الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الامام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن اسحاق ابن موسى بن مهران الأصبهاني رحمه الله.
الحمد لله محدث الأكوان والأعيان، ومبدع الأركان والأزمان، ومنشئ الألباب والأبدان، ومنتخب الأحباب والخلان، مغور أسرار الأبرار بما أودعها من البراهين والعرفان ومكدر جنان الأشرار بما حرمهم من البصيرة والإيقان، المعبر عن معرفته المنطق واللسان، والمترجم عن براهينه الأكف والبنان، بالموافق للتنزيل والفرقان، والمطابق الدليل والبيان. فألزم الحجة بالقادة من المرسلين، وأبهج المنهج بالسادة من المحققين؛ الذين جعلهم خلفاء الأنبياء، وعرفاء الأصفياء. المقربين إلى الرتب الرفيعة، والمنزهين عن النسب الوضيعة، والمؤيدين بالمعرفة والتحقيق، والمقومين بالمتابعة والتصديق، معرفة تعقب لمعرفتهم
(1)
موافقة، وتوجب لحكم نفوسهم مفارقة، وتلزم لخدمة مشهودهم معانقة، وتحقق لشريعة رسولهم مرافقة
(2)
والصلاة على من عنه بلغ وشرع، وبأمره قام وصدع، ولمتبعيه غرس وزرع، محمد المصطفى المصطنع. وعلى إخوانه
(3)
من النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحابته المنتخبين وسلم.
أما بعد أحسن الله توفيقك فقد استعنت بالله عز وجل وأجبتك إلى ما ابتغيت، من جمع كتاب يتضمن أسامي جماعة وبعض أحاديثهم وكلامهم؛
(1)
ز: لمعروفهم.
(2)
ز: موافقة
(3)
ز: اخوته
من أعلام المتحققين من المتصوفة وأئمتهم، وترتيب طبقاتهم من النساك ومحجتهم، من قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم؛ ممن عرف الأدلة والحقائق، وباشر الأحوال والطرائق، وساكن الرياض والحدائق، وفارق العوارض والعلائق، وتبرأ من المتنطعين
(1)
والمتعمقين، ومن أهل الدعاوى من المتسوفين، ومن الكسالى والمتثبطين؛ المتشبهين بهم في اللباس والمقال، والمخالفين لهم في العقيدة والفعال.
وذلك لما بلغك من بسط لساننا ولسان أهل الفقه
(2)
والآثار في كل القطر والأمصار، في المنتسبين اليهم من الفسقة الفجار، والمباحية والحلولية الكفار، وليس ما حل بالكذبة من الوقيعة والإنكار، بقادح في منقبة البررة الأخيار، وواضع من درجة الصفوة الأبرار، بل في إظهار البراءة من الكذابين والنكير على الخونة الباطلين نزاهة للصادقين ورفعة للمتحققين.
ولو لم نكشف عن مخازي المبطلين ومساويهم ديانة، للزمنا إبانتها وإشاعتها حمية وصيانة، إذ لأسلافنا في التصوف العلم المنشور، والصيت والذكر المشهور. فقد كان جدي محمد بن يوسف البنا رحمه الله أحد من نشر الله عز وجل به ذكر بعض المنقطعين إليه، وعمر به أحوال كثير من المقبلين عليه.
وكيف نستجيز نقيصة أولياء الله تعالى ومؤذيهم مؤذن بمحاربة الله.
وهو ما
• حدثنا إبراهيم بن محمد بن حمزة حدثنا أبو عبيدة محمد بن أحمد بن المؤمل. وحدثنا إبراهيم بن عبد الله حدثنا محمد بن إسحاق السراج. قالا:
حدثنا محمد بن اسحاق بن كرامة حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل قال من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه
(1)
ح: والمتقنطين
(2)
ح: أهل العقد والآثار. والقطر: فى النسختين بالضم:
الناحية ويجمع على أقطار.
الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، فلئن سألنى عبدى أعطيته، ولئن استعاذني لأعذته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره إساءته - أو مساءته -».
• حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا الحسن بن علي بن نصر قال قرأ على أبي محمد بن المثنى. وحدثنا الحسن بن سلمة بن أبي كبشة أن أبا عامر العقدي حدثهما قال حدثنا عبد الواحد عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويروى عن ربه عز وجل: «قال من آذى لي وليا فقد استحل محاربتي» .
• حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا نافع بن يزيد حدثني عياش بن عياش عن عيسى بن عبد الرحمن عن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر. قال: وجد عمر ابن الخطاب معاذ بن جبل رضي الله عنه قاعدا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي. فقال: ما يبكيك؟ قال يبكيني شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن يسير الرياء شرك وإن من عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة».
قال الشيخ رحمه الله: واعلم أن لأولياء الله تعالى نعوتا ظاهرة، وأعلاما شاهرة، ينقاد لموالاتهم العقلاء والصالحون ويغبطهم بمنزلتهم الشهداء والنبيون. وهو ما
• حدثنا محمد بن جعفر بن إبراهيم حدثنا جعفر بن محمد الصائغ حدثنا مالك بن إسماعيل وعاصم بن علي. قالا: حدثنا قيس بن الربيع حدثنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله عز وجل» .
فقال رجل: من هم وما أعمالهم؟ لعلنا نحبهم. قال: «قوم يتحابون بروح الله عز وجل من غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها بينهم. والله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس» . ثم قرأ {(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)} .
ومن نعوتهم: أنهم المورثون جلاسهم كامل الذكر، والمفيدون خلانهم بشامل البر
• حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن علي الأبار حدثنا الهيثم ابن خارجة حدثنا رشدين بن سعد عن عبد الله بن الوليد التجيبي عن أبي منصور
(1)
مولى الأنصار أنه سمع عمرو بن الجموح يقول أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول: «قال الله عز وجل إن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكرى وأذكر بذكرهم» .
• حدثنا أحمد ابن يعقوب المعدل حدثنا الحسن بن علوية حدثنا إسماعيل بن عيسى حدثنا الهياج بن بسطام عن مسعر بن كدام عن بكير بن الأخنس عن سعيد رضي الله تعالى عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولياء الله؟ قال:
«الذين إذا رأوا ذكر الله عز وجل» .
• حدثنا جعفر بن محمد بن عمر.
وحدثنا أبو حصين القاضي حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا داود العطار عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد. قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخياركم» قالوا بلى! قال:
«الذين إذا رأوا ذكر الله عز وجل» .
ومنها: أنهم المسلمون من الفتن الموقون من المحن
• حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن القاسم بن الحجاج حدثنا الحكم بن موسى حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنى مسلم بن عبيد الله نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. أنه قال: «إن لله عز وجل ضنائن من عباده يغذيهم في رحمته ويحييهم فى عافيته إذا توفاهم إلى جنته أولئك الذين تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم وهم منها في عافية» .
ومنها: أنهم المضرورون في الأطعمة واللباس، المبرورة أقسامهم عند النازلة والباس
• حدثنا أبو إسحاق بن حمزة حدثنا أحمد بن شعيب بن يزيد.
وحدثنا إسحاق بن أحمد حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا محمد بن عزيز حدثنا سلامة بن روح حدثنا عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك. قال قال
(1)
ح: عن منصور ولم نقف عليه.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كم من ضعيف متضعف ذى طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك» . ثم إن البراء لقي زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين. فقالوا له: يا براء إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أقسمت على ربك لأبرك فأقسم على ربك. فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، فمنحوا أكتافهم. ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين، فقالوا أقسم يا براء على ربك عز وجل، قال أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك صلى الله عليه وسلم، فمنحوا أكتافهم، وقتل البراء شهيدا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن حدثنا محمد ابن نصر الصائغ حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري
(1)
حدثنا ابن أبي حازم عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رب أشعث ذى طمرين تنبو عنه أعين الناس لو أقسم على الله عز وجل لأبره» .
قال الشيخ رحمه الله تعالى ومنها: إن ليقينهم تنفلق الصخور، وبيمينهم تنفتق البحور
• حدثنا سهل بن عبد الله التستري حدثنا الحسين بن إسحاق حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله ابن هبيرة عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ فى أذن مبتلى، فأفاق. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما قرأت في أذنه؟ قال: مبتلى، قرأت أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا» حتى ختم السورة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال» .
• حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن يزيد الكوفي حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الصلت بن مطر عن قدامة بن حماظة بن أخت سهم بن منجاب
(2)
. قال سمعت سهم بن منجاب قال: غزونا مع العلاء بن الحضرمي، فسرنا حتى أتينا دارين والبحر بيننا وبينهم. فقال:
يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك، اللهم
(1)
فى ح الزبيدى وهو خطأ
(2)
كذا فى النسختين وفى أسد الغابة سهل بن منجاب التميمى
فاجعل لنا إليهم سبيلا. فتقحم بنا البحر، فخضنا ما يبلغ لبودنا الماء، فخرجنا إليهم.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي حدثنا يعقوب بن إبراهيم الوليد بن شجاع قالا حدثنا عبد الله بن بكر عن حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: لقد رأيت في العلاء بن الحضرمي رضي الله تعالى عنه ثلاث خصال ما منهن خصلة إلا وهي أعجب من صاحبتها: انطلقنا نسير حتى قدمنا البحرين، وأقبلنا نسير حتى كنا على شط البحر. فقال العلاء: سيروا، فأتى البحر فضرب دابته، فسار وسرنا معه ما يجاوز ركب دوابنا، فلما رآنا ابن مكعبر، عامل كسرى، قال لا والله لا نقابل
(1)
هؤلاء، ثم قعد في سفينة فلحق بفارس.
قال الشيخ رحمه الله ومنها: أنهم سباق الأمم والقرون، وبإخلاصهم يمطرون وينصرون
• حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل قرن من أمتي سابقون» .
• حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا محمد بن الخزر الطبراني حدثنا سعيد بن أبي زيد
(2)
حدثنا عبد الله بن هارون الصوري حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيار أمتي في كل قرن خمسمائة، والأبدال أربعون.
فلا الخمسمائة ينقصون، ولا الأربعون؛ كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمسمائة مكانه، وأدخل من الأربعين مكانهم» قالوا يا رسول الله دلنا على أعمالهم. قال:«يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم ويتواسون فيما آتاهم الله عز وجل» .
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن حدثنا محمد بن السري القنطري حدثنا قيس بن إبراهيم بن قيس السامري حدثنا عبد الرحمن بن يحيى الأرمني حدثنا عثمان بن عمارة حدثنا المعافى بن عمران عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال قال رسول الله
(1)
ز - نقاتل.
(2)
ح - زيدون.
صلى الله عليه وسلم: «إن لله عز وجل في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام، ولله تعالى في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه السلام، ولله تعالى في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام، ولله تعالى في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام، ولله تعالى في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام، ولله تعالى في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام. فإذا مات الواحد أبدل الله عز وجل مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله تعالى مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل الله تعالى مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله تعالى مكانه من الثلاثمائة، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله تعالى مكانه من العامة. فيهم يحيي ويميت، ويمطر وينبت ويدفع البلاء» . قيل لعبد الله بن مسعود: كيف بهم يحيي ويميت! قال «لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون فتنبت لهم الأرض. ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء» .
• حدثنا محمد أبو عمرو بن حمدان حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا عبد الوهاب بن الضحاك حدثنا ابن عباس حدثنا صفوان بن عمرو عن خالد بن معدان عن حذيفة بن اليمان. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حذيفة. إن في كل طائفة من أمتي قوما شعثا غبرا، إياي يريدون، وإياي يتبعون، وكتاب الله يقيمون، أولئك مني وأنا منهم وإن لم يروني» .
• حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا بكر بن سهل حدثنا عمرو بن هاشم حدثنا سليمان بن أبي كريمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل عني - أو سره أن ينظر إلى - فلينظر إلى أشعث شاحب مشمر، لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فشمر إليه، اليوم المضمار وغدا السباق، والغاية الجنة أو النار» .
قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله ومنها: أنهم نظروا إلى باطن العاجلة
فرفضوها، وإلى ظاهر بهجتها وزينتها فوضعوها.
• حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر ابن مالك حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثني غوث بن جابر.
قال سمعت محمد بن داود يحدث عن أبيه عن وهب بن منبه. قال: قال الحواريون يا عيسى من أولياء الله الذين {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} ؟ قال عيسى عليه السلام: الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، والذين نظروا إلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما يخشون أن يشينهم وتركوا ما علموا أن سيتركهم، فصار استكثارهم منها استقلالا، وذكرهم إياها فواتا، وفرحهم بما أصابوا منها حزنا فما عارضهم من نيلها رفضوه، وما عارضهم من رفعتها بغير الحق وضعوه، وخلقت الدنيا عندهم فليسوا يجددونها، وخربت بيوتهم فليسوا يعمرونها، وماتت في صدورهم فليسوا يحيونها بعد موتها، بل يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، ورفضوها فكانوا فيها هم الفرحين، ونظروا إلى أهلها صرعى قد حلت بهم المثلات. وأحيوا ذكر الموت، وأماتوا ذكر الحياة. يحبون الله عز وجل، ويحبون ذكره، ويستضيئون بنوره، ويضيئون به. لهم خبر عجيب، وعندهم الخبر العجيب، بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، وبهم علم الكتاب وبه عملوا، وليسوا يرون نائلا مع ما نالوا، ولا أمانا دون ما يرجون، ولا خوفا دون ما يحذرون.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: وهم المصونون عن مرامقة حقارة الدنيا بعين الاغترار، المبصرون صنع محبوبهم بالفكر والاعتبار.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني سفيان بن وكيع حدثنا إبراهيم بن عيينة عن ورقاء
(1)
. قال الشيخ أبو نعيم والصواب وفاء بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما بعث الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون قال: لا يغرنكما لباسه الذى ألبسته، فان ناصيته بيدي فلا ينطق ولا يطرف إلا باذنى، ولا يغرنكما
(1)
فى ح - ابن عيينة عن ابن اياس عن سعيد الخ وليس فيها تصحيح المؤلف لورقاء.
ما متع به من زهرة الدنيا وزينة المترفين فلو شئت أن أزينكما من زينة الدنيا بشيء يعرف فرعون أن قدرته تعجز عن ذلك لفعلت، وليس ذلك لهوانكما علي ولكني ألبستكما نصيبكما من الكرامة على أن لا تنقصكما الدنيا شيئا، وإنى لأذود أوليائى عن الدنيا كما يذود الراعى إبله عن مبارك العرة، وإني لأجنبهم زهرتها كما يجنب الراعى إبله عن مراتع الهلكة، أريد أن أنور
(1)
بذلك مراتبهم وأطهر بذلك قلوبهم، فى سيماهم الذي يعرفون به، وأمرهم الذي يفتخرون به. واعلم أنه من أخاف لي وليا فقد بارزني بالعداوة، وأنا الثائر لأوليائي يوم القيامة.
• حدثنا أحمد بن السري حدثنا الحسن بن علويه القطان حدثنا إسماعيل بن عيسى حدثنا إسحاق بن بشر عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وحدثنا أبي حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا محمد ابن سهل بن عسكر حدثنا اسماعيل بن عبد الكريم حدثنا عبد الصمد بن معقل قال سمعت وهب بن منبه يقول: لما بعث الله تعالى موسى وأخاه هارون عليهما السلام إلى فرعون. قال: لا يعجبنكما زينته ولا ما متع به، ولا تمدا أعينكما إلى ذلك، فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين فإني لو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما لفعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، وقديما ما خرت لهم في ذلك، فانى لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة، وإني لأجنبهم سلوتها وعيشتها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك العرة
(2)
. وما ذلك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفورا لم تكلمه الدنيا ولم يطغه الهوى. واعلم أنه لم يتزين العباد بزينة أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا، فإنها زينة المتقين عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، أولئك هم أوليائي حقا حقا، فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك وذلل لهم قلبك ولسانك. واعلم أنه من أهان لى وليا أو
(1)
كذا فى الأصلين.
(2)
فى الأصول: الغرة بالمعجمة فى المكانين وذلك تصحيف.
أخافه فقد بارزني بالمحاربة وبادأني، وعرض لي نفسه ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لى؟ أو يظن الذى يعادينى أن بعجزنى؟ أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني؟ فكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أكل نصرتهم إلى غيري. زاد اسماعيل ابن عيسى في حديثه: فاعلم يا موسى أن أوليائي الذين أشعروا قلوبهم خوفي فيظهر على أجسادهم في لباسهم وجهدهم الذي يفوزون به يوم القيامة، وأملهم الذي به يذكرون، وسيماهم الذي به يعرفون، فإذا لقيتهم فذلل لهم نفسك.
حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن مقسم ثنا العباس بن يوسف الشكلي حدثني محمد بن عبد الملك قال قال عبد الباري: قلت لذي النون المصري رحمه الله: صف لي الأبدال فقال: إنك لتسألني عن دياجي الظلم، لأكشفنها لك عبد الباري. هم قوم ذكروا الله عز وجل بقلوبهم تعظيما لربهم عز وجل لمعرفتهم بجلاله. فهم حجج الله تعالى على خلقه، ألبسهم النور الساطع من محبته، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته، وأفرغ عليهم الصبر عن مخالفته، وطهر أبدانهم بمراقبته وطيبهم بطيب أهل مجاملته، وكساهم حللا من نسج مودته، ووضع على رءوسهم تيجان مسرته، ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب فهي معلقة بمواصلته، فهمومهم إليه ثائرة، وأعينهم إليه بالغيب ناظرة، قد أقامهم على باب النظر من قربه، وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته. ثم قال: إن أتاكم عليل من فقري فداووه أو مريض من فراقي فعالجوه، أو خائف مني فأمنوه، أو آمن منى فخذروه، أو راغب في مواصلتي فهنوه، أو راحل نحوي فزودوه، أو جبان في متاجرتي فشجعوه، أو آيس من فضلي فعدوه، أو راج لإحساني فبشروه، أو حسن الظن بي فباسطوه، أو محب لي فواظبوه، أو معظم لقدري فعظموه. أو مستوصفكم نحوى فأرشدوه، أو مسئ بعد إحسان فعاتبوه ومن واصلكم في فواصلوه، ومن غاب عنكم فافتقدوه، ومن ألزمكم جناية فاحتملوه، ومن قصر في واجب حقي فاتركوه، ومن أخطأ خطيئة فناصحوه، ومن مرض من أوليائى فعودوه،
ومن حزن فبشروه، وإن استجار بكم ملهوف فأجيروه.
يا أوليائي لكم عاتبت وفي إياكم رغبت، ومنكم الوفاء طلبت، ولكم اصطفيت وانتخبت، ولكم استخدمت واختصصت، لأني لا أحب استخدام الجبارين، ولا مواصلة المتكبرين، ولا مصافاة المخلطين، ولا مجاوبة المخادعين، ولا قرب المعجبين، ولا مجالسة البطالين، ولا موالاة الشرهين.
يا أوليائي جزائي لكم أفضل الجزاء، وعطائي لكم أجزل العطاء، وبذلي لكم أفضل البذل، وفضلي عليكم أكثر الفضل، ومعاملتي لكم أوفى المعاملة، ومطالبتي لكم أشد المطالبة، أنا مجتني القلوب، وأنا علام الغيوب، وأنا مراقب الحركات، وأنا ملاحظ اللحظات، أنا المشرف على الخواطر، أنا العالم بمجال الفكر، فكونوا دعاة إلي، لا يفزعكم ذو سلطان
(1)
سوائي، فمن عاداكم عاديته، ومن والاكم واليته، ومن آذاكم أهلكته، ومن أحسن إليكم جازيته، ومن هجركم قليته.
قال الشيخ رحمه الله: وهم الشغفون به وبوده، والكلفون بخطابه وعهده
• حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن منصور المدائنى حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي حدثنا عبد الله بن محمد بن الحسن بن عروة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن موسى عليه السلام قال: يا رب أخبرني بأكرم خلقك عليك. قال: الذي يسرع إلى هواي إسراع النسر إلى هواه، والذي يكلف بعبادي الصالحين كما يكلف الصبي بالناس، والذي يغضب إذا انتهكت محارمي غضب النمر لنفسه، فإن النمر إذا غضب لم يبال أقل الناس أم كثروا» . .
• حدثنا أبي حدثنا أحمد بن محمد بن مصقلة حدثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان الحناط حدثنا أبو الفيض ذو النون بن إبراهيم المصري قال: إن الله عز وجل لصفوة من خلقه وإن لله عز وجل لخيرة. فقيل له: يا أبا الفيض فما علامتهم؟ قال: إذا خلع العبد الراحة وأعطى المجهود في الطاعة وأحب سقوط المنزلة. ثم قال:
(1)
فى ز: سلطان دونى
منع القران بوعده ووعيده
…
مقل العيون بليلها أن تهجعا
(1)
فهموا عن الملك الكريم كلامه
…
فهما تذل له الرقاب وتخضعا
وقال له بعض من كان في المجلس حاضرا: يا أبا الفيض من هؤلاء القوم يرحمك الله؟ فقال ويحك هؤلاء قوم جعلوا الركب لجباههم وسادا، والتراب لجنوبهم مهادا. هؤلاء قوم خالط القرآن لحومهم ودماءهم، فعزلهم عن الأزواج وحركهم بالإدلاج، فوضعوه على أفئدتهم فانفجرت، وضموه إلى صدورهم فانشرحت، وتصدعت هممهم به فكدحت، فجعلوه لظلمتهم سراجا، ولنومهم مهادا. ولسبيلهم منهاجا، ولحجتهم إفلاجا، يفرح الناس ويحزنون، وينام الناس ويسهرون، ويفطر الناس ويصومون، ويأمن الناس ويخافون. فهم خائفون حذرون، وجلون مشفقون مشمرون، يبادرون من الفوت، ويستعدون للموت. لم يتصغر جسيم ذلك عندهم لعظم ما يخافون من العذاب وخطر ما يوعدون من الثواب، درجوا على شرائع القرآن، وتخلصوا بخالص القربان، واستناروا بنور الرحمن، فما لبثوا أن أنجز لهم القرآن موعوده، وأوفى لهم عهوده، وأحلهم سعوده، وأجارهم وعيده، فنالوا به الرغائب، وعانقوا به الكواعب، وأمنوا به العواطب وحذروا به العواقب، لأنهم فارقوا بهجة الدنيا بعين قالية، ونظروا إلى ثواب الآخرة بعين راضية، واشتروا الباقية بالفانية، فنعم ما اتجروا ربحوا الدارين، وجمعوا الخيرين، واستكملوا الفضلين، بلغوا أفضل المنازل، بصبر أيام قلائل، قطعوا الأيام باليسير، حذار يوم قمطرير، وسارعوا في المهلة، وبادروا خوف حوادث الساعات، ولم يركبوا أيامهم باللهو واللذات، بل خاضوا الغمرات للباقيات الصالحات، أو هن والله قوتهم التعب، وغير ألوانهم النصب، وذكروا نارا ذات لهب، مسارعين إلى الخيرات منقطعين عن اللهوات، بريئون من الريب والخنا، فهم خرس فصحاء، وعمي بصراء. فعنهم تقصر الصفات؛ وبهم تدفع النقمات، وعليهم تنزل البركات، فهم أحلى الناس منطقا ومذاقا، وأوفى
(1)
فى ح - تهجع، وتخضع.
الناس عهدا وميثاقا، سراج العباد، ومنار البلاد، مصابيح الدجى، ومعادن الرحمة، ومنابع الحكمة، وقوام الأمة، تجافت جنوبهم عن المضاجع، فهم أقبل الناس للمعذرة، وأصفحهم للمغفرة، وأسمحهم بالعطية، فنظروا إلى ثواب الله عز وجل بأنفس تائقة، وعيون رامقة، وأعمال موافقة، فحلوا عن الدنيا مطي رحالهم، وقطعوا منها حبال آمالهم، لم يدع لهم خوف ربهم عز وجل من أموالهم تليدا ولا عتيدا، فتراهم لم يشتهوا من الأموال كنوزها، ولا من الأوبار خزوزها، ولا من المطايا عزيزها، ولا من القصور مشيدها، بلى! ولكنهم نظروا بتوفيق الله تعالى لهم وإلهامه إياهم، فحركهم ما عرفوا بصبر أيام قلائل فضموا أبدانهم عن المحارم، وكفوا أيديهم عن ألوان المطاعم، وهربوا بأنفسهم عن المآثم، فسلكوا من السبيل رشاده، ومهدوا للرشاد مهاده، فشاركوا أهل الدنيا في آخرتهم، عزوا عن الرزايا، وغصص المنايا، هابوا الموت وسكراته وكرباته وفجعاته، ومن القبر وضيقه، ومنكر ونكير ومن ابتدارهما وانتهارهما وسؤالهما، ومن المقام بين يدي الله عز ذكره، وتقدست أسماؤه.
قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله: وهم مصابيح الدجى، وينابيع الرشد والحجى، خصوا بخفي الاختصاص، ونقوا من التصنع بالإخلاص
• حدثنا عبد الله بن محمد وأبو أحمد محمد بن أحمد - في جماعة - قالوا حدثنا الفضل بن الحباب حدثنا شاذ بن فياض حدثنا أبو قحذم عن أبي قلابة عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: مر عمر بمعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهما وهو يبكي.
فقال: ما يبكيك يا معاذ؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروي حدثنا أبو معاوية عمرو بن عبد الجبار السنجاري حدثنا عبيدة بن حسان عن عبد الحميد بن ثابت بن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال حدثني أبي عن جدي: شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فقال: «طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تتجلى عنهم كل فتنة ظلماء.
قال الشيخ رحمه الله: وهم الواصلون بالحبل، والباذلون للفضل، والحاكمون بالعدل
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن حدثنا بشر بن موسى حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها. قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون من السابقون إلى ظل الله عز وجل؟» قالوا الله ورسوله أعلم! قال: «الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سألوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم» . رواه أحمد بن حنبل عن يحيى بن إسحاق مثله.
قال الشيخ رحمه الله: وهم المنبسطون جهرا، المنقبضون سرا، يبسطهم روح الارتياح والاشتياق، ويقلقهم خوف القطيعة والفراق
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا الوليد بن إسماعيل الحراني حدثنا شيبان بن مهران عن خالد بن المغيرة بن قيس عن مكحول عن عياض بن غنم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من خيار أمتي - فيما نبأني الملأ الأعلى، في الدرجات العلى - قوما يضحكون جهرا من سعة رحمة ربهم، ويبكون سرا من خوف شدة عذاب ربهم عز وجل. يذكرون ربهم بالغداة والعشي، في بيوته الطيبة، ويدعونه بألسنتهم رغبا ورهبا، ويسألونه بأيديهم خفضا ورفعا، ويشتاقون إليه بقلوبهم عودا وبدءا، مئونتهم على الناس خفيفة وعلى أنفسهم ثقيلة، يدبون في الأرض حفاة على أقدامهم دبيب النمل بغير مرح ولا بذخ ولا مثلة، يمشون بالسكينة، ويتقربون بالوسيلة، يلبسون الخلقان، ويتبعون البرهان، ويتلون الفرقان، ويقربون القربان. عليهم من الله تعالى شهود حاضرة، وأعين حافظة ونعم ظاهرة، يتوسمون العباد، ويتفكرون في البلاد، أجسادهم في الأرض وأعينهم في السماء. أقدامهم في الأرض وقلوبهم في السماء، وأنفسهم في الأرض وأفئدتهم عند العرش، أرواحهم في الدنيا وعقولهم في الآخرة،
ليس لهم هم إلا أمامهم، قبورهم في الدنيا ومقامهم عند ربهم عز وجل» ثم تلى هذه الآية {(ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد)} .
قال الشيخ رحمه الله: وهم المبادرون إلى الحقوق من غير تسويف والموفون الطاعات من غير تطفيف
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن موسى الأيلي ثنا عمر بن يحيى الأيلي ثنا حكيم بن حزام عن أبي جناب الكلبي عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من موجبات الله ثلاثا؛ إذا رأى حقا من حقوق الله لم يؤخره إلى أيام لا يدركها وأن يعمل العمل الصالح العلانية على قوام من عمله في السريرة وهو يجمع مع ما يعمل صلاح ما يأمل» .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فهكذا ولي الله وعدد بيده ثلاثا» .
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا داود بن المحبر ثنا ميسرة بن عبد ربه عن حنظلة بن وداعة عن أبيه عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله عز وجل خواص يسكنهم الرفيع من الجنان كانوا أعقل الناس قلنا يا رسول الله وكيف كانوا أعقل الناس؟ قال كانت همتهم المسابقة إلى ربهم عز وجل والمسارعة إلى ما يرضيه وزهدوا في فضول الدنيا ورياستها
(1)
ونعيمها وهانت عليهم فصبروا قليلا واستراحوا طويلا.
قال الشيخ رحمه الله: قد روينا بعض مناقب الأولياء ومراتب الأصفياء فأما التصوف: فاشتقاقه عند أهل الإشارات والمنبئين عنه بالعبارات من الصفاء والوفاء، واشتقاقه من حيث الحقائق التي أوجبت اللغة فإنه تفعل من أحد أربعة أشياء من الصوفانة، وهي بقلة وغباء قصيرة، أو من صوفة وهي قبيلة كانت في الدهر الأول تجيز الحاج وتخدم الكعبة، أو من صوفة القفا وهي الشعرات النابتة في متأخره
(2)
أو من الصوف المعروف على ظهور الضأن. وإن أخذ التصوف من الصوفانة التي هي البقلة فلاجتزاء القوم بما توحد الله عز وجل بصنعه ومن به عليهم من غير تكلف بخلقه، فاكتفوا به عما فيه للآدميين، صنع كاكتفاء البررة الطاهرين، من جلة المهاجرين،
(1)
فى ح: ورياشها.
(2)
وفيها: القنا - ومتأخرها.
في مبادئ إقبالهم وأول أحوالهم.
وهو
• ما حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا اسماعيل بن أبى خالد بن أبى
(1)
عن قيس بن أبي حازم قال سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: والله إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله عز وجل ولقد كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة، وهذا السمر حتى قرحت أشداقنا وحتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط.
وإن أخذ من الصوفة التي هي القبيلة فلأن المتصوف فيما كفي من حاله ونعم من ماله وأعطي من عقباه وحفظ من حظ دنيا أحد أعلام الهدى لعدولهم عن الموبقات واجتهادهم في القربات. وتزودهم من الساعات وتحفظهم للأوقات. فسالك منهجهم ناج من الغمرات. وسالم من الهلكات
• حدثنا محمد بن الفتح ثنا الحسن بن أحمد بن صدقة ثنا محمد بن عبد النور الخزاز ثنا أحمد بن المفضل الكوفي ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«يا علي إذا تقرب الناس إلى خالقهم في أبواب البر فتقرب إليه بأنواع العقل.
تسبقهم بالدرجات والزلفى عند الناس في الدنيا وعند الله فى الآخرة.
• حدثنا محمد ابن أحمد بن الحسن ثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني ثنا أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري.
قال: جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم عليه السلام فقال: «أمثال كلها وكان فيها: وعلى العامل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات، ساعة يناجي فيها ربه تعالى، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفكر في صنع الله تعالى، وساعة يخلو فيها بحاجته من المطعم والمشروب» .
وإن أخذ من صوف القفا فمعناه أن المتصوف معطوف به إلى الحق.
(1)
كذا فى النسختين واسم أبيه أبو خالد: سعيد وقيل كثير حكاه فى تهذيب التهذيب
مصروف به عن الخلق، لا يريد به بدلا ولا يبغي عنه حولا
• حدثنا القاضي عبد الله بن محمد بن عمر ثنا عبد الله بن العباس الطيالسي
(1)
ثنا عبد الرحيم بن محمد ابن زياد أنبأنا أبو بكر بن عياش عن حميد عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنى بإبراهيم عليه السلام يوم النار إلى النار فلما بصر بها قال حسبنا الله ونعم الوكيل» . .
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا محمد بن محمد بن سليمان ثنا سليمان بن توبة ثنا سلام
(2)
بن سليمان الدمشقي ثنا إسرائيل عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال حسبي الله ونعم الوكيل.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن يزيد الرفاعي ثنا إسحاق بن سليمان ثنا أبو جعفر الرازي عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال اللهم إنك واحد في السماء، وأنا فى الأرض واحد أعبدك» .
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا عبد الله بن عمر القواريري ثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن عامر الأحول عن عبد الملك بن عامر عن نوف البكالي. قال: قال إبراهيم عليه السلام يا رب إنه ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، فأنزل الله ثلاثة آلاف ملك فأمهم ثلاثة أيام.
• حدثنا أحمد ابن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا شيبان ثنا أبو هلال ثنا بكر بن عبد الله المزني. قال: لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار جأرت عامة الخليقة إلى ربها. فقالوا: يا رب خليلك يلقى في النار فائذن لنا أن نطفئ عنه قال هو خليلي ليس لي في الأرض خليل غيره، وأنا ربه ليس له رب غيري فإن استغاثكم فأغيثوه، وإلا فدعوه. قال فجاء ملك القطر فقال يا رب خليلك يلقى في النار فائذن لي أن أطفئ عنه بالقطر قال هو خليلي ليس لي في الأرض خليل غيره وأنا ربه ليس له رب غيري فإن استغاثك فأغثه وإلا فدعه فلما ألقي في النار دعا ربه فقال الله عز وجل يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم. قال:
(1)
فى ح: أنبأنا هنا وما قبله
(2)
وفيها سليمان بن سليمان
فبردت يومئذ على أهل المشرق والمغرب فلم ينضج بها كراع». .
• حدثنا أحمد بن السندي ثنا الحسن بن علويه ثنا إسماعيل بن عيسى ثنا إسحاق بن بشر. قال قال مقاتل وسعيد: لما جئ بإبراهيم عليه السلام فخلعوا ثيابه وشدوا قماطه ووضع فى المنجنيق بكت السموات، والأرض، والجبال، والشمس، والقمر، والعرش، والكرسي، والسحاب، والريح، والملائكة كل يقولون: يا رب إبراهيم عبدك يحرق بالنار فائذن لنا في نصرته. فقالت النار وبكت يا رب سخرتني لبني آدم وعبدك يحرق بي فأوحى الله عز وجل إليهم إن عبدي إياي عبد وفي جنبي أوذي إن دعاني أجبته وإن استنصركم فانصروه. فلما رمي استقبله جبريل عليه السلام بين المنجنيق والنار فقال: السلام عليك يا إبراهيم أنا جبريل ألك حاجة؟ قال أما إليك فلا! حاجتي إلى الله ربي، فلما قذف في النار كان سبقه إسرافيل فسلط النار على قماطه وقال الله عز وجل {(يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم)} فلو لم يخلطه بالسلام لكن فيها بردا.
• حدثنا الحسين ابن محمد بن علي ثنا يحيى بن محمد مولى بني هاشم ثنا يوسف القطان ثنا مهران ابن أبي عمر ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن المنهال بن عمرو قال: أخبرت أن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار كان فيها - ما أدري إما خمسين وإما أربعين يوما - قال ما كنت أياما وليالي قط أطيب عيشا مني إذ كنت فيها ووددت أن عيشى وحياتى كلها إذ كنت فيها.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: وإن أخذ من الصوف المعروف فهو لاختيارهم لباس الصوف إذ لا كلفة للآدميين في إنباته وإنشائه وإن النفوس الشاردة تذلل بلباس الصوف وتكسر نخوتها وتكبرها به لتلتزم المذلة والمهانة وتعتاد البلغة والقناعة. وقد ذكرنا شواهده في كتاب لبس الصوف مجودا. وقد كثرت أجوبة أهل الإشارة في مائيته بأنواع من العبارة وجمعناها في غير هذا الكتاب. وأقرب ما أذكره ما
حدثت عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله تعالى عنه أنه قال: من عاش في ظاهر الرسول فهو سني، ومن عاش في باطن الرسول فهو صوفي. وأراد جعفر بباطن الرسول صلى الله عليه وسلم أخلاقه
الطاهرة واختياره للآخرة. فمن تخلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وتخير ما اختاره ورغب فيما فيه رغب، وتنكب عما عنه نكب، وأخذ بما إليه ندب فقد صفا من الكدر، ونحى من العسكر، ونجي من الغير، ومن عدل عن سمته ونهجه، وعول على حكم نفسه وهرجه، وسعى لبطنه وفرجه، كان من التصوف خاليا، وفي التجاهل ساعيا، وعن خطير الأحوال ساهيا
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا داود بن المحبر ثنا نصر ابن طريف عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل عن سويد بن غفلة: أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه خرج ذات يوم فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال له: بم بعثت يا رسول الله؟ قال «بالعقل» قال فكيف لنا بالعقل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العقل لا غاية له ولكن من أحل حلال الله وحرم حرامه سمي عاقلا، فإن اجتهد بعد ذلك سمي عابدا، فإن اجتهد بعد ذلك سمي جوادا فمن اجتهد في العبادة وسمح في نوائب المعروف بلا حظ من عقل يدله على اتباع أمر الله عز وجل واجتناب ما نهى الله عنه فأولئك هم الأخسرون أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا» .
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا محمد بن عمران بن الجنيد ثنا محمد ابن عبدك ثنا سليمان بن عيسى عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سعيد الخدري.
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قسم الله عز وجل العقل على ثلاثة أجزاء فمن كن فيه كمل عقله، ومن لم يكن فيه فلا عقل له: حسن المعرفة بالله عز وجل، وحسن الطاعة لله عز وجل، وحسن الصبر على ما أمر الله عز وجل.
قال الشيخ رحمه الله: فكيف ينسب إلى التصوف من إذا عورض في حقيقة معرفة الله عز وجل كل عنها وخلط فيها، وإذا طولب بموجب الطاعة فيها جهلها وتخبط فيها، وإذا امتحن بمحنة يجب الصبر عليها وعنها جزع
(1)
وعجز.
وسادة علماء المتصوفة تكلمت في التصوف وأجابت عن حدوده ومعانيه
(1)
ح: يجب الصبر عنها جزع
وأقسامه ومبانيه. فقد كتب لى جعفر بن محمد بن نصير الخواص قال وحدثني عنه ازديار بن سليمان الفارسي قال سمعت الجنيد بن محمد رحمة الله عليه يقول وسئل عن التصوف. فقال: اسم جامع لعشرة معاني؛ التقلل من كل شيء من الدنيا عن التكاثر فيها، والثاني اعتماد القلب على الله عز وجل من السكون إلى الاسبات، والثالث الرغبة في الطاعات من التطوع في وجود العوافي، والرابع الصبر عن فقد الدنيا عن الخروج إلى المسألة والشكوى، والخامس التمييز فى الأخذ عند وجود الشئ، والسادس الشغل بالله عز وجل عن سائر الأشغال، والسابع الذكر الخفي عن جميع الأذكار، والثامن تحقيق الإخلاص في دخول الوسوسة، والتاسع اليقين في دخول الشك، والعاشر السكون إلى الله عز وجل من الاضطراب والوحشة. فإذا استجمع هذه الخصال استحق بها الاسم وإلا فهو كاذب حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب ثنا عبد الله بن محمد ابن ميمون. قال سألت ذا النون رحمة الله عليه عن الصوفي. فقال: من إذا نطق أبان نطقه عن الحقائق، وإن سكت نطقت عنه الجوارح بقطع العلائق.
• حدثنا أبو محمد ازديار بن سليمان ثنا جعفر بن محمد. قال قال أبو الحسن المزين:
التصوف قميص قمصه الله أقواما، فإن ألهموا عليه الشكر وإلا كان خصمهم في ذلك الله عز وجل. وسئل الخواص عن التصوف. فقال: اسم يغطى به عن الناس إلا أهل الدراية وقليل ما هم. سمعت أبا الفضل نصر بن أبي نصر الطوسي يقول سمعت أبا بكر بن المثاقف يقول سألت الجنيد بن محمد عن التصوف فقال: الخروج عن كل خلق دني، والدخول في كل خلق سني.
وسمعت أبا الفضل الطوسي يقول سمعت أبا الحسن الفرغاني يقول سألت أبا بكر الشبلي ما علامة العارف؟ فقال: صدره مشروح، وقلبه مجروح، وجسمه مطروح. قلت: هذا علامة العارف فمن العارف؟ قال: العارف الذي عرف الله عز وجل وعرف مراد الله عز وجل وعمل بما أمر الله، وأعرض عما نهى الله، ودعا عباد الله إلى الله عز وجل. فقلت: هذا العارف فمن الصوفي؟
فقال: من صفا قلبه فصفى، وسلك طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورمى الدنيا خلف القفا، وأذاق الهوى طعم الجفا. قلت له: هذا الصوفي، ما التصوف؟ قال: التألف والتطرف، والإعراض عن التكلف. قلت له أحسن من هذا ما التصوف؟ قال: تسليم تصفية القلوب، لعلام الغيوب فقلت له:
أحسن من هذا ما التصوف؟ فقال: تعظيم أمر الله، وشفقته على عباد الله.
فقلت له: أحسن من هذا من الصوفي؟ قال: من صفا من الكدر، وخلص من العسكر، وامتلأ من الفكر، وتساوى عنده الذهب والمدر. وسمعت أبا الفضل نصر بن أبي نصر يقول سمعت علي بن محمد المصري يقول سئل السري السقطي عن التصوف. فقال: التصوف خلق كريم، يخرجه الكريم إلى قوم كرام. سمعت أبا همام عبد الرحمن بن مجيب الصوفي - وسئل عن الصوفي - فقال: لنفسه ذابح، ولهواه فاضح، ولعدوه جارح، وللخلق ناصح. دائم الوجل، يحكم العمل، ويبعد الأمل، ويسد الخلل، ويغضى على الذلل. عذره بضاعة، وحزنه صناعة، وعيشه قناعة. بالحق عارف، وعلى الباب عاكف، وعن الكل عازف. تربية بره، وشجرة وده، وراعي عهده.
قال الشيخ رحمه الله: وذكرنا في غير هذا الكتاب كثيرا من أجوبة مشيختهم في التصوف، واختلاف عباراتهم، وكل قد أجاب عن حاله.
ويشتمل كلام المتصوفة على ثلاثة أنواع؛ فأولها إشاراتهم إلى التوحيد
(1)
والثاني كلامهم في المراد ومراتبه، والثالث في المريد وأحواله. ثم لكل نوع من الثلاثة مسائل وفروع يكثر تعدادها، فأول أصولهم
(2)
العرفان، ثم إحكام الخدمة والإدمان
• حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان ثنا الحسن بن أبي سفيان ثنا أمية بن بسطام ثنا يزيد بن زريع ثنا روح بن القاسم عن اسماعيل ابن أمية عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال: إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله
(1)
فى ح: إشاراتهم والتوجيه.
(2)
فى ز: أحوالهم.
عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله عز وجل قد فرض عليهم خمس صلوات فى يومهم وليلهم. فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله عز وجل قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم».
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير بن معاوية ثنا خالد ابن أبي كريمة عن عبد الله بن المسور: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني من غرائب العلم. قال: «ما فعلت في رأس العلم فتطلب الغرائب؟!» قال وما رأس العلم؟ قال: «هل عرفت الرب؟» قال نعم! قال: «فما صنعت في حقه؟» . قال ما شاء الله. قال: «عرفت الموت؟» قال نعم! قال: «ما أعددت له؟» قال: ما شاء الله. قال: «انطلق فاحكم ها هنا ثم تعال أعلمك من غرائب العلم.
قال الشيخ رحمه الله: فمباني المتصوفة المتحققة في حقائقهم على أركان أربعة؛ معرفة الله تعالى، ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفة النفوس وشرورها ودواعيها، ومعرفة وساوس العدو ومكائده ومضاله، ومعرفة الدنيا وغرورها وتفنينها وتلوينها وكيف الاحتراز منها والتجافي عنها، ثم ألزموا أنفسهم بعد توطئة
(1)
هذه الأبنية دوام المجاهدة، وشدة المكابدة وحفظ الأوقات، واغتنام الطاعات، ومغارقة الراحات، والتلذذ بما أيدوا به من المطالعات، وصيانة ما خصوا به من الكرامات
(2)
، لا عن المعاملات انقطعوا ولا إلى التأويلات ركنوا، رغبوا عن العلائق، ورفضوا العوائق، وجعلوا الهموم هما واحدا، ومزايلة الأعراض طارفا وتالدا. اقتدوا بالمهاجرين والأنصار، وفارقوا العروض والعقار، وآثروا البذل والإيثار، وهربوا بدينهم إلى الجبال والقفار، احترازا من موامقة الأبصار، أن يومى إليها بالأصابع ويشار لما أنسوا به من التحف والأنوار، فهم الأتقياء الأخفياء والغرباء النجباء، صحت عقيدتهم فسلمت سريرتهم
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا محمد بن عمر الواقدي ثنا بكير بن مسمار عن عامر
(1)
فى ح: توحيد هذا الخ.
(2)
فى الأصلين بدون متعلق
ابن سعد بن أبي وقاص سمعه يخبر عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يحب العبد التقى الغنى الخفي» .
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا سفيان بن وكيع ثنا عبد الله بن رجاء عن ابن جريح عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء» . قيل ومن الغرباء؟ قال: «الفرارون بدينهم، يبعثهم الله يوم القيمة مع عيسى بن مريم عليهما السلام» .
• حدثنا أبو غانم سهل بن إسماعيل الفقيه الواسطي ثنا عبد الله بن الحسن ثنا إسحاق بن وهب ثنا عبد الملك بن يزيد ثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود. قال: إذا أحب الله عبدا اقتناه لنفسه ولم يشغله بزوجة ولا ولد. وقال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا رجل يفر بدينه من قرية إلى قرية، ومن شاهق إلى شاهق، ومن حجر
(1)
إلى حجر».
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عباس بن الفضل ثنا عبد الله بن محمد بن عائشة. قال ثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عن ليث عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أغبط أوليائى عندى مؤمنا خفيف الحاذ، ذا حظ من صلاة وصيام، أحسن عبادة ربه، وأطاعه فى سره، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكانت معيشته كفافا وصبر على ذلك، فعجلت منيته، وقلت بواكيه، وقل تراثه.
قال الشيخ رحمه الله: لهم الأحوال الشريفة، والأخلاق اللطيفة، مقامهم منيف. وسؤالهم ظريف
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إبراهيم بن أحمد ابن برة الصنعاني ثنا هشام بن إبراهيم أبو الوليد المخزومى ثنا موسى بن جعفر ابن أبي كثير عن عبد القدوس بن حبيب عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا غلام ألا أحبوك؟ ألا أنحلك؟ ألا أعطيك؟» . قال: قلت بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال:
(1)
كذا فى الأصلين ولعله من جحر إلى جحر بتقديم الجيم.
فظننت أنه سيقطع لى قطعة مال. فقال: «أربع تصليهن في كل يوم وليلة فتقرأ أم القرآن وسورة. ثم تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها عشرا، ثم ترفع فتقولها عشرا ثم تفعل في صلاتك كلها مثل ذلك. فإذا فرغت قلت بعد التشهد وقبل التسليم اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى، وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وجد أهل الخشية، وطلبة أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع، وعرفان أهل العلم، حتى أخافك. اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك، وحتى أعمل بطاعتك عملا أستحق به رضاك، وحتى أناصحك في التوبة خوفا منك. وحتى أخلص لك النصيحة حبا لك، وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن الظن بك، سبحان خالق النور. فإذا فعلت ذلك يا ابن عباس غفر الله لك ذنوبك صغيرها وكبيرها، قديمها وحديثها، سرها وعلانيتها، وعمدها وخطأها.
قال الشيخ رحمه الله: هم السفراء إلى الخلق، والأسراء لدى الحق أزعجهم الفرق، وهيمهم القلق
• حدثنا العباس بن محمد الكناني ثنا أبو الحريش الكلابي ثنا علي بن يزيد بن بهرام ثنا عبد الملك بن أبي كريمة عن أبي حاجب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا معاذ إن المؤمن لدى الحق أسير، يعلم أن عليه رقيبا، على سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وبطنه وفرجه، حتى اللمحة ببصره وفتات الطين
(1)
بأصبعه وكحل عينيه وجميع سعيه، إن المؤمن لا يأمن قلبه ولا يسكن روعته ولا يأمن اضطرابه، يتوقع الموت صباحا ومساء، فالتقوى رقيبه، والقرآن دليله، والخوف حجته، والشرف مطيته، والحذر قرينه، والوجل شعاره، والصلاة كهفه، والصيام جنته، والصدقة فكاكه، والصدق وزيره، والحياء أميره، وربه تعالى من وراء ذلك كله بالمرصاد، يا معاذ إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من هوى نفسه وشهواته، وحال بينه وبين أن
(1)
فى ح: الطير.
يهلك فيما يهوى بإذن الله. يا معاذ: إني أحب لك ما أحب لنفسي، وأنهيت إليك ما أنهى إلي جبريل عليه السلام فلا أعرفنك توافيني يوم القيامة وأحد أسعد بما أتاك الله عز وجل منك».
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسين بن سفيان ثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم ثنا الحسين بن محمد عن أبي عبد الله القشيري عن أبي حاجب عن عبد الرحمن عن معاذ. وعن غالب بن شهر عن معاذ وعن مكحول عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بلغ به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا معاذ» فذكر نحوه.
قال الشيخ رحمه الله: حبهم للحق، وفي الحق يحييهم ويفنيهم، وعمن سواه من الخلق يلهيهم ويسليهم
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة أخبرني قتادة قال سمعت أنس بن مالك يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ من يكن الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يقذف الرجل في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، وأن يحب الرجل العبد لا يحبه الا الله - أو قال في الله عز وجل» ، شك أبو داود.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي ثنا عبد الوهاب ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله تعالى ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله عز وجل، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله عز وجل منه كما يكره أن توقد له نار فيقذف فيها» .
قال الشيخ رحمه الله: فقد ثبت بما روينا من حديث معاذ بن جبل وغيره: أن التصوف أحوال قاهرة، وأخلاق طاهرة، تقهرهم الأحوال فتأسرهم، ويستعملون الأخلاق فتظهرهم، تحلوا بخالص الخدمة، فكفوا طوارق الحيرة، وعصموا من الانقطاع والفترة. ولا يأنسون إلا به، ولا يستريحون إلا إليه. فهم أرباب القلوب المتسورون بصائب فراستهم على
الغيوب، المراقبون للمحبوب، التاركون للمسلوب، المحاربون للمحروب، سلكوا مسلك الصحابة والتابعين، ومن نحى نحوهم من المتقشفين والمتحققين، العالمين بالبقاء والفناء، والمميزين بين الإخلاص والرياء، والعارفين بالخطرة والهمة والعزيمة والنية، والمحاسبين للضمائر، والمحافظين للسرائر، المخالفين للنفوس، والمحاذرين من الخنوس
(1)
بدائم التفكر، وقائم التذكر، طلبا للتدانى، وهربا من التوانى، لا يستهين بحرمتهم
(2)
إلا مارق، ولا يدعي أحوالهم إلا مائق، ولا يعتقد عقيدتهم إلا فائق، ولا يحن إلى موالاتهم إلا تائق
(3)
فهم سرج الآفاق، والممدود إلى رؤيتهم بالأعناق، بهم نقتدي وإياهم نوالي إلى يوم التلاق.
قال الشيخ: رحمه الله: بدأنا بذكر من اشتهر من الصحابة بحال من الأحوال، وحفظ عنه حميد الأفعال، وعصم من الفتور والإكسال، وفصل له العهود والحبال، ولم يقطعه سآمة ولا ملال، فمن المهاجرين أولهم
أبو بكر الصديق
أبو بكر الصديق، السابق إلى التصديق، الملقب بالعتيق، المؤيد من الله
(4)
بالتوفيق، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والأسفار، ورفيقه الشفيق في جميع الأطوار، وضجيعه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار المخصوص في الذكر الحكيم بمفخر فاق به كافة الأخيار، وعامة الأبرار، وبقي له شرفه على كرور الأعصار، ولم يسم إلى ذروته همم أولي الأيد والأبصار، حيث يقول عالم الأسرار {(ثاني اثنين إذ هما في الغار)} إلى غير ذلك من الآيات والآثار، ومشهور النصوص الواردة فيه والأخبار، التي غدت كالشمس في الانتشار، وفضل كل من فاضل، وفاق كل من جادل وناضل، ونزل فيه {(لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل)} توحد الصديق، في الأحوال بالتحقيق، واختار الاختيار من الله دعاه إلى الطريق، فتجرد من الأموال،
(1)
الخنوس: التأخر
(2)
ح: بخدمتهم
(3)
ح: إلا سابق
(4)
ح: من السماء
والأعراض، وانتصب في قيام التوحيد للتهدف والأغراض، صار للمحن هدفا، وللبلاء غرضا، وزهد فيما عزله جوهرا كان أو عرضا، تفرد بالحق، عن الالتفات إلى الخلق، وقد قيل إن التصوف الاعتصام بالحقائق، عند اختلاف الطرائق
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان ثنا يحيى بن بكير قال حدثني الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب: قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس: أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه خرج حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس، فقال اجلس يا عمر، فتشهد فقال: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، إن الله تعالى قال {(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)} الآية. قال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله عز وجل أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها
(1)
منه الناس كلهم، فما نسمع بشرا من الناس إلا يتلوها. قال ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت
(2)
حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.
قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله تعالى عنه يتوصل بعز الوفاء، إلى أسنى مواقف الصفا. وقد قيل: إن التصوف تفرد العبد، بالصمد الفرد
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لما أنفذت قريش جوار ابن الدغنة قالوا له مر أبا بكر فليعبد ربه في داره. وليصل فيها ما شاء وليقرأ ما شاء. ولا يؤذينا ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره.
قال ففعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه، ثم بدا له فابقنى مسجدا بفناء داره.
فكان يصلي فيه ويقرأ. فتقصف
(3)
عليه نساء المشركين وأبناؤهم يتعجبون
(1)
ح: فتلاها.
(2)
ز: فقعدت.
(3)
تتقصف عليه: تزدحم.
منه، وينظرون إليه. وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال: يا أبا بكر قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلى ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أنى أخفرت في عقد رجل عقدت له. فقال أبو بكر: فإنى أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله ورسوله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا أحمد بن علي بن الجارود ثنا عبد الله ابن سعيد الكندي ثنا عبد الله بن إدريس الأودي. وحدثنا الحسين بن محمد ثنا الحسن ثنا حميد ثنا جرير ثنا أبو إسحاق الشيباني عن أبي بكر بن أبي موسى عن الأسود بن هلال. قال قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لأصحابه: ما تقولون في هاتين الآيتين؟ {(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)} و {(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)} . قال قالوا: ربنا الله ثم استقاموا، فلم يدينوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم بخطيئة. قال لقد حملتموها على غير المحمل، ثم قال: قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفقوا إلى إله غيره، ولم يلبسوا إيمانهم بشرك.
قال الشيخ رحمه الله: كان رضي الله عنه من أحواله العزوف
(1)
عن العاجلة، والأزوف من الآجلة. وقد قيل إن التصوف تطليق الدنيا بتاتا، والإعراض عن منالها ثباتا
• حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ثنا الحسن بن علي والفضل بن داود. قالا: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا عبد الواحد بن زيد ثنا أسلم عن مرة الطيب
(2)
عن زيد بن أرقم: أن أبا بكر رضى الله تعالى عنه: استسقى فأتي بإناء فيه ماء وعسل، فلما أدناه من فيه بكى وأبكى من حوله، فسكت وما سكتوا. ثم عاد فبكى حتى ظنوا أن لا يقدروا على مساءلته، ثم مسح وجهه وأفاق. فقالوا: ما هاجك على هذا البكاء؟ قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل يدفع عنه شيئا ويقول:«إليك عني، إليك عني» ولم أر معه أحدا فقلت يا رسول الله أراك تدفع عنك شيئا
(1)
العزوف: المبتعد. والأزوف: المقترب
(2)
فى ح: عن مبرة الطبيب وهو تصحيف.
ولا أرى معك أحدا؟ قال: «هذه الدنيا تمثلت لي بما فيها؛ فقلت لها إليك عنى فتنحت وقالت أما والله لئن انفلت مني لا ينفلت مني من بعدك» فخشيت أن تكون قد لحقتني فذاك الذي أبكاني.
قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله عنه لا يفارق الجد، ولا يجاوز الحد. وقد قيل: إن التصوف الجد في السلوك إلى ملك الملوك
• حدثنا أبو عمرو ابن حمدان ثنا الحسن بن سفيان حدثني يعقوب بن سفيان قال حدثني عمرو بن منصور البصري ثنا عبد الواحد بن زيد عن أسلم الكوفي عن مرة الطيب عن زيد بن أرقم؛ قال: كان لأبي بكر الصديق رضى الله تعالى عنه مملوك يغل عليه فأتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة، فقال له المملوك: مالك كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة؟! قال: حملني على ذلك الجوع، من أين جئت بهذا؟ قال: مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني، فلما أن كان اليوم مررت بهم فإذا عرس لهم فأعطوني قال إن كدت أن تهلكني، فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ، وجعلت لا تخرج، فقيل له إن هذه لا تخرج إلا بالماء، فدعا بطست
(1)
من ماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى رمى بها. فقيل له يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة؟! قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به» فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة. ورواه عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه عن عائشة نحوه، والمنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر نحوه.
قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله عنه يقدم على المضار، لما يؤمل فيه من المسار. وقد قيل إن التصوف السكون إلى اللهيب، في الحنين إلى الحبيب
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى قال ثنا الحميدي ثنا سفيان بن عيينة ثنا الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنه قالت: أتى الصريخ آل أبي بكر. فقيل له أدرك صاحبك. فخرج
(1)
فى ح: بغيس ولعله تصحيف بعس. والعس القدح الكبير.
من عندنا - وإن له غدائر - فدخل المسجد وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟! فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا جاء معه وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
قال الشيخ رحمه الله تعالى:
(1)
كان رضي الله تعالى عنه يقدم الحقير، مفتادا
(2)
للخطير. وقد قيل إن التصوف وقف الهمم، على مولى النعم
• حدثنا علي بن أحمد بن علي المصيصي ثنا أبو عطاء محمد بن إبراهيم بن الصلت الطائي ثنا داود بن معاذ ثنا عبد الوارث بن سعيد بن يونس بن عبيد عن الحسن البصري: أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته فأخفاها. قال: يا رسول الله هذه صدقتي، ولله عز وجل عندي معاد وجاء عمر رضي الله تعالى عنه بصدقته فأظهرها. فقال: يا رسول الله هذه صدقتي ولي عند الله معاد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا عمر وترت قوسك بغير وتر. ما بين صدقتيكما كما بين كلمتيكما» . ورواه زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر نحوه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز.
وثنا أبو بكر الطلحي ثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة. قالا: ثنا أبو نعيم عن هشام بن سعد عن زيد بن أرقم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مال عندي، فقلت اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوما، قال فجئت بنصف مالي، قال فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما أبقيت لأهلك» قال فقلت مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما أبقيت لأهلك» قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت:
لا أسابقك إلى شيء أبدا. ورواه عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر نحوه.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: كان رضي الله تعالى عنه في المصافات صافيا،
(1)
فى هامش الحلبية: الثالث حلية أبى نعيم.
(2)
كذا وفى ح: معتاضا
وفي المؤاخاة وافيا وقد قيل: إن التصوف استنفاد الطوق، في معاناة الشوق وتزجية الأمور، على تصفية الصدور
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا محمد بن العباس بن أيوب ثنا أحمد بن محمد بن حبيب المؤدب ثنا أبو معاوية ثنا هلال بن عبد الرحمن ثنا عطاء بن أبي ميمونة أبو معاذ عن أنس بن مالك. قال: لما كان ليلة الغار، قال أبو بكر: يا رسول الله دعني فلأدخل قبلك فإن كانت حية أو شيء كانت لي قبلك
(1)
قال ادخل، فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيديه فكلما رأى جحرا جاء بثوبه فشقه ثم ألقمه الحجر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع، قال فبقي جحر فوضع عقبه عليه، ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«فأين ثوبك يا أبا بكر؟» فأخبره بالذي صنع، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال:«اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة» فأوحى الله تعالى إليه «إن الله قد استجاب لك» .
• حدثنا محمد بن أحمد بن محمد الوراق ثنا ابراهيم ابن عبد الله بن أيوب المخرمي ثنا سلمة بن حفص السعدي ثنا يونس بن بكير ثنا محمد بن إسحاق ثنا هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كانت يد النبي صلى الله عليه وسلم في مال أبي بكر ويد أبي بكر واحدة حين حجا.
ومن مفاريد أقواله، لمراعاة أحواله.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا مصعب الزبيري حدثني مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر دخل على أبي بكر وهو يجبذ لسانه، فقال له عمر مه؟ غفر الله لك، فقال أبو بكر: إن هذا أوردني الموارد.
• حدثنا أبي ثنا عبد الرحمن بن الحسن ثنا هارون بن إسحاق أنبأنا عبدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن طارق ابن شهاب. قال قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: طوبى لمن مات في النانات، قيل وما النانات؟ قال جدة الإسلام.
• حدثنا أبي ثنا عبد الرحمن ابن الحسن ثنا هارون بن إسحاق ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح:
(1)
فى ح: فإن كان فيه حية أو شيء كانت بى قبلك.
لما قدم أهل اليمن زمان أبي بكر وسمعوا القرآن جعلوا يبكون، قال فقال أبو بكر: هكذا كنا، ثم قست القلوب.
قال الشيخ رحمه الله: ومعنى قوله قست القلوب قويت واطمأنت بمعرفة الله تعالى.
• حدثنا الحسين بن محمد بن سعيد ثنا محمد بن عزيز ثنا سلامة بن روح عن عقيل. قال قال ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن أبيه أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه خطب الناس فقال: يا معشر المسلمين استحيوا من الله عز وجل، فو الذى نفسي بيده إني لأظل حين أذهب إلى الغائط فى الفضاء متقنعا بثوبى استحياء من ربي عز وجل. رواه ابن المبارك عن يونس نحوه
(1)
.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي ثنا وكيع عن مالك بن مغول عن أبي السفر. قال: مرض أبو بكر رضي الله تعالى عنه فعادوه، فقالوا: ألا ندعوا لك الطبيب؟ قال قد رآني. قالوا فأي شيء قال لك؟ قال قال (إني فعال لما أريد).
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو الزنباع ثنا سعيد بن عفير قال حدثني علوان
(2)
بن داود البجلي عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف. وعن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه. قال: دخلت على أبي بكر رضي الله تعالى عنه في مرضه الذي توفي فيه، فسلمت عليه فقال: رأيت الدنيا قد أقبلت ولما تقبل، وهي جائية وستتخذون ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألمون ضجائع الصوف الأزري كأن أحدكم على حسك السعدان، وو الله لئن يقدم أحدكم فيضرب عنقه - فى غير حد - خير له من أن يسبح في غمرة الدنيا.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه كان يقول في خطبته: أين الوضاء، الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم؟ أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان، أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ قد تضعضع بهم الدهر فأصبحوا في ظلمات القبور، الوحا
(1)
فى ز ابن المبارك وأنس عن الزهرى وأحسبه خطأ.
(2)
فى ح: علوى.
الوحا، النجاء النجاء.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن أبي شيبة ثنا محمد بن فضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الله القرشي عن عبد الله بن عكيم. قال: خطبنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة، فإن الله تعالى أثنى على زكريا وعلى أهل بيته فقال:{(إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا، وكانوا لنا خاشعين)} ثم اعلموا عباد الله! أن الله تعالى قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني، بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه، ولا يطفأ نوره، فصدقوا قوله، وانتصحوا كتابه، واستبصروا فيه ليوم الظلمة، فإنما خلقكم للعبادة، ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون، ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في مهل آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم، فيردكم إلى أسوأ أعمالكم، فإن أقواما جعلوا آجالهم لغيرهم، ونسوا أنفسهم، فأنها كم أن تكونوا أمثالهم، الوحا الوحا، النجا النجا، إن وراءكم طالب حثيث، أمره سريع.
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا أزهر بن عمير - وكان بالثغر - قال حدثني أبو الهذيل عن عمرو بن دينار. قال: خطب أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: أوصيكم بالله لفقركم وفاقتكم أن تتقوه وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تستغفروه إنه كان غفارا. فذكر نحو حديث عبد الله ابن عكيم، وزاد: واعلموا أنكم ما أخلصتم لله عز وجل فربكم أطعتم، وحقكم حفظتم، فأعطوا ضرائبكم في أيام سلفكم، واجعلوها نوافل بين أيديكم، تستوفوا سلفكم
(1)
حين فقركم وحاجتكم، ثم تفكروا عباد الله فيمن كان قبلكم أين كانوا أمس، وأين هم اليوم؟ أين الملوك الذين كانوا أثاروا الأرض
(1)
كذا فى ز. وفى ح وضرائبكم.
وعمروها؟ قد نسوا ونسي ذكرهم، فهم اليوم كلا شيء {(فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا)} وهم في ظلمات القبور {(هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا)}
وأين من تعرفون من أصحابكم وإخوانكم؟ قد وردوا على ما قدموا، فحلوا الشقوة والسعادة، إن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب يعطيه به خيرا، ولا يصرف عنه سوءا، إلا بطاعته واتباع أمره، وإنه لا خير بخير بعده النار، ولا شر بشر بعده الجنة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة قال ثنا أبو المغيرة ثنا حريز بن عثمان عن نعيم بن نمحة
(1)
. قال: كان في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون في أجل معلوم.
فذكر نحو حديث عبد الله بن عكيم - وزاد: ولا خير في قول لا يراد به وجه الله تعالى، ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله عز وجل، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحيى ثنا فطر بن خليفة عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن سابط. قال: لما حضر أبا بكر الموت دعا عمر رضي الله تعالى عنهما فقال له: اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عز وجل عملا بالنهار لا يقبله بالليل وعملا بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم قلت إني لأخاف أن لا ألحق بهم، وأن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم ورد عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم قلت إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء، ليكون العبد راغبا راهبا لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمته
(1)
كذا فى النسختين ولم نعثر عليه.
عز وجل، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكن غائب أحب إليك من الموت - وهو آتيك - وإن أنت ضيعت وصيتى فلا يكن غائب أبغض إليك من الموت - ولست بمعجزه -.
حدثنا أبي ثنا عبد الرحمن بن الحسن ثنا جعفر بن محمد الواسطى قال خالد بن مخلد حدثني سليمان بن بلال قال حدثني علقمة بن أبي علقمة عن أمه قالت سمعت عائشة تقول: لبست ثيابي فطفقت أنظر إلى ذيلي وأنا أمشي في البيت، وألتفت إلى ثيابي وذيلي، فدخل علي أبو بكر فقال يا عائشة أما تعلمين أن الله لا ينظر إليك الآن.
• حدثنا أحمد بن السندي ثنا الحسن بن علويه ثنا إسماعيل بن عيسى ثنا إسحاق بن بشر ثنا ابن سمعان عن محمد بن زيد عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لبست مرة درعا لي جديدا، فجعلت أنظر إليه وأعجبت به. فقال أبو بكر: ما تنظرين؟ إن الله ليس بناظر إليك!! قلت ومم ذاك؟ قال: أما علمت أن العبد إذا دخله العجب بزينة الدنيا مقته ربه عز وجل حتى يفارق تلك الزينة؟ قالت فنزعته فتصدقت به. فقال أبو بكر: عسى ذلك أن يكفر عنك.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي ثنا أبو المغيرة ثنا عتبة حدثنى أبو ضمرة - تعنى حبيب بن ضمرة -
(1)
. قال: حضرت الوفاة ابنا لأبى بكر الصديق، فجعل الفتى يلحظ إلى وسادة، فلما توفي قالوا لأبي بكر رأينا ابنك يلحظ إلى الوسادة، قال فرفعوه عن الوسادة فوجدوا تحتها خمسة دنانير - أو ستة - فضرب أبو بكر بيده على الأخرى يرجع يقول {إنا لله وإنا إليه راجعون} ، ما أحسب جلدك يتسع لها.
• حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد ثنا أحمد بن محمد بن عمر ثنا محمد بن هشام ثنا أبو إبراهيم الترجماني ثنا عاصم بن طليق عن ابن سمعان عن أبي بكر بن محمد الأنصاري: أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قيل له: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تستعمل أهل بدر؟ قال إني أرى مكانهم، ولكني أكره أن أدنسهم بالدنيا.
(1)
كذا فى ز وفى ح: يعنى ابن حبيب بن ضمرة. وفى أسد الغابة أبو ضمرة حبيب.
روى عنه ابنه ضمرة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا عمي أبو بكر وسعيد بن عمر. قالا: ثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس. قال: اشترى أبو بكر بلالا وهو مدفون بالحجارة بخمس أواق ذهبا، فقالوا لو أبيت إلا أوقية لبعناكه، قال لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته.
عمر بن الخطاب
قال الشيخ رحمه الله تعالى: وثاني القوم عمر الفاروق، ذو المقام الثابت المأنوق، أعلن الله تعالى به دعوة الصادق المصدوق، وفرق به بين الفصل والهزل، وأيد بما قواه به من لوامع الطول، ومهد له من منائح الفضل شواهد التوحيد، وبدد به مواد التنديد
(1)
فظهرت الدعوة، ورسخت الكلمة، فجمع الله تعالى بما منحه من الصولة، ما نشأت لهم من الدولة، فعلت بالتوحيد أصواتهم بعد تخافت، وتثبتوا في أحوالهم بعد تهافت، غلب كيد المشركين بما ألزم قلبه من حق اليقين، لا يلتفت إلى كثرتهم وتواطيهم، ولا يكترث لمانعتهم وتعاطيهم، اتكالا على من هو منشئهم وكافيهم، واستنصارا بمن هو قاصمهم وشافيهم، محتملا لما احتمل الرسول، ومصطبرا على المكاره لما يؤمل من الوصول، ومفارقا لمن اختار التنعم والترفيه، ومعانقا لما كلف من التشمر والتوجيه، المخصوص من بين الصحابة بالمعارضة للمبطلين، والموافقة في الأحكام لرب العالمين، السكينة تنطق على لسانه، والحق يجري الحكمة عن بيانه كان للحق مائلا، وبالحق صائلا، وللأثقال حاملا، ولم يخف دون الله طائلا.
وقد قيل: إن التصوف ركوب الصعب، في جلال الكرب
• حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا زهير عن أبي إسحاق عن البراء. قال: لما كان يوم أحد جاء أبو سفيان بن حرب فقال أفيكم محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه، ثم قال أفيكم
(1)
فى ح: التشديد. وفيها: ما تشتت.
محمد؟ فلم يجيبوه، ثم قال الثالثة أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه، ثم قال أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه، قالها ثلاثا. ثم قال أفيكم عمر بن الخطاب؟ قالها ثلاثا فلم يجيبوه. فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله، ها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وأنا أحياء ولك منا يوم سوء. فقال: يوم بيوم بدر والحرب سجال. وقال: اعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجيبوه، قالوا يا رسول الله وما نقول؟ قال قولوا «الله أعلا وأجل» قال لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجيبوه، قالوا يا رسول الله وما نقول؟ قال قولوا «الله مولانا ولا مولى لكم» .
• حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن أيوب ثنا أبو معشر الدارمي ثنا عبد الواحد بن غياث ثنا حماد بن سلمة البناني عن عكرمة: أن أبا سفيان بن حرب لما قال اعل هبل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب:«قل الله أعلا وأجل» فقال أبو سفيان لنا عزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر:«قل الله مولانا والكافرون {لا مولى لهم}» .
• حدثنا فارق الخطابي ثنا زياد الخليلي ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا محمد بن فليح ثنا هارون ثنا موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري. قال:
لما كان يوم أحد قال أبو سفيان اعل هبل، يفخر بآلهته. فقال عمر: اسمع يا رسول الله ما يقول عدو الله!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ناده الله أعلا وأجل.
قال الشيخ رحمه الله: أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالمجاوبة من بين أصحابه لما اختص به من الصولة والمهابة، وما عهد منه في ملازمته للتفريد، ومحاماته على معارضة التوحيد، وأنه لا ينهنهه عن مصاولتهم العدة والعديد.
قال الشيخ رحمه الله: كان رضي الله تعالى عنه للدين معلنا، ولأعمال البر مبطنا. وقد قيل: إن التصوف الوصول بما علن إلى ظهور ما بطن
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا عمي أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر. قال
قال عمر بن الخطاب: كان أول إسلامي أن ضرب أختى المخاض، فأخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قارة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل الحجر وعليه نعلاه، فصلى ما شاء الله ثم انصرف، قال فسمعت شيئا لم أسمع مثله. قال فخرجت فاتبعته، فقال من هذا؟ قلت عمر، قال:«يا عمر ما تتركني ليلا ولا نهارا؟» فخشيت أن يدعو علي فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. قال فقال: «يا عمر استره» . قال فقلت: والذي بعثك بالحق لأعلننه كما أعلنت الشرك.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا عبد الحميد بن صالح ثنا محمد بن أبان عن إسحاق بن عبد الله بن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال: سألت عمر رضي الله تعالى عنه لأي شيء سميت الفاروق. قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، ثم شرح الله صدري للإسلام، فقلت: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت أختي: هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة مالكم؟ قالوا عمر، قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره نثرة فما تمالك أن وقع على ركبته، فقال:«ما أنت بمنته يا عمر؟» قال فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد. قال فقلت يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال «بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم» قال فقلت ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال فنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق. وفرق الله به بين الحق والباطل.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا أبو حصين القاضي الوادعي ثنا يحيى بن
عبد الحميد ثنا حصين بن عمرو ثنا مخارق عن طارق عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: لقد رأيتني وما أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا تسعة وثلاثون رجلا، وكنت رابع أربعين رجلا، فأظهر الله دينه، ونصر نبيه، وأعز الإسلام. قال يحيى وحدثني أبي عن عمه عبد الرحمن بن صفوان عن طارق عن عمر رضي الله تعالى عنه مثله.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا علي بن ميمون العطار والحسن البزاز. قالا: ثنا اسحاق ابن إبراهيم الحنيني ثنا أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده. قال قال لنا عمر رضي الله تعالى عنه: أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟ قلنا نعم، قال كنت من أشد الناس عداوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دار عند الصفا فجلست بين يديه، فأخذ بمجمع قميصي ثم قال:«أسلم يا ابن الخطاب، اللهم اهده» قال فقلت أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله. قال فكبر المسلمون تكبيرة سمعت في طرق مكة، قال وقد كانوا مستخفين، وكان الرجل إذا أسلم تعلق الرجال به فيضربونه ويضربهم، فجئت إلى خالي فأعلمته، فدخل البيت وأجاف الباب. قال وذهبت إلى رجل من كبار قريش فأعلمته، ودخل البيت. فقلت في نفسي ما هذا بشيء، الناس يضربون وأنا لا يضربني أحد؟! فقال رجل: أتحب أن يعلم بإسلامك قلت نعم، قال إذا جلس الناس في الحجر فائت فلانا وقل له صبوت فإنه قل ما يكتم سرا، فجئته فقلت تعلم أنى قد صبوت، فنادى بأعلى صوته إن ابن الخطاب قد صبأ، فما زالوا يضربونى وأضربهم فقال خالي: يا قوم إني قد أجرت ابن أختي فلا يمسه أحد، فانكشفوا عني، فكنت لا أشاء أن أرى أحدا من المسلمين يضرب إلا رأيته، فقلت الناس يضربون ولا أضرب فلما جلس الناس في الحجر أتيت خالي، قال قلت تسمع؟ قال ما أسمع؟ قلت جوارك رد عليك، قال لا تفعل، قال فأبيت، قال فما شئت، قال فما زلت أضرب وأضرب حتى أظهر الله تعالى الإسلام.
قال الشيخ رحمه الله: كان رضي الله تعالى عنه مخصصا بالسكينة في
الإنطاق، ومحرزا من القطيعة والفراق، ومشهرا في الأحكام بالإصابة والوفاق وقد قيل: إن التصوف الموافقة للحق، والمفارقة للخلق.
• حدثنا محمد بن أحمد ابن مخلد ثنا محمد بن يونس الكديمي ثنا عثمان بن عمر ثنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، قال قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: كنا نتحدث أن ملكا ينطق على لسان عمر رضي الله تعالى عنه.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا الحسن بن علي بن الوليد ثنا عبد الرحمن بن نافع ثنا مروان ابن معاوية عن يحيى بن أيوب البجلي عن الشعبى عن أبى جحيفة، قال قال علي كرم الله وجهه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر رضي الله تعالى عنه.
• حدثنا سعد بن محمد بن إسحاق ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا طاهر ابن أبى أحمد ثنا أبى أحمد ثنا أبى ثنا أبو إسرائيل عن الوليد بن العيزار عن عمرو بن ميمون عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. قال: ما كنا ننكر - ونحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون - أن السكينة تنطق على لسان عمر رضي الله تعالى عنه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عمرو بن أبي الطاهر ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا عبد الله بن عمر عن جهم بن أبي الجهم عن مسور بن مخرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى عز وجل جعل الحق على لسان عمر وقلبه» .
• حدثنا محمد بن علي بن مسلم ثنا محمد بن يحيى بن المنذر ثنا سعيد بن عامر ثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: وافقت ربي عز وجل في ثلاث؛ فى مقام إبراهيم، وفى الحجاب، وفي أسارى بدر. رواه حميد، وعلي بن زيد والزهري عن أنس مثله.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل، قال حدثني أبي ثنا أبو نوح قراد ثنا عكرمة بن عمار ثنا سماك أبو زميل قال حدثني ابن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال: لما كان يوم بدر فهزم الله المشركين، فقتل منهم سبعون، وأسر منهم سبعون، استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا رضوان الله عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما ترى يا ابن الخطاب؟»
قال فقلت أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان فيضرب عنقه حتى يعلم الله عز وجل أنه ليس فى قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم، وأئمتهم وقادتهم، فلم يهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت، فأخذ منهم الفداء.
قال عمر: فلما كان من الغد غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر، وإذا هما يبكيان، فقلت يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الذي عرض علي أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة» لشجرة قريبة، فأنزل الله تعالى {(ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)} إلى قوله تعالى {(لمسكم فيما أخذتم} - من الفداء - {عذاب عظيم)} ثم أحل لهم الغنائم، فلما كان يوم أحد من العام المقبل، عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل سبعون، وفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل الله عز وجل {(أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم} - بأخذكم الفداء - {إن الله على كل شيء قدير)} .
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا محمد بن شعيب الأصبهاني ثنا أحمد بن أبى سريح الرازى ثنا عبيد الله ابن موسى ثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسر الأسرى يوم بدر استشار أبا بكر رضي الله تعالى عنه، قال قومك وعترتك فخل سبيلهم، فاستشار عمر رضي الله تعالى عنه فقال اقتلهم، ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى {(ما كان لنبي أن يكون له أسرى)} الآية. فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال:
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن ابن سفيان ثنا عبد الوهاب بن الضحاك ثنا إسماعيل بن عياش قال سمعت عمر رضي الله تعالى عنه يقول: لما توفي عبد الله بن أبى بن سلول، دعي رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى الصلاة عليه، فلما قام
(1)
يريد الصلاة عليه تحولت فقلت يا رسول الله أتصلي على عدو الله ابن أبى بن سلول القائل يوم كذا وكذا؟! فجعلت أعدد أيامه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم حتى أكثرت، فقال:
«أخر عني يا عمر
(2)
إني خيرت فاخترت، قد قيل {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} ، فلو أعلم أنى إذا زدت على السبعين غفر له لزدت» ثم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى معه، حتى قام على قبره وفرغ من دفنه.
فعجبا لي ولجرأتي
(3)
على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم.
فو الله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان {(ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره)} الآية. فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها على منافق حتى قبضه الله عز وجل.
قال الشيخ رحمه الله: فأخلى همه في مفارقة الخلق، فأنزل الله تعالى الوحي في موافقته للحق، فمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليهم وصفح عمن أخذ الفدا منهم لسابق علمه منهم، وطوله عليهم. وكذا سبيل من اعتقد في المفتونين الفراق، أن يؤيد في أكثر أقاويله بالوفاق، ويعصم في كثير من أحواله وأفاعيله من الشقاق، وكان للرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ووفاته مجامعا، ولما اختار له في يقظته ومنامه متابعا، يقتدي به في كل أحواله، ويتأسى به في جميع أفعاله. وقد قيل: إن التصوف استقامة المناهج، والتطرق إلى المباهج.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرازق وثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الرازق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.
قال: دخلت على أبي فقلت إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف وأنه لو كان لك راعى إبل - أو راعي غنم - ثم جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيع، فرعاية الناس أشد، فوضع رأسه ساعة ثم رفعه. فقال: إن الله عز وجل يحفظ دينه، وإنى لا
(4)
أستخلف فإن
(1)
فى ز: فلما قدم.
(2)
وفيها: أخر يا عمر عنى
(3)
فى ز: فعجب إلى وبجرأتى.
(4)
وفيها: إن لم.
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف، فو الله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، وأنه غير مستخلف.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة ثنا عمرو بن حمزة قال أخبرنى سالم عن عمر. قال قال عمر رضي الله تعالى عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فرأيته لا ينظر إلي فقلت يا رسول الله ما شأني؟: قال: ألست الذي تقبل وأنت صائم؟ فقلت والذي بعثك بالحق لا أقبل وأنا صائم.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا المقدام بن داود ثنا أسد بن موسى ثنا يحيى بن المتوكل ثنا أبو سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده. قال: لبس عمر رضي الله تعالى عنه قميصا جديدا، ثم دعاني بشفرة فقال مد يا بني كم قميصي، والزق يديك بأطراف أصابعي، ثم اقطع ما فضل عنها. فقطعت من الكمين من جانبيه جميعا، فصار فم الكم بعضه فوق بعض. فقلت له: يا أبته لو سويته بالمقص؟! فقال دعه يا بني هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل
(1)
فما زال عليه حتى تقطع، وكان ربما رأيت الخيوط تساقط على قدمه.
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا المقدام
(2)
ابن داود ثنا عبد الله بن محمد بن المغيرة ثنا مالك بن مغول عن نافع عن ابن عمر. قال: قدم على عمر رضي الله تعالى عنه مال من العراق، فأقبل يقسمه، فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين لو أبقيت من هذا المال لعدو إن حضر، أو نائبة إن نزلت؟ فقال عمر: ما لك قاتلك الله نطق بها على لسانك شيطان، لقانى الله حجتها، والله لا أعصين الله اليوم لغد، لا ولكن أعد لهم ما أعد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله تعالى عنه بالحقائق لهجا عروفا، وعن الأباطيل منعرجا عزوفا
(3)
. وقد قيل: إن التصوف دفع دواعي الردى
(1)
فى ح: يفعله.
(2)
فى ز: المقداد.
(3)
فى ز: غدوفا وأحسبه خطأ والعزوف الانصراف عن الشئ.
بما يرقب من نقع الصدى
• حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن الأسود بن سريع. قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت قد حمدت ربي بمحامد ومدح وإياك. فقال: «إن ربك عز وجل يحب الحمد» فجعلت أنشده، فاستأذن رجل طويل أصلع فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اسكت» فدخل فتكلم ساعة ثم خرج فأنشدته ثم جاء، فسكتنى النبى صلى الله عليه وسلم فتكلم ثم خرج، ففعل ذلك مرتين - أو ثلاثا - فقلت يا رسول الله من هذا الذي أسكتني له؟ فقال «هذا عمر رجل لا يحب الباطل» .
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا معمر بن بكار السعدي ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن الأسود التميمي. قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أنشده، فدخل رجل طوال أقنى فقال لي «أمسك» فلما خرج قال «هات» فجعلت أنشده، فلم ألبث أن عاد فقال لي «أمسك» فلما خرج قال «هات» فقلت من هذا يا نبي الله الذي إذا دخل قلت أمسك، وإذا خرج قلت هات؟ قال: «هذا عمر بن الخطاب، وليس من الباطل في شيء.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: فالاستدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم منه رخصة وإباحة لاستماع المحامد والمدائح، فقد كان نشيده والثناء على ربه عز وجل، والمدح لنبيه صلى الله عليه وسلم. وإخباره عليه الصلاة والسلام أن عمر رضي الله تعالى عنه لا يحب الباطل أي من اتخذ التمدح حرفة واكتسابا فيحمله الطمع في الممدوحين على أن يهيم في الأودية، ويشين بفريته المحافل والأندية، فيمدح من لا يستحقه، ويضع من شأن من لا يستوجبه إذا حرمه نائلة، فيكون رافعا لمن وضعه الله عز وجل لطمعه، أو واضعا لمن رفعه الله عز وجل لغضبه. فهذا الاكتساب والاحتراف باطل، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا يحب الباطل. فأما الشعر المحكم الموزون فهو من الحكم
الحسن المخزون، يخص الله تعالى به البارع في العلم ذا الفنون، وقد كان أبو بكر وعمر وعلي رضي الله تعالى عنهم يشعرون
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا مبارك بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: كنت أنشده - يعني النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعرف أصحابه حتى جاء رجل بعيد ما بين المناكب أصلع، فقيل أسكت أسكت قلت: وا ثكلاه من هذا الذي أسكت له عند النبي صلى الله عليه وسلم؟! فقيل عمر بن الخطاب، فعرفت والله بعد أنه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلمني حتى يأخذ برجلي فيسحبني إلى البقيع.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: فكذا سبيل الأبرياء من الشرك والعناد الأصفياء بالمعرفة والوداد، أن لا يلهيهم باطل من الفعال والمقال، وأن لا يثنيهم في توجههم إلى الحق حال من الأحوال، وأن يكونوا مع الحق على أكمل حال وأنعم بال. كان رضي الله تعالى عنه يلتمس بالذلة لمولاه القوة والتعزز، ويترك في إقامة طاعته الرفاهية والتقزز، وقد قيل: إن التصوف النبو عن رتب الدنيا، والسمو إلى المرتبة العليا
• حدثنا محمد بن أحمد ثنا عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله المقرئ ثنا يحيى بن الربيع ثنا سفيان عن أيوب الطائي عن قيس ابن مسلم عن طارق بن شهاب. قال: لما قدم عمر رضي الله تعالى عنه الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره ونزع خفيه فأمسكهما، وخاض الماء ومعه بعيره. فقال أبو عبيدة لقد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض، فصك في صدره وقال: أوه لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة! إنكم كنتم أذل الناس فأعزكم الله برسوله، فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله. رواه الأعمش عن قيس بن مسلم مثله.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس. قال: لما قدم عمر رضي الله تعالى عنه الشام استقبله الناس وهو على بعيره، فقالوا يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونا تلقاك عظماء الناس ووجوههم. فقال عمر: لا أراكم هاهنا، إنما الأمر من هاهنا - وأشار بيده إلى السماء - خلوا سبيل جملي.
• حدثنا محمد بن معمر ثنا
يحيى بن عبد الله ثنا الأوزاعي: أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خرج في سواد الليل فرأه طلحة، فذهب عمر فدخل بيتا ثم دخل بيتا آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني، ويخرج عنى الأذى. فقال طلحة ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عمر تتبع!.
• حدثنا أبو محمد بن حبان ثنا محمد بن عبد الله بن رسته ثنا شيبان. وثنا أبو بكر ابن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي ثنا عبد الصمد ثنا أبو الأشهب عن الحسن - أو غيره - شك أبو الأشهب ولم يذكر أحمد بن حنبل الشك فقال عن الحسن. قال: مر عمر رضي الله تعالى عنه على مزبلة فاحتبس عندها، فكأن أصحابه تأذوا بها فقال: هذه دنياكم التى تحرصون عليها، أو تتكلون عليها.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: وكان رضي الله عنه عن فناء الملاذ منتهيا ولباقي المعاد مبتغيا، يلازم المشقات، ويفارق الشهوات. وقد قيل: إن التصوف حمل النفس على الشدائد، الذي [هو] من أشرف الموارد
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبو الهيثم محمد ابن يعقوب الربالي ثنا عبيد الله بن نمير عن ثابت عن أنس. قال: تقرقر بطن عمر رضي الله تعالى عنه وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان قد حرم على نفسه السمن. قال فنقر بطنه بأصبعه وقال: تقرقر [ما تقرقر] إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي ثنا يزيد بن مروان أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب عن سعد بن أبي وقاص. قال: قالت حفصة بنت عمر لعمر رضي الله تعالى عنه: يا أمير المؤمنين لو لبست ثوبا هو ألين من ثوبك، وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك، فقد وسع الله عز وجل من الرزق، وأكثر من الخير؟! فقال: إني سأخصمك إلى نفسك، أما تذكرين ما كان يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة العيش، فما زال يذكرها حتى أبكاها فقال لها: والله إن قلت ذلك أما والله
لئن استطعت لأشاركنهما بمثل عيشهما الشديد، لعلى أدرك معهما عيشهما الرخي.
• حدثنا يوسف بن يعقوب النجيرمي ثنا الحسن بن المثنى ثنا عفان ثنا جرير بن حازم ثنا الحسن أن عمر رضى الله عنه قال: والله إني لو شئت لكنت من ألينكم لباسا، وأطيبكم طعاما، وأرقكم عيشا، إني والله ما أجهل عن كراكر وأسنمة، وعن صلاء وصناب وصلائق، ولكني سمعت الله عز وجل عير قوما بأمر فعلوه فقال {(أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها)}
الآية.
• حدثنا أبي ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أحمد بن سعيد ثنا عبد الله ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن موسى بن سعد عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب كان يقول: والله ما نعبأ بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا، ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينتبذ لنا في الأسعان
(1)
، حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا، وشربنا هذا، ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا لأنا سمعنا الله تعالى يقول {(أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا)} الآية.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا بن أبي سهل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. قال: قدم على عمر رضي الله تعالى عنه ناس من أهل العراق، فرأى كأنهم يأكلون تعزيزا، فقال: هذا يا أهل العراق لو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم ولكنا نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا أما سمعتم الله عز وجل قال لقوم: {(أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا)} الآية.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا عبد الرحمن بن محمد بن مسلم ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن بعض أصحابه عن عمر. قال: قدم عليه ناس من أهل العراق فيهم جابر بن عبد الله، قال فأتاهم بجفنة قد صنعت بخبز وزيت، فقال لهم خذوا فأخذوا أخذا ضعيفا، فقال لهم عمر: قد أرى ما تقرمون، فأي شيء تريدون؟ حلوا وحامضا، وحارا وباردا، ثم قذفا في البطون.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني
(1)
الأسعان: جمع سعن وهى قربة تقطع من نصفها وينبذ فيها. واليعقوب: الحجل.
أبي ثنا شجاع بن الوليد عن خلف بن حوشب أن عمر رضي الله تعالى عنه.
قال: نظرت في هذا الأمر فجعلت إذا أردت الدنيا أضر بالآخرة، وإذا أردت الآخرة أضر بالدنيا، فإذا كان الأمر هكذا فأضروا بالفانية.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن أبي بردة. قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما: أما بعد؛ فإن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته، وإن أشقى الرعاة عند الله عز وجل من شقيت به رعيته، وإياك أن ترتع فيرتع عمالك فيكون مثلك عند الله عز وجل مثل البهيمة نظرت إلى خضرة من الأرض فرعت فيها تبتغي بذلك السمن، وإنما حتفها في سمنها والسلام عليك.
• حدثنا أبو محمد بن حبان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا محمد بن فضيل عن السري بن إسماعيل عن عامر الشعبي. قال: كتب عمر إلى أبي موسى رضي الله تعالى عنهما: من خلصت نيته كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بغير ما يعلم الله من قلبه شانه الله عز وجل، فما ظنك في ثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام.
(كلماته في الزهد والورع)
ومن مفاريد أقواله، الدالة على حقائق أحواله،
• حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن مجاهد. قال قال عمر: وجدنا خير عيشنا الصبر.
• حدثنا أبو بكر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو معاوية ووكيع عن هشام بن عروة عن أبيه، قال قال عمر في خطبة: تعلمون أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن الرجل إذا يئس من شيء استغنى عنه. رواه ابن وهب عن الثوري عن هشام عن زيد بن الصلب عن عمر.
• حدثنا أبي ثنا إبراهيم بن محمد ثنا أحمد بن سعيد ثنا ابن وهب به، حدثنا أبو حامد بن جملة ثنا محمد بن إسحاق
الثقفي ثنا عبد الله بن عمر ثنا محمد بن فضيل ثنا زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي. قال قال عمر: والله لقد لان قلبي في الله حتى لهو ألين من الزبد، ولقد اشتد قلبي في الله حتى لهو أشد من الحجر.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر ثنا مسعر عن عون بن عبد الله ابن عتبة. قال قال عمر بن الخطاب: جالسوا التوابين فإنهم أرق شيء أفئدة.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سفيان بن عيينة عن أبي خالد. قال قال عمر: كونوا أوعية الكتاب وينابيع العلم وسلوا الله رزق يوم بيوم.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال سمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا يقول: اللهم إني أستنفق مالى ونفسى فى سبيلك، فقال عمر: أو لا يسكت أحدكم إذا، فان ابتلي صبر، وإن عوفي شكر.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا الوليد بن شجاع بن الوليد حدثني أبي حدثني زياد بن خيثمة عن محمد بن جحادة أن حبيب بن أبي ثابت حدثهم عن يحيى بن جعدة. قال قال عمر: لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد لقيت الله، لولا أن أضع جبهتي لله، أو أجلس في مجالس ينتقى فيها طيب الكلام كما ينقى جيد التمر، أو أن أسير في سبيل الله عز وجل.
رواه عن حبيب منصور بن المعتز والثوري والمسعودي في جماعة، ثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سليمان بن دواد ثنا شعبة عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي. قال عمر بن الخطاب: الشتاء غنيمة العابدين.
رواه زائدة وجماعة عن التيمي مثله، حدثنا أبى ثنا إبراهيم بن محمد ابن الحسين ثنا أبو كريب ثنا المطلب بن زياد عن عبد الله بن عيسى. قال: كان في وجه عمر خطان أسودان من البكاء.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن عطاء محمد ابن أبي سهل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عفان ثنا جعفر بن سليمان ثنا هشام ابن الحسن قال: كان عمر يمر بالآية في ورده فتخنقه فيبكي حتى يسقط، ثم يلزم بيته حتى يعاد يحسبونه مريضا.
• حدثنا محمد بن حميد ثنا عبد الله بن
زيدان ثنا أبو كريب ثنا ابن إدريس عن عبد الرحمن بن إسحاق عن محارب بن دثار عن ابن عمر، قال: صليت خلف عمر فسمعت حنينه من وراء ثلاثة صفوف.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج قال قال عمر بن الخطاب: زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وحاسبوها قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم، وتزينوا للعرض الأكبر {(يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية)} .
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا عبد الرحمن بن مسلم ثنا هناد ثنا أبو معاوية عن جويبر عن الضحاك. قال قال عمر: ليتني كنت كبش أهلى يسمنونى ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون، زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء، وبعضى قديدا، ثم أكلوني فأخرجوني عذرة، ولم أك بشرا.
• حدثنا محمد بن علي ثنا عبد الله بن محمد ثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال سمعت سالما يحدث عن ابن عمر. قال:
كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه. فقال لي ضع رأسي على الأرض قال فقلت وما عليك كان على فخذي أم على الأرض؟ قال ضعه على الأرض، قال فوضعته على الأرض فقال: ويلى وويل أمى إن لم يرحمنى ربي.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا ابن علية ثنا أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال: لما طعن عمر قال والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله من قبل أن أراه.
• حدثنا محمد بن معمر ثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الله ثنا الأوزاعي حدثني سماك قال سمعت عبد الله بن عباس يقول: لما طعن عمر دخلت عليه فقلت له: أبشر يا أمير المؤمنين، فان الله قد مصر بك الأمصار، ودفع بك النفاق وأفشى بك الرزق. قال أفي الإمارة تثني علي يا ابن عباس؟ فقلت وفي غيرها قال والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها لا أجر ولا وزر.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا بهز ثنا جعفر بن سليمان ثنا مالك بن دينار ثنا الحسن. قال: خطب عمر
ابن الخطاب وهو خليفة وعليه إزار فيه ثنتى عشر رقعة.
• حدثنا محمد بن معمر ثنا عبد الله بن الحسن الحراني ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي ثنا الأوزاعي حدثني داود بن علي. قال قال عمر بن الخطاب: لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة.
• حدثنا محمد بن معمر ثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي ثنا الأوزاعي ثنا يحيى بن أبي كثير عن عمر بن الخطاب. قال: لو نادى مناد من السماء أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلا واحدا، لخفت أن أكون هو، ولو نادى مناد أيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلا واحدا لرجوت أن أكون هو.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبو معمر حدثنا عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع. قال: كان البر لا يعرف في عمر ولا في ابنه حتى يقولا أو يعملا. رواه ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله مثله.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا أبو شعيب الحرانى ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عبد الرحمن بن إسحاق حدثني رجل من قريش عن ابن عكيم. قال قال عمر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قل اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي، واجعل علانيتي حسنة» .
حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن الصباح ثنا سفيان عن مسعر عن أبي صخرة جامع بن شداد عن الأسود بن بلال المحاربى. قال:
لما ولي عمر بن الخطاب قام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ألا إني داع فهيمنوا، اللهم إني غليظ فليني، وشحيح فسخني، وضعيف فقوني.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا أبو العباس الثقفي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن هشام عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: اللهم لا تجعل قتلي على يدى عبد قد سجد لك سجدة يحاجني بها يوم القيامة.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إبراهيم بن هاشم ثنا أمية بن بسطام ثنا يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن أبيه عن حفصة قالت سمعت عمر يقول: اللهم قتلا في سبيلك، ووفاة في بلد نبيك. قلت وأنى
يكون هذا؟ قال يأتي به الله إذا شاء.
• حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب ثنا أحمد ابن عبد الرحمن ثنا يزيد بن هارون أخبرنا يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع سعيد بن المسيب يذكر: أن عمر بن الخطاب كوم كومة من بطحاء، ثم ألقى عليها طرف ثوبه، ثم استلقى عليها فرفع يديه إلى السماء ثم قال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن عطاء ثنا محمد بن شبل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا ابن فضيل عن ليث عن سليم بن حنظلة عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول:
اللهم إني أعوذ بك أن تأخذنى على غرة، أو تذرنى فى غفلة، أو تجعلني من الغافلين.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا يعقوب الدورقي ثنا روح ثنا شعبة أخبرنا يعلى بن عطاء قال سمعت عبد الله ابن خراش يحدث عن عمه قال سمعت عمر بن الخطاب يقول في خطبته: اللهم اعصمنا بحبلك، وثبتنا على أمرك.
• حدثنا أبو بكر أحمد بن السدي ثنا الحسن بن علوية ثنا إسماعيل بن عيسى ثنا هياج بن بسطام عن روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال: ما كان شيء أحب إلي أن أعلمه من أمر عمر، فرأيت في المنام قصرا فقلت لمن هذا؟ قالوا لعمر بن الخطاب، فخرج من القصر عليه ملحفة كأنه قد اغتسل، فقلت كيف صنعت؟ قال خيرا كاد عرشي يهوي بي، لولا أني لقيت ربا غفورا. فقال منذ كم فارقتكم؟ فقلت منذ اثنتي عشرة سنة. فقال: إنما انفلت الآن من الحساب.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا الحسن بن جعفر ثنا المنجاب بن الحارث ثنا على بن شهر عن محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن. قال قال العباس بن عبد المطلب:
كنت جارا لعمر بن الخطاب، فما رأيت أحدا من الناس كان أفضل من عمر؛ إن ليله صلاة، وإن نهاره صيام وفي حاجات الناس. فلما توفي عمر سألت الله عز وجل أن يرنيه في النوم، فرأيته في النوم مقبلا متشحا من سوق المدينة، فسلمت عليه وسلم علي ثم قلت كيف أنت؟ قال بخير، فقلت له ما وجدت؟ قال الآن فرغت من الحساب، ولقد كاد عرشي يهوي بي لولا أني وجدت
ربا رحيما.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن عجلان عن إبراهيم بن مرة عن محمد بن شهاب قال قال عمر بن الخطاب: لا تعترض فيما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحتفظ من خليلك إلا الأمين، فإن الأمين من القوم لا يعادله شيء. ولا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره، ولا تفش إليه سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله عز وجل.
• حدثنا الحسن بن علان الوراق ثنا عبد الله بن عبيد المقرئ ثنا محمد بن عثمان ثنا يوسف بن أبي أمية الثقفي ثنا الحكم بن هشام عن عبد الملك بن عمير عن ابن الزبير
(1)
. قال قال عمر بن الخطاب: إن لله عبادا يميتون الباطل بهجره، ويحيون الحق بذكره، رغبوا فرعبوا، ورهبوا فرهبوا، خافوا فلا يأمنون، أبصروا من اليقين ما لم يعاينوا فخلطوه بما لم يزايلوه، أخلصهم الخوف فكانوا يهجرون ما ينقطع عنهم لما يبقى لهم، الحياة عليهم نعمة، والموت لهم كرامة، فزوجوا الحور العين، وأخدموا الولدان المخلدين.
عثمان بن عفان
وثالث القوم القانت ذو النورين، والخائف ذو الهجرتين، والمصلي إلى القبلتين، هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. كان من (الذين {آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا)} فكان ممن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه. غالب أحواله الكرم والحياء، والحذر والرجاء، حظه من النهار الجود والصيام، ومن الليل السجود والقيام، مبشر بالبلوى، ومنعم بالنجوى.
وقد قيل: إن التصوف الإكباب على العمل، تطرقا إلى بلوغ الأمل.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحى ثنا مسعر ثنا
(1)
فى ز: عن أبى الزبير.
أبو عون الثقفي عن محمد بن حاطب. قالوا: ذكروا عثمان بن عفان فقال الحسن ابن علي: الآن يجيء أمير المؤمنين، قال فجاء علي فقال علي: كان عثمان من (الذين {آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين)}.
• حدثنا أبو بكر بن موسى البابسيري ثنا عمر بن الحسن ثنا ابن شبة ثنا أبو خلف صاحب الحربر عن يحيى البكاء عن ابن عمر: {(أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه)} قال: هو عثمان بن عفان.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن عمرو الربيعي ثنا زكريا بن يحيى المنقري ثنا الأصمعي ثنا عبد الأعلى السامي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عثمان أحيا أمتي وأكرمها» .
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا عمر بن أيوب ثنا أبو معمر ثنا هشيم عن الكوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أشد أمتي حياء عثمان بن عفان» .
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الصمد. ثنا أبو جميع ثنا الحسن قال -: وذكر عثمان وشدة حيائه - فقال: إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء، يمنعه الحياء أن يقيم صلبه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا طاهر بن عيسى ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا ابن لهيعة ثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح أن عبد الله بن عمر قال: ثلاثة من قريش أصبح الناس وجوها، وأحسنها أخلاقا، وأثبتها حياء، إن حدثوك لم يكذبوك وإن حدثتهم لم يكذبوك، أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا حماد بن خالد ثنا الزبير بن عبد الله عن جدة له يقال لها زهيمة قالت: كان عثمان يصوم الدهر، ويقوم الليل إلا هجعة من أوله.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا أبو علقمة الفروي - عبد الله بن محمد - عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال قال أبي: لأغلبن الليلة على المقام، قال فلما صليت العتمة تخلصت إلى المقام حتى قمت فيه. قال فبينا
أنا قائم إذا رجل وضع يده بين كتفي، فإذا هو عثمان بن عفان، قال فبدأ بأم القرآن فقرأ حتى ختم القرآن، فركع وسجد، ثم أخذ نعليه فلا أدري أصلى قبل ذلك شيئا أم لا. رواه يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف نحوه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا سلام بن مسكين عن محمد بن سيرين. قال قالت امرأة عثمان بن عفان: حين أطافوا به يريدون قتله: إن تقتلوه أو تتركوه فإنه كان يحيي الليل كله في ركعة يجمع فيها القرآن.
• حدثنا أبو أحمد الغطريفى وسليمان ابن أحمد. قالا: حدثنا أبو خليفة ثنا حفص بن عمر الحوضي ثنا الحسن بن أبي جعفر ثنا مجالد عن الشعبي. قال: لقي مسروق الأشتر، فقال مسروق للأشتر: قتلتم عثمان؟ قال نعم! قال أما والله لقد قتلتموه صواما قواما.
• حدثنا الحسين بن علي ثنا إبراهيم بن محمد ثنا محمود بن خداش ثنا أبو معاوية عن عاصم عن أنس بن مالك. قال قالت امرأة عثمان بن عفان حين قتلوه: لقد قتلتموه وإنه ليحيي الليلة بالقرآن في ركعة. كذا قال أنس بن مالك، ورواه الناس فقالوا أنس بن سيرين.
قال الشيخ رحمه الله: كان رضي الله تعالى عنه مبشرا بالمحن والبلوى، ومحفوظا فيها من الجزع والشكوى، يتحرز من الجزع بالصبر، ويتبرر في المحن بالشكر.
وقد قيل: إن التصوف الصبر على مرارة البلوى، ليدرك به حلاوة النجوى
• حدثنا محمد بن معمر ثنا محمود بن محمد المروزي ثنا حامد بن آدم ثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن عثمان بن غياث عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري. قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من تلك الحوائط، إذ جاء رجل فاستفتح الباب. فقال:«افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه» فإذا هو عثمان، فأخبرته فقال: الله المستعان.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا همام عن قتادة عن محمد بن سيرين ومحمد بن عبيد الحنفي عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان في حش من حيشان المدينة، فاستأذن رجل خفيض الصوت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه» فأذنت له وبشرته، فإذا هو عثمان. فقرب بحمد الله حتى جلس.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا محمد بن عبد الله بن رسته ثنا هريم بن عبد الأعلى ثنا معتمر ابن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أبي الحجاج عن أبي موسى.
قال: جاء رجل فاستأذن مرة. فقال: «ائذن له وبشره بالجنة فى بلوى» فقال عثمان: أسأل الله صبرا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد. قال قال قيس بن أبي حازم حدثني أبو سهلة: أن عثمان قال يوم الدار حين حصر: إن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا فأنا صابر عليه. قال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم - يعني اليوم الذي قال: «وددت أن عندي بعض أصحابي فشكوت إليه فقيل له ألا ندعوا لك أبا بكر؟ فقال لا، قيل عمر؟ قال لا، قيل فعلي؟ قال لا، فدعي له عثمان فجعل يناجيه ويشكو إليه، ووجه عثمان يتلون» .
• حدثنا أحمد ابن شداد ثنا عبد الله بن أحمد بن أسيد قال سمعت أحمد بن سنان يقول سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان لعثمان شيئان ليس لأبي بكر ولا عمر مثلهما صبره على نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.
وكان بالمال إلى رضاء الله متوصلا، وببذله لعباد الله متنفلا، ولحظ نفسه منه متقللا، وفي لباسه وتطاعمه متعللا.
وقد قيل: إن التصوف ابتغاء الوسيلة، إلى منتهى الفضيلة
• حدثنا محمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن سعدان ثنا بكر بن بكار ثنا عيسى بن المسيب ثنا أبو زرعة عن أبي هريرة. قال: اشترى عثمان بن عفان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين بيع الخلق، حين حفر بئر رومة، وحين جهز جيش العسرة.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود.
وحدثنا فاروق الخطابي ثنا أبو مسلم الكجي ثنا حجاج بن نصر. قالا: ثنا سكن بن المغيرة عن الوليد بن أبى هشام عن فرقد بن أبى طلحة عن عبد الرحمن
ابن أبى حباب السلمي. قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان: على مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، قال ثم حث فقال عثمان:
علي مائة أخرى بأحلاسها، قال ثم حث فقال عثمان: علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها. فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقول بيده يحركها: «ما على عثمان ما عمل بعد هذا» .
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا رجاء بن مصعب الأذني ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني حدثني عامر الشعبي عن مسروق عن عبد الله. قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان يوم جيش العسرة جائيا وذاهبا. فقال: «اللهم اغفر لعثمان ما أقبل وما أدبر، وما أخفى وما أعلن، وما أسر وما أجهر» قال محمد بن إسحاق: ما حفظت من الشعبي إلا هذا الحديث الواحد.
• حدثنا محمد بن علي بن نصر الوراق ثنا يوسف بن يعقوب الواسطي ثنا زكريا بن يحيى دحمويه ثنا عمر بن هارون البلخي عن عبد الله بن شوذب عن عبد الله بن القاسم عن كثير مولى سمرة عن عبد الرحمن ابن سمرة. قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش العسرة فجاء عثمان بألف دينار فنثرها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ولى، قال فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقلب الدنانير وهو يقول:
«ما يضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم» رواه ضمرة عن ابن شوذب فقال عن كثير بن أبي كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة عن عبد الرحمن بن سمرة.
• حدثنا محمد بن عمر بن سلم ثنا محمد بن إبراهيم بن زياد ثنا عبد الحميد بن عبد الله الحلواني ثنا حبيب بن أبي حبيب - كاتب مالك - عن مالك عن نافع عن ابن عمر. قال: لما جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، جاء عثمان بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«اللهم لا تنس لعثمان، ما على عثمان ما عمل بعد هذا» .
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن الصباح حدثنا سفيان عن ابن أبي عروبة عن قتادة. قال: حمل عثمان على ألف فيها خمسون فرسا في غزوة تبوك.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا اسحاق بن
سليمان ثنا أبو جعفر عن يونس عن الحسن. قال: رأيت عثمان نائما في المسجد فى ملحفة ليس حوله أحد، وهو أمير المؤمنين.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الأسود عن عبيد الله عن عبد الملك بن شداد بن الهاد. قال: رأيت عثمان بن عفان يوم الجمعة على المنبر عليه إزار عدني غليظ، ثمنه أربعة دراهم - أو خمسة دراهم - وريطة كوفية ممشقة.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الله بن عيسى - أبو خلف الخراز - ثنا يونس بن عبيد: أن الحسن سئل عن القائلين في المسجد فقال: رأيت عثمان بن عفان يقيل في المسجد وهو يومئذ خليفة، قال ويقوم وأثر الحصى بجنبه. قال فيقال: هذا أمير المؤمنين، هذا أمير المؤمنين.
• حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد حدثني جعفر بن محمد بن الفضل ثنا محمد بن حمير ثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل ابن مسلم: أن عثمان كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت.
• ثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا شيبان ثنا محمد بن راشد ثنا سليمان بن موسى: أن عثمان بن عفان دعي إلى قوم كانوا على أمر قبيح، فخرج إليهم فوجدهم قد تفرقوا ورأى أثرا قبيحا، فحمد الله إذ لم يصادفهم وأعتق رقبة.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنى أبو سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم عن فرات بن سليمان عن ميمون بن مهران: أخبرني الهمداني: أنه رأى عثمان بن عفان وهو على بغلة، وخلفه عليها غلامه نائل، وهو خليفة.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن بكر علي بن مسعدة قال سمعت عبد الله بن الرومي قال بلغني أن عثمان قال: لو أني بين الجنة والنار ولا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة: أنهم كانوا مع عثمان رضي الله تعالى عنه في الدار. فقال: وايم الله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام
وما ازددت للإسلام إلا حياء.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ثنا محمد بن يوسف الفريابي ثنا سفيان الثوري عن الصلت ابن دينار عن عقبة بن صهبان قال سمعت عثمان بن عفان يقول: ما أخذته بيميني منذ أسلمت - يعني ذكره -.
• حدثنا فاروق الخطابي ثنا أبو مسلم الكشي ثنا علي بن عبد الله المديني ثنا هشام بن يوسف ثنا عبد الله بن بجير عن هانئ مولى عثمان. قال: كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا حريث بن السائب حدثني الحسن حدثني حمران بن أبان: أن عثمان بن عفان حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: «كل شيء سوى جلف
(1)
هذا الطعام والماء العذب وبيت يظله، فضل ليس لابن آدم فيه فضل».
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة ثنا يحيى بن صالح الوحاظي ثنا سليمان بن عطاء الجزري ثنا مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مشجعة. قال: عدنا مع عثمان رضي الله تعالى عنه مريضا فقال له عثمان: قل لا إله إلا الله، فقالها.
فقال: والذي نفسي بيده لقد رمى بها خطاياه فحطمها حطما. فقلت: أشيء تقول أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلنا يا رسول الله: هذا هي للمريض فكيف هي للصحيح؟ فقال هي للصحيح أحطم.
علي بن أبي طالب
وسيد القوم، محب المشهود، ومحبوب المعبود، باب مدينة العلم والعلوم ورأس المخاطبات، ومستنبط الإشارات، راية المهتدين، ونور المطيعين، وولي المتقين، وإمام العادلين، أقدمهم إجابة وإيمانا، وأقومهم قضية وإيقانا وأعظمهم حلما، وأوفزهم علما، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. قدوة المتقين،
(1)
فى ز: خلف والصحيح ما أثبتناه. والجلف: الخبز وحده لا ادم معه ذكره فى النهاية تفسيرا لهذا الخبر.
وزينة العارفين، المنبئ عن حقائق التوحيد، المشير إلى لوامع علم التفريد، صاحب القلب العقول، واللسان السئول، والأذن الواعي، والعهد الوافي، فقاء عيون الفتن، ووقي من فنون المحن، فدفع الناكثين، ووضع القاسطين، ودمغ المارقين، الأخيشن في دين الله، الممسوس في ذات الله.
وقد قيل: إن التصوف مرامقة المودود، ومصارمة المحدود
• حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا يعقوب ابن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خبير: «لأعطين هذه الراية رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» قال فبات الناس يدوكون
(1)
ليلتهم أيهم يعطاها فقال: «أين علي بن أبي طالب؟» فقالوا يا رسول الله يشتكي عينه.
قال: «فأرسلوا إليه» قال فأتي به، قال فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، وأعطاه الراية. فقال علي:
يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فو الله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعيم» رواه سعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة وسلمة بن الأكوع نحوه في المحبة.
ولسلمة طرق فمن أغربها
• ما حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا داود وعمر وثنا المثنى بن زرعة - أبو راشد عن محمد بن إسحاق - قال ثنا بريدة بن سفيان الأسلمي عن أبيه عن سلمة بن الأكوع. قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق برايته إلى حصون خيبر يقاتل، فرجع ولم يكن فتح، وقد جهد. ثم بعث عمر الغد فقاتل، فرجع ولم يكن فتح وقد جهد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار» . قال سلمة فدعا بعلي عليه السلام وهو أرمد، فتفل في عينيه فقال: «هذه الراية امض بها حتى يفتح
(1)
كذا فى الأصلين. قال فى النهاية: وقع الناس فى دوكة أى فى خوض واختلاط.
الله على يديك» قال سلمة فخرج بها والله يهرول هرولة وإنا خلفه نتبع أثره، حتى ركز رايته فى رضم من الحجارة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال من أنت؟ فقال علي بن أبي طالب. قال يقول اليهودي:
غلبتم ولما نزل على موسى - أو كما قال - فما رجع حتى فتح الله على يديه.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: هذا حديث غريب من حديث بريدة عن أبيه فيه زيادات ألفاظ لم يتابع عليها، وصحيحة من حديث يزيد بن أبى عبيدة عن سلمة بن الأكوع
• حدثنا أحمد بن يعقوب بن المهرجان المعدل ثنا محمد ابن عثمان بن أبي شيبة ثنا إبراهيم بن اسحاق الصينى ثنا قيس بن الربيع عن ليث بن أبي سليم عن ابن أبي ليلى عن الحسن بن علي. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادعوا لي سيد العرب» - يعني علي بن أبي طالب - فقالت عائشة: ألست سيد العرب؟ فقال: «أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب» فلما جاء أرسل إلى الأنصار فأتوه. فقال لهم: «يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا؟» قالوا بلى يا رسول الله قال: «هذا علي فأحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي، فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل» ، رواه أبو بشر عن سعيد بن جبير عن عائشة نحوه في السؤدد مختصرا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن علي ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون ثنا علي بن عياش
(1)
عن الحارث بن حصيرة عن القاسم بن جندب عن أنس. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أنس اسكب لي وضوءا» ثم قام فصلى ركعتين. ثم قال: «يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين» قال أنس: قلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمته. إذ جاء علي فقال: «من هذا يا أنس؟» فقلت علي، فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق علي بوجهه. قال علي: يا رسول الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل؟ قال «وما يمنعني وأنت
(1)
فى ح: على بن عابس. والصحيح ما أثبتناه.
تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي». رواه جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن أنس نحوه.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني ثنا الحسن بن سفيان ثنا عبد الحميد بن بحر ثنا شريك عن سلمة بن كهيل عن الصنابحي عن علي بن أبي طالب. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا دار الحكمة وعلي بابها» رواه الأصبغ بن نباتة والحارث عن علي نحوه. ومجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
• حدثنا محمد بن عمر بن غالب ثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة قال ثنا عباد بن يعقوب ثنا موسى بن عثمان الحضرمي عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنزل الله آية فيها {يا أيها الذين آمنوا} إلا وعلي رأسها وأميرها.
قال الشيخ رحمه الله: لم نكتبه مرفوعا إلا من حديث ابن أبي خيثمة والناس رووه موقوفا
• حدثنا جعفر بن محمد بن عمر ثنا أبو حصين الوادعي ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا شريك عن أبي اليقظان عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان. قال: قالوا يا رسول الله ألا تستخلف عليا؟ قال: «إن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم» رواه النعمان بن أبي شيبة الجندي عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة نحوه.
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا عبد الله بن وهيب الغزي ثنا ابن أبي السري ثنا عبد الرزاق ثنا النعمان بن أبي شيبة الجندي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن تستخلفوا عليا - وما أراكم فاعلين - تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء» رواه إبراهيم بن هراسة عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن علي رضي الله تعالى عنه
• حدثنا نذير بن جناح القاضي ثنا إسحاق بن محمد بن مهران ثنا أبي ثنا إبراهيم بن هراسة عن ابن إسحاق عن زيد بن يثيع عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: مثله.
• حدثنا أبو أحمد الغطريفى ثنا أبو الحسن ابن أبي مقاتل ثنا محمد بن عبيد بن عتبة ثنا محمد بن علي الوهبي الكوفي ثنا أحمد
ابن عمران بن سلمة - وكان ثقة عدلا مرضيا - ثنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عن علي فقال: «قسمت الحكم عشرة أجزاء، فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا» .
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا محمد بن يونس الكديمي ثنا عبد الله بن داود الخريبي حدثني هرمز بن حوران عن أبي عون عن أبي صالح الحنفي عن علي رضي الله تعالى عنه. قال: قلت: يا رسول الله أوصني. قال: «قل ربي الله ثم استقم» قال قلت: الله ربي وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. فقال: «ليهنك العلم أبا الحسن؛ لقد شربت العلم شربا، ونهلته نهلا» .
• حدثنا أبو القاسم نذير بن جناح القاضي ثنا إسحاق بن محمد بن مروان ثنا أبي ثنا عباس بن عبيد الله ثنا غالب بن عثمان الهمداني - أبو مالك - عن عبيدة عن شقيق عن عبد الله بن مسعود. قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن، وإن عليا بن أبي طالب عنده علم الظاهر والباطن.
• حدثنا أبو بحر محمد بن الحسن ثنا محمد بن سليمان بن الحارث ثنا عبيد الله بن موسى ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم أن الحسن ابن علي رضي الله تعالى عنهما قام وخطب الناس وقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون بعلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فيعطيه الراية فلا يرتد حتى يفتح الله عز وجل عليه، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادما.
• حدثنا محمد بن جعفر بن الهيثم ثنا جعفر بن محمد الصايغ ثنا قبيصة بن عقبة ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال قال عمر: على أقضانا، وأبى أقرأنا.
• حدثنا إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا خلف ابن خالد العبدي البصري ثنا بشر بن إبراهيم الأنصاري عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل. قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا علي أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيها
أحد من قريش؛ أنت أولهم إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية
(1)
.
• حدثنا محمد بن المظفر ثنا عبد الله بن إسحاق ثنا إبراهيم الأنماطي ثنا القاسم بن معاوية الأنصاري حدثني عصمة بن محمد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي - وضرب بين كتفيه -: «يا علي لك سبع خصال لا يحاجك فيهن أحد يوم القيامة؛ أنت أول المؤمنين بالله إيمانا، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم مزية يوم القيامة» .
• حدثنا عمر بن أحمد بن عمر القاضي القصباني ثنا علي بن العباس البجلي ثنا أحمد بن يحيى ثنا الحسن بن الحسين ثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن الشعبي. قال قال علي: قال لي رسول الله عليه الصلاة والسلام: «مرحبا بسيد المسلمين، وإمام المتقين» فقيل لعلى فأى شيء كان من شكرك؟ قال حمدت الله تعالى على ما آتانى، وسألته الشكر على ما أولانى، وأن يزيدني مما أعطاني.
• حدثنا محمد بن حميد ثنا على ابن سراج المصري ثنا محمد بن فيروز ثنا أبو عمرو لاهز بن عبد الله ثنا معتمر ابن سليمان عن أبيه عن هشام بن عروة عن أبيه قال ثنا أنس بن مالك. قال:
بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي برزة الأسلمي فقال له - وأنا أسمع - «يا أبا برزة إن رب العالمين عهد إلي عهدا في علي بن أبي طالب: فقال إنه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني، يا أبا برزة علي بن أبي طالب أميني غدا في القيامة، وصاحب رايتي في القيامة على مفاتيح خزائن رحمة ربي» .
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا محمد بن علي بن دحيم
(2)
ثنا عباد ابن سعيد بن عباد الجعفي ثنا محمد بن عثمان بن أبي البهلول حدثني صالح بن أبي الأسود عن أبي المطهر الرازي عن الأعشى الثقفي عن سلام الجعفي عن أبي برزة. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى عهد إلي
(1)
فى ز فى الروايتين: مرزية بدل مزية.
(2)
فى ز: دحثم
عهدا في علي فقلت يا رب بينه لي، فقال اسمع، فقلت سمعت. فقال إن عليا راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة
(1)
التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبنى، ومن أبغضه أبغضني، فبشره بذلك. فجاء علي فبشرته فقال يا رسول الله أنا عبد الله، وفي قبضته فإن يعذبني فبذنبي، وإن يتم لي الذي بشرتني به فالله أولى بي. قال: قلت اللهم اجل قلبه واجعل ربيعه الإيمان، فقال الله: قد فعلت به ذلك. ثم إنه رفع إلي أنه سيخصه من البلاء بشيء لم يخص به أحدا من أصحابي. فقلت يا رب أخي وصاحبي، فقال إن هذا شيء قد سبق إنه مبتلى ومبتلى به».
• حدثنا سعد بن محمد الصيرفي ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون ثنا الحكم بن ظهير عن السدي عن عبد خير عن علي. قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسمت - أو حلفت - أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي عن ظهري حتى جمعت القرآن.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا محمد ابن يونس السامي ثنا أبو بكر الحنفي ثنا فطر بن خليفة عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد الخدري. قال: كنا نمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم فانقطع شسع نعله، فتناولها علي يصلحها ثم مشى فقال: «يا أيها الناس إن منكم من يقاتل
(2)
على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» قال أبو سعيد فخرجت فبشرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكترث به فرحا، كأنه قد سمعه.
• حدثنا محمد بن عمر بن سلم حدثني أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب حدثني أبي عن أبيه جعفر عن أبيه محمد بن عبد الله عن أبيه محمد عن أبيه عمر عن أبيه علي. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي، وأنزلت هذه الآية {وتعيها أذن واعية} فأنت أذن واعية لعلمي» .
• حدثنا الحسن بن علي بن الخطاب ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا أحمد بن يونس ثنا أبو بكر بن عياش عن نصير عن سليمان الأحمسي عن أبيه عن علي. قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت
(1)
فى ز. الحكمة.
(2)
كذا فى الأصلين: ولعله يقاتله على تأويل القرآن.
فيم أنزلت، وأين أنزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا سئولا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد ثنا مسعر عن عمرو ابن مرة عن أبي البختري قال: سئل علي عن نفسه. فقال: كنت إذا سئلت أعطيت، وإذا سكت ابتديت.
• حدثنا أحمد بن يعقوب بن المهرجان المعدل ثنا محمد بن الحسين بن حميد ثنا محمد بن تسنيم ثنا علي بن الحسين بن عيسى بن زيد عن جده عيسى بن زيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن عمرو بن قيس عن المنهال ابن عمر عن ذر عن على. قال: أنا فقأت عين الفتنة، ولو لم أكن فيكم ما قوتل فلان وفلان.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا أحمد بن علي الخراز ثنا عبد الرحمن ابن حفص الطنافسي ثنا زياد بن عبد الله عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن سليمان - يعني ابن محمد بن كعب بن عجرة - عن عمته زينت بنت كعب وكانت عند أبي سعيد عن أبي سعيد الخدري. قال: شكى الناس عليا. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: «يا أيها الناس لا تشكوا عليا، فو الله إنه لأخيشن في ذات الله عز وجل» .
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا هارون بن سليمان المصري ثنا سعد بن بشر الكوفي ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن يزيد بن أبي زياد عن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا عليا فإنه ممسوس في ذات الله تعالى» .
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أحمد بن محمد الحمال ثنا أبو مسعود ثنا سهل بن عبد ربه ثنا عمرو بن أبي قيس عن مطرف عن المنهال بن عمرو عن التميمي عن ابن عباس. قال: كنا نتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إلى على سبعين عهدا، لم يعهد إلى غيره.
كان عليه السلام: الاستسلام والانقياد شأنه، والتبري من الحول والقوة مكانه.
وقد قيل: إن التصوف إسلام الغيوب، إلى مقلب القلوب
• حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن عقيل. وحدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا إسماعيل بن أبي كريمة ثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن
أبي أنيسة عن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه قال سمعت عليا يقول: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم وفاطمة وذلك من السحر، حتى قام على باب البيت. فقال ألا تصلون؟ فقلت مجيبا له: يا رسول الله إنما نفوسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، قال فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرجع إلي الكلام. قال فسمعته حين ولى يقول - وضرب بيده على فخذه {(وكان الإنسان أكثر شيء جدلا)} رواه حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، وصالح ابن كيسان، وشعيب بن حمزة والناس عن الزهري. أخرجه البخاري ومسلم عن قتيبة بن سعيد.
وكان رضوان الله عليه وسلامه: على الأوراد مواظبا، وللأزواد مناحبا.
وقد قيل: إن التصوف الرغبة إلى المحبوب، في درك المطلوب
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا أحمد بن إبراهيم عن ملحان ثنا يحيى بن بكير حدثني الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن كعب القرظي عن شبث بن ربعي عن علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فقال علي لفاطمة ائتي أباك فسليه خادما تقى به العمل، فأتت أباها حين أمست فقال لها: مالك يا بنية قالت لا شيء جئت لأسلم عليك واستحيت أن تسأل شيئا فلما رجعت قال لها علي ما فعلت؟ قالت لم أسأله شيئا واستحييت منه حتى إذا كانت الليلة القابلة قال لها ائتي أباك فسليه خادما تتقين به العمل فأتت أباها فاستحيت أن تسأله شيئا حتى إذا كانت الليلة الثالثة مساء خرجنا جميعا حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ما أتى بكما فقال علي: يا رسول الله شق علينا العمل فأردنا أن تعطينا خادما نتقي به العمل.
فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أدلكما على خير لكما من حمر النعم. قال علي: يا رسول الله نعم! قال تكبيرات وتسبيحات وتحميدات مائة حين تريدا أن تناما فتبيتا على ألف حسنة، ومثلها حين تصبحان فتقومان على ألف حسنة. فقال علي: فما فاتتني منذ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليلة صفين، فإني نسيتها حتى ذكرتها من آخر الليل فقلتها.
• حدثنا محمد بن
جعفر بن الهيثم ثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ثنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام بن حوشب عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي.
قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضع رجليه بيني وبين فاطمة فعلمنا ما نقول إذا أخذنا مضاجعنا: ثلاثا وثلاثين تسبيحة، وثلاثا وثلاثين تحميدة، وأربعا وثلاثين تكبيرة. قال علي: فما تركتها بعد فقال له رجل:
ولا ليلة صفين؟ قال ولا ليلة صفين. رواه الحكم ومجاهد عن ابن أبي ليلى نحوه.
• حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا العباس بن الوليد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا الجريري عن أبي الورد عن ابن أعبد
(1)
قال قال لي علي: يا ابن أعبد هل تدري ما حق الطعام؟ قال: وما حقه يا ابن أبي طالب قال تقول
(2)
بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، ثم قال أتدري ما شكره إذا فرغت قلت وما شكره؟ قال تقول الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا. ثم قال ألا أخبرك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أكرم أهله عليه وكانت زوجتى فجرت بالرحى حتى أثر الرحى بيدها، واشقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمت البيت حتى اعبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها، فأصابها من ذلك ضر فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي - أو خدم - فقلت لها انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه خادما يقيك ضر ما أنت فيه فذكر نحو حديث شبث بن ربعي عن علي.
وكان عليه السلام: إذا لزمه في العيش الضيق والجهد، أعرض عن الخلق فأقبل على الكسب والكد.
وقد قيل: إن التصوف الارتقاء في الأسباب، إلى المقدرات من الأبواب
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا اسماعيل بن علية. وثنا عبد الله بن محمد ثنا أحمد بن علي بن المثنى ثنا أبو الربيع ثنا حماد. قالا: حدثنا أيوب السختياني عن مجاهد قال:
(1)
فى الخلاصة: ابن أغيد وقال باسكان المعجمة وفتح التحتانية.
(2)
فى ح: قال هو.
خرج علينا علي بن أبي طالب يوما معتجرا. فقال: جعت مرة بالمدينة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا تريد بله فأتيتها فقاطعتها كل ذنوب على تمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت
(1)
يداي ثم أتيت الماء فأصبت منه ثم أتيتها فقلت بكفي هكذا بين يديها - وبسط اسماعيل يديه وجمعهما - فعدت لى ستة عشر تمرة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأكل معي منها. وقال حماد بن زيد في حديثه:
فاستقيت ستة عشر أو سبعة عشر ثم غسلت يدي فذهبت بالتمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي خيرا ودعا لي. ورواه موسى الطحان عن مجاهد نحوه.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني علي بن حكيم الأودي ثنا شريك عن موسى الطحان عن مجاهد عن على.
قال: جئت إلى حائط أو بستان فقال لى صاحبه دلوا وتمرة فدلوت دلوا بتمرة فملأت كفي ثم شربت من الماء ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بملء كفي فأكل بعضه وأكلت بعضه.
وكان مزينا من بين العباد، متحققا بزينة
(2)
الأبرار والزهاد.
• حدثنا أبو الفرج أحمد بن جعفر النسائي ثنا محمد بن جرير ثنا عبد الأعلى ابن واصل ثنا مخول
(3)
بن إبراهيم ثنا علي بن حزور عن الأصبغ بن نباتة قال سمعت عمار بن ياسر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي إن الله تعالى قد زينك بزينة لم تزين العباد بزينة أحب إلى الله تعالى منها، هى زينة الأبرار عند الله عز وجل. الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا ولا تزرأ الدنيا منك شيئا، ووهب لك حب المساكين فجعلك ترضي بهم أتباعا ويرضون بك إماما» .
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا أبو حصين القاضي ثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله العكبري ثنا ابن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن علي بن الحسين قال قال على بن أبى طالب عليه
(1)
مجلت يده: إذا ثخن جلدها وتعجز وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل.
(2)
فى ز: برتبة
(3)
فى ز: محول بالمهملة ولم نجدهما.
السلام: إذا كان يوم القيامة أتت الدنيا بأحسن زينتها ثم قالت يا رب هبني لبعض أوليائك فيقول الله تعالى اذهبى فأنت لا شيء أنت أهون علي أن أهبك لبعض أوليائي فتطوى كما يطوى الثوب الخلق فتلقى في النار.
وكان زهد في الدنيا فكشف له الغطا، وهدي وبصر فأزيل عنه العمى.
• حدثنا أبو ذر محمد بن الحسين بن يوسف الوراق ثنا بن الحسين بن حفص ثنا علي بن حفص العبسي ثنا نصير بن حمزة عن أبيه عن جعفر بن محمد عن محمد بن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من زهد في الدنيا علمه الله تعالى بلا تعلم، وهداه بلا هداية، وجعله بصيرا وكشف عنه العمى» .
وكان بذات الله عليما، وعرفان الله في صدره عظيما.
وقد قيل: إن التصوف البروز من الحجاب، إلى رفع الحجاب.
• حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جعفر ثنا محمد بن يونس السامي ثنا أبو نعيم ثنا حبان بن على عن مجاهد عن الشعبي عن ابن عباس: أن علي بن أبي طالب أرسله إلى زيد بن صوحان فقال يا أمير المؤمنين إني ما علمتك لبذات الله عليم، وإن الله لفي صدرك عظيم.
• حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث ثنا الفضل بن الحباب الجمحي ثنا مسدد ثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد ابن إسحاق عن النعمان بن سعد. قال: كنت بالكوفة في دار الإمارة دار علي بن أبي طالب إذ دخل علينا نوف بن عبد الله فقال يا أمير المؤمنين: بالباب أربعون رجلا من اليهود فقال علي: علي بهم. فلما وقفوا بين يديه قالوا له: يا علي صف لنا ربك هذا الذي في السماء كيف هو؟ وكيف كان؟ ومتى كان؟ وعلى أي شيء هو؟ فاستوى علي جالسا. وقال: معشر اليهود اسمعوا مني ولا تبالوا أن لا تسألوا أحدا غيري: إن ربي عز وجل هو الأول لم يبد مما، ولا ممازج معما، ولا حال وهما، ولا شبح يتقصى، ولا محجوب فيحوى، ولا كان بعد أن لم يكن فيقال حادث. بل جل أن يكيف المكيف للأشياء كيف كان. بل لم يزل ولا يزول لاختلاف الأزمان، ولا لتقلب شان بعد شان، وكيف يوصف
بالأشباح، وكيف ينعت بالألسن الفصاح، من لم يكن في الأشياء فيقال بائن، ولم يبن عنها فيقال كائن، بل هو بلا كيفية. وهو أقرب من حبل الوريد، وأبعد في الشبه من كل بعيد، لا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة، ولا كرور لفظة، ولا ازدلاف رقوة، ولا انبساط خطوة، في غسق ليل داج، ولا ادلاج، لا يتغشى عليه القمر المنير، ولا انبساط الشمس ذات النور بضوئهما في الكرور، ولا إقبال ليل مقبل، ولا إدبار نهار مدبر، إلا وهو محيط بما يريد من تكوينه. فهو العالم بكل مكان وكل حين وأوان، وكل نهاية ومدة. والأمد إلى الخلق مضروب، والحد إلى غيره منسوب، لم يخلق الأشياء من أصول أولية، ولا بأوائل كانت قبله بدية، بل خلق ما خلق فأقام خلقه، وصور ما صور فأحسن صورته، توحد فى علوه فليس لشئ منه امتناع، ولا له بطاعة شيء من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة في السموات والأرضين له مطيعة، علمه بالأموات البائدين، كعلمه بالأحياء المتقلبين، وعلمه بما في السموات العلى، كعلمه بما في الأرض السفلى، وعلمه بكل شيء. لا تحيره الأصوات، ولا تشغله اللغات، سميع للأصوات المختلفة، بلا جوارح له مؤتلفة، مدبر بصير، عالم بالأمور، حى قيوم.
سبحانه كلم موسى تكليما بلا جوارح ولا أدوات، ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن تكييف الصفات، من زعم أن إلهنا محدود، فقد جهل الخالق المعبود، ومن ذكر أن الأماكن به تحيط، لزمته الحيرة والتخليط، بل هو المحيط بكل مكان، فإن كنت صادقا أيها المتكلف لوصف الرحمن، بخلاف التنزيل والبرهان، فصف لي جبريل وميكائيل وإسرافيل هيهات؟ أتعجز عن صفة مخلوق مثلك، وتصف الخالق المعبود، وأنت
(1)
تدرك صفة رب الهيئة والأدوات، فكيف من لم تأخذه سنة ولا نوم؟ له ما في الأرضين والسموات وما بينهما وهو رب العرش العظيم. هذا حديث غريب من حديث النعمان كذا رواه ابن إسحاق عنه مرسلا.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا إبراهيم
(1)
فى الأصل: وإنما تدرك. ولا تستقيم العبارة.
ابن محمد بن الحارث ثنا سلمة بن شبيب ثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا الفرج يقول قال علي بن أبي طالب: ما يسرنى لومت طفلا وأدخلت الجنة ولم أكبر فأعرف ربي عز وجل.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا ضرار بن صرد ثنا علي بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن عمر بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي. قال:
أنصح الناس وأعلمهم بالله؛ أشد الناس حبا وتعظيما لحرمة أهل لا إله إلا الله.
• حدثنا أحمد بن السندي ثنا الحسن بن علوية القطان ثنا إسماعيل بن عيسى العطار ثنا إسحاق بن بشر أخبرنا مقاتل عن قتادة عن خلاس
(1)
بن عمرو قال: كما جلوسا عند علي بن أبي طالب إذ أتاه رجل من خزاعة فقال يا أمير المؤمنين.
هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الإسلام؟ قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بني الإسلام على أربعة أركان على الصبر، واليقين، والجهاد، والعدل، وللصبر أربع شعب: الشوق، والشفقة، والزهادة، والترقب. فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن الحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات، ولليقين أربع شعب: تبصرة الفطنة، وتأويل الحكمة، ومعرفة العبرة، واتباع السنة. فمن أبصر الفطنة تأول الحكمة ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة اتبع السنة ومن اتبع السنة فكأنما كان في الأولين، وللجهاد أربع شعب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق. ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه وأحرز دينه، ومن شنأ الفاسقين فقد غضب لله، ومن غضب لله يغضب الله له، وللعدل أربع شعب: غوص الفهم، وزهرة العلم، وشرائع الحكم، وروضة الحلم. فمن غاص الفهم فسر جمل العلم، ومن رعى زهرة العلم عرف شرائع الحكم، ومن عرف شرائع الحكم ورد روضة الحلم،
(1)
فى ح. جلاس بالجيم. وفى ز: بالحاء المهملة والتصحيح عن الخلاصة
ومن ورد روضة الحلم لم يفرط في أمره، وعاش في الناس وهم في راحة» كذا رواه خلاس بن عمرو مرفوعا. وخالف الرواة عن علي فقال: الإسلام، ورواه الأصبع بن نباتة عن علي مرفوعا فقال: الإيمان. ورواه الحارث عن علي مرفوعا مختصرا. ورواه قبيصة بن جابر عن علي من قوله. ورواه العلاء بن عبد الرحمن عن علي من قوله.
• حدثنا أبو الحسن أحمد بن يعقوب بن المهرجان ثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الله ثنا الأوزاعي ثنا يحيى بن أبي كثير وغيره قال: قيل لعلي: ألا نحرسك؟ فقال: حرس امرأ أجله.
(وثيق عباراته ودقيق إشاراته)
قال أبو نعيم: ومما حفظ عنه من وثيق العبارات ودقيق الإشارات.
حدثنا علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي وإبراهيم بن إسحاق. قالا: ثنا أبو بكر بن خزيمة ثنا علي بن حجر ثنا يوسف بن زياد عن يوسف بن أبي المتئد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم. قال قال علي عليه السلام:
كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل، فانه لن يقل عمل مع المتقوى وكيف يقل عمل يتقبل.
• حدثنا عمر بن محمد بن عبد الصمد ثنا الحسن بن محمد ابن غفير ثنا الحسن بن علي ثنا خلف بن تميم ثنا عمر بن الرحال عن العلاء بن المسيب عن عبد خير عن علي. قال: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك، ويعظم حلمك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله. ولا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين؟ رجل أذنب ذنبا فهو تدارك ذلك بتوبة، أو رجل يسارع في الخيرات، ولا يقل عمل فى تقوى وكيف يقل ما يتقيل.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد. قال قال علي بن أبي طالب. وثنا عبد الله بن محمد قال ثنا عبد الله بن محمد بن سوار ثنا عون بن سلام ثنا عيسى بن مسلم الطهوي عن ثابت بن أبي صفية عن أبي الزغل. قال قال علي بن أبي طالب: احفظوا عني
خمسا فلو ركبتم الإبل في طلبهن لأنضيتموهن قبل أن تدركوهن؛ لا يرجو عبد إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه، ولا يستحي جاهل أن يسأل عما لا يعلم، ولا يستحي عالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله أعلم. والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عون بن سلام ثنا أبو مريم عن زبيد عن مهاجرين عمير. قال قال علي بن أبي طالب: إن أخوف ما أخاف اتباع الهوى وطول الأمل. فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة. ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، ألا وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحد منهما بنون. فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل. رواه الثوري وجماعة عن زبيد مثله عن علي مرسلا. ولم يذكروا مهاجر ابن عمير.
قال أبو نعيم: أفادني هذا الحديث الدارقطني عن شيخي، لم أكتبه إلا من هذا الوجه
• حدثنا محمد بن جعفر وعلي بن أحمد. قالا: ثنا إسحاق ابن إبراهيم ثنا محمد بن يزيد أبو هشام ثنا المحاربي عن مالك بن مغول عن رجل من جعفي عن السدي عن أبي أراكة. قال: صلي علي الغداة ثم لبث في مجلسه حتى ارتفعت الشمس قيد رمح كأن عليه كآبة، ثم قال لقد رأيت أثرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أرى أحدا يشبههم، والله إن كانوا ليصبحون شعثا غبرا صفرا بين أعينهم مثل ركب المعزى، قد باتوا يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكر الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح، فانهملت أعينهم حتى تبل والله ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد ثنا ابن فضيل عن ليث عن الحسن عن على. قال: طوبى لكل عبد نؤمة، عرف الناس ولم يعرفه الناس، عرفه الله برضوان. أولئك مصابيح الهدى يكشف الله عنهم كل فتنة مظلمة، سيدخلهم الله في رحمة منه، ليس أولئك بالمذاييع
البذر
(1)
ولا الجفاة المرائين.
• حدثنا أبي ثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن الحكم ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثنا شجاع بن الوليد عن زياد بن خيثمة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي. قال: ألا إن الفقيه كل الفقيه الذى لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يؤمنهم من عذاب الله، ولا يرخص لهم في معاصى الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره ولا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فهم فيه، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها.
• حدثنا محمد بن علي بن حش
(2)
ثنا عمى أحمد بن حش ثنا المخزومي ثنا محمد بن كثير عن عمرو بن قيس عن عمرو بن مرة عن علي. قال: كونوا ينابيع العلم، مصابيح الليل، خلق الثياب، جدد القلوب، تعرفوا به في السماء، وتذكروا به في الأرض.
• حدثنا أبو محمد بن حبان ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ثنا سلمة بن شبيب ثنا سهل بن عاصم ثنا عبدة ثنا إبراهيم بن مجاشع عن عمرو بن عبد الله عن أبي محمد اليماني عن بكر بن خليفة قال قال علي بن أبي طالب: أيها الناس إنكم والله لو حننتم حنين الوله العجال، ودعوتم دعاء الحمام، وجأرتم جؤار متبتلي الرهبان، ثم خرجتم إلى الله من الأموال والأولاد التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده، أو غفران سيئة أحصاها كتبته، لكان قليلا فيما أرجو لكم من جزيل ثوابه، وأتخوف عليكم من أليم عقابه، فبالله بالله بالله لو سالت عيونكم رهبة منه، ورغبة إليه، ثم عمرتم في الدنيا - ما الدنيا باقية ولو لم تبقوا شيئا من جهدكم لأنعمه العظام عليكم، بهدايته إياكم للإسلام؛ ما كنتم تستحقون به - الدهر ما الدهر قائم بأعمالكم - جنته، ولكن برحمته ترحمون، وإلى جنته يصير منكم المقسطون، جعلنا الله وإياكم من التائبين العابدين.
• حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال كتب إلي أحمد بن إبراهيم بن هشام الدمشقي ثنا أبو صفوان القاسم بن يزيد بن عوانة عن ابن حرث عن ابن عجلان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده: أن عليا شيع جنازة
(1)
فى ز: بالمدابيع وفى ح: بالمذابيع كلاهما بالباء. وصحته بالمذاييع من زاع يزيع.
والبذر ككتف: الذى يفشى السر.
(2)
فى ز: حبيش وكذا عمه ولم أقف عليه.
فلما وضعت فى لحدها عج أهلها وبكوا. فقال: ما تبكون؟ أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم، لأذهلتهم معاينتهم عن ميتهم. وإن له فيهم لعودة ثم عودة حتى لا يبقي منهم أحدا. ثم قام فقال: أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال، ووقت لكم الآجال، وجعل لكم أسماعا تعى ما عناها، وأبصارا لتجلوا عن غشاها، وأفئدة تفهم ما دهاها، في تركيب صورها وما أعمرها فإن الله لم يخلقكم عبثا، ولم يضرب عنكم الذكر صفحا، بل أكرمكم بالنعم السوابغ، وأرفدكم بأوفر الروافد، وأحاط بكم الإحصاء، وأرصد لكم الجزاء في السراء والضراء. فاتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب، وبادروا بالعمل مقطع النهمات، وهادم اللذات. فإن الدنيا لا يدوم نعيمها، ولا تؤمن فجائعها. غرور حائل، وشبح فائل، وسناد مائل يمضى مستطرفا ويردى مستردفا، بانعاب شهواتها، وختل تراضعها. اتعظوا عباد الله بالعبر، واعتبروا بالآيات والأثر، وازدجروا بالنذر، وانتفعوا بالمواعظ. فكأن قد علقتكم مخالب المنية، وضمكم بيت التراب، ودهمتكم مقطعات الأمور بنفخة الصور، وبعثرة القبور، وسياقة المحشر، وموقف الحساب، بإحاطة قدرة الجبار. كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها، وشاهد يشهد عليها بعملها. {(وأشرقت الأرض بنور ربها، ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون)} فارتجت لذلك اليوم البلاد، ونادى المناد، وكان يوم التلاق، وكشف عن ساق، وكسفت الشمس، وحشرت الوحوش، مكان مواطن الحشر، وبدت الأسرار، وهلكت الأشرار، وارتجت الأفئدة. فنزلت بأهل النار من الله سطوة مجيحة، وعقوبة منيحة، وبرزت الجحيم لها كلب ولجب، وقصيف رعد، وتغيظ ووعيد تأجج جحيمها، وغلا حميمها. وتوقد سمومها. فلا ينفس خالدها، ولا تنقطع حسراتها، ولا يقصم كبولها. معهم ملائكة يبشرونهم بنزل من حميم، وتصلية جحيم، عن الله محجوبون، ولأوليائه مفارقون، وإلى النار منطلقون. عباد الله اتقوا الله تقية من كنع فخنع، ووجل فرحل، وحذر
فأبصر فازدجر. فاحتث طلبا، ونجا هربا، وقدم للمعاد، واستظهر بالزاد، وكفى بالله منتقما وبصيرا، وكفى بالكتاب خصما وحجيجا، وكفى بالجنة ثوابا وكفى بالنار وبالا وعقابا، وأستغفر الله لي ولكم.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو مسلم الكشي ثنا عبد العزيز بن الخطاب ثنا سهل بن شعيب عن أبي علي الصيقل عن عبد الأعلى عن نوف البكالي. قال: رأيت علي بن أبي طالب خرج فنظر إلى النجوم فقال: يا نوف أراقد أنت أم رامق؟ قلت بل رامق يا أمير المؤمنين. فقال: يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، والقرآن والدعاء دثارا وشعارا. قرضوا الدنيا على منهاج المسيح عليه السلام. يا نوف إن الله تعالى أوحى إلى عيسى أن مر بني إسرائيل أن لا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأيد نقية، فإني لا أستجيب لأحد منهم ولأحد من خلقي عنده مظلمة يا نوف لا تكن شاعرا، ولا عريفا، ولا شرطيا، ولا جابيا، ولا عشارا. فإن دواد عليه السلام قام في ساعة من الليل. فقال: إنها ساعة لا يدعو عبد إلا أستجيب له فيها، إلا أن يكون عريفا أو شرطيا أو جابيا أو عشارا أو صاحب عرطبة - وهو الطنبور - أو صاحب كوبة - وهو الطبل.
(وصيته لكميل بن زياد)
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا موسى بن إسحاق. وثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة. قالا: ثنا أبو نعيم ضرار بن صرد. وثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد الحافظ ثنا محمد بن الحسين الخثعمي ثنا إسماعيل بن موسى الفزاري. قالا: ثنا عاصم بن حميد الخياط ثنا ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان، فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال:
يا كميل بن زياد القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ ما أقول لك: الناس
ثلاثة؛ فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق.
العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال. العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة. ومحبة العالم دين يدان بها. العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله. مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر. أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه؛ إن هاهنا - وأشار بيده إلى صدره - علما لو أصبت له حملة، بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه. يستعمل آلة الدين للدنيا، يستظهر بحجج الله على كتابه، وبنعمه على عباده. أو منقادا لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه، يقتدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، لا ذا ولا ذاك. أو منهوم باللذات، سلس القياد للشهوات. أو مغرى بجمع الأموال والادخار؛ وليسا من دعاة الدين. أقرب شبها بهما الأنعام السائمة. كذلك يموت العلم بموت حامليه. اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، أولئك هم الأفلون عددا، الأعظمون عند الله قدرا بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاسلانوا ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون. صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمنظر الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده، ودعاته إلى دينه. هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم.
(زهده وتعبده)
قال الشيخ رحمه الله: ذكر بعض ما نقل عنه من التقلل والتزهد، واشتهر به من الترهب والتعبد.
وقيل: إن التصوف السلو عن الأعراض، بالسمو إلى الأغراض.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا
وهب بن إسماعيل ثنا محمد بن قيس عن علي بن ربيعة الوالبي عن علي بن أبي طالب. قال: جاءه ابن النباج فقال يا أمير المؤمنين امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء فقال: الله أكبر! فقام متوكئا على ابن النباج حتى قام على بيت مال المسلمين. فقال:
هذا حناى وخياره فيه
…
وكل جان يده إلى فيه
يا ابن النباج: على بأشياع الكوفة، قال فنودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين وهو يقول: يا صفراء ويا بيضاء غرى غيرى. ها، وها. حتى ما بقي منه دينار ولا درهم، ثم أمره بنضحه وصلي فيه ركعتين.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن عمر ثنا ابن نمير ثنا أبو حيان التيمي عن مجمع التيمي. قال: كان علي يكنس بيت المال ويصلي فيه، يتخذه مسجدا رجاء أن يشهد له يوم القيامة.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا إسحاق بن الحسن الحربي ثنا مسدد. وثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة. قالا: ثنا عبد الوارث بن سعيد عن أبي عمرو بن العلاء عن أبيه: أن علي بن أبي طالب خطب الناس فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما رزأت من فيئكم إلا هذه. وأخرج قارورة من كم قميصه. فقال: أهداها إلي مولاي دهقان.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثني سفيان بن وكيع ثنا أبو غسان عن أبي داود المكفوف عن عبد الله بن شريك عن جده عن علي بن أبي طالب: أنه أتي بفالوذج فوضع قدامه بين يديه. فقال: إنك طيب الريح، حسن اللون، طيب الطعم، لكن أكره أن أعوذ نفسي ما لم تعتده.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم ثنا هناد ثنا وكيع عن سفيان عن عمرو ابن قيس الملائى عن عدى بن ثابت: أن عليا أتي بفالوذج فلم يأكل.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أحمد بن إبراهيم ثنا عبد الصمد ثنا عمران - وهو القطان - عن زياد بن مليح: أن عليا أتي بشيء من خبيص فوضعه بين أيديهم فجعلوا يأكلون. فقال علي: إن الإسلام ليس
ببكر ضال ولكن قريش رأت هذا فتناجزت عليه
(1)
.
• حدثنا الحسن بن علي الوراق ثنا محمد بن أحمد بن عيسى ثنا عمرو بن تميم ثنا أبو نعيم ثنا إسماعيل ابن إبراهيم بن مهاجر. قال سمعت عبد الملك بن عمير يقول حدثني رجل من ثقيف: أن عليا استعمله على عكبرا قال ولم يكن السواد يسكنه المصلون.
وقال لي: إذا كان عند الظهر فرح إلي، فرحت إليه فلم أجد عنده حاجبا يحبسني عنه دونه - فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا بطينة
(2)
فقلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج إلي جوهرا - ولا أدري ما فيها - فإذا عليها خاتم فكسر الخاتم فإذا فيها سويق فأخرج منها فصب في القدح فصب عليه ماء فشرب وسقاني فلم أصبر. فقلت: يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك. قال: أما والله! ما أختم عليه بخلا عليه ولكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفنى فيصنع من غيره، وإنما حفظي لذلك، وأكره أن أدخل بطني إلا طيبا.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبو معمر ثنا أبو أسامة عن سفيان عن الأعمش قال: كان علي يغدي ويعشي ويأكل هو من شيء يجيئه من المدينة.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم ثنا أحمد بن أبي الحسن الصوفي ثنا يحيى بن يوسف الرقي ثنا عباد بن العوام عن هارون بن عنترة عن أبيه. قال: دخلت على علي بن أبي طالب بالخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفة. فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال وأنت تصنع بنفسك ما تصنع. فقال: والله ما أرزأكم من مالكم شيئا وإنها لقطيفتى التي خرجت بها من منزلي - أو قال من المدينة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل ثنا علي بن حكيم. وثنا محمد بن علي ثنا أبو القاسم البغوي ثنا علي بن الجعد. قالا: ثنا شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن زيد بن وهب. قال:
قدم على علي وفد من أهل البصرة فيهم رجل من أهل الخوارج يقال له الجعد
(1)
فى ح: فتناحرت عليه (بالحاء المهملة) وكلاهما صحيح المعنى.
(2)
كذا فى ز. وفى ح: بظبية ولعله الصحيح والظبية جراب صغير أو هى شبه الخربطة والكيس.
ابن نعجة فعاتب عليا في لبوسه. فقال علي: ما لك وللبوسى إن لبوسى أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبو عبد الله السلمي ثنا إبراهيم بن عيينة عن سفيان الثوري عن عمرو بن قيس. قال: قيل لعلي يا أمير المؤمنين لم ترقع قميصك؟ قال يخشع القلب، ويقتدي به المؤمن.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن مطيع ثنا هشيم
(1)
عن إسماعيل بن سالم عن أبي سعيد الأزدي - وكان إماما من أئمة الأزد -. قال: رأيت عليا أتى السوق وقال: من عنده قميص صالح بثلاثة دراهم؟ فقال رجل عندي. فجاء به فأعجبه قال لعله خير من ذلك. قال: لا ذاك ثمنه. قال فرأيت عليا يقرض رباط الدراهم من ثوبه فأعطاه فلبسه، فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه؛ فأمر به فقطع ما فضل عن أطراف أصابعه.
• حدثنا محمد بن عمر بن سلم ثنا موسى بن عيسى ثنا أحمد بن محمد القمي ثنا بشر بن إبراهيم ثنا مالك بن مغول وشريك عن علي بن الأرقم عن أبيه. قال: رأيت عليا وهو يبيع سيفا له في السوق، ويقول من يشتري مني هذا السيف، فو الذى فلق الحبة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان عندى ثمن إزار ما بعته.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن حمويه الأهوازي ثنا الحسن بن سنان الحنظلي ثنا سليمان بن الحكم عن شريك بن عبد الله عن علي بن الأرقم عن أبيه. قال رأيت عليا فذكر: نحوه.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني زكريا بن يحيى الكسائي ثنا ابن فضيل عن الأعمش عن مجمع التيمي عن يزيد بن محجن. قال: كنت مع علي وهو بالرحبة فدعى بسيف فسله. فقال: من يشتري سيفى هذا؟ فو الله لو كان عندى ثمن إزار ما بعته.
• حدثنا أبو حامد ابن جبلة ثنا محمد بن إسحاق حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة. قالا: ثنا أبو حيان التيمي عن مجمع التيمي عن أبي رجاء. قال: رأيت على ابن أبي طالب خرج بسيف يبيعه. فقال: من يشترى منى هذا؟ لو كان عندى
(1)
فى ح: هشام والصحيح ما ذكرناه.
عن إزار لم أبعه. فقلت يا أمير المؤمنين أنا أبيعك وأنسئك إلى العطاء - زاد أبو أسامة -: فلما خرج عطاؤه أعطاني.
• حدثنا محمد بن الحسن اليقطيني ثنا الحسين ابن عبد الله الراقى ثنا محمد بن عوف ثنا محمد بن خالد البصرى ثنا الحسن بن زكرياء الثقفي عن عنبسة النحوي قال: شهدت الحسن بن أبي الحسن وأتاه رجل من بني ناجية. فقال: يا أبا سعيد بلغنا أنك تقول: لو كان على يأكل من حشف المدينة لكان خيرا له مما صنع. فقال الحسن: يا ابن أخي كلمة باطل حقنت بها دما والله لقد فقدوه سهما من مرامز طيب
(1)
والله ليس بسروقة لمال الله، ولا بنؤمة عن أمر الله، أعطى القرآن عزائمه فيما عليه وله، أحل حلاله وحزم حرامه، حتى أورده ذلك على حياض غدقة، ورياض مونقة، ذلك علي بن أبى طالب يا لكع.
(وصفه في مجلس معاوية)
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن زكريا الغلابي ثنا العباس عن بكار الضبي ثنا عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح قال: دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية. فقال له: صف لي عليا. فقال أو تعفيني يا أمير المؤمنين قال لا أعفيك. قال: أما إذ لا بد فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة طويل الفكرة، يقلب كفه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له؛ فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين،
(1)
كذا فى ز. وفى ح: من مرائر طيب. وفى آداب الحسن البصرى ص 38 طبعة الخانجى وسئل عن على بن أبى طالب. قال: كان والله سهما صائبا من مرامى الله (إلى أن قال) لم يكن بالسروقة لمال الله، ولا بالنؤمة فى أمر الله، ولا بالملولة فى حق الله أعطى القرآن عزائمه، وعلم ماله فيه وما عليه.
ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه بميل فى محرابه قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا - يتضرع إليه - ثم يقول الدنيا إلي تغررت، إلي تشوفت، هيهات هيهات، غري غيري قد بتتك ثلاثا، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق. فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء. فقال: كذا كان أبو الحسن رحمه الله كيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال: وجد من ذبح واحدها في حجرها؛ لا ترقأ دمعتها ولا يسكن حزنها. ثم قام فخرج.
• حدثنا أحمد بن محمد بن موسى ثنا عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ثنا أبي ثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه على عن أبيه الحسين ابن علي عليهم السلام عن علي. قال: أشد الأعمال ثلاثة؛ إعطاء الحق من نفسك، وذكر الله على كل حال، ومواساة الأخ في المال.
• حدثنا أحمد بن محمد بن موسى ثنا علي بن أبي قربة ثنا نصر بن مزاحم ثنا أبي ثنا عمرو
(1)
- يعني ابن شمر - عن محمد بن سوقة عن عبد الواحد الدمشقي. قال: نادى حوشب الخيري عليا يوم صفين. فقال: انصرف عنا يا ابن أبي طالب فإنا ننشدك الله في دمائنا ودمك، نخلي بينك وبين عراقك، وتخلي بيننا وبين شامنا. وتحقن دماء المسلمين. فقال علي: هيهات يا ابن أم ظليم! والله لو علمت أن المداهنة تسعني في دين الله لفعلت ولكان أهون على فى المئونة ولكن الله لم يرض من أهل القرآن بالإدهان والسكوت، والله يعصى.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ثنا شريك عن عاصم بن كليب عن محمد بن كعب. قال سمعت عليا يقول: لقد
(1)
فى ز عمرو - يعنى ابن أبى شيبة عن محمد بن سوقة عن عبد الرحمن الدمشقى قال: نادى حوشب الحميرى. فاما عمرو بن أبى شيبة فلم أقف عليه. وعبد الرحمن الدمشقى فالصحيح عبد الواحد بن قيس أبو حمزة السلمى الدمشقى.
رأيتني أربط الحجر على بطني من شدة الجوع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن صدقتي اليوم لأربعون ألف دينار.
• حدثنا أحمد بن على ابن محمد المرهبي ثنا سلمة بن إبراهيم ثنا إسماعيل الحضرمي الكهيلي ثنا أبي علي عن أبيه عن جده عن سلمة بن كهيل عن مجاهد قال: شيعة على الحلماء العلماء الذبل الشفاه الأخيار الذين يعرفون بالرهبانية من أثر العبادة.
• حدثنا محمد بن عمرو بن سلم
(1)
ثنا علي بن العباس البجلي ثنا بكار بن أحمد عن حسن بن الحسين عن محمد بن عيسى بن زيد عن أبيه عن جده عن علي بن الحسين. قال: شيعتنا الذبل الشفاه، والإمام منا من دعا إلى طاعة الله.
• حدثنا فهد بن إبراهيم بن فهد ثنا محمد بن زكريا الغلابي ثنا بشر بن مهران ثنا شريك عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي، ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت، فليتول علي بن أبي طالب من بعدي» . رواه شريك أيضا عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم. ورواه السدي عن زيد بن أرقم. ورواه ابن عباس وهو غريب.
• حدثنا محمد بن المظفر ثنا محمد بن جعفر بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم ثنا عبد الرحمن بن عمران بن أبي ليلى - أخو محمد بن عمران - ثنا يعقوب بن موسى الهاشمي عن ابن أبي رواد عن إسماعيل بن أمية عن عكرمة عن ابن عباس. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي؛ فليوال عليا من بعدي وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدى فانهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهما وعلما. وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، للقاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي.
قال أبو نعيم: فالمحققون بموالاة العترة الطيبة هم الذبل الشفاه، المفترشو
(1)
فى ز: محمد بن عمرو عن سالم وهو خطأ: انظره فى تاريخ بغداد رقم (953) وفى منتهى المقال فى أحوال الرجال، وتقدم ذكره غير مرة.
الجباه، الأذلاء فى نفوسهم الفناة، المفارقون لمؤثرى الدنيا من الطغاة، هم الذين خلعوا الراحات، وزهدوا في لذيذ الشهوات، وأنواع الأطعمة، وألوان الأشرية، فدرجوا على منهاج المرسلين، والأولياء من الصديقين، ورفضوا الزائل الفاني، ورغبوا في الزائد الباقي، في جوار المنعم المفضال، ومولى الأيادي والنوال.
طلحة بن عبيد الله
ومن الأعلام الشاهرة، صاحب الأحوال الزاهرة، الجواد بنفسه، الفياض بماله، طلحة بن عبيد الله. قضى نحبه، وأقرض ربه، كان في الشدة والقلة لنفسه بذولا، وفي الرخاء والسعة بماله وصولا.
وقد قيل: إن التصوف النزوح بالأحوال، والتخفف من الأثقال.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا ابن المبارك عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله أخبرني عيسى بن طلحة عن عائشة أم المؤمنين. قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد. قال: ذلك كله يوم طلحة قال أبو بكر: كنت أول من فاء يوم أحد فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجراح: «عليكما صاحبكما» يريد طلحة وقد نزف، فأصلحنا من شأن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر بين طعنة وضربة ورمية، وإذا قد قطعت أصبعه فأصلحنا من شأنه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا سليمان بن أيوب بن سليمان بن طلحة بن عبيد الله. قال: حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة بن عبيد الله. قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ هذه الآية {(رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه)} الآية. فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله من هؤلاء؟ فأقبلت وعلي ثوبان أخضران. فقال:
• حدثنا علي بن أحمد بن علي المصيصي ثنا الهيثم بن خالد ثنا عبد الكبير بن المعافا ثنا صالح بن موسى الطلحي ثنا معاوية بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين، قالت: إني جالسة في بيتي ورسول الله وأصحابه في الفناء [إذ] أقبل طلحة بن عبيد الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة» .
• حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان النحوي ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا علي بن عبد الله المديني. وثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد. قالا: ثنا سفيان بن عيينة عن طلحة بن يحيى بن طلحة حدثتني جدتي سعدى بنت عوف المرية وكانت محل إزار طلحة قالت:
دخل علي طلحة ذات يوم وهو خائر النفس. - وقال قتيبة دخل علي طلحة ورأيته مغموما - فقلت ما لي أراك كالح الوجه. وقلت ما شأنك أرابك مني شيء فأعينك.
قال: لا ولنعم خليلة المرء المسلم أنت قلت: فما شأنك قال المال الذي عندي قد كثر وأكربني. قلت: وما عليك اقسمه، قالت فقسمه حتى ما بقي منه درهم واحد. قال طلحة بن يحيى: فسألت خازن طلحة كم كان المال؟ قال أربعمائة ألف.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا خلف بن عمرو الحميدي ثنا سفيان بن عيينة ثنا مجالد عن الشعبي عن قبيصة بن جابر. قال: صحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلا أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن الصياح ثنا سفيان عن عمرو - يعني ابن دينار - قال: كان غلة طلحة كل يوم ألفا وافيا.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن سعدى بنت عوف. قالت: كانت غلة طلحة كل يوم ألفا وافيا، وكان يسمى طلحة الفياض.
• حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا نصر بن علي ثنا الأصمعي ثنا نافع بن أبي نعيم عن محمد بن عمران عن سعدى بنت عوف امرأة طلحة بن عبيد الله. قالت: لقد تصدق طلحة يوما بمائة ألف درهم، ثم حبسه عن الرواح إلى المسجد أن جمعت له بين طرفي ثوبه.
• حدثنا
أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا روح بن عبادة ثنا عوف عن الحسن. قال: باع طلحة أرضا له بسبعمائة ألف، فبات ذلك المال عنده ليلة فبات أرقا من مخافة المال، حتى أصبح ففرقه.
الزبير بن العوام
قال أبو نعيم: وقرينه الزبير بن العوام، الثابت القوام، صاحب السيف الصارم، والرأي الحازم، كان لمولاه مستكينا، وبه مستعينا، قاتل الأبطال، وباذل الأموال.
وقد قيل: إن التصوف الوفاء والثبات، والتسامح بالمال والجدات.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا عبد الله بن وهب ثنا الليث بن سعد عن أبي الأسود. قال: أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثماني سنين، وهاجر وهو ابن ثمان عشرة سنة كان عم الزبير يعلق الزبير في حصبر ويدخن عليه بالنار وهو يقول: ارجع إلى الكفر فيقول الزبير لا أكفر أبدا.
• حدثنا أبو علي بن الصواف ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا أبي وعمي أبو بكر. قالا: ثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه. قال: أسلم الزبير وهو ابن ست عشرة سنة، ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا حماد بن أسامة ثنا هشام بن عروة عن أبيه. قال: إن أول رجل سل سيفه الزبير بن العوام سمع نفحة نفحها الشيطان أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج الزبير يشق الناس بسيفه والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فلقيه. فقال: مالك يا زبير؟ قال أخبرت أنك أخذت قال فصلي عليه ودعا له ولسيفه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا يوسف بن يزيد القراطيسي ثنا أشد بن موسى ثنا سكين بن عبد العزيز ثنا حفص ابن خالد حدثني شيخ قدم علينا من الموصل. قال: صحبت الزبير بن العوام
فى بعض أسفاره فأصابته جنابة بأرض قفر. فقال: استرني فسترته فحانت مني إليه التفاتة فرأيته مجذعا بالسيوف. قلت: والله لقد رأيت بك آثار ما رأيتها بأحد قط. قال: وقد رأيت ذلك؟ قلت نعم! قال: أما والله ما منها جراحة إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبو عامر العدوي ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد أخبرني من رأى الزبير: وإن في صدره لأمثال العيون من الطعن والرمي.
• حدثنا القاضي عبد الله بن محمد بن عمر ثنا نوح بن منصور ثنا الزبير بن بكار ثنا أبو غزية محمد بن موسى الأنصاري ثنا عبد الله بن مصعب بن ثابت عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن جدتها أسماء ابنة أبي بكر. قالت: مر الزبير بن العوام بمجلس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحسان بن ثابت ينشدهم فمدح حسان بن ثابت الزبير. فقال فى مديحه للزبير:
فكم كربة ذب الزبير بسيفه
…
عن المصطفى والله يعطي ويجزل
فما مثله فيهم ولا كان قبله
…
وليس يكون الدهر ما دام يذبل
ثناؤك خير من فعال معاشر
(1)
…
وفعلك يا ابن الهاشمية أفضل.
حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني من سمع الوليد بن مسلم يقول سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: كان للزبير بن العوام ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فكان يقسمه كل ليلة ثم يقوم إلى منزله وليس معه منه شيء.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا السراج ثنا الحسن بن الصباح ثنا الحارث بن عطية عن الأوزاعي عن نهيك بن مريم عن مغيث بن سمي. قال: كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه الخراج ما يدخل بيته من خراجهم درهما.
• حدثنا أبو أحمد الغطريفي ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق ابن راهويه قال قلت لأبي أسامة أحدثكم هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير: قال: لما كان يوم الجمل جعل الزبير يوصى بدينه. ويقول:
(1)
أوردها فى أسد الغابة مع خمسة أبيات أخر ولم يذكر البيت الثالث هذا.
يا بني إن عجزت عن شيء فاستعن عليه بمولاى. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتى قلت يا أبت من مولاك؟ قال: الله! قال فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض دينه فيقضيه، فقتل الزبير ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين منها بالغابة ودورا، وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه. فيقول: الزبير لا ولكنه سلف، فإني أخشى عليه الضيعة، فحسبت ما عليه فوجدته ألفي ألف فقضيته. وكان ينادي عبد الله بن الزبير بالموسم أربع سنين من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه، فلما مضى أربع سنين قسمت بين الورثة الباقي، وكان له أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف. فقال أبو أسامة نعم.
• حدثنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن الوليد التستري ثنا أحمد بن يحيى بن زهير ثنا علي بن حرب ثنا إسحاق بن إبراهيم الكوفي. قال وحدثني أبو سهل عن الحسن وزائدة وشريك وجعفر الأحمر عن زيد - يعني ابن أبي زياد - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. قال: انصرف الزبير يوم الجمل عن علي فلقيه ابنه عبد الله. فقال:
جبنا جبنا. قال: يا بني قد علم الناس أني لست بجبان ولكن ذكرني علي شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفت أن لا أقاتله. فقال: دونك غلامك فلانا فقد أعطيت به عشرين ألفا كفارة عن يمينك. قال فولى الزبير وهو يقول:
ترك الأمور التي أخشى عواقبها
…
في الله أحسن في الدنيا وفي الدين.
حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا سعيد بن عامر ثنا محمد ابن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة. قال: لما نزلت {(ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون)} . قال الزبير: يا رسول الله أيردد علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب. قال: نعم! قال: والله إني لأرى الأمر شديدا.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا الحسين بن جعفر ثنا ضرار بن صرد ثنا عبد العزيز الدراوردي عن محمد بن عمرو عن يحيى بن حاطب عن عبد الله بن الزبير عن أبيه. قال: لما نزلت {(ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون)} . قلت:
يا رسول الله أيكرر علينا ما كان في الدنيا؟ فذكر نحوه.
سعد بن أبي وقاص
قال أبو نعيم رحمه الله: وأما سعد بن أبي وقاص فقديم السبق، بدء أمره مقاساة الشدة، واحتمال الضيقة. وهو مع الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة هون عليه تحمل الأثقال، ومفارقة العشيرة والمال، لما باشر قلبه من حلاوة الإقبال، ونصر على الأعداء بالمقاتلة والنضال
(1)
، وخص بالإجابة في المسألة والابتهال، ثم ابتلي في حالة الإمارة والسياسة، وامتحن بالحجابة والحراسة، ففتح الله على يديه السواد والبلدان، ومنح عدة من الإناث والذكران، ثم رغب عن العمالة والولاية، وآثر العزلة والرعاية، وتلافى ما بقي من عمره بالعناية، فهو قدوة من ابتلي في حاله بالتلوين، وحجة من تحصن بالوحدة والعزلة من التفتين، إلى أن تتضح له الشبهة بالحجج والبراهين.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو زيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا يحيى بن أبي زائدة حدثني هاشم بن هاشم قال سمعت سعيد بن المسيب يقول:
قال سعد: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم. قال:
سمعت سعدا يقول لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى يضع أحدنا كما تضع الشاة.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن سعد. قال: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن فيه لاختصينا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن مخلد ثنا أبو إسماعيل الترمذي ثنا إبراهيم بن يحيى بن هانئ. وثنا محمد بن محمد بن
(1)
فى ح: بالمطاردة والنصال
إسحاق ثنا بكر بن أحمد بن مقبل ثنا محمد بن يزيد الإسقاطي ثنا إبراهيم بن يحيى بن هانئ ثنا أبي ثنا موسى بن عقبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم عن سعد. قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم سدد رميته، وأجب دعوته.
قال أبو نعيم: سقط عن رواية الترمذي موسى بن عقبة.
• حدثنا محمد ابن عاصم ثنا الحسين بن أبي معشر ثنا سفيان بن وكيع ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد عن سعد. قال:
كنا قوما يصيبنا ظلف العيش بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك ومرنا عليه وصبرنا له، ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خرجت من الليل أبول وإذا أنا أسمع بقعقعة شيء تحت بولي؛ فإذا قطعة جلد بعير فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها فوضعتها بين حجرين ثم استفها
(1)
وشربت عليها من الماء فقويت عليها ثلاثا.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا العباس بن الفضل ثنا مبارك بن فضالة ثنا الحسن. قال: خطب عتبة بن غزوان - فكان أول أمير خطب على منبر البصرة -: ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، غير أنى التقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك، قال: فما بقي من الرهط السبعة إلا أمير على مصر من الأمصار.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا إسحاق بن إبراهيم وعثمان بن أبي شيبة. قالا: ثنا جرير عن مغيرة الضبي عن رجل من بني عامر قال ثنا مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: «لأنا في فتنة السراء لأخوف
(2)
عليكم منى فى فتنة الضراء، إنكم ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وإن الدنيا حلوة خضرة».
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبى ثنا
(1)
كذا فى ح وفى ز: استفسها (كذا) ولعله: استففتها وبها يستقيم الكلام.
(2)
فى ر: أخوف عليكم من فتنة الضراء.
عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه. قال: جاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده وهو بمكة، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها، ولم يكن له يومئذ إلا ابنة واحدة. فقال: يا رسول الله أوصي بمالي كله؟ قال: «لا! الثلث والثلث كثير، ولعل الله أن يرفعك فينتفع بك ناس ويضر بك آخرون» .
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا محمد عمر الواقدي ثنا بكر بن مسمار
(1)
عن عامر بن سعد سمعه يخبر عن أبيه. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله عز وجل يحب العبد التقى الخفي
(2)
الغني».
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو عامر العقدي ثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله عن عمر بن سعد عن أبيه. أنه قال لي: يا بني أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأسا، لا والله حتى أعطى سيف إن ضربت به مؤمنا نبا عنه، وإن ضربت به كافرا قتله. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن الله يجب الغني الخفي التقي» .
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا كثير بن هشام ثنا جعفر بن برقان ثنا عبد الله بن بشر عن أيوب السختياني.
قال: اجتمع سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وابن عمر، وعمار بن ياسر فذكروا الفتنة. فقال سعد: أما أنا فأجلس في بيتي ولا أدخل فيها.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين. قال: قيل لسعد بن أبي وقاص: ألا تقاتل فإنك من أهل الشورى، وأنت أحق بهذا الأمر من غيرك؟ فقال: لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان، يعرف المؤمن من الكافر، فقد جاهدت وأنا أعرف الجهاد.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا عمر بن حفص السدوسى ثنا عاصم بن عدى ثنا شعبة أخبرني يحيى بن حصين قال سمعت طارقا - يعني ابن شهاب - يقول: كان بين خالد وسعد كلام فذهب رجل يقع فى خالد عند سعد
(1)
فى ز: بكر عن مسمار ولم نقف عليه
(2)
وفيها فى الراويتين: الحفى (بالحاء المهملة)
فقال: مه، إن ما بيننا لم يبلغ ديننا.
سعيد بن زيد
وأما سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. فكان بالحق قوالا، ولماله بذالا، ولهواه قامعا وقتالا، ولم يكن ممن يخاف في الله لومة لائم. وكان مجاب الدعوة سبق الإسلام قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. شهد بدرا بسهمه وأجره.
رغب عن الولاية، وتشمر في الرعاية، قمع نفسه، وأخفى عن المنافسة في الدنيا شخصه، اعتزل الفتنة والشرور، المؤدية إلى الضيعة والغرور، عازما على السبقة والعبور، المفضي إلى الرفعة والحبور. كان للولايات قاليا، وفي مراتب الدنيا وانيا، وفي العبودية غانيا، وعن مساعدة نفسه فانيا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن صدقة بن المثنى حدثني رباح بن الحارث: أن المغيرة كان في المسجد الأكبر، وعنده أهل الكوفة عن يمينه وعن يساره، فجاء رجل يدعى سعيد بن زيد فحياه المغيرة وأجلسه عند رجليه على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة فاستقبل المغيرة فسب. فقال: من يسب هذا يا مغيرة؟ قال:
سب علي بن أبي طالب عليه السلام. فقال: يا مغيرة بن شعبة ثلاثا، ألا أسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبون عندك لا تنكر ولا تغير!! وأنا أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مما سمعت أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لم أكن أروي عنه كذبا يسألني عنه إذا لقيته - أنه قال:«أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وتاسع المؤمنين في الجنة» لو شئت أن أسميه لسميته. قال فرج أهل المسجد يناشدونه يا صاحب رسول الله من التاسع؟ قال ناشدتموني بالله، والله عظيم أنا تاسع المؤمنين، ورسول الله العاشر. ثم أتبع ذلك يمينا فقال: لمشهد شهده رجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر وجهه مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم؛ أفضل من عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح رواه عبد الواحد ابن زياد عن صدقة مثله.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل حدثني أبي ثنا علي بن عاصم أنبأنا حصر
(1)
عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم المازني. قال: لما خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة ابن شعبة. قال فأقام خطباء يقعون في علي، وأنا إلى جنب سعيد بن زيد، قال فغضب فقام فأخذ بيدي فتبعته. فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة، فأشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا عارم أبو النعمان ثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه أن أروى بنت أويس استعدت مروان على سعيد بن زيد وقالت: سرق من أرضي فأدخله في أرضه، فقال سعيد: ما كنت لأسرق منها بعد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سرق شبرا من الأرض طوق إلى سبع أرضين» .
فقال: لا أسألك بعد هذا. فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فأذهب بصرها واقتلها في أرضها، فذهب بصرها ووقعت في حفرة في أرضها فماتت.
• حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب ثنا ابن عمر - يعني عبد الله العمري - عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن مروان أرسل إلى سعيد بن زيد ناسا يكلمونه في شأن أروى بنت أويس - وخاصمته في شيء - فقال: يروني
(2)
أظلمها وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ظلم شبرا من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين» .
اللهم إن كانت كاذبة فلا تمنها حتى يعمى بصرها، وتجعل قبرها في بئرها. قال فو الله ما ماتت حتى ذهب بصرها، وخرجت تمشي في دارها - وهي حذرة - فوقعت في بئرها وكانت قبرها. رواه عبد الله بن عبد المجيد عن عبيد الله بن عمر مثله.
• حدثناه أبو محمد بن حبان ثنا محمد بن سليمان ثنا بشر بن آدم ثنا عبيد الله ابن عبد المجيد ثنا عبد الله بن عمر العمري مثله.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان
(1)
كذا بالمهملات ولم تقف عليه وفى ح: حصين
(2)
فى ر: فقال ارونى أظلمها.
ثنا الحسن بن سفيان ثنا أحمد بن عيسى ثنا ابن وهب أخبرني يونس عن أبى بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم: أن أروى استعدت على سعيد بن زيد إلى مروان ابن الحكم فقال سعيد: اللهم إنها قد زعمت أني ظلمتها، فإن كانت كاذبة فأعم بصرها وألقها في بئرها، وأظهر من حقي نورا يبين للمسلمين أني لم أظلمها. قال فبينا هم على ذلك إذ سال العقيق بسيل لم يسل مثله قط، فكشف عن الحد الذي كانا يختلفان فيه، فإذا سعيد قد كان فى ذلك صادقا. ولم تلبث إلا شهرا
(1)
حتى عميت، فبينا هي تطوف في أرضها تلك إذ سقطت في بئرها.
قال: فكنا ونحن غلمان نسمع الإنسان يقول للإنسان أعماك الله كما أعمى الأروى، فلا نظن إلا أنه يريد الأروى التي من الوحش، فإذا هو إنما كان ذلك لما أصاب أروى من دعوة سعيد بن زيد وما يتحدث الناس به مما استجاب الله له سؤله.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد ابن رمح بن مهاجر حدثنا ابن لهيعة عن محمد بن زيد بن مهاجر. أنه سمع أبا غطفان المري يخبر: أن أروى بنت أويس أتت مروان بن الحكم مستغيثة
(2)
من سعيد بن زيد، وقالت: ظلمني أرضي وغلبني حقي - وكان جارها بالعقيق - فركب إليه عاصم بن عمر. فقال: أنا أظلم أروى حقها؟ فو الله لقد ألقيت لها ستمائة ذراع من أرضي من أجل حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أخذ من حق امرئ من المسلمين شيئا بغير حق طوقه يوم القيامة حتى سبع أرضين» قومي يا أروى فخذي الذي تزعمين أنه حقك. فقامت فتسحبت في حقه. فقال:
اللهم إن كانت ظالمة فأعم بصرها، واقتلها في بئرها. فعميت ووقعت فى بئرها فماتت.
(1)
فى ز ولم تلبث الا يسيرا.
(2)
وفيها: تستغيثه.
عبد الرحمن بن عوف
وأما عبد الرحمن بن عوف. فكان حاله فيما بسط له حال الأمناء والخزان، يفرقه في سبيل المنعم المنان، يستخير بالله من التفتين فيه والطغيان، وتتصل منه المناحة والأحزان، خوف الانقطاع عن إخوته والأخدان. أدرك الودق، وسبق الرنق. كثير الأموال، متين الحال، تجود يده بالعطيات، وعينه وقلبه بالعبرات، وهو قدوة ذي الثروة والجدات، في الإنفاق على المتقشفين من ذوي الفاقات.
• حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الرحمن ثنا يزيد بن هارون أخبرنا أبو المعلى الجريري عن ميمون بن مهران عن ابن عمر أن عبد الرحمن بن عوف: قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن أختاره لكم وأتفضى منها؟ فقال علي: أنا أول من رضي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«أنت أمين في أهل الأرض، وأمين في أهل السماء» .
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا عمارة بن زاذان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك. قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتا رجت منه المدينة. فقالت: ما هذا؟ قالوا: عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشام وكانت سبعمائة راحلة. فقالت عائشة: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا» فبلغ ذلك عبد الرحمن فأتاها فسألها عما بلغه فحدثته. قال: فإني أشهدك أنها بأحمالها وأقتابها وأحلاسها في سبيل الله عز وجل.
• حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو ثنا أبو حصين الوادعي ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا عبد الله بن جعفر المخزومى حدثتني عمتي أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن أبيها المسور بن مخرمة. قال: باع عبد الرحمن بن عوف أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار، فقسم ذلك المال في بني زهرة، وفقراء المسلمين، وأمهات المؤمنين، وبعث إلى عائشة معي بمال من ذلك المال فقالت عائشة: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: «لن يحنو عليكم بعدي إلا الصالحون» سقا الله ابن عوف من من سلسبيل الجنة.
• حدثنا حبيب بن الحسين ثنا أبو معشر الدارمى ثنا أحمد ابن بديل ثنا المحاربي عن عمار بن سيف عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله ابن أبي أوفى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف:
«ما بطأ بك عني؟» فقال: ما زلت بعدك أحاسب، وإنما ذلك لكثرة مالي، فقال: هذه مالة راحلة جاءتني من مصر فهي صدقة على أرامل أهل المدينة.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا ابن عوف إنك من الأغنياء، ولن تدخل الجنة إلا زحفا، فأقرض الله عز وجل يطلق لك قدميك» . قال ابن عوف: وما الذى أفرض الله؟ قال: «تتبرأ مما أمسيت فيه» قال من كله أجمع يا رسول الله؟ قال «نعم» فخرج ابن عوف وهو يهم بذلك، فأتاه جبريل فقال: مر ابن عوف فليضف الضيف، وليطعم المسكين، وليعط السائل، فإذا فعل ذلك كانت كفارة لما هو فيه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري. قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألف، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا أبو همام السكوني ثنا حسين بن علي عن جعفر بن برقان. قال: بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف بنت
(1)
.
• حدثنا أبو عمرين حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا دحيم بن أبي فديك حدثني ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب عن نوفل بن إياس الهذلي. قال: كان عبد الرحمن لنا جليسا وكان نعم الجليس، وأنه انقلب
(1)
فى ح: بيت.
بنا يوما حتى دخلنا بيته، ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا وأتينا بصفحة فيها خبز ولحم، فلما وضعت بكى عبد الرحمن بن عوف. فقلنا له: يا أبا محمد ما يبكيك؟ قال: هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ولا أرانا أخرنا لها لما هو خير منها.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف أنه أتي بطعام - قال شعبة أحسبه كان صائما - فقال عبد الرحمن: قتل حمزة فلم نجد ما نكفنه فيه وهو خير مني، وقتل مصعب بن عمير وهو خير مني فلم نجد ما نكفنه، وقد أصبنا منها ما قد أصبنا. قال شعبة - أو قال أعطينا ما أعطينا - ثم قال عبد الرحمن: إني لأخشى أن يكون قد عجلت لنا طيباتنا في الدنيا. قال شعبة: وأظنه قال ولم يأكل.
قال أبو نعيم:
أخبرت عن محمد بن أيوب الرازي ثنا مسدد ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحضرمي. قال: قرأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لين الصوت - أو لين القراءة - فما بقى أحد من القوم إلا فاضت عينه غير عبد الرحمن بن عوف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لم يكن عبد الرحمن بن عوف فاضت عينه فقد فاض قلبه» .
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عبد الرحمن بن جابر الطائي ثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة عن أبيه عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. قال قال عبد الرحمن بن عوف: بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جده. قال سمعت عليا يقول: يوم مات عبد الرحمن بن عوف: اذهب ابن عوف. فقد أدركت صفوها، وسبقت رنقها.
أبو عبيدة بن الجراح
ومنهم الأمين الرشيد، والعامل الزهيد، أمين الأمة أبو عبيدة. كان للأجانب من المؤمنين وديدا، وعلى الأقارب من المشركين شديدا، فيه نزلت
{(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله)} الآية صبر على الاقتصار على القليل، إلى أن حان منه النقلة والرحيل.
• حدثنا أبو بحر محمد بن الحسن ثنا أبو عمارة محمد بن أحمد بن المهندس ثنا أبو عقيل الحمال وحميد بن الربيع. قالا: ثنا أبو أسامة ثنا عمر بن حمزة العمري عن سالم عن أبيه عن ابن عمر بن الخطاب. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ورواه الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر. وكوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر عن عمر. وعبد الرحمن بن غنم عن عبد الله بن أرقم عن عمر. وممن روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمانة أبي عبيدة أبو بكر الصديق، وابن مسعود وحذيفة، وخالد بن الوليد، وأنس، وعائشة.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا ضمرة عن ابن شوذب. قال: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح يتصدى لابنه أبي عبيدة يوم بدر، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله. فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية حين قتل أباه {(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان)} الآية.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة ثنا أبو هلال ثنا قتادة أن أبا عبيدة بن الجراح. قال: ما من الناس من أحمر ولا أسود، حر ولا عبد عجمي ولا فصيح، أعلم أنه أفضل مني بتقوى إلا أحببت أن أكون في مسلاخه.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو خالد الأحمر. وثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر. قالا: عن هشام بن عروة عن أبيه. قال: دخل عمر بن الخطاب على أبي عبيدة بن الجراح فإذا هو مضطجع على طنفسة رحله متوسدا الحقيبة. فقال له عمر: ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقيل. وقال معمر في حديثه: لما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء
أهل الأرض فقال عمر: أين أخي؟ قالوا: من؟ قال أبو عبيدة. قالوا الآن يأتيك. فلما أتاه نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته؛ فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله
(1)
، ثم ذكر نحوه.
• حدثنا محمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا حيوة أخبرني أبو صخر أن زيد بن أسلم حدثه عن أبيه عن عمر بن الخطاب: أنه قال لأصحابه: تمنوا فقال رجل أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله، ثم قال: تمنوا، فقال رجل أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا وجوهرا أنفقه في سبيل الله وأتصدق. ثم قال:
تمنوا، فقالوا ما ندري يا أمير المؤمنين. فقال عمر: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا هشام بن الوليد. وثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون. قالا: ثنا جرير بن عثمان عن نمران بن مخمر
(2)
أبي الحسن عن أبي عبيدة بن الجراح: أنه كان يسير في العسكر فيقول: ألا رب مبيض لثيابه مدنس لدينه، ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، ادرءوا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تقهرهن.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله ابن مجمد العبسي ثنا وكيع عن سفيان عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي عبيدة بن الجراح. قال: مثل قلب المؤمن مثل العصفور يتقلب كل يوم كذا وكذا مرة.
عثمان بن مظعون
ومنهم المتقشف المحزون، الممتحن في عينه المطعون، ذو الهجرتين عثمان ابن مظعون.
كان إلى الاستجابة لله سابقا، وبمعالي الأحوال لاحقا، وفى العبادة ناسكا،
(1)
فى ح: ورمحه
(2)
فى ز: عمران بن مجمر [بالجيم]. ولم نقف عليهما.
وفي المحاربة فاتكا، لم تنقصه الدنيا، ولم تحطه عن العليا تعجل إلى المحبوب، فتسلى عن المكروب.
وقد قيل: إن التصوف تشوف الصادي الراغب عن الكدر، إلى صفاء الود من غير صدر.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن يحيى ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن من حدثه عن عثمان. قال: لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء وهو يغدو ويروح فى أمان من الوليد ابن المغيرة قال: والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من الأذى والبلاء ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي. فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس وفت ذمتك، وقد رددت إليك جوارك. قال لم يا ابن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي؟ قال لا ولكني أرضى بجوار الله عز وجل، ولا أريد أن أستجير بغيره. قال فانطلق إلى المسجد فاردد على جوارى علانية كما أجرتك علانية. قال فانطلقا ثم خرجا حتى أتيا المسجد فقال لهم الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد على جواري، قال لهم قد صدق قد وجدته وفيا كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله فقد رددت عليه جواره. ثم انصرف عثمان ولبيد بن ربيعة بن مالك ابن كلاب القيسي في المجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان. فقال لبيد وهو ينشدهم:
• ألا كل شيء ما خلا الله باطل
• فقال عثمان: صدقت، فقال:
• وكل نعيم لا محالة زائل
• فقال عثمان: كذبت، نعيم أهل الجنة لا يزول. قال لبيد بن ربيعة يا معشر قريش والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث فيكم هذا؟ فقال رجل من القوم إن هذا سفيه فى سفهاء معه قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله،
فرد عليه عثمان حتى سرى - أي عظم - أمرهما. فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فحضرها، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان. فقال: أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية، فقد كنت فى ذمة منيعة. فقال عثمان:
بلى والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى ما أصاب أختها فى الله، وإنى لفى جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس فقال عثمان بن مظعون فيما أصيب من عينه:
فإن تك عيني في رضا الرب نالها
…
يدا ملحد فى الدين ليس بمهتد
فقد عوض الرحمن منها ثوابه
…
ومن يرضه الرحمن يا قوم يسعد
فإنى وإن قلتم غوى مضلل
…
سفيه على دين الرسول محمد
أريد بذاك الله والحق ديننا
…
على رغم من يبغي علينا ويعتدي
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام فيما أصيب من عين عثمان بن مظعون رضى الله عنهما:
أمن تذكر دهر غير مأمون
…
أصبحت مكتئبا تبكى كمحزون
أمن تذكر أقوام ذوى سفه
…
يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين
لا ينتهون عن الفحشاء ما سلموا
…
والغدر فيهم سبيل غير مأمون
ألا ترون - أقل الله خيرهم -
…
أنا غضبنا لعثمان بن مظعون
إذ يلطمون ولا يخشون مقلته
…
طعنا دراكا وضربا غير مأفون
فسوف يجزيهم إن لم يمت عجلا
…
كيلا بكيل جزاء غير مغبون.
• حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو ثنا أبو حصين القاضي ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أم العلاء.
قالت: توفي عثمان بن مظعون في دارنا، فلما نمت رأيت عينا تجري لعثمان بن مظعون، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:«ذاك عمله» .
• حدثنا فاروق الخطابي ثنا زياد بن الخليل ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا محمد بن فليح ثنا موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري. قال: كانت الحبشة متجرا لقريش يجدون فيها رفقا من الرزق وأمانا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أصحابه. فانطلق إليها عامتهم حين قهروا وتخوفوا الفتنة، فخرجوا
وأميرهم عثمان بن مظعون. فمكث هو وأصحابه بأرض الحبشة حتى أنزلت سورة والنجم، وكان عثمان بن مظعون وأصحابه ممن رجع فلا يستطيعوا أن يدخلوا مكة حين بلغهم شدة المشركين على المسلمين إلا بجوار، فأجار الوليد بن المغيرة عثمان بن مظعون.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس. قال:
لما توفي عثمان بن مظعون قالت امرأته يا رسول الله فارسك وصاحبك، وكان يعد من خيارهم. فلما توفيت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله:«الحقى بسلفنا الخير عثمان بن مظعون» .
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا سفيان بن وكيع ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه عن زياد عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون حين مات، فانكب عليه فرفع رأسه، ثم حتى الثانية ثم رفع رأسه، ثم حتى الثالثة ثم رفع رأسه وله شهيق، فعرفوا أنه يبكي فبكى القوم، فقال:«أستغفر الله أستغفر الله، اذهب عنها أبا السائب فقد خرجت منها ولم تلبس منها بشيء» .
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر - يعني ابن سليمان - ثنا أيوب عن عبد ربه بن سعيد المدني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان ابن مظعون وهو في الموت، فأكب عليه يقبله فقال:«رحمك الله يا عثمان ما أصبت من الدنيا ولا أصابت منك» .
• حدثنا أبي ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسين ثنا أبو الربيع الرشديني ثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب: أن عثمان بن مظعون دخل يوما المسجد وعليه نمرة قد تخللت فرقعها بقطعة من فروة، فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ورق أصحابه لرقته فقال:«كيف أنتم يوم يغدو أحدكم فى حلة ويروح في أخرى وتوضع بين يديه قصعة وترفع أخرى، وسترتم البيوت كما تستر الكعبة» قالوا وددنا أن ذلك قد كان يا رسول الله فأصبنا الرخاء والعيش. قال: «فإن ذلك لكائن، وأنتم اليوم خير من أولئك» .
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب
ثنا أبو داود ثنا قيس - يعني ابن الربيع - عن عاصم بن عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها. قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت.
• حدثنا محمد بن أحمد بن عمر ثنا أبي ثنا عبد الله ابن محمد بن عبيد ثنا هارون الفروي ثنا أبو علقمة عن زيد بن أسلم. قال:
هلك عثمان بن مظعون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجهازه، فلما وضع في قبره. قالت امرأته: هنيئا لك أبا السائب الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما علمك بذلك؟» قالت: كان يا رسول الله يصوم النهار، ويصلي الليل. قال:«بحسبك لو قلت كان يحب الله ورسوله» .
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا عمر بن محمد بن الحسن حدثني أبي ثنا شريك عن أبي إسحاق السبيعي. قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم سيئة الهيئة فى أخلاق لها، فقلن لها مالك؟ فقالت:
أما الليل فقائم وأما النهار فصائم. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقولها فلقي عثمان بن مظعون فلامه. فقال: «أما لك بى أسوة» قال: بلى جعلني الله فداك، فجاءت بعد حسنة الهيئة طيبة الريح، وقالت حين قبض:
يا عين جودى بدمع غير ممنون
…
على رزية عثمان بن مظعون
على امرئ بات في رضوان خالقه
…
طوبى له من فقيد الشخص مدفون
طاب البقيع له سكنى وغرقده
…
وأشرقت أرضه من بعد تفتين
وأورث القلب حزنا لا انقطاع له
…
حتى الممات فما ترقى له شوني.
مصعب بن عمير الداري
ومنهم مصعب بن عمير الداري، المحب القاري، المستشهد بأحد. كان أول الدعاة، وسيد التقاة، سبق الركب، وقضى النحب، ورغب عن التتريف والتسويف، وغلب عليه الحنين والتخويف.
وقد قيل: إن التصوف طلب التأنيس، في رياض التقديس.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عمرو بن خالد ثنا أبي ثنا ابن لهيعة عن
أبي الأسود عن عروة بن الزبير: أن الأنصار لما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، وأيقنوا واطمأنت أنفسهم إلى دعوته فصدقوه وآمنوا به، كانوا من أسباب الخير وواعدوه الموسم من العام القابل، فرجعوا إلى قومهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا رجلا من قبلك فيدعو الناس إلى كتاب الله فإنه أدنى أن يتبع. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار، فنزل بني غنم على أسعد بن زرارة يحدثهم ويقص عليهم القرآن، فلم يزل مصعب عند سعد بن معاذ يدعو ويهدي الله على يديه حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة، وأسلم أشرافهم، وأسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم، ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدعى المقرئ.
• حدثنا فاروق الخطابي ثنا زياد بن الخليل ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا محمد بن فليح ثنا موسى بن عقبة عن ابن شهاب. قال: لما بايع أهل العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا إلى قومهم فدعوهم سرا وأخبروهم برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله به، وتلوا عليهم القرآن، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء ورافع بن مالك أن ابعث إلينا رجلا من قبلك فليدع الناس بكتاب الله فإنه قمن - أي حقيق - أن يتبع. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار، فلم يزل عندهم يدعو آمنا، ويهديهم الله على يديه حتى قل دار من دور الأنصار إلا قد أسلم أشرافهم، وأسلم عمرو بن الجموح، وكسرت أصنامهم، وكان المسلمون أعز أهل المدينة. ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدعى المقرئ قال ابن شهاب: وكان أول من جمع الجمعة بالمدينة بالمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله وأحمد بن الحسن. قالا: ثنا محمد بن إسحاق السراج ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة عن قطن بن وهب عن عبيد بن عمير. قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم أحد مر على مصعب بن عمير مقتولا على طريقه، فقرأ:{(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)} الآية.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عمر بن حفص السدوسي ثنا أبو بلال الأشعري ثنا يحيى بن العلاء عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة عن قطن بن وهب عن عبيد بن عمير. قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير حين رجع من أحد، فوقف عليه وعلى أصحابه. فقال، «أشهد أنكم أحياء عند الله، فزوروهم وسلموا عليهم، فو الذى نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة» .
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا إبراهيم الحورانى ثنا عبد العزيز ابن عمير ثنا زيد بن أبي الزرقاء ثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن عمر بن الخطاب. قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه إهاب كبش قد تنطق به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نور الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون» .
عبد الله بن جحش
ومنهم المقسم على ربه، المشمر
(1)
لحبه، أول من عقدت له الراية في الإسلام، عبد الله بن جحش. أمه عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب كان من مهاجرة الحبشة وممن شهد بدرا، صاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخته زينب بنت جحش.
وقد قيل: إن التصوف التماس الذريعة، إلى الدرجة الرفيعة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا أبي ثنا محمد بن فضيل عن عاصم عن الشعبى قال: أول لواء عقد في الإسلام لواء عبد الله بن جحش، وأول مغنم قسم في الإسلام مغنم عبد الله بن جحش.
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا طاهر بن عيسى المصري ثنا أصبغ بن الفرج ثنا ابن وهب حدثني
(1)
الذى فى ح: المستهتر بحبه.
أبو صخر عن يزيد عبد الله بن قسيط عن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص حدثني أبي: أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد: ألا تدعو الله، فخلوا في ناحية فدعا عبد الله بن جحش فقال: يا رب إذ لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه شديدا حرده، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدا قلت يا عبد الله من جدع أنفك وأذنك؟ فأقول فيك وفي رسولك، فتقول صدقت. قال سعد: فلقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقتان في خيط.
• حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا الحسن بن الصباح ثنا سفيان عن ابن جدعان عن سعيد بن المسيب.
قال قال عبد الله بن جحش: اللهم أقسم عليك أن ألقى العدو غدا فيقتلوني ثم يبقروا بطني ويجدعوا أنفى، أو أذنى، أو جميعا، ثم تسألني فيم ذلك؟ فأقول فيك. قال سعيد بن المسيب: فإني لأرجو أن يبر الله آخر قسمه كما أبر أوله.
عامر بن فهيرة
ومنهم المشروع رشده، المنزوع حسده، والمرفوع جسده، عامر بن فهيرة سبق إلى الدعوة، وخدم الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه في الهجرة.
وقد قيل: إن التصوف استطابة الهلك، فيما يخطب من الملك.
• حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا يونس بن بكير ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:
لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر من مكة إلى المدينة إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة، ورجل من بني الديل دليلهم.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن عمرو بن الخلال ثنا يعقوب بن حميد ثنا يوسف بن الماجشون عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر. قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه فمكثا فى الغار ثلاث ليال، وكان يروح عليهما عامر ابن فهيرة مولى أبي بكر يرعى غنما لأبي بكر ويدلج من عندهما فيصبح مع الرعاة في مراعيها، ويروح معهم ويتباطأ في المشي، حتى إذا أظلم انصرف بغنمه
إليهما فيظن الرعاة أنه معهم.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا أحمد بن الحسن ثنا خلف بن سالم ثنا أبو أسامة ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. قالت:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعامر بن فهيرة، حتى قدموا المدينة. فقتل عامر يوم بئر معونة، وأسر عمرو بن أمية، فقال له عامر بن الطفيل: من هذا - وأشار إلى قتيل - فقال له عمرو بن أمية: هذا عامر بن فهيرة. فقال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال أخبرني أبي بن كعب بن مالك. قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني سليم نفرا فيهم عامر بن فهيرة، فاستجاش عليهم عامر بن الطفيل فأدركوهم ببئر معونة فقتلوهم. قال الزهري:
فبلغني أنهم التمسوا جسد عامر بن فهيرة فلم يقدروا عليه. قال: فيرون أن الملائكة دفنته.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن يحيى ثنا أحمد بن محمد ابن أيوب ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق حدثني هشام بن عروة عن أبيه: أن عامر بن الطفيل كان يقول عن رجل منهم: لما قتل رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه. قالوا: هو عامر بن فهيرة.
عاصم بن ثابت
ومنهم الطاهر الزكي، العاهد الوفي، عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري. وفى لله تعالى في حياته، فحماه الله تعالى من المشركين بعد وفاته.
وقد قيل: إن التصوف المفر من البينونة، إلى مقر الكينونة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا أبو شعيب الحراني ثنا أبو جعفر النفيلي ثنا محمد بن سلمة الحراني ثنا محمد بن إسحاق حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة.
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا ستة من أصحابه وأمر عليهم مرثد ابن أبي مرثد، فيهم عاصم بن ثابت، وخالد بن البكير. فلما كانوا بالرجيع استصرخ عليهم هذيل. فأما مرثد وعاصم فقالوا والله لا تقبل لمشرك عهدا
ولا عضدا أبدا، فقاتلوهم حتى قتلوهم. وكانت هذيل حين قتل عاصم بن ثابت أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، وكانت نذرت حين أصيب ابناها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم أن تشرب في قحف رأس عاصم الخمر، فمنعه الدبر. فلما حالوا بينهم وبينه قالوا دعوه حتى يمسي فيذهب عنه، ثم نأخذه فبعث الله الوادي فاحتمل عاصما فانطلق به. وكان عاصم قد أعطى الله عهدا لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك، تنجسا منهم. فكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أن الدبر منعه: حفظ الله العبد المؤمن.
كان عاصم قد وفى لله في حياته، فمنعه الله منهم بعد وفاته، كما امتنع منهم في حياته.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا إبراهيم بن عبد الله بن معدان ثنا أحمد بن سعيد ثنا ابن وهب حدثني عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن عبد الله الزهري أخبره عن بريدة بن سفيان الأسلمي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عاصم بن ثابت وزيد بن الدثنة وحبيبا بن عدى ومرثدا ابن أبي مرثد، إلى بني لحيان بالرجيع، فقاتلوهم حتى أخذوا لأنفسهم أمانا إلا عاصم فإنه أبى، وقال لا أقبل اليوم عهدا من مشرك ودعا عند ذلك فقال:
اللهم إني أحمي لك اليوم دينك فاحم لحمي. فجعل يقاتل وهو يقول:
ما علتى وأنا جلد نابل
…
والقوس فيها وتر عنابل
إن لم أقاتلكم فأمي هابل
…
الموت حق والحياة باطل
وكل ما حم الإله نازل
…
بالمرء والمرء اليه آيل
فلما قتلوه كان فى قليب لهم، فقال بعضهم لبعض: هذا الذي آلت فيه الكية - وهي سلافة - وكان عاصم قتل لها يوم أحد ثلاثة نفر من بني عبد الدار كلهم صاحب لواء قريش، فجعل يرمي وكان راميا، ويقول: خذها وأنا ابن الأقلح، فخلفت لئن قدرت على رأسه لتشربن في قحفه الخمر، فأرادوا أن يحتزوا رأسه ليذهبوا به إليها فبعث الله عز وجل رجلا من دبر فلم يستطيعوا أن يحتزوا رأسه.
خبيب بن عدي
قال أبو نعيم: ومنهم خبيب بن عدي المصلوب، الثابت الصابر في ذات الله المحبوب.
وقد قيل: إن التصوف إقامة الدنف المعذب، على حفاظ الكلف المهذب.
• حدثنا حبيب بن الحسن حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن محمد حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب الزهري عن عمر بن أسيد بن حارثة الثقفي - حليف بني زهرة - أن أبا هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا وأمر عليهم عاصما بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب. فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان ففروا إليهم بقريب من مائة رجل رام فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه. قالوا: نوى يثرب فاتبعوا آثارهم فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد فأحاط بهم القوم، وقالوا لهم: انزلوا واعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق لا نقتل منكم أحدا.
فقال عاصم بن ثابت أمير القوم: أما أنا والله لا أنزل فى ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وزيد بن الدثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خبيبا وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا قتله فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فأعارته إياها فدرج بني لها حتى أتاه قالت: وأنا غافلة فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده. قالت:
ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال: أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك. قالت:
والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمرة. وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب:
دعوني أركع ركعتين فتركوه ثم قال: ولله لولا أن تحسبوا أن ما بى جزع لزدت. اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا. ثم قال:
فلست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أي جنب كان فى الله مصرعى
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب أول من سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا أبو شعيب الحراني ثنا أبو جعفر النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مارية مولاة حجير بن أبي أهاب - وكانت قد أسلمت - قالت:
كان خبيب قد حبس في بيتي ولقد اطلعت إليه يوما وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه، وما أعلم أن في الأرض حبة عنب تؤكل.
قال ابن إسحاق: وقال عاصم بن عمر بن قتادة: فخرجوا بخبيب إلى التنعيم ليقتلوه. فقال لهم: إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا. قالوا دونك فاركع، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ثم أقبل على القوم. فقال: والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة، ثم رفعوه على خشبة فلما أوثقوه قال: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما يفعل بنا.
قال ابن إسحاق: ومما قيل فيه من الشعر قول خبيب بن عدي
(1)
حين بلغه أن القوم قد أجمعوا لصلبه فقال:
لقد جمع الأحزاب حولى وألبو
…
قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم
…
وقربت من جزع طويل ممنع
إلى الله أشكو كربتي بعد غربتي
…
وما جمع الأحزاب لى حول مصرعى
(1)
كذا فى النسختين على أن هو خبيب نفسه.
فذا العرش صبرني على ما يراد بي
…
فقد بضعوا لحمى رقد ياس مطمعى
وقد خيروني الكفر والموت دونه
…
وقد ذرفت عيناى من غير مجزع
وما بي حذار الموت أني ميت
…
ولكن حذارى جحم نار ملفع
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزع
فلست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أي جنب كان في الله مصرعي.
جعفر بن أبى طالب
قالوا أبو نعيم: ومنهم الخطيب المقدام، السخي المطعام، خطيب العارفين ومضيف المساكين، ومهاجر الهجرتين، ومصلي القبلتين، البطل الشجاع الجواد الشعشاع، جعفر بن أبي طالب عليه السلام. فارق الخلق، ورامق الحق.
وقد قيل: إن التصوف الانفراد بالحق، عن ملابسة الخلق.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن زكريا الغلابي ثنا عبد الله بن رجاء ثنا إسرائيل عن أبي اسحاق عن بردة عن أبيه. قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي، فبلغ ذلك قريشا فبعثوا عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد. فجمعوا للنجاشي هدية، فقدمنا وقدما على النجاشي فأتياه بالهدية فقبلها، وسجدا له. ثم قال له عمرو ابن العاص: إن أناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك. قال لهم النجاشي في أرضي؟ قالوا نعم؟ فبعث إلينا. فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم، فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس فى مجلس وعمرو بن العاص عن يمينه، وعمارة عن يساره، والقسيسون والرهبان جلوس سماطين سماطين.
وقد قال لهم عمرو وعمارة: إنهم لا يسجدون لك، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان اسجدوا للملك. فقال جعفر: لا نسجد إلا لله عز وجل. قال له النجاشى: وما ذاك؟ قال إن الله تعالى بعث فينا رسولا وهو الرسول الذي بشر به عيسى عليه السلام. قال: من بعدي اسمه أحمد، فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا، ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة. وأمرنا بالمعروف
ونهانا عن المنكر. فأعجب النجاشي قوله. فلما رأى ذلك عمرو بن العاص.
قال: أصلح الله الملك إنهم يخالفونك في ابن مريم. فقال النجاشي لجعفر: ما يقول صاحبكم في ابن مريم؟ قال يقول فيه قول الله عز وجل: هو روح الله وكلمته أخرجه من البتول العذراء التي لم يقربها بشر، ولم يفترضها ولد. فتناول النجاشي عودا من الأرض فرفعه. فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذه. مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده. وأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى عليه السلام، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبل نعله. امكثوا في أرضي ما شئتم.
وأمر لنا بطعام وكسوة. وقال: ردوا على هذين هديتهما. رواه إسماعيل بن جعفر ويحيى بن أبي زائدة في آخرين عن إسرائيل.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن يحيى ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن ابن شهاب الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة. قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، آمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه. فلما بعثت قريش عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بهداياهم إلى النجاشى وإلى بطارقته، أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم؛ فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن، فلما جاءوه وقد دعا النجاشى أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله. [ثم] سألهم فقال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم؟ ولم تدخلوا به في ديني، ولا في دين أحد من هذه الأمم. قال: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. وكنا على ذلك حتى بعث الله تعالى إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده. ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة
والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة. وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قال: - فعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله عز وجل فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا. فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عز وجل، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك فاخترناك على من من سواك ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ فقال له جعفر: نعم! فقال له: اقرأ على، فقرأ عليه صدرا من {كهيعص} ، فبكى النجاشي والله حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم. ثم قال النجاشي: إن هذا هو والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا. فو الله لا أسلمهم إليكما ولا أكاد، ثم قال اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون - من مسكم غرم من مسكم غرم، من مسكم غرم
(1)
ما أحب أن لي دبر ذهب وأني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسان الحبشة الجبل - ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها فو الله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه
(2)
فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به. وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.
• حدثنا محمد بن على ثنا الحسين ابن مودود الحراني ثنا محمد بن يسار ثنا معاذ بن معاذ ثنا ابن عون عن عمير بن إسحاق حدثني عمرو بن العاص، قال: انطلقنا فلما أتينا الباب - يعني باب النجاشي - ناديت ائذن لعمرو بن العاص، فنادى جعفر من خلفي ائذن لحزب الله فسمع صوته فأذن له قبلي، ودخلت فإذا النجاشي قاعد على سرير
(1)
فى ز: من سبكم غرم ثلاث مرات.
(2)
وفيها: فاجعتهم فيه
وجعفر قاعد بين يديه وحوله أصحابه على الوسائد، فلما رأيت مقعده حسدته فقعدت بينه وبين السرير فجعلته خلف ظهري وأقعدت بين كل رجلين من أصحابه رجلا من أصحابي.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا عمي أبو بكر بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد ثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز ثنا الزهري ثنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. قال:
دعا النجاشي جعفر بن أبي طالب وجمع له النصارى. ثم قال لجعفر: اقرأ عليهم ما معك من القرآن فقرأ عليهم {كهيعص} ففاضت أعينهم. فنزلت {(ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق)} .
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا إبراهيم بن حمزة الزهري ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة. قال: كنت لا آكل الخمير، ولا ألبس الحرير، وألصق بطني من الجوع، وأستقري الرجل الآية من كتاب الله هي معي كي ينقلب بي فيطعمني. وكان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، إن كان ليخرج إلينا العكة فنشقها فنلعق ما فيها.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الخضرمى ثنا عبد الله بن سعيد الكندي ثنا إسماعيل بن إبراهيم التيمي ثنا إبراهيم أبو إسحاق المخزومي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة. قال: كان جعفر يحب المساكين، ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه أبا المساكين.
• حدثنا محمد بن المظفر ثنا عبد الله بن صالح البخاري ثنا يعقوب بن حميد ثنا المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن نافع عن ابن عمر.
قال: كنت مع جعفر في غزوة مؤتة فالتمسنا جعفرا
(1)
فوجدنا فى جسده بضعا وسبعين ما بين طعنة ورمية.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا علي بن إسحاق ثنا أبو شيبة الكوفي ثنا إسماعيل بن أبان ثنا أبو أويس عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. قال: فقدنا جعفر يوم مؤتة فطلبناه في القتلى فوجدنا به بين
(1)
فى ز: فالتمسنا جعفر بن أبى طالب.
طعنة ورمية بضعا وتسعين ووجدنا ذلك فيما أقبل من جسده.
• حدثنا حبيب ابن الحسن ثنا محمد بن يحيى ثنا أحمد بن محمد ثنا إبراهيم بن سعد ثنا محمد بن إسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد حدثني أبي - الذي أرضعني -: وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل. وقال:
غير إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق. قال: فأنشأ جعفر يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها
…
طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها
…
علي إن لاقيتها ضرابها.
عبد الله بن رواحة الأنصاري
ومنهم المتفكر عند نزول الآيات، والمتصبر عند تناول الرايات، عبد الله بن رواحة الأنصاري. استشهد بالبلقاء، زاهدا في البقاء، راغبا في اللقاء.
وقد قيل: إن التصوف الوط ء على جمر الغضا، إلى منازل الأنس والرضا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا الحسن ابن سهل ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر ابن الزبير عن عروة بن الزبير قال: لما أراد ابن رواحة الخروج إلى أرض مؤتة من الشام، أتاه المسلمون يودعونه فبكى. فقالوا له: ما يبكيك؟ قال:
أما والله ما بى حب الدنيا ولا صبابة لكم، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية {(وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا)}
فقد علمت أني وارد النار ولا أدري كيف الصدر بعد الورود.
• حدثنا فاروق ابن عبد الكبير ثنا زياد بن الخليل ثنا إبراهيم ثنا محمد بن فليح ثنا موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري. قال: زعموا أن ابن رواحة بكى حين أراد الخروج إلى مؤتة فبكى أهله حين رأوه يبكى. فقال: والله ما بكيت جزعا من الموت ولا صبابة لكم، ولكني بكيت من قول الله عز وجل:{(وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا)} فأيقنت أني واردها ولم أدر أأنجو منها
أم لا.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن يحيى ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير. قال: لما تجهز الناس وتهيئوا للخروج إلى مؤتة قال للمسلمين صحبكم الله، ودفع عنكم. قال عبد الله بن رواحة:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة
…
وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدى حران مجهزة
…
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي
…
أرشدك الله من غاز وقد رشدا
قال ثم مضوا حتى نزلوا أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وانضمت إليه المستعربة ن لخم، وجذام، وبلقين، وبهرا، وبلي، في مائة ألف فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم. وقالوا نكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا. قال: فشجع عبد الله بن رواحة الناس. ثم قال: والله يا قوم إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة، وما نقاتل العدو بعدة، ولا قوة، ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. فانطلقوا فإنما هى إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة. قال فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة فمضى الناس.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا أبو شعيب الحراني ثنا أبو جعفر النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدثه عن زيد بن أرقم. قال: كنت يتيما لعبد الله بن رواحة في حجره، فخرج فى سفرته تلك مردفى على حقيبة راحلته، فو الله إنا لنسير ليلة إذ سمعته يتمثل بأبياته هذه:
إذا أدنيتنى وحملت رحلى
…
مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك فانعمي وخلاك ذم
…
ولا أرجع إلى أهلى ورائى
وآب المسلمون وغادروني
…
بأرض الشام مشتهي الثواء
وردك كل ذي نسب قريب
…
إلى الرحمن منقطع الإخاء
هنا لك لا أبالى طلع بعل
…
ولا نخل أسافلها رواء
فلما سمعتهن بكيت. قال: فخفقنى بالدرة وقال: ما عليك بالكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل. قال محمد بن إسحاق: وحدثني ابن عباد بن عبد الله بن الزبير حدثني أبي الذي أرضعني - وكان في تلك الغزاة -.
قال لما قتل زيد وجعفر أخذ ابن رواحة الراية ثم تقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويردد بعض التردد ثم قال:
أقسمت يا نفس لتنزلنه
…
لتنزلنه أو لتكرهنه
إذ جلب الناس وشدوا الرنه
…
ما لى أراك تكرهين الجنه
لطالما قد كنت مطمئنه
…
هل أنت إلا نطفة في شنه
وقال عبد الله بن رواحة أيضا:
يا نفس إلا تقتلي تموتي
…
هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت
…
إن تفعلي فعلهما هديت
- يعني صاحبيه زيدا وجعفرا - ثم نزل فلما نزل أتاه ابن عمي بعظم من لحم فقال: شد بهذا صلبك فإنك قد لاقيت من أيامك هذه ما قد لقيت. فأخذه من يده! ثم انتهش منه نهشة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس. فقال: وأنت في الدنيا ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى قتل رضي الله تعالى عنه. قال: ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما بلغني أخذ زيد الراية فقاتل حتى قتل شهيدا، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدا، ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار وظنوا أنه قد كان في عبد الله بعض ما يكرهون. ثم قال: ثم أخذها عبد الله ابن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا. ثم قال: لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت فى سرير عبد الله ازورارا عن سرير صاحبيه فقلت: عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بن رواحة بعض التردد.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن جدعان عن سعيد بن المسيب، قال قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«مثلوا لي في الجنة في خيمة من درة كل واحد منهم على سرير فرأيت زيدا وابن
رواحة فى أعناقهما صدودا، وأما جعفر فهو مستقيم ليس فيه صدود. قال:
فسألت أو قال قيل لي: إنهما حين غشيهما الموت كأنهما أعرضا أو كأنهما صدا بوجوههما. وأما جعفر فإنه لم يفعل». قال ابن عيينة فذلك حين يقول ابن رواحة:
أقسمت يا نفس لتنزلنه
…
بطاعة منك [أو] لتكرهنه
فطالما قد كنت مطمئنه
…
جعفر ما أطيب ريح الجنه.
أنس بن النضر
ومنهم أنس بن النضر، المؤيد بالثبات والنصر، المستشهد بأحد بعد تغيبه عن بدر، تنسم بالروائح، فجاد بالجوارح، وفاز بالمنائح.
وقد قيل: إن التصوف استنشاق النسيم، والاشتياق إلى التسنيم.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا عبد الله بن بكر السهمي ثنا حميد عن أنس بن مالك. قال: غاب أنس بن النضر - عم أنس بن مالك - عن قتال بدر، فلما قدم قال غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن أشهدني الله عز وجل قتالا ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف الناس. قال: اللهم إنى أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني المشركين، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين - ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ. فقال: أي سعد والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، واها لريح الجنة. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع.
قال أنس: فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، قد مثلوا به. قال: فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه
(1)
. قال أنس: فكنا نقول لما أنزلت هذه الآية {(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)} إنها فيه وفي أصحابه.
عبد الله ذو البجادين
ومنهم الأواه التالي، المتجرد من العروض الخالى، عبد الله ذو البجادين
(1)
فى ز: بثيابه.
المواخى للعمرين، وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته، وسفح عليه من عبرته.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ومحمد بن النضر الأزدي ثنا ابن الأصبهاني ثنا يحيى بن يمان عن المنهال بن خليفة عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس. قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره ليلا وأسرج فيه سراجا، وأخذه من قبل القبلة، وكبر عليه أربعا. وقال:«رحمك الله إن كنت لأوابا تلاء للقرآن» .
• حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر ثنا محمد بن حفص ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا سعد بن الصلت ثنا الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: والله لكأني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبر عبد الله ذي البجادين وأبو بكر وعمر رضى تعالى عنهم يقول: أدليا مني أخاكما، وأخذه من قبل القبلة حتى أسنده فى لحده. ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وولاهما العمل، فلما فرغ من دفنه استقبل القبلة رافعا يديه يقول:«اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه» . وكان ذلك ليلا فو الله لقد رأيتني ولوددت أني مكانه ولقد أسلمت قبله بخمسة عشر سنة.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن يحيى ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن عبد الله بن مسعود كان يحدث. قال: قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال: فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر، قال: فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات، فإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه وهو يقول: أدليا لي أخاكما، فدلوه إليه فلما هيأه لشقه. قال:«اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه» . قال يقول عبد الله ابن مسعود: ليتنى كنت صاحب الحفرة.
قال أبو نعيم: قد طوينا ذكر كثير من هذه الطبقة من النساك والعارفين
والعباد الذين انقرضوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكلمهم الدنيا منهم: من هو مسمى مذكور كزيد بن الدثنة المقتول بالرجيع مع أصحابه، وكالمنذر بن عمرو بن عمرو، وحرام بن ملحان المقتولين ببئر معونة ذكرنا بعض أحوالهم في كتاب المعرفة. وهم لا يحصون كثرة عبروا الدنيا راضين عن الله، مرضيا عنهم، لم يتدنسوا بما فتح عليهم من زهرة الدنيا افتتانا، ولحقوا بمولاهم الذي أولاهم السلامة امتنانا، والناجي من نحا نحوهم واستن بسنتهم استنانا.
• فقد حدثنا محمد بن أحمد بن علي بن مخلد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا روح بن عبادة ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك: أن رعلا وذكوان وعصية أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فاستمدوه على قومهم، فأمدهم بسبعين رجلا من الأنصار كانوا يدعون القراء يحتطبون بالنهار، ويصلون بالليل. فلما بلغوا بئر معونة غدروا بهم فقتلوهم. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقنت شهرا في صلاة الصبح يدعو الله على رعل وذكوان وعصية. فقرأنا بهم قرآنا ثم إن ذلك رفع ونسي (بلغوا عنا قومنا إنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) ورواه ثابت البناني عن أنس بن مالك.
• حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب ثنا علي بن الصقر ثنا عفان بن مسلم ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني. قال: ذكر أنس بن مالك سبعين رجلا من الأنصار كانوا إذا جنهم الليل آووا إلى معلم لهم بالمدينة يبيتون يدرسون القرآن، فإذا أصبحوا فمن كانت عنده قوة أصاب من الحطب واستعذب من الماء، ومن كانت عنده سعة أصابوا الشاة فأصلحوها فكانت تصبح معلقة بحجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أصيب خبيب بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيهم خالي حرام بن ملحان فأتوا على حي من بني سليم فقال حرام لأميرهم ألا أخبر هؤلاء أنا لسنا إياهم نريد فيخلوا وجوهنا قالوا نعم! فأتاهم فقال لهم ذلك فاستقبله رجل برمح فأنفذه به فلما وجد حرام مس الرمح في جوفه قال الله أكبر فزت ورب الكعبة فانطووا عليهم فما بقي منهم مخبر. فما
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على سرية وجده عليهم لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم.
عبد الله بن مسعود
ومن طبقة السابقين المهاجرين، المعروفين بالنسك من المعمرين القارئ الملقن، والغلام المعلم، والفقيه المفهم، صاحب السواد والسرار، والسباق والبدار، أقربهم وسيلة، وأرجحهم فضيلة، كان من الرفقاء والنجباء والوزراء والرقباء. عبد الله بن مسعود، الكلف بالمعبود، والشاهد للمشهود، والحافظ للعهود، والسائل الذي ليس بمردود.
وقد قيل: إن التصوف مشاهدة المشهود، ومراعاة العهود، ومحاماة الصدود.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا أبو نعيم ثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة. قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال إني جئتك من عند رجل يمل المصحف عن ظهر قلب ففزع عمر وغضب. وقال: ويحك انظر ما تقول؟ قال ما جئتك إلا بالحق. قال: من هو؟ قال عبد الله بن مسعود قال: ما أعلم أحدا أحق بذلك منه. وسأحدثك عن عبد الله أنا سمرنا ليلة في بيت عند أبي بكر في بعض ما يكون من حاجة النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرجنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بيني وبين أبي بكر فلما انتهينا إلى المسجد إذا رجل يقرأ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يستمع إليه.
فقلت: يا رسول الله اعتمت، فغمزني بيده اسكت، قال فقرأ وركع وسجد وجلس يدعو ويستغفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«سل تعطه» ثم قال من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد، فعلمت أنا وصاحبى أنه عبد الله، فلما أصبحت غدوت إليه لأبشره، فقال: سبقك بها أبو بكر، وما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه، رواه الثوري وزائدة عن الأعمش نحوه، ورواه حبيب بن حسان عن زيد بن وهب عن
عمر مثله. ورواه شعبة وزهير وخديج عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله. ورواه عاصم عن ذر عن عبد الله.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن أبى خمير
(1)
ابن مالك قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول: أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لصبي من الصبيان، وأنا أدع ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الثوري وإسرائيل عن أبي إسحاق مثله.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عبدان بن أحمد ثنا الحسن بن مدرك ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن أبي سعد الأزدي أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: لقد تلقيت
(2)
من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة أحكمتها قبل أن يسلم زيد ابن ثابت وله ذؤابة يلعب مع الغلمان.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن ذر عن عبد الله. قال:
كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط بمكة فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال: يا غلام عندك لبن تسقينا فقلت إني مؤتمن ولست بساقيكما. فقال: هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد؟ فأتيتهما بها فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرع فدعا فحفل الضرع فحلب وشرب هو وأبو بكر. ثم قال للضرع: أقلص! فقلص فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: علمني من هذا القول الطيب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك غلام معلم فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد. رواه أبو أيوب الأفريقي وأبو عوانة عن عاصم نحوه.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أحمد بن علي بن المثنى ثنا سعيد بن الأشعث ثنا الهيضم بن شراخ
(3)
قال سمعت الأعمش يحدث عن يحيى بن وثاب عن علقمة عن عبد الله. قال: عجبا للناس وتركهم قراءتي وأخذهم قراءة زيد، وقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وزيد بن ثابت صاحب
(1)
فى النسختين: عن خمير وصحته عن القاموس
(2)
فى ح: تلفنت
(3)
كذا فى الأصلين
ذؤابة غلام يجيء ويذهب بالمدينة.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة ثنا الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله بن مسعود حدثهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «آذنك على أن ترفع الحجاب وأن تسمع سراري
(1)
حتى أنهاك» رواه الثوري وحفص وابن إدريس وعبد الواحد بن زياد عن الحسن نحوه.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود شعبة عن المغيرة عن إبراهيم سمع علقمة قال: قدمت الشام فجلست إلى أبي الدرداء.
فقال لي: ممن أنت؟ فقلت من أهل الكوفة فقال: أليس فيكم صاحب الوساد والسواك. رواه أبو عوانة واسرائيل عن مغيرة.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا المسعودي عن عباس العامرى عن عبد الله ابن شداد بن الهاد: أن عبد الله كان صاحب الوساد والسواد والسواك والنعلين.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن أبي عبيدة عن أبيه عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه.
قال قال عبد الله بن مسعود: لقد رأيتني سادس ستة ما على ظهر الأرض من مسلم غيرنا
(2)
.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا عبد العزيز بن أبان ثنا قطر بن خليفة ثنا أبو وائل قال: سمعت حذيفة يقول وابن مسعود قائم لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أقربهم وسيلة يوم القيامة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة عن أبي إسحاق، وحدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة. قال: لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد أقربهم وسيلة إلى الله يوم القيامة. رواه عن أبي وائل واصل الأحدب وجامع بن أبي راشد وأبو عبيدة وأبو سناد الشيباني وحكيم بن جبير. ورواه عبد الرحمن بن يزيد عن حذيفة.
• حدثنا
(1)
فى الأصلين: سوادى
(2)
فى ز: ما على وجه الأرض مسلم غيرنا.
عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول: قلنا لحذيفة أخبرنا برجل قريب الهدى والسمت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نلزمه. فقال:
ما أعلم أحدا قريب هديا وسمتا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حى يوازيه جدا ربيته
(1)
من ابن أم عبد، ولقد علم المحفوظون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله وسيلة. رواه إسرائيل وشريك عن أبي إسحاق نحوه.
• حدثنا فاروق الخطابي ثنا أبو مسلم الكشي ثنا حجاج ابن منهال. وثنا يوسف بن يعقوب النجيرمي ثنا الحسن بن المثنى قال أخبرنا عفان. قالا: ثنا حماد ثنا عاصم عن ذر عن عبد الله. قال: كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكا من الأراك فكانت الريح تكفوه وكان فى ساقه دقة فضحك القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يضحككم» ؟ قالوا: من دقة ساقيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد» رواه جرير وعلي بن عاصم عن مغيرة عن أم موسى عن علي بن أبي طالب عليه السلام.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس ابن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت أبا عبيدة يحدث عن أبيه (2) قال: بينما أنا أصلي ذات ليلة إذ مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سل تعطه» . قال عمر: ثم انطلقت إليه. فقال عبد الله: إن لي دعاء ما أكاد أن أدعه؛ اللهم إني أسألك إيمانا لا يبيد، ونعيما لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع - أو قال لا تبيد - ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد. رواه الأعمش عن أبي إسحاق نحوه. وعاصم عن ذر عن عبد الله.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبد العزيز بن محمد عن شريك بن أبي نمر عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: بينما عبد الله يدعو بدعاء إذ مر به رسول
(1)
كذا فى الأصلين. ولعله ربيئته اى طليعته» كذا فى الأصلين وفيه سقط ولعله [عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود]
الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر فلما جاز به رسول الله سمع دعاءه ورسول الله لا يعرفه. فقال: «من هذا؟ سل تعطه» فرجع أبو بكر إلى عبد الله. فقال: الدعاء الذي كنت تدعو به آنفا أعده علي. فقال: حمدت الله ومجدته ثم قلت: لا إله إلا أنت وعدك حق، ولقاؤك حق، الجنة حق، والنار حق، ورسلك حق، وكتابك حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق. رواه سعيد بن أبي الحسام عن شريك وأدخل سعيد بن المسيب بين عون وعبد الله.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا سعيد بن أبي ربيع السمان ثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ثنا شريك بن أبي نمر عن عون بن عبد الله عن سعيد بن المسيب عن ابن مسعود: أنه بينما هو في المسجد جالس مر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو فذكر مثله.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا إبراهيم بن شريك ثنا إبراهيم بن إسماعيل حدثني أبي عن أبيه يحيى بن سلمة بن كهيل عن سلمة عن أبي الزعراء عن ابن مسعود. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تمسكوا بعهد عبد الله بن مسعود» .
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا قطر بن خليفة عن كثير بياع النوى قال سمعت عبد الله بن مليل يقول سمعت عليا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لم يكن نبي إلا قد أعطى سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني قد أعطيت أربعة عشر: حمزة، وجعفر، وعلي، والحسن والحسين، وأبو بكر، وعمر، وعبد الله بن مسعود، وأبو ذر، والمقداد، وحذيفة، وعمار، وسلمان، وبلال» رواه المسيب بن نجبة عن علي مثله.
وقال: رفقاء، أو قال رقباء.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت أبا الأحوص قال: شهدت أبا موسى وأبا مسعود حين مات ابن مسعود وأحدهما يقول لصاحبه: أتراه ترك بعده مثله؟ فقال: إن قلت ذاك. إن كان ليؤذن له إذا حجبنا، ويشهد إذا غبنا.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن النضر ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن الأعمش عن زيد بن وهب قال:
كنت جالسا مع حذيفة وأبي موسى الأشعري. فقال أحدهما لصاحبه: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حديث كذا وكذا؟ فقال لا! فقال له الآخر فأنت سمعته؟ فقال لا! وإن صاحب هذه الدار يزعم أنه سمعه فقال أبو موسى: لئن فعل إن كان ليدخل إذا حجبنا، ويشهد إذا غبنا. قال الأعمش - يعني عبد الله بن مسعود -.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد ابن إسحاق ثنا يوسف بن موسى ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن زيد بن وهب قال: أقبل عبد الله ذات يوم وعمر جالس. فقال: كنيف ملئ فقها.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا عمر بن حفص ثنا عاصم
(1)
بن علي ثنا المسعودي عن أبي حصين عن أبي عطية أن أبا موسى الأشعري. قال: لا تسألونا عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهرنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يعني ابن مسعود -.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا أبو همام السكوني ثنا يحيى بن زكريا عن مجالد عن عامر. قال قال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الخبر فيكم - يعني ابن مسعود -.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة ثنا جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري. قال قالوا لعلي: حدثنا عن أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عن أنهم؟ قالوا: أخبرنا عن عبد الله بن مسعود. قال: علم القرآن والسنة ثم انتهى، وكفى بذلك علما.
• حدثنا محمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن سعدان ثنا بكر بن بكار ثنا مسعود عن عمرو بن مرة عن أبي البختري. قال:
سئل علي بن أبي طالب عن ابن مسعود فقال: قرأ القرآن ثم وقف عنده، وكفى به.
ومن أقواله الدالة على أحواله تحفظه من الآفات، وتزوده من الساعات.
وقد قيل: إن التصوف تصحيح المعاملة، لتصحيح المنازلة.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ثنا ملك بن مغول ثنا أبو يعفور عن المسيب
(1)
فى ز: عمرو بن حفص، وفى ح: عمر بن حفص عن عامر بن على. والصحيح ما كتبناه
ابن رافع عن عبد الله بن مسعود. قال: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون. وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا، حكيما حليما عليما سكيتا. وينبغى لحامل القرآن أن لا يكون جافيا، ولا غافلا، ولا صخابا ولا صياحا، ولا حديدا.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن علي الصايغ ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو عوانة عن الأعمش عن يحيى بن وثاب. قال قال ابن مسعود: إني لأكره أن أرى الرجل فارغا، لا في عمل الدنيا، ولا في عمل الآخرة.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المسيب بن رافع. قال قال عبد الله بن مسعود: إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا عمل الآخرة.
• حدثنا سليمان بن أحمد بن النضر الأزدي ثنا معاوية بن عمرو وثنا زائدة عن الأعمش عن خيثمة. قال قال عبد الله: لا ألفين أحدكم جيفة ليل، قطرب نهار.
وسمعت أبا بكر بن مالك يقول. قال عبد الله أحمد بن حنبل حكي لي عن ابن عيينة أنه قال: القطرب الذى يجلس هاهنا ساعة، وهاهنا ساعة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحيى ثنا مسعر
(1)
عن زبيد عن مرة عن عبد الله. قال: ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك، ومن يقرع باب الملك يفتح له.
• حدثنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل حدثني أبي ثنا وكيع عن مسعر عن معن. قال قال عبد الله بن مسعود: إن استطعت أن تكون أنت المحدث، وإذا سمعت الله يقول {(يا أيها الذين آمنوا)} فارعها سمعك فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه.
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا الديرى
(2)
حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص. قال قال ابن مسعود: إن هذا القرآن مأدبة الله، فمن استطاع أن يتعلم منه شيئا فليفعل، فإن أصفر البيوت من الخير الذى
(1)
كذا فى ز وفى ح: مسعود
(2)
كذا فى الأصلين بغير نقط.
ليس فيه من كتاب الله شيء، وإن البيت الذي ليس فيه من كتاب الله شيء كخراب البيت الذي لا عامر له، وأن الشيطان يحرج من البيت الذي تسمع فيه سورة البقرة.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ثنا هارون بن عنترة عن عبد الرحمن ابن الأسود عن أبيه. قال قال عبد الله: إنما هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره.
• حدثنا أبو أحمد الغطريفي ثنا أبو خليفة ثنا مسلم ابن إبراهيم ثنا قرة بن خالد عن عون بن عبد الله. قال قال لي عبد الله: ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن فضيل ثنا يزيد - يعني ابن أبي زياد - عن إبراهيم عن علقمة. قال قال عبد الله: تعلموا العلم فإذا علمتم فاعملوا.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الرحمن ثنا معاوية بن صالح عن عدي بن عدي. قال قال ابن مسعود: ويل لمن لا يعلم، ولو شاء الله لعلمه، وويل لمن يعلم، ثم لا يعمل سبع مرات.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا يحيى بن إسحاق حدثني أبو عوانة عن هلال الوزان عن عبد الله بن عكيم قال: سمعت ابن مسعود - في هذا المسجد - يبدأ باليمين قبل الكلام. فقال: ما منكم من أحد إلا أن ربه تعالى سيخلو به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول يا ابن آدم ما غرك بي؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين، ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟.
• حدثنا محمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن سعدان ثنا بكر بن بكار ثنا المسعودي عن القاسم. قال قال ابن مسعود: إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان تعلمه، للخطيئة يعملها.
قال أبو نعيم: وكان لفضول الدنيا من أهل وولد شانيا، وعلى نفسه وأحواله وأوراده زاريا، ولما منحه الله عز وجل من توحيده راجيا.
وقد قيل: إن التصوف حث النفس على النجا، للاعتلاء على الخوف والرجاء.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي ثنا هشيم عن يزيد بن أبي زياد عن أبي جحيفة. قال قال عبد الله: ذهب صفو الدنيا
وبقى كدرها، فالموت اليوم تحفة
(1)
لكل مسلم.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الله بن إدريس عن يزيد بن أبي زياد عن أبي جحيفة. قال قال عبد الله: إنما الدنيا كالثغب
(2)
ذهب صفوه وبقى كدره.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عمر بن حفص السدوسي ثنا عاصم بن علي قال ثنا المسعودي ثنا علي بن بذيمة عن قيس بن حبتر عن عبد الله قال: ألا حبذا المكروهان، الموت، والفقر، وايم الله إن هو إلا الغنى أو الفقر! وما أبالى بأيهما ابتليت. إن كان الغنى إن فيه للعطف، وإن كان الفقر إن فيه للصبر.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يزيد ثنا المسعودي عن عون بن عبد الله. قال قال عبد الله: لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحل بذروته، ولا يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى، والتواضع أحب إليه من الشرف، وحتى يكون حامده وذامه عنده سواء. قال ففسرها أصحاب عبد الله قالوا: حتى يكون الفقر في الحلال، أحب إليه من الغنى في الحرام. والتواضع في طاعة الله أحب إليه من الشرف في معصية الله. وحتى يكون حامده وذامه عنده في الحق سواء.
• حدثنا أبو محمد بن حبان ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم ثنا هناد بن السري ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شمر بن عطية عن مغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه. قال قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره ما يضر عبدا يصبح على الإسلام ويمسى عليه ما أصابه في الدنيا.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد. قال قال عبد الله: والذي لا إله إله غيره ما أصبح عند آل عبد الله ما يرجون أن يعطيهم الله به خيرا، أو يدفع عنهم به سوءا، إلا أن الله قد علم أن عبد الله لا يشرك به شيئا.
• حدثنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن مجالد أخبرنى عامر بن
(1)
كذا فى ح. وفى ز: لخير.
(2)
فى ز: كالثقب. والثغب: الموضع المطمئن أعلا الجبل يستنقع فيه ماء المطر.
مسروق: قال قال رجل عند عبد الله: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين أكون من المقربين أحب إلي. قال فقال عبد الله: لكن هناك رجل ود لو أنه إذا مات لم يبعث - يعني نفسه -.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن علي الصايغ ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية ثنا السري بن يحيى عن الحسن قال قال عبد الله بن مسعود: لو وقفت بين الجنة والنار فقيل لي اختر نخيرك من أيهما تكون أحب إليك؟ أو تكون رمادا، لأحببت أن أكون رمادا.
• أخبرنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أسد ثنا أبو داود الطيالسي ثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم التيمي أن الحارث بن سويد. قال قال ابن مسعود: لو تعلمون علمي لحثوتم التراب على رأسي.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا أبو الوليد ثنا مبارك بن فضالة عن الحسن. قال ثنا أبو الأحوص. قال: دخلنا على ابن مسعود وعنده بنون ثلاثة كأمثال الدنانير فجعلنا ننظر إليهم ففطن بنا. فقال: كأنكم تغبطوني بهم؟ قلنا وهل يغبط الرجل إلا بمثل هؤلاء! فرفع رأسه إلى سقف بيت له قصير قد عشش فيه خطاف. فقال: لأن أكون نفضت يدي من تراب قبورهم، أحب إلي من أن يقع بيض هذا الخطاف فينكسر.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم الحربي ثنا مسدد ثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي عثمان عن أبى مسعود: أنه كان يجالسه بالكوفة، فبينما هو يوم في صفة له وتحته فلانة وفلانة - امرأتان ذواتا منصب وجمال - وله منهما ولد كأحسن الولد إذ شقشق على رأسه عصفور ثم قذف أذى بطنه، فنكته بيده وقال: لأن يموت آل عبد الله، ثم أتبعهم أحب إلي من أن يموت هذا العصفور.
(ومن وصاياه ومواعظه)
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني عبد الله بن الوليد قال سمعت عبد الرحمن ابن حجيرة
(1)
يحدث عن أبيه عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول: إذا
(1)
حجيرة: (بضم أوله وفتح الجيم) أبو عبد الله الخولانى قاضى مصر.
قعد
(1)
إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة والموت يأتى بغتة. فمن يزرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة، ومن يزرع شرا يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع، لا يسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، فمن أعطي خيرا فالله تعالى أعطاه، ومن وقى شرا فالله تعالى وقاه، المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد وسليمان بن أحمد. قالا: ثنا أبو خليفة ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا قرة بن خالد عن الضحاك بن مزاحم. قال قال عبد الله: ما منكم إلا ضيف وماله عارية، والضيف مرتحل، والعارية مؤداة إلى أهلها.
• حدثنا محمد بن علي في جماعة قالوا ثنا عبد الله بن محمد البغوي ثنا علي بن الجعد
(2)
ثنا شريك عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه. قال: أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن علمنى كلمات جوامع نوافع. فقال: اعبد الله ولا تشرك به شيئا، وزل مع القرآن حيث زال، ومن جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيدا بغيضا، ومن جاءك بالباطل فاردد عليه وإن كان حبيبا قريبا.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا عبد الرحمن بن سلم ثنا هناد بن السري ثنا ابن نمير عن موسى بن عبيدة عن أبي عمرو. قال قال عبد الله: الحق ثقيل مري، والباطل خفيف وبي، ورب شهوة تورث حزنا طويلا.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز وبشر بن موسى. قالا: ثنا أبو نعيم ثنا الأعمش عن يزيد بن حيان عن عيسى بن عقبة. قال قال عبد الله بن مسعود:
والله الذي لا إله إلا هو! ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحيى ثنا مسعر عن معن. قال قال عبد الله بن مسعود: إن للقلوب شهوة وإقبالا وإن للقلوب فترة وإدبارا، فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها، ودعوها عند فترتها وإدبارها.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنى
(1)
كذا بياض فى الأصلين ولعله: إليهم، أو قعدوا إليه.
(2)
فى ح: الجعداء. وفى ز: الجعدة والتصحيح عن الخلاصة.
أبي ثنا جرير عن منصور عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه. قال قال عبد الله: إياكم وحزائز القلوب، وما حز في قلبك من شيء فدعه.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن منذر. قال: جاء ناس من الدهاقين إلى عبد الله بن مسعود فتعجب الناس من غلظ رقابهم وصحتهم. قال فقال عبد الله: إنكم ترون الكافر من أصح الناس جسما؛ وأمرضهم قلبا، وتلقون المؤمن من أصح الناس قلبا؛ وأمرضهم جسما، وايم الله لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه عن أبي عبيدة. قال قال عبد الله: من استطاع منكم أن يجعل كنزه حيث لا يأكله السوس ولا تناله السراق فليفعل، فإن قلب الرجل مع كنزه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب. قال: جاء عتريس بن عرقوب الشيباني إلى عبد الله فقال: هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، قال بل هلك من لم يعرف قلبه المعروف، وينكر قلبه المنكر.
• حدثنا أبو أحمد محمد ابن محمد وسليمان بن أحمد. قالا: ثنا أبو خليفة ثنا أبو الوليد ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأسود عن عبد الله. قال: يذهب الصالحون أسلافا، ويبقى أهل الريب من لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا عمر بن حفص ثنا عاصم بن علي ثنا المسعودي عن القاسم. قال قال رجل لعبد الله: أوصني يا أبا عبد الرحمن! قال: ليسعك بيتك، واكفف لسانك، وابك على ذكر خطيئتك.
• حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة ثنا محمد بن يحيى بن سليمان ثنا عاصم بن علي ثنا المسعودي عن الأعمش عن أبي وائل. قال: سمع عبد الله رجلا يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟ فقال عبد الله: أولئك أصحاب الجابية، اشترط خمسمائة من المسلمين أن لا يرجعوا حتى يقتلوا، فحلقوا رءوسهم ولقوا العدو فقتلوا إلا مخبر عنهم
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله. قال: أنتم أكثر صياما، وأكثر صلاة، وأكثر اجتهادا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كانوا خيرا منكم. قالوا: لم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: هم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا محمد بن مقاتل ثنا ابن المبارك ثنا سفيان عن العلاء بن المسيب عن إبراهيم. قال قال ابن مسعود: ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله، فمن كانت راحته في لقاء الله فكأن قد.
• حدثنا محمد بن حميد ثنا أحمد بن الحسن ثنا أبو ياسر - عمار بن نصر - حدثني محمد بن نبهان حدثني يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا التبستكم فتنة، فتتخذ سنة يربوا منها الصغير ويهرم فيها الكبير وإذا ترك منها شيء قيل تركت سنة» قالوا.
متى ذلك يا رسول الله؟ قال: «إذا كثر قراؤكم، وقلت علماؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلت أمناكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الله» قال عبد الله: فأصبحتم فيها. كذا رواه محمد بن نبهان مرفوعا والمشهور من قول عبد الله موقوف.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ثنا محمد بن جعفر الوركاني أخبرنا شريك عن أبى حصين عن يحيى ابن وثاب عن مسروق عن عبد الله. قال: إذا أصبح أحدكم صائما - أو قال إذا كان أحدكم صائما - فليترحل، وإذا تصدق بصدقة بيمينه فليخفها عن شماله، وإذا صلى صلاة أو صلى تطوعا فليصلها في داخله.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن النضر ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن الأعمش عن سلمة ابن كهيل عن أبي الأحوص عن عبد الله. قال: لا يقلدن أحدكم دينه رجلا، فإن آمن آمن، وإن كفر كفر؛ فإن كنتم لا بد مقتدين فاقتدوا بالميت فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا عمر بن حفص السدوسي ثنا عاصم بن على المسعودي عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن
يزيد. قال قال عبد الله: لا يكونن أحدكم إمعة. قالوا: وما الإمعة، يا أبا عبد الرحمن؟ قال يقول أنا مع الناس، إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلوا ضللت. ألا ليوطنن أحدكم نفسه على إن كفر الناس أن لا يكفر.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود. قال: ثلاث أحلف عليهن، والرابعة لو حلفت عليها لبررت. لا يجعل الله عز وجل من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولى الله عبد فى الدنيا إلا فولاه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجل قوما إلا جاء معهم، والرابعة التي لو حلفت عليها لبررت؛ لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة.
• حدثني عبد الله بن محمد ثنا أبو عبد الله محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن أبي الحكم - أو الحكم - عن أبي وائل عن عبد الله قال: ما أحد من الناس يوم القيامة إلا يتمنى أنه كان يأكل في الدنيا قوتا وما يضر أحدكم على ما أصبح وأمسى من الدنيا إلا أن تكون في النفس حزازة؛ ولأن يعض أحدكم على جمرة حتى تطفأ خير من أن يقول لأمر قضاه الله ليت هذا لم يكن.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا بشر بن موسى ثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني ثنا حماد بن سلمة عن عبد الله - أو عبيد الله - بن مكرز. قال قال عبد الله بن مسعود: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه، وإن مقدار كل يوم من أيامكم عنده اثنتا عشر ساعة، فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار فينظر فيها ثلاث ساعات، ويسبحه حملة العرش، وسرادقات العرش، والملائكة المقربون، وسائر الملائكة، ثم ينفخ جبريل بالقرن فلا يبقى شيء إلا سمع صوته، فيسبحون الرحمن ثلاث ساعات حتى يمتلئ الرحمن رحمة، فتلك ست ساعات، ثم يؤتى بالأرحام فينظر فيها ثلاث ساعات وهو قوله في كتابه {(يصوركم في الأرحام كيف يشاء} {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما)} الآية، فتلك التسع ساعات ثم يؤتى بالأرزاق
فينظر فيها ثلاث ساعات وهو قوله {(يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} ، {كل يوم هو في شأن)} قال هذا من شأنكم، وشأن ربكم عز وجل.
• حدثنا أبو بكر ابن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي قيس الأودي عن هذيل بن شرحبيل. قال قال عبد الله: من أراد الدنيا أضر بالآخرة، ومن أراد الآخرة أضر بالدنيا، يا قوم فأضروا بالفاني للباقي.
• حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعدان ثنا بكر بن بكار ثنا حبيب بن حبان ثنا المسيب بن رافع قال أخبرني إياس البجلي. قال سمعت ابن مسعود يقول: من راءى في الدنيا راء الله به يوم القيامة، ومن يسمع في الدنيا يسمع الله به يوم القيامة، ومن يتطاول تعظما يضعه الله، ومن يتواضع تخشعا يرفعه الله.
• حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعدان ثنا بكر بن بكار ثنا عمرو بن ثابت ثنا عبد الرحمن بن عباس. قال قال عبد الله بن مسعود: إن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وأوثق العرى كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم، وأحسن السنن سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وخير الهدى هدى الأنبياء، وأشرف الحديث ذكر الله، وخير القصص القرآن، وخير الأمور عواقبها، وشر الأمور محدثاتها، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ونفس تنجيها خير من أمارة لا تحصيها، وشر العذيلة حين يحضر الموت، وشر الندامة ندامة القيامة، وشر الضلالة الضلالة بعد الهدى، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، وخير ما ألقي في القلب اليقين، والريب من الكفر، وشر العمى عمى القلب، والخمر جماع كل إثم، والنساء حبالة الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، والنوح من عمل الجاهلية، ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبرا، ولا يذكر الله إلا هجرا. وأعظم الخطايا الكذب، وسباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يغفر يغفر الله له ومن يصبر على الرزية يعقبه الله. وشر المكاسب كسب الربا، وشر المأكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه. وإنما
يكفي أحدكم ما قنعت به نفسه، وإنما يصير إلى أربعة أذرع، والأمر إلى آخرة. وملاك العمل خواتمه. وشر الروايا روايا الكذب، وأشرف الموت قتل الشهداء، ومن يعرف البلاء يصبر عليه، ومن لا يعرفه ينكر، ومن يستكبر يضعه، ومن يتولى الدنيا تعجز عنه، ومن يطع الشيطان يعص الله، ومن يعص الله يعذبه.
عمار بن ياسر
ومنهم عمار بن ياسر أبو اليقظان، الممتلئ من الإيمان، والمطمئن بالإيقان والمتثبت حين المحنة والافتتان، والصابر على المذلة والهوان، من السابقين الأولين. سبق إلى قتال الطغاة زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي إلى طعان البغاة مع الوصي. كان له من النبي صلى الله عليه وسلم إذا استأذن البشاشة والترحيب، والبشارة بالتطييب. كان لزينة الدنيا واضعا، ولنخوة النفس قامعا ولأنصار الدين رافعا، ولإمام الهدى تابعا. كان من أهل بدر وبعثه عمر على الكوفة أميرا، وكتب إليهم أنه من النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كان أحد الأربعة الذين تشتاق إليهم الجنة، لم يزل يدأب لها وبحن إليها إلى أن لقى الأحبة، محمدا وحزبه.
وقد قيل: إن التصوف تسور السور، إلى التحلل بالحور.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا الحسن بن حماد الوراق وأحمد بن المقدام. قالا: ثنا عثام بن علي عن الأعمش عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ. قال: كنا عند علي فدخل عليه عمار، فقال: مرحبا بالطيب المطيب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«عمار ملئ إيمانا إلى مشاشه» .
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن اسحاق ثنا محمد ابن حميد ثنا سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن عمارا ملئ إيمانا
من قرنه إلى قدمه» - يعني مشاشه
(1)
-.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث ابن أبي أسامة ثنا عبد العزيز بن أبان ثنا القاسم بن الفضل عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن عثمان بن عفان. قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فأخذ بيدي فانطلقت معه، فمر بعمار وأم عمار وهم يعذبون، فقال:«صبرا آل ياسر فإن مصيركم إلى الجنة» رواه عبد الملك الجدي عن القاسم بن الفضل مثله.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا جرير عن منصور عن مجاهد. قال: أول من أظهر الإسلام سبعة:
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وخباب، وصهيب، وبلال، وعمار، وسمية أم عمار. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه أبو طالب، وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأما الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ثم صهروهم في الشمس، فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس، فلما كان من العشي أتاهم أبو جهل - لعنه الله - ومعه حربة فجعل يشتمهم ويوبخهم.
• حدثنا محمد بن علي اليقطيني ثنا الحسين بن عبد الله الرقي ثنا حكيم ابن سيف ثنا عبيد الله ابن عمرو عن عبد الكريم عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار. قال: أخذ المشركون عمارا فلم يتركوه حتى سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«ما وراءك؟» قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فكيف تجد قلبك؟» قال أجد قلبي مطمئنا بالإيمان. قال: «فإن عادوا فعد» .
• حدثنا محمد بن أحمد ابن علي ثنا محمد بن يوسف بن الطباع ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي بن أبي طالب عليه السلام. قال: استأذن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب» رواه زهير وشريك وغيرهما عن أبي إسحاق.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن ابن سفيان ثنا عبد الله بن عامر بن زرارة ثنا يحيى بن زكريا عن أبيه عن أبى
(1)
هذا الحديث لم يرد فى ح.
إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي عليه السلام. قال: كان عمار يأخذ من هذه السورة، ومن هذه السورة، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لعمار:«لم تأخذ من هذه السورة ومن هذه السورة؟» قال تسمعني أخلط به ما ليس منه قال «لا» قال فكله طيب.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا العباس بن حمدان ثنا محمد بن سعيد بن سويد الكوفي حدثني أبي عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن أبي أمامة عن عمار بن ياسر. قال: ثلاث خلال من جمعهن فقد جمع خلال الإيمان. فقال له بعض أصحابه يا أبا اليقظان وما هذه الخلال التي زعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من جمعهن فقد جمع خلال الإيمان؟» فقال عمار عند ذلك سمعته يقول: «الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم» .
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا أبو شعيب الحراني ثنا أبو جعفر النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق قال حدثنى محمد بن يزيد بن خيثم عن محمد بن كعب القرظي حدثني أبو بديل بن خيثم أن عمار بن ياسر. قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة، فعمدنا إلى صور من النخل فنمنا تحته فى دقعاء من التراب، فما أيقظنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى عليا فغمزه برجله وقد تتربنا في ذلك التراب.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة. قال: لقي علي رجلين قد خرجا من الحمام متدهنين. فقال علي من أنتما؟ قالا من المهاجرين، قال كذبتما، إنما المهاجر عمار بن ياسر.
• حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو ثنا أبو حصين الوادعي ثنا يحيى بن الحماني ثنا خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي البختري وميسرة: أن عمارا يوم صفين أتي بلبن فشربه ثم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هذه آخر شربة أشربها من الدنيا» فقام فقاتل حتى قتل.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا الحسن بن علي العمري ثنا محمد بن سليمان بن أبي الرجاء ثنا أبو معشر ثنا جعفر بن عمرو الضمري عن أبي سنان الدؤلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: رأيت عمار بن ياسر دعا
بشراب فأتي بقدح من لبن فشرب منه، ثم قال: صدق الله ورسوله، واليوم ألقى الأحبة، محمدا وحزبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن آخر شيء تزوده من الدنيا ضيحة لبن» ثم قال: والله لو هزمونا حتى يبلغونا سعفات هجر، لعلمنا أنا على حق وهم على باطل.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن إسحاق العسكري ثنا أحمد بن سهل بن أيوب ثنا سهيل بن عثمان ثنا عبد الله بن نمير عن موسى بن محمد الأنصاري عن أبي المليح الأنصاري عن علي. قال: ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم عمارا فقال: «أما إنه سيشهد معك مشاهدا أجرها عظيم، وذكرها كثير، وثناؤها حسن» .
• حدثنا محمد بن المظفر ثنا أحمد بن سعيد بن عروة ثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ثنا قبيصة ثنا سفيان عن السدي عن عبد الله البهي عن ابن عمر. قال: ما أعرف أحدا خرج يبتغي وجه الله والدار الآخرة إلا عمارا.
• حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم ثنا أحمد بن سهل بن أيوب ثنا علي بن بحر ثنا سلمة بن الأبرش ثنا عمران الطائي قال سمعت أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الجنة تشتاق إلى أربعة، إلى عمار، وعلى، وسلمان، والمقداد» .
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحيى ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد: قال: وشى رجل بعمار إلى عمر بن الخطاب فقال عمار - لما بلغه -: اللهم إن كان كاذبا فاجعله موطأ العقبين، وابسط له من الدنيا.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا الأسود بن شيبان عن خالد بن نمير. قال: كان عمار بن ياسر طويل الصمت، طويل الحزن والكآبة، وكان عامة كلامه عائذا بالله من فتنته.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا جرير عن أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل. قال: لما بنى عبد الله بن مسعود داره قال لعمار: هلم انظر إلى ما بنيت، فانطلق عمار فنظر إليه. فقال:
بنيت شديدا، وأملت بعيدا - أو تأمل بعيدا - وتموت قريبا.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا داود بن عمرو
والأزرق بن علي. قالا: ثنا حسان بن إبراهيم ثنا محمد بن سلمة بن كهيل عن سلمة عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار أنه قال: - وهو يسير على شط الفرات -: اللهم لو أعلم أن أرضى لك عني أن أتردى فأسقط فعلت، ولو علمت أن أرضى لك عني أن ألقي نفسي في هذا الماء فأغرق فيه فعلت.
خباب بن الأرت
ومنهم السابق المفتتن، المعذب الممتحن، خباب بن الأرت، أبو عبد الله مولى بني زهرة. أسلم راغبا، وهاجر طائعا، وعاش مجاهدا، وثبت في إسلامه شاكرا، كان من النواحين البكائين، وكانت نياحته على اكتوائه لما ابتلي في جسمه، وبكاؤه لافتتانه لما اجتمع له من سهمه، كان من فقراء المهاجرين والسابقين، وكان أحد الجلاس للنبي صلى الله عليه وسلم والأناس. فيه وفي أصحابه نزلت {(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي)} كان بذكر الله مستأنسا، وللنبي صلى الله عليه وسلم ملازما ومجالسا.
• حدثنا أبو حامد أحمد ابن محمد بن سنان ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا عبد الله بن عمر ثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن كردوس الغطفاني أنه سمعه. قال: إن خباب بن الأرت أسلم سادس ستة. له سدس الإسلام.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا الحسن بن علي الحلواني ثنا يحيى بن آدم ثنا وكيع عن أبيه عن أبي إسحاق عن معدي كرب، قال: أتينا عبد الله بن مسعود نسأله عن طسم الشعراء قال ليست معي، ولكن عليكم بمن أخذها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليكم بأبي عبد الله خباب بن الأرت.
• حدثنا سعد بن محمد الصيرفي ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا سعيد بن عمرو الأشعثي ثنا سفيان ابن عيينة عن مسعر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب. قال: كان خباب ابن الأرت من المهاجرين الأولين، وكان ممن يعذب في الله تعالى.
• حدثنا أحمد بن محمد بن جبلة ثنا أبو العباس السراج ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي
أخبرنا جرير عن بيان بن بشر عن الشعبى. قال: سأل عمر بلالا عما لقي من المشركين، فقال خباب: يا أمير المؤمنين انظر إلى ظهري. فقال عمر:
ما رأيت كاليوم. قال: أوقدوا لى نارا فما أطفأها إلا ودك ظهري.
• حدثنا عبد الله بن جعفر بن إسحاق الموصلي ثنا محمد بن أحمد بن المثنى ثنا جعفر بن عون ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن خباب. قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع فى بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تدعو الله لنا، ألا تستنصر الله لنا، فجلس محمرا وجهه. ثم قال:«والله إن من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فيشق باثنين ما يصرفه عن دينه شيء، أو يمشط بأمشاط الحديد ما بين عصب ولحم ما يصرفه عن دينه شيء، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب منكم من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تعجلون» .
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن يحيى بن مندة ثنا خالد بن يوسف السمتي ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن الشعبي عن خباب بن الأرت. قال: لم يكن أحد إلا أعطى ما سألوه يوم عذبهم المشركون، إلا خبابا كانوا يضجعونه على الرضف فلم يسغبوا
(1)
منه شيئا.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة ثنا أبو إسحاق قال سمعت حارثة بن مضرب. قال: دخلنا على خباب وقد اكتوى. فقال:
ما أعلم أحد لقى من البلاء ما لقيت، لقد مكثت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أجد درهما وإن في ناحية بيتي هذا أربعين ألفا - يعني دراهم - لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا - أو نهى - أن يتمنى أحد الموت لتمنيته.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا موسى بن اسحاق الأنصارى ثنا عبد الحميد ابن صالح ثنا أبو شهاب عن الأعمش عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب.
قال: دخلنا على خباب وقد اكتوى في بطنه سبع كيات. فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتمنين أحدكم الموت لتمنيته» . فقال بعضهم: اذكر صحبة النبي صلى الله عليه وسلم والقدوم عليه. فقال قد خشيت
(1)
كذا فى الأصلين: ولعله يستغبوا أو نحو ذلك مما يفيد عدم الاجابة إلى ما يريدونه
أن يبقى
(1)
ما عندي القدوم عليه، هذه أربعون ألفا دراهم في البيت.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا المقدام بن داود ثنا أسد بن موسى. وحدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم. قالا: ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب. قال: دخلنا على خباب وقد اكتوى سبعا، فقال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«لا يتمنين أحدكم الموت» لتمنيته. زاد يحيى بن آدم: ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أملك درهما، وإن في جانب بيتي لأربعين ألف درهم، قال ثم أنى بكفنه فلما رآه بكى. فقال: لكن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه، حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الأذخر.
• حدثنا عبد الله ابن محمد بن جعفر ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا سعيد بن يحيى بن سعيد ثنا ابن إدريس حدثني أبي عن المنهال بن عمر عن أبي وائل شقيق بن سلمة.
قال: دخلنا على خباب بن الأرت في مرضه. فقال. إن فى هذا التابوت ثمانين ألف درهم، والله ما شددت لها من خيط، ولا منعتها من سائل. ثم بكى فقلنا ما يبكيك؟ قال أبكي أن أصحابي مضوا ولم تنقصهم الدنيا شيئا، وأنا بقينا بعدهم حتى لم نجد لها موضعا إلا التراب: رواه أبو أسامة عن إدريس.
قال: ولوددت أنها كذا وكذا - كما قال بعرا أو غيره -.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان. وحدثنا أبو حاتم عبد الصمد بن محمد الخطيب الأستراباذي ثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي ثنا إسحاق بن إبراهيم الطلقي ثنا عفان بن سيار. قالا: عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب. قال: عاد خبابا نفر
(2)
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أبشر يا أبا عبد الله إخوانك تقدم عليهم غدا. قال فبكى وقال: أما إنه ليس بى جزع ولكنكم ذكرتمونى أقواما
(1)
كذا فى النسختين ولعله أن يمنعنى ما عندى الخ.
(2)
كذا فى ز، وفى ح: بقايا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وسميتم لي إخوانا، وإن أولئك قد مضوا بأجورهم كلهم، وإني أخاف أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك الأعمال ما أوتينا بعدهم. لفظ عفان.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا أبو نعيم ثنا عيسى بن المسيب عن قيس بن أبي حازم. قال: دخلت على خباب وقد اكتوى سبعا، فقال يا قيس لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ندعوا بالموت لدعوت به.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا إسماعيل بن أبي خالد ثنا قيس قال: عدنا خبابا؛ وقد اكتوى في بطنه سبعا، وقال لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعوا بالموت لدعوت به. ثم قال إنه قد مضى قبلنا أقوام لم ينالوا من الدنيا شيئا، وإنا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لا يدري أحدنا في أي شيء يضعه إلا في التراب، وإن المسلم يؤجر في كل شيء أنفقه إلا فيما أنفق في التراب.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أحمد بن المفضل ثنا أسباط بن نصر عن السدي عن أبي سعيد الأزدي عن أبي الكنود عن خباب بن الأرت. قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع عمار وصهيب وبلال وخباب بن الأرت في أناس من ضعفاء المؤمنين، فلما رأوهم حقروهم فخلوا به فقالوا: إن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرانا العرب قعودا مع هذه الأعبد، فاذا جئناك فأقمهم عنا. قال نعم! قالوا فاكتب لنا عليك كتابا، فدعى بالصحيفة ودعا عليا ليكتب - ونحن قعود في ناحية - إذ نزل جبريل فقال {(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ما عليك من حسابهم من شيء، وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين، وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين، وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا)} الآية فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة ودعانا فأتيناه وهو يقول: «سلام عليكم» فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته. فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تعالى {(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم)} قال فكنا بعد ذلك نقعد مع النبي، فإذا بلغنا الساعة التي كان يقوم فيها قمنا وتركناه، وإلا صبر أبدا حتى نقوم.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن عبد الملك الواسطي ثنا معلى بن عبد الرحمن ثنا منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن زيد بن وهب. قال: سرنا معه - يعني عليا - حين رجع من صفين، حتى إذا كان عند باب الكوفة، إذا نحن بقبور سبعة. فقال علي: ما هذه القبور؟ قالوا يا أمير المؤمنين إن خبابا توفي بعد مخرجك إلى صفين، وأوصى أن يدفن في ظهر الكوفة. فقال علي عليه السلام: رحم الله خبابا لقد أسلم راغبا، وهاجر طائعا وعاش مجاهدا وابتلي في جسمه أحوالا، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا. ثم قال: طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله عز وجل.
بلال بن رباح
ومنهم السيد المتعبد المتجرد، بلال بن رباح، عتيق الصديق ذي الفضل والسماح، علم الممتحنين في الدين والمعذبين، خازن الرسول الأمين، محمد سيد المرسلين، السابق الوامق، والمتوكل الواثق.
وقد قيل: إن التصوف قطع العلائق، والأخذ بالوثائق.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا الحسين بن جعفر ثنا أحمد بن يونس ثنا عبد العزيز الماجشون ثنا ابن المنكدر عن جابر. قال: كان عمر بن الخطاب يقول:
أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا - يعني بلالا رضى الله عنه -.
• حدثنا حبيب ابن الحسن ثنا سهل بن أبي سهل ثنا محمد بن عبد الله ثنا يزيد بن هارون ثنا حسام بن مصك ثنا قتادة عن قاسم بن ربيعة عن زيد بن أرقم. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم المرء بلال، وهو سيد المؤذنين» .
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن يحيى ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ثنا ابراهيم بن
سعد عن محمد بن إسحاق قال حدثني هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه. قال:
كان ورقة بن نوفل يمر ببلال وهو يعذب وهو يقول: أحد أحد، فيقول:
أحد، أحد، الله يا بلال. ثم يقبل ورقة بن نوفل على أمية بن خلف وهو يصنع ذلك ببلال فيقول: أحلف بالله عز وجل لئن قتلتموه على هذا لاتخذته حنانا، حتى مر به أبو بكر الصديق يوما وهم يصنعون ذلك، فقال لأمية:
ألا تتقي الله في هذا المسكين، حتى متى؟ قال: أنت أفسدته
(1)
فأنقذه مما ترى فقال أبو بكر أفعل، عندى غلام أسود أجلد منه وأقوى، على دينك أعطيكه به. قال قد قبلت، قال هو لك. فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك، وأخذ بلالا فأعتقه. ثم أعتق معه على الإسلام - قبل أن يهاجر من مكة - ست رقاب؛ بلال سابعهم.
قال محمد بن إسحاق: وكان بلال مولى أبي بكر لبعض بني جمح، مولدا من مولديهم. وهو بلال بن رباح، كان اسم أمه، وكان صادق الإسلام، طاهر القلب. فكان أمية يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له:
لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى. فيقول - وهو في ذلك البلاء - أحد أحد. قال عمار بن ياسر - وهو يذكر بلالا وأصحابه وما كانوا فيه من البلاء وإعتاق أبي بكر إياه، وكان اسم أبى بكر عتيقا رضى الله عنه -:
جزى الله خيرا عن بلال وصحبه
…
عتيقا وأخزى فاكها وأبا جهل
عشية هما في بلال بسوءة
…
ولم يحذرا ما يحذر المرء ذو العقل
بتوحيده رب الأنام وقوله
…
شهدت بأن الله ربى على مهل
فإن يقتلوني يقتلوني فلم أكن
…
لأشرك بالرحمن من خيفة القتل
فيا رب إبراهيم والعبد يونس
…
وموسى وعيسى نجنى ثم لا تبل
لمن ظل يهوى الغى من آل غالب
…
على غير بر كان منه ولا عدل
(1)
كذا فى ح. وفى ز: قال أفسدت فأنقذه، وفى سيرة ابن هشام أنت الذى أفسدته فأنقذه.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا أبي وعمي أبو بكر. قالا: ثنا ابن أبي بكير ثنا زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله. قال:
أول من أظهر الإسلام سبعة؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله تعالى بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد، ثم صهروهم في الشمس فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلالا، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به فى شعاب مكة وهو يقول أحد، أحد.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو حذيفة ثنا عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن خليد ثنا أبو توبة ثنا معاوية بن سلام عن زيد بن أسلم أنه سمع أبا سلام يقول حدثني عبد الله الهوزني. قال: لقيت بلالا فقلت يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان له شيء، كنت أنا الذي ألي له ذاك منذ بعثه الله عز وجل حتى توفي، وكان إذا أتاه الرجل المسلم فرأه عاريا يأمرنى به فأنطلق فأستقرض واشترى البردة فأكسوه وأطعمه.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا عاصم بن علي ثنا قيس بن الربيع عن أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن مسروق عن عبد الله. قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال وعنده صبر عن تمر. فقال: «ما هذا يا بلال؟» قال يا رسول الله ادخرته لك ولضيفانك، قال «أما تخشى أن تكون له سجار
(1)
فى النار أنفق بلالا، ولا تخش من ذي العرش إقلالا».
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن علي الصايغ ثنا الحسن بن علي الحلواني ثنا عمران بن بنان ثنا طلحة عن يزيد بن سنان عن أبي المبارك عن أبي سعيد الخدري عن بلال. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال مت فقيرا ولا تمت غنيا» قلت
(1)
كذا فى ح وفى ز: بخار، ولم أقف على صدر الحديث فليحرر.
فكيف لي بذلك يا رسول الله؟ قال: «ما رزقت فلا تخبأ، وما سئلت فلا تمنع» فقلت يا رسول الله كيف لي بذلك؟ قال: «هو ذلك أو النار» .
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أخفت في الله تعالى وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من يوم وليلة ما لي ولا لبلال طعام يأكله أحد إلا شيء بواريه إبط بلال» .
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيتني دخلت الجنة وسمعت خشفا أمامي، فقلت من هذا يا جبريل؟ فقال هذا بلال» .
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا زيد بن الحباب ثنا حسين بن واقد حدثني عبد الله ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: «سمعت في الجنة خشخشة أمامي، فقلت من هذا قالوا بلال فأخبره» وقال: «بم سبقتني إلى الجنة؟» قال يا رسول الله ما أحدثت إلا توضأت، ولا توضأت إلا رأيت أن الله تعالى علي ركعتين فأصليهما. رواه أبو حيان عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير عن أبي هريرة مثله.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن إسماعيل عن قيس. قال: اشترى أبو بكر بلالا رضى الله عنهما بخمسة أوق فأعتقه. فقال: يا أبا بكر إن كنت أعتقتني لله فدعني حتى أعمل لله، وإن كنت إنما أعتقتني لتتخذني خادما فاتخذني. فبكى أبو بكر وقال: إنما أعتقتك لله، فاذهب فاعمل لله تعالى.
• حدثنا أبو حامد ثنا محمد بن إسحاق ثنا الحسن بن عيسى ثنا ابن المبارك ثنا معمر حدثني عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب. قال: لما كانت خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه تجهز بلال ليخرج إلى الشام. فقال له أبو بكر: ما كنت أراك يا بلال تدعنا على هذا الحال، لو أقمت معنا فأعنتنا قال: إن كنت إنما أعتقتني لله تعالى فدعني أذهب إليه، وإن كنت إنما أعتقتني لنفسك فاحبسني
عندك. فأذن له فخرج إلى الشام فمات بها.
صهيب بن سنان بن مالك
ومنهم السابق المهاجر، المطعم المتاجر، لماله بذول، ولنفسه قتول، ولدينه عقول، وبربه تعالى يجول ويصول، صهيب بن سنان بن مالك. أسرع الإجابة لله تعالى وللرسول.
وقد قيل: إن التصوف الأخذ بالأصول، والترك للفضول، والتشمير للوصول.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا عبد الله بن الزبير الحميدي. وحدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن إبراهيم بن نصر ثنا هارون بن عبد الله الحمال ثنا محمد بن الحسن المخزومي قالا: ثنا علي بن عبد الحميد بن زياد بن صيفي بن صهيب عن أبيه عن جده عن صهيب: قال: لم يشهد رسول الله مشهدا قط إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضره، ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزاة قط أول الزمان وآخره إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله، وما خافوا أمامهم قط إلا وكنت أمامهم، ولا ما وراءهم، إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين العدو قط حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. السياق لمحمد بن الحسن، وهو أتم.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب. قال:
لما أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فاتبعه نفر من قريش نزل عن راحلته، وانتثل ما فى كنانته ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معى فى كنانتى ثم أضرب بسيفى ما يقى في يدي منه شيء، افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وثيابي بمكة وخليتم سبيلي؟ قالوا نعم! فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. قال:«ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى»
قال ونزلت {(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله)} الآية.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن محمد المعيني الأصبهاني ثنا زيد بن الحريش ثنا يعقوب ابن محمد ثنا حصين بن حذيفة قال أخبرني أبي وعمومتي عن سعيد بن المسيب عن صهيب. قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وخرج معه أبو بكر، وكنت قد هممت بالخروج معه وصدني فتيان من قريش فجعلت ليلتي تلك أقوم لا أقعد. وقالوا قد شغله الله عز وجل عنكم ببطنه ولم أكن شاكيا، فقاموا فخرجت فلحقنى منهم ناس بعد ما سرت يريدون ردي، فقلت لهم: هل لكم أن أعطيكم أواقي من ذهب وحلتين لي بمكة وتخلون سبيلي وتوثقون لي؟ ففعلوا. فتبعتهم إلى مكة فقلت احفروا تحت أسكفة الباب، فإن تحتها الأواقي واذهبوا إلى فلانة بآية كذا وكذا فخذوا الحلتين فخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء قبل أن يتحول منها، فلما رآني قال:«يا أبا يحيى ربح البيع» ثلاثا فقلت يا رسول الله ما سبقني إليك أحد، وما أخبرك إلا جبريل عليه السلام.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن إبراهيم بن شبيب الغسال الأصبهاني ثنا هارون بن عبد الله ثنا محمد بن الحسن ابن زبالة حدثني علي بن عبد الحميد بن زياد بن صيفي بن صهيب عن أبيه عن جده عن صهيب رضي الله تعالى عنه: أن المشركين لما أطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا على الغار وأدبروا، قال وا صهيباه ولا صهيب لي، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج بعث أبا بكر مرتين - أو ثلاثا - إلى صهيب فوجده يصلي. فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: وجدته يصلي وكرهت أن أقطع عليه صلاته، فقال:«أصبت» وخرجا من ليلتهما، فلما أصبح خرج حتى أتى أم رومان زوجة أبى بكر، فقالت ألا أراك هاهنا، وقد خرج أخواك، ووضعا لك شيئا من زادهما. قال صهيب فخرجت حتى دخلت على زوجتي، فأخذت سيفي وجعبتي وقوسي حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأجده وأبا بكر جالسين. فلما رآني أبو بكر قام إلي، فبشرني بالآية التي نزلت في، وأخذ بيدي فلمته بعض اللائمة، فاعتذر.
وربحني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ربح البيع أبا يحيى» .
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن مرزوق ثنا صالح بن حرب ثنا إسماعيل بن يحيى ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن صهيب رضي الله تعالى عنهم. قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة إلا من قال بالمال هكذا، وهكذا، يمنة وبسرة» .
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا أبو جعفر النفيلي وحدثنا محمد بن الحسن اليقطيني ثنا الحسين بن عبد الله الرقي ثنا حكيم بن سيف. قالا: ثنا عبيد الله ابن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن حمزة بن صهيب عن أبيه أن عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال له: يا صهيب اكتنيت وليس لك ولد، وانتميت إلى العرب وأنت رجل من الروم؟ فقال: يا أمير المؤمنين أما قولك اكتنيت وليس لك ولد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بأبي يحيى، وأما قولك انتميت إلى العرب وأنت رجل من الروم، فإني رجل من النمر بن قاسط، سبيت من الموصل بعد أن كنت غلاما، قد عرفت أهل ونسبي.
ورواه زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل فزاد فيه ما
• حدثناه أبو بكر ابن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن زهير عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن حمزة بن صهيب: أن صهيبا رضي الله تعالى عنه كان يطعم الطعام الكثير، فقال له عمر: يا صهيب إنك تطعم الطعام الكثير وذلك سرف في المال، فقال صهيب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «خياركم من أطعم الطعام، ورد السلام» فذلك الذي يحملني على أن أطعم الطعام رواه يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن صهيب نحوه.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا محمد بن بشر أخبرني محمد بن عمرو بن علقمة ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب. قال: قال عمر لصهيب رضي الله تعالى عنهما: ما وجدت عليك في الإسلام إلا ثلاثا، تكنيت أبا يحيى وقال الله تعالى {(لم نجعل له من قبل سميا)} وإنك لم تمسك شيئا إلا أنفقته، وتدعى إلى النمر بن قاسط، وأنت
من المهاجرين الأولين وممن أنعم الله عليه. قال: أما قولك إني تكنيت أبا يحيى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى، وأما قولك إني لا أمسك شيئا إلا أنفقته فإن الله تعالى قال {(وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه)} وأما قولك إني أدعى إلى النمر فإن العرب كانت يسبي بعضهم بعضا، فسبتني طائفة من العرب فباعوني بسواد الكوفة فأخذت بلسانهم، ولو كنت من روثة ما ادعيت إلا إليها.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن الحسين بن مكرم ثنا أحمد بن عبيد الله ابن كردي ثنا سالم بن نوح عن الجريري عن أبي السليل عن صهيب. قال:
صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأتيته وهو فى نفر جالس، فقمت حياله فأومأت إليه، وأومأ إلي:«وهؤلاء؟» فقلت لا، فسكت فقمت مكانى.
فلما نظر إلى أومأت إليه فقال: «وهؤلاء؟» فقلت: لا، مرتين فعل ذلك أو ثلاثا. فقلت نعم! وهؤلاء، وإنما كان شيئا يسيرا صنعته له، فجاء وجاءوا معه فأكلوا، قال وفضل منه.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا سعيد بن منصور. وحدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل حدثني أبي. قال: ثنا هشيم ثنا عبد الحميد بن جعفر عن الحسن بن محمد الأنصاري عن رجل من النمر بن قاسط قال سمعت صهيب بن سنان يحدث قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيما رجل تزرج امرأة على مهر وهو لا يريد أداءه اليها فغرها بالله، واستحل فرجها بالباطل لقي الله تعالى يوم القيامة وهو زان، وأيما رجل ادان بدين وهو لا يريد أداءه إليه فغره بالله واستحل ماله بالباطل، لقي الله تعالى يوم يلقاه وهو سارق» .
• حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة حدثني محمد بن يحيى الطلحي ثنا عمار بن خالد ثنا عبد الحكيم بن منصور عن يونس بن عبيد عن ثابت قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدث عن صهيب الخير. قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، فلما انصرف أقبل إلينا بوجهه ضاحكا فقال:«ألا تسألونى مم ضحكت؟» قالوا الله ورسوله أعلم قال «عجبت من قضاء الله للعبد المسلم إن كل ما قضى الله تعالى له خير، وليس كل أحد كل
قضاه لله له خير إلا العبد المسلم» رواه سليمان بن المغيرة وحماد بن سلمة عن ثابت مثله.
• حدثنا فاروق الخطابي ثنا أبو مسلم الكشي ثنا أبو عمر الضرير ثنا حماد بن سلمة أن ثابتا البناني أخبرهم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الله تعالى عنه. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه بشيء في أيام حنين إذا صلى الغداة، فقلنا يا رسول الله لا تزال تحرك شفتيك بشيء بعد صلاة الغداة وكنت لا تفعله؟ قال:«إن نبيا كان قبلنا أعجبته كثرة أمته، فقال لا يروم هؤلاء - أحسبه قال شيء - فأوحى الله تعالى إليه أن خير أمتك بين ثلاث، إما أن أن أسلط عليهم الموت، أو العدو، أو الجوع. فعرض عليهم ذلك فقالوا أما الجوع فلا طاقة لنا به، ولا طاقة لنا بالعدو، ولكن الموت. فمات منهم في ثلاثة أيام سبعون ألفا، فأنا اليوم أقول اللهم بك أحاول، وبك أصاول، وبك أقاتل» .
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن صهيب رضي الله تعالى عنه. قال: تلي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {(للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)} قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، نادى مناديا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا، فيقولون ما هو؟ أليس قد بيض وجوهنا، وثقل موازيننا، وأدخلنا الجنة؟ فيقال لهم ذلك ثلاثا، قال فيتجلى لهم فينظرون إليه، فيكون ذلك عندهم أعظم مما أعطوا» .
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إبراهيم بن هاشم ثنا عمر بن الحصين وحدثنا أبو محمد بن حبان ثنا ابن رسته ثنا عمرو بن مالك الراسبي. قالا: ثنا الفضيل بن سليمان ثنا موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي عن أبيه عن عبد الرحمن بن مغيث عن كعب الأحبار حدثني صهيب. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: «اللهم لست بإله استحدثناه، ولا برب ابتدعناه ولا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه ونذرك، ولا أعانك على خلقنا أحد فنشركه فيك، تباركت وتعاليت» قال كعب: وهكذا كان نبي الله داود عليه السلام يدعو به. لفظ عمرو بن الحصين. وقال عمرو بن مالك
الراسبي: ولا برب يبيد ذكره، ولا كان معك إله فندعوه ونتضرع إليه، ولا أعانك على خلقنا أحد فتشك فيك. ولم يذكر عبد الرحمن بن مغيث في حديثه.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا عبيد بن غنام ثنا جعفر بن أبي الحسن الخوارزمي ثنا عبد الله بن عبيد الله بن إسحاق بن محمد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله حدثني أبي عبيد الله بن إسحاق عن الحصين بن حذيفة عن أبيه حذيفة عن أبي صيفي عن أبيه صهيب رضي الله عنه. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المهاجرون هم السابقون، الشافعون، المدلون على ربهم عز وجل، والذي نفسي بيده انهم ليأتون يوم القيامة وعلى عواتقهم السلاح، فيقرعون باب الجنة، فيقول لهم الخزنة من أنتم؟ فيقولون نحن المهاجرون، فتقول لهم الخزنة هل حوسبتم؟ فيجثون على ركبهم، وينثرون ما في جعابهم، ويرفعون أيديهم فيقولون: أي رب أبهذه نحاسب، لقد خرجنا وتركنا المال والأهل والولد. فيجعل الله تعالى لهم أجنحة من ذهب مخوصة بالزبرجد والياقوت، فيطيرون حتى يدخلوا الجنة» فذلك قوله {(الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور، الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب)} قال صهيب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلهم بمنازلهم في الجنة أعرف منهم بمنازلهم في الدنيا» .
أبو ذر الغفاري
ومنهم العابد الزهيد، القانت الوحيد، رابع الإسلام، ورافض الأزلام قبل نزول الشرع والأحكام، تعبد قبل الدعوة بالشهور والأعوام، وأول من حيا الرسول بتحية الإسلام، لم يكن تأخذه في الحق لائمة اللوام، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام. أول من تكلم فى علم البقاء، وثبت على المشقة والعناء، وحفظ العهود والوصايا، وصبر على المحن والرزايا، واعتزل مخالطة البرايا، إلى أن حل بساحة المنايا. أبو ذر الغفاري رضي الله عنه. خدم
الرسول، وتعلم الأصول، ونبذ الفضول.
وقد قيل: إن التصوف التأله والتدله، عن غلبات التوله.
• حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ثنا يوسف بن يعقوب القاضى ثنا سليمان ابن حرب ثنا أبو هلال محمد بن سليم ثنا حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت قال قال لي أبو ذر رضي الله تعالى عنه: يا ابن أخي صليت قبل الإسلام بأربع سنين، قال له من كنت تعبد؟ قال إله السماء، قلت فأين كانت قبلتك؟ قال حيث وجهني الله عز وجل. حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبى أسامة.
• حدثنا أبو النضر ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر. أنه قال: يا ابن أخي قد صليت قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، قلت لمن؟ قال لله عز وجل، قلت أين توجه؟ قال حيث وجهني الله عز وجل، أصلي عشاء، حتى إذا كان من آخر السحر، ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث ابن أبي أسامة ثنا عبد الله بن الرومي ثنا النضر بن محمد ثنا عكرمة بن عمار ثنا أبو زميل عن مالك بن مرثد عن أبيه عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه. قال:
كنت رابع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة وأنا الرابع.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي ثنا محمد بن عائذ ثنا الوليد بن مسلم ثنا أبو طرفة عباد بن الريان اللخمي. قال سمعت عروة بن رويم يقول حدثني عامر بن لدين قال سمعت أبا ليلى الأشعري يقول حدثني أبو ذر. قال: إن أول ما دعاني إلى الإسلام، أنا أصابتنا السنة، فحملت أمى أخى أنيسا إلى أصهار لنا بأعلا نجد فلما حللنا بهم أكرمونا، فمشى رجل من الحي إلى خالي فقال: إن أنيسا يخالفك إلى أهلك فحز في قلبه، فانصرفت من رعية إبلي فوجدته كئيبا يبكي، فقلت ما بكاؤك يا خال؟ فأعلمني الخبر، فقلت حجز الله من ذلك، إنا نعاف الفاحشة، وإن كان الزمان قد أخل بنا. فاحتملت بأخي وأمي حتى نزلنا بحضرة مكة، فأتيت مكة وقد بلغني أن بها صابئا - أو مجنونا، أو ساحرا - فقلت أين هذا الذي تزعمونه؟ قالوا ها هو ذاك حيث
ترى، فانقلبت إليه فو الله ما جزت عنهم قيد حجر، حتى أكبوا على بكل عظم وحجر ومدر فضرجوني بدمي فأتيت البيت فدخلت بين الستور والبناء وصومت فيه ثلاثين يوما لا أكل ولا أشرب إلا من ماء زمزم، قال فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: يا أبا ذر! فقلت لبيك يا أبا بكر، فقال هل كنت تأله فى جاهليتك؟ قال قلت نعم! لقد رأيتني أقوم عند الشمس فلا أزال مصليا حتى يؤذيني حرها، فأخر كأني خفاء فقال لي فأين كنت توجه؟ فقلت لا أدري إلا حيث يوجهني الله عز وجل، حتى أدخل الله علي الإسلام.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا قطن بن نسير ثنا جعفر بن سليم ثنا أبو طاهر عن أبي يزيد المدني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه. قال: أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فعلمني الإسلام وقرأت من القرآن شيئا، فقلت يا رسول الله إني أريد أن أظهر ديني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إني أخاف عليك أن تقتل» قلت لا بد منه وإن قتلت، قال فسكت عني، فجئت وقريش حلقا يتحدثون في المسجد فقلت أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فانتقضت الخلق فقاموا فضربونى حتى تركونى كأنى نصب أحمر، وكانوا يرون أنهم قد قتلوني فأفقت فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى ما بي من الحال فقال لي:
«ألم أنهك؟» فقلت يا رسول الله كانت حاجة في نفسي فقضيتها، فأقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«الحق بقومك، فإذا بلغك ظهوري فأتني» .
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا أبو مسلم الكشي ثنا عمرو بن حكام ثنا المثنى بن سعيد ثنا أبو جمرة أن ابن عباس أخبرهم عن بدو إسلام أبي ذر قال:
دخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله مرني بما شئت. فقال: «ارجع إلى أهلك حتى يأتيك خبري» فقلت والله ما كنت لأرجع حتى أصرخ بالإسلام، فخرج إلى المسجد فصاح بأعلا صوته فقال:
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. فقال المشركون
صبأ الرجل، صبأ الرجل، فقاموا إليه فضربوه حتى سقط، فمر به العباس فقال: يا معشر قريش أنتم تحار وطريقكم على غفار، أتريدون أن يقطع الطريق فأكب عليه العباس فتفرقوا، فلما كان الغد عاد إلى مثل قوله، فقاموا إليه فضربوه. فمر به العباس فقال لهم مثل ما قال، ثم أكب عليه.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا المقرئ ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد ابن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: أتيت مكة، فمال على أهل الوادى بكل مدرة وعظم فخررت مغشيا علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر.
• حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ثنا يوسف ابن يعقوب ثنا سليمان بن حرب ثنا أبو هلال الراسبي ثنا حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت. قال قال لي أبو ذر رضي الله تعالى عنه: قدمت مكة فقلت أين هذا الصابئ؟ فقالوا الصابئ الصابئ! فأقبلوا يرمونني بكل عظم وحجر حتى تركوني مثل النصب الأحمر، فلما ضربني برد السحر أفقت، وتحملت حتى أتيت زمزم فاغتسلت من مائها وشربت منه، وكنت بين الكعبة وأستارها ثلاثين ليلة بأيامها، ما لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم حتى تكسر عكن بطني، وما وجدت على كبدي من سخفة جوع، حتى إذا كان ذات ليلة جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت، وصلى خلف المقام فكنت أول من حياه بالإسلام - أو قال بالسلام - فقلت السلام عليك فقال:«وعليك ورحمة الله» .
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا سليمان بن المغيرة ثنا حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه. قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين قضى صلاته، فقلت السلام عليك، فقال:«وعليك السلام» فكنت أول من حياه بتحية الإسلام.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا الحسين بن على ابن الهذيل الواسطي والطوسي. قالا: ثنا محمد بن حرب ثنا يحيى بن أبي زكريا الغساني عن إسماعيل بن أبي خالد عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه. قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم
بست: حب المساكين، وأن أنظر إلى من هو تحتي ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أقول الحق وإن كان مرا، وأن لا تأخذنى في الله لومة لائم
(1)
.
• حدثنا محمد بن معمر ثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الله ثنا الأوزاعي حدثني مرثد أبو كبير عن أبيه عن أبي ذر: أن رجلا أتاه فقال: إن مصدقي عثمان ازدادوا علينا، أنغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ فقال لا، قف مالك، وقل ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلا فذروه. فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة؛ وعلى رأسه فتى من قريش. فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فقال أرقيب أنت على؟ فو الذى نفسى بيده لو وضعتم الصمصامة هاهنا ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها.
• حدثنا محمد بن أحمد بن محمد ثنا عبد الله ابن محمد بن عبد الكريم ثنا الحسن بن إسماعيل بن راشد الرملي ثنا ضمرة بن سعد
(2)
ثنا ابن شوذب عن مطرف عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر. قال: دخلت مع عمي على عثمان، فقال لعثمان ائذن لي في الربذة؟ فقال نعم! ونأمر لك بنعم من نعم الصدفة تغدو عليك وتروح قال لا حاجة لي فى ذلك، تكفى أبا ذر صرمته. ثم قام فقال اعزموا دنياكم ودعونا وربنا وديننا، وكانوا يقتسمون مال عبد الرحمن بن عوف، وكان عنده كعب فقال عثمان لكعب: ما تقول فيمن جمع هذا المال فكان يتصدق منه ويعطي في السبل، ويفعل ويفعل؟ قال إني لأرجو له خيرا. فغضب أبو ذر ورفع العصا على كعب وقال: وما يدريك يا ابن اليهودية، ليودن صاحب هذا المال يوم القيامة لو كانت عقارب تلسع السويداء من قلبه؟!.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أحمد بن أسد ثنا أبو معاوية عن موسى ابن عبيدة عن عبد الله بن خراش. قال: رأيت أبا ذر رضي الله تعالى عنه بالربذة في ظلة له سوداء، وتحته امرأة له سحماء وهو جالس على قطعة جوالق
(1)
كذا فى الأصلين ولم يأت بتمام الستة
(2)
كذا فى ز وفى ح: ضمرة بن ربيعة وكلاهما من رجال الخلاصة.
فقيل له إنك امرؤ ما يبقى لك ولد. فقال: الحمد لله الذى يأخذهم فى دار الفناء ويدخرهم في دار البقاء. قالوا يا أبا ذر لو اتخذت امرأة غير هذه! قال: لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من امرأة ترفعني. فقالوا له لو اتخذت بساطا ألين من هذا؟ قال اللهم غفرا، خذ مما خولت ما بدا لك.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا عفان ثنا همام ثنا قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي: أنه دخل على أبي ذر رضي الله تعالى عنه وهو بالربذة، وعنده امرأة له سوداء شعثة ليس عليها أثر المجاسد والخلوق، قال فقال ألا تنظرون إلى ما تأمرني به هذه السوداء؟ تأمرني أن آتي العراق، فإذا أتيت العراق مالوا علي بدنياهم، وإن خليلى عهد إلى أن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة، وأنا إن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار؛ أحرى أن ننجوا من أن نأتى عليه ونحن مواقير.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يزيد ثنا محمد بن عمرو عن أبي بكر بن المنكدر. قال بعث حبيب بن مسلمة - وهو أمير الشام - إلى أبي ذر بثلاثمائة دينار وقال استعن بها على حاجتك. فقال أبو ذر: ارجع بها إليه، أما وجد أحدا أغر بالله منا، ما لنا إلا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ثنا أبي ثنا بكر بن عياش عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين. قال: بلغ الحارث رجلا - كان بالشام - من قريش أن أبا ذر به عوز، فبعث إليه بثلاثمائة دينار. فقال: ما وجد عبدا لله تعالى هو أهون عليه مني؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سأل وله أربعون فقد ألحف» ولآل أبي ذر أربعون درهما، وأربعون شاة، وما هنان.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا يزيد بن هارون ثنا محمد بن عمرو قال سمعت عراك بن مالك يقول: قال أبى ذر رضي الله عنه: إني لأقربكم مجلسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وذلك أني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئة ما تركته فيها» وإنه والله ما منكم من أحد إلا وقد تشبث بشيء منها غيري.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه. قال قيل له: ألا تتخذ ضيعة كما اتخذ فلان وفلان؟ قال وما أصنع بأن أكون أميرا، وإنما يكفيني كل يوم شربة ماء - أو لبن - وفي الجمعة قفيز من قمح.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا يوسف بن موسى بن عبد الله المروروزى ثنا عبد الله بن خبيق ثنا يوسف بن أسباط ثنا سفيان الثوري - أراه عن حبيب بن حسان - عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر. قال: كان قوتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا، فلا أزيد عليه حتى ألقى الله عز وجل.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن الفضل السقطي ثنا إبراهيم بن المستمر العروقي ثنا إسحاق بن إدريس ثنا بكار بن عبد الله بن عبيدة حدثني عمي موسى بن عبيدة عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه. قال: بينا أنا واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لي: «يا أبا ذر أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدي» قلت في الله؟ قال: «في الله» قلت مرحبا بأمر الله.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني سفيان بن وكيع ثنا سفيان بن عيينة عن علي بن زيد عن من سمع أبا ذر رضى الله عنه يقول: إن بني أمية تهددني بالفقر والقتل، ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها، وللفقر أحب إلي من الغنى. فقال له رجل: يا أبا ذر مالك إذا جلست إلى قوم قاموا وتركوك؟ قال إني أنهاهم عن الكنوز.
• حدثنا سليمان بن أحمد ومحمد بن علي بن حبيش.
قالا: ثنا أبو شعيب الحراني ثنا عفان بن مسلم ثنا همام ثنا قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه. قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم عهد إلي أنه أيما ذهب أو فضة أوكئ عليه فهو جمر على صاحبه حتى ينفقه في سبيل الله عز وجل.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله
ابن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الصمد ثنا عبد الله بن بجير ثنا ثابت: أن أبا ذر مر بأبي الدرداء رضى الله تعالى عنها وهو يبني بيتا له، فقال: لقد حملت الصخر على عواتق الرجال؟ فقال: إنما هو بيت أبنيه، فقال له أبو ذر رضي الله تعالى عنه مثل ذلك، فقال يا أخي لعلك وجدت علي في نفسك من ذلك. قال: لو مررت بك وأنت في عذرة أهلك كان أحب إلي مما رأيتك فيه.
• حدثنا أبي وأبو محمد بن حيان. قالا: ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أحمد بن سعيد ثنا ابن وهب قال سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن عبيد الله بن زحر أن أبا ذر رضي الله تعالى عنه. قال: يولدون للموت، ويعمرون للخراب ويحرصون على ما يفنى، ويتركون ما يبقى، ألا حبذا المكروهان الموت والفقر
(1)
.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أبو يحيى الرازى ثنا هناد ابن السرى ثنا عبوة بن سليمان عن عمرو بن ميمون عن أبيه عن رجل من بني سليم - يقال له عبد الله بن سيدان - عن أبي ذر أنه قال: في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت، والوارث ينتظر أن تضع رأسك ثم يستاقها، وأنت ذميم. فإن استطعت أن لا تكون أعجز الثلاثة فلا تكونن
(2)
فإن الله عز وجل يقول {(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)} ألا وإن هذا الجمل مما كنت أحب من مالي، فأحببت أن أقدمه لنفسي.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عمار الدهني عن أبي شعبة. قال: جاء رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه فعرض عليه نفقة. فقال أبو ذر: عندنا أعنز نحلبها، وحمر تنقل، ومحررة تخدمنا، وفضل عباءة عن كسوتنا، إنى أخاف أن أحاسب على الفضل.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن ابن الأبرق الغفاري عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه. قال: ليأتين عليكم زمان يغبط الرجل فيه بخفة الحاذ، كما يغبط اليوم فيكم
(1)
فى ز: تولدون، وتعمرون، وتحرصون، وتتركون بالتاء المثناة.
(2)
كذا فى الأصلين
أبو عشرة.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سيار ثنا جعفر ثنا الجريري عن أبي السليل. قال: جاءت ابنة أبي ذر وعليها مجنبتا صوف سفعاء الخدين، ومعها قفة لها. فمثلت بين يديه وعنده أصحابه فقالت: يا أبتاه زعم الحراثون والزراعون أن أفلسك هذه بهرجة. فقال: يا بنية ضعيها فإن أباك أصبح بحمد الله ما يملك من صفراء ولا بيضاء إلا أفلسه هذه.
• حدثنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثني سليمان عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه، قال: ذو الدرهمين أشد حسابا من ذي الدرهم.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه. قال: والله تعلمون ما أعلم ما انبسطتم إلى نسائكم، ولا تقاررتم على فرشكم، والله لوددت أن الله عز وجل خلقني يوم خلقني شجرة تعضد ويوكل ثمرها.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سيار ثنا جعفر ثنا حازم العبدي حدثني شيخ من أهل الشام. قال سمعت أبا ذر رضي الله تعالى عنه يقول: من أراد الجنة فليصمد صمدها.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد الرحمن بن فضالة عن بكر بن عبد الله عن أبي ذر رضي الله عنه. قال: يكفى من الدعاء مع البر، ما يكفي الملح من الطعام.
• حدثنا أبي ثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى ثنا يعقوب الدورقي ثنا عبد الرحمن ثنا قرة بن خالد عن عون بن عبد الله. قال قال أبو ذر: هل ترى الناس ما أكثرهم ما فيهم خير إلا تقي أو تائب.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا عبد الله بن محمد بن عمران ثنا حسين المروزي ثنا الهيثم بن جميل ثنا صالح المري عن محمد بن واسع
أن رجلا من البصرة ركب إلى أم ذر بعد وفاة أبي ذر يسألها عن عبادة أبي ذر، فأتاها فقال جئتك لتخبريني عن عبادة أبي ذر رضي الله تعالى عنه.
قالت: كان النهار أجمع خاليا يتفكر.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي ثنا
أبو خليفة ثنا أبو ظفر ثنا جعفر بن سليمان عن عثمان قال: بلغنا أن رجلا رأى أبا ذر رضي الله تعالى عنه وهو يتبوأ مكانا. فقال له: ما تريد يا أبا ذر؟ فقال أطلب موضعا أنام فيه، نفسى هذه مطيتي إن لم أرفق بها لم تبلغني.
مواعظه
• حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا أبو بكر الأهوازي ثنا الحسن بن عثمان ثنا محمد بن إدريس ثنا محمد بن روح ثنا عمران بن عمر عن سفيان الثوري. قال:
قام أبو ذر الغفاري عند الكعبة فقال: يا أيها الناس أنا جندب الغفارى، هلموا إلى الأخ الناصح الشفيق، فاكتنفه الناس. فقال: أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفرا أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه؟ قالوا بلى! قال: فسفر
(1)
طريق القيامة أبعد ما تريدون، فخذوا منه ما يصلحكم. قالوا وما يصلحنا؟ قال حجوا حجة لعظام الأمور، صوموا يوما شديدا حره لطول النشور، صلوا ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، كلمة خير تقولها، أو كلمة سوء تسكت عنها لوقوف يوم عظيم، تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرها، اجعل الدنيا مجلسين، مجلسا في طلب الآخرة، ومجلسا في طلب الحلال، والثالث يضرك ولا ينفعك لا تريده. اجعل المال درهمين، درهما تنفقه على عيالك من حله، ودرهما تقدمه لآخرتك، والثالث يضرك ولا ينفعك لا تريده. ثم نادى بأعلى صوته: يا أيها الناس قد قتلكم حرص لا تدركونه أبدا.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا عبد الله بن محمد قال سمعت شيخا يقول بلغنا أن أبا ذر كان يقول: يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، صوموا فى الدنيا لحر يوم النشور، تصدقوا مخافة يوم عسير. يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا أبو مسلم الكشي ثنا عبد الرحمن بن حماد الشعيثي ثنا كهمس عن أبي السليل عن أبي ذر رضى الله
(1)
فى ز: فسفر يوم القيامة أبعد ما ترون.
تعالى عنه. قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يتلو علي هذه الآية {(ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)} فما زال يقولها ويعيدها علي.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا محمد ابن أبي بكر المقدمي ثنا معتمر بن سليمان ثنا كهمس عن أبي السليل عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر إني لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم {(ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)}» فما زال يقولها ويعيدها علي.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا جعفر الفريابي. وحدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن أنس بن مالك. قالا: ثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى
(1)
بن يحيى الغساني حدثني أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر رضي الله عنه قال: دخلت المسجد وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده، فجلست إليه. فقال:«أبا ذر إن للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان فقم فاركعهما» . قال فقمت فركعتهما ثم عدت فجلست إليه، فقلت يا رسول الله إنك أمرتني بالصلاة فما الصلاة؟ قال:«خير موضوع استكثر أو استقل» قلت يا رسول الله فأي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله عز وجل، وجهاد في سبيله» قال قلت يا رسول الله فأي المؤمنين أكملهم إيمانا؟ قال: «أحسنهم خلقا» قال قلت يا رسول الله فأي المؤمنين أسلم؟ قال: «من سلم الناس من لسانه ويده» . قال: قلت يا رسول الله فأي الهجرة أفضل؟ قال: «من هجر السيئات» . قال: قلت يا رسول الله فأى الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» قال قلت يا رسول الله فما الصيام؟ قال: «فرض مجزى، وعند الله أضعاف كثيرة» قال قلت يا رسول الله فأي الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه» قال قلت يا رسول الله فأي الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمنا وأنفسها عند ربها» قال قلت يا رسول الله فأي الصدقة أفضل؟ قال: «جهد من مقل يسر إلى فقير» قلت يا رسول الله فأي آية مما أنزل الله عز وجل
(1)
كذا فى ح وفى ز: ابراهيم بن هشام بن بخى بن يحيى.
عليك أعظم قال: «آية الكرسي» ثم قال: «يا أبا ذر ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة» قلت يا رسول الله كم الأنبياء؟: قال: «مائة ألف، وأربعة وعشرون ألفا» قلت يا رسول الله كم الرسل؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا» قلت كثير طيب. قلت يا رسول الله من كان أولهم؟ قال: «آدم» قلت يا رسول الله أنبي مرسل؟ قال: «نعم! خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم سواه قبلا» وقال أحمد بن أنس ثم كلمه قبلا. ثم قال: «يا أبا ذر أربعة سريانيون؛ آدم، وشيث، وخنوخ - وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم - ونوح وأربعة من العرب؛ هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر» قال قلت يا رسول الله كم كتاب أنزله الله تعالى؟ قال: «مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسون صحيفة، وأنزل على خنوخ ثلاثون صحيفة
(1)
وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان» قال قلت يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: «كانت أمثالا كلها، أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، فإني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر. وكان فيها أمثال:
على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن تكون له ساعات؛ ساعة يناجي فيها ربه عز وجل، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفكر فيها في صنع الله عز وجل، وساعة يخلو فيها بحاجته من المطعم والمشرب. وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلاث؛ تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم.
وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه» قلت يا رسول الله فما كان صحف موسى عليه السلام؟ قال: «كانت عبرا كلها، عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، عجبت لمن أيقن بالنار وهو يضحك، عجبت لمن أيقن للقدر ثم هو
(1)
فى ز: نوح بدل خنوخ.
ينصب، عجبت لمن رأى الدنيا، وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها، عجبت لمن أيقن بالحساب غدا، ثم لا يعمل» قلت يا رسول الله أوصني. قال:«أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله» قلت يا رسول الله زدني. قال: «عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض، وذكر لك في السماء» قلت يا رسول الله زدني. قال «إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه» قلت يا رسول الله زدني. قال: «عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك، وعون لك على أمر دينك» قلت يا رسول الله زدني قال: «عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي» قلت يا رسول الله زدني. قال:
«حب المساكين وجالسهم» قلت يا رسول الله زدني، قال:«انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك» قلت زدني يا رسول الله. قال: «صل قرابتك وإن قطعوك» قلت يا رسول الله زدني قال: «لا تحف في الله تعالى لومة لائم» قلت يا رسول الله زدني.
قال: «قل الحق وإن كان مرا» قلت يا رسول الله زدني. قال: «يردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تأتي، وكفى به عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك، أو تجد عليهم فيما تأتي» ثم ضرب بيده على صدري فقال: «يا أبا ذر لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق» السياق للحسن بن سفيان. ورواه المختار بن غسان عن إسماعيل بن سلمة عن أبي إدريس. ورواه علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن أبى ذر. ورواه عبيد بن الحسحاس
(1)
عن أبي ذر. ورواه معاوية بن صالح عن أبي عبد الملك محمد بن أيوب عن ابن عائذ عن أبي ذر بطوله. ورواه ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر بطوله. تفرد به عنه يحيى بن سعيد العبشمى.
• حدثناه عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا محمد بن العباس بن أيوب ثنا محمد بن مرزوق ثنا يحيى بن سعيد العبشمي - من بني سعد بن تيم - ثنا ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه، قال:
(1)
فى ح: الخشخاش بمعجمات وفى الخلاصة يروى بهما.
دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد جالس، فاغتنمت خلوته. ثم ذكر مثله وزاد قلت: يا رسول الله هل في الدنيا شيء مما أنزل الله عليك مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال: «يا أبا ذر اقرأ {(قد أفلح من تزكى)} إلى آخر السورة.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: وكان أبو ذر رضي الله تعالى عنه للرسول صلى الله عليه وسلم ملازما وجليسا، وعلى مسائلته والاقتباس منه حريصا، وللقيام على ما استفاد منه أنيسا. سأله عن الأصول والفروع، وسأله عن الإيمان والإحسان، وسأله عن رؤية ربه تعالى، وسأله عن أحب الكلام إلى الله تعالى، وسأله عن ليلة القدر أترفع مع الأنبياء أم تبقى، وسأله عن كل شيء حتى عن مس الحصا في الصلاة.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن خالد بن عبد الله ثنا أبي عن ابن أبي ليلى
(1)
عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ذر. قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مس الحصا. فقال: «مسه مرة أو دع» .
قال الشيخ رحمه الله: تخلى من الدنيا، وتشمر للعقبى، وعانق البلوى، إلى أن لحق بالمولى.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا أبو العباس السراج ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا وهب بن جرير حدثني أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يقول حدثني بريدة بن سفيان عن القرظى. قال: خرج أبو ذر إلى الربذة فأصابه قدره، فأوصاهم أن اغسلوني وكفنوني ثم ضعوني على قارعة الطريق فأول ركب يمرون بكم فقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على غسله ودفنه. فأقبل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه فى ركب من أهل العراق.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا عباس بن الوليد وحدثنا أحمد بن محمد بن سنان ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا الحسن بن الصباح قالا: حدثنا يحيى بن سليم ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن إبراهيم
(1)
ابن أبى ليلى هذا غير عبد الرحمن بن أبى ليلى كما يستفاد من الخلاصة.
ابن الأشتر عن أبيه الأشتر عن أم ذر. قالت: لما حضرت أبا ذر رضي الله عنه الوفاة بكيت. فقال ما يبكيك؟ قالت أبكي أنه لا يدلي بتكفينك، وليس لي ثوب من ثيابي يسعك كفنا، وليس لك ثوب يسعك كفنا. قال فلا تبكي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم:«ليموتن منكم رجل بفلاة من الأرض فتشهده عصابة من المؤمنين» وليس من أولئك النفر رجل إلا وقد مات في قرية وجماعة من المسلمين، وأنا الذى أموت بفلاة، والله ما كذبت ولا كذبت فانظري الطريق. فقالت أني وقد انقطع الحاج، فكانت تشتد إلى كثيب تقوم عليه تنظر، ثم ترجع إليه فتمرضه ثم ترجع إلى الكثيب فبينما هي كذلك إذا بنفر تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم على رحالهم فألاحت بثوبها فأقبلوا حتى وقفوا عليها. قالوا: مالك؟ قالت امرؤ من المسلمين تكفنونه يموت؟ قالوا من هو؟ قالت أبو ذر، فغدوه بإبلهم ووضعوا
(1)
السياط فى نحورها يستبقون إليه حتى جاءوه، وقال أبشروا. فحدثهم وقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم:«ليموتن منكم رجل بفلاة من الأرض فتشهده عصابة من المؤمنين» وليس منهم أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، وأنا الذي أموت بالفلاة، أنتم تسمعون! إنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي، لم أكفن إلا فى ثوب لى أولها أنتم تسمعون! إني أنشدكم الله والإسلام أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو نقيبا أو بريدا، فليس أحد من القوم إلا قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار. قال: يا عم أنا أكفنك لم أصب مما ذكرت شيئا، أكفنك فى ردائي هذا الذي علي، وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي حاكتهما لي. قال:
أنت فكفنى، فكفنه الأنصارى فى النفر الذي شهدوه منهم حجر بن الأدبر ومالك بن الأشتر، في نفر كلهم يمان.
(1)
فى ز: ففدوه بآبائهم ووضعوا الخ.
عتبة بن غزوان
ومنهم الزاهد في الإمرة والسلطان، والتارك لولاية المدن والبلدان، سابع الإسلام والإيمان، أبو عبد الله عتبة بن غزوان. استعفى عن إمرة البصرة بعد أن بنى مسجدها، ونصب منبرها. توفي بالربذة، له الخطبة المشهورة في تولي الدنيا وتصرمها، وفي تغير الإيام وتلونها.
• حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعدان ثنا بكر بن بكار وحدثنا سليمان بن أحمد ثنا فضيل بن محمد الملطي ثنا أبو نعيم. قالا: ثنا قرة بن خالد ثنا. حميد بن هلال. قال قال خالد بن عمير: خطبنا عتبة بن غزوان قال:
أيها الناس إن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حذاء
(1)
، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، ألا وإنكم في دار أنتم متحولون منها فانتقلوا بصالح ما بحضرتكم، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا، وإنكم والله لتبلون الأمراء من بعدي، وإنه والله ما كانت نبوة قط إلا تناسخت حتى تكون ملكا وجبرية، وإني رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، فوجدت بردة فشققتها بنصفين فأعطيت نصفها سعد بن مالك ولبست نصفها فليس من أولئك السبعة اليوم رجل حى إلا وهو أمير مصر من الأمصار، فيا للعجب للحجر يلقى من رأس جهنم فيهوى سبعين خريفا حتى يتقرر في أسفلها، والذي نفسي بيده لتملأن جهنم. أفعجبتم وإن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليه يوم وما فيها باب إلا وهو كظيظ
(2)
.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبو عبيدة عن فضيل بن عياض
(3)
ثنا أبو سعد مولى بني هاشم ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن قيس بن أبي حازم عن عتبة بن غزوان. قال: لقد رأيتنا مع
(1)
بصرم: بقطع، وحذاء: سريعا. من هامش ز.
(2)
فى هامش ز قوله كظيظ: أى ضيق من قولهم اكظ المشيل إذا ضاق شيله من كثرته.
(3)
فى الأصلين: أبو عبيدة بن فضيل بن عياض.
رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق الحبلة، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما يخالطه شيء.
المقداد بن الأسود
قال الشيخ رحمه الله: ومنهم المقداد بن الأسود، وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة. مولى الأسود بن عبد يغوث السابق إلى الإسلام، والفارس يوم الحرب والإقدام، ظهرت له الدلائل والأعلام، حين عزم على إسقاء الرسول عليه السلام والإطعام. أعرض عن العمالات، وآثر الجهاد والعبادات معتصما بالله تعالى من الفتن والبليات.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا أبي وعمي أبو بكر. قالا: ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه. قال: أول من أظهر إسلامه سبعة، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله تعالى بعمه، وأما أبو بكر فمنعه الله تعالى بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد ثم صهروهم في الشمس.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا إبراهيم بن عبد الله بن أيوب ثنا علي بن شبرمة الكوفي ثنا شريك عن أبي ربيعة الإيادي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنه. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم، وإنك يا علي منهم، والمقداد، وأبو ذر، وسلمان» رضى الله تعالى عنهم.
• حدثنا مخلد ابن جعفر ثنا محمد بن جرير حدثني محمد بن عبيد المحاربي ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا المخارق عن طارق عن عبد الله بن مسعود. قال: لقد شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما في الأرض من شيء، وكان رجلا فارسا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب احمرت وجنتاه، فأتاه المقداد على تلك الحال فقال: أبشر يا رسول الله فو الله لا يقول لك كما قالت
بنو إسرائيل لموسى عليه السلام {(فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)} ولكن والذي بعثك بالحق لنكونن من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك أو يفتح الله عز وجل لك.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن يحيى المروزي ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ثنا ابراهيم بن سعد عن محمد ابن إسحاق قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر استشار الناس، فقام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله به فنحن معك، والله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام {(فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، والله الذي بعثك بالحق نبيا لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا سليمان ابن المغيرة ثنا ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثني المقداد بن الأسود. قال: جئت أنا وصاحبان لي قد كادت تذهب أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما يقبلنا أحد، حتى انطلق بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحله - ولآل محمد ثلاث أعنز يحتلبونها - فكان النبي صلى الله عليه وسلم يوزع اللبن بيننا وكنا نرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبه، فيجئ فيسلم تسليما يسمع اليقظان ولا يوقظ النائم، فقال لي الشيطان لو شربت هذه الجرعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يأتي الأنصار فيتحفونه، فما زال بي حتى شربتها، فلما شربتها ندمني وقال ما صنعت؟ يجيء محمد صلى الله عليه وسلم فلا يجد شرابه فيدعو عليك فتهلك، وأما صاحباي فشربا شرابهما وناما، وأما أنا فلم يأخذني النوم وعلي شملة لي إذا وضعتها على رأسي بدت منها قدماي، وإذا وضعتها على قدمي بدا رأسي. وجاء النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يجيء فصلى ما شاء الله أن يصلي ثم نظر إلى شرابه فلم ير شيئا، فرفع يده فقلت تدعو علي الآن فأهلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم
أطعم من أطعمني، واسق من سقاني». فأخذت الشفرة وأخذت الشملة وانطلقت إلى الأعنز أجسهن أيتهن أسمن كي أذبحه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حفل كلهن، فأخذت إناء لآل محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه فحلبته حتى علته الرغوة، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب، ثم ناولني فشربت، ثم ناولته فشرب، ثم ناولني فشربت. ثم ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض، فقال لي:«إحدى سوآتك يا مقداد» فأنشأت أحدثه بما صنعت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما كانت إلا رحمة من الله عز وجل لو كنت أيقظت صاحبيك فأصابا منها» قلت والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتها أنت وأصبت فضلتك من أخطأت من الناس. رواه حماد بن سلمة عن ثابت نحوه. ورواه طارق بن شهاب عن المقداد نحوه.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا الأسود بن عامر ثنا أبو بكر بن غياش عن الأعمش عن سليمان ابن ميسرة عن طارق بن شهاب عن المقداد بن الأسود. قال: لما نزلنا المدينة عشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عشرة - يعني في كل بيت - قال فكنت في العشرة الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم فيهم. قال: ولم يكن لنا إلا شاة نتجزأ لبنها. رواه حفص بن غياث عن الأعمش فقال عن قيس بن مسلم عن طارق.
• حدثنا أبو بكر بن أحمد بن السدي ثنا موسى بن هارون الحافظ ثنا عباس بن الوليد ثنا بشر بن المفضل ثنا أبو عون عن عمير بن إسحاق عن المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه. قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمل فلما رجعت قال: «كيف وجدت الإمارة؟» قلت يا رسول الله ما ظننت إلا أن الناس كلهم خول لي، والله لا ألي على عمل ما دمت حيا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن محمد ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق الخطمي ثنا أحمد بن محمد بن الأصفر ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا سوادة بن أبي الأسود عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه. قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه على سرية فلما قدم قال له: «أبا معبد
كيف وجدت الإمارة» قال كنت أحمل وأوضع حتى رأيت بأن لي على القوم فضلا. قال. «هو ذاك فخذ أو دع» قال والذي بعثك بالحق لا أتأمر على اثنين أبدا.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا بكر بن سهل ثنا عبد الله بن صالح ثنا معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه: أن المقداد بن الأسود جاءنا لحاجة لنا، فقلنا اجلس عافاك الله حتى نطلب حاجتك، فجلس فقال: العجب من قوم مررت بهم آنفا يتمنون الفتنة، يزعمون ليبتلينهم الله فيها بما ابتلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وايم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن السعيد لمن جنب الفتن» يرددها ثلاثا «وإن ابتلى فصبر» وايم الله لا أشهد لأحد أنه من أهل الجنة حتى أعلم بما يموت عليه بعد حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لقلب ابن آدم أسرع انقلابا من القدر إذا استجمعت غليا» .
• حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو ثنا أبو حصين الوادعي ثنا يحيى الحماني ثنا عبد الله بن المبارك عن صفوان بن عمرو حدثني عبد الرحمن بن نفير عن أبيه. قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما فمر به رجل، فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت، فاستمعت فجعلت أعجب ما قال إلا خيرا، ثم أقبل عليه فقال: ما يحمل أحدكم على أن يتمنى محضرا غيبه الله عز وجل عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه، والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام كبهم الله عز وجل على مناخرهم في جهنم لم يجيبوه ولم يصدقوه، أو لا تحمدون الله إذ أخرجكم الله عز وجل لا تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم عليه السلام وقد كفيتم البلاء بغيركم؟ والله لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليه نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية ما يرون دينا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، حتى إن الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافرا وقد فتح الله تعالى قفل قلبه
للإيمان، ليعلم أنه قد هلك من دخل النار فلا تقر عينه وهو يعلم أن حميمه في النار. وأنها للتي قال الله عز وجل {(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين)} .
• حدثنا محمد بن أحمد ثنا الحسن بن محمد بن حميد أخبرنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد. قال: كان المقداد بن الأسود فى سرية فحصرهم العدو، فعزم الأمير أن لا يجشر أحد دابته، فجشر رجل دابته لم تبلغه العزيمة، فضربه فرجع الرجل وهو يقول: ما رأيت كما لقيت اليوم قط، فمر المقداد فقال ما شأنك؟ فذكر له قصته، فنقلد السيف وانطلق معه حتى انتهى إلى الأمير فقال أقده من نفسك فأقاده، فعفا الرجل فرجع المقداد وهو يقول: لأموتن والإسلام عزيز.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ثنا الحوطي ثنا بقية ثنا حريز بن عثمان حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي ثنا أبو راشد الحبراني. قال: وافيت المقداد ابن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على تابوت من تابوت الصيارفة بحمص، قد أفضل عنها من عظمه يريد الغزو. فقلت له لقد أعذر الله إليك. فقال: أتت علينا سورة البعوث {(انفروا خفافا وثقالا)} .
سالم مولى أبي حذيفة
ومنهم الحافظ القاري، والإمام الجاري، سالم مولى أبي حذيفة. كان صبا وامقا، وبمودع الكتاب ناطقا، وفي العبادة مخلصا واثقا.
• حدثنا فاروق الخطابي وحبيب بن الحسن. قالا. ثنا أبو مسلم الكشي ثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا شعبة أخبرني عمرو بن مرة قال سمعت إبراهيم يحدث عن مسروق عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «استقرءوا القرآن من أربعة؛ فذكر ابن مسعود، وسالما مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل» رضى الله تعالى عنهم.
• حدثنا يوسف بن يعقوب النجيرمي ثنا الحسن بن مثنى ثنا عفان ثنا حفص ابن غياث ثنا ابن جريج عن نافع عن ابن عمر. وثنا أبو عمرو بن حمدان حدثنا
الحسن بن سفيان ثنا هشام بن عمار ثنا أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. قال: لما قدم المهاجرون الأولون العصبة
(1)
قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة كان أكثرهم قرآنا فيهم أبو بكر وعمر.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا أحمد بن حماد بن سفيان ثنا زكريا بن يحيى بن أبان ثنا أبو صالح - كاتب الليث - حدثني ابن لهيعة عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم قال: سمعت عبد الله بن الأرقم يقول سمعت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر سالما مولى أبي حذيفة -. فقال: «إن سالما شديد الحب لله عز وجل» ورواه حبيب بن نجيح عن عبد الرحمن بن غنم.
• حدثت عن سعيد بن سليمان ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن الجراح بن المنهال عن حبيب بن نجيح عن عبد الرحمن بن غنم. قال: قدمت المدينة في زمان عثمان فأتيت عبد الله بن الأرقم، فقال حضرت عمر رضي الله عنه عند وفاته مع ابن عباس والمسور بن مخرمة، فقال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن سالما شديد الحب لله عز وجل لو كان لا يخاف الله عز وجل ما عصاه» فلقيت ابن عباس فذكرت ذلك له فقال: صدق، انطلق بنا إلى المسور بن مخرمة حتى يحدثك به، فجئنا المسور فقلت: إن عبد الله بن الأرقم حدثني بهذا الحديث، قال حسبك لا تسل عنه بعد عبد الله بن الأرقم.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق الثقفي السراج ثنا محمود بن خداش ثنا مروان بن معاوية ثنا سعيد قال: سمعت شهر بن حوشب يقول: قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لو استخلفت سالما مولى أبي حذيفة فسألني عنه ربي ما حملك على ذلك لقلت رب سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يقول:
«إنه يحب الله تعالى حقا من قلبه» .
• حدثنا محمد بن أحمد بن علي ثنا أحمد بن الهيثم ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا بشر بن مطر بن حكيم بن دينار القطعي
(2)
قال:
سمعت عمرو بن دينار - وكيل آل الزبير - يحدث عن مالك بن دينار قال حدثنى
(1)
العصبة: موضع بالمدينة عند قباء.
(2)
كذا بالأصلين - ولعله القطيعى.
شيخ من الأنصار يحدث عن سالم مولى أبي حذيفة. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليجاءن بأقوام يوم القيامة معهم من الحسنات مثل جبال تهامة، حتى إذا جئ بهم جعل الله أعمالهم هباء ثم قذفهم في النار» . فقال سالم:
يا رسول الله بأبي أنت وأمي حل لنا هؤلاء القوم حتى نعرفهم، فو الذى بعثك بالحق إني أتخوف أن أكون منهم؟ فقال:«يا سالم أما إنهم كانوا يصومون ويصلون، ولكنهم إذا عرض لهم شيء من الحرام وثبوا عليه، فأدحض الله تعالى أعمالهم» فقال مالك بن دينار: هذا والله النفاق. فأخذ المعلى بن زياد بلحيته فقال: صدقت والله أبا يحيى.
عامر بن ربيعة
ومنهم أبو عبد الله عامر بن ربيعة، الزاهد في العطايا والقطيعة. شهد بدرا والمشاهد، وعمر بالذكر البقاع والمساجد. تحرز بما أيد به من الفطنة، عن الوقوع فيما امتحن به غيره من الفتنة. عاش كريما، ومضى سليما.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن حماد بن زغبة ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد. قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يصلي من الليل حين نشب الناس في الفتنة، ثم نام فأري في المنام، فقيل له قم فسل الله أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها صالح عباده، فقام يصلي. ثم اشتكى فما خرج إلا جنازة.
• حدثنا أحمد بن محمد بن سنان ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا سوار بن عبد الله ثنا يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة. قال: لما نشب الناس في الطعن على عثمان رضي الله تعالى عنه، قام أبي يصلى من الليل وقال: اللهم قنى من الفتنة بما وقيت به الصالحين من عبادك، قال فما خرج إلا جنازة.
• حدثنا محمد بن علي ثنا أبو العباس بن قتيبة ثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه. قال: لما وقعت فتنة عثمان قال رجل لأهله أوثقوني بالحديد فإني مجنون، فلما قتل عثمان قال: خلوا عني، الحمد لله الذي
شفاني من الجنون وعافاني من قتل عثمان، رواه غيره عن ابن طاوس وسمى الرجل عامر بن ربيعة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن محمد ثنا أحمد بن موسى الخطمي ثنا القاسم بن نصر المخرمي ثنا أحمد بن القاسم الليثي ثنا أبو همام محمد بن الزبرقان ثنا موسى بن عبيدة عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عامر بن ربيعة: أنه نزل به رجل من العرب فأكرم عامر مثواه؛ وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاءه الرجل فقال: إنى استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم واديا ما فى العرب واد أفضل منه، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك، قال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا {(اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون)} .
قال الشيخ رحمه الله: والذي حداه على الزهد والفقر، ودعاه إلى إدمان الذكر، ما أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان يعانيه في بدنه من الشدة فى البعوث والسريا.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا المسعودي عن أبي بكر بن حفص عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله تعالى عنه، قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثنا فى السرية ما لنا زاد إلا السلف - يعني الجراب من التمر - فيقسمه صاحبه بيننا قبضة قبضة، حتى يصير إلى تمرة، قال فقلت: وما كان يبلغ من التمرة؟ قال لا تقل ذلك يا بني، ولبعد أن فقدناها فاختلطنا إليها
(1)
.
• حدثنا علي بن أحمد المصيصي ثنا أحمد بن خليد الحلبي ثنا أبو نعيم ثنا أبو الربيع السمان عن عاصم ابن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلا فجعل الرجل يحمل الحجارة فيجعله مسجدا فيصلي إليه، فلما أصبحنا إذا نحن على غير القبلة، فقلنا يا رسول الله صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة! فأنزل الله عز وجل:{(ولله}
(1)
فى ز: فاختللنا إليها.
{المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)} .
• حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو ثنا محمد بن الحسين الوادعي ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا شريك عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن رجلا عطس خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فقال، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يرضى ربنا عز وجل وبعد الرضى، والحمد لله على كل حال، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صاحب الكلمات؟ قال: أنا يا رسول الله وما أردت بها إلا خيرا، قال: لقد رأيت اثنى عشر ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا فأكثروا أو أقلوا» ، رواه شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر ابن ربيعة عن أبيه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول:
«ما من عبد يصلي علي إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي فليقل العبد أو فليكثر» .
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة به.
ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنهم القنع العفيف، الوفي الظريف، أبو عبد الله ثوبان، مولى رسول الرحمن، المضمون له بالكفالة والضمان، حلول ساحة الجنان، إذ ترك السؤال وإتيان السلطان.
• حدثنا فاروق الخطابي ثنا أبو مسلم الكشي ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ثنا خالد بن الحارث ثنا ظريف بن عيسى العنبري حدثني يوسف بن عبد الحميد. قال: لقيت ثوبان فرأى علي ثيابا وخاتما، فقال: ما تصنع بهذه الثياب وبهذا الخاتم إنما الخواتيم للملوك، قال: فما اتخذت بعده خاتما، قال فحدثنا ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأهله فذكر عليا وفاطمة وغيرهما
قال قلت: يا نبي الله أمن أهل البيت أنا؟ قال نعم! ما لم تقم على باب سدة أو تأتي أميرا تسأله.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا عمر بن حفص ثنا عاصم بن علي.
وحدثنا حبيب بن الحسن ثنا أبو مسلم الكشي ثنا عاصم. قالا: حدثنا ابن أبي ذئب ثنا محمد بن قيس عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: «من تقبل لي واحدة تقبلت له بالجنة؟» قال ثوبان: أنا يا رسول الله. قال: «لا تسأل أحدا شيئا» . قال فلربما سقط السوط لثوبان وهو على بعير فلا يسأل أحدا أن يناوله حتى ينزل إليه فيأخذه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا شعبة عن عاصم الأحول عن أبي العالية عن ثوبان رضي الله تعالى عنه.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يتكفل لي أن لا يسأل الناس وأتكفل له بالجنة؟» فقال ثوبان أنا، فكان ثوبان لا يسأل أحدا شيئا.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا أمية بن بسطام وعباس بن الوليد. قالا: ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان رضي الله تعالى عنه. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل مسألة وهو عنها غنى كانت شيئا في وجهه يوم القيامة» .
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا الحسن بن سفيان ثنا أمية بن بسطام ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن سالم عن معدان عن ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك بعده كنزا مثل له شجاعا أقرع يوم القيامة له زبيبتان يتبعه ويقول من أنت ويلك؟ فيقول أنا كنزك الذي تركت بعدك، فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها
(1)
ثم يتبعه سائر جسده».
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا عبد الوهاب بن الضحاك ثنا أبو عبد الرحمن عن عيسى بن يزيد الأعرج ثنا أرطأة بن المنذر عن أبي عامر عن ثوبان. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يترك ذهبا ولا فضة إلا جعل الله له صفائح
(2)
،
(1)
فى ح: فيقضقضها.
(2)
فى ز: إلا جعل له صفائح وكوى به من قدمه.
ثم كوي به من قدميه إلى ذقنه». قال أبو عامر فقال لي ثوبان: أبا عامر إن كان لك شاة فكان في لبنها فضل فاجرز
(1)
فضل لبنها.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود ثنا سعيد بن سليمان ثنا مبارك بن فضالة عن مرزوق أبي عبد الله الحمصي عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة على قصعتها»، قالوا: من قلة بنا يومئذ؟ قال: «أنتم ذلك اليوم كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل، تنتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن» قالوا: وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» .
• حدثنا أبو أحمد بن محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان رضي الله تعالى عنه. قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير نسير ونحن معه، إذ قال المهاجرون لو نعلم أى المال خيرا إذ أنزل في الذهب والفضة ما نزل فقال عمر رضي الله تعالى عنه:
إن شئتم سألت لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقالوا أجل! فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته أوضع على قعود لي. فقال:
يا رسول الله إن المهاجرين لما نزل في الذهب والفضة ما نزل قالوا لو علمنا الآن أي المال خير إذ أنزل في الذهب والفضة ما أنزل؟ فقال: «ليتخذ أحدكم لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة مؤمنة، تعين أحدكم على إيمانه» رواه أبو الأحوص وإسرائيل عن منصور مثله. ورواه عمرو بن مرة عن سالم.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة عن أبيه عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان رضي الله تعالى عنه. قال: لما نزل في الذهب والفضة ما نزل، قالوا فأي المال نتخذ؟ قال عمر رضي الله تعالى عنه: أنا أعلم لكم، فأوضع على بعيره فأدركه وأنا فى أثره. فقال: يا رسول الله أي المال نتخذ؟ قال: «ليتخذن أحدكم قلبا
(1)
هذا نص ز وفى ح: فاحزر ولعله تصحيف.
شاكرا ولسانا ذاكرا، وزوجة تعينه على الآخرة» رواه الأعمش عن سالم نحوه.
رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم
ومنهم الشانئ للزائل الدني، والمحب للباقي السني، رافع أبو البهي، مولى النبي المنتخب الصفي، صلى الله عليه وسلم.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا المقدام بن داود ثنا أسد بن موسى ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن عمرو بن سعيد: أن عبدا كان بين بني سعيد - يعنى ابن العاص - فأعتقوه إلا وحدا منهم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستشفع به على الرجل وكلمه فيه فوهب الرجل نصيبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول: أنا مولى النبي صلى الله عليه وسلم وكان اسمه رافعا أبا البهي.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا طالب بن قرة ثنا محمد بن عيسى الطباع ثنا القاسم بن موسى عن زيد بن واقد عن مغيث بن سمي - وكان قاضيا لعبد الله بن الزبير - عن عبد الله بن عمرو. قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: «مؤمن مخموم القلب، صدوق اللسان» . قيل له وما المخموم القلب؟ قال: «التقى الله عز وجل، النقى الذى لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد» . قالوا فمن يليه يا رسول الله؟ قال: «الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة» قالوا ما يعرف هذا فينا إلا رافعا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: فمن يليه؟ قال: «مؤمن في خلق حسن» .
أسلم أبو رافع
ومنهم أسلم أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم قبل بدر
وكان يكتم إسلامه مع العباس، ثم قدم بكتاب قريش إلى المدينة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وأظهر إسلامه ليقيم بها فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال:«إنا لا نحبس البرد، ولا نخيس العهد» . كان ممن أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه يصيبه بعده فقر، ونهاه أن يكنز فضول المال، وأعلمه عقوبة من يحوز المال ويكنزه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا المقدام بن داود ثنا أسد بن موسى ثنا حاتم ابن إسماعيل عن كثير بن زيد عن المطلب عن أبي رافع. قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع فقال: «أف أف أف» . وليس معه أحد غيري فقلت: بأبي أنت وأمي. قال: «صاحب هذه الحفرة استعملته على بنى فلان فخان فى ببردة، فأريتها عليه تلتهب» .
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ثنا صالح بن زياد. وحدثنا محمد بن علي ثنا الحسين بن محمد بن حماد ثنا المغيرة بن عبد الرحمن. قالا: ثنا عثمان بن عبد الرحمن. وحدثت عن أبي جعفر محمد بن إسماعيل ثنا الحسن بن علي الحلواني ثنا يزيد بن هارون - واللفظ له -. قالوا: ثنا الجراح بن منهال عن الزهري عن سليم مولى أبي رافع عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم. قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف بك يا أبا رافع إذا افتقرت؟» قلت أفلا أتقدم في ذلك.
قال «بلى! قال ما مالك؟» . قلت أربعون ألفا وهي لله عز وجل، قال «لا أعط بعضا وأمسك بعضا، وأصلح إلى ولدك» قال قلت أولهم علينا يا رسول الله حق كما لنا عليهم؟ قال: «نعم! حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتاب» وقال عثمان بن عبد الرحمن: «كتاب الله عز وجل، والرمي، والسباحة» زاد يزيد: «وأن يورثه طيبا» قال: ومتى يكون فقري؟ قال: «بعدي» قال أبو سليم: فلقد رأيته افتقر بعده حتى كان يقعد فيقعد فيقول: من يتصدق على الشيخ الكبير الأعمى، من يتصدق على رجل أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيفتقر بعده من يتصدق فإن يد الله هي العليا، ويد المعطي الوسطى ويد السائل السفلى. ومن سأل عن ظهر غنى كان له شية يعرف بها يوم القيامة ولا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي. قال فلقد رأيت رجلا أعطاه
أربعة دراهم فرد عليه منها درهما فقال: يا عبد الله لا ترد علي صدقتي.
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاني أن أكنز فضول المال. قال أبو سليم: فلقد رأيته بعد استغنى. حتى أتى له عاشر عشرة. وكان يقول ليت أبا رافع مات في فقره - أو وهو فقير - قال: ولم يكن يكاتب مملوكه إلا بثمنه الذي اشتراه به.
سلمان الفارسي
ومنهم سابق الفرس، ورائق العرس، الكادح الذي لا يبرح، والزاخر الذي لا ينزح، الحكيم، والعابد العليم؛ أبو عبد الله سلمان ابن الإسلام، رافع الألوية والأعلام، أحد الرفقاء والنجباء، ومن إليه تشتاق الجنة من الغرباء، ثبت على القلة والشدائد، لما نال من الصلة والزوائد.
وقد قيل: إن التصوف مقاساة القلق، في مراعاة العلق.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو حذيفة ثنا عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السباق أربع: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة» .
• حدثنا أبو سعيد أحمد بن أبتاه
(1)
بن شيبان العباداني - بالبصرة - ثنا الحسن بن إدريس السجستاني ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الوسيم بن جميل حدثني محمد بن مزاحم عن صدقة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن سلمان: أنه تزوج امرأة من كندة فبنى بها في بيتها، فلما كان ليلة البناء مشى معه أصحابه حتى أتى بيت امرأته، فلما بلغ البيت قال: ارجعوا آجركم الله، ولم يدخلهم عليها كما فعل السفهاء. فلما نظر إلى البيت والبيت منجد قال: أمحموم بيتكم، أم تحولت الكعبة في كندة؟ قالوا ما بيتنا بمحموم، ولا تحولت الكعبة في كندة. فلم يدخل البيت حتى نزع كل ستر في البيت غير ستر الباب. فلما دخل رأى متاعا كثيرا فقال لمن
(1)
كذا فى الاصلين ولم نقف عليه.
هذا المتاع؟ قالوا متاعك ومتاع امرأتك. قال: ما بهذا أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم، أوصاني خليلي أن لا يكون متاعي من الدنيا إلا كزاد الراكب ورأى خدما فقال لمن هذا الخدم؟ فقالوا خدمك وخدم امرأتك. فقال: ما بهذا أوصاني خليلي، أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن لا أمسك إلا ما أنكح، أو أنكح، فإن فعلت فبغين كان علي مثل أوزارهن من غير أن ينتقص من أوزارهن شيء. ثم قال للنسوة التي عند امرأته: هل أنتن مخرجات عني؟ مخليات بيني وبين امرأتي؟ قلن نعم! فخرجن فذهب إلى الباب حتى أجافه، وأرخى الستر. ثم جاء حتى جلس عند امرأته فمسح بناصيتها ودعا بالبركة، فقال لها: هل أنت مطيعتي في شيء آمرك به؟ قالت جلست مجلس من يطاع.
قال: فإن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني إذا اجتمعت إلى أهلي أن أجتمع على طاعة الله عز وجل، فقام وقامت إلى المسجد فصليا ما بدا لهما، ثم خرجا فقضى منها ما يقضي الرجل من امرأته، فلما أصبح غدا عليه أصحابه فقالوا: كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنهم، ثم أعادوا فأعرض عنهم، ثم أعادوا فأعرض عنهم. ثم قال: إنما جعل الله تعالى الستور والخدور والأبواب لتواري ما فيها، حسب امرئ منكم أن يسأل عما ظهر له، فأما ما غاب عنه فلا يسألن عن ذلك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«المتحدث عن ذلك كالحمارين يتسافدان في الطريق» .
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن بكار الصيرفي ثنا الحجاج بن فروخ الواسطي ثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه. قال: قدم سلمان من غيبة له، فتلقاه عمر فقال أرضاك لله تعالى عبدا. قال فزوجني، قال فسكت عنه. فقال:
أترضاني لله عبدا ولا ترضاني لنفسك؟ فلما أصبح أتاه قوم عمر، فقال حاجة؟ قالوا نعم! قال وما هي؟ إذا تقضى؟ قالوا: تضرب عن هذا الأمر - يعنون خطبته إلى عمر - فقال: أما والله ما حملنى على هذا إمرته ولا سلطانه ولكن قلت رجل صالح عسى الله أن يخرج مني ومنه نسمة صالحة. قال:
فتزوج في كندة فلما جاء يدخل على أهله إذا البيت منجد، وإذا فيه نسوة،
فقال: أتحولت الكعبة في كندة أم هي حمى؟ أمرني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إذا تزوج أحدنا أن لا يتخذ من المتاع إلا أثاثا كأثاث المسافر، ولا يتخذ من النساء إلا ما ينكح أو ينكح قال فقمن النسوة فخرجن فهتكن ما في البيت ودخل على أهله. فقال: يا هذه أتطيعيني أم تعصيني؟ فقالت: بل أطيع فمرني بما شئت، فقد نزلت منزلة المطاع. فقال: إن خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا دخل أحدنا على أهله أن يقوم فيصلي، ويأمرها فتصلي خلفه، ويدعو ويأمرها أن تؤمن ففعل وفعلت، قال: فلما أصبح جلس في مجلس كندة. فقال له رجل: يا أبا عبد الله كيف أصبحت؟ كيف رأيت أهلك؟ فسكت عنه، فعاد، فسكت عنه، ثم قال ما بال أحدكم يسأل عن الشئ قد وارته الأبواب والحيطان، إنما يكفي أحدكم أن يسأل عن الشئ أجيب أو سكت عنه.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحيى ثنا مسعر ثنا عمرو بن مرة عن أبي البحتري قال: سئل علي بن أبي طالب عن سلمان رضي الله تعالى عنهما. فقال: تابع العلم الأول، والعلم الآخر، ولا يدرك ما عنده.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ثنا حبان بن علي ثنا عبد الملك بن جريج عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه، وعن رجل عن زاذان الكندي، قالا:
كنا عند علي رضي الله تعالى عنه ذات يوم، فوافق الناس منه طيب نفس ومزاح، فقالوا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن أصحابك، قال عن أي أصحابي؟ قالوا: عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قال كل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أصحابي فعن أيهم؟ قالوا عن الذين رأيناك تلطفهم بذكرك، والصلاة عليهم دون القوم حدثنا عن سلمان، قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم؟ ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، بحر لا ينزف.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن عطاء ثنا أحمد بن عمرو البزاز ثنا السري بن محمد الكوفي ثنا قبيصة بن عقبة ثنا عمار بن زريق عن أبي صالح عن أم الدرداء عن أبي الدرداء: أن سلمان رضي الله تعالى عنه دخل عليه فرأى امرأته رثة الهيئة، فقال: مالك؟ قالت إن أخاك
لا يريد النساء، إنما يصوم النهار ويقوم الليل، فأقبل على أبي الدرداء فقال:
إن لأهلك عليك حقا، فصل، ونم وصم، وأفطر. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«لقد أوتي سلمان من العلم» رواه الأعمش عن ابن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء.
• حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة ثنا أحمد بن علي بن المثنى ثنا زهير بن حرب ثنا جعفر بن عون ثنا أبو العميس عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه، قال: جاء سلمان يزور أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة فقال ما شأنك؟ قالت: إن أخاك ليست له حاجة في شيء من الدنيا، يقوم الليل ويصوم النهار، فلما جاء أبو الدرداء رحب به سلمان فقرب إليه طعام، فقال له سلمان اطعم قال إني صائم، فقال سلمان أقسمت عليك إلا طعمت، قال:
(1)
ما أنا بآكل حتى تأكل. قال:
فأكل معه وبات عنده، فلما كان من الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان. ثم قال: يا أبا الدرداء إن لربك عز وجل عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا! أعط كل ذي حق حقه، صم، وأفطر، وقم، ونم، وائت أهلك، فلما كان عند وجه الصبح قال قم الآن، فقاما وتوضيا وصليا، ثم خرجا إلى الصلاة، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه أبو الدرداء، فأخبره بما قال سلمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا» مثل ما قال سلمان.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن ابن سفيان ثنا عبد الله بن براد الأشعري ثنا محمد بن بشر ثنا مسعر حدثني عمرو بن مرة عن أبي البختري، قال: صحب سلمان رضي الله تعالى عنه رجل من بني عبس، قال فشرب من دجلة شربة، فقال له سلمان: عد فاشرب قال قد رويت، قال أترى شربتك هذه نقصت منها؟ قال وما ينقص منها شربة شربتها! قال كذلك العلم لا ينقص فخذ من العلم ما ينفعك.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا محمد بن الحسن بن علي بن بحر ثنا محمد بن مرزوق ثنا عبيد بن
(1)
كذا فى الأصلين ولعل لفظة (قال) زائدة.
واقد ثنا حفص بن عمر السعدي عن عمه. قال قال سلمان لحذيفة: يا أخا بني عبس إن العلم كثير، والعمر قصير، فخذ من العلم ما تحتاج إليه في أمر دينك، ودع ما سواه فلا تعانه.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا قتيبة بن سعيد وأبو كامل. قالا: ثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن أبي البختري: أن جيشا من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان الفارسي فحاصروا قصرا من قصور فارس، فقالوا يا أبا عبد الله ألا ننهد إليهم؟ فقال: دعونى أدعوهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم. فقال لهم: إنما أنا رجل منكم فارسي، أترون العرب تطيعني؟ فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا وعليكم مثل الذي علينا، وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه، وأعطيتمونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون - قال ورطن إليهم بالفارسية وأنتم غير محمودين - وإن أبيتم نابذناكم على سواء. فقالوا: ما نحن بالذي نؤمن، وما نحن بالذى نعطى الجزية، ولكنا نقاتلكم. قالوا يا أبا عبد الله ألا ننهد إليهم؟ قال لا، فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا، ثم قال: انهدوا إليهم، فنهدوا إليهم، قال:
ففتحوا ذلك الحصن، ورواه حماد وجرير وإسرائيل وعلي بن عاصم عن عطاء نحوه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي قال: أقبل سلمان في ثلاثة عشر راكبا - أو اثني عشر راكبا - من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلما حضرت الصلاة قالوا تقدم يا أبا عبد الله، قال: إنا لا نؤمكم، ولا ننكح نساءكم إن الله تعالى هدانا بكم، قال فتقدم رجل من القوم فصلى أربع ركعات فلما سلم. قال سلمان: ما لنا وللمربعة، إنما كان يكفينا نصف المربعة ونحن إلى الرخصة أحوج. قال عبد الرزاق: يعني في السفر.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق ثنا الثوري عن أبيه عن المغيرة بن شبيل عن طارق بن شهاب: أنه بات عند سلمان لينظر ما اجتهاده، قال فقام يصلي من آخر الليل فكأنه لم ير الذي كان يظن، فذكر ذلك له فقال سلمان حافظوا على هذه الصلوات الخمس، فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم تصب المقتلة - يعني الكبائر - فإذا صلى الناس العشاء صدروا على ثلاث منازل.
منهم من عليه ولا له، ومنهم له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فركب رأسه في المعاصي فذلك عليه ولا له، ومنهم من اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلي فذلك له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه فرجل صلى ثم نام فذلك لا له ولا عليه. إياك والحقحقة، وعليك بالقصد والدوام.
• حدثنا القاسم بن أحمد بن القاسم ثنا محمد بن الحسين الخثعمي ثنا عباد بن يعقوب ثنا موسى بن عمير ثنا أبو ربيعة الأيادي عن أبى بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنهم. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«نزل علي الروح الأمين فحدثني أن الله تعالى يحب أربعة من أصحابي» فقال له من حضر من هم يا رسول الله؟ فقال: «علي، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد» رضي الله تعالى عنهم.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا جعفر بن محمد بن عيسى ثنا محمد بن حميد ثنا إبراهيم بن المختار ثنا عمران بن وهب الطائي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه. قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بقول:
«اشتاقت الجنة إلى أربعة؛ علي، والمقداد، وعمار، وسلمان» .
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا الحسين بن على بن الوليد الفسوى ثنا أحمد ابن حاتم ثنا عبد الله بن عبد القدوس الرازي ثنا عبيد المكتب حدثني أبو الطفيل عامر بن وائلة حدثني سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه: قال: كنت رجل من أهل جي، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء فقيل لي إن الدين الذي تطلب إنما هو قبل المغرب، فخرجت حتى أتيت أداني أرض الموصل فسألت عن أعلم أهلها فدللت على رجل في قبة - أو في صومعة - فأتيته فقلت: إني رجل من المشرق وقد جئت في طلب الخير، فإن رأيت أن أصحبك وأخدمك وتعلمني مما علمك الله؟ قال نعم! فصحبته فأجرى علي مثل الذي يجري عليه من الحبوب والخل والزيت، فصحبته ما شاء الله أن أصحبه، ثم نزل به الموت. فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي. قال: ما يبكيك؟ قلت انقطعت من بلادي في طلب
الخير، فرزقني الله تعالى صحبتك فأحسنت صحبتي وعلمتني مما علمك الله.
وقد نزل بك الموت فلا أدرى أين أذهب؟ قال بلى أخ لى بمكان كذا وكذا فائته فاقرأه مني السلام وأخبره أني أوصيت بك إليه واصحبه، فإنه على الحق، فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي قلت إن أخاك فلانا يقرئك السلام. قال: وعليه السلام ما فعل؟ قلت هلك وقصصت عليه قصتي ثم أخبرته أنه أمرني بصحبته فقبلني وأحسن صحبتي وأجرى علي مثل ما كان يجري علي عند الآخر، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكيه. فقال: ما يبكيك؟ فقلت أقبلت من بلادي فرزقني الله تعالى صحبة فلان فأحسن صحبتي، وعلمني مما علمه الله، فلما نزل به الموت أوصى بي إليك فأحسنت صحبتي، وعلمتني مما علمك الله، وقد نزل بك الموت فلا أدري أين أتوجه؟ قال: بلى أخ لى على درب الروم، ائته فأقرأه مني السلام وأخبره أني أمرتك بصحبته فاصحبه فإنه على الحق، فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي فقلت: إن أخاك فلانا يقرئك السلام، قال: وعليه السلام ما فعل؟ قلت: هلك، وقصصت عليه قصتي وأخبرته أنه أمرني بصحبتك فقبلني، وأحسن صحبتي، وعلمني مما علمه الله عز وجل. فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي فقال ما يبكيك؟ فقصصت عليه قصتي ثم قلت رزقني الله عز وجل صحبتك وقد نزل بك الموت فلا أدري أين أذهب؟ قال: لا أين، إنه لم يبق على دين عيسى بن مريم عليه السلام أحد من الناس أعرفه ولكن هذا أوان - أو إبان - نبي يخرج - أو قد خرج - بأرض تهامة فالزم قبتي، وسل من مر بك من التجار - وكان ممر تجار أهل الحجاز عليه إذا دخلوا الروم - وسل من قدم عليك من أهل الحجاز هل خرج فيكم أحد يتنبأ فإذا أخبروك أنه قد خرج فيهم رجل فأته فإنه الذي بشر به عيسى عليه السلام، وآيته أن بين كتفيه خاتم النبوة، وأنه يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة. قال فقبض الرجل ولزمت مكاني لا يمر بي أحد إلا سألته من أي بلاد أنتم حتى مر بي ناس من أهل مكة فسألتهم من أي بلاد أنتم؟ قالوا من الحجاز، فقلت هل خرج فيكم أحد يزعم أنه نبي؟ قالوا نعم! قلت هل لكم أن أكون عبدا لبعضكم على أن يحملني
عقبه ويطعمني الكسرة حتى يقدم بي مكة فإذا قدم بي مكة فإن شاء باع وإن شاء أمسك، قال رجل من القوم أنا، فصرت عبدا له فجعل يحملني عقبه، ويطعمني من الكسرة حتى قدمت مكة، فلما قدمت مكة
(1)
جعلني في بستان له مع حبشان، فخرجت خرجة فطفت مكة فإذا امرأة من أهل بلادي، فسألتها وكلمتها فإذا مواليها وأهل بيتها قد أسلموا كلهم، وسألتها عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يجلس في الحجر - إذا صاح عصفور مكة - مع أصحابه حتى إذا أضاء له الفجر نفرقوا. قال: فجعلت أختلف ليلتي كراهية أن يفتقدني أصحابي، قالوا مالك؟ قلت أشتكي بطني، فلما كانت الساعة التي أخبرتني أنه يجلس فيها أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو محتب في الحجر وأصحابه بين يديه، فجئته من خلفه صلى الله عليه وسلم فعرف الذي أريد، فأرسل حبوته فسقطت، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، قلت في نفسي الله أكبر هذه واحدة، فلما كان في الليلة المقبلة صنعت مثل ما صنعت في الليلة التي قبلها لا ينكرني أصحابي، فجمعت شيئا من تمر، فلما كانت الساعة التي يجلس فيها النبي صلى الله عليه وسلم أتيته فوضعت التمر بين يديه. فقال:«ما هذا» ؟ قلت صدقة، قال: لأصحابه: «كلوا» ولم يمد يديه. قال: قلت في نفسي الله أكبر هذه ثنتان، فلما كان في الليلة الثالثة جمعت شيئا من تمر ثم جئت في الساعة التي يجلس فيها فوضعته بين يديه، قال:«ما هذا؟» قلت: هدية فأكل وأكل القوم. قال: قلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
فسألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصتي فأخبرته. فقال: لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انطلق فاشتر نفسك» . فأتيت صاحبي فقلت:
يعنى نفسي. قال: نعم! أبيعك نفسك بأن تغرس لي مائة نخلة إذا أثبتت وتبين ثباتها أو نبتت وتبين نباتها جئتني بوزن نواة من ذهب. فأتيت النبى
(1)
كذا فى الأصلين وقصة إسلام سلمان فى المدينة بلا شك، راجع ترجمته فى المجلد الأول من تاريخ بغداد للخطيب البغدادى طبعتنا بتفصيل واف رقم (12).
صلى الله عليه وسلم فأخبرته. قال: «فأعطه الذى سألك، وجئنى بدلو من ماء البئر الذي يسقى - أو تسقي به - ذلك النخل» قال فانطلقت إلى الرجل فابتعت منه نفسي فشرطت له الذي سألني، وجئت بدلو من ماء البئر الذي يسقى به ذلك النخل، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فانطلقت فغرست به ذلك النخل. فو الله ما غدرت منه نخلة واحدة. فلما تبين ثبات النخل - أو نبات النخل - أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أنه قد تبين ثبات النخل - أو نباته - فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوزن نواة من ذهب فأعطانيها، فذهبت بها إلى الرجل
(1)
في كفة الميزان، ووضع له نواة في الجانب الآخر، فو الله ما قلت من الأرض.
فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: «لو كنت شرطت له وزن كذا وكذا لرجحت تلك القطعة عليه» فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكنت معه. رواه الثوري عن عبيد المكتب مختصرا. ورواه السلم بن الصلت العبدي عن أبي الطفيل مطولا
(2)
.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو حبيب يحيى بن نافع المصري ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب ثنا السلم بن الصلت العبدي عن أبي الطفيل البكري أن سلمان الخير حدثه. قال: كنت رجلا من أهل جي - مدينة أصبهان - فبينا أنا إذ ألقى الله تعالى فى قلبى من خلق السموات والأرض؟ فانطلقت إلى رجل لم يكن يكلم الناس يتحرج، فسألته أي الدين أفضل؟ فقال مالك ولهذا الحديث، أتريد دينا غير دين أبيك؟ قلت لا! ولكن أحب أن أعلم من رب السموات والأرض، وأي دين أفضل؟ قال ما أعلم أحدا على هذا غير راهب بالموصل، قال فذهبت إليه فكنت عنده فإذا هو قد أقتر عليه في الدنيا، فكان يصوم النهار ويقوم الليل، فكنت أعبد كعبادته، فلبثت عنده ثلاث سنين ثم توفي. فقلت إلى من توصي بي؟ فقال: ما أعلم أحدا من
(1)
كذا فى الأصلين ولعله سقط لفظ (فوضعتها) أو ما هذا معناه
(2)
وردت هذه القصة فى تاريخ بغداد طبعتنا بالتفصيل الوافى فى الجزء الأول ترجمة رقم 12
أهل المشرق على ما أنا عليه، فعليك براهب وراء الجزيرة فاقرأه مني السلام.
قال فجئته فأقرأته منه السلام وأخبرته أنه قد توفي، فمكثت أيضا عنده ثلاث سنين ثم توفي. فقلت: إلى من تأمرني أن أذهب؟ قال ما أعلم أحدا من أهل الأرض على ما أنا عليه غير راهب بعمورية شيخ كبير، وما أرى تلحقه أم لا فذهبت إليه فكنت عنده فإذا رجل موسع عليه، فلما حضرته الوفاة قلت له أين تأمرني أذهب؟ قال: ما أعلم أحدا من أهل الأرض على ما أنا عليه، ولكن إن أدركت زمانا تسمع برجل يخرج من بيت إبراهيم عليه السلام وما أراك تدركه - وقد كنت أرجو أن أدركه، فإن استطعت أن تكون معه فافعل فإنه الدين، وأمارة ذلك أن قومه يقولون ساحر مجنون كاهن، وأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وأن عند غضروف كتفه خاتم النبوة. قال فبينا أنا كذلك حتى أتت عير من نحو المدينة. فقلت: من أنتم؟ قالوا نحن من أهل المدينة ونحن قوم تجار نعيش بتجارتنا، ولكنه قد خرج رجل من أهل بيت إبراهيم فقدم علينا وقومه يقاتلونه، وقد خشينا أن يحول بيننا وبين تجارتنا، ولكنه قد ملك المدينة. قال فقلت ما يقولون فيه؟ قال يقولون ساحر مجنون كاهن، فقلت هذه الأمارة دلوني على صاحبكم، فجئته فقلت تحملني إلى المدينة، فقال ما تعطيني؟ قلت ما أجد شيئا أعطيك غير أني لك عبد، فحملني فلما قدمت جعلني في نخله فكنت أسقى كما يسقى البعير حتى دبر ظهري وصدري من ذلك، ولا أجد أحدا يفقه كلامي حتى جاءت عجوز فارسية تسقي، فكلمتها ففهمت كلامي فقلت لها أين هذا الرجل الذي خرج دليني عليه؟ قالت سيمر عليك بكرة إذا صلى الصبح من أول النهار، فخرجت فجمعت تمرا فلما أصبحت جئت ثم قربت إليه التمر. فقال:«ما هذا أصدقة أم هدية؟» فأشرت أنه صدقة. فقال: «انطلق إلى هؤلاء» وأصحابه عنده فأكلوا ولم يأكل، فقلت هذه الأمارة، فلما كان من الغد جئت بتمر فقال:
«ما هذا؟» فقلت هذه هدية، فأكل ودعا أصحابه فأكلوا، ثم رآني أتعرض لأنظر إلى الخاتم فعرف فألقى رداءه، فأخذت أقبله وألتزمه. فقال:
«ما شأنك؟» فسألني فأخبرته خبري. فقال «اشترطت لهم أنك عبد فاشتر نفسك منهم» فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم على أن يحيى له ثلاثمائة نخلة، وأربعين أوقية ذهبا ثم هو حر. قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اغرس» فغرس: «ثم انطلق فألق الدلو على البئر ثم ترفعه حين يرتفع، فإنه إذا امتلأ ارتفع، ثم رش في أصولها» ففعل فنبت النخل أسرع النبات. فقالوا سبحان الله! ما رأينا مثل هذا العبد! إن لهذا العبد لشأنا. فاجتمع عليه الناس فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم تبرا، فإذا فيه أربعون أوقية. ورواه محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن ابن عباس عن سلمان وقال: كنت فارسيا من أهل أصبهان من قرية جي. ورواه داود بن أبي هند عن سماك عن سلامة العجلي عن سلمان بطوله. وقال: كنت من أهل رامهرمز ورواه سيار عن موسى بن سعيد الراسبي عن أبي معاذ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن سلمان بطوله. ورواه إسرائيل عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي قرة الكندي عن سلمان.
• حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا محمد ابن محمد بن سليمان ثنا عبد الله بن العباس بن البختري حدثني خالد بن الحباب ثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسى. أنه قال: قد تداولنى بضعة عشر من رب إلى رب.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا محمد بن شعيب التاجر ثنا محمد بن عيسى الدامغاني ثنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر. قال: دخل سعد على سلمان رضي الله عنهم يعوده. فقال: أبشر أبا عبد الله توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض. قال كيف يا سعد؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليكن بلغة أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب» كذا رواه الدامغاني عن جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر. ورواه أبو معاوية وغيره عن الأعمش عن أبي سفيان عن أشياخه.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن أشياخه: أن سعد ابن أبي وقاص دخل على سلمان يعوده، فبكى سلمان. فقال له سعد: ما يبكيك
تلقى أصحابك، وترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحوض، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض. فقال: ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصا على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فقال:«ليكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب» وهذه الأساود حولي، وإنما حوله مطهرة - أو إنجانة -
(1)
ونحوها. فقال له سعد: اعهد إلينا عهدا نأخذ به بعدك. فقال له: اذكر ربك عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت. رواه مورق العجلي والحسن البصري وسعيد بن المسيب وعامر بن عبد الله عن سلمان.
• حدثنا أبي ثنا زكريا الساجي ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة عن حبيب عن الحسن وحميد عن مورق العجلي: أن سلمان لما حضرته الوفاة بكى، فقيل له ما يبكيك؟ قال عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال:«ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب» . قالا: فلما مات نظروا في بيته فلم يروا في بيته إلا إكافا ووطاء ومتاعا، قوم نحوا من عشرين درهما. وممن رواه عن الحسن السري بن يحيى، والربيع بن صبيح، والفضل بن دلهم، ومنصور بن زاذان، وغيرهم عن الحسن.
• حدثنا أبو يحيى
(2)
محمد بن الحسن بن كوثر ثنا بشر بن موسى ثنا عبد الصمد بن حسان ثنا السري بن يحيى عن الحسن. قال: لما حضر سلمان الوفاة جعل يبكي، فقيل له يا أبا عبد الله ما يبكيك؟ أليس فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض؟ فقال والله ما بى جزع الموت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا:«ليكن متاع أحدكم من الدنيا كزاد الراكب» .
• وحديث سعيد بن المسيب حدثناه أبي ثنا زكريا الساجي ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب: أن سعد بن مالك وعبد الله بن مسعود دخلا على سلمان رضي الله تعالى عنهم يعودانه فبكى. فقالا: ما يبكيك أبا عبد الله؟ فقال عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يحفظه أحد منا. قال: «ليكن بلاغ أحدكم كزاد
(1)
الانجانة: بالكسر هى الاجانة وعاء لغسل الثياب.
(2)
فى ز: ابو بحر.
الراكب.
• وحديث عامر بن عبد الله حدثناه أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن ابن سفيان ثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب أخبرني أبو هانئ عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عامر بن عبد الله عن سلمان الخير: أنه حين حضره الموت عرفنا فيه بعض الجزع. فقالوا: ما يجزعك أبا عبد الله وقد كان لك السابقة في الخير، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازي حسنة، وفتوحا عظاما؟ فقال: يحزنني أن حبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم عهد إلينا حين فارقنا فقال: «ليكف المؤمن كزاد الراكب» فهذا الذي أحزنني. قال: فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر دينارا. كذا قال عامر بن عبد الله دينارا، واتفق الباقون على بضعة عشر درهما. ورواه أنس بن مالك عن سلمان رضي الله تعالى عنهما.
• حدثناه عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أحمد بن عمرو والبزاز ثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني ثنا عبد الرزاق ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك. قال: دخلت على سلمان فقلت له لم تبكي؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن يكون زادك في الدنيا كزاد الراكب.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثني محمد بن عبيد بن ميمون الجدعاني ثنا عتاب بن بشير عن علي بن بذيمة. قال: بيع متاع سلمان رضي الله تعالى عنه فبلغ أربعة عشر درهما.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن داود المكي قال ثنا قيس بن حفص الدارمي ثنا مسلمة بن علقمة المازني ثنا داود بن أبي هند عن سماك بن حرب عن سلامة العجلي. قال: جاء ابن أخت لي من البادية يقال له قدامة. فقال لي: أحب أن ألقى سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه فأسلم عليه، فخرجنا إليه فوجدناه بالمدائن وهو يومئذ على عشرين ألفا، ووجدناه على سرير يسف خوصا، فسلمنا عليه قلت يا أبا عبد الله هذا ابن أخت لي قدم علي من البادية فأحب أن يسلم عليك، قال وعليه السلام ورحمة الله. قلت: يزعم أنه يحبك، قال أحبه الله.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سيار ثنا جعفر ثنا هشام ثنا الحسن. قال: كان عطاء سلمان رضي الله تعالى عنه خمسة آلاف
درهم، وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها، وإذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يده.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة ثنا مسعر ثنا عمر بن قيس عن عمرو بن أبي قرة الكندي. قال:
عرض أبي على سلمان أخته أن يزوجه فأبى، فتزوج مولاة يقال لها بقيرة، فبلغ أبا قرة أنه كان بين حذيفة وبين سلمان رضي الله تعالى عنهما شيء، فأتاه فطلبه فأخبر أنه فى مبقلة له، فتوجه إليه فلقيه ومعه زنبيل فيه بقل قد أدخل عصاه فى عروة الزنبيل وهو على عانقه، فانطلقنا حتى أتينا دار سلمان، فدخل الدار فقال السلام عليكم. ثم أذن لأبي قرة فإذا نمط موضوع، وعند رأسه لبنات وإذا قرطاط
(1)
. فقال: اجلس على فراش مولاتك التي تمهد لنفسها.
• حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن عبد الله بن عمار ثنا المعافى بن عمران عن عبد الأعلى بن أبي المساور عن عكرمة عن الحارث بن عميرة. قال: انطلقت حتى أتيت المدائن فاذا أنا برجل عليه ثياب خلقان ومعه أديم أحمر يعركه، فالتفت فنظر إلى فأومى بيده مكانك يا عبد الله! فقمت وقلت لمن كان عندي من هذا الرجل؟ قالوا: هذا سلمان. فدخل بيته فلبس ثياب بياض، ثم أقبل وأخذ بيدى أو صافحنى وسألني، فقلت يا عبد الله ما رأيتني فيما مضى ولا رأيتك، ولا عرفتني ولا عرفتك؟ قال بلى! والذي نفسي بيده لقد عرفت روحي روحك حين رأيتك، ألست الحارث بن عميرة؟ فقلت:
بلى! قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها في الله ائتلف، وما تناكر منها في الله اختلف» .
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا الحسن بن علي بن الوليد ثنا محمد بن الصباح ثنا سعيد بن محمد ثنا موسى الجهني عن زيد بن وهب عن عطية بن عامر. قال:
رأيت سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه أكره على طعام يأكله. فقال: حسبى حسبي. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أكثر الناس
(1)
فى ح: فرطاط بالفاء والقرطاط بالقاف الشئ اليسير.
شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة، يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي ومحمد بن عاصم. قالا:
ثنا أبو القاسم البغوي ثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا البختري يحدث عن رجل من بني عبس. قال: صحبت سلمان رضي الله تعالى عنه فذكر ما فتح الله تعالى على المسلمين من كنوز كسرى. فقال:
إن الذي أعطاكموه وفتحه لكم وخولكم لممسك خزائنه ومحمد صلى الله عليه وسلم حي، ولقد كانوا يصبحون وما عندهم دينار ولا درهم ولا مد من طعام ثم ذاك يا أخا بنى عبس، ثم مررنا ببيادر تذري. فقال: إن الذي أعطاكموه وخولكم وفتحه لكم لممسك خزائنه ومحمد صلى الله عليه وسلم حي، لقد كانوا يصبحون وما عندهم دينار ولا درهم ولا مد من طعام، ثم ذاك يا أخا بني عبس
(1)
رواه الأعمش ومسعر عن عمرو مثله. ورواه عطاء بن السائب عن أبو البختري نحوه.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا وكيع عن جعفر بن برقان عن حبيب بن أبي مرزوق عن ميمون بن مهران عن رجل من بني عبد القيس. قال: رأيت سلمان فى سرية هو أميرها، على حمار وعليه سراويل وخدمتاه تذبذيان والجند يقولون قد جاء الأمير.
فقال: سلمان إنما الخير والشر بعد اليوم.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبو صالح الحكم بن موسى ثنا ضمرة عن ابن شوذب، قال: كان سلمان رضي الله تعالى عنه يحلق رأسه زقية
(2)
قال فيقال له ما هذا يا أبا عبد الله؟ فقال إنما العيش عيش الآخرة.
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا مسعدة بن سعد العطار ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد
(3)
عن الوليد بن رباح أن سهل بن حنيف حدثه: أنه كان بين سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وبين إنسان منازعة. فقال سلمان:
(1)
هذه العبارة وردت مكررة هكذا فى ح. ولم ترد فى ز غير مرة.
(2)
الزقية:
بضم الزاى حلقة منسوبة إلى الترقيق. وذلك حلق الرأس كله حكاه فى النهاية.
(3)
فى ح: ابن زائد. وفى ز: ابن زيد وهو من رجال الخلاصة.
اللهم إن كان كاذبا فلا تمنه حتى يدركه أحد الثلاثة؛ فلما سكن عنه الغضب قلت يا أبا عبد الله ما الذي دعوت به على هذا؟ قال أخبرك، فتنة الدجال، وفتنة أمير كفتنة الدجال، وشح شحيح يلقى على الناس إذا أصاب الرجل لا يبالي مما أصابه.
• حدثنا محمد بن علي ثنا عبد الله بن محمد المنيعي ثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري: أن سلمان رضي الله تعالى عنه. دعا رجلا إلى طعامه، فجاء مسكين فأخذ الرجل كسرة فناوله، فقال سلمان: ضعها من حيث أخذتها، فإنما دعوناك لتأكل، فما رغبتك أن يكون الأجر لغيرك والوزر عليك.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة قال سمعت حبب بن الشهيد يحدث عن عبد الله بن بريدة: أن سلمان كان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئا اشترى به لحما - أو سمكا - ثم يدعو المجذمين فيأكلون معه.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا سفيان بن وكيع ثنا أبو خالد الأحمر عن أبي غفار عن أبي عثمان النهدي أن سلمان الفارسي. قال: إني لأحب أن آكل من كد يدي.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا أبو مسلم الكشي ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان رضي الله تعالى عنه. قال: لو يعلم الناس عون الله للضعيف ما غالوا بالظهر.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا معاذ بن المثنى ثنا عبد الله ابن سوار ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت البناني: أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان رضى الله عنهما يخطب عليه امرأة من بني ليث، فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه، وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة. فقالوا: أما سلمان فلا نزوجه، ولكنا نزوجك فتزوجها ثم خرج. فقال: إنه قد كان شيء، وإني أستحي أن أذكره لك، قال: وما ذاك؟ فأخبره أبو الدرداء بالخبر. فقال سلمان: أنا أحق أن أستحي منك أن أخطبها وكان الله تعالى قد قضاها لك.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثني إسماعيل بن إبراهيم ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي. قالا: ثنا أيوب عن
أبي قلابة: أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن، فقال: ما هذا؟ فقال بعثنا الخادم في عمل - أو قال في صنعة - فكر هنا أن نجمع عليه عملين - أو قال صنعتين - ثم قال: فلان يقرئك السلام، قال: متى قدمت؟ قال منذ كذا وكذا. قال فقال: أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة بن معن قال حدثني أبي عن أبيه عن الأعمش عن أبي البختري قال: جاء الأشعث ابن قيس وجرير بن عبد الله البجلي إلى سلمان رضي الله عنهم فدخلا عليه في خص في ناحية المدائن، فأتياه فسلما عليه وحيياه ثم قالا: أنت سلمان الفارسي؟ قال نعم! قالا: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أدري.
فارتابا وقالا: لعله ليس الذي نريد. فقال لهما: أنا صاحبكما الذى تريدان، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجالسته، وإنما صاحبه من دخل معه الجنة فما حاجتكما؟ قالا: جئناك من عند أخ لك بالشام، قال من هو؟ قالا:
أبو الدرداء قال فأين هديته التي أرسل بها معكما؟ قالا ما أرسل معنا بهدية؛ قال اتقيا الله وأديا الأمانة، ما جاءني أحد من عنده إلا جاء معه بهدية. قالا:
لا ترفع علينا هذا إن لنا أموالا فاحتكم فيها. فقال ما أريد أموالكما، ولكن أريد الهدية التي بعث بها معكما. قالا: لا والله ما بعث معنا بشيء! إلا أنه قال إن فيكم رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا به لم يبغ أحدا غيره، فإذا أتيتماه فأقرئاه مني السلام. قال: فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه؟ وأي هدية أفضل من السلام تحية من عند الله مباركة طيبة؟.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جرير عن الأعمش عن العلاء بن بدر عن أبي نهيك وعبد الله بن حنظلة. قال: كنا مع سلمان في جيش فقرأ رجل سورة مريم، قال فسبها رجل وابنها، قال فضربناه حتى أدميناه. قال فأتى سلمان اشتكى، وقبل ذلك ما كان قد اشتكى إليه.
قال وكان الإنسان إذا ظلم اشتكى إلى سلمان، قال فأتانا فقال: لم ضربتم هذا الرجل؟ قال قلنا قرأنا سورة مريم فسب مريم وابنها، قال ولم تسمعونهم ذاك؟
ألم تسمعوا قول الله عز وجل {(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} . {بما كانوا يعملون)} ثم قال: يا معشر العرب ألم تكونوا شر الناس دينا، وشر الناس دارا، وشر الناس عيشا، فأعزكم الله وأعطاكم، أتريدون أن تأخذوا الناس بعزة الله، والله لتنتهن أو ليأخذن الله عز وجل ما في أيديكم فليعطينه غيركم، ثم أخذ يعلمنا، فقال: صلوا ما بين صلاتي العشاء، فإن أحدكم يخفف عنه من حزبه، ويذهب عنه ملغاة أول الليل، فإن ملغاة أول الليل مهدمة لآخره، رواه أبو إسرائيل الملائي عن العلاء نحوه.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم ثنا يزيد بن عبد العزيز عن الأعمش قال سمعتهم يذكرون: أن حذيفة قال لسلمان رضي الله تعالى عنهما: يا أبا عبد الله ألا أبني لك بيتا؟ قال فكره ذلك، قال رويدك حتى أخبرك أني أبني لك بيتا إذا اضطجعت فيه، رأسك من هذا الجانب ورجلاك من الجانب الآخر، وإذا قمت أصاب رأسك، قال سلمان: كأنك في نفسي.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سالم ثنا هناء بن السري ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن جرير، قال قال سلمان: يا جرير تواضع لله فإنه من تواضع لله تعالى في الدنيا رفعه يوم القيامة، يا جرير هل تدري ما الظلمات يوم القيامة؟ قلت لا أدري، قال ظلم الناس بينهم في الدنيا، قال ثم أخذ عويدا لا أكاد أن أراه بين أصبعيه. قال: يا جرير لو طلبت في الجنة مثل هذا العود لم تجده، قال قلت يا أبا عبد الله فأين النخل والشجر؟ قال أصولها اللؤلؤ والذهب، وأعلاها الثمر، ورواه جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه نحوه.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا وكيع ثنا الأعمش عن شمر بن عطية، أن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: أكثر الناس ذنوبا يوم القيامة أكثرهم كلاما في معصية الله عز وجل.
• حدثنا محمد بن علي ثنا أبو القاسم البغوي ثنا علي بن الجعد أخبرنا زهير عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب، قال قال سلمان رضي الله تعالى عنه: إني لأعد عراق القدر، مخافة أن أظن بخادمي، رواه الثوري عن أبي إسحاق مثله.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا أبو العباس السراج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جرير عن الأعمش عن عبيد بن أبي الجعد عن رجل من أشجع. قال: سمع الناس بالمدائن أن سلمان في المسجد، فأتوه فجعلوا يثوبون إليه حتى اجتمع إليه نحو من ألف. قال فقام فجعل يقول: اجلسوا اجلسوا، فلما جلسوا فتح سورة يوسف يقرؤها، فجعلوا يتصدعون ويذهبون حتى بقي في نحو من مائة.
فغضب وقال: الزخرف من القول أردتم؟ ثم قرأت عليكم كتاب الله فذهبتم! كذا رواه الثوري عن الأعمش. وقال: الزخرف تريدون؟ آية من سورة كذا وآية من سورة كذا.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري. قال: جاء رجل إلى سلمان رضي الله تعالى عنه فقال ما أحسن صنيع الناس اليوم، إني سافرت فو الله ما أنزل بأحد منهم إلا كما أنزل على ابن أبي، قال ثم قال من حسن صنيعهم ولطفهم. قال: يا ابن أخي ذاك طرفة الإيمان ألم تر الدابة إذا حمل عليها حملها انطلقت به مسرعة، وإذا تطاول بها السير تتلكأ.
• حدثنا الحسن بن علان ثنا محمد بن هارون بن بدينا ثنا محمد بن الصباح ثنا جرير عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عن سلمان. قال: لكل امرئ جواني وبراني فمن يصلح جوانيه يصلح الله برانيه، ومن يفسد جوانيه يفسد الله برانيه.
رواه الثوري ووهب وخالد عن عطاء مثله.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا جرير وأبو معاوية عن الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب عن سلمان رضي الله تعالى عنه. قال: دخل رجل الجنة في ذباب، ودخل آخر النار في ذباب.
قالوا: وكيف ذاك؟ قال مر رجلان ممن كان قبلكم على ناس معهم صنم لا يمر بهم أحد إلا قرب لصنمهم. فقالوا لأحدهم: قرب شيئا قال ما معي شيء قالوا: قرب ولو ذبابا فقرب ذبابا ومضى فدخل النار، وقالوا للآخر قرب شيئا قال ما كنت لأقرب لأحد دون الله فقتلوه فدخل الجنة. رواه شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق مثله. ورواه جرير من منصور عن المنهال بن عمرو عن حيان بن
مرثد عن سلمان نحوه.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق بن رهويه أخبرنا جرير عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان.
قال: لو بات رجل يعطى [البيض] القيان
(1)
وبات آخر يتلو كتاب الله عز وجل ويذكر الله تعالى. قال سليمان: كأنه يرى أن الذي يذكر الله أفضل. رواه يحيى القطان عن سليمان التيمي. قال: لو بات رجل يطاعن الأقران، لكان الذاكر التالي أفضل.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى القطان: به.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أحمد بن علي الجارود ثنا عبد الله بن سعيد الكندي ثنا حفص بن غياث وأبو يحيى التيمي. قالا:
عن ليث عن عثمان عن زاذان عن سلمان رضي الله تعالى عنه. قال: إن الله تعالى إذا أراد بعبد شرا، أو هلكة نزع منه الحياء فلم تلقه إلا مقيتا ممقتا، فاذا كان مقيتا ممقتا نزعت منه الرحمة فلم تلقه إلا فظا غليظا، فإذا كان كذلك نزعت منه الأمانة فلم تلقه إلا خائنا مخونا، فاذا كان كذلك نزعت ربقة الإسلام من عنفه فكان لعينا ملعنا.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد الرازي ثنا هناد بن السري ثنا وكيع عن محمد بن قيس عن سلم بن عطية الأسدي. قال: دخل سلمان رضي الله تعالى عنه على رجل يعوده وهو في النزع، فقال أيها الملك ارفق به، قال يقول الرجل: إنه يقول إني بكل مؤمن رفيق.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن زهير ثنا أبو إسحاق عن أوس بن ضمعج. قال: سألنا سلمان رضي الله تعالى عنه عن عمل نعمله فقال: تفشي السلام، وتطعم الطعام، وتصلي والناس نيام.
• حدثنا أبو محمد بن شعيب ثنا عبد الله بن محمد البغوي ثنا عبد بن محمد التيمي حدثنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان رضي الله تعالى عنه. قال: ما من مسلم يكون بقي
(2)
من الأرض فيتوضأ، أو يتيمم ثم يؤذن ويقيم إلا أم جنودا من
(1)
كذا بالأصلين وفى النهاية بزيادة البيض، وأراد بالقيان الإماء والعبيد.
(2)
البقى بالكسر والتشديد: الأرض القفر الخالية، كما فى النهاية فى هذا الخبر.
الملائكة لا يرى طرفهم - أو قال لا يرى طرفاهم -.
• حدثنا أحمد بن جعفر ابن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني مصعب بن عبد الله حدثني مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد: أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهما: أن هلم إلى الأرض المقدسة. فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحدا، وإنما يقدس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا فإن كنت تبرئ فنعما لك، وإن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النار. فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين فأدبرا عنه نظر إليهما وقال: متطبب والله، ارجعا إلي أعيدا قصتكما. رواه جرير عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن هبيرة: أن سلمان كتب إليه فذكر نحو.
• حدثنا أبو بكر ابن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الصمد بن حسان ثنا السري بن يحيى عن مالك بن دينار: أن سلمان كتب إلى أبي الدرداء: إنه بلغني أنك جلست طبيبا تداوي الناس، فانظر أن تقتل مسلما فتجب لك النار.
• حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن سلمان رضي الله تعالى عنه. قال: مثل القلب والجسد مثل أعمى ومقعد قال المقعد إني أرى ثمرة ولا أستطيع أن أقوم إليها فاحملني فحمله فأكل وأطعمه.
• حدثنا محمد بن علي ثنا عبد الله بن المنعي ثنا محمد بن جعفر الوركاني ثنا أبو معشر عن محمد بن كعب عن المغيرة بن عبد الرحمن. قال: لقي سلمان الفارسي عبد الله بن سلام، قال إن مت قبلي فأخبرني ما تلقى، وإن مت قبلك أخبرك قال: فمات سلمان فرآه عبد الله بن سلام فقال كيف أنت يا أبا عبد الله؟ قال بخير قال: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال وجدت التوكل شيئا عجيبا. رواه على ابن زيد ويحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب مثله. قال سلمان:
عليك بالتوكل، نعم الشئ التوكل ثلاث مرار.
• حدثنا أبو أحمد ثنا عبد الله ابن محمد بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا جرير عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان. قال: كانت امرأة فرعون تعذب، فإذا انصرفوا أظلتها
الملائكة بأجنحتها، وترى بيتها في الجنة وهي تعذب.
• حدثنا أبو أحمد محمد ابن أحمد ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه ثنا جرير ثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قال: جوع لإبراهيم عليه السلام أسدان، ثم أرسلا عليه فجعلا يلحسانه ويسجدان له.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير بن مطعم: أن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه كان يلتمس مكانا يصلي فيه. فقالت له علجة: التمس قلبا طاهرا، وصل حيث شئت. فقال فقهت. رواه جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران نحوه.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا كثير بن هشام ثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران. قال: نزل حذيفة وسلمان رضي الله تعالى عنهما على نبطية. فقالا لها: هل هاهنا مكان طاهر نصلي فيه؟ فقالت النبطية طهر قلبك، فقال أحدهما للآخر خذها حكمة من قلب كافر.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا عبد السلام بن حرب عن عطاء بن السائب عن أبي البختري. قال: أصاب سلمان جارية. فقال لها بالفارسية: صلي قالت: لا. قال اسجدي واحدة قالت لا. فقيل يا أبا عبد الله وما تغني عنها سجدة؟ قال إنها لوصلت
(1)
صلت وليس من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة عن سعيد بن وهب. قال: دخلت مع سلمان رضي الله تعالى عنه على صديق له من كندة يعوده فقال له سلمان إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالبلاء ثم يعافيه فيكون كفارة لما مضى، فيستعتب فيما بقي، وإن الله عز اسمه يبتلي عبده الفاجر بالبلاء ثم يعافيه فيكون كالبعير عقله أهله ثم أطلقوه، فلا يدري فيم عقلوه حين عقلوه، ولا فيم أطلقوه حين أطلقوه.
• حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد حدثنا عبد الرحمن بن داود قال ثنا أحمد بن عبد الوهاب ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان بن عمرو ثنا أبو سعيد
(1)
بهامش ز: لوصلت «أى السجدة» صلت «أى الخمس» .
الوهبي عن سلمان الخير رضي الله تعالى عنه. قال: إنما مثل المؤمن في الدنيا كمثل مريض معه طبيبه الذي يعلم داءه ودواءه، فإذا اشتهى ما يضره منعه وقال لا تقربه فإنك إن أصبته أهلكك، ولا يزال يمنعه حتى يبرأ من وجعه، وكذلك المؤمن يشتهي أشياء كثيرة مما فضل به غيره من العيش فيمنعه الله إياه ويحجزه عنه، حتى يتوفاه فيدخله الجنة.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل حدثني أبي ثنا كثير بن هشام ثنا جعفر بن برقان. قال: بلغنا أن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه كان يقول: أضحكني ثلاث، وأبكاني ثلاث، ضحكت من مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل لا يغفل عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أمسخط ربه أم مرضيه. وأبكاني ثلاث، فراق الأحبة محمد وحزبه، وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي رب العالمين حين لا أدري إلى النار انصرافي أم إلى الجنة.
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا محمد بن علي الصايغ ثنا محمد بن معاوية ثنا الهذيل بن بلال الفزاري عن سالم مولى زيد بن صوحان. قال: كنت مع مولاي زيد بن صوحان فى في السوق، فمر علينا سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وقد اشترى وسقا من طعام. فقال له زيد: يا أبا عبد الله تفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت وتفرغت للعبادة وأيس منها الوسواس.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ثنا أبو المعتمر ثنا سفيان بن عيينة ثنا ابن أبي غنية عن أبيه. قال قال سلمان: إن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا علي بن حجر ثنا حماد بن عمرو عن سعيد بن معروف عن سعيد بن سوقة. قال: دخلنا على سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه نعوده وهو مبطون، فأطلنا الجلوس عنده فشق عليه فقال لامرأته: ما فعلت بالمسك الذي جئنا به من بلنجر؟ فقالت هو ذا. قال ألقيه في الماء، ثم اضربي بعضه ببعض ثم انضحي حول فراشي، فإنه الآن يأتينا قوم ليسوا بإنس ولا جن ففعلت وخرجنا عنه، ثم أتيناه فوجدناه قد قبض رضي الله تعالى عنه.
• حدثنا
سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أبو هشام الرفاعي ثنا عبد الله بن موسى ثنا شيبان عن فراس عن الشعبي قال حدثني الخزل
(1)
عن امرأة سلمان بقيرة. قالت: لما حضر سلمان الموت دعاني وهو في علية لها أربعة أبواب، فقال: افتحي هذه الأبواب يا بقيرة فإن لي اليوم زوارا لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون علي، ثم دعا بمسك له ثم قال أذيفيه فى تور ففعلت، ثم قال انضحيه حول فراشي ثم انزلي فامكثي فسوف تطلعين فتريني على فراشي.
فاطلعت فإذا هو قد أخذ روحه فكأنه نائم على فراشه - أو نحوا من هذا -.
أبو الدرداء
ومنهم العارف المتفكر، العالم المتذكر، عرف المنعم والنعماء، وتفكر في صنائعه السراء والضراء. وامق العبادة، وفارق التجارة. داوم على العمل استباقا، وأحب اللقاء اشتياقا. تفرغ من الهموم، ففتح له الفهوم؛ أبو الدرداء صاحب الحكم والعلوم.
وقد قيل: إن التصوف مكابدة الشوق، إلى من جذب إلى الفوق.
• حدثنا سليمان بن أحمد - إملاء - ثنا أبو زرعة الدمشقي ثنا أبو نعيم ثنا مالك بن مغول قال سمعت عون بن عبد الله بن عتبة يقول: سألت أم الدرداء ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار. رواه وكيع عن مالك مثله.
• حدثنا حبيب بن الحسن وسليمان بن أحمد - إملاء - قالا: ثنا يوسف القاضي ثنا عمرو بن مرزوق ثنا المسعودي عن عون بن عبد الله بن عتبة.
قال: قيل لأم الدرداء: ما كان أكثر عمل أبي الدرداء؟ قالت: الاعتبار. رواه وكيع عن المسعودى.
• حدثنى أحمد بن جعفرين حمدان ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد. قال: قيل لأم الدرداء ما كان أفضل عمل أبي الدرداء. فقالت:
التفكر.
• حدثنا سعيد بن محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا
(1)
كذا فى ح. وفى ز الجزل (بالجيم) ولم نقف عليه
إبراهيم بن إسحاق ثنا قيس بن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد عن معدان عن أبي الدرداء. أنه قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
• حدثنا ابن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو المغيرة ثنا جرير قال حدثنا حبيب ابن عبد الله أن رجلا أنى أبا الدرداء - وهو يريد الغزو -. فقال: يا أبا الدرداء أوصني. فقال: اذكر الله في السراء يذكرك فى الضراء، وإذا أشرفت على شيء من الدنيا فانظر إلى ما يصير.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا معاوية بن هشام ثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبى الجعد. قال: مرثوران على أبي الدرداء وهما يعملان فقام أحدهما ووقف الآخر، فقال أبو الدرداء: إن في هذا لمعتبرا.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ثنا عمرو بن زرارة ثنا المحاربي عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة، قال قال أبو الدرداء: بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا تاجر، فأردت أن تجتمع لي العبادة والتجارة، فلم يجتمعا، فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة. والذي نفس أبي الدرداء بيده ما أحب أن لي اليوم حانوتا على باب المسجد لا يخطئني فيه صلاة ربح فيه كل يوم أربعين دينارا، وأتصدق بها كلها في سبيل الله. قيل له يا أبا الدرداء، وما تكره من ذلك؟ قال شدة الحساب. رواه محمد بن جنيد التمار عن المحاربي فقال عن عمرو بن مرة عن أبيه. ورواه خيثمة عن أبي الدرداء نحوه.
• حدثناه عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة. قال قال أبو الدرداء: كنت تاجرا قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فلما بعث محمد زاولت العبادة والتجارة، فلم يجتمعا فأخذت في العبادة وتركت التجارة.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي ثنا عبد الصمد ثنا عبد الله بن بجير قال ثنا أبو عبد رب. قال قال أبو الدرداء: ما يسرني أن أقوم على الدرج من باب المسجد، فأبيع وأشتري فأصيب كل يوم ثلاثمائة دينار، أشهد الصلاة كلها في المسجد. ما أقول إن الله عز وجل لم يحل البيع ويحرم الربا، ولكن أحب أن أكون من الذين {لا تلهيهم}
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال قرأت على أبي هذا الحديث، حدثكم أبو العلاء الحسن بن سوار ثنا ليث - يعني ابن سعد - عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك: أنه رأى في المنام قبة من أدم ومرجا أخضر، وحول القبة غنم ربوض تجتر وتبعر العجوة قال قلت: لمن هذه القبة؟ قيل لعبد الرحمن بن عوف. قال فانتظرنا حتى خرج. قال فقال يا عوف هذا الذي أعطانا الله بالقرآن، ولو أشرفت على هذه الثنية لرأيت ما لم تر عينك، ولم تسمع أذنك، ولم يخطر على قلبك. أعده الله سبحانه وتعالى لأبي الدرداء، لأنه كان يدفع الدنيا بالراحتين والنحر.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن يونس بن عبيد عن الحسن. قال قال أبو الدرداء: من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل عمله، وحضر عذابه. ومن لم يكن غنيا عن الدنيا فلا دنيا له.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أحمد بن على ابن الجارود ثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو خالد عن بعض البصريين عن الحسن عن أبي الدرداء. قال: كم من نعمة لله تعالى فى عرق ساكن.
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا أحمد بن المعلى ثنا محمود بن خالد ثنا عمرو بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن حسان بن عطية: أن أبا الدرداء كان يقول: لا تزالون بخير ما أحببتم خياركم، وما قيل فيكم بالحق فعرفتموه، فإن عارف الحق كعامله.
رواه ابن المبارك عن الأوزاعي مثله.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا محمد بن الصباح ثنا سفيان عن مسعر قال سمعت القاسم بن محمد يقول: كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلم.
• حدثنا محمد بن على ثنا الحسين ابن محمد بن حماد ثنا عبد الوهاب الحوطي ثنا إسماعيل بن عياش ثنا ضمضم ابن زرعة عن شريح بن عبيد: أن رجلا قال لأبي الدرداء: يا معشر القراء ما بالكم أجبن منا، وأبخل إذا سئلتم، وأعظم لقما إذا أكلتم؟ فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يرد عليه شيئا. فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فسأل أبا الدرداء
عن ذلك؟ فقال أبو الدرداء: اللهم غفرا، وكل ما سمعنا منهم نأخذهم به؟ فانطلق عمر إلى الرجل الذي قال لأبي الدرداء ما قال، فأخذ عمر بثوبه وخنقه وقاده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: إنما كنا نخوض ونلعب.
فأوحى الله تعالى إلى نبيه {(ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب)} .
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران. قال قال أبو الدرداء: ويل لمن لا يعلم ولو شاء الله لعلمه، وويل لمن يعلم ولا يعمل - سبع مرات.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبى ثنا إسماعيل بن علية ثنا أيوب السختياني عن أبي قلابة. قال قال أبو الدرداء: إنك لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها، وإنك لا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في جنب الله، ثم ترجع إلى نفسك فتكون لها أشد مقتا منك للناس.
• حدثنا إبراهيم ابن عبيد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الفرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء. قال: من فقه الرجل رفقه في معيشته.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا داود بن عمرو ثنا إسماعيل ابن عياش حدثني شرحبيل بن مسلم عن شريك بن نهيك عن أبي الدرداء.
قال: من فقه الرجل ممشاه، ومدخله، ومخرجه، ومجلسه، مع أهل العلم.
• حدثنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي ثنا يزيد أخبرنا أبو سعيد الكندي عمن أخبره عن أبي الدرداء أنه قال: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم كيف يعيبون سهر الحمقى وصيامهم؟ ومثقال ذرة من بر صاحب تقوى ويقين أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجبال من عبادة المغترين.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا المسعودي عن أبي الهيثم. قال قال أبو الدرداء: لا تكلفوا الناس ما لم يكلفوا، ولا تحاسبوا الناس دون ربهم، ابن آدم عليك نفسك. فإنه من تتبع ما يرى في الناس يطل حزنه، ولا يشف غيظه.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة
قال قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: اعبدوا الله كأنكم ترونه، وعدوا أنفسكم من الموتى، واعلموا أن قليلا يغنيكم خير من كثير يلهيكم، واعلموا أن البر لا يبلى، وأن الإثم لا ينسى.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا أبو أسامة عن خالد بن دينار عن معاوية بن قرة. قال قال أبو الدرداء - رضي الله تعالى عنه: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يعظم حلمك، ويكثر علمك، وأن تباري الناس في عبادة الله عز وجل، فإن أحسنت حمدت الله تعالى، وإن أسأت استغفرت الله عز وجل.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا عبد الرحمن المقرئ، ثنا سعيد بن أبي أيوب عن عبد الله بن الوليد عن عباس بن جليد الحجري عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. أنه قال: لولا ثلاث خلال لأحببت أن لا أبقى في الدنيا. فقالت: وما هن؟ فقال: لولا وضوع وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار يكون تقدمه لحياتى، وظمأ الهواجر، ومقاعدة أقوام ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة، وتمام التقوى أن يتقي الله عز وجل العبد، حتى يتقيه في مثل مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما، يكون حاجزا بينه وبين الحرام. إن الله تعالى قد بين لعباده الذي هو يصيرهم إليه، قال تعالى {(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)} فلا تحقرن شيئا من الشر أن تتقيه، ولا شيئا من الخير أن تفعله.
• حدثنا محمد بن بدر ثنا حماد بن مدرك ثنا عمرو ابن مرزوق ثنا زائدة عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء رضي الله عنه. قال: ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون؟ فإن معلم الخير والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في سائر الناس بعدهما.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا يحيى بن إسحاق ثنا فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. أنه قال: الناس ثلاثة؛ عالم، ومتعلم، والثالث همج لا خير فيه.
• حدثنا مخلد بن جعفر ثنا الحسن بن علويه ثنا علي بن الجعد ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبى
الجعد. قال قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: تعلموا فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في سائر الناس بعدهما.
• حدثنا أبي حدثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا يزيد بن هارون أخبرنا جويبر عن الضحاك. قال قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: يا أهل دمشق أنتم الإخوان في الدين، والجيران في الدار، والأنصار على الأعداء ما يمنعكم من مودتى؟ وإنما مئونتى على غيركم، ما لي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون؟ وأراكم قد أقبلتم على ما تكفل لكم به، وتركتم ما أمرتم به؟ ألا إن قوما بنوا شديدا، وجمعوا كثيرا، وأملوا بعيدا، فأصبح بنيانهم قبورا، وأملهم غرورا، وجمعهم بورا. ألا فتعلموا وعلموا، فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء ولا خير في الناس بعدهما.
• حدثنا علي بن أحمد بن محمد ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا سلم بن جنادة ثنا عبد الله بن نمير عن الحجاج بن دينار عن معاوية بن قرة عن أبيه عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال: تعلموا قبل أن يرفع العلم، إن رفع العلم ذهاب العلماء، إن العالم والمتعلم في الأجر سواء، وإنما الناس رجلان، عالم ومتعلم، ولا خير فيما بين ذلك.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا محمد بن جعفر الوركاني ثنا شريك عن منصور عن أبي وائل عن أبي الدرداء. قال: إني لآمركم بالأمر وما أفعله، ولكنى أرجو أن أوجر عليه.
• حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا محمد بن أحمد بن سليمان الهروي ثنا أحمد بن سعيد ثنا ابن وهب أخبرني معاوية بن صالح عن ضمرة ابن حبيب عن أبى الدرداء رضى الله عنه. أنه قال: لا يكون تقيا حتى يكون عالما، ولن يكون بالعلم جميلا حتى يكون به عاملا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال. قال: كان أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه يقول:
إن أخوف ما أخاف إذا وقفت على الحساب أن يقال لي: قد علمت فما عملت فيما علمت؟.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا سريج بن يونس ثنا الوليد بن مسلم عن علي بن حوشب عن أبيه عن أبي الدرداء رضي
الله تعالى عنه. قال: أخوف ما أخاف أن يقال لي يوم القيامة: يا عويمر أعلمت أم جهلت؟ فإن قلت علمت لا تبقى آية آمرة أو زاجرة إلا أخذت بفريضتها، الآمرة هل ائتمرت؟ والزاجرة هل ازدجرت؟ وأعوذ بالله من علم لا ينفع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الفرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال: إنما أخشى على نفسي أن يقال لي على رؤوس الخلائق: يا عويمر هل علمت؟ فأقول نعم! فيقال ماذا عملت فيما علمت؟
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الرزاق.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا بشر بن الحكم ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن صاحب له أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان رضي الله تعالى عنهما:
يا أخي اغتنم صحتك وفراغك قبل أن ينزل بك من البلاء ما لا يستطيع العباد رده، واغتنم دعوة المبتلى، ويا أخي ليكن المسجد بيتك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن المساجد بيت كل تقي» وقد ضمن الله عز وجل لمن كانت المساجد بيوتهم بالروح والراحة والجواز على الصراط إلى رضوان الرب عز وجل، ويا أخي ارحم اليتيم وأدنه منك، وأطعمه من طعامك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أتحب أن يلين قلبك؟» فقال نعم! قال: «أدن اليتيم منك وامسح رأسه وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك وتقدر على حاجتك» ويا أخي لا تجمع ما لا تستطيع شكره، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«يجاء بصاحب الدنيا - يوم القيامة - الذي أطاع الله تعالى فيها وهو بين يدي ماله وماله خلفه، كلما تكفأ به الصراط قال له ماله: امض فقد أديت الحق الذي عليك، قال ويجاء بالذي لم يطع الله فيه، وماله بين كتفيه فيعثره ماله، ويقول له: ويلك، هلا عملت بطاعة الله عز وجل في؟ فلا يزال كذلك حتى يدعو بالويل» ويا أخي إني حدثت أنك اشتريت خادما، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«لا يزال العبد من الله وهو منه ما لم يخدم، فإذا خدم وجب عليه الحساب» وأن أم الدرداء سألتني خادما - وأنا يومئذ موسر - فكرهت ذلك لما سمعت من الحساب، ويا أخي من لي ولك بأن نوافي يوم القيامة ولا نخاف حسابا، ويا أخي لا تغترن بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنا قد عشنا بعده دهرا طويلا، والله أعلم بالذى أصبنا بعده. رواه ابن جابر والمطعم ابن المقدام عن محمد بن واسع أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان مثله.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سيار ثنا جعفر ابن سليمان ثنا ثابت البناني. قال: خطب يزيد بن معاوية إلى أبي الدرداء ابنته الدرداء، فرده. فقال رجل من جلساء يزيد: أصلحك الله، تأذن لي أن أتزوجها؟ قال: أغرب ويلك؛ قال: فائذن لي أصلحك الله، قال نعم! قال فحطبها، فأنكحها أبو الدرداء الرجل، قال فسار ذلك في الناس: أن يزيد خطب إلى أبي الدرداء فرده، وخطب إليه رجل من ضعفاء المسلمين فأنكحه. قال فقال أبو الدرداء: إني نظرت للدرداء، ما ظنكم بالدرداء إذا قامت على رأسها الخصيان؟ ونظرت في بيوت يلتمع فيها بصرها، أين دينها منها يومئذ؟.
• حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سليمان ثنا عبد الله بن محمد المخزومي ثنا أبو عوف عبد الرحمن بن مرزوق ثنا داود بن مهران قال: وقفت على فضيل بن عياض - وأنا غلام فسلمت عليه - وعيناه مفتوحتان وأنا أظن أنه ينظر إلي - فمكث طويلا ثم أطرق فقال: منذ كم أنت هاهنا يا بني؟ قلت منذ طويل، قال: أنت في شيء ونحن في شيء. ثم قال: حدثنا سليمان بن مهران - وكان لا يقول الأعمش - عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال:
حذر امرؤ أن تبغضه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر، ثم قال: أتدري ما هذا؟ قلت لا، قال العبد يخلو بمعاصي الله عز وجل، فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الفرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال: معاتبة الأخ خير لك من فقده، ومن لك بأخيك كله،
أعط أخاك ولن له، ولا تطع فيه حاسدا فتكون مثله، غدا يأتيك الموت فيكفيك فقده، وكيف تبكيه بعد الموت وفي حياته ما قد كنت تركت وصله؟ رواه معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن أبي الدرداء نحوه.
• حدثنا أحمد ابن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا داود بن عمرو ثنا عبثر ثنا برد عن حزام بن حكيم. قال قال أبو الدرداء: لو تعلمون ما أنتم راءون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة، ولا شربتم شرابا على شهوة، ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصعدات تضربون صدوركم وتبكون على أنفسكم، ولوددت أنكم شجرة تعضد ثم تؤكل.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا موسى بن هارون الحافظ ثنا أبو الربيع، وداود بن رشيد. قالا: ثنا بقية ثنا بحير بن سعيد
(1)
عن خالد بن معدان حدثني يزيد بن مرثد الهمداني أبو عثمان عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول: ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضى بالقدر، والإخلاص فى التوكل، والاستسلام للرب عز وجل.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا عبد الله بن صالح ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي. قال: بلغني أن أبا الدرداء كتب إلى أخ له؛ أما بعد، فلست في شيء من أمر الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك، وهو سائر له أهل بعدك، وليس لك منه إلا ما قدمت لنفسك، فآثرها على المصلح من ولدك، فإنك تقدم على من لا يعذرك، وتجمع لمن لا يحمدك. وإنما تجمع لواحد من اثنين، إما عامل فيه بطاعة الله فيسعد بما شقيت به، وإما عامل فيه بمعصية الله فتشقى بما جمعت له، وليس والله واحد منهما بأهل أن تبرد له على ظهرك، ولا تؤثره على نفسك. ارج لمن مضى منهم رحمة الله، وثق لمن بقي منهم رزق الله، والسلام.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل حدثني أبي ثنا الوليد بن مسلم ثنا صفوان بن عمرو حدثني عبد الرحمن ابن جبير بن نقير عن أبيه قال الوليد. وحدثنا ثور عن خالد بن معدان عن جبير ابن نفير. قال: لما فتحت قبرص فرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض،
(1)
فى ز: بحير بن سعد، وفى ح بجير بن سعد بالجيم، والتصحيح من الخلاصة.
ورأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي. فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره، بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا الوليد ثنا ابن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء أن أبا الدرداء لما احتضر جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ ثم يقول {(ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)} .
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا معمر بن سليمان الرقي ثنا فرات بن سليمان أن أبا الدرداء كان يقول: ويل لكل جماع، فاغر فاه، كأنه مجنون، يرى ما عند الناس ولا يرى ما عنده، ولو يستطيع لوصل الليل بالنهار، ويله من حساب غليظ وعذاب شديد.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا الهيثم بن خارجة ثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل: أن أبا الدرداء كان إذا رأى جنازة. قال: اغدوا فإنا رائحون، أو روحوا فإنا غادون موعظة بليغة، وغفلة سريعة، كفى بالموت واعظا، يذهب الأول فالأول، ويبقى الآخر لا حلم له.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم الحربي ثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن معاوية بن قرة. قال قال أبو الدرداء: ثلاث أحبهن ويكرههن الناس؛ الفقر، والمرض، والموت.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم الحربي ثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة عن شيخ عن أبي الدرداء. قال: أحب الموت اشتياقا إلى ربي، وأحب الفقر تواضعا لربي، وأحب المرض تكفيرا لخطيئتي.
• حدثنا أبي ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أبو الربيع الرشديني ثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن خالد ابن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن أبا الدرداء كان يقول: يا معشر أهل دمشق ألا تستحيون؟ تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتأملون ما لا تبلغون. قد كان القرون من قبلكم يجمعون فيوعون، ويأملون
فيطيلون، ويبنون فيوثقون. فأصبح جمعهم بورا، وأملهم غرورا، وبيوتهم قبورا. هذه عاد قد ملأت ما بين عدن إلى عمان أموالا وأولادا، فمن يشترى منى تركة آل عاد بدر همين؟.
• حدثنا أبي رحمه الله ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أبو الربيع الرشديني ثنا ابن وهب ثنا يحيى بن أيوب عن عمرو بن عياش عن صفوان بن عمرو أن أبا الدرداء كان يقول: يا معشر أهل الأموال بردوا على جلودكم من أموالكم قبل أن نكون وإياكم فيها سواء، ليس إلا أن تنظروا فيها وننظر فيها معكم. وقال أبو الدرداء: وإني أخاف عليكم شهوة خفية في نعمة ملهية، وذلك حين تشبعون من الطعام وتجوعون من العلم.
وقال أبو الدرداء: إن خيركم الذي يقول لصاحبه: اذهب بنا نصوم قبل أن نموت، وإن شراركم الذي يقول لصاحبه: اذهب بنا نأكل ونشرب ونلهو قبل أن نموت. ومر أبو الدرداء على قوم وهم يبنون فقال أبو الدرداء:
تجددون الدنيا والله يريد خرابها، والله غالب على ما أراد.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا وكيع عن أسامة بن زيد عن مكحول. قال: كان أبو الدرداء يتتبع الخرب. ويقول: يا خرب الخربين أين أهلك الأولون؟.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا عمر بن حفص السدوسي ثنا عاصم بن علي ثنا أبو هلال ثنا معاوية بن قرة: أن أبا الدرداء اشتكى فدخل عليه أصحابه فقالوا: ما تشتكي يا أبا الدرداء؟ قال أشتكي ذنوبي قالوا فما تشتهي؟ قال أشتهي الجنة. قالوا: أفلا ندعو لك طبيبا؟ قال هو الذى أضجعنى.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر ثنا مسعر عن عون بن عبد الله عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال: من يتفقد يفقد، ومن لا يعد الصبر لفواجع الأمور يعجز. إن قارضت الناس قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك. قال فما تأمرني؟ قال اقرض من عرضك ليوم فقرك.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا إسماعيل بن إسحاق السراج
(1)
ثنا دواد بن رشيد ثنا الوليد عن سعيد بن عبد العزيز قال: قيل لأبي الدرداء: ادع الله لنا. قال:
(1)
وفى ح: وحدثنا داود بن رشيد. والصحيح ما أثبتناه.
لا أحسن السباحة وأخاف الغرق.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا محمد بن عبد الله بن رسته ثنا شيبان بن فروخ ثنا أبو الأشهب عن الحسن.
قال: كان أبو الدرداء يقول: إن مما أخشى عليكم زلة العالم، وجدال منافق بالقرآن والقرآن حق، وعلى القرآن منار كمنار الطريق - ومن لم يكن غنيا من الدنيا فلا دنيا له.
• حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا محمود بن خالد ثنا عمرو بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن بلال بن سعد أنه سمعه يقول: كان أبو الدرداء يقول: اللهم إني أعوذ بك من تفرقة القلب.
قيل وما تفرقة القلب؟ قال أن يوضع لي في كل واد مال.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا إسحاق بن سلمة ثنا أبو هشام الرفاعي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال: إن الذين ألسنتهم رطبة بذكر الله عز وجل يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن سالم ابن أبي الجعد. قال: قيل لأبي الدرداء: إن أبا سعد بن منبه أعتق مائة محرر فقال: إن مائة محرر من مال رجل لكثير، وإن شئت أنبأتك بما هو أفضل من ذلك؟ إيمان ملزوم بالليل والنهار، ولا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن عمران القصير. قال سمعت أبا رجاء يقول: قال أبو الدرداء: لأن أكبر الله مائة مرة أحب إلي من أن أتصدق بمائة دينار.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا أبو أسامة عن عبد الحميد بن جعفر حدثني صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة الحضرمي قال سمعت أبا الدرداء يقول: ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأحبها إلى مليككم، وأنماها في درجاتكم، خير من أن تغزوا عدوكم فيضربوا رقابكم، وتضربوا رقابهم، خير من إعطاء الدراهم والدنانير؟ قالوا وما هو يا أبا الدرداء؟ قال ذكر الله، وذكر الله أكبر.
• حدثنا أبو بكر
ابن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبو عبد الله محمد بن سالم
(1)
الطائفي - من كتابه - ثنا فرج بن فضالة عن أسيد
(2)
بن وداعة عن أبي الدرداء.
قال: ما فى المؤمن بضعة أحب إلى الله عز وجل من لسانه، به يدخله الجنة.
وما في الكافر بضعة أبغض إلى الله عز وجل من لسانه، به يدخله النار.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر - في جماعة. قالوا: ثنا محمد بن نصير ثنا اسماعيل ابن عمرو ثنا مالك بن مغول - أراه عن عبد الملك بن عمير. قال قال أبو الدرداء:
من أكثر ذكر الموت قل فرحه، وقل حسده.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا عبد الله بن عمر حدثنا ابن خراش عن العوام عن إبراهيم التيمي عن أبي الدرداء رضي الله عنه. قال: من أكثر ذكر الموت قل فرحه، وقل حسده.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم الحربي ثنا عبد الله بن عمر ثنا أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد
(3)
حدثني إسماعيل بن عبيد الله أن أبا الدرداء كان يقول: اللهم توفني مع الأبرار، ولا تبقني مع الأشرار.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا الفرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول: اللهم لا تبتلينى بعمل سوء، فأدعى به رجل سوء.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون أخبرنا يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد أن أبا عون أخبره أن أبا الدرداء كان يقول: ما بت ليلة فأصبحت لم يرمني الناس فيها بداهية إلا رأيت أن علي من الله تعالى فيه نعمة.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن ابن عمار قال سمعت أبا بكر بن محمد يحدث يحيى بن سعيد عن خلاد بن السائب - أو السائب بن خلاد - قال قال أبو الدرداء: ما بت ليلة سلمت فيها لم أرم فيها بداهية، ولا أصبحت يوما سلمت فيه، لم أرم فيه بداهية،
(1)
فى ح: محمد بن مسلم الطائفى.
(2)
فى ح: أسد بن وداعة.
(3)
فى ح: عبد الرحمن بن زيد. وكلاهما مذكور فى الخلاصة ومن هذه الطبقة.
إلا عوفيت عافية عظيمة.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا محمد بن فضيل عن حصين عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال: ما لي أراكم تحرصون على ما تكفل لكم به، وتضيعون ما وكلتم به، لأنا أعلم بشراركم من البيطار بالخيل. هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دبرا، ولا يسمعون القرآن إلا هجرا، ولا يعتق محرروهم
•.
• حدثنا أبي رحمه الله ثنا أحمد بن محمد بن الحسن ثنا الربيع بن ثعلب ثنا فرج ابن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال: إياكم ودعوة المظلوم ودعوة اليتيم، فإنهما تسريان بالليل والناس نيام.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي جرير عن منصور عن أبي وائل. قال قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: إن أبغض الناس إلي أن أظلمه من لا يستعين علي إلا بالله عز وجل.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بكر بن مضر عن عبيد الله بن زخر عن الهيثم بن خالد عن سليم بن عنر
(1)
قال لقينا كريب بن أبرهة راكبا، ووراؤه غلام له. فقال سمعت أبا الدرداء يقول: لا يزال العبد يزداد من الله تعالى بعدا كلما مشى خلفه.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا الوليد بن مسلم عن ابن جابر: أن أبا الدرداء كان إذا سمع المتهجدين بالقرآن يقول: بأبي النواحون على أنفسهم قبل يوم القيامة، وتندى قلوبهم بذكر الله - أو لذكر الله عز وجل رواه الهيثم بن خارجة عن الوليد عن ابن جابر عن عطاء بن مرة عن أبي الدرداء مثله.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر ثنا شيخ منا يقال له الحكم بن فضيل عن زيد بن أسلم. قال قال أبو الدرداء: التمسوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم.
• حدثنا أبي ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أحمد بن سعيد ثنا ابن وهب أخبرنى
(1)
كذا فى الأصلين. وفى الخلاصة: سليم بن عامر يروى عن أبى الدرداء، فلعله هذا.
عمرو بن الحارث أن أباه حدثه عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير. أن رجلا قال لأبي الدرداء: علمني كلمة ينفعني الله عز وجل بها. قال: وثنتين وثلاثا وأربعا وخمسا، من عمل بهن كان ثوابه على الله عز وجل الدرجات العلا؛ قال:
لا تأكل إلا طيبا، ولا تكسب إلا طيبا، ولا تدخل بيتك إلا طيبا، وسل الله عز وجل يرزقك يوما بيوم، وإذا أصبحت فاعدد نفسك من الأموات فكأنك قد لحقت بهم، وهب عرضك الله عز وجل، فمن سبك أو شتمك أو قاتلك فدعه لله عز وجل. وإذا أسأت فاستغفر الله عز وجل.
• حدثنا عبد الله ابن محمد بن جعفر ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا عبد الجبار بن العلاء ثنا سفيان عن خلف بن حوشب. قال قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم.
• حدثنا أبى ثنا ابراهيم بن محمد ابن الحسن ثنا أحمد بن سعيد ثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن خالد بن حدير الأسلمي أنه دخل على أبي الدرداء - وتحته فراش من جلد أو صوف، وعليه كساء صوف، وسبتية صوف، وهو وجع، وقد عرق - فقال: لو شئت كسيت فراشك بورق وكساء مرعزي مما يبعث به أمير المؤمنين؟ قال إن لنا دارا، وإنا لنظعن إليها ولها نعمل.
• حدثنا محمد بن معمر ثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الله ثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية أن أصحابا لأبي الدرداء رضي الله تعالى عنه تضيفوه فضيفهم، فمنهم من بات على لبدة، ومنهم من بات على ثيابه كما هو. فلما أصبح غدا عليهم فعرف ذلك منهم فقال: إن لنا دارا لها نجمع، وإليها نرجع.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد ابن مسعود ثنا محمد بن كثير ثنا الأوزاعي عن حسان. قال: قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه لأهل دمشق: أرضيتم بأن شبعتم من خبز البر عاما فعاما، لا يذكر الله تعالى في ناديكم؟ ما بال علمائكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون.
لو شاء علماؤكم لازدادوا، ولو التمسه جهالكم لوجدوه. خذوا الذي لكم بالذي عليكم، فو الذى نفسي بيده ما هلكت أمة إلا باتباعها هواها، وتزكيتها أنفسها.
• حدثنا أحمد بن بندار ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا علي بن خشرم ثنا
عيسى بن يونس ثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية. قال: أبصر أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه رجلا قد زوق ابنه. فقال: زوقوهم بما شئتم، فذاك أغوى لهم.
• حدثنا أحمد بن بندار ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا محمود بن خالد ثنا عمر ابن عبد الواحد عن الأوزاعي قال سمعت حسان بن عطية يقول: شكى رجل إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أخاه. فقال سينصرك الله عز وجل عليه.
فوفد إلى معاوية فأجازه معاوية بمائة دينار. فقال له أبو الدرداء: هل علمت أن الله قد نصرك على أخيك؟ وفد على معاوية فأجازه بمائة دينار، وولد له غلام.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا علي بن إسحاق ثنا حسين المروزي ثنا ابن المبارك أخبرنا رجل من الأنصار عن يونس بن سيف ثنا أبو كبشة السلولي قال سمعت أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه يقول: إن من شر الناس عند الله عز وجل منزلة يوم القيامة عالما لا ينتفع بعلمه.
• حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا علي بن خشرم ثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن حسان بن عطية. أن أبا الدرداء كان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تلعنني قلوب العلماء. قيل وكيف تلعنك قلوبهم؟ قال: تكرهني.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا علي بن إسحاق ثنا حسين المروزي ثنا ابن المبارك ثنا خلف الأنصاري عن يونس بن سيف قال حدثني أبو كبشة السلولي. قال سمعت أبا الدرداء يقول: إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة عالما لا ينتفع بعلمه.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله أحمد بن حنبل ثنا الحسن بن عبد العزيز المصري ثنا أيوب بن سويد عن ابن جابر حدثني عمير بن هانئ أن أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه كان يقول: ويل لمن كذب وعق، ونقض العهد الموثق، فما بر ولا صدق.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا على ابن اسحاق ثنا الحسين ثنا الحسن ثنا عبد الله بن المبارك ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني أبو عبد الله عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال: لا تزال نفس أحدكم شابة فى حب الشئ، ولو التقت ترقوتاه من الكبر، إلا الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، وقليل ما هم.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله
ابن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الله بن يزيد المقري ثنا كهمس عن عوف عن رجل قال قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: ثلاث من ملاك أمر ابن آدم، لا تشك مصيبتك، ولا تحدث بوجعك، ولا تزك نفسك بلسانك.
• حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا سعيد ابن سليمان ثنا حفص عن بيان عن قيس. قال: كان أبو الدرداء إذا كتب إلى سلمان - أو سلمان كتب إلى أبي الدرداء - كتب إليه يذكره بآية الصحفة. قال:
وكنا نتحدث أنه بينما هما يأكلان من الصحفة، فسبحت الصحفة وما فيها.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي حدثني أبو أسامة عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري. قال: بينا أبو الدرداء يوقد تحت قدر له، وسلمان رضي الله تعالى عنهما عنده، إذ سمع أبو الدرداء في القدر صوتا، ثم ارتفع الصوت بتسبيح كهيئة صوت الصبى. قال ثم ندرت فانكفأت، ثم رجعت إلى مكانها لم ينصب منها شيء، فجعل أبو الدرداء ينادي يا سلمان انظر إلى العجب! انظر إلى ما لم تنظر إلى مثله أنت ولا أبوك! فقال سلمان: أما إنك لو سكت لسمعت من آيات الله الكبرى.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن فضيل عن محمد بن سعد الأنصاري حدثني عبد الله بن يزيد بن ربيعة الدمشقى. قال قال أبو الدرداء: أدلجت ذات ليلة إلى المسجد، فلما دخلت مررت على رجل ساجد. وهو يقول اللهم إني خائف مستجير، فأجرني من عذابك، وسائل فقير فارزقني من فضلك، لا مذنب فأعتذر
(1)
ولا ذو قوة فأنتصر، ولكن مذنب مستغفر. قال فأصبح أبو الدرداء يعلمهن أصحابه إعجابا بهن.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الفرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أم الدرداء. أنها قالت: اللهم إن أبا الدرداء خطبني فتزوجني في الدنيا، اللهم فأنا أخطبه إليك وأسألك أن تزوجنيه في الجنة.
فقال لها أبو الدرداء: فإن أردت ذلك فكنت أنا الأول فلا تتزوجي بعدى.
(1)
فى الأصلين: لا من ذنب فاعتذر.
قال فمات أبو الدرداء - وكان لها جمال وحسن - فخطبها معاوية، فقالت: لا والله لا أتزوج زوجا في الدنيا حتى أتزوج أبا الدرداء إن شاء الله في الجنة.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة: أن أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه مر على رجل قد أصاب ذنبا فكانوا يسبونه فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا نعم قال: فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذى عافاكم. قالوا أفلا تبغضه؟ قال إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي. وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: ادع الله تعالى في يوم سرائك، لعله أن يستجيب لك فى يوم ضرائك.
قال الشيخ رحمه الله: وكان أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه حكيما لبيبا، ونحريرا طبيبا. كلامه يكثر، ومواعظه تغزر. حكمه وعلومه لذوى الأدواء شفاء، وللمتجردين والمتحبرين دفاء
(1)
. كان إذا نظر سبر، وإذا ذكر جبر.
لمفاخر الدنيا دافع، ولمراتب العقبى جامع.
• كذا حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبو معمر ثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين عن ابن أبي مليكة قال سمعت يزيد بن معاوية يقول: كان والله أبو الدرداء من العلماء الحكماء، والذين يشفون من الداء.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا داود بن رشيد ثنا سعيد بن يعقوب ثنا اسماعيل ابن عياش عن محمد بن يزيد الرحبي. قال: قيل لأبي الدرداء رضي الله تعالى عنه: مالك لا تشعر. فإنه ليس رجل له بيت من الأنصار إلا وقد قال شعرا؟ قال: وأنا قد قلت فاسمعوا:
يريد المرء أن يعطى مناه
…
ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي
…
وتقوى الله أفضل ما استفادا.
• حدثنا محمد بن محمد بن سوار القصري ثنا محمد بن جعفر بن رميس ثنا محمد بن خلف ثنا إبراهيم بن هراسة ثنا سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير. قال: قيل لأبى الدرداء: مالك لا تشعر؟ فذكر مثله.
(1)
المتحبرين: المتدثرين بالحبر نوع من الثياب، وفى ز: المتحيرين.
• حدثنا محمد بن عبد الله الكاتب ثنا محمد بن الله الحضرمى ثنا عبد الحميد ابن صالح ثنا أبو معاوية عن موسى الصغير عن هلال بن يساف عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال
(1)
قلت له: مالك لا تطلب لأضيافك كما يطلب غيرك لأضيافهم؟ فقال: لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أمامكم عقبة كئودا لا يجوزها المثقلون» فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا عباس بن الوليد بن صبح الدمشقي ثنا مروان - يعني ابن محمد الطاطري - ثنا مسلمة المعدل عن عمير بن هانئ عن أبي العذراء عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجلوا الله يغفر لكم» قال مروان: معنى قوله أجلوا الله أي أسلموا له. تفرد به مسلمة وهو من أهل داريا عن عمير مجودا، ورواه ابن ثوبان عن عمير مثله من دون أم الدرداء.
وهذا الحديث شبيه ما ثبت عنه ما رواه الأعمش وعبد العزيز ابن رفيع عن أبي صالح عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة» فقال أبو الدرداء حين سبر: وإن زنى وإن سرق؟ فقال: «نعم، وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي الدرداء» .
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا هشام عن قتادة عن خليد [بن عبد الله] العصري عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما طلعت شمس إلا وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعان الخلائق غير الثقلين، يا أيها الناس هلموا إلى ربكم عز وجل، ما قل وكفى خير مما كثر وألهى» . رواه عدة عن قتادة منهم سليمان التيمي وشيبان بن عبد الرحمن النخوى وأبو عوانة وسلام بن مسكين وغيرهم.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو كريب ثنا محمد بن فضيل ثنا محمد بن سعد عن عبد الله بن ربيعة بن يزيد ثنا عائذ الله أبو إدريس عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إني أسألك
(1)
كذا بالأصلين: ولعله قالت قلت له الخ.
حبك وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي، والماء البارد».
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا أحمد بن يوسف بن الضحاك ثنا يوسف بن مصرف ثنا زيد بن الحباب عن جنيد بن العلاء بن أبي وهرة عن محمد بن سعيد عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم، فإنه من كانت الدنيا أكبر همه أفشى الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله تعالى له أموره، وجعل غناه في قلبه، وما أقبل عبد بقلبه إلى الله تعالى إلا جعل الله عز وجل قلوب المؤمنين تفد عليه بالود والرحمة، وكان الله إليه بكل خير أسرع» . كذا حدثناه عن زيد بن الحباب وهو [عن] محمد بن بشر العبدي عن الجنيد أشهر.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا مطالب بن شعيب وبكر بن سهل.
قالا: ثنا عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح عن أبي حليس - يزيد بن ميسرة - قال سمعت أم الدرداء تقول سمعت أبا الدرداء يقول سمعت رسول.
الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى قال يا عيسى إني باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حلم ولا علم. قال: يا رب كيف يكون هذا ولا حلم ولا علم؟ قال أعطيهم من حلمي وعلمي.
قال الشيخ رحمه الله: تفرد بالأحاديث الستة المسانيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين الصحابة أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه. فحديث العقبة تفرد به موسى الصغير عن هلال، وحديث الإجلال تفرد به عمير عن أبي العذراء، وحديث المناديين تفرد به قتادة عن خليد، وحديث الحب والمحبة تفرد به محمد بن سعد الأنصاري عن عبد الله، وحديث التفرغ والتخلي تفرد به جنيد بن العلاء عن محمد بن سعيد، وحديث الحلم والعلم تفرد به معاوية بن صالح عن أبي حليس. ولأبي الدرداء غير حديث مما يليق بحاله اقتصرنا منه على ما ذكرنا.
معاذ بن جبل
ومنهم أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل، المحكم للعمل، التارك للحدل.
مقدام العلماء، وإمام الحكماء. ومطعام الكرماء. القارئ القانت، المحب الثابت، السهل السري، السمح السخي، المولى المأمون، والوفي المصون. مؤتمن على العباد والأموال، ومصون من الموانع والأحوال.
وقد قيل: إن التصوف مزاولة الأنس، في رياض معادن القدس.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا وهيب عن خالد عن أبي قلابة عن أنس رضي الله تعالى عنه. وحدثنا محمد بن جعفر ابن الهيثم حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ثنا قبيصة ثنا سفيان عن خالد وعاصم عن أبي قلابة عن أنس، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل» .
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا أحمد بن أبي عوف ثنا سويد بن سعيد ثنا عمر بن عبيد عن عمران عن الحسن وأبان عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل» .
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا إسماعيل بن عبد الله ثنا أحمد بن يونس ثنا سلام بن سليمان ثنا زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه» .
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمود بن خداش ثنا مروان بن معاوية ثنا سعيد بن أبي عروبة عن شهر بن حوشب. قال قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لو استخلفت معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه فسألني عنه ربي عز وجل ما حملك على ذلك لقلت سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم يقول: «إن العلماء إذا حضروا ربهم عز وجل كان معاذ بين أيديهم رتوة بحجر»
(1)
.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا أبو العباس الثقفى
(1)
رتوة حجر: أى رمية حجر كما يفهم من النهاية.
ثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبد العزيز بن محمد عن عمارة بن غزية عن محمد بن كعب.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معاذ بن جبل أمام العلماء برتوة» رواه يحيى بن أيوب عن عمارة فأدخل محمد بن عبد الله بن الأزهر الأنصاري بينه وبين محمد بن كعب.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن حماد بن زغبة ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الله ابن أزهر عن محمد بن كعب القرظي. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مثله.
• حدثنا أبو حامد ثابت بن عبد الله الناقد ثنا علي بن إبراهيم بن مطر ثنا عبدة بن عبد الرحيم ثنا ضمرة بن ربيعة عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن أبي العجفاء - أو أبي العجماء الشك من عبدة - قال: قيل لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لو عهدت إلينا؟ فقال: لو أدركت معاذ بن جبل ثم وليته ثم قدمت على ربي عز وجل فقال لى من وليت على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قلت سمعت نبيك وعبدك صلى الله عليه وسلم يقول: «معاذ بن جبل بين يدي العلماء طائفة يوم القيامة» .
• حدثنا أبو إسحاق بن حمزة ثنا أبو خليفة ثنا أبو الوليد ثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت إبراهيم يحدث عن مسروق عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه. وحدثنا أبو بكر الطلحي ثنا عبيد ابن عامر ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عبد الله بن عمرو. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خذوا القرآن من أربعة؛ من ابن أم عبد - فبدأ به - ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة» رضي الله تعالى عنهم.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان البصري ثنا عبد الله بن أحمد الدورقي.
وحدثنا أبو إسحاق بن حمزة ثنا يوسف القاضي. قالا: ثنا عمرو بن مرزوق ثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه. قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار؛ أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قلت: لأنس من أبو زيد؟ قال أحد عمومتي.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو يزيد القراطيسى ثنا حجاج
ابن إبراهيم الأزرق ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص وغيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه. وحدثنا أحمد بن محمد بن سنان ثنا محمد بن إسحاق السراج ثنا سفيان بن وكيع ثنا ابن علية عن منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي قال حدثني فروة بن نوفل الأشجعي.
قال قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: إن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه كان أمة قانتا لله حنيفا. فقيل: إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا. فقال ما نسيت، هل تدري ما الأمة وما القانت؟ فقلت الله أعلم. فقال: الأمة الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله وللرسول، وكان معاذ يعلم الناس الخير ومطيعا لله ولرسوله.
• حدثنا أحمد بن محمد سنان ثنا محمد بن إسحاق السراج ثنا زياد بن أيوب ثنا هشيم أخبرنا سيار عن الشعبي. قال قال عبد الله بن مسعود: إن معاذا رضى الله تعالى عنها كان أمة قانتا: فقيل: إن ابراهيم كان أمة قانتا. فقال عبد الله: إنا كنا نشبه معاذا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم.
قيل له: فمن الأمة؟ قال: الذي يعلم الناس الخير. رواه فراس بن يحيى عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا كثير بن هشام ثنا جعفر بن برقان ثنا حبيب بن أبي مرزوق عن عطاء بن أبي رباح عن أبي مسلم الخولاني. قال: دخلت مسجد حمص فإذا فيه نحوا من ثلاثين كهلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا فيهم شاب أكحل العينين براق الثنايا لا يتكلم ساكت، فاذا امترى القوم في شيء أقبلوا عليه فسألوه. فقلت لجليس لي من هذا؟ فقال معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، فوقع في نفسي حبه فكنت معهم حتى تفرقوا.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا زياد بن أيوب ثنا يزيد بن هارون أخبرنا عبد الحميد ابن جعفر ثنا شهر بن حوشب قال سمعت ابن غنم يحدث عن عائذ لله بن عبد الله: أنه دخل المسجد يوما مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحضر
(1)
(1)
كذا فى ز بالضاد المعجمة وفى ح: أحصر بالمهملة ولعل الأول أصح لتناوله معنى التجمع والإقامة.
ما كانوا أول إمرة عمر بن الخطاب، قال فجلست مجلسا فيه بضع وثلاثون كلهم يذكرون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وفي الحلقة فتى شاب شديد الأدمة حلو المنطق وضئ، وهو أشب القوم سنا، فإذا اشتبه عليهم من أحاديث القوم شيء ردوه إليه فحدثهم، ولا يحدثهم شيئا إلا أن يسألوه. قلت: من أنت يا عبد الله؟ قال أنا معاذ بن جيل.
قال الشيخ رحمه الله: كذا وقع في كتابي عبد الحميد بن جعفر، ورواه جماعة فقالوا عبد الحميد بن بهران عن شهر.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا أبو إسحاق السراج ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا أبو عامر العقدي ثنا أيوب بن يسار الزهري عن يعقوب بن زيد عن أبي بحرية. قال: دخلت مسجد حمص فإذا أنا بفتى حوله الناس جعد قطط، فإذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ، فقلت من هذا؟ قالوا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه.
قال الشيخ رحمه الله: اسم أبي بحرية يزيد بن قطيب بن قطوف السكوني
(1)
.
• حدثنا أحمد بن محمد بن سنان ثنا محمد بن إسحاق ثنا أبو كريب ثنا غنام
(2)
عن الأعمش عن شمر عن شهر بن حوشب. قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل نظروا إليه هيبة له.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك. قال: كان معاذ بن جبل شابا جميلا سمحا من خير شباب قومه، لا يسأل شيئا إلا أعطاه، حتى ادان دينا أغلق ماله: فكلم رسول الله عليه وسلم أن يكلم غرماءه، ففعل فلم يضعوا له شيئا فلو ترك لأحد لكلام أحد لترك لمعاذ لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعاه النبى صلى الله عليه وسلم فلا يبرح حتى باع ماله وقسمه بين غرمائه، فقام معاذ لا مال له، فلما حج بعثه النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
كذا فى الأصلين. وفى ح: بزيادة بن قطوف. وفى الخلاصة: أبو بحرية عبد الله من قيس. وأما يزيد بن قطيب بفتح الطاء مصغرا ممن يروى عن أبى بحرية فتنبه.
(2)
كذا فى ز، وفى ح مهمل من النقط.
إلى اليمن ليجبره. قال: وكان أول من حجز عليه في هذا المال معاذ، فقدم على أبي بكر رضي الله تعالى عنه من اليمن وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن المبارك عن معمر نحوه، ورواه يزيد بن أبي حبيب وعمارة بن غزية عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك.
قال الشيخ رحمه الله: وغرماء معاذ كانوا يهودا، فلهذا لم يضعوا عنه شيئا.
• حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب ثنا أبو العباس
(1)
السراج ثنا يوسف بن موسى ثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أبي وائل. قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلفوا أبا بكر - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث معاذا إلى اليمن - فاستعمل أبو بكر عمر على الموسم، فلقي معاذا بمكة ومعه رقيق، فقال: هؤلاء أهدوا لى وهؤلاء لأبي بكر. فقال عمر:
إني أرى لك أن تأتي أبا بكر قال: فلقيه من الغد. فقال: يا ابن الخطاب لقد رأيتنى البارحة وأنا أنزو إلى النار وأنت آخذ بحجزتي، وما أراني إلا مطيعك قال: فأتى بهم أبا بكر فقال: هؤلاء أهدوا لي وهؤلاء لك، قال: فإنا قد سلمنا لك هديتك. فخرج معاذ إلى الصلاة فإذا هم يصلون خلفه. فقال لمن تصلون هذه الصلاة؟ قالوا لله عز وجل. قال: فأنتم لله، فأعتقهم. رواه يزيد ابن أبي حبيب وعمارة بن غزية عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه.
• حدثنا محمد بن المظفر ثنا محمد بن محمد بن سليمان ثنا دحيم ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن عجلان عن الزهري أن أبا إدريس الخولاني حدثه أن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه. قال: إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتتح القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق، والصغير والكبير، والأحمر والأسود.
فيوشك قائل يقول: ما لي أقرأ على الناس القرآن فلا يتبعوني عليه؟ فما أظنهم يتبعوني عليه حتى أبتدع لهم غيره. إياكم إباكم ما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان يقول في الحكيم كلمة الضلالة. وقد يقول المنافق كلمة الحق. فاقبلوا الحق فإن على الحق نورا. فقالوا: وما يدرينا رحمك
(1)
كذا فى الأصلين: وتقدم بانه أبو اسحاق السراج.
الله إن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة؟ قال: هي كلمة تنكرونها منه وتقولون ما هذه فلا يثنيكم فإنه يوشك أن يفئ ويراجع بعض ما تعرفون، وإن العلم والإيمان مكانهما إلى يوم القيامة، من ابتغاهما وجدهما.
• حدثنا محمد بن علي ثنا أبو العباس بن قتيبة ثنا يزيد بن موهب ثنا الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب أن أبا يزيد الخولاني أخبره يزيد بن عميرة وكان من أصحاب معاذ قال:
وكان لا يجلس مجلسا للذكر إلا قال حين يجلس: الله حكم قسط، تبارك اسمه هلك المرتابون. وقال معاذ يوما: إن وراءكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير والحر والعبد. فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن، ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما يبتدع فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق. قلت لمعاذ بن جبل: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق يقول كلمة الحق؟ قال: بلى اجتنب من كلام الحكيم المستهترات التي يقال ما هذه؟ ولا يثنيك ذلك عنه فإنه لعله يرجع ويتبع الحق إذا سمعه، فإن على الحق نورا.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا عبد الله بن صندل ثنا فضيل بن عياض عن سليمان بن مهران عن عمرو بن مرة عن عبد الله ابن سلمة: قال: قال رجل لمعاذ بن جبل: علمني: قال وهل أنت مطيعي؟ قال إني على طاعتك لحريص، قال صم وأفطر، وصل ونم، واكتسب ولا تأثم، ولا تموتن إلا وأنت مسلم، وإياك ودعوة المظلوم.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا سهل بن موسى ثنا عمرو بن علي قال سمعت عون بن بكر الراسبي يحدث عن ثور بن يزيد: قال: كان معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه إذا تهجد من الليل قال: اللهم قد نامت العيون، وغارت النجوم، وأنت حى قيوم: اللهم طلبي للجنة بطيء، وهربي من النار ضعيف: اللهم اجعل لي عندك هدى ترده إلى يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن
أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سليمان بن حيان ثنا زياد مولى لقريش عن معاوية بن قرة. قال قال معاذ بن جبل لابنه: يا بني إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع، لا تظن أنك تعود إليها أبدا. واعلم يا بني أن المؤمن يموت بين حسنتين، حسنة قدمها، وحسنة أخرها.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا سهل بن موسى ثنا محمد بن عبد الأعلى ثنا خالد بن الحارث ثنا ابن عون عن محمد بن سيرين. قال: أتى رجل معاذ بن جبل ومعه أصحابه يسلمون عليه ويودعونه، فقال: إني موصيك بأمرين إن حفظتهما حفظت؛ إنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر. فآثر نصيبك من الآخرة على نصيبك من الدنيا حتى تنتظمه لك انتظمه لك انتظاما فتزول به معك أينما زلت.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا أحمد بن عبد الله ابن يونس ثنا فضيل بن عياض عن سليمان عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة. قال: جاء رجل إلى معاذ رضي الله تعالى عنه فجعل يبكي، فقال ما يبكيك؟ فقال والله ما أبكي لقرابة بيني وبينك، ولا لدنيا كنت أصيبها منك ولكن كنت أصيب منك علما فأخاف أن يكون قد انقطع. قال: فلا تبك فإنه من يرد العلم والإيمان يؤته الله تعالى كما آتى إبراهيم عليه السلام، ولم يكن يومئذ علم ولا إيمان.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد: أن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه كانت له امرأتان، فإذا كان يوم إحداهما لم يتوضأ من بيت الأخرى ثم توفيتا فى السقم الذي أصابهما بالشام والناس في شغل، فدفنتا في حفرة، فأسهم بينهما أيتهما تقدم في القبر.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل ثنا الليث بن خالد البلخي ثنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد. قال: كانت تحت معاذ بن جبل امرأتان، فإذا كان عند إحداهما لم يشرب من بيت الأخرى الماء.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ثنا عبد الله بن صندل ثنا فضيل بن عياض عن يحيى بن سعيد عن أبي الزبير. قال أخبرني من سمع معاذ بن جبل وهو يقول: ما من شيء أنجى
لابن آدم من عذاب الله من ذكر الله عز وجل. قالوا: ولا السيف في سبيل الله عز وجل؟ - ثلاث مرات - قال: ولا! إلا أن يضرب بسيفه في سبيل الله عز وجل حتى ينقطع. رواه أبو خالد الأحمر عن يحيى بن أبي الزبير عن طاوس عن معاذ مرفوعا.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه ثنا إسحاق بن سليمان. وحدثنا أحمد بن جعفر ابن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا حجاج. قالا: ثنا جرير بن عثمان عن المشيخة عن أبي بحرية عن معاذ رضي الله تعالى عنه. قال:
ما عمل آدمى عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله قالوا: يا أبا عبد الرحمن ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا! إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع، لأن الله تعالى يقول في كتابه {(ولذكر الله أكبر)} .
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه. قال: لأن أذكر الله تعالى من بكرة حتى الليل أحب إلي من أن أحمل على جياد الخيل فى سبيل الله من بكرة حتى الليل، رواه الليث بن سعد وابن عيينة مثله عن يحيى.
• حدثنا أبو أحمد الغطريفي ثنا عبد الله بن محمد ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا أيوب بن يسار عن يعقوب بن زيد عن أبى بحربة. قال:
دخلت مسجد حمص فسمعت معاذ بن جبل يقول: من سره أن يأتي الله عز وجل آمن فليأت هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإنهن من سنن الهدى، ومما سنه لكم نبيكم صلى الله عليه وسلم، ولا يقل إن لي مصلى في بيتي فأصلي فيه، فإنكم إن فعلتم ذلك تركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لضللتم.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا واصل بن عبد الأعلى ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن جامع بن شداد عن الأسود بن هلال، قال: كنا نمشي مع معاذ فقال لنا: اجلسوا بنا نؤمن ساعة.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا الوليد بن مسلم عن يزيد بن أبي مريم: قال سمعت أبا إدريس الخولاني يقول:
قال معاذ رضي الله تعالى عنه: إنك تجالس قوما لا محالة يخوضون في الحديث، فإذا رأيتهم غفلوا فارغب إلى ربك عز وجل عند ذلك رغبات، قال الوليد: فذكر لعبد الرحمن بن يزيد بن جابر فقال: نعم! حدثني أبو طلحة حكيم بن دينار، أنهم كانوا يقولون: آية الدعاء المستجاب، إذا رأيت الناس غفلوا فارغب إلى ربك تعالى عند ذلك رغبات.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا جرير عن ليث عن طاوس. قال: قدم معاذ بن جبل أرضنا فقال له أشياخ لنا: لو أمرت ننقل لك من هذه الحجارة والخشب فنبني لك مسجدا. فقال: إني أخاف أن أكلف حمله يوم القيامة على ظهري.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا عبد الأعلى بن حماد ثنا مسلم بن خالد ثنا ابن أبي حسين عن ابن سابط عن عمرو بن ميمون الأودي. قال: قام فينا معاذ بن جبل فقال: يا بني أود أني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعلمن أن المعاد إلى الله تعالى ثم إلى الجنة أو إلى النار، اقامة لا ظعن، وخلود في أجساد لا تموت.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا علي بن إسحاق ثنا الحسين بن الحسن ثنا عبد الله بن المبارك ثنا سعيد بن عبد العزيز عن يزيد بن يزيد بن جابر قال قال معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه:
اعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن يؤجركم الله بعلم حتى تعملوا.
قال الشيخ رحمه الله: رفعه حمزة النصيبي عن ابن جابر عن أبيه عن معاذ.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن حيان ثنا محمد بن أبي بكر ثنا بشر بن عباد ثنا بكر بن خنيس عن حمزة النصيبي عن يزيد بن يزيد بن جابر عن أبيه عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: «تعلموا ما شئتم إن شئتم أن تعلموا، فلن ينفعكم الله بالعلم حتى تعملوا» .
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أشعث بن سليم قال سمعت رجاء بن حيوة يحدث عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه. قال: ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وستبتلون بفتنة السراء، وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا
تسورن الذهب والفضة، ولبسن رياط الشام
(1)
، وعصب اليمن، فأتعبن الغني وكلفن الفقير ما لا يجد، رواه زبيد عن معاذ مثله.
• حدثنا محمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن سعدان ثنا بكر بن بكار ثنا محمد بن طلحة عن زبيد. قال قال معاذ مثله.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد القدوس بن بكر عن محمد بن النضر الحارثي رفعه إلى معاذ بن حنبل، قال:
ثلاث من فعلهن فقد تعرض للمقت؛ الضحك من غير عجب، والنوم من غير سهر، والأكل من غير جوع.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو زيد القراطيسي ثنا نعيم بن حماد ثنا ابن المبارك أخبرنا محمد بن مطرف ثنا أبو حازم عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع عن مالك الدارنى: أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها فى صرة، فقال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم تلبث ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع؟ فذهب بها الغلام فقال يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه. ثم قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها. فرجع الغلام إلى عمر رضي الله تعالى عنه وأخبره. فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل.
فقال: اذهب بها إلى معاذ، وتله في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع؟ فذهب بها إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال:
رحمه الله ووصله. تعالي يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا - ولم يبق في الخرقة إلا ديناران - فدحا بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره.
فسر بذلك وقال: إنهم إخوة بعضهم من بعض.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا حجاج بن إبراهيم.
وحدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي.
قالا: ثنا مروان بن معاوية عن محمد بن سوقة. قال: أتيت نعيم بن أبي هند
(1)
الرباط: الثياب الرقاق اللينة.
فأخرج إلي صحيفة فإذا فيها: من أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل إلى عمر ابن الخطاب، سلام عليك. أما بعد فإنا عهدناك وأمر نفسك لك مهم. فأصبحت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يديك الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكل حصته من العدل، فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر. فإنا نحذرك يوما تعني فيه الوجوه، وتجف فيه القلوب، وتنقطع فيه الحجج لحجة ملك قهرهم بجبروته. فالخلق داخرون له يرجون رحمته ويخافون عقابه. وإنا كنا نحدث أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها إلى أن يكونوا إخوان العلانية أعداء السريرة، وإنا نعوذ بالله أن ينزل كتابنا إليك سوى المنزل الذي نزل من قلوبنا، فإنما كتبنا به نصيحة لك والسلام عليك.
فكتب إليهما عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: من عمر بن الخطاب! إلى أبي عبيدة ومعاذ، سلام عليكما. أما بعد أتانى كتابكما تذكر ان أنكما عهدتماني وأمر نفسي لي مهم فأصبحت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يدى الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكل حصته من العدل. كتبتما فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر! وإنه لا حول ولا قوة لعمر عند ذلك إلا بالله عز وجل. وكتبتما تحذراني ما حذرت منه الأمم قبلنا، وقديما كان اختلاف الليل والنهار بآجال الناس يقربان كل بعيد، ويبليان كل جديد، ويأتيان بكل موعود، حتى يصير الناس إلى منازلهم من الجنة والنار، كتبتما تحذراني أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها إلى أن يكونوا إخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بأولئك وليس هذا بزمان ذاك، وذلك زمان تظهر فيه الرغبة والرهبة، تكون رغبة الناس بعضهم إلى بعض لصلاح دنياهم. كتبتما تعوذاني بالله أن أنزل كتابكما سوى المنزل الذي نزل من قلوبكما، وأنكما كتبتما به نصيحة لي، وقد صدقتما، فلا تدعا الكتاب إلي فإنه لا غنى بي عنكما والسلام عليكما.
• حدثنا أبي ثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى ثنا يعقوب الدورقي ثنا محمد بن
موسى المروزي أبو عبد الله قال قرأت هذا الحديث على هاشم بن مخلد - وكان ثقة - فقال سمعته من أبي عصمة عن رجل سماه عن رجاء بن حيوة عن معاذ ابن جبل رضي الله تعالى عنه. قال: تعلموا العلم فان تعلمه لله تعالى خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلم صدقة، وبذله لأهله قربة. لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار أهل الجنة، والأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث فى الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والدين عند الأجلاء
(1)
يرفع الله تعالى به أقواما ويجعلهم في الخير قادة وأئمة، تقتبس آثارهم، ويقتدى بفعالهم، وينتهى إلى رأيهم. ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم. يستغفر لهم كل رطب ويابس حتى الحيتان في البحر وهوامه، وسباع الطير وأنعامه.
لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصباح الأبصار من الظلم، يبلغ بالعلم منازل الأخيار، والدرجة العليا في الدنيا والآخرة. والتفكر فيه يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام. به توصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، إمام العمال والعمل تابعه. يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا شجاع بن الوليد عن عمرو بن قيس عمن حدثه عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه: أنه لما حضره الموت. قال: انظروا أصبحنا؟ فأتي فقيل لم تصبح، فقال انظروا أصبحنا؟ فأتي فقيل له لم تصبح حتى أتي في بعض ذلك فقيل قد أصبحت.
قال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار، مرحبا بالموت مرحبا، زائر مغب، حبيب جاء على فاقة. اللهم إني قد كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
• حدثنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي ثنا ابن نمير عن إسماعيل بن أبي خالد عن طارق بن عبد الرحمن.
(1)
فى ح: والزين عند الأخلاء.
قال: وقع الطاعون بالشام فاستعر فيها، فقال الناس ما هذا إلا الطوفان إلا أنه ليس بماء. فبلغ معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه فقام خطيبا فقال: إنه قد بلغني ما تقولون، وإنما هذه رحمة ربكم عز وجل، ودعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وكفت
(1)
الصالحين قبلكم. ولكن خافوا ما هو أشد من ذلك أن يغدوا الرجل منكم من منزله لا يدري أمؤمن هو أم منافق، وخافوا إمارة الصبيان.
• حدثنا أبو جعفر اليقطيني ثنا الحسين بن عبد الله القطان ثنا عامر بن سيار ثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم من حديث الحارث بن عميرة. قال: طعن معاذ وأبو عبيدة وشرحبيل بن حسنة وأبو مالك الأشعري في يوم واحد، فقال معاذ: إنه رحمة ربكم عز وجل ودعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وقبض الصالحين قبلكم. اللهم آت آل معاذ النصيب الأوفر من هذه الرحمة، فما أمسى حتى طعن ابنه عبد الرحمن بكره الذى كان يكنى به وأحب الخلق إليه، فرجع من المسجد فوجده مكروبا. فقال: يا عبد الرحمن كيف أنت؟ فاستجاب له فقال: يا أبت {(الحق من ربك فلا تكن من الممترين)} : فقال معاذ: وأنا {(إن شاء الله}
{ستجدني} {من الصابرين)} فأمسكه ليلة ثم دفنه من الغد، فطعن معاذ فقال حين اشتد به النزع - نزع الموت - فنزع نزعا لم ينزعه أحد، وكان كلما أفاق من غمرة فتح طرفه ثم قال رب اخنقنى خنقتك؛ فو عزتك إنك لتعلم أن قلبي يحبك.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ثنا يعقوب ابن حميد ثنا إبراهيم بن عيينة عن إسماعيل بن رافع عن ثعلبة بن صالح عن رجل من أهل الشام عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ انطلق فأرحل راحلتك ثم ايتنى أبعثك إلى اليمن» فانطلقت فرحلت راحلتي ثم جئت فوقفت بباب المسجد حتى أذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي ثم مضى معي فقال: «يا معاذ إنى أوصيك
(1)
الكفت: الجمع والضم كما فى النهاية.
بتقوى الله، وصدق الحديث، ووفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، ورحمة اليتيم، وحفظ الجار، وكظم الغيظ وخفض الجناح، وبذل السلام، ولين الكلام، ولزوم الإيمان، والتفقه في القرآن. وحب الآخرة والجزع من الحساب، وقصر الأمل، وحسن العمل. وأنهاك أن تشتم مسلما، أو تكذب صادقا، أو تصدق كاذبا، أو تعصي إماما عادلا. يا معاذ:
اذكر الله عند كل حجر وشجر، وأحدث مع كل ذنب توبة، السر بالسر والعلانية بالعلانية». رواه ابن عمر نحوه أخبرناه الحسن بن منصور الحمصي في كتابه ثنا الحسن بن معروف ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش ثنا أبي عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن عمر رضي الله تعالى عنه. قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث معاذ بن جبل إلى اليمن، ركب معاذ رضي الله تعالى عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي إلى جانبه يوصيه. فقال:«يا معاذ أوصيك وصية الأخ الشفيق، أوصيك بتقوى الله» فذكر نحوه وزاد: «وعد المريض وأسرع في حوائج الأرامل والضعفاء، وجالس الفقراء والمساكين، وأنصف الناس من نفسك، وقل الحق ولا تأخذك في الله لومة لائم» .
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسنى ثنا بشر بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقرى عن حيوة بن شريح قال سمعت عقبة بن مسلم التجيبي يقول حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي عن الصنابحي عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه. قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بيدي ثم قال: «يا معاذ والله إني لأحبك» فقال له معاذ: بأبي وأمي يا رسول الله، وأنا والله أحبك. فقال:«أوصيك يا معاذ لا تدعن فى دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» وأوصى به معاذ الصنابحي، وأوصى الصنابحي أبا عبد الرحمن، وأوصى أبو عبد الرحمن عقبة، وأوصى عقبة حيوة، وأوصى حيوة أبا عبد الرحمن المقرئ، وأوصى أبو عبد الرحمن المقرئ بشر بن موسى، وأوصى بشر بن موسى محمد بن أحمد بن الحسن، وأوصاني محمد بن أحمد بن الحسن.
قال الشيخ رحمه الله: وأنا أوصيكم به.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا دليل بن إبراهيم بن دليل ثنا عبد العزيز بن منيب ثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن ثابت البناني عن أنس بن مالك: أن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كيف أصبحت يا معاذ؟» قال أصبحت مؤمنا بالله تعالى. قال: «إن لكل قول مصداقا، ولكل حق حقيقة، فما مصداق ما تقول؟» قال: يا نبي الله ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمسي، وما أمسيت مساء قط إلا ظننت أني لا أصبح، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتبعها أخرى؛ وكأني أنظر إلى كل أمة جاثية تدعى إلى كتابها معها نبيها وأوثانها التي كانت تعبد من دون الله، وكأني أنظر إلى عقوبة أهل النار وثواب أهل الجنة. قال:«عرفت فالزم» .
• حدثنا فاروق بن عبد الكبير الخطابي ثنا أبو مسلم الكشى ثنا أبو عمرو الحوضي ثنا الضحاك بن يسار ثنا القاسم بن مخيمرة عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه. أنه قال: ليالي قدم من اليمن سأله النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف تركت الناس بعدك؟» قال تركتهم لا هم لهم إلا هم البهائم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت إذا بقيت في قوم علموا ما جهل هؤلاء، وهمهم مثل هم هؤلاء؟» .
• حدثنا أحمد بن يعقوب المهرجان ثنا الحسن بن محمد بن نصر ثنا محمد بن عثمان العقيلي ثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي ثنا الخليل بن مرة عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه. قال:
تصديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف، فقلت يا رسول الله أرنا شر الناس فقال:«سلوا عن الخير ولا تسألوا عن الشر، شرار الناس شرار العلماء في الناس» .
• حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ثنا أحمد بن محمد بن الجعد ثنا حفص بن عمر المقرئ ثنا عبد الله بن عبد الرحمن القرشي عن محمد بن سعيد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم. قال: شهدت معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه حين أصيب بولده واشتد وجده عليه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فكتب إليه:
• حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ثنا أحمد بن محمد بن الجعد ثنا حفص بن عمر المقرئ ثنا عبد الله بن عبد الرحمن القرشي عن محمد بن سعيد عن عبادة بن نسى عبد الرحمن بن غنم، قال: شهدت معاذ بن جبل حين أصيب بولده، فاشتد وجده عليه. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فكتب إليه «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل» الحديث.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن يحيى بن خالد حدثني عمرو بن بكر بن بكار القعنى ثنا مجاشع بن عمرو بن حسان ثنا عمرو بن حسان ثنا الليث بن سعد عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه: أنه مات ابن له، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزيه بابنه، فكتب إليه «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو» فذكر مثل حديث محمد بن سعيد بن عبادة، وروي من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر نحوه.
قال الشيخ رحمه الله: وكل هذه الروايات ضعيفة لا تثبت، فإن وفاة ابن معاذ كانت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنين، وإنما كتب إليه بعض
الصحابة فوهم الراوي فنسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وكان معاذ أجل وأعلم من أن يجزع ويغلبه الجزع عن الاستسلام، بل الصحيح ما رواه الحارث بن عميرة وأبو منيب الجرشي من استسلامه واصطباره عند وفاة ابنه، ولا يعلم لمعاذ غيبة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إلى اليمن فقدم بعد وفاة النبي عليه السلام. وليس محمد بن سعيد ولا مجاشع ممن يعتمد على روايتهما ومفاريدهما.
• حدثنا محمد بن علي ثنا أبو العباس بن أبي الطفيل ثنا يزيد بن موهب ثنا ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن ابن أبي عمران عن عمرو بن مرة عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - حين بعثه إلى اليمن -: «أخلص دينك يكفك القليل من العمل» .
سعيد بن عامر
ومنهم سعيد بن عامر بن جذيم الجمحي. زهد في الدنيا الفتانة السحارة، ونظر إلى طلابها بعين الحقارة، وسلك منهج السابقين بالحث والنذارة، ورغب عن الدنيا مع تقلد الولايات، وقيامه فيها برعايته العهود والأمانات.
وقد قيل: إن التصوف مصابرة المنون، دون تحقيق الظنون.
• حدثنا محمد بن معمر ثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الله الحراني ثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية. قال: لما عزل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه معاوية عن الشام، بعث سعيد بن عامر بن جذيم الجمحي
(1)
قال:
فخرج معه بجارية من قريش نضيرة الوجه فما لبث إلا يسيرا حتى أصابته حاجة شديدة قال فبلغ ذلك عمر فبعث إليه بألف دينار. قال: فدخل بها على امرأته فقال إن عمر بعث إلينا بما ترين. فقالت: لو أنك اشتريت لنا أدما وطعاما وادخرت سائرها. فقال لها: أولا أدلك على أفضل من ذلك نعطي هذا المال من يتجر لنا فيه فنأكل من ربحها وضمانها عليه. قالت فنعم! إذا، فاشترى أدما
(1)
كذا فى الأصلين: سعيد بن عامر بن جذيم بالجيم، وفى الإصابة خذيم بالخاء.
وطعاما واشترى بعيرين وغلامين يمتاران عليهما حوائجهم وفرقها في المساكين وأهل الحاجة. قال فما لبث إلا يسيرا حتى قالت له امرأته إنه نفذ كذا وكذا فلو أتيت ذلك الرجل فأخذت لنا من الربح فاشتريت لنا مكانه، قال فسكت عنها قال ثم عاودته قال فسكت عنها حتى آذته - ولم يكن يدخل بيته إلا من ليل إلى ليل - قال وكان رجل من أهل بيته ممن يدخل بدخوله. فقال لها: ما تصنعين إنك قد آذيتيه وإنه قد تصدق بذلك المال، قال فبكت أسفا على ذلك المال ثم إنه دخل عليها يوما فقال: على رسلك، إنه كان لي أصحاب فارقوني منذ قريب ما أحب أني صددت عنهم وأن لي الدنيا وما فيها، ولو أن خيرة من خيرات الحسان اطلعت من السماء لأضاءت لأهل الأرض ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر ولنصيف
(1)
تكسى خير من الدنيا وما فيها، فلأنت أحرى في نفسي أن أدعك لهن من أن أدعهن لك، قال فسمحت ورضيت.
• حدثنا محمد بن عبد الله ثنا الحسن بن علي بن نصر الطوسي ثنا محمد بن عبد الكريم العبدي ثنا الهيثم بن عدي ثنا ثور بن يزيد ثنا خالد بن معدان. قال: استعمل علينا عمر بن الخطاب بحمص سعيد بن عامر بن جذيم الجمحي، فلما قدم عمر بن الخطاب حمص. قال يا أهل حمص كيف وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه - وكان يقال لأهل حمص الكويفة الصغرى لشكايتهم العمال - قالوا: نشكوا أربعا؛ لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، قال أعظم بها. قال وماذا؟ قالوا:
لا يجيب أحدا بليل، قال وعظيمة، قال وماذا؟ قالوا وله يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا، قال عظيمة. قال وماذا؟ قالوا يغنظ الغنظة بين الأيام - يعني تأخذه موتة - قال فجمع عمر بينهم وبينه. وقال: اللهم لا تفيل رأيي فيه اليوم، ما تشكون منه؟ قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، قال: والله إن كنت لأكره ذكره، ليس لأهلي خادم فأعجن عجيني ثم أجلس حتى يختمر ثم أخبز خبزي ثم أتوضأ ثم أخرج إليهم. فقال: ما تشكون منه؟ قالوا لا يجيب أحدا
(1)
هذا نص ز. وفى ح: (ولتضيف نكسى) وهو تصحيف. والتصيف الخمار وقيل؟؟؟ المعجر ونص النهاية (وفي صفة الحور) ولنصيف إحداهن خير من الدنيا وما فيها.
بليل، قال: ما تقول؟ إن كنت لأكره ذكره إني جعلت النهار لهم وجعلت الليل لله عز وجل. قال وما تشكون؟ قالوا إن له يوما في الشهر لا يخرج إلينا فيه. قال ما تقول؟ قال ليس لي خادم يغسل ثيابي ولا لي ثياب أبدلها، فأجلس حتى تجف ثم أدلكها ثم أخرج إليهم من آخر النهار. قال ما تشكون منه؟ قالوا: يغنظ الغنظة بين الأيام. قال ما تقول؟ قال شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة، وقد بضعت قريش لحمه ثم حملوه على جذعة.
فقالوا: أتحب أن محمدا مكانك؟ فقال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمدا صلى الله عليه وسلم شيك بشوكة. ثم نادى يا محمد، فما ذكرت ذلك اليوم وتركي نصرته في تلك الحال وأنا مشرك لا أومن بالله العظيم إلا ظننت أن الله عز وجل لا يغفر لي بذلك الذنب أبدا، قال فتصيبني تلك الغنظة. فقال عمر: الحمد لله الذي لم يفيل فراستي، فبعث إليه بألف دينار وقال استعن بها على أمرك، فقالت امرأته: الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك. فقال لها فهل لك في خير من ذلك؟ ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها. قالت نعم! فدعا رجلا من أهل بيته يثق به فصررها صررا ثم قال انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان، وإلى يتيم آل فلان، وإلى مسكين آل فلان، وإلى مبتلى آل فلان.
فبقيت منها ذهيبة. فقال: أنفقي هذه، ثم عاد إلى عمله. فقالت ألا تشتري لنا خادما؟ ما فعل ذلك المال. قال: سيأتيك أحوج ما تكونين. كذا رواه حسان وخالد بن معدان مرسلا موقوفا، ووصله مرفوعا بزيد بن أبى زياد وموسى الصغير عن عبد الرحمن بن سابط الجمحى.
• حدثناه سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ثنا مسعود بن سعد. وحدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا اسحاق بن ابراهيم أخبرنا جرير.
قالا: ثنا يزيد بن أبي زياد. وحدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة ثنا عبد الحميد بن صالح ثنا أبو معاوية عن موسى الصغير. قالا:
عن عبد الرحمن بن سابط الجمحي: قال: دعا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا من بني جمح يقال له سعيد بن عامر بن جذيم، فقال له إنى مستعملك
على أرض كذا وكذا، فقال لا تفتني يا أمير المؤمنين. قال والله لا أدعك، قلدتموها فى عنق وتتركونني! فقال عمر ألا نفرض لك رزقا؟ قال قد جعل الله في عطائي ما يكفيني دونه، أو فضلا على ما أريد. قال: وكان إذا خرج عطاؤه ابتاع لأهله قوتهم. وتصدق ببقيته، فتقول له امرأته: أين فضل عطائك؟ فيقول قد أقرضته. فأتاه ناس فقالوا: إن لأهلك عليك حقا، وإن لأصهارك عليك حقا. فقال: ما أنا بمستأثر عليهم ولا بملتمس رضى أحد من الناس لطلب الحور العين، لو اطلعت خيرة من خيرات الجنة لأشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس. وما أنا بالمتخلف عن العنق الأول بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يجمع الله عز وجل الناس للحساب. فيجئ فقراء المؤمنين يزفون كما تزف الحمام، فيقال لهم: قفوا عند الحساب، فيقولون:
ما عندنا حساب، ولا أتيتمونا شيئا، فيقول ربهم صدق عبادي فيفتح لهم باب الجنة فيدخلونها قبل الناس بسبعين عاما». لفظ جرير. وقال موسى الصغير في حديثه فبلغ عمر أنه يمر به كذا وكذا لا يدخن في بيته، فأرسل إليه عمر بمال فأخذه فصره صررا وتصدق به يمينا وشمالا. وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لو أن حوراء أطلعت أصبعا من أصابعها لوجد ريحها كل ذي روح» فأنا أدعهن لكن، والله لأنتن أحرى أن أدعكن لهن منهن لكن. ورواه مالك بن دينار عن شهر بن حوشب عن سعيد بن عامر مسندا مختصرا.
عمير بن سعد
ومنهم عمير بن سعد، الحافظ للعهد، الوافي بالوعد، اللقن الحفيظ، الخشن الغليظ، جمال الولاة، وحجة الله على الرعاة. يقال له: نسيج وحده.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن المرزبان الآدمي ثنا محمد بن حكيم الرازي ثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة حدثني أبي عن جدي عن عمير بن سعد الأنصاري. قال: بعثه عمر بن الخطاب عاملا على حمص، فمكث حولا
لا يأتيه خبره فقال عمر لكاتبه: اكتب إلى عمير - فو الله ما أراه إلا قد خاننا - إذا جاءك كتابي هذا فأقبل، وأقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا. فأخذ عمير جرابه فجعل فيه زاده وقصعته، وعلق أداوته، وأخذ عنزته ثم أقبل يمشي من حمص حتى دخل المدينة. قال: فقدم وقد شحب لونه، واغبر وجهه، وطالت شعرته. فدخل على عمر وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال عمر ما شأنك؟ فقال عمير ما ترى من شأني ألست تراني صحيح البدن، طاهر الدم، معي الدنيا أجرها بقرنها، قال وما معك؟ - فظن عمر رضي الله عنه أنه قد جاء بمال - فقال: معى جرابى أجعل فيه زادى، وقصعتي آكل فيها. وأغسل فيها رأسي وثيابي، وإداوتى أحمل فيها وضوئى وشرابى، وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا إن عرض.
فو الله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي. قال عمر: فجئت تمشي؟ قال نعم! قال أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها؟ قال: ما فعلوا وما سألتهم ذلك. فقال عمر بئس المسلمون خرجت من عندهم، فقال له عمير: اتق الله يا عمر، قد نهاك الله عن الغيبة وقد رأيتهم يصلون صلاة الغداة، قال عمر فأين بعثتك؟ وأي شيء صنعت، قال وما سؤالك يا أمير المؤمنين، فقال عمر سبحان الله، فقال عمير أما لولا أني أخشى أن أغمك ما أخبرتك، بعثتني حتى أتيت البلد، فجمعت صلحاء أهلها فوليتهم جباية فيئهم، حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه، ولو نالك منه شيء لأتيتك به، قال فما جئتنا بشيء؟ قال لا، قال جددوا لعمير عهدا، قال إن ذلك لشئ، لا عملت لك ولا لأحد بعدك! والله: ما سلمت بل لم أسلم، لقد قلت لنصرانى أى أخزاك الله، فهذا ما عرضتني له يا عمر، وإن أشقى أيامي يوم خلفت
(1)
معك يا عمر، فاستأذنه فأذن له فرجع إلى منزله، قال وبينه وبين المدينة أميال، فقال عمر حين انصرف عمير: ما أراه إلا قد خاننا فبعث رجلا يقال له الحارث وأعطاه مائة دينار، فقال له انطلق إلى عمير حتى تنزل به كأنك ضيف، فإن رأيت أثر شيء فأقبل، وإن رأيت حالة شديدة
(1)
فى ز: يوم خلقت معك.
فادفع إليه هذه المائة الدينار. فانطلق الحارث فإذا هو بعمير جالس يفلي قميصه إلى جانب الحائط، فسلم عليه الرجل فقال له عمير: انزل رحمك الله، فنزل ثم سأله فقال من أين جئت؟ قال من المدينة. قال فكيف تركت أمير المؤمنين قال صالحا. قال فكيف تركت المسلمين؟ قال صالحين. قال أليس يقيم الحدود قال بلى! ضرب ابنا له أتى فاحشة فمات من ضربه. فقال عمير. اللهم أعن عمر فإني لا أعلمه إلا شديدا حبه لك قال فنزل به ثلاثة أيام وليس لهم إلا قرصة من شعير كانوا يخصونه بها ويطوون، حتى أتاهم الجهد، فقال له عمير: إنك قد أجعتنا، فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل. قال: فأخرج الدنانير فدفعها إليه فقال بعث بها إليك أمير المؤمنين فاستعن بها. قال: فصاح وقال لا حاجة لي فيها ردها. فقالت له امرأته: إن احتجت إليها وإلا فضعها مواضعها. فقال عمير: والله ما لي شيء أجعلها فيه. فشقت امرأته أسفل درعها فأعطته خرقة فجعلها فيها، ثم خرج فقسمها بين أبناء الشهداء والفقراء، ثم رجع والرسول يظن أنه يعطيه منها شيئا. فقال له عمير: اقرأ مني أمير المؤمنين السلام. فرجع الحارث إلى عمر فقال ما رأيت؟ قال رأيت يا أمير المؤمنين حالا شديدا، قال فما صنع بالدنانير؟ قال لا أدري. قال فكتب إليه عمر إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى نقبل. فأقبل إلى عمر رضي الله تعالى عنه فدخل عليه؛ فقال له عمر ما صنعت بالدنانير؟ قال صنعت ما صنعت وما سؤالك عنها. قال:
أنشد عليك لتخبرني ما صنعت بها، قال قدمتها لنفسي، قال رحمك الله، فأمر له بوسق من طعام وثوبين، فقال أما الطعام فلا حاجة لي فيه قد تركت في المنزل صاعين من شعير إلى أن آكل ذلك قد جاء الله تعالى بالرزق، ولم يأخذ الطعام، وأما الثوبان فقال إن أم فلان عارية فأخذهما ورجع إلى منزله.
فلم يلبث أن هلك رحمه الله، فبلغ عمر ذلك فشق عليه وترحم عليه، فخرج يمشي ومعه المشاءون إلى بقيع الغرقد، فقال لأصحابه ليتمن كل رجل منكم أمنية فقال رجل: وددت يا أمير المؤمنين أن عندي مالا فأعتق لوجه الله عز وجل كذا وكذا، وقال آخر: وددت يا أمير المؤمنين أن عندي مالا فأنفق
في سبيل الله، وقال آخر، وددت لو أن لى قوة فامتح بدلو زمزم لحجاج بيت الله، فقال عمر: وددت أن لي رجلا مثل عمير بن سعد أستعين به في أعمال المسلمين.
• حدثنا عبد الله بن شعيب ثنا عبد الله بن محمد البغوي ثنا عبيد الله ابن محمد بن حفص ثنا حماد بن سلمة عن أبي سنان عن أبي طلحة الخولاني، قال: أتينا عمير بن سعد في داره بفلسطين. وكان يقال له نسيج وحده.
فإذا هو على دكان عظيم في الدار، وفي الدار حوض من حجارة: فقال له:
يا غلام أورد الخيل فأوردها، فقال أين الفلانة؟ قال عبيد الله سمى الفرس فلانة لأنها أنثى - فقال جربة تقطر دما، قال أوردها، قال: إذا تجرب الخيل، قال أوردها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لا عدوى ولا طيرة ولا هام» ألم تر إلى البعير يكون بالصحراء فيصبح في كركرته أو مراقه نكتة من جرب لم تكن قبل ذلك، فمن أعدى الأول؟.
قال الشيخ: لا نعلم أسند عمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم غيره.
أبي بن كعب
ومنهم المنبئ إذا سئل عن الغامض الصعب، والمذري إذا سما من الشوق والكرب، سيد المسلمين أبي بن كعب.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري. عن عبد الرزاق أخبرنا الثوري: وحدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ثنا عبد الأعلى. قالا: عن سعيد الجريري عن أبي السليل عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبا المنذر أي آية من كتاب الله عز وجل معك أعظم؟» قلت الله ورسوله أعلم. قال: «أبا المنذر أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قلت: {(الله لا إله إلا هو الحي القيوم)} فضرب صدري وقال:
(1)
.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أحمد بن
(1)
كذا فى ح وفى ز اقتصر على الجملة الأولى مع قوله الله لا إله إلا هو الحي القيوم الخ.
علي بن المثنى ثنا هدبة ثنا همام ثنا قتادة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: «إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك» قال آلله سماني لك؟ قال: «نعم! الله سماك لي» قال فجعل أبي يبكي، رواه شعبة عن قتادة نحوه.
• حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو ثنا أبو حصين القاضي ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا ابن المبارك عن الأجلح عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:«أمرت أن أقرأ عليك القرآن» قال قلت سماني لك ربي أو ربك عز وجل؟ قال نعم! فتلا {(قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)} رواه الثوري عن أسلم المنقري عن ابن أبزى.
• حدثنا عبد الملك بن الحسن ثنا يوسف القاضي ثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان الثوري عن أسلم المنقري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه؛ قال قال أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت بأن أقرئك سورة» فقلت: يا رسول الله وسميت لك؟ قال: «نعم!» قلت لأبي ففرحت بذلك! قال: وما يمنعني وهو يقول: {(قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)} .
• حدثنا سليمان ابن أحمد بن خليد الحلبي ثنا محمد بن عيسى الطباع ثنا معاذ بن محمد ابن معاذ بن أبي بن كعب عن أبيه عن جده عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إني أمرت أن أعرض عليك القرآن» فقال: بالله آمنت، وعلى يدك أسلمت، ومنك تعلمت. قال: فرد النبي صلى الله عليه وسلم القول، فقال: يا رسول الله وذكرت هناك قال:
«نعم! باسمك ونسبك فى الملأ الأعلى» قالوا فاقرأ إذا يا رسول الله.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن يحيى القصري المروزي ثنا سليمان بن عامر المروزي عن الربيع بن أنس أنه قرأ على أبي العالية قال وقرأ أبو العالية على أبي بن كعب. قال: أبي بن كعب، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أمرت أن أقرئك القرآن» قال أبي فقلت: يا رسول الله
أو ذكرت هناك؟ قال: «نعم!» فبكى أبي فلا أدري أشوق أم خوف.
• حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو ثنا محمد بن الحسن بن حبيب ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا أبو الأحوص عن عمار بن رزيق عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عيسى ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه. قال: قال أبي بن كعب: انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب بيده صدري. ثم قال: «أعيذك بالله من الشك والتكذيب» قال ففضت عرقا وكأنى انظر إلى ربى فرقا. رواه إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن عيسى مثله.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة أخبرني أبو حمزة قال سمعت إياس بن قتادة يحدث عن قيس بن عباد. قال:
قدمت المدينة للقاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. فلم يكن فيهم أحد أحب إلى لقاء من أبي بن كعب: فقمت في الصف الأول فخرج، فلما صلى حدث، فما رأيت الرجال متحت أعناقها إلى شيء متوجها إليه، فسمعته يقول: هلك أهل العقد
(1)
ورب الكعبة. قالها ثلاثا، هلكوا وأهلكوا، أما إني لا آسى عليهم، ولكني آسى على من يهلكون من المسلمين. رواه أبو مجلز عن قيس ابن عباد مثله.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن معبد ثنا أحمد بن عصام ثنا يوسف ابن يعقوب ثنا سليمان التيمي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد. قال: بينما أنا أصلي في مسجد المدينة في الصف المقدم إذ جاء رجل من خلفي فجذبني جذبة فنحاني وقام مقامي، فلما سلم التفت إلي فإذا هو أبي بن كعب. فقال: يا فتى لا يسؤك الله، إن هذا عهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا. ثم استقبل القبلة فقال: هلك أهل العقدة ورب الكعبة، لا آسى عليهم - ثلاث مرار - أما والله ما عليهم آسى، ولكن آسى على من أضلوا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ثنا عبد الله بن المبارك عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبى
(1)
قوله العقدة: قال فى النهاية (هلك أهل العقدة) يريد البيعة المعقودة للولاة والعقد من عقد الألوبة للأمراء.
ابن كعب رضي الله عنه قال: عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن عز وجل ففاضت عيناه من خشية الله عز وجل فتمسه النار، وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله عز وجل إلا كان مثله كمثل شجرة يبس ورقها، فبينا هي كذلك إذ أصابتها الريح فتحاتت عنها ورقها، إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها. وإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل الله وسنته. فانظروا أعمالكم فإن كانت اجتهادا أو اقتصادا أن تكون على منهاج الأنبياء وسنتهم.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا علي بن الحسن بن سليمان ثنا أبو خالد عن المغيرة بن مسلم عن الربيع بن أنس عن أبي العالية. قال: قال رجل لأبي بن كعب أوصني: قال اتخذ كتاب الله إماما، وارض به قاضيا وحكما، فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم شفيع مطاع، وشاهد لا يتهم. فيه ذكركم وذكر من قبلكم، وحكم ما بينكم، وخبركم وخبر ما بعدكم.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا وكيع ثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: في قوله عز وجل {(قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم)}
الآية. قال: هن أربع؛ وكلهن عذاب وكلهن واقع لا محالة، فمضت اثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، فألبسوا شيعا، وذاق. بعضهم بأس بعض، وبقي ثنتان واقعتان لا محالة، الخسف، والرجم.
رواه الثوري عن الربيع نحوه.
• حدثنا أبو محمد حامد بن حيان قال ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم ثنا هناد بن السري ثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن أبي هارون الغنوي عن مسلم بن شداد عن عبيد بن عمير عن أبي بن كعب.
قال: ما من عبد ترك شيئا لله عز وجل إلا أبدله الله به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، وما تهاون به عبد فأخذه من حيث لا يصلح إلا أتاه الله ما هو أشد عليه منه من حيث لا يحتسب.
• حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعدان ثنا بكر بن بكار
ثنا ابن عون عن الحسن عن أبي بن كعب رضي الله عنه. قال: كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ووجهنا واحد، فلما قبض نظرنا هكذا وهكذا. رواه روح عن ابن عون فقال: عن عتي عن أبي.
• حدثنا الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي ثنا الحسن بن الحباب المقرى ثنا محمد بن إسماعيل المباركي ثنا روح ابن عبادة عن عبد الله بن عون عن الحسن عن عتي بن ضمرة عن أبي بن كعب. قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوهنا واحدة، حتى فارقنا فاختلفت وجوهنا يمينا وشمالا.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا أبو الأشهب عن الحسن عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه. قال: ألا إن طعام ابن آدم ضرب للدنيا مثلا، وإن ملحه وقزحه.
قال الشيخ رحمه الله: جوده أبو حذيفة عن الثوري مرفوعا فقال عن عتي.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتي عن أبي. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلا، فانظر ما يخرج من ابن آدم، وإن ملحه وقزحه قد علم إلى ما يصير» .
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا محمد بن عبيد عن محرز أبي رجاء عن صدقة عن إبراهيم بن مرة. قال: جاء رجل إلى أبي فقال: يا أبا المنذر آية في كتاب الله قد غمتني. قال: أي آية؟ قال: {(من يعمل سوءا يجز به)} قال ذاك العبد المؤمن ما أصابته من نكبة مصيبة فيصبر فيلقى الله تعالى فلا ذنب له.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا أحمد بن طارق ثنا عباد بن العوام عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن عتي عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه. قال: كان آدم عليه السلام رجلا طويلا كثير شعر الصدر كأنه نخلة جوفاء، فلما أصاب الخطيئة سقط عنه رياشه، فذهب هاربا في الجنة فتعلقت شجرة برأسه، فقال هل أنت مخليتي؟ فقالت: ما أنا بمخليتك.
فناداه ربه يا آدم أتفر مني؟ قال: يا رب استحيتك.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن
معبد ثنا أبو بكر بن النعمان ثنا محمد بن سعيد بن سابق ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال:
المؤمن بين أربع؛ إن ابتلي صبر، وإن أعطي شكر، وإن قال صدق، وإن حكم عدل. فهو يتقلب في خمسة من النور، وهو الذي يقول الله {(نور على نور)} كلامه نور، وعلمه نور، ومدخله فى نور، ومخرجه من نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة، والكافر يتقلب في خمسة من الظلم؛ فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه في ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة.
• حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعدان ثنا بكر بن بكار ثنا عبد الحميد بن جعفر حدثني أبي عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن الحارث ابن نوفل. قال: كنت واقفا مع أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه في ظل أجم حسان، والناس في سوق الفاكهة اليوم. فقال أبي: ألا ترى الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا؟ قال قلت بلى! قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب فإذا سمع به الناس ساروا إليه، فيقول من عنده لئن تركنا الناس يأخذون منه لا يدعون منه شيئا، فيقتتل الناس فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون» ورواه الزبيدي عن الزهري عن إسحاق مولى المغيرة عن أبي نحوه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن خليد الحلبي ثنا محمد بن عيسى بن الطباع ثنا معاذ بن محمد بن معاذ ابن أبي بن كعب عن أبيه عن جده عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال:
يا رسول الله ما جزاء الحمى؟ قال: «تجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم، أو ضرب عليه عرق» فقال أبي بن كعب: اللهم إني أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك، ولا خروجا إلى بيتك، ولا مسجد نبيك. قال فلم يمس أبي قط إلا وبه حمى.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا إبراهيم بن الحجاج ثنا عبد العزيز بن مسلم عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين، ومن عمل منهم عمل الآخرة
للدنيا فلم يكن له في الآخرة من نصيب».
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا حفص ابن عمر ثنا قبيصة بن عقبة ثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه رضي الله تعالى عنه: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قال: «يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه» يقولها ثلاثا.
• حدثنا أبو عمرو ابن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا شيبان بن أبي شيبة ثنا سلام بن مسكين حدثني عصمة أبو حكيمة عن أبي بن كعب. قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمك كلمات مما علمني جبريل عليه السلام؟» قال قلت: نعم يا رسول الله! قال: «قل اللهم اغفر لي خطاياي، وعمدي، وهزلي، وجدي، ولا تحرمني بركة ما أعطيتني، ولا تفتني فيما حرمتني» .
أبو موسى الأشعري
ومنهم العامل المعلم صاحب القراءة والمزمار، الرابض نفسه بالسياحة في المضمار، الأشعري أبو موسى عبد الله بن قيس بن حضار، كان بالأحكام والأقضية عالما، وفي أودية المحبة والمشاهدة هائما، وبقراءة القرآن في الحنادس مترنما وقائما، وفي طول الأيام والحرور طاويا وصائما.
وقد قيل: إن التصوف رتوع القلب الهائم، في مرتع العز الدائم.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا ابن نمير عن طلحة بن يحيى أخبرني أبو بردة عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا موسى رضي الله تعالى عنهما إلى اليمن، وأمرهما أن يعلما الناس القرآن.
• حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعدان ثنا بكر بن بكار ثنا قرة بن خالد ثنا أبو رجاء العطاردي قال: كان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد مسجد البصرة يقعد حلقا، فكأنى انظر اليه بين بردين أبيضين يقرئني القرآن ومنه أخذت هذه السورة {(اقرأ باسم ربك الذي خلق)} قال أبو رجاء: فكانت أول
سورة أنزلت على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه وكيع وخالد بن الحارث عن قرة مثله.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عبد الله بن أحمد بن أسيد ثنا زكريا بن يحيى أبو الخطاب ثنا أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبى عامر الخراز عن الحسن عن أبي موسى. قال: إن أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم أعلمكم كتاب ربكم عز وجل. وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وأنظف لكم طرقكم.
• حدثنا محمد بن جعفر بن الهيثم ثنا جعفر بن محمد الصايغ ثنا عفان ثنا وهيب ثنا داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود [الديلي] عن أبيه.
قال: جمع أبو موسى القراء فقال لا تدخلوا علي إلا من جمع القرآن. قال: فدخلنا عليه زهاء ثلاثمائة فوعظنا، وقال: أنتم قراء أهل البلد، فلا يطولن عليكم الأمد، فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب أهل الكتاب. ثم قال: لقد أنزلت سورة كنا نشبهها ببراءة طولا وتشديدا حفظت منها آية: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لالتمس اليهما واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب.
وأنزلت سورة كنا نشبهها بالمسبحات أولها سبح لله حفظت آية كانت فيها:
{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} ، فتكتب شهادة فى أعناقكم ثم تسئلون عنها يوم القيامة.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الحافظ الجرجاني ثنا أحمد بن موسى بن العباس ثنا إسماعيل بن سعيد الكسائي ثنا ابن علية عن زياد بن مخراق عن معاوية بن قرة عن أبي كنانة عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه: أنه جمع الذين قرءوا القرآن فإذا هم قريب من ثلاثمائة، فعظم القرآن وقال: إن هذا القرآن كائن لكم أجرا، وكائن عليكم وزرا، فاتبعوا القرآن ولا يتبعنكم القرآن، فإنه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة ومن تبعه القرآن زخ في قفاه
(1)
فقذفه في النار. رواه شعبة عن زياد مثله.
• حدثنا فاروق الخطابي ثنا أبو مسلم الكشي ثنا عمرو بن مرزوق ثنا مالك ابن مغول، وحدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق عن ابن عيينة عن مالك بن مغول قال سمعت عبد الله بن بريدة يحدث عن
(1)
فى ز: من اتبع القرآن يهبط به على رياض الجنة. ومن يتبعه القرآن يزخ فى قفاه الخ
أبيه. قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت الأشعري أبي موسى رضي الله تعالى عنه وهو يقرأ القرآن. فقال: «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود» فحدثته بذلك فقال: أنت لي الآن صديق حين أخبرتني هذا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدث به أبو إسحاق السبيعي والثوري وشريك والناس عن مالك.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا خالد بن نافع ثنا سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه ذات ليلة وأبو موسى يقرأ في بيته ومع النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله تعالى عنها، فقاما فاستمعا لقراءته ثم إنهما مضيا، فلما أصبح القى أبو موسى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له: يا أبا موسى مررت بك البارحة ومعي عائشة وأنت تقرأ في بيتك فقمنا فاستمعنا لقراءتك» فقال أبو موسى: يا نبي الله أما إني لو علمت بمكانك لحبرت لك القرآن تحبيرا.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا إسماعيل بن عبد الله ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا سعيد بن زربى
(1)
ثنا ثابت البنانى عن أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أوتي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود» .
• حدثنا محمد بن عمر بن سلم ثنا علي بن أبي الأزهر المصري ثنا أبو عمير عيسى بن محمد ثنا أيوب بن سويد عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أبي سلمة. قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول لأبي موسى: ذكرنا ربنا عز وجل فيقرأ.
• حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا عبيد الله بن عمر
(2)
ثنا صفوان بن عيسى ثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي. قال: صلى بنا أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه صلاة الصبح، فما سمعت صوت صنج ولا بربط
(3)
كان أحسن صوتا منه.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله
(1)
فى ح: ابن رزين خطأ وزربى هذا بفتح الزاى وسكون الراء المهملة ثم موحدة الخزاعى أبو عبيد البصرى
(2)
فى ح: عبد الله بن عمر، وكلاهما من رجال الخلاصة ومن هذه الطبقة
(3)
البربط ملهاة تشبه العود وهو فارسى معرب وأصله (بربت) لأن الضارب -
ابن أحمد بن حنبل ثنا نضر بن علي ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن مسلم ابن صبيح عن مسروق. قال: كنا مع أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه في سفر فآوانا الليل إلى بستان حرث فنزلنا فيه، فقام أبو موسى من الليل يصلي فذكر من حسن صوته ومن حسن قراءته. قال: وجعل لا يمر بشيء إلا قاله ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، وأنت المؤمن تحب المؤمن، وأنت المهيمن تحب المهيمن، وأنت الصادق تحب الصادق.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.
قال: كنا مع أبى موسى فى مسير له، فسمع الناس يتحدثون فسمع فصاحة.
فقال: ما لى يا أنس؟ هلم فلنذكر ربنا فإن هؤلاء يكاد أحدهم أن يفرى الأديم بلسانه، ثم قال: يا أنس ما أبطأ بالناس عن الآخرة وما ثبرهم
(1)
عنها.
قال قلت: الشهوات والشيطان. قال: لا والله! ولكن عجلت لهم الدنيا وأخرت الآخرة ولو عاينوا ما عدلوا وما ميلوا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا الحسن بن موسى الأشيب ثنا شيبان عن قتادة عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه. قال:
يا بني لو شهدتنا ونحن مع النبى صلى الله عليه وسلم إذا أصابتنا السماء لحسبت أن ريحنا ريح الضأن. رواه أبو عوانة وسعيد ومحمد بن حفصة وخالد بن قيس وغيرهم عن قتادة.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الصمد ثنا أبو هلال ثنا قتادة: أن أبا موسى بلغه أن ناسا يمنعهم من الجمعة أن لا ثياب لهم، فلبس عباءة ثم خرج فصلى بالناس.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبيد الله بن موسى ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن صالح بن
(3)
- به يضعه على صدره واسم الصدر بر، كذا فى النهاية.
(1)
فى النهاية (وفي حديث أبى موسى) أتدرى ما ثبر الناس أى ما الذى صدهم ومنعهم من طاعة الله ثم قال والثبر الحبس.
كيسان عن يزيد الرقاشي عن أبيه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد مر بالصخرة من الروحاء سبعون نبيا حفاة عليهم العبا» .
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا بشر بن موسى ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ثنا أبو أسامة عن يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه. قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن ستة نفر نعتقب، قال ونقبت أقدامنا ونقبت قدماي وتساقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق. فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا الخرق. قال: أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث ثم ذكر ذلك فقال:
ما كنت أصنع أن أذكر هذا الحديث. كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه.
وقال: الله يجزي به.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا عمر بن حفص السدوسي ثنا عاصم بن علي ثنا مهدي بن ميمون عن واصل مولى أبي عيينة عن لقيط عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه. قال: خرجنا غازين في البحر فبينما نحن والريح لنا طيبة والشراع لنا مرفوع فسمعنا مناديا ينادي: يا أهل السفينة قفوا أخبركم - حتى والى بين سبعة أصوات - قال أبو موسى: فقمت على صدر السفينة فقلت من أنت ومن أين أنت؟ أو ما ترى أين نحن وهل نستطيع وقوفا. قال: فأجابني الصوت - ألا أخبركم بقضاء قضاه الله عز وجل على نفسه. قال: قلت بلى! أخبرنا. قال: فإن الله تعالى قضى على نفسه أنه من عطش نفسه لله عز وجل في يوم حار كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة. قال:
فكان أبو موسى يتوخى ذلك اليوم الحار الشديد الحر الذي يكاد ينسلخ فيه الإنسان فيصومه.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الرحمن عن حماد بن سلمة عن قتادة عن أبى مجلز. قال: قال أبى موسى: إني لأغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي حتى آخذ ثوبي حياء من ربي عز وجل.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا ابن المبارك عن شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه. قال: ما ينتظر من الدنيا إلا كلا محزنا، أو فتنة تنتظر.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه. قال: إنما أهلك من كان قبلكم هذا الدينار والدرهم، وهما مهلكاكم. رواه أبو داود عن شعبة عن الأعمش فرفعه.
• حدثنا محمد بن علي ثنا أبو القاسم المنيعي ثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن سعيد الجريري قال سمعت غنيم بن قيس يحدث عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه. قال: إنما سمي القلب لتقلبه، وإنما مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض. رواه ابن علية عن الجريري مثله.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الوهاب ثنا عوف عن قسامة بن زهير. قال: خطبنا أبو موسى رضي الله تعالى عنه بالبصرة فقال: يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع، ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت.
• حدثنا أبي وأبو محمد بن حيان. قالا: ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أحمد بن سنان ثنا يزيد بن هارون أخبرنا سلام بن مسكين عن قتادة عن أبي بردة عن أبي موسى. قال: إن أهل النار ليبكون في النار حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم بعد الدموع ولمثل ما هم فيه فليبك. رواه يزيد الرقاشي عن صبيح عن أبي موسى مثله.
• حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا محمود بن خالد ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي حدثني هارون بن رباب عن عتبة بن غزوان الرقاشي. قال: قال لي أبو موسى الأشعري: ما لي أرى عينك نافرة. فقلت:
إنى التفت التفاتة فرأية جارية لبعض الجيش فلحظتها لحظة فصككتها صكة فنفرت فصارت إلى ما ترى. فقال: استغفر ربك ظلمت عينك، إن لها أول نظرة وعليك ما بعدها.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا جعفر بن محمد الفريابى ثنا أحمد بن سنان أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن أبي موسى قال: إن الشمس فوق الناس يوم القيامة، وأعمالهم تظلهم وتضحيهم.
• حدثنا عبد الله
ابن محمد بن جعفر ثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا محمد بن مسعود ثنا عثمان بن عمر ثنا أبو عامر الخزاز عن أبي عمران الجوني عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة فيستره الله تعالى بيده بينه وبين الناس، فيرى خيرا فيقول قد قبلت، ويرى شرا ويقول قد غفرت، فيسجد العبد عند الخير والشر، فيقول الخلائق طوبى لهذا العبد الذي لم يعمل سوءا قط.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا حسين بن علي عن زائدة عن عاصم عن شقيق عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه، قال: تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحا من المسك، قال فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها فتلقاهم ملائكة دون السماء، فيقولون: من هذا معكم؟ فيقولون فلان ويذكرونه بأحسن عمله، فيقولون حياكم الله وحيا من معكم، فتفتح له أبواب السماء قال فيشرق وجهه قال فيأتي الرب عز وجل ولوجهه برهان مثل الشمس، قال: وأما الآخر فتخرج روحه وهى أنتن من الجيفة فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها. فتلقاهم ملائكة دون السماء، فيقولون: من هذا معكم؟ فيقولون فلان ويذكرونه بأسوء عمله، فيقولون ردوه فما ظلمه الله شيئا، قال: وقرأ أبو موسى {(لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)} .
• حدثنا محمد بن أحمد بن محمد ثنا الحسن بن محمد ثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن خالد ثنا عيسى بن يونس عن عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب
(1)
قال: دعا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فتيانه حين حضرته الوفاة، فقال: اذهبوا واحفروا وأوسعوا وأعمقوا فجاءوا فقالوا: قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنا. فقال: والله؛ إنها لإحدى المنزلتين، إما ليوسعن علي قبري حتى تكون كل زاوية منه أربعين ذراعا، ثم ليفتحن لي باب إلى الجنة فلأنظرن إلى أزواجي ومنازلي وما أعد الله تعالى لي من الكرامة ثم لأكونن أهدى إلى منزلي مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من ريحها وروحها حتى
(1)
عرزب: بمهملتين ثم زاى معجمة كدحرج، الأزدى الأشعرى.
أبعث. ولئن كانت الأخرى - ونعوذ بالله منها - ليضيقن علي قبري حتى يكون في أضيق من القناة في الزج، ثم ليفتحن لي باب من أبواب جهنم فلأنظرن إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي ثم لأكونن إلى مقعدي من جهنم أهدى مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث. رواه الجريري عن أبي العلاء عن بعض حفدة أبي موسى مثله.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه ثنا أبو عثمان عن أبي بردة. قال: لما حضر أبا موسى الوفاة. قال: يا بني اذكروا صاحب الرغيف، قال كان رجل يتعبد في صومعة أراه قال سبعين سنة لا ينزل إلا في يوم واحد قال فشبه أو شب الشيطان في عينه امرأة فكان معها سبعة أيام أو سبع ليال قال: ثم كشف عن الرجل غطاؤه فخرج تائبا، فكان كلما خطا خطوة صلى وسجد فآواه الليل إلى دكان كان عليه اثنى عشر مسكينا فأدركه العياء فرمى بنفسه بين رجلين منهم، وكان ثم راهب يبعث إليهم كل ليلة بأرغفة فيعطي كل إنسان رغيفا فجاء صاحب الرغيف فأعطى كل إنسان رغيفا، ومر على ذلك الرجل الذي خرج تائبا فظن أنه مسكين فأعطاه رغيفا. فقال المتروك لصاحب الرغيف: مالك لم تعطني رغيفي ما كان بك عنه غنى؟ فقال: أتراني أمسكته عنك. سل هل أعطيت أحدا منكم رغيفين. قالوا: لا! قال: تراني أمسكته عنك والله لا أعطيك الليلة شيئا، فعمد التائب إلى الرغيف الذي دفعه إليه فدفعه إلى الرجل الذي ترك، فأصبح التائب ميتا قال فوزنت السبعون سنة بالسبع الليالي فرجحت السبع الليالي، ثم وزنت السبع الليالي بالرغيف فرجح الرغيف. فقال أبو موسى: يا بني اذكروا صاحب الرغيف.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا علي بن مسهر عن عاصم عن أبي كبشة عن أبي موسى.
قال: إنما سمي القلب من تقلبه ألا وإن القلب مثل ريشة معلقة بشجرة في فضاء من الأرض تفيؤها الريح ظهرا لبطن.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الفرج بن فضالة عن أزهر بن عبد الله. قال:
صلى أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه في كنيسة يوحنا بحمص، ثم خرج فحمد الله تعالى وأثنى عليه. ثم قال: يا أيها الناس إنكم اليوم في زمان للعامل فيه لله تعالى أجر، وسيكون بعدكم زمان يكون للعامل لله تعالى فيه أجران.
شداد بن أوس
ومنهم ذو اللسان المزموم، والبيان المفهوم، صاحب الحذر والورع، والبكاء والضرع، أبو يعلى شداد بن أوس الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الفرج بن فضالة عن أسد بن وداعة عن شداد بن أوس الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أنه كان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم فيقول:
اللهم إن النار أذهبت مني النوم، فيقوم فيصلي حتى يصبح.
• حدثنا أبي وأبو محمد بن حيان، قالا: ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا محمد بن أبي معشر قال حدثني أبي عن زياد بن ماهك، قال: كان شداد بن أوس يقول: إنكم لم تروا من الخير إلا أسبابه، ولم تروا من الشر إلا أسبابه، الخير كله بحذافيره في الجنة، والشر كله بحذافيره فى النار، وإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قاهر، ولكل بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، قال أبو الدرداء:
وإن من الناس من يؤتى علما ولا يؤتى حلما وإن أبا يعلى قد أوتي علما وحلما.
قال أبو نعيم: أسند بعض هذا الحديث كثير بن مرة عن شداد مرفوعا.
• حدثناه سليمان بن أحمد ثنا أبو زيد أحمد بن يزيد الخوطى ثنا يحيى بن صالح الوحاظي ثنا أبو مهدي سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن أبي شجرة كثير بن مرة عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس إن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر، يحق فيها الحق
ويبطل الباطل. أيها الناس كونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن كل أم يتبعها ولدها». رواه ليث بن أبي سليم عمن حدثه عن شداد بن أوس مرفوعا بزيادة ألفاظ.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن ابن سفيان ثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم ثنا نصر بن إدريس ثنا حسان بن إبراهيم عن ليث بن أبي سليم عمن حدثه عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم: مثله
• حدثنا أبي وأبو محمد بن حيان. قالا: ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أبو حميد الحمصي أحمد بن محمد بن سيار ثنا شريح بن يزيد الحضرمي أبو حيوة ثنا معاذ بن رفاعة عن أبي يزيد الغوثي عمن حدثه عن أبي الدرداء.
أنه كان يقول: إن لكل أمة فقيها وإن فقيه هذه الأمة شداد ابن أوس.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ثنا إسحاق ابن راهويه أخبرنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن ثابت البنانى. قال: قال شداد ابن أوس يوما لرجل من أصحابه: هات السفرة نتعلل بها قال فقال رجل من أصحابه، ما سمعت منك مثل هذه الكلمة منذ صحبتك، فقال: ما أفلتت مني كلمة منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مزمومة مخطومة، وايم الله لا تنفلت غير هذه.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه ثنا عبد الوهاب الثقفي ثنا برد بن سنان عن سليمان بن موسى: أن شداد بن أوس قال يوما: هاتوا السفرة نعبث بها قال فأخذوها عليه، قال: انظروا إلى أبي يعلى ما جاء منه، فقال: أي بني أخي إني ما تكلمت بكلمة منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مزمومة مخطومة قبل هذه، فتعالوا حتى أحدثكم ودعوا هذه وخذوا خيرا منها: اللهم إنا نسألك التثبت فى الأمر، ونسألك عزيمة الرشد، ونسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، ونسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا، ونسألك خير ما تعلم،
ونعوذ بك من شر ما تعلم، فخذوا هذه ودعوا هذه. كذا رواه سليمان بن موسى موقوفا ورواه حسان بن عطية عن شداد مرفوعا.
• حدثناه محمد بن معمر ثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الله ثنا الأوزاعي قال حدثني حسان بن عطية. قال: نزل شداد بن أوس منزلا، فقال: ائتونا بالسفرة نعبث بها، قيل:
يا أبا يعلى! ما هذه؟ فأنكرت عليه، قال: ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا إلا وأنا أخطمها ثم أزمها غير هذه، فلا تحفظوها علي واحفظوا عني ما أقول لكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد» فذكر مثله، وزاد:«وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب» هكذا رواه يحيى وعامة أصحاب الأوزاعي عنه مرسلا وجوده عنه سويد بن عبد العزيز.
• حدثناه محمد بن أحمد بن الحسن ثنا أحمد بن زنجويه ثنا هشام بن عمار ثنا سويد بن عبد العزيز ثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم، قال: خرجنا مع شداد بن أوس فنزلنا مرج الصفر
(1)
، فقال:
ائتونا بالسفرة نعبث بها، فكأن القوم تحفظوها عنه، فقال: يا بني أخي لا تحفظوها عن ولكن احفظوا مني ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كنز الناس الدنانير والدراهم، فاكنزوا هؤلاء الكلمات، اللهم إني أسألك الثبات في الأمر» فذكر مثله، ورواه أبو الأشعث الصنعاني عن شداد مرفوعا.
• حدثناه سليمان بن أحمد ثنا جعفر الفريابي وسليمان بن أيوب بن حذلم
(2)
قالا: ثنا سليمان بن عبد الرحمن ثنا إسماعيل بن عياش حدثني محمد بن يزيد الرحبي عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس، قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا شداد إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات، اللهم إني أسألك الثبات فى الأمر،
(1)
بضم الصاد وتشديد الفاء (مرج بدمشق) ذكره ياقوت فى المعجم.
(2)
فى ح جذلم (بالجيم) ولم نقف عليه وفى القاموس حذلم تابعى (يريد اسم رجل من التابعين).
والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك» فذكر مثله. ورواه الجريري عن أبي العلاء بن الشخير عن الحنظلي عن شداد مرفوعا.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا وهب بن بقية ثنا خالد بن عبد الله عن الجريري عن أبي العلاء عن الحنظلي عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أسألك الثبات في الأمر» فذكر مثله. ورواه الثوري، وبشر بن المفضل، وعدي بن الفصل، وحماه بن سلمة عن الجريري على اختلاف بينهم فيمن بين شداد وأبي العلاء. ورواه محمد بن أبي معشر عن أبيه عن الشعيثي عن شداد نحوه.
• حدثنا أبي ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا محمد بن أبو معشر ثنا أبي ثنا محمد بن عبد الله الشعيثي. قال: شيع شداد غزاة فدعوه إلى سفرتهم فقال: لو كنت أكلت طعاما منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعلم من أين هؤلاء لأكلت. ولكن عندي هدية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة، فقل: اللهم إني أسألك الثبات فى الأمر، وعزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا تقيا، ولسانا صادقا نقيا» ، كذا رواه الشعيثي وخالف الجماعة في قصة السفرة.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود. وحدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا أبى النضر. قالا: حدثنا عبد الله ابن المبارك عن أبي بكر بن عبد الله بن أبى مويم عن ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله عز وجل» . هذا حديث مشهور بابن المبارك عن أبي بكر بن أبي مريم مثله ورواه عنه المتقدمون، ورواه عمرو بن بشر بن السرح عن أبى بكر ابن أبي مريم مثله، ورواه ثور بن يزيد، وغالب عن مكحول عن ابن غنم عن شداد عن النبي عليه الصلاه والسلام مثله.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا مكحول
البيروتي ثنا إبراهيم بن بكر بن عمرو قال سمعت أبي يحدث عن ثور وغالب بإسناده.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه ثنا سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري يقول للناس يوما: اجلسوا أحدثكم - وما سمعته قط قبل قبل يومئذ يقول لهم اجلسوا - أخبرني محمود بن الربيع عن شداد بن أوس أنه قال: لما حضرته الوفاة - إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية، رواه صالح بن كيسان مثله ورواه عبد الله بن بديل عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد، ورواه خالد بن محمود بن الربيع عن عبادة بن نسي عن شداد.
• حدثناه أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن حدثنا أبو شعيب الحراني ثنا جدي ثنا موسى بن أعين عن بكر بن خنيس عن عطاء بن عجلان عن خالد بن محمود بن الربيع عن عبادة بن نسي، قال: مر بي شداد بن أوس فأخذ بيدي فانطلق بي إلى منزله، ثم جلس يبكي حتى بكيت لبكائه، فلما سري عنه. قال: ما يبكيك؟ قلت رأيتك تبكي فبكيت قال:
إني ذكرت حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: «إن أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية» قال: فقلت أما إحداهما فلا سبيل إليها، قال هكذا قلت لرسول الله صلى عليه وسلم حين قال لي قال:
«إنما أتخوفهما» ثم قال: «أما إنهم لم يعبدوا شمسا ولا قمرا، ولم ينصبوا أوثانا ولكنهم يعملون أعمالا لغير الله عز وجل» . رواه جماعة عن عبد الواحد ابن زيد عن عبادة بن نسي.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن موسى السامي البصري ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا عبد الواحد بن زيد ثنا عبادة بن نسي: قال:
دخلت على شداد بن أوس وهو يبكي. فقلت: ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال لحديث سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره: «إن من أخوف ما أخاف على أمتي الشرك بالله، والشهوة الخفية: يصبح الرجل صائما فيرى الشئ يشتهيه فيواقعه. والشرك؛ قوم لا يعبدون حجرا ولا وثنا ولكن يعملون عملا يراءون» رواه عبد الرحمن بن غنم عن شداد.
• حدثناه أبو
عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا جبارة بن مغلس ثنا عبد الحميد ابن بهرام عن شهر بن حوشب أنه سمع عبد الرحمن بن غنم يقول: لما دخلنا مسجد الجابية أنا وأبو الدرداء، لقينا عبادة بن الصامت. قال: فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا شداد بن أوس وعوف بن مالك فجلسا إلينا. فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرك والشهوة الخفية. فقال عبادة وأبو الدرداء: اللهم غفرا! أولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا: أن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرة العرب» أما الشهوة الخفية فقد عرفناها وهي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها، فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد؟ قال شداد: أريتكم لو رأيتم رجلا يصلي لرجل أو يصوم لرجل أو يتصدق لرجل أترون أنه قد أشرك. قالا: نعم! والله إنه من تصدق لرجل أو صام لرجل أو صلى لرجل فقد أشرك. قال: عوف بن مالك عند ذلك: أفلا يعمد الله عز وجل إلى ما يبتغي به وجهه من ذلك العمل فيتقبل منه ما خلص ويدع ما أشرك به. فقال شداد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«يقول الله تعالى أنا خير قسيم لمن أشرك بي، من أشرك بي شيئا فإن جسده وعمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به، أنا عنه غني» رواه ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب نحوه، ورواه رجاء بن حيوة عن محمود بن الربيع نحوه.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن ابن عجلان عن رجاء بن حيوة عن محمود بن الربيع عن شداد بن أوس: أنه خرج معه يوما إلى السوق ثم انصرف فاضجع وتسجى بثوبه ثم بكى فأكثر ما قال: أنا الغريب لا يبعد الإسلام
(1)
فلما ذهب ذلك عنه قلت له: لقد صنعت اليوم شيئا ما رأيتك تصنعه. قال: أخاف عليكم الشرك والشهوة الخفية. قلت له: أبعد الإسلام تخاف علينا الشرك؟ قال:
(1)
فى ح. فأكثر فقال: أنا العريب لا تبعد الإسلام، (كذا مهمل من النقط).
ثكلتك أمك يا محمود أوما من شرك إلا أن تجعل مع الله إلها آخر. رواه أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان.
• حدثنا محمد بن علي ثنا أحمد بن علي بن المثنى ثنا يحيى بن حجر ثنا محمد بن يعلى ثنا عمر بن صبح عن ثور بن يزيد عن مكحول عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن التوبة تغسل الحوبة، و {إن الحسنات يذهبن السيئات،} وإذا ذكر العبد ربه في الرخاء أبحاه فى البلاء، ذلك بأن الله تعالى يقول لا أجمع لعبدي أبدا أمنين، ولا أجمع له خوفين، إن هو أمنني في الدنيا خافني يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني فى الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي في حظيرة القدس فيدوم له أمنه، ولا أمحقه فيمن أمحق» .
حذيفة بن اليمان
ومنهم العارف بالمحن وأحوال القلوب، والمشرف على الفتن والآفات والعيوب، سأل عن الشر فاتقاه، وتحرى الخير فاقتناه، سكن عند الفاقة والعدم، وركن إلى الإنابة والندم، وسبق رتق الأيام والأزمان، أبو عبد الله حذيفة بن اليمان.
وقد قيل: إن التصوف مرامقة صنع الرحمن، والموافقة مع المنع والحرمان.
• حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الرحمن السقطي ثنا يزيد بن هارون أخبرنا أبو مالك الأشجعي عن ربعي بن خراش عن حذيفة رضي الله تعالى عنه: أنه قدم من عند عمر رضي الله تعالى عنه فقال لما جلسنا إليه، سأل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أيكم سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن التي تموج موج البحر؟ فأسكت القوم وظننت أنه إياي يريد قال: فقلت أنا. قال: أنت لله أبوك؟ قلت: تعرض الفتن على القلوب عرض الحصيد فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، حتى تصير القلوب على قلبين قلب أبيض
مثل الصفا لا يضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربدا كالكوز مجخيا
(1)
وأمال كفه. وإن أبا يزيد قال هكذا وأمال كفه - لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه وحدثته: أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر كسرا: فقال عمر: كسرا لا أبالك! فلت نعم! قال فلو أنه فتح لكان لعله أن يعاد فيغلق، فقلت بل كسرا، قال: وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت حديثا ليس بالأغاليط، رواه عن أبي مالك الأشجعي جماعة منهم زهير ومروان العزارى وأبو خالد الأحمر.
حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا المسعودي وقيس عن الأعمش عن زيد بن وهب قال قال حذيفة رضي الله تعالى عنه.
• حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر.
• حدثنا أن الأمانة نزلت فى حذر قلوب الرجال فعلموا من القرآن وعلموا من السنة.
• ثم حدثنا عن رفعها فقال: ينام الرجل فيكم فينكت فى قلبه نقطة سوداء فيظل أثرها كالمجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا
(2)
ليس فيه شيء فيصبح الناس ليس فيهم أمين، وليأتين على الناس زمان يقال للرجل ما أظرفه وما أعقله وما في قلبه من الإيمان مثقال شعيرة.
رواه الناس من الأعمش حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود.
• وحدثنا أبى بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا أبى النضر قالا: ثنا سليمان بن المغيرة حدثني حميد بن هلال ثنا نصر بن عاصم الليثي، قال:
أتيت اليشكري في رهط من بني ليث فقال قدمت الكوفة فدخلت المسجد فإذا فيه حلقة كأنما قطعت رءوسهم يستمعون إلى حديث رجل: فقمت عليهم فقلت من هذا؟ قيل حذيفة بن اليمان، فدنوت منه فسمعته يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر
(1)
مجخيا: (بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الخاء) كذا فى النهاية وقال. المجخى المائل عن الاستقامة والاعتدال.
(2)
المنتبر: المرتفع حكاه فى النهاية فى مادة نبر.
[فعرفت أن الخير لم يسبقني قلت يا رسول الله أبعد هذا الخير شر؟ قال:
يا حذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه ثلاثا. قال: قلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير شر قال فتنة وشر وقال أبو داود - هدنة على دخن قال قلت:
يا رسول الله ما الهدنة على دخن؟ قال لا ترجع قلوب أقوام إلى ما كانت عليه ثم قال رسول الله صلى الله عليه ثم تكون فتنة عمياء صماء دعاته ضلالة، أو قال دعاته النار فلأن تعضد على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحدا منهم. رواه قتادة عن نصر وسمى اليشكري خالدا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن المثنى ثنا الوليد بن مسلم ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني بشر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول سمعت حذيفة رضي الله تعالى عنه يقول:
كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر]
(1)
مخافة أن يدركني. فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر، قال: نعم! فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير. فقال نعم! وفيه دخن: فقلت وما دخنه؟ قال، قوم يستنون بغير سنتى ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، فقلت هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم! دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها: قلت يا رسول الله فما تأمرني إن أدركنى ذلك، قال: تلزم جماعة لمسلمين وإمامهم، قلت فإن لم يكن لهم جماعة لا إمام قال «اعتزل تلك الفرق كلها ولله أن أمض على جذل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» .
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية: وحدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جرير عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عمار عن حذيفة رضى الله عنه تعالى قال: إن الفتنة تعرض على القلوب، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، فإن
(1)
ما بين المربعين سقط من النسخة الحلبية.
أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، فمن أحب منكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؟ فلينظر! فإن كان يرى حراما ما كان يراه حلالا، أو يرى حلالا ما كان يراه حراما، فقد أصابته الفتنة.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أحمد بن على ابن الجارود أبو سعيد الأشج ثنا أبو خالد الأحمر قال سمعت الأعمش يذكر عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب. قال: قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: إذا أذنب العبد نكت فى قلبه نكتة سوداء، فإن أذنب نكت فى قلبه نكبة سوداء، حتى يصير قلبه كالشاة الربداء.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا أحمد بن عبد الله بن سعيد ثنا سليمان بن حيان عن الأعمش عن عمارة بنت عمير عن أبي عمار عن حذيفة. قال: والذي لا إله غيره إن الرجل ليصبح يبصر ببصره ويمسي ما ينظر بشفر.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة. قال: أتتكم الفتن ترمي بالنشف، ثم أتتكم ترمي بالرضف ثم أتتكم سوداء مظلمة
(1)
.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ثنا اسحاق ابن راهويه ثنا الفضل بن موسى عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل عن حذيفة.
رضي الله تعالى عنه. قال: ثلاث فتن والرابعة تسوقهم إلى الدجال، التي ترمي بالرضف، والتي ترمي بالنشف، والسوداء المظلمة التي تموج كموج البحر، والرابعة تسوقهم إلى الدجال.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد الله عن حذيفة قال: إياكم والفتن، لا يشخص إليها أحد، فو الله ما شخص فيها أحد إلا نسفته كما ينسف السيل الدمن، إنها مشبهة مقبلة حتى يقول الجاهل هذه تشبه، وتبين مدبرة. فإذا رأيتموها فاجثموا فى بيوتكم، وكسروا سيوفكم،
(1)
لفظ النهاية: أظلتكم الفتن ترمى بالنشف (بفتح الشين المعجمة) ثم التى يليها ترمى بالرضف يريد أن الأولى لا تؤثر فى أديان الناس لخفتها؛ والتى بعدها كهيئة حجارة قد أحميت بالنار فكانت رضفا.
وقطعوا أوتاركم.
• حدثنا أبو عبد الله الحسين بن حمويه بن الحسين الخثعمي ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا مصرف بن عمرو ثنا عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن الأعمش عن أبي وائل وزيد بن وهب عن حذيفة رضي الله تعالى عنه. قال: إن الفتنة وقفات وبغتات، فمن استطاع أن يموت في وقفاتها، فليفعل - يعني بالوقفات غمد السيف -. رواه شعبة عن الأعمش عن زيد عن حذيفة.
• حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن حمزة ثنا الحسن
(1)
بن إبراهيم بن بشار ثنا عبد الله بن عمران ثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة رضي الله تعالى عنه. قال: ليأتين على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا بدعاء كدعاء الغريق.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا سويد بن سعيد ثنا علي بن مسهر عن مسلم عن حبة. قال: قال أبو مسعود لحذيفة: إن الفتنة وقعت فحدثني ما سمعته، قال أو لم يأتكم اليقين؟ كتاب الله عز وجل.
• حدثنا الحسين بن حويه الخثعمي ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا محمد بن بلال عن عمران القطان عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله تعالى عنه. قال: ما الخمر صرفا بأذهب بعقول الرجال من الفتنة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الأعمش عن زيد ابن وهب قال سمعت حذيفة رضي الله عنه يقول: إن الفتنة وكلت بثلاث؛ بالحاد النحرير الذى لا يرتفع له شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليها، وبالسيد: فأما هذان فتبطحهما لوجوههما، وأما السيد فتبحثه حتى تبلو ما عنده.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه. وحدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان. قالا: ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق ثنا بكار بن عبد الله حدثني خلاد بن عبد الرحمن أن أبا الطفيل حدثه أنه سمع حذيفة يقول: يا أيها الناس ألا تسألوني؟ فان الناس كانوا
(1)
كذا فى ر وفى ح: الحسين بن إبراهيم
يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، أفلا تسئلون عن ميت الأحياء؟ فقال: إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم فدعا الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان، فاستجاب له من استجاب فحيى بالحق من كان ميتا، ومات بالباطل من كان حيا. ثم ذهبت النبوة فكانت الخلافة على منهاج النبوة ثم يكون ملكا عضوضا؛ فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه والحق استكمل، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه كافا يده وشعبة من الحق ترك، ومنهم من ينكر بقلبه كافا يده ولسانه، وشعبتين من الحق ترك، ومنهم من لا ينكر بقلبه ولسانه فذلك ميت الأحياء.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن خيثمة عن فلفلة الجعفي عن حذيفة. قال: والله لو شئت لحدثتكم ألف كلمة تحبوني عليها، وتتابعوني وتصدقوني من أمر الله تعالى ورسوله، ولو شئت لحدثتكم ألف كلمة تبغضوني عليها وتجانبوني وتكذبوني.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا جرير عن الأعمش عن عمر ابن مرة عن أبي البختري عن حذيفة. قال: لو شئت لحدثتكم بألف كلمة تصدقوني عليها وتتابعوني وتنصرونني، ولو شئت لحدثتكم بألف كلمة تكذبونني عليها وتجانبونني وتسبونني، وهن صدق من الله ورسوله.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا عبد الله ثنا إسحاق أخبرنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن الحسن عن جندب (بن عبد الله) بن سفيان عن حذيفة؛ قال: إني لأعرف قائد قوم في الجنة وأتباعه في النار، قال فقلنا:
وهل هذا إلا كبعض ما تحدثوننا به؟ فقال وما يدريك ما سبق له.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة ثنا جرير عن الأعمش عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه قال سمعت حذيفة رضي الله تعالى عنه يقول: لكأني براكب قد أناخ بكم فقال الأرض أرضنا، والمال مالنا، فحال بين الأرامل والمساكين، وبين المال الذي أفاء الله على آبائهم.
• حدثنا محمد بن عبد الرحمن ثنا الحسن بن محمد ثنا محمد بن حميد ثنا جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن حذيفة. قال: القلوب أربعة؛ قلب أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب مصفح فذلك قلب المنافق، وقلب أجرد فيه سراج يزهر فذاك قلب المؤمن، وقلب فيه نفاق وإيمان فمثل الإيمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب، ومثل النفاق مثل القرحة يمدها قيح ودم، فأيهما ما غلب عليه غلب.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان البصري ثنا عبد الله بن أحمد الدورقي ثنا مسدد ثنا أبو الأحوص ثنا أبو إسحاق عن أبي المغيرة عن حذيفة رضي الله عنه. قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذرب لساني. فقال: «أين أنت من الاستغفار، إني لأستغفر الله عز وجل كل يوم مائة مرة» رواه عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحاق عن عبيد بن المغيرة عن حذيفة.
• حدثنا أحمد بن محمد بن مهران ثنا محمد بن العباس بن أيوب ثنا الحسن بن يونس ثنا محمد بن كثير ثنا عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحاق عن عبيد بن المغيرة عن حذيفة. قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن لي لسانا ذربا على أهلي قد خشيت أن يدخلني النار؟ قال:
«فأين أنت من الاستغفار، إني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة» .
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن عبد الله بن عمار ثنا المعافى بن عمران عن اليمان بن المغيرة حدثني أبو الأبيض المدني عن حذيفة رضي الله تعالى عنه. أنه قال: إن أقر أيامي لعيني يوم أرجع إلى أهلي وهم يشكون الحاجة.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد ثنا قبيصة عن سفيان. وحدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا القاسم بن خليفة ثنا حسين بن علي ثنا زائدة. قالا: عن أبان بن أبي عياش عن أمية بن قسيم عن حذيفة. قال: أقر ما أكون عينا حين يشكو إلي أهلي الحاجة، وإن الله تعالى ليحمي المؤمن من الدنيا كما يحمي أهل المريض مريضهم الطعام.
قال الشيخ رحمه الله: رفع زائدة الكلام الأخير في الحمية.
• حدثنا سليمان
ابن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أبو كريب ثنا عمر بن بزيع ثنا الحارث ابن الحجاج عن أبى معمر التيمى عن ساعد بن سعد بن حذيفة: أن حذيفة كان يقول: ما من يوم أقر لعيني، ولا أحب لنفسي من يوم آتي أهلي فلا أجد عندهم طعاما، ويقولون ما تقدر على قليل ولا كثير. وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن الله تعالى أشد حمية للمؤمن من الدنيا من المريض أهله الطعام، والله تعالى أشد تعاهدا للمؤمن بالبلاء من الوالد لولده بالخير» .
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم ثنا هناد ثنا قبيصة عن سفيان عن الأعمش. قال: قال حذيفة لسعد بن معاذ رضي الله تعالى عنهما: كيف ترانا إذا أصبنا الدنيا؟ فقال: سعد: لا ندرك ذاك. قال حذيفة: أعطي على ظنه، وأعطيت على ظني. كذا رواه الثوري. ورواه جرير عن الأعمش متصلا عن طلحة بن مصرف عن الهذيل عن حذيفة.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا عبد الرحمن بن محمد ثنا هناد ثنا وكيع عن سلام بن مسكين عن ابن سيرين. قال: إن حذيفة رضي الله تعالى عنه لما قدم المدائن قدم على حمار على إكاف وبيده رغيف وعرق وهو يأكل على الحمار. قال: هناد ثنا وكيع عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف مثله. وزاد فقال: وهو سادل رجليه من جانب.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد عن حذيفة، قال:
إياكم ومواقف الفتن، قيل وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة ثنا جرير عن الأعمش عن أبي ظبيان. قال: أتى رجل حذيفة. وحدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الأعمش عن زيد بن وهب. قال: جاء رجل إلى حذيفة فقال استغفر لي. فقال:
لا غفر الله لك
(1)
إني لو استغفرت لهذا الآتي بسيئاته فقال: استغفر لى حذيفة
(1)
كذا فى الأصلين: ولعله (لا استغفر) او ما هذا معناه.
أتحب أن يجعلك الله مع حذيفة؟ اللهم اجعله مع حذيفة.
• حدثنا محمد بن علي ثنا عبد الله بن محمد البغوي ثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال سمعت زيادا يحدث عن ربعى بن خراش. قال: قال حذيفة عند الموت: رب يوم لو أتاني الموت لم أشك، فأما اليوم فقد خالطت أشياء لا أدري على ما أنا فيها.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد ابن عبيد عن الأعمش عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن أم سلمة - قال أبو بكر هي أمه - قالت قال حذيفة: لوددت أن لي إنسانا يكون في مالي ثم أغلق علي الباب، فلم أدخل على أحدا حتى ألقى الله عز وجل.
• حدثنا أبو بكر ابن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ثنا أبو بكر ابن عياش عن عاصم عن أبي وائل. قال: قال حذيفة: من أحب حال يجد الله العبد عليها أن يجده عافرا بوجهه.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد ثنا عبدة بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن حذيفة. قال:
إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة أن يؤثروا ما يرون على ما يعلمون، وأن يضلوا وهم لا يشعرون.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا جرير عن الأعمش. قال: بلغني أن حذيفة رضي الله عنه كان يقول ليس خيركم الذين يتركون الدنيا للآخرة، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا ولكن الذين يتناولون من كل.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت صلة بن زفر يحدث عن حذيفة. قال: يجمع الناس فى صعيد واحد فلا تكلم نفس، فيكون أول مدعو محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك، والهدى من هديت وعبدك بين يديك، أنا بك وإليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت. فذلك قوله عز وجل {(عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)} . رفعه عن أبي إسحاق جماعة.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا محمد بن العباس ثنا أبو كريب ثنا محمد بن خارم ثنا الأعمش عن سليمان بن مسهر عن طارق بن شهاب عن حذيفة. قال:
قيل له: في يوم واحد تركت بنو اسرائيل دينهم؟ قالا لا، ولكنهم كانوا إذا أمروا بشيء تركوه، وإذا نهوا عن شيء ركبوه، حتى انسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه. ورواه جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبى البحترى عن حذيفة نحوه. ورواه يعلى بن عبيد عن الأعمش عن عبد الله ابن عبد الله عن ابن أبي ليلى عن حذيفة.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا الأعمش عن ميمون بن مهران عن عبد الله بن سيدان عن حذيفة رضي الله تعالى عنه. قال: لعن الله من ليس منا، والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو لتقتتلن بينكم فليظهرن شراركم على خياركم فليقتلنهم حتى لا يبقى أحد يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ثم تدعون الله عز وجل فلا يجيبكم بمقتكم.
• حدثنا أبو بكر ابن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الله بن نمير ثنا رزين الجهنى ثنا أبى الرقاد، قال: خرجت مع مولاي وأنا غلام فدفعت إلى حذيفة وهو يقول: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير بها منافقا، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر ولتحضن على الخير، أو ليسحتكم الله جميعا بعذاب، أو ليأمرن عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم.
• حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو يحيى الرازي ثنا أبو يزيد الخزاز عن عبيدة عن الأعمش عن أبي ظبيان. قال: قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: ما تلاعن قوم قط إلا {حق عليهم القول} .
• حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن منويه ثنا عبيد بن أسباط ثنا أبي عن الأعمش عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة. قال: كنا مع حذيفة في البيت فقال له عثمان يا أبا عبد الله ما هذا الذي يبلغني عنك؟ قال ما قلته. فقال له عثمان أنت أصدقهم وأبرهم. فلما خرج. قلت: يا أبا عبد الله ألم تقل ما قلت؟ قال بلى: ولكن أشترى دينه بعضه ببعض محافة أن يذهب كله.
• حدثنا الحسين بن حمويه الخثعمي ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عمر بن
أبي الرطيل ثنا حبيب بن خالد ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي عمرو - يعني زاذان - قال قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: ليأتين عليكم زمان خيركم فيه من لم يأمر بمعروف وينه عن منكر.
• حدثنا أحمد ابن محمد بن على الحارث المرهبي الكندي ثنا الحسن بن علي بن جعفر الوشاء ثنا أبو نعيم ثنا قطر بن خليفة عن حبيب - يعني ابن أبي ثابت - عن حذيفة قال: خالص
(1)
المؤمن وخالط الكافر ودينك لا نكلمنه.
• حدثنا محمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن سعدان ثنا بكر بن بكار ثنا شعبة ثنا حبيب ابن أبي ثابت، قال سمعت أبا الشعثاء المحاربي يقول سمعت حذيفة رضي الله تعالى عنه يقول: ذهب النفاق فلا نفاق إنما هو الكفر بعد الإيمان.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة عن الأعمش عن أبي وائل. قال: قال حذيفة: المنافقون اليوم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يومئذ يكتمونه. وهم اليوم يظهرونه.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جرير عن الأعمش عن شمر بن عطية. قال: قال حذيفة لرجل أيسرك أنك قتلت أفجر الناس؟ قال: نعم؟ قال: إذا تكون أفجر منه.
• حدثنا علي بن هارون ثنا يوسف القاضي ثنا عمرو بن مرزوق ثنا زهير عن أبي إسحاق عن سعد بن حذيفة؟ قال سمعت أبا عبد الله - يعني أباه - يقول: والله ما فارق رجل الجماعة شبرا إلا فارق الإسلام.
• حدثنا أبو إسحاق بن حمزة ثنا عبيد بن غنام ثنا ابن نمير ثنا وكيع عن الأعمش عن ابراهيم بن همام. قال: قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: يا معشر القراء اسلكوا الطريق فلئن سلكتموه لقد سبقتم سبقا بعيدا. ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا.
• حدثنا محمد ابن علي ثنا عبد الله بن محمد ثنا عبد الله بن الجعد أخبرنا شريك عن سماك عن أبي سلامة عن حذيفة رضي الله تعالى عنه. قال: ليكونن عليكم أمراء - أو أمير لا يزن أحدهم عند الله يوم القيامة قشرة شعيرة.
• حدثنا أبو بكر بن مالك
(1)
فى ح: خالط المؤمن.
ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا هدبة بن خالد ثنا همام عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: انطلقت إلى الجمعة مع أبي بالمدائن وبيننا وبينها فرسخ وحذيفة بن اليمان على المدائن، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال {اقتربت الساعة وانشق القمر} ؛ ألا وإن القمر قد انشق ألا وإن الدنيا قد أذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق، فقلت لأبي: ما يعني بالسباق. فقال من سبق إلى الجنة. رواه جماعة عن عطاء مثله.
• حدثنا أبو عمر بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن قدامة. قالا: ثنا النضر بن شميل ثنا محمد بن ثوار حدثني كردوس.
قال: خطب حذيفة بالمدائن. فقال: أيها الناس تعاهدوا ضرائب غلمانكم فإن كانت من حلال فكلوها، وإن كانت من غير ذلك فارفضوها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إنه ليس لحم ينبت من سحت فيدخل الجنة» .
• حدثنا عبد الله بن محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن سليم العامري: قال سمعت حذيفة يقول: بحسب المرء من العلم أن يخشى الله عز وجل، وبحسبه من الكذب أن يقول استغفر الله، ثم يعود.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا وكيع ثنا فضيل بن غزوان عن أبي الفرات عن مالك الأحمري عن حذيفة سمعه منه. قال: إن بائع الخمر كشاربها، ألا إن مقتنى الخنازير كمآكلها، تعاهدوا أرقاءكم فانظروا من أين يجيئون بضرائبهم؟ فإنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا وكيع عن عكرمة بن عمار عن أبي عبد الله الفلسطيني عن عبد العزيز
(1)
ابن أخ لحذيفة: قال: سمعته من حذيفة منذ خمس وأربعين سنة قال قال حذيفة: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا وكيع ثنا الأعمش وسفيان عن ثابت بن هرمز أبي المقدام عن
(1)
فى ح: عبد الله وبهامشها عن نسخة (عبد العزيز).
أبي يحيى قال: قيل لحذيفة: من المنافق؟ قال الذي يصف الإسلام ولا يعمل به.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا محمد ابن يزيد الادمى ثنا يحيى بن سليم بن إسماعيل بن كثير عن زياد مولى ابن عباس قال: حدثني من دخل على حذيفة في مرضه الذي مات فيه. فقال: لولا أني أرى أن هذا اليوم آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة لم أتكلم به، اللهم إنك تعلم أني كنت أحب الفقر على الغنى، وأحب الذلة على العز، وأحب الموت على الحياة. حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم. ثم مات رضي الله عنه.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا سليمان بن حرب ثنا السري بن يحيى عن الحسن. قال: لما حضر حذيفة الموت قال: حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم، احمد لله الذي سبق بي الفتنة قادتها وعلوجها.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق السراج ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا هشيم أخبرنا حصين عن أبي وائل. قال: لما ثقل حذيفة أتاه أناس من بني عبس، فأخبرنى خالد بن الربيع العبسى قال: أتبناه وهو بالمدائن حتى دخلنا عليه جوف الليل فقال لنا أي ساعة هذه؟ قلنا جوف الليل - أو آخر الليل - فقال: أعوذ بالله من صباح إلى النار. ثم قال أجئتم معكم بأكفان؟ قلنا نعم! قال فلا تغالوا بأكفاني فإنه إن يكن لصاحبكم عند الله خير فإنه يبدل بكسوته كسوة خيرا منها وإلا يسلب سلبا.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن الصباح ثنا جرير عن إسماعيل عن قيس عن أبى مسعود. قال: لما أتى حذيفة يكفنه وكان مسندا إلى أبي مسعود فأتي بكفن جديد. فقال: ما تصنعون بهذا إن كان صاحبكم صالحا ليبدلن الله تعالى به، وإن كان غير ذلك ليترامن به
(1)
رجواها إلى يوم القيامة.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أبو كريب ثنا
(1)
كذا فى النسختين. وفى النهاية: وإلا فليترام بى رجواها الخ أى جانبا الحفرة والضمير راجع إلى غير مذكور يريد به الحفرة والرجا مقصور ناحية الوضع وتثنيته رجوان والمعنى وإلا اترامى بى رجواها.
يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن إسحاق أن صلة بن زفر حدثه:
أن حذيفة بعثنى وأبا مسعود. فابتعنا له كفنا حلة عصب بثلاثمائة درهم. فقال:
أرياني ما ابتعنا لي فأريناه. فقال: ما هذا لي بكفن إنما يكفيني ريطتان بيضاوان ليس معهما قميص فإني لا أترك إلا قليلا حتى أبدل خيرا منهما أو شرا منهما. فابتعنا له ريطتين بيضاوين.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا يوسف القاضي ثنا أبو الربيع ثنا هشيم ثنا مجالد عن الشعبي عن صلة عن حذيفة. قال:
تعودوا الصبر فأوشك أن ينزل بكم البلاء أما إنه لا يصيبنكم أشد مما أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن مجالد عن محمد بن المنتشر عن ابن خراش عن حذيفة رضي الله تعالى عنه. قال: إن في القبر حسابا، ويوم القيامة حسابا، فمن حوسب يوم القيامة عذب.
عبد الله بن عمرو بن العاص
ومنهم القوي الخاشع، القارئ المتواضع، صاحب الصيام والقيام. عبد الله ابن عمرو بن العاص كان بالحقائق قائلا، وعن الأباطيل مائلا. يعانق العمل، ويفارق الجدل، يطعم الطعام، ويفشي السلام، ويطيب الكلام.
وقد قيل: التصوف التخلق بأخلاق الكرام، والاستسلام بنوازل الأحكام.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو زرعة الدمشقى ثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب ابن أبي حمزة عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف: أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت. فقال لي:
«أنت الذي تقول لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت» . فقلت له قد قلته بأبي أنت وأمي. قال: «فإنك لا تستطيع ذلك» . رواه معمر، وابن مسافر، وعيسى بن المطلب، وبكر بن وائل في عامة أصحاب الزهري عنه مقرونا.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إدريس بن جعفر العطار ثنا يزيد بن هارون
ثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ثنا عبد الله بن عمرو.
قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فقال: «يا عبد الله بن عمرو ألم أخبر أنك تكلفت قيام الليل وصوم النهار» قلت إني لأفعل. فقال:
«إن من حسبك أن تصوم من كل جمعة ثلاثة أيام» فغلظت فغلظ علي فقلت إني لأجد قوة على ذلك يا رسول الله. فقال: «إن لعينك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا» .
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن طحلاء عن أبي سلمة قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: حدثني مدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك وما قال لك. قال: دخل علي فقال:
«يا عبد الله بن عمرو ألم أخبر أنك تكلفت قيام الليل وصيام النهار» . قال قلت: إني أفعل ذلك يا رسول الله. قال: «إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام؛ فإذا أنت صمت الدهر كله» فغلظت فغلظ علي فقلت إني أجدني أقوى من ذلك يا رسول الله. فقال: «إن أعدل الصيام عند الله عز وجل صيام داود عليه السلام» . قال: فأدركني الكبر والضعف حتى وددت أنى غرمت مالي وأهلي وأني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل شهر ثلاثة أيام. رواه محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى عن أبى سلمة.
• حدثناه علي بن هارون ثنا جعفر الفريابي قال قرأت على أبي مصعب الزهري وكتبت من كتابه قلت حدثكم عبد العزيز بن أبي حازم عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم أخبر أنك تصوم النهار لا تفطر، وتصلي الليل لا تنام» قال: «فحسبك أن تصوم من كل جمعة يومين» . قلت يا رسول الله إني أجدني أقوى من ذلك قال: فهل لك في صيام داود عليه السلام فإنه أعدل الصيام تصوم يوما وتفطر يوما. فقلت: يا رسول الله إني أجد بي قوة هي أقوى من ذلك. قال: «إنك لعلك أن تبلغ بذلك سنا وتضعف» . رواه محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان
ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة نحوه. ورواه غير أبي سلمة عن عبد الله جماعة.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال سمعت ابن أبي مليكة يحدث عن يحيى بن حكيم
(1)
بن صفوان أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جمعت القرآن فقرأته في ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إني أخشى أن يطول عليك الزمان، وأن تمل قراءته» ثم قال: «اقرأه في شهر» قال: يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي ومن شبابي. قال: «اقرأه في عشرين» قلت: أي رسول الله دعني أستمتع من قوتي ومن شبابي. قال: «اقرأه في سبع» قلت: يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي ومن شبابى. فأبى.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا عيسى بن يونس ثنا الأفريقي عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن رافع. قال: لما كبر عبد الله بن عمرو ابن العاص واشتد عليه قراءة القرآن قال: إني لما جمعت القرآن أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت له: إني قد جمعت القرآن فافرضه علي قال:
«اقرأه في الشهر» ، قال قلت: إني أقوى من ذلك، قال:«قال اقرأه في الشهر مرتين» قلت: إني أقوى من ذلك، قال:«اقرأه في الشهر ثلاثا» قال: فقلت إني أقوى من ذلك، قال:«اقرأه في كل ست» قلت إني أقوى من ذلك، قال:«اقرأه في كل ثلاث» قلت إني أقوى من ذلك، قال فغضب وقال:«قم فاقرأ» .
• حدثنا أبو بكر مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن ومغيرة الضبي عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو، قال: زوجني أبي امرأة من قريش، فلما دخلت علي جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كنته حتى دخل عليها، فقال لها كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرجال - أو كخير البعولة - من رجل لم يفتش لنا كنفا، ولم يقرب لنا فراشا،
(1)
وفى نسخة: عثمان بن حكيم. وكلاهما من رجال الخلاصة.
فأقبل على فعذ منى وعضني بلسانه. فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلنها وفعلت، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني.
فأرسل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال لي: «أتصوم النهار؟» قلت نعم! قال: «أفتقوم الليل؟» قلت نعم! قال: «لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» ثم قال، «اقرأ القرآن في كل شهر». قلت إني أجدني أقوى من ذلك. قال:«فاقرأه في كل عشرة أيام» قلت إني أجدني أقوى من ذلك. قال: «فاقرأه في كل ثلاث» ثم قال:
«صم في كل شهر ثلاثة أيام» قلت إني أقوى من ذلك. فلم يزل يرفعني حتى قال: «صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صيام أخي داود عليه السلام» قال حصين في حديثه ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل عابد شرة، وإن لكل شرة فترة فإما إلى سنة، وإما إلى بداعة، فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك» . قال مجاهد:
وكان عبد الله بن عمرو حين ضعف وكبر يصوم الأيام كذلك يصل بعضها إلى بعض ليتقوى بذلك، ثم يفطر بعد ذلك الأيام. قال: وكان يقرأ من أحزابه كذلك يزيد أحيانا وينقص أحيانا، غير أنه يوفي به العدة إما في سبع وإما في ثلاث. ثم كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحب إلي مما عدل به أو عدل، لكني فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره. رواه أبو عوانة عن مغيرة نحوه.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا قتيبة عن ابى لهيعة عن واهب بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو. أنه قال: رأيت فيما يرى النائم كأن في إحدى أصبعي سمعنا، وفى الأخرى عسلا، وأنا ألعقهما.
فلما أصبحت ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تقرأ الكتابين التوراة والفرقان» فكان يقرأهما.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن وسليمان بن أحمد قالا: ثنا بشر بن موسى أخبرنا المقرئ أبو عبد الرحمن ثنا حيوة أخبرني شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول أنه سمع
عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: لخبر أعمله اليوم أحب إلي من مثليه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهمنا الآخرة ولا تهمنا الدنيا، وأن اليوم قد مالت بنا الدنيا.
• حدثنا أبو بكر ابن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا يونس بن محمد المؤدب ثنا الليث ابن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لا تعرف» .
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا جرير عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعبدوا الرحمن، وأفشوا السلام وأطعموا الطعام. تدخلوا الجنان» رواه أبو عوانة وعبد الوارث وخالد الواسطي عن عطاء مثله.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا عبد الله بن محمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن ليث عن أبي سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو. قال: جلست من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا ما جلست منه مجلسا قبله ولا بعده، فغبطت نفسي فيه ما غبطت نفسي في ذلك المجلس.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا ابن شيرويه ثنا اسحاق ابن راهويه ثنا عيسى بن يونس ثنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه. قال: انطلقت مع عبد الله بن عمرو إلى البيت، فلما جئنا دبر الكعبة قلت له ألا تتعوذ؟ قال: أعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى إذا استلم الحجر قام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وبسط ذراعيه ثم قال:
هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا عبد الله بن يزيد المقري ثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني النعمان بن عمرو بن خالد عن حسين بن شفي. قال: كنا جلوسا عند عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه. فأقبل تبيع. فقال عبد الله: أتاكم أعرف من عليها. فلما جلس قال له عبد الله: أخبرنا عن الخيرات الثلاث،
والشرات الثلاث قال نعم! الخيرات الثلاث، اللسان الصدوق، وقلب تقي، وامرأة صالحة. والشرات الثلاث؛ لسان كذوب، وقلب فاجر، وامرأة سوء فقال عبد الله قد قلت لكم.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد وابن لهيعة عن عياش بن عياش عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه يقول: لأن أكون عاشر عشرة مساكين يوم القيامة، أحب إلي من أن أكون عاشر عشرة أغنياء، فإن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا. يقول: يتصدق يمينا وشمالا. لفظ الليث.
• حدثنا محمد بن معمر ثنا موسى بن هارون ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن عياش بن عياش عن أبي عبد الرحمن قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إن الجنة حرام على كل فاحش أن يدخلها.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر ابن موسى ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل عن حميد ابن هلال عن عبد الله بن عمرو بن العاص. أنه قال: من سقى مسلما شربة ماء باعده الله من جهنم شوط فرس - يعني حضر فرس -.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا عبد الله بن يريد المقرئ ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن عمرو بن العاص. قال: كان يقال:
دع ما لست منه في شيء، ولا تنطق فيما لا يعنيك، وأخزن لسانك كما تخزن ورقك.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا المقرئ ثنا ابن لهيعة ثنا ابن هبيرة أن عبد الله بن عمرو بن العاص. قال: إنه فى الناموس الذي أنزل الله تعالى على موسى عليه السلام: إن الله تعالى يبغض من خلقه ثلاثة: الذي يفرق بين المتحابين، والذى يمشى بالنمائم، والذى يلتمس البرئ ليعنته.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص. قال: مكتوب في التوراة من تجر فجر، ومن حفر حفرة سوء لصاحبه وقع فيها.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن
أبى قبيل قالت سمعت حيوة بن [شريح عن] شراحيل يقول سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه يقول: إن ابليس موثق فى الأرض السفلى، فإذا تحرك كان كل شر على الأرض بين اثنين فصاعدا من تحركه.
• حدثنا أبو بكر ابن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عبد الجبار ابن الورد عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولو تعلمون حق العلم لصرخ أحدكم حق ينقطع صوته، ولسجد حتى ينقطع صلبه.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا عبد الله بن عمرو القواريرى ثنا جعفر بن أبى عمران. قال: بلغنا أن عبد الله بن عمرو بن العاص سمع صوت النار فقال: وأنا
(1)
. فقيل: يا ابن عمرو ما هذا؟ قال: والذى نفسى بيده إنها لتستجير من النار الكبرى من أن تعاد فيها.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا المقرى ثنا حيوة بن شريح أخبرنى أبو هانئ الخولانى عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو: أن رجلا قال له: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال ألك امرأة تأوى إليها؟ فقال نعم! قال أذلك مسكن تسكنه؟ قال نعم! قال: فلست من فقراء المهاجرين فإن شئتم أعطيناكم، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان. فقال نصبر ولا نسأل شيئا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن أبى كثير عن عبد الله بن عمرو. قال: تجمعون فيقال أين فقراء هذه الأمة ومساكينها؟ قال فتبرزون فيقولون ما عندكم؟ فتقولون يا رب ابتلينا فصبرنا وأنت أعلم، ووليت الأموال والسلطان غيرنا. قال: فيقال صدقتم قال فيدخلون الجنة قبل سائر الناس بزمان، وتبقى شدة الحساب على ذوى الأموال.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا أبو مسلم الكشي ثنا أبو عاصم عن ثور بن
(1)
كذا فى ح، وفى ز: وانآء.
يزيد عن خالد بن معدان عن [عبد الله بن] عمرو. قال: الجنة مطوية معلقة بقرون الشمس، تنشر فى كل عام مرة، وأرواح المؤمنين فى جوف طير خضر كالزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا مسكين بن بكير
(1)
ثنا شعبة عن يعلى ابن عطاء عن أمه: أنها كانت تصنع لعبد الله بن عمرو الكحل وكان يكثر من البكاء قال ويغلق عليه بابه ويبكى حتى رمصت عيناه. قال: وكانت أمى تصنع له الكحل.
• حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا اسحاق ابن راهويه أخبرنا عثمان بن عمرو ثنا ابن أبى ذئب عن إبراهيم بن عبيد مولى بنى رفاعة الزرقى عن عبد الله بن باباه قال: جئت عبد الله بن عمرو بعرفة ورأيته قد ضرب فسطاطا فى الحرم، فقلت له لم صنعت هذا؟ قال تكون صلاتى فى الحرم، فإذا خرجت إلى أهلى كنت فى الحل.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا هارون بن ملول ثنا عبد الله بن يزيد المقري ثنا سعيد بن أبى أيوب عن خالد بن يزيد وعبد الله بن سليمان عن عمرو بن نافع عن عبد الله بن عمرو:
أنه مر على رجل بعد صلاة الصبح وهو نائم، فحركه برجله حتى استيقظ فقال له: أما علمت أن الله عز وجل يطلع فى هذه الساعة إلى خلقه فيدخل ثلة منهم الجنة برحمته؟.
• حدثنا أبو أحمد ثنا ابن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا المقرى مثله. وقال: عمرو بن مانع.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن اسحاق بن راهويه ثنا أبى أخبرنا يحيى بن آدم ثنا زهير بن معاوية عن أبى الزبير عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن غلاما لعبد الله بن عمرو باع فضل ماء من عم له بعشرين ألفا، فقال عبد الله؟ لاتبعه فإنه لا يحل بيعه.
• حدثنا محمد بن محمد بن هارون الطحان ثنا اسحاق بن محمد بن مروان أخبرنا أبى ثنا إبراهيم بن هراسة عن محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن يعقوب بن عاصم عن عبد الله عمرو. قال: من سئل بالله فأعطى كتب له سبعون أجرا.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن اسحاق ثنا
(1)
كذا فى ح، وفى ز: ابن مسكين ولم نقف عليه.
عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي ثنا حسين بن المعلم ثنا عبد الله بريدة أن سليمان بن ربيعة حدثه: أنه حج فى إمرة معاوية ومعه المنتصر بن الحارث الضبى فى عصابة من قراء أهل البصرة، فقالوا والله لا نرجع حتى نلقى رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مرضيا يحدثنا بحديث فلم نزل نسأل حتى حدثنا أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه نازل فى أسفل مكة، فعمدنا إليه فإذا نحن بثقل عظيم يرتحلون ثلاثمائة راحلة منها مائة راحلة ومائتا زاملة. قلنا: لمن هذا الثقل؟ فقالوا: لعبد الله بن عمرو. فقلنا أكل هذا له؟ وكنا نحدث أنه من أشد الناس تواضعا. فقالوا:
أما هذه المائة راحلة فلاخوانه يحملهم عليها، وأما المائتان فلمن نزل عليه من أهل الأمصار له ولأضيافه. فعجبنا من ذلك عجبا شديدا. فقالوا: لا تعجبوا من هذا فإن عبد الله بن عمرو رجل غنى، وإنه يرى حقا عليه أن يكثر من الزاد لمن نزل عليه من الناس. فقلنا: دلونا عليه. فقالوا إنه فى المسجد الحرام. فانطلقنا نطلبه حتى وجدناه فى دبر الكعبة جالسا؛ رجل تصير أرمص
(1)
بين بردين وعمامة، وليس عليه قميص قد علق نعليه فى شماله.
• حدثنا محمد بن معمر ثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الله الهرانى حدثنا صفوان بن عمرو حدثنى زهير العبسى أبو المخارق عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه. قال: ألا أخبركم بأفضل الشهداء عند الله تعالى منزلة يوم القيامة؟ الذين يلقون العدو وهم فى الصف، فإذا واجهوا عدوهم لم يلتفت يمينا ولا شمالا إلا واضعا سيفه على عاتقه، يقول: اللهم إنى اخترتك اليوم بما أسلفت فى الأيام الخالية. فيقتل على ذلك، فذلك من الشهداء الذين يتلبطون
(2)
فى الغرف العلى من الجنة حيث شاءوا.
• حدثنا محمد بن معمر ثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الله ثنا الأوزاعى حدثنى يحيى بن أبى عمرو الشيبانى. قال: مر بعبد الله بن عمرو بن العاس رضى الله تعالى عنه نفر من
(1)
فى ح: ارمض ولعله تصحيف والرمص مما يجتمع فى زوايا الأجفان من رطوبة العين
(2)
يتلبطون: بمعنى يتمرغون، عن النهاية.
أهل اليمن. فقالوا له: ما تقول فى رجل أسلم فحسن إسلامه، وهاجر فحسنت هجرته، وجاهد فحسن جهاده، ثم رجع إلى أبويه باليمن فبرهما ورحمهما؟ قال:
ما تقولون أنتم؟ قالوا: نقول قد ارتد على عقبيه. قال: بل هو فى الجنة ولكن سأخبركم بالمرتد على عقبيه، رجل أسلم فحسن إسلامه، وهاجر فحسنت هجرته، وجاهد فحسن جهاده، ثم عمد إلى أرض نبطى فأخذها منه بجزيتها ورزقها، ثم أقبل عليها يعمرها، وترك جهاده فذلك المرتد على عقبيه.
عبد الله بن عمر بن الخطاب
ومنهم الزاهد فى الإمرة والمراتب، الراغب فى القربة والمناقب، المتعبد المتهجد، المتتبع للأثر المتشدد
(1)
نزيل الحصباء والمساجد، طويل الرغباء فى المشاهد، يعد نفسه فى الدنيا غريبا، ويرى كل ما هو آت قريبا. المستغفر التواب، عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
وقد قيل: إن التصوف الرهب من العتو، والرغب فى العلو.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا محمد ابن يزيد الخنيسى ثنا عبد العزيز بن أبي رواد ثنا نافع. قال: دخل ابن عمر رضى الله تعالى عنه الكعبة فسمعته وهو ساجد يقول: قد تعلم ما يمنعنى من مزاحمة قريش على هذه الدنيا إلا خوفك.
• حدثنا القاضي عبد الله بن محمد بن عمر ثنا على بن سعيد العسكرى ثنا عباد بن الوليد ثنا قرة بن حبيب الغنوى ثنا عبد الله بن بكر بن عبد الله المزنى عن عبيد الله
(2)
بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن أنت ابن عمر وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مناقبه - فما يمنعك من هذا الأمر؟ قال: يمنعنى أن الله تعالى حرم على دم المسلم. قال: فإن الله عز وجل يقول {(قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله)} قال قد فعلنا
(1)
فى ح: المتسدد بالسين المهملة.
(2)
فى ح: عبد الله فى المكانين من هذه الرواية وعبد وعبيد الله أخوان وطبقة واحدة فى التحديث غير أن عبيد الله يروى عن نافع
وقد قاتلناهم حتى كان الدين لله، فأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى يكون الدين لغير الله رواه جعفر بن الحارث عن عبيد الله مثله.
قال الشيخ رحمه الله: لم نكتبه من حديث عبد الله بن بكر المزنى إلا من القاضي عبد الله بن محمد بن عمر.
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا الحكم بن موسى ثنا إسماعيل بن عياش حدثنى المطعم بن المقدام الصنعانى. قال: كتب الحجاج ابن يوسف إلى عبد الله بن عمر بلغنى أنك طلبت الخلافة، وإن الخلافة لا تصلح لعيى ولا بخيل ولا غيور. فكتب إليه ابن عمر؛ أما ما ذكرت من الخلافة أنى طلبتها فما طلبتها وما هى من بالى، وأما ما ذكرت من العى والبخل والغيرة فإن من جمع كتاب الله فليس بعيى، ومن أدى زكاة ماله فليس ببخيل وأما ما ذكرت من الغيرة فإن أحق ما غرت فيه ولدى أن يشركنى فيه غيري.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا عمر بن محمد بن الحسن الأسدى حدثنى أبى سلام بن مسكين قال سمعت الحسن يقول: لما كان من أمر الناس ما كان من أمر الفتنة، أتوا عبد الله بن عمر فقالوا أنت سيد الناس وابن سيدهم، والناس بك راضون، أخرج نبايعك. فقال: لا والله لا يهراق فى محجمة من دم ولا فى سببى ما كان فى الروح. قال: ثم أتى فخوف. فقيل له لتخرجن أو لتقتلن على فراشك. فقال مثل قوله الأول. قال: الحسن فو الله ما استقلوا
(1)
منه شيئا حتى لحق بالله تعالى.
• حدثنا أحمد بن محمد بن سنان ثنا أبو العباس الثقفى ثنا عبد الله بن جرير بن جبلة ثنا سليمان بن حرب ثنا جرير عن يحيى عن نافع. قال: لما قدم أبو موسى وعمرو بن العاص أيام حكما قال أبو موسى: لا أرى لهذا الأمر غير عبد الله بن عمر. فقال عمرو لابن عمر: إنا نريد أن نبايعك فهل لك أن تعطى مالا عظيما على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك؟ فغضب ابن عمر فقام، فأخذ ابن الزبير بطرف ثوبه فقال: يا أبا عبد الرحمن إنما قال تعطى مالا على أن أبايعك. فقال ابن عمر:
(1)
ما استقلوا منه شيئا، أى ما بلغوا منه شيئا. عن النهاية.
ويحك يا عمرو. قال: عمرو: إنما قلت أجربك. قال: فقال ابن عمر: لا والله لا أعطى عليها شيئا، ولا أعطى ولا أقبلها إلا عن رضى من المسلمين.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن الصباح ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن جابر عن القاسم بن عبد الرحمن: أنهم قالوا لابن عمر فى الفتنة الأولى ألا تخرج فتقاتل؟ فقال قد قاتلت والأنصاب بين الركن والباب حتى نفاها الله عز وجل من أرض العرب، فأنا أكره أن أقاتل من يقول لا إله إلا الله.
قالوا: والله ما رأيك ذلك ولكنك أردت أن يفنى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم بعضا حتى إذا لم يبق غيرك قيل بايعوا لعبد الله بن عمر بإمارة المؤمنين. قال: والله ما ذلك فى، ولكن إذا قلتم حى على الصلاة أجبتكم، حى على الفلاح أجبتكم، وإذا افترقتم لم أجامعكم، وإذا اجتمعتم لم أفارقكم.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن يوسف البناء الصوفى ثنا عبد الجبار ابن العلاء ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم. قال: قال عبد الله - يعني ابن مسعود -: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا ابن ادريس ثنا حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر رضي الله تعالى عنه. قال:
ما رأيت - أو ما أدركت - أحدا إلا قد مالت به الدنيا أو مال بها، إلا عبد الله بن عمر.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا محمد ابن يزيد بن خنيس ثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع. قال: كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه عز وجل. قال: نافع: وكان رقيقه قد عرفوا ذلك منه، فربما شمر أحدهم فيلزم المسجد، فاذا رآه ابن عمر رضى الله تعالى عنه على تلك الحالة الحسنة أعتقه. فيقول له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن والله ما بهم إلا أن يخدعوك، فيقول ابن عمر: فمن خدعنا بالله عز وجل تخدعنا له. قال: نافع: فلقد رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له قد
أخذه بمال عظيم، فلما أعجبه سيره أناخه مكانه ثم نزل عنه. فقال: يا نافع انزعوا زمامه ورحله وجللوه واشعروه، وادخلوه فى البدن.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا أبو العباس الثقفي ثنا محمد بن الصباح ثنا سفيان بن عبيد الله عن نافع. قال: بينا هو يسير على ناقته - يعنى ابن عمر - إذ أعجبته فقال:
إخ إخ. فأناخها ثم قال يا نافع حط عنها الرحل، فكنت أرى أنه لشئ يريده - أو لشئ رابه منها - فحططت الرحل فقال لى انظر هل ترى عليها مثل رأسها؟ فقلت أنشدك إنك إن شئت بعتها واشتربت بثمنها. قال: فحللها وقلدها وجعلها فى بدنه، وما أعجبه من ماله شيء قط إلا قدمه.
• حدثنا أحمد ابن محمد بن سنان ثنا محمد بن إسحاق السراج ثنا عمرو بن زرارة ثنا أبو عبيدة الحداد عن عبد الله بن أبى عثمان. قال: كان عبد الله بن عمر أعتق جاريته التى يقال لها رميثة وقال: إنى سمعت الله عز وجل يقول فى كتابه {(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)} وإنى والله إن كنت لأحبك فى الدنيا، اذهبى فأنت حرة لوجه الله عز وجل.
• حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا جعفر بن محمد بن عتيب
(1)
ثنا محمد بن سعيد بن يزيد بن إبراهيم ثنا أبو عاصم عن ملك بن مغول عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه. قال: لما نزلت {(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)} دعا ابن عمر رضى الله تعالى عنه جارية له فأعتقها.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عبد الأعلى عن برد عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه كان لا يعجبه شيء من ماله إلا خرج منه لله عز وجل قال وكان ربما تصدق فى المجلس الواحد بثلاثين ألفا. قال: وأعطاه ابن عامر مرتين ثلاثين ألفا
(2)
فقال: يا نافع إنى أخاف أن تفتننى دراهم ابن عامر، اذهب فأنت حر. وكان لا يدمن اللحم شهرا إلا مسافرا أو فى رمضان قال وكان يمكث الشهر لا يذوق فيه مزعة لحم.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن السرى بن مهران ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن برد بن سنان عن نافع. قال:
(1)
كذا فى ح، وفى ز: جعفر بن محمد عن عتيب.
(2)
كذا ولعله يريد (بنافع).
إن كان ابن عمر ليقسم فى المجلس الواحد ثلاثين ألفا، ثم يأتى عليه شهر ما يأكل فيه مزعة لحم.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا خالد بن حيان ثنا عيسى بن كثير عن ميمون بن مهران. قال:
أتت ابن عمر رضى الله تعالى عنه اثنان وعشرون ألف دينار فى مجلس، فلم يقم حتى فرقها.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن اسحاق ثنا أبو همام ثنا عمر ابن عبد الواحد عن عمر بن محمد العمرى عن نافع. قال: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان - أو زاد -.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا هاشم بن القاسم ثنا عاصم - يعنى ابن محمد - عن أبيه. قال: أعطى ابن عمر بنافع عشرة آلاف - أو ألف دينار - فقلت يا أبا عبد الرحمن فما تنتظر أن تبيع؟ قال: فهلا ما هو خير من ذلك؟ هو حر لوجه الله تعالى.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا وكيع ثنا المغيرة بن زياد الموصلى عن نافع. قال: باع ابن عمر أرضا له بمائتى ناقة، فحمل على مائة منها فى سبيل الله عز وجل، واشترط على أصحابها أن لا يبيعوا حتى يجاوزوا بها وادى القرى.
• حدثنا أحمد بن محمد بن سنان ثنا أبو العباس السراج ثنا عمرو بن زرارة ثنا اسماعيل عن أيوب عن نافع: أن معاوية يبعث إلى ابن عمر مائة ألف؛ فما حال الحول وعنده منها شيء.
• حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا سليمان بن حرب ثنا أبو هلال ثنا أيوب بن وائل الراسبى. قال: قدمت المدينة فأخبرنى رجل - جار لابن عمر - أنه أتى ابن عمر أربعة آلاف من قبل معاوية، وأربعة آلاف من قبل إنسان آخر، وألفان من قبل آخر، وقطيفة فجاء إلى السوق يريد علفا لراحلته بدرهم نسيئة. فقد عرفت الذى جاءه. فأتيت سريته فقلت إنى أريد أن أسألك عن شيء وأحب أن تصدقينى؟ قلت: أليس قد أتت أبا عبد الرحمن أربعة آلاف من قبل معاوية، وأربعة آلاف من قبل إنسان آخر، وألفان من قبل آخر، وقطيفة؟ قالت: بلى، قلت: فإنى رأيته يطلب علفا بدرهم نسيئة، قالت: ما بات حتى فرقها، فأخذ القطيفة فألقاها على ظهره
ثم ذهب فوجهها ثم جاء. فقلت: يا معشر التجار ما تصنعون بالدنيا وابن عمر أتته البارحة عشرة آلاف درهم وضح، فأصبح اليوم يطلب لراحلته علفا بدرهم نسيئة.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا نعيم بن حماد ثنا ابن المبارك عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن نافع: أن ابن عمر رضي الله تعالى عنه اشتكى، فاشترى له عنقود عنب بدرهم، فجاء مسكين فقال: اعطوه إياه. فخالف إليه إنسان فاشتراه منه بدرهم، ثم جاء به إليه فجاءه المسكين فسأل فقال: اعطوه إياه. فخالف إليه إنسان فاشتراه منه بدرهم، ثم جاء به إليه فجاءه المسكين يسأل فقال اعطوه اياه ثم خالف إليه إنسان فاشتراه منه بدرهم فأراد أن يرجع فمنع ولو علم ابن عمر بذلك العنقود ما ذاقه.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون أخبرنا مسلم بن سعيد الثقفى عن خبيب بن عبد الرحمن عن نافع: أن ابن عمر اشتهى عنبا وهو مريض، فاشتريت له عنقودا بدرهم، فجئت به فوضعته فى يده فجاءه سائل فقام على الباب فسأل: فقال ابن عمر: ادفعه إليه فى يده قال قلت: كل منه، ذقه قال: لا، ادفعه إليه. فدفعته إليه. قال: فاشتريته منه بدرهم فجئت به إليه فوضعته فى يده، فعاد السائل فقال ابن عمر؛ ادفعه إليه، قلت:
ذقة، كل منه. قال: لا، ادفعه إليه فدفعته فما زال يعود السائل ويأمر بدفعه إليه حتى قلت للسائل فى الثالثة - أو الرابعة - ويحك ما تستحى؟ فاشتريته منه بدرهم فجئت به إليه فأكله.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال: أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه نزل الجحفة - وهو شاك - فقال: إنى لأشتهى حيتانا، فالتمسوا له فلم يجدوا له إلا حوتا واحدا، فاخذته امرأته صفية بنت أبى عبيد فصنعته ثم قربته إليه، فأتى مسكين حتى وقف عليه، فقال له عمر خذه، فقال أهله: سبحان الله، قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه. فقال: إن عبد الله يحبه.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا
قبيصة بن عقبة ثنا قيس بن سليم العنبرى عن أبى بكر بن حفص أن عمر بن سعد. قال: اشتكى ابن عمر فاشتهى حوتا فصنع له، فلما وضع بين يديه جاء سائل. فقال أعطوه الحوت. قالت امرأته: نعطيه درهما فهو أنفع له من هذا، واقض أنت شهوتك منه فقال: شهوتى ما أريد.
• حدثنا محمد بن علي ثنا الحسين بن أبى معشر ثنا أبو الخطاب ثنا حاتم بن وردان ثنا أيوب عن نافع. قال: اشتهى ابن عمر رضى الله تعالى عنه حوتا، فاشتريت له سمكة فشويت فوضعت بين يديه. فجاء سائل يسأل فأمر بها كما هى ما ذاق منها شيئا، فقالوا نعطه خيرا من ثمنها فأبى.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا كثير بن هشام ثنا جعفر بن برقان ثنا ميمون بن مهران: أن امرأة ابن عمر عوتبت فيه فقيل لها: أما تلطفين بهذا الشيخ؟ فقالت، فما أصنع به، لا نصنع له طعاما إلا دعا عليه من يأكله. فأرسلت إلى قوم من المساكين كانوا يجلسون بطريقه إذا خرج من المسجد فأطعمتهم، وقالت لهم: لا تجلسوا بطريقه. ثم جاء إلى بيته فقال: أرسلوا إلى فلان وإلى فلان. وكانت امرأته أرسلت إليهم بطعام، وقالت إن دعاكم فلا تأتوه. فقال ابن عمر رضى الله تعالى عنه: أردتم أن لا أتعشى الليلة فلم يتعش تلك الليلة.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن بكار ثنا أبو معشر عن محمد بن قيس.
قال: كان عبد الله بن عمر رضي عنه لا يأكل إلا مع المساكين، حتى أضر ذلك بجسمه. فصنعت له امرأته شيئا من التمر فكان إذا أكل سقته.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر. قال: لو أن طعاما كثيرا كان عند عبد الله بن عمر ما شبع منه بعد أن يجد له آكلا. فدخل عليه ابن مطيع يعوده فرآه قد نحل جسمه، فقال لصفية: ألا تلطفيه لعله أن يرتد إليه جسمه فتصنعى له طعاما قالت: إنا لنفعل ذلك ولكنه لا يدع أحدا من أهله ولا من يحضره إلا دعاه عليه؛ فكلمه أنت فى ذلك. فقال ابن مطيع: يا أبا عبد الرحمن
لو اتخذت طعاما فرجع إليك جسمك. فقال: إنه ليأتى على ثمانى سنين ما أشبع فيها شبعة واحدة، أو قال لا أشبع فيها إلا شبعة واحدة، فالآن تريد أن أشبع حين لم يبق من عمرى إلا ظمء حمار
(1)
رواه عمر بن حمزة عن أبيه نحوه.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا هاشم بن القاسم ثنا عاصم بن محمد عن عمر بن حمزة بن عبد الله. قال: كنت جالسا مع أبى فمر رجل فقال أخبرنى ما قلت لعبد الله ابن عمر يوم رأيتك تكلمه بالجرف. قال: قلت: يا أبا عبد الرحمن رقت مضغتك، وكبر سنك، وجلساؤك لا يعرفون حقك ولا شرفك، فلو أمرت أهلك أن يجعلوا لك شيئا يلطفونك إذا رجعت إليهم. قال: ويحك والله ما شبعت منذ احدى عشرة سنة ولا ثنتى عشرة سنة ولا ثلاث عشرة سنة ولا أربع عشرة سنة ولا مرة واحدة! فكيف بى وإنما بقى منى كظمإ الحمار.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن نصر الصايغ ثنا إبراهيم بن حمزة ثنا عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: ما شبعت منذ أسلمت.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا الليث بن خالد البلخى ثنا العلاء بن خالد المجاشعى عن أبى بكر بن حفص: أن عبد الله بن عمر كان لا يأكل طعاما إلا وعلى خوانه يتيم.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا أحمد بن يونس ثنا السرى بن يحيى عن الحسن، وحدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل حدثنى أبى ثنا هشيم عن منصور عن الحسن قال أحمد. وحدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سفيان بن الحسن عن الحسن: أن ابن عمر كان إذا تغدى أو تعشى دعا من حوله من اليتامى، فتغدى ذات يوم فأرسل إلى يتيم فلم يجده، وكانت له سويقة محلاة يشربها بعد غدائه. فجاء اليتيم وقد فرغوا من الغداء وبيده السويقة ليشربها، فناولها إياه وقال: خذها فما أراك غبنت.
أخبرت عن سالم بن عصام ثنا يحيى بن حكيم ثنا عمر بن أبي خليفة قال سمعت
(1)
ظمء الحمار: كناية عن الشئ اليسير لأن الحمار أقل الدواب صبرا على الماء.
أفلح بن كثير.
(1)
قال: كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه لا يرد سائلا، حتى أن المجذوم ليأكل معه فى صحنه، وإن أصابعه لتقطر دما.
• حدثنا أبي ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أحمد بن سعيد ثنا ابن وهب أخبرنى أبى لهيعة عن عبيد الله بن المغيرة عن عبيد الله بن عدى -: وكان مولى لعبد الله بن عمر قدم من العراق فجاءه يسلم عليه - فقال: أهديت إليك هدية، قال: وما هى؟ قال: جوارش، قال: وما جوارش؟ قال: تهضم الطعام، فقال: فما ملأت بطنى طعاما منذ أربعين سنة، فما أصنع به.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبى ثنا هشيم أخبرنا منصور عن ابن سيرين: أن رجلا قال لابن عمر: أجعل لك جوارش؟ قال وأى شيء الجوارش قال: شيء إذا كظك الطعام فأصبت منه سهل عليك، قال فقال ابن عمر:
ما شبعت من الطعام منذ أربعة أشهر، وما ذاك أن لا أكون له واجدا، ولكنى عهدت قوما يشبعون مرة ويجوعون مرة.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا مالك - يعنى ابن مغول - عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه أتى بشيء يقال له الكبر قال: ما نصنع بهذا؟ قال: إنه يمر بك، قال: إنه ليمر بى الشهر ما أشبع إلا الشبعة أو الشبعتين.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن اسحاق ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا كثير بن هشام ثنا جعفر بن برقان ثنا ميمون بن مهران. قال:
مر أصحاب نجدة الحرورى على إبل لعبد الله بن عمر فاستاقوها، فجاء راعيها، فقال: يا أبا عبد الرحمن احتسب الابل، قال، وما لها؟ قال مر بها أصحاب نجدة فذهبوا بها، قال، كيف ذهبوا بالإبل وتركوك؟ قال قد كانوا ذهبوا بى معها ولكنى انفلت منهم، قال ما حملك على أن تركتهم وجئتنى؟ قال أنت أحب إلى منهم، قال آلله الذى لا إله إلا هو لأنا أحب إليك منهم؟ قال فحلف له قال فإنى أحتسبك معها، فأعتقه، فمكث ما مكث ثم أتاه آت فقال
(1)
فى ز: الكبير بضم الكاف وتشديد الباء، وعبارة القاموس، الإكبر كإثمد أحمد شيء كانه خبيص يابس ليس بشديد الحلاوة يجيء به النحل.
هل لك فى ناقتك الفلانية - سماها باسمها - ها هو ذا تباع فى السوق. قال أرنى ردائى، فلما وضعه على منكبيه وقام، جلس فوضع رداءه ثم قال:
لقد كنت احتسبتها فلم أطلبها؟.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا كثير بن هشام ثنا جعفر بن برقان ثنا ميمون بن مهران أن ابن عمر رضي الله تعالى عنه: كاتب غلاما له ونجمها عليه نجوما، فلما حل أول النجم أتاه المكاتب به، فسأله من أين أصبت هذا؟ قال كنت أعمل وأسأل. قال: ابن عمر: أفجئتني بأوساخ الناس تريد أن تطعمنيها؟ أنت حر لوجه الله ولك ما جئت به.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا كثير ثنا جعفر ثنا ميمون: أن رجلا من بنى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه استكساه إزارا، وقال قد تخرق إزارى فقال له أقطع ازارك ثم اكتسه، فكره الفتى ذلك. فقال له عبد الله ابن عمر، ويحك اتق الله لا تكونن من القوم الذين يجعلون ما رزقهم الله تعالى فى بطونهم وعلى ظهورهم.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي عن ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة عن ميمون بن مهران. قال: دخلت منزل ابن عمر؛ فما كان فيه ما يسوى طيلسانى هذا.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبو معمر ثنا يوسف بن الماجشون عن أبيه عن عائشة. قالت: ما رأيت أحدا أشبه بأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم الذين دفنوا فى النمار
(1)
من عبد الله ابن عمر.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا موسى بن داود قال سمعت مالك بن أنس. قال: حدثت أن ابن عمر رضي الله تعالى عنه نزل الجحفة. فقال ابن عامر بن كريز لخبازه: اذهب بطعامك إلى ابن عمر، قال فجاء بصحفة فقال ابن عمر ضعها، ثم جاء بأخرى وأراد أن يرفع الأولى فقال ابن عمر: مالك؟ قال أريد أن أرفعها قال دعها صب عليها هذه قال: فكان كلما جاءه بصحفة صبها على الأخرى قال فذهب العبد إلى
(1)
النمار: كل شملة مخططة من مآزر الإعراب، فهى نمرة وجمعها نمار كذا فى النهاية
ابن عامر. فقال: هذا جاف أعرابى! فقال له ابن عامر: هذا سيدك، هذا ابن عمر.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا موسى بن داود ثنا مالك بن أنس عن أبى جعفر القارى. قال: قال مولاى:
أخرج مع ابن عمر أخدمه، قال فكان كل ماء ينزله يدعو أهل ذلك الماء يأكلون معه. قال: فكان أكابر ولده يدخلون فيأكلون فكان الرجل يأكل اللقمتين والثلاث فنزل الجحفة فجاءوا وجاء غلام أسود عريان، فدعاه ابن عمر. فقال الغلام: إنى لا أجد موضعا قد تراصوا. فرأيت ابن عمر تنحى حتى ألزقه إلى صدره.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ثنا أبو كامل ثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب عن قرعة
(1)
قال:
رأيت على ابن عمر ثيابا خشنة أو خشبة
(2)
. فقلت له: يا أبا عبد الرحمن إنى أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان، وتقر عيناى أن أراه عليك، فان عليك ثيابا خشنة أو خشبة. فقال: أرنيه حنى انظر إليه. قال: فلمسه بيده وقال:
أحرير هذا؟ قلت لا! إنه من قطن. قال: إنى أخاف أن ألبسه، أخاف أن أكون مختالا فخورا، والله لا يحب كل مختال فخور.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عثمان بن أبي شيبة عن يونس بن أبى يعفور عن أبيه وقدان. قال: سمعت ابن عمر - وسأله رجل ما ألبس من الثياب - قال: ما لا يزدريك فيه السفهاء، ولا يعتبك
(3)
به الحلماء. قال: ما هو؟ قال: ما بين الخمسة إلى العشرين درهما.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا عارم أبو النعمان ثنا أبو عوانة عن عبد الله بن حبيش. قال:
رأيت على ابن عمر ثوبين معافرين
(4)
وكان ثوبه إلى نصف الساق.
• حدثنا
(1)
كذا فى ح: وفى المحدثين عمر بن محمد بن قرعة (بالضم) محدث مؤدب. وفى ز:
فزغة (بالفاء والزاى) ولم نقف عليهما بالنص.
(2)
فى ح: أو حسنة وهو تصحيف ولعله يريد (أو خشبة) لصلابتها مرادف الخشنة
(3)
فى ز: ولا يعيبك به الحلماء.
(4)
الثياب المعافرية: برود منسوبة إلى معافر قبيلة باليمن.
أحمد بن محمد بن سنان أبو العباس السراج ثنا أبو معمر عن سفيان عن عمرو - يعنى ابن دينار - عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه. قال: ما وضعت لبنة على لبنة، ولا غرست نخلة منذ قبض النبي صلى الله عليه وسلم.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن الصباح ثنا سفيان حدثني الصدوق البر عمر بن محمد بن زيد عن أبيه. قال: كان ابن عمر إذا مر بربعهم - وقد هاجر منه - غمض عينيه ولم ينظر إليه ولم ينزله قط.
• حدثنا سليمان ابن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه. قال: كنت غلاما شابا عزبا، وكنت أنام فى المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الرؤيا قصها عليه. قال: فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فرأيت فى النوم كأن ملكين أخذانى فذهبا بى إلى النار فإذا هى مطوية كطى البئر، وإذا للنار شيء كقرن البئر - يعنى قرنين كقرن البئر - وإذا فيها ناس قد عرفتهم فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار. فلقيهما ملك آخر فقال لى: لن ترع. فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: «نعم الرجل عبد الله! لو كان يصلى من الليل» قال سالم:
فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا. رواه أحمد واسحاق عن عبد الرزاق مثله، ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر مختصرا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحيى ثنا عبد العزيز بن أبى رواد. وحدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يعلى ثنا محمد بن الحسين البرجلانى ثنا زيد بن الحباب ثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع: أن ابن عمر رضي الله تعالى عنه: كان إذا فاتته صلاة العشاء فى جماعة أحيا بقية ليلته. وقال بشر بن موسى: أحيا ليلته.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن جابر حدثنى سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه كان يحيى الليل صلاة
ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فيقول لا! فيعاود الصلاة ثم يقول: يا نافع أسحرنا فيقول نعم! فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح.
• حدثنا محمد بن على ثنا الحسين ابن مودود ثنا بندار ثنا ابن أبي عدي عن ابن عون عن محمد. قال: كان ابن عمر كلما استيقظ من الليل صلى.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل حدثنى أبو عامر العقدى أخبرنى داود بن أبى الفرات عن أبى غالب مولى خالد بن عبد الله. قال: كان ابن عمر ينزل علينا بمكة. فكان يتهجد من الليل فقال لى ذات ليلة قبيل الصبح: يا أبا غالب ألا تقوم فتصلى ولو تقرأ بثلث القرآن. فقلت: قد دنا الصبح فكيف أقرأ بثلث القرآن. فقال: إن سورة الإخلاص - {قل هو الله أحد} - تعدل ثلث القرآن.
• حدثنا أبو بكر بن مالك أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا صالح بن عبد الله الترمذى ثنا محمد ابن فضيل بن غزوان عن أبيه عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يحيى بين الظهر إلى العصر.
• حدثنا أبو حامد بن حنبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن الصباح ثنا الوليد عن ابن جريج عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس. قال: ما رأيت مصليا كهيئة عبد الله بن عمر، وأشد استقبالا للكعبة بوجهه وكفيه وقدميه.
• حدثنا محمد بن الحسن اليقطيني ثنا صالح بن أحمد ثنا القاسم بن أحمد ابن بشر بن معروف ثنا سفيان بن عيينة عن مسعر عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه. قال: صليت إلى جنب ابن عمر رضى الله تعالى عنه فسمعته حين سجد وهو يقول: اللهم اجعلك أحب شيء إلى وأخشى شيء عندى، وسمعته يقول في سجوده:{رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين} . وقال: ما صليت صلاة منذ أسلمت إلا وأنا أرجو أن تكون كفارة.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدد ثنا أبو عوانة عن حصين عن عبد الله بن سبرة.
قال: كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه إذا أصبح. قال: اللهم اجعلنى من أعظم عبادك عندك نصيبا فى كل خير تقسمه الغداة، ونورا تهدى به، ورحمة تنشرها، ورزقا تبسطه، وضرا تكشفه، وبلاء ترفعه، وفتنة تصرفها.
• حدثنا محمد بن علي ثنا الحسين بن محمد بن بشار ومحمد بن المثنى. قالا: ثنا محمد
ابن جعفر ثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب. قال: مات ابن عمر رضي الله تعالى عنه يوم مات، وما في الأرض أحد أحب إلي أن ألقى الله عز وجل بمثل عمله منه.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا وكيع ثنا هشام الدستوائي عن القاسم بن أبي بزة حدثني من سمع ابن عمر رضي الله تعالى عنه: قرأ {ويل للمطففين} حتى بلغ {يوم يقوم الناس لرب العالمين} . قال: فبكى حتى خر وامتنع من قراءة ما بعده.
• حدثنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي ثنا إسماعيل بن عمر ثنا البراء بن سليم. قال: سمعت نافعا. ولى ابن عمر يقول: ما قرأ ابن عمر هاتين الآيتين قط من آخر سورة البقرة إلا بكى {(إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله)} الآية ثم يقول: إن هذا لإحصاء شديد.
• حدثنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثني بهز حدثني جعفر بن سليمان حدثني إسماعيل
(1)
بن عبيد عن نافع: قال كان عبد الله بن عمر رضي الله تعالى يقرأ في صلاته فيمر بالآية فيها ذكر النار فيقف عندها فيدعو ويستجير بالله منها.
• حدثنا أحمد بن سنان ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا عبد الله بن مطيع ويعقوب. قالا: ثنا هشيم عن أبي قيس عن يوسف بن ماهك. قال:
رأيت ابن عمر رضي الله تعالى عند عبيد بن عمير وهو يقص وعيناه تهرقان دموعا.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة عن عثمان بن واقد عن نافع. قال: كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه إذا قرأ {(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله)} بكى حتى يغلبه البكاء.
• حدثنا محمد بن أحمد بن محمد ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق ثنا موسى بن سفيان ثنا عبد الله بن الجهم ثنا عمرو بن أبي قيس عن أبي سفيان عن عمر بن نبهان عن الحسن عن عبد الله بن عمر. قال: من كان مستنا فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة. أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله
(1)
فى ز: اسماء بن عبيد.
عليه وسلم، ونقل دينه. فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. كانوا على الهدى المستقيم والله رب الكعبة. يا ابن آدم صاحب الدنيا ببدنك وفارقها بقلبك وهمك، فإنك موقوف على عملك، فخذ مما في يديك لما بين يديك عند الموت؛ يأتيك الخير.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا أبو العباس السراج ثنا عمر بن محمد بن الحسن ثنا أبي عن محمد بن أبان عن السدي، قال: رأيت عبد الله بن عمرو، وأبا سعيد، وأبا هريرة، وغيرهم.
وكان [وا] يرون أن ليس أحد منهم على الحال الذي فارق عليه محمدا صلى الله عليه وسلم إلا ابن عمر.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد العبسي ثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن ليث عن رجل عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه. قال: لا يكون الرجل من العلم [بمكان] حتى لا يحسد من فوقه، ولا يحقر من دونه، ولا يبتغي بالعلم ثمنا.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن أبي سهل ثنا عبد الله بن محمد [العبسي] ثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه. قال:
لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعد الناس حمقى في دينه.
• حدثنا يوسف بن يعقوب النجيرمي ثنا الحسن بن المثنى ثنا عفان ثنا خالد بن أبي عثمان ثنا سليط.
أن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: راءوا بالخير ولا تراءوا بالشر.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه. قال: لا يصيب عبد شيئا من الدنيا إلا نقص من درجاته عند الله عز وجل، وإن كان عليه كريما.
رواه إسرائيل عن ثور عن مجاهد مثله.
• حدثنا محمد بن حيان ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد ثنا المحاربي عن عمرو بن ميمون عن أبيه. قال: قيل لعبد الله ابن عمر رضي الله تعالى عنه: توفي زيد بن حارثة الأنصاري. قال: رحمه الله، قيل له يا أبا عبد الرحمن ترك مائة ألف! قال: لكن هي لم تتركه.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم ثنا هناد بن السري ثنا المحاربي عن عاصم الأحول عمن حدثه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه:
أنه سمع رجلا يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟ فأراه قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. فقال: عن هؤلاء تسأل؟.
• حدثنا محمد بن معمر ثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الله ثنا الأوزاعي ثنا سليمان بن حبيب، قال كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه يقول: لو وضعت أصبعي في خمر ما أحببت أن تتبعني.
• حدثنا يوسف بن يعقوب ثنا الحسن ابن المثنى ثنا عفان ثنا حماد عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه. قال: لأن أشرب قمقما قد أغلي، أحرق ما أحرق، وأبقى ما أبقى. أحب إلي من أن أشرب نبيذ الجر
(1)
.
• حدثنا يوسف بن يعقوب ثنا الحسن بن المثنى ثنا عفان ثنا جرير بن حازم حدثني قيس بن سعد.
أن عبد الله بن عمر كان يقول: في رجل استكره على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير. قال: إن لم يفعل حتى يقتل أصاب خيرا، وإن هو أكل وشرب فهو عذر.
• حدثنا أبو بكر بن محمد بن أحمد بن هارون ثنا إبراهيم عن حماد القاضي ثنا محمد بن جوان ثنا مؤمل ثنا سفيان ثنا يحيى عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه. قال: أحق ما طهر العبد، لسانه. رواه الفريابي وقبيصة عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم. قال: ما لعن ابن عمر قط خادما إلا واحدا فأعتقه. وقال الزهري:
أراد ابن عمر أن يلعن خادمه. فقال: اللهم الع. فلم يتمها. وقال: هذه كلمة ما أحب أن أقولها.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع وغيره: أن رجلا قال لابن عمر: يا خير الناس - أويا ابن خير الناس - فقال ابن عمر: ما أنا بخير الناس ولا ابن خير الناس ولكني عبد من عباد الله أرجو الله تعالى وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا سليمان بن حرب
(1)
فى ز: نبيذ الخمر وهو تصحيف.
ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه كان يلبى تلبية النبي صلى الله عليه وسلم ويزيد: لبيك لبيك لبيك وسعديك، لبيك والخير فى يديك، لبيك والرغباء إليك، والعمل.
• حدثنا محمد بن أحمد ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحيى ثنا عمر بن ذر عن وبرة بن عبد الرحمن:
أنه ساير ابن عمر فسمعه يلبى وهو يقول فى تلبيته: لبيك لبيك، والرغباء إليك والعمل.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن يحيى بن المنذر ثنا حفص بن عمر الحوضي ثنا همام بن يحيى عن نافع: أن ابن عمر كان يدعو على الصفا: اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك
(1)
، اللهم جنبنى حدودك، اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ويحب رسلك ويحب عبادك الصالحين، اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى رسلك وإلى عبادك الصالحين، اللهم يسرنى لليسرى، وجنبني العسرى، واغفر لي في الآخرة والأولى، واجعلني من أئمة المتقين. اللهم إنك قلت ادعوني أستجب لكم، وإنك لا تخلف الميعاد. اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه، ولا تنزعه مني حتى تقبضني وأنا عليه. كان يدعو بهذا الدعاء من دعاء له طويل على الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وبين الجمرتين وفي الطواف. رواه أيوب عن نافع مثله.
• حدثنا أبو بكر ابن خلاد ثنا إبراهيم الحربي ثنا أبو عمر الحوضي عن الحسن بن أبي جعفر عن سعيد بن أبي حرة عن نافع عن ابن عمر: أنه كان إذا استلم الركن الأسود قال: بسم الله والله أكبر.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع. قال: كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه يزاحم على الركن حتى يرعف، ثم يجيء فيغسله.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي رواد قال سمعت نافعا يقول: كان عبد الله إذا قدم المدينة أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاستقبل وجهه، وصلى عليه ودعا له، ثم أقبل على أبي بكر فاستقبل وجهه فصلى عليه ودعا له، ثم أقبل على عمر فاستقبل وجهه وصلى عليه ودعا له.
(1)
فى ز: وطاعتك وطاعة رسولك.
ويقول: يا أبتاه يا أبتاه يا أبتاه. رواه حماد بن زيد عن أيوب مثله.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا حرملة حدثني أبو الأسود قال سمعت عروة بن الزبير يقول: خطبت إلى عبد الله بن عمر ابنته ونحن في الطواف فسكت ولم يجبني بكلمة، فقلت لو رضي لأجابني، والله لا أراجعه فيها بكلمة أبدا. فقدر له أن صدر إلى المدينة قبلي، ثم قدمت فدخلت مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وأديت إليه من حقه ما هو أهله، فأتيته ورحب بي وقال: متى قدمت؟ فقلت هذا حين قدومي. فقال: أكنت ذكرت لي سودة بنت عبد الله ونحن في الطواف نتخايل الله عز وجل بين أعيننا، وكنت قادرا أن تلقاني في غير ذلك الموطن.
فقلت كان أمرا قدر. قال: فما رأيك اليوم؟ قلت أحرص ما كنت عليه قط فدعا ابنيه سالما وعبد الله فزوجني.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن زيد بن الحريش ثنا أبو حاتم السجستاني ثنا الأصمعي ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه. قال: اجتمع في الحجر مصعب وعروة وعبد الله بنوا الزبير، وعبد الله بن عمر فقالوا:
تمنوا. فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة؛ وقال عروة أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين. وقال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة، قال فنالوا كلهم ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر له.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا إسماعيل بن عبد الله ثنا أحمد بن يونس ثنا أبو شهاب عن يونس بن عبيد عن نافع. قال: قيل لابن عمر رضي الله تعالى عنه زمن ابن الزبير والخوارج والخشبية أتصلي مع هؤلاء، ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضا؟ قال: من قال حي على الصلاة أجبته، ومن قال حي على الفلاح أجبته، ومن قال حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت لا!.
• حدثنا محمد بن أحمد ابن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحيى ثنا هارون بن إبراهيم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه قال: إنما
كان مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم كانوا يسيرون على جادة يعرفونها، فبينما هم كذلك إذ غشيتهم سحابة وظلمة فأخذ بعضهم يمينا وشمالا فأخطأ الطريق، وأقمنا حيث أدركنا ذلك حتى جلى الله ذلك عنا فأبصرنا طريقنا الأول فعرفناه، وأخذنا فيه، وإنما هؤلاء فتيان قريش يقتتلون على هذا السلطان وعلى هذه الدنيا، ما أبالى أن يكون لى ما يقل
(1)
بعضهم بعضا بنعلي هاتين الجرداوين.
• حدثنا محمد بن الحسن بن كوثر ثنا بشر بن موسى ثنا عبد الصمد بن حسان ثنا خارجة بن مصعب عن موسى بن عقبة عن نافع. قال: لو نظرت إلى ابن عمر رضي الله تعالى عنه إذا اتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم لقلت هذا مجنون.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الله بن نمير عن عاصم الأحول عمن حدثه قال: كان ابن عمر إذا رآه أحد ظن أن به شيئا من تتبعه آثار النبي صلى الله عليه وسلم.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن أبي مودود عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه كان في طريق مكة يأخذ برأس راحلته يثنيها ويقول:
لعل خفا يقع على خف - يعنى خف راحلة النبي صلى الله عليه وسلم.
• حدثنا أبو بحر محمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا عبد الصمد بن حسان ثنا خارجة ابن مصعب عن زيد بن أسلم عن أبيه. قال: ما ناقة أضلت فصيلها فى فلاة من الأرض بأطلب لأثره من ابن عمر لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا محمد بن غالب ثنا القعنبي عن مالك عن اسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة: أن الطفيل بن أبى كعب أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق، قال فإذا غدونا إلى السوق لم يمرر عبد الله بن عمر على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا وسلم عليه. فقلت: ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس؟ قال وأقول اجلس بنا هاهنا نتحدث.
(1)
فى ز: ما يفتل بعضهم بعضا. ويكون المعنى ما يقتل بعضهم بعضا عليه والله أعلم.
فقال لي عبد الله: يا أبا بطن - وكان الطفيل ذا بطن - إنما نغدو من أجل السلام، فسلم على من لقيت.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا مالك بن أنس عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. قال: ما كان البر يعرف في عمر ولا في ابنه حتى يقولا، أو يفعلا. رواه الهيثم بن عدي عن مالك مثله.
• حدثنا محمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن سعدان ثنا بكر بن بكار ثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد. قال: قال لي ابن سعدان تعالى عنه: يا أبا الغازى كم لبث نوح عليه السلام في قومه؟ قال قلت ألف سنة إلا خمسين عاما. قال: فإن الناس لم يزدادوا في أعمارهم وأجسامهم وأحلامهم إلا نقصا.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: سئل ابن عمر هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم! والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال.
• حدثنا عبد الله ابن إبراهيم بن أيوب ثنا محمد بن عبدوس بن كامل ثنا علي بن الجعد أخبرنا زهير عن آدم بن علي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه. قال: إن أناسا يدعون يوم القيامة المنقوصين. قال: فقال: وما المنقوصون؟ قال ينقص - أو ينتقص - أحدهم صلاته بالتفاله ووضوئه.
• حدثنا إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين ثنا جدي أبو حصين ثنا مليح بن وكيع ثنا جرير عن الأعمش عن نافع عن ابن عمر: أنه نزل على رجل، فلما مضت ثلاث ليال. قال: يا نافع أنفق علينا من مالنا.
• حدثنا سليمان ثنا إسحاق ثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة. قال:
سئل ابن عمر عن لا إله إلا الله هل يضر معها عمل كما لا ينفع مع تركها عمل؟ قال ابن عمر: عش ولا تغتر.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا عمر بن حفص ثنا عاصم ابن على القاسم بن الفضل الحداني عن معاوية بن قرة عن معبد الجهني. قال:
قلنا لعبد الله بن عمر: رجل لم يدع من الخير شيئا إلا عمل به، إلا أنه كان شاكا في الله عز وجل؟ قال: هلك البتة. قلت: فرجل لم يدع من الشر شيئا إلا عمل به إلا أنه كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ قال: عش ولا تغتر.
• حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن نائلة ثنا عباس بن الوليد ثنا أبو عوانة
عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه: أن ابن عمر رضي الله تعالى عنه مر بقاص - وقد رفعوا أيديهم - فقال: قطع الله هذه الأبدى. ويلكم إن الله تعالى أقرب مما ترفعون، هو أقرب إلى أحدكم من حبل الوريد
(1)
.
• حدثنا يوسف بن يعقوب ثنا الحسن بن المثنى ثنا عفان ثنا جويرية قال سمعت نافعا يقول: شهدت مع ابن عمر جنازة، فلما فرغ من دفنها قال قائل: ارفعوا على اسم الله. فقال ابن عمر: إن اسم الله علا كل شيء، ولكن ارفعوا باسم الله.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا مالك عن أبي حصين عن مجاهد. قال: كنت أمشى مع ابن عمر فمر على خربة. فقال: قل يا خربة ما فعل أهلك؟ فقلت يا خربة ما فعل أهلك؟ فقال ابن عمر: ذهبوا وبقيت أعمالهم.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا سريج بن يونس ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن أبي حازم. قال: مر ابن عمر برجل ساقط من أهل العراق، فقال ما شأنه؟ قالوا إنه إذا قرئ عليه القرآن يصيبه هذا. قال: إنا لنخشى الله وما نسقط.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا إسحاق بن عيسى بن الطباع ثنا حماد بن زيد.
وحدثنا حبيب بن الحسن ثنا يوسف القاضي ثنا عمرو بن مرزوق ثنا زائدة.
وحدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان البصري ثنا عبد الله بن أحمد الدورقي ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير. وحدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز أبو نعيم ثنا سفيان - واللفظ له - قالوا: عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر. قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب في الله، وأبغض في الله، ووال في الله، وعاد في الله، فإنك لا تنال ولاية الله إلا بذلك، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك» . وصارت موالاة الناس في أمر الدنيا، وإن ذلك لا يجزي عن أهله شيئا. قال: وقال لي:
«يا ابن عمر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك. فانك
(1)
فى هامش ز: عن نسخة (ويلكم إن ربكم أقرب مما تدعون).
يا عبد الله بن عمر لا تدري ما اسمك غدا» قال وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي. فقال: «كن فى الدنيا غريبا أو عابر سبيل، وعد نفسك فى أهل القبور» .
قال الشيخ رحمه الله: لم يذكر حماد وزهير وزائدة قوله في الموالاة والمعاداة، ووافقوه في الباقي
• ورواه الحسن بن الحر وفضيل بن عياض وجرير وأبو معاوية في آخرين عن ليث ورواه الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر نحوه.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربى ثنا الحكم ابن موسى ثنا إسماعيل بن عياش عن العلاء بن عتبة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر. قال: قام فتى فقال يا رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال:
«أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم له استعدادا قبل أن ينزل به، أولئك الأكياس» رواه أبو سهيل بن مالك وحفص بن غيلان ويزيد بن أبي مالك وقرة بن قيس ومعاوية بن عبد الرحمن عن عطاء مثله. ورواه مجاهد عن ابن عمر نحوه.
• حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مخلد وأبو بكر بن خلاد. قالا:
ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا داود بن المحبر ثنا عباد - يعني ابن كثير - عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كم من عاقل عقل عن الله تعالى أمره، وهو حقير عند الناس ذميم المنظر ينجو غدا، وكم من ظريف اللسان جميل المنظر عند الناس يهلك غدا يوم القيامة» .
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد جعل بابا للنساء فقال: «لا يلجن من هذا الباب من الرجال أحد» . قال نافع: فما رأيت ابن عمر داخلا من ذلك الباب ولا خارجا منه.
• حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا علي بن محمد بن عبد الوهاب ثنا أبو بلال الأشعري ثنا أبو كدينة البجلى عن ليث عن عطا.
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه. قال: أتى علينا زمان وليس أحد أحق
بديناره ولا بدرهمه من أخيه المسلم، حتى كان حديثا. ولقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله عز وجل، أدخل الله عليهم ذلا ثم لا ينزعه عنهم حتى يراجعوا دينهم» . رواه الأعمش عن عطاء ونافع، ورواه راشد الحماني عن ابن عمر نحوه.
عبد الله بن العباس
ومنهم اللقن المعلم، والفطن المفهم، فخر الفخار، وبدر الأحبار، وقطب الأفلاك، وعنصر الأملاك. البحر الزخار، والعين الخرار، مفسر التنزيل، ومبين التأويل. المتفرس الحساس، والوضئ اللباس، مكرم الجلاس، ومطعم الأناس، عبد الله بن عباس، رضي الله تعالى عنه.
وقد قيل: إن التصوف المنافسة في نفائس الأخلاق، وفض النفس عن أنفس الأعلاق.
• حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا الحسن بن محمد بن بهرام ثنا يحيى بن أيوب ثنا عباد بن عباد ثنا الحجاج بن فرافصة عن رجلين سماهما عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تحده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جف القلم بما هو كائن. ولو اجتمع الخلق على أن يعطوك شيئا لم يكتبه الله عز وجل لك لم يقدروا عليه، وعلى أن يمنعوك شيئا كتبه الله عز وجل لك لم يقدروا عليه، فاعمل لله تعالى بالرضى في اليقين، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا» .
• حدثنا محمد بن جعفر بن الهيثم ثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ثنا عبد الله ابن بكر السهمي ثنا حاتم بن أبي صغيرة عن عمرو بن دينار أن كريبا أخبره عن
ابن عباس رضي الله تعالى عنه. قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم من آخر الليل فجعلنى حذاءه، فلما انصرف قلت له: وينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله الذي أعطاك الله؟ فدعا الله أن يزيدني فهما وعلما.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا محمد بن عبد الله بن رسته ثنا أبو يزيد الخراز ثنا النضر بن شميل ثنا يونس عن أبي إسحاق حدثني عبد المؤمن الأنصاري. قال: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إلى سقاء فتوضأ وشرب قائما، قلت: والله لأفعلن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقمت وتوضأت وشربت قائما، ثم صففت خلفه فأشار إلي لأوازي به أقوم عن يمينه فأبيت، فلما قضى صلاته قال:
«ما منعك أن لا تكون وازيت بي» ؟ قلت: يا رسول الله أنت أجل في عيني وأعز من أن أوازي بك. فقال: «اللهم آته الحكمة» .
• حدثنا الحسن بن علان ثنا جعفر الفريابي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا محبوب بن الحسن البصري عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه. قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «اللهم علمه الحكمة» .
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا محمد بن علي بن مهدي ثنا الزبير بن بكار حدثني ساعدة بن عبد الله ثنا داود بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه.
قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن العباس فقال: «اللهم بارك فيه وانشر منه» تفرد به داود بن عطاء المدني.
• حدثنا محمد بن المظفر ثنا عمر بن الحسن بن علي ثنا عبد الله بن محمد ابن عبيد الأموي ثنا محمد بن صالح العدوي ثنا لاهز بن جعفر التميمي ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي أخبرني علي بن زيد بن جدعان عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاه العباس فقال: «ألا أبشرك يا أبا الفضل؟» . قال: بلى يا رسول الله. قال: «إن الله عز وجل افتتح بي هذا الأمر وبذريتك يختمه» .
تفرد به لاهز بن جعفر وهو حديث عزيز.
• حدثنا محمد بن المظفر ثنا محمد
ابن محمد بن سليمان ونصر بن محمد. قالا: ثنا علي بن أحمد السواق ثنا عمر بن راشد الخبارى
(1)
ثنا عبد الله بن محمد بن صالح عن أبيه عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون من ولد العباس ملوك يلون أمر أمتي يعز الله بهم الدين» .
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا أبي ثنا أبو أسامة ثنا الأعمش عن مجاهد. قال: كان ابن عباس رضي الله تعالى عنه يسمى البحر، من كثرة علمه.
• حدثنا مخلد بن جعفر أبو عيسى الختلي ثنا أحمد بن منصور ثنا سعدان بن جعفر المروزي - ثقة أمين - عن عبد المؤمن ابن خالد قال سمعت عبد الله بن بريدة يحدث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه. أنه قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل عليه السلام، فقال له جبريل عليه السلام إنه كائن حبر هذه الأمة فاستوص به خيرا. تفرد به عبد المؤمن بن خالد وهو حديثه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عبد الله بن سعيد الرقى ثنا عامر بن سيارة ثنا فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأس عبد الله فقال: «اللهم أعطه الحكمة وعلمه التأويل» ووضع يده على صدره فوجد عبد الله بن عباس بردها في ظهره. ثم قال:
«اللهم احش جوفه حكما وعلما» فلم يستوحش فى نفسه إلى مسئلة أحد من الناس. ولم يزل حبر هذه الأمة حتى قبضه الله عز وجل.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا جعفر بن أحمد بن عمران ثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي الكوفي ثنا عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير كثير وقال:
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا أبو العباس السراج ثنا عمر بن محمد بن الحسن ثنا أبى شريك عن سعيد بن مسروق عن منذر الثوري عن ابن الحنفية. قال: كان ابن عباس حبر هذه الأمة.
• حدثنا
(1)
كذا فى الحلبية مهملة. وفى ز: الجارى.
سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا عارم أبو النعمان ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم، قال فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني. فقال: ما تقولون {(إذا جاء نصر الله والفتح)} حتى ختم السورة؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله تعالى ونستغفره إذا جاء نصر الله وفتح علينا. وقال بعضهم: لا ندري؟ ولم يقل بعضهم شيئا. فقال لي: يا ابن عباس كذاك تقول؟ قلت لا، قال فما تقول؟ قلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله، {(إذا جاء نصر الله والفتح)} - فتح. مكة - فذاك علامة أجلك.
{(فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)} فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك ثنا محمد بن يونس الكديمي ثنا أبو بكر الحنفي ثنا عبيد الله بن وهب المدني عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه جلس فى رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين، فذكروا ليلة القدر فتكلم منهم من سمع فيها بشيء مما سمع، فتراجع القوم فيها الكلام. فقال عمر:
مالك يا ابن عباس صامت لا تتكلم؟ تكلم ولا تمنعك الحداثة. قال: ابن عباس: فقلت يا أمير المؤمنين إن الله تعالى وتر يحب الوتر، فجعل أيام الدنيا تدور على سبع، وخلق الإنسان من سبع، وخلق أرزاقنا من سبع، وخلق فوقنا سماوات سبعا، وخلق تحتنا أرضين سبعا، وأعطى من المثاني سبعا، ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين عن سبع، وقسم الميراث في كتابه على سبع، ونقع في السجود من أجسادنا على سبع، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة سبعا، وبين الصفا والمروة سبعا، ورمى الجمار بسبع لإقامة ذكر الله مما ذكر في كتابه. فأراها في السبع الأواخر من شهر رمضان والله أعلم. فتعجب عمر وقال: ما وافقني فيها أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الغلام الذى لم تستوشئون رأسه إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم. قال: «التمسوها في العشر الأواخر» . ثم قال: يا هؤلاء من يؤديني في هذا كأداء ابن عباس؟.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبرى عن عبد الرزاق ابن عيينة عن أبي بكر الهذلي. قال: دخلت على الحسن فقال: إن ابن عباس كان من القرآن بمنزل، كان عمر يقول:
ذاكم فتى الكهول؛ إن له لسانا سئولا، وقلبا عقولا. كان يقوم على منبرنا هذا - أحسبه قال عشية عرفة - فيقرأ سورة البقرة وسورة آل عمران ثم يفسرهما آية آية. وكان مشجة نجدا غربا
(1)
.
• حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا علي بن المديني ثنا أبو أسامة ثنا مجالد حدثني عامر الشعبي عن ابن عباس. قال: قال لي أبي: أي بني إني أرى أمير المؤمنين يدعوك ويقربك ويستشيرك مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاحفظ عنى ثلاث خصال؛ اتق الله لا يجربن عليك كذبة، ولا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا. قال: عامر فقلت لابن عباس: كل واحدة خير من ألف، قال كل واحدة خير من عشرة آلاف.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي. وحدثنا سليمان ثنا إسحاق ثنا عبد الرزاق. قال: ثنا عكرمة ابن عمار ثنا أبو زميل الحنفي عن عبد الله بن عباس. قال: لما اعتزلت الحرورية قلت لعلى: يا أمير المؤمنين أبرد عني الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم. قال: إني أتخوفهم عليك. قال: قلت كلا إن شاء الله، فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية، ثم دخلت عليهم وهم قائلون فى نحر الظهيرة، فدخلت على قوم لم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم، أيديهم كأنها ثفن إبل، ووجوههم مقلبة من آثار السجود. قال: فدخلت. فقالوا: مرحبا بك يا ابن عباس ما جاء بك؟ قال: جئت أحدثكم. على أصحاب رسول الله صلى الله
(1)
فى النهاية عن الحسن فى صفة ابن عباس: كان مثجا يسيل غربا، أى يصب الكلام صبا (بسكون الغين المعجمة) واحد الغروب. وهى الدموع حين تجرى. والنجد (محركة) من نجد الماء إذا سال.
عليه وسلم نزل الوحي، وهم أعلم بتأويله. فقال بعضهم لا تحدثوه، وقال بعضهم لنحدثنه. قال: قلت: أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأول من آمن به وأصحاب رسول الله معه؟ قالوا: ننقم عليه ثلاثا. قلت وما هن؟ قالوا: أولاهن أنه حكم الرجال في دين الله وقد قال الله عز وجل {(إن الحكم إلا لله)} . قال: قلت وماذا؟ قالوا قاتل ولم يسب ولم يغنم، لئن كانوا كفار لقد حلت له أموالهم، وإن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم. قال: قلت وماذا؟ قالوا ومحا نفسه عن أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. قال: قلت أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم، وحدثتكم من سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون، أترجعون؟ قالوا: نعم! قال قلت: أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله فإنه يقول {(يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء)} إلى قوله {(يحكم به ذوا عدل منكم)} وقال في المرأة وزوجها {(وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها)} . أنشدكم الله أفحكم لرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم؟ فقالوا: اللهم في حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم. قال أخرجت من هذه؟ قالوا اللهم نعم! [قال]: وأما قولكم إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم؟ أتسبون أمكم ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟ فقد كفرتم.
وإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام، إن الله عز وجل يقول {(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)} فانتم تترددون بين ضلالتين فاختاروا أيهما شئتم، أخرجت من هذه؟ قالوا اللهم نعم! قال وأما قولكم محا نفسه من أمير المؤمنين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا، فقال:«اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله» فقالوا والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال:«والله إني لرسول الله وإن كذبتموني،، اكتب يا علي محمد بن عبد الله» فرسول الله كان
أفضل من علي، أخرجت من هذه؟ قالوا اللهم نعم! فرجع منهم عشرون ألفا، وبقي أربعة آلاف فقتلوا.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا إبراهيم بن شريك الأسدي ثنا عقبة ابن مكرم ثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير أن: معاوية كتب إلى ابن عباس يسأله عن ثلاثة أشياء وقال: إن هرقل كتب إلى معاوية يسأله عنهن، فقال معاوية فمن لهذا؟ قيل ابن عباس، فكتب إلى ابن عباس يسأله عن المجرة، وعن القوس، وعن مكان من الأرض طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ذلك اليوم ولا بعده، فقال ابن عباس: أما المجرة فباب السماء الذي تنشق منه، وأما القوس فأمان لأهل الأرض من الغرق، وأما المكان الذى طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ذلك اليوم ولا بعده فالمكان الذي انفرج من البحر لبني إسرائيل.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا إبراهيم بن حمزة عن حمزة بن أبي محمد عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: أن رجلا أتاه يسأله عن السموات والأرض {(كانتا رتقا ففتقناهما)} قال اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله ثم تعالى فأخبرني ما قال، فذهب إلى ابن عباس فسأله فقال ابن عباس: كانت السموات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، ففتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات، فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره فقال: إن ابن عباس قد أوتي علما صدق هكذا كانتا، ثم قال ابن عمر: قد كنت أقول ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه قد أوتي علما.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي ثنا يونس بن بكير ثنا أبو حمزة الثمالي عن أبي صالح، قال: لقد رأيت
(1)
[من ابن عباس مجلسا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها فخرا لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر على أن يجيء ولا أن يذهب، قال فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال لي ضع لي وضوءا، قال فتوضأ وجلس وقال اخرج وقل لهم من
(1)
ما بين المربعين ساقط من ح.
كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أراد منه فليدخل. قال: فخرجت فأذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به، وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثره. ثم قال: إخوانكم فخرجوا. ثم قال اخرج فقل من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن وتأويله فليدخل. قال: فخرجت فأذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثل ما سألوه عنه أو أكثر. ثم قال: إخوانكم فخرجوا. ثم قال اخرج فقل من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل. فخرجت فقلت لهم قال فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله. ثم قال: إخوانكم فخرجوا. ثم قال اخرج فقل من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل. قال: فخرجت فأذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله. ثم قال: إخوانكم فخرجوا. ثم قال اخرج فقل من أراد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل. قال: فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله. قال: أبو صالح: فلو أن قريشا كلها فخرت بذلك لكان فخرا. فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس.
• حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الكاتب ثنا الحسين بن علي الطوسي ثنا محمد بن عبد الكريم ثنا الهيثم بن عدي حدثني ابن جريج عن عطاء. قال:
ما رأيت بيتا قط أكثر وعاء لماء وخبز
(1)
من بيت عبد الله بن العباس.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن عمر ثنا أبو معاوية ثنا شبيب بن شيبة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين. قال: ما رأيت بيتا كان أكثر طعاما ولا شرابا ولا فاكهة ولا علما من بيت عبد الله بن عباس.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان: أن ابن عباس اشترى ثوبا بألف درهم فلبسه.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن
(1)
كذا فى ز، وفى ح: أكثر علما وخبزا.
موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة
(1)
قال: شتم رجل ابن عباس فقال ابن عباس: إنك لتشتمنى وفى ثلاث خصال؛ إني لآتي على الآية من كتاب الله تعالى فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به ولعلي لا أقاضي إليه أبدا، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح به ومالى به من سائمة.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قال: لو قال لي فرعون بارك الله فيك، لقلت وفيك.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحيى ثنا قطر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد. قال: قال ابن عباس: لو أن جبلا بغى على جبل لدك الباغي.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا يوسف القاضي ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن الحكم عن الحسن بن مسلم عن ابن عباس. قال: ما ظهر البغي في قوم قط إلا ظهر فيهم الموتان
(2)
.
• حدثنا محمد بن أحمد بن مخلد ثنا أبو إسماعيل الترمذي ثنا أبو نعيم ثنا يونس بن أبي إسحاق عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال: إذا أتيت سلطانا مهيبا تخاف أن يسطو عليك فقل: الله أكبر، الله أعز من خلقه جميعا، الله أعز مما أخاف وأحذر. أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو الممسك للسماوات السبع أن تقع على الأرض إلا بإذنه من شر عبده فلان، وجنده وأتباعه وأشياعه من الجن والإنس. اللهم كن لي جارا من شرهم جل ثناؤك وعز جارك وتبارك اسمك ولا إله غيرك. ثلاث مرات.
• حدثنا سليمان ثنا بكر بن سهل ثنا عمرو بن هاشم ثنا سليمان بن أبي كريمة عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس. قال: من قال بسم الله فقد ذكر الله، ومن قال الحمد لله فقد شكر الله، ومن قال الله أكبر فقد عظم الله، ومن قال
(1)
فى ح كهمس بن الحسن أبى بريدة وفى ز: كهمس بن الحسن عن ابن أبى يزيد. وهو عبد الله بن بريدة الأسلمى
(2)
الموتان: بضم الميم وإسكان الواو بوزن البطلان؛ الموت الكثير الوقوع.
لا إله إلا الله فقد وحد الله، ومن قال لا حول ولا قوة إلا بالله فقد أسلم واستسلم، وكان له بهاء وكنز في الجنة
(1)
.
• حدثنا حبيب ثنا أبو مسلم الكشي ثنا أبو عاصم النبيل ثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه: أن ابن عباس كان يأخذ الحبة من الرمان فيأكلها، فقيل له يا ابن عباس لم تفعل هذا؟ قال:
إنه بلغني أنه ليس في الأرض رمانة تلقح إلا بحبة من حب الجنة فلعلها هذه.
• حدثنا عمرو بن أحمد ثنا عبد الله بن أحمد بن ثابت ثنا علي بن عيسى ثنا هشام بن عبد الله الرازي ثنا رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن عكرمة عن ابن عباس: أنه تغدى عند ابن الحنفية - وذلك بعد ما حجب بصره - قال فوقعت على خواننا جرادة فأخذتها فدفعتها إلى ابن عباس وقلت: يا ابن عم رسول الله وقعت على خواننا جرادة، فقال لى عكرمة؟ قلت لبيك، قال: هذا مكتوب عليها بالسريانية إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لى، الجراد جند من جندي أسلطه على من أشاء من عبادي - أو قال أصيب به من أشاء من عبادي -.
• حدثنا أحمد بن جعفر معبد ثنا يحيى بن مطرف ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا يحيى بن عمرو بن مالك النكري ثنا أبي عن أبي الجوزاء [الربعي] عن ابن عباس: في قوله تعالى {(إلا من أتى الله بقلب سليم)} قال: شهادة أن لا إله إلا الله.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا حامد بن شعيب ثنا الحسين بن حريث ثنا على ابن الحسين بن واقد. قال: قال أبي حدثني الأعمش حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس: {(يعلم خائنة الأعين)} قال: إذا أنت نظرت إليها تريد الخيانة أم لا {(وما تخفي الصدور)} إذا أنت قدرت عليها تزني بها أم لا. قال: ثم سكت الأعمش فقال ألا أخبرك بالتي تليها؟ قال قلت بلى! قال {(والله يقضي بالحق)} قادر أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة {(إن الله هو السميع البصير)} .
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا داود بن عمرو ثنا نافع ابن عمر عن ابن أبي مليكة. قال: سئل ابن عباس ما بلغ من هم يوسف؟ قال:
(1)
كذا فى ز، وفى ح: وكان له بها كنز فى الجنة.
جلس يحل هميانه فصيح به يا يوسف لا تكن كالطير كان له ريش، فإذا زنى قعد ليس له ريش.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: {(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله)}
الآية. قال: الرجلان يجلسان عند القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه لأحد الرجلين على الآخر.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك ثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل ثنا صالح بن عبد الله الترمذي ثنا سهل بن يوسف عن سليمان التيمي عن أبي نضرة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه. قال: ينادي مناد بين يدي الساعة؛ أتتكم الساعة، أتتكم الساعة، حتى يسمعها كل حي وميت. قال: فينادي المنادي لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن عمر الجعفي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن شقيق. قال: خطبنا ابن عباس وهو على الموسم فافتتح سورة البقرة فجعل يقرأ ويفسر، فجعلت أقول ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله، لو سمعته فارس والروم لأسلمت.
• حدثنا أحمد بن السندي ثنا الحسن بن علي ثنا إسماعيل بن عيسى العطار ثنا إسحاق بن بشر بن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: يا صاحب الذنب لا تأمنن منى سوء عاقبته، ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب اذا عملته، فإن قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب الذي عملته، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب إذا ظفرت به، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب إذا عملته. ويحك هل تدري ما كان ذنب أيوب عليه السلام فابتلاه الله تعالى بالبلاء في جسده، وذهاب ماله؟ إنما كان ذنب أيوب عليه السلام أنه استعان به مسكين على ظلم يدرؤه عنه فلم يعنه، ولم يأمر بمعروف وينه الظالم عن ظلم هذا المسكين،
فابتلاه الله عز وجل.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا خلف بن هشام ثنا أبو شهاب عن إبراهيم بن موسى عن ابن منبه.
وحدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى ابن آدم ثنا أبو بكر بن عياش عن إدريس بن وهب بن منبه عن أبيه
• وحدثنا الحسين بن علي ثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس ثنا أحمد بن سنان ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا مروان بن عبد الواحد ثنا موسى بن أبي دارم عن وهب بن منبه. قال: أخبر ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن قوما عند باب بني سهم يختصمون - أظنه قال في القدر - فنهض إليهم وأعطى محجنه عكرمة ووضع إحدى يديه عليه والأخرى على طاوس، فلما انتهى إليهم أوسعوا له ورحبوا به فلم يجلس. قال: أبو شهاب في حديثه: فقال لهم:
انتسبوا لي أعرفكم، فانتسبوا له - أو من انتسب منهم - فقال: أو ما علمتم أن لله تعالى عبادا أصمتتهم خشيته من غير بكم ولا عي، وأنهم لهم العلماء والفصحاء والطلقاء والنبلاء، العلماء بأيام الله عز وجل غير أنهم إذا تذكروا عظمة الله عز وجل طاشت لذلك عقولهم، وانكسرت قلوبهم، وانقطعت ألسنتهم حتى إذا استفاقوا من ذلك تسارعوا إلى الله عز وجل بالأعمال الزاكية. وزاد عبد الرحمن بن مهدي في حديثه؛ يعدون أنفسهم مع المفرطين وإنهم لأكياس أقوياء، ومع الظالمين والخطائين، وإنهم لأبرار برءاء إلا أنهم لا يستكثرون له الكثير، ولا يرضون له القليل، ولا يدلون عليه بالأعمال.
هم حيثما لقيتهم مهتمون ومشفقون وجلون خائفون قال وانصرف عنهم فرجع إلى مجلسه.
• حدثنا سليم بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا عبد الله بن الوليد العجلي حدثني بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه. قال: لوددت أن عندي رجلا من أهل القدر فوجأت رأسه. قالوا ولم ذاك؟ قال لأن الله تعالى خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء، دفتاه ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، وعرضه ما بين السماء والأرض ينظر فيه كل يوم ستين وثلاثمائة نظرة، يخلق بكل نظرة، ويحيى
ويميت، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن معبد ثنا جعفر ابن محمد بن شريك ثنا محمد بن سليمان ثنا إسماعيل بن زكريا عن محمد بن عون الخراساني عن أبي غالب الخلجي قال سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنه يقول: عليك بالفرائض وما وطف الله تعالى عليك من حقه فأده، واستعن الله على ذلك فإنه لا يعلم من عبد صدق نية وحرصا فيما عنده من حسن ثوابه إلا أخره عما يكره، وهو الملك يصنع ما يشاء.
• حدثنا أبي ثنا الحسن بن محمد ثنا محمد بن حميد ثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري ثنا جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه. قال: ما من مؤمن ولا فاجر إلا وقد كتب الله تعالى له رزقه من الحلال، فان صير حتى يأتيه آتاه الله تعالى، وإن جزع فتناول شيئا من الحرام نقصه الله من رزقه الحلال.
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا الحسن بن زكريا ثنا محمد بن سليمان لوين ثنا إسماعيل بن زكريا عن محمد بن عون عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: في قوله تعالى {(الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)} قال: كان الله تعالى يبعث النبي إلى أمته فيلبث فيهم إلى انقضاء أجله من الدنيا ثم يقبضه الله تعالى إليه، فتقول الأمة من بعده - أو من شاء منهم - إنا على منهاج النبي وسبيله، فينزل الله تعالى بهم البلاء فمن ثبت منهم على ما كان عليه النبي فهو الصادق، ومن خالف إلى غير ذلك فهو الكاذب.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا يوسف القاضي ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا عون بن عمارة ثنا يحيى بن أبي أنيسة عن علقمة بن مرثد عن علي بن الحسين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه. قال: كان رجل ممن كان قبلكم يكذب بالقدر، وكان مسيئا
(1)
إلى امرأته، فخرج إلى الجبانة فوجد قحف رأس مكتوب عليه؛ يحرق ثم يدرى في الريح.
قال فأخذه فجعله في سفط ودفعه إلى امرأته ثم أحسن إليها ثم سافر. فجاءها جاراتها فقلن يا أم فلان بم كان يحسن زوجك الصنيعة إليك فهل استودعك شيئا؟ فقالت نعم! هذا السفط قلن فان فيه رأس خليلة له. فقامت
(1)
كذا فى النسختين، وسياق العبارة يقضى أنه كان محسنا إلى امرأته.
غيورا مغضبة حتى فتحته فإذا فيه قحف رأس، قلن تدرين يا أم فلان ما تصنعين به؟ احرقيه ثم ذريه في الريح. ففعلت فقدم زوجها من سفره - وهي مغضبة - فقال لها: ما فعل السفط؟ فحدثته بالحديث. فقال:
آمنت بالله وصدقت بالقدر، فرجع عن قوله.
• حدثنا أحمد بن السندي ثنا الحسن بن علويه ثنا إسماعيل بن عيسى ثنا إسحاق بن بشر عن أبي بكر الهذلي وهشام بن حسان عن الحسن ومقاتل عمن أخبره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه. قال: كان رجل فيمن كان قبلكم عبد الله تعالى ثمانين سنة، ثم إنه أخطأ خطيئة خاف منها على نفسه، فأتى الفيافي فناداها أيتها الفيافي الكثيرة رمالها الكثيرة عضاهها، الكثيرة دوابها، الكثيرة تلاعها، هل فيك مكان يواريني من ربي عز وجل؟ فأجابته الفيافي - بإذن الله - يا هذا والله ما في نبت ولا شجر إلا وملك موكل به، فكيف أواريك عن الله تعالى؟ فأتى البحر فقال: أيها البحر الغزير ماؤه، الكثير حيتانه، هل فيك مكان يواريني من ربي عز وجل؟ فأجابه - بإذن الله - فقال يا هذا والله ما في حصاة، ولا دابة إلا وبها ملك موكل فكيف أواريك عن الله عز وجل؟ فأتى الجبال فقال:
يا أيتها الجبال الشوامخ في السماء، الكثيرة غيرانها، هل فيك مكان يواريني من ربي تعالى؟ فقالت الجبال والله ما فينا من حصاة ولا غار إلا وملك موكل به، فأين أواريك؟ قال فأقام يتعبد هنالك ويلتمس التوبة حتى حضره الموت فبكى فقال يا رب اقبض روحي في الأرواح، وجسدي في الأجساد، ولا تبعثني يوم القيامة.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو عبيدة الحداد وإسماعيل - يعني ابن علية - قالا: أخبرنا صالح بن رستم عن عبد الله بن أبي مليكة. قال: صحبت ابن عباس رضي الله تعالى عنه من مكة إلى المدينة. فكان إذا نزل قام شطر الليل. قال: فسأله أيوب كيف كانت قراءته؟ قال قرأ {(وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)} فجعل يرتل ويكثر في ذاكم النشيج. لفظ أبي عبيدة.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الوهاب عن
سعيد الجريري عن رجل. قال: رأيت ابن عباس رضي الله تعالى عنه أخذ بثمرة لسانه
(1)
وهو يقول: ويحك قل خيرا تغنم، واسكت عن شر تسلم.
فقال له رجل: يا ابن عباس ما لى أرك آخذا بثمرة لسانك تقول كذا؟ قال:
إنه بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيء أحنق
(1)
منه على لسانه.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا الحسن بن علي بن الوليد الفسوي ثنا خلف ابن عبد الحميد ثنا أبو الصباح عبد الغفور بن سعيد عن أبي هاشم الرماني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: قال: لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهرا، أو جمعة، أو ما شاء الله، أحب إلي من حجة بعد حجة.
ولطبق بدانق أهديه إلى أخ لي في الله عز وجل؛ أحب إلي من دينار أنفقه في سبيل الله عز وجل.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي ثنا محمد بن إسحاق ثنا علي بن الحسين بن اشكيب
(2)
ثنا كثير بن هشام ثنا عيسى بن إبراهيم عن محمد بن عبيد الله الفزاري عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، قال: لما ضرب الدينار والدرهم أخذه إبليس فوضعه على عينيه وقال: أنت ثمرة قلبى وقرة عيني، بك أطغي، وبك أكفر، وبك أدخل النار. رضيت من ابن آدم بحب الدنيا أن يعبدك.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا سفيان الثوري عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة. قال: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: ذهب الناس وبقي النسناس، قيل وما النسناس؟ قال الذين يتشبهون بالناس وليسو بالناس.
• حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان ثنا علي بن محمد المصري ثنا محمد بن إسماعيل السلمي ثنا أبو نعيم ثنا شريك عن ليث عن مجاهد عن عبد الله رضي الله تعالى عنه. قال: يأتي على الناس زمان يعرج فيه بعقول الناس حتى لا تجد فيه أحدا ذا عقل.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا إسحاق بن
(1 - 1) ثمرة اللسان طرفه كما فى النهاية. وقوله: احنق، فى ز: احقف. وفى ح: احق ولعلهما تحريف احنق لملائمته المعنى.
(2)
كذا فى الأصلين، وفى الخلاصة على بن الحسين ابن إبراهيم أبو الحسن بن إشكاب البغدادى.
إبراهيم الحربى ثنا عباد بن موسى ثنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه. قال: قال لي معاوية رضي الله تعالى عنه: أنت على ملة علي؟ قلت ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ويحيى بن معين. قالا: ثنا معمر عن شعيب عن أبي رجاء: قال: كان هذا الموضع من ابن عباس رضي الله تعالى عنه - مجرى الدموع - كأنه الشرك البالي.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا إسماعيل ابن إبراهيم عن أيوب السختياني. قال: نبئت أن طاوسا كان يقول: ما رأيت أحدا كان أشد تعظيما لحرمات الله من ابن عباس رضي الله تعالى عنه، والله لو أشاء إذا ذكرته أن أبكي لبكيت.
• حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الإمام ثنا محمد بن عيسى بن سليمان البصري ثنا حفص بن عمر أبو عمر البرمكي ثنا الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران. قال: شهدت جنازة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه بالطائف، فلما وضع ليصلى عليه جاء طائر أبيض حتى دخل فى أكفانه، فالتمس فلم يوجد. فلما سوي عليه سمعنا صوتا نسمع صوته ولا نرى شخصه {(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)} .
عبد الله بن الزبير
ومنهم الصائل بالحق، القائل بالصدق، المحنك بريق النبوة، المبجل لشرف الأمومة والأبوة، المشاهد في القيام، والمواصل للصيام، ذو السيف الصارم والرأي الحازم، مبارز الشجعان، وحافظ القرآن، التزق بالنبي لزوقا، والتصق بالصديق لصوقا، سبط عمة النبي صفية، وابن أخت زوجته الصديقة الوفية، عبد الله بن الزبير. منابذ الغوير، ومحارب الشقير.
وقيل: إن التصوف التظاهر بالحق، على المتكاثر بالخلق.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا دران بن سفيان البصري ثنا موسى بن
إسماعيل ثنا الهنيد بن القاسم بن عبد الرحمن بن ما عز قال سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يحدث أن أباه حدثه: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال:«يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد» فلما برزت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدت إلى الدم فحسوته، فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما صنعت يا عبد الله؟» قلت جعلته في مكان ظننت أنه خاف على الناس، قال «فلعلك شربته؟» قلت نعم قال:«ومن أمرك أن تشرب الدم، ويل لك من الناس، وويل للناس منك» .
• حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا أحمد بن حماد بن سفيان ثنا محمد بن موسى الجرشى ثنا سعد أبو عاصم مولى سليمان بن على. قال: رعم لي كيسان مولى عبد الله بن الزبير، قال دخل سلمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا عبد الله بن الزبير معه طست يشرب ما فيها، فدخل عبد الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:«فرغت؟» قال نعم! قال سلمان ما ذاك يا رسول الله؟ قال: «أعطيته غسالة محاجمى يهريق ما فيها» قال سلمان: ذاك شربه والذي بعثك بالحق. قال «شربته؟» قال نعم! قال: «لم؟» قال أحببت أن يكون دم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوفي. فقال بيده على رأس ابن الزبير. وقال «ويل لك من الناس وويل للناس منك. لا تمسك النار إلا قسم اليمين» .
• حدثنا محمد بن علي ثنا الحسين بن مودود ثنا سليمان بن يوسف ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال أخبرني القاسم بن محمد بن أبي بكر: أن معاوية أخبر أن عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير خرجوا من المدينة عائذين بالكعبة من بيعة يزيد بن معاوية، قال فلما قدم معاوية مكة تلقاه عبد الله بن الزبير بالتنعيم، فضاحكه معاوية وسأله عن الأموال ولم يعرض بشيء من الأمر الذي بلغه. ثم لقي عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر فتفاوضا معه في أمر يزيد، ثم دعا معاوية ابن الزبير فقال له: هذا صنيعك أنت
استزللت هذين الرجلين وسننت هذا الأمر، وإنما أنت ثعلب رواغ لا تخرج من جحر إلا دخلت في آخر. فقال ابن الزبير: ليس بي شقاق ولكن أكره أن أبايع رجلين، أيكما أطيع بعد أن أعطيكما العهود والمواثيق؟ فإن كنت مللت الإمارة فبايع ليزيد فنحن نبايعه معك. فقام معاوية حين أبوا عليه فقال: ألا إن حديث الناس ذات غور، وقد كان بلغني عن هؤلاء الرهط أحاديث وجدتها كذبا، وقد سمعوا وأطاعوا ودخلوا في صلح ما دخلت فيه الأمة.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ثنا الحوطي وعمرو بن عثمان. قالا: ثنا شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه: أن يزيد بن معاوية كتب إلى عبد الله بن الزبير؛ إني قد بعثت بسلسلة من فضة وقيدين من ذهب، وجامعة من فضة، وحلفت بالله لتأتيني في ذلك. فألقى عبد الله بن الزبير الكتاب وقال:
ولا ألين لغير الحق أسأله
…
حتى يلين لضرس الماضغ الحجر.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن المبارك الصنعاني ثنا يزيد بن المبارك ثنا عبد الملك بن عبد الرحمن الزمارى ثنا القاسم بن معن عن هشام بن عروة عن أبيه. قال: لما مات معاوية تثاقل عبد الله بن الزبير عن طاعة يزيد بن معاوية وأظهر شتمه، فبلغ ذلك يزيد فأقسم لا يؤتى به إلا مغلولا، وإلا أرسل إليه.
فقيل لابن الزبير ألا نصنع لك غلا من فضة تلبس عليه الثوب وتبر قسمه فالصلح أجمل بك؟ قال: لا أبر والله قسمه، ثم قال:
ولا ألين لغير الحق أسأله
…
حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
ثم قال: والله لضربة بسيف في عز أحب إلي من ضربة بسوط في ذل. ثم دعا إلى نفسه وأظهر الخلاف ليزيد بن معاوية، فبعث إليه يزيد حصين بن نمير الكندي وقال له: يا ابن برذعة الحمار احذر خدائع قريش ولا تعاملهم إلا بالثقاف ثم القطاف، فورد حصين مكة فقاتل بها ابن الزبير وأحرق الكعبة، ثم بلغه موت يزيد فهرب. فلما مات يزيد دعا مروان بن الحكم إلى نفسه، ثم
مات مروان فدعا عبد الملك إلى نفسه، فعقد الحجاج في جيش إلى مكة فورد مكة وظهر على أبى قبيس ونصب عليه المنجنيق يرمي به ابن الزبير ومن معه في المسجد، فلما كان الغداة التي قتل فيها ابن الزبير دخل ابن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر وهي يومئذ ابنة مائة سنة، لم يسقط لها سن ولم يفسد لها بصر، فقالت: يا عبد الله ما فعلت في حربك؟ قال: بلغوا مكان كذا وكذا وضحك وقال: إن في الموت لراحة. فقالت أسماء: يا بني لعلك تتمناه لي، ما أحب أن أموت حتى آتي على أحد طرفيك؛ إما أن تملك فتقر بذلك عيني، وإما أن تقتل فأحتسبك. ثم ودعها فقالت: يا بنى إياك أن تعطى خصلة من دينك مخافة القتل. وخرج عنها فدخل المسجد فقيل له ألا تكلمهم في الصلح؟ فقال: أو حين صلح! هذا والله لو وجدوكم فى جوف الكعبة لذبحوكم، ثم أنشأ يقول:
ولست بمبتاع الحياة بذلة
(1)
…
ولا مرتق من خشية الموت سلما
ثم أقبل على آل الزبير يعظهم ويقول: ليكن أحدكم سيفه كما يكن وجهه، ولا ينكسر سيفه فيدفع عن نفسه بيده كأنه امرأة، والله ما لقيت زحفا قط إلا في الرعيل الأول وما ألمت جرحا قط إلا أن يكون ألم الدواء ثم حمل عليهم ومعه سيفان، فأول من لقيه الأسود فضربه بسيفه حتى أطن رجله، فقال الأسود:
أخ يا ابن الزانية. فقال له ابن الزبير: اخس يا ابن حام، أسماء زانية! ثم أخرجهم من المسجد فما زال يحمل عليهم ويخرجهم من المسجد ويقول: لو كان قرني واحدا كفيته، قال وعلى ظهر المسجد من أعوانه من يرمي عدوه بالآجر، فأصابته آجرة في مفرقه حتى فلقت رأسه فوقف قائما وهو يقول:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
…
ولكن على أقدامنا تقطر الدما
قال ثم وقع فأكب عليه موليان وهما يقولان: العبد يحمي ربه ويحتمي، قال ثم سير إليه فجز رأسه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن المبارك ثنا زيد بن المبارك أخبرنا
(1)
كذا فى ز وفى ح: نسيئة.
صاحب لنا قال أخبرني إبراهيم بن إسحاق قال سمعت أبي إسحاق يقول: أنا حاضر قتل الزبير يوم قتل في المسجد الحرام، جعلت الجيوش تدخل من أبواب المسجد فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينا هو على تلك الحالة إذ جاءت شرفة من شرفات المسجد فوقعت على رأسه فصرعته، وهو يتمثل بهذه الأبيات يقول:
أسماء إن قتلت لا تبكيني
…
لم يبق إلا حسبى ودينى
وصارم لانت به يميني
(1)
....
• حدثنا فاروق بن عبد الكبير الخطابي ثنا عبد العزيز بن معاوية العتبى ثنا جعفر بن عون ثنا هشام بن عروة عن أبيه. قال: كان عبد الله بن الزبير يحمل عليهم حتى يخرجهم من الأبواب وهو يرتجز ويقول:
لو كان قرنى واحدا كفيته
ويقول:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
…
ولكن على أقدامنا تقطر الدما.
• حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو الأحمسي ثنا أبو حصين الوادعي ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر وحدثنا عبد الله بن محمد ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ثنا دحيم ثنا شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة وفاطمة بنت المنذر. قالا: خرجت أسماء بنت أبي بكر مهاجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى بعبد الله بن الزبير، فوضعته فلم ترضعه حتى أتت به النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فوضعه فى حجره فطلبوا تمرة يحنكه بها حتى وجدوا، فكان أول شيء دخل بطنه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسماه عبد الله. قال: شعيب في حديثه: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة، فقالت عائشة فمكثنا ساعة نلتمسها قبل أن نجدها فمضغها ثم وضعها في فيه.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا أبو حصين الوادعي ثنا أحمد بن يونس ثنا أبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي عن أبيه. قال:
(1)
كذا فى ز، وفى ح: أسماء يا أسماء لا تبكينى. الخ.
دخلت مكة بعد ما قتل ابن الزبير بثلاثة أيام - وهو حينئذ مصلوب - قال فجاءت أمه عجوز طويلة مكفوفة البصر، فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل فقال الحجاج: المنافق. فقالت: والله ما كان منافقا، إن كان لصواما قواما برا.
قال انصرفي يا عجوز فإنك قد خرفت، قالت لا والله ما خرفت منذ سمعت رسول الله الله صلى الله عليه وسلم يقول:«يخرج من ثقيف كذاب ومبير» فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت.
• حدثنا علي بن حميد الواسطي ثنا أسلم بن سهل الواسطي ثنا محمد بن حسان ثنا عبد الوهاب بن عطاء ثنا زياد الجصاص عن علي بن زيد بن جدعان عن مجاهد. قال: كنت مع ابن عمر فمر على ابن الزبير رضي الله عنهما، فوقف عليه فقال: رحمك الله فإنك ما علمت صواما قواما وصولا للرحم، وإني لأرجو أن لا يعذبك الله عز وجل. ثم التفت إلي فقال: أخبرني أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «{من يعمل سوءا يجز به}» .
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا أبو حصين الوادعي ثنا أحمد بن يونس ثنا مندل عن سيف أبي الهذيل عن نافع. قال: أدنيت عبد الله بن عمر من جذع ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما فقال: يرحمك الله فو الله إن كنت لصواما قواما.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا أحمد بن سعيد الدارمي ثنا أبو عاصم عن عمر بن قيس. قال: كان لابن الزبير مائة غلام، يتكلم كل غلام منهم بلغة أخرى. فكان ابن الزبير يكلم كل واحد منهم بلغته، فكنت إذا نظرت إليه في أمر دنياه قلت هذا رجل لم يرد الله طرفة عين، وإذا نظرت إليه في أمر آخرته قلت هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين.
• حدثنا أحمد بن محمد بن سنان ثنا أبو العباس السراج ثنا محمد بن الصباح ومحمد بن ميمون. قالا: ثنا سفيان عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة. قال:
ذكرت ابن الزبير عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: كان عفيفا في الإسلام، قارئا للقرآن، أبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وجدته صفية، وخالته عائشة، والله لأحاسبن له نفسي محاسبة لم
أحاسبها لأبي بكر ولا لعمر.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني العباس بن الوليد النرسي ثنا مسلم بن خالد الزنجي قال سمعت عمرو بن دينار يقول: ما رأيت مصليا قط أحسن صلاة من عبد الله بن الزبير.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا محمد بن عباد ثنا سفيان قال سمعت هشام بن عروة يقول قال لي ابن المنكدر: لو رأيت ابن الزبير وهو يصلى لقلت غصن شجرة يصفقها الريح، إن المنجنيق ليقع هاهنا وهاهنا ما يبالي.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا أبو حصين الوادعي ثنا أحمد بن يونس ثنا زائدة عن منصور عن مجاهد. قال: كان عبد الله بن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود، وكان يقول ذلك من الخشوع في الصلاة.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء. قال:
كان ابن الزبير إذا صلى كأنه كعب راتب
(1)
.
• حدثنا محمد بن علي بن عاصم ثنا الحسين بن محمد الحراني ثنا عبد الوارث بن عبد الصمد حدثنى أمى قالت حدثتنا ما طرة المهدية قالت حدثتني خالتي أم جعفر بنت النعمان: أنها سلمت على أسماء بنت أبي بكر - وذكر عندها عبد الله بن الزبير - فقالت: كان ابن الزبير قوام الليل، صوام النهار، وكان يسمى حمام المسجد.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا أحمد بن سعيد ثنا على ابن الحسن بن شقيق ثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة. قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: إن في قلبك من ابن الزبير؟ قال قلت لو رأيته ما رأيت مناجيا مثله، ولا مصليا مثله.
• حدثنا محمد بن علي ثنا الحسين بن محمد الحراني ثنا محمد بن بشار عن روح بن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن ابن أبى مليكة.
قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام ويصبح يوم السابع وهو أليثنا
(2)
.
• حدثنا سليمان ثنا زكريا الساجي ثنا حوثرة بن محمد ثنا أبو أسامة ثنا سعيد بن المرزبان أبو سعيد العبسى ثنا محمد بن عبد الله الثقفى. قال: شهدت
(1)
الكعب ما بين الأمبوبتين من القصب. والراتب الثابت لم يتحرك عن القاموس.
(2)
المليث كمنبر الشديد القوى، والمليئة من الابل الشديدة. عن القاموس.
خطبة ابن الزبير بالموسم، خرج علينا قبل التروية بيوم وهو محرم، فلبى بأحسن تلبية سمعتها قط، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنكم جئتم من آفاق شتى وفودا إلى الله عز وجل، فحق على الله أن يكرم وفده. فمن كان جاء يطلب ما عند الله فإن طالب الله لا يخيب، فصدقوا قولكم بفعل فإن ملاك القول الفعل، والنية النية القلوب القلوب، الله الله في أيامكم هذه، فإنها أيام تغفر فيها الذنوب. جئتم من آفاق شتى في غير تجارة ولا طلب مال ولا دنيا ترجون ما هنا. ثم لبى ولبى الناس، فما رأيت يوما قط كان أكثر باكيا من يومئذ.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسين بن سفيان ثنا حبيب بن موسى ثنا عبد الله بن المبارك ثنا مالك بن أنس عن وهب بن كيسان. قال:
كتب إلي عبد الله بن الزبير بموعظة؛ أما بعد فإن لأهل التقوى علامات يعرفون بها، ويعرفونها من أنفسهم؛ من صبر على البلاء، ورضى بالقضاء، وشكر النعماء، وذل لحكم القرآن. وإنما الإمام كالسوق ما نفق فيها حمل إليها، إن نفق الحق عنده حمل إليه وجاءه أهل الحق، وإن نفق الباطل عنده جاءه أهل الباطل ونفق عنده.
• حدثنا أبو بكر اللحى قال حدثني محمد بن الحسين الوادعي قال ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال ثنا معاوية عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان. قال: ما رأيت عبد الله بن الزبير يعطي سلمة رجلا قط لرغبة ولا لرهبة سلطانا ولا غيره.
• حدثنا أبو بكر الطلحي قال حدثني محمد بن الحسين الوادعى قال ثنا أحمد ابن عبد الله بن يونس قال ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان. قال: كان أهل الشام يعيرون ابن الزبير يقولون له يا ابن ذات النطاقين، قالت له أسماء يا بني إنهم ليعيرونك بالنطاقين، وإنما كان نطاق شققته بنصفين فجعلت فى سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما، وأوكيت قربته بالآخر. قال: فكانوا بعد إذا عيروه بالنطاقين يقول: انها ورب الكعبة
• وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
•.
• حدثنا فاروق بن عبد الكبير الخطابي ثنا أبو مسلم الكشى ثنا إبراهيم
ابن بشار ثنا سفيان بن عيينة ثنا محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابن الزبير. قال: لما نزلت هذه الآية {(ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون)} قال الزبير: يا رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال: «نعم! حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه» .
• حدثنا محمد ابن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سفيان عن محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابن الزبير. قال: لما نزلت {(ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم)} قال الزبير: يا رسول الله أي نعيم نسأل عنه؟ وإنما هما الأسودان الماء والتمر! قال: «أما إن ذلك سيكون» .
• حدثنا سليمان حدثنا فضيل بن محمد الملطي وأبو زرعة الدمشقي. قالا: ثنا أبو نعيم ثنا عبد الرحمن بن الغسيل عن العباس بن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري قال:
سمعت ابن الزبير يقول في خطبته على منبر مكة: يا أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول «لو أن ابن آدم أعطى واديا من ذهب أحب إليه ثانيا، ولو أعطي ثانيا أحب إليه ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب» . .
ذكر أهل الصفة
قال الشيخ: قد ذكرنا بعض أحوال فريق من نساك الصحابة وعبادهم، وأقوال جماعة من أئمة الصحابة وأعلامهم من المشتهرين بالمعبود وذكره، المشغوفين بالفرد ووده. الذين جعلوا للعارفين والعاملين قدوة، وعلى المفتونين بالدنيا والمقبلين عليها حجة. ونذكر الآن مستعينين بالله شأن أهل الصفة وأخلاقهم وأحوالهم وتسمية من سمي لنا اسمه بالأسانيد المشهورة، والشواهد المذكورة.
وهم قوم أخلاهم الحق من الركون إلى شيء من العروض، وعصمهم من الافتتان بها عن الفروض. وجعلهم قدوة للمتجردين من الفقراء، كما جعل من تقدم ذكرهم أسوة للعارفين من الحكماء. لا يأوون إلى أهل ولا مال،
ولا يلهيهم عن ذكر الله تجارة ولا حال، لم يحزنوا على ما فاتهم من الدنيا، ولا يفرحوا إلا بما أيدوا به من العقبى. كانت أفراحهم بمعبودهم ومليكهم وأحزانهم على فوت الاغتنام من أوقاتهم وأورادهم. هم الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، ولم يأسوا على ما فاتهم، ولم يفرحوا بما آتاهم.
حماهم مليكهم عن التمتع بالدنيا والتبسط فيها لكيلا يبغوا ولا يطغوا، رفضوا الحزن على ما فات، من ذهاب وشتات، والفرح بصاحب نسب إلى بلى ورفات.
• حدثنا أبي ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أحمد بن سعيد ثنا عبد الله ابن وهب أخبرني أبو هانئ قال سمعت عمرو بن حريث وغيره يقولون: إنما نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة {(ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض} ذلك بأنهم قالوا {لو أن لنا)} فتمنوا الدنيا. رواه حيوة عن أبي هانئ.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا سعيد بن سليمان عن عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح عن أبي هانئ. قال: سمعت عمرو بن حريث يقول نزلت هذه الآية في أهل الصفة {(ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض)} قال: لأنهم تمنوا الدنيا.
قال الشيخ: زوى الله عز وجل عنهم الدنيا، وقبضها إبقاء عليهم وصونا لهم، لئلا يطغوا. فصاروا في حماه محفوظين من الأثقال، ومحروسين من الأشغال، لا تذهلهم الأموال، ولا تتغير عليهم الأحوال.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسين بن سفيان ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا معتمر بن سليمان قال قال أبي ثنا أبو عثمان النهدي أنه حدثه عبد الرحمن ابن أبي بكر: أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، بسادس» أو كما قال. وأن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرة، هذا حديث صحيح متفق عليه.
• حدثنا سليمان ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا عمر بن ذر ثنا مجاهد أن أبا هريرة. قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أبا هر؟»
فقلت لبيك يا رسول الله. قال: «الحق أهل الصفة فادعهم» قال وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها. صحيح متفق عليه.
• حدثنا أبو عمر بن حمدان ثنا الحسين بن سفيان ثنا وهب بن بقية ثنا خالد بن عبد الله عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن طلحة بن عمرو. قال: كان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان له بالمدينة عريف نزل عليه، وإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة. قال: وكنت فيمن نزل الصفة فوافقت رجلا وكان يجرى علينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم مد من تمر بين رجلين.
• حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا محمد بن النضر الأزدي حدثنا موسى بن داود ثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي بن حسين عن أبي رافع. قال:
لما ولدت فاطمة حسينا قالت يا رسول الله ألا أعق عن ابني؟ قال: «لا ولكن احلقي رأسه وتصدقى بوزن شعره ورقا - أو فضة - على الأوفاض والمساكين» يعني بالأوفاض - أهل الصفة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشرين بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا حيوة أخبرني أبو هانئ أن أبا علي الجنبي حدثه أنه سمع فضالة بن عبيد يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في صلاتهم لما بهم من الخصاصة - وهم أصحاب الصفة - حتى يقول الأعراب: إن هؤلاء مجانين رواه ابن وهب عن ابن هانئ
(1)
.
• حدثنا محمد بن محمد بن إسحاق ثنا زكريا الساجي ثنا أحمد بن عبد الرحمن ثنا عمي عبد الله بن وهب عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة. قال:
كان من أهل الصفة سبعون رجلا ليس لواحد منهم رداء.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا محمد بن عبد الله بن رسته ثنا أبو أيوب المقرئ ثنا جرير عن عطاء عن الشعبي عن أبي هريرة. قال: كنت في الصفة، فبعث إلينا النبي صلى
(1)
ابن هانئ: هو حميد بن هانئ الخولانى وهو أبو هانئ، ويروى عن عمر بن مالك الجنبى أبو على الجنبى المذكور. كذا فى الخلاصة.
الله عليه وسلم عجوة فكنا نقرن الثنتين من الجوع؛ ويقول لأصحابه إنى قد قرنت فاقرنوا.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم ثنا هناد ابن السري ثنا أبو معاوية عن هشام عن الحسن. قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الصفة فقال: «كيف أصبحتم؟» قالوا بخير. فقال رسول الله: «أنتم اليوم خير، وإذا غدى على أحدكم بجفنة وريح بأخرى، وستر أحدكم بيته كما تستر الكعبة» . فقالوا: يا رسول الله نصيب ذلك ونحن على ديننا؟ قال «نعم!» قالوا فنحن يومئذ خير نتصدق ونعتق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بل أنتم اليوم خير، إنكم إذا أصبتموها تحاسدتم وتقاطعتم وتباغضتم» كذا رواه أبو معاوية مرسلا.
• حدثنا عبد الله بن محمد ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد بن السري ثنا يونس بن بكير ثنا سنان بن سيسن
(1)
الحنفي حدثني الحسن قال: بنيت صفة لضعفاء المسلمين، فجعل المسلمون يوغلون إليها ما استطاعوا من خير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم فيقول:«السلام عليكم يا أهل الصفة» فيقولون وعليك السلام يا رسول الله، فيقول:«كيف أصبحتم؟» فيقولون بخير يا رسول الله، فيقول:«أنتم اليوم خير من يوم يغدى على أحدكم بجفنة ويراح عليه بأخرى، ويغدو فى حلة ويروح في أخرى، وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة» فقالوا نحن يومئذ خير يعطينا الله تعالى فنشكر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أنتم اليوم خير.
قال الشيخ رحمه الله: وكان عدد قاطني الصفة يختلف على حسب اختلاف.
الأوقات والأحوال، فربما تفرق عنها وانتقص طارقوها من الغرباء والقادمين فيقل عددهم، وربما يجتمع فيها واردوها من الوراد والوفود فينضم إليهم فيكثرون، غير أن الظاهر من أحوالهم، والمشهور من أخبارهم؛ غلبة الفقر عليهم، وإيثارهم القلة واختيارهم لها. فلم يجتمع لهم ثوبان، ولا حضرهم من الأطعمة لونان. يدل على ذلك ما
حدثناه أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد
(1)
كذا فى الأصل، بالنون. وفى القاموس بحذفها وهو نابعى.
ابن حنبل حدثني أبي ثنا وكيع حدثني فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة. قال: رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب، فمنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من هو أسفل من ذلك فإذا ركع أحدهم قبض عليه مخافة أن تبدو عورته.
• حدثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد ثنا إسماعيل بن عبد الله ثنا هشام بن عامر ثنا صدقة بن خالد ثنا زيد بن واقد حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي عن واثلة بن الأسقع قال: كنت من أصحاب الصفة، وما منا أحد عليه ثوب تام، قد اتخذ العرق فى جلودنا طوقا من الوسخ والغبار.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم ثنا هناد بن السري ثنا أبو أسامة عن جرير بن حازم عن محمد بن سيرين. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قسم ناسا من أهل الصفة بين ناس من أصحابه، فكان الرجل يذهب بالرجل، والرجل يذهب بالرجلين، والرجل يذهب بالثلاثة حتى ذكر عشرة، فكان سعد بن عبادة يرجع كل ليلة إلى أهله بثمانين منهم يعشيهم.
• حدثنا عبد الله بن محمد أبو بكر ثنا عبد الله بن محمد بن النعمان ثنا أبو نعيم. وحدثنا أبو بكر الطلحي ثنا عبيد بن غنام -
(1)
واللفظ له - ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو نعيم عن موسى بن علي قال سمعت أبي يحدث عن عقبة ابن عامر. قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال:
«أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحاء والعقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين فى غير إثم ولا قطيعة رحم؟» فقلنا يا رسول الله كلنا نحب ذلك. قال: «أو لا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله تعالى خير له من ناقتين، وثلاث، وأربع. خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل؟» .
قال الشيخ رحمه الله: فحديث عقبة يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يردهم عند العوارض الداعية إلى تمني الدنيا والإقبال عليها إلى ما هو أليق بحالهم، وأصلح لبالهم، من الاشتغال بالأذكار، وما يعود عليهم من منافع
(1)
فى ز هنا وفى صفحة 344 غنام بالغين المعجمة وفى ح هنا عنام بالمهملة وسيأتى فى 344 عثام بالثاء المثلثة ولم تقف عليه.
البيان والأنوار، ويعصمون به من المهالك والأخطار، ويستروحون إليه مما يرد من الأماني على الأسرار.
• حدثنا محمد بن أحمد بن مخلد ثنا أبو إسماعيل الترمذي ثنا يحيى بن بكير ثنا ابن لهيعة عن عمارة بن غزية أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أخبره أنه سمع أنس بن مالك يقول: أقبل أبو طلحة يوما فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم يقرئ أصحاب الصفة، على بطنه فصيل
(1)
من حجر يقيم به صلبه من الجوع، كان شغلهم تفهم الكتاب وتعلمه، ونهمتهم الترنم بالخطاب وتردده.
شاهد ذلك ما حدثناه
• جعفر بن محمد بن عمرو ثنا أبو حصين الوادعى ثنا يحيى ابن عبد الحميد ثنا حماد بن زيد عن المعلى بن زياد عن العلاء بن بشير عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه. قال: أتى علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أناس من ضعفة المسلمين، ورجل يقرأ علينا القرآن ويدعو لنا، ما أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف أحدا منهم وإن بعضهم ليتوارى من بعض من العري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده - فأدارها شبه الحلقة - فاستدارت له الحلقة. فقال:«بما كنتم تراجعون؟» قالوا هذا رجل يقرأ علينا القرآن ويدعو لنا. قال: «فعودوا لما كنتم فيه» ثم قال «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم» ثم قال: «ليبشر فقراء المؤمنين بالفوز يوم القيامة قبل الأغنياء بمقدار خمسمائة عام، هؤلاء في الجنة ينعمون، وهؤلاء يحاسبون» رواه جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد بإسناده مثله. ورواه جعفر أيضا عن ثابت البنانى عن سلمان مرسلا.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يسار ثنا جعفر - يعني ابن سليمان - ثنا ثابت البناني قال: كان سلمان في عصابة يذكرون الله عز وجل، قال فمر النبي صلى الله عليه وسلم فكفوا. فقال:«ما كنتم تقولون؟» فقلنا نذكر الله يا رسول الله.
قال: «قولوا فإني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها» ثم
(1)
الفصيل من الحجر قطعة منه كما فى النهاية فى غريب هذا الحديث.
قال: «الحمد لله جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم» رواه مسلمة بن عبد الله عن عمه عن سلمان مطولا في قصة المؤلفة، ذكرناه في نظائره في كتاب شرف الفقر.
قال الشيخ رحمه الله: والمتحققون بالفقر من الصحابة وتابعيهم إلى قيام الساعة أمارة، وأعلام الصدق لهم شاهرة، وبواطنهم بمشاهدة الحق عامرة، إذ الحق شاهدهم وسائسهم، والرسول صلى الله عليه وسلم سفيرهم ومؤدبهم وحق لمن أعرض عن الدنيا وغرورها، وأقبل على العقبى وحبورها، فعزفت نفسه عن الزائل الواهي، ونابذ الزخارف والملاهي، وشاهد صنع الواحد الباقي، واستروح روائح المقبل الآتي. من دوام الآخرة ونضرتها، وخلود المجاورة وبهجتها، وحضور الزيارة وزهرتها، ومعاينة المعبود ولذتها؛ أن يكون بما اختار له المعبود من الفقر راضيا، وعما اقتطعه منه ساليا، ولما ندبه إليه ساعيا، ولخواطر قلبه راعيا. ليصير في جملة المطهرين، ويحشر في زمرة الضعفاء والمساكين، ويقرب مما خص به الأبرار من المقربين، فيغتنم ساعاته عن مخالطة المخلطين، ويصون أوقاته عن مسالمة المبطلين، ويجتهد في معاملة رب العالمين، مقتديا في جميع أحواله بسيد السفراء والمرسلين.
• كذا حدثناه سليمان بن أحمد ثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا محمد بن أبي خلف ثنا يحيى بن عباد ثنا محمد بن عثمان الواسطي عن ثابت عن أنس
(1)
.
قال: كان رسول الله عليه وسلم إذا أعجبه نحو
(2)
الرجل أمره بالصلاة.
قال الشيخ رحمه الله: استوطنوا الصفة فصفوا من الأكدار، ونقوا من الأغيار، وعصموا من حظوظ النفوس والأبشار، وأثبتوا في جملة المصطنع لهم من الأبرار: فأنزلوا في رياض النعيم، وسقوا من خالص التسنيم.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا محمد ابن عبد الله بن نمير ثنا عمران بن عيينة عن إسماعيل عن أبي صالح: {(ومزاجه من تسنيم)} قال: هو أشرف شراب أهل الجنة للمقربين صرفا، وللناس مزاجا.
(1)
وفى ز: عن ابن عباس.
(2)
كذا فى الاصلين ولعله يريد قصد الرجل.
قال الشيخ رحمه الله: وأهل الصفة هم أخيار القبائل والأقطار، ألبسوا الأنوار، فاستطابوا الأذكار، واستراحت لهم الأعضاء والأطوار، واستنارت منهم البواطن والأسرار، بما قدح فيها المعبود من الرضا والأخبار فأعرضوا عن المشغوفين بما غرهم، ولهوا عن الجامعين لما ضرهم من الحطام الزائل البائد، ومسالمة العدو الحاسد، معتصمين بما حماهم به الواقي الذائد. فاجتزوا من الدنيا بالفلق، ومن ملبوسها بالخرق، لم يعدلوا إلى أحد سواه، ولم يعولوا إلا على محبته ورضاه. رغبت الملائكة في زيارتهم وخلتهم، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على محادثتهم ومجالستهم.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا عبيد بن عثام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أحمد بن المفضل ثنا أسباط بن نصر عن السدي عن أبي سعيد الأزدي عن أبي الكنود عن خباب بن الأرت: {(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)} قال: جاء الأقرع بن حابس التميمى وعيينة بن حصن الفزارى فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال وعمار وصهيب وخباب، في أناس من الضعفاء المؤمنين. فلما رأوهم حقروهم فخلوا به فقالوا: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلا! فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب قعودا مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا.
فإذا نحن فرغنا فأقعدهم إن شئت. قال: نعم! قالوا فاكتب لنا عليك كتابا فدعا بالصحيفة ليكتب لهم، ودعا عليا عليه السلام ليكتب. فلما أراد ذلك - ونحن قعود في ناحية - إذ نزل جبريل عليه السلام فقال {(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)} إلى قوله {(فتكون من الظالمين)}
ثم ذكر الأقرع وصاحبه فقال {(وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين)} ثم ذكر فقال تعالى {(وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة)}
فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة ودعانا فأتيناه وهو يقول «سلام عليكم» فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته، فكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يجلس معنا، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا. فأنزل الله عز وجل {(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا)} يقول لا تعد عيناك عنهم تجالس الأشراف {(ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)} أما الذي أغفل قلبه فهو عيينة بن حصين والأقرع، وأما فرطا فهلاكا. ثم ضرب لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا، قال فكنا بعد ذلك نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا بلغنا الساعة التي كان يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم، وإلا صبر أبدا حتى نقوم. رواه عمر بن محمد العنقزي عن أسباط مثله.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو وهب الحراني ثنا سليمان بن عطاء عن مسلمة بن عبد الله عن عمه عن سلمان الفارسي.
قال: جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصين والأقرع بن حابس، وذووهم فقالوا: يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المسجد ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم - يعنون أبا ذر وسلمان وفقراء المسلمين، وكان عليهم جباب الصوف لم يكن عندهم غيرها - جلسنا إليك وخالصناك وأخذنا عنك. فأنزل الله عز وجل {(واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا، واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)} حتى بلغ {(نارا أحاط بهم سرادقها)}
يتهددهم بالنار. فقام نبى الله يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسى مع قوم أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات» .
• حدثنا سليمان ابن أحمد حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان الثوري عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد بن أبي وقاص قال: نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن مسعود، قال كنا نستبق إلى النبى ندنو إليه، فقالت قريش: تدني هؤلاء دوننا؟ فكأن النبي صلى الله عليه وسلم هم بشيء، فنزلت {(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي
يريدون وجهه)} الآية. رواه إسرائيل عن المقدام بن شريح نحوه.
• حدثناه أبو أحمد محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا عبيد الله بن موسى ثنا إسرائيل عن المقدام بن شريح الحارثي عن أبيه عن سعد بن أبي وقاص. قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر - فقال المشركون: اطرد هؤلاء عنك فإنهم، وإنهم. قال: فكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسميهما، - قال فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله، فحدث به نفسه فأنزل الله عز وجل {(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)} .
• حدثنا محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا جرير عن أشعب بن سوار عن كردوس عن عبد الله بن مسعود. قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وبلال وخباب وعمار، ونحوهم وناس من ضعفاء المسلمين. فقالوا يا رسول الله أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أفنحن نكون تبعا لهؤلاء؟ أهؤلاء الذين من الله عليهم؟ اطردهم عنك فلعلك إن طردتهم اتبعاك. قال: فأنزل الله عز وجل {(وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم)} إلى قوله {(فتكون من الظالمين)} .
• حدثنا عمر ابن محمد بن حاتم ثنا محمد بن عبيد الله بن مرزوق ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت عن معاوية بن قرة عن عائذ بن عمرو: أن أبا سفيان مر بسلمان وصهيب وبلال فقالوا: ما أخذت السيوف من عنق عدو الله مأخذها. فقال لهم أبو بكر: تقولون هذا لشيخ قريش وسيدها! ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قالوا. فقال: «يا أبا بكر لعلك أغضبتهم؟ والذي نفسي بيده لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك» فرجع إليهم فقال: يا إخواني لعلي أغضبتكم؟ فقالوا لا يا أبا بكر يغفر الله لك.
• حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله ثنا عبد المؤمن بن أحمد الجرجاني ثنا الحسين بن علي السمسار ثنا أبو عبد الرحمن المكتب ثنا المسيب بن شريك عن حميد عن أنس. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرفع الله بهذا العلم
أقواما فيجعلهم قادة يقتدى بهم في الخير، وتقتص آثارهم، وترمق أعمالهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم».
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا هارون بن ملول ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا سعيد بن أبي أيوب ثنا معروف بن سويد الجذامي أن أبا عشانة المعافري حدثه أنه سمع عبد الله ابن عمرو بن العاص يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تدرون أول من يدخل الجنة؟» قالوا الله ورسوله أعلم، قال:«فقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره، يموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فتقول الملائكة ربنا نحن ملائكتك وخزنتك وسكان سماواتك لا تدخلهم الجنة قبلنا، فيقول عبادي لا يشركون بي شيئا تتقى بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته في صدره لم يستطع لها قضاء فعند ذلك تدخل عليهم الملائكة من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار» .
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا عبد الله بن محمد بن سوار ثنا أبو هلال الأشعري ثنا محمد بن مروان عن ثابت الثمالي أبي حمزة عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام: {(أولئك يجزون الغرفة بما صبروا)}
قال: الغرفة الجنة بما صبروا على الفقر في دار الدنيا.
قال الشيخ رحمه الله: فأما أسامي أهل الصفة فقد رأيت لبعض المتأخرين تتبعا على ذكرهم وجمعهم على حروف المعجم، وضم إلى ذكرهم فقراء المهاجرين الذين قدمنا ذكرهم. وسألني بعض أصحابنا الاحتذاء على كتابه وفي كتابه أسامي جماعة موهوم فيها، لأن جماعة عرفوا من أهل القبة نسبوا إلى أهل الصفة وهو تصحيف من بعض النقلة، وسنبين ذلك إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى. فممن بدأنا بذكره:
أوس بن أوس الثقفي
وقيل: أوس بن حذيفة. ونسبه إلى أهل الصفة وهو وهم، فإنه قدم وافدا مع وفد ثقيف على رسول الله عليه وسلم في آخر عهده، وهو
من المالكيين مع الأحلاف الذين أنزلهم النبي صلى الله عليه وسلم القبة لا الصفة. روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير حديث، ولا يحفظ عنه من حال أهل الصفة شيء. فمما أسند ما
• حدثناه سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ثنا أبي ثنا زهير ثنا سماك بن حرب عن النعمان بن سالم عن أوس بن أوس الثقفي. قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في قبته في مسجد المدينة، فأتاه رجل فساره بشيء لا تدرى ما يقول.
فقال: «اذهب فقل لهم يقتلوه» ثم قال: «لعله يشهد أن لا إله إلا الله؟» قال نعم! قال: اذهب فقل لهم يرسلوه، فإني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بأمر حق وكان حسابهم على الله عز وجل». رواه شعبة أبو عوانة عن سماك نحوه.
وقال شعبة في حديثه: كنت في أسفل القبة.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس ابن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي ثنا عثمان ابن عبد الله بن أوس الثقفي عن جده أوس بن حذيفة قال: قدمنا وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل الأحلافيون على المغيرة بن شعبة، وأنزل المالكيين قبته. فكان يأتينا بعد عشاء الآخرة فيحدثنا، فكان أكثر ما اشتكى قريشا يقول «كنا مستذلين مستضعفين بمكة فلما قدمنا المدينة انتصفنا من القوم» .
أسماء بن حارثة
وذكر أسماء بن حارثة الأسلمي أخا هند فكان أبو هريرة يقول: ما كنت أرى أسماء وهندا إلا خادمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم من طول لزومها بابه وخدمتهما له قال بعض المتأخرين: هو من أهل الصفة.
• حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف الصرصري ثنا عبد الله بن محمد البغوي قال رأيت في كتاب محمد بن سعد الواقدي: أسماء بن حارثة بن سعيد بن عبد الله بن عباد بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة من مالك بن أقصى، صحب
النبي صلى الله عليه وسلم فكان من أهل الصفة، توفي بالبصرة سنة ستين وهو يومئذ ابن ثمانين سنة.
• فمما أسند ما حدثناه فاروق الخطابي ثنا أبو مسلم الكشي ثنا سهل بن بكار ثنا وهيب ثنا عبد الرحمن بن حرملة عن يحيى بن هند بن حارثة عن أسماء بن حارثة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه فقال «مر قومك فليصوموا هذا اليوم» قال: أرأيت إن وجدتهم قد طعموا؟ قال:
«فليتموا آخر يومهم» يعني يوم عاشوراء.
الأغر المزني
وذكر الأغر المزني، ونسب إلى موسى بن عقبة من غير إسناد أنه من أهل الصفة.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن ثابت عن أبي بردة عن الأغر بن مزينة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليغان على قلبي حتى أستغفر الله مائة مرة» .
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبى أسامة ثنا أبو النصر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا بردة قال سمعت رجلا من جهينة يقال له الأغر يحدث ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس توبوا إلى بارئكم فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة.
وذكر بلال بن رباح في أهل الصفة وقد تقدم ذكرنا له، وأنه كان من السابقين المعذبين في الله عز وجل. خازن النبي صلى الله عليه وسلم.
• حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو ثنا أبو حصين الوادعي ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا أيوب بن سيار ثنا محمد بن المنكدر عن جابر حدثني بلال. قال:
أذنت الصبح في ليلة باردة فلم يأتني أحد، ثم أذنت فلم يأتني أحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما لهم؟» قلت منعهم البرد. فقال: «اللهم اكسر عنهم البرد» قال بلال: أشهد لقد رأيتهم يتروحون في الصبح من الحر.
البراء بن مالك
وذكر البراء بن مالك الأنصاري أخا أنس بن مالك، وحكى عن محمد بن إسحاق أنه من أهل الصفة ولم يذكر إسناده، والبراء شهد أحدا فما دونه من المشاهد، استشهد يوم تستر وكان طيب القلب يميل إلى السماع ويستلذ الترنم، أحد الشجعان والفرسان.
• حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة وأبو محمد بن حيان. قالا:
ثنا محمد بن عبد الله بن رسته ثنا أبو معمر ثنا سعيد بن محمد عن مصعب بن سليم قال سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«رب أشعث ذى طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك» فلما كان يوم تستر انكشف الناس فقالوا يا براء أقسم على ربك، فقال:
أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك. قال: فاستشهد.
• حدثنا علي بن هارون ثنا موسى بن هارون الحافظ قال في كتابي عن الحسن بن حماد الوراق - وعندي أني سمعته منه - ثنا عبدة ثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله - يعني ابن المثنى - عن ثمامة عن أنس بن مالك. قال:
كان البراء بن مالك رجلا حسن الصوت فكان يرجز برسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هو يرجز برسول الله في بعض أسفاره إذ قارب النساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إياك والقوارير، إياك والقوارير» .
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك. قال: استلقى البراء بن مالك على ظهره ثم ترنم. فقال له أنس: أي أخي. فاستوى جالسا فقال: أتراني أموت على فراشي وقد قتلت مائة من المشركين مبارزة سوى من شاركت في قتله.
-
ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذكر ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسبه إلى أهل الصفة من قبل عمرو بن علي، وقد تقدم ذكرنا لثوبان أنه كان من القنعين الأعفاء الوفيين الظرفاء.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن خليد ثنا أبو توبة الربيع بن نافع ثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام قال حدثني أبو أسماء الرحبي: أن ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم. قال: كنت قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود فقال جئت أسألك؟ فقال:
سل. فقال اليهودي: أين الناس يوم تبدل الأرض عير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم فى الظلمة دون الجسر» قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: «فقراء المهاجرين» .
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا إبراهيم بن عبد الله بن أيوب ثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم ثنا عبيد الله ابن عمرو الرقي ثنا أيوب عن أبي قلابة عن ثوبان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أفضل دينار دينار أنفقه رجل على عياله، أو على دابته في سبيل الله، أو أنفقه على أصحابه في سبيل الله» .
ثابت بن الضحاك
وذكر ثابت بن الضحاك الأنصاري أبا زيد الأشهلي، ونسبه إلى أهل الصفة وهو من أهل الشجرة أنصاري الدار ليس من أهل الصفة بشيء.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا يحيى ابن بشر الحريري ثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير أن أبا قلابة أخبره أن ثابت بن الضحاك أخبره: أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وأن رسول الله قال:«من قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله» .
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة. قال: حدثني ثابت الضحاك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف بملة الإسلام كاذبا فهو كما قال» .
ثابت بن وديعة
وذكر ثابت بن وديعة الأنصاري، ونسبه إلى أهل الصفة وإنما نزل الكوفة لا الصفة وروى له هذا الحديث.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا أبو النضر ثنا شعبة عن الحكم عن زيد بن وهب عن البراء بن عازب عن ثابت بن وديعة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أتى بضب فقال: «أمة مسخت» والله أعلم.
ثقيف بن عمرو
وذكر ثقيف بن عمرو بن شميط الأسدي من حلفاء بني أمية استشهد بخيبر، نسبه إلى أهل الصفة حكاه عن خليفة بن خياط.
وذكر جندب بن جنادة أبا ذر الغفاري وقد تقدم ذكرنا له ولحاله ولقدمه، وأنه رابع الإسلام، وأنه كان من قطان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة. فكان متوحدا متعبدا، فربما أحدث العهد بأهل الصفة مستأنسا بهم فذكر في جملتهم لهذا.
• حدثنا أبو عمر بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا جبارة بن المغلس ثنا عبد الحميد بن بهرام ثنا شهر بن حوشب حدثتني أسماء بنت يزيد: أن أبا ذر رضي الله عنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد فكان هو بيته، فاضطجع فيه فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فوجد أبا ذر نائما منجدلا فى المسجد، فركله برجله حتى استوى جالسا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألا أراك نائما فيه؟» فقال أبو ذر: فأين أنام ما لي بيت غيره فجلس إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• حدثت عن أبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد ثنا محمد بن عبيد الله العامري ثنا بكر بن عبد الوهاب ثنا محمد بن عمر الاسلمى ثنا موسى ابن عبيدة عن نعيم المجمر عن أبيه عن أبي ذر. قال: كنت من أهل الصفة فكنا إذا أمسينا حضرنا باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجل، فيبقى من بقي من أهل الصفة عشرة أو أكثر أو أقل، فيؤتى النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه فنتعشى معه، فإذا فرغنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ناموا في المسجد» قال فمر علي رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأنا نائم على وجهى فغمزنى برجله وقال: وقال: «يا جندب ما هذه الضجعة فإنها ضجعة الشيطان» .
جرهد بن خويلد
وذكر جرهد بن خويلد وقيل ابن رزاح الأسلمي، سكن الصفة متطرقا شهد الحديبية.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا محمد بن غالب ثنا القعنبي عن مالك بن أنس عن أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه. قال: كان جرهد من أصحاب الصفة، وإنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وفخذي منكشفة. فقال: «أما علمت أن الفخذ عورة» .
جعيل بن سراقة
وذكر جعيل بن سراقة الضمري، وسكن الصفة
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن يحيى ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن اسحاق حدثنى محمد إبراهيم بن الحارث التيمي: أن قائلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه: أعطيت يا رسول الله عيينة والأقرع مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمري؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
• حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد ثنا عبدان ثنا يونس بن وهب أخبرنى عمر ابن الحارث عن بكر بن سوادة عن أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «كيف ترى جعيلا؟» قلت مسكينا كشكله من الناس. قال «وكيف ترى فلانا؟» قلت سيدا من سادات الناس. قال:
«فجعيل خير من هذا ملء الأرض» قلت يا رسول الله ففلان هكذا، وليس تصنع به ما تصنع به؟ قال:«إنه رأس قومه فأنا أتألفهم» .
جارية بن حميل
وذكر جارية بن حميل بن شبة بن قرط، من أهل الصفة حكاه عن الدارقطني وذكره عن ابن جرير أن له صحبة
(1)
.
وذكر حذيفة بن اليمان خالط أهل الصفة مدة فنسب إليهم هو وأبوه من المهاجرين، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين الهجرة والنصرة فاختار النصرة وحالف الأنصار فعد في جملتهم. تقدم ذكرنا له ولأحواله في الطبقة الأولى.
كان بالفتن والآفات عارفا، وعلى العلم والعبادة عاكفا، وعن التمتع بالدنيا عازفا. بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب سرية وحده، وألبسه عباءته بعد أن كفي في سيره
(2)
ريحه وبرده.
• حدثنا محمد بن أحمد ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه ثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه. قال: كنا عند حذيفة بن اليمان، فقال لقد ركبنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب فى ليلة ذات ريح شديدة وقر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألا رجل يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة؟» فأمسك القوم. ثم قالها الثانية، ثم الثالثة. ثم قال:«يا حذيفة قم فاتنا بخير القوم» فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم. فقال «ائتنى بخبر القوم ولا تذعرهم علي» قال فمضيت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم، قال ثم رجعت كأنما أمشي في حمام، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال ثم أصابني حين فرغت البرد فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائما حتى الصبح. فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قم يا نومان» .
• حدثنا محمد بن أحمد الغطريفي ثنا عبد الله بن محمد ثنا اسحاق ابن راهويه قال أخبرني جرير عن عبد الله بن يزيد الاصبهانى عن يزيد بن
(1)
وذكره ابن حجر فى الاصابة وصحفه فى ز فقال: حارثة بن جميل بن شيبة.
(2)
فى ح: ستره ولعل الصواب ما اخترناه.
أحمر عن حذيفة. قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة، فأراد بلال أن يؤذن فقال:«على رسلك يا بلال» ثم قال لنا «اطعموا فطعمنا» ثم قال لنا «اشربوا فشربنا» ثم قام إلى الصلاة. قال: جرير: يعني به السحور.
حذيفة بن أسيد
وذكر حذيفة بن أسيد أبا سريحة الغفاري، من أهل الصفة شهد الشجرة.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا المسعودي عن فرات القزاز
(1)
عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري من أهل الصفة. قال: اطلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر الساعة. فقال: «إن الساعة لا تقوم حتى يكون عشر آيات؛ الدخان والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها. وثلاثة خسوف؛ خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وفتح يأجوج ومأجوج ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر.
قال الشيخ:
وأراه قال: ونزول عيسى بن مريم.
• حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان حدثني نصر بن عبد الرحمن الوشاء ثنا زيد بن الحسن الأنماطي عن معروف بن خربوذ المكي عن أبى الطفيل عامر بن وائلة عن حذيفة بن أسيد الغفاري. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إنى فرطكم، وإنكم واردون على الحوض، فإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما. الثقل الأكبر كتاب الله، سبب طرفه بيد الله وطرفه بايديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأتى اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض» .
حبيب بن زيد
وذكر حبيب بن زيد بن عاصم الأنصاري الأزدي من بني النجار ونسبه إلى أهل الصفة، وصحف، وإنما هو من أهل العقبة.
(1)
فى ز: الفرارى وفى ح القران ولعلها تصحيف القزارى والتصحيح من الخلاصة
أخذه مسيلمة الكذاب فجعل يقول له: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ فيقول نعم! فيقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول لا أسمع، فقطعه مسيلمة وكانت أم حبيب اسمها نسيبة من أهل العقبة فخرجت في خلافة أبي بكر مع المسلمين إلى مسيلمة، فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل الله مسيلمة ورجعت إلى المدينة وبها عشر جراحات من طعنة وضربة.
• حدثناه حبيب بن الحسن ثنا محمد بن يحيى ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق بهذا.
حارثة بن النعمان
وذكر حارثة بن النعمان الأنصاري النجاري في أهل الصفة، وحكاه عن أبي عبد الرحمن النسائي. وكان من أهل بدر، وأحد الثمانين الذين ثبتوا يوم حنين ولم يفروا، وأصيب ببصره في آخر عمره.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة. قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نمت فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ فقلت من هذا؟ قالوا حارثة بن النعمان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك البر كذلك البر» وكان أبر الناس بأمه. رواه ابن أبي عتيق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مثله.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا يعقوب بن يوسف الصفار ثنا ابن أبي فديك عن محمد بن عثمان عن أبيه قال: كان حارثة بن النعمان قد ذهب بصره، فاتخذ خيطا من مصلاه إلى باب الحجرة ووضع عنده مكتلا فيه تمر، فإذا جاء المسكين فسلم؛ أخذ من ذلك المكتل ثم أخذ بطرف الخيط حتى يناوله وكان أهله يقولون له نحن نكفيك، فيقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«مناولة المسكين تقي ميتة السوء» .
حازم بن حرملة
وذكر حازم بن حرملة الأسلمي. ونسبه إلى الصفة من قبل الحسن بن سفيان
• حدثنا أبو أحمد الغطريفي ثنا الحسن بن سفيان ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا محمد بن معن بن نضلة الغفاري ثنا خالد بن سعيد قال أخبرني أبو زينب مولى حازم ابن حرملة عن حازم بن حرملة. قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني - أو بوديت له - فلما وقفت عليه قال: «يا حازم أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإنها كنز من كنوز الجنة» .
حنظلة بن أبي عامر
وذكر حنظلة بن أبي عامر الراهب الأنصاري، ونسبه إلى أهل الصفة من قبل أبي موسى محمد بن المثنى، وهو غسيل الملائكة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا أبو شعيب الحراني ثنا أبو جعفر النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن حنظلة بن أبي عامر أخي بني عمرو بن عوف: أنه التقى هو وأبو سفيان بن حرب يوم أحد، فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود - وكان يقال له ابن شعوب - قد علا أبا سفيان فضربه شداد فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن صاحبكم - يعني حنظلة - لتغسله الملائكة، فاسألوا أهله ما شأنه» . فسئلت صاحبته فقالت خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لذلك غسلته الملائكة» .
حجاج بن عمرو
وذكر حجاج بن عمرو الأسلمي ونسبه إلى أهل الصفة، وأحال به على أبي عبد الله الحافظ وهو وهم. لأن حجاجا الأسلمي هو حجاج بن مالك أبو حجاج بن حجاج، وحجاج بن عمرو هو المازني الأنصاري، ولا يعرف لواحد منهم ذكر في أهل الصفة وأخرج له هذا الحديث.
• حدثنا محمد بن جعفر بن الهيثم ثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ثنا
أبو عاصم ثنا الحجاج بن أبي عثمان حدثني يحيى بن أبي كثير ثنا عكرمة مولى ابن عباس عن الحجاج بن عمرو. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كسر، أو عرج، فقد حل، وعليه حجة أخرى» .
الحكم بن عمير
وذكر الحكم بن عمير الثمالي، ونسبه إلى أهل الصفة، سكن الشام.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن مصفى ثنا بقية ثنا عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء [نقصا] في دينه أن يكثر خطاياه، وينقص حلمه، ويقل حقيقته
(1)
جيفة بالليل، بطال النهار، كسول هلوع، منوع رتوع».
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا يحيى بن عبد الباقي ثنا محمد بن مصفى ثنا بقية عن عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استحيوا من الله حق الحياء، احفظوا الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، واذكروا الموت والبلى، فمن فعل ذلك كان ثوابه جنة المأوى» .
حرملة بن إياس
وذكر حرملة بن إياس في أهل الصفة ونسبه إلى خليفة بن خياط. وقيل هو حرملة بن عبد الله العنبري.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا قرة بن خالد ثنا ضرغامة بن عليبة بن حرملة ثنا أبي عن جدي: قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ركب من الحى، فلما أردت
(1)
كذا فى المصرية: وفى ح رسمت مهملة، ولعلها معرفته.
الرجوع قلت أوصني يا رسول الله قال: «اتق الله، وإذا كنت في مجلس فقمت عنه فسمعتهم يقولون ما يعجبك فأته، وإذا سمعتهم يقولون ما تكره فلا تأته» .
• حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا أبو خيثمة ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث أخبرني عبد الله بن حسان حدثني حبان بن عاصم حدثني حرملة بن إياس: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقام عنده حتى عرفه فلما أراد الانصراف قال أتيته فقلت يا رسول الله ما تأمرني؟ قال: «يا حرملة ائت المعروف، واجتنب النكر» قال فصدرت عنه، ثم قلت لو رجعت فاستزدته. فقلت يا رسول الله أوصني. قال:«يا حرملة اجتنب المنكر وائت المعروف، وما سر أذنك أن تسمع من القوم يقولون لك إذا قمت من عندهم فأته، وما ساء أذنك أن تسمع من القوم إذا قمت من عندهم يقولون لك فاجتنبه» رواه أحمد بن إسحاق الحضرمي عن عبد الله ابن حسان حدثني حبان بن عاصم وحدثتاني ابنتا عليبة أن حرملة أخبرهما: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه. وزاد قال: فلما خرجت إذا هما لم يدعا شيئا؛ إتيان المعروف، واجتناب المنكر.
-
خباب بن الأرت
وذكر خباب بن الأرت ونسبه إلى أهل الصفة من قبل كردوس. وكان من السابقين الأولين من المهاجرين. ذكرنا أحواله فيما تقدم. وكان من المعذبين شهد بدرا والمشاهد.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا سعيد ابن عمرو ثنا سفيان بن عيينة عن مسعر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: كان خباب من المهاجرين، وكان ممن يعذب في الله.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثني عمي أبو بكر ثنا محمد بن فضيل عن أبيه قال سمعت كردوسا يقول: كان خباب بن الأرت أسلم سادس ستة، وكان له سدس الإسلام.
• حدثنا محمد بن أحمد ثنا محمد بن عثمان ثنا على ابن المديني ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي. قال: جاء خباب إلى عمر، فقال له: ادن فما أرى أحدا أحق بهذا
المجلس منك. فجعل خباب يريه آثارا في ظهره مما عذبه المشركون.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا إسماعيل بن عبد الله ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم. قال: دخلنا على خباب بن الأرت نعوده وقد اكتوى بسبع كيات. ثم قال إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعا إلا التراب ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطا، فقال: يؤجر المؤمن في كل شيء إلا شيء يجعله في التراب، ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به. رواه يزيد بن أبي أنيسة في جماعة عن إسماعيل مثله.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو زرعة الدمشقي وموسى بن عيسى. قالا:
ثنا أبو اليمان ثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن خباب بن الأرت عن أبيه خباب: أنه راقب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فصلى حتى إذا كان مع الفجر قال: يا رسول الله رأيتك الليلة صليت صلاة ما رأيتك صليت مثلها. قال: «أجل، إنها صلاة رغب ورهب، سألت ربي ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم فأعطاني ذلك، وسألته أن لا يسلط علينا عدوا فيهلكنا فأعطاني ذلك، وسألته أن لا يلبس أمتى شيعا فمنعني ذلك» رواه صالح بن كيسان ومعمر والنعمان بن راشد والزبيدي في آخرين عن الزهري.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة. قال: عاد ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خبابا. قالوا: أبشر يا عبد الله ترد علمى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: كيف بهذا؟ وهذا أسفل البيت وأعلاه، وقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنما يكفي أحدكم من الدنيا كقدر زاد الراكب» .
خنيس بن حذافة
وذكر خنيس بن حذافة السهمي في أهل الصفة؟ حكاه عن أبي طالب
الحافظ ومحمد بن إسحاق بن يسار.
وخنيس من المهاجرين الأولين. زوجته حفصة بنت عمر من مهاجرة الحبشة. وشهد بدرا. توفي بالمدينة في أول الإسلام وتأيمت منه حفصة، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن عمر. قال:
تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا فتوفي بالمدينة، فلقيت أبا بكر فقلت إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر. فلم يرجع إلي شيئا، فلبثت ليالي فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال لعلك وجدت حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال قلت نعم؛ قال فإنه لم يمنعنى أن أرجع إليك شيئا حين عرضتها علي إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها نكحتها.
خالد بن يزيد
وذكر خالد بن يزيد أبا أيوب الأنصاري في أهل الصفة وقال قاله محمد بن جرير. وأبو أيوب هو صاحب الدار المشهورة التي نزل عليه العلم المنشور رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة إلى أن بنى المسجد والحجرة وداره اليوم أيضا بالمدينة مذكورة. استغنى عن الصفة ونزولها. شهد بدرا والعقبة، وهو من أهل العقبة لا من أهل الصفة. توفي بالقسطنطينية ودفن في أصل سورها.
• حدثنا فاروق الخطابي ثنا زياد بن الخليل ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا محمد ابن فليح ثنا موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري: في تسمية من شهد العقبة أبو أيوب خالد بن يزيد. فمن مسانيد حديثه.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا داود بن المحبر ثنا ميسرة بن عبد ربه عن موسى بن عبيدة عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: «إن الرجلين ليتوجهان إلى المسجد فيصليان فينصرف أحدهما وصلاته أوزن من أحد، وينصرف الآخر وما تعدل صلاته مثقال ذرة» . فقال أبو حميد الساعدي:
وكيف يكون ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا كان أحسنهما عقلا» قال وكيف يكون ذلك؟ قال: «إذا كان أورعهما عن محارم الله، وأحرصهما على المسارعة إلى الخير، وإن كان دونه فى التطوع» . هذا حديث غريب من حديث الزهري وحديث موسى بن عبيدة وتابع الزبيدي موسى بن عبيدة عليه ولم يذكر قول أبي حميد.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا أبو شعيب الحراني ثنا عاصم بن علي حدثني أبى عن عبد الله بن خثيم قال حدثنى قال حدثني عمي ابن جبير عن جده عن أبي أيوب قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني وأوجز. قال: «إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلمن بكلام تعتذر منه، وأجمع اليأس لما في أيدي الناس» . قال: الشيخ: غريب من حديث أبي أيوب لم يروه إلا عبد الله بن عثمان بن خثيم. وروى ابن عمر نحوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن حماد بن زغبة ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل قال سمعت عباد بن ناشرة يقول سمعت أبا رهم أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم فقال: «إن ربي خيرني بين سبعين ألفا يدخلون الجنة عفوا بغير حساب، وبين الحثية عنده» فقال رجل: يا رسول الله يحثي لك ربك؟ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إليهم وهو يكبر فقال: «إن ربي زادني يتبع كل ألف سبعون ألفا، والحثية عنده» قال أبو رهم: يا أبا أيوب وما تظن حثية الله؟ فأكله الناس بأفواههم، فقال أبو أيوب: دعوا صاحبكم أخبركم
عن حثية النبي صلى الله عليه وسلم كما أظن بل كالمستيقن، حثية النبي أن يقول:
رب من شهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك، ثم يصدق قلبه لسانه وجبت له الجنة». هذا حديث غريب تفرد به أبو قبيل عن عباد، حدث به الكبار عن سعيد بن أبي مريم مثل محمد بن سهل ابن عسكر وأشكاله.
خريم بن فاتك
وذكر خريم بن فاتك الأسدي من أهل الصفة، ونسبه إلى أحمد بن سليمان المروزي. وخريم شهد بدرا وهو الذي هتف به الهاتف حين جنه الليل بابرق العراق فقال:
ويحك عذ بالله ذي الجلال
…
والمجد والبقاء
(1)
والإفضال
واقرأ لآيات من الأنفال
…
ووحد الله ولا تبالي
فعمد إلى المدينة فقدمها، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على منبره قائما يخطب، فأسلم وشهد معه بدرا. ومما أسند.
• حدثنا عبد الله بن إبراهيم ثنا أبو برزة الفضل بن محمد الحاسب ثنا محمد ابن الصباح ثنا سلمة بن صالح عن أبي إسحاق عن شمر بن عطية عن خريم بن فاتك. قال: نظر إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أي رجل أنت لولا أن فيك خصلتين» قلت وما هما يا رسول الله، إن واحدة تكفي فما هما؟ قال:
«تسبيل إزارك، وتوفير شعرك» قال فرفع إزاره، وأخذ من شعره رواه قيس بن الربيع عن أبي إسحاق مثله.
خريم بن أوس
وذكر خريم بن أوس الطائي في أهل الصفة، ونسبه إلى أبي الحسن علي بن
(1)
فى ز: والنعماء والافضال.
عمر الدارقطنى. وخريم من المهاجرين
و: هو الذي - لما أن أخبر النبي أصحابه أن الحيرة رفعت له فرأى الشيماء بنت بقيلة معتجرة بخمار أسود على بغلة شهباء - قال: يا رسول الله إن نحن فتحناها فوجدناها على هذه الصفة هي لي؟ قال:
«هي لك» ! ثم سار مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة فقتلوا مسيلمة ثم سار معه نحو الطف حتى دخلوا الحيرة، فكان أول من لقيهم فيها بنت بقيلة على البغلة الشهباء كما نعتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعلق بها خريم وادعاها، فشهد له محمد بن مسلمة وعبد الله بن عمر فسلمها إليه خالد بن الوليد. فنزل إليها أخوها عبد المسيح فقال له بعنيها. فقال: لا أنقصها والله من عشر مائة، فدفع إليه ألفا. وقال: لو قلت مائة ألف لدفعتها إليك. فقال: ما كنت أحسب أن ما لا أكثر من عشر مائة.
• حدثنا أبو محمد بن حيان حدثني يحيى بن محمد ثنا أبو السكين زكريا بن يحيى حدثني عم أبى زحر بن حصن عن حده حميد بن منهب حدثني خريم بن أوس. قال: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت عليه منصرفه من تبوك، فأسلمت فقال له العباس: إني أريد أن أمتدحك فقال: «قل، لا يفضض الله فاك» .
خبيب بن يساف
وذكر خبيب بن يساف بن عتبة أبا عبد الرحمن في أهل الصفة، حكاه عن أبي عبد الله الحافظ النيسابوري، وحكى عن أبي بكر بن أبي داود أنه من أهل بدر.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون حدثنا المسلم بن سعيد الثقفي ثنا خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب عن أبيه عن جده. قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزوا، أنا ورجل من قومي ولم نسلم. فقلنا: إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم. فقال: «أسلمتما؟» قلنا لا! قال: «فإنا لا نستعين بالمشركين» قال فأسلمنا وشهدنا معه، فقتلت رجلا وضربني ضربة، فتزوجت
بابنته بعد ذلك. فكانت تقول: لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح.
فأقول: لا عدمت رجلا عجل أباك إلى النار. رواه أبو جعفر الرازى عن مسلم.
دكين بن سعيد
وذكر دكين بن سعيد المزني، وقيل الخثعمي من أهل الصفة سكن الكوفة، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في أربعمائة نفر يستطعمونه فأطعمهم وزودهم.
قال الشيخ رحمه الله: لا أعلم لاستيطانه الصفة ونزولها أثرا صحيحا.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا ثور بن موسى ثنا الحميدى ثنا سفيان ابن عيينة ثنا إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت قيس بن أبي حازم قال حدثني دكين بن سعيد. قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعمائة راكب نسأله الطعام. فقال: «يا عمر اذهب فأطعمهم وأعطهم» فقال يا رسول الله ما عندي إلا آصع تمر ما تقيظني وعيالي
(1)
فقال أبو بكر: اسمع وأطع. قال: عمر:
سمعا وطاعة. فانطلق عمر حتى أتى علية
(2)
فأخرج مفتاحا من حجزته ففتحها فقال للقوم: ادخلوا فدخلوا وكنت آخر القوم دخولا، فأخذت ثم نظرت فإذا مثل الفصيل
(3)
من التمر. هذا حديث صحيح رواه عن إسماعيل عدة، وهو أحد دلائل النبي صلى الله عليه وسلم.
-
عبد الله ذا البجادين
وذكر عبد الله ذا البجادين في أهل الصفة، حكاه عن علي بن المديني. تقدم ذكرنا له في جملة المهاجرين السابقين.
و: سمى ذا البجادين لأن عمه كان يلي عليه وهو في حجره بكرمه، فلما أسلم نزع منه كلما كان عليه فأبى إلا الإسلام، فأعطته أمه بجادا من شعر فشقه باثنتين فاتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:«ما اسمك؟» قال عبد العزى.
قال: «بل أنت عبد الله ذو البجادين» ومات في غزوة تبوك، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم قبره، ودفنه بيده.
(1)
ما تقيظنى أى لا تكفينى زمان القيظ وهو فصل الصيف.
(2)
علية بضم العين وكسرها الغرفة. ولفظ النهاية: فارتقى علية.
(3)
الفصيل: أراد به الكوم الكبير.
رفاعة أبو لبابة
وذكر رفاعة أبا لبابة الأنصاري وقيل اسمه بشير بن عبد المنذر من بني عمرو بن عوف في أهل الصفة، نسبه إلى أبي عبد الله الحافظ النيسابوري.
كان رفاعة بدريا بسهمه.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيلى عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبي لبابة بن عبد المنذر. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله من يوم الأضحى ومن يوم الفطر، فيه خمس خصال؛ خلق الله فيه آدم؛ وفيه أهبط إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه ما لم يسأل حراما. وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبال ولا رياح ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة أن تقوم الساعة» .
أبو رزين
وذكر أبا رزين في أهل الصفة، واستشهد بحديث
رواه عمرو بن بكر السكسكى عن محمد بن بزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن النبى صلى عليه وسلم: أنه قال لرجل من أهل الصفة يكنى أبا رزين: «يا أبا رزين إذا خلوت فحرك لسانك بذكر الله، فإنك لا تزال في صلاة ما ذكرت ربك، إن كنت في علانية فصلاة العلانية، وإن كنت خاليا فصلاة الخلوة: يا أبا رزين إذا كابد الناس قيام الليل وصيام النهار فكابد أنت النصيحة للمسلمين، يا أبا رزين إذا أقبل الناس على الجهاد في سبيل الله فأحببت أن يكون لك مثل أجورهم فالزم المسجد تؤذن فيه لا تأخذ على أذانك أجرا» .
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا عبد الملك بن محمد بن عدي ثنا عباس بن الوليد أخبرني أبي ثنا عثمان بن عطاء عن أبيه عن الحسن بن أبي رزين: أنه قال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا أدلك على ملاك هذا الأمر الذي تصيب به خير الدنيا والآخرة؟ عليك بمجالس أهل الذكر، وإذا خلوت فحرك لسانك ما استطعت بذكر الله، وأحب فى الله وأبغض في الله. هل شعرت يا أبا رزين أن الرجل إذا خرج من بيته زائرا أخاه شيعه سبعون ألف ملك كلهم يصلون عليه؛ ربنا إنه وصل فيك فصله. فإن استطعت أن تعمل بدنك في ذلك فافعل» وروى علي بن هاشم عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن أبي رزين من دون الحسن نحوه.
زيد بن الخطاب
وذكر زيد بن الخطاب في أهل الصفة، من قول أبي عبد الله الحافظ.
وزيد قتل شهيدا يوم مسيلمة، وشهد بدرا يكنى أبا عبد الرحمن.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عبد العزيز ثنا إبراهيم بن حمزة ثنا عبد العزيز ابن محمد بن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. قال: قال عمر لأخيه زيد يوم أحد: خذ درعي. قال: إني أريد من الشهادة مثل ما تريد، فتركاها جميعا.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر. قال: رآني أبو لبابة - أو زيد بن الخطاب - وأنا أطارد حية لأقتلها، فنهاني وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل ذوات البيوت. رواه إبراهيم بن سعد وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وزمعة بن صالح عن الزهري عن أبي لبابة وزيد بلا شك.
-
سلمان الفارسى أبا عبد الله
وذكر سلمان الفارسي أبا عبد الله في أهل الصفة، وقد تقدم ذكرنا لبعض أحواله، وأنه كان أحد النجباء، والسباق من الغرباء.
• حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا محمد بن حبان ثنا عمر بن الحصين ثنا عبد العزيز بن مسلم عن الأعمش عن أبي وائل عن سلمان. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رجف قلب المؤمن في سبيل الله تحاتت خطاياه كما تحات عذق النخلة».
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا محمد بن عبد الرحيم بن
شبيب ثنا إسحاق الطائي الكوفي ثنا عمرو بن خالد الكوفي ثنا أبو هاشم الرماني عن زاذان أبي عمر الكندي عن سلمان: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا شفيع لكل رجلين اتخيا في الله من مبعثي إلى يوم القيامة» .
-
سعد بن أبي وقاص
وذكر سعد بن أبي وقاص في أهل الصفة، مستدلا بقوله: فينا نزلت {(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي)} الآية
• وقد تقدم ذكرنا له في السابقين المهاجرين، يكنى أبا إسحاق توفي بالمدينة بالعقيق.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة وهشام وحماد بن سلمة كلهم عن عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد عن أبيه.
قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، حتى يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان صلب الدين اشتد بلاؤه، وان كان فى دينه رقة ابتلي على قدر ذلك - أو حسب ذلك - فما يبرح البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» .
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا محمد بن عمر الواقدي ثنا بكير بن مسمار عن عامر ابن سعد سمعه يخبر عن أبيه سعد. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يحب العبد التقي الغني الحفى» .
-
سعيد بن عامر بن جذيم الجمحى
وذكر سعيد بن عامر بن جذيم الجمحي في أهل الصفة، حكاه عن الواقدي وأنه لا يعلم له دار بالمدينة. تقدم ذكرنا لحاله وتجرده عن الدنيا، وإيثاره الفقر في جملة المهاجرين.
سفينة أبو عبد الرحمن
وذكر سفينة أبا عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل الصفة، حكاه عن يحيى بن سعيد القطان أعتقته أم سلمة على أن يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاش، فخدمه عشر سنين. وكان بهم خليطا ولهم أليفا.
• حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو ثنا أبو حصين
(1)
ثنا يحيى الحمانى ثنا
(1)
فى ح: أبو حعبه (كذا) ولم نقف عليه.
عبد الوارث بن سعيد عن سعيد بن جمهان عن سفينة. قال: اشترتني أم سلمة وأعتقتني واشترطت علي أن أخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عشت. فقلت:
أنا ما أحب أن أفارق النبي صلى الله عليه وسلم ما عشت.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عمر بن حفص السدوسي ثنا عاصم بن علي ثنا حشرج بن نباتة ثنا سعيد بن جمهان قال: سألت سفينة عن اسمه. فقال: إني مخبرك باسمي، سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة، قلت لم سماك سفينة؟ قال خرج ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم فقال:«ابسط كساءك» فبسطته فجعل فيه متاعهم ثم حمله علي فقال: «احمل ما أنت إلا سفينة» قال فلو حملت يومئذ وقر بعير، أو بعيرين أو خمسة، أو ستة، ما ثقل علي.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن أبي العزائم ثنا أبو عمرو بن أبي غرزة ثنا عبيد الله بن موسى عن أسامة بن زيد عن محمد ابن المنكدر عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: ركبت سفينة في البحر فانكسرت، فركبت لوحا منها فطرحني في أجمة فيها أسد.
قال فقلت: يا أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فطأطأ رأسه وجعل يدفعني بجنبه - أو بكتفه - حتى وضعني على الطريق، فلما وضعني على الطريق همهم. فظننت أنه يودعني.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا إسماعيل عن عبد الله ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا حماد بن سلمة ثنا سعيد بن جمهان عن سفينة: أن عليا أضاف رجلا فصنع طعاما، فقالت فاطمة لعلي: سل النبي ما رده؟ فسأله فقال: «ليس لي ولا لنبي أن يدخل بيتا مزوقا»
(1)
.
سعد بن مالك
وذكر سعد بن مالك أبا سعيد الخدري في أهل الصفة. وقال: قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، وحاله قريب من حال أهل الصفة، وإن كان أنصارى
(1)
كذا فى الأصل وفيه سقط 15،1،14 - والحديث فى سنن أبى داود هكذا:(ان رجلا ضاف عليا فصنع له طعاما فقالت فاطمة: لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فجاء فرفع يديه على عضادتى الباب فرأى القرام قد ضرب فى ناحية البيت فرجع فقال ليس لى أو ليس لنبى أن يدخل إلخ. وفى النهاية: (ليس لى ولنبى أن ندخل بيتا مزوقا) أى مزيتا.
الدار لإيثاره التصبر، واختياره للفقر والتعفف.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي سعيد الخدري:
أن أهله شكوا إليه الحاجة، فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأل لهم شيئا فوافقه على المنبر وهو يقول:«أيها الناس قد آن لكم أن تستعفوا من المسألة، فانه من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، والذي نفس محمد بيده ما رزق عبد من رزق أوسع من الصبر، وإن أبيتم إلا تسألوني لأعطيتكم ما وجدت» رواه عطاء بن يسار عن أبي سعيد نحوه.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا المقدام بن داود ثنا خالد بن نزار ثنا هشام بن سعد عن زبد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من يصبر يصبره الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يسألنا نعطه، وما أعطي عبد رزقا أوسع له من الصبر» .
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا المقدام بن داود ثنا خالد بن نزار ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، قال قلت:
يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ فقال «النبيون» فقلت ثم أي؟ قال:
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا أبو عبد الرحمن المقرى ثنا حيوة عن سالم بن غيلان أنه سمع أبا السمح يحدث عن أبي الهيثم عن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله إذا رضى عن العبد أثنى عليه سبعة أضعاف من الخير لم يعمله، وإذا سخط على العبد أثنى عليه سبعة أضعاف من الشر لم يعمله» .
-
سالم مولى أبي حذيفة
وذكر سالما مولى أبي حذيفة في أهل الصفة، وقد تقدم ذكرنا له، كان ممن استشهد باليمامة. أخذ اللواء بيمينه فقطعت، ثم تناوله بشماله فقطعت، ثم اعتنق اللواء وجعل يقرأ {(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل
أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)} إلى أن قتل.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا صفوان بن صالح ومحمد بن مصفى ثنا الوليد ثنا حنظلة بن أبي سفيان عن عبد الرحمن بن سابط عن عائشة. قالت: استبطأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فلما جئت قال لي:«أين كنت؟» قلت يا رسول الله سمعت قراءة رجل في المسجد ما سمعت مثله قط، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته، فقال لي «ما تدرين من هذا؟» قلت لا، قال:«هذا سالم مولى أبي حذيفة» ثم قال: «الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا» رواه ابن المبارك عن حنظلة.
سالم بن عبيد الأشجعي
وذكر سالم بن عبيد الأشجعي سكن الصفة، ثم انتقل إلى الكوفة ونزلها.
• حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا الحسن بن الطيب ثنا وهب بن بقية ثنا اسحاق ابن يوسف ثنا سلمة بن نبيط. وعن نعيم بن أبي هند عن نبيط بن شريط عن سالم بن عبيد - وكان من أهل الصفة -: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد مرضه أغمي عليه، فلما أفاق قال:«مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس» قال ثم أغمي عليه. فقالت عائشة: إن أبى رجل أسيف فلو أمرت غيره [قال]: «إنكن صواحبات يوسف مروا بلالا ومروا أبا بكر يصلي بالناس» .
سالم بن عمير
وذكر سالم بن عمير في أهل الصفة، من قبل أبي عبد الله، شهد بدرا، من الأوس من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف، كان أحد التوابين، فيه وفي أصحابه نزلت {(تولوا وأعينهم تفيض من الدمع)} .
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا بكر بن سهل ثنا عبد الغني بن سعيد ثنا موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. وعن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس: {(ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد}
{ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع)} قال: هو سالم بن عمير أحد بني عمرو بن عمرو بن ثعلبة بن زيد في آخرين.
السائب بن خلاد
وذكر السائب بن خلاد في أهل الصفة، من قبل أبي عبد الله الحافظ.
• حدثنا علي بن هارون ثنا جعفر الفريابي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا اسماعيل ابن جعفر عن يزيد بن حصيفة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن عطاء بن يسار أخبره أن السائب بن خلاد - أخا أبى الحارث ابن الخزرج - أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أخاف أهل المدينة ظالما لهم أخافه الله، وكانت عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» .
شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذكر: شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل الصفة، وقال قاله جعفر بن محمد الصادق.
• حدثنا عمر بن محمد الزيات ثنا عبد الله بن عمر المنيعي ثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا مسلم بن خالد الزنجي عن عمر بن يحيى المازني عن أبيه عن شقران. قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حمار متوجها إلى خيبر.
شداد بن أسيد
وذكر شداد بن أسيد في أهل الصفة،
حكاه عمرو بن قيظي بن عامر بن شداد عن أبيه عن جده: أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسكنه الصفة.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا معاذ بن المثنى ثنا علي بن المدينى ثنا زيد ابن الحباب ثنا عمرو بن قيظي بن عامر بن شداد بن أسيد السلمي المدني قال
حدثني أبي عن جده شداد: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه على الهجرة فاشتكى فقال: «مالك يا شداد؟» : قال قلت اشتكيت يا رسول الله، ولو شربت من ماء بطحان مرات. قال:«فما يمنعك؟» قال هجرتي، قال:
«فاذهب فأنت مهاجر حيث ما كنت» .
-
صهيب بن سنان
وذكر صهيب بن سنان في أهل الصفة، وقال قاله أبو هريرة، تقدم ذكرنا له في جملة السابقين الأولين.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ثنا عمرو بن الحصين ثنا الفضل بن سليمان ثنا سليمان ثنا موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن عبد الرحمن بن معيث عن كعب الأحبار قال حدثني صهيب. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: «اللهم لست بإله استحدثناه، ولا برب ابتدعناه، ولا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه وندعك، ولا أعانك على خلقنا أحد فنشركه فيك، تباركت وتعاليت» قال كعب: وهكذا كان نبي الله داود يدعو به.
صفوان بن بيضاء
وذكر صفوان بن بيضاء في أهل الصفة، حكاه عن أبي عبد الله الحافظ.
وهو أحد بني فهر شهد بدرا
بعثه النبي صلى الله عليه وسلم فى سرية عن عبد الله ابن جحش، فنزلت فيهم {(إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله)} .
طخفة بن قيس
وذكر طخفة بن قيس الغفاري في أهل الصفة، سكن المدينة ومات في الصفة.
• حدثنا فاروق الخطابي وحبيب بن الحسن. قالا: ثنا أبو مسلم ثنا حجاج ابن نصير ثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أنس بن طخفة بن قيس الغفاري عن أبيه - وكان من أصحاب الصفة - قال: أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم أصحابه فجعل الرجل يذهب بالرجل، والرجل يذهب بالرجلين حتى بقيت في خامس خمسة. قال: فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«انطلقوا» فانطلقنا معه إلى عائشة. فقال: «يا عائشة أطعمينا، اسقينا» فجاءت بحشيشة
(1)
قال فأكلنا، ثم جاءت بحيسة مثل القطاة فأكلنا، ثم قال:
«يا عائشة اسقينا» فجاءت بقدح صغير من لبن فشربنا. ثم قال: «إن شئتم بتم، وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد» قال قلنا ننطلق إلى المسجد. قال: فبينا أنا مضطجع في المسجد على بطني إذا رجل يحركني برجله، فقال:«إن هذه ضجعة يبغضها الله» قال فنظرت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه عبد الوهاب الثقفي وابن علية وخالد بن الحارث عن هشام مثله. ورواه شيبان والأوزاغى عن يحيى بن أبى كثير مثله.
طلحة بن عمرو
وذكر طلحة بن عمرو البصري نزل الصفة، وسكن البصرة.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا ابن نمير ثنا حفص بن غياث، وحدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا وهب ابن بقية ثنا خالد بن عبد الله. قالا: عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبى الأسود الدئلى عن طلحة بن عمرو. قال: كان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم إن كان له عريف بالمدينة نزل عليه، فإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة. قال: فكنت فيمن نزل الصفة. فرافقت رجلا فكان يجري علينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم مد من تمر بين رجلين، فسلم ذات يوم من الصلاة فناداه رجل منا فقال: يا رسول الله قد أحرق التمر بطوننا، وتخرقت عنا الخنف
(2)
- والخنف برود شبه اليمانية - قال فمال النبى
(1)
الجشيشة: (بالجيم) هى أن تطحن الحنطة طحنا جليلا ثم تجعل فى القدر ويلقى عليها لحم أو تمر.
(2)
الخنف ككتب جمع خنيف نوع غليظ من أردأ الكتان تعمل منه ثياب حكاه فى النهاية تفسيرا لهذا الأثر.
صلى الله عليه وسلم إلى منبره فصعده، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر ما لقي من قومه. فقال:«لقد مكثت أنا وصاحبي بضعة عشر ليلة ما لنا طعام إلا البرير - والبرير ثمر الأراك - قال فقدمنا على إخواننا من الأنصار وعظم طعامهم التمرة، فواسانا فيه. فو الله لو أجد لكم الخبز واللحم لأطعمتكم، ولكن لعلكم تدركون زمانا - أو من أدركه منكم - تلبسون فيه مثل أستار الكعبة ويغدى ويراح عليكم بالجفان» السياق لوهب بن بقية.
الطفاوي الدوسي
وذكر الطفاوي الدوسي في أهل الصفة، قال وقاله أبو نضرة.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا هدبة ثنا حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي نضرة عن الطفاوي. قال: قدمت المدينة فثويت عند أبي هريرة شهرا، فأخذتني الحمى فوعكت، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فقال:«أين الغلام الدوسي؟» فقيل هو ذاك موعوك في ناحية المسجد. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال معروفا
(1)
.
وذكر عبد الله بن مسعود
في أهل الصفة، وقال قاله يحيى بن معين. وقد تقدم ذكرنا لأحواله وبعض أقواله في طبقة السابقين من المهاجرين، وكان سيد من يقول بالاختيار والخصوص، مع متابعته للآثار والنصوص. وكان من المحفوظين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد علم المحفوظون من أصحابه أن ابن أم عبد من أقربهم وسيلة إلى الله.
• حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله. قال: إن الله نظر في قلوب العباد فاختار محمدا صلى الله عليه وسلم فبعثه إلى خلقه، فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس بعده فاختار الله له أصحابا فجعلهم أنصار دينه، ووزراء نبيه صلى الله عليه وسلم. فما رآه المؤمنون حسنا فهو حسن، وما رآه المؤمنون
(1)
كذا فى الأصل وفى ترتيب أحاديث الحلية للهيتمى (معروف).
قبيحا فهو عند الله قبيح.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ثنا سليمان بن داود الشاذكوني ثنا الربيع بن زيد عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الناس رجلان عالم ومتعلم ولا خير فيما سواهما» .
• حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة قال حدثني محمد بن جعفر الرافقي حدثني محمد بن هارون بن بكار الدمشقي ثنا محمد بن سليمان التستري قال سمعت ابن السماك يقول أخبرني الأعمش عن أبي وائل شقيق عن عبد الله بن مسعود. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما من عبد يخطو خطوة إلا سئل عنها ما أراد بها» .
• حدثنا محمد بن حميد ثنا عبد الله بن صالح البخاري ثنا الحسن بن علي الحلواني ثنا عون بن عمارة ثنا بشر مولى هاشم عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود. قال:
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل راكب حتى أناخ بالنبي.
فقال: يا رسول الله إني أتيتك من مسيرة تسع، أنضيت راحلتي، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، لأسألك عن خصلتين أسهرتاني؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«ما اسمك؟» فقال أنا زيد الخيل. فقال: «بل أنت زيد الخير، فاسئل فرب معضلة قد سئل عنها» قال أسألك عن علامة الله فيمن يريد، وعن علامته فيمن لا يريد؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«كيف أصبحت؟» قال أصبحت أحب الخير وأهله ومن يعمل به، فإن عملت به أيقنت بثوابه، وإن فاتني منه شيء حننت إليه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
أبو هريرة
وذكر عبد شمس، وقيل عبد الرحمن بن صخر أبا هريرة الدوسي، وهو أشهر من سكن الصفة واستوطنها طول عمر النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينتقل عنها، وكان عريف من سكن الصفة من القاطنين، ومن نزلها من الطارقين.
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع أهل الصفة لطعام حضره تقدم إلى أبي هريرة ليدعوهم ويجمعهم لمعرفته بهم وبمنازلهم ومراتبهم. كان أحد أعلام الفقراء والمساكين، صبر على الفقر الشديد حتى أفضى به إلى الظل المديد. أعرض عن غرس الأشجار، وجري الأنهار، وعن مخالطة الأغنياء والتجار. فارق المنقطع المحدود، منتظرا للمنتفع به من تحف المعبود. زهد في لبس اللين والحرير، فعوض من حكم الفطن الخبير.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا عمر بن ذر ثنا مجاهد أن أبا هريرة كان يقول: والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد على كبدي من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمر بي أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل. ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله تعالى، ما سألته إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وتبسم وعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال:«يا أبا هر» قلت لبيك يا رسول الله! قال: «الحق» ثم مضى واتبعته. فدخل واستأذنت وأذن لي، فدخلت فوجد لبنا في قدح فقال:
«من أين هذا اللبن؟» فقالوا أهداه لك فلان - أو فلانة - فقال: «يا أبا هر» فقلت لبيك يا رسول الله! قال: «الحق أهل الصفة فادعهم» قال وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يلون على أحد ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها.
• حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة ثنا محمد بن يحيى بن منده ثنا محمد ابن العلاء ثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة. قال: كنت في سبعين رجلا من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء، إما بردة، أو كساء، قد ربطوها في أعناقهم.
• حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الدويرى ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال سمعت أبي يقول ثنا أبو حمزة عن جابر عن عامر عن أبي هريرة. قال: كنت
من أصحاب الصفة، فظللت صائما فأمسيت وأنا أشتكي بطني، فانطلقت لأقضي حاجتي فجئت وقد أكل الطعام، وكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام إلى أهل الصفة، فقلت إلى من؟ فقال إلى عمر بن الخطاب
(1)
فأتيته وهو يسبح بعد الصلاة فانتظرته فلما انصرف دنوت منه فقلت: أقرئني. وما أريد إلا الطعام قال فأقرأني آيات من سورة آل عمران، فلما بلغ أهله دخل وتركني على الباب فأبطأ، فقلت ينزع ثيابه ثم يأمر لي بطعام، فلم أر شيئا. فلما طال علي قمت فمشيت فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«يا أبا هريرة إن خلوف فمك الليلة لشديد» فقلت أجل يا رسول الله لقد ظللت صائما وما أفطرت بعد وما أجد ما أفطر عليه. قال: «فانطلق» فانطلقت معه حتى أتى بيته فدعا جارية له سوداء فقال: «آتينا بتلك القصعة» قال فأتتنا بقصعة فيها وضر من طعام - أراه شعيرا - قد أكل وبقي في جوانبها بعضه - وهو يسير - فسميت وجعلت أتتبعه، فأكلت حتى شبعت.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو العباس أحمد بن محمد الخزاعي ثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبو هلال ثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة. قال: لقد رأيتنى أصرع بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها، فيقول الناس: إنه مجنون وما بي جنون، ما بي إلا الجوع. رواه يحيى بن حسان عن أبي
(2)
مثله، ورواه وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين. ورواه المقبري وأبو حازم وغيرهما عن أبي هريرة.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو زرعة الدمشقي ثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري حدثني سعيد وأبو سلمة أن أبا هريرة قال: إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث أبي هريرة، وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان يشغل إخواني من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة ألزم النبي صلى الله عليه وسلم على ملء بطنى، فأحضر
(1)
كذا فى الأصل وفى العبارة نقص.
(2)
كذا فى الأصل ولعله عن أبى هريرة مثله.
حين يغيبون، وأعي حين ينسون.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا روح ثنا هشام عن محمد بن سيرين. قال: كنا عند أبى هريرة وعليه ثوبان ممشقان، فتمخط فيهما وقال: بخ بخ أبو هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتني بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة أخر مغشيا على فيجئ الجائي فيقعد على صدري، فأقول إنه ليس بي ذاك، إنما هو الجوع.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا إبراهيم بن حمزة ثنا عبد العزيز بن محمد عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة: قال: إن الناس يقولون يكثر أبو هريرة، وإني كنت والله ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشبع بطني، حتى لا آكل الخمير، ولا ألبس الحرير ولا يخدمني فلان وفلانة، وكنت ألصق بطنى بالحصا من الجوع، وأستقرى الرجل آية من كتاب الله هي معي كي ينقلب بي فيطعمني.
• حدثنا أبو أحمد ابن أحمد ثنا أبو بكر بن خزيمة ثنا حوثرة بن محمد ثنا أبو أسامة ثنا إسماعيل عن قيس عن أبي هريرة. قال: لما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم قلت فى الطريق:
يا ليلة من طولها وعنائها
…
على أنها من دارة الكفر نجت
قال وأبق لي غلام في الطريق، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته، فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال:«يا أبا هريرة هذا غلامك» فقلت هو حر لوجه الله، فأعتقته.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا عفان بن مسلم ثنا سليم بن حيان قال سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة قال: نشأت يتيما. وهاجرت مسكينا، وكنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي. أحدو بهم إذا ركبوا، وأحتطب إذا نزلوا، فالحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة إماما.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن أبي يونس عن أبي هريرة:
أنه صلى بالناس يوما، فلما سلم رفع صوته فقال: الحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة إماما، بعد أن كان أجيرا لابنة غزان على شبع بطنه
وحمولة رجله.
• حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا يعقوب الدورقي ثنا اسماعيل بن علية عن الجريري عن مضارب بن حزن. قال: بينا أنا أسير من الليل إذا رجل يكبر، فألحقته بعيرى قلت من هذا المكبر؟ فقال: أبو هر. فقلت ما هذا التكبير؟ قال: شكر. قلت: على مه؟ قال على أن كنت أجيرا لبرة بنت غزوان بعقبة رجلي، وطعام بطني. وكان القوم إذا ركبوا سقت بهم، وإذا نزلوا خدمتهم. فزوجنيها الله فهي امرأتي، وأنا إذا ركب القوم ركبت، وإذا نزلوا خدمت.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن بشر ثنا مسعر عن عثمان بن مسلم. قال: كان لنا مولى يلزم أبا هريرة، فكان إذا سلم عليه قال؟ سلام عليك ورحمة الله دمت وشيكا، وأكثر الله لمن أبغضك من المال.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب.
وثنا أبو محمد بن حيان ثنا الفريابي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حماد بن زيد عن أيوب. قالا: عن محمد بن سيرين: أن أبا هريرة كان يقول لابنته: لا تلبسي الذهب، فإني أخشى عليك اللهب. رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي عن ابن سيرين عن أبي هريرة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان بن عيينة قال سمعت ابن طاوس يقول سمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة يقول لابنته: قولى أبى أبى أن يحليني الذهب، يخشى علي حر اللهب.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا حجاج ثنا شعبة عن سماك بن حرب عن أبي الربيع عن أبي هريرة أنه. قال:
هذه الكناسة مهلكة دنياكم، وآخرتكم.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن إسحاق شاذان ثنا أبي ثنا سعيد بن الصامت ثنا يحيى بن العلياء عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه دعاه ليستعمله فأبى أن يعمل له فقال: أنكره العمل وقد طلبه من كان خيرا منك؟ قال من؟ قال يوسف بن يعقوب عليهما السلام. فقال أبو هريرة يوسف نبي الله ابن نبي الله، وأنا أبو هريرة بن أمية، فأخشى ثلاثا واثنتين.
فقال عمر: أفلا قلت حمسا؟ قال: أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حكم وأن يضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو زرعة ثنا أبو اليمان ثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري حدثني سعيد وأبو سلمة أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث تحدثه يوما: «لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول» فبسطت نمرة على حتى إذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها [إلى] صدري. فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء
• رواه مالك بن عيينة عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة مثله.
• حدثنا محمد ثنا الحسين بن محمد بن مودود ثنا محمد بن المثنى ثنا أبو بكر الحنفي ثنا عبد الله بن أبي يحيى قال سمعت سعيد بن أبي هند عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: «ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟» فقلت أسألك أن تعلمني مما علمك الله. قال: فنزعت نمرة على ظهري فبسطتها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى القمل يدب عليها، فحدثني حتى إذا استوعبت حديثه قال «اجمعها فصرها إليك» فأصبحت لا أسقط حرفا مما حدثني.
• حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا كثير ابن هشام ثنا جعفر بن برقان قال سمعت يزيد بن الأصم يقول سمعت أبا هريرة يقول: يقولون أكثرت يا أبا هريرة، والذي نفسي بيده لو حدثتكم بكل ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لرميتموتى بالقشع ثم ما ناظرتموني.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا عمر ابن عبد الله الروعي حدثني أبي عن أبي هريرة. قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة جرب، فأخرجت منها جرابين، ولو أخرجت الثالث لرجمتموني بالحجارة.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا هدبة بن خالد ثنا همام ثنا قتادة عن أنس عن أبي هريرة قال: ألا أدلكم على غنيمة باردة؟ قالوا ماذا يا أبا هريرة؟ قال: الصوم في الشتاء.
• حدثنا عبد الله
ابن محمد بن جعفر ثنا محمد بن علي رسته
(1)
ثنا محمد بن عبيد بن حساب ثنا حماد بن زيد ثنا عباس بن فروخ قال سمعت أبا عثمان النهدي يقول: تضيفت أبا هريرة سبع ليال، فقلت له كيف تصوم - أو كيف صيامك - يا أبا هريرة؟ قال أما أنا فأصوم أول الشهر ثلاثا، فان حدث لي حدث كان لي أجر شهري.
• حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا عبد الأعلى بن حماد ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي عثمان النهدي: أن أبا هريرة كان في سفر، فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه وهو يصلي، فقال إني صائم. فلما كادوا يفرغون جاء فجعل يأكل الطعام، فنظر القوم إلى رسولهم فقال ما تنظرون؟ قد والله أخبرني أنه صائم، فقال أبو هريرة: صدق، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«صوم شهر رمضان: وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، صوم الدهر» وقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر فأنا مفطر في تخفيف الله، صائم في تضعيف الله.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا إسماعيل عن أبي المتوكل عن أبي هريرة: أنه كان وأصحابه كانوا إذا صاموا قعدوا في المسجد وقالوا: نطهر صيامنا.
• حدثنا حبيب بن الحسن ثنا أبو مسلم الكشنى ثنا أبو عاصم عن ابن أبي ذئب عن عثمان بن نجيح عن سعيد بن المسيب. قال: رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق ثم يأتي أهله فيقول: هل عندكم من شيء؟ فإن قالوا لا، قال:
فإني صائم.
• حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو عبيدة الحداد ثنا عثمان الشحام أبو سلمة ثنا فرقد السبخي.
قال: كان أبو هريرة يطوف بالبيت وهو يقول: ويل لي من بطني إذا أشبعته كظني وإن أجعته سبني.
• حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا محمد بن عبد الله رستة ثنا محمد ابن عبيد بن حساب ثنا حماد بن زيد ثنا عباس بن فروخ قال سمعت أبا عثمان
(1)
كذا فى الأصل محمد بن على، وسيأتى فى آخر الصفحة محمد بن عبد الله وفى الانساب (أبو حامد أحمد بن على بن رستة وعبد الرحمن بن عمر الزهرى يلقب برستة وذكر هذا أيضا فى القاموس)
النهدي يقول: تضيفت أبا هريرة سبع ليال، فكان هو وخادمه وامرأته يعتقبون الليل أثلاثا.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي وإبراهيم بن زياد. قالا: ثنا إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة. قال: قال أبو هريرة: إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم اثني عشر ألف مرة، وذلك على قدر ديني - أو قدر دينه -.
• حدثنا أحمد بن جعفر ابن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا الحسن بن الصباح ثنا زيد بن الحباب عن عبد الواحد بن موسى قال أخبرني نعيم بن المحرر بن أبي هريرة عن جده أبي هريرة: أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة، فلا ينام حتى يسبح به.
• حدثنا أحمد بن بندار ثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ثنا عباس النرسي ثنا عبد الوهاب بن الورد ثنا سالم بن بشر بن جحل
(1)
: أن أبا هريرة بكى في مرضه، فقيل له ما يبكيك؟ فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي على بعد سفري، وقلة زادي، وأني أصبحت في صعود مهبط على جنة ونار، لا أدري أيهما يؤخذ بي.
• حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الفرج بن فضالة عن أبي سعيد عن أبي هريرة. قال: إذا زوقتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم.
• حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا عبد الرزاق عن معمر قال بلغني عن أبي هريرة: أنه كان إذا مر بجنازة قال: روحى فانا غادون، أو اغدي فإنا رائحون، موعظة بليغة، وغفلة سريعة. يذهب الأول ويبقى الآخر، لا عقل.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبو بكر ليث بن خالد البلخي ثنا عبد المؤمن بن عبد الله السدوسي قال سمعت أبا يزيد المديني يقول: قام أبو هريرة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة - دون مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتبة - فقال: الحمد لله الذي أهدى أبا هريرة للإسلام، الحمد لله الذي علم أبا هريرة القرآن، الحمد لله الذى من على أبو هريرة بمحمد صلى الله عليه وسلم،
(1)
فى الأصل سالم بن بشير بن جحل، وفى القاموس سالم بن بشر بن جحل تابعى وفى هامشه عن الشرح وصوابه مسلم بن بشر.
الحمد لله الذي أطعمني الخمير، وألبسني الحرير، الحمد لله الذى زوجنى بنت غزوان بعد ما كنت أجيرا لها بطعام بطني، فأرحلتني فأرحلتها كما أرحلتنى. ثم قال:
ويل للعرب من شر قد اقترب، ويل لهم من إمارة الصبيان يحكمون فيهم بالهوى ويقتلون بالغضب، أبشروا يا بني فروخ
(1)
؛ والذي نفسي بيده لو أن الدين معلق بالثريا لناله منكم أقوام.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا علي بن ثابت عن أسامة بن زيد عن أبي زياد مولى ابن عباس عن أبي هريرة. قال: كانت لي خمس عشرة تمرة، فأفطرت على خمس وتسحرت بخمس وبقيت خمسا لفطري.
• حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا إسماعيل - يعني العبدي - عن أبي المتوكل:
أن أبا هريرة كانت له زنجية قد غمتهم بعملها، فرفع عليها السوط يوما فقال:
لولا القصاص لأغشيك به، ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك، اذهبي فأنت لله.
• حدثنا عبد الرحمن بن العباس ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا عبيد الله ابن عمر ثنا حماد ثنا أيوب عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة: أن أبا هريرة مرض فدخلت عليه أعوده، فقلت اللهم اشف أبا هريرة، فقال: اللهم لا ترجعها قال: يا سلمة يوشك أن يأتي على الناس زمان يكون الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر.
• حدثنا عبد الله بن العباس
(2)
ثنا إبراهيم الحربي ثنا محمد بن منصور ثنا الحسن بن موسى ثنا حاتم بن راشد عن عطاء. قال: قال أبو هريرة إذا رأيتم ستا فإن كانت نفس أحدكم في يده فليرسلها، فلذلك أتمنى الموت أخاف أن تدركني، إذا أمرت السفهاء، وبيع الحكم، وتهون بالدم، وقطعت الأرحام. وقطعت الجلاوزة، ونشأ نشء
(3)
يتخذون القرآن مزامبر.
• حدثنا أبي ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أحمد بن سعيد ثنا ابن وهب حدثنى عمرو ابن الحارث عن يزيد بن زياد القرظي أن ثعلبة بن أبي مالك القرظي حدثه: أن
(1)
بنى فروخ: هم العجم حكاه فى النهاية عن الأزهرى فى تفسير هذا الأثر.
(2)
تقدم فى الاثر الذى قبله عبد الرحمن بن العباس وهنا سماه عبد الله وهو من شيوخ المؤلف لم تقف عليه.
(3)
فى الأصل (وساسوا) كذا مهملة والتصحيح عن النهاية.
أبا هريرة أقبل في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة لمروان - فقال: أوسع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك، فقلت له يكفي هذا. فقال أوسع الطريق للأمير والحزمة عليه.
• حدثنا أبي ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أحمد بن سعيد ثنا ابن وهب حدثني إبراهيم بن نشيط عن بني الأسود
(1)
قال: بنى رجل دارا بالمدينة، فلما فرغ منها مر أبو هريرة عليها وهو واقف على باب داره فقال: قف يا أبا هريرة، ما أكتب على باب داري؟ قال وأعرابي قائم. قال: أبو هريرة: اكتب على بابها، ابن للخراب، ولد للشكل، واجمع للوارث. فقال الأعرابي: بئس ما قلت يا شيخ، فقال صاحب الدار: ويحك هذا أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وبعد فقد تم بعونه تعالى طبع المجلد الأول من كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للحافظ أبى نعيم الأصبهانى. ويتلوه إن شاء الله المجلد الثانى وأوله ترجمة عبد الله بن عبد الأسد أبى سلمة المخزومى
(1)
كذا فى أصل الأزهرية. ولعله: أبى الأسود وفى الطبقة كثيرون ممن يعرف بذلك وليحرر.
(تنبيه) وقع فى صفحة 384 سطر 20 (جملة) نشأ نشئ والصحة:
ونشا نشء. وسنستدرك فى آخر الكتاب ما نعثر عليه من الخطأ فى جدول مخصوص.