المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حقوق الإنسان في الإسلام -3- الشيخ: عبد الفتاح عشماوي محاضر بكلية - حقوق الإنسان في الإسلام لعبد الفتاح عشماوي - جـ ٥٢

[عبد الفتاح بن سليمان عشماوي]

فهرس الكتاب

حقوق الإنسان في الإسلام -3-

الشيخ: عبد الفتاح عشماوي محاضر بكلية الحديث

أما الطلاق في الخارج، والبعض في البلاد الإسلامية يطالب بتقليدهم، بل وقد يكونون أجيبوا إلى ذلك من حكامهم بالفعل، وهو أن يكون أمام القاضي في المحكمة، فهو الطلاق أخو الفضائح، عندما يتبارى الزوجان في كشف أسرارهما الزوجية عند عرض القضية، والمتفرجون الذين تغص بهم المحكمة يسمعون، والصحافة الساقطة عندهم وعندنا، والمولعة بنشر صور النساء في أوضاع الفسق، بما لم يعد يخلو منه بلد إسلامي، هذه الصحافة أيضا تتسابق في نشر فضائح القضايا الزوجية، خاصة إذا كان سبب طلب الطلاق هو الزنا، بما يسمونه أدباً بالخيانة الزوجية، وهذه هي الجريمة الوحيدة التي لا يحكم بالطلاق في الخارج إلا بوقوعها، وغالبا ما تكون من الزوجة، فتخرج من المحكمة أمام الناس ذليلة مفضوحة، وفي الصباح تعلم عن قصة نفسها وهي في الصحف منشورة، وقد تزين أيضا بنشر الصورة.

والطلاق عندنا يتم بتوجيه القرآن مستورا بين حكمين، وبعد أربع مراحل لا يعلم أحد بها إلا الزوجين، فأي حقوق للإنسان أفضل؟ التي أعطاها الله له؟ أم التي وضعها لنفسه؟ أفلم تكونوا تعقلون؟

وعندما نريد تقديم النصوص الشرعية التي خص بها الإسلام المرأة، ورفع قدرها وصان أنوثتها لتكون كالبيض المكنون، لامتد الكلام بنا طويلا، فعشرات الآيات وعديد من الأحاديث، وضعت المرأة في صورة انفرد بها الإسلام وحده، ولكن يكفينا التمثيل بالقليل،

ص: 132

فالقرآن يلزم الرجال بمعاملة النساء أكرم معاملة، بقوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} ، فكلمة (المعروف) هنا والتي تعددت في أكثر من آية خاصة بالمرأة، جامعة لكل ما يعرف أنه خير لها وتسربه، وعندما يكرهها الرجل لسبب أو لآخر بعيد عن الفاحشة، لم تتركه الآية على هواه، بل كبحت هذا الهوى وزادت أنَّ ما كرهه منها قد يكون فيه الخير الكثير.

فانظر كيف وقف الإسلام بجانب المرأة حتى عندما فعلت ما أوجب كره الرجل، والحديث الذي رواه مسلم رحمه الله يفسر هذه الكلمات من الآية، فعنه صلى الله عليه وسلم قوله:"لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر"(لا يفرك) أي لا يبغض.

بل وكلمة المساواة التي دنستها ألسنة الغرض والسوء، قالها القرآن صادقة صافية ألزم بها الرجل، بقوله تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنّ} ، وليس لها فقط ماله في جوهر العشرة، وإنما كذلك في الشكل والمظهر، فكما يحبُّ مثلا أن يراها أمامه نظيفة وبهندام حسن، يجب عليه نحوها كذلك، فقد حدث أن امرأة ذهبت إلى عمر رضي الله عنه تطلب منه أن يطلقها من زوجها، ودعا بزوجها فرآه رث الهيئة قبيح المنظر، فأمر به فاغتسل، وألبس ثوبا نظيفا، ورُجِّل رأسه ولحيته، ثم طلب عمر المرأة فقال لها، أطلقك من الأول وأزوجك بهذا، فكان أن ضحكت وأدركت أن عمر عرف ما تريد، وعادا على وفاق بعد أن كانا على طلاق، ثم تقول الآية {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} ، فبعد أن ساواها القرآن بالرجل، بأن يكون لها مثل الذي عليه، لم يجعل الزيادة المفضلة له إلا بدرجة واحدة، فلم يُثَنِّها سبحانه ولم يجمعها حتى لا تضخم عند هواة التسلط على النساء، فلا ينبغي أن تفسر الدرجة بأنها فرض السيطرة أو التحكم، وإنما تفسر بأن له عليها الطاعة في غير معصية الله وخدمة بيته وبنيه، وذلك مقابل مشقة القوامة، والتي اختص بها الرجل تكليفا من ربه وبصيغة المبالغة {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، فهو تكليف أكثر من التشريف، ومع هذا رفضت المرأة (الحديثة) مجرد هذه الدرجة الواحدة، بل حتى رفضت نفس القوامة، لما وقفت امرأة بجرأة الفاقدة لحيائها أمام القاضي- وهى محامية في قانون الكفر الفرنسي- لتقول:"لقد سقطت قوامة الرجال علينا لما أصبحنا موظفات"، قالت ذلك مع علمها بتفضيل الله الرجل عليها بأمور عديدة، فهو الذي ذهب لخطبتها، وهو الذي نقلها إلى مسكنه بعد أن أعده لها، وهو الذي يسبب لها الإنجاب، وهو الذي يحميها وأولادها بساعده القوي من العاديات، وأخيرا هو الضارب في الأرض بحثا عن قوتها وقوت عيالها، ولو تبجحت الموظفة وقالت إنها أصبحت غير محتاجة لماله عند أول نقاش مع زوجها، وحصرت القوامة في أنها

ص: 133

بسبب القوت، وأنكرت المفضلات الرجولية التي في الآية الكريمة، والتي ذكرنا بعضا منها.

وحتى لما حصلت المرأة (الحديثة) على الوظيفة، لم تف وظيفتها بمعظم أمْرِها بقوت نفسها، بل تنفق هذا المرتب الذي لا بركة فيه على مستلزمات الوظيفة، من شراء أحدث (الموديلات) في الأزياء، والتسابق مع الزميلات في وسائل الزينة، وفي الفيَّاح من العطور، وما إلى ذلك من وسائل التبرج، فماذا يبقى لها من مرتبها لتأكل منه؟، ويظل الرجل هو المتحمل لهموم العيش، ليعول ويربي قياما بحق القوامة، وحتى لا ينوء بهذه الأمانة الصعبة، أعانته عدالة الله بأن يكون له قدر الأنثيين، لا قدر ثلاث إناث ولا أربع، لكن الأنثى (الحديثة) لم تقبل عدل الله، وأستغفره سبحانه سلفا إذا قلت: لو لم يعطها شيئا البتة- ما دامت ستنعم في كنف القوامة ومشقة مستلزماتها- لكان تعالى هو العادل المنزه أيضا، ولكن زاد سبحانه ومكَّن لها في كيانها لما قال:{وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} .

وإذا كانت المرأة (الحديثة) قد جاهرت بهذه العداوة لدينها، فقد نلتمس لها عذرا باعتبارها ناقصة دين وعقل أصلا، ولكن ما هو العذر للرجال الذين استغلوا نقصها هذا، فنقصوا بعقولهم ودينهم عنها، لما راحوا يدفعونها بإصرار إلى هلاكها لتفعل ما يخالف النقل والعقل، بل ومنهم الحكام الذين دخلوا معها المعركة سافرين، وقننوا لها القوانين التي تنسخ قانون الله، فلتهنأ المرأة (الحديثة) إذاً وليهنأ معها أنصارها ألداؤها، حكاما ومحكومين.

أما ما نراه من انطلاق المرأة في الشوارع ليل نهار في كل بلاد الإسلام، وفي صورة جامحة كاسحة لكل خلق ودين وفضيلة، فالواضح الذي لا يقبل المراء، هو أن الراعي والرعية اشتركوا في هذه المصيبة على السواء، لما قتلت فيهم النخوة وغَيْرةُ الإسلام.

فأين منا اليوم وكثيرات من نسائنا يستقبلن الرجال في البيوت نيابة عن أزواجهن، ويخرج نساء الدار أمام رب الدار بالقصير الفاضح أو السروال المحدد للعورة أو على عادة هنا برفع العباءة ليظهر الثوب تحتها قشيبا لامعا ليلفت النظر، أو تشد العباءة على خصرها أو على ثدييها، لتقلد البلاد (المتحضرة) بقدر ما تستطيع، ولا يغار القائمون على هؤلاء النسوة هنا أو هناك من زوج أو أب، لا لدينه ولا لرجولته، لقد كان من أهم غايات الشيطان كشف هذه السوءات لأنها أقوى المدمرات للقيم كلها وعلى رأسها القيم الدينية، والمجلبة لسخط الله تعالى، فقد كانت أول مهمة له في دنيا البشر، لما فعلها مع آدم وحواء عليهما السلام، بقوله

ص: 134

تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا

إلى نهاية الآية في قوله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} .

فَلْيُسَرُّ الشيطان الآن غاية سروره، فقد تحقق له اليوم ما أراده لقد أدت مصيبة إفلات الزمام لامرأة التطور إلى مشكلة من أعقد المشاكل الاجتماعية في عصرنا هذا، وهي مشكلة إعراض الشباب عن الزواج، فبالإضافة إلى مخالفة الشرع بارتفاع قيمة المهر بغير المعقول، أخذ الشاب يتساءل؟ ماذا بقى لي من فتاتي وقد عرضت نفسها في الطرقات للفرجة بغير ثمن، فهل كل فرحتي ليلة الزفاف هو قضاء اللُّبانة، أم أنها جميعها يجب أن تكون لي وحدي؟ ، وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم:"خير نسائكم الودود الولود، المواسية المواتية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم"، أي القليلات؛ لأن الغراب الأعصم قليل في نوع الغربان، روى هذا الحديث البيهقي والبغوي وغيرهما، وصحح في الجامع، أما الغلو الذي بلغ حد الخيال في المهر، وأن يكون الخاطب من ذوي المظاهر ماليا وعصريا، ولا يخطر التدين والخلق والاستقامة على بال، فإن أعظم قصة زواج في تاريخ الإسلام لهي صفعة لهؤلاء، الذين عقَّدوا الزواج وجعلوه صفقة تجارية، وهي قصة زواج الزهراء، سيدة البنات بنت سيد الآباء، صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله عن ابنته، فقد اختار الله لها الشاب الفقير عليا رضي الله عنه وكرم وجهه، من دون الصحابة الأغنياء الذين ألحوا على الرسول كثيرا ليظفروا بمصاهرته والتشرف بابنته.

فقد ذكر الإمام القسطلاني شارح البخاري ما حدث في زواج فاطمة رضي الله عنها من حديث أنس،: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه ثم خطبهم قائلا: "الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه وسطوته، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته، جعل المصاهرة سببا لاحقا وأمرا مفترضا، أوشج به الأرحام، وألزم به الأنام، فقال عزّ من قائل:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} ، فأمْرُ الله تعالى يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب، ثم إن الله عز وجل أمرني أن أزوج فاطمة من علي بن أبي طالب، فاشهدوا أني زوجته على أربع مائة مثقال فضة، إن رضي بذلك علي، ثم دعا صلى الله عليه وسلم بطبق من بسْر، ثم قال: انتبهوا، فانتبهنا،

ص: 135

ودخل عليّ، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، ثم قال: إن الله عز وجل أمرني أن أزوجك فاطمة على أربع مائة مثقال فضة، أرضيت بذلك؟ فقال عليّ، قد رضيت بذلك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: جمع الله شملكما، وأعز جدكما، وبارك عليكما، وأخرج منكما كثيرا طيبا".

قال أنس: "فو الله لقد أخرج منهما الكثير الطيب"، وقد أولم عَلِىّ عَلى فاطمة بشطر من شعير وتمر وحيس، وكان جهاز فاطمة خميلة، وقربة، ووسادة من أدْم حشوها ليف، ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الجهاز وقال:"مرحبا بجهاز المساكين"، الله أكبر، سبحان من جعله للناس خير قدوة، ولكن.... تلك قصة زواج سيدة نساء الجنة، مهرها لا يزيد عن أقل أسورة من الفضة تلبسها أفقر نساء اليوم، وجهازها كما سمعتم بما يدمع العين من قول أبيها، وهو الذي عرضت عليه الجبال ذهبا فأباها "مرحبا بجهاز المساكين".

أما اليوم فلم يعد للمسلمين صلة بسنة نبيهم، فعقّدوا الأمر فعقده الله عليهم، وأحاطت بهم المشاكل من كل جانب.

وليس من الخير في شيء أن ننكر الميل الغريزي في المرأة، وأنه أشد منه في الرجل، لولا ما ألقى الله عليها من الحياء، فإن لم نعمل على أن نُكْفَى بما أحلّ الله فماذا يكون إذً؟ لقد سمع عمر رضي الله عنه امرأة تناجي سرير زوجها الغائب بأبيات منها.

فو الله لولا الله لا شيء غيره

لنُقِّض من هذا السرير جوانبه

ولكنني أخشى رقيبا موكلا

بأنفاسنا لا يفتر الدهر كاتبه

مخافة ربي والحياء يصدني

وإكرام بعلي أن تنال مراكبه

فسأل عن زوجها فقيل إنه في الجهاد مع جيش المسلمين، فأمر بأن يؤذن للمتزوجين منهم بالتردد على بيوتهم في فترات متقاربة حسما للفتنة.

وعن تعليم المرأة، نقول: إن الإسلام حرص على تعليم أبنائه رجالا ونساء، لكن على أساس مهمة كل منهما التي عينها لهما الخالق في هذه الدنيا، فللحياة مكانان ليس سواهما، داخل الدار وخارجها، وجعل الدار للأنثى ليكرمها ويصونها في المكان اللائق بها، ولهذا كان أمره الصريح سبحانه إليهن {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ، ولم تكن بهذا الأمر الكريم الحافظ لها تماما سجينة الدار، فقد سمح لها ولسنين وصلت بها إلى ما قبل سن الاشتهاء، أن تأخذ قسطا

ص: 136

كبيرا من التعليم، يمكنها به عندما تُردُّ إلى مقر كرامتها في البيت أن تعرف كيف تعبد ربها وتدير بيتها، بل ويمكنها أن تقرأ وما أيسر الكتب، بما يزيدها معرفة وعلما وقت فراغها من عمل البيت، وهكذا لم يجعلها الإسلام حبيسة لا تفكر

ولا تعبر، بل أباح لها حتى في وقت الخجل عندما تُخطب، أن تبدي رأيها في خاطبها، ثم لما تصبح زوجة لم يجعل الإسلام بيت الزوج سجنا والزوج سجّان على بابه، وإنما لو خرجت أمثلة لحاجة المرأة إلى الخروج في صلاة الجماعة والعيدين والحرب أباح لها الخروج للتزاور والعلاج وصلة القربى، فقط حتى لا تهان يكون زوجها أو أحد محارمها أو رفقة من نسوة يصاحبنها في ذلك.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت (سودة) رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجتها بعدما ضرب الحجاب، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر فقال: يا سودة، أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين؟ قالت عائشة: فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عَرْق (اللحم المتصل بالعظام) فدخلتْ فقالت: يا رسول الله، إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا، قالت عائشة: فأوحى الله إليه ثم رفع عنه، وإن العرق في يده ما وضعه، فقال:"إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن"، أخرجه البخاري في صحيحه.

أما عن المعاملة داخل البيت، فهي العزيزة المصونة بنصوص عديدة قرآنية ونبوية، فالقرآن زاخر بإلزام الزوج بحسن المعاملة، ذكرنا منها آنفا ما يكفي، وكذلك السنة مَلآى بنفس الأمر، فبالإضافة إلى ما سبق منها نورد حديثا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائكم"، رواه الترمذي وصححه، وكذلك ابن حبان في صحيحه، ومن ناحية التساوي في الأجر جعلها الإسلام كالرجل ذرة بذرة في كتاب الإسلام الأعظم بوفير من الآيات، ولكن أعجبها في رأيي، تلك الآية، التي ساوتها بالرجل حتى في التعبير اللفظي وليس في الأجر فقط، في عشرة كاملة بالآية الآتية.

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} ، بل وبشرها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها تعدل الرجل تماما، في قصة أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها، والتي رواها مسلم في

ص: 137

صحيحه، وكانت فصيحة حتى لقبت بخطيبة النساء، فقد أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع بعض أصحابه وقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، وقد أرسلك الله إلينا رجالا ونساء، ولكنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجُمع والجماعات، والحج والجهاد، ونحن قعيدات بيوتكم، نغزل ثيابكم، ونربي أولادكم، ونصنع طعامكم، ونحفظ أموالكم، ونصون عرضكم إذا رغبتم، أفلا أجر لنا معكم؟ فاستدار صلى الله عليه وسلم بكل وجهه إلى أصحابه وقال:"أسمعتم مقالة امرأة في أمر دينها كهذه؟ قالوا: لا يا رسول الله، فنظر إليها صلى الله عليه وسلم وقال: أيتها المرأة، اعلمي وأعْلِمي من خلفك من النساء، أن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله"، فانصرفت وهي تكبر حتى اختفت عن مجلسه صلى الله عليه وسلم.

هذه هي المساواة بين المرأة والرجل، عرّفها الإسلام على حقيقتهما، وليس على ادعائها وزيفها كما ينادى بذلك جهلة اليوم من النساء والرجال على السواء، أما التي تركت البيت باسم التعليم والثقافة، وتعودت أن تخرج في الصباح ولا تعود إلا في المساء لنحو عشرين عاما أو ما يقرب، من سن السادسة حتى تخرجت من الجامعة، أيمكن بعد ذلك ردها إلى البيت كما أمرها خالقها؟ لتكون سيدة بيت ومربية أسرة؟ لا أظن، وما كنا نتمنى هذا اليوم من أيام الأمة الإسلامية، يوم أن أبيح للفتيات دخول الجامعات، فطال بذلك بعد البنت عن البيت، فأصبحت لا تراه إلا سجنا مظلما وجوا خانقا لا تطيق المكث فيه، إلا للأكل أو النوم، ولتختلط مع الفتى في الجامعة اختلاط النار بالحطب الهش وهما في سن الجموح الجنسي، باسم التقدمية ورفع الكلفة والزمالة في طلب العلم، وياله من علم، فلسفات ونظريات وانحرافات، من تعاليم الشرق والغرب في أكثر الكليات، حتى أصبحوا فتيانا وفتيات لا يعرفون شيئا عن دينهم، بقدر ما يعرفون عن الذين احتلوا عقولهم، وقد يقال إن هناك من الكليات ما ليس فيها الذي ذكرت، حيث التعليم فيها ديني وعربي، وبعضها ليس فيه اختلاط، هذا صحيح، ولكن جوهر المشكل باق، وهو التعود على هجر المقر الذي أُمرت من الله أن تقر فيه، وترك حرفتها المنزلية المرموقة والموقوفة عليها، والتي تصَدِّر بها إلى المجتمع البشري من صنع الأمومة صالح الإنتاج من بنين وبنات، فما جعل الله قلبين في جوف، فهي ما استأنفت أي نوع من التعليم بعد المرحلة المتوسطة، إلا وفي النية هجر البيت إلى الأبد، حيث اُتفِق على أن تتوظف بعد التخرج، وتترك البراعم الصغيرة الغالية في البيت للخادمة، وكم فعلت الخادمات بمكنونات البيوت، من إفساد أطفال، وسرقات، وتقويض ما بين الزوجين من صلات، وغير ذلك كثير بما نسمع كل يوم.

ص: 138

فماذا علينا إذا وقفت البنت عند قدر من التعليم معين، ثم تصان في البيت حتى تأتي إلى وظيفتها الأساسية في بيت الزوجية، وقد أعدها الله أصلا لهذه الوظيفة الشريفة، فمهما هربت منها وبلغت من أمر دنياها ما بلغت، فلن يقتل ذلك فيها غريزة الميل إلى الزواج، ولن يغنيها المنصب في الإدارات والشركات عن ذلك أبدا.

إني لأعرف الكثير ممن تمسكوا بتكريم الإسلام لبناتهم، فإلى مرحلة محددة من التعليم، وقبل أن تتعود العين غير البيت، وقبل أن تتفتح الغريزة على ما شرع الله، يردونها إلى صونها في خدرها، فبسط الله لهم في زواج بناتهم، حتى لم تكد تينع الثمرة إلا وتمتد يد الحلال لتقطفها، وهذا يحطم النظرية الخبيثة، من أن البنت الآن أصبحت لا تتزوج إلا إذا تعلمت ووظفت، وثبت العكس، فأكثر العوانس منهن، فإن غامر زميل لها في العمل كان، وإلا فقلما يدق باب أهلها خاطب.

ولقد نتج عن كثرة الخريجات اللاتي يتحتم توظيفهن بعد التخرج مشكلة، أصبح خطرها عالميا، وليست فقط في أمتنا الإسلامية، فالمكان الذي كان أصلا للرجل شغلته المرأة، وأصبح على مدى الأيام تزداد البطالة بين الرجال وهم القوامون خطرها، مما كثر معه الإجرام والسرقات والمظاهرات، وحوادث الشغب والسطو على بيوت المال، وأصبحت الدول الأجنبية التي رمتنا بدائها، يعلو صراخ حكوماتها من تضاعف البطالة وانتشار الإجرام واختلال الأمن بسبب ذلك، وعلى رأس هذه الدول أمريكا الغنية (سابقا) ، التي لا يطفح غناها إلا على إسرائيل، والبطالة فيها تفتك بها بما سمعتم من إعلان حكوماتها أخيرا أكثر من مرة، ونفس الأمر وأشد في زميلتها روسيا، وهما الدولتان العظيمتان كما يقولون، وبالتالي صار عالمنا الإسلامي يعاني نفس الخطر بما هو أخطر، وتصريحات حكوماتنا تقرع أسماعنا، والعلاج معروف، والبيت مفتوح لتعود إليه مَن هجَرْته، ولكن من يضع الجلجل- الناقوس- في عنق القط؟.

على أننا لا نغفل أن هناك من النساء من سلب أكثر حقهن إن لم يكن جميعه، وهن اللواتي يعشن في القرى والصحراء في أنحاء عالمنا العربي والإسلامي، فالكثير من الرجال هناك لازال ينظر إلى المرأة نظرة القرون الأولى، فهي ليست إلا تلك الحقيرة التي تضرب بقسوة لأقل هفوة حتى يمزق جسدها، ولا حق لها في أن تطلب بنفسها شيئا من غذاء أو كساء أو دواء، ومحرومة نهائيا من حقها في الميراث، ولكن سبب البلاء الذي أصاب هذه، وسبب الوباء الذي أصاب أختها في الحضر، هو عدم العمل بقانون السماء وتعطيل نصوصه وأحكامه، فأصبحت المرأة عندنا بين مسلوبة الحق وأخرى سالبة للحق. إن الكلام عن المرأة

ص: 139

شيء ما أظنه ينتهي، لأنها نصف الإنس، ولكن مع الأسف نصفه الأعوج، ومع هذا كرمها الإسلام كتابا وسنة كما سمعنا القليل منه، وحسبها أن سمى الله أطول سورة بعد البقرة باسمها، وهي سورة النساء وزخرت هذه السورة وسار غيرها برفع شأنها.

ولكنها أذلت نفسها لما اتبعت الذين حرضوها ضد فطرتها وخلقتها من خارج بلادنا وداخلها، فسلخوها عن دينها وأبعدوها عن ربها، وألقوا بها في متاهات الحياة لتقاسي شظف العيش ومكاره الأيام، والتي ناء بها الرجل بله المرأة، وراحت أيضا تبتذل لتشعل الشهوة وتحرك الفتنة بالرقص والتمثيل والغناء الجنسي، يجرها إلى ذلك تجار الربح السحت من أهل السينما والمسرح والمرقص والحانة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ونحن الرجال إزاء هذا الأمر أنواع ثلاثة، نوع قد عوفي من هذا البلاء، ونوع غلب على أمره أمام هذا الإعصار العالي من التحرر، حتى إنه ليشعر بالغربة داخل بيته، لما قيل له من أهله {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} ، وهذا النوع المغلوب على أمره من أهله، قريب من الأول بشرط ألا يكف عن النصح ما استطاع ولو لم يصغ إليه، مداومة في الإعذار إلى الله تعالى، وهذا أضعف الإيمان بالنسبة للأب والزوج وكل من له ولاية على المرأة، فلا أحد يطلب من هؤلاء جميعا أن يضربوا أو يحطموا أو يطلقوا، عسى أن تُجْنَى ثمرة النصح يوما، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، ونوع ثالث من الرجال راض بهذا السوء غير منكر له ولا بقلبه، بل قد يدفع ويشجع، فهذا لا يعذر أبدا لا من الله ولا من الناس، لأنه (الديوث) الوارد في الحديث الصحيح، ولأنه فقد حتى صفة الحيوان الذي هو معروف بغيْرته على أنثاه.

ونختم هذا الباب بما تعودناه في الأبواب السابقة بمجموعة من النصوص للمستفيد، فعن الآيات القرآنية فقد أخذنا منها الكثير وبنينا بحثنا السابق الطويل عن المرأة من هذه الآيات.

وإليكم بعضا من الأحاديث الصحيحة.

ا- عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا من زوجة صالحة، إن رآها أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله" رواه البخاري.

2-

وعنه صلى الله عليه وسلم قوله: "ثلاثة لا ترى أعينهم النار، عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كُفَّتْ عن محارم الله" الطبراني.

ص: 140

3-

وعنه صلى الله عليه وسلم قوله: "لا يخلوَنَّ أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم" البخاري.

4-

وعنه صلى الله عليه وسلم قوله: "لأنْ يطعن في رأس أحدكم بِمخْيط من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" رواه البيهقي.

5-

قال صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن" قالوا: يا رسول الله، كيف إذنها؟ قال:"أن تسكت" أبو داود.

06-

وعن خنساء بنت خدام "أن أباها زوجها وهي ثيب دون أن تستأمر فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو، فرد نكاحها" رواه ابن ماجه.

7-

وعن ابن عباس رضي الله عنه " أن جارية بكراً أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم" - أي بين أن تأبى أو تقبل.

وحسبنا هذا القدر من الأحاديث الصحيحة، ونقدم أقوالا ممن شهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كاذبين لما غرروا بالمرأة وأخرجوها من خدرها ليزجوا بها إلى هلاكها.

8-

في مؤتمر (كلفرينا) الذي انعقد لهذا الأمر، قدم بحث اعتبره أحسن البحوث التي قدمت إليه، وهو من الدكتورة (إليانورماكوبي)،ونكتفي بأن تأخذ منه ما يلي:-

"إن الاختلافات بين الرجال والنساء أقوى مما نظن حتى في الناحية العضوية، ففي خلال الأربعين سنة الأخيرة، وهي الفترة التي فتحت الجامعات والمعاهد العليا أبوابها للفتيات، دلت على ضعف الإنتاج النسوي والابتكار المفيد أمام ما يفعله الرجال، حتى في المجالات الأدبية، وبرز تخلف المرأة بعد دراسة حالة أربع مائة ممن حصلوا على (الدكتوراه) من النوعين، فاتضح أن عددا قليلا من هؤلاء المتعلمات حاولن الاندماج في المشكلات العلمية لابتكار نظريات جديدة، والباقيات وقفن حيث هن، ولم تكن عقبتهن الزواج ولا الأولاد، لأن الإنتاج العلمي لمن تزوجن تساوي مع من بقين بغير زواج، وحتى في بداية الدخول للجامعات كانت نتيجة التحليلات أن الذكاء الذي يؤهل للدراسات الجامعية كان متفوقا عند الفتيان أكثر منه عند الفتيات، وأن السبب هو النقص في الصفات التحليلية للعقل عند النوعين"، انتهى كلام الدكتورة (إليانور ماكوبي) .

ص: 141

9-

وقالت الباحثة (ماريامان) :

"إن النساء مصابات باضطراب عقلي- ألم نسبق نحن بقول نبينا: "ناقصات عقل ودين؟ " – يجعل الأنوثة مثلا أعلى لديهن يضمن لهن السعادة، فهن يَحْرِصْنَ على إظهار ما يلفت أنظار الرجال إليهن بالطبيعة أو بالصنعة عند خروجهن إلى وظائفهن، ولو رضين بأصل تكوينهن اكتفاء بالزواج، والتَّفَنن في طهو الطعام وتربية الأولاد ومعاونة الزوج لكان ذلك أفضل لهن، فإذا خالفت إحداهن ذلك فقد خرجت على التقاليد- ونحن قلنا: خرجت على تعاليم الإسلام- وهذا سر تخلفها العلمي لما دخلت قاعات الجامعات، ولهذا فإن قلة من النساء يحصلن على التفكير التحليلي". انتهى كلام الباحثة (ماريا) وهى واحدة منهن كان المفروض أن تتعصب لبنات جنسها.

10-

وقف (المارشال، بيتان) رئيس فرنسا أثناء هزيمتها المنكرة أمام جيوش الألمان في الحرب العالمية الثانية ليقول:-

"أيها الفرنسيون، إن سبب الهزيمة هو انغماسكم في الملذات مع الجيش المحيط بكم من السيدات، فانشغلتم بذلك بدل جيش الألمان، زنوا خطاياكم فإنها ثقيلة الميزان، إنكم نبذتم الفضيلة وكل المبادئ الروحية، ولم تريدوا أطفالا فهجرتم حياة الأسرة، وانطلقتم وراء الشهوات تطلبونها في كل مكان، فانظروا إلى أي مصير قادتكم الشهوات".

وهكذا ينطقون بديننا ولو لم يؤمنوا به {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} صدق الله العظيم، تم راحوا يصنعون لنا حقوقا للإنسان، فيا عجبا! فأيهما أنفع؟ ما وضعه خالق الإنسان، أم الذي وضعه الإنسان لنفسه؟ 1.

1 تعليق التحرير:

قد كان من المناسب أن يعقد الكاتب مقارنة يضمنها نبذة عن حال المرأة المهين قبل الإسلام عند كل من الرومان، واليهود، والنصارى، والهنود، ثم يخلص إلى تكريم الإسلام لها بما قرر لها من حقوق لم-ولن يقررها أي نظام بشري، ثم ينتهي إلى محاولات ذوي الأهواء-الذين طمس الله على قلوبهم- إعادتها إلى ما كانت فيه من مهانة بدعوى تكريمها، ومحاولة نيل حقوقها السلبية، ومساواتها بالرجل.

ص: 142