المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شروط قبول العمل - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ١٠٣

[عبد الرحيم الطحان]

الفصل: ‌شروط قبول العمل

‌شروط قبول العمل

(من خطب الجمعة)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

بسم الله الرحمن الرحيم

شروط قبول العمل

30

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا.

الحمد لله رب العالمين شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين.

"يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون".

وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبق منها رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا".

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما".

أما بعد: معشر الاخوة الكرام..

ص: 1

أكيس البشر من يعمرون بيوت الله عز وجل فقد وصفهم الله جل وعلا في كتابه بأنهم هم الرجال نعتهم بأربع خصال لا تلهيهم البيوع والتجارات عن طاعة رب الأرض والسموات يصلون لله ويسبحونه ويشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم يكونون على استعداد للقاء رب العباد في يوم المعاد "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإيقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار".

وكنا نتدارس الصفة الرابعة من صفات هؤلاء العباد الأكياس الطيبين ألا وهي خوفهم من رب العالمين وكنا نتدارس إخوتي الكرام في الموعظة السابقة وما قبلها أسباب خوف المكلفين من رب العالمين وفلت إنها كثيرة وفيرة يمكن أن تجمع في ثلاثة أسباب.

أولها: إجلال الله وتعظيمه وقد مضى الكلام على هذا السبب.

وثاني الأسباب: الخوف من سوء الخاتمة.

وكنا نتدارس السبب الثاني من أسباب خوف المكلفين من رب العالمين خشيتهم في التفريط في حق الله جل وعلا وهذه الخشية إخوتي الكرام تكون نحو ما أمر به ونهى عنه فما نهانا عنه ينبغي أن نجتنبه فهل اجتنابه على وجه التمام والكمال إذا لم يقع منا الاجتناب كذلك فحقيقة أمرنا على خطر ونحن نخطئ بالليل والنهار في حق الله عز وجل وتقدم معنا أن المحقرات التي نحتقرها قد تردينا في أسفل الدركات ونسأل الله أن يعاملنا بفضله ورحمته وجوده وكرمه وامتنانه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

وقد تقدم معنا إخوتي الكرام ما يتعلق بهذا الأمر أعني تقصيرنا وتفريطنا نحو ما حرمه الله علينا كيف وقعنا في كثير منه ونسأل الله أن يتوب علينا.

وأما التفريط الثاني التفريط فيما أمر الله باكتسابه فيما أمر الله بفعله أي بطاعته عز وجل عن طريق القيام بالمأمورات على وجه التمام والكمال.

ص: 2

إخوتي الكرام: تقدم معنا أن الإنسان لا يسلم من المنهيات ومن التقصير فيها إلا إذا اجتنبها كلها صغيرها وكبيرها سرها وعلنها وهكذا لا يسلم الإنسان على وجه التمام إلا إذا قام بجميع ما أمر به ذو الجلال والإكرام.

يقول الله جل وعلا في سورة الأنفال مقررا هذا الأمر: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أؤلئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم".

فتأمل أخي الكريم هذه الصفات هل اتصفت بها لتكون من المؤمنين حقا عند رب الأرض والسموات الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم. خافت واقشعر الجلد عند ذكر الله عز وجل. وجل القلب واقشعر الجلد ودمعت العين كما هي صفات عباد الله عندما يُذكر الله وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا. وعلى ربهم يتوكلون. ثقة قلوبهم بربهم وهذه هي حقيقة التوكل الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا.

وعليه من لم يتصف بهذه الصفات فقد فرط في درجت الإيمان وقصر في حق الرحمن وهكذا يقول رب الأرض والسموات في سورة الحجرات: "إنما المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون".

ص: 3

فهل تحقق هذا فينا على وجه التمام والكمال كل إنسان على نفسه بصيرة إخوتي الكرام اسمعوا لهذه الآية التي في سورة البقرة وكيف شرط الله أموراً كثيرة فيها لحصول التقوى ولا ينجح العبد عن الله إلا إذا كان من المتقين يقول الله جل وعلا: " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون".

هؤلاء الصادقون وهؤلاء هم المتقون الذين يتصفون بهذه الصفات إخوتي الكرام ولو قام الإنسان بجميع المأثورات وما فرط في شيء منها فهو أيضاً شديد الوجل من الله عز وجل خشية أن يمون قد قصر في القيام بتلك الطاعات وفرط في شروطها الواجبات أو المستحبات ولذلك نعت الله عباده الطيبين الذين يجدون ويجتهدون في طاعة رب العالمين بأنهم يخافون مع أنهم يحسنون.

يقول الله جل وعلا في سورة المؤمنون: "إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون" والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون". قاموا بهذه الأعمال وقلوبهم مع ذلك وجلة خائفة من ذي العزة والجلال.

ص: 4

وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه والحديث رواه الحاكم في مستدركه والحميدي في مسنده ورواه الطبري في تفسيره والبغوي في تفسيره أيضا في معالم التنزيل وابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردوية وهكذا ابن المنذر وغيرهم والحديث تقدم معنا ودرجته حسن ويشهد له حديث أبي هريرة رضي الله عنه في تفسير الطبري وغيره ولفظ الحديث " عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضا قالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف. "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون" قال لا يا بنت الصديق هو الرجل يصوم ويصل ويتصدق ويخاف ألا يقبل الله منه لتفريطه في بعض شروط ذلك العمل الذي أمر به عز وجل سبحانه وتعالى وهذا من باب خشيتهم ومن باب احتياطهم ومن باب كياستهم أنهم يحسنون الأعمال ومع ذلك يخافون من ذي العزة والجلال.

إخوتي الكرام: لا يمكن لإنسان مهما كان أن يضمن لنفسه أنه قام بشروط العمل الصالح بحيث يكون ذلك العمل مقبولا عند ربه ثم لو قدر أن الإنسان اجتنب جميع المحذورات والمحظورات وترك المنهيات وفعل جميع المأثورات من واجبات ومستحبات بالصفة المطلوبة لو قدر فإن ذلك فعلاً وتركاً إكتساباً واجتناباً لا يفي بشكر نعمة من نعم الله عليك فينبغي أن ينقطع قلبك إذا خوفاً من ربك جل وعلا وبهذا نعت الله عباده الذين يعمرون بيوته في هذه الأرض قال جل وعلا: "يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار".

إخوتي الكرام: إن العمل الصالح لا يقبل عند الله عز وجل إلا ذا وجدت شروط فيه وشروط في فاعله ثم بعد ذلك إذا اكتملت الشروط في هذين الأمرين لا يفي هذا العمل مهما كثر بنعمة من نعم الله عليك فاستمع أخي الكريم لتقدير هذا الأمر في هذه الموعظة إلى شروط قبول العمل في العمل وفي العامل ثم بعد ذلك إذا حصلت هذه الشروط ووجدت هذه الأعمال الصالحة فلا تفي هذه الأعمال شكراً لنعمة من نعم الله عز وجل.

ص: 5

أما العمل فلا يقبل عند الله عز وجل إلا بشرطين اثنين.

أولهما: أن يكون صالحاً أعني مشروعا إني تتبع فيه النبي صلى الله عليه وسلم فلا تفعله على حسب رأيك وعرفك ولا بأي دافع كان إنما يفعل هذا على حسب شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام وإذا استحسنت فقد شرعت ومن أدخل هواه في الاستحسان والتقبيح والتحليل والتحريم فقد جعل نفسه نداً لله العظيم والله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً أعني ما أخذ من مشكاة نبينا عليه الصلاة والسلام فإذا عملت على حسب رأيك وذوقك وعرفك فعملك مردود عليك ولن يقبل عند ربك عز وجل.

كما ثبت في المسند والصحيحين وسنن أبي داود وابن ماجه والحديث رواه الإمام الداراقطني والبيهقي والإمام الطيالسي وهو من أصح الأحاديث فهو في الصحيحين كما سمعته من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وفي رواية لمسلم وغيره " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " عمل عملاً غير مشروع وزعم أنه يتقرب به إلى الله عز وجل فهذا العمل مردود ولا يقبل من عمِل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.

نعم كل من بغير علم يعمل أعماله مردود ولا يقبل. من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. نعم كل من بغير علم يعمل أعماله مردودة لا تقبل فينبغي أن تكون أعمالك على حسب العلم النافع الذي أخذ من نبينا عليه الصلاة والسلام وكل عمل تراه أنه صالح ولا تتبع فيه سيد الصالحين خاتم النبيين عليه وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه فعملك مردود عليك.

ينبغي أن يكون العمل صالحاً وينبغي أن يكون لله خالصاً وهذا هو الشرط الثاني في العمل فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً سبحانه وتعالى وهو أغنى الشركاء عن الشرك ومن عمل عملاً أشرك فيه مع الله أحداً فهو للذي أشرك والله منه بريء فإذا عملت الصالحات ينبغي أن تريد بعملك رضوان رب الأرض والسموات.

ص: 6

وقد قرر نبينا صلى الله عليه وسلم هذا في أحاديثه الكثيرة ففي المسند والصحيحين والسنن الأربعة من حديث الخليفة الراشد الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ مانوى فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه. إنما الأعمال صحةً وفساداً وقبولاً ورداً ثواباً وعقاباً بالنيات عملت الصالحات فلا تقبل إلا إذا كانت النية صالحة وإلا ترد عليك وتعاقب عليها ولذلك من هاجر ابتغاء وجه الله وطلباً لمحبة رسول الله عليه الصلاة والسلام فأجره لن يضيع عند الله. ومن هاجر من أجل عرض دنيوي فعمل صالحاً لكنه أراد به غير الله أراد به تجارة أو زواجاً فهذا تاجر وذاك خاطب وليس له على هجرته ثواب عند الكريم الوهاب ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.

نعم إخوتي الكرام: لابد من إخلاص النية للرحمن في جميع ما نقوم به من أعمال في هذه الحياة ومن الذي يدعي هذا لنفسه إن أحسن الأعمال وأفضلها عند الله عز وجل العلم النافع الذي يهتدي به الإنسان في هذه الحياة وهذا العلم إذا فسدت نية الإنسان في تعلمه فشقاءًا ثم شقاءاً له.

ص: 7

ثبت في المسند وسنن أبي داود وابن ماجه والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ورواه البيهقي في شعب الإيمان والإمام بن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وروى الحديث أيضاً من رواية جابر بن عبد الله وكعب بن مالك رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من تعلم علماً مما ينبغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة " لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها سبحان الله طلب أشرف الأعمال وعمل صالحاً عندما فسدت نيته حرمت عليه الجنة من تعلم علما ما يبتغي به وجه اله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة ومن الذي يضمن صحة النية وسلامتها لنفسه فينا من التخطيط والتكدير في أعمالنا ونياتنا ما لا يعلمه ولا يحيط به إلا الذين خلقنا نسأل كما سترنا في هذه الدنيا أن يسترنا بعد الممات إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إخوتي الكرام: يقول أئمتنا كما هو قول أمير المؤمنين وسيدهم في الحديث شعبة بن الحجاج يقول هذا العبد الصالح في حق بعض عباد الله المحدثين ألا وهو هشام الدستوائي الذي توفي سنة 154هـ وحديثه في الكتب الستة يقول شعبة بن الحجاج م نعلم أحداً طلب العلم ويريد به وجه الله لا هشام صاحب الدستوائي وهشام يقول الذي قيل فيه هذا يقول عن نفسه رحمة الله عليه وعلى المسلمين أجمعين يقول: والله ما أستطيع أن أقول إنني خرجت في يوم قط أطلب العلم أريد به وجه الله عز وجل ويعلق الإمام الذهبي على هذا في سير علام النبلاء في 7/152 فيقول أنا والله ما أستطيع ن أقول إني طلبت العلم وأريد به وجه الله إذا كان هؤلاء أئمتنا الأخيار يقولون هذا عن حالهم وعن وضع نياتهم فماذا نقول نحن نعم إن الأمر كما قال بعض الصالحين مخبراً عن هذه الحقيقة:

ص: 8

تعلم من استطعت لقصد وجهي

فإن العلم من سبل النجاة

وليس العلم في الدنيا بفخر

وإذا ما حل في غير الثقات

ومن طلب العلوم لغير وجهي

بعيد أن تراه من الهداة

وهكذا سائر الأعمال إخوتي الكرام إذا لم يخلص الإنسان فيها لذي العزة والجلال فهي وبالٌ عليه فهذا هو الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام إذا فسدت النية فيه فشقاءاً لصاحبه عند الرحمن.

ثبت في المسند ومستدرك الحاكم وسنن النسائي بإسناد صحيح من رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من غزا ولم ينو من غزوته إلا عقالا فليس له إلا ما نوى " سبحانك ربي عمل صالحاً وعرض نفسه للقتل وأسرته لليتم لكنه أراد الدنيا ولم يرد وجه الله بجهاده فليس له إلا ما نوى ليس له إلا هذا الحبل الذي يربط به البعير ويعقل من غزا ولم ينو من غزوته إلا عقالا فليس له إلا ما نوى شرطان إخوتي الكرام القبول العمل عند ذي الجلال والإكرام عمل صالح مشروع عمل تريد به وجه الله جل وعلا صالح خالص بذلك يكون العمل حسناً ويقبل عند ربنا الكريم قال الله جل وعلا في أول سورة الملك " تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور " فلا قيمة للكثرة إذا كانت منحرفة عن شريعة الله لبلوكم أيكم حسن عملا وحسن العمل لا يكون إلا بأمرين إخلاص لله ومتابعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام.

ص: 9

قال سيد المسلمين في وقته الإمام أبو على الفضيل بن عياض عندما تلى هذه الآية ليبلوكم أيكم أحسن عملا قال أخلصه وأصوبه قيل ما تعني بهذا يا أبا على الصواب أن يكون على السنة والإخلاص أن يراد به وجه الله عز وجل فمن عمل عملاً صواباً ولم يرد به وجه الله فهو مردود عليه ومن أراد وجه الله يعمله ولم يكن صواباً فهو مردود عليه فلا يقبل العمل عند الله حتى يكون صواباً صالحاً على سنة النبي عليه الصلاة والسلام وتريد به وجه الرحمن وهذا كما قال الله جل وعلا في سورة الكهف: "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم حسن عملا" أخلصه وأصوبه يتبعون في أعمالهم النبي عليه الصلاة والسلام ويريدون بأعمالهم وجه ذي الجلال والإكرام.

إخوتي الكرام: وهذا الأمران أعني الإخلاص لله عز وجل والمتابعة لنبيه عليه الصلاة والسلام هما مدلول كلمة التوحيد التي يدخل بها الإنسان في الإيمان لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله إخلاص لله في جميع شئون حياتنا قل ن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت أنا أول المسلمين ومتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم محمد رسول الله فهو إمامنا الذي نقتدي به عليه صلوات الله وسلامه وفداؤه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا وأمر من عداه يعرض على أمر نبينا صلى الله عليه وسلم فإن وافقه فهو ق وصدق وإلا فهو ظلم وباطل يطرح إخوتي الكرام شرطان لقبول العمل أن يكون العمل صواباً وأن يكن خالصاً ثم عندنا شرطان أيضاً في العامل لا بد منها من أجل أن يقبل عند الله عز وجل الشرط الأول في العامل أن يكون تقياً فإذا عملت العمل الصالح وهو صواب وأردت به وجه الكريم الوهاب لكن ليست فيك صفة التقوى وما عندك حصانة المتقين فعملك لن يوصلك إلا إلى سجين لأن الله لا يتقبل الأعمال إلا ممن هذا وصفه.

ص: 10

يقول الله جل وعلا في كتابه في سورة المائدة إخبارا عما جرى بين ولدي آدم على نبينا عليه الصلاة والسلام فيقول: "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فثقيل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لا أقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين" قرب قابيل شيئاً هزيلاً إلى الله الجليل وقرب أخوة هابيل شيئاً عظيماً إلى الله الجليل فأتى بأعظم كبش سمين وقربه إلى رب العالمين وكان القربان إذا قرب وتقبل نزلت نار من السماء فأخذته كما كان هذا هو حال المغانم وما أحلت المغانم لأمة من الأمم إلا لهذه الأمة المباركة المرحومة كما في الصحيحين وغيرهما وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وكانوا إذا جمعوا المغانم ولم يكن فيها غلول ولا خيانة نزلت نار من السماء فالتهمتها وأخذتها دليل قبولها.

وأما هذه الأمة فقد سترها الله في هذه الحياة فإذا كان هناك غلول وخينة فلا يكشف ثم من عليها بعد ذلك بأن تأكل هذه الغنائم حلالاً طيباً فكلوا مما غنمتم حلالا طيباً اختلف قابيل وهابيل في موضوع زواج في ذلك الوقت وكل واحد يريد أن يتزوج تلك المرأة التي فيها صفة الحسن والجمال ثم كان بعد ذلك منهما أن قربا قرباناً إلى الله فمن تقبل قربانه هو الذي يتزوج تلك المرأة فقدم هابيل قرباناً طيباً عظيماً جميلاً وهو من المتقين وقابيل قرب قرباناً خسيساً خبيثاً وهو من الفاجرين فنزلت النار من السماء فأخذت قربان هابيل وتركت ذاك إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين السألة لا محاباة فيها إذا أخلصت لله عز وجل سيقبل الله قرباتك نما يتقبل الله من المتقين.

ص: 11

إخوتي الكرام: هذه الصفة لا بد من وعيها فلا يقبل الله جل وعلا العمل إلا إذا صدر من تقي لله عز وجل إنما يتقبل الله من المتقين فلا بد من تحصيل التقوى ليكون العمل مقبولا عند المولى جل وعلا وهكذا جعل الله جل وعلا هذه الصفة صفة التقوى شرطاً لقبول الأعمال ولما يترتب عليها من طيب الخصال في جميع الأعمال الصالحة فعبادة الحج مع مكانتها وظسم الأجر الذي لها لا يحصل الإنسان تلك الأجور إلا إذا كان من المتقين يقول الله جل وعلا مقررا هذا في سورتي البقرة: "فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون" فمن تعجل فلا إثم عليه غفر الله له ذنوبه وخرج كيوم ولدته أمه ومن تأخر فله تلك الجائزة بشرط أن يكون الأول والثاني ممن فيهم صفة التقوى فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون.

نعم إن الدار الآخرة جعلها الله للمتقين ولا يقبل العمل إلا إذا كان العامل تقياً فيا عبد الله إذا عملت صالحاً وأردت به وجه الله لكن ليس في نفسك تلك الحصانة أعني حصانة التقوى وهي التي تبعثك على ترك المنهيات وتبعثك على فعل المأثورات وهي التي تجعلك لا تنهمك في المباحات واللذائذ في هذه الحياة ولا يعني هذا أنك معصوم وأنك لن تفرط في حق الحي القيوم لكن شتّان شتان بين من يقع في الذنب اتفاقاً وعرضاً وبين من يقصده ويقع فيه أعراضاً عن شريعة الله عز وجل فكل نبي آدم خطاّء لكن إذا لك تكن في نفسك صفة التقوى أنت تحرص على الخطيئة وتسعى إليها وإذا كانت في نفسك صفة التقوى تقع فيها بمقتضى جبلتك وبشريتك التي لا تنفك عن قصور وتقصير ورحمة الله جل وعلا واسعة.

ص: 12

وقد أشار نبينا عليه الصلاة والسلام إلى هذا إخوتي الكرام فاستمعوا لهذا الحديث الذي يخلع القلوب ووالله لو استحضرناه عند نومنا وكنا نعلم ما سيؤول إليه حالنا بعد موتنا لعل الكيس منا لا ينام انظر لأناس عملوا من الصالحات ما لا يخطر ببال أحد من المخلوقات لكن لم يتصفوا بصفة التقوى هذه الحصانة ليست فيهم يتحينون الفرص لمعصية الله عز وجل مع أنه صام وصلى وحج واعتمر لكن في نفسه ذلك الخبث وذلك الخبث يتحين فرصة لذلك وما يمنعه من ذلك إلا عجزه عنه مع أنه يقوم بأعمال صالحة كثيرة.

ص: 13

ثبت الحديث بذلك في سنن الإمام ابن ماجه بسند رجاله ثقات وإسناده صحيح كالشمس من رواية ثوبان رضي الله عنهم مولى نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث رواه أبو نعيم في الحلية من رواية سالم مولى حذيفة رضي اله عنهم أجمعين ولفظ الحديث عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام أه قال:" لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله هباءاً منثورا" نسأل الله أن تجعلنا من هؤلاء يا أرحم الراحمين فيجعلها الله هباءاً منثورا فقال ثوبان يا رسول الله صلى الله عليه وسلم صفهم لنا جلهم لنا ألا نكون منهم ونحن لا نعلم قال عليه الصلاة والسلام أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون بحظهم من الليل كما تأخذون لكنهم إذا خلوا إلى بمحارم الله انتهكوها. ما عنده حصانة إيمانية بحيث إذا عرضت عليه المغويات الردية يقول إني أخاف الله ما عنده هذه الحصانة يصوم ويصل ويحج ويعتمر لكن إن أمكنه أن يكذب كذب وإذا استطاع من محرم اغتنمه ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها وفي رواية الحلية ولكنهم إذا عرض لهم شيء من الحرام وثبوا عليه فصفة التقوى صفة هذه الحصانة فقدوها مع أنهم عملوا من الصالحات بمقدار جبال تهامة بيضا فجعلها الله هباءاً منثورا إنما يتقبل الله من المتقين قال مالك بن دينار كما في حلية الأولياء رحمهم الله جميعا فال هذا دلاله هو النفاق إذا لم يتصف الإنسان بحصانة التقوى فهو منافق أظهر هذه الأعمال الصالحة لكنه إذا خلا بارز الله بالمحاربة وإذا عرض له شيء من الحرام وثب عليه.

ص: 14

فلابد من أن يكون الإنسان تقياً ليقبل عمله عند الله عز وجل وذا قبل العمل فلن يقل التمرة تكون عند الله أثقل من جبل أحد لكن بشرط قبولها وأعمال كجبال تهامة بيضا تصبح هباءاً منثورا وكيف يقل ما تقبل وركعتان يقوم بها الإنسان في جوف الليل وهو تقي خير له من أن يراوح بين قدميه من العشاء إلى طلوع الفجر وهو شقي لابد إخوتي الكرام من هذه الصفة التي هي شرط لقبول الأعمال وهذا شرط في العامل ينبغي أن يتصف بتلك الحصانة إخوتي الكرام ولا يفهمن فاهم أنه إذا كان الإنسان تقيا لن يقع في تفريط وفي تقصير لا كلنا نخطئ ولكن كما قلت شتان بين من وطّن نفسه على الخطأ وبين من ينتظره وبين من يفرح به إذا حصله وبين من يقع فيه عرضا بمقتضى ضعفه وتقصيره وقصوره والنقص الذي في جبلته شتّان شتان وقد رسم لنا نبينا صلى الله عليه وسلم صورة واضحة لغير المؤمن وما جعل من علامة المؤمن أنه لا يعصي لكن بيّن لنا ماذا يفعل المؤمن حال عصيانه وحال طاعته.

ص: 15

ثبت الحديث في ذلك في مسند الإمام أحمد والبزار ومعجم الطبراني الكبير ومستدرك الحاكم من رواية أبي موسى الأشعري والحديث رواه الطبراني في معجمه الأوسط والكبير والحاكم في المستدرك من رواية أبي أمامة الباهلي ورواه الإمام أحمد في المسند والترمذي في السنن من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين وروى أيضا في المسند من رواية عامر وروى أيضا في معجم الطبراني الأوسط من رواية علي رضي الله عنهم أجمعين ولفظ الحديث فهو صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من سرته طاعته وساءته معصيته فهو مؤمن" عنده هذه الحصانة الإيمانية وعنده هذه الخشية من رب البرية فإذا فعل طاعة فرح والتذ وإذا فعل معصية حزن واغتم وعليه إذا كان فعل الطاعات يفرحه فهو يحرص عليها ويستكثر منها ويبذل ما في وسعه لفعلها وإذا كان فعل السيئات يحزنه فهو يهرب عنها ويبتعد منها وإذا وقع فيها مقت نفسه في ذات الله عز وجل هذا من علامة فرح الإنسان بطاعة الله ومن علامة استيائه بمعصية الله أما أنه يستاء ويستكثر من الاستياء لا إنك إن كنت تأكل شيئاً ضاراً يسوءك لا تعود إليه مرة ثانية وإذا كنت تأكل شيئاً تلتذ به وينعشك تعاوده وتكثر من أكله وهكذا الطاعات والمعاصي من سرته طاعته فهو مؤمن ومن ساءته معصيته فهو مؤمن.

المؤمن هو الذي تسوؤه معصيته وتسره طاعته. وإذا فعل الطاعة فما وجد لها سروراً وبهجة وفعل المعصية فما وجد في نفسه هما وغما وحزناً فليبك على نفسه وليعلم أنه من أهل الجحيم ولو أتى الله يوم الدين بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فلن يقبلها رب العالمين فليس فيه حصانة المتقين ولا يتقبل الله إلا من المتقين. إخوتي الكرام هذا الأمر لا بد أن نعيه شتّان شتان بين من يفعل الطاعة ويتلذذ في قرة عينه وإذا وقع في المعصية بمقتضى جبلته وقصوره وتقصيره ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه وأسرع إليه عز وجل وتاب عليه.

ص: 16

هذه الصفة الأولى: في العامل لابد من وعيها ألا وهي صفة التقوى فلا يتقبل الله إلا من المتقين.

والصفة الثانية: في العامل وقل من يعتني بها بل قل من يفكر فيها بل قد من يعلمها ألا وهي المحافظة على العمل بعد عمله والحافظة على الأعمال أصعب على العمال من سائر الأعمال ومثير من الناس حالهم كما قال القائل بنى قصراً لكنه هدم مصرا فما وفي غنمه بغرمه ما حصله من غنم في بناء هذا القصر لا يفي بالقرم الذي فعله عندما ظلم وهدم المصر بكامله كثير من الناس كذلك يفعل الحسنات ثم يأتي بما يحبطها ويبطلها عند رب الأرض والسموات ولا بد من المحافظة على العمل ينبغي أن تحافظ على عملك من فساده عند فعله ومن بطلانه بعد عمله والأمر.

ص: 17

كما قال شيخ الإسلام الإمام ابن القيم الجوزية عليه رحمات رب البرية ف كتابه الوابل الصيب من الكلم الطيب في صفحة إحدى عشرة يقول: وقليل من الناس من عنده خبر عما يفسد العمل عند فعله وعما يحبط العمل بعد فعله قليل من عنده خبر ويعتني بهذا وهذا لا بد من وعيه إخوتي الكرام: عملت فحافظ على هذا العمل وإياك أن تضيعه وإياك أن تحبطه عند الله عز وجل إن الإنسان إذا تصدق ومَنَّ بعد ذلك بصدقته فهو من أهل النار وتقدم معنا أن الجنة محرمة على المنان يقول ذو الجلال والإكرام مشيراً إلى هذا في سورة البقرة: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منّا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم. يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير".

ص: 18

لابد من المحافظة على العمل من إبطاله وكثير من الأعمال تُبطل أعمالك الصالحة وأنت لا تدري المحقرات التي ابتلى بها المخلوقات في الزمن القديم وفي هذه الأوقات تبطل الأعمال الصالحات وتوجب لفاعلها دخول أسفل الدركات مع أنه عمل الصالحات لكنها بطلت يقول الله جل وعلا عن هذا الصنف من المنافقين بعد أن ذكر أخبارهم في سورة التوبة (براءة) : "يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا وقد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين".

وهذه الآيات نزلت كما ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في مغازي ابن اسحق وغيره رحمة الله عليهم جميعاً في المنافقين الذين تكلموا على القراء على حملة القرآن فقالوا قراؤنا أكذبنا ألسنة وأرغبنا بطونا وأجبننا عند اللقاء فحكم الله بردتهم وكفرهم عندما حقروا شعائر الله جل وعلا: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب" نمزح ولا نقصد بذلك الحقيقة "قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".

كم من إنسان في هذه الأيام يستحقر ويستهزأ بشعائر الإسلام فلو كان عنده من الحسنات ما يزيد على جبال تهامه لحبطت وبطلت كم من إنسان في هذه الأيام تعرض عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم يقول دعنا منه والله جل وعلا اعتبر رفع الصوت فوق صوت النبي عليه الصلاة والسلام محبطاً للعمل فكيف بمن رد سنة النبي صلى الله عليه وسلم "يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون".

ص: 19

إخوتي الكرام: محبطات الأعمال كثيرة ينبغي للإنسان أن يحذر منها فإذا أتى بالصالحات وأراد بها وجه رب الأرض والسموات فليحافظ عليها من البطلان من الحبوط من الضياع أنظر هذه القصة التي جرت من صحابي في العصر الأول وجرت من باب الغفلة منه رحمه الله ورضي الله عنه وتكلمت أمنا عائشة رضي الله عنها فيم هذا كلاماً شديداً قاسياً ينبغي أن نعيه والقصة مروية في المسند ومصنف عبد الرزاق وسنن الداراقطني وسنن البيهقي وقد قال الإمام عبد البر الهادي في التنقيح إسنادها جيد من رواية العالية زوج أبي اسحق السبيعي أنها دخلت على أمنا عائشة رضي الله عنها وعندها أم مُحِبة فقالت لها يا أمهاه لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنني بعت جارية لزيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريتها منه نقداً بستمائة درهم باعته جارية خادمة بثمانمائة درهم إلى عطائه الذي يخرج في نهاية السنة أي إلى سنة بثمانمائة درهم ثم اشتريت منه الجارية بستمائة درهم نقداً فكأنها أعطت ستمائة درهم حالّة وستأخذ مكانها ثمانمائة درهم بعد سنة فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها بئس ما اشتريت وبئس ما اشتريت بئس ما اشترى زيد وبئس ما اشترت منه أخبري زيداً ن جهاده قد بطل مع رسول اله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب قالت أم محبة يا أماه فإذا أخذت رأس مالي آخذ من زيد ستمائة درهم ولا أطالبه بالزيادة فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".

ص: 20

وهذه المبايعة هي التي تفرق ببيع العينة وهي أن تبيع الشيء بثمن كثير إلى مدة مؤجلة ثم تشتريه بثمن أقل حالاً بثمن معجل فهذا هو بيع العينة فإذا فعلت الأمة سلط الله عليها ذلا لا ينزعه عنها حتى ترجع إلى دينها والعينة هي احتيال علىالربا فكيف بمن يأكل الربا الواصح الخالص الظاهر الذي ليس حوله تأويل ولا احتيال وهنا اشترى هذا الصحابي الجليل هذا وهو فيه متأول وما بلغه النهي ثم بعد ذلك رجع فقالت أمنا عائشة أخبروه أن جهاده قد بطل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب.

ص: 21

إخوتي الكرام: لابد من المحافظة على الأعمال من إبطالها فمن عمل عملا ثم أبطله فماذا استفاد منه ومن أجل هذا كان كثير من الصالحين تتقطع قلوبهم خشية من رب العالمين وإذا سئلوا هل هم من عداد المؤمنين يفوضون الأمر إلى رب العالمين ولا يقولون نعم سأل حسن البصري أمؤمن أنت قال إن شاء الله فقيل أتشك يا أبا سعيد قال وما يدريني إذا قلت نعم فقال الله لي كذبت فتحق علي الكلمة وما يدريني وهل أنا قمت بما يقتضيه على الكلمة كما حققت على إبليس وما يؤمنني أن الله اطلع على بعض أعمالي فمقتني فقال يا حسن اعمل ما شئت فلن أقبل منك فأنا أعمل في غير معمل ماذا يدريني. وان سفيان الثوري عليهم جميعاً رحمة الله يقول إذا سئلت هل أنت من المتوكلين وهل أنت بمن يتصف بمقامات الدين من محبة الله والخوف منه ورجاءه فاسكت أو قل أرجو إن شاء الله فإنك إن قلت نعم كذبت وإن قلت لا كفرت. إذا قيل لك هل أنت متوكل إن قلت نعم من عداد الكذابين ليس حالنا حال المتوكلين إذا قلت لا كفرت بالله فقل أرجو أن أكون من المتوكلين إن شاء الله أكون من المتوكلين لعل الله يجعلني منهم وأما أن تنسب هذا إلى نفسك وأنت ما تدري ماذا عملت من عمل أحبط أعمالك عند الله وأنت لا تدري كلمات قالها أناس في العصر الأول قراءنا أكذبنا السنة أرغبنا بطوناً أجبننا عند اللقاء حكم الله عليهم بالنفاق وبنار جهنم ولعله يجري منا أمثال أمثال هذه الكلمات في هذه الحياة وفي هذه الأوقات.

ولذلك قال العبد الصالح أبو يزيد البسطامي طيفور بن لميس الذي توفي سنة 261هـ ونعته شيخ الإسلام الإمام الذهبي في السير بأنه سلطان العارفين وقال له حكم ونكت مليحة وكان من كلامه رضي الله عنه وأرضاه يقول: من كان يظن أنه يوجد من هو شر منه فهو متكبر سبحانك ربي سبحانك ربي كيف كان أولئك يحاسبون أنفسهم نعم أخي الكريم مهما اطلعت على ذنوب العباد فإطلاعك على ذنوبك أكثر وأكثر فعلام ترى ذنوب غيرك وتنس ذنوبك.

ص: 22

من كان يظن أنه يوجد من هو شر منه فهو متكبر إنما يرى نفسه أنه شر المخلوقات وحقيقة كما تقدم معنا من لم يحسن أن يعاقبه الله على خير الأعمال فهو من أهل الظلال على خير الأعمال وكان هذا العبد الصالح يقول ليس العجب من حب لك لله عز وجل وأنا عبد حقير إنما العجب من حبك لي وأنت رب جليل يقول هذا العبد كما في سير أعلام النبلاء رحمهم الله جميعاً يقول: لو صفا لي تهليلة ما باليت بعدها لوصف لي تهليله من جميع تهليلاتي والتهليلة هي كلمة التوحيد لا إله إلا الله يقول أنا في حياتي من أولها إلى آخرها لو ضمنت أنه صفالي تهليلة من تهليلاتي كلمة واحدة أوحد بها الله سلمت من الشوائب ومن الحبوط لما باليت بشيء بعدها لو سلمت لي تهليلة ما باليت بشيء بعدها عندي ضمان عند ذي الجلال والإكرام بأنني لن أخلد في النار لكن من الذي يدرينا أنه سلم لنا تهليلة أو لم تسلم حقيقة.

ص: 23

إخوتي الكرام: هذا هو حال عباد الرحمن الفذين يخشونه ويتقونه ولذلك من أسباب خوفهم خشية تفريطهم في حق ربهم سواء في فعل الطاعات سواء في فعل المحرمات أو المنهيات أوفي تضييع المأمورات والواجبات والمستحبات أخوت الكرام وختام البحث في هذا لو قدر أن الإنسان قام بالطاعات على وجه الكمال ووجدت فيه الأمور الأربعة متابعة وإخلاص وتقى وما احبط العمل وترك المحرمات كما تقدم معنا والمحضورات بكاملها لو قدر وما جرى منه تقصير وخطأ وتضييع لو قدر مع ذلك ينبغي أن ينقطع قلبه خوفاً من ربه جل وعلا لِمَ؟ لأن الطاعات من أولها لآخرها لا تفي شكر نعمة من نعم الله عليك فاعرف قدرك ومن أراد أن يدخل الجنة بعمله فهو مخذول متمن ومن أراد أن يدخل الجنة بلا عمل فهو أحمق متمن وقد روى عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مستدرك الحاكم وانظروه في المجلد الرابع صفحة خمسين ومائتين والحديث رواه الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة ورواه العقيلي في كتاب الضعفاء وحول الإسناد الحديث كلام لوجود سليمان بن هرم وسليمان بن هرم روى عنه الليث بن سعد إمام أهل مصر وسليمان بن هرم من عباد أهل الشام بعد أن روى هذا الحديث الإمام الحاكم في المستدرك قال وسليمان بن هرم من عباد أهل الشام وقد روى عنه الليث والليث لا يروي عن المجهولين والحافظ بن حجر في لسان الميزان نقل هذا عن الحاكم وأقره نعم ن الذهبي ضعف الحديث من أجل وجود سليمان بن هرم فيه فهو مجهول وقال حديثه غير محفوظ وعلى كل حال معناه ثابت سواء ثبت الإسناد أم لا.

ص: 24

ويفهم كما قلت لكم إخوتي الكرام: من كلام الحاكم والحافظ بن حجر أن إسناد الحديث مقبول والعلم عند الله عز وجل ولفظ الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خرج جبريل من عندي آنفا وقال لي يا من عليه صلوات الله وسلامه إن عبداً من عباد الله جعله الله على جبل طول هذا الجبل ثلاثون ذراعاً بثلاثين ذراعاً في وسط بحر يحيط به البحر بمقدار أربعة آلاف فرسخ من كل جهة جعل الله جبلان وسط ذلك البحر وفيه إنسان عَبَدَ الله خمسمائة سنة وليس في ذلك المكان أحد وما عصى الله طرفة عين وقد أخرج الله له عيناً حلوة عذبة بمقدار الإصبع تنبض بالماء فإذا صار الماء نزل من صومعته ومن الجبل وشرب من هذا الماء وأخرج الله له شجرة رمان تحمل كل يوم رمانة يأكل منها هذا العبد الصالح والله على كل شيء قدير يقول وقد سأل ربه أن يقبضه وهو ساجد وألا تأكل الأرض جسده فأعطاه ذلك فقبضه وهو ساجد ونحن نمر عليه عندما إلى الأرض ونرى في علم الله جل وعلا أي حسب ما أعلم الله ملائكته أنه إذا كان يوم القيامة يقول الله لهذا العبد الصالح الذي عبده خمسمائة سنة وما عصاه طرفة عين ثم تقول أدخل الجنة برحمتي أدخلها بعملي فقال الله أدخل الجنة برحمتي قال بعملي فقال الله للملائكة حاسبوه ثم قال الله جل وعلا قايسوا بين نعمي عليه وبين عبادته فأتى بنعمة البصر في هاتين الجارحتين الحدقتين في وجهك هذه النعمة في كفة وعبادة خمسمائة سنة في الكفة الأخرى فما وفت عبادته بنعمة البصر دع نعم سائر الجسد بعد ذلك فقال الله جل وعلا خذوه إلى النار فتى قادته الملائكة التفت وراءه قال رب أدخلني الجنة برحمتك فقال الله له عبدي من خلقك هل خلقت من قبلك أو خلقتك برحمتي قال رب خلقتني برحمتك قال ليرى من قواك على عبادتي خمسمائة سنة هل هذا من قبلك أو برحمتي قال برحمتك قال عبدي من جعلك في هذا المكان وأخرج لك عيناً من الماء حلوة

ص: 25

من هذا الماء الملح الأجاج وأنبت لك شجرة تخرج لك كل يوم رمانة وبستان الرمان يخرج مرة واحدة في السنة وينتهي فحصوله من فعل هذا هذا من قبلك أو من قبل رحمتي قال برحمتك فقال الله له نعم العبد كنت لي إذهب فادخل الجنة برحمتي ثم قال جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامة يا محمد إنما الأشياء برحمة الله عز وجل نعم لو قدر أنك اجتنبت جميع المنهيات وفعلت جميع الطاعات على الوجه الذي يرضاه رب الأرض والسموات مع ذلك ينبغي أن ينقطع قلبك خوفا فجميع طاعتك لا تفي شكر نعمة من نعم الله عز وجل عليك.

وهذا إخوتي الكرام: هذا الحديث معناه كحديث الصحيحين الثابت فيهما وفي غيرهما من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لن يدخل أحد منكم بعمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولا أنا إلا أن يغمرني الله برحمة منه وفضل والحديث كنت ذكرته سابقاً إخوتي الكرام قلت سأذكر معناه في هذه الموعظة لأنه قد يتوهم بعض الناس وقوع معارضة بين هذا الحديث وبين الآيات التي تصرح بأننا ندخل الجنة بما كنا نعمل: وتلك الجنة التي كنتم أورثتموها بما كنتم تعملون ولا معارضة بين الحديث وبين هذه الآيات وقد حقق أئمتنا الكرام في ذلك من وجوه متعددة أنظروها إخوتي الكرام في فتح الباري للحافظ بن حجر 11/296 وانظروا الكلام على ذلك أيضا في مفتاح السعادة ومنشور العلم والإرادة في أول الكتاب في صفحة ثمانية وخلاصة هذه الأجوبة ذكر الحافظ بن حجر أربعة أجوبة ألا وهي:

الأمر الأول: ن العمل من فضل الله عز وجل فكون تدخل الجنة بعملك العمل من فضل الله عز وجل ومن توفيق الله لك للعمل فدخلت الجنة بفضل الله ورحمته.

الأمر الثاني: منافع العبد لسيده أنت عبد وجميع ما تقوم به من عمل يستحقه سيدك فيفي إذا دخول الجنة محصن فضل وكرم من الله عز وجل.

ص: 26

الأمر الثالث: عملك الصالح مهما طال فهو في مدة يسيرة محدودة والبقاء في الجنة أبدي سر مدى لأنها به له فإذاً دخولك الجنة بفضل الله ورحمته.

وآخر الأمور: دخول الجنة مفتاحها رحمة الله وفضله واقتسام الدرجات فيها على حسب العمل والجواب الذي ذكره وهو الخامس الإمام ابن القيم في مفتاح السعادة قال إن الباء المقتضية للدخول هي غير الباء النافية للدخول فالتي تقضي الدخول هذا للسببية العادية: أورثتمونا بما كنتم تعملون يعني بسبب أعمالكم والباء التي تنفي الدخول بسبب العمل لن يدخل أحد منكم بعمله الجنة هذه هي المعارضة لا يوجد عمل يعارض الجنة ويكون ثمنا لها إذا هي سببية عادية وليست للمعارضة الحقيقية من باب ثمن ومثمن ولذلك النجاة من النار بعفو الله ودخول الجنة برحمة الله واقتسام الدرجات فيها على حسب الأعمال الصالحات.

هذا إخوتي الكرام: ما قرره أئمتنا وهذا صحيح فلا يمكن للإنسان أن يدخل بلا عمل وعمله لا يدخله الجنة لا بد من عمل ورحمة الله عز وجل ولأوضح هذا بمثال حسن لا يمكن أن يأتيه ولد من غير وطئ وزواج ولا يمكن أن يأتي الولد بوطئ وزواج فقط لا بد من وطئ وزواج ومن تقدير الله جل وعلا وكم من إنسان يتزوج ولا يولد له لكن إذا أراد الولد من غير زواج فهو أحمق مغرور وإذا قال إن الزواج سينتج لي الولد قدر الله أم لم يقدر فهو كافر مثبور فلا بد أن يطلب الولد من فضل الله عز وجل من الطريق الذي شرعه الله وهنا كذلك نطلب جنة الله الأعمال الصالحة التي أمرنا بها ربنا وتعويلنا على فضله ورحمته وكرمه نسأل الله أن يعاملنا بفضله وإحسانه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول واستغفر الله.

الخطبة الثانية:

ص: 27

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء المرسلين وسلم تسليماً كثيرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

إخوتي الكرام: نحن في شهر مبارك فاضل ألا وهو شهر الله المحرم وسيستقبلنا عما قريب في الغد وفيما بعده أيام مباركة ندبنا أيضاً إلى صيامنا كما ندبنا إلى الصيام في هذا الشهر على وجه العموم.

وقد ثبت في المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن النسائي والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي في السنن الكبرى من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم " فأفضل ما يقع من صيام في أشهر السنة بعد شهر رمضان صيام هذا الشهر المبارك العظيم ألا وهو شهر الله المحرم وفيه يوم بعد ذلك ألا وهو يوم العاشر منه يوم مبارك عظيم من الله فيه على نبيه الكليم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه على نبي الله موسى بالنجاة من فرعون وقومه وأغرق الله فرعون وجنوده في هذا اليوم العظيم المبارك.

كما ثبت في الصحيحين وغيرها من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة على منورها صلوات الله وسلامة فوجد اليهود يصومون في يوم عاشوراء وهو اليوم العشر من شهر الله المحرم فقال ما هذا قالوا هذا يوم صالح نجى الله فيه موسى ومن معه من فرعون وقدمه فقال نحن أحق بموسى منكم فصامه نبينا صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه ولذلك ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:" ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوماً يطلب فضله على غيره إلا صوم يوم عاشوراء ".

ص: 28

وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن صيام هذا اليوم له أجرٌ كبيرٌ كبير ففي المسند وصحيح مسلم وسنن أبي داود والحديث في سنن الترمذي من رواية أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى لله عليه وسلم يقول: صيام يوم عاشوراء ني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله يكفر ذنوب سنة بفضل الله ورحمته وقد ندبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته الطيبة الشريفة المباركة عليه صلوات الله وسلامة إلى صيام يوم مع اليوم العاشر ونوى ذلك لكن المنية جاءته فانتقل إلى الرفيق الأعلى عليه صلوات الله وسلامه قبل أن ينفذ ما نوى.

ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" لئن عشت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع " أي مع العاشر يصوم تاسوعاء وعاشوراء وهذا من باب مخالفة اليهود يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده ومن صام يوماً قبله ويوماً بعده فهو أحسن وأفضل وأكمل فقد ثبت ذلك في مسند الإمام أحمد وسند البزار من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وفي إسناد الحديث محمد بن أبي ليلى وكان قاضياً في بلاد الكوفة وقال عنه الحافظ في التقريب صدوق لكنه سيئ الحفظ وحديثه مخرج في السنن الأربعة ولفظ الحديث من عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "صوموا عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا يوماً قبله ويوماً بعده".

ص: 29

وعليه من أراد أن يصوم هذا اليوم وينبغي أن تحرص عليه فينبغي أن تصوم يوما قبله معه أو يوما بعده معه ولو جمع يوماً قبله ويوما بعده وصامه فهذا أكمل وأفضل وأبر نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من المقبولين إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصبه وسلم تسليماً كثيرا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم أغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا.

اللهم أغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا. اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم أغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم أغفر لمن عَبَدَ الله فيه. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب الأرض والسموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والحمد لله رب العالمين عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظم لعلكم تذكرون.

ص: 30