الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يصل للميتين باتفاق المسلمين
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
ما يصل للميتين باتفاق المسلمين
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.
اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} .
أما بعد: معشر الأخوة الكرام..
تقدم معنا أن الابتداع في الإسلام يؤدي إلى سوء الخاتمة للإنسان، نسأل الله حسن الخاتمة وأن يجعل خير أيامنا يوم لقائه، وهذا الأمر أعني البدعة قلنا سنتدارسه ضمن ثلاثة مباحث.
أولها:- في تعريف البدعة.
وثانيها:- في النصوص المحذرة من البدعة.
وثالثها:- في أقسام البدعة.
ولازلنا نتدارس المبحث الأول اخوتي الكرام ألا وهو تعريف البدعة وقلت فيما مضى إن البدعة هي الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع زعم التقرَّب بذلك إلى الرحمن، وذلك الحدث لا تشهد له نصوص الشريعة الحسان.
اخوتي الكرام: وهذا التعريف السديد الرشيد الذي قرره أئمتنا الكرام ضل نحوه فريقان من الأنام.
فرقة غلت وأفرطت في تعريف البدعة فأدخلت فيها ما ليس منها.
وفرقة قصَّرت وفرطت في تعريف البدعة فألغت البدعة وابتدعن ما شاءت وعبدت ربها على حسب هواها وهي تزعم أنها تعبد مولاها.
أما الفرقة الأولى: فتقدم معنا مناقشتها ولا زلنا في التحذير منها، قلت إنهم أهل غلوٍ وشطط ودين الله بين الغالي والجافي، وهذا الغلو انحصر في أمرين اثنين منهم الأمر الأول كما تقدم معنا حكموا بالبدعة والتضليل على ما شهد له الدليل وقال به إمام جليل، بل زادوا على هذا وهذه الضلالة الثانية، منهم فحكموا بالبدعية على ما صرحت به النصوص الشرعية بأنه ما راق له قولهم الردية وتذاكرنا اخوتي الكرام أمثلة كثيرة حكم عليها بالبدعة من قبل هؤلاء السفهاء المبدعين ولا تدخل في تعريف البدعة عند أئمتنا الراسخين وسأختم الكلام في هذه الموعظة والتي تليها على أمرٍ أيضاً يزعم هؤلاء أنها بدعة وليس ببدعة، إنما هو هدىً ورشاد، وهذا الأمر هو إهداء القربات، إهداء الطاعات، إهداء الخيرات والحسنات، إهداء الأعمال الصالحات إلى الأموات.
اخوتي الكرام: هذه المسألة لها شقان:
الشق الأول: والجانب الأول منها عليه اجتماع واتفاق ولا يخالف فيه إلا أهل الضلال والبدع والأهواء.
والشق الثاني: حصل فيه اختلاف وافتراء بين أئمتنا الأتقياء، لكن الراجح ما قرره جمهور العلماء كما سيأتينا إن شاء الله.
وموعظتنا ستكون في الأمور المتفق عليها، وأما الأمور المختلف فيها والتي هل يصح إهدائها إلى الأموات بعد موتهم فسأتكلم عنها في الموعظة الآتية إن شاء الله.
اخوتي الكرام: قرر أئمتنا الأتقياء أن أربعة أشياء تصل إلى الأموات بعد موتهم وينتفعون بها في قبورهم عند ربهم بعد رحيلهم ومفارقتهم للحياة الدنيا، وهذه الأمور الأربعة من خالف فيها شيئاً منها فهو ضال مبتدع، وكما قلت عليها الإجماع والاتفاق.
أولها:- ما تسبب الإنسان في عمله ووجوده بعد موته.
وثانيها:- دعاء المؤمنين واستغفارهم للأموات بعد موتهم.
وثالثها:- الحج والعمرة للأموات.
ورابعها:- قضاء الديون عنهم والتصدق عنهم.
فهذه الأمور الأربعة تصل إلى الأموات وينتفعون بها بعد موتهم باتفاق علماؤنا الكرام.
وسأذكرها مفصلة مقررة بأدلتها الثابتة عن نبينا عليه الصلاة والسلام.
أما الأمر الأول منها:- ما تسبب الإنسان في وجوده وفعله وبقائه بعد موته يكتب له أجره ما دام ذلك العمل قائماً يعمل به بعد موته، ولو استمر ذلك العمل إلى يوم القيامة، فالأجور تكتب للإنسان ما دام ذلك العمل مستمراً باقياً وقد قرر الله تعالى ذلك في كتابه فقال جل وعلا في سورة (يس){إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبين} نكتب ما قدموه من أعمال صالحة أو طالحة، من أعمال حسنة أو سيئة، ونكتب آثارهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وهذا أحد القولين في تفسير الآية وهو أظهرهما وأوجههما.
والأمر الثاني: يدخل في التفسير الأول في ما قدمه الإنسان في حياته ألا وهو {وآثارهم} قالوا هو الأثر والخطى إلى الذهاب إلى بيوت الله وإلى المساجد في الأرض، فالله يكتب لهم هذه الخطى ويثبهم عليها، هذا يدخل فيما قدموه كما قلت إنما الآية تدل على القول الثاني وهو الذي قرره أئمتنا المفسرون ما قدموه من عمل وما خلفوه أنه يعمل بسببهم يكتب لهم في الخير والشر، وهذا الحقول الله جل وعلا في سورة القيامة {ينبؤا الإنسان يومئذٍ بما قدم وأخر} وهذا الحقول الله تعالى أيضاً في سورة الإنفطار {عملت نفسٌ ما قدمت وأخرت} ما قدمته من خيرٍ وما أخرته من خيرٍ، وما قدمته من شرٍ وما أخرته من شرٍ، وهذا المعنى الذي دلت عليه الآيات.
ورد في الأحاديث الكثيرة الصحيحة الصريحة عن خير البريات على نبينا صلوات الله وسلامه، فمن تلك الأحاديث ما ثبت في مسند صحيح مسلم والسنن الأربعة والحديث رواه الدارمي في مسنده أيضاً صحيحاً صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان له من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً] ، {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم} دعى إلى هدى فاهتدى الناس بدعوته ما دامت هذه الدعوة قائمة وينتفع بها أناس يقرؤن كغاية ويسمعون محاضرته يعملون بنصحه يكتب له أجر ذلك ما دام باقياً، والعكس بالعكس فإذا عمل معصية وبقيت هذه المعصية بعد موته والناس يتبعونه فيها من غناءٍ وبلاءٍ وتمثيليات وكفرٍ وغير ذلك كل ذلك يكتب وزره عليه، وهذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام.
وثبت أيضاً في مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة إلا سنن أبي داود، والحديث رواه الإمام الدارمي أيضاً والبيهقي في السنن الكبرى، وتقدمت وتقدم معنا الإشارة إليه في الموعظة الماضية، والحديث أيضاً من رواية أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً] .
والأحاديث في ذلك كثيرة ووفيرة، أيضاً منها ما في المسند والسنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه والبخاري في الأدب المفرد عن رواية أبو هريرة أيضاً رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا م ثلاث: صدقة جارية أو علمٌ ينتفع به أو ولدٌ صالحٌ يدعو له] .
وكما قلت اخوتي الكرام: الأحاديث التي تقرر هذا كثيرة وفيرة منها ما في سنن ابن ماجة أيضاً وصحيح خزيمة، والسنن الكبرى للإمام البيهقي، والحديث إسناده حسن، وقد نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، وقد صحح الحديث شيخ الإسلام إمام الأئمة الإمام ابن خزيمة عليهم جميعاً رحمة الله، ولفظ الحديث أيضاً من رواية أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[إن مما يلحق المسلم من حسناته وعمله بعد موته مما يلحقه، مما يكتب له بعد موته علماً علَّمه ونشره وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، ومسجداً بناه، وبيتاً لابن السبيل بناه، ونهراً أجراه، وصدقة أخرجها من ماله في حال صحته وحياته تلحقه بعد موته] سبعة أمور هذا من ما بالتمثيل أي ما تسبب الإنسان في فعله من الخيرات والطاعات يكتب له بعد مفارقته هذه الحياة ولقاءه رب الأرض والسماوات، وهذا الأمر اخوتي الكرام كما قلت أنه مجمع عليه ومتفق عليه لا يخالف فيه إلا أهل البدع والأهواء ولا يشكلنَّ عليك أمرُ الولد، فالولد هنا من أعظم ثمرات كسبك وهو حصل بسببك فأنت تنتفع أيضاً بما يصدر منه من طاعة وبالدعاء الذي يصدر منه نحوك وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن أعظم كسباً للإنسان ولده.
ثبت الحديث بذلك في المسند، والحديث في السنن الأربعة أيضاً، ورواه الإمام البخاري في التاريخ الكبير، ورواه الإمام الطيالسي في مسنده، والإمام البغوي في شرح السنة من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن أفضل ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه فكلوا من كسب أولادكم] وفي رواية [إن أفضل ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم فكلوا من كسب أولادكم] هذا الأمر الأول ينتفع الإنسان به بعد موته ما وجد من خيرٍ بعد موته بسببه يكتب له أجره ما دام ذلك الخير باقياً، ولذلك لما وعى أئمتنا الكرام وسلفنا الكرام هذا الأمر تنافسوا في فعل الخيرات التي تنفعهم بعد الممات فأوقفوا الوقوف الكثيرة التي نستظل الآن نحن بظلها من مساجد ووقفاً على المساجد ومن دوراً لرعاية المنقطعين، ومن دوراً لرعاية طلبة العلم ومن أوقافاً بسخية كانت تنفق على ذلك من أجل أن يبقى أجره للإنسان بعد موته، نعم كانوا يقدرون الله مقدراً الآخرة ويقدمون إلى ما بين أيديهم وحصلوا ثمرة جهدهم.
الأمر الثاني: الذي ينتفع به الإنسان بعد موته دعاء المؤمنين واستغفارهم له ينتفع به الإنسان بعد موته باتفاق أئمتنا، وقد قرر الله هذا في كتابه وذكره نبينا صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، الله جل وعلا يقول في سورة الحشر بعد أن قسَّم هذه الأمة لثلاثة أقسام إلى مهاجرين صادقين، وإلى أنصارٍ مفلحين، وإلى من عداهما مما يأتي بعدهما، نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنَّه وكرمه إنه أرحم الراحمين، جاؤوا بعد هذين الصنفين المباركين وتأدبوابأدب الشرع وما نسوا معروف من سبقهم في إحسانهم إليهم فكانت ألسنتهم تلهج بالثناء والدعاء لهم في جميع أوقاتهم يقول الله جل وعلا بعد ذكر المهاجرين والأنصار {والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم} وهذا الدعاء نافعاً قطعاً، والله لا يأمرنا بأن ندعو لمن سبقنا وقد مات إذا كان الدعاء لا ينفع ورضي الله عن السيد الجليل الشريف الحعيفي الإمام الباقر محمد ابن على ابن الحسين ابن عليٍّ ابن فاطمة بنت رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لما جاءه أناس من السفهاء من الغوغاء ووقعوا في السلف الصالح فقال لهم هذا الإمام التقي النقي المبارك رحمة الله ورضوانه عليه هل أنتم من أهل هذه الآية:{للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} أنتم من أهل هذه الآية ومن المهاجرين والله عناكم بها قالوا لا قال أنتم من أهل هذه الآية {والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} فنعت الله المهاجرين بالصدق ونعت الله الأنصار بالفلاح، صادقون، ومفلحون، أنتم من أهل هذه الآية؟ قالوا: لا، قال: أما والله إني
أشهد أنكم لستم من هذه ثم تلا: {والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم} .
هذا هو الإمام الباقر الذي هو إمام ثقة عدلٌ رضى من أئمة الخير خرج أهل الكتب الستة حديثه في دواوين الإسلام في الكتب الستة وأجمعت الأمة على جلالته وتوثيقه وإمامته وخيره وصلاحه، قد توفي سنة بضع عشرة بعد المائة قبل سنة أربعة عشر ومائة 114سـ وقيل سنة سبعة عشر ومائة 117سـ والعلم عند الله جل وعلا، وكما قلت حديثاً في الكتب الستة في الصحيحين والسنن الأربعة رحمة الله ورضوانه عليهم وعلى أئمة المسلمين أجمعين.
إذاً هذا هو الدعاء والاستغفار للأموات {يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} .
نعم اخوتي الكرام: إن الدعاء للأموات أعظم من الهدايا للأحياء أعظم بكثير وإذا أهديتم لحيٍ هدية ثمينة يُسر بها فإن الدعاء للميت أعظم من الهدية للحي وقد شرع الله لنا أن ندعو لإخواننا فقبل أن نوسدة الميت قبره وقبل أن نضعه في لحده شرع الله لنا الدعاء والأستغفار له في صلاة الجنازة وقد شفع الله هذه الأمة بعضهم في بعض وصلاة الجنازة أول دعاءٍ يقدمه المسلم لهذا الميت، وقد شهد نبينا صلى الله عليه وسلم لهذا الميت بأنه من أهل الخير وأن ذنوبه تغفر ومن أهل الجنة إذا صلى عليه المسلمون واستغفروا الله له فالله سيشفعهم فيه فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
ثبت في المسند وصحيح مسلم وسنن الترمذي والنسائي والحديث رواه الإمام البيهقي وأبو داود الطيالسي وهو في صحيح مسلم صحيح من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ما من ميتٍ يموت م المسلمين فيصلي عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة إذا بلغوا هذا العدد يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعهم الله فيه] .
والحديث في صحيح مسلم [ما من ميت من المسلمين يموت يصلي عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعهم الله فيه] .
والحديث اخوتي الكرام: كما قلت في صحيح مسلم من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وقد رواه الإمام أحمد في المسند والإمام مسلم في صحيحه والنسائي في سننه والبيهقي في السنن الكبرى من رواية أنس بن مالك أيضاً رضي الله عنهم أجمعين ورواه الإمام ابن ماجة في سننه من رواية أبي هريرة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من صلَّى عليه مائة من المسلمين غفر الله له] ويمثل رواية ابن ماجة رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين وهذا حدٌ أقصى، لكن إذا نزل العدد من ذلك رحمة الله واسعة أيضاً.
أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أيضاً [أن من صلَّى عليه أربعون من المسلمين من أهل التوحيد لا يشركون بالله المجيد استغفروا الله له وشفعوا له فالله سيغفر لهذا الميت وسيشفعه فيه] فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
ثبت الحديث بذلك في المسند أيضاً وصحيح مسلم، والحديث رواه الإمام أبو داود وابن ماجة والبيهقي في السنن الكبرى من رواية كريب مولى سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال:[مات ابن لعبد الله بن عباس فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين: يا كريب أخرج فانظر كم اجتمع له من الناس فخرج كريب من البيت فنظر إلى الحاضرين الذين جاؤوا لتشييع ولد عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين ثم جاء فقال له عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين: يا كريب تقول إنهم أربعون قال: نعم أو يزيدون قال: أخرجوه، أي أخرجوا ولدي إلى لحده وقبره، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [ما من ميت يموت فيصلي عليه أربعون من المسلمين لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه] أخرجوه إذا اكتمل العدد إلى أربعين، نرجو لهذا الولد الخير العظيم عند رب العالمين، هذه شفاعة وهذا دعاء وهذا استغفار يحصل من الحي إلى الميت، أي إذا نقص العدد من ذلك رحمة الله واسعة بشرط أن يكون لدى الناس فقهاً بكيفية صلاة الجنازة، فإذا قلَّ العدد من أربعين وجعلوا الصفوف ثلاثة تكمَّل صفوفهم بملائكة الله الأطهار يشفع الله فيه أهل الأرض السماء ويرحمه فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
ثبت الحديث بذلك في المسند أيضاً والسنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة والحديث رواه الإمام الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى من رواية مالك ابن هبيره والحديث قد نص شيخ الإسلام الإمام النووي على تحصينه وتبعه الحافظ ابن حجر في الفتح وهكذا نص على تحصينه الإمام المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الحاكم وأقره عليه الذهبي، ولفظ الحديث عن مالك ابن هبيره كما قلت: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[ما من رجلٌ من المسلمين يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف إلا وقد أوجب] أي: أوجب الله له الجنة وأوجب له الله العتق من النار، فكان مالك ابن هبيره رضي الله عنه وأرضاه إذا استقلَّ العدد ونقصوا عن أربعين جزئهم ثلاثة صفوف ثم تقدم بهم فصلى على هذا الميت من المسلمين.
وقد ورد في معجم الطبراني الكبير من رواية أبو أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ومعه سبعة نفر فجزئهم ثلاثة صفوف فجعل ثلاثة صفاً واثنين صفاً واثنين صفاً بحيث جعلهم ثلاثة صفوف ثم تقدمهم وصلى بهم على هذه الجنازة التي توفيت من أجل تحصيل هذا الأجر إذا صلى عليه ثلاثة صفوف أوجب إذا صلى عليهم أربعون شفعهم الله فيه، إذا صلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة غفر الله له وشفع الله المصلين فيه، هكذا كله مما ينتفع به الميت بعد موته من دعاءٍ واستغفار إخوانه.
اخوتي الكرام: وإذا كان الحي يدعو للميت وينتفع الميت بهذا الأمر العظيم من الدعاء والاستغفار فاعلم أيها العبد المسلم أنه لك جائزة كبيرة كبيرة عند الله عندما تدعو لإخوانك وتستغفر لهم لاسيما إذا كانوا موتى وانقطع عملهم وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الله يعطي عظيم الأجر لمن يدعو للأموات ولمن يستغفر لهم ولمن يصلي عليهم ويشهد جنازتهم ودفنهم.
ثبت في المسند والحديث في الكتب الستة والصحيحين والسنن الأربعة، ورواه الإمام ابن الجارودي في المنتقى وغير هؤلاء من أئمة الحديث، والحديث مروي في دواوين السنة ولفظ الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:[من شهد جنازة حتى يصلي عليها كتب له عليها قيراط ومن شهدها حتى تدفن كتب له قيراطان، قالوا: يا رسول الله صلي الله عليه وسلم وما القبراطان قال مثل الجبلين العظيمين وفي رواية أصغرهما كجبل أحد.. أصغرهما كجبل أحد] فأنت عندما تدعو أيضاً للأموات وتستغفر لهم يأتيك خيرُ كثيرُ كثير من الله الجليل وكما قلت شفع الله هذه الأمة المرحومة المباركة بعضها في بعض فالأحياء يستغفرون للأموات والله يغدق عظيم الأجر بعد ذلك على الأموات وعلى الأحياء وهو واسع الفضل والمغفرة، الدعاء والاستغفار ينفع الأموات وهو لهم كما قلت بمنزلة الهدايا للأحياء وتقدم معنا اخوتي الكرام: في المواعظ المتقدمة أن نبينا عليه الصلاة والسلام كما أمرنا على الصلاة على الجنازة أمرنا بعد الصلاة أيضاً أن نقف عند القبر وأن ندعو الميت وأن نسأل الله له التثبيت وهذا محله دعاء ينفع ويقبل عند الله عز وجل.
ثبت الحديث بذلك أيضاً في سنن أبي داود والحديث رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى ورواه الإمام البزار والبغوي في شرح السنة وإسناده صحيح كما تقدم معنا من رواية أمير المؤمنين ذي النورين عثمان رضي الله عنه وأرضاه: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دفن الميت وقف على شفير القبر عليه صلوات الله وسلامه وقال: استغفروا الله لأخيكم اسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل، استغفروا الله لأخيكم، اسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل، وهكذا شرع لنا أن نزور الأموات وأن ندعو لهم كما تقدم معنا وهذا كما قلت دعاء ينتفعون به.
وتقدم معنا حديث المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي وغير ذلك من دواوين السنة عن أمنا عائشة بنت الصديق رضي الله منها وعن أبيها وعن سائر المسلمين عن عليه وسلم ماذا أقول إذا زرت القبور قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، هذا أمرٌ ثاني اخوتي الكرام: ينتفع به الميت بإجماع علماء الإسلام الأمر الأول ما تسبب في فعله بعد موته والأمر الثاني دعاء المسلمين واستغفارهم للموتى بعد موتهم ينتفعون بدعاء الأحياء واستغفارهم.
الأمر الثالث: الحج والعمرة فمن حج عن ميتاً واعتمر وردت النصوص الصحيحة الصريحة بأن الأجر يكتب ثواب ذلك إلى الميت والأحاديث كما قلت اخوتي الكرام: كثيرةٌ وفيرةٌ ثابتةٌ عن نبينا عليه الصلاة والسلام.
فمن هذه الأحاديث ما ثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربعة، حديثاً رواه الإمام مالك في موطأه والدارمي في سننه وهو في دواوين السنة التي تجمع حديث النبي عليه الصلاة والسلام كسنن البيهقي أيضاً ومسند أبي داود الطيالسي وسنن الدارمي وغير ذلك وهو في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة من خفعم إلى النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه قالت: يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي وهو شيخاً كبير لا يستطيع الركوب على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: حجي عنه] .
وفي رواية في المسند وصحيح البخاري ومعجم الطبراني الكبير والسنن الكبرى للبيهقي والدارمي ومسند أبي داود الطيالسي والمنتقى لابن الجارودي وغير ذلك عن ابن عباس أيضاً أن رجلاً قال للنبي عليه الصلاة والسلام يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه إن أختي نذرت أن تحج وأنها ماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه؟ فقال: نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء] أقضوا فالله أحق بالقضاء، ثبت أيضاً في بعض روايات الحديث المتقدمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن فريضة الحج أدركت أبي وهو لا يستطيع أن يحج إنه شيخ كبير، فقال النبي عليه الصلاة والسلام حجي عن أبيك، أفأحج عنه؟ قال حجي عن أبيك] وهذا الحديث ثابت عن رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما، روي عن نظيره من رواية عدة عن الصحابة الكرام.
ثبت في المسند وسنن النسائي عن رواية عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن رجلاً من خفعم وفي رواية عبد الله ابن عباس متقدماً أن امرأة من خفعم ولعل القصة تكررت عند الصحابة الكرام فسأل عن هذا الرجال والنساء أن رجلاً من خفعم قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم[إن فريضة الحج أدركت أبي وهو لا يستطيع الركوب على الراحلة أفأحج عنه؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم] الحديث أيضاً ثبت من رواية أبي رزين وهو لقبط ابن عامر ابن المنتفق أحد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ثبت حديثه في السنن الأربعة بإسنادٍ صحيح عن أبي رزين أنه جاء لنبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه الطاهرين جميعاً صلوات الله وسلامه، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبي شيخ كبير وإنه لا يستطيع الحج والعمرة ولا يستطيع الضعن يعني: السفر يشق عليه أفأحج عن أبي وأعتمر؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: حج عن أبيك واعتمر، حج عن أبيك واعتمر، وثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي من رواية بريدة رضي الله عنه أن امرأة قالت لنبينا على نبينا وصحبه صلوات الله وسلامه [إن أمي لم تحج ماتت ولم تحج أفأحج عنها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: حجي عن أمك] .
وهذه أحاديث كما قلت اخوتي الكرام كثيرة وصحيحة صريحة تدل على أن الحج والعمرة يفعلا عن الميت ويصل ثوابهما إلى الميت كرماً من الله وفضلاً وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، هذه طاعةٌ ثالثة للأموات، وكما قلت هذا باتفاق أئمتنا فلا خلاف ولا نزاع في ذلك ولا يخالف في ذلك إلا أهل البدع، ما تسبب الميت في فعله بعد موته، دعاء الأحياء واستغفارهم له بعد موته، إذا حجوا واعتمروا عنه بعد موته يصل إليه ثواب ذلك وينتفع به بفضل الله ورحمته.
والأمر الرابع: وهو آخر الأمور أداء الديون عن الميت والتصدق عنه وهو باختصار كما قلت أئمتنا. الأمور المالية سواء كان عليه ديون وقضيتها عنه أو تصدقت عنه سواء حصل هذا من أقاربه أو من غيرهم ينتفع بذلك الميت فدينه يقضى عنه، فمن قضاه وإذا تصدقت عنه يصل ثواب الصدقة إليه بفضل الله ورحمته.
والأحاديث أيضاً في ذلك كثيرة صحيحة صريحة منها ما ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي والحديث رواه البزار والإمام الطيالسي ورواه الحاكم في المستدرك والإمام البيهقي في السنن الكبرى من رواية جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما [مات رجلٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلناه وكفناه وحنطناه ثم وضعناه في المكان الذي يصلي فيه على الموتى ثم دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء النبي عليه الصلاة والسلام ليصلي عليه، فلما وصل إلينا تقدم نحوه خطى خطوات نحو الميت ثم التفت إلينا بوجهه الشريف عليه صلوات الله وسلامه فقال: هل على صاحبكم دين؟ قلنا: نعم ديناران يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، استقرض دينارين ومات ولم يؤدهما إلى صاحبهما، قال: هل ترك وفاءاً؟ قلنا: لا، فتأخر النبي عليه الصلاة والسلام ولم يصلي عليه، قال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة صاحب الأربحية وصاحب المعروف والنجدة وصاحب الكرم والجود، قال: يا رسول الله عليه الصلاة والسلام هما عليَّ، فصلَّى عليه إذا كان الديناران يمنعانك من الصلاة أنا أتحمل عن أخي المسلم الدينارين، بل ألف دينار صلِّي عليه فهما عليَّ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هما في مالك أنت الذي تؤدي، قلت: نعم يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فاستدار النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الصحابي الجليل وصلَّى عليه عليه صلوات الله وسلامه، ولقي في اليوم الثاني أبا قتادة فقال: هل قضيت الدينارين يا أبا قتادة؟ قلت: إنه مات البارحة يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال أبى قتادة فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورآني في اليوم الثاني قال: هل قضيت الدينارين يا أبا قتادة؟ قلت: نعم، قال: الآن برَّدت جلده إنه كان في حرارة الحساب وشدَّت العتاد، كيف مات ولم يؤدي الحقوق إلى أربابها، الآن برَّدت جلده، هذا كما ترون اخوتي الكرام نصاً صريح من نبينا
عليه الصلاة والسلام بأن هذا الميت انتفع بقضاء هذا الدين عنه وبهذه الصدقة التي حصلت من أبي قتادة نحو هذا الصحابي الجليل رضي الله عنهم أجمعين.
والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده أيضاً، وهو في السنن الأربعة إلا سنن أبي داود، ورواه الإمام الدارمي في سننه من رواية أبي قتادة نفسه رضي الله عنه وأرضاه قال:[توفي رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، سأل: هل عليه دين؟ قال: نعم، وما حدد مقداره في هذه الرواية، قال: هل ترك وفاءاً؟ قالوا: لا،، قال: صلَّوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة: دينه عليَّ يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، دينه عليَّ أنا أقوم بقضائه وسداده، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: بالوفاء تفي بذلك وتتحمل، قلت: بالوفاء يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم] .
والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه والإمام النسائي في سننه من رواية سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه قال: مات رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، ولعل القصص تكررت وكان صاحب الأريحية والمعروف بالنجدة أبو قتادة يتحمل الدين في جميع هذه الحوادث، ثلاثة دنانير، قال هل ترك وفاءً؟ قالوا لا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة: الدنانير عليَّ يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فتقدم النبي عليه الصلاة والسلام فصلَّى عليه، وهذا اخوتي الكرام كان في أول الأمر قبل أن يفتح الله على رسوله عليه الصلاة والسلام وقبل أن تأتي الخيرات والمغانم والأرزاق، وأما بعد أن فتح الله عليه فكان يصلي على الميت على نبينا وصحبه صلوات الله وسلامه ولا يسأل عن الدين، وإذا كان على الميت دين كان يتحمله سيد الكونين نبينا عليه صلوات الله وسلامه.
كما في الصحيحين وغيرهما من رواية أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعني في أول الأمر إذا أراد أن يصلي على ميتٍ سأل هل عليه دين؟ فإذا قالوا ليس عليه دين تقدم فصلى عليه، وإذا قالوا عليه دين سأل هل ترك وفاءاً، فيقال: نعم فيتقدم وصلى عليه أيضاً، وإذا قالوا لم يترك وفاءاً تأخر وقال صلوا على صاحبكما، فلما فتح الله عليه قال: أنا أولى بكل مؤمناً من ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً وضياعاً فإليَّ وعليَّ عليه صلوات الله وسلامه، من ترك مالاً لورثته أرعاهم وأنا أبوهم على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، هذا بعد أن فتح الله عليه الفتوح وفي أول الأمر إذا يترك الميت وفاءاً لدينه ما كان يصلي عليه مبالغة في تعظيم حقوق العباد.
اخوتي الكرام: إن حقوق العباد مبنية على المشاحة والمماسكه وحقوق الله مبنية على المسامحة والمساهلة، وإذا مات الإنسان وعليه شيء من الحقوق نحو عباد الرحمن فأمره شديدٍ فظيع، أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن هول الدين وفظاعته وشناعته وأن الإنسان إذا لقي ربه به فأمره على خطرٍ خطر، ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن البيهقي والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الأوسط وإسناده صحيح ثابت من رواية محمد ابن جحش رضي الله عنهما أمَّنا زينب أم المؤمنين تكون عمته رضي الله عنهم أجمعين من رواية محمد ابن جحش رضي الله عنهم أجمعين، قال: كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم فنظر نبينا عليه الصلاة والسلام إلى السماء ثم وضع يده كفه على جبينه وقال: سبحان الله ماذا أنزل من التشديد؟ سبحان الله ماذا أنزل من التشديد؟ قال محمد ابن جحش رضي الله عنهم أجمعين ففزعنا وخفنا وسكتنا وأطرقنا، فلما كان اليوم الثاني قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما التشديد الذي أنزل؟ ما التشديد الذي أنزل؟ فقال عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة إلا أن يقضى عنه دينه، والذي نفسُ محمدٍ بيده عليه صلوات الله وسلامه لو أن رجلاً قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل.. القتلة الثالثة ولقي الله شهيداً وعليه دين ما دخل الجنة إلا أن يقضى عنه دينه، إن الدين شأنه شديد فظيع.
ولذلك ثبت في المسند مسند الإمام أحمد ومسند البزار أيضاً من رواية جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه: أرأيت إن قاتلت في سبيل الله بنفسي وبما لي ثم قتلت صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبراً أدخل الجنة فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم، فأعاد الرجل سؤاله فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم، فأعاد الثالثة فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: نعم إلا إذا كان عليك ديناً ليس عندك وفاءه.. إلا إذا كان عليك ديناً ليس عندك وفاءه] أي لا تدخل.
وهذا الجواب والإستثناء وضحته روايات أخرى في مسند من رواية أبي هريرة من رواية محمد ابن جحش والطبراني من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: سارَّني ذلك جبريل، سارني بذلك جبريل أي إذا قتلت بعد أن قاتلت في سبيل الله بنفسك ومالك وقتلت صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر تدخل الجنة إلا إذا كان عليك ديناً ليس عندك وفاءه، سارني: أي أخبرني بذلك الآن جبريل سراً أن هذا الشهيد إذا كان عليه دين وما عنده وفاءاً لدينه لا يدخل الجنة إلا أن يقضى عنه دينه، وثبت في معجم الطبراني الكبير من رواية سهل ابن حبيش، وإسناد الحديث رجاله الرجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال:[يغفر للشهيد بأول قطرة من دمه جميع ذنوبه كل ذنباً له إلا الدين] الدين لابد من قضاءه لا بد من وفاءه.
إذاً اخوتي الكرام: أداء الدين عن الميت فمن يقضيه ويتحمل عنه ينفع الميت كما ثبت ذلك عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وهكذا الصدقة.. الصدقة إلى الميت أيضاً تنفعه ويصل ثوابها إليه، فمن تصدق عنه وقد ثبت شهيرة منها ما في المسند والكتب الستة والصحيحين والسنن الأربعة إلا سنن الترمذي، والحديث رواه الإمام مالك في موطأه أيضاً والبيهقي في السنن الكبرى من رواية أمَّنا عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه إن أمي أفتلتت نفسها: أي ماتت فلتة دون سابق إنذار من مرضٍ ووعكٍ وشدة وعناء، إن أمي افتلتت نفسها، ماتت بغتة وأظنها لو تكلمت لأوصت أينفعها لو تصدقت عنها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم] ، وهذه المرأة هي أم سعد بن عبادة والسائل هو سعد بن عبادة.
كما ثبت هذا في المسند وصحيح البخاري، والحديث رواه أهل السنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة من رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين أن سعد بن عبادة جاء إلى نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي ماتت وأنا بعيداً عنها لم أكن معها لم أكن مقيماً، كنت في سفر وأنا بعيدٍ عنها أينفعها إن تصدقت عنها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم، فقال سعد بن عبادة: أشهدك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حائط المخرافة صدقة عنها، حائط البستان المغراف المثمر الذي يأتي منه الخريف ويخرق منه ويعي الثمر أشهدك أن حائط المخرافة صدقةٌ عنها.
والحديث كما قلت في صحيح البخاري وغيره، والأحاديث في ذلك اخوتي الكرام كثيرة وفيرةٌ منها ما في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن النسائي وابن ماجة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إن أبي مات ولم يوصي أينفعه إذا تصدقت عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم.
إذاً هذه العبادة أيضاً ينتفع بها الميت، وهذه الأمور الأربعة اخوتي الكرام كما قلت ما تسبب الميت في فعله بعد موته من أمرٍ خيرٍ وطاعة لله عز وجل، دعاء الأحياء واستغفارهم للأموات ينتفع به الأموات، الحج والعمرة عن الميت، قضاء الدين عنه وصدقة عنه ? كل هذا وما خالف فيها إلا أهل الابتداع، أما الشق الثاني من بحثنا ما يتعلق بتعبة أمور الطاعات من قراءة القرآن وذكر الرحمن ومن الصلاة والصيام هل يصح إهداء ذلك إلى الأموات عنهم كما هو قول الجمهور وسيأتينا تقرير هذا بأدلة وموعظة آتية إن أحيانا الله، أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء إن أحيانا أن يحيينا على الإسلام وإذا أماتنا أن يتوفانا على الإيمان.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين.
اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اخوتي الكرام: كل ما تقدم معنا وسيأتي من إهداء القربات والطاعات إلى الأموات جاراً على حسب القواعد الشرعية وعلى الأقيسة السليمة السوية والأمر كما قرر علماؤنا الكرام أن الثواب حقاً العامر يجوز أن يهديه إلى من شاء كما أن المال الذي عند الإنسان حقٌ لمالكه يجوز أن يهديهُ وأن يهبه إلى من شاء، وإذا جاز للحي أن يدعو للميت وجواب الدعاء موقوفاً على مشيئة الله جل وعلا فمن باب أولى يصح للحي أن يهدي ما يقوم بها من طاعة ووعد بها ثواباً معلوماً، كل هذا كما قلت جاراً على الأقيسة الشرعية والقواعد السوية ما تقدم معنا من الأمور الأربعة لا خلاف ولا نزاع بين أئمتنا الكرام، وقرروا أن الميت ينتفع به ويصل الثواب إليه في هذه الأمور، وأما بقية الأمور كما قلت سيأتينا تفصيل الكلام عليها إن شاء الله..
اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة. ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا الإيمان وزينه في قلوبنا. وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك. ومن المقربين لديك. وإذا أردت فتنة بعبادك فقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم.
اللهم ارحم أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً.
اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف وهذا المكان المبارك.
اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريباً سميعاً مجيباً للدعوات والحمد لله رب العالمين وصلي الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
{والعصر * إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر *} .