوع، وإظهارِ التذلُّل والعبودية؛ لأن حقيقته بها. وحاصلها في قوله:"الدُّعَاءُ هَيَ الْعَبَادَةُ": أي: ليست مبالغةٌ في العبادة غير الدعاء بخير.
[بَاب مَا جَاءَ في] فَضْل الذِّكْرِ
1862 -
(3375) - (5/ 458) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْن صَالِحٍ، عَنْ عَمْرِو بْن قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن بُسْرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ:"لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "رَطْبًا": مَعْمُوْرًا حَيًّا كرُطُوْبةِ النَباتِ لا خَرابًا مَيِّتًا.
[بَاب مِنْهُ]
1863 -
(3376) - (5/ 458) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ دَرَّاجِ، عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أيُّ العِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ:"الذَّاكِرُونَ اللهَ كثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمِنَ الغَازِي فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: "لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الكُفَّارِ وَالمُشْرِكِينَ حَتَّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَمًا لَكَانَ الذَّاكرُونَ اللهَ أَفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ دَرَّاجٍ.
• قوله: "الذَّاكِريْنَ اللهَ كثِيرًا": في بعض النُّسَخ "الذَّاكِرُوْنَ"
(1)
ههنا وفيما بعد وهو الأظهر، وتوجيهُ الذَّاكِرين -باليَاء- أنَّه على الحِكَاية كما فى القُرْآن. والله تعالى أعلم.
(1)
كما في نسخة أحمد شاكر، والمذكور في المتن.
بَاب مَا جَاءَ في القَوْمِ يَجْلِسُونَ فَيَذْكرُونَ اللهَ [عز وجل مَاَ لَهُمْ مِنَ الفَضْل]
1864 -
(3378) - (5/ 459 - 460) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أبي إِسْحَاق، عَنِ الأغَرِّ أبي مُسْلِم أَنَّهُ شهِدَ عَلى أبي هُرَيْرَةَ، وَأبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال:"مَا مِنْ قوْمٍ يَذكُرُونَ اللهَ إلَّا حَفَّتْ بِهِمُ المَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اْللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَذَكَرَهُمُ اللهُ": ومِصْداقُه قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}
(1)
(1)
البقرة: 152.
بَاب مَا جَاءَ أَنَّ دَعْوَةَ المُسْلِمِ مُسْتَجَابَةٌ
1865 -
(3383) - (5/ 462) حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ حَبِيبِ بْن عَرَبِيٍّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن كثِيرٍ الأنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْن خِرَاشٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، يَقُوُل: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَفْضَلُ الذِّكْرِ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْن إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مُوسَى بْن إِبْرَاهِيمَ هَذَا الحَدِيثَ.
• قوله: "وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلهِ": قيل: المرادُ بالحَمْد سورةُ الفَاتِحة فإنَّها دعاءٌ من أفضل الأدْعِيَةِ وأجْمَعِها. قيل: بل اعْتَبر الثَّناءَ دعاءً؛ لأنَّه من باب التَّوَسُّل إلى نَيْل المَطْلوب بأدَقِّ طَريقٍ إذِ الكريمُ لا يُخَيِّب مَنْ أثْنَي عليه، فثَناءُه دعاءٌ. وقيل: هو مِنْ باب الشُّكْر المُسْتَجْلِب للمَزيدِ، فصارَ كأنَّه دعاءٌ.
بَاب مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ إذَا أَصْبَحَ [وَإذَا أَمْسَى]
1866 -
(3388) - (5/ 465) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبَانَ بن عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُوُل: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُوُل فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ"، وَكَانَ أَبَانُ قَدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فَالِجٍ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبَانُ:"مَا تَنْظُرُ؟ أَمَا إِنَّ الحَدِيثَ كَمَا حَدَّثْتُكَ وَلَكِنِّي لَمْ أَقُلْهُ يَوْمَئِذٍ لِيُمْضِيَ اللهُ عَلَيَّ قَدَرَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "فيَضُرَّهُ"
(1)
: المَشْهورُ النَّصب على أنَّه عَطَفٌ على "يَقُوْلُ".
• قوله: "لِيُمْضِيَ": جوابُ النَّهْي لكن "لَا" سَبَبِيَّةٌ كما لا يَخْفَى، فالأقربُ فى مثلِه الرَّفْعُ على أنَّه عَطفٌ على "يَقُوْلُ".
• قوله: "لِيُمْضِيَ"، أى: أنْسَانِيْ ليُمْضِيَ.
1867 -
(3391) - (5/ 466) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ يَقُولُ: إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بِكَ
(1)
هكذا في المخطوط، وفي نسخة أحمد شاكر كما في متن الحديث.
أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ المَصِيرُ، وَإِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• و"بِكَ أَمْسَيْنَا": يحتَمل أنَّ المرادَ به المَساءُ السَّابقُ أو اللَّاحقُ، وعلى الثَّانى صيغةُ الْمُضَارع فى موضع المَاضِى وكذلك قولُه:"أصْبَحْنَا" فى دعاءِ الإمساءِ.
[بَاب مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ]
1868 -
(3394) - (5/ 468 - 469) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيِّ، عَنِ البَرَاءِ بْن عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ:"ألَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهَا إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَإِنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مِتَّ عَلَى الفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ وَقَدْ أَصَبْتَ خَيْرًا، تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّى أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، لا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ"، قَالَ البَرَاءُ: فَقُلْتُ: وَبِرَسُولكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، قَالَ: فَطَعَنَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ:"وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الْبَرَاءِ، وَرَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِرِ عَنْ سَعْدِ بْن عُبَيْدَةَ، عَنِ البَرَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:"إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ وَأَنْتَ عَلَى وُضُوءٍ". وفي الْبَابِ عَنْ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ.
• قوله: "ثُمَّ قَالَ: "وَبِنَبِيِّكَ": وذلك لأنَّ تَوْصِيفَ الرَّسُولِ بقَوْلِه: "الَّذِيْ أرْسَلْتَ" ضايعٌ بخَلافِ النَّبِيِّ.
[بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَقْرَأُ القُرْآنَ عِنْدَ المَنَام]
1869 -
(3406) - (5/ 475) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْن حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ بْن الوَليدِ عَنْ بَحِيرِ بْن سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْن مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي بِلالٍ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْن سَارِيَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ المُسَبِّحَاتِ، وَيَقُولُ:"فِيهَا آيَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "المُسَبِّحَات"، أي: السُّوَر التي فى أوَائِلها التَّسْبِيْحُ بلَفْظ سَبَّحَ أو يُسَبِّحُ أو سُبْحَات كيف ما كان.
1870 -
(3407) - (5/ 476) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي العَلَاءِ بْن الشِّخِّيرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ، قَالَ: صَحِبْتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ رضي الله عنه فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: أَلا أُعَلِّمُكَ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأمْرِ، وَأسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِك، وَأسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَقلبًا سَلِيمًا، وَأعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا تَعْلمُ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ"، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ يَقْرأُ سُورَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ إلَّا وَكَّلَ اللهُ بِهِ مَلَكًا فَلَا يَقْرَبُهُ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ حَتَّى يَهُبَّ مَتَى هَبَّ". قالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَالجُرَيْرِيُّ هُوَ: سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ أَبُو مَسْعُودٍ الجُرَيْرِيُّ. وَأَبُو العَلَاءِ اسْمُهُ: يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن الشِّخِّيرِ.
• قوله: "يَهُبَّ": -بضَمِّ الهَاء وتشديدِ البَاء- أي: يَسْتَيْقظُ ويقُوْم.
[بَاب مِنْهُ]
1871 -
(3410) - (5/ 478) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَلَّتَانِ لا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ، أَلا وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: يُسَبِّحُ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا، وَيُكَبِّرُهُ عَشْرًا"، قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ، قَالَ:"فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي المِيزَانِ، وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ تُسَبِّحُهُ وَتُكَبِّرُهُ وَتَحْمَدُه مِائَةً، فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي المِيزَانِ، فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ"؟ قَالُوا: فَكَيْفَ لا نُحْصِيهَا؟ قَالَ: "يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ، فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كذَا، حَتَّى يَنْتَقلَ فَلَعَلَّهُ أَلَا يَفْعَلَ، وَيَأْتِيهِ وَهُوَ فِي مَضْجَعِهِ فَلَا يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ هَذَا الحَدِيثَ، وَرَوَى الأعْمَشُ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْن السَّائِبِ مُخْتَصَرًا. وفي البَابِ عَنْ زَيْدِ بْن ثَابِتٍ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
• قوله: "فَتِلْكَ خَمْسُونَ، وَمِائَةٌ": في الأوْقاتِ الْخَمْسةِ.
بَاب مَا جَاءَ مَا يَقُولُ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْل إلَى الصَّلَاةِ
1872 -
(3418) - (5/ 481 - 482) حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاؤُوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، يَقُوُل:"اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلقَاءُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، إِنَّكَ إِلَهِي لا إِلَهَ إلَّا أَنْتَ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "قَيَّامُ":-بتَشْدِيدِ اليَاء- القَيَّام، والقيُّوم: القَائِم بأمُوْر الخَلائِق، وبَدْء العَالم في جميع أحوالِه. وقيل: الدَّائم القَائم بتَدْبير الخَلْق، المُعْطِى له ما به قِوَامُه، أو القَائم بنَفْسِه المُقِيْم لغَيْره.
بَابُ مَا جَاءَ مَا يَقُولُ مَنْ دَخَلَ السُّوقَ
(1)
1873 -
(3429) - (5/ 491 - 492) حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَالمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ - وَهُوَ قَهْرَمَانُ آلِ الزُّبَيْرِ- عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ قَالَ فِي السُّوقِ: لا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْييِ وَيُمِيتُ وَهُوَ حَىٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ".
وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ هَذَا هُوَ شَيْخٌ بَصْرِيٌّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاه يَحْيىَ بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْن مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه.
• قوله: "القَهْرَمَانُ": كالخَازنِ، والوَكِيل، والحافظ لِمَا تحتَ يدِه، والقَائم بأمر الرَّجل بلُغةِ الفُرُس. انتهى من غريب ابن الأثير
(2)
.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَاب مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ السُّوقَ.
(2)
راجع: النهاية الجزرية لابن الأثير: 8/ 3536.
بَاب مَا جَاءَ مَا يَقُولُ إذَا رَأَى مُبْتلًى
1874 -
(3431) - (5/ 493) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بْن سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلاءٍ، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِى عَلَى كثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا إلَّا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ البَلاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وفي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَمْرُو بْن دِينَارٍ قَهْرَمَانِ آلِ الزُّبَيْرِ هُوَ: شَيْخٌ بَصْرِيٌّ، وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ فِي الحَدِيثِ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بأَحَادِيثَ عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ أنَّهُ قال: إِذا رَأى صَاحِبَ بَلَاءٍ يَتَعَوَّذُ، يَقُولُ ذلِكَ فِي نَفسِهِ وَلا يُسْمِعُ صَاحِبَ الْبَلاءِ.
• قوله: "مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ": ينبغي أنْ يُسِرَّ بِهذا الخِطَاب لئلا يتأذَّى به المُصابُ. والله تعالى أعلم بالصَّواب.
بَابُ مَا جَاءَ فِيْ جَاِمِع الدَّعَوَاتِ آخِرُ بَاب الْدَّعَوَاتِ
• قوله: "ولَمْ يَنْبَغِي": بإثباتِ اليَاء للإشْبَاع والأصل حَذْفُه، أي: ولَمْ يَنْبَغِ، ويمكنُ أنْ يكونَ إثبات آخر المُعَتَلِّ منزلةَ الصَّحيح ثُمَّ المعنى- والله تعالى أعلم- أنَّه لا يُعاقَب بذنب في ذلك اليَوْم إلا المُشْركُ. والله تعالي أعلم.
بَابُ حَدِيْثِ سُفْيَانَ بْن وَكِيعٍ عَنْ عَبْد الله بْن يَزيدَ الخَطْمِىِّ الأَنْصَارِىِّ
(1)
1875 -
(3491) - (5/ 523) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْن وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ أَبي جَعْفَرِ الخَطْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن كَعْب القُرَظِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن يَزِيدَ الخَطْمِيِّ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ كَانَ يَقُوُل فِي دُعَائِهِ:"اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو جَعْفَرٍ الخَطْمِيُّ اسْمُهُ: عُمَيْرُ بْنُ يَزِيدَ بْن خُمَاشَةَ.
• قوله: "مِمَّا أُحِبُّ"، أي: ما أعْطَيْتَني من مَحْبُوبَاتي فاجْعَلُه ["قُوَّةً"، أي]: وَسِيْلةً إلى تَحْصِيل مَحْبُوبَاتِك.
• قوله: "مَا زَوَيْتَ عَنِّي
…
" إلخ، المرادُ به ما لَمْ تُعْطِنى من مَحْبُوبَاتِى فاجْعَلْه "فَرَاغًا" لتَحْصِيل مَحْبوبَاتِك.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ.
بَابُ حَدِيْثِ عَلِي بْن حُجْر عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ
1876 -
(3500) - (5/ 527) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ أَبُو عُمَرَ الهِلالِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْن إِيَاسِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبي السَّلِيلِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُول اللهِ! سَمِعْتُ دُعَاءَك اللَّيْلةَ فكَانَ الَّذِي وَصَل إِليَّ مِنهُ أَنَّكَ تَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي"، قَالَ:"فَهَلْ تَرَاهُنَّ تَرَكْنَ شَيْئًا".
قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو السَّلِيلِ اسْمُهُ: ضُرَيْبُ بْنُ نُفَيْرٍ وَيُقَالُ: ابْنُ نُقَيْرِ.
• قوله: "فَهَلْ تَرَاهُنَّ
…
" إلخ، يريدُ أنَّها من جَوامع الكَلِم.
بَابُ حَديْثِ إبْرَاِهِيمَ
…
عن أَبى سَلَمَةَ
(1)
1877 -
(3511) - (5/ 533) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَمْرٍو بْن أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَقُلْ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فَأْجُرْنِي فِيهَا وَأَبْدِلْنِي مِنْهَا خَيْرًا". فَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: اللَّهُمَّ اخْلُفْ فِي أَهْلِي خَيْرًا مِنِّي، فَلَمَّا قُبِضَ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، عِنْدَ اللهِ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فَأْجُرْنِي فِيهَا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَأَبُو سَلَمَةَ اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الأسَدِ.
• قوله: "أَبْدِلْنِي": بقَطْع الهَمْزةِ. "مِنْهَا"، أي: من الفَائِت من المُصِيْبة لا مِنْ نَفْسِها.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَاب مِنْهُ.
بَابُ حَدِيْثِ مُحَمَّدِ بْن أَبى أُمَامَةَ
(1)
1878 -
(3526) - (5/ 540) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن أَبي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْر بْن حَوْشَبٍ، عَنْ أبِي أمَامَةَ البَاهِلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوُل: "مَنْ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ طَاهِرًا يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ لَمْ تتَقَلَّبْ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ يَسْأَلُ اللهَ شيْئًا مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إلَّا أعْطَاه إِيَّاهُ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أيضًا عَنْ شَهْرِ بْن حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَةَ، عَنْ عَمْرِو بْن عَبْسَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "لَمْ يتَقَلَّبْ"، أي: لَمْ يَرْجع إلى القِيام: الاستيقَاظِ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ.
بَابُ حَدِيْثِ الحَسَن بْن عَرَفَةَ عَنْ ابْن عُمَرَ
(1)
1879 -
(3550) - (5/ 553) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
• قوله: " [مَا بَيْنَ السِّتِّيْنَ إلى السَّبْعِيْنَ] "، أي:[مَنْ] يَمُوْت منهم كبيرًا، أمَّا مَنْ يموتُ صغيرًا فلا حدَّ له.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ فِي دُعَاءِ الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
أحَادِيْثُ شَتَى مِنْ أبْوَاب الْدَّعَوَاتِ
(1)
1880 -
(3563) - (5/ 560) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا يَحْيى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كتَابَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ ثَبِيْرٍ دَيْنًا أَدَّاه اللهُ عَنْكَ، قَالَ:"قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "مِثْلُ جَبَلِ صُبَيْرٍ
…
" إلخ، الصواب صِيْر -باليَاء المُثَنَّاة تحتًا- وفي بعض النسخ: "ثَبِيْر"- بالثَّاء المثَلَّثةِ، ثُمَّ المُوَحَّدة والتَحْتِيَة- وفي بعضها: "كَبِير".
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ.
[بَاب فِى دُعَاءِ المَريض]
1881 -
(3564) - (5/ 560 - 561) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْن مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنْتُ شَاكِيًا فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ فَأرِحْنِي، وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فَارْفَعْنِي، وَإِنْ كَانَ بَلَاءً فَصَبِّرْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"كَيْفَ قُلْتَ؟ " قَالَ: فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَا قَالَ، قَالَ: فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَافِهِ أَوِ اشْفِهِ"-شُعْبَةُ الشَّاكُّ- فَمَا اشْتَكَيْتُ وَجَعيِ بَعْدُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "فَارْفَعْنِي
…
" إلخ، الصَّوابُ فارْفُقْ بي.
1882 -
(3577) - (5/ 568 - 569) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الشَّنِّيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ يَسَارِ بْنِ زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، يَقُوُل:"مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيْمَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَا هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنِ الزَّحْفِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "ابْنُ عَمَر الشَنِّيُّ":- بالشِّيْن المُعْجَمةِ والنُّوْن- قبيلةٌ من عبدِ القَيْس.
بَابُ حَدِيْثِ أبىْ كُرَيْب مُحَمَّد بْن الْعَلَاءِ عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ
(1)
1883 -
(3600) - (5/ 579 - 580) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأرْضِ فَضُلًا عَنْ كتَّاب النَّاسِ، فَإِذَا وَجَدُوا أَقْوَامًا يَذْكُرُونَ اللهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى بُغْيَتِكُمْ، فَيَجِيئُونَ فَيَحُفُّونَ بِهِمْ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُوُل اللهُ: عَلَى أيِّ شَيْءٍ تَرَكْتُمْ عِبَادِي يَصْنَعُونَ؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكنَاهُمْ يَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ وَيَذْكُرُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: فَهَلْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لا، قَالَ: فَيَقُوُل: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ لَكَانُوا أَشَدَّ تَحْمِيدًا، وَأَشَدَّ تَمْجِيدًا، وَأَشَدَّ لَكَ ذِكرًا، قَالَ: فَيَقُوُل: وَأَيَّ شَيْءٍ يَطْلُبُونَ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: يَطْلُبُونَ الجَنَّةَ، قَالَ: فَيَقُوُل: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لا، فَيَقُوُل: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا لَكَانُوا أَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، قَالَ: فَيَقُولُ: فَمِنْ أيِّ شَيْءٍ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالُوا: تتَعَوَّذُونَ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَيَقُوُل: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لا، فَيَقُوُل: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا لَكَانُوا مِنْهَا أَشَدَّ هَرَبًا، وَأَشَدَّ مِنْهَا خَوْفًا، وَأَشَدَّ مِنْهَا تَعَوُّذًا، قَالَ: فَيَقُوُل: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ فِيهِمْ فُلَانًا الخَطَّاءَ لَمْ يُرِدْهُمْ إِنَّمَا جَاءَهُمْ لِحَاجَةٍ، فَيَقُوُل: هُمُ القَوْمُ لا يَشْقَى لَهُمْ جَلِيسٌ".
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "فُضُلًا"، أي: هُمْ فاضِلُوْن على الَّذِيْن يكتُبونَ أعمالَ النَّاس.
أَبْوَابُ الْمَنَاقِب
(1)
بَاب مَا جَاءَ فِى فَضْل النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم
1884 -
(3605) - (5/ 583) حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيُّ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بْن الأسْقَعِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَني هَاشِمٍ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "بَنى كنَانَةَ"، أي: جعَلَهم رؤَسَاءَ فُضَلاءَ، متَّصِفِيْن بفضَائل الدُّنْيا من الجُوْد والكَرَم والشَّجاعةِ، و كلِّ ما يَحْمَدُه العقلاءُ من الصِّفاتِ، وكذا اصطفَى قريشًا، واصطفى بني هاشم. وأمَّا اصطِفاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَينِهم فمن كُلِّ وجهٍ باعْتبارِ الفَضَائل الدُّنِيْويَّة والأخْرَوِيَّةِ. والله تعالى أعلم.
1885 -
(3609) - (5/ 585) حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الوَليدُ بْنُ شُجَاعِ بْن الوَليدِ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا الوَليدُ بْن مُسْلِمٍ عَنِ الأوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيىَ بْن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّة؟ قَالَ: "وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالجَسَدِ".
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: كِتَابُ الْمَنَاقِبِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لا نَعْرِفُهُ إِلَا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "بَيْنَ الرُّوحِ وَالجَسَدِ"، أي: قبلَ أن يَتِمَّ خَلْقُ آدمَ، وقبلَ إدْخَال رُوْحِه في جَسده، والحديثُ حمَله العِزُّ على التَّقدير، أي: قدَّر له وقرَّر النُّبُوَّةَ قبل أنْ يَخْلقَ آدمَ، ورُدَّ بأنَّ جميعَ الأنبياءِ كذلك.
ومقتضى الخَبر أنَّ هناك خُصُوصِيَّةٌ له صلى الله عليه وسلم لأجلها أخبرَ بِهذ الخَبر إعلامًا لأمَّتِه ليَعْرفُوا قَدْوَه عندَ اللهِ تعالى، فالوَجْهُ أنَّه إشارةٌ إلى تَشْريفِ رُوْحِه الشَّريفة أو حقيقته بالنُّبوَّةِ، والحَقائقُ تقصر عقُوْلنا عن معرفَتِها، وإنَّما يعرفُها خالقُها ومَنْ أمدَّه اللهُ بنُوْرٍ إلهِيٍّ، ثُمَّ إنَّ تلكَ الحقائقَ يؤتي اللهُ حقيقةً منها ما يشاءُ في الوقت الذي يشاءُ، فحقيقةُ النبي صلى الله عليه وسلم قد تكونُ من قبل خَلْق آدمَ آتاهَا اللهُ تعالى ذلك الوَصْف بأنْ يكونَ خَلْقُها مُتَهَيِّئةً لذلك، وأفاضَه عليها من ذلك الوقتِ فصار نَبِيًّا، وكتبَ إسمَه على العَرْش، وأخبرَ عنه بالرِّسَالةِ ليعلمَ ملائكتُه وغيرُهم كرامتَه عندَه تعالى، فحقيقتُه موجودةٌ من ذلك الوَقْت، وإنْ تأخَّرَ جسدُه الشَّريفُ، والبعثُ والتَّبليغُ. والله تعالى أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِى مِيلَادِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم
1886 -
(3619) - (5/ 589) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنِ المُطَّلِب بْن عَبْدِ اللهِ بْن قَيْس بْن مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: وُلدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفِيلِ، وَسَأَلَ عُثمَانُ بْنُ عَفَّانَ قبَاثَ بْنَ أشْيَمَ أَخَا بَنِي يَعْمَرَ بْن لَيْثٍ: أَأَنْتَ أكْبَرُ أَمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكْبَرُ مِنِّي وَأَنَا أَقْدَمُ مِنْهُ فِي المِيلَادِ، قَالَ: وَرَأَيْتُ خَذْقَ الْفِيلِ أَخْضَرَ مُحِيلًا. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفهُ إِلَا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ.
• قوله: "قُبَاثَ":- بقَافٍ مَضْمُومةٍ، و باءٍ موَحَّدةٍ، وآخرُه ثاءٌ مُعْجمَة مثلَّثةٌ- قُبَاثُ بْنُ أشْيَم بْن الملوِّح بْن يَعْمُرَ
(1)
. من ابن ماكولا
(2)
.
(1)
هو: الإمام الكبير، الحافظ البارع، النسَّابة أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علكان، الجَرْبَاذْقاني، ثم البغدادي، المعروف بابن ماكولا، كان إمامًا عالما، ثبتا حافظا، مجوِّدا نحويا، شاعرا مبرزا. ولد في الخامس من شعبان، سنة إحدى وعشرين وأربع مائة بعُكْبُرا، سمع بشرى بن عبد الله الفاتني، وابن شاهين، وأبا طالب بن غيلان، وأبا الطيب الطبري وغيرهم، رحل إلى الشام والسواحل، وديار مصر، والجزيرة، والثغور والجبال، ودخل بلاد خراسان وما وراء النهر، وجال في الَافاق ولقي الحفاظ والأعلام. من تصانيفه:"الإكمال"، و"كتاب الوزراء"، قتله غلمانه الأتراك في نيف وسبعين وأربع مائة. راجع لترجمته: المنتظم: 16/ 226، وفيات الأعيان: 3/ 305، فوات الوفيات: 3/ 110، تذكرة الحفاظ: 4/ 1201، سير أعلام النبلاء: 18/ 569، البداية والنهاية: 16/ 83، طبقات الحفاظ:444.
(2)
راجع: الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى: 7/ 93.
• قوله: "حَذْقُ الطَّيْرِ": الرِّوايةُ حَذْقُ الطَّيْر، وصوابُه حَذْقُ الفِيْل وهو رَوْثُه.
بَابُ مَا جَاءَ فِى بَدْءِ نُبُوَّةِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم
1887 -
(3620) - (5/ 590 - 591) حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ سَهْل أَبُو العَبَّاسِ الأعْرَجُ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْن أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلا يَلْتَفِتُ، قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَذَا سَيِّدُ العَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ العَالَمِينَ، يَبْعَثُهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ العَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلا حَجَرٌ إِلَا خَرَّ سَاجِدًا وَلا يَسْجُدَانِ إِلَا لِنَبِيٍّ، وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا آتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الإِبِلِ، قَالَ: أَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ القَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لا يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ، فَإِنَّ الرُّومَ إِنْ رَأَوْه عَرَفُوه بِالصِّفَةِ فَيَقْتُلُونَهُ، فَالتَفَتَ فَإِذَا بِسَبْعَةٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا: جِئْنَا أنَّ هَذَا النَّبِيَّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلَا بُعِثَ إِلَيْهِ بِأُنَاسٍ وَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا خَبَرَه بُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا، فَقَالَ: هَلْ خَلْفَكُمْ أَحَدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّمَا أخْبِرْنَا خَبرَه بِطَرِيقِكَ هَذَا. قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ؟ قَالُوا: لا، قَالَ:
فَبَايَعُوه وَأَقَامُوا مَعَهُ قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ أيُّكُمْ وَليُّهُ؟ قَالُوا: أَبُو طَالِبٍ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّه أَبُو طَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلالًا وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الَكَعْكِ وَالزَّيْتِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "غُضْرُوف": قال الجَوهريُّ: هما لُغَتان غُرْضُوْفٌ وغُضْرُوْفٌ وهو مَا لانَ مِنَ الْعَظْم
(1)
.
(1)
راجع: الصحاح وتاج اللغة لإسماعيل بن حماد الجوهري: 4/ 1410.
بَابٌ مَا جَاءَ فِى آيَاتِ [إثْبَات] نُبُوَّةِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم [وَمَا قَدْ خَصَّهُ اللهُ عز وجل بهِ]
1888 -
(3624) - (5/ 592 - 593) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، قَالا: أَنَبأنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ الضَّبِّيُّ عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْن سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بِمَكَّةَ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ إِنِّي لأعْرِفُهُ الآنَ". قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "إِنَّ بِمَكَّةَ حَجَرًا": قيلَ: هُو الحَجر الأسْود. وقيل: حجرٌ في بيتِ أبي بكر. قال الإمامُ مُحِبُّ الدِّين الطَّبْري
(1)
: الأظهرُ الأوَّل.
1889 -
(3625) - (5/ 593) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي العَلاءِ، عَنْ سَمُرَةَ بْن جُنْدَبٍ، قَالَ: "كُنَّا مَعَ
(1)
هو: الحافظ الفقيه، شيخ الحرم أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبرى المكي، ولد بمكة في جمادى الآخرة، سنة خمس عشرة وست مائة، سمع ابن المُقَيِّز، وابن الجَمَّيْزي، وجماعة، وأفتى ودرَّس، وتفقَّه. روى عنه الدمياطي، وابن العطار، وابن الخباز، والبِرْزَالي وجماعة، من تصانيفه:"الرياض النضرة في فضائل العشرة المبشرة"، و"ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى"، "السمط الثمين في مناقب أم المؤمين"، و"القرى في ساكن أم القرى"، و "شرح التنبيه"، وكتاب "الأحكام". توفي في ذي القعدة، سنة أربع وتسعين وست مائة. راجع: العبر: 3/ 382، طبقات الشافعية: 8/ 18، وشذرات الذهب: 7/ 743، الأعلام للزركلي: 1/ 159.
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَتَدَاوَلُ فِي قَصْعَةٍ مِنْ غُدْوَةٍ حَتَّى اللَّيْلِ يَقُومُ عَشَرَةٌ وَيَقْعُدُ عَشَرَةٌ، قُلْنَا: فَمَا كَانَتْ تُمَدُّ؟ قَالَ: مِنْ أيِّ شَيْءٍ تَعْجَبُ مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلَا مِنْ هَاهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاء".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو العَلاءِ اسْمُهُ: يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن الشِّخِّيرِ.
• "نَتَنَاوَلُ"، وفي نُسْخَةٍ "نَتَدَاوَلُ".
بَابُ حَدِيْثِ مَحْمُود بْن غَيْلَانَ عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ
1890 -
(3627) - (5/ 594) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْن عَمَّارٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ إِلَى لِزْقِ جِذْعٍ وَاتَّخَذُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَخَطَبَ عَلَيْهِ فَحَنَّ الجِذْعُ حَنِينَ النَّاقَةِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَسَّهُ فَسَكَنَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَاب عَنْ أُبَيٍّ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَهْلِ بْن سَعْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إِلَى لِزْقِ جِذْعِ": اللِّزْق: -بكسر، فسكونٍ- اللَّازقُ، أي: اللَّاصقُ. يقال: وإنْ لَزِقَ دارَ فلانٍ، أَي: لازَقَه ولاصَقَه، والمعنى إلي الجذع اللاَّصق بالأرْض.
بَابُ حَدِيْثِ أبىْ جَعْفَر مُحَمَّد بْن الحُسَيْن عَنْ إبْرَاِهِيم بْن مُحَمَّدٍ، مِنْ وَلَدِ عَليِّ بْن أَبى طَالِبٍ
(1)
1891 -
(3638) - (5/ 599 - 600) حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْن الحُسَيْنِ بْن أَبِي حَلِيمَةَ مِنْ قَصْرِ الأحْنَفِ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ المَعْنَى وَاحِدٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى غَفْرَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَانَ عَلِىٌّ رضي الله عنه إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَغَّطِ وَلا بِالقَصِيرِ المُتردِّدِ وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالجَعْدِ القَطَطِ وَلا بِالسَّبِطِ كَانَ جَعْدًا رَجِلًا، وَلَمْ يَكُنْ بِالمُطَهَّمِ وَلا بِالمُكَلْثَمِ وَكَانَ فِي الوَجْهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ مُشْرَب، أَدْعَجُ العَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الأشْفَارِ، جَلِيلُ المُشَاشِ وَالكَتَدِ، أَجْرَدُ ذُو مَسْرُبَةٍ، شَثْنُ الكَفَّيْنِ وَالقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَاْ التَفَتَ التَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ كفًّا، وَأشْرَحُهُمْ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُوُل نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ مِثْلَهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ الأصْمَعِيَّ يَقُوُل فِي تَفْسِيرِ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
المُمَغَّطُ الذَّاهِبُ طُولًا. وَسَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُوُل فِي كَلَامِهِ: تَمَغَّطَ فِي نُشَّابَتِهِ، أَيْ: مَدَّهَا مَدًّا شَدِيدًا.
• قوله: "تَمَغَّطَ فِي نُشَّابَتِهِ": -بضَمِّ النُّونِ وتشديدِ الشِّيْن المُعْجَمةِ- السَّهْمةُ الوَاحِدةُ.
بَاب مَا جَاءَ فِى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ
1892 -
(3643) - (5/ 603) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْن إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الجَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْن يَزِيدَ، يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ بِرَأْسِي وَدَعَا لِي بِالبَرَكَةِ وَتَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، فَقُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى الخَاتَمِ بَيْنَ كتِفَيْهِ فَإِذَا هُوَ مِثْلُ زِرِّ الحَجَلَةِ. الزِّرُّ: يُقَالُ بَيْضٌ لَهَا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ سَلْمَانَ، وَقُرَّةَ بْن إِيَاسٍ، وَجَابِرِ بْن سَمُرَةَ، وَأَبِي رِمْثَةَ، وَبُرَيْدَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْن سَرْجِسَ، وَعَمْرِو بْن أَخْطَبَ، وَأَبِي سَعِيدٍ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "مِنْ وَضُوئِهِ": -بفَتْح الوَاو- والأقربُ أنَّه الماءُ الذي توَضَّأ به، فيَدُلُّ الحديثُ على طَهارةِ الماءِ المُسْتَعْملِ، ويَحتَملُ على بُعْدٍ أنَّ المرادَ بَقِيَّةُ الماءِ الَّذي توَضَّأ به.
• قوله: "زِرُّ الحَجَلَةِ": هو -بتَقْديم الزَّاء المُعْجَمة المَكْسُورةِ على الرَّاءِ المُهْملةِ المُشدَّدةِ- واحدُ الأزْرَارِ.
بَابُ حَدِيْثِ مُحَمَّد بْن عَبْد المَلِكِ عَنْ ابْن أَبى المُعَلَّى، عَنْ أَبيهِ
(1)
1893 -
(3659) - (5/ 607 - 608) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْن أَبِي الشَّوَارِبِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْن عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي المُعَلَّى، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَوْمًا فَقَالَ:"إِنَّ رَجُلًا خَيَّرَهُ رَبُّهُ بَيْنَ أَنْ يَعِيشَ فِي الدُّنْيَا مَا شَاءَ أَنْ يَعِيشَ وَيَأْكُلَ فِي الدُّنْيَا مَا شَاءَ أَنْ يَأْكُلَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ فَاخْتَارَ لِقَاءَ رَبِّهِ". قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَلا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ إِذْ ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا صَالِحًا خَيَّرَهُ رَبُّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ فَاخْتَارَ لِقَاءَ رَبِّهِ. قَالَ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ نَفْدِيكَ بِآبَائِنَا وَأَمْوَالِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ إِلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ مِنِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لاتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ خَلِيلًا، وَلَكِنْ وُدٌّ وَإِخَاءُ إِيمَانٍ، وُدٌّ وَإِخَاءُ إِيمَانٍ -مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا- وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ".
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "أَمَنَّ": من المِنَّة بمعنى النِّعْمةِ والإحْسَان، لا بمعنى تَعْدَاد النِّعْمةِ فإنَّ ذلك مكروهٌ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه.
1894 -
(3666) - (5/ 611) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْن حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ قَالَ:"إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَه اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَه، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَدَيْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. قَالَ: فَعَجِبْنَا، فَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ يُخْبِرُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَه اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللهِ وَهُوَ يَقُوُل: فَدَيْنَاكَ بِاَبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ هُوَ المُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّة الإِسْلامِ، لا تُبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "خَوْخَةُ":- بفَتْح المُعْجَمة الأولى- بابٌ صغيرٌ أو كُوَّةٌ في الجِدار للضَّوْء. أمَرَ بسَدِّ كُلِّ خَوخَةٍ ينظرون فيها إليه، وبابٍ يَمُرُّوْدن فيه إلى المسجدِ سِوَى خَوْخَةِ الصِّدِّيْق تكرُّمًا، ثم تَنْبيْهًا على خلافَتِه. وقيل: كنايةٌ عن الخِلافة، وسدّ أبوابِ القَالة دون التَّطَرُّق إليها والتَّطَلُّع عليها وهو أقوى إذ لم يَصِحَّ أنَّ الصَّدِّيْقَ كان له منزلٌ بجَنْب مسجدٍ.
بَابُ حَدِيْثِ إسْحَاق بْن مُوسَى الأنْصَارِي عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ
(1)
1895 -
(3675) - (5/ 614 - 615) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البَزَّازُ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، يَقُوُل: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا، فَقُلْتُ: اليَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ: وَسَلَّمَ: "مَا أَبْقَيْتَ لِأهْلِكَ؟ " قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَه، فَقَالَ:"يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا أَبْقَيْتَ لِأهْلِكَ؟ " قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: وَاللهِ لا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا": كلمةُ "إنْ" شَرْطِيَّةٌ، أي: إنْ قدَّر اللهُ في السَّبْق عليه في يوم ذاك يتَحَقَّق اليوم.
(1)
بَابٌ فِي مَنَاقِبِ أبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ رضي الله عنهما كِلَيْهِمَا.
بَابُ حَدِيْثِ سَلَمَةَ بْن أبىْ شَبِيبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِر
(1)
1896 -
(3686) - (5/ 619) حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا المُقْرِئُ عَنْ حَيْوَةَ بْن شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بْن عَمْرٍو، عَنْ مُشَرَّحٍ بن هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُشَرَّحٍ بن هَاعَانَ.
• قوله: "لَكَانَ عُمَرَ بْنُ الخَطَّابِ"، أي: من غَايةِ ما يُوَفَّق للصَّوابِ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه.
بَابُ حَدِيْثِ حُسَيْن بْن حُرَيْثٍ
1897 -
(3689) - (5/ 620) حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْن وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي بُرَيْدَة، قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ: "يَا بِلَالُ! بِمَ سَبَقْتَني إِلَى الجَنَّةِ؟ مَا دَخَلْتُ الجَنَّةَ قَطُّ إِلَا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، دَخَلْتُ البَارِحَةَ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، فَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرٍ مُرَبَّعِ مُشْرِفٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنَ العَرَبِ، فَقُلْتُ: أَنَا عَرَبِىٌّ، لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قُلْتُ: أَنَا قُرَشِىٌّ لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدٌ لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْن الخَطَّابِ". فَقَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلَا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"بِهِمَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَمُعَاذٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رَأَيْتُ فِي الجَنَّةِ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: لِعُمَرَ بْن الخَطَّابِ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ: "أَنِّي دَخَلْتُ البَارِحَةَ الجَنَّةَ" يَعْنِي: رَأَيْتُ فِي المَنَام كَأَنِّي دَخَلتُ الجَنَّةَ، هَكَذا رُوِيَ فِى بَعْضِ الحَدِيثِ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنَّهُ قال: رُؤْيَا الأنْبِيَاءِ وَحْىٌ.
• قوله: "بِمَ سَبَقْتَنِي؟ ": قيل: هذه السَّبْقةُ كسَبْقةِ بعض الخدَام على المَخَاديم، والوَجْهُ أنَّ الرُّؤيا مُحْتاجَةٌ إلى التَّعْبير ولا يليقُ بنا نحن.
• قوله: "لِمَنْ": هذا الحديثُ من جُمْلةِ ما يدُلُّ على شَرعِيَّةِ الرَّكْعتَيْن بعدَ المَغْرب.
1898 -
(3691) - (5/ 621 - 622) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن سُلَيْمَانَ بْن زَيْدِ بْن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ صِبْيَانٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ:"يَا عَائِشَةُ تَعَاليْ فَانْظُرِي". فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ الِله صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا بَيْنَ المَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ لِي:"أَمَا شَبِعْتِ؟ أَمَا شَبِعْتِ؟ ". قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَقُوُل: "لا"؛ لِأ نْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَه، إِذْ طَلَعَ عُمَرُ، قَالَ: فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأ نْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ"، قَالَتْ: فَرَجَعْتُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "تَزْفِنُ": كتَضْرب، أي: تَرْقُصُ.
[بَابٌ فِى مَنَاقِب عُثْمَانَ بْن عَفَّانَ رضي الله عنه]
1899 -
(3696) - (5/ 624) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى حِرَاءَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اهْدَأْ، إنَّمَا عَلَيْكَ نَبِىٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وفي البَابِ عَنْ عُثْمَانَ، وَسَعِيدِ بْن زَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَهْلِ بْن سَعْدٍ، وَأَنَسِ بْن مَالِكٍ، وَبُرَيْدَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "اهْدَأْ": هو بِهَمْزةٍ في آخره، أي: أسْكُنْ.
1900 -
(3700) - (5/ 625 - 626) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا السَّكَنُ بْنُ المُغِيرَةِ، وَيُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ مَوْلًى لِآلِ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا الوَليدُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ عَنْ فَرْقَدٍ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن خَبَّابِ، قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَحُثُّ عَلَى جَيْشِ العُسْرَةِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلَيَّ ثَلاثُ مِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزُل عَنِ المِنْبَرِ وَهُوَ يَقُوُل:"مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ، مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ لا نَعْرفُهُ إلَا مِنْ حَدِيثِ السَّكَنِ بْن المُغِيرَةِ. وفي البَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن سَمُرَةَ.
• قوله: "مَا عَمِلَ عُثْمَانُ"، أي: ما يضَرُّه ما يعملُ بعدَ هذَا العَمل بل إنْ وَقَعَ منه شيءٌ من تَقْصيرٍ يَغْفِرُه تعالى، و هذه إشارةٌ إلى أنَّه لا يَقعُ منه ما لا يُحِيْطُه العَفْوُ.
1901 -
(3703) - (5/ 627 - 628) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ المَعْنَى وَاحِدٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي الحَجَّاجِ المَنْقَرِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ ثُمَامَةَ بْن حَزْنٍ القُشَيْرِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ الدَّارَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمُ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ، قَالَ: فَجِيءَ بِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا جَمَلَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِمَارَانِ، قَالَ: فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ: أَنْشدُكُمْ بِاللهِ وَالإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ:"مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَه مَعَا دِلاءِ المُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ"؟ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي فَأَنْتُمُ اليَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ وَالإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ المَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ فَيَزِيدهَا فِي المَسْجِدِ بخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الجَنَّةِ"؟ فَاشْتريْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي فَأَنْتُمُ اليَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا رَكعَتَيْنِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ، نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ وَالإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ العُسْرَةِ مِنْ مَالِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ وَالإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا فَتَحَرَّكَ الجَبَلُ
حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِالحَضِيضِ، قَالَ: فَرَكضَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: "اسْكُنْ ثَبِيرُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِىٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ؟ " قَالُوا: اللَّهُمَّ، نَعَمْ. قَالَ: اللهُ أَكبَرُ شَهِدُوا لِي وَرَبِّ الكَعْبَةِ أنِّي شهِيدٌ ثَلاثًا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُثْمَانَ.
• قوله: "مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ"، أي: من الماءِ المالح الَّذي هو ماءُ البحر.
بَابُ حَدِيْثِ مَحْمُودِ بْن غَيْلَانَ عَنْ عَائِشَةَ
1902 -
(3706) - (5/ 629) حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ يْن مَوْهَبٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ البَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالُوا: قُرَيْشٌ. قَالَ: فَمَنْ هَذَا الشَّيْخُ؟ قَالُوا: ابْنُ عُمَرَ فَأَتَاه فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي، أَنْشُدُكَ اللهَ بِحُرْمَةِ هَذَا البَيْتِ أتَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: اللهُ أَكبَرُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ: أَمَّا فرَارُه يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللهَ قَدْ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَه أَوْ تَحْتَهُ ابْنهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَكَ أَجْرُ رَجُلٍ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمُهُ"، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْلُفَ عَلَيْهَا وَكَانَتْ عَلِيلَةً، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَانَ عُثْمَانَ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ إلى مَكَّةَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الْيُمْنَى: "هَذِه يَدُ عُثْمَانَ"، وَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ:"هَذِهِ لِعُثْمَانَ"، قَالَ لَهُ: اذْهَبْ بِهَذَا الَانَ مَعَكَ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "قَدْ عَفَا عَنْهُ"، أي: أنَّ اللهَ قد عَفَى عنه لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ
عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}
(1)
وبيعةُ عثمانَ خيرٌ من بيعةِ الدُّنْيا فإنَّ يدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خيرٌ من أيدى الدُّنْيا كُلِّها.
(1)
آل عمران: 155.
[بَابُ مَنَاقِب عَلِيِّ بْن أَبي طَالِب [رضي الله عنه]
1903 -
(3714) - (5/ 633) حَدَّثَنَا أَبُو الخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَتَّابٍ سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا المُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللهُ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَنِيَ ابْنَتَهُ، وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بلَالًا مِنْ مَالِهِ، رَحِمَ اللهُ عُمَرَ، يَقُولُ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، تَرَكَهُ الحَقُّ وَمَا لَهُ صَدِيَقٌ، رَحِمَ اللهُ عُثْمَانَ تَسْتَحْيِيهِ المَلَائِكَةُ، رَحِمَ اللهُ عَلِيًّا، اللَّهُمَّ أَدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَا مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَالْمُخْتَارُ بْنُ نَافِعِ شَيْخٌ بَصَرِيٌّ كَثِيْرُ الْغَرَائِبِ. وَأَبُوْ حَيَّانَ الْتَّيْمِيُّ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيْدٍ بنِ حَيَّانَ الْتَّيْمِيُّ: كُوْفِىٌّ وَهُوَ ثِقَةٌ.
• قوله: "تركَهُ الحَقُّ وَمَا لَهُ صَدِيقٌ": جملةُ "وَمَا لَهُ صَدِيْقٌ" حالٌ بالواو أي: جعَله الحَقُّ متروكاً على كُلِّ حَالٍ أنَّه ليسَ صديقٌ، بل كلُّهم يُعَادُونَه لمَرارَة الحَقِّ.
1904 -
(3715) - (5/ 634) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكيعٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْن حِرَاشٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالرَّحَبَةِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الحُدَيْبِيَةِ خَرَجَ إِلَيْنَا نَاسٌ مِنَ المُشْرِكينَ فِيهِمْ سُهَيْلُ بْن عمْرٍو وَأُنَاسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ المُشْرِكِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! خَرَجَ إِلَيْكَ نَاسٌ مِنْ أَبْنَائِنَا وَإِخْوَانِنَا وَأَرِقَّائِنَا وَلَيْسَ لَهُمْ فِقْهٌ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا خَرَجُوا فرَارًا مِنْ أَمْوَالِنَا وَضِيَاعِنَا فَارْدُدْهُمْ إِلَيْنَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِقْهٌ فِي الدِّينِ سَنُفَقِّهُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لتَنْتَهُنَّ أَوْ لَيَبْعَثَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ بِالسَّيْفِ عَلَى الدِّينِ، قَدِ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ عَلَى الإِيمَانِ". قَالُوا: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ وَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "هُوَ خَاصِفُ النَّعْلِ"، وَكَانَ أَعْطَى عَلِيًّا نَعْلَهُ يَخْصِفُهَا، قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا عَلِىٌّ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَه مِنَ النَّارِ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَا مِنْ حَدِيثِ رِبْعِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ، وَسَمِعْت الجَارُودَ يَقُوُل: سَمِعْتُ وَكيعًا، يَقُوُل: لَمْ يَكْذِبْ رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ فِي الإِسْلَامِ كذْبَةً، وأَخْبرنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي الأسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُوُل: مَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِرِ أَثْبَتُ أَهْلِ الكُوفَةِ.
• قوله: "يَخْصِفُهَا"، أي: يَخْرِزُها من الخَصْفِ وهو الضَّمُّ والجَمْعُ.
بَابُ حَدِيْثِ قُتَيْبَةَ عَنْ أَبى سَعِيدٍ الخُدْرىِّ
1905 -
(3717) - (5/ 635) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ:"إِنَّا كُنَّا لنَعْرِفُ المُنَافِقِينَ نَحْنُ مَعْشَرَ الأنْصَارِ بِبُغْضِهِمْ عَلِيَّ بْن أَبِي طَالِبٍ".
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيثٌ إنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هَارُونَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي أَبِي هَارُونَ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيد. حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنِ المُسَاوِرِ الحِمْيَرِيِّ عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوُل: "لا يُحِبُّ عَلِيًّا مُنَافِقٌ وَلا يَبْغَضُهُ مُؤْمِنٌ".
قَالَ: وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وعَبدُ الله بنُ عبدِ الرحمنِ هُوَ أبُو نَصرٍ الوَرَاقُ، ورَوَى عَنهُ سُفيانُ الثوريُ.
• قوله: "إِنْ كُنَّا": كلمةُ "إنْ" مخفَّفةٌ من الثَّقِيلةِ.
• قوله: "وَلا يَبْغَضُهُ مُؤْمِنٌ"، أي: ليسَ من شَأنِ المُؤمِن أن يُبْغِضُه، أي: لا يُبْغِضُه من غير وَجْهٍ. و أمَّا مَا جَرى ما بينَه وبينَ معاويةَ مِمَّا أوْجَب بينَهما نوعَ بُغضٍ، فذلك بسَببٍ فلا يخرُج بمِثْلِه أحدٌ عن الإيمانِ إن شاء اللهُ تعالى.
بَابُ حَدِيْثِ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَلِيٍّ
1906 -
(3724) - (5/ 638) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْن إِسْمَاعِيلَ عَنْ بُكَيْرِ بْن مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْن سَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَمَّرَ مُعَاوِيَةُ بْن أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابِ، قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَنْ أَسُبَّهُ لأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوُل لِعَلِيٍّ وَخَلَفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِىٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ! تُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لا نُبُوَّةَ بَعْدِي"، وَسَمِعْتُهُ يَقُوُل يَوْمَ خَيْبَرَ:"لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ"، قَالَ: فَتَطَاوَلْنَا لَهَا، فَقَالَ:"ادْعُوا لِي عَلِيًّا" فَأَتَاهُ وَبِهِ رَمَدٌ فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ، فَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآية {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ}
(1)
الآية، دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ:"اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلِي".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "أَمَّا مَا ذَكَرْتَ"، أي: ما دُمْتَ لنا ذاكرًا هذه الثَّلاثَ، وحَافظًا إيَّاها فلا أسُبُّه إمَّا لأنَّ كُلًّا من هذه الثَّلاثِ يُغْنِي عن سَبِّه، فكيفَ [186/ أ] أسُبُّه مع تذَكُّرها.
1907 -
(3725) - (5/ 638 - 639) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الأحْوَصُ بْنُ جَوَّابٍ أَبُو الجَوَّابِ عَنْ يُونُسَ بْن أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
(1)
آل عمران: 61.
البَرَاءِ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَيْشَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَلَى الآخَرِ خَالِدَ بْنَ الوَليدِ وَقَالَ: "إِذَا كَانَ القِتَالُ فَعَلِىٌّ" قَالَ: فَافْتَتَحَ عَلِىٌّ حِصنًا فَأَخَذَ مِنْهُ جَارِيَةً، فَكَتَبَ مَعِي خَالِدٌ كِتَابًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشِي بِهِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ الكِتَابَ فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، ثُمَّ قَالَ:"مَا ترى فِي رَجُلٍ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ"؟ قَالَ: قُلْتُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ وَغَضَبِ رَسُولهِ وَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ فَسَكَتَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلَا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• قوله: "يَشُوْءُ بهِ": صَواُبه "يَشِي به" قال الجوهريُّ: وَشَى به إلى السُّلْطان وِشَايَةً، أي: سَعَى
(1)
.
(1)
راجع: الصحاح وتاج اللغة لإسماعيل بن حماد الجوهري: 6/ 2524.
بَابُ حَدِيْثِ الحَسَنِ بْن الصَّبَّاح عَنْ سَعْدِ بْن المُسَيِّب
(1)
1908 -
(3753) - (5/ 650) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْن زَيْدٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعَا سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ، يَقُولُ: قَالَ عَلِيٌّ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَاهُ وَأُمَّهُ لِأحَدٍ إِلَّا لِسَعْدٍ، قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ:"ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي"، وَقَالَ لَهُ:"ارْمِ أَيُّهَا الغُلَامُ الحَزَوَّرُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيِّبِ عَنْ سَعْدٍ.
• قوله: "مَا جَمَعَ": مَبْنِيٌّ على العلم، أي: ما أعْلم أنَّه جمع كما سيجيئ في الحديثِ الثَّاني وإلا فقد سَبَق قريبًا أنَّه جمَع للزُّبَيْر أيضًا. والله أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَنَاقِبِ سعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه.
بَابُ مَنَاقِب سَعِيدِ بْن زَيْدِ بْن عَمْرو بْن نُفَيْل رضي الله عنه
1909 -
(3757) - (5/ 651 - 652) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ هِلَالِ بْن يَسَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن ظَالِم المَازِنِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن زَيْدِ بْن عَمْرِو بْن نُفَيْلٍ أَنَّهُ قال: أَشْهَدُ عَلى التِّسْعَةِ أَنَّهُمْ فِي الجَنَّةِ وَلوْ شَهِدْتُ عَلَى العَاشِرِ لَمْ آثَمْ، قِيلَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحِرَاءَ، فَقَالَ:"اثْبُتْ حِرَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ". قِيلَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِىٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، قِيلَ فَمَنِ العَاشِرُ؟ قَالَ: أَنَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ سَعِيدِ بْن زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنِ الحُرِّ بْن الصَّيَّاح، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الأخْنَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْن يَزِيْدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه بِمَعْنَاه. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "قِيلَ: وَمَنْ هُمْ؟ "، أي: الَّذِين كانُوا معَه على حِرَاء.
بَابُ حَدِيْثِ مُحَمَّدِ بْن بَشَّارٍ عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ
(1)
1910 -
(3764) - (5/ 654) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:"مَا احْتَذَى النِّعَالَ وَلا انْتَعَلَ وَلا رَكِبَ المَطَايَا وَلا رَكِبَ الْكُورَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَالْكُورُ: الرَّحْلُ.
• قوله: "أَفْضَلُ مِنْ جَعْفَرِ": لعلَّه أرادَ فَضْلًا خاصًّا في وَصْفٍ خَاصٍّ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه.
بَابُ حَدِيْثِ الحُسَيْن بْن حُرَيْثٍ
(1)
1911 -
(3774) - (5/ 658) حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيثٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْن وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَني عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ، يَقُوُل: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ المِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "صَدَقَ اللهُ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}
(2)
فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الحُسَيْنِ بْن وَاقِدٍ.
• قوله: "وَيَعْثُرَانِ"، [عَثَر في المَشْي إذَا زَلَّ] أي:[يَسْقُطَان] لصِغْرهِما.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما.
(2)
التغابن: 15.
بَابُ حَدِيْثِ عَبْد اللهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حُذَيْفَةَ
(1)
1912 -
(3786) - (5/ 662 - 663) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحَسَنِ عَنْ جَعْفَرِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوُل:"يَا إَّيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي".
قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَزَيْدِ بْن أَرْقَمَ، وَحُذَيْفَةَ بْن أَسِيدٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. قَالَ: وَزَيْدُ بْنُ الحَسَنِ قَدْ رَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ.
• قوله: "كتَابَ اللهِ": الأخذُ بكتاب اللهِ العملُ به، ويَنْدَرج العملُ بالسُّنَّة في العَمل بكتاب اللهِ؛ لأنَّ العملَ بالسُّنَّة مِمَّا وَرد به الكتابُ، أمَّا الأخذُ بأهل البيتِ فَلِمَحَبَّتِهم، ومَوَدَّتِهم، ومعرفةِ قَدْرِهم، لا بالعمل بأقْوالِهم إلا إذا كانَ معه دليلٌ شَرْعيٌّ. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
[بَابُ مَنَاقِب أَبى مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن أَبي طَالِب وَالْحُسَيْن بْن عَلِىِّ بْن أَبى طَالِب رضي الله عنهما]
1913 -
(3785) - (5/ 662) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنِ المُسَيِّبِ بْنِ نَجَبَةَ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَبَاءَ رُفَقَاءَ أَوْ رُقَبَاءَ وَأُعْطِيتُ أَنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ"، قُلْنَا: مَنْ هُمْ؟ قَالَ، "أَنَا وَابْنَايَ، وَجَعْفَرُ، وَحَمْزَة، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَبِلَالٌ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَالْمِقْدَادُ، وَحُذَيْفَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا.
• قوله: "قَالَ: أَنَا": هو عبارةٌ عن علِيٍّ فصارَ حكايةً لكلامِه صلى الله تعالى عليه وسلم بالمَعْنى.
1914 -
(3783) - (5/ 662 - 663) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازبٍ يَقُوُل: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاضِعًا الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ. وَهُوَ يَقُوُل: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيتِ الفُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ.
• قوله: "نُحِبُّهُ": بالنون ذكره عَبْدُ الغني.
مَنَاقِب مُعَاذ بْن جَبَل
(1)
(1)
لم يُذْكَرْ تحت هذا الباب أيُّ شرحٍ في المخطوط.
[بَابُ] مَنَاقِب أَبى ذَرٍّ [رضي الله عنه]
1915 -
(3801) - (5/ 669) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عُثْمَانَ بْن عُمَيْرٍ هُوَ أَبُو الْيَقْظَانِ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْن أَبِي الأسْوَدِ الدِّيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "مَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ وَلا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ".
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ. قَالَ: وهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
• قوله: "أَصْدَقَ
…
" إلخ، ليسَ المرادُ أنَّه فاضِلٌ في الصِّدْق على غيره حتَّى الأنبياء -عليهم الصَّلاة والسَّلام- بل المرادُ أنَّه بلَغ في الصِّدْق الغَايةَ والمرتبةَ الأعْلى منه بحيثُ لم يَكُنِ اللهُ يُفَضِّل عليه في وَصْفِ الصِّدْق، وهو لا يَمنَعُ المُساواةَ، وهذا مَبْنِيٌّ على أنَّ المساواةَ في وصفِ الصِّدْق مع الأنبياءِ جائزةٌ ولا بُعْدَ فيها عَقْلًا، أو المرادُ أنَّه لا يزيدُ عليه أحدٌ من جِنْسِه في الصِّدْق، وأمَّا الأنبياءُ فلا كلامَ فيهم، بل هم معلومٌ تَسْويَتُهم. والله تعالى أعلم.
[بَابُ] مَنَاقِب عَبْدِ اللهِ بْن سَلَامٍ [رضي الله عنه]
1916 -
(3803) - (5/ 670 - 671) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَيَّاةَ يَحْيَى بْن يَعْلَى بْن عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْن عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَخِي عَبْدِ اللهِ بْن سَلامٍ، قَالَ: لَمَّا أُرِيدَ قَتْلُ عُثْمَانَ جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَام، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَال: جِئْتُ فِي نَصْرِكَ، قَالَ: اخْرُجْ إِلَى النَّاس فَاطَرُدْهُمْ عَنِّي فَإِنَّكَ خَارِجًا خَيْرٌ لِي مِنْكَ دَاخِلًا، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: "أيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ كَانَ اسْمِي فِي الجَاهِلِيَّةِ فُلانٌ فَسَمَّانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللهِ، وَنَزَلَتْ فيَّ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ الله فَنَزَلَتْ فِيَّ {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
(1)
وَنَزَلَتْ فِيَّ {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}
(2)
إِنَّ لِله سَيْفًا مَغْمُودًا عَنْكُمْ، وَإِنَّ المَلأئِكَةَ قَدْ جَاوَرَتْكُمْ فِي بَلَدِكمْ هَذَا الَّذِي نَزَلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، اللهَ اللهَ فِي هَذَا الرَّجُلِ أَنْ تَقْتُلُوهُ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوه لتَطْرُدُنَّ جِيرَانَكُمُ المَلَائِكَةَ، وَلتَسُلُّنَّ سَيْفَ اللهِ المَغْمُودَ عَنْكُمْ فَلَا يُغْمَدُ عَنْكُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ"، قَالُوا: اقْتُلُوا اليَهُودِيَّ وَاقْتُلُوا عُثْمَانَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ المَلِكِ بْن غمَيْرٍ. وَقَدْ رَوَى شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْن عُمَيْرٍ، فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن سَلَامٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْن سَلامٍ.
(1)
الأحقاف: 10.
(2)
الرعد: 43.
• قوله: "فَإِنَّكَ خَارِجٌ
…
" إلخ، النُّسَخ فيه مختَلفةٌ بالرَّفْع والنَّصْب، فالنَّصْب ظاهرٌ، وأمَّا الرَّفْع فعلى أنَّه خبرُ مبتدأ، أي: وأنَّك خارجٌ، والجملةُ حالٌ. والله تعالى أعلم.
[بَابُ مَنَاقِب زَيْدِ بْن حَارِثَةَ [رضي الله عنه]
1917 -
(3813) - (5/ 675 - 676) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكيع، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زَيْدِ بْن أسْلمَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ فرَضَ لِأُسَامَةَ بْن زَيْدٍ فِي ثَلاثَةِ آلافٍ وَخَمْسِ مِائَةٍ، وَفَرَضَ لِعَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ فِي ثَلاثةِ آلافٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ لِأبِيهِ: لِمَ فَضَّلْتَ أُسَامَةَ عَلَيَّ؟ فَوَاللهِ مَا سَبَقَنِي إِلَى مَشْهَد. قَالَ: لِأنَّ زَيْدًا كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَبِيكَ، وَكَانَ أُسَامَةُ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ مِنْكَ، فَاَثَرْتُ حُبَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حُبِّي. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "فَاَثَرْتُ حِبَّ
…
" إلخ، حِبٌّ بمعنى الحَبيب، ويحتملُ ضَمَّ الحَاء
(1)
. والله تعالى أعلم.
1918 -
(3816) - (5/ 676 - 677) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتهِ فَقَدْ كنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ".
(1)
كما في نسخة أحمد شاكر للترمذي، وهو ما ذكر في المتن.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكِ بْن أَنَسٍ.
• قوله: "فِي إِمْرَتِهِ"
(1)
:- بكَسْر الهَمْزةِ- الإمَارةُ.
(1)
هكذا في المخطوط، وفي نسخة أحمد شاكر كما ذكر في متن الحديث.
[بَابُ مَنَاقِب أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه]
1919 -
(3840) - (5/ 686) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ المُرَابطِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن رَافِعٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأبَي هُرَيْرَةَ لِمَ كنِّيتَ أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ أَمَا تَفْرَقُ مِنِّي؟ قُلْتُ: بَلَى وَاللهِ إِنِّي لأهَابُكَ، قَالَ: كنْتُ أَرْعَى غَنَمَ أَهْلِي فَكَانَتْ لِي هُرَيْرَةٌ صَغِيرَةٌ فَكُنْتُ أَضَعُهَا بِاللَّيْلِ فِي شَجَرَةٍ، فَإِذَا كَانَ النَّهَارُ ذَهَبْتُ بِهَا مَعِي فَلَعِبْتُ بِهَا فَكَنَّوْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "أَمَا تَفْرَقُ مِنِّي؟ "، أي: أمَا تَخَافُني حتَّى تقدم على السُّؤال عن أمثالِ هذه الأشْياء.
مَنَاقِبُ مُعَاويَةَ وَمُصْعَب بْن عُمَيْر
(1)
1920 -
(3853) - (5/ 692) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابِ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَىَ اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا، وَإِنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ إلا ثَوْبًا، كَانُوا إِذَا غَطَّوْا بِهِ رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غُطِّي بِها رِجْلَاهُ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"غَطُّوا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الإِذْخِرَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْن سَلَمَةَ عَنْ خَبَّابِ بْن الأرَتِّ نَحْوَه.
• قوله: "مَنْ أيْنَعَ [لَه] الثَّمَرُ"
(2)
: -بتَقْدِيم الياءِ على النُّوْن- إذا أدْرَكَ ونَضِجَ.
(1)
هكذا في المخطوط، وفي نسخة أحمد شاكر بصيغة التأنيث كما ذكر في متن الحديث.
(2)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ: فَضْلُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
[بَابٌ] فِى فَضْل مَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
1921 -
(3860) - (5/ 695) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "مِمَّنْ بَايَعَ"، أي: مِنَ المؤمنين، فلا يُشْكل الكلامُ بمَنْ كان فيهم من المُنافقين كصَاحب الجَمل الأحمر.
[بَابٌ]
1922 -
(3866) - (5/ 697) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَسُبُّونَ أَصْحَابِي فَقُولُوا: لَعْنَةُ اللهِ عَلَى شَرِّكُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالنَّضْرُ مَجْهُوْلٌ وسَيْفٌ مَجْهُوْدٌ.
• قوله: "لَعْنَةُ اللهِ عَلَى شَرِّكُمْ": الخِطاب للصَّحابَةِ بطريقِ التَّغْلِيب.
[بَاب فَضْلُ فَاطِمَةَ بنْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهمَا وَسَلَّمَ]
1923 -
(3872) - (5/ 700) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَيْسَرَةَ بْن حَبِيبٍ، عَنِ المِنْهَالِ بْن عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلًّا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللهِ فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا، فَلَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَتْ فَاطِمَةُ فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ فَقَبَّلَتْهُ ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَبَكَتْ، ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَضَحِكَتْ"، فَقُلْتُ: إِنْ كنْتُ لأَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَعْقَلِ نِسَائِنَا فَإِذَا هِيَ مِنَ النِّسَاءِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ لَهَا: أَوَأَيْتِ حِينَ أَكْبَبْتِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَبَكَيْتِ ثُمَّ أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فضَحِكتِ، مَا حَمَلكِ عَلى ذلِكَ؟ قالتْ: إِنِّي إِذًا لبَذِرَةٌ أخْبَرَنِي أنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجعِهِ هَذَا فَبَكَيْتُ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي أنِّي أَسْرَعُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ فَذَاكَ حِينَ ضَحِكْتُ.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَائِشَةَ.
• قوله: "فبَذِرَةٌ": قال الهِرَوِيُّ: البَذِرُ الَّذِين يُفْشُوْنَ ما يَسْمعُوْن من السِّرِّ
(1)
.
(1)
راجع: تهذيب اللغة: 14/ 427.
1924 -
(3874) - (5/ 701) حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْن حَرْبٍ عَنْ أَبِي الجَحَّافِ، عَنْ جُمَيْعِ بْن عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَمَّتِي عَلَى عَائِشَةَ فَسُئِلَتْ أيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: "فَاطِمَةُ"، فَقِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَتْ: "زَوْجُهَا"، إِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا.
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ: وَأَبُو الجَحَّافِ اسْمُهُ: دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَوْفٍ، وَيُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو الجَحَّافِ وَكَانَ مَرْضِيًّا.
• قوله: "زَوْجُهَا، إِنْ كَانَ
…
" إلخ، كلمةُ "إنْ" إمَّا وَصْليَّة، و"مَا" نافيةٌ أي: هو أحَبُّ وإن كان ما عَلِمْتُه بكثرةِ الصَّلاةِ والصَّوْم. و"إن" مخَفَّفةٌ من المُثَقَّلةِ، و"مَا" موصولةٌ، أي: أنَّ الشَّأن كان هو، أي: زَوْجها ما علمتُه صوَّامًا وقوَّامًا. والله تعالى أعلم.
1925 -
(3877) - (5/ 702 - 703) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدَة عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُوُل: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُويلِدٍ وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بْنَتُ عِمْرَانَ".
قَالَ: وفي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "نسائها": أي: نساءِ الجَنَّةِ أو الأمَّة.
فِى فَضْلِ عَائِشَةَ
1926 -
(3883) - (5/ 705) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ سَلَمَةَ المَخْزُوميُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَن أَبِي مُوسَى، قَالَ:"مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم": -بالنَّصْب- بيانُ ضمير "عَلَيْنَا"، أي: أعْنِي أصحابَ. و"حَدِيْثٌ": -بالرَّفْع- فاعلُ "أشْكَلَ"، أي: ما اشْتَبَه حديثٌ علينا.
فِى فَضْل أَزْوَاجِه صلى الله عليه وسلم
(1)
1927 -
(3893) - (8/ 705 - 709) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِد بْن عَثْمَةَ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْن يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، عَنْ هَاشِمِ بْن هَاشِمٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ وَهْبِ بْن زَمْعَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا فَاطِمَةَ عَامَ الفَتْحِ فَنَاجَاهَا فَبَكَتْ ثُمَّ حَدَّثَهَا فَضَحِكَتْ، قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهَا عَنْ بُكَائِهَا وَضحكِهَا، قَالَتْ: أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَمُوتُ فبَكَيْتُ، ثمَّ أخْبَرَنِي أَنِّي سَيِّدَةُ نِسَاءِ أهْلِ الجَنَّةِ إِلَّا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ فَضَحِكْتُ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
1928 -
(3894) - (5/ 709) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ: بِنْتُ يَهُودِيٍّ، فَبَكَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ:"مَا يُبْكِيكِ"؟ فَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ: إِنِّي بِنْتُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَإِنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟ "، ثُمَّ قَالَ:"اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ". قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
• "قَالَتْ"، أي: في صَفِيَّة أنتِ ابنةُ يَهُودِيٍّ، أي: هي بنتُ يَهُودِيٍّ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ: فَضْلُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• قوله: "أَنَّهُ يَمُوتُ"، أي: عن قريبٍ.
1929 -
(3895) - (5/ 709) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأهْلِي وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.
• قوله: "وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ": قيل: خطابٌ لأهله، وأراد بـ "صَاحِبكُمْ" نفسَه، أي: اتْرُكُوْا التَّحَسُّر والتَّلَهُّفَ فإنَّ اللهَ خلفٌ عن كُلِّ فائتٍ، فكأنَّه لمَّا قال:"أنَا خَيْرَكُمْ لأهْلِيْ" دعاهم إلى التأسُّف بفَقْدِه، فأراحَ ذلك بما ذكر.
وقيل: معناه إذا متُّ فدَعُوني ولا تُؤْذُوني بإيذاءِ عِتْرتِي وأهل بيتي، وعلى هذا الخطابُ لغير الأهل. وقيل: يعني ليُحْسِنَ كلُّ واحدٍ منكم فاترُكوا ذكرَ مَسَاويه، أو اتركوا محَبَّته بعدَ الموتِ ولا تَبْكُوْا عليه.
1930 -
(3896) - (5/ 710) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الوَليدِ، عَنْ زَيْدِ بْن زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُبَلِّغُنى أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ"، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَالٍ فَقَسَّمَهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَجُلَيْنِ جَالِسَيْنِ وَهُمَا يَقُولانِ: وَاللهِ مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِقِسْمَتِهِ الَّتِي قَسَمَهَا وَجْهَ اللهِ وَلا الدَّارَ الآخِرَةَ، فَتَثبَّتُّ حِينَ
سَمِعْتُهُمَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخْبَرتُهُ فَاحْمَرَّ وَجْهُهُ وَقَالَ:"دَعْنِي عَنْكَ فَقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَقَدْ زِيدَ فِي هَذَا الإِسْنَادِ رَجُلٌ.
• قوله: "فَتَثَبَّتُّ": ضَبَطَه بعضُهم على بناءِ المفعولِ، وقال بعضُ الفُضَلاء الأظْهُرْ أنَّه على بناءِ الفاعَل من نَثَا الخبَرَ: أشاعَه.
[بَابٌ فِى] فَضْلِ الأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ
1931 -
(3901) - (5/ 712 - 713) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: "هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ"؟ قَالُوا: لَا، إِلَّا ابْنَ أُخْتٍ لَنَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ ابْنَ أُخْتِ القَوْم مِنْهُمْ"، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أنْ أَجْبرهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى بُيُوتكُمْ؟ " قَالُوا: بَلَى! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• قوله: "وَمُصِيبَة": هي ما وَقَع عليهم من القَتْل والأخْذ.
1932 -
(3903) - (5/ 714) حَدَّثَنَا عَبْدَة بْنُ عَبْدِ اللهِ الخُزَاعِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ البُنَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "أَقْرِئْ قَوْمَكَ السَّلامَ فَإِنَّهُمْ مَا عَلِمْتُ أَعِفَّةٌ صُبُرٌ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "مَا عَلِمْتُ": "مَا" موصولةٌ مبتدأ، و الخبرُ محذوفٌ، أي: هذا، أو المبتدأ محذوفٌ، أي: هذا الذي علِمْتُه، والجملةُ معترضةٌ.
1933 -
(3904) - (5/ 714) حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيثٍ، حَدَّثَنِي الفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ زَكرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَلَا إِنَّ عَيْبَتِيَ الَّتِي آوِي إِلَيْهَا أَهْلُ بَيْتِي، وَإِنَّ كَرِشِيَ الأَنْصَارُ، فَاعْفُوا عَنْ مُسِيئهِمْ، وَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ".
قَالَ أبُوْ عِيْسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ: وفي البَابِ عَنْ أَنَسٍ.
• قوله: "عَيْبَتِيَ": العَيْبَةُ -بفَتْح، وتَحْتِيةٍ ساكنةٍ، فمُوَحَّدةٍ- ما يُجْعَل فيه أفضلُ الثِّيابِ، ومن الرَّجُل موضعُ سِرِّه.
• و"الْكَرِشُ": - بكَسْر الكاف، وسكون الرَّاء، أو بفتح الكاف، في كسر الرَّاء - لكل حيوانٍ يَجْترُّ كالمعدة للإنسان، والكَرْش: الجماعة أيضًا.
مَا جَاءَ فِى فَضْلِ المَدِينَةِ وَفَضْلِ اليَمَنِ وَثَقِيفٍ وَبَنِي حَنِيفَةَ
(1)
1934 -
(3955) - (5/ 734) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الجُعَل الَّذِي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بأَنْفِهِ، إنَّ اللهَ أذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ، إِنّمَا هُوَ مُؤْمِن تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرابٍ". قَالَ: وفي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أبُوْ عِيْسَى: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
• قوله: "مِنْ جُعَل": هو -بضَمٍّ جِيم وفَتْح عَيْنٍ- دُوَيْبَةٌ سوداءُ معروفةٌ.
• "يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ"، أي: تُدِيْره.
• و"عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ": - بضَمِّ عَيْنِها وتكسر، وتشديدِ الباء والياء - أي: تَكَبُّرُ الجاهلِيَّةِ.
• قوله: "بَلَهْتَ"
(2)
: يقال: رجل أبْلَه بَيِّنَ البُلْهِ والبَلاهَة وهو الذي غلَبَتْ عليه سَلامةُ الصَّدْر، والأبْلَه الذي طُبع على الخَيْر وهو غافلٌ عن الشَرِّ ومنه الحديثُ.
(1)
في نسخة أحمد شاكر للترمذي: بَابٌ فِي فَضْلِ الشَامِ واليَمَنِ.
(2)
هكذا في المخطوط ولكن لاتوجد هذه الكلمة في نسخة أحمد شاكر في أيِّ حديث من الأحاديث.
انتهى ما وُجِد بطرز سنن الترمذي للشيخ أبي الحسن السندي، ولله الحمدُ على التَّمام، وكان الفراغُ من هذه النُّسْخةِ الشَّريفَةِ يومَ الثُّلاثَاء، الثَّالث من شهر صفر من شهور سنة 1180 النَّبويَّةِ على صاحبها أفضلُ الصَّلاة والسَّلام. آمين.
فهرس المراجع
1 -
القرآن الكريم.
2 -
الإبهاج في شرح المنهاج: لشيخ الإسلام علي بن عبد الكافي السبكي (ت: 756 هـ)، تحقيق: الدكتور شعبان محمد إسماعيل، ط: مكتبة الكليات الأزهرية، الأولى.
3 -
إحكام الأحكام في شرح عمدة الأحكام: للإمام العلامة، الفقيه المجتهد تقي الدين ابن دقيق العيد (625 - 702)، ط: مكتبة السُنَّة المحمدية.
4 -
إكمال المعلم بفوائد مسلم: للإمام الحافظ أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (ت: 544 هـ)، تحقيق الدكتور يحيى إسماعيل، ط: دار الوفاء للطباعة والنشر، الأولى: 1419 هـ = 1998 م
5 -
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضنمنه "الموطأ" من معاني الرأي والآثار، وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار: للإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الأندلسي (368 - 463)، تخريج الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، ط: دار قتيبة للطباعة والنشر - بيروت، ودار الوعي - القاهرة، الطبعة الأولى.
6 -
الاستيعاب في معرفة الأصحاب: للعلامة أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي (368 - 463)، ط: دار الفكر، بيروت - لبنان.
7 -
الأعلام: لخير الدين الزركلي، ط: دار الملايين، الخامسة، عام:2002.
8 -
الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب: للأمير أبي نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر، الشهير بـ"ابن ماكولا"، (ت: 475 هـ = 1082 م)، ط: دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.
9 -
البحر الرائق شرح كنز الدقائق: للإمام العلامة الشيخ زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بـ"ابن نجيم" المصرى الحنفي، (ت: 970 هـ)، ط: دار الكتب العلمية، الأولى: 1418 هـ = 1997 م.
10 -
البداية والنهاية: للإمام الحافظ المؤرخ أبي الفداء إسماعيل بن كثير (701 - 774 هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط: دار هجر للطباعة والنشر، الأولى: 1417 هـ = 1997 م.
11 -
البدو الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: للقاضي العلامة شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني (ت: 1250 هـ)، ط: دار الكتاب الإسلامي القاهرة.
12 -
تاج التراجم: للشيخ أبي الفداء زين الدين قاسم بن قطلوبغا السودوني (ت 879 هـ)، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، ط: دار القلم للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الأولى، سنة: 1413 هـ 1992 م.
13 -
تاج العروس من جواهر القاموس: للسيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي ط: حكومة الكويت.
14 -
تاريخ بغداد مدينة السلام: للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، (392 - 463 هـ)، تحقيق: الدكتور بشار عواد المعروف، ط: دار الغرب الإسلامي، الأولى، سنة: 1422 هـ = 2001 م.
15 -
تذكرة الحفاظ: للإمام أبي عبد الله شمس الدين الذهبي (ت: 748 هـ)، ط: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
16 -
التاريخ الصغير: للإمام الحافظ أمير المؤمنين في الحديث أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت: 256 هـ)، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، ط: دار المعرفة، بيروت - لبنان، الأولى، سنة: 1406 هـ = 1986 م.
17 -
التاريخ الكبير: للإمام الحافظ أمير المؤمنين في الحديث أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت: 256 هـ)، ط: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
18 -
تفسير الطبري جامع البيان عن تفسير آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224 - 310 هـ)، تحقيق: الدكتور عبد بن عبد المحسن التركي، ط: دار هجر، الثانية: 1422 هـ= 2002 م.
19 -
تقريب التهذيب: للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 - 852 هـ)، تحقيق: أبو الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني، ط: دار العاصمة.
20 -
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: للإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي (368 - 463 هـ).
21 -
تهذيب الكمال في أسماء الرجال: للحافظ المتقن جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي (654 - 742 هـ)، تحقيق: الدكتور بشار عواد المعروف، ط: مؤسسة الرسالة، الثانية، 1403 هـ = 1983 م.
22 -
تهذيب اللغة: لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (282 - 370 هـ)، ط: الدار المصرية العامة للتأليف والترجمة.
23 -
التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح: للإمام العلامة أبي عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (ت: 794 هـ)، تحقيق محمد علي الحكمي، ط: مكتبة الرشد - السعودية، الأولى: 1424 هـ = 2003 م.
24 -
الجامع لشعب الإيمان: للإمام الحافظ أبي بكر بن أحمد بن الحسين البيهقي (384 - 458 هـ)، تحقيق: الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد، ط: مكتبة الرشد، الأولى: 1423 هـ = 2003 م.
25 -
خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: لمحمد أمين بن فضل الله بن محمد المحبي الحموي الدمشقي (ت: 1111 هـ).
26 -
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: للشيخ حافظ العصر شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد العسقلاني (ت: 852 هـ)، ط: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.
27 -
الروض الأنف: للإمام أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن الخثعمي السهيلي (ت: 581 هـ)، ط: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، الأولى.
28 -
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر: للمؤرخ الأديب أبي الفضل محمد خليل المرادي.
29 -
سنن الدارقطني: للإمام الحافظ علي بن عمر الدارقطني (ت: 385 هـ)، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوص، ط: دار المعرفة بيروت، لبنان، الأولى: 1422 هـ = 2001 م.
30 -
السنن الكبرى: للإمام أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت: 457 هـ)، تحقيق محمد عبد القادر عطا، ط: دار الكتب العلمية، الثانية: 1424 هـ = 2003 م.
31 -
سنن ابن ماجة: للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني (209 - 273 هـ)، ط: دار ابن حزم الأولى، سنة: 1422 هـ = 2001 م.
32 -
سنن أبي داود: للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (202 - 275 هـ)، ط: دار ابن حزم الأولى، سنة: 1410 هـ = 1998 م.
33 -
سنن الترمذي: للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (209 - 279 هـ)، ط: دار ابن حزم الأولى، سنة: 1422 هـ = 2002 م.
34 -
سنن النسائي: للإمام الحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن دينار النسائي (215 - 303 هـ)، ط: دار ابن حزم الأولى، سنة: 1420 هـ = 1999 م.
35 -
سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي (ت: 911 هـ)، وحاشية الإمام السندي (ت: 1138 هـ)، ط: دار المعرفة بيروت - لبنان.
36 -
سير أعلام النبلاء: للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت: 748 هـ = 1374 م)، ط: مؤسسة الرسالة، الأولى، والثانية، سنة: 1401 هـ = 1981 م، 1402 هـ = 1982 م.
37 -
شذرات الذهب في أخبار من ذهب: للإمام شهاب الدين أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري، الحنبلي، الدمشقي:(1032 - 1089 هـ)، تحقيق: محمود الأرناؤوط، ط: دار ابن كثير، دمشق - بيروت، الأولى، سنة: 1414 هـ = 1993 م.
38 -
شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك بن أنس: للإمام محمد بن عبد الباقي بن يوسف المصري الأزهري الشهير بالزرقاني (ت: 112 هـ)، ط: المطبعة الخيرية.
39 -
شرح فتح القدير: للإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي، المعروف بـ"ابن الهمام" الحنفي (ت: 861 هـ)، ط: دار الكتب العربية بيروت - لبنان، الأولى: 1424 هـ = 2003 م.
40 -
شرح معاني الآثار: للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي، الحجري، المصري، الطحاوي، الحنفي (229 - 321 هـ)، تحقيق: محمد زهري النجار، محمد سيد جاد الحق، ط: عالم الكتب، الأولى: 1414 هـ = 1994 م.
41 -
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: للإمام اللغوي إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفوو عطار، ط: دار العلم للملايين، بيروت، الأولى: 1399 هـ = 1979 م.
42 -
صحيح ابن خزيمة: للإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (223 - 311 هـ)، تحقيق: الدكتور مصطفى الأعظمي، ط: المكتب الإسلامي.
43 -
صحيح البخاري: للإمام الحافظ الحجة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256 هـ)، ط: دار ابن حزم الأولى، سنة: 1424 هـ = 2003 م.
44 -
صحيح مسلم: للإمام الحافظ أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (204 - 261 هـ)، ط: دار ابن حزم الأولى، سنة: 1423 هـ = 2002 م.
45 -
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع: للشيخ المؤرخ الناقد شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت: 902 هـ)، ط: دار الجيل، بيروت، الأولى، سنة: 1412 هـ = 1992 م.
46 -
طبقات الحفاظ: للإمام الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849 - 911 هـ)، ط: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الأولى، سنة: 1402 هـ = 1983 م.
47 -
طبقات الحنابلة: للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى الفراء البغدادي الحنبلي (451 - 525 هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الرحمن بن سليمان، الطبعة الثانية: 1419 هـ = 1999 م.
48 -
طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي بن الكافي السبكي (727 - 771 هـ)، ط: دار إحياء الكتب العربية، الأولى.
49 -
طرح التثريب في شرح التقريب: للحافظ زين الدين أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي (725 - 806 هـ)، ط: دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان.
50 -
عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: للإمام الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله، المعروف بـ"ابن العربي" المالكي (ت: 543 هـ)، ط: دار الكتب العلمية، الأولى: 1418 هـ = 1997 م.
51 -
العبر في خبر من غبر: لمؤرخ الإسلام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد عثمان الذهبي، (ت: 748 هـ = 1347 م)، ط: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الأولى، سنة: 1405 هـ = 1985 م.
52 -
عجائب الآثار في التراجم والأخبار: للعلامة عبد الرحمن بن حسن الجبرتي، ط: دار الجيل، بيروت - لبنان، الثانية، سنة: 1978 هـ.
53 -
عمدة القاري شرح صحيح البخاري: للإمام العلامة بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني (ت: 855 هـ)، ط: دار الكتب العلمية، الأولى: 1421 هـ = 2001 م.
54 -
غريب الحديث: للإمام أبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي (ت: 388 هـ)، تحقيق: عبد الكريم إبراهيم العزباوي، ط: دار الفكر - دمشق، الأولى: 1402 هـ = 1982 م.
55 -
غريب الحديث: للشيخ الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت: 224 هـ)، ط: مجمع اللغة العربية جمهورية مصر العربية.
56 -
الفائق في غريب الحديث: للعلامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق: محمد علي الجاوي، محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية.
57 -
فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 - 852 هـ)، تحقيق: عبد القادر شيبه الحمد، طبع بنفقة صاحب السمو الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود.
58 -
فتح الودود في شرح سنن أبي داود: للشيخ العلامة أبي الحسن الكبير السندي (ت: 1138 هـ)، تحقيق: محمد زكي الخولي، ط: دار لينة للنشر والتوزيع، مصر، الأولى، سنة: 1421 هـ = 2000 م.
59 -
فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات: للشيخ العلامة عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، ط: دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان، الثانية، سنة: 1402 هـ = 1982 م.
60 -
فوات الوفيات: للشيخ محمد بن شاكر الكتبي (ت: 764 هـ)، تحقيق: الدكتور إحسان عباس، ط: دار صادر، بيروت - لبنان.
61 -
القاموس المحيط: للعلامة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت: 817 هـ)، ط: مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، الثامنة: 1426 هـ = 2005 م.
62 -
قوت المغتذي على جامع الترمذي: للإمام جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر السيوطي (ت: 911 هـ)، رسالة قدمت لنيل شهادة الدكتوراه إلى جامعة أم القرى سنة 1424 هـ، إعداد: ناصر بن محمد بن حامد الغريبي.
63 -
الكاشف عن حقائق السنن: للإمام شرف الدين الحسين بن عبد الله بن محمد الطيبي (ت: 742 هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الحميد هنداوي، ط: مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الأولى: 1417 هـ = 1997 م.
64 -
الكامل في التاريخ: للعلامة المؤرخ أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني، المعروف بابن الأثير، (ت: 630 هـ)، تحقيق: أبي الفداء عبد الله القاضي، ط: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الأولى، سنة: 1407 هـ = 1987 م.
65 -
كتاب السنن: للإمام الحافظ سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي (ت: 227 هـ)، تحقيق: الأستاذ حبيب الرحمن الأعظمي، ط: الدار السلفية، الأولى: 1403 هـ = 1982 م.
66 -
كتاب الضعفاء الصغير: للإمام الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري (ت: 256 هـ)، محمود إبراهيم زايد، ط: دار المعرفة بيروت - لبنان، الأولى: 1406 هـ = 1986 م.
67 -
كتاب الطبقات الكبير: لمحمد بن سعد بن منيع الزهري، (ت:230 هـ)، تحقيق الدكتور علي محمد عمر، ط: مكتبة الخانجي، القاهرة، الأولى، سنة: 1421 هـ = 2001 م.
68 -
كتاب العين: لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 - 175 هـ)، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، والدكتور إبراهيم السامرائي.
69 -
كتاب الفروع: للعلامة شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي (ت: 763 هـ)، ط: بيت الأفكار الدولية.
70 -
كتاب المجموع شرح المهذب للشيرازي: للإمام أبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، تحقيق: محمد نجيب المطيعي، ط: مكتبة الإرشاد، جدة.
71 -
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: للعلامة جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (467 - 538 هـ)، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض، ط: مكتبة العبيكان، الأولى: 1418 هـ = 1998 م.
72 -
كشف المشكل من حديث الصحيحين: للإمام أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (ت: 597 هـ)، تحقيق: علي حسين البواب، ط: دار الوطن - الرياض.
73 -
كنز العمال في سنن الأقوال الأعمال: للعلامة علاء الدين العلي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري (ت: 975 هـ)، ط: مؤسسة الرسالة، الخامسة: 1405 هـ = 1985 م.
74 -
الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة: للشيخ نجم الدين محمد بن محمد الغزي، المتوفى:(1061 هـ)، ط: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الأولى، سنة: 1418 هـ = 1997 م.
75 -
لسان الميزان: للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 - 852 هـ)، الاعتناء: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ط: مكتب المطبوعات الإسلامية، الأولى، سنة: 1423 هـ = 2002 م.
76 -
اللباب في تهذيب الأنساب: للعلامة ابن الأثير الجزري، (ت: 630 هـ)، ط: مكتبة المثنى، بغداد.
77 -
المتواري على أبواب البخاري: للإمام العلامة ناصر الدين ابن المنير (ت: 683 هـ)، تحقيق: علي حسن علي عبد الحميد، ط: المكتب الإسلامي بيروت، ودار عمار، الأردن، الأولى: 1411 هـ = 1990 م.
78 -
مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار: للعلامة اللغوي محمد طاهر الصديقي الهندي الفتني الكجراتي (ت: 986 هـ = 1578 م)، ط: مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدرآباد، دكن، الهند.
79 -
مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود: للإمام الحافظ أبي الفضل جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (849 - 911 هـ)، ط: دار ابن حزم، الأولى: 1433 هـ = 2016 م.
80 -
المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: للإمام الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر أبي عيسى المديني الأصفهاني (ت: 581 هـ)، تحقيق: عبد الكريم العزباوي، ط: جامعة أم القرى - مكة المكرمة، الثانية: 1426 هـ = 2005 م.
81 -
المستدرك على الصحيحين: للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط: دار الكتب العلمية بيروت، الثانية: 1422 هـ = 2002 م.
82 -
مسند أبي عوانة: للإمام الجليل أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الأسفرائيني (ت: 316 هـ)، تحقيق: أيمن بن عارف الدمشقي، ط: دار المعرفة بيروت، الأولى: 1419 هـ = 1998 م.
83 -
مسند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه (ت: 241 هـ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ط: دار الكتب العلمية، الأولى: 1429 هـ = 2008 م.
84 -
مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، عادل مرشد، ط: مؤسسة الرسالة.
85 -
مسند الإمام الشافعي رضي الله عنه (ت: 204 هـ)، ط: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
86 -
مشاهير علماء الأمصار: للإمام أبي حاتم محمد بن أحمد بن حبان البستي (ت: 354 هـ)، ط: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الأولى، سنة: 1416 هـ = 1995 م.
87 -
مشكاة المصابيح: للخطيب التبريزي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، ط: المكتب الإسلامي بيروت، الثانية: 1399 هـ = 1979 م.
88 -
المصنف: للإمام الحافظ أبي بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة (159 - 235 هـ)، تحقيق: حمد بن عبد الله الجمعة، محمد بن إبراهيم اللحيدان، ط: مكتبة الرشد، الأولى: 1425 هـ = 2004 م.
89 -
معالم السنن: للإمام أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي (ت: 388 هـ)، طبَعه محمد راغب الطباخ في مطبعته العلمية بحلب، الطبعة الأولى: 1352 هـ = 1933 م.
90 -
المعجم الكبير: للإمام أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (260 هـ - 360 هـ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، ط: مكتبة ابن تيمية القاهرة.
91 -
معجم المؤلفين: لمؤلفه عمر رضا كحالة، ط: مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، الأولى، سنة: 1414 هـ = 1993 م.
92 -
معرفة السنن والآثار: لشيخ المحدثين أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (384 - 458 هـ)، ط: دار الوفاء - القاهرة، الأولى: 1412 هـ = 1991 م.
93 -
المغرب في ترتيب المعرب: للإمام اللغوي أبي الفتح ناصر لدين المطرزي (538 - 610 هـ)، تحقيق: محمود فاخوري، عبد الحميد مختار، ط: مكتبة أسامة بن زيد - سوريا، الأولى: 1399 هـ = 1979 م.
94 -
نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر: للمؤرخ الكبير العلامة عبد الحي بن فخر الدين الحسيني، (ت: 1341 هـ)، ط: دار ابن حزم، الأولى، سنة: 1420 هـ = 1990 م.
95 -
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: للعلامة أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي، (ت: 597 هـ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ط: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الأولى، سنة: 1412 هـ = 1992 م.
96 -
المنتقى شرح موطأ الإمام مالك: للقاضي أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي (ت: 494 هـ)، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الأولى: 1420 هـ = 1999 م.
97 -
المواهب اللدنية: للعلامة أحمد بن محمد القسطلاني (851 - 923 هـ)، تحقيق: صالح أحمد الشامي، ط: المكتب الإسلامي، الثانية: 1425 هـ = 2004 م.
98 -
الموطأ: لإمام دار الهجرة النبوية مالك بن أنس رحمه الله (93 - 179 هـ)، تحقيق: أبو أسامة سليم بن عيد الهلالي السلفي، ط: مجموعة الفرقان التجارية.
99 -
نصب الراية لأحاديث الهداية: للإمام الحافظ جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الحنفي الزيلعي (ت: 762 هـ)، ط: مؤسسة الريان، الأولى: 1418 هـ = 1997 م.
100 -
النهاية الجزرية في غريب الحديث والأثر: للإمام مجد الدين المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير، تحقيق: الدكتور أحمد بن محمد الخراط، من طبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامة، دولة قطر.
101 -
نهاية السول في خصائص الرسول: للإمام مجد الدين أبي الخطاب المعروف بـ"ابن دحية" الكلبي (544 - 633 هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الله عبد القادر الشيخ محمد نور الفادني، ط: وزارة الشؤون الإسلامة دولة قطر، الأولى: 1416 هـ = 1995 م.
102 -
نهاية المطلب في دراية المذهب: لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت: 419 - 478 هـ)، تحقيق: الدكتور عبد العظيم محمود الديب، ط: دار المنهاج بيروت - لبنان، الأولى: 1428 هـ = 2007 م.
103 -
وفيات الأعيان وإنباء أبناء الزمان: للعلامة أبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (608 - 681 هـ)، تحقيق: الدكتور إحسان عباس، ط: دار صادر، بيروت - لبنان.
104 -
الوافي بالوفيات: للشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، (ت: 764 هـ)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط، ط: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الأولى، سنة: 1420 هـ = 2000 م.