المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معالم في الاجتهاد والابتداع - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ١١١

[عبد الرحيم الطحان]

الفصل: ‌معالم في الاجتهاد والابتداع

‌معالم في الاجتهاد والابتداع

(من خطب الجمعة)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

بسم الله الرحمن الرحيم

معالم في الاجتهاد والابتداع

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.

اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .

{يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} .

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} .

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} .

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} .

أما بعد: معشر الأخوة الكرام..

تقدم معنا أن البدعة من أسباب خاتمة الإنسان

نفس السابقة إلى نتدارس ثلاثة معالم وهذه المعالم الثلاثة شرعت في مدارستها في المواعظ الماضية وهي:

1.

تشريع الأحكام من خصائص ذي الجلال والإكرام.

ص: 1

2.

هداية الإنسان ركنان: شرع قويم وعقل سليم ولن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح.

3.

منزلة الاجتهاد في شريعة رب العباد.

تقدم معنا أن فقهاء هذه الأمة المبارك هم بحث وصدق هم ورثة نبنيا عليه الصلاة والسلام وبينت منزلة الفقهاء في الإسلام ثم تكلمت في الموعظة السابقة عن أمرين اثنين ينبغي للأمة أن تعيها.

الأول: إن أقوال الفقهاء تشريع ومع ذلك ليسوا بمشرعين، فالتشريع من خصائص رب العالمين وجمعت بين هذين الأمرين فهم يظهرون الأحكام التي دلت عليها نصوص الشرع الحسان ولا يمكن لهم ولا لغيرهم أن يقولوا في دين الله برأيهم.

الأمر الثاني: التي تقدمت معنا دراسته في أمر الموعظة الماضية قلت إن الثروة الفقهية هي من أكبر المعجزات لخير البرية، فأئمتنا الفقهاء كشفوا عن صلاحية هذا الشرع لكل زمان ومكان عن طريق ما استنبطوه من أحكام من آيات القرآن وأحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام وسأكمل هذا الموضوع في هذه الموعظة بإذن ربنا الرحمن، لأنتقل في موعظة التالية لبيان ضلال الفرقة الثانية التي ألغت البدعة من الإسلام.

ص: 2

اخوتي الكرام: الفقهاء بمنزلة الأطباء، حاجة الأمة إليهم كحاجة السمك إلى الماء، نعم كما تقدم معنا مراراً من كلام أئمتنا الفقهاء بمنزلة الأطباء الماهرين، كما أن المحدثين بمنزلة الصيادلة المؤتمنين، لذلك كانت في العصور الأولى نسبة من يعنى بالحديث ويشتغل به تزيد على من يعنى بالفقه ويمهر فيه، يقول أنس بن سيرين رضوان الله عليهم أجمعين وهو من أئمة التابعين كما يروي هذا الإمام الرام هرمزي في كتابه المحدث الفاصل بين الراوي والواعظ في صفحة ستين وخمسمائة صـ560، يقول أنس بن سيرين الذي توفي سنة عشرين ومائة للهجرة 120هـ وقيل ثمان عشر ومائة 118 وهو من شيوخ الإسلام، حديثه مخرج في الكتب الستة، يقول هذا العبد الصالح: قدمت الكوفة وكان قدومه إلى هذا البلد الإسلامي في السنة التي ولد فيها فقيه الملة وإمام الفقهاء الإمام أبو حنفية النعمان رضي الله عنه سنة ثمانين للهجرة 80هـ، قال فوجدت فيها أربعة آلاف طالب يطلبون الحديث ووجدت فيها أربعمائة فقهوا.

إن الفقهاء لعلو منزلتهم ولصعوبة عملهم عددهم قليل في كل وقت، ففي العصور المتقدمة في بلدة الكوفة أربع مائة يعنون بالفقه ويشتغلون فيه، وأربعة آلاف يدرسون الحديث ويشتغلون فيه، هذا كان في عصور البركة والسرور في القرن الأول من الهجرة، وأما في زماننا فإلى الله المشتكى، تقاصرت الهمم وضعفت نحو الأمرين (الحديث فبضاعة من يقال عنهم أنهم محدثون في هذه الأيام بضاعة قليلة قليلة، وأكثر من يدعي التحديث، هذه الأيام قد اشتغل بمهمة الحديث، وأما فقهاء هذا الزمان فأكثر اجتهاداتهم ما أنزل الله بها من سلطان.

ص: 3

نعم هذا حالنا في هذه الأيام فيمن يدعي الحديث وفيمن يدعي الفقه ومع هذه الحالة المزرية التي تعيشها هذه الأمة المباركة نشهد مجلاتٍ منكرةٍ ماكره نحو فقه أئمتنا المباركة، ففريق يطالب بمد المذاهب ويدعي أنه يريد أن يعيد الأمة إلى كتاب الله وسنة نبيها عليه الصلاة والسلام وكأن الأمة، فيما يزيد على عشرة قرون كانت على ضلال ولم تكن على كتاب الله ولا على سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء لا يريدون للأمة إلا ضياعاَ مع ضياعهم وفريق آخر يدعى الصلاح والرشاد والاجتهاد ويريد أشنع وأخبث أنواع الفساد عندما يريد أن يلغي مذاهب أئمتنا الكرام من أجل بعد ذلك أن يهوس في دين الرحمن لما يريد من أجل بعد ذلك أن يوفق ويطوع الإسلام طفاهيم الحياة الغربية في هذه الأيام أناس يدعون العودة إلى الكتاب والسنة، وأناس يدعون الاجتهاد وأنهم زادوا رتبة على أئمتنا الكرام المتقدمين، ثم آل اجتهادهم إلى التوفيق والترقيع بين دين الله وبين قوانين الشياطين، وسيأتين نموذجاً لهؤلاء وهؤلاء بعد المعالم التي كنت وعدت بذكرها في آخر الموعظة الماضية، أفتتح بها هذه الموعظة وأقرر بها هذه المعالم التي ينبغي أن تنقش في قلوب العباد وأن يشرح كل معلم منها في مواعظ لتعلم الأمة أين تسير والتحذير التضليل والأباطيل.

ص: 4

هذه المعالم العشرة كما قلت ينبغي أن يعيها أهل الإسلام في هذه الأيام وأن تحفظ للأولاد الصغار وأن يعتني بها الكبار ليحذروا التضليل هنا وهناك، أول هذه المعالم: إن ديننا يقوم على كتاب الله وعلى سنة نبينا عليه والصلاة والسلام حسبما فهم سلفنا وأئمتنا وكمن دعاء إلى الالتزام إلى الكتاب والسنة دون فهم سلف الأمة فهو ضال، وهذا الكلام كنت ذكرته سابقا فعلق عليه بعض شياطين الأنس فقال إننا نزعم أن كتاب الله لا خير فيه وأن سنة النبي عليه الصلاة والسلام لا خير فهيا ولا يستبعد هذا ممن حرفوا دين الله أن يتلاعبوا بعد ذلك بكلام عباد الله، هذه المقولة لا بد من وعيها على هذه المشاكله، كتاب الله توضحه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام حسما فهم سلفنا، حسبما قرر أئمتنا من صحابه وتابعين.

المعلم الثاني: إن اجتهاد وفقه أئمتنا تشريع معتبر لأنه أخذ من أدلة شرعيه ثابته محكمة من كتاب وسنة نبيه الصلاة والسلام.

نعم ليس للفقهاء ولا ليغرهم صفة التشريع فهذا من صفة الله وحده لا شريك له.

المعلم الثالث: إن التزام منهج من هذه المذاهب هدى وفضيلة ومن يخالف هذا فهو على ضلال وصاحب رذيلة وكيف لا كما قلت إذا كانت اجتهادا أئمتنا شريعة معتبرة فالذي يلتزم بذلك بالهدى والحق يلتزم بالفضيلة وعليه من قال إنه على مذهب أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد وقال أنا ملتزم بهذا فهذا على هدىً وحق وهذا على خير ولا يضلله إلا من كان ضالاً،

ص: 5

المعلم الرابع: لا يحتم على مسلم أن يلتزم بمذهب من هذه المذاهب، فالأمر بالخيار وكما قلت كلهم على هدىً وكلهم على حق، وتقدم معنا اخوتي الكرام في بيان اجتهادات أئمة الإسلام إنهم على صواب في جميع أحوالهم ولا يحكم على قول الواحد بالخطأ إلا إذا اجتهد فيما لا يصوغ فيه الاجتهاد فيما ورد فيه نص ولم يبلغه وما عدا هذا فيما يستنبطه من النصوص الثابتة وغيره كلهم على هدى إذا وجدت فيهم عدت الاجتهاد وآلته وعليه لا يتعين على أحد أن يلزم بمذهب من هذه المذاهب، وإذا أراد أن يصبح حنفياً شافعياً مالكياً حنبلياً، أراد أن ينتقل من مذهب إلى مذهب هو على هدى وهو على استقامة وهو على فضيلة، وهذه المذاهب حققت وهذبت ونقحت من قبل أتباعها كما سيأتينا، فما يوجد من زلل أحياناً يخالف الدليل حذر منه ونبه عليه واستعد من هذا المذهب الجليل لا يتعين على أحد أن يتعبد بمذهب واحد منها دون غيره، فالأمر كما قلت بالخيار، هذا أيضاً ينبغي أن نعيه اخوتي الكرام وهو المعلم الرابع.

ص: 6

المعلم الخامس: من هذه المعالم: إن التعصب المذموم ينبغي أن نعي صورته لأنه حقيقياً كثر اللفظ حوله، إن التعصب المذموم هو أن يقول الإنسان مثلاً أنا على مذهب أبي حنيفة وبقية المذاهب ضلال ورداء، إن هذا تعصب مذموم وقائل هذا ضال مخرف في دين الله، أما لو قال أنا ألتزم في هذا المذهب ولا أخرج عنه، وهذا المذهب أجمعت الأمة على أنه مستمد من كتاب الله وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا كانت الاجتهادات تتفاوت فإذاً هذا معتبر وذاك معتبر كما أجمعنا على هذه القضية، فأنا لا أخرج على مذهب الشافعي أو أحمد أو أبي حنيفة، هذا تعصب محمود، والتعصب المذموم مذهبي هو الحق، ومذهب من عداي باطلة رديئة، فما قال هذا أحد من أئمتنا الأربعة ولا من عداهم، وأما نغمة السفهاء في هذه الأيام من أن اتباع إمام من أئمة الإسلام تعصب مقيت، مقتهم الله على هذا القول المقيت الذي يقولونه، إذا اتبع إنسان إمام من أئمة الهدى وعمل بأقواله صار متعصباً تعصباً مقيتاً، إي والله وقع هؤلاء السفهاء اللذين يريدون ضياع الأمة باسم السنة وقعوا في الفخ الذي نصب للأمة من قبل أعدائها، إن غاية ما يهتم به ديننا في هذه الأيام أنه دين الجمود، عدم التطور، هؤلاء الحامدون ما عندهم ليونة ولا مرونة، هذه الدعوى الذي بثها الغربيون في صفوف المسلمين يريدون منها أن نتزحزح عن دين رب العالمين، فجاء هؤلاء صاغوا هذه الدعوى بصيغة أخرى وقالوا إن الالتزام بمذهب من هذه المذاهب جمود، تعصب مقيت مقتهم الله على هذا القول المقيت الذي فرقوا به أمة نبينا عليه الصلاة والسلام.

ص: 7

اخوتي الكرام: إنا لجمود في ديننا، إن الجمود في أحكام شريعتنا هذا من أعظم الخصائص من القوانين لو كان العباد يعون إنه إذا لم يكن جمود في التشريع ولم يكن ثباتاً واستقرار لكان التشريع عرضة لأهواء البشر كما ستسمعون فيمن نبذوا الجمود، كيف يتلاعبون بالشريعة باسم الإصلاح والدعوة، إن الجمود كما قلت من خصائص هذه الشريعة المطهرة، نصوص ثابتة لا يجوز أن تخرج عنها، أحكام قررت واستنبطت من شريعة الله المطهرة، ماذا تريدون منها؟! أن نطورها وأن نلغيها، ومن أخذ بها يوصف بأنه متعصب، بأنه متحجر، بأنه جامد، كما يوصف المسلم أمام أعداء الإسلام بأنه متعصب جامد أيضاً، الدعوة واحدة ولكن من يدعوننا إليها يختلفون في المسلك.

المعلم السادس: إننا عندما نلتزم بمذاهب أئمتنا يجب علينا وجوباً أن نتعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن نتعلم الدليل الشرعي ولا نتعلم ذلك الدليل للبركة كما يتهمنا من يتهمنا،

نعم نتعلم تلك الأدلة ليتبرك بها بتلاوتها، وقراءتها وفهمها والعمل بها، إننا عندما نتعلم أدلة الشرع المطهر من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونبذل ما في وسعنا للوصول إلى مراد ربنا،،،، مكانه أئمتنا ومقرن أنه لا يوجد جزئية في فقه أئمتنا إلا واستندت على نص شرعي وهؤلاء الغوغاء في هذا الزمان الذين ينبزون فقه أئمتنا الفقهاء ما واحد منهم قرأ كتاباً في الفقه بأدلته، أخذ معلومات متناثرة من هنا وهناك، ثم ادعى أنه المجتهد المطلق الذي عنده قدرة على الرد على كل صغير وكبير،

نعم كما قلت في المعلم السادس نتعلم الأدلة ونعكف عليها كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا خير في الأمة إذا ضيعت ذلك، وعندما نعلم هذا نعلم سداً ورشاد أئمتنا الكرام كيف استنبطوا تلك الأحكام من هذه النصوص الثابتة الحسان.

ص: 8

المعلم السابع: الخطأ يرد على قائله أياً كان وليس عندنا أحد في هذه الأمة معصوماً إلا المصطفى عليه الصلاة والسلام وعندنا شريعة بعد ذلك يتحاكم إليها الصغير والكبير، وكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا نبينا عليه الصلاة والسلام، وكل واحد يخطأ ويصيب إلا المصطفى عليه الصلاة والسلام، نعم اخوتي الكرام، نرد الخطأ على من صدر مه أياً كان، لكن عند هذا المعلم السابع على رسلك ورفقاً بنفسك وأعرف قدرك وقف عند حدك.

إن الخطأ الذي جرى من أئمتنا لعدم وقوفهم على الدليل أحياناً إن الزلل إن الترخص الذي صدر منهم ووقع نبه عليه ممن هو خير مني ومنك فلا تتطاول على السلف وقف عند قدرك.

ص: 9

نعم نبه أئمتنا على هذا وكما قلت شريعة محكمة تتابع عليها أمة النبي عليه الصلاة والسلام تتابع عليها عشرة قرون، أما وجد في هذه الأمة طائفة ظاهرة على الحق يبينون أقوالاً ضعيفة وترخصات شاؤه بلى وجد، فإذا وجد خطأ نبه عليه من قبل من تقدمنا من أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين، ولا أعني بهذا المعلم السابع أن كل واحد منا إذا قرأ مسألة ما راقت له قال خطأ (الإمام الشافعي، لكن ما بقى في قلوبنا خشية لربنا ولا احترام لأئمتنا متكئاً على أريكته وبقهقة أخطأ الشافعي وما فهم المسألة، الإمام أحمد، ومن هذا الكلام المنكر الخطأ يرد ولكن من الذي يرد الخطأ، اعرف قدرك، أئمتنا حذروا من سقطات وزلات وهفوات وعترات يقع فيها البشر على حسب ضعفهم البشري فهذا الذي حذرنا منه وينهنا عليه صحيح من قبل من تتابع هذه المذاهب، وكفا الله المؤمنين القتال، يقول العبد الصالح سليمان التميمي الذي توفي سنة ثلاثة وأربعين ومائة للهجرة 143هـ وحديثه في الكتب الستة كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وصلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة رضي الله عنه وأرضاه يقول هذا العبد الصالح (من تتبع زلل العلماء ظل ومن أخذ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله) وهذا الكلام ينقله عنه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، وينقله عنه الإمام أبو نعيم في ترجمته في الحلية وينقله الإمام الذهبي في السير وفي تذكرة الحفاظ وينقله الإمام الخلال في كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم نقل الإمام الخلال بعد هذا الأثر أثرين عن عالمين صالحين أولهما معمر بن راشد نزيل اليمن، أبو عروة الذي توفي سنة أربعة وخمسين ومائة للهجرة 154هـ، إمام ثقة عدل رضي، حديثه أيضاً في الكتب الستة يقول أيضاً (من تبع زلل العلماء اجتمع فيه الشر كله) ونقله هذا أيضاً عن شيخ الإسلام إبراهيم بن أدهم من العلماء الصالحين الربانيين توفي سنة اثنتين وستين ومائة للهجرة 162هـ، حديثه في الأدب المفرد

ص: 10

للإمام البخاري، وفي سنن الترمذي، ونص كلامه (من حمل شاذ العلم حمل شراً كثيراً) ولذلك يقول الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في الجزء الأول من إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان الجزء الأول كما قلت صفحة ثلاثين ومائتين 1/230 (من تبع زلل العلماء تزندق أو كاد) نعم كما قلت الأخطاء حذرنا منها وبذلك انتهينا منها من قبل من حذرنا من أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين.

ص: 11

المعلم الثامن: إذا كنا نرد الخطأ كما قلت، فينبغي نحن في أنفسنا أن نتروى وأن نتأدب مع أئمتنا وأن لا نتسرع في تخطيء من سبقنا، ولو قُدر أنه بلغنا نص بخلاف ما عليه أئمتنا فينبغي أن نتوقف ونتوقف ونتوقف ونبحث ونبحث ونبحث، لعله قد يأتينا الموت ولا نصرح بخطأ أئمتنا فهذا خيرٌ لنا، اعلم هذا يا عبد الله، قف عند قدرك ولا تتسرع بتخطيء أئمة الإسلام، وأما إذا بلغك بعد ذلك أمر فهمت منه شيئاً ثم نظرت فيما عليه أئمة الإسلام هم على خلافه أصدرت الفتية أنهم على خطأ وأنت على صواب، ولما تنبه وتنبه وتنبه، أنت المخطئ تتهجم على الصغير والكبير، هذه هي دعوى الإصلاح، وهذه هي العودة إلى الكتاب والسنة، انظروا إلى بعض الشاذين في هذا العصر (سمعت له أشرطة متتابعة مع تقريره لهذا في كتب كثيرة (الذهب المحلق حرام لبسه على النساء) لا يجوز للمرأة أن تلبس الخاتم، ولا القلادة ولا القرط ولا الأسوره ولا ولا

هذا حرام..

ص: 12

وإذا لبست هذا فهي في النار، وأباح للمرأة استعمال الأزرار من الذهب وكذا المشط من الذهب، يكرر هذا بلا ملل وهو صاحب كلام وجدل ومن قال هذا من الأئمة الأربعة ولا أحد، فلما نبه على هذا من قبل أهل الخير والصلاح والفضيلة تردى في نفسك وأنت في هذه المسئلة قد خالفت الإجماع، فقد حكى الإمام البيهقي الذي توفي سنة ثمانية وخمسين وأربعمائة 458 حكى الإجماع على حلي لبس النساء للذهب، وتبعه الإمام النووي الذي توفي سنة ستة وسبعين وستمائة 676 وتبعهم الإمام ابن حجر الذي توفي سنة اثنين وخمسين وثمانمائة 852، أئمة ثلاثة وعداهم يحكون إجماع العلماء، إجماع المسلمين على جواز لبس الذهب للنساء، لابد من المخالفة والرد على الصغير والكبير تحت ستار العودة إلى الكتاب والسنة، ثم عندما ينبه يقول أنت جمهوري لمن ينبه، أي أنت تسير مع الجمهور وأنت تقلد المحدثين ويتهكم بهذا وذاك، عباد الله كما قلنا نرد الخطأ لكن نعرف قدر أنفسنا، ونقف عند حدنا ولا نتطاول على أئمتنا، ومن البلاء في هذه الأيام أننا على خطأ ثم نخطئ أئمة الإسلام، إن نساء المسلمين شرقاً وغرباً يلبسن الذهب المحلق وهذا أمر ورثه الخلف عن السلف وحلة معلوم في دين الله بالضرورة ثم يأتي بعد ذلك يخالف وليته رأياً له يخالف، وليته رأياً له يقوله ويلزم به أهله، إنما فتيي تليها فتيي، كلام لا ينقطع وكأنه عندما يريد أن يقرر تحريم الذهب على النساء كأنه يريد أن يخلص دين الله من الملحدين، كأنه ما بقي في هذه الأمة إلا الإعلان بأن الذهب محرم على نساء أهل الإسلام.

ص: 13

المعلم التاسع: إن الفتيا ينبغي أن تكون على حسب المذاهب الأربعة، بل على حسب المذهب المنتشر بين المسلمين في مصر من أمصارهم، فإذا كنت طالب علم ورزقك الله ذكاء وبصيرة وإنصاف ومعرفة، وكنت قرأت مذهب الإمام الشافعي ورأيت فيما رأيت أن دليل الإمام مالك في هذه المسألة أقوى (فخذ به) وهذا فريضة الله عليك، لكن إياك أن تنشر هذا بين الناس، فذاك المذهب اتفقنا على صحته وعلى سلامته وبلدة من أولها إلى آخرها يتعبدون الله بمذهب هذا الإمام الذي أجمعت الأمة على صواب ما فيه، أنت رأيت خلاف ذلك اعمل به ولا حرج ولا حضر عليك، لكن إياك إياك أن تخرج على هذه الأمة وأنت تقول هذه المسألة في مذهب الشافعي مرجوحة وأنا رأيت أن مذهب الإمام مالك في هذه المسألة أرجح، قف عند حدك، الفتيا ينبغي أن تتقيد بما في المذاهب الأربعة، بل بما في مذهب إمامٍ مما انتشر في ذلك المكان، وهذا من أجل المحافظة على وحدة المسلمين، والقضاء على القيل والقال مما انتشر في هذا الزمان.

وسأقرر هذا عما قريب بكلام أئمتنا وعلى رأسهم الإمام الذهبي عليه رحمة الله.

المعلم العاشر: إياك ثم إياك ثم إياك أن تقول قولاً لم تسبق إليه مهما كانت قوته عندك، قول ما قيل في هذه الأمة وما عرف فيها، كما كان أئمتنا يوصون بذلك وفي مقدمتهم الإمام المبجل أحمد بن حنبل عليه رحمة الله، عند هذا المعلم العاشر أعرض عليكم فتيين أفتى بهم بعض الناس في هذه الأيام.

ص: 14

الأولى: بعض الدعاة في الدنمرك وأرسل إليَّ الشريط من قريب بعض الناس هناك، أفتى بطريقة الذبح التي تحصل هناك، وهل هو مصيب أم مخطئ، هذا بحثه في محله، إنما أريد أن أقول ما يتم في ذبح عن طريق الطلقة المسترجعة بحيث يُأتى بمسدس فيه حديدة طويلة إذا أطلق تخرج هذه الحديدة بمقدار عشرة سنتي تدخل في رأس البهيمة بحيث تلقى على الأرض ثم بعد فترة يجهز عليها وتذبح أو عن طريق الصعق الكهربائي في الدجاج من أجل أن تخدر بتيار مخفض ثم بعد ذلك تذبح، وهو أقر أنه يموت نسبة كبيرة من هذه الحيوانات قبل أن يُزكى تزكية شرعية، هذا الداعي أفتى بحل هذه المطرق الذي يُذبح بها هناك، لكن قيد الفتيا بشهرين قال يباح لكم ذلك لمدة شهرين إن التزمتم بذلك وغيرتم طريقة الذبح فأنا أفتي بأن الذبح الآن حلال ويصدر إلى بلاد المسلمين وإلا فلا، فلما نوقش ونوظر من قبل الأخوة هناك، كيف هذا قال إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه كما كره أن تؤتى معصيته، هذه رخصة، رخصة لمدة شهرين؟! من المرخص هل أنت صرت مشرعاً من الذي رخص بهذا في هذه الكيفية في الذبح ومن الذي حددها بشهرين، إن هذه الطريقة إن كانت جائرة فهي جائزة جوازاً مطلقاً لا يجوز أن تحددها بشرين ولا بسنتين وإن كانت محرمة فهي محرمة ولا تم ذبح ذبيحة واحدة بسببها، أم التحديد بشهرين هذا ليس من اختصاصك، هذا من اختصاص الله الذي له التشريع الذي له الحكم والأمر، رخصة ويستدل؟! ما شاء الله؟؟ ما أشط وأشذ المجتهدين في هذا الحين، ولعله زادت نسبة المجتهدين في هذه الأمة على نسبة الدارسين المتعلمين وهذه مستنداتهم (أقيدها بشهرين وإذا ما غيروا طريقة الذبح فأنا سوف أسحبها منهم وأقول إن طريقة ذبحهم حرام) .

ص: 15

وضال آخر من بلاد الشام أيضاً ألف كتاب وسماه (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة) وهو مهندس ضال وأنزه هذه البيت الكريم عن ذكر اسمه وعلق على كتابه وقرصنة دكتور أضل منه وخلاصة كلام هذا الإنسان في هذا الكتاب الذي زاد عن ثمان مائة صفحة 800صـ يقول إنه في كتابه لن يأخذ بالفقه الموروث وسيذكر شيئاً لا يوجد في كتب السلف والأئمة المتقدمين ثم يقول للقارئ لا تعجل عليَّ بالحكم على حسب العاطفة لا نني سأخرج عما هو موروث إنما أنا سأقرأ قرأ معاصرة وأستنبط منها الأحكام، جاء ليستنبط بعض الأحكام المتعلقة بحجاب النساء في سورة النور، وليضربن بخمر رهن على جيوبين قال الجيوب جمع جيب والجيب طبقتان بينهما خرق، وعليه يجب على المرأة أن تستر الطبقتين اللتين بينهما خرق، يقول هذا في الفرج وفي الدبر وتحت الإبطين وبين الثديين، هذا الذي يجب على المرأة أن تستره عن الأجانب وأمامهم ثم تقدم عارية بعد ذلك كاشفة الأفخاذ، كاشفة الصدر.. الرأس.. الظهر، كل لا يوجد دليل يلزمها بالحجاب لأن الله يقول {وليضربن بخمرهنَّ على جيوبهنَّ} والجيوب جمع جيب، طبقتان بينهما خرق فأين يوجد طبقتان بينهما خرق في جسم المرأة تستره وما عد هذا تكشفه، قال وهذا أمام الأجانب وأما أمام المحارم من أب وأبن فيجوز للمرأة أن تظهر عارية كما ولدت، قال ولا يجوز للأب أن يقول لها أن هذا حرام، قال وإذا ما اعتاد العرف هذا فليقل لها إنَّ هذا عيب، أما حرام لا يجوز أن يقول إنَّ هذا حرام لأنه يفتري على الرحمن عندما يحرم هذا فالله قد استثنى الزوجة والمحارم من هذا الأمر ويجوز أن يطلعوا على الزينة الباطنة، وأما الأجانب المرأة تستر أمامهم الجيوب فقط، أما المحارم فتقوم أمامهم عارية، إياك ثم إياك أن تقول شيئاً لم تسبق إليه، هذه المعالم العشرة لابد من وعيها.

الأول:- أن ديننا يقوم على الكتاب والسنة حسبما فهم سلف الأمة.

الثاني:- أن اجتهاد أئمتنا تشريع.

ص: 16

الثالث:- أن التزام بمذهب من مذاهب أئمتنا هدى وفضيلة.

الرابع:- لا يلزم المسلم بالتزام مذهب بعينه.

الخامس:- التعصب المذموم أن ينتسب الإنسان إلى مذهب ويقول إن المذاهب الأخرى باطلة ضالة.

السادس:- ينبغي أن نتعلم الأدلة لنكون على بصيرة وبينة من أمرنا ولكي لا نع من قبل من يتسفه على أئمتنا.

السابع:- نرد الخطأ على من صدر منه أين كان ونلتمس لأئمتنا الأعذار الحسان.

الثامن:- لا نتسرع في تخطيء من سبقنا، وينبغي أن نعرف قدرنا.

التاسع:- الفتيا لا ينبغي أن تخرج عن المذاهب الأربعة بل ينبغي أن تتعد بالمذهب الذي يوجد في ذلك المصر.

العاشر:- إياك ثم إياك أن تقول شيء لم يُسبق إليه.

وهذه المعالم وعدتُ بينها في الموعظة الماضية وينبغي أن يعيها المسلم في الأيام الحاضرة بعد هذا أعود إلى الفرقتين.

الفرقة الأولى: التي تطالب بنبذ المذاهب وتريد أن تعيد الأمة إلى كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

والفرقة الثانية: أرخت لنفسها العنان وادعت الاجتهاد في الإسلام وقربت بين تشريع الرحمن ونظام الشيطان.

ص: 17

أما الفرقة الأولى:- أناس من ظاهرهم خير ويدعون الالتزام بالكتاب والسنة ولكن كما قلت وقعوا في فخ وشرك ومصيدة أعداء المسلمين فصاروا يخدمونهم من حيث يشعرون أومن حيث لا يشعرون، فهذا قائل منهم يقول إن الأمة الإسلامية في هذه الأيام في صحوة؟! ما هي الصحوة فيها قال بدأت تعود إلى الكتاب والسنة ونبذت مذاهب الأئمة لم تتقيد بها، يقول من قرابة خمسة عشر 15 سنة، الأمصار الإسلامية تلتزم بالمذاهب الأربعة فضلاً عن ما قبلها، أما الآن كتاب وسنة وخروج على مذاهب الأئمة، صحوة، وأنا أقول لهذا الجاهل الذي لا يدري ما يقول (والله ما مر على الأمة الإسلامية زمان! الأمة الإسلامية انحطت في علمها وفي فكرها وفي عزيمتها وقصرت في عملها، وتشتت في ذهنها ووقعت البغضاء بينها كحال الأيام التي نعيشها؟ هذه صحوة ضلال ليس بعده ضلال ضلال تعيشه الأمة من هذه الأيام الخروج عن مذاهب أئمتنا الكرام باسم العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكأن الأمة الإسلامية كانت على ضلال وردى، يعبدون الله بآرائهم التي ما أنزل الله بها من سلطان على رسلك أيه الإنسان والله ما المجتهد فينا إلا كالاعب فيمن سبقنا، والله ما المحقق بيننا إلا كطويلب بين يدي أئمتنا، إذا كان الخطيب البغدادي وهو من علماء القرن الخامس للهجرة وتوفي سنة ثلاثة وستين وأربعمائة للهجرة 463هـ يقول (إذا ذكر السلف فما نحن بجنبهم إلا كنجم صغار بجانب نخل طوال) ، فماذا نقول؟ والله إذا ذكرنا من تقدمنا فما نحن بجنبهم إلا بمثابة الشياطين مع المهتدين فأي صحوة مزعومة في هذا الحين.

ص: 18

اخوتي الكرام: هل تروا نموذجاً على هذا، استمعوا إلى هذه القضية التي لن ينقضي عجب الإنسان من الفوضة العلمية في هذه الأيام التي نعيشها، كتاب ألف في هذا العصر يسمى (فقه السنة) ما أجل هذه التسمية لكن ما أشد وقعها كأننا في هذا الكتاب فقه السنة مستنبط منها، وبقيت كأن مذاهب الأئمة الكرام فقه لبني الإنسان، أما هذا فقهٌ للسنة، كما قلت ما أجل هذه التسمية وما أشد وأشنع المحتوى في أول الكتاب يعرض بأئمتنا الكرام الذين تقيدوا بمذاهب أئمة الإسلام وأنهم ما دعاهم إلى التقيد بالمذاهب إلا الأعطيات والوقوف التي وقفت على المدارس التي تتبع المذاهب يا عبد الله هذا يمكن أن يتصف به أنا وأنت أن نركض وراء (الريال) أما أئمتنا الأبرار، فحاشاهم، حاشاهم من هذا العار، سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم.

أما محتوى الكتاب أترك التسمية فيشتمل على ثلاثة أمور:-

أراء شاذة باطلة ما أنزل الله بها من سلطان تحت ستار فقه السنة،

تلفيقٌ وترقيع بين مذاهب أئمة الإسلام دون تحقيق ونسبة الأقوال إلى قائلها.

أمر ثالث:- نقل من القوانين في هذا الحين تحت ستار فقه السنة.

ص: 19

وهذا الكتاب يعرض من قبل من يقال عنهم في هذا الحين إنهم أيضاً من أقطاب السلفية وما أعلم هل صار للسلفية أقطاب كأقطاب الصوفية، حقيقة ما أعلم هل أقطاب السلفية نزلوا أنفسهم منزلة أقطاب الصوفية، فكنا وما نزال نعاني من أقطاب الصوفية والضلال الذي عندهم، فبتلينا بأقطاب أيضاً السلفية، يقول في تقريضة لهذا الكتاب أنه ما قرأ كتاب في فقه من هذا الكتاب، وحث إخوانه السلفيين على قراءة هذا الكتاب وانتشر بين صفوف السلفيين في كل مكان، ثم كر على هذا الكتاب بعد المدح بأشنع أنواع القدح، وبعد الثناء بالذم، فقال إن هذا الكتاب جامدٌ لا يتطور مع الزمن ونقده في أربعة عشر خصلة، لو فصلت هذه الخصال لزادت تفصيلاتها والأدلة عليها على حجم الكتاب ثلاث مرات، وألف كتاباً (إتمام المنة في التعليق على فقه السنة مجلد وفقه السنة ثلاث مجلدات وتمام المنة يعلق فيه على نصف الجزء الأول من الأجزاء الثلاثة ويرد عليه جموده ويرد عليه تصحيحه للأحاديث الضعيفة ويرد عليه تضعيفه للأحاديث الصحيحه ويرد على نسبته الأحاديث للصحيحين ولست فيها، كما قلت هذا مجلد يعلق به على نصف المجلد الأول في فقه السنة فكيف لو علق على النصف الثاني من المجلد الأول وعلى المجلدين الآخرين، كم سيكون التعليق وهذا كما قلت فقه سلفي، سبحان الله ما هذا الضياع ما هذا الافتراء والشتات، ذمٌ بعد ثناء، ونقدٌ بعد إطراء، وقدحٌ بعد مدح، كتاب يؤلف ثم يرد على نصفه بمجلد ثم بعد ذلك مهاترات بين الأمة، بعد أن يثنى على هذا الكتاب، أما المسائل فسأذكر مسألتين اثنتين مما في هذا الكتاب، وهذا الذي دعاني للكلام عليه بعض من أئمة المساجد هنا، قال لي يا شيخ ما حكم التصوير قلت عندك شك إنه حرام في شرع الله الجليل هذا الذي عليه أئمتنا، وقد حكى الإمام النووي هذا عن أئمة الإسلام الكرام في شرح صحيح الإمام مسلم سوى صورة مما له ظل أولاً ظل له، قال في فقه السنة إن الصورة (الفتوغرافية) والصور

ص: 20

التي على الجدران وعلى الستائر هذه حلال، قلت أيضاً في فقه السنة قال في فقه السنة، أين دلت السنة المطهرة على حل التصوير الفتوغرافي أين دلت هذا يحتاج إلى نص صريح صحيح ليكون معجزة من معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه أشار إلى هذا التصوير الفتوغرافي أين دلت، إذا أنت فهمت هذا ولا أريد أن أقول إن فهمك مردود أو مقبول، إذا فهمت هذا على ما ينسب إلى السنة يقول الإمام ابن القيم في كتاب إعلام الموقعين الجزء الرابع صفحة خمسة وسبعين ومائة 4/175 كانت عادة السلف أنهم إذا استنبطوا حكماً ما دلت الأية عليه صراحتاً ولا الحديث يقول هذا رأيي وهذا اجتهادي، أما أن يقول قال الله وقال الرسول فلا ثم لا لأن الله يقول {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذب * إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} السنة دلت على هذا، وهذا فقه السنة التصوير الفوتوغرافي حلال، سبحان ربي العظيم، أين دلالة السنة على هذا ثم يقول لهذا عدا أنه ما دلت السنة لا تأدبت مع ظواهر النصوص التي حرمت التصوير، ولا فهمت مراد الشرع المطهر من تحريم التصوير، إن الأحاديث تواترت عن نبينا صلى الله عليه وسلم عن تحريم التصوير والتصوير شامل التصوير الفوتوغرافي والتصوير اليدوي على الجداران أو على الستائر كل هذا تصوير وخذ هذه الصورة إلى ستار البادية وقل يا أمة الله ما هذه تقل هذه صورة، صورة يا ولدي صورة، فلو وقفت مع ظواهر النصوص فالصورة حرام ولو بحثت في مقاصد الشرع من تحريم التصوير لو بحثت.

ص: 21

وفي المعنى الذي من أجله حرم التصوير مضاهاة خلق الله ولئن لا تكون هذه الصور ذريعة للعبادة من دون اله، فهذا موجود في التصوير الفوتوغرافي والنحت وغيره، فما الذي فرق بينهما ـ ثبت في المسند والصحيحين من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوت في البيت والسهوة هي الحرانة الطاقة فتحة مقران فيه تصاوير ن قران ستر، ستارة فيها تصاوير فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الباب وقف وقال ما هذا يا عائشة أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون في خلق الله، أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما صنعتم فأخذت هذا القران وقطعته قطعتين، هذا تصوير، تصوير على ستارة وقد نهاها عنه نبينا عليه الصلاة والسلام.

ص: 22

وثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربع إلا سنن أبي داود من حديث أبي طلحة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب لا صورة] صورة مطلقة، وهل سيجعل في البيوت صورة أصنام؟ صورة من فوتوغرافية أو ستارة أو إلى غير ذلك، فأين دلت السنة على حل الصورة الفوتوغرافية، لكن يرخص للإنسان أن يقول ما شاء تحت ستار نبذ مذاهب أئمتنا وعدم اتباعهم، فقه السنة التصوير الفوتوغرافي حلال والسنة حلت على هذا، وأنا أقول لهذا ولمن قرصن كتابه ولمن يعنى بهذا الكتاب أقول والله الذي لا إله إلا هو لو كان التصوير الذي لا ظل له مباحاً وحلالاً لأجرم الصحابة في حق هذه الأمة وقصروا مع نبيها صلى الله عليه وسلم تقصير تقصيراً لا نهاية له، فإن قال قائل كيف نقول هلا رسموا لنا صورة النبي صلى الله عليه وسلم، الله إن النظر إلى صورته أحب إلينا من وجود الروح في أبداننا، فإذا كان التصوير جائزاً فهلا رسموا لنا صورة النبي صلى الله عليه وسلم، لا تأدبنا مع ظواهر النصوص ولا فقهنا في النصوص ثم بعد ذلك فقه سنة، ثم بعد ذلك فقه جامد.

المسألة الثانية اخوتي الكرام: موضوع إرث الحمل، إرث الحمل ذكر قولاً خرج به عن المذاهب الأربعة الحمل يقول الحمل يرث من والده إذا مات بشرط أن يولد الحمل هذا الذي في بطن المرأة من زوجها أن يولد ضمن خمسة وستين وثلاثمائة 365 يوم ينبغي أن يولد في هذه المدة كما هو تقرير الطب الشرعي لو ولدت بعد ذلك لا يرث هذا الحمل ثم قال وهذا الحمل لا يرث من غير والده إلا في حالتين:-

الحالة الأولى:- أن يولد أيضاً هذا الحمل ضمن 365يوم أن يولد ضمنها إذا كانت المرأة معتدة من طلاق أو وفاة.

ص: 23

الحالة الثانية:- أن يولد حياً، 270 يوم على الأكثر من تاريخ وفاة المورث إن كانت من زوجته قائمة وقت الوفاة ويريد بذلك كما لو مات ابنها الذي هو أخٌ للحمل من أمه مثلاً، فهل يرث الحمل منه؟ يقول يشترط لإرثه ولادته تسعة أشهر من موت مورثه، يعني من موت أخيه من أمه، وأنا أقول ما الفارق بين هذه الصورة والتي قبلها ومن قال بهذا من المذاهب الأربعة المتبعة؟ وهل هذا القول معتبر؟.

ص: 24

اخوتي الكرام: لابد أن نعي وضعنا هذه الأيام وكثير ممن يدعي في هذا الوقت الرجوع للكتاب والسنة وهو خطر على السنة ممن يحارب السنة، وقد أشار أئمتنا إلى هذا فاستمعوا إلى هذا الكلام الذي يذكره ابن رجب الحنبلي في كتابه فضل علم السلف عن الخلف صفحة ثلاثة عشر صـ13 والإمام ابن رجب الإمام التقي الورع العابد البحر الصامت الذي توفي سنة خمسة وتسعين وسبعمائة للهجرة 795هـ، وفي زماننا أي في القرن الثامن يتعين كتابه كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد، وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة، وحدث إلى من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية ونحوهم وهم أشد مخالفة لها لشذوذه عن الأئمة وانفراده عنهم بفهم يفهمه أو يأخذ ما لم يأخذ به الأئمة من قبل، وكما قلت عند المعلم التاسع من المعالم المتقدمة قلت أنقل كلام الإمام الذهبي بأن الإنسان لا يخرج في الفتية عن المذاهب الأربعة، بل يلتزم بالمذهب الذي ينتشر في ذلك المصر من أمصار المسلمين، يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء في الجزء الثامن صفحة تسعين إلى خمسة وتسعين صـ90 ـ صـ95 في ترجمة الإمام المبارك الإمام مالك بن أنس يقول بعد أن ذكر من كان يقلد من أئمة الإسلام بداً من الصحابة الكرام إلى زمنه قال: ولم يبقى اليوم إلا هذه المذاهب الأربعة وقل من ينهض بمعرفتها كما ينبغي فضلاً عن أن يكون مجتهداً ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقهاً وسعة علماً وحسن قصدٍ فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل لاح له الدليل وقامت عليه الحجة فلا يقلد فيها إمامه، بل يعمل بما تبرهن، ويقلد الإمام الآخر بالبرهان، لكنه لا يفتي العامة إلا بمذهب إمامه أو ليصمت بما خفي عليه دليله، هذا الأمر كما قلت اخوتي الكرام نحو الفرقة الأولى التي نبذت مذاهب أئمتنا الكرام ودعت على زعمها إلى العودة إلى كتاب

ص: 25

الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

والفريق الثاني: وهم بلا شك أخطر من هؤلاء وفريق ثاني ادعوا الصلاح والاجتهاد وأرادوا من ذلك أن يطوعوا الإسلام للمفاهيم الغربية الجاهلية التي يعيشها البشر هذه الأيام، دعوات الإصلاح وحالهم كما قال الله:{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} ، الدعوة الإصلاحية الردية التي دعا إليها (محمد عبده) وقد هلك سنة ثلاثة وعشرين وثلاثمائة بعد الألف 1323هـ ما خرج وما حصل بتلك الدعوة وما أوحي بتلك الدعوة إلا من قبل الإنجليزي اللعين (كرومر) وقد زين لهذا أن يخرج على مذاهب المسلمين وأن يقول بالاجتهاد، ليقول بعد ذلك كل واحد في دين الله ما شاء، ووصل الشطط بعد ذلك تحت ستار دعوة الإصلاح أن يفتي محمد عبده أنه لا مانع من لبس البرانيط ولا مانع من الاستعانة بالكفار في أمور الحياة فيما ينفعهم في الدنيا ولا يذكر لذلك ضابطاً ولا شرطاً ولا قيداً ولا مانع بعد ذلك من حل الذبح بالبلطة أو بالشرارة الكهربائية، بل لا مانع بالحكم بالقوانين الإنجليزية لأنها أقرب إلى الإسلام من غيرها، هي هي دعوة إصلاح ويراد منها الإفساد، نشهدها أيضاً في هذا الوقت بعد وفاة هذا الإنسان بتسعين سنة 90سـ، سبحان ربي العظيم، تلبس برانيط الكفار، يوضع الصليب وفي الصدور ثم هذا لا مانع منه، نصوص الإسلام تتسع لذلك، وقد وصل به الأمر أنه كان يلي رتبة الإفتاء ومع ذلك يلي رتبة الاستشارية، هو مستشار في محكمة الاستئناف التي تحكم بالقوانين الفرنسية، نعم إن صدورهم اتسعت لأن توسع بين شرع الرحمن ونظام الشيطان، فهنا يفتي على حسب الإسلام، وهنا يقضي على حسب القوانين الفرنسية، دعوة الإصلاح التي وجدت وانتشر بعد ذلك منها من البلاء ما انتشر اخوتي الكرام كلها قامت على نبذ المذاهب الأربعة وأن هذا جمود ينبغي أن تتخلص الأمة منه، وتراهم يتململون في كل ساعة من المذاهب

ص: 26

الأربعة ثم بعد ذلك يرتمون في أحضان الكفار ويقدمون طاعتهم على طاعة العزيز الغفار، وخلاصة الكلام اخوتي الكرام هذه المعالم الثلاثة ينبغي أن نعيها تمام الوعي

(1)

التشريع من خصائص الله جل وعلا.

(2)

لهداية الإنسان ركنان: شرع قويم، وعقل سليم.

(3)

منزلة الاجتهاد في الإسلام كما تقدم معنا منزلة عظيمة، وهذه الاجتهادات أحكام شرعية وأصحابها ليسوا بمشرعين والثروة الفقهية هي من أعظم معجزات نبينا خير البرية.

أقول هذا القول وأستغفر الله.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اخوتي الكرام: كل هذه الدعوات الضالة الباطلة ينبغي أن تحذرها من زعم أن الفقهاء مشرعون فهو ضال كما تقدم معنا، ومن زعم أن كلام الفقهاء هو أقوال رجال لنا أن نقول كما قالوا ضال ينبغي أن نحذر قوله ن ومن زعم أن مذاهب الأئمة الأربعة كما تقدم معنا بنيت على السياسة وعلى أهواء الحكام فهو ضال يرف بما لا يعرف، وقد ذكرت بعض أحوال أئمتنا كما تقدم، وأختم هذا الأمر بحال الإمام المبارك إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه توفي سنة تسعة وسبعين ومائة للهجرة 179هـ عندما أفتى بأن طلاق المكره لا يقع وقد ثبت هذا عن عدة من الصحابة الكرام.

ص: 27

ففي مصنف ابن أبي شيبة وسنن سعيد بن منصور عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ليس (لا يقع طلاق المكره ولا المضطهد، ليس على المكره ولا المضطهد طلاق) والأثر علقه الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباسٍ ونقل هذا المعنى الإمام ابن أبي شيبة عن عدة من الصحابة عن عمر وعن ابنه عبد الله وعن عدة من التابعين عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري والضحاك وقتادة رضوان الله عليهم أجمعين طلاق المكره لا يقع وقد وصل الأمر بحكام بني العباس أنهم كانوا يأخذون أيمان البيعة ويأكدونها بالطلاق ويقال لهم نسائهم طوالق، عبيده أحرار، ماله صدقة إذا نكث البيعة، قال الإمام مالك طلاق المكره لا يقع فما راق هذا للحكام، فاستدعاه جعفر بن سليمان الوالي على المدينة من قبل أبي جعفر في زمن الخلافة الإسلامية العباسية ونهاه عن هذا القول فلم ينتهي فما كان من هذا الحاكم إلا أن اشتط فسخم وجه الإمام مالك نور الله وجهه ونور قبره رضي الله عنه ورحمة وما حصل له من ذلك التسخيم إلا رفعة قدر في الدنيا والآخر، فسخم وجهه وكساه بالسواد وشحورا وجهه ثم أركبه على حمار مقلوباً وجهه إلى مؤخرة الحمار وطيف به في مدينة نبينا المختار عليه الصلاة والسلام وقيل للإمام مالك نادي على نفسك فكان يقول أنا مالك بن أنس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فليعرفني، طلاق المكره لا يقع، فمثل هؤلاء الأئمة ينبني فقههم على السياسة حاشهم من ذلك، رجمة الله ورضوانه عليهم أجمعين

اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.

ص: 28

اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة. ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا الإيمان وزينه في قلوبنا. وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك. ومن المقربين لديك. وإذا أردت فتنة بعبادك فقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم. اللهم ارحم أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف وهذا المكان المبارك.

اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريباً سميعاً مجيباً للدعوات والحمد لله رب العالمين وصلي الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

{والعصر * إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر *} .

ص: 29