المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تغير الإنسان كلما امتد الزمان - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ١٠٠

[عبد الرحيم الطحان]

الفصل: ‌تغير الإنسان كلما امتد الزمان

‌تغير الإنسان كلما امتد الزمان

(من خطب الجمعة)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

بسم الله الرحمن الرحيم

تغيّر الإنسان كلما امتد الزمان

الحمد لله نحمده ونستعينه نستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا..

الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين.

"يأيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون".

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عميا وآذاناً صما وقلوباً غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

"يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الذين تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا".

" يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

" يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما".

أما بعد: معشر الأخوة المؤمنين..

ص: 1

تقدّم معنا أن دين رب العالمين يقوم على ركنين ركينين وعلى دعامتين متينتين: الركن الأول منهما إخلاص لله عز وجل. والركن الثاني متابعة لنبينا عليه الصلاة والسلام ويضاد هذين الركنين فيضاد الإخلاص الشرك والرياء كما يضاد اتباع النبي عليه الصلاة والسلام الابتداع والأهواء فمن سلم من الشرك والرياء فهو مخلص. ومن سلم من البدعة والهوى فهو متبع لنبينا خير الهدى عليه الصلاة والسلام.

إخوتي الكرام: وقد تقدم معنا في المواعظ السابقة تعريف البدعة ثم شرعنا في الموعظة الماضية في مدارسة النصوص الشرعية التي تحذر من البدعة الغوية وتأمرنا باتباع نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام. ووعدت أن أكمل الموضوع في هذه الموعظة المباركة إن شاء الله. ولكن ترتبط حلقات البحث ببعضها سأذكر شيئاً لم يتقدم له ذكر في تقرير الأمور الماضية التي ذكرتها في الموعظة السابقة على وجه الاختصار، ثم أكمل عليها ما سأقوله في هذه الموعظة بإذن الله جل وعلا.

إخوتي الكرام: أن آيات التنزيل وأحاديث نبينا البشير النذير صلى الله عليه وسلم أن هذه النصوص الشرعية من الآيات القرآنية وأحاديث نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام أمرتنا باتباع نبينا صلى الله عليه وسلم وحذرتنا بالابتداع في دين الإسلام، يقول الله جل وعلا:"ألمص- كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون"(الأعراف/1-3) اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم على نبيكم وحبيبكم سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم، ولا تتبعوا من دونه أولياء.. وحذار حذار من الابتداع والأهواء والاقتداء بأحد من خلق الله غير نبينا عليه الصلاة والسلام اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه من أولياء قليلا ما تذكرون.

ص: 2

وهكذا أشار الله إلى هذا المعنى أيضاً في أول سورة الحجرات، فقال رب الأرض والسموات:"يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم. يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم". (الحجرات/1-5) .

لا تقدموا بين يدي الله ورسوله عليه صلوات الله وسلامه – ولا يذكر رأي أي مخلوق كان، إذا تُليت آيات القرآن، وذكرت أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام. "لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم" وهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام تأدبوا معه في حال غيبته وفي حال وجوده، في ظاهركم وباطنكم فحذارٌ حذار من رفع الصوت على صوت النبي عليه الصلاة والسلام وعنده في مجلسه وعند تلاوة حديثه وذكره عليه الصلاة والسلام لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون.

وقد بلغ من ورع وديانة سيدنا الإمام مالك – عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا- أنه عندما كان يعلم حديث نبينا عليه الصلاة والسلام إذا أحد تكلم ورفع صوته يزجره ويتلو قول الله جل وعلى لا ترفعوا أصواتكم فوق النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون.

ثم أخبر الله عمّن يغضون أصواتهم عند النبي عليه الصلاة والسلام إجلالا له واحتراماً وحباً له وتعلقاً به هؤلاء أصحاب القلوب التقية النقية التي أخلصت لرب البرية واتبعت نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام.

ص: 3

إخوتي الكرام: فتأملوا في هذه الدلالة في هذه الآية من القرآن، من رفع صوته في مجلس النبي عليه الصلاة والسلام أو عند ذكر حديثه وبيان أحكام شريعته رفع صوته فقط، في مناظرة أو سؤال أو استفسار.. كما يرفع أحدنا صوته أحياناً مع أصحابه الذين يجالسهم لو رفع صوته من غير اعتراض يخشى عليه أن يحبط عمله ويخلّد في النار، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون فكيف سيكون حال من يردّ حكم النبي عليه الصلاة والسلام ويتبع في دين الرحمن ويحتكم إلى رأي فلان وفلان من رفع صوته ولم يلتزم بهذا الأدب الظاهري مع هذا النبي الأمي عليه الصلاة والسلام يخشى عليه من حبوط عمله وخلوده في نار جهنم ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون هذا رسول الله خير خلق الله عليه الصلاة والسلام فإن كلمته ما ينبغي أن تحد النظر إليه وإذا كلمته فما ينبغي أن ترفع صوتك عنده عليه صلوات الله وسلامه.

إخوتي الكرام: والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ كثيرة في القرآن وهذا المعنى أكده نبينا عليه الصلاة والسلام وأمرنا أن نتبعه فيما أتى به من شرع مطهّر في حال الاكتساب وفي حال الاجتناب في حال الفعل وفي حال الترك عند فعل المأمور وعند ترك المحظور.

ثبت في المسند والكتب الستة إلا سنن أبي داود والحديث رواه الداراقطني في سننه والبيهقي في السنن الكبرى وهو في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين كما سمعتم من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذروني ما تركتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلكم واختلاف على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ". ما نهيتكم عنه فانتهوا عنه وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم هذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام.

ص: 4

وفي بعض روايات الحديث كما في صحيح مسلم وغيره أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال فقال: أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحُجّوا فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم أفي كل عام يا رسول الله فسكت عنه عليه الصلاة والسلام ومم يجب فأعاد سؤاله " أفي كل عام يا رسول الله " فسكت ولم يجب حتى أعاد الثالثة فقال له النبي عليه الصلاة السلام لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم عوني ما تركتم "ذروني ما تركتم" ما سكتُّ عنه لا تبحثوا عنه وما أمرتكم به افعلوا منه ما في وسعكم ومقدوركم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه ذروني / دعوني ما تركتم. إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا وإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم. إن أفعالك أخي المؤمن تدور على أمرين اثنين لا ثالث لهما.

1.

اكتساب.

2.

اجتناب.

فينبغي أن تجتنب ما نهاك عنه نبيك عليه الصلاة والسلام وأن تفعل ما استطعت مما هو في وسعك مما أمرك به نبيك صلى الله عليه وسلم. إن المأمور تفعله على حسب الوسع والمقدور وأما المحظور فينبغي أن يترك في جميع الأحوال والعصور. وأما السؤال الذي نهيت عنه هذه الأمة المباركة المحرمة في أول أمرها مع نبينا عليه الصلاة والسلام هذه السؤال يدخل تحته عدة أنواع:

? نهوا أن يسألوا عما لا فائدة ولا مصلحة منه.

? نهوا أن يسألوا الأمثلة التي هي عن طريفي التعنت والتشدد.

? نهوا أن يسألوا إنزال الآيات كما كانت تطلب الأمم السابقات.

? نهوا أن يسألوا عما اختص الله بعلمه من قيام الساعة والروح وغير ذلك.

? نهوا أن يسألوا عما لم يبين لهم من أمور الحلال والحرام حتى يأتي البيان من نبينا عليه الصلاة والسلام فأنتم تتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم عباد الله والله أعلم بمصالحكم فدعوا الأمر له ليُسيِّركم حسب حكمته ومشيئته لا لتتعجلوا تسيير أنفسكم كما تريدون.

ص: 5

وهذا أدب جليل أدّب عليه هذه الأمة في أول أمرها أنهم يتلقون الأوامر فيفعلونها على حسب استطاعتهم والنواهي فيجتنبونها ثم يتركون بعد ذلك حالهم لنبيهم عليه الصلاة والسلام ليوجّههم حسبما يوحي الله إليه. إذا ما أمرنا به ينبغي أن نفعله حسب وسعنا وما نهينا عنه ينبغي أن نتركه وما تركه نبينا عليه الصلاة والسلام ولم يبين الحكم فيه فالأصل في الأشياء الحلّ والإباحة ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلاف على أنبيائهم وقد نص الله على هذا المعنى في كتابه في سورة المائدة فقال جل وعلا: "يأيها الذين آمنوا لاتسئلوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم وإن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم غفا الله عنها والله غفور حليم. قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين"(المائدة) .

إخوتي الكرام: هذه كما قلت بعض أدلة القرآن وأحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام التي تأمرنا بمتابعة النبي عليه الصلاة والسلام في جميع أحوالنا والاحتكام إلى هديه وشريعته في جميع شئوننا فيما نكتسبه وفيما نجتنبه وهذا المسلك السديد الرشيد سار عليه الرعيل الأول وعليه كان عندهم المعوّل يعولون عليه وأفعالهم كلها حسب شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام.

انظر لهذا النموذج الرفيع العالي المحكم السديد الذي صدر من ثاني الخلفاء الراشدين سيدنا أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ص: 6

ثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربعة والحديث في الموطأ للإمام مالك وسنن الدارمي وسنن الداراقطني والسنن الكبرى للإمام البيهقي وهو في أعلى درجات الصحة. عن هذا الخليفة الراشد المحدِّث المبارك الملهم رضي الله عنه أنه أتى بيت الله الحرام في الكعبة المشرفة في وسط الزحام والناس في الحج وهو أمير المؤمنين استلم الحجر الأسود وقبّله ثم رفع صوته قائلا: "إني لأعلم أنك حجر لا تضرُّ ولا تنفع" فعلام أيها الخليفة الراشد تقبِّل حجراً لا يضر ولا ينفع؟ استمع لأتباعه لنبينا عليه الصلاة والسلام في جميع الأحوال "ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتُك..".

وفي المسند وصحيح مسلم وسنن البيهقي والسنن الكبرى للإمام البيهقي أنه قال "لكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيًّا" أي كان يحتفي بلا ويهتم ويكرمك ويقبّلك ويجلّك ونحن قدوتنا وأمامكا نبينا عليه الصلاة والسلام فإذا احتفى بك خير خلق الله فنحن تبع له في ذلك الاحتفاء "ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّلك ما قبلك غير أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيًّا".

وثبت أيضاً في مسند أبي داود الطيالسي والحديث رواه الدارمي والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى وإسناده صحيح كالشمس عنه أيضاً عن سيدنا عمر رضي الله عنه: أنه استلم الحجر الأسود فقبله وسجد عليه وفي رواية وضع خده عليه ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ليستلم الحجرة يقبله يسجد عليه يمسح خده "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله".

نعم إخوتي الكرام عندما نتبرّك ببيت الله الحرام "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان أمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين "(آل عمران) .

ص: 7

عندما نتبرك بالبيت الكريم ونعظم شعائر رب العالمين لا يعني أننا نعبد البيت وأننا نعبد هذه الشعائر لا ثم لا.. فعبادة المخلوق لا تصرف إلا لخالقه جل وعلا، " فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. وليس هذا التقبيل والتمسح عبادة لهذا البيت إنما هذا طاعة لله جل وعلا وما ورد به الشرع نقف عنده ولا ندخل آراءنا وأهواءنا وإذا أراد الإنسان أن يشتط ون يقول: هذه لوثة من نزعات الجاهلية كانوا يعظمون البيت ويقبلون الحجر فقل له هذا اقتداء بخير البرية عليه الصلاة والسلام. نعم ما فيه بركة نتبرك به ونتمسح به تعظيماً لله جل وعلا لا عبادة له (للخلق) والإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء 4/42 عندما ذكر الحضّ على زيارة المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه لتكتحل عينا الإنسان بمدينة نبينا عليه الصلاة والسلام يقول: والله لو أنا ظفرنا بالمحجن الذي استلم به النبي صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود –والمحجن هي العصا معقوفة الطرف إذا كان الإنسان يركب على دابة يأخذ بها شيئاً من الأرض من متاع سقط منه أو غيره لها طرف يعنى كالعكاز والباكورة في هذه الأيام "المحجن" نبينا عليه الصلاة والسلام عندما طاف على راحلته المباركة جاء إلى الحجر الأسود فاستلمه بالمحجن وضع محجنه على الحجر الأسود ثم قبّل هذا المحجن.

ص: 8

والحديث ثابت في المسند والكتب الستة إلا سنن الإمام الترمذي فهو في الصحيحين " استلم الحجر بمحجنه ثم قبّله " يقول الإمام الذهبي لو ظفرنا بالمحجن الذي استلم به نبينا عليه الصلاة والسلام الحجر الأسود وقبّله لحق لنا أن نزدحم على محجنة للتبجيل والتقبيل هذه العصا التي كانت تمسّ يد نبينا عليه الصلاة والسلام ويمسكها لو قدر أننا ظفرنا به لحق لنا أن نزدحم على محجنه عليه الصلاة والسلام بالتبجيل والتوقير. إخوتي الكرام: الذي يقوله هذا الإمام الهمام هو المقرر عند أئمة الإسلام وقد فعله جم غفير من التابعين للصحابة الكرام رضي الله عنهم وههنا ينبغي أن تتخرّس الألسنة التي تتكلم بالباطل في هذه الأيام ويقولون: إن التبرك بغير النبي عليه الصلاة والسلام ما حصل من أحد نحو أحد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ما حصل من التابعين نحو الصحابة الكرام الطيبين.

والآثار في ذلك كثيرة وفيرة سأذكر أثرين اثنين:

الأثر الأول: رواه الإمام الطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات كما قال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في المجمع 8/42 في كتاب الأدب باب قبلة اليد. والأثر رواه سيد المؤمنين وإمام المحدثين الإمام البخاري في الأدب المفرد ص 144 ولفظ الأثر عن عبد الرحمن بن زيد الغافقي المصري وهو من أئمة التابعين الكبار وحديثه مخرج في الأدب المفرد للإمام البخاري وسنن أبي داود وابن ماجه قال قدمنا الربذة فقيل لنا هاهنا رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سلمه بن الأكوع قال فذهبنا إليه ودخلنا عليه فقال لنا بايعت النبي صلى الله عليه وسلم بهاتين اليدين قال فأخرج لنا كفَّا ضخمة كأنها خف بعير فقمنا إليه وقبلناها فلم ينكر علينا ذلك. اليد يد صحابي مسّت يد الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قمنا إليها وقبلناها. صافحتهم متبرّكاً بأكفّهم – إذا صافحوا كفَّا على ثميناً..

ص: 9

نعم هذا حصل من تابعي نحو صحابي بإسناد صحيح وفي المصدرين المذكورين. وأثر ثالث رواه الإمام البخاري في نفس المكان في الأدب المفرد ص144 عن شيخ الإسلام في زمنه وإمام التابعين ثابت بن أسلم البُناني (وقد توفي سنة بضع وعشرين بعد المائة) وحديثه في الكتب الستة وتقدم منعنا شيء من مناقبه وفضائله رضي الله عنه وأكرمه في قبره بعد موته بقراءة القرآن فما مرّ أحد بجوار قبره إلا سمعه يتلو كلام الله جل وعلا، ثابت بن أسلم البناني تلميذ أنس بن مالك رضي الله عنه والقصة يستشهد بها الإمام الذهبي في المكان الذي ذكرته آنفاً في السير 4/41 فما بعدها كان ثابت بن أسلم يجيء إلى سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول أبا حمزة أرني يدك التي صافحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعت به رسول الله صلى الله عليه وسلم مسست بها يد رسول الله صلى الله علية وسلم فكان أنس يخرج له يده فيكبّ عليها ثابت بن أسلم البناني بالتقبيل والتبجيل.

ص: 10

أثران عن تابعيّين مع صحابيين. إخوتي الكرام وعمدتهم في ذلك ما أشرت إليه سابقاً من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقلت إن الحديث في المعجم الأوسط للطبراني وحلية الأولياء وإسناده صحيح أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء فيشرب يرجو بركة أيدي المسلمين، وقد ذكرت هذا في الموعظة الماضية أو التي قبلها فاستشكل هذا بعض المستشكلين لكثرة المشوّشين المشكّكين في هذا الحين فكان من كلامهم: أي فائدة في رواية مثل هذه الأخبار؟ قلت يا عبد الله أو ليست هذه الأخبار أفعال نبينا المختار عليه الصلاة والسلام؟ أو ليست هذه الأخبار أفعال السلف الأخيار؟ وديننا من أين يؤخذ؟ ولم يضيق صدرك إذا ذكر مثل هذا؟ لم يضيق صدرك إذا تحدث الناس بمثل هذه الأخبار؟ وإذا ذكرت قصة من ذلك كأنك أخرجت ثعباناً من الصندوق وألقيته على بعض الناس لم يضيق صدرك؟ فعل نبيك عليه الصلاة والسلام "يأتي بهذا الماء فيشرب يرجو بركة أيدي المسلمين".

وهنا فعل أئمة الإسلام وتقدم معنا بعض الحوادث كما قلت في الموعظة الماضية فعلام يضيق صدرك يا عبد الله ثم هذا التشويش واللغط من قبل الغالطين المشوشين في هذا الحين "من تبّرك بصالح فهو مشرك" وأن هذا من خصال المشركين وأن من يبيحه فهو طاغوت لعين.

ص: 11

طيب بعد ذلك أنت تقول: ما الحكمة من ذكر هذا؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله إخوتي الكرام لابدّ من أن نعي أحوالنا على التمام، ما فعله نبينا عليه الصلاة والسلام ونقل عن سلفنا الكرام ينبغي أن نتأدب نحوه وأن نأخذ به وأن نفرح عند ذكره ومدارسته واجتمعت مرة مع بعض الأخوة وقال: يعني هذه الأبحاث التي تذكرها من أولها لآخرها ليس هذا وقتها فلو تركت لكان أحسن قلت في أي شيء نبحث؟ قال نبحث في أحكام دين الله قلت: أسألك ما حكم من لبس الصليب؟ قال: حرام، لبس الصليب حرام قلت: لِم تغلظ على من يتبرك بصالح أكثر من إغلاظك على من يتبرّك بالصليب ويلبسه؟ قال: ماذا تقصد؟ قلت إذا أتيت لتبرّكٍ بصالحٍ تقول " شركٌ ""ومُشرك ""وطاغوت " وإذا أتيت للبس الصليب حرام لم لا تقول إن هذا شرك وكفر بالرحمن؟! قال الشرك والكفر نوع من الحرام، قلت إذاً ترى أن لبس الصليب شرك وكفر؟ قال: نعم، قلت فأسلك سؤالاً آخر وهو محل الشاهد أما الأول فهو مجمع عليه بين أئمتنا أن من لبس الصليب فهو مرتد كافر لاحظ له في الإسلام لا تتكلم في هذه المسألة وهذا لا خلاف فيه بين أئمة الإسلام إنما المسألة ما حكم من يبرر لبس الصليب ويفتي بجوازه قال نهينا عن تتبع زلل العلماء هذه زلة من عالم قلت هذه زلة؟

ص: 12

وأئمتنا عندما قرروا جواز التبرك بناءً على أدلة صدق قال بها أهل الحق تشتطّون وتغضبون للشيطان لا للرحمن، وتعاملون أئمتنا الأبرار معاملة الكفار وهنا زلة؟ قلت والله إن الفتيا بحل لبس الصليب وجوازه أشنع بكثير من لبسه، فعلام يا عبد الله تكثرون الضجيج على ما قاله أئمتنا الكرام كشيخ الإسلام الإمام النووي وابن حجر والإمام الذهبي والإمام الخطابي وأئمة الإسلام تكثرون عليهم الضجيج وتقولون: شرك –وطاغوت- ومشرك، وإذا جئتم بعد ذلك إلى لبس الصليب قلتم:"حرام " وإلى الفتوى بجواز لبسه على حسب الأعراف الدولية والمراسم الردية فهذا لا حرج فيه "زلة من عالم " لا إله إلا الله محمد رسول الله، كيف انتكست القلوب في هذه الأيام ما فعله نبينا عليه الصلاة والسلام وفعل به وما فعله الصحابة الكرام وفعل بهم وما تتابع عليه أئمة الإسلام يأتي صُعلوك في هذه الأيام وهو متكئ على أريكته يقول: هذا مشرك، والذي يدعو إلى هذا مشرك وطاغوت، ثم تأتي بعد ذلك إلى شعائر الكفر المجمع عليها بأنها تدل على كفر ما حكم لبس الصليب؟ حرام وما حكم من يفتي بجوازه؟ زلة من عالم لا يجوز أن نعلق عليها بأكثر من ذلك، وبعضهم يشتطّ يقول وهو في زلته مأجور على اجتهاده هدمتم دين الله، هدمتم دين الله يا من لا تخافون من الله رحمة وذلة واستكانة نحو أعداء الله وجبروت وطغيان نحو أولياء الله.

ص: 13

إخوتي الكرام: –كما قلت- هذا الخليفة الراشد المبارك رضي الله عنه عندما قبّل الحجر حَذارِ حذار أن يقول صعلوك في هذه الأيام إن تقبيل الحجر والتبرك ببيت الله الحرام إن هذا من ذرائع الشرك وإن هذا من خصال الجاهلية ما فعلنا هذا إلا اقتداءً بنبينا خير البرية عليه صلوات الله وسلامه مع علمنا وجزمنا بأننا عندما نتبرك ببيت ربنا وبالحجر الأسود وبنبينا عليه الصلاة والسلام وبالصالحين من عباده أننا لا نخصّ شيئاً من ذلك بالعبادة فالعبادة لا تعرف إلا لمستحقها ألا وهو الله جل وعلا، لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إخوتي الكرام هذا المسلك الذي كان عليه سلفنا كما قلت في العصر الأول وعليه كان عندهم المعوّل يعوّلون عليه هذا المسلك هو المنقول عن أئمتنا بجميع مراحل هذه الأمة المرحومة يأمرون بالاتباع ويحذّرون من الزيغ والهواء والابتداع.

هذا سيدنا إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه نجم السنن (م179هـ) وحديثه في الكتب الستة يقول كما في ترتيب المدارك بطبقات أصحاب الإمام مالك للقاضي عياض 1/172 " وخير أمور الدين ما كان سنة – وشر الأمور المحدثات البدائع وخير أمور الدين ما كان سنة " ما هو منقول عن نبينا صلى الله عليه وسلم ما هو ثابت في سنته. وشر الأمور المحدثات البدائع فكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة. وكان يقول: وقد نقل عنه هذا القول وشرحه الإمام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوي 4/137 يقول: السنة كسفينة نبي الله نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام من دخلها نجا ومن حاد عنها هلك وغرق. ما نجا في الطوفان الذي حصل في عهد نبي الله نوح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إلا من دخل السفينة التي صنعها بأمر ربه الرحمن فمن دخل سفينته ممن عَبَدَ الله واتبع أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام نجا.

ص: 14

وهكذا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم بيننا كسفينة نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام إذا كنت على السنة فأنت على هدى وإذا انحرفت فأنت على ردّى وإذا كنت على السنة فمهما قصرت في الجد والاجتهاد فأنت على الطريق ولا بد لمن سلك الطريق المستقيم أن يصل إلى جنات النعيم ولو بعد حين، فإذا قصدت مكة المكرمة من الطريق المعروف المعهود ستصل بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين مهما بعد الطريق ومهما تباطأت في المشي ما دمت على الطريق وإذا انحرفت يميناً أو شمالاً كلما ازددت سرعة ازددت عن بيت الله ابتعاداً وهكذا السنة كسفينة نبي الله نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام من دخلها نجا ومن حاد عنها هلك وغرق، وهكذا كان شيخ أهل السنة الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله ينبه على هذا المعنى كثيراً ويحث على اتباع السنة وطرح الآراء والأهواء وكثيراً ما كان ينشد في مجلسه كما في كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته 2/35 كان الإمام أحمد بن حنبل ينشد هذه الأبيات:

كثيراً ويقول دين النبي من أخبار

نعم المطيّة للفتى الآثار

لا ترغبن عن الحديث وأهله

فالرأي ليل والحديث نهار

ولربما جهل الفتى أثر الهدى

والشمس بازغة لها أنوار

...

لا ترغبن عن الحديث وأهله، لا تزهدن في الحديث هذا الحديث كلام النبي عليه الصلاة والسلام وفي إتباع المحدثين ساداتنا علمائنا الكرام، فالرأي ليل، والليل مضيعة وهلاك ولتعرف أين تسير والحديث نهار، ولربما جهل الفتى أثر الهدى والشمس بازغة لها أنوار.

ص: 15

وهذه الأبيات أوردها الإمام الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ص76 ونسبها لزياد بن عبدة الأصبهاني رحمه الله. وهكذا إخوتي الكرام كما قلت تتابع أئمتنا على تقرير هذا المعنى فهذا الإمام الجُنيد بن محمد القواريري أبو القاسم عليه وعلى أئمتنا جميعاً رحمة ربنا يقول كما في حلية الأولياء وتلبيس إبليس للإمام ابن الجوزي والرسالة القشرية يقول: جميع الطرق مسدودة (لا يمكن أن يوصلك طريق منها إلى الله جل علا) إلا من اقتفى آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته فإن جميع أبواب الخير عليه مفتوحة ثم تلا قوله: "لقد كان في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"(الأحزاب /21) .

وقد تواتر عن هذا الإمام وهذا القول في غنية عن إسناده فكل من ترجم لهذا الإمام أورد هذا الحديث في ترجمته سواء الكتب التي تروي بالأسانيد أو التي تذكر ما في تلك الكتب مما قيل فيها، كل من ترجم للإمام الجنيد نقل عن هذا الكلام، كان يقول:" مذهبنا مشيّد مقيّد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدي به ""اتباع " وحذار حذار من الزيغ والابتداع وكل طريق لا يوصلك إلى الله إلا طريق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.

ص: 16

إخوتي الكرام: والإمام الجنيد توفي سنة 298هـ قبل 300سنة بسنتين. وقد ترجمه الإمام الذهبي في سير الأعلام النبلاء 14/66 ونعته في بداية ترجمته فقال: "هو شيخ الصوفية في زمانه " ثم قال إنه اشتغل بالعلم وأقبل على شأنه فتألّه وتعبّد ونطق بالحكمة ثم بعد أن ذكر ما يطلب العقول في ترجمة هذا العبد الصالح ختم ترجمته بقوله: "رحمة الله على الجنيد، أين مثل الجنيد في علمه وحاله " وهذا آخر شيء يذكره في ترجمته في سير الأعلام النبلاء وقد بلغ من إجلال أئمتنا لهذا العبد الصالح ما حكى في ترجمة العبد الصالح أبي العباس بن سريج وهو أحمد بن عمر الذي توفي 303هـ بعد الإمام الجنيد بخمس سنين ويقول أئمتنا في ترجمة أبي العباس ابن سريج " ما في اتباع الإمام الشافعي أفضل منه " ابن سريج، جميع أتباعه مذهبه ما فيهم من يصل إلى مكانته وهو شيخ الإسلام في وقته تكلم مرة في مجلسه فأثنى عليه الحاضرون وأعجبوا بفصاحته والنور على كلامه. فقالوا من أين لك هذا؟ قال هذا ببركة مجالسة أبي القاسم يعني الإمام الجنيد. عليهم جميعاً رحمة الله. يقول: أنا جالست هذا الإمام المبارك ونظرت إليه وهو الذي يقول عنه الإمام الذهبي "تعبّد وتألّه ونطق بالحكمة " نظرت إلى هذا العبد الصالح الرباني فألقى الله في قلبي هذه الخشية والسكينة وأنطق لساني بالحكمة هذا ببركة مجالسة أبي القاسم الجنيد بن محمد القواريري وهذا موجود في ترجمته في سير أعلام النبلاء وغير ذلك.

ص: 17

إذاً إخوتي الكرام جميع الطرق على الخلق مسدودة إلا من تبع طريق نبينا عليه الصلاة والسلام والآثار في ذلك إخوتي الكرام كثيرة وفيرة لكن هذا المسلك السديد الذي سار عليه الرعيل الأول كما قلت وكان عليه عندهم المعوّل يقتدون بنبينا عليه الصلاة والسلام ويفرحون الرحمن بعبادتهم تغير هذا الأمر في العصور المتأخرة وكلما امتد الزمان سيزداد التغير ونسأل الله حسن الختام، ثبت في المسند للإمام أحمد وصحيح البخاري وسنن الإمام الترمذي من رواية الزبير بن عدي وهو من أئمة التابعين الربانيين الكرام وهو ثقة عدل رضىً حديثه مخرج في الكتب الستة توفي 135هـ يقول الزبير بن عدي رضي الله عنه: أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه عندما كان البصرة نشكو إليه ظلم الحجاج فقال أنس رضي الله عنه وأرضاه " اصبروا فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا ياتي عليكم عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم " تغير سيقع وسيعبد الناس أهواءهم وينحرفون عن عبادة ربهم ويجعلون أندادا لنبيهم صلى الله عليه وسلم يشركونهم معه في الطاعة أو يطيعونهم دونه عليه الصلاة والسلام " اصبروا لا يأتي عليكم عام إلا والذي شر منه حتى تلقوا ربكم " وفي رواية الإمام الترمذي ما من عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم وفي رواية في مسند الإمام أحمد لا يأتي عليكم عام إلا والذي بعده شر منه وهذا التحذير الذي صدر في هذا الصحابي الجليل نقلا عن نبينا البشير النذير صلى الله عليه وسلم هو الذي تتابع عليه سلفنا الكرام وبيّن لنا التغير الذي سيطرأ على هذه الأمة ما سيأتي من زمان.

ص: 18

فانظر لبعض الآثار المنقولة فقط عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يقول في كتاب الزهد للإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير وإسناد الحديث صحيح يقول لامرأته: اليوم خير أم أمس أي اليومين أفضل أمس الذاهب أو هذا اليوم الحاضر فقالت زوجته الطيبة المباركة: لا أدري قال لكني أدري أمس خير من اليوم واليوم خير من الغد والغد خير مما بعده وهكذا حتى تقوم الساعة. وكان رضي الله عنه يقول كما في كتاب جامع بيان العلم وفضله وسنن الدارمي كان يقول: لا يأتي عليكم عام إلا والذي بعده شر منه، أما إني لا أعني عاما أخصب من عام ولا أمير خير من أمير ولكن فقهاءكم وعلماءكم يذهبون ولا تجدون عنهم خلفا ويأتي بعدهم أقوام يقيسون الأمور برأيهم فيضِلّون ويُضَلّون. هذا الذي سيطرأ على هذه الأمة وكان يقول كما في سنن الدارمي في المقدمة أيضاً " تعلموا العلم قبل أن يقبض، تعلموا العلم قبل أن يرفع" وقبض العلم بقبض العلماء تعلموا العلم فإن أحدكم لا يدري متى يُحتاج إليه أي يحتاج الناس إليه ليذكّرهم ويبصرهم وإذا لم يكن على هدى سيبتدع ويتبع الردى ثم كان يقول: "إياكم والتبدّع والتنطّع وإياكم والتعمق وعليكم بالعتيق " وكان يقول كما في حلية الأولياء يذهب الصالحون أسلافا وتبقى حثالة كحثالة الشعير يأتي بعد ذلك قوم سوء يعبدون أهواءهم ولا يتبعون نبيهم عليه الصلاة والسلام. وهذا الكلام الذي قاله أبو عبد الرحمن هذا العبد الصالح عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعن الصحابة الكرام هذا الكلام يخرج من مشكاة نبينا عليه الصلاة والسلام.

فقد أشار نبينا عليه الصلاة والسلام إلى تغيّر الزمان في هذه الأمة فأخبرنا أنه سيبقى الأشرار وأخبرنا أنه سيقبض العلماء ويبقى الفجار فاستمعوا إلى تقرير هذين الأمرين من كلام نبينا المختار عليه الصلاة والسلام.

ص: 19

ثبت في مسند الإمام وصحيح البخاري والحديث من رواية مرداس الأسلمي رضي الله عنه ورواه الإمام الطبراني في الأوسط والإمام الخطابة في كتاب العزلة من رواية المستورد بن شداد والحديث صحيحٌ صحيح فهو في صحيح البخاري كما سمعتم ولفظ الحديث عن نبينا صلى الله علية وسلم أنه قال يذهب الصالحون الأمثل فالأمثل وتبقى حفالة كحفالة الشعير لا يباليهم الله بال’ " والحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الرقاق وبوّب عليه بابا فقال: باب في ذهاب الصالحين، قال أبو عبد الله (يعني البخاري نفسه) حُفالة وحثالة بمعنى واحد، حفالة/حثالة..كحفالة الشعير، الرديء منه لا يباليهم الله بالةً، أي لا يكترث بهم ولا يعبأ بهم، لأنهم قوم سوء وذهب منهم أهل الخير والصلاح والاستقامة يذهب الصالحون الأمثل فالأمثل وتبقى حفالة كحفالة الشعير/حثالة كحثالة الشعير لا يباليهم الله بالة.

وقبض العلم أشار إليه أيضاً نبينا عليه الصلاة والسلام عندما يقبض العلماء الصالحون إخوتي الكرام ثبت في المسند والصحيحين والحديث في سنن الترمذي وابن ماجه من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ورواه الإمام البزار والخطيب البغدادي من رواية سيدتنا أمنا المباركة عائشة رضي الله عنها ورواية الإمام الطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي هريرة رضي الله عنه فهو من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص وأمنا عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين.

والحديث كما سمعتم في الصحيحين وغيرهما ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال:" إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم / حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جها فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".

ص: 20

إخوتي الكرام: وما أشار إليه نبينا عليه الصلاة والسلام قد وقع وبداية التغير قد طرأت على هذه الأمة عند فقد نبينا عليه الصلاة والسلام وانتقاله إلى جوار ربه فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه وهذا الأمر هو ما أخبرنا عنه من شهد تلك الوقعة الشديدة الأليمة المفجعة فعند فقده عليه الصلاة والسلام فقدوا النور والبركة وحسن التربية منه عليه الصلاة والسلام كما فقدوا بركة الوحي التي كانت تنزل عليه صباح مساء على الدوام. فبداية التغير حصلت في هذه الأمة عند فقد نبينا عليه الصلاة والسلام وما أصيب المسلمون بمصيبة تعدل هذه المصيبة.

ص: 21

وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الإمام الترمذي وسنن ابن ماجه من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء فيها كل شيء فلما قبض عليه الصلاة والسلام أظلم فيها كل شيء والله ما نفضنا أيدينا من تراب نبينا عليه الصلاة السلام حتى أنكرنا قلوبنا " أضاء فيها كل شيء بقدومه المبارك وطلعته البهية وجبينه الأزهر ووجهه المنور عليه صلوات ربي وسلامه فلما قبض كل شيء فيها أظلم ويقول هذا الخادم المبارك الذي خدم نبينا عليه الصلاة والسلام عشر سنين وهو أعلم الناس بأحواله والله ما نفضنا أيدينا عن ترابه عليه الصلاة والسلام حتى أنكرنا قلوبنا ما بقي فيها الرقة والأنس والبهجة وما بقي فيها الليونة والعذوبة التي كانت عندما نستمتع بالنظر إليه ونستمع الحكمة منه عليه صلوات الله وسلامه وهذا شعر به سائر الصحابة الكرام ففي مسند البزار بسند جيد كما قال الحافظ ابن حجر عليهم جميعاً رحمة الله في الفتح والأثر رجاله رجال الصحيح كما في مجمع الإمام الهيثمي رحمة الله عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال: " ما فرغنا من دفن النبي عليه الصلاة والسلام ونفضنا أيدينا منه حتى أنكرنا قلوبنا " هذه بداية التغير موت النبي عليه الصلاة والسلام ذهاب السكينة ذهاب البركة ذهاب النور ذهاب السرور والله إن رؤيته عليه الصلاة والسلام تعدل ما لا يخطر بالبال والحسبان ففقدت الأمة هذا فنسأل الله تعالى أن يجمعنا في غرف الجنان وأن يمتعنا بالنظر إلى نور وجهه الكريم وإلى نور وجه نبينا عليه الصلاة والسلام إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

ص: 22

والبلية الثانية التي حصلت عن فقده عليه الصلاة والسلام انقطع الوحي وذهبت البركة وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن ابن ماجه من رواية سيدنا أنس بن مالك أيضاً قال: قال أبو بكر رضي الله عنه صديق هذه الأمة وأفضل خلق الله بعد النبيين والمرسلين على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه قال سيدنا أبو بطر لسيدنا عمر رضي الله عنهما " انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها وهي أمة بعد أمة وهي حاضنته وهي بركة المباركة رضي الله عنها وأرضاها "أم أيمن " فدخل عليه سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما يزورانها بعد موت نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام فلما دخلا عليها بكت فقالا: ما يبكيك يا أم أيمن فما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم " وما عند الله خير للأبرار " ما عند الله خير لرسوله عليه الصلاة والسلام قالت: قد علمت أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم ولكن أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء، أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء هذه البركة التي كانت تنزل علينا صباح مساء فُقدت عند موت خاتم الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء فهيّجتهما على البكاء.

ص: 23

بداية التغير في هذه الأمة حصلت ووقعت وطرأت عند موت نبينا عليه الصلاة والسلام وفقدانه، فأصبنا بمصيبتين لا تعد لهما مصيبة ذهاب طلعة نبينا عليه الصلاة والسلام البهية النورانية وفقدان الوحي بعد موته عليه صلوات الله وسلامه إخوتي الكرام كلما امتد الزمان يزداد التغير في هذه الأمة ونسأل الله حسن الختام ثبت في صحيح البخاري وسنن الإمام الترمذي عن الإمام الزهري أنه دخل على سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه عندما ذهب أنس من البصرة إلى بلاد الشام يشكو الحجاج وما يحصل منه من ظلم واعوجاج يقول الزهري دخلت على أنس بن مالك رضي الله عنه وهو في مسجد بني أمية الكبير وهو في المسجد يبكي فقلت له يا أبا حمزة ما يبكيك؟ فقال " لا أعلم شيئاً مما كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الصلاة وهذه الصلاة قد ضُيّعت " لا أعلم شيئاً تواظبون عليه إلا هذه الصلاة تؤدونها بجماعة ثم مع ذلك ضيّعت تؤخرونها عن أول وقتها ولا يحصل فيها ما ينبغي أن يحصل فيها.

وفي رواية الترمذي قال أبو عمران الجوفي لسيدنا أنس رضي الله عنه عندما قال: لا أعلم شيئاً مما كنا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو عمران: فأين الصلاة يا أبا حمزة نحن نصلي قال: أو ليس قد عملتم فيها ما عملتم؟ تؤخرونها عن وقتها لا تخشعون فيها ما بقي شيء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام مستقيماً كحاله في هذا العصر الذي هو العصر الأول كما يقول سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه.

ص: 24

نعم إخوتي الكرام إن الاعوجاج يزداد كلما امتد الزمان وقد تقدم معنا كلام الإمام المبجل سيدنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه كان يقول: إذا رأيتم شيئاً مستوياً مستقيماً فتعجبوا منه، وهنا " لا أعلم شيئاً مما كنا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذه الصلاة وهذه قد ضيعت، وهذه قد عملتم فيها ما عملتم وثبت في مسند الإمام أحمد عن أم الدرداء أن أبا الدرداء دخل عليها وهو مغضب فقالت: بأبي وأمي أنت من أغضبك؟ قال: " ما أعلم شيئاً ما كنا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعاً " هذه الشعيرة هي الباقية كما كنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وباقي الشعائر حصل فيها ما حصل من العكر والتغيير والكدر، والأثر كما قلت في مسند أحمد وهذا الأمر الذي شعر به الصحابة الطيبون هو الذي كان يتحدث عنه التابعون المباركون ففي موطأ الإمام مالك من رواية مالك بن أبي عامر الأصبحي وهو ثقة عدل إمام رضي الله عنه حديثه مخرج في الكتب الستة وقد أدرك سيدنا عمر وسيدنا عثمان وأمنا عائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم وروى عنهم مالك بن أبي عامر الأصبحي يقول كما في الموطأ: لا أعلم شيئاً مما كانوا عليه الصحابة إلا الآذان حتى الصلاة في جماعة حصل فيها ما حصل من تغيير في ذلك الوقت إلا الآذان.

ص: 25

ويقول معاوية بن قرة وهو ثقة حديثه في الكتب الستة تابعي (م 113هـ) أدركت سبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو بعثوا فيكم لما عرفوا شيئاً مما كانوا عليه إلا النداء بالصلاة ويقول شيخ الإسلام ميمون بن مهران وهو ثقة إمام خير مبارك حديثه في صحيح مسلم والسنن الأربعة (م 117هـ) يقول: "لو نشر رجل من الصحابة الكرام من الصحابة (أي بعث من النشور) لما عرف غير قبلتكم لو نشر رجل من السلف الكرام من الصحابة الطيبين لما عرف إلا القبلة هذه التي نتوجه إليها وما غيرناها، وما عدا هذا أذاننا ملحون وصلاتنا فيها ما فيها وهكذا سائر شعائر الإسلام.

ص: 26

نعم إخوتي الكرام كلما امتد الزمان تكثر البدع وتتوارى وتختفي السنن ثبت في معجم الطبراني الكبير بسند رجاله موثقون كما في المجمع من رواية عبد الله بن عباس أنه قال: ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنةحتى تحيا البدع وتموت السنن، نعم بدع..تحيا، وسنن..تموت يعكف الناس على البدع باسم السنن وإذا غيرت البدع قالوا غيرت السنة. وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى التغيير الذي سيطرأ على هذه الأمة عندما سأله أمين سر هذه الأمة في المنافقين حذيفة بن اليمان رضي الله عنه والحديث في الصحيحين وفي سنن ابن ماجه عن حذيفة: قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله انا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال نعم وفيه دخن، قلت وما دخنه؟ يا رسول الله، قال قوم يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكر، قلت فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها، قلت يا رسول الله صفهم لنا قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة قال: فاعتزل تلك الفِرق كلها ولو تعضَّ على أصل شجرة حتى يدرك الموت وأنت على ذلك. حديث جليل يا إخوان الكرام ينبغي أن يتعلمه أولاد أهل الإسلام ليعوا حالهم في هذه الأيام كان الناس في جاهلية قبل بعثة خير البرية عليه الصلاة والسلام في جاهلية وشر ثم زالت تلك الجاهلية وانحسر ذلك الشر ببعثة نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام فقال حذيفة ابن اليمان هل سيطرأ على هذه الأمة تغيير وهل سيصيبها تكدير بعد هذا الخير الوفير؟ قال نعم.

ص: 27

والشر الذي طرأ عليها في عصرها الأول في زمن الخلفاء الراشدين عند الخليفة الثالث الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه حصل شر عندما حصل ما حصل من قبل الثوار الأشرار وذبحوه في بيته في بلدة نبينا المختار صلى الله عليه وسلم وما راقبوا الله في شيبته ولا في بلدة نبينا عليه الصلاة والسلام وانفتح على الأمة بعد ذلك باب الفتن وبقيت في هرج ومرج مدة خمس سنين في خلافة سيدنا علي رابع الخلفاء الراشدين توقفت الفتوحات الإسلامية وانقسمت الأمة داخلياً تتنازع فيما بينها من أهل البدع والأهواء من الخوارج والرافضة وغير ذلك من الأهواء التي حصلت في زمن سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه ومن فتن بينه وبين من خالفوه في وجهة النظر وهذا كله شر ثم زاد وهذه فتنة وقعت كما كان أئمتنا يقولون ومن خالف علياً رضي الله عنه من أهل الهدى لا نقول إنهم مفتونون..فتنة ولا نقول إنهم مفتونون شر هل بعد ذلك الشر خير؟

ص: 28

نعم سيأتي خير ويأتي عام الجماعة والأمة تتوحد وتصبح يداً واحدة لكن في ذلك الخير دخن، أي ليس بخير نقي صافي سليم لا شائبة فيه كما كان في زمن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وخلفائه الراشدين، خير وفيه دخن، والدخن هي الكدرة والتغير الذي يخالف اللون الأصلي ثياب بيضاء لكن فيها سواد وزرقة وفيها تغير وكدرة. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي ويستنّون بغير سنتي كما حصل من حكام بني أمية وبني العباس ومن بعدهم ثم قال حذيفة فهل بعد ذلك الخير من شر؟ خير وفيه دخن، خير مكدّر هل سيأتي بعده شر؟ نعوذ بالله من الشر الذي سيأتي بعده وهو ما نعيشه في أيامنا قال نعم دعة على أبواب جهنم وما أكثرهم ممن يدعون إلى الأحزاب المناقضة للإسلام وممن يدعون إلى موالاة اليهود والنصارى وأهل الشرك بالرحمن وممن..وممن..وممن..

ص: 29

دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ليسوا بأعداء خارجية من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت ك فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ إذا شهدت انقسام الأمة وضياعها إلى هذه الحال دعاة على أبواب جهنم ماذا تأمرني؟ قال الزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة، والمراد بالإمام هو الخليفة الأعظم عندنا في الإسلام وهوالمسئول عن أهل الإيمان هذا هو تعريف الخليفة عندنا في شريعة الله المطهرة والذي يبايع على حسب كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ليحكم المسلمين فكل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو من رعيته وتحت ولايته ويجب عليه أن ينصره وهذا زال عندما زالت دولة الإسلام عندما تكاتف أتباع الشيطان من شرق وغرب وقضوا على آخر خلافة إسلامية ألا وهي الخلافة الإسلامية العثمانية التي قضي عليها على أيدي الأعداء الكفرة بواسطة اللئيم الملعون مصطفى كمال أتاتورك لا رحمه الله ولا غفر له ولا أقاله عثرته وملأ قبره جمراً من نار جهنم، هذا اللعين الذي أصدر بإلغاء الخلافة العثمانية بتأييد من هذه الدول الكفرية ووقع هذا سنة 1343 من قرابة على ما يزيد على ستين سنة هذه آخر دولة إسلامية شهدها العالم الإسلامي ثم بعد ذلك تمزّقوا شذر مذر لا إمام ولا جماعة وأحوالنا لا يعلمها إلا الذي خلقنا والله لو علم بمصيبتنا الجبال لتصدعت من هول ما حلّ بنا ولوكان الحديث يشعر بما أحل بأمة نبينا صلى الله عليه وسلم لذاب وانصهر ولما وجد حديد متماسك صلب ولكن هذه القلوب ازدادت قسوتها على الحديد والحجارة في هذه الأيام الزم جماعة المسلمين وإمامهم إمام المسلمين هذا الذي هو مسئول عن الموحدين في جميع بقاع الأرض لا الذي يتكئ على أريكتة ويشجب بلسانه وهو يتترّع من التخمة لا ينزل بالأمة الإسلامية من مشاكل والنكبات، ثم بعد ذلك يدعي هو وغيره أنهم أئمة المسلمين إمام المسلمين هو

ص: 30

الذي يرعاهم ويبذل مهجته من أجل الحفاظ عليهم لا أن تكئ على أريكته ثم بعد ذلك يشجب ويستنكر المذابح التي يلاقيها العزل من عباد الله الموحدين في أرجاء المعمورة لأنهم آمنوا برب العالمين ثم هو يشجب، ثم هو يستنكر وإذا أردت أن تعرّض به لسلّط عليك الصواريخ صارت كرامتك أعلى من حرمة الموحدين المؤمنين وأعلى من دين رب العالمين فالزم جماعة المسلمين وإمامهم فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة كالحالة التي نعيش فيها، فرقة ما بعدها فرقة، وما مرّ على الأمة الإسلامية وقت أشنع ولا أسفل وأحطّ ولا أسوأ من العصر الذي نعيش فيه، قال: فاعتزل تلك الفِرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ومراد نبينا عليه الصلاة والسلام من هذا الأمر السلبي مراده منه أمر إيجابي فانتبهوا له: إخوتي الكرام إذا لم يكن هناك إمام ولا جماعة والرايات ضالة باطلة إذا سارعت إلى بعضها ستهلك وتُهلك كما هو الحال في هذه الأيام يريدون الإصلاح لكن يزيدون في الفساد والإفساد، وإذا كان الأمر كذلك فكل واحد منا يحصّن نفسه، فإذا ابتعدنا عن مشاركة الناس في الشر وعلم الله في قولبنا خيراً سنجتمع بعد حين إذا أردنا وجه رب العالمين فهذا علاج سلبي يترتب عليه أمر إيجابي، لا يمكن أن نجتمع على الحق إلا بعد أن نتروّى ونتبصر وأن نتأمل هذه الدعوات وهذه الرايات التي تنتشر هنا وهناك في هذه الأوقات فاعتزل تلك الفرق كلها، وإذا اعتزل الناس الشر سيفكرون بالخير ولا بد لكن إذا شاركوا في الشرور المنتشرة كما هو حال الشباب الطائش في هذه الأيام يزيدون الفساد والإفساد في بلاد الإسلام فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.

ص: 31

إخوتي الكرام: من أشنع بدع التغيير التي حصلت في هذا الزمن الذي نشيع فيه دعاة على أبواب جهنم من جلدتنا يتكلون بألسنتنا أشنع البدع التعايش الوهمي الذي يسمونه التعايش السلمي وحقيقته أن يدخل الموحدون تحت حماية من لعنهم الحي القيوم. وأن يصطلح الأبرار مع الكفار الأشرار وحقيقة التعايش السلمي رفع البغض من قلوبنا نحو أعدائنا وأن لا نفكر في قتالهم في يوم من الأيام إنما ينبغي كما يقول المثل العامّي: أن نأكل العيش وأن نملأ الكريش وأما بعد ذلك دين الله ينبغي أن ننصر بالحديد والنار "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز"(الحديد 25) .

هذا لا ينبغي أن يفكر به ن تعايش سلمي وتعايش وهمي من دعا إلى هذه الفكرة فهو كافر مرتد خارج من دين الرحمن وإن صام وصلى وزعم أنه من عداد أهل الإسلام. ما عندنا بيننا وبين الكفار تعايش سلمي والله يقول وهو أعلم بما في قلوب عباده: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"(البقرة) .

ويقول جل وعلا: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"(البقرة) .

ص: 32

والله ما دام على وجه الأرض لن يهدأ بال يهودي ملحد حتى يكفر هذا الموحّد. لا يمكن أن يحصل تعايش سلمي إلا إذا تهودنا أو تنصرنا أو كفرنا بنينا عليه الصلاة والسلام وأعرضنا عن ربنا. تعايش سملي؟! أمرنا الله تعالى بقتال أعدائه. فهذه الأرض أرضه وهذا ملكه وينبغي أن تحكم شريعة الله في بلاد الله " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " والفتنة هي الشرك والكفر، فما دام على وجه الأرض يهودي أو نصراني أو أي ملة من الملل الضالة الكافرة فالجهاد على المسلمين واجبٌ واجب وإذا تركوه فهم آثمون ملعونون وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة..حتى لا يبقى في الأرض كافر وتكون الدعوة كلها لله ويكون الدين لله وقال جل وعلا:"قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير".

تأوون إلى ركن ركين وحصن حصين هو رب العالمين فعلام الخضوع والاستسلام أمام أعداء الله المجرمين..، "فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير".

إخوتي الكرام: التعايش الوهمي الذي يطنطن له في هذه الأيام بعد أن خرجنا من دين يريدون أن يجعلوا هذا الخروج له صفة الثبات والاستقرار والرسميات." هؤلاء الكفار إخواننا، فما ينبغي أن يبقى في قلوبنا شيء نحوهم " من دعا إلى ذلك فهو كافر.

ص: 33

إخوتي الكرام: إن أشنع بلية أصيبت بها الأمة الإسلامية في هذه العصور المتأخرة خسارة الحرب لقد كان سلفنا رضي الله عنهم أجمعين يخسرون في الحرب والخسارة في الحرب لا منقصة فيها "وتلك نداولها بين الناس" ونحن نرجو إحدى المحسنين إما النصر وإما الظفر بالشهادة لكن في هذه الأيام خسرنا الحرب من أولها إلى آخرها وما بقي عندنا روح الجهاد واستماتت الأمة في الخلود إلى الدنيا وشهواتها وملذاتها وموالاة أعداء الله خسارة الحرب بلية لا تعد لها بلية وشتان، شتان بين أن نخسر في الحرب أن نحسر الحرب خسرنا الحرب من أولها إلى آخرها والأمة تهيّأ في هذه الأيام لئلا يبقى في ذهن فرد منها فكرة الجهاد في سبيل الله.

إخوتي الكرام..

إن الدعوة لدين الله واجبة وأول من يقوم بهذه الدعوة هو الجيش المرمرم في البلاد الإسلامية فمهمة الجيوش الوحيدة عندنا في بلاد الإسلام نشر راية لا إله إلا الله، ومقاتلة من يكفرون بلا إله إلا الله، هذه هي مهمة الجيوش الجرارة لا أن تحفظ عرش فلان وفلان مهمة الجيوش أن تنشر كلمة التوحيد في بلاد الله في أرض الله "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.." وهذا المعنى إذا ضاع منا- وقد ضاع- فسنبتلى بالذع والضياع، وهو ما تعيشه الأمة في هذه الأيام.

ص: 34

ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد أيضاً وهو في سنن أبي داود ومعجم الطبراني الكبير ورواه الإمام أبو نعيم في الحلية والبيهقي في السنن الكبرى ولفظ الحديث من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتبعتم الزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دين الله " تبايعتم بالعينة ك وهي الربا وهي أن أبيعك سلعة مؤجلة بثمن ثم أشتريها منك معجلة بثمن أقل، وهي دلالة على الاحتيال على الربا، وما أكثر الاحتيال على الربا هذه الأيام باسم المبايعة الشرعية في دين الرحمن، تبايعتم بالعينة: أكلتم الربا وتبعتم الزرع وتركتم الجهاد " سلّط الله عليكم ذلاّ لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم إن الأمة الإسلامية إذا لم تجاهد ولم تكن هذه الفكرة صباح مساء فهي أمة منافقة من عين الله ساقطة.

وقد أشار إلى ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من مات ولم يغز ولم يحدّث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق". ما غزا ولا يفكر بهذا ويتطلع إليه ويتحرق عليه مات على شعبة من النفاق.

إخوتي الكرام: إننا عندما خسرنا الحرب وضيعنا الإسلام عاقبنا الله بالذلّ في هذه الأيام ونسأل الله أن يحسن لنا الختام ماذا سنلقى عند لقاء ذي الجلال والإكرام. إن كل مبتدع وكل منحرف عن دين الله تعالى سيذله الله في الدنيا قبل الآخرة وأبى الله إلا أن يُذل من عصاه قال تعالى: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين"(الأعراف/152) .

ص: 35

ثبت في تفسير الطبري وابن أبي حاتم والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان ورواه أبو الشيخ عن العبد الصالح أبي محمد سفيان بن عيينة (198هـ) وحديثه في الكتب الستة قال ما من مبتدع إلا وتغشاه ذلة فوق رأسه ثم تلا قول الله تعالى: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين"(الأعراف152) .

فقيل له: أبا محمد: هذه فيمن عبدوا العجل قال: أكملوا الآية واقرؤوا آخرها وانتبهوا لمعناه " وكذلك نجزي المفترين " فهي لكل مفتر إلى يوم القيامة نعم.."إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم " أسأل الله أن يردّنا إليه ردّا جميلا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

إخوتي الكرام: كانت نيّتي أن أتحدث في الموعظة الثانية عن موضوع ينبغي أن يعلق عليه من ضجيج يجري في هذه الأيام حول مهادنة أعداء الله في هذه الأوقات وحول موقف أئمتنا رحمة الله عليهم – من هذا الأمر ومن شعيرة الجهاد وهذا الأمر الثاني الذي نتدارس مبحثه في الموعظة الماضية وهذه الموعظة في النصوص التي تأمرنا بالاتباع وتنهانا عن الابتداع يحتاج أيضاً إلى شيء من التفصيل أترك تفصيل هذا الأمر وتوضيح ما يتعلق بالضجيج الذي ينتشر في هذه الأيام إلى الموعظة الآتية بإذن ربنا الرحمن والوقت قد طال وأسأل الله تعالى أن يحسن لنا الختام.

ص: 36

اللهم أغفر ذنوبنا اللهم استر عيوبنا اللهم أصلح أحوالنا اللهم اجعل الجنة دارنا، اللهم لا تجعل إلى النار مصيرنا يا أرحم الراحمين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا اللهم أعز أولياءك اللهم أخز أعدائك بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أغفر للآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علّمنا وتعلّم منا، اللهم اغفر لمن له حق علينا اللهم أحسن لمن احسن إلينا اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم أغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم أغفر لمن عَبَدَ الله فيه، اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم

"قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد".

ص: 37