المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أفضل البقاع المساجد - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ١١٨

[عبد الرحيم الطحان]

الفصل: ‌أفضل البقاع المساجد

‌أفضل البقاع المساجد

(حديث ديني)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

أفضل البقاع المساجد

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلم نجد له وليا مرشدا الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنه وهو اللطيف الخبير اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله بيدك الخير كله واليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض الأعلى الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلا في كتاب مبين يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا اله الا هو فأنا تؤفكون الكرام أن المساجد هي أفضل البقاع وأحبها إلى رب الأرض والسماء ففيها نوره وهذه وإليها يأوي الموحدون المهتدون وحقيقة حقيقة هم الرجال الذين يتصفون بأطيب الخصال فهم الذين لا تلهيهم البيوع والتجارات عن طاعة رب الأرض والسماوات وهم الذين يعظمون الله فيسبحونه ويصلون له وهم الذين يشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم وهم الذين يخافون من ربهم ويستعدون للقائه "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار".

ص: 1

نعم إخوتي الكرام هؤلاء الرجال حقا أحسنوا صلتهم لربهم عز وجل وأحسنوا صلتهم لعباد الله فعظموا الله جل وعلا وأشفقوا على عباد الله ومع ذلك اتصفوا بالخوف من الله جل وعلا والوجل منه وهذا من علاقة سعادتهم كما قال العبد الصالح أبو عثمان النيسا بوري وهو سعيد الله إسماعيل الذي توفى سنة ثمانية وتسعين ومئتين من الهجرة يقول هذا العبد الصالح من علاقة سعادة الإنسان أن يعمل الصالحات وأن يطيع رب الأرض والسماوات ويخاف أن يكون مردودا مطرودا ومن علاقة شقاوة الإنسان أن يعمل السيئات ويرجو بعد ذلك أن " 24: 6"

يكون مقبولا وهؤلاء العباد عظموا الله عز وجل وأحسنوا إلى عباد الله وأشفقوا عليهم ومع ذلك يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار إخوتي الكرام وهذه الصفة الرابعة التي نعتهم الله بها في القرآن كنا نتدارسها وقلت نتدارسها ضمن مبحثين اثنين حول الخوف وحول يوم القيامة أما الخوف فقد ذكرت أننا سنتدارسه أيضا من ضمن أربعة مراحل مضى الكلام على ثلاثة منها فيما يتعلق بتعريف الخوف ومنزلته الخوف في شريعة الله وثمرة الخوف وما يحصله الخائف من ربه من ثمرات طيبة في العاجل والآجل في الدنيا والآخرة وبقي علينا الأمر الرابع المتعلق بالخوف ألا وهو أسباب خوف المكلفين من رب العالمين إخوتي الكرام إن أسباب الخوف كثيرة وفيرة وهي على تعددها تحصر في ثلاثة أسباب أولها تعظيم لله جل وعلا وإجلاله وثانيها الخشية من التفريط الذي يتصف به الإنسان نحو ذي الجلال والإكرام سواء كان ذلك التفريط متعلقا بفعل الطاعات أو ارتكاب المحظورات " 18: 8 "

ص: 2

السبب الثالث من أسباب الخوف وهو الذي يقطع قلوب الصالحين والصديقين خشية سوء الخاتمة فهذه الأمور الثلاثة تدعو هؤلاء الرجال إلى الخوف من ذي العزة والجلال تعظيم الله جل وعلا وخشية تفريطهم في جنب ربهم جل وعلا وبعد ذلك لا يعلمون بأي شيء سيختم لهم وهذه الأسباب الثلاثة سنتدارسها إن شاء الله الموعظة وفيما بعدها فلنتدارس في هذه الموعظة السبب الأول منها إجلال الله وتعظيمه نعم إخوتي الكرام هؤلاء الرجال يجلون الله جل وعلا ويعظمونه لأنه عظيم لأنه جليل وينبغي لهذا العبد الفقير الذليل أن يجل مولاه الكبير الجليل سبحانه وتعالى لا لعله سوى ذلك فأنت فقير والله غني وأنت ضعيف والله قوي وأنت ذليل والله خليل وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن تجل الله وأن تهابه وتخافه وكل من استحضر هذا المعنى هذا لا بد أن يخاف الله عز وجل إخوتي الكرام الخوف من الله تعظيما له وإجلالا له لا من أجل ثواب ولا من أجل خشية عقاب " 12: 10 "

ص: 3

إنما هو إله عظيم جليل ينبغي أن نجله وأن نخاف منه وحقيقة من عرف الله جل وعلا وعرف أن ما يجري في هذا الكون من عرشه إلى فرشه ما هو إلا آثار أسمار الله وصفاته آثار صفات الجمال والجلال آثار صفات البر والقهر لا قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتعز من تشاء لآبه بغير حساب فمن استحضر صفات الكريم الوهاب أنها هي التي تعمل في هذا الكون من عرشه إلى فرشه لا بد وأن يخاف الله جل وعلا لا بد وأن يجل الله جل وعلا لا بد وأن يهاب الله سبحانه وتعالى وأن يعظمه وهذا النوع هو أعلى أنواع الخوف وقد أمرنا الله بأن نخاف نفسه وأن نخشاه حق خشيته في آيات كثيرة من القرآن فقال جل وعلا في سورة آل عمران "لا يتخذ المؤمنون................ ويحذركم الله نفسه" ويحذركم الله نفسه لا طمعا في ثوابه ولا خشية من عقابه ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير قل إن تبدو ما في صدوركم أو تخفوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير "53: 12 "

ص: 4

يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمرا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد نعم إن هذا الخوف هو أجل وأعلى وأرفع أنواع الخوف وقد أشار إلى هذه المرتبة في خوف الله جل وعلا الخوف منه لتعظيمه وإجلاله أئمتنا الكرام كما قال العبد الصالح ذو النون المصري وهو ثوبان بن إبراهيم أبو الفيض توفى سنة خمسة وأربعين ومئتين للهجرة من العلماء الربانيين الكرام كان مجاب الدعوة ولما توفى عليه رحمة الله أظلت الطير جنازته حتى دفن ذو النون المصري ومن كلامه العذب المحكم أنه كان يقول من تطأطأ لقط رطبا ومن تعالى لقي عطبا. من تطأطأ وتواضع في هذه الحياة لقي رطبا والرطب يجنيها الإنسان عندما يلتقطها من الأرض ومن تعالى وشمخ بأنفه لقي عطبا ومن كلامه المحكم الذي تناقله أئمتنا عنه وأكثروا من ذكره ومن اللهج به وبخاصة شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية عليهم جميعا رحمات رب البرية "51:15 "

ص: 5

كان يقول هذا العبد الصالح والله ما طابت الدنيا إلا بمعرفة الله وبمحبته وما طابت الآخرة إلا بمغفرة الله ورحمته وما طابت الجنة إلا برؤية الله أو مشاهدته يقول هذا العبد الصالح ذو النون مشيرا إلى هذه المرتبة من أنواع الخوف المكلفين من رب العالمين خوفهم إجلالا له وتعظيما يقول خوف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي ويريد بذلك رحمة الله أي أن الرجال الكاملين يخشون من فراق رب العالمين ومن غضبه عليهم أضعاف ما يخشونه من نار الجحيم خشية النار الخوف من النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي ويحذركم الله نفسه نعم إخوتي الكرام إن هذه المرتبة هي اجل أنواع الخوف أن تخاف من الله إجلالا له وتعظيما له وهكذا أن تعبده لأنه إله عظيم يستحق العبادة سواء أمرك بالعبادة أو لا سيثنيك على العبادة أو لا وسواء نهاك عن مخالفته أولا وسواء سيعذبكم على المخالفة أنت تطيعه وتعبده لأنه إله عظيم " 15: 17 "

فتقوم بحقوق ربك عليك في كل حين ويحذركم الله نفسه وإذا ما أمرنا الله بعبادته هل يصلح منا أن نتخلى عنه وأن لا نلجأ إليه وإذا ما جعل الله في الآخرة جنة ولا نار هل يصلح منا أن نبتعد عنه هل البعث لم تأتنا رسله وحاحمة النار لم تضرم أليس من الواجب المستحق الحياء من الرب الملهم هب أنه ليس هناك بعث وليس هناك نار تضطرم يوم القيامة وتغلي وتفور أليس من حق الله أن نعبده وأن نعظمه وأن نجله وأن نستحي منه فلا عزة ربنا وهذا المعنى قرره أئمتنا الكرام وانظروه موسعا إخوتي الكرام في كتاب مفتاح ومنشوري العلم والإرادة لابن القيم في الجزء الثاني صفحة ثماني وثمانين وما بعدها وانظروه في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد السادس عشر صفحة ثلاثة وخمسين ومئتين وما بعدها فهذا هو أجل أنواع الخوف وعبادة الله تعظيما له أعلى أنواع العبادات والسبب في هذا أن من يخاف " 12:19 "

ص: 6

من الله إجلالا له أعطى الرب حقه وقام بما ينبغي أن يقوم به العبد نحو سيده والأمر الثالث أن من عبد الله جل وعلا تعظيما له وخافه إجلالا له ما جعل الله وسيلة لمنفعته وشهواته ولتنعمه وللذاته إنما عبد الله لأنه إله عظيم إله عظيم يستحق منا العبادة في كل حين في كونه تكرم علينا بعد ذلك بجنات النعيم أي بزيادة الإحسان وصبر منه كما أغدق علينا نعمه في هذه الحياة فضلا منه وكرما دون استحقاق للمخلوقات على خالقها وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها والأمر الثالث أن من عبد الله إجلالا له ومن خافه تعظيما له لا ينقطع عن العبادة ولا يفتر عن الخوف وإن حصل مطلوبة وإن أسقط الله عنه الأمر والنهي وإن وإن فهو يقول أنا عبد وسيدي رب ولا يصلح للعبد إلا أن يخاف من الله وأن يتذلل له سبحانه وتعالى إخوتي الكرام هذا هو أجل أنواع الخوف ويحذركم الله نفسه وقد أشار الله إليه في آيات من القرآن وقدمه على الخوف من وعيده ومن النيران وقال جل وعلا في سورة إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم "05: 21"

ص: 7

والآية تقدمت معنا في ثمرات الخوف لكن انتبهوا إلى هذه الدلالة التي تطرب لها عقول الرجال يقول ذو العزة والجلال وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ديارنا أو لتعودن إلى ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد نوعان من أنواع الخوف لمن خاف مقامي وتقدم معنا أن المصدر هنا إما أنه مضاف إلى الفاعل أو إلى المفعول وعلى الأمرين في ذلك دلالة على بحثنا ألا وهو أن الخوف من الله إجلالا له وتعظيما هو أعلى أنواع الخوف ذلك لمن خاف مقامي عن قيام الله عليه بالإطلاع والمراقبة والإحاطة والقهر والسيطرة فأنت في قبضته وجميع من في هذا الكون من عرشه إلى فرشه تحت حكم الله جل وعلا ذلك لمن خاف مقامي قيام الله عليه بالمراقبة والإحاطة والقهر والسيطرة ذلك لمن خاف مقامي المصدر مضاف إلى المفعول إلى من خاف قيامه بين يدي في هذه الحياة وبعد الممات فعلم أنه فقير محتاج إلي في جميع الأوقات ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ذكر الله نوعين الخوف قدم الخوف "56: 22".

ص: 8

منه إجلالا له على الخوف من وعيده وعقابه وناره ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيدي نعم إخوتي الكرام إن هذا النوع من أنواع الخوف هو أجل أنواع الخوف على الإطلاق ويحصل هذا النوع في نفس الإنسان عندما يعرف الإنسان الصلة الحقيقية بينه وبين ربه الرحمن فأنت فقير والله غني أنت ضعيف والله قوي أنت ذليل والله جل وعلا جليل أنت لا تقوم بنفسك ومحتاج إلى ربك في جميع أحوالك والله هو الغني الحميد هذا هو أجل أنواع الخوف وكما قلت يترتب على معرفتك بنفسك ومعرفتك بربك ولذلك قال أئمتنا الكرام من عرف نفسه عرف ربه والأثر روي عن العبد الصالح يحيى بن معاذ الرازي الذي توفى سنة ثماني وخمسين ومئتين للهجرة وهو من العلماء الربانيين الصالحين في هذه الأمة وكذلك يقول لا يزال العبد مقرون بالتواني ما دام مقيما على الأماني ومن كلامه المحكم عمل كالثراء يعني لا حقيقة له ومشوب بالأخلاط والآفات عما كالثراء وقلب من التقوى خراب وذنوب بعدد الرحل والتراب " 51: 24 "

ثم تطمع بالكواعب الأتراب والنظر إلى وجه الكريم الوهاب هيهات هيهات أنت سكران من غير شراب ثم يقول ما أجلك لو بادرت أجلك ما أقوالك لو خالفت هواك يقول هذا العبد الصالح يحيى بن معاذ الرازي عليه وعلى جميع أئمتنا رحمة ربنا اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا هذا العبد الصالح صاحب هذه الحكمة من عرف نفسه عرف ربه وليس هذا بحديث ينسب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام كما توهم ذلك بعض الأنام وقد حقق أئمتنا الكرام هذا القول وبينوا أنه ينسب إلى هذا العبد الصالح منهم شيخ الإسلام الإمام النووي في فتاواه المشهورة ومنهم أيضا الإمام ابن القيم الجوزية في الجزء الأول صفحة سبع وعشرين وأربع مئة من مجالس السالكين ومنهم الإمام السيوطي وألف رسالة حول هذا الأثر عن هذا العبد الصالح سماها القول الأشبه في بيان معنى حديث من عرف نفسه عرف ربه وقد ذكر الإمام السيوطي" 49: 26 "

ص: 9

عشرة أوجه في شرح هذا الأثر وضغطها الإمام ابن القيم عليهم جميعا رحمة الله إلى ثلاثة معاني خلاصتها الأمر الأول هو الذي يتعلق ببحثنا إن معنى هذا الأثر إما أن يكون من باب النهي أو الضدية أو الأولوية من باب الضدية أو الأولوية أو النفي أما الضدية عرف نفسه لصفات النقص أو الفقر أو الاحتياج عرف ربه في ضد ذلك فإذا عرفت نفسك فقير ضعيف محتاج ذليل عرفت أن الله جل وعلا بخلاف ذلك فمن عرف نفسه عرف ربه ومن باب تكملة معنى الأثر على حسب المعنيين الآخرين عرف نفسه من باب الأولوية عرف ربه أي من عرف أنه يتصل بحياة وعلم وقدرة ورحمة وغير ذلك من صفات الكمال التي تناسب حالة وهي محفوفة بالنقص من عرف أنه يتصف بذلك يعرف يقينا أن الله يتصف بذلك الكمال من باب أولى فالذي منحك حياة ناقصة فيه حياة كاملة والذي منحك علما قليلا وهو بكل شيء عليم والمعنى الثالث للأثر من عرف نفسه عرف ربه من باب النفي " 25: 28 "

كما أنه لا يمكن أن يقف على حقيقة نفسك وإدراك كنه روحك فلن تقف على إدراك حقيقة ربك جل وعلا فالله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فإذا كنت تعجز عن إدراك حقيقة الروح ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فأنت أعجز وأعجز عن إدراك حقيقة الرب جل وعلا ومالك أن تؤمن بما أخبرنا الله جل وعلا عن صفاته وأن تمره حسبما يليق بذاته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير الشاهد المعنى الأول من عرف نفسه عرف ربه عن طريق الضدية لعلمت أنك فقير فالله هو الغني فالذي يحقق معرفة الصلة بين الخالق والمخلوق سيخاف من الخالق ويجله ويعظمه وهذا هو خوف الإجلال هذا هو خوف التعظيم لا لتفريط فيك ولا لانتظار خاتمة ستقابلك وتلاقيك أنما أنت تجل الله وتعظمه لأنه إله عظيم يستحق من عباده أن يجلوه وأن يخافوه وأن يهابوه وأن يعظموه في كل حين ويحذركم الله نفسه ذلك لمن خاف مقامي " 05: 30 "

ص: 10

وخاف وعيد إخوتي الكرام وإذا استحضر الإنسان ما لله من صفات حسان سيهابه ويخاف منه ويجله ويعظمه ولا بد ويستحيل قطعا أن نستعرض ما لله من صفات الكمال في هذه الموعظة لكن سأشير إلى خمسة منها وهذه الصفات انتبهوا لها إخوتي الكرام وتقدم معنا أن ما في هذا الكون من قبض وبسط من نعمة وضر كل هذا أثر صفات الجمال والجلال التي يتصف بها ذو العزة والجلال كل هذا أثر صفات الرحمة والقهر التي يتصف بها ربنا عز وجل الصفة الأولى في الله والتي إذا استحضرها الإنسان مع صفات الله سيخاف من الله ويجله ويعظمه لأنه يستحق ذلك صفة العلم وما أدراك ما صفة العلم يتصف بها ربنا جل وعلا فلا يخفى عليه بهذه الصفة خافية في الأرض ولا في السماء يعلم دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء من استحضر يخاف من الله ويجله " 57:31 "

ص: 11

وقد قرر أئمتنا في كتب التوحيد أن أعظم واعظ أنزله الله من السماء إلى الأرض وأبلغ زاجر نوه الله به في كتبه التي أنزلها على رسله على نبينا عليهم جميعا صلوات الله وسلامه أعظم واعظ وأبلغ زاجر إخبار الله لعباده بأنه يعلم سرهم وعلنهم ولا تخفى عليه خافية منهم هذا أعظم واعظ أبلغ زاجر تأمل معي آيات الله ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم أينما كانوا ثم ينبأهم بما عملوا يوم القيامة إنه بكل شيء عليم هو مع الاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والقليل والكثير معهم بعلمه وإحاطته ومراقبته وإطلاعه فلا تخفى عليه خافية من شئونهم ألا أنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور وهذا المعنى لا تخلو منه ورقة من ورقات المصحف تأمل القرآن من أوله لآخره لن تجد ورقة من ورقات المصحف تخلو " 50: 33 "

ص: 12

من أخبار الله لعباده وأنه يعلم سرهم ونجواهم ولا تخفى عليه خافية منهم أينما كانوا سبحانه هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم إستوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور هذا هو أبلغ واعظ أعظم زاجر أنزله الله علينا لنزدجر به ولنعظم يسببه ربنا من علم أن الله عليم ولا تخفى عليه خافية من شئون عباده فيستحي من ربه ويهابه ويعظمه ويجله ولا يوجد أحد في الوجود يتصف بصفة العلم في كل شيء إلا الرب المعبود فهو بكل شيء عليم وكل من عداه يصدق عليهم قول ربنا جل في علاه وما أتيتم من العلم إلا قليلا العلم للرحمن جل جلاله وسواه في جهلانه يتغمغم ما للتراب وللعلوم وأنما يسعى ليعلم أنه لا يعلم صفة العلم انتقل منها إلى الصفة الثانية تخلع القلب وتوجب عليك هيبة الرب " 48: 35 "

ص: 13

توجب عليك إجلال ربك والخوف منه جل وعلا تعظيما لشأنه لا من أجل جنته ولا من أجل ناره تعظيما لشانه فهو إله عظيم جليل ينبغي أن نهابه وأن نخاف منه في كل وقت صفة القدرة التي يتصف بها وينفذ بها ما شاء وما أراد سبحانه وتعالى لا راد لحكمه ولا معقب لقضاءه هو على كل شيء قدير ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن والعالم بأسرهم علويهم وسفليهم مشيئتهم مرتبطة بمشيئة ربهم وقد انتهى سعي الخلق والمخلوقات من عرش رب الأرض والسماوات إلى الثراء انتهى عند آيتين من كتاب الله جل وعلا الآية الأولى في سورة الدهر في سورة الإنسان وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما والآية الثانية في سورة التكوير وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين فمشيئة العباد مقيدة بمشيئة ربهم جل وعلا وإذا أشاءوا الشيء وأرادوه وأذن الله لهم في مشيئته وإرادته لا يستطيعون أن ينقذوه إلا أقدرهم الله على ذلك " 59: 37 "

ص: 14

والله جل وعلا مشيئته مطلقة وقدرته كذلك ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن من استحضر هذا في كتاب الله وأن الله يتصف به فيها به ويخافه ويجله ويعظمه مشيئة الله جل وعلا وقدرته عامتان شاملتان لكل شيء سبحانه وتعالى وأما العباد فحالهم كما قال شيخ الإسلام أبو عبد الله الإمام الشافي عليه وعلى جميع أئمتنا رحمات ربنا وهذا الكلام عامة ثابت صحيح كما قال شيخ الإسلام ابن عبد البر في كتاب الانتقاء في تراجم الأئمة الثلاثة الفقهاء في صفحة ثمانين في ترجمة الإمام الشافعي يقول هذا العبد الصالح وهذا من شعر الإمام الشافعي الذي لا يختلف فيه وهو أصح شيء عنه واثبت ما خيل في الإيمان بالقدر وهذا الشعر نقله أئمتنا عن هذا العبد الصالح نقله الإمام البيهقي في الأسماء والصفات وفي السنن الكبرى وفي كتاب الاعتقاد ونقله في كتاب البعث والنشور عن الإمام الشافعي ونقله أئمتنا وخلاصة ما نقل من أبيات تبين الصلة بين الخالق والمخلوق ويترتب عليها تعظيم المخلوق لخالقه وإجلاله له يقول الإمام الشافعي عليه رحمة الله " 51: 39 "

ص: 15

ما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت ففي العلم يجري الفتى والمسن على ذا مننت وهذا خذلت وهذا أعنت وذا لم تعن فمنهم غني ومنهم فقير ومنهم حسن ومنهم شقي ومنهم سعيد وكل بأعماله مرتهل ما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن من استحضر هذا سيهاب الله ويخاف الله ويجله قطعا وحزما ويحذركم الله نفسه وصفة القدرة وبها ينفذ الله ما شاء وما أراد فهو على كل شيء قدير كما أنه بكل شيء عليم والصفة الثالثة من الصفات الخمس التي سنتدارسها لتكسب قلوبنا الحياء من ربنا والخشية له جل وعلا تعظيما له صفة الغنى سبحانه عليم بكل شيء قدير على كل شيء غني عن كل شيء فما خلق العباد يتعزز بهم من ذله ولا يتكثر بهم من قلة سبحانه لو أعطاه أهل السماوات والأرض ما نقص ذلك من ملكه شيئا سبحانه وتعالى هو الغني وكل من عداه فقير إليه يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد " 51: 41 "

ص: 16

إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز وأخص وصف في ربنا الغني كما أن أخص وصف في من عداه الفقر وعلة احتياج العالم بأسره من عرشه إلى فرشه علة احتياج المخلوقات إلى رب الأرض والسماوات فقرها وعنى رب عنها فنحن الفقراء وليس علة احتياجنا إلى ربنا حدوثنا ولا إمكان حدوثنا كما قرر الفلاسفة والمتكلمون لإثم لا لعلة احتياج العالم إلى خالقه فقر المخلوقات وغنى رب الأرض والسماوات والفقير لا يستغني عن الغني فنحن نحتاج إليه بأكثر من عدد أنفاسنا التي نتنفس بها من أجل ثبوت حياتنا الغني غني الرب هو الغني سبحانه وتعالى من استحضر هذه الصفة فيه سيخاف من الله جل وعلا أجلالا وتعظيما لكن هذا المعنى لا يعرفه إلا من كان إنسانا كريما لا يعرفه من كان شيطانا رجيما لا يعرف الفضل لذوي الفضل إلا ذوي الفضل من الذي يهاب من الله عز وجل الأتقياء الأكياس الرجال الذين عظموا الله وأحسنوا إلى خلقه ومع ذلك يخافون يوما تنقلب فيه القلوب والأبصار غنى الرب جل وعلا إذا استحضره الإنسان سيخاف من الله يروي الإمام ابن القيم في مدارج السالكين عن شيخه شيخ الإسلام " 58: 43 "

ص: 17

الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله أنه أرسل إليه ورقة في آخر حياته وفيها مقدمة في التيسير وقد كتب على غلافها أبيات من الشعر يقول فيها: أنا الفقير إلى رب البريات أنا المسكين في مجموع حالات أنا المظلوم لنفسي وهي ظالمتي والخير إن يأتنا يأت من عنده ثم يقول عليه رحمة الله: والفقر لي وصف ذات اللازم أبدأ كما الغني وصف له الذات الحال حال الخلق أجمعين وكلهم عنده عبد له آت فمن بغى مطلبا من غير خالقه فهو الظلوم الجهول المشرك العاتي أخص وصف فينا الفقر وأخص وصف في ربنا الغنى وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول أيضا: أنا المكدا وابن المكدا وهكذا كان أبي وجدي هذا حالنا هذه صفتنا وتلك صفة ربنا وحقيقة من استحضر ضعفه وقوة الله ومن استحضر فقره وغنى الله ومن استحضر ذله وعز الله سيهاب من الله ويخاف منه ولا بد وهذا خوف الإجلال خوف التعظيم لا لسبب آخر الصفة الرابعة في ربنا الكريم التي توجب علينا أن نجله وأن نعظمه اعترافا بحقه علينا دون شيء آخر سبحانه غني كريم بكل شيء عليم على كل شيء قدير غني عن العالمين هو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين هو يجب أن يجود بغير قيود ولا حدود سبحانه وتعالى من أجل ذلك خلق هذا العالم من أجل يجود ويتكرم عليه " 14: 46 "

ص: 18

وقد أمرنا الله أن نسأله وأخبرنا إذا لم نسأله فسيغضب علينا لأنه كريم كما أن العباد يغضبون من سؤالك فالله يغضب من عدم سؤالك وقارن بين الأمرين لتعلم علة الربوبية وكذلك العبودية إن سألت العباد غضبوا وضجروا وإن تركت سؤال الرب غضب عليك ومقتك وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وقال ربنا جل وعلا وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون قد ثبت في سند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة والحديث رواه الحاكم في مستدركه بسند صحيح كالشمس من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من لم يسأل الله يغضب عليه لن تتعرض لنفحات الله ولجوده ولكرمه من لم يسأل الله يغضب عليه من استحضر هذه المعاني في ربنا سيجله تعظيما له وحياء منه وإجلالا له سواء بعد ذلك أدخلك الجنة أو النار فهذا لا دخل لك فيه ولا ينبغي أن تفكر فيه إنما ينبغي أن تجل الله جل وعلا وإذا تكرم عليك بالجنة زيادة كرم وفضل وإذا من عليك بالنجاة من النار زيادة كرم وفضل إنه إله عظيم جليل كريم له علينا حق العبادة وينبغي أن نخافه في كل حين ويحذركم الله نفسه الصفة الرابعة صفة الغنى وأما الصفة الخامسة صفة الجلالة والعظمة " 32: 48 "

ص: 19

سبحانه ما أجله سبحانه ما أعظمه وعظمة الله وجلاله لا يمكن أن نوفيها عشر معاشرها إذا أردنا أن نتدارسها أنا سأشير إلى شجرات من جلالة الله من عظمة الله ذكرها الله في سيدة آيات القرآن وأفضل آياته على الإطلاق هي آية الكرسي ثبت في المسند وصحيح مسلم والحديث رواه الإمام أبو داوود ورواه الحاكم فيالمستدرك مستدركا به على الصحيحين وهو واهم فهو في صحيح مسلم من رواية أبي أمامه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ابن كعب أي آية في كتاب الله فقال أبي بن كعب آية الكرسي يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره وقال ليهلك العلم أبا المنذر هنيئا لك العلم بالتوفيق والسداد والتوفيق للعلم وأطابة الجواب ليهلك العلم أبا المنذر الله لا إله إلا هو الحي القيوم تأمل ما في هذه الآية من إشارات إلى عظمة رب الأرض والسماوات وسنتدارس ثلاثة منها في هذه الآية الكريمة أولها مطلع الآية "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" حي قيوم سبحانه وتعالى حي حياة كاملة تامة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء ليس كحياة المخلوقات لذلك أتبعها الله بقوله " لا تأخذه سنة ولا نوم " هذه حياة ذاتية ما وجدت بعد أن كانت معدومة ولم يطرأ عليها العدم وفي حال اتصاف الله بها وهو متصف بها أزلا وأبدا لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه لا تأخذه سنة ولا نوم وهو القيوم القائم بنفسه " 48: 50 "

ص: 20

القيم المدير لشئون خلقه فلا يوجد شيء في هذا الكون من عرشه إلى فرشه إلا بتدبير ربه وتقديره سبحانه وتعالى حي قيوم وهاتان الصفتان لربنا الرحمن هما أصل سائر صفاته الحسان فصفات الله إما أن تكون ذاتية أو فعلية فجميع الصفات الذاتية أصلها صفة الحياة وجميع الصفات الفعلية أصلها صفة القيومية وبهاتين الصفتين أشار الله إلى جميع كمالاته وصفاته الحسنى العلى الله لا إله إلا هو الحي القيوم وما ذكر الله هذين الاسمين مقترنين إلا في آية الكرسي وفي مطلع سورة آل عمران "ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وفي سورة طه "وعنت الوجوه لله الحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما" الله لا إله إلا هو الحي القيوم الإشارة الثانية.

"له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" له ما في السماوات وما في الأرض خلقا وملكا وتقديرا وتدبيرا ومصيرا كل ما في هذا العالم علوية وسفلية خلقه الله يملكه الله يدبره الله سيصير ويؤول إلى الله جل وعلا هو المنفرد في هذا من علم هذا وإنه إذا استحضر نفسه صمن هذه العوالم أنه أقل من قطرة من بحر في جنب ملك الله وأقل من ذرة رمل من رمال الدنيا حقيقة يهاب من الله ويجله تعظيما لشأنه له ما في السماوات وما في الأرض خلقا ملكا تدبيرا مصيرا " 13: 53 "

ص: 21

وهذا العالم بأسره سيصير إلى ربه وانظر إلى الصور التي سيصيروا إليها وما في ذلك من دلالة على عظمة ربنا جل وعلا ثبت في صحيح مسلم والحديث رواه البيهقي في الأسماء والصفات ورواه الإمام البغوي في معالم التنزيل وه صحيح في مسلم من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين فهو في حديث صحيح ثابت عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام قال ابن عمر رضي الله عنهما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يقبضهن بيمينه وفر رواية ثم يأخذهن بيمينه فيهزهن جل وعلا فيهزهن السماوات يطوي الله السماوات يقلب الله السماوات ثم يأخذهن يقبضهن بيمينه جل وعلا ثم يقول: انا الملك اين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوى الله الاراضين ثم ياخذهن بشماله جل وعلا فيقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون انظر لعظمة الرب جل وعلا وجلاله السماوات السبع في كف الرحمن كأنها خردلة يطويها جل وعلا بيمينه والأراضين السبع كذلك من استحضر هذا المعنى سيخاف من الله عز وجل ولا شك إخوتي الكرام ما ورد في هذا الحديث الصحيح من وصف الله بيدين مباركتين يتصف بهما إحداهما يمنى والأخرى شمال يثبت ما يتصف به ربنا ذو العزة والجلال كما أخبرنا نبينا الذي ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه دون أن ندخل في ذلك بعقولنا متوهمين أو متأولين وكل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك والعجز عن درك الإدراك إدراك " 38: 55 "

ص: 22

والبحث في كنه ذات الإله إشراك وإيماننا بصفات ربنا يقوم على دعامتين وركنين متينين إقرار وإمرار فمن لم يقر بالصفات لله الواحد القهار ناس جاحد معطل ومن لم يمر صفات الله جل وعلا فهو مشبه ضال ممثل نقر بالصفة كما وردت ولا نقف عندها وقراءتها تفسيرها كما قال سلفنا ولله يدان مباركتان كما أخبر الله عن ذلك في محكم القرآن بل يداه مبسوطتان وما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي وأحدهما يمينا والأخرى شمال بالكيفية التي يعرفها الله ولا نعرفها وبالكيفية تليق بجلال الله وجماله ونجهلها آمنا بالله وبما من الله على مراد الله وآمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء عن رسوله عليه الصلاة والسلام على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشكلن عليك أخي الكريم وصف الله في هذا الحديث باليمين والشمال ليديه المباركتين جل وعلا لا يشكلن عليك هذا مع الحديث الصحيح الثابت في المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي والسنن الكبرى الإمام البيهقي والأسماء والصفات للإمام البيهقي وهو حديث صحيح أيضا فهو في صحيح مسلم وغيره من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا فقوله وكلتا يديه يمين لا يتعارض مع " 48: 57 "

ص: 23

ما ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن عمر أن السماوات تطوى بيمين الله وأن الأراضين تقبضن بشمال الله لا يتنافى هذا مع هذا لأن المراد من قوله وكلتا يديه يمين في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين من اليمين أي بمعنى الخيرية والبركة والتمام والكمال فالله له يدان مباركتان يمين وشمال لكن الشمال فيه ليست كالشمال فينا جل وعلا فإذا كانت الشمال فينا أضعف من اليمين وتستعمل لما يمتهن ويستقذر فالله كامل كريم مجيد سبحانه وتعالى لا نقص في شيء من صفاته جل وعلا كلتا يديه يمين من اليمين بمعنى الخيرية والبركة وأما الحديث الثابت في صحيح مسلم فقد أخبرنا عن وضع وحال صفتي اليدين كما فصل ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام وأما من طعن في ذلك الحديث الذي هو في صحيح مسلم بأنه من رواية عمر بن حمزة عن عمه سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين وعمر بن حمزة أخرج حديثه البخاري تعليقا في صحيح ومسلم في صحيح وأهل السنن الأربع إلا سنن الإمام النسائي فمن تكلم في عمر بن حمزة لروايته عن عمه سالم بن عبد الله بن عم فعمر بن حمزة روى عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين من طعن في الرواية وقال إنه قالها على حسب المعروف فينا لأن الوارد في رواية المسند والصحيحين وغيرهما من رواية أبي هريرة رضي الله عنه "44: 59"

ص: 24

أن النبي عليه الصلاة والسلام يقبض الله الأراضين بالأخرى ولم يذكرها بوصف الشمال فقال بعض العلماء أن رواية عمر بن حمزة قالها على حسب المعهود والمعروف في الناس فعبر عن اليد الأخرى بوصف الشمال وفتح هذا الباب على الرواة حقيقة قد يسد علينا بعد ذلك باب الرواية وسلفنا أتقى لله عز وجل من أن يستعملوا عقولهم في صفات الله عز وجل وأن يبدلوا اللفظ بما هو معروف فينا وعليه لفظة ثابتة لكنني كما قلت موقفنا نحوها كما موقفنا في سائر صفات ربنا إقرار وإبرار ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فقول ربنا الجليل ليس كمثله شيء نفي للتشبيه والتمثيل وقوله جل وعلا وهو السميع البصير رد ونفي للنفي والتعطيل فلا تمثيل ولا تعطيل ليس كمثل ربنا شيء وهو السميع البصير والدلالة الثالثة في آية الكرسي وسع كرسيه السماوات والأرض إخوتي الكرام حول لفظ الكرسي وما بعده كلام طويل كان في نيتي أن أتكلم عنه في هذه الموعظة ولكني أخشى إذا بحثت فيه دخلت فبه أن يأخذ الكلام منا أكثر من ربع ساعة ول أريد أن أطيل عليكم أنما نقف عند هذه الدلالة لنتدارسها في الموعظة الآتية إن شاء الله وسع كرسيه السماوات والأرض أطاق واحتمل كرسي ربنا السماوات والأرض هذا الكرسي ما هو وما صلة بالعرش وماذا يترتب على ذلك من عظمة لربنا جل وعلا كما قلت أرجئ على ذلك في الموعظة الآتية إن شاء الله أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يرزقنا خشيته في السر والعلن وأن يرزقنا كلمة الحق في الرضا والغضب وأن يرزقنا القصد في الغنى والفقر إنه هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول واستغفر الله.

ص: 25