المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زيارة النساء للقبور - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ١٠٤

[عبد الرحيم الطحان]

الفصل: ‌زيارة النساء للقبور

‌زيارة النساء للقبور

(من خطب الجمعة)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

بسم الله الرحمن الرحيم

زيارة النساء للقبور

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.

اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .

{يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} .

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} .

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} .

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} .

أما بعد: معشر الأخوة الكرام..

تقدم معنا أن البدعة من أسباب سوء الخاتمة، نسأل الله أن يحسن ختامنا وأن يجعل خير أيامنا يوم لقائه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وهذه الخصلة الردية، أعني البدعة، قلت سنتدارسها ضمن الثلاثة مباحث.

ص: 1

أولها: في تعريفها.

ثانيها: في بيان النصوص المحذرة المنفرة من البدعة.

ثالثها: في أقسام البدعة.

إخوتي الكرام: مازلنا في المبحث الأول عن تعريف البدعة، وقلت إنها حدث في الإسلام مع زعم المحدث بما أحدثه أنه يتقرب به إلى ذي الجلال والإكرام وهذه البدعة بهذا التعريف وبهذا الحد وبهذا الضابط كما قرره أئمتنا الكرام، انحرف نحوه صنفان من الأنام، صنفاً غلو وأفرطوا فأدخلوا في حد البدعة وضابطها وتعريفها ما ليس منها، وقسماً فرطوا فألفوا البدعة وابتدعوا في دين الله عز وجل {وهم يحسنون أنهم يحسنون صنعا} ودين الله بين الغالي والجافي ولا إفراط ولا تفريط، وهاتان الفرقتان لابد من أن نحذرهما وأن نحذر من أقوالها.

وكنا إخوتي الكرام: في مدارسة غلو الفرقة الأولى التي وسقت مفهوم البدعة ودائرتها فحكموا بالبدعة والتضليل على ما احتمله الدليل وقال به إمام جليل، بل اشتطوا أكثر من ذلك كما تقدم معنا فحكموا على الفضل بأنه بدعة منكرة مع أنه وردت به صراحة النصوص الشرعية المطهرة وذكرت لذلك أمثلة معتبرة منها إخوتي الكرام ما يتعلق بصلاة التراويح في ليالي رمضان وأنها عشرون ركعة كما نقل هذا عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووافقه عليه سائر الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وهذا هو المقرر عند الجماهير كما تقدم معنا ومن ذلك أيضاً ما تقدم معنا وضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع كما هو الحال قبل الركوع فتقدم معنا أن هذه كيفية شرعية وليس ببدعة ردية.

ومن ذلك أيضاً قراءة القرآن على القبور، وتقدم معنا أنه يتعلق بهذه المسألة ثلاثة أمور: تلقين الميت وقد مر الكلام على ذلك، وإثبات سماع الميت في قبره وأنه يعلم بمن يزوره ويستأنس به ويفرح بما يجري عنده من طاعة، ويحزن على ما يجري عنده من معصية.

والأمر الثاني: إهداء القربات إلى الأموات:

إخوتي الكرام..

ص: 2

كنا نتدارس الأمر الثاني ألا وهو سماع الأموات في قبورهم علمهم بمن يزورهم كما تقدم معنا تقرير هذا مبيناً بأدلة الثابتة الواضحة وكان المتوقع أن ننتقل في هذه الموعظة المباركة إلى آخر الأمور ألا وهو إهداء القربات إلى الأموات لننتقل بعد ذلك إلى مدارسة حال الفرقة الثانية الذين ألفوا البدعة في الدين ثم خرفوا ما شاءوا ونسبوا تخريفهم إلى شريعة رب العالمين.

إخوتي الكرام: كان المفروض وهذا وهو المتوقع لكنني سأتلكم في هذه الموعظة على أمرين اثنين: أمراً يتعلق بما مضى كنت ذكرته باب الاستطراد لتوضيح حكمة وقد رغب عدد من الأخوة الكرام تقرير وبيان أمره وقد استشكله بعض من سمع هذا الكلام فلابد من وضع الأمر في نصابه.

والأمر الثاني: فيه زيادة تقرير في أن الأموات يفرحون بما يجري عندهم من طاعات ويحزنون ويتألمون بما يقع عندهم من سيئات ومنكرات. وهذا الأمر الثاني ثابت عن نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه فموضوع موعظتنا سيدور حول هذين الأمرين.

ص: 3

الأمر الأول إخوتي الكرام: يتعلق بزيارة النساء القبور وقد كنت ذكرت هذا استطراداً، فتقرير سماع الأموات وأنه شُرِعَ لنا أن نزورهم وذكرت حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهو حديث صحيحٌ صحيح ثابت في المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي عن أمنا الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنها قالت لنبينا خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه [كيف أقول إذا زرت القبور فقال نبينا البشير النذير المبرور عليه صلوات الله وسلامه قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] عنده هذا الحديث أيها الأخوة الكرام فإن زيارة القبور للنساء مشروعة جائزة وبينت بإختصار استشكله بعض الناس عند ما سمعه ونسأل الله أن يشرح صدورنا للحق وأن يرزقنا الفهم والعمل بما نفهم إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إخوتي الكرام: لذلك نزولاً عند رغبة الأخوة الكرام سأذكر بما يتعلق بهذه المسألة في هذه الموعظة وهو الأمر الأول من الأمرين اللذين سنتدارسها في هذه الموعظة.

ص: 4

نعم إخوتي الكرام: وردت أحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام تنهي النساء عن زيارة القبور وتحذرهنَّ من ذلك، من هذه الأحاديث ما ثبت في المسند والسنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ورواه الإمام أبو داوود والطيالسي في مسنده والبيهقي ي السنن الكبرى والحديث إسناده حسن حسنه شيخ الإسلام الإمام الترمذي وغيره عليهم جميعاً رحمة الله، ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم[لعن زوَّرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج] وهذا الحديث حديث صحيحاً والجملة الأولى وردت من رواية أبي هريرة وحسان بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين أما رواية أبي هريرة في لعن نبينا عليه صلوات الله وسلامه لزوارات القبور فقد رواها الإمام أحمد في مسنده، والإمام الترمذي في سننه وهكذا ابن ماجة في السنن ورواها ابن حبان في صحيحه وأبو داوود الطيالسي في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:[لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور] .

أما حديث حسان بن ثابت فبمعنى حديث أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين فقد رواه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه والحاكم في مستدركه وهو أيضاً في مسند أبي داوود الطيالسي، والسنن الكبرى للإمام البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم[لعن زوارات القبور] وهذا الحديث حديث صحيح كما قلت ثابت من رواية ابن عباس وأبي هريرة وحسان ابن ثابت رضي الله عنهم أجمعين.

ص: 5

لكن هذا الحديث عورض بأحاديث أخرى فلابد من التوفيق بين كلام نبينا صلى الله عليه وسلم، إن نبينا صلوات الله عليه وسلامه نهى النساء كما نهى الرجال في أول الأمر عن زيارة القبور لأن القوم حديثُ عهد بشرك وجاهلية وقلوبهم لم تتعلق على وجه التمام برب البرية فلألا يزور القبور زيارة بدعية، فهو في أول الأمر ذكوراً وإناثاً عن زيارة القبور ثم رُخص لهم من قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، بل ندبوا إلى ذلك والدليل على هذا ما ستسمعونه إخوتي الكرام من أدلة وما سأعقب أيضاً على هذه الأدلة بفهم كلام أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين..

أما الأحاديث التي تعارض هنا وتدل على الترخيص والندب والجواز منها، حديث بريدة رضي الله عنه وفي مسند الإمام أحمد صحيح مسلم وسنن أبي داوود النسائي ورواه الإمام البيهقي في سنن الكبرى حديث صحيحٌ صحيح فهو في صحيح مسلم كما قلت عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها] وتقدم معنا أن سبب ترخيصها أنها تذكر بالآخرة وأنها ترق القلب وتدمع العين كما ثبت ذلك عن سيد الكونين نبينا عليه صلوات الله وسلامه [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها] وكنت نهيتكم عن أكل لحم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدا لكم وكنت نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فانبذوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً] .

ص: 6

والحديث كما قلت إخوتي الكرام في صحيح مسلم وغيره وتأمل هذه الأمور الثلاثة هل هي خاصة بصنف أو عامة للصنفين، أعني الرجال والنساء بمثبتاً الأضاحي، نهى المسلمون في أول الأمر أن يدخروا من الأضاحي فوق ثلاث من أجل أن يحصل مساعدة بين المضحين وبين من لا يستطيعون الأضحية، فإذا ضحى الإنسان يباح له أن يأكل من ذبيحته اليوم الأول، والثاني، والثالث، فإذا بقى عنده شيء يحرم عليه أن يأكل منه وإذا أكل منه فقد عصى الله عز وجل وعليه إذن يسارع الناس إلى الصدقة ومساعدة من لم يضحي، هذا كان في أول الأمر ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام [فامسكوا ما بدا لكم إن شئت أن تمسك أضحيتك حولاً كاملاً لتأكل منها في يوم عرفة السنة الآتية لتبدأ يوم النحر بأضحية أخرى فلا حرج عليك، هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهل هذا خاص بالنساء أو بالرجال؟ أو هو شامل للصنفين؟ [كنت نهيتكم عن الأكل من الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدا لكم] وهكذا الإنتباذ نهى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين في أول الأمر أن ينتبذوا إلا في أسقية الأدم، والنبيذ يراد به إخوتي الكرام: ثمرات أو حبات من زبيب تلقى في الماء من أجل أن يحلو الماء ويعذب طعمه وكان هذا فحبباً إلى نبينا صلوات الله عليه وسلامه وإلى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فكانوا إذا وضعوا التمرات..

ص: 7

حبات الزبيب في هذا السقاء فيشربون منه في اليوم الأول والثاني والثالث، ثم بعد ذلك يريقونه وإذا لم يُسكر فيجوز أن يشربوا منه ما شاء الله من فترة وزمن، هذا في أول الأمر، أنهم حديثُ عهد بسكر قد لا يميزون بين الشراب إذا أسكرا وبين الشراب الذي لم يُسكر فنهوا عن الإنتباذ إلا في أسقية الأدم وأسقية الأدم هي التي تون من جلداً، وأدم ويلات على أفواهها كما وضح ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أو أن يربط وإذا انتبذ الإنسان في أسقية الأدم وهذا الوعاء، وهذا الوعاء مربوط على فمه لو قُدر أن هذا الشراب أسكر فتتمدد فيها الغازات وينفجر لأنه لا يحتمل، وأما إذا كان الوعاء من خشب أو حجر أو زجاج فيسكر فيه الشراب ولا يتأخر هذا الوعاء بما فيه فنهوا عن الإنتباذ إلا في الأسقية الأدم ثم رُخص لهم أن ينتبذوا في كل وعاء بشرط أن لا يشربوا مسكراً.

والأمور الثلاثة إخوتي الكرام كما قرون متقدمة ببعضها ومقرونة ببعضها في حديث واحد وبما أنه يجوز للنساء أن يدخرن من الأضاحي فوق ثلاث ويجوز للنساء أن ينتبذن في الأسقية الأدم وغيرها وأن هذا الشراب إذا لم يكن مسكراً فيجوز للنساء أن يزرن القبور كما يحصل من الرجال تماماً.

والأمور الثلاثة في حديث واحد [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، كنت نهيتكم عن أكل لحم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدا لكم، وكنت نهيتكم عن الإنتباذ إلا في سقاء فانتبذوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً] .

والحديث إخوتي الكرام نص صريح صحيح في جواز زيارة النساء للقبور ولذلك قال شيخ الإسلام الإمام بن عبد البر حافظ المغرب في زمانه وهو كحافظ المشرق في زمانه الخطيب البغدادي وقد توفيا في سنة واحدة سنة ثلاث وستين وأربعمائة من الهجرة 463هـ.

ص: 8

نبينا الأمين على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه يقول ابن عبد البر نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن زيارة القبور نهياً عاماً وترخيصه في زيارة القبور ترخيصاً عام وعلى هذا فيجوز للنساء أن يزرن القبور كما يجوز للرجال هذا الحديث الأول والحديث الثاني ثبت في الصحيحين وسنن البيهقي وفي رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال مر نبينا صلى الله عليه وسلم على امرأةٍ تبكي عند قبراً فقال لها عليه صلوات الله وسلامه: يا أمة الله اتقي الله واصبري. فقال: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقد التمس لها أنسٌ عذراً فقال: ولم تعرفه. ما عرفت أن من يكلمها هو خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه ولذلك قالت له هذه العبارة إليك عني وهذا من تواضعه صلوات الله عليه وسلامه لا يتميز على أصحابه بحيث يخفى عنهم أحياناً وكان الأعرابي إذا جاء ودخل إلى مجلس النبي صلوات الله عليه وسلامه أيكم محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرف من فقيل لها إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدري من كلمك ولمن قلت إليك عني فأتت النبي عليه الصلاة والسلام [وجدت غرابه أخرى لم تجد] لا يوجد من يمنعها من الدخول فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعتذر لما جرى منها لم أعرفك فقال خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه إنما الصبر عند الصدمة الأولى.

ص: 9

والحديث كما قال أئمتنا نص صريح صحيحٌ في جواز زيارة النساء للقبور وقد بوَّب على هذا الحديث سيد المسلمين وأمير المؤمنين في حديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام للإمام البخاري في صحيحه في كتاب (الجنائز) باباً فقال (باب زيارة القبور) قال الحافظ بن حجر عليه رحمة الله وتقرير النبي عليه الصلاة والسلام لهذه المرأة في زيارتها وعدم إنكاره عليه في زيارتها دليل على أن زيارة القبور مشروعة للنساء كما هي مشروعة للرجال وقال الإمام العيني في عمدة القارئ في شرح هذا الحديث نؤخذ منه أن زيارة القبور مشروعة مطلقة للرجال وللنساء وكما قلت إخوتي الكرام الدلالة ظاهرة واضحة صريحة صحيحة، والحافظ ابن حجر في التلخيص الجيد أيضاً ما تقدم في (فتح الباري عند تخريج أحاديث كتاب الجنائز قال فائدة ثم ذكر أن هذا الحديث كحديث أمنا عائشة الأتي يدلان على جواز زيارة النساء للقبور.

إذاً هذا الحديث إخوتي الكرام صريح صحيح في أن امرأة زارت القبور والنبي عليه الصلاة والسلام أقرَّها ولم يعترض عليها وإقراره تشريعاً وسنه فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه وهذا الأمر كما قلت في أوله موعظة هو الوارد في حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وهو ثابت في المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي أنها قالت لنبينا عليه صلوات الله وسلامه كيف أقول إذا زرت القبور فقال نبينا عليه صلوات الله وسلامه قولي [السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين والمستأخرين وإن شاء الله بكم لاحقون] .

ص: 10

فهذا سؤال من الصديقة موجه إلى نبينا صلوات الله وسلامه إمام الصادقين، وما أنكر عليها زيارة القبور للنساء ليسن مشروعة فعلام تسألين عما لا يحل لك ولأمثالك وقد كانت أمنا عائشة رضي الله عنها الذي باشرت هذا السؤال بنفسها فسألت نبينا عن الأمر عندما كان حياً عليه صلوات الله وسلامه فكانت تطبق ذلك بعد انتقال نبينا صلوات الله عليه وسلامه بجوار الرفيق الأعلى تزور القبور وإذا استشكل مستشكل ترد عليه بأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بزيارة القبور بعد أن نهى عنها، ثبت في مستدرك الحاكم وسنن الكبرى للإمام البيهقي بسند صحيح كالشمس من رواية أبي المليكة وعبد الله ابن عبيد الله بن أبي مليكة من أئمة التابعين الطيبين توفي سنة سبعة عشر ومائة 117هـ حديثه مخرج في الكتب الستة وقد أدرك ثلاثين صحابياً وروى عنهم ومنهم أمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين يقول عبد الله بن أبي عبيدة بن أبي مليكة رأيت أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قادمة فعلت لها أين قدمت يا أم المؤمنين قالت: كنت أزور قبر أخي، قبر عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين فقال لها عبد الله بن أبي مليكة أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم زيارة القبور أنتم معشر النساء نهيتنَّ عن ذلك فكيف تزورن القبور فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور ثم أمر بها] والحديث في سنن بن ماجة نختصره ففي أمنا عائشة رضي الله عنها قالت ثم رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور فهذه أحاديث كما ترون إخوتي الكرام مقصورة صريحة صريحة في الدلال بأن زيارة القبور مشروعة فأرجو التوفيق بينها وبين الأحاديث المتقدمة من حديث عبد الله ابن عباس وأبي هريرة وحسان بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين بأن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام [لعن زوارات القبور] الجواب من وجهين معتبرين كما كنت أشرت إلى ذلك مختصراً.

ص: 11

الجواب الأول: فهو الذي عليه الجمهور أن الحديث النهي منسوخة كما أن الرجال نهو عن زيارة القبور ثم نسخ. ذلك في حقهم وهكذا للنساء نهين عن زيارة القبور ثم نسخ ذلك في حقهنَّ. وهذه أحاديث صريحة صحيحة تدل على هذا.

والجواب الثاني: ذهب إليه الإمام القرطبي: وهو على التنزّل بأن أحاديث للنهي بعد أحاديث الترخيص والإباحة قال رحمة الله عليه ورضوانه في الإمام القرطبي صاحب كتاب المفهم في شرح صحيح مسلم عليهم جميعاً رحمة الله قال هذا الإمام المبارك إن هذه الأحادي خاصة في من يكثر الزيارة ويرددها ويكررها أما بين الحين والحين فزيارتها مشروعة وقربة إلى رب العالمين.

نعم الرجل يستحب له أن يكثر لأنه في الأصل خارج البيت وليس في خروجه من البيت مشكلة، أما المرأة فهي قاعدة البيت فيباح لها أن تخرج لمصلحة شرعية لترق قلبها وتدمع عينها ولتدعو لميتها ولستأنس بها لكن هذه المصلحة ما ينبغي أن يترتب عليها مفسدة ما ينبغي أن تزور في كل يوم إنما تزور في كل شهرٍ مرة في كل سنة مرة، بالصفة الشرعية فإذا زارت وما ترتب على خروجها مشكلة وردية فأي حرج ذلك في الشريعة وقد رخص نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام للنساء الزيارة الشرعية وهذا الوجه الثاني الذي ذكره الإمام القرطبي يدخل فيه ما قاله بعض أئمتنا قال على التسليم بأحاديث النهي بعد أحاديث الترخيص والإباحة فهي محمولة على من زارت القبور وقالت هجرة زارتها زيارة بدعية شركية فما تقيدت بآداب الشرع في زيارتها فهي تدل كما الرجل يدل وعليه من من لم الزيارة الشرعية من النساء كما أو كما أي لم تتقيد في عدد الزيارة ينبغي أن تزور في الشهر مرة وفي السنة مرة لا أن تخرج كل يوم وكل أسبوع، هذا ينافي ما أمرها الإسلام به من أن تكون مقيدة ببيت لا تكثر الولوج والخروج فإذاً إذا خالفت هدي الإسلام في كيفية الزيارة فزارت زيارة بدعية شركية فهي ملعونة.

ص: 12

والأمر الثاني: يستوي معها فيه الرجل والرجل إذا زار زيارة بدعية شركية فهو ملعون عاصٍ للحي القيوم.

إخوتي الكرام..

هذا ما قرره أئمتنا الكرام شراح كتب السنة نحو هذا الحديث، وأما أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين فما خرج كلامهم عن ذلك ولا بد إخوتي الكرام من ذكره ليكون بينة من أمرنا وكما قلت مراراً ما احتمله الدليل، وقال به إمامٌ جليل فقد خرج عن كونه بدعة في شريعة الله الجليل، لا يقال أنه بدعة احتمله الدليل ثم بعد ذلك أنت ترى هنا أو لا تراه هذا أمرٌ أخر إنما إياك أن تدع كيفية يحتملها دليل شرعي ويقول بها إمام تقي ولنذكر إخوتي الكرام ولنتدارس أقوال أئمتنا الفقهاء على الترتيب الزمني أولهم السادة الحنفية قرروا أن زيارة النساء للقبور مشروعة. انظروا إخوتي الكرام (رد المحتار على الدر المختار) المعروف بحاشية الإمام ابن عابدين عليه وعلى أئمتنا رحمة رب العالمين في الجزء الثاني صفحة اثنين وأربعين ومائتين 2/242 يقول ويندب للنساء زيارة القبور كما يندب للرجال، والأصح دخولهنَّ في الترخيص أي في قول النبي عليه الصلاة والسلام [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها] والأصح دخولهن في الترخيص فيندب لهنَّ ذلك كما يندب للرجال وبعدهم السادة المالكية راضوان الله عليهم اجمعين.

كما في حاشية الدسوقي في الجزء الأول صفحة ثمانية وثمانين وثلاثمائة 1/388 قرر المالكية حكم زيارة النساء للقبور على تفصيلاً ذكروه فقالوا: تُمنع النساء من زيارة القبور لما يترتب على خروجهن فتنة وهي مأمورة بأن تكون قعيدة بيت {وقرن في بيوتكن} .

والأمر الثاني: يرخص لهن كما يرخص للرجال.

ص: 13

والثالث: وهو الذي مشى عليه علماء المذهب أعني مذهب الإمام مالك رحمه الله ورضوانه عليهم أجمعين قالوا للتفرقة بين الشابة والعجوز الكبير، فالشابة تُمنع خشية الإختتان بها والعجوز الكبير يُرخص لها وعليه هي دخلت في الترخيص لكن الشابة تُمنع لأمرٍ أخر لما يترتب على خروجها من محذور، وقلت مراراً إخوتي الكرام أن عجب للناس في هذه الأيام عندما سمحوا لنسائهم وبناتهم.. سمحوا لهن بالذهاب إلى الأسواق وإلى المتنزهات وسمحوا لهن يذهبوا معهم في الرحالات إلى ما شاء الله من البلاد ثم بعد ذلك إذا قلت لهم إذا استصحبت زوجك إلى المقبرة بعد صلاة الفجر في يوم من الأيام لتذكرها بالمصير الذي تصير إليه ليرق قلبها وتدمع عينها لتذكر أصحابها وأقاربها وأحبابها لتدعوا لهم ويستأنسوا بها تقول: أعوذ بالله هذه بدعة وضلالة وخروجها للأسواق ذاك حسنة، وكمال، نعوذ بالله من فساد العقول في هذه الأيام ولذلك إخوتي الكرام انظروا لقول المالكية تقول إن كانت شابة تُمنع ليس تمنع من المقابر ويرخص لها أن تذهب إلى السوق، هذه قعيدة بيت، وقلت أشنع من الأسواق في هذه الأيام، المدارس التي أحياناً يُدرس فيها نساء لعلهن أخبث من الشيطان الرجيم في الفساد والإفساد وكل هذا تحملناه نحو بناتنا ثم بعد ذلك إذا ذكرت زيارة القبور تتمعر وجوهنا وتشمئز قلوبنا وعلام هذا الأمر وقد أباحه نبينا عليه صلوات الله وسلامه وقرره أئمتنا.

ص: 14

وأما السادة الشافعية: فالأمر عندهم كما في المجموع شرح المهذب ليشخ الإسلام الإمام النووي في الجزء الخامس صفحة عشر ثلاثمائة 5/310 زيارة القبور عندهم، فيها قولان. القول الأول: مكروه كراهة التنزيل والبيت في ذلك كما قلت أن المرأة ينبغي أن تكون مستورة مصونة والقول الثاني وهو الذي رجحه الإمام أبو المحاسن الإمام الإمام الردياني من أئمة الشافعية الكبار ونقله عنه الإمام الذهبي النووي في المجموع قال: يباح لهن ذلك كما يباح للرجال لاستواء الجميع في العلة، شرع لها أن ترق قلبها وأن تدمع عينها وأن تتذكر المصير الذي ستصير إليه كما يشرع هذا في حق الرجل، فهذان القولان الشافعية قول للجواز وهو مرجح من قبل الإمام الردياني، وهكذا السادة الحنابلة آخر المذاهب في الترتيب الزمني قرروا هذين القولين اللذين قال بهما الشافعية الكرام ففي المغني مع الشرح الكبير في الجزء الثاني صفحة ثلاثين وأربعمائة 2/430 يقول الإمام ابن قدامة وفي زيارة النساء للقبور قولان عن الإمام أبي عبد الله يعني به الإمام المبجل أحمد بن حنبل رضوان الله عليهم أجمعين.

القول الأول: بالكراهة

القول الثاني: بالجواز، وذكر دليل الجواز وختم الكلام به وقرره بالأحاديث الصحيحة المتقدمة التي ذكرتها.

إذاً اخوتي الكرام:

ص: 15

هذه نصوص أئمتنا الحنفية يجيزون قولاً واحداً وهو قولاً، وهو قولاً للمالكية والشافعية والحنابلة، وتقدم معنا قول شراح الحديث وشراح السنة في الجمع بين الأحاديث وهذا الذي قاله أئمتنا رضوان الله عليهم فأبعد ذلك استنكاراً لهذا القول إخوتي الكرام إن هذا الأمر كما قلت مقرراً عند أئمتنا قاطبة الرحمة رضوان الله عليهم أجمعين، فهذا الإمام عبد الحق أبو محمد وكنت نقلت عنه عليه رحمة الله في المواعظ السابقة بعض النصوص وقد توفي كما قلت سنة واحد وثمانين وخمسمائة 581هـ يذكر في كتابه العاقبة هذه المسألة فيقول ك وكذلك أبيحت زيارة القبور للنساء كما أبيحت للرجال وأبيح لهنَّ البكاء على القبور كما أبيح للرجال ثم ذكر حديث أنس المتقدم بأن النبي عليه الصلاة والسلام مر على امرأة وهي تبكي على قبر..

قال الإمام عبد الحق والحديث صحيح مشهور ذكره مسلم والبخاري وغيرهم، تقدم معنا في سنن البيهقي وغيره قال الإمام عبد الحق ولو كان بكاء النساء عند القبور وزيارتهنَّ لها حراماً لنهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم ولزجرها زجراً يزجر بمثله من أتى محرماً وارتكب منهياً وما روي عن النهي زيارة النساء فغير صحيح أيقصد ما ورد نهياً بعد الإباحة والترخيص والجواز والصحيح ما ذكرت لك من الإباحة إلا عرف عمل النساء في خروجهن ما لا يجوز من تبرج أو علام أو غيره فهو المنهي عنه وقد أبيح لك أيها الإنسان مطلقاً رجلاً أو امرأة أن تبكي على قبر ميتك حزناً عليه أو رحمة له مما بين يديه، فإن وجدت لك بكاءاً فابكي ومع بكائك على ميتك فلا تغفل عن بكائك على نفسك وعن الفكرة فيما عملته في يومك وأمسك وفي مالك عند ملول رمسك يعني قبرك وبل لو أمكنك أن تجعل بكائك كله عليك كان الأولى بل والأحمد لك..

إذاً هذه نصوص عما قلت إخوتي الكرام عن أئمة الإسلام يقرر هذا.

ص: 16

نعم ذهب بعض أئمة الإسلام كالإمام ابن تيمية عليه رحمات الله رب البرية وهكذا ابن القيم الجوزي عليهم جميعاً رحمة الله إلى المنع واخت وهذا كان لهما وانتهى الأمر والحجة فيما قرره أئمتنا أن الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله كتب في ذلك ثلاث عشر صفحة في مجموع الفتاوى في الجزء الرابع والعشرون من صفحة ثلاث وأربعين وثلاثمائة 24/343 إلى ستة وخمسين وثلاثمائة 356 وهكذا تلميذه ابن القيم الجوزي عندما علق على تهذيب السنن كتب على ذلك أربع صفحات أيضاً في الجزء الرابع من تهذيب السنن من صفحة سبع وأربعين وثلاثمائة 4/347 إلى خمسين وثلاثمائة 350.

ص: 17

وقد ذكر الإمام ابن القيم عليه رحمة الله أدلة على المنع منها ما يقبل ومنها ما لا يقبل ومن ذلك قال إن حديث أنس رضي الله عنه الذي تقدم معنا نصَّاً صريحاً في تحريم زيارة النساء للقبور وما فهم ذلك أحداً قبله ولا بعده ولذلك لم يسبقه إلى ذلك أحد ولا تبعه عليه أحد وما وجه ما فهمت وما قلت من الحديث قال إن قول النبي عليه الصلاة والسلام للمرأة اتق الله يقول والتقوى هي فعل ما أمر الله وترك ما نهى عنه وزيارة القبور للنساء منهياً عنه فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول له لا تزور القبور ثم قال قوله اصبري قال إن الصبر يلزم منه عدم خروجها من البيت وعدم بكائها مما يدل على خروجها لزيارة القبور منهياً عنها أنت تصادر على المطلوب في كلامك تقول إن الزيارة منهياً عنها، ولذلك دخلت ضمن قول الله اتق الله لأن التقوى فعل المأمور وترك المحذور قرر ذلك الأمر ثم أثبته على أنه من مقتضيات التقوى، أن لا يفعله الإنسان إنني أقول ما قاله أئمتنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين إن الزيارة لو كانت ليست شرعية لنهى عنها خير البرية عليه صلوات الله وسلامه بلفظ صحيح صريح يدل على المطلوب لقال (يا أمة الله علاما تزورين القبور) وهذا لا يجوز في حق النساء أما أن يقول لها اتقي الله واصبري ما أنكر عليها الزيارة إنما يريد أن يذكرها بتقوى الله وأنه لا داعي للجزع والهلع ولا للنياحة ولا للعويل، اتقي الله واصبري، ولذلك عندما جاءت إليه وقالت له لم أعرفك عليه صلوات الله وسلامه ما قال لها إنك فعلت منكراً بزيارتك، إنما قال لها إنما الصبر عند الصدمة الأولى.

ص: 18

نعم ذهب هذان الإمامان كما قلت للمنع من ذلك لكن تقدم معنا قول جمهور أئمتنا ويمكن أن يقول بعد ذلك اختصار إن زيارة النساء للقبور احتملها الدليل وقال بها إمام جليل فلا يجوز أن نحكم عليها بأنها بدعة ضلالة وأنها تضليل لا يجوز أن نحكم هذا أبداً.. إنما إذا شرح الله صدرك لهذا فاسمح لنسائك أن يزرن وكن معهن وإذا لم يشرح الله صدرك لذلك فاضبط لسانك وقف عند حدك وأمراً قرره أئمتنا ودل عليه كلام نبينا عليه صلوات الله وسلامه ما ينبغي أن يعترض عليه إخوتي الكرام: هذا الأمر لا بد من أن يرسخ في أذهاننا في هذا الزمان لابد أن يرسخ في أذهاننا في هذا الزمان، الأمر إذا احتمله الدليل الشرعي وقال به إمام تقي فقد خرج عن رسم البدعة وحدها فلا يجوز أن نحكم عليه بالبدعة أو أن نبدِّع فاعله وهذا أمراً دعاه سلفنا تمام الوعي واشتبه علينا في هذه الأيام تمام الاشتباه فبت نابتة في هذه الزمان يحصرون الحق في واحد وليتهم من المتقدمين، إنما هم من المعاصرين ينزلون أقوالهم منزلة أقوال نبينا عليه الصلاة والسلام، وإذا خالفته اتهموك بالبدعة والضلال وافتروا عليك ما شاءوا من الإفك المبين، رفقاً يا عباد الله بأنفسكم..

ص: 19

رفقاً يا عباد الله بأمة نبيكم عليه صلوات الله وسلامه هناك فرق كبير بين السلفي والبدعي لا خير في من لم يكن سلفياً حقيقياً لكن لا بد من التفريق بين السلفي في زمنه وسيد المسلمين إلى سفيان الثوري عليه رحمة الله عندما يقرر هذا الكلام وانحرف عنه هؤلاء الأدعياء في هذه الأيام يقول كما في كتاب (الفقيه والمتفقة) لشيخ الإسلام في زمنه الخطيب البغدادي في الجزء الثاني صفحة تسعة وستون 2/69 يقول سفيان الثوري إذا رأيت الرجل يعلم العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه، والله هذا هو الدين الحق وهذا هو صراط الله المستقيم أمراً اختلق فيه أئمتنا ودلت عليه شريعة ربنا وأنت تبنيت قولاً من الأقوال على ما تنهي غيرك وعلاما تحصد الحق في نفسك وهذا يقوله سيد المسلمين في زمنه الذي توفي سنة واحد وستين ومائة للهجرة 161هـ وحديثه في الكتب الستة ويقول شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك في حقه كتبت عنه ألف شيخ ما فيهم أفضل من سفيان ويقول في حقه الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله لم يتقدمه في قلبه أحد ويقول فيه الإمام الأوزاعي لو قيل لي اختر لهذه الأمة إماماً يقتدون به ما اخترت لهم إلا سفيان، ويقول هنا العبد الصالح (إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي أختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه) لأنه على بينة وعلى حجة وعلى هدى وأنت إن شاء الله كذلك فينبغي أن تتسع صدورنا لهذا.

ص: 20

إخوتي الكرام: قبل أن أنتقل إلى الأمر الثاني، هذا الأمر الأول حقيقة ينبغي كما قلته أن نعيه تمام الوعي كما ذكرت في خاتمته ما احتمله الدليل وقال به إمام جليل لا يحكم عليه بأنه بدعة في شرع الله جل وعلا ولا يجوز أن نبدل فاعله فانتبهوا لهذا اخوتي الكرام وحقيقة كم يحزن الإنسان عندما يسمع اختلافاً بين المسلمين في مسائل احتملتها أدلة وقال بها أئمتنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وقد عرض عليَّ أمران في بحر الأسبوع الذي نعيشه ونحن في آخر يوماً فيه وهذان الأمران من أئمة المساجد هنا وما قلت كثيراً من النابتة يفعلون على أئمة المساجد وعلى غيرهم من غير هدى ولا بينة الأمر الأول، إمامان من أئمة المساجد هنا من أهل الخير والصلاح ولا أزكي على الله أحداً كل منهما دعا في مسجده لنفسه بعد أن دعا مسح وجهه بيديه عقب الدعاء كل منهما ينبذ من قبل الحاضرين بأن هذا بدعة في الدين وأن الإمام مخرف وأنه من أتباع الشياطين نعوذ بالله من هذا الإفك المبين ومن أين حصلتم هذا العلم الذي لا تحسدون عليه ومن قال إن مسح الوجه باليدين عقب الدعاء بدعة؟ من قال؟ أما تتقون الله في أنفسكم عندما تصدرون هذا الأحكام في شريعة ربكم أم عندما تتطاولون على أئمة بيوت الله جل وعلا أما تستحيون من الله، فقلت لكل منهما بما أجاب يقول ما عندي كلام لأنني أعلم أن هذا مشروع وأنه كلن يفعل ثم بعد ذلك يقولون إنه بدعة.

ص: 21

إخوتي الكرام: وحقيقة سمعنا هذا مراراً ومراراً فاستمعوا لهذه القضية التي سأذكرها لينتهي القيل والقال نحوها، إن مسح الوجه باليدين عقب الدعاء مستجب وقد نص على هذا أئمتنا الكرام منهم شيخ الإسلام النووي في كتابه الأذكار ومنهم الإمام الشوكاني في (تحفة الذاكرين) صفحة ستة وثلاثين صـ36 وانظروا كلام شيخ الإسلام الإمام النووي في الأذكار صفحة أربعة وأربعين وثلاثمائة صـ344، وهذا الاستحباب جاء من أدلة واردة عن نبينا صلوات الله وسلامه قد ورد في ذلك ثلاثة أحاديث فكونوا على علم بذلك يا أئمة المساجد إذا اعترض سفيهاً من السفهاء في هذه الأيام.

الحديث الأول: عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وقد رواه الإمام الترمذي في سنة والحاكم في مستدركه والبغوي في شرح السنة عن أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم[إذا دعا ورفع يديه لا يحطهما حتى يمسح بهما وجهه] .

وهذا الحديث عمر رضي الله عنه ثبت معناه وما يدل عليه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما روى حديث عبد الله بن العباس رضي الله عنهم أجمعين رواه الإمام أحمد في المسند ورواه أبو داود في السنن وابن ماجة في السنن والحاكم في المستدرك والبغوي في شرح السنة ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم] .

والحديث الثالث: ثابت عن السائب بن يزيد ووالده يزيد بن سعيد السائب الصحابي رضوان الله عليهم أجمعين قال كان النبي صلى الله عليه وسلم[إذا دعا ورفع يديه مسح بهما وجهه] ، والحديث رواه أبو داوود.

ص: 22

إذاً حديث عن عمر وعن ابن عباس وعن السائب بن يزيد عن أبيه رضي الله عنهم أجمعين أحاديث ثلاثة نعم لا يخلو حديثاً منها من كلام وضعف والحديث الأول قال عنه الترمذي غريب وما نقله الإمام عبد الحق من أن الترمذي قال عنه صحيح غريب ونقله بعض من يشتغل بهذا الحديث في هذا الحين وقال لحيف يصححه الترمذي وفيه ما فيه إذا الجواب عن ذلك يا عبد الله خذ علمك ما قرَّر أئمتنا الكرام قال الإمام النووي هذا الحكم عنا لتصحيح ليس ثابت في النسخ المعتمدة في سنن الترمذي إنما حكم عليه الترمذي أنه غريب ثلاثة أحاديث.

نعم إنها ضعيفة كما قال شيخ الإسلام الإمام النووي في الأذكار وقال ذاك الإمام ابن تيمية عليهم رحمة الله في الفتاوى لكن تعدد الطرق يرفعها لدرجة الحسن وما النص على ذلك نص على ذلك حذا في المتحدثين وأمير المؤمنين في كلام نبينا الأمين عليه الصلاة السلام الإمام ابن حجر العسقلاني في آخر كتابه (بلوغ المرام) وانظروا كلامه مع شرح الإمام الصنعاني عليه في سبل السلام في الجزء الرابع صفحة ثمانية وثمانون ومائتين 4/288

ص: 23

قال الحافظ ابن حجر وتعدد طرق هذا الحديث يقضي بأنه حسن ثم قال الإمام الصنعاني وإنما شُرع لنا مسح الوجه بالكفين عقب الدعاء بأن الداعي عندما يدعوا يتعرض لنفحات الله ولنزول البركة عليه وإذا كان يرفع يديه فستلاقيان بركة عظيمة كبيرة فيستحب أن يمسح بهذه البركة كي تنزلت عليه أشرف أعضائه ألا وهو وجهه وهذا ثابت كما قلت في هذا المكان وهو مقرر عن أئمتنا الكرام، ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الأربعة إلا سنن النسائي والحديث رواه بن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى ورواه ضياء المقدسي في (أحاديث الجياد المختارة) والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين] ، فإذا رفعت يديك إلى الله هو الكريم هو الجواد سينزل عليك بركة فهذه البركة التي ستقابلها هاتان اليدان المباركتان عند دعاء ذي الجلال والإكرام يستحب لك أن تمسح بهما وجهك، هذا ما قرره أئمتنا والحديث كما قلت حسن وهذا يقوله شيخ المحدثين في زمنه الإمام ابن حجر إذا قالت حذا في فصدقوها فإن القول ما قالت حذا في فأي كلام لمتكلم بعد شيخ الإسلام الإمام أبي الفضل ابن حجر العسقلاني عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، ولذلك أستحب أئمتنا هذا ثم على التنزل بأن الحديث ضعيف.. الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال فأي إشكالاً في ذلك فكيف بعد ذلك تطلق لسانك بلا ورع ولا تؤده ولا هوادة على من يأمُّك في الصلوات الخمس وتقول له إنك عندما تمسح وجهك عقب الدعاء أنت بدعة ها أنت مبتدع ومخرف، سبحان ربي العظيم.. إذا حرمك الله هذه الفضيلة لا تعترض على من فعلها لألا تكتسب رذيلة، أما كفاك أن الفضائل فاتتك جئت بعد ذلك لتعرض على عباد الله جل وعلا فيما قرره أئمتنا ووردت به أحاديث عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه.

ص: 24

هذا أمراً أول إخوتي الكرام: ولعلكم تسمعونه في المساجد على الدوام إذا رفع يديه بدعة.. إذا مسح وجهه بيديه بدعة، ما أعلم هذه النابتة التي نبتت في هذه الأيام بقول من تأخذ إلى من تحتكم، وهذا هو المقرر عند أئمتنا في كتبهم، وهذا هو المروي عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه.

والأمر الثاني: وهو أيضاً وقع في هذا الأسبوع جاءني بعض الأخوة الكرام وبعض الأخوة الحاضرين الآن يسمع هذا وسمع أيضاً ما جرى بين الإمام وبين المعترض عليه صليت الظهر في بعض المساجد فقال لي الإمام في اليوم الماضي يقول قرأ حديثاً من رياض الصالحين حديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام من رواية أبي سعيد الخدري وسأذكر من خرجه بعد رواية إن شاء الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان] قال الترمذي حديثاً حسن وهو رقمه السابع والستين بعد الألف في رياض الصالحين قال المعلق على الكتاب كذا قال.. كذا قال الترمذي حديثاً حسن وكذا قال النووي يقره كذا قال وإسناده ضعيف لكن معناه صحيح لا داعي لهذا التلويث والتشويش على عباد الله.

وإذا قال الترمذي وغيره ليكن من جاء بعده فقال لي لما رويت هذا الحديث وأقرأه من رياض الصالحين اعترض أيضاً بعض هؤلاء النابتة وقالوا هذا حديثاً ضعيف لا يجوز أن تحدث به ولا أن ترويه عن النبي عليه الصلاة والسلام قلت سبحان الله ألهذا الحد. قال نعم، شيخ الإسلام الإمام النووي يرويه في رياض الصالحين وينقل تحسنه عن الترمذي ويقرِّه وهذا يعترض.

ص: 25

وهذا الحديث إخوتي الكرام رواه الإمام أحمد في المسند والترمذي في السنن ورواه ابن ماجة في سننه أيضاً ورواه ابن حبان في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه وهذا الحديث رواه أيضاً الإمام البيهقي في السنن الكبرى وأبو نعيم في حلية الأولياء ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد من رواية دراجماً أبي سمعة أبي هيثم عن سعيد الخدري رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان] والحديث قد حسنه الترمذي وصححه الحاكم وصححه ابن حبان وصححه ابن خزيمة وصححه الإمام المنذري وصححه شيخ الإسلام الإمام ابن حجر عليهم جميعاً رحمة الله في فتح الباري وفي اقتصاره الترغيب والترهيب أئمة متعددون يصححون الحديث وعلى ذلك يتتابعون يأتيك بعد ذلك إنسان في هذا الوقت يقول كذا قال

وإسناده ضعف ومعناه صحيح لأن الله يقول: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر

} وإذا دل هذا الحديث على ما دلت عليه هذه الآية أما يكفيك ذلك أن تقنع بهذا وأن تثبت عليه وأنلا تعترض على من يذكر هذا الحديث ويرويه إخوتي الكرام رجال الحديث ثقات أثبات ليس فيهم من جرى حولهم علام إلا دراج أبو السمع كما قلت وقيل اسمه عبد الرحمن وهو من التابعين الكرام أدرك عبد الله ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين وأدرك عبد الله بن الحارث بن جز الصحابي وآخر الصحابة وفاة في عهد مصر آخر من توفي بمصر من الصحابة عبد الله بن الحارث أدركه دراجاً ابن السمع وروى عنه كانت وفاة عبد الله بن الحارث بن جز سنة الخامسة والثمانين 85هـ وقيل السادسة والثمانين 86هـ وقيل السابعة والثمانين 87هـ وقيل الثامنة والثمانين 88هـ من الهجرة وأرجئها ثانيها.

ص: 26

كما قال ابن حجر سنة السادسة والثمانين 86هـ فدّراج يرى عبد الله ابن عمر ويروي عن عبد الله ابن الحارث ابن حجر ويخرج حديثه البخاري في (أدب المفرد) وأهل السنن الأربعة وقد توفي سنة السادسة والعشرين بعد المائة من الهجرة 126هـ نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه دراج أبو السمع يوثقه الإمام ابن معين ويقول عنه عثمان البارمي صالح الحديث ويقول عنه أبو داوود أحاديث مستقيمة إلا في ما رواه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري ويقول ابن عدي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه بعد أن ذكر أحاديث أنكرت عليه قال وماعدا هذا أرجو أنه لا بأس به ويقول الحافظ ابن حجر في التقريب صدوق وفي رواية عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنهم أجمعين فكما قلت يشهد لها قول الله ودراج عليه رحمة الله ورضوانه منهم من وثقه توثيقاً مطلقاً ومنهم من قيد التوثيق في غير روايته كأبي الهيثم والمعنى صحيح ويصححه أئمة الإسلام جهابذة كرام، ثم بعد ذلك يعترض بعضاً على بعض على من يرد هذا الحديث ونذكره إنه حديثاً صحيحاً كما قلت ثابت عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه [إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان] وهو ثابت في تلك الكتب وقد نص على تحسينه وتصحيحه عدد من أئمتنا الكرام.

وأما المسألة الثانية إخوتي الكرام: فقد كان في آرائي وظني أن أتكلم عليها وكما قلت إنها تقرر ما سبق أن الأموات يسمعون وأنهم يفرحون بما يجري عندهم من طاعة ويحزنون ويستاءون بما يقع عندهم من معصية وهذا يقرر مبحثناً الذي تقدم وكان في نيتي أن أذكر هذا فيما تقدم من مواعظ لكن لم يُيسر الله ذلك لأن الوقت ينتهي فأرجئ الكلام عليه فكان في نيتي أن أتلكم اليوم عن هاتين المسألتين بعد أن كان في نيتي أن أتكلم على ثلاث فحذفت الثالثة وهي تعلق الروح بالإنسان في دوره الثلاث التي يدركها وقلت أقتصر على اثنتين وقد مضى ما مضى من الوقت على المسألة الأولى.

ص: 27

وأرى لو قلت في المسألة الثانية في حديث نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الميت يعذب ببكاء أهله وببكاء الحي عليه وسرد الأقوال الستة في ذلك وتقرير ما تقدم عليه أن الأموات يفرحون بما يجري عندهم من طاعة ويحزنون بما يجري عندهم من معصية من هذا الحديث الشريف لو سردته كما قلت هذا لما وفيت الكلام حقه لذلك أرى أن أقف عند هذا المقدار وأن أكمل الكلام على هذه المسألة الثانية إن شاء الله وأن أتكلم عليها في الموعظة الآتية إن أحيانا الله.

نسأل الله أن يحييانا على الإسلام وإذا أماتنا أن يتوفانا على الإيمان ونسأله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أقول هذا القول وأستغفر الله.

الخطبة الثانية:

الحمد الله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض الله اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

إخوتي الكرام..

حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه الذي تقدم معنا وهو حسن حسنه أئمتنا وصححوه عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه [إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان] على التسليم كما يقال جدلاً بأن في إسناده شيئاً من الضعف على التسليم فروايته رواية الحديث الموضوع ورواية الحديث المنكر والمتروك لا يجوز أن ترويه إلا أن تبين حاله وأن تحذر منه.

ص: 28

أما من فيه ضعفٌ يسيرٌ لعدم حفظ راويه وضبطه فلا حرج في روايته دون بيان درجته وقد نص على ذلك أئمة الإسلام يقول شيخ الإسلام الإمام زين الدين عبد الرحيم الأثري في ألفيته الشهيرة وسهلُّوا في غير موضوعاً رووا من غير تبيناً لضعفاً ورأوا بيانه في الحكم والعقائد عن ابن مهدي وغير واحداً أي سهّل أئمتنا ورخصوا وأجازوا في رواية الحديث إذا لم يكن موضوعاً في الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال دون بيان حاله إلا إذا تعلق الحديث بحكم شرعي وبعقيدة ينبغي أن يعتقدها الناس فينبغي أن تبين للناس أن الحديث لا يصلح أن يُستدل به لما فيه من ضعف ولا يصلح حكم ولا في عقيدة، وسهلوا في غير موضوع ورووا من غير تبيناً لضعف ورأوا بيانه في الحكم والعقائد عن ابن مهدي وغير واحداً فعلاما الاعتراض بعد ذلك على عباد الله وعلاما الشغب عليهم، علاما اللغلط في بيوت الله والأمر كما قلت على الحالتين جائز إذا كان الحديث صحيحاً وحسنٌ كما قرر أئمتنا فلا إشكال إن كان فيه ضعف يسير كما ترى أنني أو من تقلده فلا حرج.

إذاً في روايته كما قرر أئمتنا فعلاما التعالم على أئمة المساجد وعلاما اعتراضاً على عباد الله بالباطل.

أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الإنصاف إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين،

اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.

ص: 29

اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة. ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا الإيمان وزينه في قلوبنا. وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك. ومن المقربين لديك. وإذا أردت فتنة بعبادك فقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم. اللهم ارحم أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف وهذا المكان المبارك.

اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريباً سميعاً مجيباً للدعوات والحمد لله رب العالمين وصلي الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

{والعصر * إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر *} .

ص: 30