المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ليلة القدر (من خطب الجمعة)   للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم ليلة - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ١٠٦

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌ليلة القدر (من خطب الجمعة)   للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم ليلة

‌ليلة القدر

(من خطب الجمعة)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

بسم الله الرحمن الرحيم

ليلة القدر

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.

اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .

{يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} .

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} .

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} .

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} .

أما بعد: معشر الأخوة الكرام..

خير شهور العام وأفضلها عند ذي الجلال والإكرام.. شهر رمضان، ففيه توالت الخيرات العظام الحسان على أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ففي هذا الشهر الكريم، نبئ نبينا العظيم عليه صلوات الله وسلامه.

ص: 1

وفي هذا الشهر الكريم، أنزل الله القرآن الكريم، وهذا الشهر الكريم فرض الله علينا صيامه وفي الصيام خيرات وخيرات، فهو يكفر الذنوب والخطيئات المتقدمات والمتأخرات، وهو يبعدك عن النار ويحصِّل لك الخيرات في دار القرار وفي هذه الدار..

إخوتي الكرام.. وكما فرض علينا ربنا في نهار هذا الشهر الكريم صيام شهر رمضان، كما فرض الله علينا في نهار هذا الشهر الكريم الصيام، فقد سن لنا نبينا عليه الصلاة والسلام في لياليه القيام وجعل الله جل وعلا أجر القيام يعدل أجر الصيام، وماذاك إلا لأن كلاً من الصيام والقيام جُنَّة للإنسان، فالصيام جنة كما تقدم معنا من كل آفة سواء تعلقت بالبدن أو بالدين، فهو حصن لك حصين من الآفات التي تؤذيك في بدنك أو تؤذيك في دينك، وهكذا القيام أيضاً جنة حصينة للإنسان، فهو وقاية لك من المكروهات والآفات والخطيئات وهو الذي يصحّ جسمك ويكسبه القوة والنضرة والبهجة والجمال.

وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند، والإمام الترمذي في السنن، والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى عن بلال رضي الله عنه.

والحديث رواه الترمذي أيضاً والحاكم والبيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنهم أجمعين

والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير عن سلمان، ورواه الإمام ابن السني في عمل اليوم والليلة عن جابر بن عبد الله، ورواه الإمام ابن عساكر عن أبي الدرداء رضي الله عنهم أجمعين

خمسة من الصحابة يروون هذا الحديث، وهو حديث صحيحٌ صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام، أنه قال:[عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم وتكفير للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطروة للداء عن الجسد] .. نعم إن القيام فيه هذه الخيرات، فهو جنة لك من سائر الآفات الحسية والمعنوية التي تتعلق ببدنك أو دينك فلا غرو أن جعل نبينا صلى الله عليه وسلم للقيام أجراً يعدل أجر الصيام..

ص: 2

إخوتي الكرام.. وقد ثبت بذلك الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ففي المسند والكتب الستة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه والحديث رواه الإمام النسائي أيضاً بإسنادٍ صحيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه] .. وإذا كان ورد في الصيام ما تقدم معنا أنه يغفر لمن صام ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقد وردت هذه الزيادة أيضاً للقيام.

والحديث رواه الإمام أحمد في المسند أيضاً بهذه الزيادة، ورواه الإمام محمد ابن نصر في كتاب (قيام الليل)، والحديث رواه هشام بن عمار في فوائده عن أبي هريرة رضي الله عنه ومعهم الإمام النسائي:[من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] ، وهذه الزيادة رواها الإمام أحمد في المسند أيضاً من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنهم أجمعين.

وقد نص أئمة الإسلام على صحة هذه الزيادة في هذا الحديث الثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،، ولا يشكلن عليك أخي الكريم – اللفظة الأخيرة في هذا الحديث الصحيح الثابت عن نبينا الأمين، عليه الصلاة والسلام – بأنه كيف ستغفر للإنسان ذنوبه المتأخر، فقد تقدم معنا توجيه ذلك عن أئمتنا وخلاصته أن الله إذا قبل منك الصيام، وإذا قبل منك القيام، فسيحفظك من الذنوب والآثام في مستقبل الزمان، وإذا قدر أنك وقعت في شيءٍ من الهفوات والزلات مما لا تنفك عنه طبيعة البشر والمخلوقات، فإن ذلك سيقع مغفوراً مكفراً بكرم رب الأرض والسماوات. [من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] .

ص: 3

وثبت في سنن النسائي، بإسنادٍ صحيح من حديث أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر شهر رمضان، ففضله على سائر شهور العام، ثم قال:[من قام رمضان إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه] وفي رواية في سنن النسائي بإسناد صحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله فرض عليكم الصيام وسننت لكم القيام، [فمن صام رمضان وقامه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه] .

إخوتي الكرام: فالقيام في هذا الشهر الكريم يعدل أجر الصيام عند رب العالمين، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقوم هذا الشهر، كما كان يصومه، وكان يخص هذه الأيام التي نعيش فيها في هذه الأوقات بمزيد قيام، عليه الصلاة والسلام.

فأيام العشر لها من المنزلة ما ليس لسائر أيام رمضان، فإذا كان القيام مسنوناً ومشروعاً ومرغباً في رمضان فإن في هذه الأيام التي نعيش فيها – آخر شهر رمضان – القيام مرغَّب من باب أولى وآكد، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يولي هذه الأيام – نهارها وليلها عناية خاصة، ويبذل فيها ما لا يبذله في غيرها من أيام شهر رمضان كما يبذل في شهر رمضان من الجد والاجتهاد ما لا يقوم به في سائر شهور العام.

ثبت في المسند، وصحيح مسلم، والحديث رواه الإمام الترمذي والنسائي وابن ماجه، وكما قلت إنه في صحيح مسلم فلا داعي للتنصيص على صحته فهو صحيح، من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره وكان يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيرها] فهو فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا وعليه صلوات وسلام ربنا، عليه الصلاة والسلام، كان يجتهد في شهر رمضان في نهاره وليله ما لا يجتهد في سائر شهور العام لكنه يخص العشر الأخير من رمضان بمزيد جد واجتهاد وتقرب إلى ربنا الرحمن وهذا الجد الذي كان يقوم به نبينا عليه الصلاة والسلام، في العشر الأخير من شهر رمضان.

ص: 4

وردت الروايات الصحيحة الحسان تبينه وتفسره ثبت في المسند والكتب الستة إلا سنن الإمام الترمذي، من رواية أمنا عائشة أيضاً رضي الله عنها وأرضاها قالت [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليه العشر، يعني العشر الأخير من شهر رمضان الجليل، أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشد المئزر] عليه صلوات الله وسلامه.. ويحي الليل ويوقظ الأهل ليغتنموا بركات هذا الشهر ثم يجد، ويشد مئزره عليه صلوات الله وسلامه.

وشد المئزر شامل لأمرين، الأمر الأول اعتزاله لنسائه أمهاتنا المباركات الطاهرات عليه وعليهنَّ سلام الله وصلواته.

فكان يعتزلهنَّ في العشر الأخير ولا يقرب واحدة منهنَّ تفرغاً لطاعة الله الجليل،، وهذا كما قال القائل:

قومٌ إذا حاربوا شدوا مآزرهم

عن النساء ولو باتت بأطهار

فكان عليه الصلاة والسلام، إذا دخلت عليه العشر الأخير من شهر رمضان يعتزل النساء فلا يباشرهنَّ ولا يتصل بهنَّ عليه صلوات الله وسلامه لا لأن ذلك حراماً فهو حلال على الصائم في الليل، لكن كما قلت لأجل أنه يغتنم هذه الليالي المحدودة فيما هو أقرب له عند ربه وأنفع له عند الله جل وعلا، فكان يعتزل النساء.

ص: 5

ثم بعد ذلك إن هذا اللفظ يوصي بدلالة ثابتة كما قرر أئمتنا الكرام شد المئزر، هذه كناية وإشارة وإخبار عن مزيد العزم والجد والاجتهاد الذي كان يبذله نبينا خير العباد عليه الصلاة والسلام في هذا الشهر الكريم، فكان يحي ليله، يوقظ أهله ويجد ويشد مئزره عليه صلوات الله وسلامه، أي يجد جداً زائداً ويعتزل نساءه لا سيما وقد كان يعتكف عليه صلوات الله وسلامه في العشر الأخير من شهر رمضان، فهذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام في العشر الأخير من شهر رمضان، وفي بعض روايات المسند في حديث أمناً عائشة رضي الله عنها قالت:[كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشرين من شهر رمضان ينام ويصلي، فإذا دخلت عليه العشر شمَّر وشد المئزر] فإذا دخلت عليه العشر شمَّر وشد المئزر

شمَّر عن ساعد الجد والاجتهاد في طاعة رب العباد.

وشد المئزر: ابتعد عن أهله وضاعف من جهده في طاعة ربه عليه صلوات الله وسلامه.

إذن إخوتي الكرام: ينبغي أن يجتهد الإنسان في رمضان ما لا يجتهده في غيره، يجتهد فيها ما لا يجتهده في سائر أيام وليالي هذا الشهر.

إخوتي الكرام: هذه رواية تفسر لنا إجتهاد نبينا عليه الصلاة والسلام وعنايته بالعشر الأخير من شهر رمضان.

وثبت في المسند وسنن الترمذي والحديث رواه الإمام أبو يعلى في مسنده والطبراني في المعجم الكبير، وابن أبي شيبة في المصنف عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل عليه العشر الأخير من شهر رمضان يوقظ أهله، وفي رواية الطبراني في معجمه الكبير.

ص: 6

كان لا يدع صغيراً ولا كبيراً إلا أيقظه، لا يدع صغيراً ولا كبيراً إلا أيقظه، لينال من بركات هذا الشهر ومن نفحات الله في هذه الليالي المباركة العظيمة، وثبت في سنن الترمذي، وكتاب (قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي، والحديث إسناده حسن من رواية زينب بنت أمنا أم سلمة رضي الله عنهم أجمعين، أن النبي صلى الله عليه وسلم[كان إذا دخل عليه العشر الأخير من شهر رمضان لم يكن يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه] .. وإنما كان يفعل نبينا عليه الصلاة والسلام هذا في العشر الأخير لأمرين معتبرين، أولهما: اغتناماً لبركات هذا الشهر الذي قد أوشك على الزوال والرحيل والذهاب، وما يدري الإنسان هل سيدركه في السنة الآتية أم لا، فلذلك كان نبينا عليه الصلاة والسلام يضاعف الجهد في هذه الأيام الأخير من شهر رمضان

نعم لله في دهره نفحات فطوبى لمن تعرض لنفحات الله في الأوقات التي تحصل فيها النفحات.

ثبت في معجم الطبراني الكبير من رواية أنس، ومحمد بن مسلمة، ورواية أنس رضي الله عنهم أجمعين، قال عنها الإمام الحافظ الهيثمي في المجمع، رجالها رجال الصحيح غير موسى بن إياس بن بُكير وهو ثقة، فالحديث إن شاء الله صحيح مقبول، من رواية أنس ومن رواية محمد بن مسلمة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات ربكم فإن لله نفحات يصيب بها من يشاء من خلقه، إن لله نفحات يصيب بها من يشاء من خلقه.. وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمِّن روعاتكم، اللهم مُن علينا بنفحاتك يا أرحم الراحمين، واستر عوراتنا وآمن روعاتنا يا رب العالمين.

وهذه النفحات من تعرض لها وأصابها وحظى بها لم يشقى بعدها أبداً.. فكان نبينا عليه صلوات الله وسلامه يضاعف جده واجتهاده في العشر الأخير من هذا الشهر المبارك الجليل إغتناماً للخيرات التي فيه.

ص: 7

فلعله عليه صلوات الله وسلامه لا يدرك هذا الشهر في العام القابل، وهكذا نحن إخوتي الكرام، ينبغي أن نضاعف الجد والاجتهاد والطاعة لربنا الرحمن في هذه الأيام أكثر من مضاعفتنا فيما سبق من أيام شهر رمضان.

والأمر الثاني: الذي كان من أجله يضاعف نبينا عليه الصلاة والسلام جده واجتهاده في الأيام العشر طلباً لليلة القدر، طلباً لليلة القدر

وقد اجتمع رأي الصحابة الكرام أن ليلة القدر في شهر رمضان وهي في العشر الأخير منه، وإذا كان كذلك فينبغي للإنسان أن يضاعف جده واجتهاده لعله يوافق تلك الليلة فيسعد سعادة لا يعدلها سعادة

إن هذا الشهر فيه ليلة القدر والمحروم من حرم تلك الليلة.

ثبت في سنن ابن ماجة بإسنادٍ صحيح من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم]

إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر.. فكان نبينا عليه صلوات الله وسلامه يضاعف الجد والاجتهاد من أجل طلب هذه الليلة التي لها هذا الشهر العظيم عند رب العباد

عباد الله.. جعل الله لليلة القدر من الثواب ما جعله لشهر رمضان، صياماً وقياماً، فالأجر الذي تحصله بصيامك أن الذنوب المتقدمة والمتأخرة تغفر لك إذا قبل منك الصيام، والأجر الذي تحصِّله بقيامك تغفر لك ذنوبك المتقدمة والمتأخرة إذا قبل القيام، هذا الأجر بعينه تحصِّله إذا وفقت لإدراك ليلة القدر.

ص: 8

ثبت الحديث بذلك في المسند والكتب الستة من رواية أبي هريرة باستثناء سنن الترمذي فلم يروا الحديث من أهل الكتب الستة – من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه] .. زاد الإمام أحمد في المسند والطبراني في المعجم الكبير من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه [وما تأخر][من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] سبحان ربي العظيم.. على هذا الجود الذي يجود به على العالمين، على المسلمين طاعة من هذه الطاعات الثلاث تغفر لك ذنوبك المتقدمة والمتأخرة!! فما أكرم الله، وما أفضل هذا الشهر عند الله، [من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] وهذا الزيادة إسنادها حسن كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام الهيثمي وقبله المنذري، وبعدهما الإمام ابن حجر العسقلاني عليهم جميعاً رحمة الله جل وعلا،، يغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.

عباد الله..

هذه الليلة العظيمة التي هي ليلة القدر

أنزل الله سورة كاملة تتحدث عن شأنها وتنوه بعظيم قدرها، فهي ليلة فخيمة عظيمة، يقول الله في تلك السورة الكريمة:{إنا أنزلناه في ليلة القدر} الإنزال الذي يشمل الأمرين:

ص: 9

إنزال القرآن من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وابتداء إنزال القرآن على نبينا عليه الصلاة والسلام، كان ذلك في ليلة القدر، في شهر رمضان، كما تقدم معنا، في أول مواعظ شهر رمضان، {إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر *} الاستفهام للتفخيم والتعظيم، أي هذه عظيمة فخيمة، قال العبد الصالح سفيان بن عيينة، سيد المسلمين في زمنه كما نقل ذلك عنه البخاري في صحيحه تعليقاً عنه بصيغة الجزم: كل ما في القرآن {وما أدراك} فقد أطلع الله نبيه عليه، عليه الصلاة والسلام، وكل ما في القرآن {وما يدريك} فلم يطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم عليه..

{وما أدراك ما ليلة القدر} أطلعه عليها، وأعلمه بوقتها، وقد وافقها عليه الصلاة والسلام، وأراد أن يخبر الصحابة الكرام بها، كما هو ثابت في صحيح البخاري وغيره، فرفع ذلك الحكمة يعلمها الله ولا نعلمها، وعسى أن يكون ذلك خيراً لنا [فالتمسوها في العشر الأخير من شهر رمضان] وأرجى لياليها ليالي الوتر.

إذن {وما أدراك ما ليلة القدر} وهذا الأثر الذي نقله الإمام البخاري معلقاً عن هذا العبد الصالح، سفيان بن عينه، وصله محمد بن يحي العدني إمام الحرم المكي في زمنه الذي توفي سنة 243 للهجرة، وهو من رجال الإمام مسلم في صحيحيه وأهل السنن الأربعة إلا سنن أبي داود، وهو من الأئمة الأخيار، وله مسند وصل هذا الأثر في مسنده عن سفيان ابن عيينة بإسنادٍ صحيح،

ص: 10

وهذا الأثر مع صحته ومنزلة قائله يَرُد عليه اعتراض في الشق الثاني ألا وهو أن ما في القرآن {وما يدريك} لم يطلع الله نبيه عليه، عليه الصلاة والسلام يقع على هذا اعتراض واحد فقط ألا وهو ما ورد في سورة (عبس) فالله جل وعلا قال لنبيه عليه الصلاة والسلام:{وما يدريك لعله يزكى} وقد أطلع الله نبيه وأعلمه أن ابن أم مكتوم ممن يزكى ويتطهر وهو من الصحابة الكرام الأبرار، نعم ما عدا هذا الكلام سديد صحيح رشيد {وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} لم يطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على هذا، {وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر} .

قال أئمتنا الكرام، وحاصل أقوال المفسرين ترجع إلى هذا {ليلة القدر خير من ألف شهر} أي خير من ألف شهر، من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر

{ليلة القدر خير من ألف شهر} وألف شهر تعدل ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر إذا حسب أن الشهر ثلاثون يوماً، وإذا كان الشهر القمري يكون تسعة وعشرين وثلاثين، فلعل السنوات تصل إلى خمس وثمانين سنة، قيام هذا

الليلة يعدل عند الله عبادة خمس وثمانين سنة، {وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر} وإنما أعطى الله هذه الأمة المباركة هذا الأمر لأمرين معتبرين ورد ذكرهما في كتب التفسير:

ص: 11

الأول: رواه ابن أبي حاتم في تفسيره والإمام الطبري في تفسيره أيضاً، والأثر رواه محمد بن نصر في كتاب (قيام الليل) ، ورواه الإمام ابن المنذر، ورواه الإمام البيهقي عن مجاهد مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من الأمم السابقة لبس السلاح وبقى يقاتل وهو في سلاحه ألف شهر فعجب الصحابة من ذلك، وتمنوا لو مد الله في أعمارهم لينالوا تلك الفضيلة التي حصلها من قبلهم، فأنزل الله جل وعلا هذه السورة الكريمة يخبرهم فيها أن قيام العبد الصالح من هذه الأمة المرحومة المباركة في ليلة القدر إذا وافقها يعدل عبادة وطاعة، يعدل طاعة ألف شهرٍ لله جل وعلا،، من لبس فيها السلاح وقاتل في سبيل الله جل وعلا.

والأثر الثاني: رواه الإمام مالك في موطئه، وقال: حدثني من أثق به من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أُريَ أعمار الناس من قبله وقد كانوا يُعمَّرون وحياتهم تطول، فكأنه عليه الصلاة والسلام تقاصر أعمار أمته وخشي ألا يبلغوا من الخير ما بلغته الأمم السابقة، فأنزل الله عليه سورة القدر يبشره فيها أن قيام فرد من أمتك، ومن أتباعك (على نبينا صلوات الله وسلامه) أن قيام هذا الفرد لليلة القدر يعدل عند الله بعبادة ألف شهر.

وهذا الأثر الذي رواه الإمام مالك عمن يثق به من أهل العلم يشهد له أثر مجاهد المتقدم، ويشهد له أثر مرسل آخر روي عن علي بن عروة كما بين أئمتنا الكرام، ومثل الآثار إن لم تكن تصلح لبناء الأحكام عليها فيستشهد بها ويعتبر بها ويتقوى بعضها ببعضها، هذا ما يتعلق ببيان أن ليلة القدر خير من ألف شهر، خير من عبادة ألف شهر، حصل هذا في مناسبتين اثنتين

1-

رجل لبس السلاح ألف شهر فتمنى الصحابة ذلك فبشرهم الله بأن ليلة القدر تعدل ذلك.

2-

تقاصر النبي صلى الله عليه وسلم أعمار أمته فأعطاه ليلة القدر يعوضون بها ما فاتهم من طول العمر، فهذه الليلة لها هذا المقدار عند الله جل وعلا

ص: 12

نعم إخوتي الكرام

أعمار هذه الأمة قصيرة وقل منهم من يحوز السبعين كما ثبت هذا عن خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام.

ففي سنن الترمذي وابن ماجة، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط مسلم، وأقره عليه الإمام الذهبي، والحديث رواه الخطيب في (تاريخ بغداد)، وإسناده صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجُوزُ ذلك]، وكان الحسن بن عرفة إذا حدَّث بهذا الحديث يقول:(أنا من القليل) .. لأنه ممن جاوز السبعين عليه وعلى جميع المسلمين رحمات رب العالمين،، أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك، فعوضوا عن قصر عمرهم بأن أعطاهم الله هذه الليلة في كل سنة في شهر رمضان، فإذا وفقوا لها ووافقوها حصَّلوا عبادة ألف شهرٍ عند ذي الجلال والإكرام.

إخوتي الكرام: وما ورد في كتب التفسير، وهو مروي في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم، وصححه وأقره عليه الذهبي فينبغي أن نعيه وأن نتبين حكمه، من رواية القاسم بن الفضل، أن رجلاً قام للحسن ابن علي رضي الله عن آل البيت الطيبين الطاهرين، وعن الصحابة أجمعين، قام إليه سنة أربعين للهجرة عند ما تنازل عن الخلافة لمعاوية وسمي ذلك العام بعام الجماعة عندما فعل الحسن بن علي رضي الله عنه وأرضاه هذا قام إليه رجل فقال له سوّدت وجوه المؤمنين!! وفي رواية قال له (يا مسوّد وجوه المؤمنين) فقال له الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين (لا تؤنبني رحمك الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُري بني أمية يصعدون على منبره واحداً بعد الآخر فساءه ذلك فأنزل الله عليه إنا أعطيناك الكوثر ـ نهر في الجنة وأنزل عليه {إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر} أي من ألف شهر يملكها بنو أميّة..

ص: 13

والأثر إخوتي الكرام: كما قلت في سنن الترمذي ورواه الحاكم وصححه وأقره عليه الذهبي..

وينبغي أن نقف عند هذا الأثر وقفة لنتبين حكمه، كما قرر أئمتنا الجهابذة المحدثون عليهم جميعاً رحمة الله جل وعلا..

إخوتي الكرام..

هذا الأثر غايته أن ليلة القدر تفضل ألف شهر من حكم بني أمية، وهذا في الحقيقة ليس كذلك،، يقول القاسم بن الفضل:(فحسبنا مدة بني أمية فبلغت ألف شهر لا تنقص ولا تزيد) إن الأمر ليس كذلك، إن بني أمية حكموا سنة أربعين للهجرة واستمر حكمهم إلى سنة اثنين وثلاثين ومائة للهجرة 132هـ عندما قضى على الخلافة الإسلامية وانتقلت بعد ذلك إلى العباسيين ومن أحصى هذه المدة من سنة أربعين 40هـ إلى سنة اثنين وثلاثين ومائة 132 هـ يتبين له أن حكم بني أمية بلغ اثنين وتسعين سنة ولم يبلغ ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر كما ورد في الرواية حكمهم، بلغ ألف شهر لم يزد ولم ينقص، إنه زاد على ذلك، وهذه المدة إذن تعارض هذا الأثر الذي فيه أن هذه المدة ما زادت على ألف شهر. إنها زادت.

وأما محاولة بعضهم أن يستثني مدة خلافة عبد الله بن الزبير وقد حكم الحرمين والأهواز فلا يصح هذا الاستثناء أبداً، فالخلافة لم تخرج عن بني أمية، وإن خرج عبد الله بن الزبير في بعض أقاليم المسلمين وعليه فقد حكموا اثنتين وتسعين سنة في هذه الأمة المباركة المرحومة.

الأمر الثاني: في الأثر محذور محذور، ينبغي أن نعيه وأن نفطن له، وبالتالي ينبغي أن نعرف قيمة الرواية.

ص: 14

غاية ما في الأثر أنه يُفَضِّل ليلة القدر على أيام بني أمية، وليلة القدر ليلة شريفة جليلة فاضلة، وهذا سيق على تعبيرهم لذم أيام بني أمية، فإذا كانت أيام بني أمية فيها ذم وسوء كيف تُفَضَّلُ ليلة القدر على الأيام الناقصة التي فيها ظلم وسوء وجور وعسْف؟؟! هذا لا يستقيم في التفضيل، وما مثال هذا التفضيل إلا قول القائل: جبريل أفضل من اليهود، على نبينا وعلى جبريل وعلى ملائكة الله الأطهار صلوات الله وسلامه.

هذا لا يقال، يقال: جبريل أفضل الملائكة، ويقال نبينا عليه الصلاة والسلام أكرم الخلق وأفضل رسل الله، وأما أن يقال: إن نبينا عليه الصلاة والسلام أفضل من أبي جهل!! ليس هذا بمدح

ألم تر أن السيف ينقص قدره

إذا قيل إن السيف أمضى من العصا، إذا أنت فضلت أمرءاً ذا براعة على ناقص كان المديح من النقص، فهذا الأثر سيق لمدح ليلة القدر فكيف تُفَضِّل على أيام مذمومة على حسب ما ورد في الرواية!! هذا لا يستقيم في التفضيل ولا يصلح أبداً.

الأمر الثالث: سورة القدر مكية باتفاق أئمتنا وما كان للنبي عليه الصلاة والسلام منبرٍ يخطب عليه إلا في المدينة المنورة المشرفة، فكيف يتراء عليه صلوات الله وسلامه في مكة بني أمية يصعدون على منبره ويَنْزُون عليه نُزُوّ القردة، كما ورد في بعض الروايات، فيسوؤه ذلك فينزّل الله عليه في مكة هذه السورة بأننا سنعطي أمتك ليلة القدر وهي خير من حكم بني أمية ألف شهر؟!!

ص: 15

إن هذا لا يستقيم ولا يصح وما بعد ذلك تكلف به من تأويل هذه الرواية بأن النبي عليه الصلاة والسلام أُطلِعَ على مُغَيّب على منبر سيكون في المدينة بعد حين كل هذا لا يستقيم مع ما تقدم، ولذلك قال شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسيره بعد أن بين أن القول المعتمد في تفسير الآية ما ذكرته {ليلة القدر خير من ألف شهر} أي من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، قال: وما عدا هذا فدعاوى باطلة لم يَرِدْ بها أثر ولم يشهد لها نظر، لم يرد بها أثر ولم يشهد لها نظر، ولم ترد في آي التنزيل

ولذلك حكم الإمام ابن كثير في تفسيره أن الحديث مضطرب منكر الإسناد، ونقل هذا عن شيخ المسلمين في زمنه عن الإمام أبي الحجاج المزي، ولعل هذا الحديث مما دخلت فيه لأهواء السياسية والعلم عند رب البرية.

ولا يجوز أن نقول إن ليلة القدر خير من ألف شهر حكمها بنوا أمية للاعتبارات المتقدمة فكونوا على علم بذلك عباد الله.

{ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها

} تنزل الملائكة، والروح: إما أن يراد منه خصوص جبريل، وهو أظهر الأقوال وخصه ربنا جل وعلا بالذكر تخصيص بعد تعميم لمزيته وشرفه ومنزلته ورفعة قدره من بين الملائكة الكرام،، وإما أن يكون ملك آخر أو صنف من الملائكة، والعلم عند الله جل وعلا، والأقوال الثلاثة في كتب التفسير، وأظهرها أولها {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} وكثيراً ما يخص الله جبريل بالذكر بعد ذكر الملائكة {من كان عدواً لله وملائكة ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدوٌ للكافرين} تخصيص بعد تعميم لمنزلة هذا الخاص ومكانته بين ذلك العموم.

ص: 16

{تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} قوله: {من كل أمر} إما أن تكون {من} بمعنى الباء، تتنزل الملائكة بإذن الله بكل أمرٍ أمروا به، بكل أمر أمروا به، ففي هذه الليلة يحصل فيها التقدير فـ {فيها يفرق كل أمرٍ حكيم} {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم

...} يتنزلون بأمر الله جل وعلا، {بإذن ربهم من كل أمر} أي بكل أمرٍ أُمروا به، وبكل تقديرٍ أُمروا به، وعليه تم الكلام عند قول الله:{وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} ثم ابتدأ {سلامٌ هي حتى مطلع الفجر} سلام: إما أن الملائكة تنزل بعد ذلك لتسلم على المؤمنين والمؤمنات، أو أن تلك الليلة سالمة من كل سوءٍ ومن جميع الآفات.

{سلامٌ هي حتى مطلع الفجر} ، وإما أن قوله جل وعلا {من كل أمر} متعلق بما بعده ويصبح التقدير كما قرر أئمتنا: سلام من كل أمر، والأمر المراد منه واحد الأمور وهي الشؤون، وعليه شؤون تلك الليلة، أمورها، ما يجري فيها سلامة فلا يقع فيها نقص ولا سوء، ولا يخرج فيها شيطان ولا يَنْقَضُّ فيها كوكب، ولا تحصل فيها آفة، {سلام هي حتى مطلع الفجر} .

إخوتي الكرام..

ليلة القدر التي نزلت هذه السورة الكاملة بشأنها قال أئمتنا: تدل هذه التسمية على ثلاثة أمور مجتمعة.

أولها: القدر بمعنى التعظيم ومنه قول ربنا الكريم {وما قدروا الله حق قدره} أي ما عظموه، وهذه الليلة عظيمة فخيمة ففيها نزل كتاب ذو قدر على نبينا عليه الصلاة والسلام وهو ذو قدر، كتاب ذو قدرة على نبي ذي قدر، أرسل الله به ملكاً ذا قدر، وهذه الأمة صار لها قدر بذلك الكتاب ويصبح لها قدر عند الله إذا أحيت تلك الليلة، وهذه الليلة تنزل فيها ملائكة ذَوُوا قدر وفيها خيرات كثيرة ذات قدر. فالعظمة حاصلة فيها.

ص: 17

وشاملٌ هذا المعنى آخر يفيده لفظ القدر، ألا وهو التضييق، ومنه قول الله جل وعلا {وَمَنْ قُدِرَ عليه رزقُه} أي ضُيّق عليه وأعطي بمقدار كفايته وهنا ليلة القدر أي ليلة التضييق، والتضييق يحصل من أمرين اثنين.

أولاً: من حيث إخفاؤها، فكتمها الله جل وعلا عن عباده وأمرهم بأن يجتهدوا ليوافقوها، ولا يُحصّل موافقتها إلا من رضي الله عنه وأنعم عليه ثم بعد ذلك حصل فيها تضييق من ناحية أن الأرض تضيق في تلك الليلة بالملائكة الكرام التي تنزل من عند ذي الجلال والإكرام.

إذن ليلة عظيمة فيها تضييق من وجهين، من حيث إخفاؤها ولم يعلم بها إلا قلة قليلة، ومن حيث ضيق الأرض بالملائكة الذين نزلوا من السماء عليها.

والقدر: يؤاخي القضاء، وهو المعنى الثالث، ويدل عليه، فهو بمعنى القَدَر، فهي ليلة التقدير، فـ {فيها يفرق كل أمرٍ حكيم} ولا تنافي هذا إخوتي الكرام مع ما تقدم معنا من أنه يقع في ليلة النصف من شعبان ما يشبه هذا بأن الله يقدِّر على كل نفس تموت في ذلك العام، ذلك التقدير في ليلة النصف من شعبان لا يتنافى هذا أبداً فهذه كتابات متلاحقة، وإعلامات متتابعة من الله للملائكة الموكلة بتدبير أمر هذا العالم.

فإذن ليلة القدر ليلة العظمة، ليلة التضييق من وجهين، ليلة التقدير.

هذه الليلة إخوتي الكرام: لها شأن عظيم عند الله جل وعلا، من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا القيام، عند أئمتنا الكرام ينبغي أن يصاحبه معرفة لليلة القدر، وعلم بها، وإذا قام ولم يوافقها فله أجر على قيامه لكن هذا الأجر المعيَّن، هذا الأجر المخصوص، لا يناله إلا من استبانت له ليلة القدر وظهرت له علاماتها.

ص: 18

فإن قيل: لها علامات؟! نقول: كيف لا!! وقد أرشد إليها خير البريات عليه الصلاة والسلام، ليس المقصود من إقامتها القيام فيها فقط، إنما المقصود قيام مع موافقة ففي المسند ومعجم الطبراني بإسناد صحيح في الحديث المتقدم، من رواية عبادة ابن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ثم وُفّقت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] .

وفي صحيح مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً فيوافقها غفر له ما تقدم من ذنبه] .

وفي مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة إلا سنن أبي داود، والحديث رواه ابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، وأقره عليه الإمام الذهبي، من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:[يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا أقول إن وافقت ليلة القدر؟ قال قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني] .

إذن وُفّقت له، يوافقها، إن وافقت، قال شيخ الإسلام الإمام النووي وهذا الذي عليه أكثرأئمة المسلمين، وقال حَذام المحدثين الإمام ابن حجر: هوالذي يترجح عندي قوله وفقت له، يوافقها، عن وافقتها: أي إن استبانت له بعلامة من علاماتها.

وليلة القدر لها علامات، ولا يستبينها إلا من أكرمه الله بها، فيرى كل شيءٍ يسجد لرب الأرض والسماوات، يرى النور قد ملأ الدنيا، يسمع تسليم الملائكة عندما يسلمون عليه، لو كان بجوار بحرٍ وشرب منه لانقلب الماء عذباً سائغاً {سلام} .. فلابد من إدراك تلك الخصوصيات لينال الإنسان هذا الأجر عند رب الأرض والسماوات، وهذا الذي عليه كما قلت أئمة الإسلام.

ص: 19

وقد ألف بعض أئمتنا كتباً في ذلك كما فعل ولي الدين أبو زُرعة ولد شيخ الإسلام الإمام العراقي عليهم جميعاً رحمة الله، وقد توفي سنة ست وعشرين وثمانمائة للهجرة كتاباً في علامات ليلة القدر وفضلها وهذه العلامات، كما قلت إخوتي الكرام دل عليها حديث النبي عليه الصلاة والسلام [وِّفقت له، يوافقها، إن وافقت] وليس المراد كما قلت مجرد قيام لها.. قيام تحصل موافقة مع القيام وهذه الموافقة حقيقة أنا نحوها في موفقين اثنين: هل جعلت علامةً على الصيام والقيام؟ فإن كان كذلك فيا ويح ويا ويل من لم يوافقها ونسأل الله أن يحسن ختامنا.

أو أنها جعلت تلك الموافقة، مزيد إكرام من الله لمن شاء من أوليائه وعباده ما وجدت كلاماً لأئمتنا في هذا الأمر والعلم عند الله جل وعلا.

هل تلك الموافقة تكون لمن قبل الله صيامه وقيامه فيوافق ليلة القدر، ويكون ذلك بشارة عاجلة له في هذه الحياة!! إن ذلك ليس ببعيد.

لكن كما قلت، ما وقفت على كلام لمن سبقنا في ذلك، وأعوذ بالله أن أقول شيئاً لم أُسبق إليه.. إنما أقول كما ذكرت هل هذا (لهذا أو لهذا) ، هل هذه الموافقة علامة على قبول الصيام والقيام؟ أو هي مزيد إكرام وإن قبل الصيام والقيام، يكرم الله بعد ذلك بعض المقبولين بموافقة ليلة القدر ويحرم بعض المقبولين عن موافقة ليلة القدر؟!!

إنما لا يحصل أجر قيام ليلة القدر المعين المخصوص إلا بموافقتها وإداركه علامة خاصة لها.

ولذلك قال الإمام السبكي الكبير تقي الدين عليهم جميعاً رحمات رب العالمين

(يستحب ويسن لمن وافق ليلة القدر واستبانت له بعلامة من العلامات أن يكتم ذلك وأن لا يخبر به أحداً) ثم قرره بوجهين معتبرين:

الأول: قال لأن هذا الذي اختاره الله لنبييه عليه الصلاة والسلام فقد أطلعه على ليلة القدر ولما أراد أن يُعلم الناس بها رفع ذلك من صدره فما اختاره الله لنبيه، عليه الصلاة والسلام هو الخير،

ص: 20

والأمر الثاني: يقول الإمام السبكي الكبير (إن ذلك وقع من الله كرامة لهذا العبد وإذا كانت تلك الموافقة كرامة فينبغي أن يكتمها الإنسان خشية السلب، أي أن يسلب تلك الكرامة، فأنت أكرمت بها على وجه الخصوص وقد أكرمك الله بهذا دون أن يشعر بذلك أحد فاكتم ذلك)، ولذلك قال الإمام ابن حجر:

(قد يكون الإنسان في المسجد مع عشرة أو مائة يصلون ويقومون ليلة القدر فيوفقها واحد منهم ولا يوافقها البقية فيكشف له ويراها، وهم معه ينظرون لكن لا يرون ما يرى، والله على كل شيءٍ قدير) .

إذن خشية السلب، إنها كرامة فلا يخبر بها خشية السلب، وخشية الرياء، ولا يخبر بها خشية الحسد، فيوقع الناس في إثم الحسد لأنه عندما أعلمهم بذلك وما استبان لهم ذلك وهم معه يحسدونه وقد أوقعهم في ذلك ثم بعد ذلك يشتغل، عند ما يراها بإعلام الناس ويغفل عن شكر رب الناس.

ولذلك إذا أطلعه على ليلة القدر، ووافقها فهذا منَّة من الله عليه فليكتم ذلك، والكرامة إذا وقعت على وجه الخفية يسن للإنسان أن يسترها وألا يخبر أحداً من الخلق بها

إخوتي الكرام..

ليلة القدر تكون في العشر الأخير من شهر رمضان.

أي الليالي هي؟

لا يعلم ذلك إلا الله، وإذا قام تلك الليلة إنسان من يوافقها؟!

لا يوافقها إلا من أنعم الله عليه ورضي الله عنه.. نعم إن أرجى لياليها، كما قال أئمتنا، ليالي الوتر، وخاصة ليلة السابع والعشرين.

ثبت في مصنف عبد الرزاق والأثر رواه الإمام محمد بن نصر في (قيام الليل) والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم، وأقره عليه الإمام الذهبي، والأثر رواه البيهقي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، دَعَوَا الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فسألهم عن ليلة القدر، قال ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، فاجتمع رأيهم على أنها في العشر الأخير من شهر رمضان

ص: 21

قال: في أي ليلة هي؟ فاختلفوا، فبعضهم يقول في التاسع، والسابع، والخامس من ليالي العشر، يقول: وأنا ساكت لا أتكلم، فقال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين: ألا تتكلم؟! فقلت: يا أمير المؤمنين إنها في سابعة مضت أو في سابعة بقيت، (إنها في سابعة تمضي أو في سابعة تبقى) إذا كانت في سابعة مضت، فإذن مضت ست وعشرون، وليلة السابع والعشرون، وإذا كانت في سابعة بقيت أو تبقى، فإما أن تكون ليلة الثاني والعشرين أو ليلة الثالث والعشرين على حسب اكتمال الشهر أو نقصانه ولا يعلم ذلك إلا الله.

هذا على حسب كلام ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، إما في سبعة تبقى أو في سبعة مضت، فقال له: ومن أين لك ذلك؟! قال: يا أمير المؤمنين إن الله خلق السماوات فجعلهن سبعاً، وخلق الأراضين فجعلهنَّ سبعاً، وأيام الأسبوع سبع، والإنسان خلق في سبع، ويأكل من سبع ويسجد على سبع وعدد سبعات ورد بها شرع رب الأرض والسماوات.

أما أن الإنسان خلق من سبع، فقد استدل ابن عباس على ذلك بقول الله جل وعلا:{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من ماءٍ مهين * ثم جعلناه نطفةً في قرارٍ مكين * ثم خلقنا النطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} .

وأما أنه يأكل من سبع فنَزع ذلك من قول الله جل وعلا: {فلينظر الإنسان إلى طعامه * أنا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا * فأنبتنا فيها حباً * وعنباً وقضبا * وزيتوناً ونخلاً * وحدائق غلبا * وفاكهة وأباً *} .

إذن خلق في سبع، يأكل من سبع، يسجد على سبع، سماوات سبع، رمي الجمار سبع، الطواف سبع، يقول هذا الأثر له دلالة معينة في شريعة الله فليلة القدر في سبعة تبقى أو في سبعة تمضي.

ص: 22

فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن عباس رضي الله عنهم أجمعين لله دَرُّك خفي علينا ما علمته، ما أعلم إلا ما تعلم، أن ليلة القدر تكون في سابعة تبقى أو في سابعة تمضي.

قال شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة في المغني: وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه استدل على أنها ليلة السابع والعشرين من الكلمة الواردة في سورة القدر وهي الكلمة السابعة والعشرون في سورة القدر

(إنا – أنزلناه – في – ليلة – القدر – وما – أدراك – ما – ليلة – القدر – ليلة – القدر – خير – من – ألف – شهر – تنزل – الملائكة – والروح – فيها – بإذن – ربهم – من – كل – أمر – سلام – هي – حتى مطلع الفجر)

فقال شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة، وقد استنبط ابن عباس وغيره أن ليلة القدر تكون ليلة السابع والعشرين لأن لفظ هي الذي يعود على ليلة القدر

الكلمة السابعة والعشرون من سورة القدر.

وهذا الكلام قال به عدد من أئمة الإسلام من المالكية وغيرهم، وبعد أن حكاه الإمام ابن حزم عن المالكية، شنع عليهم غاية التشنيع، وقوله في منتهى الشناعة وإذا أُثر هذا القول عن بعض السلف فليسكت الخلف.

نعم

قال الإمام ابن عطية في المحرر الوجيز وهذا من مُلح التفسير، وليس من متين العلم.

وقد أورد أئمتنا دلالة ثالثة على أن ليلة القدر تكون ليلة السابع والعشرين، وذلك أرجى ما يمكن أن يكون في إدراك ليلة القدر. قالوا: كلمة {ليلة القدر} ذكرها الله جل وعلا ثلاث مرات في هذه السورة {إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر *} قالوا: و {ليلة القدر} تسعة أحرف، أما الليلة فهي أربعة أحرف، والقدر خمسة أحرف، فليلة القدر إذن تسعة أحرف، وتسعة إذا ضربت في ثلاثة، المجموع سبع وعشرون.

ص: 23

وكما قلت: هذا من ملح التفسير وليس من متين العلم، نعم.. قال أئمتنا قد تنتقل أحياناً، ففي الغالب تكون ليلة السابع والعشرين، وقد تنتقل، إنما المهم العظيم أن يوافقها الإنسان إذا أقام تلك الليلة، وكم ممن يقوم ولا يوافق.

نسأل الله برحمته التي وسعت كل شيءٍ أن يجعلنا ممن يصومون هذا الشهر ويقبل منهم صيامه، وأن يجعلنا ممن يقومون هذا الشهر ويقبل منهم قيامه، وأن يجعلنا ممن يقومون ليلة القدر ويوفقون لموافقتها وإدراكها بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

أقول هذا القول وأستغفر الله.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين.

اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين..

عباد الله:

ذكرت العلامات لليلة القدر التي يدركها من أنعم الله عليه بإدراكها

نعم هناك علامات ظاهرة قد يستوي كثير من الناس في إدراكها، منها، ما تكون في تلك الليلة، ومنها ما يكون بعدها، بل أكثر علاماتها الظاهرة تكون بعد ذهاب تلك الليلة.

هذه العلامات بإمكان الإنسان أن يدركها، لكن الشأن كلُّ الشأن أن يوافقها وأما أن يتعرف على العلامات الظاهرة فلا يفنيه ذلك وليس له أجر قيام ليلة القدر وإن كان لا يعدم أجراً على القيام والعلم عند ذي الجلال والإكرام.

فمن تلك العلامات الظاهرة أن السماء تكون فيها منيرة كأن فيها قمراً يفضح كواكبها، ومن نظر إليها رآها تتلألأ في تلك الليلة.

ومن تلك العلامات أنها تكون متوسطة لا حارة ولا باردة.

ومن تلك العلامات أنها لا ينقضُّ فيها كوكب ولا يُرمى فيها بشهاب.

ص: 24

ومن تلك العلامات، وكل هذا وارد في الأحاديث الصحيحة عن خير البريات عليه صلوات الله وسلامه، وتركت ذكر الأدلة على ذلك خشية الطول، فالعلامات ثابتة في صحيح مسلم والمسند وغير ذلك من كتب السنة، وكما قلت علامات ظاهرة ينبغي أن يوفق الإنسان للعلامات الخاصة التي هي خاصة بمن يكرمه الله بإدراكها.

ومن تلك العلامات الظاهرة أن صبيحة تلك الليلة تخرج الشمس لا شعاع لها بيضاء كالطست أي كأنها طسْتٌ لا شعاع لها ولو نظرت إليها لا يمتد إليك أشعة منها تكسر نظرك.

كأن الشمس في تلك الصبيحة كأنها بدرٌ قمر، فيذهب عنها الشعاع ولذلك تخرج الشمس في تلك الصبيحة ترقرق برفق وسهولة لا يصاحبها شعاع من كثرة الملائكة الذين هم في هذه الأرض.

هذه علامات ظاهرة يمكن للإنسان أن يدركها، لكن الشأن، كما قلت، في إدراك العلامات الخاصة بها

أسال الله أن يكرمنا بإدراكها إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، الله آمن روعاتنا، واغفر ذلاتنا يا أرحم الرحمين، اللهم اجعل هذا الشهر الكريم أوله لنا رحمة، وأوسطه لنا مغفرة وآخره عتقاً لرقابنا من النار، اللهم تقبل منا الصلاة والصيام والقيام.

اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، اللهم اجعلنا من عتقاء شهر رمضان، اللهم أدخلنا الجنة من باب الريان بسلام، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً.

اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين..

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 25