المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الباب الحادي عشر باب إيما الصحابة بالغيب كيف كان الصحابة رضي - حياة الصحابة - جـ ٤

[محمد يوسف الكاندهلوي]

فهرس الكتاب

الباب الحادي عشر باب إيما الصحابة بالغيب

كيف كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يؤمنون بالغيب، ويتركون اللذائذ الفانية، والمشاهدات الإنسانية، والمحسوسات الوقتية، والتجربات الماديَّة بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم فكأنهم كانوا يعاينون المغيَّبات، ويكذَّبون المشاهدات

ص: 5

عظمة الإِيمان

تبشيره عليه السلام من شهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بالجنة

أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا قعوداً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنها في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا، فأبطأ علينا، وخشينا أن يُقْتَطع دوننا، ففزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار، فدرت (به) هل أجد له باباً؟ فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئرٍ خارجةٍ فاحتفزت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أبو هريرة» ؟ فقلت: نعم يا رسول الله، قال:«ما شأنك» ؟ قلت: كنتَ بين أظهرنا، فقمتَ فأبطأت علينا فخشينا أن تُقتطع دوننا ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت وهؤلاء الناس ورائي، فقال:«يا أبا هريرة - وأعطاني نعليه -، فقال: إذهب بنعليَّ هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة» .

ص: 7

فكان أول من لقيني عمر فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ قلت: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلَاّ الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة، فضربني عمر (بيده) بين ثدييَّ فخررت لاِسْتي، فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بالبكاء، وركبني عمر وإذا هو على إثري، فاقل رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما لك يا أبا هريرة» ؟ قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذري بعثتني به فضرب بين ثدييَّ ضربة خررت لاِسْتي، فقال إرجع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عمر ما حملك على ما فعلت» ؟ قال: يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: «نعم» ، قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتَّكل الناس عليها، فلخِّهم يعملون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فخلِّهم» كذا في جمع الفوائد.

تبشيره عليه السلام لمن مات لا يشرك بالله شيئاً بدخول الجنة

وأخرج الشيخان عن أبي ذر رضي الله عنه قال: خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده وليس معه إنسان، فقلت: إنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال:«من هذا» ؟ فقلت: أبو ذر - جعلني الله فداك -. قال: «يا أبا ذر تعالَهْ» قال: فمشيت معه ساعة، فقال:«إنَّ المكثرين هم المقلُّون يوم القيامة؛ إلاّ من أعطاه الله خيراف، فنفح فيه عن يمينه وشماله، وبين يديه وورائه، وعمل فيه خيراً» ، قال: فمشيت ساعة معه فقال لي: «اجلس ههنا» قال: فأجلسني في

ص: 8

قاع حوله حجارة فقال لي: «ههنا حتى أرجع إليك» قال: فانطلق في الحرَّة حتى لا أراه فلبث عني فأطال اللبث، ثم إني سمعته يقول وهو مقبل:«وإن زنى وإن سرق» ، قال: فلما جاء فلم أصبر، فقلت: يا نبي الله - جعلني الله فداك - مَنْ تُكلِّم في جانب الحرَّة؟ ما سمعت أحداً يَرجع إليك شيئاً، قال:«ذاك جبريل عرض لي في جانب الحرَّة فقال: بشِّر أمتك من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، فقلت: يا جبريل وإن زنى وإن سرق، قال: نعم» . قلتُ: يا رسول الله وإن سرق وءن زنى، قال:«نعم» . قلتُ: وإن سرق وإن زنى، قال:«نعم، وإن شرب الخمر» ، كذا في جمع الفوائد قال: وزادا مع الترمذي في أخرى نحوها في المرأة الرابعة: «على رغم أنف أبي ذر» .

قصة الأعرابي الذي فقه

وأخرج ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه أن شيخاً أعرابياً يقال له علقمة بن عُلَاثة رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنِّي شيخ كبير؛ وإني لا أستطيع أن أتعلم القرآن، ولكني أشهد أن لا إله إلَاّ الله وأَشهد أن محمداً عبده ورسوله حق اليقين، فلما مضى الشيخ قال النبي صلى الله عليه وسلم «فقه الرجل - أو فقه صاحبكم» ، كذا في الكنز. وأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق والدارقطني في الأفراد من حديث أنس وإسناده ضعيف جداً، كما في الإِصابة.

ص: 9

حديث عثمان في تحريم من تشهَّد على النار

وأخرج أحمد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه إلَاّ حُرِّم على النار» قال عمر بن الخطاب: ألا أحدثك ما هي؟ هي كلمة الإِخلاص التي ألزمها الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهي كلمة التقوى التي ألاص عليها نبي الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب عند الموت؛ شهادة أن لا إله إلَاّ الله. كذا في المجتمع. وأخرجه أيضاً أبو يَعْلى وابن خُزَيمة وابن حِبّان والبيهقي وغيرهم، كما في الكنز.

تبشيره عليه السلام بالمغفرة لأصحابه الذين تشهّدوا معه في مجلس

وأخرج أحمد عن يعلى بن شدّاد قال: حدثني أبي شداد رضي الله عنه وعبادة بن الصامت

ص: 10

قال: بقديد - فجعل رجال يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهليهم فيأذن لهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:«ما بال رجال يكون شق الشجرة التي تلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض إليهم من الشق الآخر» فلم يُر عند ذلك من القوم إلَاّ باكياً، فقال رجل: إنَّ الذي يستأذن بعد هذا لسفيه، فمد الله وقال خيراً وقال:«أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلَاّ الله وأَنَّي رسول الله صدقاً من قلبه ثم يُسدَّد إلَاّ سلك في الجنة» ، قال:«وقد وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوأوا أنتم ومن صلَح من آبائكم وأزواجكم وذراريكم مساكن في الجنة» ، فقال الهيثمي: رواه أحمد وعند ابن ماجه بعضه ورجاله موثَّقون. اهـ. وأخرجه أيضاً الدارمي وابن خزيمة وابن حِبَّان والطبراني بطوله، كما في الكنز وفي

ص: 11

روايتهم فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن الذي يستأذنك عن شيء بعدها لسفيه.

تفكير الشهادة لمن حلف كاذبا

وأخرج البزَّار عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا فلان فعلت كذا وكذا» ؟ قال: لا والذي لا إله إلا هو ما فعلت؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنه قد فعله، فكرر عليه مراراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كُفِّر عنك بتصديقك بلا إله إلا الله» قال الهيثمي: رواه البزار وأبو يَعْلى بنحوه إلا أنه قال: «كُفِّر عنك كذبك بتصديقك بلا إله إلا الله» ورجالهما رجال الصحيح. انتهى؛ وقال في هامشه عن ابن حجر: قلت: فيه الحارث ابن عبيد أبو قُدامة وهو كثير المناكير وهذا منها، وقد ذكر البزّار أنه تفرد به - انتهى. وعند الطبراني عن ابن الزبير مرفوعاً أن رجلاً حلف بالله الذي لا إله إلا هو كاذباً فغفر له، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.

خروج أهل الشهادة من النار

وأخرج الطبراني عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسملين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم الإسلام وقد صرتم معناه في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأُخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا: يا ليتنا كنَّا مسلمين فنخرج كما خرجوا» ، قال: ثم

ص: 12

قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {الرَ} {تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ} {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} (سورة الحجر، الآيتان: 1 و2) ورواه ابن أبي حاتم نحوه وفيه البسملة عوض الاستعاذة. وعند الطبراني عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً «أن ناساً من أهل لا إله إلَاّ الله يدخلون النار بذنوبهم فيقول لهم أهل اللَاّت والعزّى: ما أغنى عنكم قولكم لا إله إلَاّ الله وأنتم معنا في النار، فيغضب الله لهم فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة، فيبرؤون من حَرْقهم كما يبرأ القمر من خسوفه، ويدخلون الجنة ويسمَّمون فيها الجهنميين» . وأخرجه الطبراني أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بسياق آخر نحوه، وفي رواية:«فيسمون في الجنة الجهنميين من سواد في وجهوههم، فيقولون: يا رب أذهب عنا هذا الاسم، فيأمرهم فيغتسلون في نهر (في) الجنة فيذهب ذلك الاسم عنهم» . كذا في التفسير لابن كثير.

نجاة جماعة من أهل الشهادة من النار

وأخرج الحاكم عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يُدرس الأسلام كما يدرس وشي الثوب، فلا يُدري ما صيام ولا صدقة ولا نسك، ويُسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، ويبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلَاّ الله فنحن نقولها» ، فقال صلة: فما تغني

ص: 13

عنهم لا إله إلَاّ الله لا يدرون ما صيام ولا صدقة ولا نسك؟ فأعرض عنه حذيفة رضي الله عنه، من النار، تنجيهم من النار، تنجيهم من النار؛ قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه وقال الذهبي: على شرط مسلم.

أقوال علي وأبي الدرداء وابن مسعود في الشهادة وأهلها

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي رضي الله عنه قال: أفصح الناس وأعلمهم بالله عز وجل أشد الناس حباً وتعظيماً لحرمة أهل لا إله إلَاّ الله، كذا في الكنز. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سالم ابن أبي الجعهد قال: قيل لأبي الدرداء رضي الله عنه: أن أبا سعد بن منبِّه أعتق مائة مُحَرَّر. فقال: إن مائة مُحَرَّر من مال رجل لكثير، وإن شئت أنبأتك بما هو أفضل من ذلك: إيمان ملزوم بالليل والنهار، ولا يزال لسانك رطباً من ذكرالله عز وجل. وأخرجه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناده حسن عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لأبي الدرداء: إن رجلاً أعتق - فذكر نحوه، كما في الترغيب. وأخرج الطبراني عن عبد الله - يعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إنَّ الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإنَّ الله يُؤتي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يؤتي الإيمان إلَاّ من أحب، فإذا أحب الله عبداً أعطاه الإِيمان، فمن ضَنَّ بالمال أن ينفقه؛ وهاب العدو أن يجاهده، والليل أن

ص: 14

يكابده، فليكثر من قول لا إله إلَاّ الله والله كبر والحمد لله وسبحان الله. قال الهيثمي: رواه الطبراني موقوفاً ورجاله رجال الصحيح. انتهى. وقال المنذري في الترغيب: رواته ثقات وليس في أصلي رَفْعُه - انتهى.

مجالس الإيمان

رغبة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه في مجالس الإيمان

أخرج أحمد بإسناد حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعالَ نؤمن بربنا ساعة، فقال ذات يوم لرجلغ فغضب الرجل فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «يرحم الله ابن رواحة إنَّه يحب المجالس التي تتباهَى بها الملائكة» . كذا في الترغيب، وقال الحافظ ابن كثير في البداية: هذا حديث غريب جداً، وقال البيهقي بإسناده عن عطاء بن يسار: أن عبد الله بن رواحة قال لصاحب له: تعالَ حتى نؤمن ساعة، قال: أولسنا بمؤمنين؟ قال: بلى ولكنا نذكر الله فتزداد إيماناً، وقد روى الحافظ أبو القاسم اللألَكائي عن شريح عن عبيد أن عبد الله بن رواحة كان يأخذ بيد الرجل من أصحابه فيقول: قُمْ بنا نؤمن ساعة فنجلس في مجلس ذكر. وهذا مرسل من هذين الوجهين. انتهى.

ص: 15

وأخرجه القيالسي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يأخذ بيدي فيقول: تعالَ نؤمن ساعة، إن القلب أسرع تقلُّباً من القِدْر إذا استجمعت غليانها. وعند ابن عساكر عنه قال: كان عبد الله بن رواحة إذا لقيني قال لي: يا عُميرم اجلس نتذاكر ساعة، فنجلس فنتذارك، ثم يقول: هذا مجلس الإيمان، مَثَلُ الإِيمان مَثُلُ قميصك، بينا أنك قد نزعته إذا لبسته، وبينا أنك قد لبسته إذ نزعته، القلب أسرع تقلُّباً من القدر إذا استجمعت غليانها، كذا في الكنز.

رغبة عمر ومعاذ رضي الله عنهما في مجالس الإِيمان

وأخرج ابن أبي شيبة واللأَلكائي في السنة عن أي ذر رضي الله عنه قال: كان عمر ممّا يأخذبيد الرجل والرجلين من أصحابه فيقول: ثم بنا نزداد إيماناً، فيذكرون الله عز وجل، كذا في الكنز. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الأسود بن هلال قال: كنا نمسي مع معاذ رضي الله عنه فقال لنا: اجلسوا بنا نؤمن ساعة.

تجديد الإِيمان

أخرج أحمد والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وجدِّدوا إيمانكم» قيل: يا رسول الله وكيف نجدِّد إيماننا؟ قال: «أكثروا

ص: 16

من قول لا إله إلَاّ الله» قال الهيثمي رجال أحمد ثقات، وقال المنذري في الترغيب: إسناد أحمد حسن.

تكذيب التجربات والمشاهدات

قصة الرجل الذي استطلق بطنه

أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فال: إن أخي استطلق بطنه، فقال:«إسقِه عسلاً» فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال:«يا رسول الله سقيته عسلاً فما زاده إلَاّ استطلاقاً، قال: «اذهب فإسقِه عسلاً» فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يا رسول الله ما زاده إلَاّ استطلاقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فإسقِه عسلاً» فذهب فسقاه عسلاً فبرأ. كذا في التفسير لابن كثير.

قصة عبد الله بن مسعود مع زوجته

وأخرج أحمد عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهتة أن يهجم منا على أمر يكرهه، قالت: وإنه جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني من الحمرة، فأدخلتها تحت السرير، قالت: فدخل فجلس إلى جانبي فرأى في عِنقي خيطاً، فقال: ما هذا الخيط؟ قالت قلت: خيط رُقي لي فيه،

ص: 17

فأخذه فقطعه ثم قال: إن رل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن الرقى والتمائم والتَّوَلة شرك» ، قالت قلت له: لمتقول هذا وقد كانت عيني تقذف فكنت اختلف إلى فلان اليهودي يرقيها فكان إذا رقاها سكنت؟ فقال: إنما ذاك من الشيطان كان ينخسها بيدهه فإذا رقاها كفَّ عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «اذهب البأس ربَّ الناس، اشفِ الشافي لا شفاء إلَاّ شفؤك، شفاء لا يغادر سقماً» . كذا في التفسير لابن كثير.

قصة عبد الله بن رواحة مع زوجته

وأخرج الدارقطني (ص44) عن عكرمة قال: كان ابن رواحة رضي الله عنه مضطجعاً إلى جنب إمرأته، فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة فوقع عليها، وفزت امرأته فلم تجده في مضجعه، فقامت وخرجت فرأته على جاريته، فرجعت إلى البيت فأخذت الشفرة ثم خرجت، وفرغ فقام فلقيها تحمل الشفرة، فقال: مَهْيَم؟ فقالت: مَهْيَم؟ لو أدركتك حيث رأيتك لَوَجَأْتُ بين كتفيك بهذه الشفرة قال: وأين رأيتني؟ قالت: رأيتك على الجارية، فقال: ما رأيتني، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب: قالت: فإقرأ، فقال:

أتانا رسولُ الله يتلو كتابَه

كام لاحَ مشهورٌ من الفجر ساطعُ

أتى بالهدى بعدَ العمى فقلوبُنا

به موقناتٌ أنَّ ما قال واقعُ

يبيتُ يجافي جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمشركين المضاجعُ

ص: 18

فقالت: آمنت بالله وكذَّبت البصر، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبهر، فضحك حتى ريت نواجده صلى الله عليه وسلم وأخجره الدارقطي (ص45) أيضاً من طريق آخر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه فذكر نحوه وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب، قال في التعليق المغني (ص45) : فيه سلمة بن وهرام وثَّقه ابن معين وأبو زُرعة وضعَّفه أبو داود. انتهى.

قصة عمر رضي الله عنه مع النبي عليه السلام الحديبية

وأخرج البخاري في التفسير عن حبيب بن أبي ثابت قالت: أتيت أبا وائل أسأله فقال: كنا بصفِّين فقال رجل: ألم تر إلى الذين يُدعون إلى كتاب الله؟ فقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: نعم، فقال سهل بن حُنيف رضي الله عنه: اتَّهموا أنفسكم، فلقد رأيتنا يوم الحديبية - يعني الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين - ولو نرى قتالاً لقاتلنا، فجاء عمر رضي الله عنه فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وتقلاهم في النار؟ فقال: «بلى» قال: ففيم نُعطي الدنيَّة في ديننا ونرجع ولمَّا يحكم الله بيننا؟ فقال صلى الله عليه وسلم «يا ابن الخطاب إنِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يضعيعني الله أبداً» فرجع متغيظاً فلم يصبر حتى جاء أبا بكر رضي الله عنه، فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ فقال: يا ابن الخطاب إنَّه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً، فنزلت سورة الفتح. وقد رواه البخاري أيضاً في مواضع أخر، ومسلم

ص: 19

والنسائي من طرق أُخر عن سهل بن حُنيف به وفي بعض ألفاظه: يا أَيُّها الناس اتَّهموا الرأي فلقد رأيتُني يوم أبي جندل ولو أقدر على أن أردّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددته، وفي رواية: فنزلت سورة الفتح فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأها عليه. كذا في التفسير لابن كثير.

وقد تقدم الحديث بطوله في باب الدعوة إلى الله في قصة صلح الحديبية عن البخاري من طريق المسور بن مخرمة رضي الله عنه ومروان وفيه: قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أُردُّ إلى المسشركين وقد جئت مسلماً؟ 1 ألا ترون ما قد لقيت؟ - وكان قد عُذِّب عذاباً شديداً في الله - فقال عمر رضي الله عنه: فأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ألست نبي الله حقاً؟ قال: «بلى» ، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: «بلى» ، قلت: فلم نعطي الدنيَّة في ديننا إذن؟ قال: «إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري» ، قلت: أولستَ كنت تحدثنا أنَّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى» ، فأخبرتك أنَّا نأتيه العام؟» قال: قلت: لا، قال:«فإنك آتيه ومطَّوِّف به» . قال: فأتيت أبا بكر رضي الله عنه فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قال قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهوناصره، فاستمسك بغَرْزه، فوالله إنه لعلى الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ فقلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطَّوِّف به، قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً.

ص: 20

فرحه عليه السلام بنزول القرآن عليه بالمغفرة والفتح مرجعه من الحديبية

وأخرج أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {لّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (سورة الفتح، الآية: 2) مرجعه من الحديبية، قال النبي صلى الله عليه وسلم «لقد أُنزلت عليَّ اليلة آية أحب إليَّ ممَّا على الأرض» ، ثم قرأها عليهم النبي فقالوا: هنيئاً مريئاً يا نبي الله، بيَّن الله عز وجل ما يفعل بك فماذا يفعل بنا؟ فنزلن عليه صلى الله عليه وسلم {لّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ} - حتى بلغ {فَوْزاً عَظِيماً} (سورة الفتح، الآية: 5) وأخرجه الشيخان عن أنس كما في التفسير لابن كثير. وعند ابن جرير في قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} (سورة الفتح، الآية: 1) عن أنس قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من الحديبية وقد حيل بينهم وبين نسكهم، فنحر الهدي بالحديبية وأصحابه مخالطو الكآبة والحزن فقال:«لقد أُنزلت عليَّ آية أحبُّ إليَّ من الدنيا جميعاً» فقرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} {لّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} - إلى قوله - {عَزِيزاً} (سورة الفتح، الآيات: 1 - 3) فقال أصحابه: هنيئاً لك - فذكر نحوه.

وأخرج أحمد عن مجمِّع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه وكان أحد القرّاء الذين قرأوا القرآن - قال: شهدنا الحديثبية فلما انصرفنا عنها إذا الناس

ص: 21

يُنفرون الأباعر، فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ قالوا: أُوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا مع الناس نوجف، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته عند كُراع الغميم، فاجتمع الناس عليه فقرأ عليهم {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} قال: فقال رجل من أصحاب رسول الله: أي رسول الله أَوَ فَتْحٌ هو؟ قال صلى الله عليه وسلم «إي، والذي نفس محمد بيده إنه لفتح» فذكر الحديث. ورواه أبو داود في الجهاد، كما في التفسير لابن كثير. وأخرج البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: تعُدُّون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نَعُدُّ الفتح بَيْعة الرضوان يوم الحديبية - فذكر الحديث، كما في التفسير لابن كثير. وأخرجه ابن جرير في تفسيره عن البراء نحوه وعن جابر قال: ما كنا نَعُد الفتح إلَاّ يوم الحديبية.

قصة نيل مصر في عهد عمر رضي الله عنه

وأخرج الحافظ أبو القاسم اللالكائي في السنة عن قيس بن حجاج عمن حدثه قال: لمَّا فُتحت مصر أتى أهلُها عمرو بن العاص رضي الله عنه وكان أميراً بها حين دخل بؤنة - من أشهر العجم - فقالوا: أيها الأمير، إنَّ لنيلنا هذا سُنَّة لا يجري إلا بها، قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كانت اثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشعر، عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل، فقال لهم عمرو:

ص: 22

إن هذا لا يكون في الإِسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بؤنة والنيل لا يجري حتى هموا بالجلاء، فكتب عمرو رضي الله عنه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك، فكتب إليه عمر إنك قد أصبت بالذي فعلتَ، وقد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النيل - فذكر الحديث كما سيأتي في باب التأييدات الغيبية في تسخير البحار وفي آخره: فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة، قد قطع الله تلك السُّنَّة عن أهل مصر إلى اليوم. كما في التفسير لابن كثير. وأخرجه أيضاً ابن عساكر وأبو الشيخ وغيرهما.

تقحّم العلاء بن الحضرمي البحر بالمسلمين

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سَهْم بن مِنْجاب قال: غزونا مع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه فسرنا حتى أتينا دارين والبحر بيننا وبينهم، فقال: يا عليهم، يا حليم، يا علي، يا عظيم، إنا عبيدك، وفي سبيلك، نقاتل عدوك، اللهمّ فاجعل لنا إليهم سبيلاً، فتقحَّم بنا البحر فخضنا ما يبلغ لبودنا الماء، فخرجنا إليهم، وأخرجه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه وزاد: فلما رآنا ابن مُكَعْبر - عامر كسرى - قال: لا والله لا نقاتل هؤلاء ثم قعد في سفينة فلحق بفارس. وأخرجه أبو نُعيم في الدلائل (ص208) عن أبي هريرة والطبراني عنه، وابن أبي الدنيا عن سَهْم بن مِنْجاب، والبيهقي عن أنس رضي الله عنه كما ستأتي أحاديث هؤلاء في تسخير البحار، وستأتي أحاديث عبور سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه دجلة يوم

ص: 23

القادسية وفيها قول حُجر بن عدي رضي الله عنه: ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدو إلَاّ هذه النطقة - يعني دجلة - {وما كان لنفس أن تمون إلا بإذن اكتابا مؤجلا} (سورة آل عمران، الآية: 145) ثم أقحم فرسه فلما أقحم أقحم الناس، فلما رآهم العدو قالوا: ديوانه فهربوا، أخرجه ابن حاتم عن حبيب بن ظِبيان.

طرد تميم الداري لنار خرجت في الحرّة

وأخرج أبو نعيم في الدلائل (ص212) عن معاوية بن حَرْمَل فذكر الحديث وفيه: خرجت نار بالحرة، فجاء عمر رضي الله عنه إلى تميم رضي الله عنه فقال: قُمْ إلى هذه النار، فقال: يا أمير المؤمنين من أنا؟ وما أنا؟ فلم يزل به حتى قام معه، قال: وتبعتهما فانطلقا إلى النار قال: فجعل يحوشها بيده هكذا حتى دخلت الشَّعب ودخل تميم خلفها، وجعل عمريقول: ليس من رأى كمن لم يره. وأخرجه البيهقي والبغوي كما سيأتي في التأييدات الغيبية في إطاعة النيران.

ما رأى عليه السلام حين ضرب الصخرة

يوم الخندق وما بشر به أصحابه

وأخرج النسائي عن أبي سكينة - رجل من البحرين - عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما أمر رسول الله بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ المعول ووضع رداءه ناحية الخندق وقال:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً} {وَعَدْلاً لَاّ مُبَدّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (سورة الأنعام، الآية: 115) .

فندر ثلث الحجر وسلم ان الفارسي رضي الله عنه قائم ينظر، فبرق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقة، ثم ضرب الثانية وقال: ضرب الثانية وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَاّ مُبَدّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فندر الثلث الآخر وبرقت برقة فرآها سلمان. ثم ضرب الثالثة وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَاّ مُبَدّلِ لِكَلِمَاتِهِ} {وَهُوَ

ص: 24

السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فندر الثلث الباقي. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رداءه وجلس فقال سلمان: يا رسول الله رأيتك حين ضربت لا تضرب ضربة إلا كانت معها برقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا سليمان رأيت ذلك» ؟ قال: أي والذي بعثك بالحق يا رسول الله، قال:«فإني حين ضربت الضربة الأولى رُفعت لي مدائن كسرى وما حولها ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعينيَّ» ، فقال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله ادعُ الله أن يفتحها علينا ويغنِّمنا ذراريهم ونخرب بأيدينا بلادهم، فدعا بذلك. قال:«ثم ضربت الضربة الثانية فرُفعت لي مدائن قيصر وما حولها حتى رأيتها بعينيَّ» ، قالوا: يا رسول الله ادعُ الله أن يفتحها علينا ويغنِّمنا ذراريهم ونخرب بأيدينا بلادهم، فدعا، ثم قال:«ثم ضربت الضربة الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعينيَّ» ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دَعُوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم» قال ابن كثير

في

البداية هكذا رواه النسائي مطوَّلاً وإنما روى منه أبو داود: «دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم» - انتهى.

وأخرجه ابن جرير عن عمرو بن عوف المزني - فذكر حديثاً فيه: فجاء (النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول من سلمان فضرب الصخرة ضربة صدعها وبرقتمنها برقة أضاءت ما بين لابتيها - يعني المدينة - حتى كأنها مصباح في جوف ليل مظلم، فكبَّر

ص: 25

رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتحٍ وكبر المسلمون، ثم ضربها الثانية فكذلك، ثم الثالثة فكذلك، وذكر ذلك سلمان والمسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه عن ذلك النور فقال:«لقد أضاء لي من الأولى قصور الحيرة ومدائنكسرى كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ومن الثانية أضاءت القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ومن الثالثة أضاءت قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا» واستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعود صادق، قال: زلمَّا طلعت الأحزاب قال المؤمنون: {هذا ما وعدنا اوروسله وصدق ا} {وروسله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} (سورة الأحزاب، الآية 22) وقال المنافقون: يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرزوا؟ فنزل فيهم: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} {ماوعدنا اوروسله إلا غرورا} (سورة الأحزاب، الآية 12) ؛ وقال ابن كثير في البداية: وهذا حديث غريب.

وقد أخرج الطبراني في حديث طويل عن ابن عباس رضي الله عنهما كما سيأتي في التأييدات الغيبية في بركة طعامهم في المغازي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دعوني فأكون أول من ضربها» فقال: «بسم الله» ، فضربها فوقعت فِلقةٌ ثلثُها، فقال:«الله أكبر قصور الروم وربِّ الكعبة» ، ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة، فقال:«الله أكبر قصور فارس وربِّ الكعبة» ، فقال عندها المنافقون: نحن نخندق على أنفسنا وهو يَعِدخنا قصور فارس والروح؟ قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن حنبل ونُعيم العنبري وهما ثقتان.

ص: 26

انتهى.

شرب خاد السم وقول نصراني في الصحابة

وسيأتي في التأييدت الغيبية في ذهاب أثر السم شربُ خالد رضي الله عنه السمَّ وقوله: لن تموت نفس حتى تأتي على أجلها، وقول عمرو: والله يا معشر العرب لتملكِنَّ ما أردتم ما دام منكم أحد أيها القرن، وقوله لأهل الحيرة: لم أرَ كاليوم أمراً أوضح إقبالاً

أقوال الصحابة رضي الله عنهم في أن النصر ليس بالكثرة

وسيأتي في أسباب النصرة قول ثابت بن أقرم رضي الله عنه: يا أبا هريرة، كأنك ترى جموعاً كثيرة؟ قلت: نعم، قال: إنك لم تشهد بدراً معنا، إنَّا لم ننصر بالكثرة. وقول خالد حين قال له رجل: ما أكثر الروم وأقل المسلمين؟ فقال: ما أقل الروم وأكثر المسلمين؟ إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر براء، وأنهم أُضعفوا في العدد. وكتاب أبي بكر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه أما بعد: فقد جاءني كتابك تذكر ما جمعت الروم من الجموع، وإن الله لم ينصرنا مع نبيه صلى الله عليه وسلم بكثرة عدد ولا بكثرة جنود، وقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معنا إلَاّ فرسان وإن نحن إلا نعاقب الإبل، وكنّا يوم أُحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معنا إلَاّ فرس واحد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبه، ولقد كان يُظهرنا ويعيننا على ما خالفنا.

وقدتقدم ما فعل أبو بكر رضي الله عنه في تنفيذ جيش أُسامة رضي الله

ص: 27

عنه حين انتقضت عليه العرب من كل جانب، وارتدت العرب قاطبة، ونجم النفاق، وإشرأبت اليهودية والنصرانية والمسلمون كالغنم المطيرة في اللية الشاتية لفقد بنبيهم صلى الله عليه وسلم وقلتهم وكثرة عدوهم، فأشاروا عليه بحبس جيش أُسامة، فقال أبو بكر - وكان أحزمهم أمراً -: أنا أحبس جيشاً بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اجترأت على أمر عظيم، والذي نفسي بيده لأن تميل عليَّ العرب أحب إليَّ من أن أحبس جيشاً بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إمض يا أُسامة في جيشك للوجه الذي أُمرت به ثم أغزُ حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين وعلى أهل مؤتة؛ فإن الله سيكفي ما تركت. وتقدَّم في يوم مؤتة قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه حين اجتمع العدو مائتي ألف: يا قومُ والله إنَّ التي تكرهون لَلَّتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلَاّ بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا؛ فإنما هي إحدى الحسنَيين: إما ظهور، وإما شهادة. ، فقال الناس: قد واللَّهِ صدق ابن رواحة. وكمن من قصص الصحابة في هذا الموضوع منتشرة مسطورة في هذا الكتاب وفي كتب الأحايث والمغازي والسِّير، فلا نطيل الكتاب بذكرها وتكرارها.

حقيقة الإِيمان وكماله

قوله عليه السلام للحارث بن مالك:

كيف أصبحت؟ وجواب الحارث

أخرج ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد والحارث بن مالك رضي الله عنه راقد، فحركه برجله وقال:«ارفع رأسك» فرفع رأسه، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم «كيف أصبحت يا حارث بن مالك» ؟ قال: أصبحت يا رسول الله مؤمناً حقاً، قال:«إنَّ لكل حق حقيقة فما حقيقة ما تقول» ؟ قال: عزفتُ عن الدنيا،

ص: 28

وأظمأت نهاري، وأسهرت ليلي، وكأني أنظر إلى عرش ربي، وكأني أنظر إلى أهل الجنة فيها يتزاورون وإلى أهل النار يتعاوَون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «أنت أمرؤ نوّر الله قلبك، عرفتَ فالزم» . وأخرجه العسكري في الأمثال عن أنس نحوه إلَاّ أنّه سماه حارثة بن النعمان، وفي روايته: فقال: «أبصرت فالزم» ثم قال: «عبد نوَّر الله الإِيمان في قلبه» ، فقال: يا نبي الله، أُدع الله لي بالشهادة، فدعا له، قال: فنُودي يوماً: ي خيل الله اركبي، فكان أول فارس ركب وأول فارس استشهد. كذا في منتخب الكنز.

لغاية ص 420

تابع وأخرجه ابن النجار عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي إذ استقبله شاب من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «كيف أصبحت يا حارث» ؟، قال: أصبحت مؤمناً بالله حقّاً، فقال:«انظر ما تقول فإنَّ لكل قول حقيقة» ، قال: يا رسول الله عَزَفْتْ - فذكر نحو حديث العسكري مع الزيادة في آخره، كما في المنتخب. وأخرجه ابن المبارك فيا لزهد عن صالح بن مسمار نحو سياق ابن عساكر، وفي رواية: قال: إنَّ لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك» ؟ قال الحافظ في الإِصابة: وهو مُعْضل، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن صالح بن مسمار وجعفر بن برقان وأخرجه في التفسير عن يزيد السلمي وجاء موصولاً - فذكر حديث أنس المذكور وقال: أخرجه الطبراني وابن منده ورواه البيهقي في الشُّعَب من طريق يوسف بن عطية الصفَّار وهو ضعيف جداً، وقال البيهقي: هذا منكر وقد خبط فيه يوسف فقال مرّة: الحارث، وقال مرّة: حارثة، وقال ابن صاعد: هذا الحديث لا يثبت موصولاً. انتهى مختصراً. وأخرجه البزّار عن

ص: 29

أنس، قال الهيثيم: وفيه يوسف بن عطية لا يُحتج به، والطبراني عن الحارث بن مالك الأنصار أنه مرّ بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: كيف أصبحت يا حارثة؟ فذكر نحو حديث ابن عساكر، قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة، وفيه من يحتاج إلى الكشف عنه.

قوله عليه السلام لمعاذ: كيف أصبحت وجواب معاذ

وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن أنس بن مالك أن معاذ ابن جبل رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كيف أصبحت يا معاذ» ؟ قال: أصبحت مؤمناً بالله تعالى، قال:«إنَّ لكل قول مصداقاً، ولكل حق حقيقة، فما مصداق ما تقول» ؟ قال: يا بني الله، ما أصبحت صباحاً قط إلَاّ ظننت أنِّي لا أمسي، وما أمسيت مساء قط إلَاّ ظننت أنِّي لا أصبح، ولا خطوت خطوة إلَاّ ظظنت أَنِّي لا أتبعها أخرى، وكأني أنظر إلى كل أمة جائية تُدعى إلى كتابها معها نبيهاً وأوثانها التي كانت تعبد من دون الله، وكأني أنظر إلى عقوبة أهل النار وثواب أهل الجنة، قال:«عرفت فالزم» .

قوله عليه السلام لسويد بن الحارث وأصحابه: ما أنتم؟ وجوابهم

وقد تقدَّم في باب الدعوة إلى الله وإلى رسوله من حديث سويد بن الحارث رضي الله عنه قال: وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة من قومي فلما دخلنا عليه وكلِّمناه فأعجبه ما رأى من سَمْتنا وزيِّنا، فقال:«ما أنتم؟» قلنا: مؤمنين، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:«إنَّ لكل قول حقيقة وما حقيقة قولكم وإيمانكم» ؟ قال سويد فقلنا: خمس عشرة خصلة: خمسٌ منها أَمَرَتْنا رُسلُك أن نؤمن بها، وخمس منها أَمرتْنا رسلُك أَن نعمل بها، وخمس منها تخلّقنا بها

ص: 30

في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً - فذكر الحديث في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره وأركان الإِسلام والأخلاق الطيبة.

قصة منافق جاء إلى النبي عليه السلام ليستغفر له فاستغفر له

وأخرجه أبو نُعيم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه حرملة بنزيد الأنصاري رضي الله عنه أحد بني حارثة - فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله الإِيمان ههنا - وأشار بيده إلى لسانه -، والنفاق ههنا - ووضع يده على صدره - ولا يذكر الله إلَاّ قليلاً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وردّ ذلك حرملة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف لسان حرملة فقال:«اللهم اجعل له لساناً صادقاً، وقلباً شاكراً، وإرزقه حبي وحب من يحبني، وصيِّر أمره إلى خير» فقال له حرملة: يا رسول الله إن لي إخواناً منافقين كنت فيهم رأساً أفلا أدلُّك عليهم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «من جاءنا كما جئتنا استغفرنا له كما استغفرنا لك، ومن أصر على ذلك فالله أولى به» كذا في الكنز. وأخرجه الطبراني وإسناده لا بأس به، وأخرجه ابن مَنْدَة أيضاً، وروينا في فوائد هشام بن عمار رواية أحمد بن سليمان من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه نحوه، كذا في الإِصابة.

الإِيمان بذات الله عز وجل وصفاته تبارك وتعالى

إكثار صحابي من قراءة سورة الإِخلاص

أخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص208) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلواتهم فيختم

ص: 31

بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«سلوه لأي شيء يصنع هذا» ؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أخبروه أنَّ الله عز وجل يحبه» . وأخرجه الشيخان عن عائشة، كما قال البيهقي:

تصديقه عليه السلام لحبر يهودي تكلم عن الله سبحانه

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص245) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد - أو يا رسول الله - إن الله جعل السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، فيهزهن فيقول: أنا الملك، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قال:{وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالاْرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (سورة الزمر، الآية: 67) - إلى آخر الآية. وأخرجه الشيخان في صحيحيهما كما قال البيهقي.

حديث أنس وأبي ذر في كيف يحشر الله الناس

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص356) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم سئل: كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: «الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة» . وأخرجه الشيخان وأحمد والنسائي وابنأبي حاتم والحاكم وغيرهم نحوه عن

ص: 32

أنس، كما في الكنز. وأخرج أحمد عن حذيفة بن أُسيد قال: قام أبو ذر رضي الله عنه فقال: يا بني غفار قولوا ولا تحلفوا، فإنَّ الصادق المصدوق حدثني أن الناس يحشرون على ثلاثة أفواج: فوج راكبين طاعمين كاسين، وفوج يمشون ويسعَون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم إلى النار؛ فقال قائل منهم: هذان قد عرفناهما فما بال الذين يمشون ويسعَون؟ قال: يلقي الله عز وجل الآفة على الظَّهر حتى لا يبقى ظهر، حتى أنَّ الرج لتكون له الحديقة فيعطيها بالشارف ذات القتب فلا يقدر عليها، كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه الحاكم عن حذيفة عن أبي ذر نحوه، هذا حديث صحيح الإِسناد إلى الوليد بن جَميع ولم يخرِّجاه وقال الذهبي: الوليد قد روى له مسلم متابعة واحتج به النَّسائي.

أمره عليه السلام أصحابه بأن يقولوا

ما شاء الله وحده لا شريك له

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص110) عن الطفيل بن عبد الله رضي الله عنه وكان أخا عائشة رضي الله عنها لأمها - أنه رأأ فيما يرى النائم أنه لقي رهطاً من النصارى فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تزعمون أن المسيح بن الله، قال: أنتم القوم لولا تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم لقي رهطاً من اليهود فقال: أنتم القوم لولا أنكم تزعمون أن عُزَيْراً ابن الله، قال: وأنتم قوم تقولون

ص: 33

ما شاء الله وشاء محمد، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقصَّها عليه، فقال صلى الله عليه وسلم «حدَّثت بها أحداً بعد» ؟ فقال: نعم، فحمد الله تعالى وأنثى عليه ثم قال:«إنَّ أخاكم قد رأى ما بلغكم فلا تقولوها، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده لا شريك له» . وعنده أيضاً عن حذيفة رضي الله عنه قال: رأى رجل من المسلمين في النوم أنه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون تقولون: ما شاء الله ومحمد، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«إنِّي كنت لأكرهها لكم، وقولوا ما شاء الله ثم شاء فلان» . وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص110) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلِّمه في بعض الأمر فقال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أجلعتني لله عِدْلاً؟ بل شاء الله وحده» .

سؤال يهودي النبي عليه السلام عن المشيئة وجوابه له

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص111) عن الأوزاعي قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم يهوديٌّ فسأله عن المشيئة، فقال:«المشيئة لله تعالى» قال: فإن أشاء أن أقوم، قال:«قد شاء الله أن تقوم» ، قال: فإني أشاء أن أقعد، قال:«فقد شاء الله أن تقعد» ، قال فإني أشاء أن أقطع هذه النخلة، قال:«فقد شاء الله أن تقطعها» ، قال فإني أشاء أن أتركها، قال:«فقد شاء الله أن تتركها» . قال: فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: لُقِّنت حجتك ما لُقَّنها إبراهيم عليه السلام، قال: ونزل القرآن فقال: {مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ} {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ} (سورة الحشر، الآية 5) قال البيهقي: هذا وإِنْ كان مرسلاً فما قبله من الموصولات في معناه يؤكده انتهى.

ص: 34

نومه عليه السلام وأصحابه عن الصلاة بالمشيئة

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص109) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية نزل منزلاً فعرَّس فيه، فقال:«من يحرسنا» ؟ فقال عبد الله نا أنا فقال: «أنت» مرتين أو ثلاثاً يعني أنك تنام - ثم قال صلى الله عليه وسلم «أنت لها» فحرست، فلما كان في وجه الصبح أدركني ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنمت، فلم نستيقظ إلَاّ بحرِّ الشمس على ظهورنا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصنع كما كان يصنع، ثم صلَّى الصبح، ثم قال:«إن الله تعالى لو شاء لم تناوا عنها؛ ولكن أراد أن تكون لمن بعدكم فهكذا» أي لمن نام أو نسي. وعنده أيضاً عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه في حديث الميضأة قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله تعالى قبض أرواحكم حين شاء وردّها حين شاء» فقضَوا حوائجهم، فتوضأوا إلى أن ابيضت - يعني الشمس - ثم قال فصلَّى، وأخرجه البخاري في الصحيح بهذا الإِسناد، كما قال البيهقي.

سؤال يهودي عمر بن الخطاب عن آية: وجنّة عرضها السموات والأرض

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن خسرو - وهو لفظه - عن طارق بن شهاب قال: جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أرأيت قوله تعالى: {وجنة عرضها السموات والأرض} (سورة آل عمران، الآية: 133) فأين النار؟ فقال

ص: 35

عمر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أجيبوه، فلم يكن عندهم فيها شيء، فقال عمر: أرأيت النهار إذا جاء الليل يملأ الأرض فأين الآخر؟ قال: حيث شاء الله، فقال عمر: والنار حيث شاء الله، فقال اليهودي: والذي نفسي بيده يا أمير المؤمنين إنها لفي كتاب الله المنزَّل كما قلت. كذا في الكنز.

محاججة علي لرجل يقول في المشيئة

وأخرج ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: قيل لعلي: إنَّ ههنا رجلاً يتكلم في المشيئة، فقال له علي: يا عبد الله خلقك الله كما يشاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء، قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال بل إذا شاء، قال: فيدخلك حيث شئت أو حيث شاء؟ قال: بل حيث يشاء، قال: والله لو قلتَ غير ذلك لضربت الذي فيه عيناك بالسيف، كذا في التفسير لابن كثير.

قوله عليه السلام لأصحابه: ليس ذلكم النفاق

وأخرج البزار في مسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله إنا تكون عندك على حال، فإذا فارقناك كنَّا على غيره، قال:«كيف أنتم وربكم؟» قالوا: الله ربنا في السر والعلانية، قال:«ليس ذلكم النفاق» . كذا في التفسير لابن كثير.

قصته عليه السلام مع أعرابي في شأن الحساب

وأخرج ابن النجار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى

ص: 36

النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يحاسب الخلق يوم القيامة يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «الله عز وجل» ، فقال الأعرابي: نجونا وربِّ الكعبة فقال: «وكيف يا أعرابي» ؟ فاقل: إن الكريم إذا قدر عفا. كذا في الكنز.

قصة معاذ حين بعثه عمر ساعيا

وأخرج عبد الرزاق، والمحاملي في أماليه عن سعيد بن المسيِّب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث معاذاً رضي الله عنه ساعياً على بني كِلاب، فقسم فيهم حتى لم يَدَع شيئاً، حتى جاء بحِلْسِه الذي خرج به يحمله على رقبته، فقالت له امرأته: أين ما جئت به مما يأتي به العمال (من) عُراضة أهليهم؟ فقال: كان معي ضاغط، فقالت: قد كنت أميناً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، فبعث عمر رضي الله عنه معك ضاغطاً فقامت بذلك في نسائها واشتكت عمر؛ فبلغ ذلك عمر فدعا معاذاً فقال: أنا بعثت معك ضاغطاً؟ فقال: لم أجد شيئاً اعتذر به إليها إلَاّ ذلك، فضحك عمر وأعطاه شيئاً فقال: أرضها به، قال ابن جرير: قول معاذ: الضاغط - يريد به ربه عز وجل؛ كذا في الكنز.

حديث عائشة في قصة المجادلة

وأخرج الإِمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: الحمد لله وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلِّمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى

ص: 37

زَوْجِهَا} (سورة المجادلة، الآية: 1) إلى آخر الآية. وهكذا رواه البخاري في كتاب التوحيد تعليقاً. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (ص36) . وفي رواية لابن أبي حاتم كما في التفسير لابن كثير عن عائشة أنها قالت: تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها ويخفى عليَّ بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله، أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني؛ حتى إذا كبرتْ سني وانقطع ولدي ظاهر مني. اللهمَّ إني أشكو إليك. قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا} قالت: وزوجها أوس ابن الصامت رضي الله عنه.

أقوال أبي بكر رضي الله عنه في الإِيمان بالله سبحانه

وأخرج البخاري في تاريخه وعثمان الدارمي في الردِّ على الجهيمة والأصبهاني في الحجة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه: أيها الناس، إنْ كان محمد إلهكم الذي تعبدون فإنه قد مات، وإن كان إلهكم الذي في السماء إهلكم لم يمت، ثم تلا {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (آل عمران، الآية: 144) - الآية، قال ابن كثير: رجال إسناده ثقات. كذا في الكنز.

ص: 38

وقد تقدَّم في اجتماع الصحابة على أبي بكر الصدِّيق خطبة أبي بكر وفيها: إنَّ الله عمَّر محمداً صلى الله عليه وسلم وأبقاه حتى أقام دين الله، وأظهر أمر الله، وبلَّغ رسالة الله، جاهد في سبيل الله، ثم توفَّاه الله على ذلك، وقد ترككم على الطريقة، فلن يهلك هالك إلَاّ من بعد البينة والشفاء، فمن كان الله ربه فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمداً وينزله إلهاً فقد هلك إلهه، فاتقوا الله إليها الناس واعتصموا بدينكم، وتوكَّلوا على ربكم، فإن دين الله قائم، وإن كلمة الله تامة، وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه، وإن كتاب الله بين أظهرنا، وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم وفيه حلال الله وحرامه، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد، ولنجاهدنَّ من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البيهقي عن عروة بن الزبير.

قول عائشة حين مات امرأة وهي ساجدة في بيتها.

وأخرج الحاكم عن علقمة أُمه أن امرأة دخلت بيت عائشة رضي الله عنها، فصلَّت عند بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهي صحيحة، فسجدت فلم ترفع رأسها حتى ماتت، فقالت عائشة: الحمد لله الذي يحيى ويمي، إنَّ في هذه لعبرة لي في عبد الرحمن بن أبي بكر، رَقَد في مَقِيل له قَاله، فذهبوا يوقظونه فوجوده قد مات، فدخل نفس عائشة تُهَمة أن يكون صُنع به شرٌّ أو عُجِّلعليه فدفن وهو حيٌّ، فرأت أنه عبرة لها وذهب ما كان في نفسها من ذلك.

ص: 39

الإِيمان بالملائكة

قول علي في طغيان الماء والريح

يوم نوح ويوم عاد إلى الملكين

أخرج ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال: لم تنزل قطرة من ماء إلَاّ بكيل على يدي ملك، إلَاّ يوم نوح عليه السلام، فإنه أُذن للماء دون الخزَّان، فطغى المال على الخزّان فخرج، فذلك قوله:{أنا لما طغى الماء} (سورة الحاقة، الآية: 11) ولم ينزل شيء من الريح إلَاّ بكيل على يدي ملك إلَاّ يوم عاد، فإنه الذن لهادون الخزّان، فخرجت فذلك قوله:{بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} (سورة الحاقة، الآية: 6) ، عتت على الخزّان، كذا في الكنز.

قول سلمان عند الموت: إنَّ لي زواراً يدخلون علي

وأخرج ابن سعد عن الشَّعبي عن الجزْل عن إمرة سلمان رضي الله عنهما بُقيرة، أنه لما حضرته الوفاة - دعاني وهو في عِلِيَّة له لها أربعة أبواب، فقال: افتحي الأبواب يا بُقيرة، فإنَّ لي اليوم زُوّاراً لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون عليَّ. ثم دعا بِمسْك له، فقال: أديفيه

ص: 40

في تنور، ففعلت، ثم قال: أنضحيه حول فراشي ثم إنزلي فأمكثي فسوف تطَّلعين فتري على فراشي، فاطَّلعت فإذا هو قد أُخذ روحه، فكأنما هو نائم على فراشه ونحواً من هذا. وعنده أيضاً عن الشَّعْبي قال: لما حضرت سلمان الوفاة قال لصاحبة منزله: هَلُمِّي خبِيَّك الذي استخبأتك، قالت: فجئته بصرّة مِسْك. قال: فقال: إئتني بقدح فيه ماء، فنثر المسك فيه ثم ماثه بيده، ثم قال: إنضحيه حولي فإنه يحضرني خَلْق من خلق الله يجدون الريح ولا يأكلون الطعام، ثم إجفئي عليَّ الباب وانزلي. قالت: ففعتل، وجلست هنيهة فسمعت هسهسة، قالت: ثم صعدت فإذا هو قد مات. وعنده أيضاً عن عطاء بن السائب فذكره مختصراً وفيه: فإنه يحضرني الليلة ملائكة يجدون الريح ولا يألكون الطعام. وسيأتي بعض قصص الباب في باب التأييدات الغيبية في المدد بالملائكة.

الإِيمان بالقدر

قوله عليه السلام لعائشة حين حضر جنازة صبي من الأنصار

أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: دُعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله، طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أو غير ذلك يا عائشة، إنَّ

ص: 41

الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم» . كذا في التفسير لابن كثير.

وصية عبادة بن الصامت لابنه بالإِيمان بالقدر خيره وشره

وأخرج الإِمام أحمد عن الوليد بن عبادة قال: دخلت على عبادة رضي الله عنه وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهتد لي، فقال أجلسوني، فلما أجلسوه قال: يا بني إنك لم تُعطم الإِيمان ولم تبلغ حقّ حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت: يا أبتاه، وكيف لي أن أعلم ما خيرُ القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك. يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أول ما خلق الله القلم، ثم قال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة» . يا بني إنْ متَّ ولستَ على ذلك دخلت النار. وأخرجه الترمذي عن الوليد بن عبادة عن أبيه وقال: حسن صحيح غريب كما في التفسير لابن كثير.w

بكاء أحد الأصحاب وهو يموت لأنه لا يدري ما قدّر الله له

وأخرج أحمد عن أبي نضرة أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له أبو عبد الله رضي الله عنه دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم «خذ من شاربك ثم أقرره حتى تلقاني» قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله عز وجل قبض قبضة

ص: 42

بيمينه فقال: هذه لهذه ولا أبالي، وقبض قبضة أخرى - يعني بيده الأخرى - فقال: هذه لهذه لا أبالي» ، فلا أدري في أيِّ القبضتين أنا؛ قال الهيثمي: رجالهرجال الصحيح.

بكاء معاذ حين حضره الموت لأنه لا يدري ما قدّر الله له

وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: لما أن حضره الموت بكى فقال له: ما يبيك؟ قال: والله لا أبكي جزعاً من الموت ولا دنيا أخلِّفها بعدي؛ ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما هما قبضتان: فقبضة في النار، وقبضة في الجنة» ، ولا أدري في أيِّ القبضتين أكون، قال الهيثمي وفيه البراء بن عبد الله العنوي وهو ضعيف والحسن لم يدرك معاذاً.

قول ابن عباس فيمن تكلَّم في القدر

وأخرج أحمد عن محدم بن عبيد المكي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قيل له إن رجلاً قدم علينا يكذّب بالقدر فقال: دلُّوني عليه - وهو يومئذ قد عمي - قالوا: وما تصنع به يا أبا عباس؟ قال: والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لأعضنَّ أنفه حتى أقطعه، ولئن وقعت رقبته في يدي لأدقنَّها فإن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«كأني بنساء بني فهر يطفن بالخزرج تسطفق ألياتهن مشركات، هذا أول شرك هذه الأمة، والذي نفسي بيده لينتهينَّ بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قدَّر خيراً كما أخرجوه من أن يكون قدَّر شراً» .

ص: 43

وعند ابن أبي حاتم عن عطاء ابن أبي رباح قال: أتيت ابن عباس وهو ينزع من ماء زمزم وقد ابتلت أسافل ثيابه، فقلت له: قد تُكُلِّم في القدر، فقال: أوَقَد فعلوها؟ قلت: نعم، قال: فوالله ما نزلت هذه الآية إلَاّ فيهم {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} {إِنَّا كُلَّ شَىْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (سورة القمر، الآيتان: 48 و49) أولئك شرار هذه الأمة، فلا تعودوا مرضاهم، ولا تصلُّوا على موتاهم، إن رأيت أحداً منهم فقأت عينيه بأصبعيَّ هاتين. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لوددتُ أنَّ عندي رجلاً من أهل القدر فوجأت رأسه قالوا: ولم ذاك؟ قال: لأن الله تعالى خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء، دفّتاه ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، وعرضه ما بين السماء والأرض، ينظر فيه كل يوم ستين وثلاثمائة نظرة، يخلق بكل نظرة، ويحيي ويميت، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء.

مقاطعة ابن عمر لصديق له تكلم في القدر

وأخرج أحمد عن نافع قال: كان لابن عمر رضي الله عنهما صديق من أهل الشام يكاتبه، فكتب إليه عبد الله بن عمر أنه بلغني أنك تكلَّمت في شيء من القدر، فإياك أن تكتب إليَّ: فإن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون في أمتي أقوام يكذِّبون بالقدر» . وأخرجه أبو داود عن أحمد بن حنبل به، كما في التفسير لابن كثير.

ص: 44

قول علي في القدر وفيمن تكلم فيه

وأخرج ابن عبد البر في العلم عن النَّزَّال بن سَبْرة قال: قيل لعلي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، إنَّ ههنا قوماً يقولون: إنَّ الله لا يعلم ما يكون حتى يكون، فقال: ثلكتهم أمهاتهم من أين قالوا هذا؟ قيل: يتأوَّلون القرآن في قوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (سورة محمد، الآية: 31) فقال علي: من لم يعلم هلك، ثم سعد المنبر بحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس تعلَّموا العلم واعملوا به وعلِّموه، ومن أشكل عليه شيء من كتاب الله فليسألني، وبلغني أنَّ قوماً يقولون: إنَّ الله لا يعلم ما يكون حتى يكون لقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ} وإنما قوله: حتى نعلم، ويقول: حتى نرى من كتب عليه الجهاد والصبر إن جاهد وصبر على ما نابه وأتاه مما قضيت عليه، كذا في الكنز. وتقدَّم في التوكل قول علي رضي الله عنه: إنَّه لا يكون في الأرض شيء حتى يُقضى في السماء، وليس من أحدإلَاّ وقد وُكِّل به ملكان يدفعان عنه ويكلآنه حتى يجيء قدره، فإذا جاء قدره خَلَّياً بينه وبين قدره، وإنَّ عليَّ من الله جُنَّةً حصينة، فإذا جاء أجلي كُشف عني، وإنه لا يجد طعم الإِيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. أخرجه أبو داود في القدر.

ما كان يُنشد عمر على المنبر في القدر

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص243) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيراً ما يخطب، كان يقول على

ص: 45

المنبر:

خفِّض عليك فإن الأمورْ

بكف الإِله مقاديرها

فليس بآتيك مَنْيُّها

ولا قاصرٌ عنك مأمورُها

الإِيمان بأشراط الساعة

ما قاله عليه السلام حين نزلت: فإذا نقر في الناقور

أخرج ابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {فَإِذَا نُقِرَ فِى النَّاقُورِ} (سورة المدثر، الآية: 8) قال النبي صلى الله عليه وسلم «كيف أنعم وصاحب القَرْن قد التقم القرن، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ» ؟ فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكيف نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا» ، كذا في الكنز وقال: وهو حسن، وأخرجه الباوردي عن الأرقم بن أبي الأرقم نحوه، وفي رواية: فلما سمعه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد ذلك عليهم وقالوا: يا رسول الله كيف نصنع؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل» .

خوف سودة اليمانية من خروج الدجار

وقد تقدَّم في معاشرة النساء قول حفصة لسودة رضي الله عنهما: يا سودة خرج الأعور، قالت: نعم ففزعت فزعاً شديداً، فجعلت تنتفض، قالت: أي أختبىء؟ قالت: عليك بالخيمة - هخيمة لهم من سعف يختبئون فيها - فذهبت

ص: 46

فاختبأت فيها، وفيها القذر ونسيج العنكبو، فذكر الحديث وفيه: فذهب - أي رسول الله - فإذا سودة تُرْعد؛ فقال لها: «يا سودة مالك» ؟ قالت: يا رسول الله خرج الأعور قال: «ما خرج وليخرجنَّ، ما خرج وليخرجنَّ» ، فأخرجها فجعل ينفض عنها الغبار ونسيج العنكبوت؛ أخرجه أبو يعلى والطبراني عن رزينة رضي الله عنها مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قول الصدِّيق وابن عباس في الدجال

وأخرج ابن أبي شيبة عن سيعد بن المسيَّب قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: هل بالعراق أرض يقال لها خراسان؟ قالوا: نعم، قال: فإن الدَّجال يخرج منها، وعند نُعيم بن حماد في الفتن عن أبي بكر الصدِّيق قال: يخرج الدجال من مَرُو من يهوديتها. كذا في الكنز. وأخرج ابن جريرعن عبد الله بن أبي مُليكة قال: غدوت عى ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت، وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه الحاكم عن ابن أبي مُليكة نحوه غير أن في روايته:

ص: 47

فخشيت أن يكون الدجال قد طَرَق، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه ووافقه الذهبي.

الإِيمان بما هو كائنن في القبر والبرزخ

قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو على فراش الموت

أخرج أحمد في الزهد عن عبادة بن نَسيّ قال: لمّا حضرت أبا بكر رضي الله عنه الوفاةُ قال لعائشة رضي الله عنها: أغسلي ثوبيَّ هذين وكفنين بهما؛ فإنما أبوك أحد رجلين: إما مكسو أحسن الكسوة، أو مسلوب أسوأ السلب. كذا في المنتخب، وعنده أيضاً وابن سعد والدغولي عن عائشة قالت: لما حُضر أبو بكر قلت:

لعمرك ما يُغني عن الفتى إذا

حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

فقال أبو بكر: لا تقولي هكذا يا بنية، ولكن قولي:{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} {بِالْحَقّ} {ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (سورة ق، الآية: 19) وقال: انظروا ثوبيِّ هذين فاغسلوهما ثم كفِّنوني فيهما؛ لأن الحيَّ أحوج إلي الجديد نم الميت، إنما هو للمهلة. وعند أبي يعلى وأبي نعيم والدغولي والبيهقي عن عائشة قالت: لما اشتدَّ مرض أبي بكر بكيت، وأغمي عليه فقلت:

من لا يزال دمعه مقنّعاً

فإنه من دمعه مدفوقُ

ص: 48

فأفاق فقال: ليس كما قلت يا بنية، ولكن «وجاءت سكرة الموت بالحق، ذلك ما كنت منه تحيد» . ثم قال: أيُّ يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يوم الإثنين، فقال: أي يوم هذا؟ فقلت: يوم الإثنين، قال: فإني أرجو من الله ما بيني وبين هذا الليل، فمات ليلة الثلاثاء، وقال: في كم كُفِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كفَّناه في ثلاثة أثواب سَحُولية بيض جُدُد ليس فيها قميص ولا عمامة، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وبه رَدْع من زعفران واجعلوا معه ثوبين جديدين؛ فقلت: إنه خَلَق، فقال: الحي أحوج إلى الجديد من الميت، إنما هو للمهلة، كذا في المنتخب. وفي سياق ابن سعد: إنما يصير إلى الصديد وإلى البلى.

قول عمر رضي الله عنه وهو على فراش الموت

وأخرج ابن سعد عن يحيى بن أبي راشد النصري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال لابنه: يا بني إذا حضرتني الوفاة فاحرفني، واجعل ركبتيك في صلبي، وضع يدك اليمنى على جبيني ويدك اليسرى على ذَقني، فإذا قُبضت فأغمضني، واقصدوا في كفني، (فإنَّه إن يكن لي عند الله خيرا أبدلني خيراً منه، وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي، واقصدوا في حفرتي) فإنه إن يكن لي عند الله خير وسَّع لي فيها مدّ

ص: 49

بصري، وإن كنت على غير ذلك ضيّقها عليَّ حتى تختلف أضلاعي، ولا تُخرِجنَّ معي امرأة، ولا تزكُّوني بما ليس فيّ، فإنّ الله هو أعلم بي، وإذا خرجتم بي فاسرعوا في المشي، فإنه إن يكن لي عند الله خير قدمتموني إلى ما هو خير لي، وإن كنت على غير ذلك كنتم قد ألقيتم عن رقابكم شرّاً تحملونه. وأخرجه ابن أبي الدنيا في القبور عن يحيى نحوه كما في المتخب. وقد تقدَّم في جعل الأمرشورى بين المستصلحين له قول عمر حين عرف أنه الموت قال: الآن لو أنَّ لي الدنيا كلها لافتديت بها من هول المطَّلَع، وقوله لابنه: ألصق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر، فوضعته من فخذي على ساقي فقال: ويلك وويل أمك يا عمر إن لم يغفر الله لك يا عمر ثم قبض رحمه الله. أخرجه الطبراني في حديث طويل عن ابن عمر رضي الله عنهما وحسَّن إسناده الهيثيم.

بكاء عثمان رضي الله عنه حينما كان يقف على القبور

وتقدّم في البكاء عن هانىء قال: كان عثمان رضي الله عنه إذ وقف على قبر يبكي حتى يبلّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتذكر القبر فتبكي - فذكر الحديث، أخرجه الترمذي وحسَّنه.

قول حذيفة رضي الله عنه وهو على فراش الموت

وأخرج البخاري في الأدب (ص72) عن خالد بن الربيع قال: لما ثقل حذيفة

ص: 50

رضي الله عنه سمع بذلك رهطه والأنصار، فأتوه في جوف الليل أو عند الصبح، فقال: أي ساعة هذه؟ قلنا: جوف الليل أو عند الصبح، فقال: أعوذ بالله من صباح (إلى) النار قال: جئتم بما أُكفن به؟ قلنا: نعم، قال: لا تغالَوا بالأكفان؛ فإنه إنْ يكن لي عند الله خير بُدِّلت به خيراً منه، وإن كانت الأخرى سُلِبت سلباً سريعاً. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي وائل قال: لما ثقل حذيفة أتاه أناس من بني عبس فأخبرني خالد بن الربيع العبسي قال: أتيناه وهو بالمدائن حتى دخلنا عليه جوف الليل - فذكر نحون. وأخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه بمعناه مختصراً. وعند أبي نعيم في الحلية عن صلة ابن زُفَر أن حذيفة بعثني وأبا مسعود فابتعنا له كفناً حُلَّة عَصْب بثلاثمائة درهم، فقال: أرياني ما ابتعتما لي؛ فأريناه فقال: ما هذا لي بكفن، إنما يكفي ريطتان بيضاوان ليس معهما قميص، فإني لا أُترك إلَاّ قليلاً حتى أُبدل خيراً منهما أو شراً منهما، فابتعنا له ريطتين بيضاوين. وعنده أيضاً عن أبي مسعود مختصراً، وفي روايته: ما تصنعون بهذا؟ إن كان صاحبكم صالحاً ليبدلنَّ الله تعالى به، وإن كان غير ذلك ليترامنَّ به رَجَواها إلى يوم القيامة. وأخرجه الحاكم عن قيس بن أبي حازم نحوه، وفي روايته: وإن كان غير ذلك ليضربنَّ الله به وجهه يوم القيامة.

ص: 51

قول أبي موسى رضي الله عنه وهو يحتضر

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الضحاك بن عبد الرحنم قال: دعا أبو موسى الأشعير رضي الله عنه فتيانه حين حضرته الوفاة فقال: اذهبوا واحفروا وأوسعوا وأعمقوا، فجاؤوا فقالوا: قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنا، فقال: والله إنها لإحدى المنزلتين: إما ليفتحنَّ لي باب إلى الجنة فلأنظرنَّ إلى أزواجي ومنازلي وما أعد الله تعالى لي من الكرامة، ثم لأكوننَّ أهدى إلى منزلي مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من ريحها ورَوْحها حتى أُبعث. ولئن كانت الأخرى - ونعوذ بالله منها - ليضيقنَّ عليَّ قبري حتى يكون في أضيق من القناة في الزج، ثم ليفتحنَّ لي باب من أبواب جهنم، فلأنظرنَّ إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي، ثم لأكوننَّ إلى مقعدي من جهنم أهدى مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من سمومها وحميها حتى أبعث.

تمني أسيد بن حضير أن يكون في أحد أحوال ثلاثة

وأخرج أبو نُعيم والبيهقي وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أسيد بن حُضَير رضي الله عنه من أفاضل الناس وكان يقول: لو أني أكون كما أكون على حال من أحوال ثلاثة لكنت من أهل الجنة وما شككت في ذلك: حين أقرأ القرآن وحين أسمعه يُقرأ، وإذا سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا شهدت جنازة، وما شهدت جنازة قط فحدثتُ نفسي سوى ما هوم مفعول بها وما هي صائرة إليه. كذا في المنتخب.

ص: 52

الإِيمان بالآخرة

وصفه عليه الصلاة والسلام للجنة

أخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قلنا؛ يا رسول الله إنا إذا رأيناك رقَّت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة، فإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشمِمنا النساء والأولاد، قال صلى الله عليه وسلم «لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأفكهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله عز وجل بقوم يذنبون كي يفغر لهم» ، قلنا: يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال صلى الله عليه وسلم «لبنة ذهب ولبنة فضة، ومِلاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه. ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتُفتح لها أبواب السماوات، ويقول الرب تبارك وتعالى:{وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين} . وروى الترمذي وابن ماجه بعضه، كما في التفسير لابن كثير.

قصة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وسلم حين ذهبت إليه للدنيا ورجعت من عنده بالآخرة

وأخرج أبو الشيخ في جزء من حديثه عن سويد بن غَفَلة قال: أصابت علياً رضي الله عنه خصاصة، فقال لفاطمة رضي الله عنها: لو أتيتِ النبي

ص: 53

صلى الله عليه وسلم فسألته، فأتته وكان عنده أم أيمن رضي الله عنها، فدقت الباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم أيمن:«إنَّ هذا لَدَقُّ فاطمة، ولقد أتتنا في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها» ، فقالت: يا رسول الله هذه الملائكة طعامها التهليل والتسبيح والتحميد ما طعامنا؟ قال: «والذي بعثني بالحق ما اقتبس في بيت آل محمد منذ ثلاثين يوماً، ولقد أتتنا أعنز، فإن شئت أمرنا لك بخمسة أعنز، وإن شئت علمتك خمس كلمات علمنيهنَّ جبريل» ، فقالت: بل علمني الخمس كلمات التي علمكهنَّ جبريل، قال:«قولي: ياأول الأولين، ويا آخر الآخرين، وياذا القوة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أحرم الراحمين» فانصرفت فدخلت على عليَ فقال: ما وراءك؟ فقالت: ذهبت من عندك للدنيا وأتيتك بالآخرة، فقال: خير أيامك. كذا في الكنز وقال: ولم أرَ في رواته من جُرح إلا أن صورته صورة المرسل، فإن كان سويد سمعه من علي فهو متصل.

قول أبي موسى في سبب صد الناس عن الآخرة

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع أبي موسى رضي الله عنه في مسيرٍ له، فسمع الناس يتحدَّثون، فسمع فصاحة فقال: ما الي يا أنس؟ هلمَّ فلنذكر ربنا فإن هؤلاء يكاد أحدهم أن يفريَ الأديم بلسانه ثم قال لي: يا أنس ما أبطأ بالناس عن الآحرة وما ثبَّرهم عنها؟ قال: قلت: الشهوات والشيطان، قال: لا والله، ولكن عُجِّلت لهم الدنيا وأُخرت الآخرة ولو عاينوا ما عَدَلوا وما ميّلوا.

ص: 54

الإِيمان بما هو كائن يوم القيامة

رجاؤه عليه السلام أن تكون أمته نصف أهل الجنة

أخرج الترمذي - وصححه - عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما نزلت {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ} إلى قوله: {وَلَاكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (سورة الحج، الآيتان: 1 و2) قال: نزلن عليه هذه الآية وهو في سفر فقال: «أتدرون أي يوم ذلك» ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:«ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار، قال: يا رب وما بَعْثُ النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة» ، فأنشأ المسلون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قاربوا وسدِّدوا؛ فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهليّة» ، قال:«فيؤخذ العدد من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، ومامثلكم ومثل الأممإلا كمثل الرَّقْمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير» ، ثم قال:«إني لأرجو أن تكونوا رُبع أهل الجنة» فكبَّروا، ثم قال:«إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة» ، فكبَّروا، ثم قال:«إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة» ، فكبروا، ثم قال: ولا أدري أقال الثلثين أم لا، وكذا رواه الإِمام أحمد وابن أبي حاتم.

لغاية ص 440

تابع وعند البخاري في تفسير هذه الآية عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (يقول الله تعالى يوم القيامة: يا آدم فيقول: لبيك ربنا وسَعْديك، فينادي بصوت: إنالله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف - أُراه قال: تسعمائة وتسعة وتسعون - فحينئذ

ص: 55

تضع الحامل حملها ويشيب الوليد. {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَاكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (سورة الحج، الآية: 2) . فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون، ومنكم واحد، أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبَّرنا، ثم قال: «ثلث أهل الجنة» فكبرنا، ثم قال:«شطر أهل الجنة» . فكبرنا. وقد رواه البخاري أيضاً في غير هذا الموضع ومسلم والنسائي في تفسيره. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه، وفي روايته: فشقَّ ذلك على القوم ووقعت عليهم الكاربة والحزن.

سؤال الزبير النبي عليه السلام عن بعض أحوال الآخرة وجوابه

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: لما نزلت: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (سورة الزمر، الآية: 31) قال الزبير رضي الله عنه: يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة؟ قال صلى الله عليه وسلم «نعم» ، قال رضي الله عنه: إن الأمر إذاً لشديد وكذا رواه الإِمام أحمد وعنده زيادة: ولما نزلت {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} (سورة التكاثر، الآية: 8) قال الزبير رضي الله عنه: أي رسول الله أَيُّ نعيم نُسأل عنه؟ وإنما نعيمنا الأسودان: التمر والماء؟ وقد روى هذه الزيادة

ص: 56

الترمذي وحسَّنه وابن ماجه. وعند أحمد عن عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (سورة الزمر، الآيتان: 30 و31) قال الزبير رضي الله عنه: أيْ رسول الله، أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواصِّ الذنوب؟ قال صلى الله عليه وسلم «نعم، ليكررنَّ عليكم حتى يؤدَّي إلى كل ذي حق حقُّه» قال الزبير رضي الله عنه: والله إن الأمر لشديد ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح.s كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه الحاكم في المستدرك نحوه قال: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه.

بكاء عبد الله بن رواحة لتذكُّره آيةً في شأن جهنم

وأخرج عبد الرزاق عن قيس بن أبي حازم قال: كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه واضعاً رأسه في حجر امرأته، فبكى فبكت امرأته، قال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال: إني ذكرت قول الله عز وجل {وَإِن مّنكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا} (سورة مريم، الآية: 71) فلا أدري أنجو منها أملا؟ وفي رواية: وكان مريضاً. كذا في التفسير لابن كثير.

طلب عبادة من أهله وجيرانه الاقتصاص منه حين حضره الموت

وأخرج البيهقي وابن عساكر عن عبادة بن محمد بن عبادة بن الصامت

ص: 57

قال: لمَّا حضرت عبادة رضي الله عنه الوفاة قال: أخرجوا إليَّ مواليَّ وخدمي وجيراني ومن كان يدخل عليَّ، فجمعوا له فقال: إنَّ يومي هذا لا أُراه إلا آخر يوم يأتي عليَّ من الدنيا وأول ليلة من الآخرة، وإني لا أدري لعله قد فرط نمي إليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو والذي نفسي بيده القصاص يوم القيامة، وأحرِّج إلى أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني من قبل أن تخرج نفسي، فقالوا: بل كنت والداً وكنت مؤدباً - قال: وما قال لخادم سوءاً قط - فقال: أعفوتم ما كان من ذلك؟ قالوا: نعم، قال: اللهمَّ اشهد، ثم قال: أمَّا لا، فاحفظوا وصيتي: أحرِّج على إنسان منكم يبكي عليَّ، فإذا خرجت نفسي فتوضأوا وأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجداً فيصلي، ثم يستغفر لعبادة ولنفسه، فإنَّ الله تعالى قال:{اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصلاةِ} (سورة البقرة، الآية: 45) أسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تتبعني ناراً ولا تضعوا تتي أرجواناً، كذا في الكنز.

تخوّف عمر من حساب الآخرة

وقد تقدم في الاحتياط عن الإنفاق على نفسه من بيت المال قول عمر رضي الله عنه لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حين استقرضه أربعة آلاف درهم فقال للرسول: قل له: يأخذها من بيت المال ثم ليردها، فلما جاءه الرسول فأخبره بما قال شق ذلك عليه فلقيه عمر فقال: أنت القائل؛ ليأخذها من بيت المال، فإن مت قبل أن تجيء قلتم: أخذها أمير المؤمنين دعوها له، وأؤخذ بها يوم القيامة.

بكاء أبي هريرة ومعاوية حين سمعا حديثاً في الآخرة

وسيأتي في التأثر بعلم الله تعالى وعلم رسوله صلى الله عليه وسلم نشغ أبي هريرة رضي

ص: 58

الله عنه نَشْغة شديدة، وسقوطه على وجهه حتى أسنده شَفيُّ الأصبحي طويلاً حين ذكر قضاء الله تبارك وتعالى فيالقارىء، وصاحب المال، والذي قُتل في بيل الله، وبكاء معاوية رضي الله عنه بكاءاً شديداً حين سمع هذا الحديث ظنّوا أنَّه هالك.

الإِيمان بالشفاعة

قوله عليه السلام: إن شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا

أخرج ابغوي وابن عساكر عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: عرَّس بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوسَّد كل إنسان منا ذراع راحلته، فانتبهت في بعض الليل فإذا أنا لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند راحلته فأفزعني ذلك؛ فانطلقت ألتمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، فإذا هما قد أفزعهما ما أفزعني، فبينما نحن كذلك إذ سمعناه هزيزاً بأعلى الوادي كهزيز الرحى، فأخبرناه بما كان من أمرنا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «أتاني الليلة آتٍ من ربي عز وجل فخيَّرني بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة» ، فقلت: أنشدك الله يا نبي الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك، قال:«فإنَّكم من أهل شفاعي» ، فانطلقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهينا إلى الناس فإذا هم قد فزعوا حين فقدوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «أتاني آتٍ من ربي فخيَّرني بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة» ، فقالوا له: ننشدك الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك، فلما انضمُّوا عليه قال نبي الله صلى الله عليه وسلم «فإني أشهد من حضر أن شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً. كذا في الكنز.

دعوته عليه السلام لأمته عند ربه هي الشفاعة لهم

وأخرج البغوي وابن منده وانب عساكر عن عبد الرحمن بن أبي عقيل رضي الله عنه قال: انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، فأنخنا بالباب وما

ص: 59

في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فما خرجنا حتى ما في الناس أحد أحب إلينا من رجل نلج عليه، فما خرجنا حتى ما فيالناس أحد أحب إلينا من رجل دخلنا عليه، فقال قائل منا: يا رسول الله، أَلَا سألت ربك ملكاً كملك سليمان عليه السلام، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:«لعلَّ لصاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان، إنَّ الله لم يبعث نبياً إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذها - وفي لفظ: اتخذ بها - دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا على قومه لما عصَوه فأُهكلوا بها، وإنَّ أعطاني دعوة اختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة» . قال البغوي: لا أعلم روى ابن أبي عقيل غير هذا شفاعة لأمتي يوم القيامة» . قال البغوي: لا أعلم روى ابن أبي عقيل غير هذا الحديث وهو غريب لم يحدِّث به إلا من هذا الوجه، كذا في الكنز. وأخرجه البخاري والحارث بن أبي أسامة، كما في الإِصابة.

قوله عليه السلام: نعم الرجل أنا لشرار أمتي

وأخرج الشيرازي في الألقاب وابن النجار عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم الرجل أنا لشرار أمتي» فقال له رجل من مزينة: يا رسول الله أنت لشرارهم فكيف لخيارهم؟ قال: «خيار أمتي يدخلون الجنّة بأعمالهم، وشرار أمتي ينتظرون شفاعتي، إلا أنها مباحة يوم القيامة لجميع أمتي إلا رجل ينتقص أصحابي» . كذا في الكنز.

قول علي في أرجى آية في كتاب الله

وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أشفع لأمتي حتى ينايني ربي فيقول: أرضيت يا محمد؟ فأقول:

ص: 60

نعم، رضيت» ، ثم أقبل عليَّ فقال: إنكم تقولون يا معشر العراق: إنَّ أرجَى آية في كتاب الله {ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (سورة الزمر، الآية: 53) قلت: إنا لنقول ذلك، قال: ولكنا أهل البيت نقول: إنَّ أرجَى آية في كتاب الله {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (سورة الضحى، الآية: 5) وهي الشفاعة. كذا في الكنز.

قول بريدة في أمر الشفاعة أمام معاوية

وأخرج أحمد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه دخل على معاوية رضي الله عنه فإذا رجل يتكلم، فقال بريدة: يا معاوية تأذن لي في الكلام؟ فقال: نعم - وهو يرى أنه سيتكلم بمثل ما قال الآخر - فقال بريدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لأرجو أن أشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة ومدرة» ، قال: فترجوها أنت يا معاوية ولا يرجوها علي رضي الله عنه؟ كذا في التفسير لابن كثير.

جواب جابر بن عبد الله لمن كذَّب بالشفاعة

وأخرج ابن مردويه عن طَلْق بن حبيب قال: كنت من أشد الناس تكذيباً بالشفاعة، حتى لقيت جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار، فقال: يا طَلْق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم بسنة رسول الله مني؟ إن الذين قرأت هم أهلها هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً فعُذِّبوا ثم أُخرجوا منها، ثم أهوى بيديه إلى أذنيه فقال: صُمَّتا

ص: 61

إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرجون من النار بعدما دخلوا» ونحن نقرأ كما قرأت.

وعند ابن أبي حاتم عن يزيد الفقير قال: جلست إلى جابر بن عبد الله وهو يحدِّث أن ناساً يخرجون من النار قال: وأنا يومئذ أنكر ذلك، فغضبت وقلت: ما أعجب من الناس ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تزعمون أن الله يخرج ناسناً من النار والله يقول: {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} (سورة المائدة، الآية: 37) - الآية، فانتهرني أصحابه وكان أحلمهم فقال: دَعُوا الرجل، إنَّما ذلك للكفار، فقرأ:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِى الاْرْضِ جَمِيعاً} {ومثله معه ليفتدوا به من عذا يوم القيامة} حتى بلغ {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} (سورة المائدة، الآيتان: 36 و37) أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قد جمعته، قال: أليس الله يقول: {وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} {عى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} (سورة الإسراء، الآية: 79) فهو ذلك المقام، فإن الله تعالى يحتبس أقواماً بخطاياهم في النار ما شاء لا يكلمهم، فإذا أراد أن يخرجهم أخرجهم، قال: فلم أعُدْ بعد ذلك إلى أن أكذِّب به. كذا في التفسير لابن كثير.

الإِيمان بالجنة والنار

تصوّر الصحابة الجنة في مجلسه عليه السلام وكأنهم يرونها رأي العين

أخرج الحسن بن سفيان وأبو نعيم عن حنظة الكاتب الأسيدي رضي الله عنه وكان من كُتَّاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا الجنة والنار حتى كانا رأي عين، فقمت إلى أهلي وولدي فضحكت ولعبت، فذكرت الذي كنَّا فيه، فخرجت فلقيت أبا بكر رضي الله عنه، فقلت: نافقتُ يا أبا بكر

ص: 62

قال: وم ذاك؟ قلت: تكون عند النبي صلى الله عليه وسلم يذكِّرنا الجنة والنار كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عنده عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا، فقال أبو بكر: إنَّا لنفعل ذلك، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال:«يا حنظلة، لو كنتكم عند أهليكم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطريق، يا حنظلة، ساعة وساعة» كذا في الكنز.

تحديثه عليه السلام أصحابه عن اليوم الآخر

وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أكرينا (في الحديث) ذات ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم غدونا عليه فقال: «عُرضت عليَّ الأنبياء وأتباعها بأممها، فيمر عليَّ النبي

والنبي في العصابة، والنبي في الثلاثة، والنبي وليس معه أحد» - وتلا قتادة هذه الآية» :{أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} (سورة هود، الآية: 78) قال: «حتى مرّ عليَّ موسى بن عمران عليه السلام في كبكبة من بني إسرائيل» قال: «قلت: ربِّ من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران ومن تبعه من بني إسرائيل» قال: «قلت: ربِّ فأين أمتي؟ قال: انظر عن يمينك في الظِّراب، قال: فإذا وجوه الرجال، قال: أرضيت؟ قلت: قد رضيت ربِّ، قال: انظر إلى الأفق عن يسارك؛ فإذا وجوه الرجال، قال: أرضيت؟ قلت: قد رضيت ربِّ، قال: فإنَّ مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب» قال: وأنشأ عُكاشة بن محصن من بني أسد رضي الله عنه قال سعيد: وكان بدرياً -

ص: 63

قال: با نبيَّ الله ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال:«اللهمَّ اجعله منهم» . قال: أنشأ رجل آخر قال: يا نبي الله ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال:«سبقك بها عكاشة» قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فإن استطعتم - فداكم أبي وأمي - أن تكونوا من أصحاب السبعين فافعلوا، وإلَاّ فكونوا من أصحاب الظِّراب، وإلا فكونوا من أصحاب الأفق، فإني قد رأيت ناساً كثيراًقد ناشبوا أحوالهم» ثم قال: «إنِّي لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة» ، قال: فكبضرنا، قال:«إنِّي لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة» ، قال: فكبرنا، قال: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {ثلة من الأولين وثلة من الآخرين} (سورة الواقعة، الآية: 40) - قال: فقلنا بيننا: مَنْ هؤلاء السبعون ألفاً؟ فقلنا: هم الذين وُلدوا في الإِسلام ولم يشركوا، قال: فبلغه ذلك فقال: «بل هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيَّرون، وعلى

ربهم يتوكَّلون» . وكذا رواه ابن جرير، وهذا الحديث له طرق كثيرة من غير هذا الوجه في الصحح وغيرها. كذا في التفسير لابن كثير، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن مسعود بطوله نحوه، وقال: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه بهذه السياقة، وقال الذهبي: صحيح.

سؤال الأعراب النبي عليه السلام عن شجر الجنة

وأخرج ابن النجار عن سليم بن عامر قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إنَّ الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم، قال: أقبل أعرابي يوماً فقال:

ص: 64

يا رسول الله، ذكر الله في الجنة شجرة تُؤذي صاحبها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما هي» ؟ قال: السَّدْر فإن له شوكاً مؤذياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أليس الله تعالى يقول: في سِدْر مَخْضُودٍ، خضد الله شوكه، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمراً، ففتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لوناً من طعام ما فيها لون يشبه الآخر» . وعند ابن أبي داود عن عتبة بن عبد السُّلمي رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجراً أكثر شوكاً منها - يعني الطَّلْح - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خُصوة التيس الملبود، فيها سبعون لوناً من الطعام لا يشبه لونٌ الآخر» . كذا في التفسير لابنكثير.

سؤال أعرابي النبي عليه السلام عن فاكهة الجنة وجوابه

وأخرج الإِمام أحمد عن عتبة بن عبد السلمي قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الحوض وذَكَر الجنة، ثم قال الأعرابي: فيها فاكهة؟ قال: «نعم، وفيها شجرة تدعى طُوبى» ، قال: فذكر شيئاً لا أدري ما هو، قال: أيُّ شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئاً من شجر أرضك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتيتَ الشام؟ قال: لا، قال:«تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد وينفرش أعلاها» ، قال: ما عظم العنقود؟ قال: «مسيرة شهر للغراب الأبقع لا يفتر» ، قال: ما عظم أصلها؟ قال: «لو ارتحلت جذعةً من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكر تَرقُوتها هرماً» ، قال: فيها عنب؟ قال: «نعم» ، قال: فما عظم الحبّة، قال: هل ذبح أبوك تيساً من غنمه قط عظيماً» ؟ قال: نعم، قال:«فسلخ إهابه فأعطاه أُمك فقال: اتخذي لنا منه دلواً» ؟ قال: نعم، قال اوعرابي؛ فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي؟ قال: «نعم وعامة

ص: 65

عشيرتك» . كذا في التفسير لابن كثير.

موت رجل حبشي في مجلسه عليه السلام حينما سمع وصف الجنة

وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهم قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «سل واستفهم» فقال: يا رسول الله فُضِّلتم علينا بالصور والألوان والنبوة، أفرأيت إن آمنتَ بما آمنتَ به، وعلمتَ بما عملت به، إني لكائن معك في الجنة؟ قال:«نعم، والذي نفسي بيده، إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قال: لا إله إلا الله، كان له بها عهد عند الله، ومن قال: سبحان الله وبحمده، كتب له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة» ، فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ الرجل ليأتي يوم لقيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله، فتقوم النعمة - أبو نعم الله - فتكاد تستنفد ذلك كله، إلاّ أن يتغمده الله برحمته» ونزلت هذه السورة {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدَّهْرِ} (سورة الإنسان، الآيتان: 1 و20) فقال الحبشي: وإن عينيَّ لترى ما ترى عيناك في الجنة؟ قال: «نعم» ، فاستبكى حتى فاضت نفسه. قال ابن عمر: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيده. كذا في التفسير لابن كثير. وفي تفسيره أيضاً: قال عبد الله بن وَهْب: أخبرنا ابن زيد أن رسول الله

ص: 66

صلى الله عليه وسلم قرأ هذه السورة {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدَّهْرِ} وقد أنزلت عليه وعنده رجل أسود، فلما بلغ صفة الجنان زفر زفرة فخرجت نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أخرج نفس صاحبكم - أو قال: أخيكم - الشوق إلى الجنة» . مرسل غريب. انتهى.

تبشيره علي لعمر بالجنة وهو يحتضر

وأخرج ابن عساكر عن أبي مطر قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وجأه أبو لؤلؤة وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: أبكاني خبر المساء، أيُذهب بي إلى الجنة أم إلى النار؟ فقلت له: أبشر بالجنة؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما لا أحصيه يقول: «سيداً كهول الجنة أبو بكر وعمر وأنَعما» فقال: أشاهد أنت لي يا علي بالجنة؟ قلت: نعم، وأنت يا حسن فاشهد على أبيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن عمر من أهل الجنة» . كذا في المنتخب.

بكاء عمر عند ذكر الجنة

وقد تقدَّم في زهد عمر قوله في ضيافة له: هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ فقال عمر بن الوليد: لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر، وقال: لئن كان حظُّنا من هذا الحطام وذهبوا بالجنة لقد بانوا بوناً عظيماً أخرجه عبد بن حيمد وغيره عن قتادة.

رجاء بن سعد بن أبي وقاس بدخول الجنة وهو يحتضر

وأخرج ابن سعد عن مصعب بن سعد قال: كان رأس أبي حِجْري وهو يقضي قال: فدمعت عيناي فنظر إليَّ فقال: ما يبكيك أي بني؟ فقلت:

ص: 67

لمكانك وما أرى بك، قال: فلا تبك عليَّ؛ فإن الله لا يعذبني أبداً، وإنِّي من أهل الجنة، إنَّ الله يدين المؤمنين بحسناتهم ما عملوا لله، قال: وأما الكفار فيخفّف عنهم بحسناتهم، فإذا نفدت قال: ليطلب كل عامل ثواب عمله ممن عمل له.

جزع عمرو بن العاص وهو يحتضر خوفاً مما بعد الموت

وأخرج ابن سعد عن ابن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياق الموت، فحوَّل وجهه إلى الحائط يبكي طويلاً وابنه يقول له: ما يبكيك؟ أما بشَّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشَّرك بكذا؟ - قال: وهو في ذلك يبكي ووجهه إلى الحائط - قال: ثم أقبل بوجهه إلينا فقال: إنَّ أفضل مما تعد عليَّ شهادةُ أن لا إله إلَاّ الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني قد كنت على أطباق ثلاث: قد رأيتني ما من الناس من أحد أبغض إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحب إليَّ من أن أستمكن منه فأقتله، فلو متّ على تلك الطبقة لكنت من أهل النار. ثم جعل الله الإسلام في قلبي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه فقلت: إبسط يمينك أبايعك يا رسول الله، قال: فبسط يده، ثم إنِّي قبضت يدي، فقال:«ما لك يا عمرو» ؟ قال: فقلت: أردت أن أشترط، فقال:«تشترط ماذا» ؟ فقلت: أشترط أن يُغفر لي، فقال:«أما علمت يا عمرو أنَّ الإِسلام يهدم ما كان قبله، وأنَّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأنَّ الحج يهدم ما كان قبله» فقد رأيتني ما من الناس أحد أحبَّ إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، ولم سئلت أن أنعته ما أطقت لأني لم أكن أطيق أن أملأ عينيَّ إجلالاً له، فلو مت على تلك الطبقة رجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم وَلينا أشياء بعد فلست أدري ما أنا فيها أو ما حالي فيها. فإذا

ص: 68

أنا متُّ فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فسنُّوا عليَّ التراب سناً، فإذا فرغتم من قبري فأمكثوا عند قبري قد ما ينحر جزور ويُقسم لحمها؛ فإني أسأنس بكم حتى أعلم ماذا أراجع به رسل ربي. وأخرجه مسلم بسند ابن سعد بسياقه نحوه.

وأخرجه أحمد عبد الرحمن بن شماسة قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاةُ، بكى فقال له ابنه عبد الله: لم تبكي؟ أجزعاً على الموت؟ فقال: لا والله، ولكن مما بعد الموت فقال له: قد كنت على خير، فجعل يذكِّره صحبة رسول الله وفتوحه الشام، فقال عمرو: تركتَ أفضل من ذلك كله: شهادة أن لا إله إلَاّ الله، فذكره مختصراً وزاد في آخره: فإذا متّ فلا تبكينَّ عليَّ باكية، ولا يتبعني مادح ولا نار، وشدّوا عليّ إزاري، فإني مخاصم، وشنّوا عليص التراب شنّاً؛ فإن جنبي الأيمن ليس أحق بالتراب من جنبي الأيسر، ولا تجعلنَّ في قبري خشبة ولا حجراً. كذا في البداية وقال: وقد روى مسلم هذا الحديث في صحيحه وفيه زيادات على هذا السياق أي سياق أحمد، وفي رواية: أنه بعد هذا حوّل وجهه إلى الجدار وجعل يقول: اللهمَّ أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فما انتهينا، ولا يسعنا إلَاّ عفوك. وفي رواية: أنه وضع يده على موضع الغُل من عنقه ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهمَّ لا قويُّ فأنتصر، ولا بريءٌ فأعتذر، ولا مستنكرٌ بل مستغفر، لا إله إلَاّ أنت، فلم يزل يردِّدها حتى مات رضي الله عنه. انتهى، وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فذكر الحديث فيما أوصاه عمرو وفي آخره: ثم قال: اللهمَّ إنك أمرتنا فركبنا،

ص: 69

ونهيتنا فأضعنا، فلا برىءٌ فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر، ولكن لا إله إلَاّ الله - مال زال يقولها حتى مات.d

ما تقدَّم من أقوال بعض الصحابة في الإِيمان بالجنة والنار

وقد تقدَّم في النصرة ما قالت الأنصار حين قال النبي صلى الله عليه وسلم «قد وفيتم لنا بالذي كان عليكم، فإن شئتم أن تطيب أنفسكم بنصيبكم من خيبر ويطيب ثماركم فعلتم» ، قالوا: إنَّه قد كان لك علينا شروط ولنا عليك شرط بأن لنا الجنة؛ فقد فعلنا الذي سألتنا بأن لنا شرطنا، قال:«فذاكم لكم» رواه البزّار.

تقدَّم في باب الجهاد قول عمير بن الحُمام رضي الله عنه حين حرَّض رسول الله صلى الله عليه وسلم على القتال يوم بدر: بخٍ بخٍ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلَاّ أن يقتلني هؤلاء، قال: ثم قذف التمرات من يده وأخذسيفه فقاتل القوم حتى قتل. وفي رواية أخرى: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يحملك على قول: بخٍ بخٍ» ؟ قال: لا والله يا رسول الله؛ إلَاّ رجاء أن أكون من أهلها، قال:«فإنك من أهلها» ، قال: فأخرج تمراتٍ من قَرْنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها حياة طويلة قال: فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى تقل. رواه أحمد وغيره عن أنس رضي الله عنه.

وتقدَّم في الطعن والجراحة في الجهاد قول أنس بن النضر رضي الله عنه: واهاً لريح الجنة أجده دون أحد فقاتلهم حتى قتل، وقول سعد بن خيثمة رضي الله عنه في رغبة الصحابة في القتل في سبيل الله: لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجهي هذا، حين قال له أبوه: لا بدّ لأحدنا من أن يقيم، وقول سعد بن الربيع رضي الله عنه في يوم أحد: قل له:

ص: 70

يا رسول الله أجدني أجد ريح الجنة؛ حين قال له زيد بن ثبت رضي الله عنه إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام، ويقول لك:«أخبرني كيف تجدك» ؟، وقول حَرَام بن ملحان رضي الله عنه في شجاعة عمار: يا هاشم تقدَّم، الجنة تحت ظلال السيوف، والموت في أطراف الأسنَّة، وقد فتحت أبواب الجنة، وتزينت الحور العين، اليوم ألقى الأحبّة محمداً وحزبه، ثم حملا هو وهاشم فقتلا، وقوله أيضاً في شجاعته: يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرُّون؟ أنا عمار بن ياسر، أمن الجنة تفرُّون؟ أنا عمار بنياسر، هَلُمَّ إليَّ. وقول ابن عمر رضي الله عنهما في الإِنكار من قبول الإِمارة: فما حدَّثت نفسي بالدنيا قبل يومئذ، ذهبت أن أقول: يطمع فيه من ضربك وأباك على الإِسلام حتى أدخلكما فيه؛ فذكرت الجنة ونعيمها فأعرضت عنه - يعني حين قال معاوية رضي الله عنه في دُومة الجندل: من يطمع في هذا الأمر ويرجوه؟.

وقول سعد بن عامر رضي الله عنه حين تصدَّق وقالوا: إن لأهلك عليك حقاً، وإن لأصهارك عليك حقاً: ما أنا بمستأثر عليهم ولا بملتمس رضى أحد من الناس لطلب الحور العين، لو اطَّلعتْ خَيْرَةٌ من خيرات الجنة لأشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس، وفي رواية أخرى: أنَّه قال لامرأته: على رِسْلك، إنه كان لي أصحاب فارقوني منذ قريب ما أحب أني صُددت عنهم وإنَّ لي الدنيا وما فيها، ولو أن خيرة من خيرات الحسان اطَّلعت من المساء لأضاءت لأهل الأرض، ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر، ولَنصيف تُكسى خير من الدنيا وما فيها، فلأنت أحرى في نفسي أن أدعك لهنَّ من أن أدعهنَّ لك، قال: فسمحتْ ورضيتْ. وقول امرأة من الأنصار في الصبر على الأمراض: لا والله يا رسول الله، بل أصبر ثلاثاً، ولا أجل والله لجنته خطراً، حين قال رسول

ص: 71

الله صلى الله عليه وسلم «أيُّهما أحب إليك: أن أدعو لك فيكشف عنك - أي الحمى -، أو تصبري وتجب لك الجنة» .

وقول أبي الدرادء رضي الله عنه: أشتهي الجنة، حين اشتكى وقال له أصحابه: ما تشتهي؟، وقول أم حارثة رضي الله عنهما في الصبر على موت الأولاد حين قتل ولدها يوم بدر: يا رسول الله أخبرني عن حارثة؛ فإن كان في الجنة صبرت، وإلَاّ فليرينَّ الله ما أصنع - يعني من النياح وكانت لم تُحرَّم بعد - وفي رواية أخرى فقالت: يا رسول الله إن يكن في الجنة لم أبك ولم أحزن، وإن يكن في النار بكيت ما عشت في الدنيا، فقال:«يا أم حارثة إنها ليست بجنة ولكنها جنة في جنات، والحارث في الفردوس الأعلى» فرجعت وهي تضحك وتقول: بخٍ بخٍ يا حارث

بكاء عائشة عند ذكرها النار وما قاله عليه السلام لها

وأخرج الحاكم عن عائشلاة رضي الله عنها قالت: ذكرت النار فبكيت، فقال رسول الله:«ما لك يا عائشة» ؟ قالت: ذكرت النار فبكيت فقال رسول الله: «ما لك يا عائشة» ؟ قالت: ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمَّا في ثلاث مواطن فلا يذكر أحد أحداً: (عند الميزان) حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل. وعند الكتب حتى يقال: هاؤم إقرؤوا كتابيه، حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أو من وراء ظهره. وعند الصراط إذا وُضع بين ظهري جهنم، حافتاه كلاليب وحسك كثير، يحبس الله بها من شاء من خلقه حتى يعلم أينجو أم لا» . قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ، إسناده على شرط الشيخين لولا إرسالُ فيه بين الحسن وعائشة، وكذا قال الذهبي.

ص: 72

موت شيخ كبير وفتى عند ذكر جهنم

وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد العزيز - يعني ابن أبي روَّاد - قال: بلغني أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (سورة إبراهيم، الآية: 14) وعنده بعض أصحابه وفيهم شيخ، فقال الشيخ: يا رسول الله حجارة جهنم كحجارة الدنيا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لصخرة من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا كلِّها» قال: فوقع الشيخ مغشياً عليه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو حيٌّ، فناده فقال:«يا شيخ قل لا إله إلَاّ الله» فقالها فبشَّره بالجنة، قال: فقال أصحابه: يا رسول الله أمن بيننا؟ قال: (نعم يقول الله تعالى: {ذالِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ} ، هذا حديث مرسل غريب. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرج الحاكم بمعناه مختصراً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وصحَّحه كما تقدَّم في الخوف، وفي روايته: فخرَّ فتى مغشياً عليه - بدل الشيخ، وقد تقدَّم في الخوف قصة فتى في الأنصارد خلته خشية الله فكان يبكي عند ذكر النار حتى حبسه ذلك في البيت، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فلما نظر إليه الشاب قام فاعتنقه، وخرَّ ميتاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم «جهِّزوا صاحبكم فإن الفَرَق من النار فلذ كبده» أخرجه الحاكم وصحَّحه عن سهل وابن أبي الدنيا وغيره عن حذيفة رضي الله عنه.

ما تقدَّم من أقوال بعض الصحابة في الخوف من النار

وقد تقدَّم قصة تقلّب شدّاد بن أوس على فراشه وقوله: اللَّهم إن النار أذهبت مني النوم، فيقوم فيصلي حتى يصبح. وتقدَّم بعض قصص الباب في

ص: 73

بكاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتقدَّم في يوم مؤتة بكاء عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقوله: أما - والله - ما بي حبُّ الدنيا ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار {وَإِن مّنكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} (سورة مريم، الآية: 71) ؛ فلست أدري كيف لي بالصَّدَر بعد الورود.

اليقين بما وعد الله تبارك وتعالى

يقين أبي بكر رضي الله عنه بما وعد الله في حرب الروم والفرس

أخرج الترمذي عن نيار بن مُكرَم الأسلمي رضي الله عنه قال: لما نزلت {الم} {غُلِبَتِ الرُّومُ} {فِى أَدْنَى الاْرْضِ} {وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ} {سيغلبون في بضع سنين} (سورة الروم، الآيات: 1 - 4) فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، فكان السملمون يحبُّون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قوله تعالى:{يومئذ يفرح المؤمنون} {بِنَصْرِ اللَّهِ} {يَنصُرُ مَن يَشَآء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (سورة الروم، الآيتان: 4 و5) وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان بَبْعث، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر رضي الله عنه يصيح {الم} {غُلِبَتِ الرُّومُ} {فِى أَدْنَى الاْرْضِ وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} {فِى بِضْعِ سِنِينَ} فقال ناس من قريش لأبي بكر: فذاك بيننا وبينكم، زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى - وذلك قبل تحريم الرِّهان - فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان، وقالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين؟ فسمِّ بيننا وبينك وسطاً ننتهي إليه، قالوا فسموا بينهم ست سنين، قال: فمضت ست السنين قبل أن يظهروا، فأخذ

ص: 74

المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، قال: فعاب المسلمون على أبي بكر تسميته ست سنين، قال: لأن الله يقول: {فِى بِضْعِ سِنِينَ} قال: فأسلم عند ذلك ناس كثير. هكذا ساقه الترمذي، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلَاّ من حديث عبد الرحمن بن أبي الزِّناد. وعند أبي حاتم عن البراء رضي الله عنه قال: لمَّا نزلت {الم} {غُلِبَتِ الرُّومُ} {فِى أَدْنَى الاْرْضِ وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} . قال المشركون لأبي بكر: ألا ترى إلى ما يقول صاحبك يزعم أن الروم تغلب فارس قال: صدق صاحبي، قالوا: هل لك أن نخاطرك؟ فجعل بينه وبينهم أجلاً،

فحلَّ الأجل قبل أن تغلب الروم فارس، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وساءه ذلك وكرهه وقال لأبي بكر:«ما دعاك إلى هذا» ؟ قال: تصديقاً لله ولرسوله، قال:«تعرَّضْ لهم، وأعظم لهم الخطر، واجعله إلى بضع سنين» فأتاهم أبو بكر فقال: هل لكم في العود؟ فإن العود أحمد، قالوا: نعم، فلم تمضِ تلك السنون حتى غلب الروم فارس، وربطوا خيولهم بالمدائن، وبنوا الرومية فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«هذا السُّحْت» . قال: «تصدَّق به» وأخرجه الإِمام أحمد والترمذي - وحسَّنه - والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما بمعناه مختصراً، كما في التفسير لابن كثير.

يقين كعب بن عدي بما وعد الله به من إظهار دينه

وأخرج البغوي عن كعب بن عدي رضي الله عنه قال: أقبلت في وفد

ص: 75

من أهل الحيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض علينا الإِسلام فأسلمنا، ثم انصرفنا إلى الحيرة، فلم نلبث أن جاءتنا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتاب أصحابي وقالوا: لو كان نبياً لم يمت، فقلت: فقد مات الأنباء قبله. فثبتُّ على الإسلام ثم خرجت أريد المدينة، فمررت براهب كنا لا نقطع أمراً دونه فجئت إليه فقلت: أخبرني عن أمر أدته لَقَح في صدري منه شيء، قال: إئت باسمك من الأشياء، فأتيته بكعب، قال: ألْقِه في هذا الشعر - لشعر أخرجه - فأليت الكعب فيه، فإذا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم كما رأيته، وإذا موته في الحين الذي مات فيه، فاشتدت بصيرتي في إيماني، فقدمت على أبي بكر رضي الله عنه فأعلمته وأقمت عنده، ووجهني إلى المقوقس ورجعت، ثم وجهني عمر رضي الله عنه أيضاً فقدمت عليه بكتابه بعد وقعة اليرموك ولم أعلم بها، فقال لي: علمت أن الروم قتلت العرب وهزمتهم؟ قلت: لا، قال: ولم؟ قلت: لأنَّ الله وعد نبيه ليظهره على الذين كله وليس يخلف الميعاد، قال: فإن العرب قتلت الروم - والله - قتلة عادٍ وإنَّ نبيكم قد صدق، ثم سألني عن وجوه الصابة فأهدى لهم، وقلت له: إنَّ العباس رضي الله عنه عمُّه حي فتصله، قال كعب: وكنت شريكاً لعمر ابن الخطاب، فلما فرض الديوان فرض لي في بني عديِّ بن كعب. وقال البغوي: لا أعلم لكعب بن عدي غيره، وهكذا أخرجه ابن قانع عن البغوي ولكنه اقتصر منه إلى قوله: مات الأنباء قبله، وابن شاهين وأبو نُعيم وابن السَّكن بطوله، وأخرجه ابن يونس في تاريخ مصر من وجه آخر عن كعب بطوله، كما في الإِصابة.

أقوال أبي بكر وعمر وسعد في اليقين بما وعد الله من نصر المؤمنين

وقد تقدَّم قول أبي بكر رضي الله عنه في قتال أهل الردَّة: والله لا أبرح أقوم بأمر الله وأجاهد في سبيل الله حتى ينجز اللهلنا (وعده) ، ويفي لنا عهده،

ص: 76

فيقتل من قتل منا شهيداً في الجنة ويبقى من بقي منا خليفة الله في أرضه ووارث عباده، (قضى الله) الحق؛ فإن الله تعالى قال وليس لقوله خلف:{وعد االذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستحلفنهم في الأرض} {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} (سورة النور، الآية: 55) . وتقدم قول عمر رضي الله عنه في تحريضه على الجهاد: أين الطّراء المهاجرون عن موعود الله؟ سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها؛ فإنه قال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ} (سورة التوبة، الآية: 33) والله مظهر دينه، ومعزّ ناصره، ومولي أهله مواريث الأمم؛ أين عباد الله الصالحون؟. وقول سعد رضي الله عنه في ترغيبه على الجهاد: إنَّ الله هو الحق لا شريك له في الملك، وليس لقوله خُلْف، قال الله عز ثناؤه:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذّكْرِ أَنَّ الاْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ} (سورة الأنبياء، الآية: 105) إنَّ هذا ميراثكم وموعود ربكم، وقد أباحها لكم من ثلاث حجج، فأنتم تطعمون منها وتأكلون منها وتقتلون أهلها وتجْبونهم وتسبونهم إلى هذا اليوم بما نال منهم أصحاب الأيام منكم، وقد جاءكم منهم هذا الجمع وأنتم وجوه العرب وأعيانهم وخيار كل قبيلة وعز من ورائكم، فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة جمع الله لكم الدنيا والآخرة. اهـ مختصراً.

اليقين بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق خزيمة بن ثابت للنبي عليه السلام في خصومته مع الأعرابي

أخرج ابن سعد عن عمارة بن خزيمة بن ثبت عن عمه رضي الله عنه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إبتاع فرساً من رجل من الأعراب، فاستتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعطيه ثمنه، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يلقَون الأعرابي يساومونه الفرس ولا يشعرون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد

ص: 77

ابتاعه، حتى زاد بعضهم الأعرابي في السَّوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما زاده نادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت مبتاعاً هذا الفرس فابتعه وإلَاّ بعته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع قول الأعرابي حتى أتاه الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألستُ قد ابتعته منك» ؟ فقال الأعرابي: لا والله، ما بعتكه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بلى، قد ابتعته منك» فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالأعرابي وهما يتراجعان، فطفق الأعرابي يقول: هلمَّ شهيداً يشهد أنِّي بعتك، فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقول إلَاّ حقاً حتى جاء خزيمة بن ثابت رضي الله عنه فاستمع تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتراجع الأعرابي، فطفق الأعرابي يقول: هلمَّ شهيداً يشهد أنِّي بايعتك، فقال خزيمة، أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خزيمة بن ثابت فقال: بم تشهد» ؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة شهادة رجلين. وأخرجه أبو داود عن عمارة بن خزيمة عن عمه نحون. وعند ابن سعد أيضاً عن محمد بن عمارة بن خزيمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا خزيمة بم بتشهد ولم تكن معنا» ؟ قال: يا رسول الله أنا أصدقك بخبر السماء ولا أصدقك بما تقول؟ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين،

وفي رواية

أخرى عنده قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين، وفي رواية أخرى عنده قال: أعلم أنك لا تقول إلَاّ حقاً، قد أمناك على أفضل من ذلك على ديننا، فأجاز شهادته.

تصديق أبي بكر للنبي عليه السلام في قصة الإِسراء

وأخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يحدِّث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدّقوه، وسعَوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل

ص: 78

لك في صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ فقال: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: فتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد نم ذلك، أصدقه في خبر الماء في غَدْوة أو رَوححة، فلذلك سمي أبو بكر الصديق. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه أبو نعيم عن عائشة نحون، وفي روايته: فارتد ناس ممَّن كان آمن به وصدَّق ناس وفتنوا، قال أبو نعيم: وفيه محمد بن كثير المصِّيصي ضعَّفه أحمد جداً، وقال ابن معين: صدوق، وقال النَّسائي وغيره: ليس بالقوي، كما في المنتخب. وأخرج ابن أبي حاتم من حديث أنس رضي الله عنه قصة ليلة الإسراء بطولها وفيه: فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا: يا أبا بكر هل لك في صاحبك يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ورجع في ليته؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه فذكر نحوه، كما في التفسير لابن كثير.

لغاية ص 460

تابع

تصديق عمر للنبي عليه السلام فيما أخبر به عن هلاك الأمم

وأخرج الحافظ أبو يعلى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قلَّ الجراد في سنة من سني عمر رضي الله عنه التي ولي فيها، فسأل عنه فلم يخبر بشيء، فاغتم لذلك فأرسل راكباً إلى كذا، وآخر إلى الشام وآخر إلى العراق، يسأل هل رؤى من الجراد شيء أم لا؟ قال: فأتاه الراكب الذي من قِبَل الينم بقبضة من جراد فألقاها بين يديه، فلما رآها كبّر ثلاثاً، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خلق الله عز وجل ألف أمة، منها ستمائة في

ص: 79

البحر وأربعمائة في البر، وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلكت تتابعت مثل النِّظام إذا قُطع سِلكُه» . كذا في التفسير لابن كثير.

يقين علي فيما أخبره به عليه السلام في شأن مقتله

وأخرج ابن أحمد في زوائده وابن أبي شيبة والبزار والحارث وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري قال: خرجت مع أبي إلى ينبع عائداً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان مريضاً بها حتى ثَقُل - فقال له أبي: ما يقيمك بهذا المنزل؟ ولومتّ لم يَلِك إلا أعراب جهينة؟ احتمل حتى تأتي المدينة، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلُّوا عليك - وكان أبو فضالة رضي الله عنه من أصحاب بدر - فقال علي: إني لست ميتاً من وجعي هذا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ أن لا أموت حتى أؤمَّر، ثم تختضب هذه - يعني لحيته - من دم هذه - يعني هامته - كذا في منتخب الكنز وقال: ورجاله ثقات. وأخرج الحميدي والبزَّار وأبو يَعْلى وابن حِبَّان والحاكم وغيرهم عن علي رضي الله عنه قال: أتاني عبد الله بن سَلَام رضي الله عنه وقد

ص: 80

أدخلت رجلي في الغرز فقال لي: أين تريد؟ فقلت: العراق، فقال: أما إنك إن جئتها ليصيبك بها ذُباب السيف، قال علي: وايْمُ الله، لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبله يقوله. كذا في المنتخب.

وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن معاوية بن جرير الحضرمي قال: عَرَض عليٌّ الخيل، فمر عليه ابن مُلْجَم فسأله عن اسمه أو قالنسبه فانتمى إلى غير أبيه، فقال له: كذبت، حتى انتسب إلى أبيه، فقال: صدقتَ، أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني أن قاتلي شبهُ اليهود وهو يهود فامْضه. كذا في المنتخب. وعند عبد الرزاق وابن سعد ووكيع في الغُرز عن عَبِيدة قال: كان علي إذا رأى ابن مُلْجَم قال:

أريد حياءه ويريد قتلي

عِذِيرك من خليلك من مُراد

كذا في المنتخب وعند ابن سعد وأبي نُعَيم عن أبي الطفيل قال: كنت عند علي بن

ص: 81

أبي طالب فأتاه عبد الرحمن بن مُلْجَم فأمر له بعطائه ثم قال: ما يحبس أشقاها أن يخضبها من أعلاها، يخضب هذه من هذه - وأومأ إلى لحيته - ثم قال علي:

أشدد حيازيمك للموتِ

فإن الموت آتيكا

ولا تجزع من القتلِ

إذا حَلَّ بواديكا

كذا في المنتخب.

يقين عمار فيما أخبره به عليه السلام في شأن مقتله

وأخرج ابن عساكر عن أم عمار - حاضنة لعمار رضي الله عنه قالت: اشتكى عمارفقال: لا أموت في مرضي هذا، حدثني حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لا أموت إلَاّ قتيلاً بين فئتين مؤمنتين.. كذا في المنتخب. وقد تقدَّم في رغبة الصحابة في القتل في سبيل الله قول عمار: عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ آخر زادك من الدنيا ضَياح من لبن، ومجيئه إلى علي يوم صفِّين حين كان يقاتل فلا يُقتل، وقوله: يا أمير المؤمنين، يوم كذا وكذا - قال ذلك ثلاث مرات -، ثم أُتي بلبن فشربه، ثم قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذا آخر شربة أشربها من الدنيا، ثم قام فقاتل حتى قُتل. وأخرج أبو يعلى وابن عساكر عن خالد بن الوليد رضي الله عنه عن ابنة هشام بن الوليد بن المغيرة - وكانت تمرِّض عماراً - قالت: جاء معاوية رضي الله عنه إلى عمار يعوده، فما خرج من عنده قال: اللهمَّ لا تجعل منيته

ص: 82

الكنز.j

يقين أبي ذر فيما أخبره به عليه السلام في شأن موته

وأخرج ابن سعد عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه أنَّه لما حضر أبا ذر رضي الله عنه الموتُ بكت امرأته، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: أبكي لأنه لا يَدَان لي بتغيبك، وليس لي ثوب يسعك، قال: فلا تبكي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم «ـ «ليموتن منكم رجل بفلاة من الأرض تسهده عصابة من المؤمنين» وليس من أولئك النفر رجل إلَاّ قد مات في قرية وجماعة من المسلمين، وأنا الذي أموت بفلاة، والله ما كَذَبتُ ولا كُذِبتُ، فأبصري الطريق، فقالت: أنَّى وقد انقطع الحاج، وتقطَّعت الطرق؟ فكانت تشدُّ إلى كثيب تقوم عليه تنظر ثم ترجع إيه فتمرِّضه، ثم ترجع إلى الكثيب، فبينا هي كذلك إذا هي بنفر تخدُّ بهم رواحلهم كأنهم الرَخَم على رحالهم، فألاحت بثوبها فأقبلوا حتى وقفوا عليها وقالوا: ما لك؟ قالت: أمرؤ من المسلمين يموت تكفِّنونه؟ قالوا: ومن هَو؟ قال: أبو ذر، ففدَوه بآبائهم وأمهاتهم، ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إليه حتى جاؤوه، فقال: أبشروا، فحدَّثهم الحديث الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيحستبان ويصبران فيريان النار» أنتم تسمعون، لو كان لي ثوب يسعني كفناً لم أُكفَّن إلَاّ في ثوب هو لي، أو لامرأتي ثو يسعني لم أكفَّن إلَاّ في ثوبها، فأنشدكم الله والإِسلام أن لا يكفنني رجل منكم كان أميراً، أو عريفاً، أو نقيباً، أو بريداً، فكل القوم قد كان قارف بعض

ص: 83

ذلك إلَاّ فتى من الأنصارقال: أنا أكفنك فإني لم أصب مما ذكرت شيئاً، أكفنك في ردائي هذا الذي عليَّ وفي ثوبين في عيبتي من غَزْلِ أمي حاكتهما لي، قال: أنت فكفني. قال: فكفَّنه الأنصاري في النفر الذين شهدوه، منهم حجر ابن الأدبر، ومالك الأشتر، في فنر كلهم يَمان وأخرجه أبو نعيم عن أم ذرَ نحوه، كما في

المنتخب.

وعند ابن سعد أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نَفى عثمان رضي الله عنه أبا ذر رضي الله عنه إلى الرَّبذة، وأصابه بها قدره، ولم يكن معه أحد إلَاّ امرأته وغلامه، فأوصاهما: أن اغسلاني، وكفِّناني، وضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه، فلما مات فعلاً ذلك به، ثم وضعاه على قارعة الطريق، وأقبل عبد الله بن سمعود في رَهْط من أهل العراق عُمَّاراً، فلم يَرُعهم إلَاّ بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإِبل أن تطأها، فقام إليه الغلام فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه، فاستهلَّ عبد الله يبكي ويقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم «تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتُبعث وحدك» ثم نزل هو وأصحابه فوارَوه؛ ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ي مسيره إلى تبوك.

يقين خُرَيم بن أوس فيما أخبر عليه السلام في شأن الشيماء بنت بقيلة

وأخرج أبو نعيم في الدلائل (ص196) عن حُمَيد بن منهب قال قال جدي خُرَيم بن أوس رضي الله عنه: هاجرت إلى النبي وقدمت عليه منصرفه من

ص: 84

تبوك، فأسلمت فسمعته يقول:«هذه الحيرة البيضاء قد رُفعت لي، وهذه الشيماء بنت بُقيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود» فقلت: يا رسول الله إنْ نحن دخلنا الحيرة فوجدناها كما تصف فهي لي؟ قال: «هي لك» ، قال: ثم كانت الردّة فما ارتد أحد من طيِّىء، فأقبلنا مع خالد ابن الوليد رضي الله عنه نريد الحيرة، فلما دخلناها كان أول من تلقَّانا الشيماء بنت بُقَيلة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة شهباء معتجزة بخمار أسود، فتعلَّقت بها، فقلت: هذه وصفها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني خالد بالبينة، فأتيت بها فكانت البينة محمد بنمسلمة ومحمد بن بشير الأنصاريان رضي الله عنهما، فسلَّمها إليَّ خالد، ونزل إليها أخوها عبد المسيح بن بُقَيلة يريد الصلح، فقال: بِعْنيها، فقالت: لا أنقصها والله من عشر مائة، فأعطاني ألف درهم وسلم تها إليه، فقالوا لي: لو قلت: مائة ألف لدفعها إليك، فقلت: ما كنت أحسب أنَّ عدداً أكثر من عشر مائة. وأخرجه الطبراني عن حميد بطوله، كما في الإِصابة، وأخرجه البخاري عن حميد مختصراً وابن منده بطوله وقال: لا يعرف إلَاّ بهذا الإِسناد تفرَّد به زكريا بن يحيى عن زَحْر (بن حصين) . كذا في الإصابة.

ص: 85

يقين المغيرة بن شعبة فيما أخبر به عليه السلام من النصر والظَّفر لأصحابه

وأخرج أبو نُعيم في الدلائل (ص198) عن جبير بن حَيَّة قال: أرسل بندارفان العِلج: أن أرسلوا إليَّ معشر العرب رجلاً منكم نكلِّمه، فاختار الناس المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال جبير: فأنا انظر إليه طويل الشَّعَر أعور - فأتاه فلما رجع سألناه ما قال له؟ فقال لنا: حمدت الله وأثنيت عليه وقلت: إنا كنا لأبعد الناس داراً، وأشد الناس جوعاً، وأعظم الناس شقاء، وأبعد الناس من كل خير، حتى بعث الله إلينا رسولاً، فوعدنا النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، فلم نزل نعرف من ربِّنا عز وجل منذ جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفلاح والنصر حتى آتيناكم، وإنَّا والله لنرى ملكاً وعشاً لا نرجع عنه إلى الشقاء أبداً حتى نغلبكم على ما في أيديكم أو نقتل في أرضكم. الحديث.

وعند البيهقي في الأسماء والصفات (ص148) عن جبير بن حَيّة فذكر الحديث الطويل في بعث النعثمان بن مقرِّن رضي الله عنه إلى أهل الأهواز، وأنهم سألوا أن يُخْرِجَ إليهم رجلاً، فأخرج المغيرة بن شعبة، فقال ترجمان القوم: ما أنتم؟ فقال المغيرة: نحن ناس من العرب كنّا في شقاء شديد وبلاء طويل، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشَّعَر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرض إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمه، فأمرنا نبينا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم (أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدُّوا الجزية، وأخبرنا نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قُتل منّا صار إلى

ص: 86

جنة ونعيم لم ير مثله قط، ومن بقي منا ملك رقابكم. ورواه البخاري في الصحيح كما قال البيهقي، وأخرجه أبو نعيم في الدلائل (ص199) عن بكر بن عبد الله الزمني وزياد بن جبير بن حيّة نحوه، ولعله سقط عن في رواية عن جبير بن حية.

يقين أبي الدرداء فيما أخبر به عليه السلام من حفظ الله سبحانه لمن قال كلمات

وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (ص125) عن طَلْق قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: يا أبا الدرداء احترق بيتك، قال: ما احترق ثم جاء آخر فقال: مثل ذلك، فقال: ما احترق ثم جاء آخر فقال: يا أبا الدرداء، انبعثت النار حتى انتهت إلى بيتك طفئت، قال: قد علمت أن الله عز وجل لم يكن ليفعل (ذاك) قال: يا أبا الدرداء ما ندري أي كلامك أعجب؟ قولك: ما احترق، أو قولك: قد علمت أن الله لم يكن ليفعل ذاك قال: ذاك كلمات سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قالهن حين يصبح لم تصبه مصيبة حتى يمسي: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش الكريم. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلَاّ بالله العلي العظيم. أعلمُ أنَّ الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً. اللهم إنِّي أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إنَّ ربي على صراط مستقيم» .

ما تقدَّم من كلام الصحابة رضي الله عنهم في اليقين بأخباره عليه السلام

وقد تقدَّم قول عدي بن حاتم رضي الله عنه في باب الدعوة: والذي نفسي بيده لتكوننَّ الثالثة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها، وقول هشام بن العاص

ص: 87

وغيره لجبلة بن الأيهم في إرسال الصحابة الجماعة للدعوة: ومجلسك هذا - فوالله - لنأخذنَّه منك، ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله، أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقول علي رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه في اهتمام أبي بكر بإرسال الجيوش إلى الشام: أرى أنك إن سرت إليهم بنفسك - أو بعثت إليهم - نُصرت عليهم إن شاء الله، فقال: بشَّرك الله بخير، ومن أين علمت ذلك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال هذا الدين ظاهراً على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون» ، فقال: سبحان الله ما أحسن هذا الحديث، لقد سررتني به سَرَّك الله. وسيأتي في التأييدات الغيبية قول ابن عمر رضي الله عنهما حين أخذ بأذن الأسد، فعركها ونحَّاه عن الطريق: ما كذب عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما يُسلّط على ابن آدم ما خافه ابن آدم، ولو أن ابن آدم لم يخف إلَاّ الله لم يسلط عليه غيره» .

اليقين بمجازاة الأعمال

يقين أبي بكر بما أخبره به عليه السلام من مجازاة الأعمال

أخرج ابن أبي شيبة وابن راهويه وعبد بن حُمَيد والحاكم وغيرهم عن أبي أسماء قال: بينما أبو بكر رضي الله عنه يتغدى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزلت هذه الآية {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (سورة الزلزلة، الآيتان: 7 و8) فأمسك أبو بكر وقال: يا رسول الله أكل ما عملناه من سوء رأيناه؟ فقال: «ما ترون مما تكرهون فذاك مما تجزون به، ويُؤخَّر الخير لأهله في الآخرة» .

ص: 88

وعند ابن مردويه من طريق أبي إدريس الخولاني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أبا بكر، أرأيت ما رأيت ممَّا تكره فهو من مثاقيل الشر، ويُدَّخر لك مثاقيل الخير حتى تُوفَّاه يوم القيامة، وتصديق ذلك في كتاب الله:{وَمَآ أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} (سورة الشورى، الآية: 30) . كذا في الكنز وقال: وأورده الحافظ ابن حجر في أطرافه في مسند أبي بكر.

وأخرج عبد بن حُميد والترمذي وابن المنذر عن أبي بكر رضي الله عنه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت هذه الآية {من يعلم سوءا يجز به ولا يجد له من دون اوليا ولا نصيرا} (سورة النساء، الآية: 123) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أبا بكر، ألا أُقرئك آيةً أُنزلت عليَّ» ؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأقرأَنيها، فلا أعلم إلَاّ أنِّي وجدت في ظهري إنقاصماً، فتمَّطأت لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما شأنك؟ يا أبا بكر» قلت: يا رسول الله، وأينا لم يعمل سوءاً؟ وإنا لمجزيون بما عملنا؟ فقال رسول الله:«أما أنت يا أبا بكر والمؤمون فتُجزون بذلك في الدنيا حتى تلقَون وليس لك ذنوب، وأما الآخرون فيجمع الله ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة» . قال الترمذي: غريب وفي إسناده مقال، وموسى بن عبيدة يُضعَّف في الحديث، ومولى ابن سباع مجهول، وقد رُوِي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي بكر وليس له إسناد صحيح.

وعند أحمد وابن المنذر وأبي يَعْلى وابن حِبْان والحاكم والبيهقي

ص: 89

وغيرهم عن أبي بكر الصدِّيق أنه قال: يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية:{من يعمل سوءا يجز به} ؟ فكل سوء علمناه جُزيناً به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض؟ ألست تَنْصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء» ؟ ألست تُنكب» ؟ قال: بلى، قال:«فهي ما تجزَون به في الدنيا» . كذا في كنز العمال.

يقين عمر بن الخطاب في مجازاة الأعمال

وأخرج ابن راهويه عن محمد بن المنتشر قال: قال رجل لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه: إني لأعرف أشدَّ آية في كتاب الله، فأهوى عمر فضربه بالدِرَّة فقال: ما لك نقَّبت عنها حتى علمتها؟، فانصرف حتى كان الغد، فقال له عمر: الآية التي ذكرت بالأمس، فقال:{من يعمل سوءا يجز به} فما منا أحد يعمل سوءاً إلَاّ جُزي به، فقال عمر: لبثنا حين نزلت ما ينفعنا طعام ولا شراب حتى أنزل اللهبعد ذلك ورخَّص وقال: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر ايجد اغفورا رحيما} (سورة النساء، الآية: 11) . كذا في الكنز.

يقين عمرو بن سمرة وعمران بن حصين بالجزاء

وأخرج ابن ماجه عن عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه أن عرو بن سَمُرة بن حبيب بن عبد شمس رضي الله عنه جاء ألى

ص: 90

النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني سرقت جملاً لبني فلان فطهَّرني، فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا افتقدنا جملاً لنا، فأمر به فقُطعت يده وهو يقول: الحمد الله الذي طهَّرني منكِ، أردتِ أن تدخلي جسدي النار. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: دخل عليه بعض أصحابه - وقد كان ابتُلي في جسهد - فقال له بعضهم: إنا لنبأس لك لما نرى فيك، قال: فلا تبتئس بما ترى، فإن ماترى بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، ثم تلا هذه الآية:{وَمَآ أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} . كذا في التفسير لابن كثير.

ما تقدَّم عن إيمان أبي بكر ورجل من الصحابة بالجزاء

وقد تقدَّم عن أحمد في الزهد وأبي نعيم في الحلية عن أبي ضمرة - يعني ابن حبيب بن ضمرة - قال: حضرتِ الوفاةُ ابناً لأبي بكر رضي الله عنه، فجعل الفتى ينظر إلى وسادة، فلّما توفي قالوا لأبي بكر: رأينا ابنك يلحظ إلى الوسادة، فرفعوه عن الوسادة فوجدوا تحتها خمسة دنانير أو ستة دنانير، فضرب أبو بكر بيده على الأخرى يرجِّع يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أحسب جلدك يتسع لها.. كذا في الكنز وقال: وله حكم الرفع لأنه إخبار عن حال البرزخ. وقد تقدَّم في شتم المسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل جاء إليه وسأله عن مماليكه: «إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصَوك وكذَّبوك، وعقابك إياهم (فإن كان عقابك إياهم) بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل» ؛ فتنحَّى الرجل وجعل

ص: 91

يهتف ويبكي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أما تقرأ قول الله:{وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (سورة الأنبياء، الآية: 47) الآية؟ فقال الرجل: يا رسول الله، ما أجد لي ولهؤلاء خيراً من مفارقتهم، أشهدك أنهم كلُّهم أحرار. أخرجه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها ورجالهما ثقات.

لغاية ص 470

قوة إيمان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

تحمل الصحابة آية: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ}

أخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {ما في السموات وما في الأرض} {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ} {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآء وَيُعَذّبُ مَن يَشَآء} {وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} (سورة البقرة، الآية: 284) اشتدَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله كُلِّفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابَيْن من قبلكم: سَمِعْنا وعَصَيْنَا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» فلما أقرَّ بها القوم وذلَّت بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها {آمن الرسول بما أنزل إليه نم ربه والمؤمنون} {كل آمن با وملائكته وكتبه ورسوله} {لَا نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ} {وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (سورة البقرة، الآية: 286) فلمافعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله {لَا يُكَلّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا} {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}

ص: 92

{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} (سورة الأنعام، الآية: 82) - إلى آخره. ورواه مسلم مثله.

وعند أحمد أيضاً عن مجاهد قال: دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما فقلت: يا أبا عباس، كنت عند ابن عمر رضي الله عنهما فقرأ هذه الآية فبكى، قال: أية آية؟ قلت: «وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه» قال ابن عباس: إنَّ هذه الآية حين أنزلت غمّت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غماً شديداً وغاظتهم غيظاً شديداً - يعني وقالوا: يا رسول الله هلكنا - إنا كنا نؤاخذ بما تكلَّمنا وبما نعمل، فأما قلوبنا فليست بأيدينا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «قولوا: سمعنا وأطعنا» فقالوا: سمعنا وأطعنا، قال: فنسختها هذه الآية: {ءامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ} - إلى {لَا يُكَلّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا} {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ؛ فتُجُوِّز لهم عن حديث النفس وأُخذوا بالأعمال. وعنده أيضاً من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مختصراً وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قولوا: سمعنا وأطعنا وسلَّمنا» فألقى الله الإِيمان في قلوبهم، وأخرجه مسلم نحوه وابن جرير من طرق أخرى عن ابن عباس، وهذه طرق صحيحة عن ابن عباس، كما في التفسير لابن كثير.

ما فعل الصحابة عندما نزلت: ولم يلبسوا إيمانهم بظلم

وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله رضي الله عنه قال: لمّا نزلت: {وَلَمْ

ص: 93

يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (سورة لقمان، الآية: 13) شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: وأيُّنا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لس كما تظنون، إنما قال لابنه: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِالله إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» ورواه البخاري. وعند ابن مروديه عنه قال: لمَّا نزلت {الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قيل لي: أنت منهم» . كذا في التفسير لابن كثير.

ما فعلت نساء الصحابة حين نزلت: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}

وأخرج ابن أبي حاتم عن صفية بنت شيبة قالت: بينا نحن عند عائشة رضي الله عنها قال: فذكرنا نساء قريش وفضلهنَّ، فقالت عائشة رضي الله عنها: إنَّ لنساء قريش لفضلاً، وإنِّي والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشدّ تصديقاً لكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل لقد أُنزلت سورة النور {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (سورة النور، الآية: 31) انقلب رجالهنَّ إليهنَّ يتلون عليهنَّ ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة، فما منهن امرأة إلَاّ قامت إلى مِرْطها المرحَّل فاعتجرت به؛ تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحنَ وراء رسول الله متعتجرات كأنَّ على رؤوسهن الغربان. ورواه أبو داود من غير وجه عن صفية بنت شيبة به. كذا في التفسير لابن كثير.

ص: 94

قصة شيوخ كبير أكثر من الذنوب وقصة أبي فروة أيضا

وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال: جاء شيخ كبير هرم قد سقط حاجباه على عينيه، فقال: يا رسول الله رجل غَدَر وفجر، ولم يدع حاجَة ولا داجة إلَاّ اقطفها بيمينه، لو قُسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم؛ فهل له من توبة؟ فقال النبي:«أأسلمت» ؟ فقال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلَاّ الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «فإن الله غافر لك غَدَراتك وفجراتك، ومبدِّل سيئاتك حسنات ما كنت كذلك» فقال: يا رسول الله وغَدَراتي وفَجَراتي؟، قال:«وغَدَراتك وفَجَراتك» فولَّى الرجل يكبِّر ويهلل. وأخرج الطبراني من حديث أبي فروة رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلَّها ولم يترك حاجة ولا داجة، فهل له من توبة؟ فاقل:«أسلمت» ؟ فقال: نعم، قال:«فافعل الخيرات، وأترك السيئات، فيجعلها الله لك خيرات كلَّها، قال: وغَدَراتي وفَجَراتي؟، قال: «نعم» فما زال يكبِّر حتى توارَى، كذا في التفسير لابن كثير.

قصة امرأة مذنبة مع أبي هريرة

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءتني امرأة

ص: 95

فقالت: هل لي من توبة؟ إني زنيت وولدت وقتلته، فقلت: لا، ولا نَعِمَتِ العين ولا كرامة فقامت وهي تدعو بالحسرة، ثم صلَّيتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فقصصت عليه ما قالت المرأة وما قلت لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بئسما قلت أما كنت تقرأ هذه الآية» {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الها ءاخَرَ} - إلى قوله:{إِلَاّ مَن تَابَ} (سورة الفرقان، الآيتان: 68 و70) الآية؟ فقرأتها عليها فخرَّت ساجدة وقالت: الحمد لله الذي جعل لي مخرجاً. هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفي رجاله من لا يُعرف. وقد رواه ابن جرير بسنده بنحوه، وعنده: فخرجت تدعو بالحسرة وتقول: يا حسرتا أخُلق هذا الحسن للنار؟ وعنده أنه لما رجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلَّبها في جميع دور المدينة فلم يجدها، فلما كان من الليلة المقبلة جاءته فأخبرها بما قاله له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرَّت ساجدة وقالت: الحمد لله الذي جعل لي مخرجاً وتوبة مما عملت، وأعتقت جارية كانت معها وابنتها، وتابت إلى الله عز وجل.H كذا في التفسير لابن كثير.

ما فعل شعراء النبي عليه السلام حين نزلت: {والشعراء يتبهم الغاوون}

وأخرج ابن إسحاق عن أبي الحسن - مولى تميم الداري رضي الله عنه قال: لمَّا نزلت {وَالشُّعَرَآء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} (سورة الشعراء، الآية: 224) جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون، قالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنَّاشعراء، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم {إِلَاّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} قال:«أنتم» {وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً} قال: «أنتم» {وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} (سورة الشعراء، الآية: 227) قال: «أنتم» . وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جير من رواية

ص: 96

ابن إسحاق، وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي الحسن - مولى بني نوفل - بمعناه ولم يذكر كعباً، كما في التفسر لابن كثير، وأخرجه الحاكم عن أبي الحسن بسياق ابن أبي حاتم.

حقيقة محبة لقاء الله وحقيقة كراهية ذلك

وأخرج أحمد عن عطاء بن السائب قال: كان أول يوم عرفت فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى رأيت شيخاً أبيض الرأس واللحية على حمار وهو يتبع جنازة، فسمعته يقول: حدثني فلان بن فلان سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أحبَّ لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» ، قال: فأكبَّ القوم يبكون، فقال: ما يبكيكم: فقالوا: إنا نكره الموت، قال: ليس ذلك، ولكنه إذا احتُضر {فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ} (سورة الواقعة، الآيتان: 88 و89) فإذا بُشِّر بذلك أحبَّ لقاء الله عز وجل، والله عز وجل للقائه أحب {وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذّبِينَ الضَّآلّينَ} {فَنُزُلٌ مّنْ حَمِيمٍ} {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} (سورة الواقعة، الآيات: 92 - 94) فإذا بُشِّر بذلك كره لقاء الله، والله تعالى للقائه أكره. كذا في التفسير لابن كثير.

بكاء الصفيق حين نزلت: {إِذَا زُلْزِلَتِ}

وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لمَّا نزلت {زلزت الأرض زلزالها} (سورة الزلزلة، الآية: 1) وأبو بكر الصديِّق رضي الله عنه

ص: 97

قاعد، فبكى حين أُنزلت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يبكيك يا أبا بكر» ؟ قال: يبكيني هذه السورة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم» . كذا في التفسير لابن كثير.

ما أخبر به عليه السلام عمر عما سيجري معه في القبر

وأخرجه ابن أبي داود في البَعْث وأبو الشيخ في السنَّة والحاكم في الكُنَى والبيهقي في كتاب عذاب القبر والأصبهاني في الحجة وغيرهم عن عمر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عمر، كيف أنت إذا كنت في أربع أذرع من الأرض في ذراعين، ورأيت مُنْكراً ونَكيراً» ؟ فقلت: يا رسول الله وما منكر ونكير؟ قال: «فَتَّانا القبر، يبحثان القبر بأيابهما، ويطآن في أشعارهما، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل مِنى لم يطيقوا رفعها، هي أيسر عليهما من عصاي هذه - وبيد رسول الله صلى الله عليه وسلم عُصَيَّة يحرِّكها - فامتحناك، فإن تعاييت أو تلوَّيت ضرباك بها ضربة تصير بها رماداً» قلت: يا رسول الله وأنا على حالي هذه، قال:«نعم» ، قال: إذن أكفيكهما

كذا في الكنز. وأخرجه سعيد بن منصور نحوه، وزاد عبد الواحد المقدسي في كتابه التبصير فقال صلى الله عليه وسلم «والذي بعثني بالحق نبياً لقد أخبرني جبريل أنهما يأتيانك فيسألانك فتقول أنت: الله ربي فمن ربكما؟ ومحمد نبيي فمن نبيكما؟ والإِسلام ديني فما ينكما؟ فيقولان: وأعجباه ما ندري: نحن أُرسلنا إليك، أم أنت أرسلت إلينا» كما في الرياض

ص: 98

النضرة.

قول عمر في قوة إيمان عثمان رضي الله عنهما

وأخرج ابن عساكر عن أبي بحريّة الكِندي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج ذات يوم فإذا هو بمجلس فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: معكم رجل لو قسم إيمانه بين جند من الأجناد لوسعهم - يريد عثمان بن عثمان -. كذا في المنتخب.

ما تقدَّم من أقوال الصحابة رضي الله عنهم في قوة الإِيمان

وقد تقدَّم في صفة الصحابة قول ابن عمر رضي الله عنهما حين سئل: هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم والإِيمان في قلوبهم أعظم من الجبال. وقول عمار رضي الله عنه في تحمل الشدائد: أجد قلبي مطمئناً بالإِيمان، حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «كيف تجد قلبك» ؟ أي عندما أخذه المشركون فلميتركوه حتى ذكر آلهتهم بخير، أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن سعد عن أبي عبيدة، وهكذا أخرجه عنه ابن جرير والبيهقي كما في التفسير لابن كثير. وقول أبي بكر رضي الله عنه في الاستخلاف: أبربي تخوِّفوني؟ أقول: اللهمَّ استخلفت عليهم خير أهلك، وفي رواية أخرى: لأنا أعلم بالله وبعمر منكما. وقول عمر رضي الله عنه في قَسْم جميع ما في بيت المال للرجل الي كلَّمه في إبقاء المال لعدو أو نائبة: جرى الشيطان على لسانك، لقَّنني الله حجَّتها ووقاني شرها، أعدُّ لهاما أعدّ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة الله عز وجل ورسوله. وفي رواية أخرى: والله لا أعصينَّ الله لِغَدٍ. وفي أخرى: أعدُّ لهم تقوى الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} (سورة الطلاق، الآية: 2) - الآية. وقول علي

ص: 99

رضي الله عنه في رغبة الصحابة في الإنفاق: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده، عندما أراد الصدقة على المسائل وقالت فاطمة رضي الله عنها: إنما تركتُ ستة دراهم للدقيق. وقول عامر بن ربيعة رضي الله عنه في ردِّ المال: لا حاجة لي في قطيعتك،

نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} (سورة الأنبياء، الآية: 1) . وتقدَّم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان أسيد بن حُضَير رضي الله عنه من أفاضل الناس، فكان يقول: لو أني أكون كما أكون محل حال من أحوال ثلاث لكنت من أهل الجنة، وما شككت في ذلك: حين أقرأ القرآن وحين أسمعه، وإذا سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا شهدت جنازة؛ فما شهدت جنازة قط فحدثت نفسي سوى ما هو مفعول بها وما هي صائرة إليه. أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه. وقال الذهبي: صحيح.

ص: 100

الباب الثاني عشر باب اجتماع الصحابة على الصلوات

كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجتمعون على الصلوات في المساجد، ويرغبون فيها ويرغِّبون إليها، ويفهمون من انتقالها الانتقال من أمر إلى أمر، ومن عمل إلى عمل وكيف كانوا يتركون أشغالهم بما يؤمرون من الأعمال التي فيها تقوية الإِيمان وصفاته، ونشر العلم وأعماله، وإحياء الذكر وإقامة الدعاء بشرائطه؛ فكأنهم كانوا لا يلتفتون إلى ظاهر الأشكال ولا يستفيدون إلَاّ من خالقها والمتصرِّف فيها.

ص: 101

ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة

حديث عثمان وسلم ان رضي الله عنهما في ذلك

أخرج أحمد بإسناد حسن وأبو يَعْلى والبزّار عن الحارث مولى عثمان رضي الله عنه قال: جلس عثمان رضي الله عنه يوماً وجلسنا معه، فجاء المؤذن، فدعا بماء في إناء - أظنه فيكون فيه مُدٌّ - فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وُضوئي هذا، ثم قال:«من توضأ وضوئي هذا، ثم قام يصلِّي صلاة الظهر عُفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلّى العصر غُفر له ما كان بينها وبين الظهر، ثم صلّى المغرب غُفر له ما كان بينها وبين العصر، ثم صلّى العشاء غُفر له ما كان بينها وبين المغرب، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته، ثم إن قام فتوضى فصلَّى الصبح غُفر له ما بينها وبين صلاة العشاء؛ وهن الحسنات يذهبن السيئات» ، قالوا: هذه الحسنات فما الباقيات (الصالحات) يا عثمان؟ قال هي: لا إله إلَاّ الله وسبحان الله، والحمد الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. كذا في الترغيب وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يَعْلى

ص: 103

والبزّار ورجاله رجال الصحيح غير الحارث بن عبد الله مولى عثمان بن عفان وهو ثقة وفي الصحيح بعضه. انتهى.

وأخرجه أحمد والنِّسائي والطبراني عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان رضي الله عنه تحت شجرة، فأخذ غصناً منها يابساً فهزه حتى تحاتَّ ورقه، ثم قال: يا أبا عثمان ألَاّ تسألني لِمَ أفعل هذا؟ قلت: ولمَ تفعله؟ قال: هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرة، فأخذ منها غصناً يابساً فهزَّه حتى تحاتَّ ورقه، فقال:«يا سلمان ألا تسألني لِمَ أفعل هذا» ؟ قلت: ولمع تفعله؟ قال: «إنَّ المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلَّى الصلوات الخمس، تحاتَّت خطاياه كما يتحاتُّ هذا الورق، وقال:{وَأَقِمِ الصلاةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفاً} {من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين r (سورة هود، الآية: 411) قال المنذري في الترغيب: رواه أحمد محتج بهم في الصحيح إلا علي بن زيد. اه.} عع>35قصة الأخوين اللذين مات أحدهما شهيداً وأُخر الآخر

وأخرج أحمد عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت سعداً

ص: 104

رضي الله عنه وناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: كان رجلان أخوان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحدهما أفضل من الآخر، فتوفي الذي هو أفضلهم وعُمِّر الآخر بعده ثم توفي، فذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الأول على الآخر، فقال:«ألم يكن يصلِّي» ؟ قالوا بلى يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يدريك ما بلغت به صلاته» ؟ ثم قال عند ذلك:«إنما مَثَل الصلاة كمثل نهر جارٍ بباب رجلٍ غمرٍ عذبٍ، يقتحم فيه كل يوم خمس مرات، فماذا تَروْن يبقى من دَرَنه» ؟ قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط إلَاّ أنه قال: ثم عُمِّر الآخر بعده أربعين ليلة، ورجال أحمد رجال الصحيح. اهـ، وأخرجه أيضاً مالك والنِّسائي وابن خُزَيمة في صحيحه كما في الترغيب.

وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجلان من بَلِيّ - حيّ من قُضاعة - أسلما مع رسول الله، فاستشهد أحدهما وأُخِّر الآخر سنة، قال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤخَّر منهما أُدخل الجنة قبل الشهيد،

ص: 105

فتعجبت لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أليس قد صام بعده رمضان، وصلَّى ستة آلاف ركعة وكذا وكذا ركعة صلاة سَنَة» قال في الترغيب: رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه ابن ماجه وابن حِبّان في صحيحه والبيهقي كلّهم عغن طلحة بنحوه أطول منه، وزاد ابن ماجه وابن حبان في آخره:«فلَمَا بينهما أبعد مما بين السماء والأرض» .

قوله عليه السلام لرجل عن الصلاة: إنها كفارة ذنبك

وأخرج الطبراني عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ننتظر الصلاة، فقام رجل فقال: إني أصبت ذنباً، فأعرض عنه؛ فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قام الرجل فأعاد القول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أليس قد صليت معنا هذه الصلاة وأحسنت لها الطُّهور» ؟ قال: بلى، قال:«فإنها كفارة ذنبك» ؛ قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط والحارث ضعيف. اهـ.

قوله عليه السلام لرجل سأله عن أفضل الأعمال

وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن أفضل الأعمال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الصلاة» قال: ثم مَهْ؟ قال: الصلاة قال: ثم (مَهْ؟ قال: الصلاة) - ثلاث مرات فلما غلب عليه

ص: 106

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الجهاد في سبيل الله» ، قال الرجل: فإنَّ لي والدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «آمرك بالوالدين خيراً» ، قا: والذي بعثك بالحق نبياً لأجاهدنَّ ولأتركنَّهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنت أعلم» ؛ قال الهيثمي: وفيه ابن لَهيعة وهو ضعيف وقد حسَّن له الترمذي وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ، وأخرجه أيضاً ابن حِبّان في صحيحه، كما في الترغيب.

قوله عليه السلام لمن أدَّى أركان الإِسلام: أنت من الصدِّيقين والشهداء

وأخرج البزَّار، وابن خزيمة وابن حِبَّان في صحيحهما - واللفظ لابن حِبَّان - عن عمرو بن مرَّة الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن شهدتُ أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، فممَّن أنا؟ قال:«من الصدِّيقين والشهداء» . كذا في الترغيب.

وصيته عليه السلام بالصلاة حين حضرته الوفاة

وأخرج البيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الوفاة: «الصلاة، وما ملكت أيمانكم» حتى جعل يغرغر بها وما يفصح بها لسانه، وقد رواه النسائي وابن ماجه. وعند أحمد من

ص: 107

حديثه قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: «الصلاة، وما ملكت أيمانكم» حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره وما يكاند يفيض بها لسانه. ومن حديث علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضلَّ أمته من بعده، قال: فخشيت أن تفوتني نفسه، قال: قلت: إني أحفظ وأعي، قال:«أوصي بالصلاة، والزكاة، وما ملكت أيمانكم» . كذا في البداية. وأخرجه أيضاً ابن سعد عن أنس مثله. وأخرج أيضاً عن علي رضي الله عنه نحوه وزاد: فجعل يوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم، قال كذلك حتى فاضت نفسه، وأمر بشهادة أن لا إله إلَاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله حتى فاضت نفسه/ «من شهد بهما حُرِّم على النار» . وعند أحمد والبخاري في الأدب وأبي داود وابن ماجه وابن جرير - وصحَّحه - وأبي يَعْلى والبيهقي عن علي قال: كان آخر كلام النبي: «الصلاةَ، الصلاةَ، واتَّقوا الله فيما ملكت أيمانكم» . كذا في الكنز.

ترغيب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم في الصلاة

قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الصلاة

أخرج الحكيم عن أبي بكر رضي الله عنه قال: الصلاة أمان الله في

ص: 108

الأرض، وأخرج ابن سعد عن أبي المليح قال: سمعت عرم بن الخطاب رضي الله عنه يقول على المبر: لا إسلام لمن لم يصلِّ، كذا في الكنز.

أقوال زيد وحذيفة وابن عمر وابن عمرو في الصلاة

وأخرج عبد الرزاق عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: صلاة الرجل في بيته نور، وإذا قام الرجل إلى الصلاة عُلِّقت خطاياه فوقه، فلا يسجد سجدة إلَاّ كفَّر الله عنه بها خطيئته، وأخرج عبد الرزاق عن حذيفة رضي الله عنه قال: إنَّ العبد إذا توضأ فأحسن وُضوءه ثم قام إلى الصلاة استقبله الله بوجهه يناجيه، فلم يصرفه عنه حتى يكون هو الذي ينصرفه أو يلتفت يميناً أو شمالاً. وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: الصلاة حسنة، لا أبال من شاركني فيها. كذا في الكنز. وأخرج ابن عساكر عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: ما من مسلم يأتي زيارة من الأرض أو مسجداً بُني بأحجاره فصلَّى فيه إلَاّ قالت الأرض: صلَّى لله في أرضه، وأشهد لك يوم تلقاه. وعند عبد الرزاق عنه قال: خرجت في عنق آدم عليه السلام شأفة -

ص: 109

يعني بَثرة - فصلَّى صلاة فانحدرت إلى صدره، ثم صلَّى صلاة فانحدرت إلى الحقو، ثم صلَّى صة فانحدرت إلى الكعب، ثم صلَّى صلاة فانحدرت إلى الإبهام، ثم صلَّى صلاة فذهبت. كذا في الكنز.

أقوال ابن مسعود وسلم ان وأبي موسى في الصلاة

وأخرج أبو نُعيم في الحيلة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما دمتَ في صلاة فأنت تقرع باب الملك، ومن يقرع باب المَلِك يُفتح له. وعند عبد الرزاق عنه قال: احملوا حوائجكم على المتكوية. وعنده أيضاً عنه قال: الصلوات كفَّارات لما بينهنَّ ما اجتُنبت الكبائر. وعند ابن عساكر عنه قال: الصلوات كفارات لما بعدهنَّ، إن آدم خرجت به شأفة في إبهام رجله، ثم ارتفعت إلى أصل قدميه، ثم ارتفعت إلى ركبتيه، ثم ارتفعت إلى أصل حَقْويه؛ ثم ارتفعت إلى أصل عنقه، فقام فصلَّى فنزلت عن منكبيه، ثم صلَّى فنزلت إلى حَقويه، ثم صلَّى فنزلت إلى ركبتيه، ثم صلَّى فنزلت إلى قدميه، ثم صلَّى ذهبت. كذا في الكنز.

وأخرج عبد الرزاق عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: إنَّ اعبد إذا قام إلى الصلاة وُضعت خطاياه على رأسه، فلا يفرغ من صلاته حتى تتفرق

ص: 110

عنه كما تتفرق عُذوق النخلة تساقط يميناً وشمالاً. وعند ابن زنجويه عنه قال: إذا صلَّى العبد اجتمعت خطاياه فوق رأسه، فإذاسجد تحاتَّت كما يتحاتُّ ورق الشجر. وعنده أيضاً عن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان ينظر اجتهاده، فقام يصلِّي من آخر الليل فكأنه لم يرَ الذي كان يظن، فذكر له ذلك، فقال سلمان: حافظوا على الصلوات الخمس فإنهنَّ كفارات لهذه الجراحات ما لم يصب المقتلة، فإذا أمسى الناس كانوا على ثلاث منازل: فمنهم من له ولا عليه، ومنهم من عليه ولا له، ومنهم من لا له ولا عليه، فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلِّي حتى أصبح فذلك له ولا عليه، ورجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل فركب رأسه في المعاصي فذلك عليه ولا له، ورجل صلَّى العشاء ونام فذلك لا له ولا عليه، فإياك والحقحقة وعليك بالقصد وداوم، كذا في الكنز. وأخرجه الطبراني في الكبير عن طارق بن شهاب نحوه ورجاله موثَّقون، كما قال الهيثيم. وأخرج عبد الرزاق عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: نحرق على أنفسنا فإذا صلينا المكتوبة كفَّرت الصلاة ما قبلها، ثم نحرق على أنفسنا فإذا صلينا كفرت الصلاة ما قبلها. كذا في الكنز.

ص: 111

رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وشدة اهتمامه بها

قوله عليه السلام: جُعلت قرَّة عيني في الصلاة، وقول جبريل فيها

أخرج أحمد والنَّسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حُبِّب إليَّ الطيب، والنساء، وجعلت قُرَّة عيني في الصلاة» . وعند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن جبريل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد حُبب إليك الصلاة فخُذْ منها ما شئت، كذا في البداية. وأخرجه الطبراني أيضاً في الكبير عن ابن عباس نحوه، قال الهيثمني: وفيه علي بن يزيد وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى.

قوله عليه السلام: إن شهوتي في قيام الليل

وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً ذات يوم والناس حوله، فقال:«إنَّ الله جعل لكل نبي شهوة وإنَّ شهوتي في قيام الليل، إذا قمت فلا يصلينَّ أحد خلفي، وإنَّ الله جعل لكل نبي طُعْمة وإن طعمتي هذا الخُمُس، فإذا قضيت فهو لولاة الأمر من بعدي» . قال الهيثمي: وفيه إسحاق بن عبد الله بن كَيْسان عن أبيه، وإسحاق ليِّنه أبو حاتم، وأبوه وثَّقه ابن حِبَّان وضعّفه أبو حاتم وغيره. انتهى.

ص: 112

أقوال الصحابة في قيامه عليه السلام الليل

وأخرج أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورَّمت قدماه - فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: «أفلا أكون شكوراً» ؟. كذا في الكنز، وأخرجه أبو يَعْلى والبزَّار والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي. وأخرجه البزَّار عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه، وفي روايته قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي حتى ترمَ قدماه. قال الهيثمي: رواه البزَّار بأسانيد ورجال أحدهما رجال الصحيح. اهـ. وهكذا أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي جُحَيفة رضي الله عنه. وعنده أيضاً في الصغير والأوسط عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله يصلِّي من الليل حتى ورم قدماه - فذكر نحوه. وعنده أيضاً في الأوسط عن النعمان بن بشير رسول الله وقد غفر لك - فذكره نحوه.

ص: 113

وعن المغرية رضي الله عنه نحوه، كما في الرياض (ص 429) . وعند ابن النجار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم حتى تزلع رجلاه. وعنده أيضاً عن أنس قال: تعبَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار كالشن البالي، قالوا: يا رسول الله ما يحملك على هذا؟ أليس قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: «بلى، أفلا أكون عبداً شكوراً» ؟. كذا في الكنز.

وأخرج الشيخان عن حميد قال: سئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل، فقال: ما كنَّا نشاء من الليل أن نراه مصلياً إلَاّ رأيناه، وما كنَّا نشاء أن نراه قائماً إلَاّ رأيناه، وكان يصوم من الهشر حتى نقول: لا يُفطر منه شيئاً، ويُفطر حتى نقول: لا يصوم منه شيئاً. وأخرجا أيضاً عن عبد الله رضي الله عنه قال: صلَّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء، قلنا: ما هممت؟ قال:

ص: 114

هممت أن أجلس وأدعه. كذا في صفة الصفوة. وأخرج أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى أصبح. يقرأ هذه الآية: {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة المائدة، الآية: 118) كذا في البداية.

وأخرج أبو يَعْلى عن أنس رضي الله عنه قال: وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فلما أصبح قيل: يا رسول الله إنَّ أثر الوجع عليك بيِّن، قال: إني على ما ترون قد قرأت البارحة السبع الطُّوَل» . ورجاله ثقات كما قال الهيثمي.

قصة حذيفة معه عليه السلام في قيام الليل

وأخرج مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: صلَّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، ففتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، قال: ثم مضى فقلت: يصلِّي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، فاتتح النساء فقرأنا ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُتَرسِّلاً، إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذ تعوَّذ، ثم ركع فجعل يقول:«سبحان ربي العظيم» ، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال:«سمع الله لمن حمده» ، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال:«سبحان ربي الأعلى» ، فكان سجوده قريباً من قيامه. انفرد بإخراجه مسلم؛ وسورة النساء في هذا الحديث مقدَّمة على آل عمران، وكذلك

ص: 115

هي في مصحف ابن مسعود. كذا في صفة الصفوة. وعند الطبراني عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي فصلَّيت بصلاته من وراءه وهو لا يعلم، فاستفتح البقرة حتى ظننت أنه سيركع، ثم مضى - قال سنان لا أعلمه إلَاّ قال: صلَّى أربع ركعات كان ركوعه مثل قيامه - قال: فذكرت ذلك للبني صلى الله عليه وسلم فقال: «ألَا أعلمتني» قال حذيفة: والذي بعثك بالحق نبياً إني لأجده في ظهري حتى الساعة قال: «لو أعلم أنك ورائي لخففت» . قال الهيثمي: وفيه سنان بن هارون البُرجمي، قال ابن معين: سِنان بن هارون أخو سيف وسِنان أحسنهما حالاً، وقال مرة: سِنان أوثق من سيف، وضعَّفه غير ابن معين. انتهى.

ص: 116

حديث عائشة في قراءته عليه السلام في قيام الليل

وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها ذُكر لها أن ناساً يقرؤون القرآن في الليلة مرة أو مرتين، فقالت: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا، كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء، فلا يمرُّ بآية فيها تخويف إلَاّ دعا الله واستعاذ، ولا يمرّ بآية فيها استبشار إلَاّ دعا الله ورَغِب إليه. قال الهيثمي: رواه أحمد - وجاء عنده في رواية: يقرأ أحدهما القرآن مرتين أو ثلاثاً - وأبو يعلى، وفيه ابن لَهيعة وفيه كلام. انتهى.

أمر عليه السلام في مرضه بأن يصلِّي أبو بكر بالناس

وأخرج البخاري عن الأسود قال: كنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والمواظبة لها، قالت: لمَّا مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذَّن بلال، فقال:«مروا أبا بكر فيلصلِّ بالناس» فقيل له: أنَّ أبا بكر رجل أسيف، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلِّي بالناس، وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال:«إنكنَّ صواحب يوسف مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس» فخرج أبو بكر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نسه خِفَّة، فخرج يُهادَى بين رجلين كأنيأنظر إلى رجليه تخطَّان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخَّر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أنْ مكانك، ثم أُتي به حتى جلس إلى جنبه. وعنده أيضاً من وجه آخر عنها قالت: لقد عاودت رسول الله في ذلك، وما حلمني على معاودته إلَاّ أنِّي خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر، وإلَاّ أنِّي علمت أنه لن يقوم مقامه أحد إلَاّ تشاءم الناس به، فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر إلى غيره، وعند مسلم عنها قالت: قلب يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه فلو أمرت غير أبي بكر، قالت: والله ما بي إلَاّ كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فراجعته مرتين أو ثلاثاً، فقال:«ليصلِّ بالناس أبو بكر، فإنكم صواحب يوسف» . كذا في البداية.

وأخرج أحمد عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت:

ص: 117

ألَا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: بلى، ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فقال:«أصلِّى الناس» ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال:«ضعوا لي ماء في المخُضب» ففعلنا، قالت: فاغتسل ثم ذهب لينوء فأُ غمي عليه ثم أفاق، فقال:«أصلَّى الناس» ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال:«ضعوا لي ماء في المخضب» ففعلنا فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال:«أصلَّى الناس» ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قالت: والناس عكوف في املسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه بأن يصلِّي بالناس، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً، فقال: يا عمر صلِّ بالناس، فقال أنت أحق بذلك، فصلَّى بهم تلك الأيام - فذكر خروجه كما تقدم، كذا في البداية. وأخرجه أيضاً البيهقي وابن أبي شيبة، كما في الكنز وابن سعد نحوه.

فرح المسلمين برؤيته عليه السلام حين نظر إليهم وأبو بكر يصلِّي بهم

وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه كان يصلِّي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلين وهو قائم كأن

ص: 118

وجهه ورقة مصحف تبسَّم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصلَ الصف وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا صلى الله عليه وسلم أن أتمُّوا صلاتهم، وأرخى الستروتوفي من يومنه صلى الله عليه وسلم وعنده أيضاً من وجه آخر عنه قال: لما يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «عليكم بالحجاب» فرفعه فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظراً كان أعجب إلين من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا، فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدَّم، وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجب فلم يُقْدر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم ورواه مسلم. كذا في البداية. وأخرج أيضاً أبو يَعْلى وابن عساكر وابن خُزَيمة وأحمد عن أنسٍ بمعناه بألفاظ مختلفة، كما في الكنز والمجمع والبيهقي وابن سعد أيضاً بمعناه.

رغبة الصحابة رضي الله عنهم في الصلاة وشدة اهتمامهم بها

انتباه عمر من إغمائه حين نودي عليه بالصلاة

أخرج الطبراني في الأوسط عن المِسْوَر بن مَخْرَمة قال: دخلت على

ص: 119

عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مسجَّى فقلت: كيف ترونه؟ قالوا: كما ترى، قلت: أيقظوه بالصلاة، فإنكم لن توقطوه لشيء أفزع له من الصلاة، فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين، فقال ها الله إذاً ولا حق في الإِسلام لمن ترك الصلاة، فصلَّى وإن جرحه ليثعب دماً، قال الهيثمي: رجال رجال الصحيح. اهـ.، وأخرجه ابن سعد عن المسور أنَّ عمر لما طُعن جعل يُغمى عليه، فقيل: إنكم لن تفزعوه بشيء مثل الصلاة إن كانت به حياة، فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين، الصلاة قد صُلِّيت، فانتبه فقال: الصلاة ها الله إذاً ولا حظَّ في الإِسلام - فذكر مثله.

لغاية ص 490

تابع

إحياء عثمان الليل كلَّه في ركعة يجمع فيها القرآن

وأخرج الطبراني عن محمد بن مسكين قال: قالت امرأة عثمان رضي الله عنه حين أطافوا به: تريدون قتله؟ إن تقتلوه أو تتركوه فإنه كان يحيي الليل كله في ركعة يجمع فيها القرآن. وإسناده حسن كما قال الهيثمي وأخرجه أبو نُعيم في الحلية عن محمد بن سِيرين مثله إلا أن في روايته: حين أطافوا به يريدون قتله. وعنده أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قالت امرأة عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قتلوه: لقد قتلتموه وإنَّه ليحيي

ص: 120

الليلة بلقرآن في ركعة؟ قال أبو نُعيم: كذا قال أنس بن مالك ورواه الناس فقالوا: أنس بن سيرين - انتهى.

وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: قال أبي: لأغلبنَّ الليلة على المقام، قال فلما صلَّيت العَتَمة تخلَّصت إلى المقام حتى قمت فيه، قال: فبينا أنا قائم إذارجل وضع يده بين كتفيّ، فإذا عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: فبدأ بأمِّ القرآن فقرأ حتى ختم القرآن، فرجع وسجد، ثم أخذ نعليه فلا أدري أصلَّى قبل ذلك شيئاً أم لا. وعند ابن المبارك في الزهد وابن سعد وابن أبي شيبة وابن منيع والحطاوي والدارقطني والبيهقي عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: رأيت عثمان عند المقام ذات ليلة قد تقدَّم، فقرأ القرآن في ركعة ثم انصرف. كذا في المنتخب وقال: سنده حسن. وعند ابن سعد عن عطاء ابن أبي رباح أن عثمان صلَّى بالناس، فقام خلف المقام فجمع كتاب الله في ركعة كانت وِتْره، وعن محمد بن سيرين أن عثمان كان يحيي الليل فيختم القرآن في ركعة. كذا في المنتخب.

رفض ابن عباس ترك الصلاة لمداواة بصره بعد أن عمي

وأخرج الحاكم عن المسيِّب بن رافع قال: لما كُفَّ بصرُ بن عباس

ص: 121

رضي الله عنهما أتاه رجل فقال له: إنك إن صبرت لي سبعاً لم تصلِّ إلَاّ مستلقياً تومىء إيماء داويتك فبرأت إن شاء الله تعالى، فأسل إلى عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما وغيرهما من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كل يقول: أرأيت إن متَّ في هذا السبع كيف تصنع باللاصة؟ فترك عينه ولم يداوها. وعند البزَّار والطبراني عن ابن عباس قال: لما قام بصري قيل: نداويك وتدع الصلاة أياماً، قال: لا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان» قال الهيثمي: رواه البزّار والطبراني في الكبير وفيه سهل بن محمود ذكره ابن أبي حاتم وقال: روى عنه أحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقي وسعدان بن يزيد قلت: وروى عنه محمد بن عبد الله المخرمي ولم يتكلم فيه وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. وعند الطبراني في الكبير عن علي بن أبي حميلة والأوزاعي قالا: كان عبد الله بن عباس يسجد كل يوم ألف سجدة، قال الهيمثي: وإسنده منقطع - اهـ.

رغبة عبد الله بن مسعود في الصلاة

وأخرج الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان لا يكاد يصوم، وقال: إني إذا صمت ضعفت عن الصلاة، والصلاة أحب إليَّ من

ص: 122

الصيام، فإنْ صام صام ثلاثة أيام من الشهر؛ قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وفي بعض طرقه: ولم يكن يصلِّي الضحى. انتهى. وأخرجه أيضاً ابن جرير عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله صلى الله عليه وسلم بن مسعود كان يقلُّ الصوم، فقيل له، فقال: إني إذا صمت - فذكر مثهل، كما في الكنز. وأخرجه ابن سعد عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ما رأيت فقيهاً أقلَّ صوماً من عبد الله بن مسعود، فقيل له: لم لا تصوم؟ فقال: إني أختار الصلاة عن الصوم، فإذا صمت ضعفت عن الصلاة.

رغبة سالم مولى أبي حذيفة في الصلاة

وأخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: أبطأت ليلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العشاء ثم جئت، فقال لي: أين كنت؟ قلت: كنا نسمع قراءة رجل من أصحابك في المسجد لم أسمع مثل صوته ولا قراءة من أحد من أصحابك، فقام وقمت معه حتى استمع إليه ثم التفت إليَّ، فقال:«هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد لله الذي جعل في أُمتي مثل هذا» قال الحاكم ووافقه الذهبي: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه.

رغبة أبي موسى وأبي هريرة في الصلاة

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مسروق قال: كنا مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في سفر، فآوانا الليل إلى بستان حَرْث، فنزلنا فيه

ص: 123

فقام أبو موسى من الليل يصلِّي - فذكر من حسن صوته ومن حسن قراءته - قال: وجعل لا يمر بشيء إلَاّ قاله، ثم قال: اللهمَّ أنت السلام، ومنك السلام، وأنت المؤمن تحب المؤمن، وأنت المهيمن وتحب المهيمن، وأنت الصادق تحب الصادق. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي عثمان النَّهْدي قال: تضيَّفت أبا هريرة رضي الله عنه سبع ليالٍ، فكان هو وخادمه وامرأته يعتقبون الليل أثلاثاً.

رغبة أبي طلحة الأنصاري ورجل أنصاري آخر في الصلاة

وأخرج مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا طلحة الأصناري رضي الله عنه كان يصلِّي في حائط له، فطار دُبْسي فطفق يتردد مخرجاً فلا يجد، فأعجبه ذلك فجعل يتبعه بصره ساعة، ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلَّى، فقال: لقد أصابني في مالي هذا فتنة، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له الذي أصابه في صلاته وقال: يا رسول الله هو صدقة فضعه حيث شئت. كذا في الترغيب وقال: وعبد الله بن أبي بكر لم يدرك القصة. وأخرج مالك أيضاً عن عبد الله بن أبي بكر أن رجلاف من الأنصار كان يصلِّي في حائط له بالقُف - وادٍ من أودية المدينة - في زمان التر. والنخل قد ذُلِّلت فهي مطوَّقة بثمرها، فنظر إليها فأعجبه ما أرى من ثمرها، ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلَّى فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة، فجاء

ص: 124

عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يومئذٍ خليفة - فذكر له ذلك وقال: هو صدقة فاجعله في سبيل الخير، فباعه عثمان بن عفان بخسمين أفاً، فسمِّي ذلك المال الخمسين. كذا في الأوجز.

رغبة ابن الزبير وعدي بن حاتم بالصلاة

وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن أسماء رضي الله عنها قالت: كان ابن الزبير قوَّام الليل صوَّام النهار، وكان يسمى حمام المسجد. وأخرج ابن عساكر عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: ما جاء وقت صلاة قط إلَاّ وقد أخذت لها أهبتها، وما جاءت إلَاّ وأنا إليها بالأشواق. كذا في الكنز، وأخرجه ابن المبارك، كما في الإِصابة.

بناء المساجد

حديث أبي هريرة وطَلْق بن علي في بناء المسجد النبوي

أخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنهم كانوا يحملون اللبن إلى بناء المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، قال: فاستقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عارض لبنة على بطنه، فظننت أنها شقَّت عليهفقلت: ناولنيها يا رسول الله قال: «خُذْ غيرها يا أبا هريرة؛ فإنه لا عيش إلَاّ عيش الآخرة» قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. انتهى.

ص: 125

وأخرج أحمد والطبراني عن طَلْق بن علي رضي الله عنه قال: بنيت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول: «قرِّب اليمامي إلى الطين؛ فإنه أحسنكم له مسَّاً وأشدكم منكباً» قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله موثَّقون - اهـ. وعند أحمد أيضاً عنه قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يبنون المسجد قال: فكأنه لم عجبه عملهم، قال: فأخذت المسحة فخلطت بها الطين، قال: فكأنه أعجبه أخذي المسحاة وعملي فقال: «دعوا الحنفي والطين؛ فإنه أضبطكم للطين» قال الهيثمي: وفيه أيوب بن عبة واختلف في ثقته.

اجتهاد زوجة عبد الله بن أبي أوفى في بناء المسجد النبوي

وأخرج البزّار عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: لما توفيت امرأته جعل يقول: احملوها وارغبوا في حملها؛ فإنها كانت تحمل ومواليها بالليل حجارة المسجد الذي أسس على التقوى، وكنا نحمل بالنهار حجرين حجرين.

ص: 126

قال الهيثمي: وفيه أبو ماك النخعي وهو ضعيف - اهـ.

رغبة النبي في أن يكون مسجده كعريش موسى عليهما السلام

وأخرج الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قالت الأنصار لي: متى يصلِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الجريد؟ فجمعوا له دنانير فأتَوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: نصلح هذا المسجد ونزينه، فقال:«ليس لي رغبة عن أخي موسى عليه السلام عريش كعريش موسى» قال الهيثمي: وفيه عيسى بن سنان ضعِّفه أحمد وغيره ووثَّقه العِجلي وابن حبان وابن خراش في رواية - اهـ. وعند البيهقي في الدلائل عنه أن الأنصار جمعوا مالاً فأتَوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ابن هذا المسجد وزينه إلى متى نصي تحت هذا الجريد؟ فقال: «ما بي رغبة عن أخي موسى، عري كعريش موسى» وروى البيهقي أيضاً عن الحسن في بيان عريش موسى قال: «إذا رفع يده بلغ العريش» - يعني السقف - اهـ. وعن ابن سهاب: كانت سواريُّ المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جذوعاً من جذوع النخل، وكان سقفه جريداً وخوصاً ليس على السقف كثير طين، إذا كان المطر امتلأ المسجد طيناً، إنما هو كهيئة العريش.

سجوده عليه السلام في الماء والطين في مسجده

وفي الصحيح في ليلة القدر: «وإني أُريت أن أسجد في ماء وطين،

ص: 127

فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع» فرجعنا وما نرى في السماء قَزَعة، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد - وكان من جريد النخل - وأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جهبته. كذا في وفاء الوفاء.

رفضه عليه السلام أن يبني مسجده على بنيان الشام

وأخرج ابن زبالة عن خالد بن مَعدان قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وأبي الدرداء رضي الله عنهما ومعهما قصبة يذرعان بها المسجد، فقال:«ما تصنعان» ؟ فقالا: أآدنا أن نبني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنيان الشام، فيقسم ذلك على الأنصار، فقال:«هاتياها» فأخذ القصبة منهما ثم مشى بها حتى أتى الباب فدحا بها، وقال:«كلا، ثُمام وخشيبات وظُلَّة كظلَّة موصى، والأمر أقرب من ذلك» قيل: وما ظلُّه موسيك قال: «إذا قام أصاب رأسُه السقفَ» كذا في وفاء الوفاء.

توسيع المسجد النبوي في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما

وأخرج أحمد عن نافع أن عمر رضي الله عنه زاد في المسجد من الأْسطوانة لى المقصورة، وقال عمر: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يبنغي أن نزيد في مسجدنا» ما زدت.

ص: 128

وأخرج البخاري وأبو داود عن نافع أن عبد الله - يعني ابن عمر رضي الله عنهما أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن، وسقفه الجريد، وعُمُده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر رضي الله عنه شيئاً وزاد فيه عمر رضي الله عنه، وبناه على بنائه في عهد رسول الله باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيَّره عثمان رضي الله عنه فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصَّة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقَفِ بالساج. وأخرج أبو داود أيضاً - وسكت عليه - عن عطية عن ابن عمر قال: إن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سواريه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخل، أعلاه مُظلَّل بجريد النخل، ثم إنَّها نخرت في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فبناها بجذوع النخل وبجريد النخل، ثم إنَّها نخرت في خلافة عثمان رضي الله عنه فبناها بالآجر؛ فلم تزل ثابتة حتى الآن.

وفي صحيح مسلم عن محمود بن لبيد أن عثمان بن عفان أراد بناء المسجد فكره النسا ذلك وأحبُّوا أن يدعه على هيئته، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى مجسداً لله بنى الله له في الجنة مثله» . وروى يحيى عن المطَّلب بن عبد الله بن حنطب قال: لما ولي عظمان بن عفان سنة أربع وعشرين كلَّمه الناس أن يزيد في مسجدهم، وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة، حتى إنهم ليصلُّون في الرحاب، فشاور فيه عثمان أهل الرأي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه، فصلَّى الظهر بالناس ثم

ص: 129

صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني قد أردت أن أهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزيد فيه، وأشهَدُ لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة» وقد كان لي فيه سَلَف وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه، فحسَّن الناس يومئذٍ ذلك ودعوا له، فأصبح فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه، وكان رجلاً يصوم الدهر، ويصلِّي الليل، وكان لا يخرج من المسجد، وأمر بالقَصَّة المنخولة تعمل ببطن نخل؛ وكان أول عمله في شهر ربيع الأول من سنة تسع وعشرين، وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة ثلاثين، فكان عمله عشرة أشهر. كذا في وفاء الوفاء (1355 و356) .

خطّه عليه السلام لقبيلة جهينة مسجداً في المدينة

وأخرج الطبراني في الأوسط والكبير عن جابر بن أسامة الجني رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بالسوق فقلت: أين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يريد أن يخط لقومك مسجداً، قال: فأتيت وقد خطَّ لهم مسجداً وغرز في قبلته خشبة فأقامها قبلة؛ قال الهيثمي: وفيه معاوية بن عبد الله بن حبيب ولم أجد من ترجمه - انتهى. وأخرجه أبو نُعيم عن جابر بن أسامة الجني نحوه.d كما في الكنزل والباوَرْدي عن أسامة الحنفي مثله، كما في الكنز.

كتاب عمر إلى أمراء الأمصار ببناء المساجد

وأخرج ابن عساكر بن عطاء قال: لما افتتح عمر ابن

ص: 130

الخطاب رضي الله عنه البلدان كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو على البصرة بأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً، ويتخذ للقبائل مسجداً، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة فشهدوا الجمعة، وكتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو على الكوفة بمثل ذلك، وكتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو على مصر بمثل ذلك، وكتب إلى أمراء الأجناد أن لا يبدوا إلى القرى، وأن ينزلوا المدائن، وأن يتخذوا في كل مدينة مسجداً وحداً، ولا يتخذ القبائل مساجد كما اتخذ أهل الكوفة والبصرة وأهل مصر؛ وكان الناس متمسكين بأمر عمرو عهده. كذا في الكنز.

تنظيف المساجد وتطهيرها

أمره عليه السلام ببناء المساجد في البيوت وتطهيرها

أخرج أحمد عن عروة بن الزبير عمَّن حدَّثه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصنع المساجد في دورنا، وأن نصلح صنعتها ونطهِّرها، قال الهيثمي رواه أحمد وإسناده صحيح. اهـ. وعند أبي داود والترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنه قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد في الدور وأن يُنظَّف ويُطيَّب. كذا في المشكاة (ص61) .

ص: 131

رؤيته عليه السلام المرأة التي كانت تنظف المسجد في الجنة بعد أن ماتت

وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة كانت تلقط القذى من المسجد، فتوفيت فلم يُؤذَن النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إذا مات لكم ميِّت فآذنوني» وصلَّى عليها وقال:«إني رأيتها في الجنة تلقط القذى من المسجد» قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وقال في تراجم النساء: الخرقاء السوداء التي كانت تميط الأذى عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بعد هذا الكلام إسناد عن أنس رضي الله عنه قال: فذكر الحديث ورجال إسناد أنس رجال الصحيح، وإسناد بن عباس فيه عبد العزيز بن فائد وهو مجهول، وقيل فيه فائد بن عمر وهو وَهَم. انتهى.

تجمير عمر رضي الله عنه للمسجد، النبوي

وأخرج أبو يعلى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر كان يجمِّر المسجد مسجد رسول الله كل جمعة. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن عمر العمري وثَّقه أحمد وغيره واختلف في الاحتجاج به.

ص: 132

المشي إلى المساجد

قصة الأنصاري الذي كان يسغَى إلى المسجد من بيته البعيد

أخرج أحمد ومسلم والدارمي وأبو عَوانة وابن خزيمة وابن حِبَّان عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة؛ فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يُكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد جمع الله لك ذلككله» . وعند الطيالسي ومسلم وابن ماجه عنه قال. كان رجل من اونصاربيته أقصى بيت من المدينة فكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجَّعتُ له فقلت له: يا فلان لو أنك اشتريت حماراً يقيك من الرمضاء ويقيك من هوامِّ الأرض، قال: أما والله ما أحب أن بيتي مُطَنَّب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم فحملت به حِمْلاً حتى أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فدعاه فقال له مثل ذلك، وذكر أنه يرجو في أثره الأجر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «إنَّ لك ما احتسبت» وأخرج

ص: 133

أيضاً أبو داود والحميدي بمعناه، وفي رواية الحميدي:«إنَّ له بكل خطوة يخطوها إلى المسجد درجة» كذا في الكنز.

مقاربته عليه السلام الخطا في سيره إلى المسجد

وأخرج الطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نريد الصلاة، فكان يقارب الخطا، فقال:«أتدرون لم أقارب الخط» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال:«لا يزال العبد في الصلاة ما دام في طلب الصلاة» قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير؛ وله في رواية أخرى: «إنما فعلت هذا لتكثير خطاي في طلب الصلاة» ، وفيه الضحاك بن نَبَراس وهو ضعيف، ورواه موقوفاً على زيد بن ثابت ورجاله رجال الصحيح. انتهى.

مقارنة أنس بن مالك الخطي في السير إلى المسجد

وأخرج الطبراني في الكبير عن ثابت قال: كنت أمشي مع أنس بن مالك رضي الله عنه بالزاوية إذ سمع الأذان، ثم قارب في الخطا حتى دخلت المسجد، ثم قال: أتدري يا ثابت لم مشيت بك هذه

ص: 134

المشية؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ليكثر عدد الخطا في طلب الصلاة، قال الهيثمي: وقد رواه أنس عن زيد بن ثابت والله أعلم، وفيه الضحاك بن نَبَراس وهو ضعيف. انتهى.

سعي ابن مسعود إلى الصلاة

وأخرج الطبراني في الكبير عن رجل من طيّىء عن أبيه أن ابن مسعود رضي الله عنه خرج إلى المسجد، فجعل يهرول فقيل له: أتفعل هذا وأنت تنهى عنه؟ قال: إنما أردت حدَّ الصلاة: التكبيرة الأولى؛ وفيه من يُسمَّ كما تراه. وعنده أيضاً فيه عن سَلَمة بن كُعِيل أن ابن مسعود سعى إلى الصلاة فقيل له، فقال: أوَ ليس أحقَّ ما سعيتم إليه الصلاة؟ وسَلَمة لم يسمع من ابنمسعود؛ كما قال الهيثمي.

نهيه عليه السلام عن الإسراع إلى الصلاة

وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال خلفه، فلما قضى صلاته قال:«ما شأنكم» ؟ قالوا: أسرعنا إلى الصلاة، قال:«فلا تفعلوا، ليصلِّ أحدكم ما أدرك وليقضِ ما فاته» ورجاله رجال الصحيح وهو متفق عليه بلفظ: «وما سبقكم فأتمُّوا» كما قال الهيثمي.

ص: 135

لماذا بنيت المساجد وماذا كانوا يفعلون فيها

إنكار الصحابة على أعرابي بال في المسجد وموقفه عليه السلام منه

أخرج مسلم - واللفظ له - والطحاوي عن أنس رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَهْ مَهْ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تُزْرِموه دعوه» فتركه حتى بال، ثم إنص رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له:«إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن» - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوغ من ماء فشنَّه عليه.

قصته عليه السلام مع الذين جلسوا يذكرون الله في المسجد

وأخرج مسمل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية رضي الله عنه على حَلْقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قال: جلسنا نذكر لله، قال: الله؟ ما أجلسكم إلا ذاك، قالوا: ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تُهْمَة لكم، وما كانأحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلَّ عنه حديثاً مني، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حَلْقة من أصحابه فقال:«ما أجلسكم» ؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدنا للإسلام ومَنَّ به علينا، فقال:«الله؟ ما أجلسكم إلا ذاك» قالوا: الله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: «أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أنَّ الله يباهي

ص: 136

بكم الملائمة» ، كذا في رياض الصالحين (ص156) وأخرجه أيضاً الترمذي والنسائي كما في جمع الفوائد.

قصته عليه السلام مع النفر الثلاثة، وجلوسه إلى أصحاب القرآن

وأخرج الشيخان عن أبي واقد الحارث بن عوف رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما فرأى فرجة في الحَلْقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيي فاستحيى الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» ، كذا في رياض الصالحين (ص515) . وأخرجه مالك والترمذي، كما في جمع الفوائد. وأخرج ابن منده عن أبي القمراء رضي الله عنه قال: كنا في مسجد رسول الله حلَقاً نتحدث إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حُجَره، فنظر إلى الحَلَق ثم جلس إلى أصحاب القرآن، فقال:«بهذا الملجس أمرت» ، كذا في الإصابة. وأخرجه ابن عبد البرّ في الاستعياب. وأخرجه أيضاً أبو

ص: 137

عمرو الداني في طبقات القرّاء، كما في الكنز.

قول علي رضي الله عنه في قرّاء القرآن

وأخرج الطبراني في الأوسط عن كليب بن شهاب قال: سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ضجة في المسجد يقرؤون القرآن ويقرِئونه، فقال: طوبى لهؤلاء هؤلاء كانوا أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في المجمع. وأخرجه ابن منيع بنحون، كما في الكنز. وعند البزّار كما في المجمع عن كليب أيضاً قال: كان علي في المسجد - أحسبه قال: مسجد الكوفة - فسمع صيحة شديدة فقال: ما هؤلاء؟ فقال: قوم يقرؤون القرآن أو يتعلمون القرآن، فقال: أما إنهم كانوا أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: وفي إسناد الطبراني حفص بن سليمان الغاضري وهو متروك ووثَّقه أحمد في رواية وضعَّفه في غيرها وفي إسناد البزّار إسحاق بن إبراهيم الثقفي وهو ضعيف.

قصة أبي هريرة رضي الله عنه مع أهل السوق

وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها، فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم؟ قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقسم وأنتم ههنا ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد، فخرجوا

ص: 138

سراعاً ووقف أبا هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة أتينا المسجد فدخلنا فيه لم نرَ فيه شيئاً يُقسم فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحداً؟ قالوا: بلى، رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرؤون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: ويحكم فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم كذا في الترغيب.

ثناء عمر رضي الله عنه على أهل المجالس في المساجد

وأخرج المروزي وابن أبي شيبة عن ابن معاوية الكندي قال: قدمت على عمر رضي الله عنه بالشام، فسألني عن الناس، فقال: لعلَّ الرجل يدخل المسجد كالبعير النافر فإن رأى مجلس قومه ورأى من يعرفهم جلس إليهم، قلت: لا، ولكنها مجالس شتَّى يجلسون فيتعلمون الخير ويذكرونه، قال: لن تزالوا بخير ما كنتم كذلك. كذا في الكنز.

انطلاقه عليه السلام من المسجد مع أصحابه إلى يهود

وأخرج الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد يوماً خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «انطلقوا إلى اليهودة» فقال: «أسلموا تسلموا» فقالوا: قد بلَّغتَ، فقال:«ذلك أريد، أسلموا تسلموا» فقالوا: قد بلَّغتَ، فقال:«ذلك أريد» ثم قالها الثالثة، ثم قال: «اعلموا أنَّ الأرض لله ولرسوله وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئاً

ص: 139

فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ولرسوله» . كذا في جمع الفوائد.

وضعه عليه السلام سعد بن معاذ في المسجد حين جرح يوم الخندق

وأخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: أصيب سعد رضي الله عنه يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له حِبَّان بن العَرهقة، رماه في الأكحل، فضرب عليه النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما رجع صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار فقال: قد وضعتَ السلاح والله ما وضعتُه أخرج إليهم، فقال صلى الله عليه وسلم «فأين» ؟ فأشار إلى بني قريظة، فأتاهم صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكمه، فردَّ الحكم إلى سعد، قال: فإنِّي أحكم فيهم أن تُقتل المقاتِلة، وأن تُسبى النساء والذرية، وأن يُقسم أموالهم. قال هشام: فأخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها أن سعداً قال: اللهمَّ إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليَّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذَّبوا رسولك وأخرجوه، اللهمَّ فإني أظن أنك قد وضعتَ الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت قد وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها، فنفجرت من لَبَّته فلم يرعهم - وفي المسجد خيمة من بني غِفار - إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل لخيمة ما هذا الذي يأتينا من قِبَلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دماً، فمات منها. كذا في جمع الفوائد.

نوم أهل الصفة وأبي ذر وبعض الصحابة في المسجد

وأخرج ابن سعد في الطبقات عن يزيد بن عبد الله بن قُسيط قال: كان

ص: 140

أهل الصفة ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا منازل لهم، فكانوا ينامون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ويظلون فيه، ما لهم مأوى غيره، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إليه بالليل إذا تعشَّى فيفرقهم على أصحابه، وتتعشى طائفة منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء الله بالغنى. وأخرج أحمد عن أسماء - يعني بنت يزيد - أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد وكان هو بيته يضجطع فيه، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فوجد أبا ذر منجدلاً في المسجد، فنكته رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله حتى استوى جالساً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أراك نائماً» ؟ قال أبو ذر: يا رسول الله فأين أنام؟ وهل لي بيت غيره؟ فذكر الحديث في أمر الخلافة. قال الهيثمي: رواه أحمد، والطبراني روى بعضه فيي الكبير وفيه شَهْر بن حَوحشب وفيه كلام وقد وُثَّق. وعند الطبراني في الأوسط عن أبي ذر أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فرغ من خدمته أتى المسجد فاضطجع فيه. وفيه شَهْر أيضاً، كما قال الهيثمي؛ وقد تقدّمت قصص أبي ذر وغيره من الصحابة في النوم في المسجد في ضيافة الأضياف.

وأخرج البيقهي وابن عساكر عن الحسن أه سئل عن القائلة في المسجد، فقال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يومئذٍ خليفة يقيل في المسجد، كذا في الكنز.

ص: 141

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا ونحن شباب نبيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. وعنده أيضاً عنه قال: كنا نجمِّع ثم نرجع فنقيل. كذا في الكنز. وأخرج ابن سعد عن الزُّهري قال: قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: إذا أطال أحدكم الجلوس في المسجد فلا عليه أن يضع جنبه، فإنه أجدر أن لا يملّ جلوسه. وأخرج عبد الرزاق عن خليد أبي إسحاق قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن النوم في المسجد فقال: إن كنت تنام لصلاة وطواف فلا بأس. كذا في الكنز.

فزع الرسول عليه السلام إلى المسجد عند اشتداد الريح والكسوف

وأخرج ابن أبي الدنيا عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة ريح شديدة كان مفزعه إلى المسجد حتى تسكن الريح، وذا حدث في السماء حديث من كسوف شمس أو قمر كان مفزعه إلى المصلَّى، كذا في الكنز وقال: وسنده حسن. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عطاء أن يعلى بن أمية رضي الله عنه

ص: 142

كانت له صحبة، فكان يقعد في المسجد الساعة فينوي بها الاعتكاف.

إنزاله عليه السلام وفد ثقيف في المسجد

وأخرج الطبراني في الكبير عن عطية بن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فضرب له مقبة في المسجد، فلما أسلموا صاموا معه. قال الهيثمي: وفيه محمد ابن إسحاق وهو مدلِّس وقد عنعنه، انتهى. وعند أحمد عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم - فذكر الحديث كما تقدَّم في قصة إسلام ثقيف في باب الدعوة إلى الله وإلى رسوله.

ما كان يفعله عليه السلام وأصحابه في المسجد غير العبادة والذكر

وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً شِواء ونحن في المسجد، فأقيمت الصلاة فلم نرد على أن مسحنا بالحصباء. قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وفيه كلام. وعند أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم يعني - أُتي بفضيخ في مسجد الفضيخ فشربه، فلذلك سُمِّي. وعند أبي يعلى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بِجَرِّ فضيخِ بُسرٍ وهو في مسجد الفضخ فشربه، فلذلك سُمي مسجد الفضيخ. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن نافع ضعَّفه البخاري

ص: 143

وأبو حاتم والنسائي وقال ابن معين: يُكتب حديثه. انتهى.

وقد تقدمت قصص قسم الطعام والمال في باب إنفاق الأموال، وقصة بيعة عثمان رضي الله عنه في المسجد في باب البيعة، وبيعة أبي بكر رضي الله عنه في المسجد في باب اجتماع الكلمة، وقصة دعوة ضمام رضي الله عنه وإسلامهفي المسجد، وقصة إسلام كعب بن زهير رضي الله عنه وإنشاده القصيدة المعروفة في المسجد في باب الدعوة إلى الله، وجلوس أصحاب الشورى للمشورة في المسجد في باب اجتماع الكلمة، وقعود الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغدوات في المسجد في باب إنفاق المال، وجلوس عمر رضي الله عنه في المسجد لحاجة الناس بعد الصلوات في الخوف على بسط الدنيا، وبكاء أبي بكر والصحابة في المسجد على فراقه صلى الله عليه وسلم باب التعلِّق بحب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم

ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يكرهون في المساجد

كراهيته عليه السلام الاحتباء في المسجد

أخرج أحمد عن مولى لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا أنا مع أبي سعيد وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلنا المسجد، فإذا رجل جالس في وسط المسجد محتبياً مشبِّكاً أصابعه بعضها في بعض، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن الرجل لإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إلى أبي سعيد فقال:«إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكنَّ فإن التشبيك من الشيطان، وإنَّ أحدكم لا يزال في صلاةٍ ما كان في المسجد حتى يخرج منه» ، قال الهيثمي: إسناده حسن.

ص: 144

كراهيته عليه السلام أن يدخل المسجد مَنْ أكل الثوم أو البصل

وأخرج الطبراني عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وقع الناس في الثوم فجعلوا يأكلونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أكل من هذه البقعة الخبيثة فلا يقربَّن مسجدنا» ، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط من رواية أبي القاسم مولى أبي بكر، ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله موثَّقون. انتهى. وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب (الناس) يوم الجمعة فقال في خطبته: ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أُراهما إلا خبيثتين: البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل من المسجد أمر به فأُخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً. كذا في الترغيب.

كراهيته عليه السلام التنخم في المسجد

وأخرج الشيخان وأبو داود - واللفظ له - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوماً إذ رأى نخامة في قبلة المسجد، فتغيّظ على الناس ثم حكها، قال:«وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به، وقال: «إن الله عز وجل قِبَل وجه أحدكم إذا صلّى؛ فلا يبصق بين يديه» وعند ابن خزيمة في صحيحه من حديث أبي سعيد ثم أقبل على الناس مغضباً فقال: «أيحب

ص: 145

أحدكم أني يستقبله رجل فيبصق في وجهه؟ إنَّ أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يستقبل ربه والمَلَك عن يمينه، فلا يبقص بين يدهي ولا عن يمينه» كذا في الترغيب. وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن المسجد لينزوي من النُّخَامة كما تنزوي البَضْعة أو الجلدة في النار. كذا في الكنز.

كراهيته عليه السلام وأصحابه سلّ السيف في المسجد

وأخرج البغوي وابن السَّكَن والطبراني وغيرهم عن جابر أن بَنَّة الجني رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوماً - وفي لفظ: مرَّ على قوم - في المسجد يتعاطون سيفاً بينهم مسلولاً، فقال:«لعن الله من فعل هذا أوَ لَمْ أَنْهَ - وفي لفظ: أو لم أنهكم - عن هذا؟ إذا سلَّ أحدكم السيف فإذا أراد أن يدفعه إلى صاحبه فليغمده ثم ليعطه إياه» . كذا في الكنز. وأخرج عبد الرزاق عن سليمان بن موسى قال: سئل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن سلِّ السيف في المسجد فقال: قد كنا نكره ذلك، وقد كان رجل يتصدّق بالنبل في المسجد فأمره النبي صلى الله عليه وسلم لا يمر بها في املسجد إلا وهو قابض على نصالها جميعاً. كذافي الكنز. وأخرج الطبراني في الأوسط عن محمد بن عبيد الله قال: كنا عند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في المسجد، فقلَّب رجل نبلاً، فقال أبو سعيد: أما كان هذا يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تقليب السلاح في المسجد؛

ص: 146

قال الهيثمي: وفيه أبو البلاد ضعَّفه أبو حاتم.h

كراهيته عليه السلام وأصحابه نشدان الضالة في المسجد

وأخرج مسلم والنِّسائي وابن ماجه عن بُريدة رضي الله عنه أن رجلاً نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا وجدتَ، إنما بنيت المساجد لما بنيت له» . كذا في الترغيب. وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن سيرين أو غيره قال: سمع ابن مسعود رضي الله عنه رجلاً ينشد ضالة في المسجد فأسكته وانتهره، وقال: نُهينا عن هذا، نوابن سيرين لم يسمع من ابن مسعود. كذا في الترغيب. وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين قال: سمع أُبي ابن كعب رضي الله عنه رجلاً يعتري ضالته في المسجد فغضبه، فقال: يا أبا املنذر ما كنت فاحشاً، قال: إنا أُمرنا بذلك. كذا في الكنز.

كراهية عمر رفع الصوت واللغط وإنشاد الشعر في المسجد

وأخرج البخاري والبيهقي عن السائب بن يزيد قال: كنت نائماً

ص: 147

في المسجد فصحبني رجل، فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند إبراهيم بن سعد في نسخته وابن المبارك عن سعيد ابن إبراهيم عن أبيه قال: سمع عمر بن الخطاب صوت رجل في المسجد فقال: أتدي أين أنت؟ أتدري أين أنت؟ كره الصوت؛ كذا في الكنز (4258 و260) . وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيقهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر كان إذا خرج إلى املسجد نادى في المسجد: إياكم واللغط، وفي لفظ: نادى بأعلى صوته: اجتنبوا اللغو في المسجد. وعند عبد الرزاق وابن أبي شيبة عنه أن عمر نهى عن اللغط في المسجد وقال: إن مسجدنا هذا لا تُرفع فيه الأصوات. كذا في الكنز. وأخرج مالك والبيهقي عن سالم أن عمر بن الخطاب بنى إلى جانب المسجد رحبة فسماها البطيحاء، فكان يقول: من أراد أن يلغط أو ينشد شعراً أو يرفع صوتاً فليخرج إلى هذه الرحبة. كذا في الكنز.

ص: 148

وأخرج عبد الرزاق عن طارق بن شهاب قال: أُتي عمر بن الخطاب برجل في شيء فقال: أخرجاه من المسجد فاضربا. كذا في الكنز.

لغاية 510

تابع

كراهية ابن مسعود إسناد الظهر إلى قبلة المسجد

وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى قوماً قد أسندوا ظهورهم إلى قبلة المسجد بين أذان الفجر والإقامة، فقال: لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتها، قال الهيثيم: ورجاله موثَّقون.

كراهية حابس الطائي الصلاة في مقدم المسجد من السحر

وأخرج أحمد والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عامر الألهاني قال: دخل المسجد حابس بن سعد الطائي رضي الله عنه من السَّحَر - وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فرأى الناس يصلُّون في مقدم المسجد فقال: مراؤون وربِّ الكعبة، أرعِبوهم فمن أرعبهم فقد أطاع الله ورسوله، فأتاهم النسا فأخرجوهم، فقال: إن الملائكة تصلِّي في مقدَّم المسجد من السَّحَر. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن عامر الألهاني ولم أجد من ذكره، وأخرجه أيضاً ابن عساكر وأبو نعيم كما في الكنز؛ وأخرجه ابن سعد أيضاً نحوه.

ص: 149

كراهية ابن مسعود الصلاة خلف كل أسطوانة في المسجد

وأخرج الطبراني عن مرّة الهمداني: قال: حدثت نفسي أن أصلِّي خلف كل سارية من مسجد الكوفة ركعتين، فبينا أنا أسلي إذ أنا بابن مسعود رضي الله عنه في المسجد، فأتيته لأخبره بأمري، فسبقني رجل فأخبره بالذي أصنع، فقال ابن مسعود: لم يعلم أن الله عز وجل عند أدنى سارية ما جاوزها حتى يقضي صلاته. قال الهيثمي: وفيه عطاء ابن السائب وقد اختلط.

اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالأذان

رفضه صلى الله عليه وسلم اتخاذ الناقوس والبوق للإعلام بالصلاة قبل الاهتداء للأذان

أخرج أبو داود عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة؛ فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القُنْع - يعني الشَّبُور، وقال زياد: شبور اليهود - فلم يعجبه ذلك، وقال:«وهو من أمر اليهود» ، فقال: فذكر له الناقوس فقال: «هو من أمر النصارى» ، فانصرف عبد الله بن زيد رضي الله عنه وهو مهتم لِهَمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُري الأذان في منامه - فذكر الحديث.

وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن زيد قال: اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأذان بالصلاة، وكان إذا جاء وقت الصلاة صعد برجل فيشير بيده، فمن رآه جاء ومن لم يره لم يعلم بالصلاة، فاهتم لذلك همَّاً شديداً، فقال له بعض القوم: يا رسول الله لو أمرت بالناقوس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فعل النصارى؟ لا» ،

ص: 150

فقالوا: لو أمرت بالبوق فنفخ فيه، فقال:«فعل اليهود؟ لا» ، فرجعت إلى أهلي وأنا مغتم لما رأيت من اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاله، حتى إذا كان اليل قبل الفجر غشيني النعاس، فرأيت رجلاً عليه ثوبان أخضران أنا بين النائم واليقظان، فقام على سطح المسجد فجعل أصبعيه في أذنيه ونادى.

وعنده أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: كانت الصلاة إذا حَضَر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى رجل في الطريق فنادى: الصلاة، الصلاة؛ فاشتد ذلك على الناس وقالوا: لو اتخذنا ناقوساً - فذكر الحديث. كذا في الكنز (4263 و265) .

المناداة بالصلاة جامعة في عهده عليه السلام قبل الاهتداء للأذان

وأخرج ابن سعد عن نافع بن جبير وعروة وزيد بن أسلم وسعيد بن المسيِّب قالوا: كان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُؤمر بالأذان ينادي منادي النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة، فيجتمع الناس، فلما صرفت القبلة إلى الكعبة أمر بالأذان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهمه أمر الأذان، وأنهم ذكروا أشياء يجمعون بها الناس للصلاة، فقال بعضهم: البوق، وقال بعضهم: الناقوس - فذكر الحديث وفي آخره قالوا: وأذَّن بالأذان، وبقي يُنادي في الناس: الصلاة جامعةً للأمر يحدث، فيحضرون له يُخبرون به مثل فتح يقرأ، أو أمر يؤمرون به، فينادي: الصلاة جامعة وإن كان في غير وقت صلاة.

أذان سعد القَرَظ للنبي عليه السلام في قباء

وأخرج الطبراني في الكبير عن سعد القَرَظَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أي ساعة أتى قُباء أذن بلال رضي الله عنه بالأذان لأن يُعلم الناس أن

ص: 151

رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء، فتجمعوا إليه، فأتى يوماً وليس معه بلال فنظر زنوجٌ بعضهم إلى بعض؛ فرقي سعد رضي الله عنه في عذق فأذَّن بالأذان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما حملك على أن تؤذن يا سعد» ؟ قال: بأبي وأمي رأيتك في قلّة من الناس ولم أرَ بلالاً معك، ورأيت هؤلاء الزنوج ينظر بعضهم إلى بعض وينظرون إليك، فخشيت عليك منهم فأذَّنت، قال:«أصبتَ يا سعد، إذ لم ترَ بلالاً معي فأذِّن» فأذن سعد ثلاث مرار في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: وفيه عبد الرحنم بن سعد بن عمّار وهو ضعيف.

أقوال بعض الصحابة في الأذان والمؤذِّنين

وأخرج البيهقي في شُعَب الإيمان عن أبي الوقاص رضي الله عنه قال: سهام المؤذنين عند الله يوم القيامة كسهام المجاهدين. وهو فما بين الأذان والإقامة كالمتشحط في دمه في سبيل الله، قال: وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لو كنت مؤذِّناً ما باليت أن لا أحج ولا «أعتمر ولا أجاهد. قال: وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو كنت مؤذِّناً لكمل أمري وما باليت أن لا أنتصب لقيام الليل ولا صيام النهار؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهمَّ اغفر للمؤذِّنين، اللهم اغفر للمؤذِّنين» فقلت: تركتنا يا رسول الله ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف قال: «كلا يا عمر إنَّه سيأتي على الناس زمان يتركون الإذان على ضعفائهم، وتلك لحوم حرمها الله على النار: لحوم المؤذِّنين» قال: وقالت عائشة رضي الله عنها لهم: هذه الآية: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى اوعمل صالحا وقال إنني من المسملين} (سورة فصلت، الآية: 33) . قالت: هو المؤذِّن، فإذا قال:

ص: 152

حيَّ على الصلاة، فقد دعا إلى الله، وإذا صلَّى فقد عمل صالحاً، وإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فهو من المسلمين. كذا في الكنز. وأخرجه أبو الشيخ عن الرصافي في كتاب الأذان مثله، كما في الكنز.

وعند ابن زنجويه عن أبي معشر قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لو كنت مؤذِّناً لم أبال أن لا أحج ولا أعتمر إلاّ حجّة الإسلام، ولو كانت الملائكة نزولاً ما غلبهم أحد على الأذان، كذا في الكنز. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن سعد والبيهقي عن قيس ابن أبي حازم قال: قدمنا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: من مؤذِّنكم؟ فقلنا: عبيدنا وموالينا، فقال: إنَّ ذلكم بكم لنقص شديد، لو أطقتُ الأذان من الخِلِّفي لأذنت، كذا في الكنز. وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي رضي الله عنه قال: ندمت أن لا أكون طلبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل الحسن والحسين مؤذَنَيْن، قال الهيثمي: وفيه الحارث وهو ضعيف.

ص: 153

وأخرج الطبراني في اكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما أحب أن يكون مؤذنوكم عميانكم، قال: ولا قراؤكم؛ قال الهيثمي: ورجاله ثقات.

قول ابنعرم لرجل يتغنَّى في أذانه ويأخذ عليه الأجر

وأخرج الطبراني في الكبير عن ييحى البكَّاء قال: قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: إنِّي لأحبك في الله، فقال ابن عمر: لكني أُبغضك في الله، قال: ولمَ؟ قال إنِّك تتغنَّى في أذانك وتأخذ عليه أجراً؛ قال الهيثمي: وفيه يحى البكَّاء ضعَّفه أحمد وأبو زُرعة وأبو حاتم وأبو داود، ووثَّقه يحيى بن سعد القَطَّان، وقال محمد بن سعيد كان ثقة إن شاء الله.

أمره عليه السلام وأبي بكر بقتال القبائل التي لا يسمع فيها الأذان

وأخرج ابن عساكر عن خالد بن سعيد عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه إلى اليمن، فقال:«إن مررت بقرية فلم تسمع أذاناً فاسبِهم» ، فمرَّ ببني زُبيد فلم يسمع أذاناً فسباهم، فأتاه عمرو بن معدِيكرب فكلّمه فوهبهم له خالد؛ كذا في الكنز.

وأخرج البيهقي عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال:

ص: 154

كان أبو بكر رضي الله عنه يأمر أمراءه حين كان يبعثهم في الردّة: إذا غشِيتم داراً فإن سمعتم بها أذاناً (بالصلاة) فكفُّوا حتى تسألوهم ماذا تنقمون، فإن لم تسمعوا أذاناً فشنُّوها غارة، واقتلوا، وحرِّقوا، وأنهكوا في القتل والجراح، لا يُرى بكم وَهْن لموت نبيكم صلى الله عليه وسلم وعند عبد الرزاق عن الزهري قال: لما بعث أبو بكر الصديق لقتال أهل الردّة قال: بيِّتوا فأينما سمعتم فيها الأذان فكفُّوا عنها فإن الأذان شعار الإيمان. كذا في الكنز.

لغاية ص 514

تابع

انتظار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصلاة

هديه عليه السلام في هذا الأمر

وأخرج أبو داود عن علي رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يصلِّ، وإذا رآهم قليلاً جلس لم يصلِّ، وإذا رآهم جماعة صلَّى. وعند ابن أبي شبية عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر ما سمع وَقْع نعل. كذا في الكنز (4246 و247) .

انتظار الصحابة الصلاة حتى ذهب نصف الليل

وأخرج ابن أبي شيبة - ورجاله ثقت - عن عمر رضي الله عنه قال:

ص: 155

جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً حتى ذهب نصف الليل أو بلغ ذلك، فخرج إلى الصلاة فقال:«صلَّى الناس ورجعوا وأنتم تنتظرون الصلاة، أما إنكم لن تزالوا في الصلاة ما انتظرتموها» . وعنده أيضاً وابن جرير عن جابر رضي الله عنه بنحوه. كذا في الكنز.

قوله عليه السلام لمن جلس بعد المغرب وبعد الظهر ينتظر الصلاة الثانية

وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع وعقَّب من عقصب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«هذا ربكم فتح باباً من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: عبادي قضَوا فريضة وهم ينتظرون الأخرى» . كذا في الكنز. وأخرجه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه ورواته ثقات، كما في التغريب. وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي أُمامة الثَقَفي قال: خرج معاوية رضي الله عنه حين صلَّى الظهر فقال: مكانَكم حتى آتيكم، فخرج علينا وقد

ص: 156

تردّى، فلَّما صلّى العصر قال: ألَا أحدثكم شيئاً فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: بلى، قال: فإنَّهم صلَّوا معه الأولى ثم جلسوا، فخرج عليهم فقال:«ما برحتم بعد» ؟ قالوا: لا، قال:«لو رأيتم ربكم فتح باباً من السماء فأرى مجلسكم ملائكتَه يباهي بكم وأنتم ترقبون الصلاة» . كذا في المجمع.

قوله عليه السلام لمن انتظر صلاة العشاء إلى شطر الليل

وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَّر ليلةً صلاة العشاء إلى شطر الليل، ثم أقبل بوجهه بعدما صلَّى فقال:«صلَّى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها» وعنده أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً «إنَّ أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول: اللهمَّ اغفر له، اللهمَّ ارحمه، ما لم يقم من مصلَاّه أو يحدث» وفي رواية لمسلم وأبي داود قال: «لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلَاّه أو يحدث» . وفي رواية لمسلم وأبي داود قال: «لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلَاّه ينتظر الصلاة، والملائكة تقول: الهلمَّ اغفر له، اللهمَّ ارحمه، حتى ينصرف أو يحدث» قيل: وما يحدث؟ قال: يفسو أو يضرط. كذا في الترغيب.

ص: 157

ترغيبه عليه السلام في انتظار الصلاة

وأخرج ابن حِبَّان في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألَا أدلُّكم على ما يمحو الله به الطخايا ويكفِّر به الذنوب» ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: «إسباغ الوضوء على المكروهات، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط» كذا في الترغيب.

قول أبي هريرة في المرابطة في عهده عليه السلام

وأخرج الحاكم - وقال: صحيح الإسناد - عن داود بن صالح قال: قال لي أبو سلمة: يا ابن أخي تدري في أي شيء نزلت {اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ} (سورة آل عمران، الآية: 200) ؟ قلت: لا، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة. كذا في الترغيب.

قول أنس في نزول: تتجافى جنوبهم عن المضاجع

وأخرج الترمذي - وصحَّحه - عن أنس رضي الله عنه أن هذه الآية {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} (سورة السجدة، الآية: 16) نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العَتَمة، كذا في الترغيب.

ص: 158

تأكيد الجماعة والاهتمام بها

اهتمامه عليه السلام بالجماعة وعدم ترخيصه للأعمى بتركها

أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم عن عمرو بن أم متكوم رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلِّي في بيتي؟ قال:«أتسمع النداء» ؟ قال: نعم، قال:«ما أجد لك رخصة» . وفي رواية لأحمد عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المسجد فرأى القوم في رقة فقال: «إني لأهمُّ أن أجعل للنا إماماً ثم أخرجَ فلا أقدر على إنسان يتخلَّف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه» فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله إنَّ بيني وبين المسجد نخلاً وشجراً، ولا أقدر على قائد كل ساعة أيسعني أن أصلِّي في بيتي؟ قال:«أتسمع الإقامة» ؟ قال: نعم، قال:«فأتها» . كذا في الترغيب.

ص: 159

قول عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل في الجماعة

وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادي بهن؛ فإن الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلِّي هذا المتخلِّفُ في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهَّر فيحسن الطُّهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف. وفي رواية: لقد رأيتنا وما يتخلَّف عن الصلاة إلا منافق قد عُلم نفاقه أو مريض، إنْ كان الرجل ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذِّن فيه. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً عبد الرزاق والضياء في المختارة بطوله نحوه، كما في الكنز. وأخرجه الطيالسي (ص40) أيضاً نحوه وزاد: وإني لا أجد منكم أحداً إلا له مسجد يصلِّي فيه في بيته، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم لتركتم سنة نبيكم.

وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: من

ص: 160

سرَّه أن يأتي الله عز وجل آمناً فليأت هذه الصلوات الخمس حيث ينادي بهن، فإنهن من سنن الهدى، وممّا سنه لكم نبيكم صلى الله عليه وسلم ولا يقل: إنَّ لي مصلَّى في بيتي فأصلِّي فيه، فإنكم إن فعلتم ذلك تركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لضللتم.

إساءة الصحابة الظن فيمن ترك الجماعة في الفجر والعشاء

وأخرج الطبراني وابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن. كذا في الترغيب. وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن عمر نحوه، كما في الكنز والبزّار، كما في المجتمع وقال: ورجال الطبراني موثَّقون.

قول عمر فيمن شغله قيام الليل عن جماعة الفجر

وأخرج مالك عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فَقَد سليمان بن أبي حَثْمة في صلاة الصبح وأن عمر غداً إلى السوق - ومسكن سُليمان بين المسجد والسوق - فمرَّ على الشِّفَاء أم سليمان رضي الله عنهما فقال لها: لم أرَ سليمان في الصبح، فقالت له: إنه بات يصلِّي فغلبته عيناه، فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إليَّ من أن أقوم ليلة. كذا في الترغيب. وعند عبد الرزاق عن ابن أبي مُلَيكة قال: جاءت الشِّفَاء - إحدى نساء

ص: 161

بني عدي بن كعب - عمر في رمضان فقال: ما لي لم أرَ أبا حَثْمة - لزوجها - شهد الصبح؟ قالت: يا أمير المؤمنين دأب ليلته فكسل أن يخرج فلصلّى الصبح ثم رقد، فقال: والله لو شهدها لكان أحب إليَّ من دأبه ليلته. وعنده أيضاً عن الشِّفَاء بنت عبد الله قالت: دخل عليَّ بيتي عمر بن الخطاب فوجد عندي رجلين نائمين فقال: وما شأن هذين ما شهدا معنا الصلاة؟ قلت: يا أمير المؤمنين صلَّيا الصبح وناما، فقال عمر: لأن أصلي الصبح في جماعة أحب إليَّ من أن أصلي ليلة حتى أصبح. كذا في كنز العمال.

قول أبي الدرداء في الجماعة وفعل ابن عمر إذا فاتته العشاء في الجماعة

وأخرج البخاري عن أم الدرداء قلت: دخل عليَّ أبو الدرداء رضي الله عنه وهو مُغضب فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمر محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنَّهم يصلُّون جميعاً. وأخرج أبو نُعيم في الحيلة عن نافع أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا فاتته صلاة العشاء في جماعة أحيي بقية ليلته، وقال بِشر بن موسى: أحييى ليلة. وأخرجه الطبراني أيضاً. وعند البيهقي: إذا فاتته صلاة في جماعة صلى إن الصلاة الأخرى، كما في الإصابة.

ص: 162

خروج الحارث بن حسان لصلاة الفجر ليلة زواجه، وقوله لمن عاتبه

وأخرج الطبراني في الكبير بإسناد حسن عن عنبسة بن الأزهر قال: تزوج الحارث بن حسان رضي الله عنه وكان له صحبة - وكان ارجل إذ ذاك إذا تزوج تخدَّر أياماً فلا يخرج لصلاة الغداة، فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك في هذه الليلة؟ قال: والله إنَّ امرأة تمنعني من صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء. كذا في مجمع الزوائد.

تسوية الصفوف وترتيبها

اهتمامه عليه السلام بتسوية صفوف أصحابه في الصلاة

أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ناحية الصف ويسوِّي بين صدور القوم ومناكبهم ويقول: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، إنَّ الله وملائكته يصلُّون على الصف الأول» . اكذا في الترغيب. وعند أبي داود بإسناد حسن عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلَّل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: «لا تختلفوا» فذكر نحوه كذا في الترغيب.

ص: 163

وأخرج مسلم والأربعة إلا الترمذي عن جابر بن سَمُرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا تصفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربِّها» ؟ فقلنا: يا رسول الله وكيف تصفُّ الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأُوَل ويتراصُّون في الصف» . كذا في الترغيب. وعند أبي داود وابن ماجه عن جابر (بن سمرة) رضي الله عنه قال: صلَّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ إلينا أن نجلس فجلسنا، فقال:«ما يمنعكم أن تصفوا كما تصف الملائكة» - فذكر نحوه. كما في الكنز.

وأخرج مالك والستة خلا البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 164

كان يسوِّي صفوفنا حتى كأنما يسوِّي بها القِدَاح حتى رآنا أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبِّر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال:«عبادَ الله لَتُسَوُنَّ صفوفكم أو ليخالِفَنَّ الله بين وجوهكم» . وفي رواية عند أبي داود وابن حِبّان في صحيحه قال: فرأيت الرجل يلزَق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه. كذا في الترغيب.

أمر عمر وعثمان وعلي بتسوية الصفوف قبل التكبير

وأخرج مالك وعبد الرزاق والبيهقي عن نافع أن عمر رضي الله عنه كان يأمر بتسوية الصفوف، فإذا جاؤوا فأخبروه أنقد استوت كبَّر. وعند عبد الرزاق عن أبي عثمان النَّهدي قال: كان عمر يأمربتسوية الصفوف ويقول: تقدَّم يا فلان، تقدَّم يا فلان، وأُراه قال: لا يزال قوم يستأخرون حتى يؤخرهم الله. وعنده أيضاً عنه قال: رأيت عمر إذا تقدَّم إلى الصلاة ينظر إلى المناكب والأقدام. كذا في الكنز (4254 و255) . وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي نَضر قال:

ص: 165

كان عمر بن الخطاب إذا أقيمت الصلاة قال: استووا، تقدم يا فلان، تأخر يا فلان، أقيموا صفوفكم، يريد الله بكم هَدْيَ الملائكة ثم يتلوا {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ} {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبّحُونَ} (سورة الصافات، الآيتان: 165 و166) . كذا في الكنزل. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه قال: كنت مع عثمان بن عفان رضي الله عنه عنه فأقيمت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي، فلم أزل أكلمه وهو يسوِّي الحصباء بنعليه حتى جاء رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف، فأخبروه أنَّ الصفوف قد استوت، فقال: استوِ في الصف، ثم كبَّر، كذا في الكنز. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه قال: استوو تستوِ قلوبكم، تراصوا ترحموا. كذا في الكنز.

قول ابن مسعود في تسوية الصفوف

وأخرج أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا وما تُقام الصلاة حتى تَكَاملَ بنا الصفوف، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

ص: 166

وعند الطبراني عنه قال: إن الله وملائكته يصلُّون على الذين يتقدَّمون الصفوف بصلاتهم - يعني الصف الأول المقدَّم - وفيه رجل لم يُسمَّ كما قال الهيثمي.

قول عليه السلام وقول ابن عباس في الصف الأول

وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد العزيز بن رُفَيع قال: حدثني عامر بن مسعود القرشي وزاحمني بمكة أيام ابن الزبير رضي الله عنهما عند المقام في الصف الأول قال: قلت له: أكان يقال في الصف الأول خير؟ قال: أجل والله، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو يعلم الناس ما في الصف الأول ما صفُّوا فيه إلا بقرعة أو سُهْمة» . قال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن عامراً اختُلف في صحبته. وأخرج الطبراني في الأوسط والكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: عليكم بالصف الأول وعليكم بالميمنة منه، وإياكم والصفَّ بين السواري؛ قال الهيثمي: وفيه إسماعيل بن مسلم المكِّي وهو ضعيف.

قوله عليه السلام: لا يقوم في الصف الأول إلا المهاجرون والأنصار

وأخرج الحاكم في المستدرك عن قيس بن عبادة قال: شهدت المدينة، فلما أقيمت الصلاة تقدَّمت فقمت في الصف الأول، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشقَّ الصفوف ثم تقدم، وخرج معه رجل آدمُ خفيف اللِحية فنظر في وجوه القوم، فلما رآني دفعني وقام مكاني واشتد ذلك عليَّ،

ص: 167

فلما انصرف التفت إليَّ فقال: لا يسؤْك ولا يحزنْك، أشقّ عليك؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لا يقوم في الصف إلا المهاجرون والأنصار» فقلت: من هذا؟ فقالوا: أبيّ بن كعب رضي الله عنه: قال الحاكم ووافقه الذهبي: هذا حديث تفرّد به الحاكم عن قتادة وهو صحيح الإسناد. وأخرجه أبو نعيم في الحلية بسند آخر عن قيس قال: بينما أنا أصلي في مسجد المدينة في الصف المقدّم إذ جاء رجل من خلفي فجذبني جذبة فنحَّاني وقام مقامي، فلّما سلّم التفت إليَّ فإذا هو أُبيُّ ابن كعب، فقال: يا فتى لا يسؤْك الله، إن هذا عهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا - فذكر الحديث.

اشتغال الإمام بحوائج المسلمين بعد الإقامة

اشتغاله عليه السلام بذلك

أخرج عبد الرزاق عن أسامة بن عمير رضي الله عنه قال: كانت الصلاة تقام فيكلم الرجل النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة تكون له، فيقوم بينه وبين القبلة فما يزال قائماً يكلِّمه فربما رأيت بعض القوم ينعس من طول قيام النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الكنز. وأخرجه عبد الرزاق أيضاً وأبو الشيخ في الأذان عن أنس رضي الله عنه مثله، كما في الكنز. وعند ابن عساكر عن أنس أن الصلاة كانت تقام بعشاء الآخرة فيقوم النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجل يكلمه حتى يرقد طوائف من الصحابة ثم ينتبهون إلى الصلاة. كذا في الكنز.

ص: 168

وأخرج أبو الشيخ في الأذان عن عروة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بعدما يقيم المؤذن ويسكتون يُكلَّم في الحاجة فيقضيها. قال: وقال أنس بن مالك: وكان له عود يتستمسك عليه، كذا في الكنز. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص43) عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيماً وكان لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كان عنده، وأقيمت الصلاة وجاءه أعرابي فأخذ بثوبه فقال: إنما بقي من حاجتي يسيرة وأخاف أنساها، فقام معه حتى فرغ من حاجته ثم أقبل فصلى.

اشتغال عمرو عثمان في ذلك

وأخرج أبو الربيع الزَّهراني عن أبي النَّهْدي قال: إنْ كانت الصلاة لتقام فيعرض لعمر رضي الله عنه الرجل فيكلمه، حتى ربما جلس بعضنا من طول القيام. كذا في الكنز. وأخرج ابن حِبّان عن موسى بن طلحة قال: سمعت عثمان ابن عفان رضي الله عنه وهو على المنبر والمؤذِّن يقيم الصلاة، وهو يستخبر الناس عن أخبارهم وأسعارهم، كذا في الكنز. وأخرجه ابن سعد عن موسى نحوه، وقد تقدَّم في تسوية الصفوف عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه قال: كنت مع عثمان فأقيمت الصلاة وأنا أكلمه - الحديث.

ص: 169

الإمامة والاقتداء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم

قول أبي سفيان في طاعة الصحابة للنبي عليه السلام حينما رآهم يصلون

أخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة، فذكر الحديث بطوله في صلح الحديبيبة وفتح مكة. وفيه: فقال له: «يا أبا سفيان أسلم تسلم» فأسلم أبو سفيان رضي الله عنه وذهب به العباس رضي الله عنه إلى منزله، فلما أصبحوا ثار الناس لطُهورهم، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل ما للناس؟ أمروا بشيء؟ قال: لا، ولكنهم قاموا إلى الصلاة، فأمره العباس فتوضأ ثم ذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة كبَّر فكبر الناس، ثم ركع وركعوا، ثم رفع فرفعوا، فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم طاعة قوم جمعهم من ههنا ومن ههنا، ولا فارسَ الأكارمَ ولا الرومَ ذاتَ القرون بأطوع منهم له، قال أبو سفيان: يا أبا الفضل، أصبح ابن أخيك عظيم الملك، فقال له العباس: إنه ليس بمُلْك ولكنها نبوة. كذا في الكنز وعند الطبراني في الصغير والكبير عن ميمونة رضي الله عنها فذكرت الحديث في غزوة الفتح وفيه: وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وابتدر المسلمون وُضوءه ينتضحونه في وجوههم، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً، فقال: ليس بمُلْك ولكنها النبوة، وفي ذلك يرغبون، قال الهيثمي: وفيه يحيى بن سليمان بن نَضْلة وهو ضعيف.

ص: 170

وقال ابن كثير في البداية: وذكر عروة أن أبا سفيان لما أصبح صبيحة تلك الليلة التي كانت عند العباس، ورأى الناس يجنحون للصلاة وينتشرون في استعمال الطهارة؛ خاف وقال للعباس: ما بالهم؟ قال: إنَّهم سمعوا النداء فهم ينتشرون للصلاة، فلما حضرت الصلاة ورآهم يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده قال: يا عباس ما يأمرهم بشيء إلَاّ فعلوه؟ قال: نعم، والله لو أمرهم بترك الطعام والشراب لأطاعوه. انتهى.

صلاة المسلمين خلف أبي بكر بأمر النبي عليه السلام

وقد تقدّم في رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة في حديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد وغيره: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه بأن يصلِّي بالناس، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً، فقال: يا عمر صلِّ بالناس، فقال: أنت أحق بذلك، فصلَّى بهم تلك الأيام؛ وفي حيثها عند البخاري: فقال: «مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس» فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلِّي بالناس، وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة فقال:«إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس» .

وأخرج أحمد عن عبد الله بن زَمْعة رضي الله عنه قال: لما استُعزّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين دعا بلالٌ رضي الله عنه للصلاة، فقال:«مروا من يصلِّي بالناس» قال: فخرجت فإذا عمر رضي الله عنه في الناس، وكان أبو بكر رضي الله عنه غائباً، فقلت: قم يا عمر فصلِّ بالناس، قال: فقام فلما كبَّر عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته - وكان عمر رجلاً مُجْهِراً - فقال رسول الله: «فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون يأبى الله ذلك

ص: 171

والمسلمون» قال: فبعث إلى أبي بكر فجاء بعدما صلى عمر تلك الصلاة فصلَّى بالناس، وقال عبد الله بن زمعة قال لي عمر: ويحك ماذا صنعت يا ابن زمعة؟ والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله أمرني بذلك لولا ذلك ما صلّيت، قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله، ولكن حين لم أرَ أبا بكر رأيتك أحق من حضر الصلاة؛ وهكذا رواه أبو داود، كما في البداية. قلت: وهكذا أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه. وعند أبي داود كما في البداية في هذا الحديث قال: لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت عمر قال ابن زمعة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أطلعَ رأسه من حجرته ثم قال: «لا، لا، لا يصلي للناس إلا ابن أبي قُحافة» . يقول ذلك مُغْضباً. وقد تقدّم في تقديم الصحابة أبا بكر رضي الله عنه في الخلافة قولُ أبي عبيدة رضي الله عنه: ما كنت لأتقدَّم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنا فأمَّنا حتى مات، وقولُ علي والزبير رضي الله عنهما: إنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعرف شرفه وكِبَره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حيٌّ.

قول عمر وعلي في إمامة أبي بكر رضي الله عنهم

وأخرج النَّسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه لما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر رضي الله عنه فقال: ألستم تعلمون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر؟

ص: 172

فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. كذا في جمع الفوائد، وذكر في نمتخب الكنز عن علي رضي الله عنه قال: لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس وإني لشاهد وما أن بغائب وما بي مرض، فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا.

قول سلمان الفارسي في إمامة العرب

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي ليلى الكندي قال: أقبل سلمان رضي الله عنه في ثلاثة عشر راكباً - أو اثني عشر راكباً - من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلما حضرت الصلاة قالوا: تقدّم يا أبا عبد الله، قال: إنَّا لا نؤمكم ولا ننكح نساءكم، إن الله تعالى هدانا بكم، قال: فتقدَّم رجل من القوم فصلَّى أربع ركعات، فلما سلَّم قال سلمان: ما لنا وللمربَّعة، إنما كان يكفينا نصف المربعة ونحن إلى الرخصة أحوج؛ قال عبد الرزاق: يعني في السفر، وأخرجه الطبراني في الكبير وأبو ليلى ضعَّفه ابن معين، كما قال الهيثمي.

اقتداء الصحابة رضي الله عنهم بالموالي

وأخرج عبد الرزاق عن أبي قتادة رضي الله عنه أن أبا سعيد مولى بني أسِيد رضي الله عنه صنع طعاماً، ثم دعا أبا ذر وحذيفة وابن مسعود رضي الله عنهم فحضرت الصلاة، فتقدم أبو ذر ليصلي بهم، فقال له حذيفة:

ص: 173

وراءك، ربُّ البيت أحق بالإمامة، فقال له أبو ذر؛ قال أبو سعيد: فقدَّموني وأنا مملوك فأممتهم. وعنده أيضاً عن نافع قال: أقيمت الصلاة في مسجد بطائفة المدينة، ولعبد الله بن عمر رضي الله عنهما هناك أرض، وإمام ذلك المسجد مولى، فجاء ابن عمر يشهد الصلاة، فقال المولى. كذا في الكنز (4246 و247) . وأخرج البزّار عن عبد الله بن حنظة رضي الله عنه قال: كنا في منزل قيس بن سعد ابن عبادة رضي الله عنهم ومعنا ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا له: تقدّم، فقال: ما كنت لأفعل، فقال عبد الله بن حنظلة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الرجل أحق بصدر فراشه، وأحق بصدر دابته، وأحق أن يؤم في بيته» فيمر مولى له فتقدَّم فصلَّى، وأخرجه الطبراني في الأوسط والكبير؛ قال الهيثمي: وفيه إسحاق بن يحيى بن طلحة ضعَّفه أحمد وابن معين والبخاري ووثَّقه يعقوب بن شيبة وابن حبان.

صلاة ابن مسعود خلف أبي موسى في بيته

وأخرج أحمد عن علقمة أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أتى أبا موسى الأشعري رضي الله عنه في منزله، فحضرت الصلاة، فقال أبو موسى: تقدّم يا أبا عبد الرحنم فإنك أقدم سناً وأعلم، قال: بل أنت تقدم؛ فإنما أتيناك في منزلك ومسجدك فأنت أحق؛ قال: فتقدّم أبو موسى فخلع نعليه، فلما سلّم

ص: 174

قال له: ما أردت إلى خلعهما؟ أبا لوادي المقدّس أنت؟ قال الهيثمي: رواه أحمد وفيه رجل لم يسمَّ، ورواه الطبراني متصلاً برجال ثقات - انتهى. وأخرجه الطبراني عن إبراهيم مختصراً ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي وفي حديثه: فقال له عبد الله: أبو موسى، لقد علمت أنَّ من السنة أن يتقدم صاحب البيت، فأبى أبو موسى حتى تقدم مولى لأحدهما.

صلاة فرت بن حبان في مسجده خلف حنظلة بن الربيع لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك

وأخرج الطبراني في الكبير عن قيس بن زهير رضي الله عنه قال: انطلقت مع حنظلة بن الربيع رضي الله عنه إلى مسجد فرات بن حبان رضي الله عنه، فحضرت الصلاة، فقال له: تقدَّم، فقال: ما كنت لأتقدّمك وأنت أكبر مني سناً وأقدم مني هجرة والمسجد مسجدكم، فقال فرات: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيك شيئاً، لا أتقدمك أبداً، قال: أشهدته يوم أتيتُه يوم الطائف فبعثني عيناً؟ قال: نعم، فتقدّم حنظلة فصلّى بهم؛ فقال فرات: يا بني عِجل إني إنما قدَّمت هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه عيناً إلى الطائف، فجاءه فأخبره الخبر فقال:«صدقتَ ارجع إلى منزلك، فإنك قد سهرت الليلة» فلما ولَّى قال لنا: «ائتموا بهذا وأشباهه» قال الهيثمي:: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثَّقون - اهـ، ورواه أيضاً أبو يَعْلى والبغوي وابن عساكر عن قيس نحوه. كما في الكنز.

ص: 175

استخلاف أمير مكة ابن أبزى على الصلاة بالناس وثناء عمر على فعله

وأخرج أبو يعلى في مسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فاستقبنا أمير مكة نافع بن علقمة رضي الله عنه، فقال: من استخلفت على أهل مكة؟ قال: عبد الرحمن بن أبزعى، قال: عَمدت إلى رجل من الموالي فاستخلفه على من بها من قريش وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، وجدته أقرأهم لكتاب الله، ومكة أرض محتضرَة، فأحببت أن يسمعوا كتاب الله من رجل حسن القراءة، قال: نِعَم ما رأيت، إن عبد الرحمن بن أبزى ممَّن يرفعه الله بالقرآن. كذا في منتخب الكنز.

تأخير المسور إماماً لا يفصح بكلامه ورضي عمر بذلك

وأخرج عبد الرزاق والبيقي عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال: اجتمعت جماعة في بعض ما حول مكة وفي الحج، فحانت الصلاة، فتقدَّم رجل من آل أبي السائب المخزومي رضي الله عنه أعجمي اللسان، فأخِّره المِسْوَر بن مَخْرمة رضي الله عنه وقدَّم غيره، فبلغ عمر بن الخطاب فلم يعرِّفه بشيء حتى جاء المدينة، فلما جاء المدينة عرّفه بذلك فقال المِسْوَر: انظرْني يا أمير المؤمنين، إن الرجل كان أعجمي اللسان وكان في الحج، فخشيت أن يسمع بعض الحجاج قراءته فيأخذ بعجمته، فقال: أوَ هنالك ذهبت؟ قال: نعم، قال: أصبت، كذا في الكنز.

ص: 176

قول طلحة بن عبيد الله لجماعة صلّى بهم: أرضيتم بصلاتي

وأخرج الطبراني عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه صلّى قوم، فلما انصرف قال: إني نسيت أن أستأمركم قبل أن أتقدَّم، أرضيتم بصلاتي؟ قالوا: نعم، ومن يكره ذلك يا حَواريَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيما رجل أم قوماً وهم له كارهون لم تَجُزْ صلاته أذنيه» قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير من رواية سليمان بن أيوب الطلْحي قال فيه أبو زرعة: عامة أحاديثه لا يتابَع عليها، وقال صاحب الميزان: صاحبُ مناكير وقد وُثِّق.

مخالفة أنس لعمر بن عبد العزيز ومخالفة أبي أيوب لمروان في الصلاة

وأخرج أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يخالف عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: ما يحملك على هذا؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي صلاة، متى توافقها أصلِّي معك، ومتى تخالفها أصلِّي وانقلب إلى أهلي؛ قال الهيثمي: رواه أحمد رجاله ثقات. وأخرج الطبراني عن أبي أيوب رضي الله عنه أنه كان يخالف مروان بن الحكم في صلاته، فقال له مروان: ما يحمك على هذا؟ قال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي صلاة، إن وافقتَه وافقتك، وإن خالفتَه صلَّيت وانقلبت إلى أهلي. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

ص: 177

قول أبي هريرة وأنس وعدي في صلاة الصحابة خلفه عليه السلام

وأخرج أحمد عن أبي جابر الوالدي قال: قلت لأبي هريرة رضي الله عنه: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي بكم؟ قال: وما أنكرتم من صلاتي؟ قلت أردت أن أسأل عن ذلك، قال: نعم، وأوجز. قال: وكان قيامه قدر ما ينزل المنارة ويَصلُ إلى الصفّ، قال الهيثمي: رواه أحمد. وله في رواية: رأيت أبا هريرة صلَّى صلاة تجوَّزَ فيها، رواه أحمد وروى أبو يعلى الأول ورجالهما ثقات. وأخرج أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لقد كنا نصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لو صلاّها أحدكم اليوم لعبتموها عليه؛ قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. وأخرج الطبراني عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنَّه خرج إلى

ص: 178

مجلسهم، فأقيمت الصلاة، فتقدم إمامهم فأطال الصلاة في الجلوس، فلما انصرف قال: من أمَّنا منكم فليتم الركوع والسجود، فإن خلفه الصغير والكبير والمريض وابن السبيل وذا الحاجة، فلما حضرت الصلاة تقدَّم عدي بن حاتم وأتم الركوع والسجود وتجوَّز في الصلاة، فلما انصرف قال: هكذا كنا نصلِّي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير بطوله وهو عند الإمام أحمد باختصار ورجال الحديثين ثقات. انتهى.

بكاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الصلاة

بكاؤه عليه السلام في الصلاة

أخرج أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت فيناديه بلال رضي الله عنه بالأذان، فيقوم فيغتسل فإني لأرى الماء ينحدر على خده وشعره، ثم يخرج فيصلِّي فأسمع بكاءه - فذكر الحديث. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وأخرج ابن حِبّان في صحيحه عن عبيد بن عمير أنه قال لعائشة: أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فسكتت ثم قالت: لمَّا كانت ليلة من الليالي قال: «يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي» قلت: والله إني أحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهَّر ثم قال يصلِّي، قالت: فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بلّ حِجْره، قالت: وكان جالساً فلميزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يُؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟

ص: 179

قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً؟ لقد أُنزلت عليَّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولميتفكر فيها: {إن في خلق السموات والأرض} (سورة آل عمران، الآية: 190) الآية كلَّها، كذا في الترغيب. وأخرج أبو داود عن مُطَرِّف عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي وفي صدهر أزيز كأزيز الرَّحعى من البكاء. وعند النسائي: ولجوفه أزيز كأزيز المِرجَل، يعني يبكي. كذا في الترغيب وإسناده قوي وصحَّحه ابن خزيمة وابن حِبَّان والحاكم.

بكاء عمر رضي الله عنه في الصلاة

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن سعد والبيهقي عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: سمعت نشيج عمر رضي الله عنه وأنا في آخر الصفوف في صلاة الصبح وهو يقرأ سورة يوسف حتى بلغ

ص: 180

{إِنَّمَآ أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ} (سورة يوسف، الآية 86) كذا في نتخب الكنز. وعند أبي نُعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلّيت خلف عمر فسمعت حنينه من وراء ثلاثة صفوف.

الخشوع والخضوع في الصلاة

خشوع أبي بكر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما

أخرج أحمد في الزهد عن سهل بن سعد قال: كان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في صلاته. كذا في منتخب الكنز. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن مجاهد عن بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يقوم في الصلاة كأنه عود، وكان أبو بكر رضي الله عنه يفعل ذلك، قال مجاهد: هو الخشوع في الصلاة. كذا في منتخب الكنز. وأخرجه أبو نُعَيم في الحلية بإسناد صحيح، كما في الإصابة عن مجاهد قال: كان عبد الله بن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود، وكان يقال: ذلك من الخشوع في الصلاة. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير وهو يصلِّي لقلتَ: عصنُ شجرة يصفِّقها الريح، إن المنجنيق ليقع ههنا وهننا ما يبالي. وعنده أيضاً عن عطاء قال: كان ابن الزبير إذا صلَّى كأنه كعب

ص: 181

راتب. وأخرجه الطبراني في الكبير نحوه قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.

خشوع ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في الصلاة

وأخرج ابن سعد عن زيد بن عبد الله الشيباني قال: رأيت ابنعمر رضي الله عنهما إذا مشى إلى الصلاة دبّ دبيباً لو أن نملة مشت معه قلت لا يسبقها. وأخرج ابنسعد عن واسع بن حِبّان قال: كان ابن عمر يحب أن يستقبل كلُّ شيء منه القبلة إذا صلَّى، حتى كان يستقبل بإبهامه القبلة. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن طاووس قال: ما رأيت مصلياً كهيئة عبد الله بن عمر أشد استقبالاً للكعبة بوجهه وكفيه وقدميه. وعنده أيضاً عن أبي بُرْدة قال: صلّيت إلى جنب ابن عمر فسمعته حين سجد وهو يقول: اللهمَّ اجْعَلْكَ أحبَّ شيء إليَّ، وأخشى شيء عندي، وسمعته يقول في سجوده: ربِّ بما أنعمت عليَّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين، وقال: ما صلّيت صلاة منذ أسلمت إلا وأنا أرجو أن تكون كفّارة. وأخرج الطبراني في الكبير عن الأعمش قال: كان عبد الله رضي الله عنه إذا صلَّى كأنه ثوب مُلقىً. قال الهيثمي ورجاله موثَّقون والأعمش لم يدرك

ص: 182

بن مسعود.

زجر أبي بكر رضي الله عنه لزوجته أم رومان لميلها في الصلاة

وأخرج ابن عدي وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن أم رومان قالت: رآني أبو بكر رضي الله عنه أميل في الصلاة فزجرني زجرة كدت أنصرف من صلاتي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا قام أحدكم في الصلاة فليسكِّن أطرفه ولا يميِّل ميل اليهود، فإن تسكين الأطراف من تمام الصلاة» . كذا في الكنز.

اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالسنن الرواتب

قول عائشة رضي الله عنها في سنن النبي عليه السلام

أخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطوع، فقالت: كان يصلِّي قبل الظهر أربعاً في بيتي، ثم يخرج فيصلِّي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلِّي ركعتين. وكان يصلِّي بالناس المغرب ثم يرجع إل بيتي فيصلِّي ركعتين. وكان يصلِّي بهم العشاء ثم يدخل بيتي فيصلِّي ركعتين. وكان يصلِّي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر؛ وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً جالساً، فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلَّى ركعتين ثم يخرج فيصلِّي بالناس صلاة الفجر، انفرد بإخراجه مسلم. كذا

ص: 183

في صفة الصفوة، وأخرجه أبو داود والترمذي بعضه. كما في جمع الفوائد.

شدة اهتمامه عليه السلام بصلاة ركعتين قبل صلاة الصبح

وأخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر. وفي رواية لابن خزيمة: قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء من الخير أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر ولا إلى غنيمة: كذا في الترغيب. وأخرج البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الغداة. وأخرج أبو داود عن بلاد رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤذِنه بصلاة الغداة فشغلت عائشة رضي الله عنها بلالاً بأمر سألته عنه حتى سألته عنه حتى فضحه الصبح، فأصبح جداً، فقام بلال فآذنه بالصلاة وتابع أذانه فلم يخرج رسول

ص: 184

الله صلى الله عليه وسلم فلما خرج صلَّى بالناس وأخبره أن عائشة شغلته بأمر سألته عنه حتى أصبح جداً وأنه أبطأ عليه بالخروج، فقال:«إني كنت ركعت ركعتي الفجر» فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك أصبحت جداً، قال:«لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما وأحسنتهما وأجملتهما» : وإسناده حسن كما قال النووي في رياض الصالحين (ص416) .

شدة اهتمامه عليه السلام لصلاة أربع ركعات قبل فريضة الظهر

وأخرج ابن ماجه عن قابوس عن ىبيه قال: أرسل أبي إلى عائشة: أيُّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه أن يواظب عليها؟ قالت: كان يصلِّي أربعاً قبل الظهر يطيل فيهن القيام ويحسن فيهن الركوع والسجود. وقابوس هو ابن أبي ظَبيان وُثِّق وصحَّح له الترمذي وابن خزيمة والحاكم، لكن المُرسَل إلى عائشة مبهم. كذا في الترغيب. وأخرج أحمد والترمذي عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وقال:«إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح» قال

ص: 185

الترمذي: حديث حسن غريب. كذا في الترغيب. وأخرج الترمذي (ص75) عن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي قبل الظهر أربعاً وبعدها ركعتين. وأخرج أيضاً عن عائشة رضي الله عنها وحسَّنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصلِّ أربعاً قبل الظهر صلاهن بعدها. وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط عن أبي أيوب رضي الله عنه لمَّا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ رأيته يديم أربعاً قبل الظهر، وقال:«إنه إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء، فلا يغلق منها باب حتى تصلَّي الظهر، فأنا أحب أن يرفع لي في تلك الساعة خير» . كذا في الترغيب والكنز.

صلاته عليه السلام قبل العصر وبعد المغرب

وأخرج الترمذي (ص58) - وحسَّنه - عن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي قبل الصعري أربع ركعات، يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقرَّبين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين. وأخرج أبو داود عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي قبل العصر ركعتين، وإسناده صحيح كما في الرياض (ص419) ، وأخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير

ص: 186

والأوسط عن يمونة رضي الله عنها مثل حديث علي. كما في المجتمع. وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد المغب ركعتين يطيل فيهما القراءة حتى يتصدَّع أهل المسجد. قال الهيثمي: وفيه يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني وهو ضعيف.

اهتمام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالسنن الرواتب

اهتمام عمر رضي الله عنه بالسنة قبل الصبح وقبل الظهر

وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: قال عمر رضي الله عنه في ركعتين قبل الفجر: لهما أحب إليَّ من حُمْر النَّعَم. كذا في الكنز. وأخرج ابنجرير عن عبد الرحمن بن عبد الله أنه دخل على عمر ابن الخطاب وهو يصلِّي قبل الظهر فقال: ما هذه الصلاة؟ قال: إنها تُعَدُّ من صلاة الليل. وعند ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عتبة قال: صلَّيت مع عمر أربع ركعات قبل الظهر في بيته. كذا في الكنز.

لغاية ص 535

تابع

اهتمام علي وابن مسعود رضي الله عنهما بالسنة قبل الظهر

وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة بن أَسِيد قال: رأيت علي بن أبي

ص: 187

طالب رضي الله عنه إذا زالت الشمس صلّى أربعاً طوالاً، فسألته فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها - فذكر نحو حديث أبي أيوب رضي الله عنه. كذا في الكنز وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الله بن يزيد قال: حدثني أوصل الناس بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا زالت الشمس قام فركع أربع ركعات يقرأ فيهن بسورتين من المِئين، فإذا تجاوب المؤذنون شدَّ عليه ثيابه ثم خرج إلى الصلاة. قال الهيثمي: وفيه راوٍ لم يُسمَّ. وعنده أيضاً عن الأسود ومُرَّة ومسروق قالوا: قال عبد الله: ليش شيء يعدل صلاة الليل من صلاة النهار إلا أربعاً قبل الظهر، وفضلهن على صلاة النهار كفضل صلاة الجماعة على صلاة الواحد. قال الهيثمي: وفيه بشير بن الوليد الكِندي وثَّقه جماعة وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى، وقال المنذري في ترغيبه: وهو موقفو لا بأس به. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: ما كانوا يعدِلون شيئاً من صلاة النهار بصلاة الليل إلا أربعاً قبل الظهر فإنهم كانوا يرون أنهن بمنزلتهن من الليل. كذا في الكنز.

ص: 188

اهتمام البراء وابن عمر بالنسة قبل الظهر

وأخرج ابن جرير عن البراء رضي الله عنه أنه كان يصلِّي قبل الظهر أربعاً. وعن ابن عرم رضي الله عنهما مثله. كما في الكنز وأخرج أيضاً عن ابن عمر أنه كان إذا زالت الشمس يأتي المسجد فيصلِّي ثنتي عشرة ركعة قبل الظهر ثم يقعد. وعن نافع أن ابن عمر كان يصلِّي قبل الظهر ثمانَ ركعات ويصلِّي بعدها أربعاً. كذا في الكنز.

اهتمام علي بالسنة قبل العصر واهتمامه وابن عمر بالسنة بين المغرب والعشاء

وأخرج ابن النجار عن علي رضي الله عنه قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن ما حييت: أن أصلي قبل العصر أربعاً فلست بتاركهن ما حييت. وعند ابن جرير عنه قال: رحم الله من صلَّى قبل العصر أربعاً. كذا في الكنز. وأخرج ابن شيبة عن أبي فاخنة عن علي أنه ذكر أن ما بين المغرب والعشاء صلاة الغَفْلة فقال علي: في الغَفْلة وقعتم. كذا في الكنز. وأخرج ابن زنجويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من ركع بعد

ص: 189

المغرب أربع ركعات كان كالمعقِّب غزوة بعد غزة. كذا في الكنز.

اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بصلاة التهجد

قول عائشة في اهتمامه عليه السلام بقيام الليل

أخرج أبو داود وابن خْوَيمة عن عبد (الله) بن أبي قيس قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لا تدع قيم الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه وكان إذا مرض أو كسل صلَّى قاعداً. كذا في الترغيب.

قول جابر في فرض قيام الليل ثم نزول الرخصة

وأخرج البزّار عن جابر رضي الله عنه قال: كُتب علينا قيام الليل {يأَيُّهَا الْمُزَّمّلُ} {قم اليل إلا قليلا} (سورة المزمل، الآيتان: 1 و2) فقمنا حتى انتفخت أقدامنا، فأنزل الله تبارك وتعالى الرخصة {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى} (سورة المزمل، الآية: 20) إلى آخر السورة. قال الهيثمي: وفيه علي بن زيد وفيه كلام وقد وُثِّق - انتهى.

سؤال سعيد بن هشام عائشة عن وتره عليه السلام وجوابها

وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن سعيد بن هشام أنه طلَّق امرأته،

ص: 190

ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقاراً له بها ويجعله في الكُراع والسلاح، ثم يجاهد الروم حتى يموت، فلقي رهطاً من قومه فحدّثوه أن رهطاً من قومه ستةً أرادوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أليس لكم فيَّ أسوة حسنة» ؟ فنهاهم عن ذلك فأشهدَهم على رجعتها، ثم رجع إلينا فأخبرنا أنه أتى ابن عباس رضي الله عنهما فسأله عن الوتر فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، قال: ائت عائشة رضي الله عنها فسلها ثم ارجع إليَّ فأخبرني بردها عليك، قال: فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال: ما أنا بقاربها، إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين فأبت فيهما إلا مضيّاً، فأقسمتُ عليه، فجاء معي فدخلنا عليها فقالت: حكيم؟ وعرفتْه، قال: نعم، قالت: من هذا معك؟ قال: سعيد بن هشام، قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر، قال: فترحَّمت عليه وقالت: نِعمَ المرء كان عامراً قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. فهممت أن أقوم ثم بدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ هذه السورة: يا أيها المزمِّل؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله افترض قيام اليل في أول هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعاً من بعد فريضة.

فهممت أن أقوم ثم بدا لي وِتْر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وِتْر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كنا نُعِدّ له سواكه وطَهوره فيبعثه الله لمَّا يشاء أن يبعثه من الليل، فيتسوّك ثم يتوضأ، ثم يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس ويذكر ربَّه تعالى ويدعوه، ثم ينهض وما يسلِّم، ثم يقوم ليصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله وحده، ثم يدعوه، ثم يسلم تسليماً

ص: 191

يسمعنا، ثم يصلِّي ركعتين وهو جالس بعدما يسلِّم، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحمَ أوتر بسبع، ثم صلّى ركعتين وهو جالس بعدما يسلِّم، فتلك تسع يا بني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أو مرض صلَّى من انلهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كلَّه في ليلة حتى أصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان. فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها، فقال: صدقتْ، أما لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة. وقد أخرجه مسلم في صحيحه بنحوه. كذا في التفسير لابن كثير.

قول ابن عباس في وتر الصحابة لمَّا نزلت سورة المزمل

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان، وكان بين أولها وآخرها سنة. كذا في الكنز.

تهجد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

وأخرج ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يوتر أول الليل، وكان إذا قام يصلِّي صلَّى ركعتين ركعتين. كذا في الكنز. وأخرج مالك والبيهقي عن أسلم قال: كان عمر بن الخطاب رضي

ص: 192

الله عنه يصلِّي من الليل ما شاء الله أن يصلِّي حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، ثم يقول لهم: الصلاة، ويتلو هذه الآية {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصلاةِ} إلى قوله:{وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (سورة طه، الآية: 132) . كذا في منتخب الكنز. وأخرج الطبراني - ورجاله ثقات - كما قال الهيثمي عن الحسن أن عثمان بن أبي العاص تزوّج امرأة من نساء عمر بن الخطاب، فقال: والله ما نكحتها حين نكحتها رغبة في مال ولا ولد، ولكن أحببت أن تخبرني عن ليل عمر، فسألها: كيف كانت صلاة عمر بالليل؟ قالت: كان يصلي العَتَمة، ثم يأمر أننضع عند رأسه تَوْراً من ماء نغطِّيه، ويتعارّ من الليل فيضع يده في الماء فيمسح وجهه ويديه ثم يذكر الله ما شاء أن يذكر، ثم يتعار مراراً حتى يأتي على الساعة التي يقوم فيها لصلاته، فقال ابن بريدة: من حدّثك؟ فقال: حدثتني بنت عثمان بن أبي العاص، فقال: ثقة. وأخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيَّب قال: كان عمر بن الخطاب يحب الصلاة في كبد الليل - يعن وسط الليل - كذا في الكنز.

تهجد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

وأخرج أبو نُعيم في الحلية بسند جيد كما في الإصابة عن نافع عن

ص: 193

ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يحيى الليل صلاة ثم يقول: يا نافع أسْحَرْنا؟ فيقول: لا، فيعاود الصلاة ثم يقول: يا نافع أسْحَرْنا؟ فيقول: نعم، فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح. وأخرجه الطبراني مثله ورجاله رجال الصحيح غير أسد ابن موسى وهو ثقة. وأخرج أبو نعيم أيضاً عن محمد قال: كان ابن عمر كلما استيقظ من اليل صلى. وعنده أيضاً عن أبي غالب قال: كان ابن عمر ينزل علينا بمكة فكان يتهجَّد من اليل فقال لي ذات ليلة قبيل الصبح: يا أبا غالب ألا تقوم فتصلِّي؟ ولو تقرأ بثلث القرآن، فقلت: قد دنا الصبح فكيف أقرأ بثلث القرآن؟ فقال: إن سورة الإخلاص {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن.

تهجد ابنمسعود وسلم ان رضي الله عنهما

وأخرج الطبراني عن علقمة بن قيس قال: بتَ مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ليلة، فقام أول اليل، ثم قام يصلي فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجد حيِّه يرتل ولا يرجِّع يسمع من حوله ولا يرجِّع صوته، حتى لم يبق من الغَلَس إلا كما بين أذان المغرب إلى الانصراف منها، ثم أوتر. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح - انتهى. وأخرج الطبراني عن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان رضي الله

ص: 194

عنه لينظر ما اجتهاده قال: فقام يصلِّي من آخر الليل، فكأنه لم يرَ الذي كان يظن، فذكر ذلك له فقال سلمان. حافظوا على هذه الصلوات الخمس؛ فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم تُصَب المقتَلة، فإذا صلى الناس العشاء صدروا عن ثلاث منازل: منهم من عليه ولا له، ومنهم من له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه. فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فركب رأسه في المعاصي فذلك عليه ولا له، ومن له ولا عليه فرجل اغتنم ظلمة اليل وغفلة الناس فقام يصلي فذلك له ولا عليه، ومن لا له ولا عليه فرجل صلى ثم نام فلا له ولا عليه. إياك والحقحقة، وعليك بالقصد ودوام. قال المنذري في ترغيبه: رواه الطبراني في اكبير موقوفاً بإسناد لا بأس به ورفعه جماعة. انتهى.

اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالنوافل بين طلوع الشمس وزوالها

حديث أم هانىء وعائشة في صلاته الضحى عليه السلام

أخرج الشيخان عن أُم هانىء - فاختة بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل، فلما فرغ من غسله صلَّى ثماني ركعات وذلك صحى. كذا في الرياض (ص424) . وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله. كذا في الرياض.

حديث أنس وعبد الله بن أبي أوفى في صلاته عليه السلام الضحى

وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ست ركعات، فما تركتهن بعد. قال

ص: 195

الهيثمي: وفيه سعد بن مسلم الأموي ضعَّفه البخاري وابن معين وجماعة وذكره ابن حبان في الثقت وقال: يخطىء - اهـ. وهكذا أخرج الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن، كما قال الهيثمي عن أم هانىء أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فصلَّى الضحى ست ركعات. وأخجر البزّار عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه صلَّى الضحى ركعتين فقالت له امرأته: إنما صليت ركعتين، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين حين بُشر بالفتح وحين بُشَّر برس أبي جهل. قال الهيثمي رواه البزّار والطبراني فيالكبير ببعضه وفيه شعثاء ولم أجد من وثَّقها ولا جَرَحها، وروى ابن ماجه الصلاة حين بُشِّر برأس أبي جهل فقط. انتهى

ص: 196

حديث ابن عباس عن أم هانىء في صلاته عليه السلام الضحى

وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أمرُّ بهذه الآية فما أدري ما هي. قوله: {بِالْعَشِىّ وَالإشْرَاقِ} (سورة ص، الآية: 18) حتى حدثتني أم هانىء بنت أبي طالب رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بوَضوء في جَفْنة كأني أنظر إلى أثر العجين فيها، فتوضأ ثم صلَّى الضحى ثم قال:«يا أم هانىء هذه صلاة الإشراق» . قال الهيثمي: وفيه حجّاج ابن نصير ضعفه ابن المدين وجماعة ووثَّقه ابن معين وابن حِبّان وهو في الصحيح بغير سياقه - انتهى.

حثُّه عليه السلام على صلاة الضحى وتبيينه فضلها

وأخرج أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْثاً فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكَرَّة، فقال رجل: يا رسول الله ما رأينا بَعْثاً قط أسرع كرة ولا أعظم غنيمة من هذا البَعْث، فقال:«ألا أخبركم بأسرع كرّة منهم وأعظم غنيمة، رجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم عمدَ إلى المسجد فصلَّى فيه الغاة، ثم عَقَّب بصلاة الضحوة، فقد أسرع الكرّة وأعظم الغنيمة» قال المنذري في الترغيب: رواه أبو يعلى - ورجال إسناده رجال الصحيح - والبزّار وابن حِبّان في صحيحه، وبيَّن البزّار في روايته أن الرجل أبو بكر رضي

ص: 197

الله عنه، وقد روى هذا الحديث الترمذي في الدَعَوات من جامعه من حديث عمر رضي الله عنه. انتهى. وأخرجه أيضاً أحمد من رواية ابن لَهِيعة والطبراني بإسناده جيد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. كما في الترغيب.

صلاة علي وابن عباس وسعد الضحى

وأخرج الطبراني في اجزء مَنْ اسمه عطاء عن عطاءٍ أبي محمد قال: رأيت علياً رضي الله عنه يصلِّي الضحى في المسجد. كذا في الكنز. وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما يصلِّي الضحى يوماً ويدعها عشرة: كذا في الكنز. وأخرج ابن جرير عن عائشة بنت سعد قالت: كانت سعد رضي الله عنه يسبِّح سبحة الضحى ثمان ركعات. كذا في الكنز.

الاهتمام بالنوافل بين الظهر والعصر

أخرج الطبراني في الكبير عن الشِّعْبي قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه لا يصلِّي الضحى ويصلي ما بين الظهر والعصر مع عقبة من اليل طويلة. قال الهيثمي: وفيه رجل لم يُسمَّ.

ص: 198

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يحيى بين الظهر إلى العصر.

الاهتمام بالنوافل بين المغرب والعشاء

صلاته عليه السلام بين المغرب والعشاء وصلاة عمار أيضا

أخرج النِّسائي بإسناد جيد عن حذيفة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصلَّيت معه المغرب فصلَّى إلى العشاء. كذا في الترغيب. وأخرج الطبراني في الثلاثة عن محمد بن عمار بن ياسر قال: رأيت عمّار بن ياسر رضي الله عنهما يصلِّي بعد المغرب ست ركعات، وقال رأيت حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بعد المغرب ست ركعات، وقال:«من صلَّى بعد المغرب ست ركعات غفرت لهذنوبه وإن كانت مثلَ زبد البحر» . قال الطبراني: تفرّد به صالح بن قَطَن البخاري، وقال المنذري في ترغيبه: وصالح هذا لا يحضرني الآن فيه جرح ولا تعديل - اهـ.

صلاة ابن مسعود وابن عباس بين المغرب والعشاء

وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ساعة ما

ص: 199

أتيت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيها إلا وجدته يصلِّي؛ ما بين المغرب والعشاء، فسألت عبد الله فقلت: ساعة ما أتيتك فيها إلا وجدتك تصلِّي فيها، قال: إنها ساعة غَفْلة. قال الهيثمي: وفيه لَيْث بن أبي سُلَيم وفيه كلام. وعنده أيضاً عن الأسود بن يزيد قال قال عبد الله بن مسعود: نِعْم ساعة الغفلة - يعني الصلاة فيما بين المغرب والعشاء - قال الهيثمي: وفيه جابر الجُعْفي وفيه كلام كثير. وأخرج ابن زنجويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الملائكة لتحفُّ بالذين يصلُّون بين المغرب والعشاء وهي صلاة الأوَّابين. كذا في الكنز.

الاهتمام بالنوافل عند دخول المنزل والخروج منه

أخرج ابن المبارك في الزهد بسند صحيح عن بعد الرحمن بن أبي ليلى قال: تزوَّج رجل امرأة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، فسألها عن صنيعه فقالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلَّى ركعتين، وإذا دخل بيته صلَّى ركعتين لا يدع ذلك. كذا في الإصابة.

صلاة التراويح

ترغيبه عليه السلام بصلاة التراويح

أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 200

يرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول:«من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه» . كذا في الرياض؛ وذكره في جمع الفوائد عن الستة وزاد: فتفوفي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وصَدْراً من خلافة عمر رضي الله عنه.

صلاة أبي بن كعب بالناس والتراويح في عهده عليه السلام وفي عهد عمر

وأخرج أبو داود بإسناد ضعيف عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس في رمضان وهم يصلُّون في ناحية المسجد فقال: «ما هؤلاء» ؟ قيل له: هؤلاء ناس ليس معهم قرآن وأُبيّ بنكعب يصلِّي يهم وهم يصلُّون بصلاته، فقال:«أصابوا ونِعَّما صنعوا» . كذا في جمع الفوائد. وأخرج مالك والبخاري وابن خُزيْمة وغيرهم عن عبد الرحمن بن عبد القاريّ قال: خرجت مع عمر بنا لخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى املسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلِّي الرجل لنفسه فيصلِّي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل،

ص: 201

ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب. ثم خرجعت معه ليلة أخرى ولناس يصلُّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نِعْمَتِ البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله. كذا في الكنز وجمع الفوائد. وأخرج ابن سعد عن نوفل بن إياس الهذلي قال: كنا نقوم في عهد عمر بن الخطاب فِرَقاً في المسجد في رمضان ههنا وهننا، فاكن الناس يميلون إلى أحسنهم صوتاً فقال عمر: ألا أراهم قد اتخذوا القرآن أغانيَ؟ أما - والله - لئن استطعتُ لأغيرنَّ هذا، قال: فلم يمكث إلا ثلاث ليالٍ حتى أمر أُبيِّ بن كعب فصلَّى بهم، ثم قام في آخر الصفوف فقال: لئن كانت هذه بدعة لنعمت البدعة هي.

تنوير عمر المساجد لتصلِّي فيها التراويح ودعاء علي له بذلك

وأخرج ابن شاهين عن أبي إسحاق الهَمْداني قال: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أول ليلة من رمضان والقناديل تزدهر وكتاب الله يتلى، فقال: نوَّر الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نوَّرت مساجد الله تعالى بالقرآت. كذا في الكنز. وأخرج الخطيب في أماليه عن أبي إسحاق الهَمْداني وابن عساكر عن إسماعيل بنزياد بمعناه مختصراً. كما في منتخب الكنر.

إمامة أُبيّ وتميم الداري وسليمان بن أبي حثمة بالناس في التراويح

وأخرج الفِريابي والبيهقي عن عروة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

ص: 202

جمع الناس على قيام شهر رمضان: الرجال على أُبيّ بن كعب رضي الله عنه، والنساء على سليمان بن أبي حثمة. كذا في الكنز. وأخرج ابن سعد: عن عمر بن عبد الله العَنْسي أن أُبيّ بن كعب وتميماً الداري رضي الله عنهما كانا يقومان في مقام النبي عليه السلام يصلِّيان بالرجال، وأن سليمان بن أبي حَثْمة كان يقوم بالنساء في رَحبة المسجد، فلما كان عثمان بن عفان رضي الله عنه جمع الرجال والنساء على قارىء واحد سليمان بن أبي حثمة، وكان يأمر النساء فيُحبَسن حتى يمضي الرجال ثم يُرْسَلن. وأخجر البيهقي عن عَرْفَجة قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان، ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال عرفجة: فكنت أنا إمام النساء. كذا في الكنز.

صلاة أُبي بنسوته إماماً في التراويح في بيته

وأخرج أبو يعلى عن جابر رضي الله عنهما قال: جاء البيّ ابن كعب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه كان مني الليلة شيء - يعني في رمضان - قال: «وما ذاك يا أُبي» ؟ قال: نسوة في داري قلن: إنَّا لا نقرأ القرآن فنصلِّي بصلاتك، قال: فصلَّيتُ بهن ثمان ركعات وأوترت، فكانت سنة الرضا ولم يقل شيئاً. قال الهيثمي: رواه أبو يَعحلى والطبراني بنحوه في الأوسط وإسناده حسن.

ص: 203

صلاة التوبة

أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فدعا بلالاً رضي الله عنه فقال: «يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ إني دخلت الجنة البارحة فسمعت خشخشتك أمامي» فقال: يا رسول الله ما أذنبت قط إلا صلتي ركعتين، وما أصابني حَدَث قط إلا توضأت عندها وصليت ركعتين. كذا في الترغيب.

صلاة الحاجة

صلاة أنس رضي الله عنه من أجل الحاجة وانقضاء حاجته

أخرج ابن سعد عن ثُمامة بن عبد الله قال: جاء أنساً رضي الله عنه أكّار بستانِه في الصيف، فضكى العطش، فدعا بماء فتوضأ وصلَّى، ثم قال: هل ترى شيئاً؟ فقال: ما أرى شيئاً، قال: فدخل فصلَّى ثم قال في الثالثة - أو في الرابعة -: انظر، قال: أرى مثل جناح الطير من السحاب، قال: فجعل يصلِّي ويدعو حتى دخل عليه القيِّم فقال: قد استوت السماء ومطرت، فقال: اركب الفرس الذي بعث به بِشْر بن شَغاف فانظرأين بلغ المطر؟ قال: فركبه فنظر، قال: فإذا المطر لم يجاوز قصور المسيَّرين ولا قصر الغضبان.

صلاته عليه السلام من أجل شفاء علي، وشفاء علي بذلك

وأخرج ابن أبي عاصم وابنجرير - وصححه - والطبراني في الأوسط وابن

ص: 204

شاهين في السنة عن علي رضي الله عنه قال: وجعت وجعاً فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأقامني في مكانه وقام يصلِّي وألقى عليَّ طرف ثوبه، ثم قال:«برئت يا ابن أبي طالب فلا بأس عليك، ما سألت الله لي شيئاً إلا سألت لك مثله، ولا سألت الله شيئاً إلا أعطانيه غير أنه قيل لي: إنه لا نبي بعدك» (فقمت) فكأني ما اشتكيت. كذا في المنتخب.

استجابة دعاء الصحابي أبي معلق حين أراد لص قتله

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب مُجَابي الدعوة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق، وكان تاجراً يتَّجر بمال له ولغيره، وكان له نُسُك وورع، فخرج مرة فلقيه لصٌّ مقنَّع في السلاح، فقال: ضَعْ متاعك فإني فاتلك، قال: شأنك بالمال، قال: لست أريد إلا دمك، قال: فَذَرْني أصلِّ، قال: صلِّ ما بدا لك. فتوضأ ثم صلَّى فكان من دعائه: يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعزَّتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني. قالها ثلاثاً؛ فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني رأسه، فطعن اللصَّ فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك، قال: إني مَلَك من أهل السماء الرابعة؛ لما دعوتَ سمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم دعوتَ ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يولِّيني قَتْله، ثم قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلَّى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب؛ وأخرجه أبو موسى في كتاب الوظائف بتمامه، كذا في الإصابة.

استجابة دعاء الصحابي أبي معلق حين أراد لص قتله

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب مُجَابي الدعوة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق، وكان تاجراً يتَّجر بمال له ولغيره، وكان له نُسُك وورع، فخرج مرة فلقيه لصٌّ مقنَّع في السلاح، فقال: ضَعْ متاعك فإني فاتلك، قال: شأنك بالمال، قال: لست أريد إلا دمك، قال: فَذَرْني أصلِّ، قال: صلِّ ما بدا لك. فتوضأ ثم صلَّى فكان من دعائه: يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعزَّتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني. قالها ثلاثاً؛ فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني رأسه، فطعن اللصَّ فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك، قال: إني مَلَك من أهل السماء الرابعة؛ لما دعوتَ سمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم دعوتَ ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يولِّيني قَتْله، ثم قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلَّى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب؛ وأخرجه أبو موسى في كتاب الوظائف بتمامه، كذا في الإصابة.

ص: 205