الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرحة العيد
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
فرحة العيد
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.
اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي صالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين.
(يأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) .
وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) .
(يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) .
(يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) .
أما بعد: معشر الإخوة الكرام..
تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام أيام استب شار وسرور بما من به عليها ربنا العزيز الغفور من الصيام والقيام في سيد الشهور وهذه الفرحة التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الأوقات ينبغي أن يقف عندها أهل العقول فأقول ومن الله التوفيق لأرشد الأمور.
معشر الإخوة المسلمين وحد الله بين عباده الموحدين في العقائد والأفكار وفي الأقوال والأعمال وفي المشاعر والأحاسيس في جميع الأحوال في السراء وفي الضراء فالله عقد بين عباده المؤمنين عقد الإخاء وأوجب لبعضهم على بعض النصرة والمحبة والولاء ولاغرو في ذلك فهم لله أولياء (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) .
وقد وضح نبينا صلى الله عليه وسلم صلة المؤمنين ببعضهم وما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمنين في أحاديثه الصحيحة الكثيرة التي تقرر هذا الأمر فمن ذلك كما ثبت في الصحيحين وسنن الترمذي والنسائي والحديث رواه الإمام ابن حبان في صحيحه وابن أبي شيبة في مصنفه وهو من أعلى الأحاديث درجة من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك نبينا صلى الله عليه وسلم بين أصابعه لتقرير هذه الصورة الذهنية بالأمثلة الحسية.
نعم إخوتي الكرام: هم كالبنيان المرصوص وهو كالجسد الواحد كما قرر نبينا صلى الله عليه وسلم هذا ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث رواه أبو نعيم في حلية الأولياء والإمام أبو داود الطيالسي في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى من رواية سيدنا النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) .
وفي بعض روايات الحديث (ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .
وفي بعض روايات الحديث في صحيح مسلم وغيره (المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله) .
هذا هو حال المؤمنين وحد الله بيننا كما قلت في العقائد والأفكار وفي الأقوال والأعمال وفي المشاعر والأحاسيس في جميع الأحوال وثبت في مسند الإمام أحمد والحديث رواه الإمام القضاعي في مسند الشهاب وأبو نعيم في الحلية وإسناده حسن بالشواهد من رواية سهل بن سعد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لما يصيب أهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس) .
إخوتي الكرام: وحد رب العالمين بين عباده الموحدين في العقائد والأفكار في الأقوال والأعمال في الأحاسيس والمشاعر في جميع الأحوال في السراء وفي الضراء وتحقيقا لهذا الأمر أمر الله جل وعلا أن تتوحد هذه الأمة من أولها لآخرها بقضها وقضيضها عن بكرة أبيها أن تتوحد تحت إمرة حاكم واحد تحت إمرة خليفة واحد يقودها من شرقها إلى غربها ومرد الأمور فيها إليه على حسب كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وله أعوان وأمراء في أقطار الأرض إنما ينبغي أن تتوحد الأمة في جيشها وفي بيت مالها وفي جميع أحوالها تحقيقا للوحدة التي عقدها الله بين عباده الموحدين في عقائدهم في أقوالهم في أعمالهم في مشاعرهم فإذا كان الرب الذي نعبده سبحانه واحد وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم الذي نتبعه واحدا وإذا كان الدين الذي ندين به واحدا وإذا كان البيت الذي نستقبله ونتوجه إليه واحدا فعلام تتعدد دويلات المسلمين إن هذا نذير بكل سوء مبين في العاجل وعند رب العالمين.
وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر الوخيم ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى والبغوي في شرح السنة من رواية سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) لأنه يريد أن يفرق الجماعة وأن يشق عصى الطاعة وأن يجعل الأمة شيعا وأحزابا ودويلات تتنازع فيما بينها والدولة الإسلامية ينبغي أن يقودها إمام واحد ينوب عن نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام في الحكم بين عباد الله بالشريعة الإسلامية ورواه اِلإمام البزار والطبراني في معجمه الأوسط بسند صحيح رجاله ثقات من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه كما في مجمع الزوائد في الجزء الخامس صفحة 198 في كتاب الخلفاء باب في النهي عن بيعة خليفتين والحديث رواه الإمام ابن عساكر عن سيدنا على وعن سيدنا العباس عم نبينا خير الناس عليه الصلاة والسلام.
وروى الإمام الطبراني في معجمه الكبير والأوسط بسند صحيح رجاله ثقات أيضا كما في المجمع في المكان المشار إليه عن التابعي الجليل سعيد بن جبير رضي الله عنه وأرضاه أن سيدنا عبد الله بن الزبير قال لسيدنا معاوية رضوان الله عليهم أجمعين: يا معاوية أنت حدثتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كان في الأرض خليفتان فاقتلوا الآخر منهما) فهو من رواية أيضا معاوية وعبد الله بن الزبير يحدث معاوية بهذا ويذكره وفي السنن الكبرى للإمام البيهقي يقول روينا في حديث ثقيفة بني ساعدة وهي بيت للأنصار الأبرار اجتمعوا فيه بعد موت نبينا المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فجاءهم سيدنا أبو بكر رضي الله عنه ومعه سيدنا عمر ومعهما سيدنا أبو عبيدة بن الجراح مع لفيف من المهاجرين وأخبروهم أن الخلافة ينبغي أن تكون في قريش فقال بعض الأنصار منا أمير ومنكم أمير فقال سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه كما في السنن الكبرى للإمام البيهقي سيفان في غمد لا يصطلحان إذا أردت أن تجعل سيفين في غمد واحد إن السيفين سيتسلما ويتكسران وإذا أردت أن تجعل على الأمة خليفتين سيقتتلان ويتنازعان ويصبح بأس الأمة بينها وقال سيدنا أبو بكر خير هذه الأمة بعد نبيها على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه مقالته الشهيرة: (لا يحل أن يكون على المسلمين خليفتان فهناك تترك السنة وتظهر البدعة وتعظم الفتنة وليس لأحد على ذلك صلاح) وتمت بعد ذلك البيعة لسيدنا أبي بكر من قبل المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم.
إخوتي الكرام: تحقيقا لعقد الإخاء الذي عقده الله بين أولياء رب الأرض والسماء أمرهم الله أن يكون الخليفة عليهم واحد يدير هذه الأمة وهو المسؤول عن جيوشها وعن بيت مالها وعن تدبير أمورها نعم له نواب وأعوان ينوبون عنه ويرفعون كل شيء إليه وهذه الأمة هي يد واحدة وهي وإن تعدد أفرادها فهي كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وكالجسد الواحد الذي يكمل كل عضو فيه الآخر ولا يمكن أن يستغني هذا الجسد عن عضو منه وإذا فصلت اليد عن الجسد فلا قيمة لها فإن اليد لا تضرب إذا فصلت عن الجسد وإذا فصلت الرجل عن الجسد فلا تمشي وإذا فصلت العين عن الجسد فلا تبصر وإذا قطعت اللسان عن الجسد فلا يتكلم وحال الأمة في هذه الأيام فصلت أعضاؤها وقطعت أطرافها عن بعضها وإلى الله نشكوا أحوالنا.
إخوتي الكرام: وقد قرر أئمتنا الكرام أن هذا الأمر الذي غاب عن كثير من الأذهان أنه واجب على أهل الإسلام أعني أن يكون عليهم خليفة واحد يقود هذه الأمة بجميع أجناسها وأشكالها واختلاف لهجاتها ولغاتها وأن يكونوا أخوة متحابين في الله رب العالمين هذا أمر واجب وهو مجمع عليه بين أئمتنا لا يخالف فيه إلا من كان ضالا نص على الإجماع إمام الفقهاء وسيد المحدثين الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتابه الرسالة صفحة 419 وقد حكى الإجماع غير واحد من أئمتنا الكرام انظروه في كتاب الأحكام السلطانية للإمام الماوردي وفي كتاب الأحكام السلطانية للإمام الفراء.
ونقل الإجماع على ذلك الإمام ابن حزم في كتاب مراتب الإجماع وأقره على ذلك شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في التعليق على كتابه المسمى بنقض مراتب كتاب الإجماع وحكى الإجماع على ذلك شيخ الإسلام الإمام النووي في شرح صحيح مسلم في الجزء الثاني عشر صفحة 32 فقال اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز أن تعقد الخلافة لخليفتين في وقت واحد في بلدين سواء كانا متباعدين أو متقاربين.
والله جل وعلا يقول في كتابه في سورة الأنبياء: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) ويقول جل وعلا في سورة المؤمنون: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) .
والمراد من الأمة هنا الملة والشريعة والدين ولفظ الأمة كما يأتي بمعنى الدين يأتي بمعان أخرى حاصلها أنه يأتي على خمسة معان في كتاب الله تعالى أولها ما ذكرت ويأتي لفظ الأمة بمعنى الجماعة والفرقة والقطعة ومنه قول الله جل وعلا: (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون) ومنه قول الله جل وعلا: (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) ومنه قول الله جل وعلا: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) .
ويأتي لفظ الأمة بمعنى الحين والبرهة والزمن وقد استعمل هذا في مكانين من كتاب الله عز وجل في سورة هود: (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه) وفي سورة يوسف: (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبؤكم بتأويله فأرسلون) .
ويأتي بمعنى الإمام المقتدى به الذي يعدل أمة من الأمم قال الله عز وجل في سورة النحل: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين) على نبينا وعلى خليل الله إبراهيم وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه والمعنى الخامس للفظ الأمة يأتي بمعنى الصنف ومنه قول الله جل وعلا في سورة الأنعام: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) في المأكل وفي المشرب والتمييز بين ما ينفعها مما يضرها ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى إلا أمم أمثالكم تأكل وتشرب وتعرف ربها وتعرف مالكها وتعرف عدوها من صديقها هكذا الطيور وهكذا الحيوانات الأخرى.
وهكذا بنو آدم إخوتي الكرام: وأيام العيد أيام تتوحد فيها المشاعر بين عباد الله المجيد أيام فرح أيام سرور وقد أقر نبينا صلى الله عليه وسلم هذا المعنى وأرشد المسلمين إليه.
ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي والحديث في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى والبغوي في شرح السنة وعبد بن حميد في مسنده والإمام الفريابي في كتاب أحكام العيدين والحديث صحيح كالشمس صححه الإمام الحاكم ووافقه الإمام الذهبي وصححه الإمام البغوي في شرح السنة وصححه الحافظ ابن حجر وأئمة الإسلام على هذا ولفظ الحديث من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وللأنصار يومان يلعبون فيهما فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما هذا فقالوا يا رسول الله يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية فنحن نلعب فيهما في الإسلام فقال نبينا عليه الصلاة والسلام إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى) .
نعم إخوتي الكرام: إظهار البشر والسرور في أعياد المسلمين هذا من الدين ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ولذلك أمر المسلمون بأجمعهم أن يحضروا صلاة العيد ليشاركوا في هذه الفرحة التي من الله بها على عباده بعد صيامهم وقيامهم أو بعد يوم عرفات الذي له شأن عظيم عند رب الأرض والسموات ينبغي أن يشارك الجميع الصغار والكبار النساء والرجال حتى أهل الأعذار ينبغي أن يشاركوا في صلاة العيد فالنساء الحيض يشهدن الخير ودعوة المسلمين لكنهن يعتزلن الصلاة فلا يصلين لكن ينبغي أن يحضرن في هذه الفرحة التي فيها إظهار شعائر الله وذلك من تعظيم الله جل وعلا.
إخوتي الكرام: وتحقيقا للفرحة في أيام العيد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن ننزع منا أيام العيد كل ما يشر إلى شدة إلى غلظة إلى قتال فإظهار السلاح أيام العيد مما ينبغي أن لا يحصل في بلاد المسلمين فالسلاح يشير إلى الرهبة يشير إلى الشدة وهذه أيام فرح أيام سرور ما ينبغي أن يوجد فيها ما يشير إلى شدة ولا إلى رهبة.
وقد ثبت في أصح الكتب بعد كتاب الله في صحيح البخاري في كتاب أحكام العيدين باب بهذا الخصوص فقال باب ما يكره من حمل السلاح في العيد وفي الحرم ثم روى معلقا بصيغة الجزم عن إمام التابعين الحسن البصري عليه وعلى أئمتنا رحمة رب العالمين أنه قال: (نهوا عن حمل السلاح أيام العيد إلا أن يخافوا عدوا) قال الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء الثاني صفحة 455 في شرح هذا الأثر يقول لم أجد هذا الأثر موصولا وإن نقله عن الحسن الإمام ابن المنذر عليهم جميعا رحمة الله نعم ثبت هذا الأثر وروى مرفوعا إلى نبينا عليه الصلاة والسلام في سنن ابن ماجه من رواية سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لكن بإسناد ضعيف قال عبد الله بن عباس: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس السلاح في العيدين في بلاد المسلمين إلا أن يكونوا بحضرة العدو) والحديث رواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه مرسلا من رواية الضحاك بن مزاحم إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وإسناده ضعيف أيضا لكن هذا المعنى ثابت.
وكما نهي المسلمون عن حمل السلاح أيام العيدين نهوا أيضا عن حمل السلاح في الحرمين فذاك مكان آمن يقصده كل أحد من كل فج عميق فيأتي إلى هذا المكان العجوز والبكر والرجل الضعيف فإذا رأى صورة السلاح في رؤية صورة السلاح ما فيها وهذا ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام ففي صحيح مسلم والسنن الكبرى للإمام البيهقي من رواية سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس السلاح بمكة) .
وثبت في مسند الإمام أحمد من رواية جابر بن عبد الله أيضا وفي الإسناد عبد الله بن لهيعة وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن إن شاء الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لأحد أن يحمل فيها سلاحا لقتال) يعني في المدينة المنورة على منورها الصلاة والسلام فكما أنه لا يجوز أن يلبس السلاح بمكة لا يجوز أن يحمل السلاح في مدينة خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه ويستوي في ذلك الكان الغريب والمستوطن كما أخبر عن ذلك ربنا الرحمن: (سواء العاكف فيه والباد) وكل من آذى عباد الله في ذلك المكان فخصمه ذو الجلال والإكرام وإيذاؤه لعباد الله في حرم الله من الإلحاد في حرم رب العباد يقول ربنا جل وعلا (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) .
إخوتي الكرام: هذه المعاني ينبغي أن ترسخ في أذهان المسلمين وإذا أمرنا أن نظهر البشر والسرور في أعياد المسلمين فقد حذرنا غاية التحذير نهانا اللطيف الخبير عن المشاركة في أعياد الجاهلية وعن إظهار البشر والسرور في تلك الأعياد الغوية في أعياد المشركين وفي الأعياد الوطنية التي انتشرت بين المسلمين وفي أعياد الميلاد وفي غير ذلك من البلاء الذي حصل بين العباد من أعياد الجلوس وغير ذلك مما تعارف عليه الناس في هذه الأيام وكلها أعياد باطلة ما أنزل الله بها من سلطان ولا ينبغي للمسلم أن يشارك فيها وإذا شارك فالويل ثم الويل له.
يقول الله جل وعلا في صفات عباد الرحمن في آخر سورة الفرقان: (وعباد الحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) وعدد ربنا أوصافهم ثم قال: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما) وكلمة يشهدون تحتمل معنيين كل منهما ثابت عن سلفنا الكرام المعنى الأول لا يشهدون من الشهادة وعليه لا يشهدون في الزور ولا يزورون ولا يكذبون عندما يدلون بشهادتهم إنما يتكلمون بالحق والزور سمي زورا من الزور وهو الميل لأن فيه ميل عن الحق وانحراف عن صراط الله المستقيم والمعنى الثاني لا يشهدون بمعنى لا يحضرون ولا يتواجدون فهو من الشهود لا من الشهادة التي هي بمعنى إدلاء الشهادة والزور قيل مجالس النياحة والمآتم والغناء مجالس الباطل كما ثبت هذا عن جم غفير من التابعين منهم العبد الصالح مجاهد بن جبر رضي الله عنه والنياحة الذي قال بذلك الحسن البصري وغيره وقال عبد الله بن عباس والإمام الضحاك رضي الله عنهم أجمعين لا يشهدون الزور أعياد المشركين نعم من شارك في تلك الأعياد الجاهلية فهو جاهلي.
يقول العبد الصالح أحمد بن حفص وهو من علماء الحنفية الكبار وقد ولد في السنة التي مات فيها فقيه هذه الملة المباركة سيدنا أبو حنيفة النعمان سنة 150 وتوفي سنة 217 هـ وقد ترجمه الإمام الذهبي في السير في الجزء العاشر صفحة 157 وقال إنه شيخ الإسلام وإمام العلماء في بلاد ما وراء النهر وهو من العلماء الربانيين ويقول كما في الجواهر المضية في طبقات السادة الحنفية في الجزء الرابع صفحة 37 (لو أن رجلا عبد الله خمسين سنة ثم أهدى بيضة لمشرك في يوم عيده تعظيما لذلك اليوم فقد كفر بالله وحبط عمله) وهذا الكلام نقله حذامي المحدثين وأمير المؤمنين الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء الثاني صفحة 442 وهو الذي يقال له أبو حفص الكبير الإمام البخاري شيخ الإسلام وإمام العلماء في بلاد ما وراء النهر وهو من العلماء الربانيين يحكي عن نفسه أنه رأى نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه رآه في الرؤية ويلبس قميصا وبجنبه امرأة تبكي فقال لها نبينا عليه الصلاة والسلام يا أمة الله لا تبكي علي فإذا مت فابكي) فاستيقظ أحمد بن حفص أبو حفص وما استبان له وجه الرؤيا فذهب إلى والد الإمام البخاري إسماعيل بن إبراهيم وعرض عليه هذه الرؤيا فقال تأويلها أن السنة لازالت قائمة بعد والنبي عليه الصلاة والسلام يقول لها إذا ضاعت السنة وظهرت البدع في ذاك الوقت ابكي وتأثري من الخلل والضلال والزلل الذي حصل وأما أنا فإن غيب جسدي فلازالت سنتي بين العباد. وقد عده عدد من أئمتنا مع اثنين معه في زمانه من المجددين للقرن الثالث الهجري هو وأمير المؤمنين أبو عبد الله البخاري والثالث هو أبو إسحاق أحمد بن إسحاق السرماري وقد عند أبي داود ومستدرك الحاكم.
والحديث رواه الإمام الخطيب في تاريخ بغداد والطبراني في معجمه الأوسط والبيهقي في كتاب المعرفة للسنن والآثآر وإسناد الحديث صحيح قال الحافظ ابن حجر في كتابه توالي التأسيس في مناقب شيخ الإسلام الإمام الشافعي في صفحة 49 إسناده قوي وقد روى الحديث أيضا الإمام البيهقي في مناقب الإمام الشافعي عليهم جميعا رحمة الله في الجزء الأول صفحة 55 من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها) يقول الليث بن نصر الشاعر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا اجتمعنا وتذاكرنا هذا الحديث وقلنا من يكون علم الزمان ومجدد هذا الزمان في هذا القرن الذي نعيش فيه في القرن الثالث للهجرة يقول فقلت لهم وبدأت به أول المجددين وأول من ينطبق عليه هذا الحديث الإمام أبو حفص الكبير قلت ومن مثله في ورعه وفي فقهه.
ثم تدارسنا من يكون بعده فقلت الإمام أبو عبد الله البخاري ومن مثله أيضا في ورعه وفي معرفته للحديث بطرقه وعلله ثم تذاكرنا من يكون بعده فقلت أبو إسحاق أحمد بن إسحاق السرماري وكانت وفاتهم على ترتيبهم سنة 217 هـ، 256 هـ، 242 هـ عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه إخوتي الكرام أما ترجمة الإمام البخاري فلن أذكر عنها شيئا فهو أشهر من جبل على رأسه علم ونار فهو سيد المحدثين في هذه الأمة وهو الذي نتبرك بذكره ونتقرب إلى الله جل وعلا بحبه وأما الإمام أبو حفص فقد ذكرت ما أزين به هذا المجلس وما نستنزل به رحمة الله من أحواله ومكانته.
وأما الإمام أحمد بن إسحاق السرماري فلعل كثيرا منكم ما سمع باسمه قبل هذه الموعظة سأذكر لمحة موجزة من أخباره ومكانته رحمة الله ورضوانه عليه فإذا قدم أبو حفص لفقهه وورعه وقدم البخاري لفقهه وورعه ومعرفته بالحديث قدم أبو إسحاق السرماري لورعه وديانته وبطولته وشجاعته رضي الله عنه وأرضاه قال الإمام البخاري في مجلسه وقد روى عن أحمد بن إسحاق السرماري في صحيحه فهو من شيوخه قال ما رأيت مثل أبي إسحاق السرماري في الشجاعة والنجدة والمروءة فخرج بعض الحاضرين وقابل رئيس المطوعة أي رئيس فرقة الجيش والمسؤول عن الجيش في ذلك الوقت ونقل له كلام الإمام البخاري فكأن ذاك وقع في نفسه ما يقع في نفس بني آدم هذا الإمام البخاري يفضل واحدا من المشايخ عليه في جهاده وفروسيته وتدبيره لأمور الحرب فجاء للإمام البخاري وقال أنت تقول ما رأيت مثل أبي إسحاق السرماري في الإسلام قال ما قلت هذا إنما قلت لا يعلم أحد مثله في الفروسية والشجاعة والنجدة في الجاهلية والإسلام ـ كان مع بعض المؤولين في بلاد الكفر يفاوضون أمير تلك البلاد من الكفرة واسمه جعبويه من أجل إطلاق بعض الأسرى فعرض ذلك الأمير الكافر جيش الكفر أمام هذين المبعوثين ومر رجل يتبختر فقال جعبويه للمبعوثين من قبل دولة الإسلام إن هذا المقاتل يعدل ألف رجل عندي فقال أبو إسحاق لرفيقه ماذا يقول جعبويه قال يقول إنه يعدل ألف مقاتل قال أنا أبارزه فقال جعبويه الكافر لهذا المبعوث من قبل الدولة ماذا يقول من معك قال يقول إنه يبارز هذا القائد الذي يعدل ألفا من المقاتلين عندك قال هل صاحبك سكران شرب الخمر ولايعي ما يقول قال هذا من شيوخ المسلمين ولا يسكر قال إن لم يكن سكران فهو مغرور فقال أبو إسحاق الموعد بيننا غدا يأخذ أهبته ونلتقي للمبارزة فالتقى أبو إسحاق بمفرده مع جيش الكفر في اليوم الثاني يتقدمهم الذي يعدل ألف فارس ثم برز أبو إسحاق لهذا البطل المغوار من الكفرة الأشرار
فلما برز له ذاك هرب أبو إسحاق أمامه حتى فصله عن الجيش بعيدا ثم ضربه بعمود كان معه فقطعه نصفين وكان أبو إسحاق يحمل عمودا وما فارفه هذا إلا عندما شاخ فخفف وزنه يزن ثمانية عشر منا والمن يساوي رطلين والرطل عند السادة الحنفية 455 غراما وعليه العصا التي يحملها يزيد وزنها على سبعة عشر كيلو وأما الرطل عند السادة المالكية فهو 56ٍ322 غراما وأما عند السادة الشافعية والحنابلة 324 غراما وعليه على تقدير الشافعية والمالكية والحنابلة لا تقل عن أحد عشر كيلو يحملها بيده عمود فلما شاخ حمل عمودا وزنه أربعة وعشرين رطلا فلما علم جعبويه بالأمر أرسل خمسين فارسا في طلبه فهرب أمامهم وجلس تحت أكمة في منخفض التل فكان كلما رقى واحد ونزل لأجل أن يلحق أبا إسحاق ضربه بالعمود فقطعه نصفين فقتل تسعة وأربعين ثم قبض على مكمل الخمسين فقطع أنفه وأذنيه وقال لو أنه بقي غيرك لقتلتك لكن اذهب وأخبر جعبويه ومن معكم خبر المسلمين.
انظروا ترجمته العطرة الطيبة في سير أعلام النبلاء في الجزء الثالث عشر صفحة 37 فما بعدها يقول الإمام الذهبي عليه وعلى أئمتنا في مطلع ترجمته هو الإمام الزاهد العابد المجاهد فارس الإسلام ثم أورد له قصة عجيبة غريبة يقول فيها أخرج أبو إسحاق السرماري سيفه فقال أعلم يقينا أني قتلت به ألف كافر وإن عشت قتلت به ألفا أخرى ولولا خوفي أن يكون بدعة لأمرت أن يدفن معي ثم ختم الإمام الذهبي بقوله أخبار هذا الغازي تسر قلب المسلم ثم قال إنه كان مع فرط شجاعته من العلماء العاملين والعباد الزاهدين رحمة الله عليه وعلى أئمتنا أجمعين.
إخوتي الكرام: وأيام العيدين التي نبتهج فيها ونسر بما من الله علينا من الخيرات والفضائل والأجور أيام تجمع مقاصد الدين بأسره وكنت ذكرت مرارا أن دين الله يقوم على دعامتين اثنتين تعظيم لله وشفقة على خلق الله ومقاصد الأعياد في الإسلام تجمع هذين الأمرين فعيد الفطر سبقه شهر رمضان شهر الصيام والقيام وشهر تعظيم الرحمن شهر الجود والإحسان ومساعدة المحتاجين من الأنام أما يوم الفطر ففيه أيضا هذان الأمران ففيه تكبير ذي الجلال والإكرام (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) وما أعلم ماذا أصاب المسلمين في هذه الأيام كأنهم يستحون من تكبير ذي الجلال والإكرام وكأن أصواتهم صارت عورة في هذه الأيام يذهب أحدهم إلى المصلى وهو أخرس ويذهب إلى صلاة الفجر وهو أخرس ويدخل هلال شوال وهو أخرس وكأنه ما حل على المسلمين يوم يكبرون فيه الله العظيم والله لو عقلنا منزلة هذا اليوم لدوت أصواتنا بالتكبير وارتجت الجدران على من عليها بتكبير ذي الجلال والإكرام لكن الأمة في هذه الأيام تستحي من الفضيلة وتجهر بالرذيلة وفيه بعد ذلك مواساة وصدقة الفطر ومساعدة لعباد الله المحتاجين.
فمقاصد العيد عندنا تقوم على مقاصد دين الله المجيد من تعظيم لله وشفقة على عباد الله وهكذا عيد الأضحى المبارك فقبل يوم العيد الحجاج يتجردون لله المجيد في أيام المناسك وقضاء المناسك التي عليهم ألسنتهم تجهر بالتلبية والتهليل والتعظيم لله ومن عداهم يصومون يوم عرفات ويعظمون رب الأرض والسموات وما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله عز وجل من عشر ذي الحجة أيام مباركة حصل فيها تعظيم لله وحصل فيها شفقة على خلق الله فبر الحج طيب الكلام وإطعام الطعام عظمت الله وأحسنت إلى عباد الله.
وأما يوم الأضحى ففيه التكبير أيضا من دخول يوم عرفة نكبر إلى عصر آخر أيام التشريق تعظيم لله وثناء عليه وفيه تقرب إلى الله بالأضاحي والهدي ونأكل منها ونطعم البائس الفقير ففي ذلك تعظيم لله وشفقة على خلق الله وصدق الله إذ يقول: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) ولذلك كانت التحية بيننا أيام العيد أن يذكر بعضنا بعضا بمنة الله عليه وإحسان الله إليه وفضل الله عليه فيقول المسلمون لبعضهم إذا تلاقوا تقبل الله منا ومنكم.
روى الإمام المحاملي وهو الحسين بن إسماعيل المحاملي الذي توفي سنة 330 هـ بسند صحيح كما نص على ذلك الإمام ابن حجر في الفتح في الجزء الثاني صفحة 446 عن جبير بن نفير وهو من أئمة التابعين الكرام الأبرار ثقة إمام فاضل مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم يرى نبينا عليه الصلاة والسلام وحديثه في الأدب المفرد للإمام البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربعة وقد توفي سنة 80 هـ وقيل بعدها يقول: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا أيام العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك) .
وهناك بعض الآثار المرفوعة في مجمع الزوائد انظروها في الجزء الثاني صفحة 206 وفي فتح الباري في المكان المتقدم أسأل الله أن يتقبل منا برحمته وفضله وأن يقبلنا وأن يجعل أيام العيد أيام جائزة لنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله.
الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وخير خلق الله أجمعين اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إخوتي الكرام: من ألقى نظرة إلى المسلمين في هذه لأيام حقيقتا يتفطر كبده ويتقطع قلبه وإلى الله نشكوا أحوالنا ضعفت صلتنا بربنا وفسدت علاقاتنا فيما بيننا فلا لله عظمنا ولا على الخلق أشفقنا وإذا ابتليت الأمة بذلك فلا وزن لها ولا اعتبار ولها في هذه الحياة ما لها من الذل والعار وما ينتظرها أشد وأشنع عند العزيز القهار.
روى الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه والأثر رواه الإمام ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسند معضل من رواية أبي علي الفضيل بن عياض عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: (إذا عظمت أمتي الدنيا نزعت منها هيبة الإسلام وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي وإذا تسابت فيما بينها سقطت من عين الله) وفي رواية (إذا عظمت أمتي الدرهم والدينار) عظمت الدنيا تصاب بالذل والعار والصغار في هذه الدار هيبة الإسلام التي أعطاها الله لهذه الأمة (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) تنتزع منها هذه الأمة من عليها بهيبة تنصر بها مسيرة شهر تنتزع منها عندما عظمت الدنيا.
نعم ثبت في مسند البزار وقال الإمام الهيثمي في المجمع بإسناد حسن وانظروا الحديث في كتاب الفتن من مجمع الزوائد في الجزء السابع صفحة 177 والحديث رواه الإمام أبو يعلى كما نص على ذلك الإمام الحافظ ابن حجر في المطالب العالية من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال لا إله إلا الله تمنع من سخط الله ما لم يؤثروا دنياهم على دينهم فإذا آثروا دنياهم على دينهم وقالوا لا إله إلا الله قال الله كذبتم) إذا عظمت أمتي الدينار والدرهم نزعت منها هيبة الإسلام وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي هذا الوحي الذي أوحي به إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وهو خير كتاب أنزله الرحمن نقرؤه بلا وعي ولا تدبر ولا تفهم والقراءة لا تجاوز اللسان لأننا عطلنا قطب الإسلام ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما لله عظمنا وآثرنا الفاني على الباقي ثم بعد ذلك إذا تسابت فيما بينها سقطت من عين الله نعم إن الأمة عندما تركن إلى هذه التفاهات تصاب بهذه العقوبات.
ثبت في سنن أبي داود والحديث رواه أبو داود الطيالسي في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه والإمام الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة وأبو نعيم في الحلية وإسناد الحديث صحيح من رواية ثوبان مولى نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا يا رسول الله ومن قلة نحن يومئذ قال لا ولكنكم كثير كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن يا رسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت) فمن نظر إلى أحوالنا يتفطر قلبه وإلى الله نشكوا أحوالنا إخوتي الكرام لابد من إعادة الإسلام في الأنفس لابد من إعادة الإسلام في البيوت لابد من إعادة الإسلام في الأسواق لابد من إعادة الإسلام في جميع مرافق الحياة فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة. ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا الإيمان وزينه في قلوبنا. وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك. ومن المقربين لديك. وإذا أردت فتنة بعبادك فقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم. اللهم ارحم أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف وهذا المكان المبارك.
اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريباً سميعاً مجيباً للدعوات والحمد لله رب العالمين وصلي الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
{والعصر * إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر *} .