الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعذيب الميت ببكاء أهله عليه
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
تعذيب الميت ببكاء أهله عليه
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير..
اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} .
أما بعد: معشر الأخوة الكرام..
تقدم معنا أن البدعة من أسباب سوء الخاتمة عند الإنسان، وهذه البدعة التي يتسبب عنها سوء الخاتمة قلت إننا سنتدارسها ضمن ثلاثة مباحث:
(1)
أولها: في تعريف البدعة.
(2)
وثانيها: في النصوص التي حذرتنا من البدعة.
(3)
وثالثها: في أقسام البدعة.
ولازلنا اخوتي الكرام في المبحث الأول من هذه المباحث الثلاثة فقلت فيما سبق، إن البدعة هي الحدث في دين الإسلام، عن طريق الزيادة أو النقصان: مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن، وهذا الحدث إلى له نصوص الشرع الحسان.
إخوتي الكرام: وقلت إن هذا التعريف ضل فيه فرقتان، فرقة غلط في تعريف البدعة وفرقت فأدخلت في البدعة ما ليس منها، وفرقة فرطت وقصرت في تعريف البدعة فبدعت في دين اله عز وجل وزعمت أنها تبعد الله، وهاتان الفرقتان على الضلال، ولابد أن نحذر مسلكهما، ونسأل الله أن يرينا الحق حقاً وأن يرزقنا اتباعه، وأن يجنبنا فيه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وان يكرهنا فيه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
إخوتي الكرام: لازلنا نناقش، نرد على الفرقة الأولى التي وسعت مفهوم البدعة وغلط في ذلك، وقلت إنها ضلت وانحرفت عن طريقين اثنين بأمرين اثنين.
أولهما: حكمت بالبدعة والتضليل على ما احتمله الدليل وقال به إمام جليل، بل جاوزت هذا الأمر فحكمت بالبدعة على ما ورد صراحة بأدلة الشريعة المطهرة الثابتة، لأن ذلك لم يرق لعقولهم القاصرة الناقصة، أمرٌ احتمله الدليل وقال به إمام جليل، ما وسعهم ذلك فحكموا عليه بالبدعة وعلى فاعله بالتضليل، أمرٌ صرح به الدليل، لكن ما راق لعقلهم الهزيل فحكموا عليه بأنه بدعة وضلال في الدين، ومثلت لذلك بعدة أمثلة ينبغي أن نكون على علم وبينة منها، من هذه الأمثلة ما أشرت إليه سابقاً من وضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع كالهئية التي يكون عليه المصلي قبل الركوع، ومنها صلاة التراويح وإنها عشرون ركعة ويوتر الإنسان بثلاث، وقراءة القرآن على الموتى عند القبور، ومنها تلقين الميت، ومنها القول بأن الأموات يسمعون ما يجري عندهم ويعلمون بزيارة الأحياء لهم ويستبشرون بما يقع عندهم من طاعة، ويتألمون بما يقع في حضرتهم من معصية، وتعرضت عند هذا إلى بيان حكم زيارة النساء للقبور وبقى علينا أمر كان في نيتي أن نتدارسه في هذه الموعظة لأختم الكلام على التحذير من أقوال هذه الفرقة وهذا القول إهداء القربات بأسرها من قربات بدنية ومالية ومركبة، منها إهداء القربات إلى الأموات، كان في نيتي أن نتدارس هذا الأمر في هذه الموعظة، لكنني سأرجئ الكلام إلى الموعظة الآتية إن شاء الله، وأتكلم في هذه الموعظة على أمرٍ كنت ذكرته في الموعظة الماضية وما تمكنت من الكلام عليه، وهذا الأمر، حيث صحيح ثابت عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه، احتمل ستة أمور، كل منها حق مقبول وقال فيه جميع هذه الأقوال التي يحتملها الحديث أئمتنا الكرام، السادس منها كما سأذكر يدل على مسألتنا التي تدارسناها ألا وهي سماع الأموات وسرورهم بما يجري عندهم من الطاعات وحزنهم وتألمهم بما يجري عندهم من المخالفات فلنتابع خطوات البحث في ذلك.
إخوتي الكرام: ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أمير المؤمنين الخليفة الراشد الثاني المهدي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، والحديث ثبت أيضاً في الصحيحين من رواية عبد الله بن عمر ومن رواية المغيرة بن شعبة، وجميع الروايات كما قلت في الصحيحين، والحديث مروي في غير ذلك من دواوين السنة المطهرة عن نبينا أنه قال:[إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه] ، وهذا الحديث احتمل ستة أمورٍ كما قلت كلها حق مقبول، وقال بذلك أئمتنا الكرام الفحول، سأوجه هذه الأقوال وأختمها بسادس الذي يدل على مسألتنا ألا وهو أن الأموات يسمعون ويفرحون بما يجري عندهم من طاعة ويحزنون ويتألمون بما يجري عندهم من معصية.
المعنى الأول: الذي يحتمله هذا الحديث الشريف الثابت عن نبينا عليه الصلوات والسلام (أن الميت يعذب في الآخرة عند الله عز وجل، إذا تسبب في حصول النياحة والعويل عليه، بأن أوصاهم بذلك وسن لهم هذا الأمر المنكر المبتدع في الدين، وإلى هذا ذهب سيد المسلمين وأمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري عليه رحمة الله فبوب في صحيحه في كتاب (الجنائز) باب يشير به إلى هذا القول الذي ذهب إليه ومال إليه، فقال باب (الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه) إذا كان النوح من سنته، فإذا لم يكون النوح من سنته فلا يعذب لأن الله يقول:{ولا تزر وازرة وزر أخرى} .
وقول هذا الإمام المبارك الكريم عليه رحمات رب العالمين، أن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه يريد بالبكاء هنا النياحة وهي التي فيها جزع ورفع صوت وتسخط على المقدور، واعتراض على العزيز الغفور الذي قدر الأمور وخلق الخلق وإليه يؤولون، فإذا حصل هذا النوع من البكاء وصراخ وعويل واعتراض هذا هو الذي يحاسب الإنسان عليه ويعاقب بسببه إذا كان من سنته، وأما مطلق البكاء على الميت فلا حرج على الإنسان فيه على الإطلاق لأن هذا من باب الرحمة التي أودعها الله في قلوب الرحماء من خلقه، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (اشتكى سعد ابن عبادة رضي الله عن الصحابة أجمعين، فاشتد وجعه فذهب النبي عليه الصلوات والسلام إلى عيادته وزيارته وذهب معه سعد بن وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وجمع غفير من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فلما دخل نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه على سعد بن عبادة وجده وعليه غاشية، والغاشية تحتمل أمرين كما قرر أئمتنا أي غشيه أهله وأحاطوا به لشدة وجعه واشتداد كربه، وغاشية: أي غشى عليه فقد وعيه في تلك الحالة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام قضى سعد يعني خرجت روحه وقبض وتوفى، فقالوا لا يا رسول الله عليه الصلوات والسلام، فلما اقترب منه النبي عليه الصلاة والسلام ونظر إليه استعبر وبكى وذرفت عيناه بالدموع عليه صلوات الله وسلامه فبكى الصحابة الكرام أجمعون ببكاء نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال نبينا عليه الصلاة والسلام ألا تسمعون، إن الله لا يعذب لا يؤاخذ بدمع العين وبحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار النبي (إلى لسانه، يعذب بهذا أو يرحم، أي أن البكاء وأن الأعين تزرف الدمع وأن القلب يحزن لفراق الحبيب، هذا لا لوم عليه لا على الباكي ولا على من يبكى عليه، إنما إذا حصل جزع واعتراض على الله جل وعلا وصراخ وعويل بهذا وهو اللسان فالله يعذب أو يرحم
سبحانه وتعالى، أما أن يعذب وإما أن يعفو وهو خير الغافرين وأرحم الراحمين، والحديث كما قلت اخوتي الكرام في الصحيحين.
وقد ثبت في الصحيحين أيضاً من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن إبراهيم ولد نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه عند ما اشتد وجعه ذهب النبي عليه الصلاة والسلام لزيارته مع بعض الصحابة وكان في فترة الرضاعة وقد توفي هذا الغلام المبارك سيدنا إبراهيم بن سيدنا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قبل نبينا عليه الصلاة والسلام بثلاثة أشهر وهو في فترة الرضاعة فأخذه النبي عليه الصلاة والسلام وحمله شمه عليه صلوات الله وسلامه ثم ذرفت عيناه بالدمع فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه، أي أنت لا تملك نفسك ولا تصبر وأنت تأمرنا بالصبر وأنت تبكي وقد نهيتنا عن الجزع؟ فقال عليه الصلاة والسلام إنها رحمة ثم اتبعها بأخرى، أي بدمعة أخرى تسيل من عينيه المباركتين عليه صلوات الله وسلامه، وإما بجملة أخرى هي قوله عليه الصلاة والسلام، [إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون] إن العين لتدمع وإن القلب يخشع ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون.
وإلى هذا أشار الإمام البخاري عليه رحمة الله فقال باب (الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه) ثم محل استنباطه هو آخر الترجمة قال إذا كان النوح من سنته، من سنته التي جمعها سنن، أي من طريقته، بضم السين كما قال أئمتنا سنة، وفتح النون المشددة من سنته، وضبط بضم السين المهملة بعدها موحدتان، أي من سببه وهو المعنى واحد كما حقق أئمتنا شراح الحديث إذا كان النوح من سنته، أي من طريقته إذا كان النوح من سببه أي بأجله أنه هو أوصى أن ينوح أهله عليه، فإذا فعل ذلك عذب عند الله عز وجل والسبب في ذلك إنه أوصاهم بمعصية بتسخط على المقدور واعتراض على العزيز الغفور ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من يعمل بها من بعده إلى يوم القيامة.
وقد أشار إلى هذا الأمر نبينا قال: [لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها] لأنه أول من سن القتل، قابيل عندما قتل أخاه المبارك الجليل هابيل، كل نفس تقتل بعد موت هابيل إلى يوم القيامة ظلماً يتحمل قابيل وزر قتلها ولن ينقص من أجر القاتل شيء من وزره [لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم كفل منها] أي نصيب من ذلك القتل، والوزر لأنه أول من سن القتل، نعم عندنا في شريعة المطهرة، ومن سن خيراً واتبع فيه فله أجره وأجر من عمل به بعده، وهكذا إذا سن وزراً واتبع فيه فعليه وزره ووزر من عمل به بعده.
وقد ثبت هذا في المسند، والحديث رواه البخاري في كتاب (الأدب المفرد) والإمام مسلم في صحيحه وأهل السنن الأربعة إلا سنن أبي داود أيضاً من رواية جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي قال:[من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء] فهذا هو المعنى الأول لهذا الحديث الثابت في الصحيحين من رواية عمر وابن عمر والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أجمعين، (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) أي بما يناح به عليه إذا أوصى بالنوح والاعتراض على الله عز وجل، هذا المعنى الأول. وهو حق، وقواعد الشريعة تقرر وأئمة الإسلام كلهم يقبلون.
والمعنى الثاني: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، بما ينوح به أهله عليه إذا علم من عاداتهم أنهم ينوحون يبكون ويعترضون على الحي القيوم، وما أوصاهم في حياته أو عند احتضاره بعدم النياحة عليه وما حذرهم من ذلك وزجرهم عنه، فإذا مات وناحوا عليه يعذب عند الله عز وجل، لأنه عليه أثم المعصية حيث ترك تربية أهله ونصحهم وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله جل وعلا يأمرنا أن نتقيه وأن ننشئ أهلنا على تقواه، يقول جل وعلا في سورة التحريم {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شدادٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} قوا أنفسكم وأهليكم ناراً: أي علموها الخير، وهكذا علموا أهلكم الخير، تعلموا الخير وعلموه، واعملوا به، كما ثبت هذا التفسير عن علي رضي الله عنه في تفسير الطبري ومستدرك الحاكم، وفي مصنف ابن أبي شيبة وسنن سعيد بن منصور، وتفسيره وغيرهم {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} علموا أنفسكم وأهليكم أمور الخير، وثبت في تفسير عبد ابن حميد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، قال علموا أهلكم وأدبوهم فأنت مسؤول عنهم، فينبغي أن نحذرهم من كل معصية، فإذا حذرتهم وفعلوا ذلك فلا أثم عليك، وإذا لم تحذرهم فقد شاركتهم في تلك المعصية لأنك ما نصحتهم عنها وما زجرتهم عنها، (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) هذا التأويل الثاني، وهو تأويل أيضاً حق، مقبول مبرور، لأنه إذا ترك النهي أهله عن هذا المنكر الذي يفعله أهله، إذا ترك النهي عنهم فقد شاركهم في ذلك وأقرهم عليه، وقد أخبرتنا نصوص الشريعة المطهرة أن الإنسان إذا فرط فيما يجب عليه من نصح وأمر بمعروف ونهي عن منكر يحاسب على ذلك عند الله عز وجل، ولذلك أول من يختصم عند الحق جل وعلا جاران ملتصقان في السكن في هذه الحياة، أول خصومة تقوم بين جار في تذكره في التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
وقد أشار إلى هذا نبينا عليه الصلاة والسلام، ففي مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير، والحديث رواه أبي عاصم وإسناده صحيح، قال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في (المجمع) رجاله رجال الصحيح، قال إلا أبا عُشانه وهو ثقة، وأبو عشانه اسمه حيي بن يُؤمِن المصري توفي سنة ثماني عشرة ومائة للهجرة 118هـ، وحديثه في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري وقد أخرج له السنن الأربعة إلا الإمام الترمذي عليهم رحمة الله، فالحديث صحيح، ولفظ الحديث من رواية عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي قال:[أول من يختصم بين يدي الله جل وعلا جاران متجاوران لا تناصحاهم ولا يتواصيان بالحق ولا يتواصيان بالصبر] والخصومة تقع بينهما أمام الله عز وجل، إذا كانت الخصومة ستقع بينك وبين جيرانك إذا تركتم النصح فيما بينكم فمن باب أولى، إنك ستحتمل عقوبة أهلك إذا ما نصحتهم وحذرتهم وزجرتهم عن النياحة والبكاء عليك بعد موتك، هذا المعنى الثاني وهو أيضاً حق مقبول مبرور.
والمعنى الثالث: قرره أئمتنا أيضاً وهو حق، (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) أي يعذب به بنظير ما يبكيه به أهله إذ كان ذلك الفعل الذي يُبكى عليه من أجله معصيته لربه جل وعلا، وهذا يقومون لبعض الأمور العظيمة في هذه الحياة، لكن على غير هدى رب الأرض والسماوات، فيثني على الزعيم إذا مات بأنه وطني وأنه كان يحرص على مصلحة الوطن، وهذا يزيده بكاءً ويعذب عليه عند الله عز وجل يثني أيضاً على الإنسان بأنه كريم لكنه كان ينفق ماله في معصية رب العالمين، يثني على الإنسان بأنه كان يتصف بالشجاعة لكن ذلك في غير الطاعة، مات وقد أثنى عليه الناس ثم تذكر هذه الأشياء وبكوا عليه كان حريصاً على وطنه، كان كريماً، كان شجاعاً، لكن كل هذا على غير شرع الله فالناس يذكرونه بهذا المأثر على زعمهم ويحزنون عليه ويبكون لفقده بسبب هذه الأشياء، وهو يعذب عليها عند الله عز وجل، وما أكثر ما يقع هذا في هذه الأيام.
ولعلكم تذكرون اخوتي الكرام ما تطائر به الصحف ما بين الحين والحين من تأبين أعداء رب العالمين والبكاء والنياحة عليهم لما قدموه من مأثر وهي في الحقيقة بلايا ورزايا، والعبد المخذول قاسم أمين الذي أفضى إلى ما قدم نسأل الله أن يحسن ختامنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، عندما نشر البدعة الردية في هذا العصر بدعة تحرير المرأة في كتابه الذي سماه بهذا الاسم، وهكذا في الكتاب الآخر الذي هو أخبث من هذا الكتاب ألا وهو المرأة الجديدة، ودعا إلى السفور ولعري والتهتك، إنه دعا إلى معصية ولا شك لكن أخبث منه وأشر من جاؤا يؤبنونه وينشرون في الصحف العامة صور الرجال ويراقصون النساء وهنَّ عاريات كاسيات ثم يكتب بعد ذلك فوق هذا المشهد (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ويكتب بعد هذا الحديث الثاني الذي ذكرته، كما قلت (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء) .
وأما الحديث الأول (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) فهو حديث صحيح في المسند وفي كتاب الأدب المفرد للبخاري وفي صحيح مسلم وقد أخرجه أهل السنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وهو من أصح الأحاديث فيرون أن دعوته إلى النور عمل صالح، مقبول مبرور يثاب عليه عند العزيز الغفور، هذا ما يقال في حفلات تأبينه في هذا الحين، وهذا العبد الضال المضل الذي انتقل إلى سجين أخذه الله سنة ست وعشرين وثلاثمائة بعد الألف 1326هـ من هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام، أي صار له قرابة تسعين سنة، في الدار الآخرة ونسأل الله حسن الختام ولا زال يؤبَّن ما بين الحين والحين ويثنى عليه ويتباكون على ما قدم، إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، هذا الكتاب الذي نشره تحرير المرأة، والمرأة الجديدة، يبكى عليه من أجل هذا الكتاب وإنه نشر في الأمة مفخرة، سبحان ربي العظيم، وقد يصل الأمر والشطط ببعض الضالين أنه يقول في حفلات تأبينه أبياتاً من الشعر بعد أن صدرها بالحدثين المتقدمين.
يقول كنت في الحق للإمام نصيرا، والوفي الصفي من أصحابه، ويقصد بالإمام تلميذ جمال الدين الأفغاني ألا وهو محمد عبده فيقول له كنت في الحق للإمام نصيرا، والوفي الصفي من أصحابه.
نعم إن قاسم أمين ما نشر ذلك الضلال اللعين إلا بإيحاء من هذا الشيخ وقد أفضى الشيخ والتلميذ إلى رب العالمين ليلقى كل واحد جزاء سعيه، كنت في الحق للإمام نصيرا، والوفي الصفي من أصحابه، نم هنياءً فنصر نالت در ما ترجو من ثوابه، منك عزم الداعي، أنت دعوت بعزم، إلى هذه الخصلة تحرير المرأة، وفضل المجلى، أنت الذي سبقت إلى هذه الدعوة ولك أيضاً من الله ما ترجو من ثوابه، سبحان ربي العظيم، والله إن الجاهلية ما كانوا يؤملون أجور على جاهليتهم عند رب البرية، وإن الشيطان الغرور ما وصل به الغرور، إنه يرجو أجراً على فسقه وضلاله وخبثه عند العزيز الغفور ن لكن الناس في هذه الأيام اشتد غرورهم بحيث صاروا يريدون أجور على معصيتهم عند ربهم جل وعلا، ينشر بدعة السفور والدعوة إلى الإباحية، واختلاط النساء بالرجال ضلال لا شك ثم يؤبن بعد ذلك ويبكى عليه، بأنه قدم للأمة خيراً، ولن ينقطع عمله عند الله عز وجل، نعم لن ينقطع وزره، وما دامت امرأة تسفو في البلاد الإسلامية، يتحمل هذا الشيطان الرجيم قاسم أمين وزرها كما تحمل وزر نشر هذا الكتاب، الميت يعذب ببكاء أهله عليه، أي بنظير ما يبكيه به أهله مما يعتبر معصية لله، وهذا يقع بكثرة، كم من ضال في هذه الأيام يموت وقد نشر الضلالات في هذه الحياة، ثم تتباكى عليه إذعات العالم وتحزن، ولعلكم تستحضرون الضالة الخبيثة التي ماتت من سنين وحزن عليها في جميع إذعات المسلمين وأنها كانت داعية السلام وقد قتلت هي وأسرتها وأهل الإجرام من المسلمين في ذلك المكان، ما لو جمعت دماءهم لسالت منها نهر عظيم، ثم بعد ذلك يقال عنها بأنها داعية السلام، داعية السلام ثم عند تحريقها، وهذا مما يندى جبين الإنسان يجتمع ثلاثة من الضالين عندما تحرق شيخ يقراء القرآن، وبوظى بقراء في كتاب بوظه وهنوكي يقول مراسم الهنادكة عند تحريقها من أجل أن توزع بعد ذلك ذرات جسمها على العالم يحصل للعالم بركة من هذه الذرات
النجس والناس أيضاً يتباكون عليها داعية السلام وقد أراقت من الدماء من دماء المسلمين ما لو جمعت تلك الدماء لسال منها نهر عظيم ثم يبكي الناس عليها بأنها داعية السلام.
نعم صدق نبينا عليه الصلاة والسلام أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، يبكون عليها بهذه الخصال التي فيها وهي تعذب عند الله من أجلها ن وهذا معنى ثالث حق، قرره أئمتنا وقواعد الشرع تقرره وتدل عليه.
والمعنى الرابع: ذهبت أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهو حق لا غبار عليه، لكن سأنبه ما في قولها مما ينبغي أن نكون على وعي به، تقول أمنا عائشة عندما حدثها عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، يعذب ببكاء الحي عليه، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي، ما حدث بهذا لكنه قال إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه، ثم قالت حسبكم القرآن، قال الله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وقالت رضي الله عنها وأرضاها يرحم الله عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام ما حدث بهذا وكانت رضي الله عنها تقول إذا حاجها ابن عباس وقال حدث بهذا عمر عن النبي عليه الصلاة والسلام كانت تقول والله إنكم لا تحدثون عن كاذبين مكذبين، لكن السمع يخطئ أن النبي مرَّ على يهودية وأهلها يبكون عليها وهي ميتة فقال إنهم يبكون عيها وإنها لتعذب، وكان تقول أيضاً، يغفر الله لأبي عبد الرحمن يعني ابن عمر أما والله إنه لم يكذب لكنه أخطأ أو نسيَ، مر النبي على يهودي ميت وأهله يبكون عليه فقال عليه الصلاة والسلام إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وعليه كان أمنا عائشة رضي الله عنها تريدان تقول إن هذا الوعيد لمعين معلوم، وهو اليهودي واليهودية، وينسحب ذلك الوصف وذلك الحكم على من اتصف بذلك الوصف الملعون، الكل من مات على الكفر يعذب عند بكاء أهله عليه، فكان تريد أن تقول هذا ورد من النبي عليه الصلاة والسلام في حق كافر ولا شك في صحته ما تقوله أمنا عائشة رضي الله عنها وعليه الميت يعذب ببكاء أهله، الباء هنا تحتمل أمرين كما قرر أئمتنا، إما أن تكون الحال: أي أن الميت يعذب حال بكاء أهله عليه، والسبب في ذلك كما قرر أئمتنا إن الكافر عندما يقبر يشتد حزن أهله عليه، كما هو الحال في جميع المقبورين أعظم ما يكون الحزن عليهم من قبل أهلهم عند دفنهم لأنه قطعت الآن أخبارهم
ورؤيتهم وما حصل ولن يحصل بعد ذلك اتصال بينهم، فأعظم الحسرة في الأحياء والبكاء عندهم بكون عند الدفن وهو عند الدفن يحاسب على عمله ويعذب على سعيه، وعليه إن الميت إن الكافر اليهودي، إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، أي عند بكاء أهله عليه، وحال بكاء أهله عليه، يعذب على أعماله ويحاسب على ذلك.
ويمكن أن يخرج أيضاً على التفسير الذي ذكرته أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها عندما قالت أيضاً، إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه، أن تكون الباء سببية، وأن الله يزيد الكافر عذاباً إلى عذابه عندما يبكي عليه أهله لأنه فرط في حق نفسه وفي حق أهله فما اهتدى ولا أرشد أهله إلى الهداية، وكما قلت لا غبار على هذا القول، وإن الكافر يعذب ببكاء أهله عليه، عند بكاء أهله عليه، ولأنه تسبب لضياع نفسه وضياع أهله فيعذب على الأمرين لا غبار على ذلك، لكن إذا ثبت في حق الكافر وأن الله يزيده عذاباً إلى عذابه كما قالت هي رضي الله عنها وأرضاها، إذا ثبت هذا في حق الكافر، لأنه ضيع نفسه وضيع أهله، فما المانع أن يحصل هذا في حق المؤمن الذي فرط في حق نفسه وفي حق أهله، وتقدم معنى إذا أوصى بالبكاء والنياحة يعذب، إذا علم هذا من سنتهم وطريقتهم وما نهاهم ونصحهم يعذب.
إذاً ما الداعي لإنكار هذا، والحديث ثبت، وكون بعض الوقائع التي قيل فيها الحديث في يهودي أو في يهودية لا يخصص هذا عموم الحديث الذي قيل في غير اليهودي واليهودية، وعليه اعتراض أمنا عائشة رضي الله عنها على عمر وعبد الله بن عمر وعلى من روى هذا الحديث، هذا الاعتراض مردود ومن حسب حجة على من لم يحفظ نعم تأويل هذا الحديث بما أولته حق ومقبول، وحكايتها للحديث بما نقلته أن النبي عليه الصلاة والسلام مر أحياناً على يهودي ويهودية وأهلها يبكون عليهما، فقال إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، لا يمنع أن يخص هذا الحكم باليهودي واليهودية، والعلم عند الله، فإذاً هنا نقول لا مانع أيضاً أن يكون في كافر معلوم وينسحب الحكم إلى كل من اتصف بوصفه المذموم، فكل من أمر بالنياحة عليه أو ما حذر أهله من النياحة عليه يعذب في قبره وعند ربه، هذه معانٍ أربع وكلها حقا.
المعنى الخامس: قال أئمتنا المراد من العذاب هنا أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، المراد من العذاب توبيخ الملائكة بالميت ومعاتبتهم له وتقريعهم له هل هذه الأوصاف وهذا المعنى حق قد دلت عليه نصوص كثيرة صحيحة، كما أن المعاني السابقة حقاً، فإذا أوصى يعذب وإذا علم من حالتهم النياحة وما نهاهم يعذب، وإذا كان فيه وصف مذموم وبكوا من أجله يعذب، وإذا كان الميت كافر وناح أهله عليه يعذب، جميع المعاني صحيحة.
والمعنى الخامس: إذا ما أوصى ونهاهم عن البكاء وما بكوا عليه بأمر يعذب به من أهله وليس هو بكافر، إنما نيح عليه وهو من الصالحين وقد حذرهم من النياحة هذا لن يعذب عند الله إن لن ينجو من هذه إلا إذا لطف الله به ورحمه إلا وهو عتاب الملائكة له، توبيخ الملائكة له فكأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول، ارفقوا بموتاكم، هل هذه الأوصاف فيه، هذا المعنى حق وقد دلت عليه نصوص كثيرة صحيحة كما أن المعاني السابقة حقا، فإذا أوصى يعذب وإذا علم من حالتهم النياحة وما نهاهم يعذب كافراً وناح عليه أهله يعذب جميع المعاني صحيحه، والمعنى الخامس إذا ما أوصى ونهاهم عن البكاء وما بكوا عليه بأمر يعذب به من أجله وليس هو بكافر، إنما نيح عليه وهو من الصالحين وقد حذرهم من النياحة، هذا لن يعذب عند الله إنما لن ينجو من هذه إلا إذا لطف الله به ورحمه ألا وهو عتاب الملائكة له توبيخ الملائكة، له فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول، ارفقوا بموتاكم ولا تزيدوهم غمة إلى غمتهم ومشكلة إلى مشكلهم وشدة إلى شدتهم عندما تبكون عليهم سيوبخون من قبل الملائكة عند البكاء عليهم، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وفي سنن الترمذي وابن ماجة وإسناده صحيح كالشمس من رواية موسى بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه من رواية موسى عن أبي موسى الأشعري عن أبيه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، إنه قال، إذا مات الميت وقام باكيه فقال وجبلاه وسيداه بعث الله ملكين يلهزانه ويقولان له، أنت كذلك، يلهزانه، أي يضربانه في صدره بقوة، يقولانه أنت كذلك، أنت السيد وأنت الجبل الذي يأوي إليك الناس، وجبلاه وسيداه، يقول من يندب الميت ويعوّل عليه فيرسل الله ملكين لليهزانه ويقولان له أنت كذلك، وفي رواية المسند والمستدرك من رواية أبي موسى أيضاً، أنه إذا قالت النائحة وآ عضداه وآ ناصراه وآ كاسياه جذبه الملك جبذة: أي شده بعنف وقال
له، أنت ناصرها أنت عضدها أنت كاسيها، أنت تقوم بهذه الأمور، أو هذه تكفل بها العزيز الغفور الذي تكفل برزق المخلوقات جميعاً، فإذا قالا أنائح هذا، وكما قلت من ينح عليه، ما أوصى بالنياحة وحذرهم منها وما نيح عليه بفعل يعذب من أجله وليس بكافر، ليس يسلم من معاتبة الملائكة توبيخهم دون أن يعذب في البرزخ وفي القبر دون أن يعذب عند الله في النار، لكن يقال له آنت كذلك، يقال عند هذا، فيك هذه الصفات، وهذا حقيقة عذاب للميت وإيلام له، فينبغي على الحي أن يشفق على ميته، وهذا الحديث الثابت كما قلت في هذه الكتب عندما رواه موسى عن أبيه قال، أسيد بن أسيد انظر ما تحدث يا موسى قال الله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فقال موسى سبحان الله، والله ما كذبت على أبي موسى ولا كذب أبو موسى على النبي عليه الصلاة والسلام، ثم أنت تقول هذا، أنت تعترض وأنا نقلت عن أبي وأبي عن النبي عليه الصلاة والسلام ثم تعترض علي هذا.
وهذا الحديث اخوتي الكرام، المروي عن أبي موسى الأشعري كما قلت في المسند والمستدرك وسنن الترمذي وابن ماجة، ثبت ما يشهد له في صحيح البخاري، والسنن الكبرى للإمام البيهقي من رواية نعمان بن بشير رضي الله عنهما قال أن عبد الله بن رواحة عندما احتضر أغمى عليه، وهذا اعتراه في المدينة المنورة وجاءته ساعة الاحتضار كما سيأتينا وأغمى عليه، لكن الأجل ما حضر ففسح الله في أجله، بعد ذلك حتى شهد غزوة مؤتة رضي الله عنه وأرضاه واستشهد فيها وهو آخر الأمراء الثلاثة الذين حملوا الراية في تلك الموقعة، بعد زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب حمل الراية وكلهم استشهدوا إلى رحمة الله وجنته ورضوانه ثم حمل الراية خالد بن الوليد رضي الله عنهم أجمعين، عبد الله بن رواحة اعتراه مرض شديد في المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وساعة تشبه ساعة الاحتضار، هذا كما قلت في صحيح البخاري وغيره من رواية نعمان بن بشير والنعمان بن بشير وبن أخت عبد الله بن رواحة، فعبد الله بن رواحة خاله يقول لما احتضر قالت أخته عمرة وهي أم نعمان بن بشير وآ جبلاه وبدأت تعدد مناقبه وتند به فلما أفاق قال يا أختاه والله ما قلت لي شيئاً إلا قال لي الملك آنت كذلك ما قلت لي شيئاً إلا قال لي الملك آنت كذلك.
وثبت في كتاب المستخرج لأبي نعيم أنها قالت وآ عضداه، والأثر رواه ابن أبي سعد في طبقات عن الحسن البصري أنها قالت وآ جبلاه وآ ناصراه وآ عِزّاه فلما أفاق قال لها قال الملك أنت عزها أنت ناصرها أنت جبلها، والأثر رواه بن سعد أيضاً من رواية أبي عمران الجنوني أنها قالت وآ ظهراه فقال له الملك أنت ظهرها، فلما زاره النبي عليه الصلاة والسلام رآه في تلك الحالة قال اللهم إن كان عبد الله بن رواحة قد حضره أجله فيسر عليه، أي خروج الروح ليخرج من هذه الشدة التي يعانيها في المرض وإن كان بقيت في أجله بقية ففرج عنه فوجد خفة رضي الله عنه وأرضاه بعد دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، ثم قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله والله ما قالت لي أختي عمرة كلمة إلا تلقاني الملك بمرزبة ويقال لها أرزبّه وهي المطرقة الكبيرة من حديد، وقال لي آنت كذلك، لو قلت نعم لقمعني بها، ثم نهى عن البكاء رضي الله عنه وأرضاه هم جميعاً، فلما استشهد ما بكت عليه أخته عمرة رضي الله عنهم أجمعين، إذاً المراد من العذاب كما قلت توبيخ الملائكة لمن يناح عليه ويبكى عليه هذا إذا لم يوصي، وإذا نهاهم عن النياحة عليه، وإذا لم ينح عليه بأمر يعذب به، وإذا لم يكن كافراً سلم من تلك الأمور وصالح مبرور، ثم ناح عليه أهله يعاقب من قبل الملائكة.
والأمر السادس: وهو محل الشاهد كما قلت، ومن أجله أوردت هذا الحديث وذكرت هذه المعاني التي قررها أئمتنا وكلها حق.
المعنى السادس: يقرر ما تقدم وهو سمع الأموات وفرحهم بما يجري عندهم من الطاعات، وحزنهم بما يجري عندهم من المخالفات والموبقات والمنهيات، إن معنى الحديث على القول السادس أن المراد من العذاب يعذب ببكاء أهله: أي يتألم ويتحسر ولا يشعر بارتياح ولذة ولا سرور، هذا كما يتألم الإنسان في هذه الحياة، عندما يرى المنكرات ينقبض قلبه وتشمئز نفسه وهنا عندما ينوح أهله عليه والنياحة معصية ويتسخطون على قدر الله عز وجل، ويستاء الميت ويحزن، وهذا المعنى ذهب إليه شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري وقد توفي سنة عشر وثلاثمائة للهجرة 310هـ، وقد رجحه أئمة كرام منهم، الإمام المرابط وهو من أئمة المالكية الكبار وله شرح لصحيح البخاري قد توفي سنة خمس وثمانين وأربعمائة للهجرة 485هـ محمد بن خلف، ورحمه قاضي عياض وتوفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة للهجرة 544هـ، وهذا القول نصره شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في مجلد الرابع والعشرين صفحة أربع وتسعين وثلاثمائة صـ394 وإليكم خلاصة كلامه العذب المحكم، يقول هذا الإمام المبارك أن العذاب أعم من العقاب ما قيل يعاقب ببكاء أهله عليه يعاقب عند الله ما قيل هذا، إنما قيل يعذب وما ورد في رواية المغيرة بن شعبة من أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه يوم القيامة، فيخرج كما تقدم معنى على التخريجات الأربعة المتقدمة فكونوا على علم بها، العذاب أعم من العقاب، فلو زاد يطلق على ما يؤلم الإنسان ويحزنه ويشتد عليه وأن عقوبة عند الله عز وجل ثم قرر الإمام ابن تيمية هذا بنصوص كثيرة، منها حديث النبي عليه الصلاة والسلام، [السفر قطعة من العذاب] ، وليس بعذاب في الآخرة إنما قطعة من المشقة والألم والشدة والكرب والحزن.
وهذا الحديث ثابت في المسند والصحيحين وسنن ابن ماجة ورواه الخطيب في تاريخ بغداد وهو في أعلى درجات الصحة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: [السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله]، فليسرع إلى أهله: أي عذاب يراد في الحديث، [السفر قطعة من العذاب] قطعة من الألم من المشقة، من الشدة، وهنا الميت يعذب ببكاء أهله عليه، إذا بكوا عليه، ولم يتسبب في تلك المعصية يحزن ويتألم ويكرب لأنه فعل عنده المعصية. ولو قرأ بجواره سورة (يسن) ، (قل هو الله أحد) لفرح وسرَّ وانشرح صدره وطار فرحه لأنه حصل بجواره طاعة، يا عبد الله أنت إذا كنت حياً والأحياء يؤذيك السماع الغناء والبلاء أما تتألم، تتألم ولا عقوبة عليك عند الله الأكرم، وإذا كان بجوارك جار صالح تسمع منه القرآن وذكرا الرحمن أما تفرح، تفرح، وهنا كذلك هذا الميت شعوره أدق بكثير من شعور الحي، فإذا فعلت بجواره طاعة فرح والتذَّ وسُرَّ وابتهج، وإذا فعلت بجواره معصية تألم وكرب وانقبض، أي الميت يعذب ببكاء أهله عليه، السفر قطعة من العذاب، ولذلك اخوتي الكرام حذرنا نبينا عليه الصلاة والسلام من الاعتداء على الميت
أو تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وإسناد الحديث صحيح من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي [كسر عظم الميت كاكسر عظم الحي] في رواية ابن ماجة عن أمنا أم سلمة رضي الله عنهم أجمعين عن النبي عليه الصلاة والسلام، [كسر عظم الميت كاكسر عظم الحي في الإثم] أي من كسر عظم ميت واعتدى عليه يأثم كما لو كسر عظم حي تماماً، لماذا لأنه يتألم، كما يتألم الحي، لكن هذا التألم في دار ليس عندنا موازين تلك الدار هذا أمر آخر، ولذلك اخوتي الكرام نهينا أن نطأ على القبور وأن نؤذي الموتى إذا زرناهم، هل يجوز أن نطأ على حي إذا كان مستلقياً في مسجدٍ وفي بيت لا يجوز هذا وهذا يؤذيه وهكذا عندما نطأ على القبر هذا يؤذيه.
وقد حذرنا نبينا من ذلك، في مسند الإمام أحمد والحديث في صحيح مسلم، ورواه السنن الأربع، إلا سنن الترمذي وهو في أعلى درجات الصحة فهو في صحيح مسلم وغيره من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال:[لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر] لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده لتحرق جلده ولحمه خير من أن يجلس على قبر، وفي رواية خير من أن يطأ على قبر، وثبت في سنن ابن ماجة ومصنف ابن أبي شيبة وإسناد الحديث جيد، وهو صحيح.
كما قرر ذلك شيخ الإسلام الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، والإمام الهيثمي في مجمع الزوائد ولفظ الحديث، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن النبي، قال:[لأن أطأ على جمرة أو على سيف أو أن يخسف نعلي برجلي أحب إلى من أن أطأ على قبر مسلم، وما أبالي إذا قضيت حاجتي وسط القبوا وسط السوق] هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام ن لأن أطأ على جمرة على سيف لأن يخسف نعلى برجلي أي يقطع من جلدي يخسف النعل ليرقع النعل تقطع رجلك من أجل ترقيع نعلك، ايسر عليك من أن تطأ على قبر.
هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، وما أبالي إذا قضيت حاجتي وسط القبور أو وسط السوق، لماذا لأنك في حالتين عصيت الله وفي حالتين سوءتك كشفت فرآها الناس لكن هناك لآها أهل السوق وهنا لآها أهل القبور، هي هي يرون ويشعرون ويعلمون ويحسون ويفرحون ويتألمون كما يجري منا ولنا بل أكثر وما أبالي قضيت حاجتي وسط القبور ووسط السوق، كما أنك تستحي من الأحياء استحي من الأموات يا عبد الله الله إذا ذهبت إليهم فلا تؤذهم حذار حذار أن تطأ على القبور وحذار حذار أن تتكلم الح وأن تتكلم بمعصية، والله إن الإساءة إليهم أعظم من الإساءة إلى الحي بكثير وأن الإحسان إليهم أعظم من الإحسان إلى الحي بكثير، إن الميت لو تصدقت عنه بنصف تمرة لا بتمرة لقدر ذلك وطار فرحاً ولو أعطيت الحي حفنة من تمر لاستقل لأن صار موازينه دقيقة وصارت موازين الذر من الخير والشر لها عنده اعتبار، وأما هذا الحي فلا زال يغط في جهله وفي نومه وفي غفلته، فإذا مات {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} نصف التمرة يقدرها دعوة، يقدرها وهكذا عندما تمر بجواره وتتكلم بلغط يحزنون، كما يحزن الحي إذا أذاه جاره بلغط وبصفاهة، ولذلك إذا وطئ الإنسان على جمرة ووطئ على حد السيف وقطع من رجله وخسف بما نعله، إذا كان يعقل هذا أيسر من أن يطأ على القبر، لأن هذا الأذى الذي سيتسبب له أخف من الأذى الذي سيؤذي به ميت عندما يطأ على قبره وإذا كان يعي لا يبالي الإنسان قضى حاجته وسط المقابر أو وسط الأسواق، وكما أن الحي لا يمكن أن يقضي حاجته في وسط السوق فاستحي يا عبد الله من قضاء الحاجة وسط القبور، استحي يا عبد الله والله يرون سوءتك وعورتك.
وتقدم معنى كلام أمنا عائشة وهو أثر صحيح، تقدم معنى أنه عندما دفن عمر رضي الله عنها وأرضاها أنه عندما دفن ما دخلت على حجرتها إلا وشدت عليها ثيابها، ثيابها مشددة عليها حياء من عمر لما دفن نبينا عليه صلوات الله وسلامه تدخل وتخرج كعادتها تقول زوجي، فلما دفن أبوها على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، لما دفن أبوها صديق هذا الأمة أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين تقول أبي وزوجي تدخل وتخرج وتضع خمارها عن رأسها، يعني لا تتحجب الحجاب الذي تتحجب المرأة أمام الأجانب، فلما دفن عمر ما دخلت حجرتها رضي الله عنهم أجمعين إلا وثيابها مشدودة عليها حياء من عمر سيرى شعرها، سيرى وجهها وسيرى جسمها ولا يجوز يرها لو كان حياً فتحترس منه إذا كان ميتاً، يا عبد الله، إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه.
المعنى السادس: الذي قرره شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية كما قلت نصره واختاره الإمام ابن جرير ورجحه الإمام الذي يجده الميت عندما يفعل بجواره معصية كما أنه يلتذ بالطاعة يتألم بالمعصية، وهذا دليل صحيح صريح على هذا التوجيه الذي قرره أئمتنا على أن الميت يشعر ويحس ويدرك ويغتم بحال من يزور ويفرح إن فعل عنده طاعة، ويحزن إن فعل عنده معصية.
إخوتي الكرام: مما لاشك فيه أن القبر روضة من رياض، أو حفرة من حفر النار، وسيأتينا هذا ضمن مباحثنا إن شاء الله عندما يتعلق بأحوال البرزخ يوم القيامة بعون الله بعد الانتهاء من صفة الخوف وما يتعلق بها عند بيان اليوم الذي {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} أشرح ما يتعلق بالحالة البرزخية إنما أريد أن أقول إن الميت في قبره في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار، وهذا لا يكون إلا كان له شعور سليم شعور كامل دقيق مستقيم يزيد على شعور الحي بكثير، إنما ذلك ألا هو تلك اللذة لا يمكن أن يحس به الميت إلا إذا كان عنده شعور عنده إدراك عنده إحساس كإحساس الحي به أدق.
إخوتي الكرام: هذا ما يتعلق بهذه القضية، وأما ما يتعلق بإهداء القربات إلى الأموات أتكلم عليها في الموعظة الآتية إن شاء الله.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وأرض الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إخوتي الكرام: كما قلت مراراً إن هذا المبحث يتعلق بأمر غيب وإدخال العقل فيه من أشنع أنواع العيب، فما يتعلق بالحياة البرزخية لا يجوز أن تتكلم فيه إلا عن طريق مشكاة خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، فقد دلت نصوص الشرع كما تقدم معنى على هذه القضية فأخبر جرا عن ذلك العقول البشرية.
إخوتي الكرام: إن الإنسان يعيش في ثلاثة دور، يعيش في الحياة الدنيا وهي دار أولى، ويعيش في الحياة البرزخية، وهي دار ثانية، ويعيش في الحياة الأخروية وهي دار ثالثة، وروحه تتعلق ببدنه في هذه الدور خمسة تعلقات، كل تعلق حكم لا يعلمه إلا الذي أوجد هذا التعلق ببدنك.
{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} التعلق الأول: تعلق الروح بك عندما تكون جنيناً في ظلمات ثلاث على رأس أربعة أشهر تنفخ فيك الروح على رئس عشرين ومائة يوماً تتحرك في بطن أمك.
التعلق الثاني: عندما تولد وتكون حياً يقظه.
التعلق الثالث: عندما تنام حياناً لما، وهذه التعلقات الثلاثة كلها تعلقات في الدار الأولى وهي دار الدنيا.
والتعلق الرابع: تعلق الروح ببدنك عندما تكون في الحياة البرزخية.
والتعلق الخامس: تعلق ببدنك عندما تكون في الحياة الأخروية.
كل تعلق من هذه التعلقات لا تدركونه لا كيفيه ولا ما هيئته كما سيأتينا المبحث المستفيد من ذلك إن شاء الله عند الحياة البرزخية وما يتبعها في الدار الأخروية لكن قال أئمتنا الكرام في الحياة الدنيوي الألم يقع على الروح والبدن واللذة يشعر بها البدن والروح لكن البدن يشعر بذلك أصالة والروح تبعاً بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها فأنت عندما تنعم في هذه الحياة النعيم يقع أصلة على البدن، وعندما تعذب العذاب أصالة على البدن والروح تشعر بذلك تبعاً، في البرزخ الأمر بالعكس تماماً، العذاب والنعيم على الروح أصالة والبدن تبعاً بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، ولذلك لا دخل إدخال العقول في هذه القضية، فتلك حياة خاصة لها موازين خاصة.
وأما الدار الأخروية، فالبدن والروح تشعران يشعران بالعذاب والنعيم أصالة دون تبعية واحد منهما للآخر، لأنها أكمل الدور موازينها أدق الموازين، فما يتعلق بالحياة البرزخية لا يمكن للإنسان أن يبحث فيه، وكما قلت، لا طريق لنا في الكلام في ذلك إلا ما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام.
أختم الموعظة إخوتي الكرام: بقصة جرت في العصر الأول من الصحابة الكرام وهي قصة ثابتة صحيحة تقرر ما يكون في حياة البرزخ، والقصة رواها أبو بكر بن لال في كتاب المتآخين ونقلها عنه حزام المحدثين الإمام بن حجر في الإصابة في تميز أسماء الصحابة، وأبو بكر بن لال هو أحمد بن على بن أحمد توفي سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة للهجرة 398هـ وهو من المحدثين له كتاب في السنة وله مسند وهو من الفقهاء الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، أبو بكر لال، والقصة أشار إليها الإمام ابن القيم في كتاب الروح في صفحة خمس وصفحة تسع فما بعدها، وقال ثبت بإسناد صحيحة عن حماد بن سلمة عن ثابت بن أسلم النباني عن شهر بن حوشب وشهر من أئمة التابعين، حديثه في الأدب المفرد وفي صحيح مسلم والسنن الأربعة توفي سنة اثنتي عشر ومائة للهجرة 112هـ، وهو صدوق عدل إمام الرضى، يقول هذا التابعي المبارك، كان صعب بن جثامة وهو من الصحابة الكرام وقد توفي في خلافة عثمان رضوان الله عليهم أجمعين، كان صعب بن جثامة وعوف بن مالك الأشجعي وهو من الصحابة وكان بيده راية من الرايات يوم فتح مكة وقد توفي سنة اثنتين وسبعين 72هـ في بلاد الشام، كان صعب بن جثام وعوف بن مالك متآخيين في الله، فقال أحدهما لصاحبه، مات أحدنا فليتراء له، يقول عوف بن مالك فلما مات صعب بن جثامة وكما إذا قلت توفي في خلافة عثمان رضي الله عنهم أجمعين، وأما مالك بن عوف الأشجعي فامتد حياته ثم ذهب إلى بلاد الشام توفي هناك رضي الله عنهم أجمعين، يقول فرأيته بعد فترة من موته فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي ورحمني بعد المصائب، أي تعرضت للأخطار وأسئلة لكن في النهاية حصلت المغفرة والرحمة، قلت ما هذه اللمعة السوداء التي أراها في عنقك، قال سبحان الله، عشرة دنانير استلفتها من جاري وهي في قرني أي في صندوق خاص أشار إليه في الرؤيا أي في قرني، وما أنفقتها فأدركتني منيتي، فإذا استيقظت اذهب إلى أهلي وافتح ذلك
القرن وخذ تلك الدنانيير واعطها لجاري، وأخبرك إنه ما وقع شيء في بيتي بعد موتي إلا علمت به، حتى هرة توفيت من أيام، وأخبرك أن ابنتي فلانه ستموت بعد سبعة أيام، وهذا في حالة البرزخ، يكلم هذا النائم، فلما استيقظ عوف بن مالك، قلت إن في هذا لمعلمة، أريد أن أتحقق من هذه الأمور فذهب إلى بيت أخيه صعب بن جثامة لمعلما رضي الله عنهم أجمعين، وفعاتبه أهل أخيه وقالوا هكذا تفعل بأهل أخيك بعد موته كنت تزرونا ثم هجرت
قلت أخبرني هل لك معه الشيء قال، وماذا تريد رحمه الله وسامحه ولا أطالبه بشيء، قال أخبرني، فقال قد استلف مني عشرة دنانير ثم عجلته المنية وما ردها إليَّ، يقول فأخرجت له الدنانير قلت هذه هي قال والله هي هي ما تصرفت فيها، قلت هذه دنانيرك ثم رجعت إلى بيت أخي صعب بن جثامة رضي الله عنهم أجمعين، قلت هل طرأ طارئ بعد موت الصعب؟ قالوا ما حصل شيء يعني يذكر، قلت أخبروني بما وقع، قالوا ماتت هرة بعد موت صعب بن جثامة، قلت هذه ثانية، ثم قلت أين ابنة أخي فلانة بنت الصعب بن جثامه، فأحضروها وهي صغيرة، بحدو وخمس وست سنين رضي الله عنهم أجمعين، مسستها فإذا هي محمومه فقلت استوصوا بها خيراً، فلما مضت ستة أيام ماتت في اليوم السابع.
حياة برزخية لا يعلم موازينها إلا رب البرية، فجرب العقول البشرية واعزل العقول البشرية عن الكلام في هذه القضية، ما ثبت عن خير البرية صلوات الله وسلامه عليه، مثبت وما لم يثبت لا يجوز أن نتكلم فيه كما قلت هذه مسألة تتعلق بأمر غيب ولا يجوز أن نتكلم فيه عن طريق العقل، فهذا من أشنع أمور العيب.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم قنا شرور أنفسنا، اللهم قنا شر نفوسنا يا أرحم الراحمين، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعل أحب خلقك إليك ومن المقربين لديك وإذا أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ومحبتك يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا عليه حتى نلقاك به.
اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم صل على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم احسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات وصل الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
{قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد *} .