المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حقوق الإنسان في الإسلام الشيخ: عبد الفتاح العشماوي محاضر بكلية - حقوق الإنسان في الإسلام لعبد الفتاح عشماوي - جـ ٥٧

[عبد الفتاح بن سليمان عشماوي]

فهرس الكتاب

حقوق الإنسان في الإسلام الشيخ: عبد الفتاح العشماوي محاضر بكلية الحديث (6)

الباب الثامن

ويشمل المواد الآتية من (إعلان حقوق الإنسان) وهي ثلاث مواد.

المادة الثانية والعشرون:

لكل شخص بصفته عضواً في المجتمع الحق في الضمانة الاجتماعية، وفي أن تحقق بواسطة المجهود القومي والتعاون الدولي، وبما يتفق ونظم كل دولة ومواردها، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي لا غنى عنها لكرامته، وللنمو الحر لشخصيته.

المادة الرابعة والعشرون:

لكل شخص الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، ولا سيما في تحديد معقول لساعات العمل، وفي عطلات دورية بأجر.

المادة الخامسة والعشرون:

(أ) لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كافٍ للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية، وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة، وغير ذلك من وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته.

(ب) للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعَم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية، سواء كانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أم بطريقة غير شرعية.

ص: 106

ونحن نقول: - لقد كانت فريضة الزكاة عندنا أضمن ضمان لكل أنواع البشر الذين أحسوا بنقص ما عن مستوى الضروريات الإنسانية، فتجد هذا النوع الذي تخلف في هذه القافلة الدنيوية جمع بكل فروعه بالرقم (8) الحسابي، ولا يمكن أن تبحث عن بائس أو تعس أو محزون خارج هذا الرقم، فكانت الزكاة لهم لتكفكف دمعهم وتذهب همهم وترأب صدعهم، فيلحقوا بالسعداء والهانئين، وهم: الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، وليس تسولاً منهم ولا منًّا من غيرهم، وإنما أعزهم الله بقوله:{فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} ، أي ليس تفضلاً من أَحد سواه، وإنما هو حق يرغم به أنف مانعه على أدائه {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيل} ، فإن أبى فعلاجه الموت، حيث أصبح عدواً لله وللمجتمع البشري بأسره، أنانياً لنفسه وليغني من عداه، إذاً فليمت هو ليسلم عدل الله من الظلمة الذين يعيشون على أنين الناس ونكدهم.

لقد ذكروا بعد ما أوردنا من آيات بينات عدة أحاديث عاطرات، نورد منها ما يلي:

عن عبد الرحمن بن أبى بكر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس" رواه البخاري.

وأخبر ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" رواه البخاري- وأيضاً روى "أطعموا الجائع وفكوا العاني" وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل" رواه مسلم، وإن هذا الحديث وحده ناهيك عن قسطاس هذا الإسلام ككل، (لهو ضربات ماحقات للذين هوَوْا في مستنقع أقذار الشيوعية، التي كتبت العدالة على ورق نجس ودمرت بالظلم وتكبيل الجهود مجتمعها، حتى إن زعيمتهم روسيا لا زالت تشتري حبة القمح لتطعم شعبها المقيد المقهور بمبادئ ماركس ولينين ومن أتى بعدهما من كل عتل كفور، ولكن دعهم في أوحال عداوتهم يتمرغون. فلن نعطيهم من احتقارنا لهم إلا بما قال شاعرنا:

لو كل كلب عوى ألقمته حجراً

فالصخر يصبح مثقالاً بدينار

وكقول آخر:

كناطح صخرة يوماً ليوهنها

فلم يهنها وأدمى قرنه الوعل

ص: 107

إننا عندما نسمع هذا الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه فنسمع أعجب ما تسمع الدنيا من العدالة والمساواة والإيثار يقدمه معلم العالمين كلهم بأمر ربه محمد صلى الله عليه وسلم، ونقدم الحديث بلفظه وطوله أولاً، ثم نعلق عليه بقليل من الكلمات.

يقول أبو هريرة عن نفسه: الله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، فإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم. فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال:"أبا هِرّ" قلت لبيك يا رسول الله، قال "الحَقْ" ومضى فتبعته، فدخل. فاستأذن فأذِن لي، فدخل فوجد لبناً وقدح فقال:"من أين هذا اللبن؟ " قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال "أبا هِرْ" قلت لبيك يا رسول الله، قال:" الحَقْ إلى أهل الصفة فادعهم لي" قال- يعني أبو هريرة- وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهل، ولا مال، ولا على أحد، إذا أتته صلى الله عليه وسلم صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنتُ أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاؤوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بد، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، فأخذوا مجالسهم من البيت، فقال:"أبا هِرّ" قلت لبيك يا رسول الله، قال:"خذ فأعطهم"، فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عَلَيَّ القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليّ القدح، فيشرب حتى يروى، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم، فقال:"أبا هر" فقلت لبيك يا رسول الله، قال:"بقيت أنا وأنت" قلت: صدقت يا رسول الله، قال:"أقْعدْ فاشرب" فقعدت فشربت فقال: " اشرب" فشربت، فما زال يقول "اشرب" حتى قلت: لا، والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا، قال:"فأرني" فأعطيته القدح، فحمد الله وسمَّى، وشرب الفضلة، وفي رواية، وشرب من الفضلة قال صاحب الفتح، وفي هذا إشعار بأنه بقي بعد شربه شيء، فإن كانت محفوظة فلعلها أعدها لمن بقي بالبيت من أهله صلى الله عليه وسلم، انتهى هذا الحديث الشريف العظيم.

ص: 108

والحديث كما نرى لو بسطنا فيه القول من كل الجوانب المتصلة به لامتد بنا الأمر وأكثرها لا يتصل بالباب الذي نحن بصدده، فنأخذ منه فقط بعض ما نريده:

1-

أبو هريرة امتحن في أمر يتصل بإزهاق روحه، وهو الجوع، ولكنه ازداد إيماناً بربه، فلم ينحن ليأخذ لقمة خبز بسؤال، ولم يردد كلمات الزور العالمية اليوم، الإقطاع، الطبقات، التسلط، الشيوعية، لماذا أجوع وغيري شبعان، إذاً نؤمم، إذاً نصادر، إذاً نستولي على الحقوق، باسم العدالة والمساواة والاشتراكية.

2-

كوفئ أبو هريرة بوقوع معجزة عظيمة كان هو سببها، فكأس من الحليب يشبع أهل الصفة، وعددهم في أقل الروايات ثلاثون، ثم يظل هو يشرب من تلك المعجزة حتى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكاً، وهو الذي حدث نفسه وهو يدعو أَهل الصفة بأن قدح اللبن لن يغني عنه ولا عن أهل الصفة شيئاً، وساءه ذلك التصور كما ذكر عن نفسه في الحديث.

3-

القائد العظيم والمشرّع الكريم بأمر ربه صلوات الله عليه لم يشرب إلا آخرهم جميعاً، وهو خيرهم وسيدهم جميعاً، أسَمِعت الدنيا بحكام وقيادات من هذا الطراز، إلا طراز واحد هو شرع الله أَرحم الراحمين بعباده، وأَقام على تنفيذه إنساناً معصوماً من الحيف والظلم والأنانية كما هو حال غالبية حكام اليوم من عرب ومسلمين بل شيوعيين واشتراكيين ورأسماليين إلى غير ذلك من أَسماء ابتدعوها وحتى ما طبقوها إلا على الضعفاء، واستثنوا منها أَنفسهم والأقوياء.

ومشينا بعدالتنا النازلة من السماء أحقاباً سعيدة هنيئة، حتى يأتي يوم في عصر الخليفة الراشد بعد الأربعة الراشدين وهو خامسهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فيبعث بيحيى بن سعيد لجمع زكوات إفريقية، يقول يحيى بن سعيد، طلبت الفقراء لأعطيهم حقهم في الزكاة، فلم نجد فقيراً بها، ولم نجد من يأخذها،- وهكذا أغنت عدالة الإسلام كل الناس، حتى الضاربين في الصحراء والفيفاء، ويثني الشاعر جرير على عدالة عمر بن عبد العزيز وحَدَبه على جميع المسلمين. بقصيدة منها:

كم باليمامة من شعثاء أرملة

ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر

ممن يعدك تكفي فقد والده

كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر

إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا

من الخليفة ما نرجو من المطر

ص: 109

أما عن إعطاء البدن الإنساني كفايته من الراحة ليستأنف بعدها سعايته، فهل كان الإسلام يمنع ذلك، ويطلب لإنسان أن يخر صريع الإجهاد هالك الإضناء، أم أَنه أسهل وأيسر وأرفق دين نزل على العباد من السماء طيلة هذه الدنيا، {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً} {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ، وغير هذا من كتاب الرحمة والراحة، من قرآن الله العظيم.

ومن الأحاديث الصحيحة قوله صلوات الله عليه:

"ما أمرتكم به من أمر فأتوا منه ما استطعتم".

"إن لبدنك عليك حقا".

"إن المنبت لا أَرضاً قطع ولا ظهراً أبقى".

"إن الله لا يمل حتى تملوا، وإن هذا الدين متين ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فأوغلوا فيه برفق". الحديث الأخير ورد بعدة روايات، ولكنه ثابت لاشتراك البخاري فيه فإذا كان أقدس وأجل عمل في هذه الدنيا وهو عبادة الله، قد أمر سبحانه في كتابه وعلى لسان رسوله، أن لا نكلف أَنفسنا في هذه العبادة أي لغوب أو عناء، فلا نطيل الصلاة أثناء الجماعة حتى لا يقع لأحد ملل منها، أَو إعنات لضعف صحة، أو إجهاد لشيخوخة، أو ضياع لحاجة عاجلة بعد الانتشار من الصلاة، وإنما التطويل يكون للمصلي وحده بما يشاء من طول، فقد وزن خصائص نفسه وصلى بما لا ينتقد به فيه أحد أو يلام عليه من الغير، وحتى مع هذا الحال لم يسكت الإسلام عن الرفق مع أهله، فقد دخل الرسول صلى الله عليه وسلم المسجد، فرأى حبلاً ممدوداً بين ساريتين، فقال:"ما هذا"؟ قالوا: لزينب، تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال:"حُلوه، لِيصل أَحدكم نشاطه، فإذا كسُلَ أو فتر فليرقد"، رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه.

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس، لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه" رواه مسلم.

ص: 110

وفي رواية "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف، فلعله يدعو على نفسه وهو لا يدري" رواه الجماعة.

وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرؤه" رواه مسلم.

وعنه أيضاً- أنس- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشددوا على أنفسكم فَيشَدَّدَ عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم، فَشُدِّدَ عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم" رواه مسلم.

فإذا كان هذا الحُنُوُّ قد وُجهنا إليه ونحن نؤدي ما لَوْ أفنينا أنفسنا أثناء تأديته ما وفينا نعمة واحدة من نعمه علينا سبحانه، أفيقسوا الإسلام أو يسمح باستغلال صاحب العمل للعامل حتى يضنيه ويعجزه؟.

بل لقد لفت القرآن النظر إلى ما يرغب ويشجع على التريض والتنزه، عندما تسمع قوله تعالى {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ؛ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ} {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ} {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ، فهل تدبرت قوله تعالى في الآية الأخيرة:{انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} فأنت إذا لم تخرج لتنظر، لتريح نفسك من عناء العمل، ومشاغل الدنيا، ثم لترى جمال الخالق في جمال خلقه، وعظمة المبدع في عظمة ما أبدع، فقد يكون فيك نقص من إيمان، لأن الآية قالت في النهاية:{إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ، وقد حدث أني خرجت مرة إلى بعض الحدائق ووجدت شجرتيْ زيتون ورمان متقاربتين، فظننتهما نوعاً واحداً لتشابه الصورة في الجذع والفرع والأوراق، ولما شخصت بعيني إلى ثمرهما وجدت في إحداهما حب زيتون وفي الأخرى فاكهة الرمان، فتذكرت قوله تعالى:{وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} ، أي مشتبها في الصورة غير متشابه في الثمر، فأخذت درساً عملياً في التفسير ما كان لي أن أتعلمه قبل ذلك.

فأيهما أَنفع للإنسان، حقوقه التي وضعها لنفسه، أم التي وضعها الله له؟. الله أَكبر.

ص: 111

(الباب التاسع)

ويشمل مادتين من مواد (إعلان حقوق الإنسان) وهما المادتان السادسة والعشرون والسابعة والعشرون.

المادة السادسة والعشرون:

(أ) لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميا، وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع، وعلى أساس الكفاءة.

(ب) يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملاًًً، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية، وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهودات الأمم المتحدة لحفظ السلام..

(ج) للآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أَولادهم.

المادة السابعة والعشرون:

(أ) لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكا حرا في حياة المجتمع الثقافي وفي الاستمتاع بالفنون، والمساهمة في التقدم العلمي، والاستفادة من نتائجه.

(ب) لكل فرد الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي أَو الأدبي أو الفني.

ونحن نقول:- إن أول ما يتحتم معرفته وإدراكه من العلم، هو أن يعرف المخلوق من الذي خلقه، ومن هذا المُتَّكأ الأعظم تنطلق كل المعارف والإحاطات العلمية، بتأكد اليقين الفهمي لحياتيْْ ما قبل الموت وما بعده، هذه هي النظرة الإسلامية لحقيقة العلم، أما أَن ينشغل كافر بموجودات الدنيا، مبهورا بما أودع فيها خالقها من عجائب يركز فيها خلايا مخه لأنه لا يؤمن إلا بها، أو أن يقف مسلم مكذبا بما يكتشف الكافر صاحب الدنيا، فينطوي على نفسه مكتفياَ بعبادات محضية أو ترانيم كلامية، تاركا للكافر يتمتع وحده بما أودع الله في دنياه باسم التصوف والتبتل {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} ، فإن الإسلام يرفض الكافر السابق والمسلم اللاحق اللذين أشرنا إليهما، وإني كما ذكرت في البداية

ص: 112

هو أن العلم بالصانع سيجعله ينتفع بكل صنعته، الآن وبعد موته، فهو الآن يجب أن يكون تاجراً أو صانعاً وزارعاً، وباحثاً في أغوار اليابس. وغائصاً في أعماق الماء. وطائراً في الهواء، ومتفكراً في عجائب الفضاء، ومتبصراً في كواكب السماء، على أن هذا من صنعة الصانع الذي عرفه وأيقن به عز وجل، فلما سعد بدنياه حين استخدمها بما ذكرنا، راح يذكر موجد هذه النعمة بالانحناء راكعاً وبالكف صائما وبالإخراج مزكياً وبشد الرحال حاجاً، ولِما نهي عن المعاصي تاركا. ولما أمِرَ به من الطاعات فاعلا مؤدياً، وبهذا أخذ الطريق إلى حيازة ما هو أنعم وأدوم. عندما يلقى الله بالفناء المحتم {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً -في الدنيا- وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} - أي في الآخرة- وفي آية أخرى قوله {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَر} .

ولهذا صنع نوح السفينة الأم الكبرى، فكان أن نجا بها في الدنيا ومن معه، والنجاة العظمى في الآخرة تنتظرهم، ومن هذه السفينة الهائلة، حيث يوصف ضخامتها في الكتب المقدسة ابتداء من التوراة إلى القرآن، لم يصنع أحد حجمها لا حاملات طائرات ولا غيره، وإلا فما ظنك بسفينة تتسع لتحمل على ظهرها من كلٍّ زوجين اثنين، ذكرا وأنثى من كل الأحياء إنساناً وحيوانا.

ولهذا أيضاً صنع داود أسلحة القتال بغير أفران مجمعات الصلب والحديد، وبغير أفران ذرية. وبغير وغير

مما نسينا به الصانع الأعظم الذي علم من صنعته نوحاً {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} وعلم من صنعته داود، ثم سخر له الحديد ليكون كالعجين في يده بغير نار ولا مصهار، وإنما بكلمة (كن){وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} . فيا للعجب من تلك القدرة والعظمة التي نسيناها.

ولهذا أيضاً صنع ذو القرنين أعجب سد وأمنع سور بالصورة العجيبة التي ذكرها القرآن {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً - نحاساَ- فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً، قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً} ؟ أسمعت أيها القارئ بأن هذا السد- هذا الاختراع في بناء الحصون والأسوار على حد تعبيرهم- سيبقى لمتانة صنعته حتى يجيء وعد الله بيوم الساعة فيدكه هو - وحده- بقدرته {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً} ، وغير هذا كثير من عجائب مبدع الملكوت بالمباشرة أو بتسبيبه. إذاً فكيف نوجَّه بإعلان حقوق الإنسان يأتينا من عدونا ونحن الذين علمنا الدنيا من علم الذي قال {قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} {كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} ، وغير هذا وفير في الكتاب الذي

ص: 113

ضمنه الله علم الدنيا والآخرة، نظرا وكونا وجِرما وفكرا وبحثا ونقلا {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} . الله أكبر. فماذا بعد هذا؟ ورحنا نستجدي ونحن الأكرم والأجدى بما علّمنا به الذي علمْنا به، سبحانه، ولكن أساس حيرتنا وتطلعنا إلى ما في يد الغير من كل شؤون الدنيا علماً أو غيره، هو فراغ قلوبنا من كامل الإيمان بالذي وسع كل شيء علماً. فالأزمة أزمة إيمان قبل كل شيء، ولقد أهاجني حقاً تلك الكلمات التي ذكرها الأستاذ نديم الجسر في كتابه القيم والذي عنونه بهذا العنوان الرائع (قصة الإيمان) ، وسأنقل هذه الكلمات هنا لي ولمن يعجب بها معي، يقول الأستاذ نديم الجسر:-

إن لإيمان بالله هو: رأس الفضائل، ولجام الرذائل، وقوام الضمائر، وسند العزائم في الشدائد، وبلسم الصبر عند المصائب، وعماد الرضا والقناعة بالحظوظ، ونور الأمل في الصدور، وسكن النفوس إذا أوحشتها الحياة. وعزاء القلوب إذا نزل الموت أو قربت أيامه. والعروة الوثقى بين الإنسانية ومثلها الكريمة، ولا يخدعنك عن هذا من يقول لك: إن مكارم الأخلاق تغني- بوازع الضمير- عن الإيمان، لأن مكارم الأخلاق، التي تواضعنا عليها للتوفيق بين غرائزنا وحاجات المجتمع، لا بد لها عند اعتلاج الشهوات في الشدائد والأزمات، أن تعتمد على الإيمان، بل إن هذا الشيء الذي نسميه ضميراً، إنما يعتمد في سويدائه على الإيمان، وانقياد الناس لمكارم الأخلاق، إنما يكون بزاجر من السلطان. أو وازع من القرآن، أو رادع من المجتمع.

ثم يستمر الأستاذ نديم فيقول:-

فإذا كنا في نجوة من سلطان القانون والدين والمجتمع، لم يبق لنا وازع، إلا الضمير، ونحن في معركة الشهوات والغرائز مع الضمائر. قلّ أن نرى الضمير منتصرة إلا عند القلة من الناس، وهذه القلة نفسها لا تستمسك بضمائرها عند جموح الشهوات إلا إذا كانت تخشى الله يا حيران. ولو تركنا مكارم الأخلاق جانبا ونظرنا إلى حاجتنا إلى الإيمان، من حيث هو سند في الشدائد، وبلسم للمصائب، وسكن للنفوس، وعزاء للقلوب، وعلاج لشقاء الحياة، لوجدنا أننا عند فقد الإيمان نكون أسوأ حظاً في الحياة، وأدنى رتبة في سلم المخلوقات من أذل البهائم، وأضعف الحشرات، وأشرس الضواري

فالبهائم تجوع كما نجوع، ولكنها في نجوة من هم الرزق. وخوف الفقر. وكرب الحاجة. وذل السؤال. وهي تلد كما نلد، وتفقد أولادها كما نفقد. ولكنها في راحة من هلع المثكلة، وجزع الميتمة، وهم اليتامى المستضعفين. وهي في أجسادها تلتذ كما نلتذ وتألم كما نألم. ولكنها في راحة مما يأكل القلوب، ويقرح

ص: 114

الجفون، ويقض المضاجع، ويقطع الأرحام، ويفرق الشمل، ويخرب البيوت من المهلكات كالحسد والكذب والنميمة والفرية والقذف والنفاق والخيانة، والعقوق وكفر النعمة ونكران الجميل، وهي تعرف بنوع من الإدراك ما يضرها وما ينفعها، ولكنها في نجوة من أعباء التكليف، وأثقال الأوزار، ومضض الشك، وكرب الحيرة، وعذاب الضمير، وهي تمرض كما نمرض، وتموت كما نموت، ولكنها في راحة من التفكير في عقبى المرض. وفراق الأحباب، وسكرات الموت. ومصير الموتى وراء القبور، والضواري تسفك الدماء لتشبع بلا صرف، ولكنها لا تسفكها أنفاً ولا جنفاً، ولا صلفاً ولا ترفا، ولا علوا في الأرض ولا استكبارا.

ثم يمضي الأستاذ نديم ليختم هذا الجزء من كتابه (قصة الإيمان) فيقول:

أما هذا الحيوان الفيلسوف- يقصد الإنسان- الضعيف الهلوع الجزوع. المطماع، المختال، المترف، المتكبرة المتجبر، السافك الدماء، الذي لا يأتيه شقاء الحياة إلا من تفكيره. فإنه لا علاج لشقائه إلا بالإيمان، فالإيمان هو الذي يقويه، وهو الذي يعزيه، وهو الذي يسليه. وهو الذي يمنيه، وهو الذي يرضيه. وهو الذي يجعله إنساناً يسعى إلى مثله الأعلى لتسجد له الملائكة، انتهى.

إذا ًفكل العلوم التي تدرك من أمر الحياتين أولاها وأخراها. مصدرها ومردها إلى الإيمان، ذلك الينبوع الهادر بالخير كله، في الحال والمآل، فما أتعس من طلب العلم عن غير صفاء النبع، وراح يوقف عمره تحت قيادة الشيطان ليخرب ما عمَّر الله بالمقاتلات والقاذفات. ثم يجلس بجانب الركام يذرف الدمع على ما هدمه بيده على رأسه، {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} أما وعد الله الذي سيدمر فيه كل هذه الدنيا فسيكون نصيبه أوفر: من هذا الدمار الذي ليس بعده إعمار.

أما نحن فهذا نوع علمنا الذي سعدنا به في اليوم وما بعده يقدمه رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى الخليقة كلها {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاس} ، في هذه الأحاديث المتفق عليها، وغيرها كثير.

"ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى، أو يرده عن ردى. وما استقام دينه حتى يستقيم عقله".

"إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في جوف البحر، ليصلون على معلم الناس الخير".

ص: 115

"لا حسد إلا في اثنتين. رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق. ورجل آتاه الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها".

"منهومان لا يشبعان، طالب علم، وطالب مال" وشتان.

ولقد أعجب (كوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب) أعظم الإعجاب من شغف العرب بالعلم. ولقد كان إعجابه أعظم أن رأى هذا الشغف منبعثًا منهم عن الدين نفسه. وقال في ذلك: إن العلم الذي استخفت به أديان أخرى قد رفع المسلمون من شأنه عالياً، وإليهم ترجع في الحقيقة هذه الملاحظة الصائبة القائلة باسم الدين:"إنما الناس هم الذين يتعلمون والذين يعلمون، وأما من عداهم فمضر أو لا خير فيه" مشيراً بذلك إلى الحديث الصحيح "ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردًى. وما استقام دينه حتى يستقيم عمله. وفي رواية، حتى يستقيم عقله"، أي بالعلم. ثم يستمر (كوستاف) في كتابه فيقول:- إن النشاط الذي أبداه العرب في الدراسة كان مدهشاً جداً، ولئن ساواهم في ذلك كثير من الشعوب فلم يكن منهم فيما أظن من سبقهم. وكانوا إذا ما استولوا على مدينة وجهوا عنايتهم في الدرجة الأولى إلى تأسيس جامع وإقامة مدرسة، وعدا مدارس التعليم البسيطة فإن المدن الكبرى مثل بغداد والقاهرة وطليطلة وقرطبة الخ، كان فيها جامعات علمية مجهزة بالمخابر والمراصد والمكتبات الغنية، وبكلمة واحدة كانت هذه الجامعات مجهزة بكل المواد الضرورية للبحوث العلمية، وكان في أسبانيا وحدها سبعون مكتبة عامة، وكانت مكتبة الخليفة (الحكم الثاني) في قرطبة تحتوي كما ذكره االمؤلفون العرب على ستمائة ألف مجلد كان فيها للفهرس فقط أربعة وأربعون مجلدا. وقد لوحظ بحق، أن (شارل الحكيم) لم يستطع بعد أربعمائة سنة من هذا التاريخ أن يجمع في مكتبة فرنسا الملكية أكثر من تسعمائة مجلد. وكاد أن يكون ثلثها فقط خارجاً عن علم الكهنوت.

وقال (كوستاف) أيضا في كتابه: لقد بلغ شغف العرب بالتعليم مبلغاً عظيما جداً، حتى إن خلفاء بغداد كانوا يستعملون كل الوسائل لجذب العلماء وأشهر الفنيين في العالم إلى قصورهم. وأن أحد هؤلاء الخلفاء بلغ به الأمر إلى إعلان الحرب على قيصر القسطنطينية ليجبره على السماح لأحد الرياضيين المشهورين بالحضور إلى بغداد والتعليم فيها، انتهى وحسبنا أن شهد شاهد منهم.

ص: 116

(الباب العاشر)

ويشمل المواد الثلاث الآتية: وبها نأتي على آخر مواد إعلان حقوق الإنسان:

المادة الثامنة والعشرون:-

لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققا تاما.

المادة التاسعة والعشرون:-

(أَ) على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده لشخصيته أَن تنمو نموا حرا كاملا.

(ب) يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها، ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي.

(ج) لا يصح بأي حال من الأحوال أن تمارس هذه الحقوق ممارسة تتناقض مع أغراض الأمم المتحدة ومبادئها.

المادة الثلاثون:-

ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه.

أما عن المادة الأولى من هذه المواد الثلاث (لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي) ، فأي نظام هذا الذي قالوه وما بينوه، أم هو التيه في ظلمات الأرض لما أظْلمت قلوبهم، إنكارا لموجد هذا المجتمع الدولي الذي تحدثوا عنه وما تحدثوا عن منظمه، بأغرب وأعجب وأدق نظام أَنزله على خير الأنام، صلى الله عليه وسلم {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} ، {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فهل بديع السماوات والأرض والإنسان ضمن إبداعه يمكن- عقلا- أن يوجد المبْدَع نظاما خيراً ممن أبدع؟ ، لتتحقق بمقتضاه الحقوق أكثر مما حققها واقتضاها؟ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} ، وسيظل الإنسان المسكين ذليل هواه ودنياه، ترديه جيلا بعد جيل، حتى يعلم أَنه-- وفي الدنيا قبل الآخرة- لا أحد أنظم ممن نظم صورة أدميته، ثم أحكم له نظام تقلبه في نهاره، وسكنه في ليله، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً} لكن تقول الآية {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ، فهم وحدهم الذين يعلمون ذلك دون سواهم.

ص: 117

وعن المادة التاسعة والعشرين من حقوقهم تقول الفقرة (أ) :

على كل فرد واجبات نحو المجتمع، وإنها لكلمة حق أريد بها الباطل. وهل رأينا أفرادهم إلا متهالكين نحو شهواتهم وخصوصية ميولهم وما يلهثون إلَاّ وراء أنانيتهم الفردية. أما نحن فقلنا لبعضنا ما قاله لنا ربنا {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وما قاله لنا نبينا- صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلَكم مسئول عن رعيته" و"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وتاريخنا العاطر مشحون بأعمال رجالنا تنفيذاً لما أمرهم الله ورسوله، من الإيثار وتقديم مصلحة الغير والمجتمع على النفس. وقد قدمنا منه العديد في بحثنا هذا. ونزيد فنقول ما رأي واضعوا هذه الحقوق التي ما أحقوها يوماً. عندما عرِضت رأس شاة على جار فقير. فيقول: أعطوها لجاري فقد يكون أولى بها مني. وتظل رأس الشاة تنتقل من دار إلى دار حتى تعود إلى الجار الأول بعد أن تأكد أن غيره ليس أحوج إليها منه. تلك صورة من قاعدة مجتمعنا. أما من قمة مجتمعنا فيشعر عمر بن الخطاب بتقلبات في بطنه وقرقرة في أمعائه حيث ما كان له أدام عام الرمادة إلا الزيت، فيقول لبطنه قرقري أو لا تقرقري. فلن تأتدمي السمن حتى يأتدمه المسلمون) فأي واجبات الفرد حاكما أو محكوماً نحو المجتمع تؤدَّى بأروع من هذا يا بني الإنسان؟ عندما تدور رأس شاة بين أيد محتاجة إليها حتى تستقر عند من هو أشد احتياجاً، وعندما يلزم رئيس أضخم وأوسع أمة في التاريخ بألَاّ يأكل السمن حتى يأكله كل شعبه ويكون هو آخر من يأكله.

أم هل أتى واضعوا حقوق الإنسان التي أسلموها للنسيان. نبأ المرأة العراقية التي سافرت الأميال الطوال سائلة عن بيت عمر بن عبد العزيز، فوجدته كوخا ظنت من دلها عليه أنه يسخر منها. ولكنها تأكدت لما قالت لها زوجة الخليفة إنه نصيبه من القصور والدور والضياع والزروع التي كانت له. وتخلى عنها جميعها للمجتمع الإسلامي غداة أن استخلف، ويأتي الخليفة وتقص عليه المرأة قصتها: بأن زوجها مات في الجهاد في سبيل الله وترك لها خمس بنات لا تملك لهن شيئاً، وعندما نسمع جواب عمر بن عبد العزيز تدخل في الفقرة (ب) التي تتحدث عن ممارسة الحقوق وضمان الاعتراف بها للغير.

فطلب عمر قلما وقرطاسا وأخذ يكتب بنفسه- فلا وكيل ولا سكرتير-.

من أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى والي العراق. إذا أتتك هذه المرأة فتثبت من أمرها، فإن كان حقاً ما تقول، فاجعل لا بنتها الأولى ألف دينار، فقالت المرأة: الحمد لله، فزاد الخليفة: واجعل للثانية ألف دينار. فقالت المرأة: الحمد لله، فزاد الخليفة: وللثالثة ألف دينار، فقالت: الحمد لله، فقال: وللرابعة ألف دينار، فقالت الحمد لله، فزاد

ص: 118

الخليفة: وللخامسة ألف دينار. فقالت المرأة: شكرا لك يا أمير المؤمنين، فجرَّ بقلمه على نصيب الخامسة وألغاه. فقالت لم يا أمير المؤمنين؟ فقال: شكرت الله في الأربعة الأول فأعطاهن من فضله. وشكرتني في الخامسة وليس لدي ما أعطيه إياها. إنما أنا قاسم والله معطي، فلتأكل مع أخواتها.

فأي ممارسة للحقوق وأي ضمان لها أرفع من هذا وأعز يا واضعوا حقوق الإنسان؟.

(أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا (دعي) المجامع)

مع الاعتذار للشاعرين، جرير والفرزدق، حيث وضعْت (دعي) من عندي.

وهل بعد ادعاء من وضعوا حقوق الإنسان وأكلوها ادعاء؟.

أما عن الفقرة (ج) وهي الأخيرة من المادة التاسعة والعشرين فسأعيد فقط نصها لنضحك من أمرها معاً، تقول الفقرة:

لا يصح بأي حال من الأحوال. أن تمارس هذه الحقوق ممارسة تتناقض مع أغراض الأمم المتحدة ومبادئها.

ووجه الضحك والسخرية من هذه الفقرة أننا ما علمنا للأمم المتحدة أغراضاً أو مبادئ رأى العالم شيئاً من نفعها حتى تتناقض أو لا تتناقض. ما رأينا من مبادئها إلا بطش القوي بالضعيف في عدوان مسلح ينتشر في كل أرجاء الأرض. وابتلاع دول صغيرة بأكملها. وطرد لِشعوب بِمَلايينها في صحراء الفاقة والعوز والهلكة، كما ذكرنا في بداية البحث. فأي أغراض ومبادئ لهيئة أممهم المختلفة..... لقد أضحكونا ورفّهوا عنا.

أما المادة الثلاثون والأخيرة فتقول:

ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو أي فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى عمل عدم الحقوق والحريات الواردة فيه) أي (في كل إعلان المواد التاسعة والعشرين) .

أما عن الدول التي هدمت الحقوق والحريات الواردة في حقوق الإنسان. فلتسأل هذه الدول نفسها كم هدمت وأهدرت من تلك الحقوق ولا زالت، وقد فصلناها وفضحناها في أماكنها من هذا البحث، أما نحن فقد قدمنا إليهم نماذج الإسلام الفذة من حكامنا الحوالى الذين حكموا دولهم باسم حاكم الحكام ومالك الممالك. بل إننا مع تحري عدل الله في حكمنا زَهَّدَنا رسولنا وخوفنا من تولي المسئولية وأمانة الحقوق على عمومها.

ص: 119

فعنه صلى الله عليه وسلم قوله: "ويل للأمراء. ويل للعرفاء، ويل للأمناء، ليتمنّينّ أقوام يوم القيامة، أن ذوائبهم معلقة بالثريا، يدلون بين السماء والأرض. وأنهم لم يلوا عملا". رواه ابن حبان، وفي رواية:"ليوشكن رجل أن يتمنى أنه خرّ من الثريا. ولم يل من أمر الناس شيئا" رواه الحاكم.

وعن كلمة (الجماعة) وأنها لا تخول أيضا هدم الحقوق الواردة في الإعلان. فمن الذي يجهل ما تقوم به الهيئة المسماة (بالصليب الأحمر) ..باسم العمل الإنساني والتطبيب العلاجي، وهي في الحقيقة ليست إلا هيئة تبشيرية عالمية كبرى. وأداة تخريب دولية للعقائد والحقوق، وما هي إلا حكومة صليبية تمون بكل أسباب القوة والبأس والتأثير والإغراء من كل دول العالم الصليبية، وأكثر ميادينها التي تصول فيها وتجول هي الدول الإسلامية خاصة المتخلفة منها، ووجدت فيها القصد المطلوب والرجاء المبتغى. وحتى في اختيار اسمها ما استطاعت أن تخفي تصلبها بالصليب والدم الأحمر السليب، وأخيرا، أخيرا جدا، أفاق المسلمون أو بعضهم على دنس قصد هذا (الصليب الأحمر) فقابلوا ذلك بـ (الهلال الأحمر) في بعض بلاد إسلامية، ولكن بعد أن غزيت نفس هذه البلاد بالصليب الأحمر من مستشفيات وملاجئ ورياض أطفال. إلى غير ذلك من منشآت شيطانية شتى، حتى لم يجد الهلال المتأخر في بلده مكاناً للصليب الذي سبقه إليها. وأصبح المئات كل عام بل كل شهر يقعون صرعى التنصر والارتداد عن الإسلام، بسبب العمل الإنساني الذي تقوم به جمعية الصليب الأحمر ولا تخرقْ به قانون الأمم المتحدة ولا حقوق الإنسان.

كل هذا والمسلمون الـ1000 مليون وحكامهم أشبه بثور هائل صرعه المرض، لا يستطيع دفع الزواحف والثعالب التي تنهش من لحمه وهو حي، ذلك لأن المرض ألزمه الأرض فلم يجد من يعينه على النهوض من جديد.

نعم. إننا لم نكتف بإلقاء ديننا وراءنا، بل وقّعنا بأيدينا على دينهم وقوانينهم، فشاركناهم حيرتهم الدنيوية، فحيرتهم زادت بارتقائهم المادي الدنيوي، هكذا أدركناه ونحن نتنقل في أرقى دول أوربا، وهم الآن يبحثون عن راحة النفس متجهين إلى الروح، ونحن تركنا راحة النفس بالروح واتجهنا إليهم لتشقينا معهم المادة. وما نخشى إلا أن يدركنا ونحن على هذا الحال موعد إنهاء الوجود. فنكون ولا حتى من أصحاب (الأعراف) وإنما- ونعوذ بالله- لا هذه ولا الآية الآتية. لا دنيا ولا أخرى، فاللهم الطف بنا، وعجل بإنقاذنا، وإلى دينك ردنا، ولا تزدنا من هذا الهوان، يا خير من أكرمت بني الإنسان، والحمد لله رب العالمين.

ص: 120