الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله رب العالمين القائل {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] والقائل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]
والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه
(1)
وبعد:
فقد اطلعت على مقال منشور في مجلة جون أفريك الفرنسية في عددها 2057 وتاريخ 13/ 6/ 2000 م للكاتب محمد طالبي
(2)
، والمعنون بـ (كل ما يتضمنه القرآن يدعو إلى حرية الفكر).
وقد تعرض الكاتب لعدد من المسلمات في الشريعة الإسلامية فردّها واستهجنها؛ لأنها على حد زعمه لا تتفق مع حرية الفكر التي ينص القرآن بكل وضوح عليها، ويرى أن الأخذ بما عليه السلف جمود وعبودية.
ومما جاء في المقال المذكور: «إنه لمن المخجل أن يدافع عدد من الدول الإسلامية عن عقوبة الإعدام، ليس فقط لجرائم فظة يكون لها ما يبررها، ولكن أيضاً لجرائم الفكر والضمير» ويقول: «إن كل ما في القرآن يدعو إلى حرية الفكر، وإنه رحمة ورأفة وكل شيء في القرآن يدعو إلى العفو، وكل الشريعة التي هي من عمل الإنسان تركز على استخدام العنف» .
(1)
أخرجه أبو داود 4/ 200 من حديث المقدام بن معد يكرب، دار الفكر، تحقيق محمد محيي الدين. وأخرجه الإمام أحمد في المسند، 28/ 410، رقم الحديث (17174)، وابن عبد البر في التمهيد 4/ 149 و 150.
قال الألباني، وشعيب الأرناؤوط إسناده صحيح انظر المسند، تحقيق الأرناؤوط وآخرون، 28/ 410، رقم الحديث (17174)، سلسلة الأحاديث الصحيحة 6/ 2/ 870 و 871.
(2)
محمد طالبي وزير سابق في الحكومة التونسية، ثم استوطن فرنسا.
ويقصد بحرية الفكر، حرية التدين بالنسبة للمسلمين، واستشهد بقوله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] حيث يستنكر قتل المرتد عن الإسلام، ويقول:«فالتطرف الديني ينتشر بسرعة عندما يهيء الفقر المادي والفكري الظروف الملائمة له، خاصة أن له رعاة أغنياء وكرماء في الوقت الذي لا يملك فيه الإسلام الحديث لا الوسائل ولا المال أو وسائل التعبير» .
ويقول (فالسنة التي يجب التحقق من صحتها نسبة لكثرة التفاسير، هي شيء قابل للطعن في صحته، ويظل القرآن هو وحده الذي يرجع إليه).
ويقول: لا توجد عقوبة إعدام المرتد في القرآن وهي واردة في الإنجيل. ونسبة لعدم وجود أي مرجعية لها في القرآن، وتحت تأثير الإنجيل، دون أدنى شك، فقد لجأ الفقهاء في القرون الوسطى لتبرير القتل بسبب الردة عن طريق السنة، وتبعاً لتقليد متقن فقد نسبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم القول التالي (اقتلوا من بدل دينه)، وأصبح هذا السلاح ضرورياً لكل حاكم ومتمرد وإرهابي، ولم تطعن في صحته أي سلطة دينية رسمية في أي بلد مسلم، وذلك خوفاً من التعرض لنفس مصير سلمان رشدي).
وبناءً على ما تقدم يتضح أن الكاتب قد وقع في عدة مخالفات هي:
* إنكاره الاحتجاج بالسنة، واتهامه الفقهاء بنسبة أحاديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقلها.
* إنكاره قتل المرتد وتجار المخدرات.
* وصف البلدان التي تطبق الشريعة الإسلامية بالوهابية، وهو وصف يقصد به التشدد الممقوت الذي يخرج عن سماحة الإسلام ويسره؛ لما قر في ذهنه وأذهان من هم على شاكلته بسبب الدعاية المغرضة ضد الدعوة الإصلاحية التي قادها الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ حيث يصفونها بالتشدد والقسوة مع أنها لا تطبق إلا أحكام الشرع التي كلها عدل ورحمة.
_ ادعاؤه مخالفة المملكة العربية السعودية لحرية الفكر التي دعا إليها القرآن الكريم، واستنكاره عدم توقيعها على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ونظراً لخطورة هذه المخالفات، وسوء أثرها على الإسلام وأهله كتبت مقالاً فيه رد على الكاتب، أرسلته إلى مجلة جون أفريك الفرنسية، ثم رأيت بسط المقال المذكور فألفت هذا الكتاب مستعيناً بالله، قاصداً بيان الحق، في ضوء القرآن الكريم والسنة الشريفة، وبقية الأدلة المعتبرة، دونما أي تعصب أو تحيز. وقد سميته:(حدود حرية الفكر في الشريعة الإسلامية)، وقدمت الكلام على السنة، وقتل المرتد؛ لأنهما موضوع احتجاج وتمثيل عند الكاتب لعدم وجود حرية الفكر في بعض البلدان الإسلامية حسب زعمه، وفي نفس الوقت هما تمهيد لحرية الفكر في الشريعة الإسلامية، وقد جعلته بعد هذه المقدمة في ثلاثة مباحث وخاتمة:
* المبحث الأول: في السنة، وفيه مطلبان:
- المطلب الأول: حجية السنة.
- المطلب الثاني: مناقشة اتهام الفقهاء بنسبة أحاديث إلى الرسول لم يقلها.
* المبحث الثاني: حكم المرتد وتجار المخدرات.
* المبحث الثالث: حرية الفكر في الشريعة الإسلامية.
* الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
تم الانتهاء من أصله في عام 1422 هـ/ 2001 م، وتمت مراجعته وإعداده للنشر بالعوالي في مكة المكرمة يوم الثلاثاء 22/ شعبان/ 1444 هـ الذي يوافقه 14/ مارس/ 2023 م.
المبحث الأول في السنة
المطلب الأول: الاحتجاج بالسنة
يظهر من كلام الكاتب - هدانا الله وإياه - أنه يقصر الاستدلال على القرآن، ولا يرى الاحتجاج بالسنة على إقامة حد الردة، ولذا فهو يعتمد في مقاله المذكور على ميزان غريب بل بالغ الغرابة في ميدان البحث العلمي.
إذ من المعروف أن العالم أو الكاتب المخلص يتجرد عن كل هوى وميل شخصي فيما يريد البحث عنه، ويتابع النصوص والمراجع الموثوق بها، فما أدت إليه بعد المقارنة والتمحيص كان هو النتيجة الحتمية التي ينبغي عليه الوصول إليها والقول بها. ولكنه حمل في ذهنه فكرة معينة فأثبتها بدون دليل، بل قبل البحث عنها وعن دليلها، بل إنه في سبيل إثباتها أنكر الأدلة الصحيحة الصريحة؛ لأنها مصادمة لهواه.
وقد زاد عمله سوءاً واضطراباً المنهج الاستشراقي الذي درج عليه والتزم به، وذلك بإخضاعه النصوص لأفكاره المسبقة، وأهوائه المتحكمة، يختار منها ما يقبله، ويرفض ما يجده مناقضاً لما يريد، ثم تحريفه لما يعتمد منها.
إن السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، ولا يشكك في حجيتها إلا جاهل أو منافق، وموقف أمثال هذا الكاتب قد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم في معرض الذم لمن يتنكرون لسنته، وبين فيه أن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله، فعن المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ثم يوشك الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله
عز وجل فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله»
(1)
.
ولمناقشة هذا الكاتب نقول له: مادام أنك لاتزال تعترف بحجية القرآن فإليك بعض النصوص القرآنية الواضحة الدالة على وجوب العمل بالسنة ونفي الإيمان عمن لا يحتكم إليها، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] والرد إلى الله هو الرد إلى القرآن الكريم، والرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته، وإلى سنته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. وقال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} [الأحزاب: 36].
وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51].
فهذه الآيات الكريمات توجب التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنفي الإيمان عمن لم يحتكم إليه.
وهي تتناول الموضوع الأساس في حياة الأمة المسلمة، إنها تتناول بيان شرط الإيمان وحده، وتحدد الجهة التي تتلقى منها الأمة المسلمة منهج حياتها، إن الرسل
(1)
أخرجه الترمذي 5/ 37 وقال حديث حسن صحيح، جامع الترمذي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق أحمد شاكر، وأبو داود 4/ 200، والحاكم في المستدرك، وصححه، ووافقه الذهبي، 1/ 191 - 192، وابن حبان وصححه، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، 1/ 107.
أرسلت لتطاع - بإذن الله لا لمجرد الإبلاغ والإقناع {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64].
وما دمت تعتقد أن القرآن الكريم كلام الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم لزمك أن تعتقد بعدم إمكان الفصل بين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي هي تفسير وتطبيق عملي للقرآن.
وإن الناس لا يؤمنون إلا إذا تحاكموا إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} ؛ إذ لا يكفي أن يتحاكموا إليه ليكونوا مؤمنين، بل لابد من أن يتلقوا حكمه صلى الله عليه وسلم مسلّمين راضين {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أي ينقادوا لأمرك في القضاء، وقوله: تسليما مصدر مؤكد، أي ويسلموا لحكمك تسلمياً لا يدخلون على أنفسهم معه شكاً.
فهذا النص يتحدث عن المنافقين الذين لا ينتفعون بآيات الله المبينات ولا يهتدون، فهؤلاء لا يتأدبون بأدب المؤمنين في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الرضا بحكمه والطمأنينة إليه، ويوازن بينهم وبين المؤمنين الصادقين في إيمانهم، فآيات الله مبينة كاشفة تجلو نور الله، وتكشف عن ينابيع هداه وتحدد الخير والشر، والطيب والخبيث.
ومع أن في القرآن الكريم، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يكفي ويشفي لرد زعم الكاتب وأمثاله، إلا أنه لا مانع من أن نورد له بعض أقوال المستشرقين المعتدلين، أو ممن اضطروا أن يعترفوا بالحقيقة؛ لاعتقادنا أن أقوالهم ستجد قبولاً لديه، ولدى أمثاله.
يقول المستشرق محمد أسد ليويولد قابس والذي تسمى ب (محمد) بعد أن هداه الله إلى الإسلام: (إن العمل بسنة رسول الله هو عمل على حفظ كيان
الإسلام وعلى تقدمه، وإن ترك السنة هو انحلال الإسلام .. لقد كانت السنة الهيكل الحديدي الذي قام عليه صرح الإسلام، وإنك إذا أزلت هيكل بناء ما، أفيدهشك أن يتقوض ذلك البناء كأنه بيت من ورق؟
(1)
.
(إن حياته صلى الله عليه وسلم العجيبة كانت تمثيلاً حياً وتفسيراً لما جاء في القرآن الكريم، ولا يمكننا أن ننصف القرآن الكريم بأكثر من أن نتبع الذي قد بلغ الوحي
(2)
.
وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله فقالت: «كان خُلقُهُ القُرآنَ
(3)
».
وفي الحقيقة يجب علينا أن نعتبر أن السنة هي أهم تفسير لتعاليم القرآن الكريم، والوسيلة الأساسية لاجتناب الخلاف في تأويل تلك التعاليم وتطبيقها في الحياة العملية
(4)
.
ويقول محمد أسد أيضاً: (إن تفكيرنا يقودنا حتماً إلى أنه ليس ثمة حكم فيما يتعلق بالتأويل العملي لتعاليم القرآن الكريم أفضل من الذي أوحيت إليه هذه التعاليم هدى للعالمين، إن التعبير الذي يتردد على مسامعنا اليوم كثيراً: لنرجع إلى القرآن الكريم، ولكن يجب ألا نجعل من أنفسنا أتباعاً مستعبدين للسنة يكشف بكل بساطة عن جهل للإسلام، إن الذين يقولون هذا القول يشبهون رجلاً يريد أن يدخل قصراً ولكنه لا يستعمل المفتاح الأصلي الذي يستطيع به وحده أن يفتح الباب
(5)
.
(1)
الإسلام على مفترق الطرق ص 87.
(2)
المصدر السابق ص 88.
(3)
مسند الإمام أحمد 6/ 91.
(4)
الإسلام على مفترق الطرق ص 90.
(5)
المصدر السابق ص 91.
وما دمنا نعتقد أن القرآن الكريم كلام الله تماماً في مبناه ومعناه، فالنتيجة المنطقية لذلك أنه لم يُقصد به قط أن يكون مستقلاً عن هداية الرسول الشخصية على ما هي مبسوطة في السنة.
وقد قال المستشرق سنوك هركرونيه: «إنه ليس من السداد في شيء إنكار حديث لا يمكن تبيين السبب الذي يقال إنه وضع لأجله ولا توجد علة تاريخية تقتضيه»
(1)
.
وقد اعترف المستشرق البروفيسور نيكولون بقول ابن قتيبة: «إنه ليس لأمة سنة مثل سنتنا»
(2)
.
والأستاذ ونسنك، أستاذ كرسي اللغة العربية بجامعة لندن، والذي قام بنشر المعجم المفهرس لألفاظ الحديث نقل له الدكتور علي عبد القادر بحثاً عن الدور الذي قام به أهل الحديث، ذكر فيه جهودهم في دراسة الحديث ونقده، ورد على من زعم من المستشرقين أن الحديث من وضع أهلي القرنين الأول والثاني وأثبت فساد هذا الزعم
(3)
.
ولتصوير الحقيقة على الوجه الصحيح لابد أن نذكر أن من وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم كما صرح بذلك القرآن - أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] ولا شك في كونه قد قام بذلك على الوجه الأكمل، وواجب على المسلم أن يلتزم بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فما فائدة أوامره ونواهيه، وبالتالي ما فائدة رسالته.
(1)
حاضر العالم الإسلامي 1/ 45 تأليف لو ثروب ستودار الأمريكي، نقله إلى العربية عجاج نويهض، تعليق الأمير شكيب أرسلان.
(2)
تاريخ الحديث باللغة الأوردية ص 71 و 72 لعبد الصمد صارم الأزهري.
(3)
نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ص 131، للدكتور علي عبد القادر، وانظر: الإسلام والمستشرقون ص 175 لنخبة من العلماء.
وفي القرآن أحكام مجملة كثيرة كأحكام الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك مما لا نعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه، فالصلاة لم يأت في القرآن بيان أنواعها، وأوقاتها، وعدد ركعاتها، لكن بينها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة، فإذا كان بيانه عليه السلام لذلك المجمل غير محفوظ، ولا مضمون سلامته مما ليس منه، فقد بطل الانتفاع بنص القرآن، فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا منه، فإذن لم ندر صحيح مراد الله منها.
إن القول بعدم حجية السنة من أخطر القوارع لدك الدين من أساسه، وإلغاء ما بينه وبين غيره من مميزات وفروق، قصد طي آثار الحضارة الإسلامية، وإذابة المجتمع الإسلامي، والقضاء على هويته ومقوماته، وهذا منكر من القول، وكفر وتعطيل لأحكام الله وشريعته. وتصوير الإسلام بما يتفق وأغراضهم، ويخدم ميولهم ومصالحهم، لا بما أراده الله من إرساء قواعد العدل والأمن والسلم والمساواة وبناء الحياة الإنسانية على المنهج الرباني الذي دعت إليه الرسالة
(1)
.
وقد أجمع الصحابة ومن بعدهم على العمل بالسنة، وكذلك أئمة الدين وعلماء الأمة
(2)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: «هؤلاء يعتمدون السنة ولا يتعمدون مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل، وإنهم متفقون اتفاقاً يقيناً على وجوب اتباعه، وعلى أن كل واحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
(1)
السنة في العصر الحديث، بحث للدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، منشور في مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد التاسع، ص 66.
(2)
الإحكام 6/ 121 لابن حزم.
(3)
رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ص 4، وانظر السنة في العصر الحديث ص 37.
أما إصدار الأحكام بناءً على ما يراه العقل البشري فهو مرفوض، إلا إذا لم يصادم نصاً من القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة، أو إجماع العلماء، وبشرط أن يكون خاضعاً لقواعد الشريعة، غير متعارض مع مقاصدها.
ومن الثابت أن القوانين التي يضعها البشر لا تخلو من التأثر بالأهواء المضلة عن سبيل الله، المتحيزة إلى جانب دون جانب، أما شرع الله فقد وضعه خالق الناس الذي هو أعلم بحالهم وما يصلحهم، وضعه من لا يتأثر بالأهواء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(1)
.
(2)
.
ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى برد الناس عند التنازع إلى الكتاب والسنة في قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].
(1)
درء تعارض العقل والنقل 1/ 138.
(2)
المصدر السابق ص 144.
فأمر المؤمنين عند التنازع بالرد إلى الله والرسول، وهذا يوجب تقديم السمع وهذا هو الواجب إذ لو ردوا إلى غير ذلك من عقول الرجال وآرائهم ومقاييسهم وبراهينهم لم يزدهم هذا الرد إلا اختلافاً واضطراباً، وشكاً وارتياباً
(1)
.
(2)
.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لو كان الدِّينُ بالرأيِ لكان أسفلَ الخفِّ أولى بالمسحِ من أعلاه وقد رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يمسحُ على ظاهرِ خُفَّيْه»
(3)
.
(4)
.
ولكل ما سبق فإنه لا يجوز لعاقل أن يقول إن دلالة هذا الحديث مخالفة للعقل، فهذه الأدلة الواضحة لا تدع مجالاً ينفذ منه المشككون في حجية السنة.
(1)
درء تعارض العقل والنقل 1/ 147، 146.
(2)
الفقيه والمتفقه 1/ 152.
يعني أن من قطعت أذناه له دية كاملة، وهي اثني عشر ألفا. وقتل الآخر وذهبت نفسه وجميع حواسه ليس له إلا دية كاملة وهي اثني عشر ألفا.
(3)
أخرجه أبو داود بإسناد حسن، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص: إنه حديث صحيح، 1/ 160، شركة الطباعة الفنية المتحدة، القاهرة، سنة 1384 هـ.
(4)
درء تعارض العقل والنقل 1/ 141.
المطلب الثاني: اتهام الفقهاء بنسبة أحاديث إلى الرسول لم يقلها
وأما اتهامه الفقهاء بنسبة أحاديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لم يقلها واستشهاده ب (اقتلوا كل من غير دينه)
فأقول للكاتب إن قولك هذا لا يخضع لمعايير البحث العلمي السليم، فلو أنك قلت إن هذا الحديث لا يصلح الاحتجاج به، وعللت قولك بتعليل صحيح، لكان من المناسب أن نناقشك فيه، أما وأنك تزعم أن الفقهاء نسبوا الحديث للرسول فهذا الأسلوب وسيلة للطعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها، والتشكيك فيها، وبالتالي عدم الاعتداد بحجيتها.
ونقول للكاتب -هدانا الله وإياه-: إن الحديث المذكور حديث صحيح لا يتطرق الشك إليه بأي حال من الأحوال، فقد رواه البخاري في صحيحه، وهو أصح كتاب على وجه الأرض بعد القرآن الكريم، كما روى هذا الحديث أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد في مسنده
(1)
.
أما قول الكاتب: (وأصبح هذا السلاح ضرورياً لكل حاكم ومتمرد وإرهابي، ولم تطعن في صحته أي سلطة دينية رسمية
…
الخ).
فنجيب عليه بما قاله المستشرق محمد أسد:
(لقد أصبح من قبيل الزي في أيامنا هذه أن ينكر المرء -مبدئياً- صحة الحديث، ثم هو من أجل ذلك ينكر نظام السنة كله.
هل هنالك أساس علمي لهذا الاتجاه؟ أم هل هنالك مبرر علمي لرفض الحديث على أنه مصدر يستند إليه الشرع الإسلامي؟
(1)
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري، 12/ 267؛ سنن أبي داود، 4/ 521 تحقيق الدعاس، والسيد؛ سنن الترمذي، 6/ 242 - 243؛ سنن النسائي، 7/ 109؛ سنن ابن ماجه، 2/ 848؛ مسند الإمام أحمد، 190، تحقيق أحمد شاكر.
إننا نظن أن خصوم الرأي الصحيح -مذهب أهل السنة فيما يتعلق بالحديث- لا يمكن أن يأتوا بأدلة مقنعة فعلاً تثبت مرة واحدة عدم الثقة بالأحاديث المنسوبة إلى الرسول، ولكن ليس هذا موضوعنا، إنه على الرغم من جميع الجهود التي بذلت في سبيل تحدي الحديث على أنه نظام ما، فإن أولئك النقاد العصريين من الشرقيين والغربيين لم يستطيعوا أن يدعموا انتقادهم العاطفي الخالص بنتائج من البحث العلمي، وإنه من الصعب أن يفعل أحد ذلك؛ لأن الجامعين لكتب الحديث الأولى، وخصوصاً الإمامين البخاري ومسلماً، قد قاموا بكل ما في طاقة البشر عند عرض صحة كل حديث على قواعد التحديث عرضاً أشد كثيراً من ذلك الذي يلجأ إليه المؤرخون الأوروبيون عادة عند النظر في مصادر التاريخ القديم.
إننا نتخطى نطاق هذا البحث إذا نحن أسهبنا في الكلام على وجه التفصيل في الأسلوب الدقيق الذي كان المحدثون -علماء الحديث- الأولون يستعملونه للتثبت من صحة كل حديث، ويكفي -من أجل ما نحن هنا بصدده- أن نقول إنه نشأ من ذلك علم ثابت الأصول تام الفروع، غايته الوحيدة البحث في معاني أحاديث الرسول وشكلها وطريقة روايتها، ولقد استطاع هذا العلم في الناحية التاريخية أن يوجد سلسلة متماسكة لتراجم مفصلة لجميع الأشخاص الذين ذُكروا على أنهم رواة أو محدثون، إن تراجم هؤلاء الرجال والنساء قد خضعت لبحث دقيق من كل ناحية، ولم يُعد منهم في الثقات إلا أولئك الذين كانت حياتهم وطريقة روايتهم للحديث تتفق تماماً مع القواعد التي وضعها المحدثون، تلك القواعد التي تعتبر على أشد ما يمكن أن يكون من الدقة؛ فإذا اعترض أحد اليوم من أجل ذلك على صحة حديث بعينه، أو على الحديث جملة فإن عليه هو
وحده، أن يُثبت ذلك، وليس ثمة مبرر مطلقاً من الناحية العلمية أن يجرح أحد صحة مصدر تاريخي ما، ما لم يكن باستطاعته أن يبرهن على أن هذا المصدر منقوض، فإذا لم تقم حجة معقولة أي علمية على الشك في المصدر نفسه أو في أحد رواته المتأخرين، وإذا لم يكن ثمة من الناحية الثانية خبر آخر يناقضه، كان حتماً علينا حينئذ أن نقبل الحديث على أنه صحيح
(1)
.
ونجيب عليه أيضاً بأن علماء الشريعة الإسلامية لم يخضعوا، ولا يستطيعون أن يخضعوا أحكام الشريعة الإسلامية لأهواء الحكام، ولا أن يؤلفوا أحاديث من عند أنفسهم وينسبوها للرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يطعنوا في الأحاديث من تلقاء أنفسهم ولكن عندهم علم مضبوط بموازين دقيقة هو علم الجرح والتعديل، وهو علم اختصت به الأمة الإسلامية، ولا مثيل له في أمة سبقت أو لحقت يعرف به المختصون درجة الحديث من حيث الصحة والحسن والضعف ونحو ذلك، ويحكمون عليه بناءً على هذه القواعد الدقيقة، والتي لا يتصدر للكلام فيها إلا الخاصة من علماء الحديث، ونظراً لأن هذا الحديث المستدل به حديث صحيح فإنه لا يمكن لأحد من علماء الشريعة الطعن فيه، فالأحاديث الصحيحة ليست ألعوبة في أيدي أحد من الناس فلا تتحول إلى ضعيفة بعد أن كانت صحيحة.
وأما ما ذكره عن الوهابية.
فإن ما نقله الكاتب من سؤال السائل القائل (فأنا مسلم بالميلاد ولدي معرفة سطحية للإسلام وما تقوله يتناقض تماماً مع الوهابية المنتشرة بسرعة مذهلة في بلدنا عن طريق الطلاب العائدين كل عام بعد إتمام دراستهم في المملكة العربية السعودية).
(1)
الإسلام على مفترق الطرق ص 91 - 92 بتصرف قليل.
فقول السائل صحيح، فإن ما يقوله الكاتب يتناقض تماماً مع الإسلام، وأما وصف الدعوة الصحيحة بالوهابية فهو خطأ أراد به أعداء هذا الدين تشويه صورة الإسلام وبث الفرقة بين المسلمين، وهو وصف يقصد به التشدد الممقوت الذي يخرج عن سماحة الإسلام ويسره؛ لما قر في ذهنه وأذهان من هم على شاكلته بسبب الدعاية المغرضة ضد الدعوة الإصلاحية التي قادها الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ حيث يصفونها بالتشدد والقسوة، وبيان الخطأ هو أن الدعوة التي قام بها الشيخ محمد، وتسميتها «وهابية» نسبة إليه خطأ لغوي؛ لأن والده لم يقم بها، وإلا لاشترك في هذه النسبة الوالد وأولاده، ومحمد واحد منهم لتصبح نسبة مشتركة
(1)
.
أما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي ناصرها الإمام محمد بن سعود -رحمهما الله- فهي دعوة سلفية تصحيحية على مذهب أهل السنة والجماعة، قامت على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبذ ما يخالفهما، فهي لا تطبق إلا أحكام الشرع التي كلها عدل ورحمة.
(1)
تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية ص 16 - 18 للدكتور محمد بن سعد الشويعر، مطابع الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الطبعة الثالثة عام 1419 هـ.
المبحث الثاني قتل المرتد وتجار المخدرات
تعريف المرتد:
المرتد: (هو الذي كفر بعد إسلامه؛ نطقاً، أو اعتقاداً، أو شكاً، أو فعلا
(1)
وعرفه ابن قدامة فقال: (هو الراجع عن الإسلام إلى الكفر)
(2)
.
إن الإسلام إيمان، ونظام، وحيث إن نظامه شامل لسلوك الإنسان من المهد إلى اللحد، فإنه لا غنى له من سياج يحميه، ودرع يقيه، فإن أي نظام لا قيام له إلا بالحماية والوقاية والحفاظ عليه من كل ما يهز أركانه، ويزعزع بنيانه، ولا شيء أقوى في حماية النظام ووقايته من منع الخارجين عليه؛ لأن الخروج عليه يهدد كيانه، ويعرضه للسقوط والتداعي.
إن الخروج على الإسلام والارتداد عنه، إنما هو ثورة عليه، والثورة عليه ليس لها من جزاء، إلا ما قررته الشريعة الإسلامية في الأحاديث الصحيحة، التي سيأتي بيانها، وهو الجزاء الذي اتفقت عليه القوانين الوضعية فيمن خرج على نظام الدولة، وأوضاعها المقررة؛ فإن أي إنسان سواء كان في الدول الشيوعية أم الدول الرأسمالية، إذا خرج على نظام الدولة فإنه يوصم بالخيانة العظمى لبلاده، والخيانة العظمى جزاؤها الإعدام
(3)
.
فالإسلام في تقرير عقوبة الإعدام للمرتدين منطقي مع نفسه ومتلاق مع غيره من النظم، ومن أهم الأحكام التي تترتب على ثبوت الردة ما يأتي:
(1)
كشاف القناع 6/ 167.
(2)
المغني 264/ 12.
(3)
فقه السنة 2/ 457، فتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث الصادرة في دورتيه الأولى والثانية، فتوى رقم 4، الردة عن الإسلام لعبد الله قادري ص 33.
المسؤولية الجنائية ص 108، لأحمد فتحي بهنسي، حقوق الإنسان ص 99 لمحمد الغزالي.
إذا ثبتت الردة على شخص ترتب عليها أحكام أخروية وأحكام دنيوية، وأهم الأحكام المتعلقة بالآخرة حبوط العمل والخلود في نار جهنم، قال تعالى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].
أما الأحكام المتعلقة بالدنيا فكثيرة نذكر منها:
قتل المرتد.
اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتد الرجل وكان بالغاً عاقلاً غير مكره على الردة فإنه يقتل
(1)
.
وهذا محل إجماع عند المسلمين. قال ابن دقيق العيد: (الردة سبب لإباحة دم المسلم بالإجماع في الرجل)
(2)
وقال ابن قدامة: (وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين. روي ذلك عن أبي بكر، وعثمان وعلي ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد، وغيرهم، ولم ينكر ذلك فكان إجماعاً)
(3)
.
(1)
المبسوط 10/ 106، الشرح الكبير للدردير 4/ 270، حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير، مواهب الجليل 6/ 281، الأم 6/ 158، نهاية المحتاج 7/ 419، المغني 12/ 264، كشاف القناع 6/ 174، الإنصاف 9/ 462، أحكام الردة والمرتدين 286، الردة عن الإسلام ص 104 لعبد الله قادري.
(2)
كشاف القناع 6/ 167.
(3)
المغني 12/ 264.
واستدلوا على ذلك بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره قال صلى الله عليه وسلم «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»
(1)
ويدل على مشروعية قتل المرتد، ورجم الزاني الثيب حتى الموت قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه «لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مُسلمٍ إلَّا بإحدى ثلاثٍ الثَّيِّبِ الزَّاني، والنَّفسِ بالنَّفسِ، والتَّاركِ لدينهِ المفارقِ للجَمَاعة»
(2)
.
ويدل عليه أيضا حديث أبي موسى الأشعري: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن ثم أرسل معاذ بن جبل بعد ذلك، فلما قدم قال أيها الناس: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم، فألقى له أبو موسى وسادة ليجلس عليها، فأتي برجل كان يهودياً فأسلم ثم كفر، فقال معاذ: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله -ثلاث مرات- فلما قتل قعد
(3)
متفق عليه.
وقال مالك والشافعي وأحمد والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه والزهري والأوزاعي وإسحاق وابن حزم تقتل المرأة إذا ارتدت كالرجل
(4)
.
واستدلوا بالأدلة السابقة:
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» فإن (من) عند أهل اللغة والأصول شاملة للذكر والأنثى.
2 -
والأحكام الثلاثة المذكورة في الحديث الثاني يجب أن تكون كلها شاملة للذكر والأنثى، ولا يؤثر على ذلك ورود لفظ (امرئ) بدليل أن الزانية ترجم إذا كانت محصنة مثل الرجل وكذا القاتلة عمداً.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه 12/ 267
(2)
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 12/ 201، صحيح مسلم بشرح النووي 4/ 243، سنن الترمذي 4/ 19.
(3)
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 8/ 60، وأيضاً، 12/ 268، صحيح مسلم 3/ 1456 ط فؤاد عبد الباقي، منتقى الأخبار مع نيل الأوطار 7/ 191
(4)
حاشية الدسوقي 4/ 270، الشرح الكبير للدردير مواهب الجليل 6/ 158، نهاية المحتاج 7/ 149، المغني 12/ 264، 266، كشاف القناع 6/ 174، الإنصاف 9/ 462، المحلى، أحكام الردة والمرتدين ص 286، الردة عن الإسلام ص 104.
3 -
في حديث معاذ عندما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال «أيُّما رجُلٍ ارتدَّ عنِ الإسلامِ فادعُهُ فإن عادَ وإلَّا فاضرِب عنقَهُ وأيُّما امرأةٍ ارتدَّت عنِ الإسلامِ فادعُها فإن عادَت وإلَّا فاضرب عنقَها»
(1)
، قال الحافظ ابن حجر: سنده حسن
(2)
.
4 -
قتل أبو بكر رضي الله عنه في خلافته امرأة ارتدت، والصحابة متوافرون فلم ينكر ذلك عليه أحد
(3)
. قال ابن حجر أخرج الدارقطني أثر أبي بكر من وجه حسن
(4)
.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن المرأة المرتدة لا تقتل، بل تحبس ويضيق عليها حتى تتوب أو تموت، واستدل بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الكافرة التي لا تقاتل أو تحرض على القتال
(5)
.
روى أبو داود بسنده عن رباح بن ربيع قال: «كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزوةٍ فرأى النَّاسَ مُجتَمَعينَ علَى شيءٍ فبعثَ رجلًا، فقال: انظرْ علامَ اجتمعَ هؤلاءِ؟ فجاءَ فقالَ: علَى امرأةِ قَتيلٍ. فقالَ: ما كانت هذِهِ لتقاتِلَ قالَ: وعلَى المُقدِّمةِ خالدُ بنُ الوليدِ فبعثَ رجلًا. فقالَ: قُلْ لخالدٍ لا يقتلَنَّ امرأةً ولا عَسيفًا»
(6)
.
والراجح رأي الجمهور؛ وهو قتل المرتدة؛ لقوة أدلته، وسلامتها من الإيراد عليها، ولأن كل واحد من أدلة الجمهور صالح للاحتجاج به على قتل المرتدة بانفراده، فكيف بها مجتمعة؟
(1)
فتح الباري، 12/ 172، نيل الأوطار 7/ 193.
(2)
المصدر السابق فتح الباري.
(3)
المصدر السابق.
(4)
المصدر السابق.
(5)
المبسوط 10/ 108 و 109، رد المحتار 4/ 247.
(6)
سنن أبي داود، 3/ 12 تحقيق الدعاس وعادل السيد، العسيف: الأجير والتابع.
وأما ما احتج به أبو حنيفة من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المرأة، فيجاب عليه بأن المراد به المرأة الكافرة الأصلية؛ فإنه قال ذلك حين رأى امرأة مقتولة، وكانت كافرة أصلية، وكذلك نهي الذين بعثهم إلى ابن أبي الحقيق
(1)
عن قتل النساء
(2)
.
ولم يكن فيهم مرتد، ويخالف الكفر الأصلي الطارئ؛ بدليل أن الرجل يقر عليه، ولا يقتل أهل الصوامع، والشيوخ، والمكافيف، ولا تجبر المرأة على تركه بضرب ولا حبس، والكفر الطارئ بخلافه
(3)
.
بل إن الديانات الأخرى تجرم الردة، وترتب على المرتد كثيراً من الأحكام، التي يتوافق كثير منها مع الشريعة الإسلامية في مذهب بعض طوائف تلك الديانات، وتقترب من الشريعة الإسلامية في مذهب طوائف أخرى. فقد ساوت الديانة اليهودية في قانون الأحوال الشخصية للإسرائيليين بين زنا المرأة وخروجها من اليهودية، وأنه تقع الفرقة بذلك بين الزوجين، وأن خروج المرأة من دينها مسقط لحقوق الزوجية التي تنبني على الطلاق
(4)
.
وطائفة الأنجيليين من النصارى يرون أنه: (إذا اعتنق أحد الزوجين ديانة أخرى جاز للطرف الآخر أن يطلب الطلاق)
(5)
.
كما في المادة 18/ 2 من نظام الأحوال الشخصية.
(1)
هو سلام بن أبي الحقيق، أبو رافع اليهودي، وكان فيمن حزب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الأوس قبل أحد قتلت كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريضه عليه، فاستأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق، وهو بخيبر، فأذن لهم فقتلوه، سيرة ابن هشام 4/ 235.
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجهاد 9/ 77، وانظر: مصنف عبد الرزاق 5/ 202.
(3)
المغني 12/ 266.
(4)
انظر المواد: 177 و 178 و 305 من نظام الأحوال الشخصية للإسرائيليين. نقلاً عن أحكام الردة والمرتدين ص 428.
(5)
أحكام الردة والمرتدين ص 428، للدكتور جبر محمود فضيلات.
وجاء في المادة 14 من أنظمة الأرثوذكس أن (لكل من الزوجين أن يطلب الطلاق إذا ارتد الزوج الآخر عن الديانة النصرانية)
(1)
.
وفي مجموعة (1055) قد نصت في المادة (49) منها على أنه يفسخ الزواج إذا خرج أحد الزوجين عن الدين المسيحي)
(2)
.
وكذلك فإن الدستور الفرنسي الصادر في إبريل عام 1946 م قد قيد حرية الرأي المنصوص عليها في المادة 14 منه بعدم إساءة استعمال هذا الحق، حتى لا يؤدي ذلك إلى مخالفة المبادئ التي نص عليها إعلان الحقوق الذي تضمنه ذلك الدستور، والمستند إلى المنطق الفردي التقليدي
(3)
.
وفي الشريعة الإسلامية اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتد أحد الزوجين بطل عقد الزواج؛ سواء كانت الردة من الزوج أو من الزوجة
(4)
، وبناءً على أن ما ذهب إليه الكاتب من إنكاره لحجية الأحاديث الشريفة، وإقامة حد الردة وهو قتل المرتد، الذي تطبقه المملكة العربية السعودية ويطبقه كل من يقيم شرع الله على أرضه مصادم للأدلة الشرعية من القرآن والسنة التي سبق بيانها، وقائله يريد أن يشرع في الدين ما لم يأذن به الله، فقوله هذا مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، وليس من الإسلام في شيء، وهو من اتباع الهوى، وسعي في نقض عرى الإسلام عروة عروة. قال تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] وقال تعالى:
(1)
المصدر السابق.
(2)
المصدر السابق، ما أوردته عن اليهودية والمسيحية ليس المقصود منه إجراء مقارنة، وإنما المقصود منه بيان أن تجريم المرتد ليس قاصراً على الإسلام ولكنه كذلك في الديانات الأخرى.
(3)
الحريات العامة في الإسلام ص 215، للدكتور محمد سليم محمد غزوي.
(4)
المبسوط 5/ 49، رد المحتار على الدر المختار 3/ 392، المدونة ج 4 ص 315، الأم للإمام الشافعي 5/ 57، كشاف القناع 5/ 121.
إن حكم قتل المرتد الذي تطبقه المملكة العربية السعودية وكل من يحكم بالشريعة الإسلامية هو تطبيق لحكم الله المبلغ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس من فتاوى جاهزة كما يقول الكاتب.
وقول الكاتب: (إنه لمن المخجل أن يدافع عدد من الدول الإسلامية عن عقوبة الإعدام).
فإننا نقول له: إن هذا إرجاف وتهويل لا مبرر له، وإن المخجل حقاً أن من ينسب نفسه للإسلام، ويتكلم باسم الإسلام يتنكر لأحكام الإسلام، ويريد أن ينسخ بهواه ما أثبتته الأدلة الشرعية، وأجمع عليه علماء الملة عبر العصور، ويريد أن يلصق بالإسلام ما ليس منه.
وما ذكره عن منظمة العفو الدولية إن صح ما ذكره عنها فجوابنا عليه: أنه لا صحة مطلقاً لما يقال من الرعب والظلم الجاثم على المملكة العربية السعودية، وإنما فيها العدل والأمن والاطمئنان الذي يشهد به القاصي والداني، والذي هو من آثار تطبيق الشريعة الإسلامية. علماً أنه منذ أكثر من خمسة وخمسين عاماً من نشر هذا الكتاب لم يقتل بسبب الردة في المملكة العربية السعودية سوى حالة واحدة، فأين ما تقوله من تكاثر جرائم الإعدام في المملكة بهذا الخصوص؟
إن تطبيق العقوبات التي شرعها الله في كتابه أو على لسان رسوله إنما هي لغرض التقويم والإصلاح، وإنها زواجر وجوابر؛ بمعنى أنه يثاب عليها المسلم في الآخرة، وتزجره في الدنيا.
وبالنسبة للمرتدين فإن المشكلة لا تنتهي عند هذا الحد، بل تطبق عليهم أحكام الردة في المعاملات فلا يرثهم أقاربهم، ولا يرثون من أقاربهم، مما يؤدي إلى
هدم وحدة أسرته ومعاملاته، فلا ينحصر أثر الردة في الميدان الحقوقي المدني، بل لابد أن يمتد أثرها إلى الجانب الجزائي، لينال المرتد العقوبة الجنائية التي يستحقها؛ فإذا عرف العقوبة، وأنها ستطبق بحقه، لم يقدم على الاستهتار بدين الحق، ولم يتسبب في تشتيت أسرته
(1)
.
ولأن المرتد ترك الحق بعد معرفته، واعتدى على العقيدة التي هي أقوى أسباب الأمن، فالمرتد يقتل لتبديله الدين الحق وتركه له، ومفارقة جماعة المسلمين، ولما كان عثرة في سبيل انتشار الدين وجبت إماطته كما يماط الأذى عن الطريق، وقتله ليس عقوبة على الكفر في ذاته؛ لأن غير المسلمين من اليهود والنصارى قد كفل لهم الإسلام حرية العقيدة وحمايتها من غير إكراه ولا تضييق، فلابد أن يكون هذا القتل عقوبة على الخيانة الكبرى والمكيدة الدينية التي ادعى معها المرتد اعتناق الإسلام، ثم أعلن الخروج منه للطعن فيه والإساءة إليه
(2)
، وحتى لا يكون الدين ألعوبة للملاحدة والزنادقة فيغتر بهم غيرهم من ضعاف الإيمان ولسد الطريق على العابث الذي يدخل في الدين خداعاً ثم يخرج منه للتنفير منه، كما حاول بعض اليهود هذه الخدعة زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيهم قوله تعالى:{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران: 72] أي لعل المسلمين إذا رأوا ذلك يرجعون عن دينهم.
(1)
أحكام الجريمة والعقوبة في الشريعة الإسلامية 399 - 403 بتصرف يسير، الحرية في الإسلام ص 55، 54 للسيد محمد الخضر بن الحسين.
(2)
معالم الشريعة الإسلامية ص 199، للدكتور صبحي الصالح، الحريات العامة في الإسلام ص 68، 69، للدكتور محمد سليم غزوي.
لأن حفظ الدين هو حفظ المجتمع بكامله؛ إذ إن الشريعة بكل ما اشتملت عليه من الأحكام التكليفية إنما هي أثر من آثار العقيدة، فكلما قويت العقيدة تأكد هذا الجانب التشريعي، ورسخت جذوره عن طريق التطبيق العملي، ولهذا فإن حفظ الدين أول الضرورات في المقاصد واجبة الحماية.
ولا مانع من أن يكون حكم قتل المرتد في الإسلام متفقاً مع ما جاء في شريعة عيسى عليه السلام، كما استشهد له الكاتب بما جاء في الإنجيل وهو (فالذي يكفر باسم ربك يقتل ويرجمه جميع أفراد الجالية)(الكتاب 16/ 24) وكذلك ما جاء فيه (فلنعبد آلهة آخرين
…
نرجمه ويموت) (13: 219)
حكم قتل المرتد لم يلجأ إليه الفقهاء لا في القرون الوسطى، ولا في غيرها، تحت تأثير الإنجيل كما زعم الكاتب؛ لأن الإسلام ناسخ لجميع ما قبله من الأديان، والملل، والشرائع قال تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)} (آل عمران: 19)
ولكن هذا حكم الله بلغه رسوله صلى الله عليه وسلم، وطبقه الصحابة رضوان الله عليهم، والمسلمون في جميع العصور، تنفيذاً لأمر الله، وأمر رسوله، كما طبقوا جميع الأحكام الشرعية الأخرى.
ومن الغريب أن يكون تطابق شهادتين موجبا لتساقطهما -في نظر الكاتب- بدلاً من أن يكون موجباً لزيادة الثقة فيهما.
إن قسوة عقوبة الردة تضفي الحماية على التدين الحقيقي فتحول دون عبث العابثين بالأديان عامة؛ لأن ظاهرة الاستهتار التي برزت في ظل الحضارة الصناعية المعاصرة أصبحت تشكل خطراً على جميع الأديان لا على دين واحد.
فأصبحنا نرى من يتظاهر بالخروج من دينه لطلاق امرأة وزواج أخرى، أو لمصلحة معينة، فيسجل دخوله في الإسلام وذلك تهرباً من الالتزامات التي يفرضها عليه ذلك الدين الذي خرج منه، وبعد أن يحقق مصالحه الشخصية يعود إلى دينه الأصلي، مستهتراً بجميع الأديان، متحايلاً للتخلص من الالتزامات بهذه الأساليب؛ فليست الحرية الدينية هي هذا العبث؛ إنما الحرية الدينية أن يدخل الدين مختاراً صادقاً مؤمناً به.
ويعتبر المرتد مهدر الدم من وجهين: أولهما: أنه كان معصوماً بالإسلام، فلما ارتد زالت عصمته فأصبح مهدراً؛ وأساس العصمة بالإسلام قوله صلى الله عليه وسلم «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رسولُ اللهِ فإذا قالوها عَصَموا منِّي دماءَهُم، وأموالَهُم إلَّا بحقِّها، وحسابُهُم على اللهِ»
(1)
.
ثانيهما: أن عقوبة المرتد في الإسلام القتل حداً، وفي القول الآخر أنه يقتل كفراً، وعلى القولين لا يجوز العفو عنها ولا تأخيرها
(2)
إلا فترة استتابته.
(1)
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 1/ 75، صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 177.
(2)
التشريع الإسلامي الجنائي 1/ 18، لعبد القادر عوده، الحدود في الفقه الإسلامي ص 116 للدكتور عبد الحكيم علي المغربي الموسوعة الفقهية 17/ 131.
المبحث الثالث حرية الفكر في الشريعة الإسلامية
تعريف الحرية:
تنبئ هذه الكلمة بسائر تصاريفها في اللسان العربي عن معان فاضلة، ترجع إلى معنى الخلوص، يقال حر يحر كظل يظل حرارا بالفتح بمعنى عتق. والاسم: الحرية، والحر: خلاف العبد، والخيار من كل شيء، والحر من الطين والرمل: الطيب، والحرة: ضد الأمة، وتطلق على الكريمة من النساء
(1)
.
ووردت صفة للنفس في كثير من أشعار العرب مثل قول الشاعر:
إن كنت عبداً فنفسي حرة كرما
…
أو أسود اللون إني أبيض الخلق
وجاء لمعنى استقلال الإرادة، وعدم الخضوع لسلطان الهوى:
وترانا يوم الكريهة أحراراً وفي السلم للغواني عبيدا
(2)
ويمكننا تعريف الحرية بأنها حق أصلي منحه الله للإنسان يصدر بموجبه جميع تصرفاته تبعاً لإرادته وفق الضوابط الشرعية.
وموضوع الحرية والحقوق مرتبط كل منهما بالآخر أشد الارتباط؛ لأن الحرية بالإفراد هي حق من حقوق الأفراد، ولأن كل حق لبعض الأفراد هو تحديد لمفهوم الحرية في مقابل حقوق المجموع
(3)
.
وتشمل الحرية مجالات متعددة من ممارسات الإنسان ومعتقداته في الحياة؛ مثل حرية التملك، وحرية العمل، وحرية المسكن، وحرية الفكر.
وسأقتصر في هذا الكتاب على حدود حرية الفكر في الإسلام.
(1)
لسان العرب، المصباح المنير، تاج العروس، مادة حرر، وانظر: الحرية في الإسلام ص 10 للخضر بن الحسين.
(2)
الحرية في الإسلام.
(3)
معالم الشريعة الإسلامية ص 186، للدكتور صبحي الصالح.
حرية الفكر:
إن النظر في القرآن الكريم يعطي يقيناً جازماً بأن الإسلام يبني الاعتقاد الصحيح على النظر في الكون، والتفكر والتأمل في أسراره؛ ليصل الإنسان بهذا التفكر إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى، بل والإفادة من كنوز الأرض
(1)
قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101] وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50] وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13] وتختم آيات كثيرة بعد بيان الأحكام الإسلامية من عقيدة وغيرها بأنها لقوم يعقلون، يتفكرون، يتدبرون، لأولي الألباب ونحوها.
والإسلام لا يجعل التفكير من المباحات التي يباشرها من شاء ويتركها من شاء، بل يجعله واجباً على الإنسان؛ ولذا ندد الله سبحانه وتعالى بالتقليد في أصول العقائد والشرائع؛ لتكون العقيدة عن وعي وإدراك وإذعان
(2)
فقال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170].
وأما موضوع الحرية وحقوق الإنسان التي ينادي بها الكاتب وما ذكره من (أن كل ما في القرآن يدعو إلى حرية الفكر
…
الخ).
فنقول له إن الحرية الدينية التي كفلها الإسلام لأهل الأرض لم يعرف لها نظير في جميع القارات، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة، ومنح مخالفيه في الاعتقاد كل أسباب البقاء والازدهار مثل ما صنع الإسلام.
(1)
حقوق الإنسان 79 وما بعدها للشيخ محمد الغزالي، الفقه الإسلامي وأدلته 721، للدكتور وهبه الزحيلي.
(2)
حقوق الإنسان ص 79، الفقه الإسلامي وأدلته ص 721.
وإذا كان الإسلام حيث يسود يمنح الآخرين حرية العقل والضمير، فإن الآخرين إذا سادوا سلبوا أتباع الإسلام حقوقهم، وأذاقوهم عذاب الهون.
وهذا القدر من الحرية والعدل الذي قرره الإسلام وأكد عليه في القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً لم تصل إليه -بعد- أي أمة من أمم الأرض التي تدعي أنها رائدة في المحافظة على حقوق الإنسان وحريته، وهو أيضاً ما لم ينتبه إليه واضعو ميثاق حقوق الإنسان، استمع إلى قول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8] وفي آية أخرى يقول: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2] ويؤخذ من هذه النصوص الصريحة حرمة التمييز أيضاً في هذه الحقوق وحرمة العدوان عليها بسبب الحقد أو العداء.
ويتضح من جميع هذه النصوص التشريعية في الإسلام وما تضمنته من ضوابط مقدار حرص الإسلام على حقوق الإنسان الأساسية فكرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، ولم يتخذ الإسلام من هذه النصوص مواعظ أخلاقية وحسب، بل أوامر تشريعية، وأقام إلى جانبها جميع النصوص التشريعية اللازمة لضمان تنفيذها، وأن الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرناً قد سبق المنظمات الدولية والدول الحديثة في إعلان هذه الحقوق، بل قد أقام دعوته عليها من أجل خير الإنسان، وأمر القرآن الكريم بذلك فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، وإنما فعل ذلك من أجل حماية مصالح الإنسان وحقوقه الأساسية وعقائده الدينية.
وإن الأمر الذي لا يوافق عليه الكاتب جعله هذه الحرية بدون قيود ولا ضوابط، ولا غاية تنتهي إليها، وهذا لا يكون في أي نظام، أو شرع يحكم به المجتمع الإنساني؛ لا في الشرائع السماوية، ولا في القوانين الوضعية، وما وضعت الشرائع إلا لحد الحدود، وبيان مبتدأ ومنتهى الحقوق والواجبات؛ ولذا فإننا نوضح للكاتب محمد طالبي ومن قد يرى رأيه في إنكاره لإقامة حكم القتل على المرتد أنه ليس في إقامة عقوبة المرتد مصادرة للحرية؛ فإن حرية الفرد في الإسلام مقيدة بأن لا تمس نظام المجتمع، وأسسه العقائدية والاجتماعية، وحرية الفرد في المجاهرة بردته تصطدم بحرية المؤمنين في الحفاظ على إيمانهم وهم جمهور المجتمع فكانت رعاية حريتهم أولى.
ونقول له: إن الحرية التي لا تكون مضبوطة بضوابط الشريعة الإسلامية والتي لا تكون محصورة في المساحة التي تكون فيها نافعة وصالحة، ينجم عنها أسوأ العواقب؛ حيث يستغلها دعاة الحرية الفوضوية فتنقلب إلى فساد وتدمير وتحطيم للفضائل والأخلاق والقيم الدينية والنظم الاجتماعية ومبادئ الحق والعدل؛ حيث يستغل شعار الحرية لتبرير كل فساد.
ومع أن الإسلام منح الإنسان الحرية إلا أنه محكوم بالنظام الذي شرعه خالق هذا الوجود فهي الحرية الوسط، فالفرد حر الحرية التي لا تنفي حرية المجموع ولا تنتقص منها، والجماعة حرة حرية لا تنفي حرية الفرد التي لا تتعارض مع
حرية الجماعة، وليس لفرد ولا جماعة أن تهدر - بدعوى الحرية - ما تعارفت عليه الأمة من ثوابت القيم والأعراف، ولا ما آمنت به من أصول الشرائع والمعتقدات وثوابتها
(1)
.
إن الحرية المقبولة المعقولة في واقع الناس ذات مجال محدود، وهذا المجال المحدود لا يجوز تجاوزه ولا تعديه، لا في منطق العقل، ولا في منطق مصلحة الإنسان في ذاته، ولا في منطق مصلحة المجتمع البشري.
فإذا تجاوزت الحرية حدودها كانت نذير شؤم وخراب، وفوضى واضطراب، وصراعات بشرية تدمر الحضارات، وتمهد لأن تحل بهم سنة الله في الذين خلوا من قبلهم، إهلاك عام، وعذاب أليم.
أما حرية الاعتقاد، فالإنسان المسؤول المكلف حر في هذه الحياة الدنيا، في أن يؤمن قلبه بما يشاء من حق أو باطل، لكنه ملا حق بالمسؤولية عند الله عز وجل عن اختياره الذي كان حراً فيه، وكانت حريته هي مناط ابتلائه وامتحانه في الحياة الدنيا.
وهي هنا حرية الممتحن المسؤول، وليست حرية مطلقة خالية من المسؤولية والجزاء.
قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29].
وقال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].
(1)
معالم المنهج الإسلامي ص 89 وما بعدها لمحمد عمارة، نشر الأزهر الشريف والمعهد العالمي للفكر الإسلامي.
إن الإسلام لم يسلب حق الإنسان في الحرية في دخول الدين ابتداءً، وهو ما يفيده قوله تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ، وأما خروجه منه بعد دخوله فيه بقناعته فإنه يصادم حق الجماعة في استقرار الدين والعقيدة.
إن سلطان الحقوق الإنسانية في الإسلام سلطان اعتقادي يلتزم به المسلم وإن لم يستشعر مراقبة السلطة، بخلاف القوانين الوضعية، أما المصالح التي يعبر عنها بالمقاصد الضرورية وهي: مصلحة الدين، الحياة، العقل، النسل، المال، فهي ترعى تلك الحقوق وتحفظها من آفات التناقض والتصادم.
إن رعاية الحقوق الإنسانية على النهج الذي يضمن لها التناسق ويحميها من آفات التناقض والتصادم، لا يمكن أن تتم إلا بعد الرجوع إلى رعاية ميزان هذه المصالح، طبق ما هو مراعى من سلم الأولويات في ترتيبها، وطبق ما هو مقرر من درجات الحاجة إلى كل منها، من حيث الضرورة القصوى، أو الحاجة الأساسية، أو الأفضلية التحسينية.
فحق الحياة - مثلاً - يجب إلغاؤه عندما يتعارض مع الضروري الذي لابد منه لحفظ مصلحة الدين؛ ولذا شرع الله الجهاد مع أن فيه تضحية بالحياة في سبيل درء الأخطار المحدقة بضروريات الدين
(1)
، وكذلك أهدرت مصلحة الحياة بالنسبة للمرتد؛ فحكمت الشريعة بقتله للمحافظة على مصلحة أولى منها في الترتيب، وهي حفظ الدين العائد إلى مجموع الأمة.
وحق الحرية من تحسينات حق الحياة فإذا تعارض مع ضروري من ضروريات هذا الحق ذاته، أو تعارض مع ضروري من ضروريات مصلحة العقل أو المال مثلاً وجب حجز حق الحرية عندئذ؛ حماية للحق الأهم والأكثر ضرورة.
(1)
الحقوق والحريات المدنية والسياسية في الإسلام ص 152، 153، للدكتور محمد سعيد رمضان، ضمن حقوق الإنسان في الإسلام بين الخصوصية والعالمية، ضوابط المصلحة لمحمد سعيد ص 248 وما بعدها.
إن الحرية التي تتربص بحياة الأبرياء وتهددها، أو التي تعود ممارستها بالضرر على عقول الناس، أو تبديد ممتلكاتهم، أو تتناقض مع مصلحة الدين وحمايته، لا تعتبر -والحالة هذه - حقاً ممتلكاً أو مشروعاً لصاحبه، ومن ثم يجب حجز هذا الحق عنه، حماية لهذا الحق ذاته في مستواه الأكثر أهمية، أو حماية لمصلحة إنسانية تعود إلى حماية حق آخر أسبق منه في سلم الأولويات
(1)
.
ولذا يجب على من يدخل في الإسلام أن يعتقده اعتقاداً جازماً، وفي ذلك منتهى الاحترام للعقيدة التي لا يسمح الإسلام بأن تكون عقيدة سطحية وعرضة لتضليل المضللين.
وحرية اختيار ما يريد الإنسان ويشتهي ويهوى، مما أباح الله في شريعته لعباده من عمل ظاهر أو باطن غير ملاحقة بالمسؤولية والحساب والجزاء ما لم ينجم عنها لدى استعمالها ترك واجب أو فعل محرم أو عدوان على حق الغير فرداً كان أو جماعة، أو ضرر أو إضرار بأحد من الناس، أو البيئة أو غيرها.
وإنما كانت الحرية في هذا المجال غير ملاحقة بالمسؤولية والحساب والجزاء؛ لأن الله سبحانه وتعالى الذي له الخلق والأمر قد منحها ذلك، فأباح لها أن تختار ما تشتهي من أصناف أو أفراد داخلة في دائرة المباحات التي أباحها لعباده، وأنزل فيها إذنا شرعياً ضمن دائرة ما أباح لهم أن يفعلوه أو يتركوه.
وما أباح الله عز وجل للإنسان من سلوك شخصي لا علاقة للمجتمع به، أو لا يمس إنساناً بضرر فلا حق لأحد أياً كان أن يحرمه منه، أو يمنعه عنه
(2)
.
وقوله: (ولم تطعن في صحته أي سلطة دينية رسمية في أي بلد مسلم، وذلك خوفاً من التعرض لنفس مصير سلمان رشدي).
(1)
الحقوق والحريات المدنية والسياسية ص 253.
(2)
الفقه الإسلامي وأدلته 6/ 720 للدكتور وهبة الزحيلي، كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة ص 31
فيظهر من كلام الكاتب أن ما قاله ونشره سلمان رشدي يدخل في حرية الفكر التي ينادي بها الكاتب، والرواية التي نشرها سلمان رشدي تضمنت أبشع وأقذر صورة للافتراءات والأوصاف التي يصف فيها كتابه نبي الإسلام سيدنا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجاته أمهات المؤمنين، وغير ذلك من المستنكرات، حتى أنه يتهجم على خليل الله سيدنا إبراهيم بكلمات لا تليق بحرمة الأنبياء، ويصف أمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمات من سافل الكلام الذي يخرج عن نطاق التعدي على المقدسات الاعتقادية الإسلامية، بصورة تجرمها وتعاقب عليها قوانين جميع البلاد المتمدنة، التي حكمها نظام ودستور وقوانين تحفظ الحقوق والكرامات؛ لأن ما جاء في تلك الرواية يتجاوز نطاق حرية الآراء، ويدخل في نطاق العدوان والإيذاء بالكلام السافل الذي يمس الكرامات المحترمة المصونة
(1)
.
فهل هذا يدخل في حرية الفكر في الإسلام؟ بل في أي دين من الأديان؟ إننا نعجب أشد العجب من استشهاد الكاتب واستنكاره على صدور حكم الردة على سلمان رشدي، وملاحقته بدعوى قضائية جزائية تقام عليه وعلى دار النشر التي نشرت له هذه الرواية، كما صدر بذلك قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة.
فحرية تعبير الإنسان عن أفكاره وآرائه حق له، ما لم يكن مضللاً بباطل واضح البطلان، أو داعياً لضر أو شر أو أذى، أو مشجعاً على إدحاض الحق ونصرة الباطل، ونشر الظلم والعدوان والفساد والإفساد في الأرض
(2)
، كما فعل سلمان رشدي.
(1)
القرار الثاني للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة من الدورة الحادية عشرة.
(2)
أجوبة الأسئلة التشكيكية ص 31 وما بعدها، وأنظر كواشف زيوف ص 226 وما بعدها، للميداني.
الإسلام جاء إلى الناس عامة، والرسول صلى الله عليه وسلم بعث إلى البشر كافة، وهو رحمة لهم، فهذه الدعوة عالمية لإنقاذ الإنسان، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، ولكن الذين لا يستجيبون لهذه الدعوة لا يكرهون عليها؛ لأن طريق الخير وطريق الغي سبيلان ممهدان قد وضحا أمام الإنسان، وأساس العبادة ما هو إلا الاختيار طوعاً لا كرهاً، ولو شاء الله لجمع الناس جميعاً على الهدى، قال تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: 35]، ومن حيث الطواعية والاختيار {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256].
وقوله: (كل الشريعة التي هي من عمل الإنسان تركز على استخدام العنف) يجاب عليه بأن الشريعة في الإسلام ليست من عمل الإنسان؛ وإنما هي منزلة من الخالق جل وعلا في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الذي بين الحق تبارك وتعالى، وأن ما يصدر عنه صلى الله عليه وسلم هو وحي من الله مع تزكيته عن الهوى، وذلك في قوله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4].
وأما إذا كان يقصد بالشريعة الأحكام التي اجتهد علماء الشريعة الإسلامية في استنباطها، فيجاب عليه بأن الشريعة الإسلامية لم تترك باب الاجتهاد مفتوحاً لمن شاء، وإنما جعلت له شروطاً يجب توفرها فيمن يتصدى للاجتهاد، فإذا توفرت هذه الشروط واتبع المجتهد قواعد الاجتهاد فحينئذ يجب قبول الأحكام الشرعية التي صدرت منه؛ لأنها بتوفر الشروط المشار إليها تصبح من شرع الله؛ لأن هذا الاجتهاد مرده: إما إلى النصوص من جهة تفسيرها، وبيان المراد منها، أو من جهة ثبوتها بالسند، ويدخل فيها الإجماع؛ لأنه في الغالب كاشف عن نص أثبته، وكان مستنداً له، ويبحث فيه عن أنواعه، وحجية كل نوع، وعن طريق روايته.
وإما اجتهاد من طريق الرأي، يبحث فيه عن مقصد النصوص لاستنباط أحكام للوقائع التي لم ينص على أحكامها إما من طريق القياس، وإما بإثبات الحكم بعلل دلت عليها النصوص؛ كوجوب إزالة الضرر عند وجوده، ووجوب العمل بالمتيقن به عند الشك، وهو الاستنباط بالمصلحة المرسلة
(1)
.
وأما إذا كان يقصد الكاتب بالشريعة القوانين الوضعية التي يضعها البشر فهذه إن وافقت شريعة الله فهي من حكم الله الذي يجب العمل به، وإن خالفت شرع الله فلا اعتداد بها في الإسلام سواء أدت إلى عنف، أو أدت إلى السفور والإباحة لما حرم الله.
وما استنكره الكاتب على المملكة العربية السعودية لعدم توقيعها على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واعتبره قيداً على الحرية، فنقول له إن من أسباب عدم توقيع المملكة على الإعلان المذكور أن المادة الثامنة عشرة منه، ونصها:
(لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر، ومراعاتها، سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة)، فهذه المادة قد فتحت للإنسان المسلم باباً خطيراً، ومنكراً عظيماً؛ لأنها تتيح له التأثير البالغ على أقدس وأسمى شيء في ذاته، ووجوده، ومصيره، وهو دينه. وهل بعد التأثير على الدين والعقيدة تأثير؟ إن تغيير المسلم دينه يعد في الشريعة الإسلامية ردة لا شبهة فيها.
ولأن مفهوم الدين في الإسلام يختلف عن مفهوم الدين في النظام العلماني الغربي، الذي يحصر نطاقه في العبادات والأمور الشخصية، ولا يجعل له أية سلطة
(1)
محاضرات في أصول الفقه ص 238 للدكتور أحمد فهمي أبو سنة.
في حكم المجتمع وتسيير نظامه، أما الإسلام فهو عقيدة وشريعة ونظام حياة؛ ومن ثم وجب على الحاكم المسلم أن يصدر في الموافقة أو الرفض بالتوقيع على أي نظام عن مدى ملائمته أو منافرته ومضادته للشريعة الإسلامية، وبناءً على أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان متعارض مع الشريعة الإسلامية فقد رفضت حكومة المملكة العربية السعودية التوقيع عليه.
وإن عدم توقيع المملكة على الإعلان المذكور هو وسام شرف وفخر لها ولولاة الأمر فيها. وهذا واجب على كل مسلم.
والقول بعالمية حقوق الإنسان يمكن أن يناقش بما يلي:
أولاً: هل هذه الحقوق المعلنة إنسانية لأن الإعلان قال إنها كذلك، أم إن الإعلان قال إنها حقوق لأنها كانت حقوقاً قبل الإعلان؟ وبعبارات أخرى: هل الإعلان هو الذي جعل منها حقوقاً أم أنه كان مقراً لكونها حقوقاً؟ هل كان الإعلان منشئاً ومانحاً لها أم كان معبراً عنها؟ لابد أن يكون الأخير هو الصواب.
ثانياً: هل هذه الحقوق جامعة مانعة بحيث لا يمكن أن يزاد عليها ولا ينقص منها أم إن ذلك ممكن؟ لابد أن يكون ممكناً، فلا أحد يقول عن اجتهاد بشري إنه قد كتب له الكمال، وإذا كان الأمر كذلك فلابد أن يكون للداعي إلى إضافة أو حذف شيء منها حجة يعتمد عليها، فماذا يمكن أن يقول إذا لم يكن لهذه الحقوق المعلنة مستند غير كونها مما أعلنته هيئة الأمم المتحدة؟
ثالثاً: القول بعالميتها إما بناءً على إرسائها على قاعدة فلسفية مشتركة بين جميع الأمم، وهذا غير ممكن، وإما بناءً على إرسائها على فلسفة غربية، وحينئذ تفقد صفة العالمية، بل واتهم القائلون به بأنهم عملاء للاستعمار الثقافي.
إن الأسس التي يقوم عليها التزام الناس بما يلتزمون به مما جاء في الإعلان هي:
أ - إن بعضهم - ككثير من الغربيين وكالمسلمين - يجد لكثير منها أسساً في ثقافته الخاصة.
ب- إن بعضهم يلتزم بها تقليداً للغرب؛ لأنه يرى أن الحضارة الغربية هي حضارة العصر، فكما أنهم يحاولون أن ينهجوا نهج الغربيين في عاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم، فكذلك يحاولون تقليدهم في التزامهم بهذه الحقوق
(1)
.
وإذا اعتقد الإنسان أن في القرآن، أو في السنة ما يتناقض مع مسائل عصرية يراها مهمة وضرورية لتحقيق مصالح الناس؛ فإنه بهذا يبطل إيمانه بأن القرآن كلام الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يمكن أن يعتقد الإنسان بإخلاص أن القرآن كلام الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعتقد مع ذلك أن فيهما ما هو باطل أو مضر.
إن كثيراً من الغربيين يفترضون أن تصوراتهم ينبغي أن تكون هي التصورات العالمية التي تتجاوز الثقافات، وهذا الافتراض لا يلزم الآخرين بأن يعتقدوا أن التصورات الغربية هي التصورات العالمية أو المطلقة.
والحرية الدينية الواردة في المادة المذكورة هي أيضاً مما يختلف فيه التصور الإسلامي عن التصور الغربي؛ إن التصور الغربي يفسر الدين تفسيراً يجعله محصوراً في إطار النظام العلماني، وبما أن الدولة الإسلامية دولة تقوم على الدين، لا على العلمانية، فمن حقها أيضاً أن تجعل حرية الدين وحرية الاعتقاد وحرية
(1)
الإسلام وحقوق الإنسان مناقشة لأفكار غريبة ص 5 و 6 بتصرف قليل، للدكتور جعفر شيخ إدريس.
الممارسة في نطاق نظامها الديني، لكن شيوع النظام العلماني جعل الناس ينسون هذه الحقيقة، ويفترضون أن النظام العلماني هو النظام الوحيد المناسب للبشرية، فما يبيحه هو المباح، وما يحرمه هو المحرم، وهذا أمر ينكره المسلم الملتزم بدينه
(1)
.
إن حقوق الإنسان في الإسلام من الثوابت التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي، فهي ليست حقوقاً دستورية فحسب، وهي ليست نتاجاً فكرياً يمثل مرحلة من تطور العقل الإنساني، وليست حقوقاً طبيعية كما يعبر عنها في القانون الوضعي، ولكنها في التعاليم الإسلامية واجبات دينية محمية بالضمانات التشريعية والتنفيذية، وليست وصايا تدعى الدول لاحترامها والاعتراف بها من غير ضامن لها، بل هي مرتبطة بالإيمان بالله، وتقواه، يكلف بها الفرد والمجتمع كل في نطاقه وفي حدود المسؤولية التي ينهض بها، وبذلك فإن الفرد في المجتمع الإسلامي يتشرب هذه الحقوق ويتكيف معها بحيث تصبح جزءاً من مكوناته النفسية والعقلية والوجدانية، ويحافظ عليها؛ لأن في المحافظة عليها أداء لواجب شرعي، ولا يجوز له أن يفرط فيها؛ لأن التفريط فيها تقصير في أداء هذا الواجب
(2)
.
بل إن الارتباط بين هذه الحقوق وبين الإيمان بالله وتقواه هو مصدر قوة هذه الحقوق في الإسلام.
وإنه من الخطر الكبير في مفهومنا الإسلامي إضعاف هذا الارتباط، وذلك لأن مفعول «العقيدة الإلهية» في ذلك أقوى من مفعول «القانون المادي» ، خاصة ونحن نرى أن معظم الاضطراب والشذوذ في حياة الناس في العالم المتقدم مادياً،
(1)
حقوق الإنسان والقضايا الكبرى ص 4، 5 للأستاذ كامل الشريف.
(2)
حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية ص 8، 9 للدكتور عبد العزيز التويجري.
إنما سببه فقدان العقيدة الإلهية، والانصراف إلى حياة مادية بحتة تزايدت معها الجرائم، وحياة الشذوذ في تلك المجتمعات.
وفي الإسلام كل حق إنما هو واجب على آخر، فحق الوالدين في البر هو واجب على الأبناء، وحق الأولاد في الرعاية هو واجب على الآباء، وحق الزوجة في الرعاية والنفقة واجب على زوجها، وحق الرعية في العدل واجب على الحكام، وحق الفقراء في الكفاية من العيش واجب على الأغنياء. وهكذا نجد الحقوق في الإسلام إنما هي واجبات وفروض، فإذا روعيت هذه الواجبات وأديت هذه الفروض لأهلها استقر الأمر واستقام المجتمع، والمسلمون وحدهم هم الذين يفهمون الإنسان بمعناه الصحيح؛ لأنهم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد وحده هو الذي أعلن حقوق الإنسان بهذا المعنى؛ لأنه رسول الله، والله وحده هو الذي ألهم رسوله وأوحى إليه هذه الحقوق؛ لأنه أرسله رحمة للعالمين كافة.
أرسله رحمة للذين استضعفوا في الأرض لقلة المال كالمساكين، أو لفقد العشير كالموالي، أو لضعف النصير كالأرقاء، أو لطبيعة الخلقة كالنساء، فكفل الرزق للفقير بالزكاة، وضمن العز للذليل بالعدل، ويسر الحرية للرقيق بالعتق، وأعطى الحق للمرأة بالمساواة.
والمستضعفون الذين رحمهم الله برسالة محمد لم يكونوا من جنس مبين، ولا من وطن معيّن؛ إنما كانوا أمة من أشتات الخلق وأنحاء الأرض، اجتمع فيها العربي والفارسي والرومي والتركي والهندي والصيني والبربري والحبشي على شرع واحد هو الإسلام، والإسلام الذي يقول شارعه العظيم «ولقد كرمنا بني آدم» لم يخص بالتكريم لوناً دون لون، ولا طبقة دون طبقة، إنما ربأ ببني آدم جميعاً
أن يسجدوا لحجر أو شجر أو حيوان، وأن يخضعوا مكرهين لجبروت كاهن أو سلطان
(1)
.
إن الأصل الثابت الذي تقوم عليه التعاليم الإسلامية هو الاحترام الكامل والوافر للكرامة الإنسانية، التي يتسم المفهوم الإسلامي لها بخاصيتي الشمول والعموم، فيكتسب هذا المفهوم عمقاً ورحابة وامتداداً في الزمان والمكان، وكما هو مقرر شرعاً، فإن المفهوم الإسلامي للكرامة الإنسانية يرتقي إلى قمة عالية من العدل المطلق، ومن المساواة الكاملة، ومن الحق والإنصاف اللذين لا تشوبهما شائبة، يقول الله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} ] الإسراء: 70 [، ويدل سياق الآية أن التكريم هو التفضيل للترابط والتكامل بين بدء الآية وختامها {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} و {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} وبهذا التكريم والتفضيل تأصلت الكرامة في الأصل الإنساني تأصيلاً، فتكريم الله لعباده هو تشريف لهم ما بعده تشريف
(2)
.
لقد وضع الإسلام القواعد الثابتة والمبادئ الراسخة لكرامة الإنسان، ولمبدأ المساواة وعدم التمييز وللدعوة إلى التعاون بين الشعوب، ولحرية الإنسان في العبادة ولحق الحياة، ولحق الحرية، ولحرمة العدوان على مال الإنسان، وحصانة بيته، ولقاعدة أن الأصل في الإنسان هو البراءة، ولمبدأ التكافل الاجتماعي، وهذه هي المبادئ العامة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي كان الإسلام سباقاً إلى إقرارها، وكان المجتمع الإسلامي سباقاً إلى ممارستها، والحياة في كنفها.
(1)
وحي الرسالة ص 7، 6 لحسن الزيات.
(2)
حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية ص 9.
ومن هذا المنظور الشمولي إلى حقوق الإنسان، وبهذا الفهم العميق لمقاصد الشريعة ومكارمها يتجلى لنا بالوضوح الكامل كيف أن الإسلام كفل للإنسان حقوقاً لم يكفلها له دين من الأديان، ولا مذهب من المذاهب، ولا فلسفة من الفلسفات، كما يتضح لنا أن المفهوم الإسلامي لحقوق الإنسان هو الأكثر عمقاً وأصالة، والأشد انسجاماً وتوافقاً مع الفطرة الإنسانية؛ لأنه مستمد من هدي الله تعالى الذي هو رحمة للعالمين
(1)
.
وفي الندوة التي عقدت في الرياض حول الشريعة الإسلامية، بين فريق من كبار علماء المملكة العربية السعودية وبين آخرين من كبار رجال الفكر والقانون في أوروبا.
وبعد بيان علماء المملكة لحقوق الإنسان في الإسلام، تعاقب الخطباء من الوفد الأوروبي وفي مقدمتهم معالي الرئيس المستر ماك برايد وأعلن إعجابه بما سمع من حقائق عن الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان فيها، وقال: من هنا ومن هذا البلد الإسلامي يجب أن تعلن حقوق الإنسان لا من غيره من البلدان، وأنه يتوجب على العلماء المسلمين أن يعلنوا هذه الحقائق المجهولة عند الرأي العام العالمي، والتي كان الجهل بها سبباً لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين والحكم الإسلامي عن طريق أعداء الإسلام والمسلمين، وألح أن تكتب للوفد هذه الأجوبة القيمة لتكون في أيديهم وثيقة مخطوطة يدافعون بها عن الإسلام، ويشرحون بها الحقيقة لكل راغب في المعرفة.
كما أعلن زميل له بكلمة أخرى تهنئة لهذه الدولة الفتية على ما حققته من مفاخر حقوق الإنسان بفضل الإسلام، إلى أن قال: وإني بصفتي مسيحياً أعلن أنه
(1)
المصدر السابق ص 11، 12.
هنا في هذا البلد الإسلامي يعبد الله حقيقة، وأنه مع السادة العلماء بأن أحكام القرآن في حقوق الإنسان بعد أن سمعها ورأى في الواقع تطبيقها - هي بلا شك تفوق على ميثاق حقوق الإنسان
(1)
.
حقوق الإنسان وازدواجية المعايير:
على الرغم من أن مفهوم القانون الدولي لحقوق الإنسان من حيث هو مفهوم قانوني ودستوري يستند إلى الشرعية الدولية، فإن هناك تعارضاً كبيراً بين الشرعية الدولية لحقوق الإنسان وبين التفسير والتطبيق الغربيين لهذه الشرعية ولتلك الحقوق، وهذا من التناقضات الصارخة، وفي ذلك من المفارقات القدر الذي يجعلنا نتردد في التسليم بعالمية حقوق الإنسان وفق التطبيق الغربي لها؛ إذ إنه على الرغم من اعترافنا بالشرعية الدولية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن ذلك لا ينفي الحرص على أن تُراعى الخصوصيات الثقافية التي تقرها المواثيق الدولية في تفسير مواد هذا الإعلان العالمي، ولا يجوز أن يكون تطبيق تلك الحقوق غير عادل وشامل يميز فيه بين شعب وآخر
(2)
.
وتأسيساً على ذلك، فإننا نؤكد على ضرورة احترام الخصوصيات التي جاءت بها الأديان السماوية، والتي تقرها المواثيق الدولية.
إن لحقوق الإنسان بعداً ثقافياً يتركز في طبيعة المرجعية التي تنبع منها حقوق الإنسان، وهل هي حقوق غربية المنبع، أم أنها عالمية الأبعاد
(3)
، ومن الطبيعي أن لا
(1)
عقدت هذه الندوة في الرياض في 7 صفر عام 1392 هـ 22 مارس 1972 م. وطبعت نتائجها في كتيب بعنوان: ندوة علمية في الرياض حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام، فيما بين فريق علماء المملكة العربية السعودية وبين آخرين من كبار رجال الفكر والقانون في أوربا. نشر دار الكتاب اللبناني بيروت. ص. ب 3176.
(2)
حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية ص 12.
(3)
الغرب والعرب وحقوق الإنسان، الكويت 1997، ص 14، للدكتور غانم النجار.
يكون هناك قبول مطلق لعالمية حقوق الإنسان وقابليتها للتطبيق، وذلك بحكم الطبيعة الإنسانية التي من مظاهرها التنوع الثقافي بين شعوب العالم، وإن العديد من المفكرين والحكماء أخذوا يعارضون التوجه الغربي الهادف إلى فرض التفسير والتطبيق الغربيين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان على العالم
(1)
، ويوجهون نقداً صريحاً للأسس التي تقوم عليها عولمة حقوق الإنسان، التي تعتمد ازدواجية المعايير وتفرضها على الأمم والشعوب سياسة متبعة تتسم بروح الهيمنة.
وفي التعاليم الإسلامية، فإن هذه الازدواجية غير مقبولة، بأي وجه من الوجوه؛ لأنها افتئات على الحقوق، ولأنها تتنافى مع مبدأ العدل الذي هو أساس التعامل الإنساني السليم، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، أو على مستوى العلاقات الدولية.
ولذلك فإن عالمية حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي الخاضع للهيمنة التي تحدو القوى العظمى أمر لا ينسجم مع روح القانون الدولي من جهة، ولا يتفق وطبيعة التنوع الثقافي الذي هو من مصادر التشريع لدى العديد من الشعوب من جهة ثانية، فإن حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية -كما أسلفنا- هي حقوق لكل البشر، لا للغني دون الفقير، ولا للقوي دون الضعيف، وإنما هي حقوق جعلها الله مكفولة لكل إنسان، لا تتقيد إلا بالضوابط الشرعية المحكومة بالنصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
إن سبق الإسلام إلى كفالة حقوق الإنسان، ينبغي أن يكون حافزاً لنا على القيام بمراجعة شاملة ودقيقة لأحوالنا وأمورنا كلها، خاصة ما يتصل منها بتطبيق التعاليم الإسلامية في مجال حقوق الإنسان
(2)
.
(1)
المصدر السابق، فصل (حقوق عالمية أم خصوصية ثقافية، هل يصلح الغرب حكماً؟).
(2)
المصدر السابق ص 12 - 14.
(والخلاصة إن حقوق الإنسان في الإسلام - وهي جزء من الدين الإسلامي جاءت في أحكام إلهية تكليفية، ولذلك فإننا يجب أن نحذر الوقوع في مقارنات لا معنى لها بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي هو نتاج بشري وبين الإسلام الذي هو رسالة سماوية)
(1)
.
وهذا ما لم تصل إليه -بعدُ- نصوص (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، ولا نصوص (الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) للإنسان، بل ظلت هذه النصوص الدولية في مرتبة التوصيات الأدبية التي لا ضامن لها من الضمانات التشريعية، لا على المستوى الدولي ولا على المستوى القومي، وهذه هي أولى تحفظات المملكة العربية السعودية على الميثاقين بصورة عامة.
ولذلك كله تحرص المملكة العربية السعودية على أن لا تهبط في هذه الحقوق إلى مستوى التوصيات التي لا ضامن لها، وأن تبقى مستمرة في العمل بها على أساس الشريعة الإسلامية، وكما أنه سبحانه نظم لعباده أمور معاشهم من بيع وشراء ونكاح وطلاق ومواريث وعدد وغير ذلك مما هو شامل لأدق تفاصيل الحياة، فقد شرع سبحانه لمن أراد الإخلال بشرعه أو تخويف عباده أو نشر الرذيلة والفاحشة بين خلقه عقوبات رادعة تكون طهرة له وعلاجاً ونجاة للمجتمع وحياة، فشرع القصاص والحدود والتعزيرات؛ لتكون الأمة أشد تمسكاً بدينها، وأبعد عن الجريمة، وأوثق في الصلات والروابط بين الأفراد، فهذه الشريعة جاءت بما يصلح العباد والبلاد ويقطع دابر الفساد .. ويجب أن يُعلم أن تحكيم الشريعة فرض فرضه الله على عباده المؤمنين لا محيد لهم عنه ولا خيار لهم فيه
(1)
المصدر السابق ص 14.
يقول سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] ويقول سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]. والإسلام معناه الاستسلام والانقياد لأوامر الله.
ولما كان العقل أعظم ما يمتاز به الإنسان عن غيره من الحيوانات؛ لأنه يميز به بين الضار والنافع والقبيح والحسن، ويدفع صاحبه إلى فعل الفضائل واجتناب الرذائل. ولذا سمي عقلاً، لأنه يعقل صاحبه عن فعل القبائح، وسمي حجراً لأنه يحجره كذلك عما لا يليق، وسمي نُهى ولبا، وكلها أسماء تدل على شرف العقل وقيمته؛ لأن فيه أماناً للإنسان في خاصة نفسه من أن يناله أذى من غيره، وأماناً لغيره أن يناله أذى منه، ولأن الإسلام يأمر بحفظ الضرورات الخمس وهي الدين والنفس والنسل والعقل والمال، واستعمال المخدرات وترويجها ضار بالعقل، فقد صدر قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية برقم 138 وتاريخ 20/ 6/ 1407 هـ متضمناً ما يلي:
أولاً:
بالنسبة لمهرب المخدرات فإن عقوبته القتل؛ لما يسببه تهريب المخدرات وإدخالها البلاد من فساد عظيم لا يقتصر على المهرب نفسه، وأضرار جسيمة وأخطار بليغة على الأمة بمجموعها، ويلحق بالمهرب الشخص الذي يستورد أو يتلقى المخدرات من الخارج يمون بها المروجين.
ثانياً:
أما بالنسبة لمروج المخدرات فقد أكد المجلس قراره رقم (85) بتاريخ: 11/ 11/ 1401 هـ الذي نص على أن: «من يروج المخدرات فإن كان للمرة الأولى فيعزر تعزيراً بليغاً بالحبس أو الجلد أو الغرامة أو بها جميعاً، حسبما يقتضيه النظر القضائي، وإن تكرر منه ذلك فيعزر بما يقطع شره عن المجتمع ولو كان بالقتل؛ لأنه بفعله هذا يعتبر من المفسدين وممن تأصل الإجرام في نفوسهم» .
ويستطرد الكاتب قائلاً (يبررون قطع الرأس عقوبة للردة ويطلقون العنان للفتاوى الجاهزة والآراء الشخصية المجردة من أي قيمة قانونية أو دينية، والنابعة من الجهل والعبودية للسلف، والتي تحث على ارتكاب الجرائم وتبريرها وديمومتها، وتلعب المملكة العربية السعودية دوراً رائداً في هذا المجال وتحاول تصدير نموذجها لجميع أرجاء العالم).
وإضافة لما سبق من بيان حكم قتل المرتد فإن جوابنا على قوله هذا ما أوضحه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية رحمه الله إذ قال: (إن أرقى دول العالم في الحضارة والتقدم الصناعي والتعليم، لتفقد أعظم متطلبات المجتمع المعاصر الذي يتلهف على الأمن، ولكن بلادنا بفضل توفيق الله لنا في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، حصلت على ما فات دول العالم المتمدن، أمناً واستقراراً وسعادةً وطمأنينةً نفسية).
إن حال المفسدين في جزيرة العرب أمر كان مشهوراً للناس في العالم الإسلامي وغير الإسلامي، ويتناقل أنباءه الحجاج والوافدون لهذه الجزيرة من مسلمين ومستشرقين، وعندما قامت الدولة السعودية مطبقة لأحكام الإسلام
اختفى أولئك المفسدون، وزال ظل الخوف والرعب عن النفوس وصار المسافر يذهب على راحلته ثم سار في سيارته بما عليها من أموال، ولا يخشى إلا الله سبحانه وتعالى؛ فقد أثر في نفوس الناس قتل القاتل وقطع يد السارق ورجم الزاني؛ إذ أثبتت إقامة هذه الحدود أثرها في انحسار الجريمة، وصار من يفكر في جريمة من الجرائم يعود قبل تنفيذها ليتصور عقوبتها، فيزجره الخوف من العقاب عن الفساد؛ لأن من توقع حلول العقوبة امتنع عن ارتكاب الجريمة، كما أن من أمن العقوبة أساء الأدب.
إن هذه الممارسة الحية لآثار تطبيق أحكام الشريعة شاهد عيان على مدى تأثير الحكم بشريعة الإسلام في تأمين المجتمع.
إن المتتبع لحوادث الجرائم في بلادنا المملكة العربية السعودية (إذا أراد مقارنتها بما يحدث في إحدى الدول المتحضرة، ذات النفوذ والتقدم الباهر في ميادين الصناعة والقوة سوف يظهر له جلياً البون الشاسع والفرق البين، وإن جرائم المجرمين في تلك الدول لتتسم بطابع التنظيم والمغالبة بما لا يوجد له نظير في بلادنا؛ لأننا بحمد الله نعالج شؤون عباد الله بما شرعه الله.
لقد رأينا بأنفسنا وسمع عنا العالم أجمع كيف أثمرت تطبيقاتنا لشريعة ربنا في أحلك الأحوال وأحرج الظروف ثمرات باهرة وعلاجاً للأمراض حاسماً، واختفاءً لنوع الجريمة بعد إيقاع العقوبة مباشرة.
فمن جرب تجربتنا عرف معرفتنا، لقد كان الناس في الزمن القديم إذا أرادوا الحج، ودع الحاج منهم أهله وداع من لا يتوقع العودة؛ لما عرف من مخافة السبيل في هذه الجزيرة، ثم تحولت جزيرة العرب من ذلك الوضع المتناهي في السوء والخوف إلى وضع هو في قمة الأمن والسلامة، إنها بركة تطبيق الشريعة التي
نعتز بتطبيقها، ونتمنى أن يحذو كافة إخواننا في بلاد الإسلام حذونا، فيطبقوا شريعة الله.
إن من يتباكون ويشفقون على سارق قطعت يده، وقاتل مجرم أزعج الناس فقتل، وزان مستهتر جلد أو رجم، وشارب خمر عبث بعقله فأفسده، وجره ذلك أو قد يجره إلى أسوأ الأعمال، فقد أغمضوا أعينهم عن فزع الناس من هؤلاء المفسدين، وأصموا آذانهم عن سماع عويل من وقع عليهم جرم وبلاء أولئك المفسدين، إن قتل نفس واحدة بالقصاص يصل به نجاة أنفس كثيرة كالعضو الفاسد يقطع لحفظ بقية الجسم، وبذلك يأمن الناس على حياتهم. قال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} (البقرة: 179).
وإن قطع يد واحدة يحفظ أيدياً كثيرة، ونفوساً بريئة وأموالاً من الانتهاك، وإن رجم زان أقر واعترف بجرمه وهو محصن يزجر الله به جماعات كثيرة)
(1)
.
إذا علم هذا وتقرر فنقول إن التهجم الشرس والمتواصل على المملكة العربية السعودية من قبل منظمة حقوق الإنسان أو غيرها من المؤسسات والأفراد إنما هو صورة من صور العداء لهذا الدين وأهله، ونفثة حقد وحسد من أهل الكفر والزندقة على أهل الإسلام؛ لأن المملكة العربية السعودية تعلن تحكيم شرع الله والعمل به في كل أمور الحياة - عمرها الله بالإيمان وزادها هدى وتقى وثباتاً، على دينه والعمل في كل ما من شأنه رفعة هذا الدين - لذا نصبت أنظار أعداء الإسلام على هذه البلاد محاولة صدها عن دين الله؛ ولذا فإني أهيب بالأستاذ محمد طالبي وغيره من الكتاب، وهو مسلم ومن بلد مسلم ويحمل اسم محمد أن لا ينطلقوا من منطلقات أعداء الإسلام ومناوئيه.
(1)
مجلة رابطة العالم الإسلامي ص 8 وما بعدها العدد الأول السنة الثانية عشرة عام 1400 هـ.
وأما قول الكاتب (الإسلام الحديث) ويقصد به إخضاع الدين لأهواء الناس ورغباتهم، والسير خلف ما يرتاحون إليه وإن خالف شرع الله والدين الحق، فهذا قول باطل محرم، وإن زخرف القول به وقيل إنه مسايرة للعصر ومجاراة للأمم المتقدمة، والحقيقة أن هذا لعب بالدين وتلاعب بعقول المسلمين وإغواء لهم باتباع أهوائهم ورغباتهم، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71].
فلا يجوز في الإسلام إخضاع أحكامه التي من شأنها الثبات والاستقرار للتغيير والتبديل، أما الذين يريدون أن يحرفوا أحكام الدين لكي تلائم ما يريدون من عقائد وأفكار، كما ذكر الكاتب من إنكاره لقتل المرتد وانزعاجه للفتوى بحجاب المرأة في مدينة شديدة الحرارة فنقول له: كلا فقولك هذا مرفوض ومردود عليك من كل مسلم يدين بشرع الله؛ لأن الله قد أوجب أن يكون الدين هو الميزان الثابت الذي يحتكم إليه الناس إذا اختلفوا، ويرجعون إليه إذا انحرفوا.
وأما مسايرة أعداء الإسلام، ومحاولة تطويع نصوص الدين لما هم عليه من الفساد والضلال فهذا موقف انهزامي، نربأ بإخواننا المسلمين عن الانسياق إليه، والوقوع في شراكه. هذا ونسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطنا.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
الخاتمة
1 -
المقال المنشور في مجلة جون أفريك الفرنسية والمعنون ب (كل ما يتضمنه القرآن يدعو إلى حرية الفكر) تضمن إنكار الاحتجاج بالسنة، واتهام الفقهاء بنسبة أحاديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والإنكار على المملكة العربية السعودية في قتل المرتد ومروجي المخدرات.
2 -
يرى كاتبه مخالفة المملكة لحرية الفكر، لقتلها المرتد، وتجار المخدرات، ويقول: إن قتل المرتد لم يرد في القرآن الكريم.
3 -
اعتمد الكاتب على ميزان غريب في مجال البحث العلمي حيث حمل في ذهنه فكرة معينة، وأراد أن يثبتها بدون دليل، بل إنه في سبيل إثباتها أنكر الأدلة الصحيحة الصريحة لأنها مصادمة لهواه.
4 -
تم إيراد الأدلة من القرآن والسنة والإجماع على وجوب التسليم لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفي الإيمان عمن لا يحتكم إلى سنته.
5 -
بناء على أن الكاتب يقصر الاحتجاج على القرآن فقد أثبتنا بالقرآن الكريم وجوب الاحتجاج بالسنة، ومع ما في القرآن الكريم والسنة الشريفة من غنية إلا أننا أوردنا أقوال بعض المستشرقين المعتدلين أو من اضطروا للاعتراف بالحقيقة في وجوب الاحتجاج بالسنة؛ لاعتقادنا أن أقوالهم ستجد قبولاً لديه.
6 -
إن من وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم، ولا شك في أنه قد قام بذلك على الوجه الأكمل، وواجب على المسلم أن يلتزم بما جاء به، وإلا فما فائدة أوامره ونواهيه، وبالتالي ما فائدة رسالته.
7 -
في القرآن مجمل كثير؛ فالصلاة لم يأت في القرآن بيان أنواعها وأوقاتها، وعدد ركعاتها، لكن بينها النبي صلى الله عليه وسلم. ومثلها الزكاة، والصيام، والحج. فإذا كان بيانه لذلك المجمل غير محفوظ، ولا مضمون سلامته، فقد بطل الانتفاع بنص القرآن، فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا منه.
8 -
العقل الصريح لا يعارض الشرع الصحيح، وإذا سلمنا التعارض وجب تقديم الشرع على العقل.
9 -
بين البحث أن خصوم السنة لا يمكن أن يأتوا بأدلة مقنعة تثبت عدم الثقة بالأحاديث المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
10 -
إن علم الجرح والتعديل علم مضبوط بموازين دقيقة، يعرف به المختصون درجة الحديث، وقد اختصت به الأمة الإسلامية، ولا مثيل له في أمة سبقت أو لحقت.
11 -
الأحاديث الصحيحة ليست ألعوبة في أيدي أحد من الناس فلا تتحول إلى ضعيفة بعد أن كانت صحيحة.
12 -
المرتد إذا لم يرجع إلى الإسلام فإنه يحبط عمله، ويخلد في النار.
13 -
أجمع العلماء على قتل المرتد إذا كان رجلاً عاقلاً بالغاً غير مكره.
14 -
رجح البحث قتل المرتدة، وهو قول جماهير العلماء.
15 -
الإسلام في تقرير عقوبة الإعدام للمرتد منطقي مع نفسه، ومتلاق مع غيره من النظم التي تقرر الإعدام على الخيانة العظمى.
16 -
اتفاق مذهب بعض الطوائف من اليهود، والنصارى مع الإسلام في بطلان عقد الزواج إذا ارتد أحد الزوجين.
17 -
تم الرد على إنكار الكاتب محمد طالبي مشروعية قتل المرتد، وبين أنه ليس في إقامة عقوبة الردة مصادرة للحرية؛ فإن حرية الفرد في الإسلام مقيدة بأن لا تمس نظام المجتمع وأسسه العقائدية.
18 -
بالنسبة لحرية الاعتقاد، فإن الإنسان المكلف حرٌ في هذه الحياة أن يؤمن قلبه بما يشاء؛ من حق أو باطل، وهو ما يفيده قوله تعالى:(لا إكراه في الدين) لكنه ملاحق بالمسؤولية عند الله عن اختياره الذي كان حراً فيه.
19 -
بالنسبة لحرية الفكر، لا يوافق الكاتب على جعله هذه الحرية بدون قيود ولا غاية تنتهي إليها، فهذا لا يكون في أي نظام أو شرع يحكم به المجتمع الإنساني، لا في الشرائع السماوية، ولا في القوانين الوضعية. وما وضعت الشرائع ولا حدت الحدود، إلا لبيان مبتدأ ومنتهى الحقوق والواجبات.
20 -
منح الإسلام الإنسان الحرية لكنه محكوم بالنظام الذي شرعه خالق هذا الوجود؛ فهي الحرية الوسط.
21 -
ما استنكره الكاتب على المملكة لعدم توقيعها على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهذا الإنكار في غير محله، لأن الإعلان يتيح للمسلم تغيير دينه، وهذا في الإسلام ردة لا شبهة فيها. ولأن مفهوم الدين في الإسلام يختلف عن مفهوم الدين في النظام العلماني الغربي الذي يحصر نطاقه في العبادات والأمور الشخصية، ولا يجعل له أية سلطة في حكم المجتمع وتسيير نظامه. أما الإسلام فهو عقيدة وشريعة ونظام حياة، يجب على المسلم الالتزام بها.
22 -
إن عالمية حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي لا تنسجم مع روح القانون الدولي، ولا يتفق وطبيعة التنوع الثقافي الذي هو من مصادر التشريع لدى العديد من الشعوب.
23 -
حقوق الإنسان في الإسلام هي حقوق لكل البشر لا للغني دون الفقير، ولا للقوي دون الضعيف.
24 -
إن حقوق الإنسان في الإسلام، هي جزء من الدين الإسلامي، جاءت في أحكام إلهية تكليفية، وهذا ما لم تصل إليه نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا نصوص الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإنسان، بل ظلت هذه النصوص الدولية في مرتبة التوصيات الأدبية، التي لا ضامن لها من الضمانات التشريعية، وهذه أولى تحفظات المملكة العربية السعودية على الميثاقين.
25 -
لقد أثمر تطبيق الشريعة الإسلامية في انحسار الجريمة في المملكة العربية السعودية، حتى أصبحت مضرب المثل في الأمن.
26 -
أهيب بالكاتب ومن يرى رأيه أن لا ينطلقوا من منطلقات أعداء الإسلام ومناوئيه.
هذا ونسأل الله أن يرينا وإياه الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا وإياه الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.
المراجع
1 -
أجوبة الأسئلة التشكيكية، للشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني.
2 -
أحكام الردة والمرتدين للدكتور جبر محمود فضيلات، نشر الدار العربية، عمان.
3 -
الإحكام في أصول الأحكام، لسيف الدين الآمدي، نشر مؤسسة الحلبي، القاهرة، طبع دار الاتحاد العربي، مصر، سنة 1387 هـ
4 -
الإسلام وحقوق الإنسان مناقشة لأفكار غربية، للدكتور جعفر شيخ إدريس، ندوة حقوق الإنسان التي أقامتها رابطة العالم الإسلامي في المركز الإسلامي بروما عام 1420 هـ 2000 م
5 -
الأم، للإمام الشافعي، دار المعرفة، بيروت.
6 -
الإنصاف، لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، تحقيق حامد الفقي، الطبعة الأولى سنة 1377 هـ/ 1957 م.
7 -
تاج العروس، للزبيدي، دار الفكر، بيروت عام 1414 هـ.
8 -
تاريخ الحديث باللغة الأوردية، لعبد الصمد صارم الأزهري.
9 -
التشريع الجنائي في الإسلام، لعبد القادر عوده، نشر وطبع مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة عشرة سنة 1421 هـ/ 2000 م.
10 -
تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية، للدكتور محمد بن سعد الشويعر، مطابع الجامعة الإسلامية المدينة المنورة، الطبعة الثالثة عام 1419 هـ.
11 -
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البر، تحقيق مجموعة من الأساتذة، الطبعة الثانية، سنة 1402 هـ 1982 م.
12 -
جامع الترمذي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق أحمد شاكر.
13 -
حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير للشيخ عرفة الدسوقي.
14 -
حاضر العلم الإسلامي، تأليف لوثر ستودارد الأمريكي؛ تعليق الأمير شكيب أرسلان، دار الفكر، الطبعة الثالثة.
15 -
الحدود في الفقه الإسلامي، للدكتور عبد الحكيم علي المغربي، دار الطباعة المحمدية القاهرة، الطبعة الأولى سنة 1398 هـ/ 1978 م.
16 -
الحريات العامة في الإسلام، للسيد محمد سليم محمد غزوي، نشر مؤسسة شباب الجامعة، مطبعة بدوي وشركاه، الإسكندرية.
17 -
الحرية في الإسلام، للسيد محمد الخضر بن الحسين، المطبعة التونسية، تونس، الطبعة الأولى سنة 1327 هـ/ 1909 م.
18 -
حقوق الإنسان في الإسلام، للشيخ محمد الغزالي، نشر المكتبة التجارية، القاهرة، مطبعة السعادة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1383 هـ/ 1963 م.
19 -
حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في النظام الإسلامي والنظم المعاصرة، للدكتور عبد الوهاب عبد العزيز الشيباني، مطابع الجمعية العلمية الملكية، الطبعة الأولى سنة 1400 هـ/ 1980 م.
20 -
حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية، للدكتور عبد العزيز عثمان التويجري، ندوة حقوق الإنسان، أقامتها رابطة العالم الإسلامي في المركز الإسلامي، في روما عام 1420 هـ/ 2000 م.
21 -
الحقوق والحريات الدينية والسياسية في الإسلام، للدكتور محمد سعيد رمضان، ضمن سلسلة ندوات الحوار بين المسلمين، والمعنون بحقوق الإنسان في الإسلام بين الخصوصية والعالمية بحوث ومناقشات، الندوة التي عقدت في الرباط - المملكة المغربية 18 - 20/ 6/ 1418 هـ.
22 -
حقوق الإنسان والقضايا الكبرى، للأستاذ كامل الشريف، ندوة حقوق الإنسان، أقامتها رابطة العالم الإسلامي، في المركز الإسلامي، بروما سنة 1420 هـ/ 2000 م.
23 -
درء تعارض العقل والنقل، لابن تيميه، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، الطبعة الأولى، مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 1399 هـ/ 1979 م.
24 -
رد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
25 -
رفع الملام عن الأئمة الأعلام، لشيخ الإسلام ابن تيمية، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، سنة 1378 هـ.
26 -
سلسلة الأحاديث الصحيحة، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.
27 -
سنن أبي داود، دار الفكر، تحقيق محمد محيي الدين.
28 -
سنن أبي داود لأبي سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق عزت الدعاس، وعادل السيد، دار الحديث للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى سنة 1391 هـ/ 1971 م.
29 -
السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دار المعرفة بيروت.
30 -
سنن النسائي، بشرح جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت، سنة 1415 هـ - 1995 م.
31 -
سنن ابن ماجة، لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، مصر.
32 -
الشرح الكبير، للشيخ أحمد الدردير، دار الفكر، بيروت.
33 -
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، المطبعة السلفية ومكتباتها، القاهرة، سنة 1380 هـ.
34 -
صحيح مسلم بشرح النووي، لمسلم بن الحجاج النيسابوري، مطبعة الشعب، القاهرة.
35 -
ضوابط المصلحة، للدكتور محمد سعيد رمضان، مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة 1402 هـ/ 1982 م.
36 -
على طريق العودة للإسلام، للدكتور محمد سعيد رمضان.
37 -
على مفترق الطرق، للمستشرق محمد أسد، ترجمة الدكتور عمر فروخ، دار العلم للملاين، بيروت، سنة 1974 م
38 -
الغرب والعرب وحقوق الإنسان، للدكتور غانم النجار، الكويت، 1997 م.
39 -
فتاوى المجلس الأوروبي، المجموعة الأولى، نشر مكتبة الإيمان، القاهرة، الطبعة الأولى سنة 1420 هـ/ 1999 م.
40 -
الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبة الزحيلي، الطبعة الثانية، طبع ونشر دار الفكر، دمشق، 1405 هـ/ 1980 م.
41 -
فقه السنة، للشيخ سيد سابق، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر.
42 -
الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1400 هـ/ 1980 هـ.
43 -
كشاف القناع، للشيخ منصور بن يونس البهوتي، نشر مكتبة النصر الحديثة، الرياض.
44 -
كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرية، لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية، سنة 1412 هـ/ 1991 م.
45 -
لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت.
46 -
المبسوط، لشمس الدين السرخسي، دار المعرفة، بيروت، المكتبة التجارية، مكة المكرمة.
47 -
المحلى، لابن حزم، الناشر مكتبة الجمهورية العربية، مصر، مطبعة الاتحاد العربي.
48 -
المستدرك على الصحيحين، للحاكم، تحقيق مصطفى عبد القادر السيد، دار الكتب العلمية، بيروت.
49 -
المدونة للإمام مالك، رواية سحنون، طبعة بالأوفست، من الطبعة الأولى، دار صادر، بيروت.
50 -
مجلة رابطة العالم الإسلامي، العدد الأول، السنة الثانية عشرة عام 1400 هـ.
51 -
مجلة رابطة العالم الإسلامي، العدد التاسع.
52 -
مسند الإمام أحمد، تحقيق أحمد شاكر، نشر دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مطبعة دار المعارف، مصر، سنة 1369 هـ 1950 م.
53 -
المغني، لموفق الدين ابن قدامة، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح الحلو، الطبعة الأولى، مطبعة هجر، القاهرة، سنة 1409 هـ 1989 م.
54 -
المسؤولية الجنائية، لأحمد فتحي بهنسي، الطبعة الثانية، مطبعة الحلبي، القاهرة.
55 -
مشكلة الحرية، للدكتور زكريا إبراهيم، دار الطباعة الحديثة، القاهرة.
56 -
المصنف، لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي.
57 -
المصباح المنير، لأحمد بن علي المقري، مطبعة الحلبي، مصر.
58 -
معالم الشريعة الإسلامية، للدكتور صبحي الصالح، دار العلم للملايين بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1975 م.
59 -
معالم المنهج الإسلامي، لمحمد عمارة، نشر الأزهر الشريف والمعهد العالمي للفكر الإسلامي.
60 -
الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الطبعة الثانية، طباعة ذات السلاسل، الكويت، سنة 1412 هـ/ 1992 م.
61 -
منتقى الأخبار بشرحه نيل الأوطار، المنتقى لمجد الدين ابن تيمية، ونيل الأوطار للشوكاني، دار الحديث، القاهرة - دار الجيل، بيروت.
62 -
مواهب الجليل لأبي عبد الله محمد الحطاب، دار الفكر، الطبعة الثالثة، سنة 1412 هـ/ 1992 م.
63 -
نهاية المحتاج لشمس الدين محمد بن ابي العباس الرملي، شركة مكتبة ومطبعة الحلبي، مصر، الطبعة الأخيرة، سنة 1386 هـ/ 1967 م.
64 -
وحي الرسالة، لحسن الزيات.
المؤلف في سطور
هو: أبو عمر صالح بن زابن المرزوقي البقمي
حصل على البكالوريوس من كلية الشريعة بمكة المكرمة في عام 1390، كما حصل على الماجستير من نفس الكلية عام 1395 هـ، وحصل على الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة أم القرى عام 1403 هـ وحصل على درجة أستاذ مشارك، ثم درجة أستاذ.
الخبرات العلمية:
• رئيس قسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية.
• رئيس قسم الدراسات العليا الشرعية.
• درّس الفقه، والقواعد الفقهية، والشركات، في كلية الشريعة بمكة المكرمة، والدراسات العليا الشرعية.
• درّس فقه النوازل والشركات في المسجد الحرام.
• ناقش عدداً كثيراً من رسائل الماجستير والدكتوراه.
• شارك في أكثر من خمسين مؤتمراً وندوة، داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.
عضوية المجالس واللجان العلمية:
شارك في عدد كثير من المجالس واللجان منها:
1 -
عضو المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي.
2 -
عضو مجلس الشورى لدورتين منذ عام 1426 هـ إلى عام 1433 هـ.
3 -
الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي منذ 20/ 12/ 1419 هـ حتى 1/ محرم عام 1444 هـ.
4 -
رئيس تحرير مجلة (المجمع الفقهي الإسلامي) بالرابطة.
5 -
عضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.
6 -
رئيس اللجنة الشرعية لهيئة الإغاثة الإسلامية.
7 -
رئيس لجنة الفتوى برابطة العالم الإسلامي.
8 -
عضو لجنة الموسوعة الفقهية الاقتصادية بمجمع الفقه الإسلامي الدولي.
9 -
عضو لجنة التصنيف والرقابة للبنوك الإسلامية.
10 -
عضو الهيئة العالمية للاقتصاد الإسلامي.
مؤلفاته: له مؤلفات، منها:
1 -
شركات العقد في الشرع الإسلامي، وهي رسالة الماجستير، طبع مكتبة الرشد.
2 -
شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقابلة بالفقه الإسلامي. وهي رسالة الدكتوراه وقد طبعتها جامعة أم القرى عام 1406، ثم طبعتها شركة العبيكان عام 1440 هـ-2019 م، وقد أجرى المؤلف عليها تعديلات كثيرة، وذلك بعد صدور نظام الشركات السعودي عام 1437 هـ.
3 -
حكم الاشتراك في شركات تودع أو تقترض بفوائد، نشر في العدد (21) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
4 -
حكم الإسهام في شركات القطاع العام التي يدخل الربا في نشاطها، نشر في العدد الأول من المجلد العاشر، من مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، إصدار معهد البحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية.
5 -
حكم الاكتتاب أو المتاجرة في أسهم الشركات المختلطة، نشرته مكتبة العبيكان 1429 هـ.
6 -
تجارة الذهب في أهم صورها وأحكامها، نشر في ج/ 1 من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي العدد (9).
7 -
حُسن وفاء الديون وعلاقته بالربط بتغيّر المستوى العام للأسعار، نشر في الجزء (3) عدد (8) من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
8 -
الاتجار في العملات عبر وسائل الاتصال الحديثة وأشهر صور المضاربة المطبقة في الأسواق العالمية، نشر في العدد (39) من مجلة مجمع الفقه الإسلامي بالرابطة.
9 -
موقف الشريعة الإسلامية من ربط القروض والديون بمستوى الأسعار، سبق نشره في العدد (32) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
10 -
ربط الديون والالتزامات الآجلة بالذهب أو بعملة معينة أو بسلة من العملات، سبق نشره في العدد (43) من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
11 -
حكم الأواني الذهبية والفضية وما مُوِّه بهما استعمالاً وبيعاً وشراءً واقتناءً، نشرته مكتبة الرشد.
12 -
حدود حرية الفكر في الشريعة الإسلامية، نشر في العدد (14) من مجلة المجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة، وهو هذا الكتاب.
13 -
حكم بيع الحلي بجنسه، نشرته مكتبة الرشد.
14 -
المحرر في الإرهاب أسبابه وحلول عملية لمواجهته وجهود المملكة العربية السعودية في محاربته، تحت النشر.
15 -
من تجب عليه زكاة أسهم الشركات المساهمة، سبق نشره في العدد (68) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
16 -
تحرير القول في زكاة أسهم الشركات بالنظر إلى نوع نشاطها، سبق نشره في العدد (117) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
17 -
استثمار أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع يعود على مستحقيها، سبق نشره في العدد (56) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
18 -
الشامل في زكاة الأسهم واستثمار أموال الزكاة، نشر في مكتبة الرشد، وأصله الأبحاث الثلاثة رقم 15 و 16 و 17.
19 -
ربط الديون والالتزامات الآجلة بالذهب أو الفضة أو بسلة من العملات أو بمستوى الأسعار وحكمه شرعاً. وأصله 9 و 10 من المؤلفات السابقة مع بعض التعديلات والإضافات.
20 -
شركات التمويل الإسلامية العاملة في أمريكا دراسة وتقويم لنماذج منها. قدِّم هذا البحث على مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.