الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم التناكح بين الإنس والجن (1)
(بحث)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
حكم التناكح بين الإنس والجن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.
اللهم صل على نبينامحمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..
لازلنا نتدارس مبحث الجن وكما قلت فى الموعظة الماضية نحن الآن فى آخر مباحثه ألا وهو الصلة بيننا وبينهم وقلت هذا المبحث الأخير من مباحث الجن يقوم على أربعة أمور.
أولها: استعانة الإنس بالجن.
وثانيها: التناكح بين الإنس والجن.
وثالثها: صرع الجن للإنس.
ورابعها: تحصن الإنس من الجن.
إخوتى الكرام: انتهينا من الأمر الأول ألا وهو الاستعانة استعانة الإنس بالجن وشرعنا فى الموعظة الماضية فى مدارسة الأمر الثانى ألا وهو وقوع التناكح بين الإنس والجن وقلت هذا الأمر أيضا يبحث ضمن ثلاثة مراحل.
المرحلة الأولى: تقدمت معنا وقوع التناكح بين الجن وقلت هذا ثابت كوقوعه بين الإنس وذكرت الأدلة التى تؤيد هذا وتبين أنه للجن ذرية كما أنه للإنس ذرية.
والأمر الثانى: إمكان التناكح والتزاوج بين الإنس والجن قلت أيضا الإمكان ممكن والوقوع واقع والحوادث فى ذلك كثيرة تصل إلى درجة التواتر ومنكرها مكابر.
بقيت معنا الجزئية الثالثة: فى الموضوع ما حكم هذا لو وقع وهل يجوز للإنسى أن يتزوج جنية وهل يجوز للجنى أن يتجوز إنسية هذا ما سنتدارسه فى هذا المبحث إخوتى الكرام وهذه الجزئية على وجه الخصوص ومبحث الجن على وجه العموم يعنى قد تكون فائدته كثير من المسلمين به قليلا ولا يحتاجون إليه.
وهذا التوسع الذى حصل كما قلت لنتعرف أولا على هذا العالم الذى يقابل عالم الإنس الأمر الثانى إخوتى الكرام عندما نتعلم أحكام الإسلام فى كل قضية من القضايا سواء احتجنا إليها أم لا نكون على بينة من أمرنا فى جميع أحوالنا ونرى بعد ذلك عظمة هذه الشريعة وسعتها ودقتها كيف حوت حكم كل شىء فى هذه الحياة ثم أنك تحتاج بعد ذلك إلى هذا الحكم أو لا تحتاجه هذا موضوع آخر ونحن كما ترون حتى فى مبحث الجن عندما نتدارس أحكام الجن نتعرض لأحكام الإنس ثم نستعرض الأدلة الشرعية التى تعطى للإنسان يعنى سعة نظر ويعنى فهما ووعيا بشريعة الله جل وعلا فى القضايا التى نتدرسها وفى غيرها وقد يدرس الإنسان قاعدة من القواعد ضمن مباحث الجن تلزمه بعد ذلك فى مبحث آخر يتعلق بالإنس وشريعة الله مترابطة ببعضها فكن على علم بذلك.
إخوتى الكرام: كما قلت نحن فى القضية الثالثة فى حكم التناكح بين الإنس والجن كنت أشرت فى آخر الموعظة الماضية إلى أن الحكم هو المنع ولا يجوز أن يتجوز الإنسى الجنية ولا الجنى إنسية وهذا هو المقرر عند جماهير أئمة المسلمين عند أبى حنيفة وعند الشافعى وعند الإمام أحمد وقلت الإمام مالك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا كرهه لاعتبار معين سيأتينا إن شاء الله وإن كان يرى أن الأصل الجواز والعلم عند الله جل وعلا وقلت إن الذى يظهر القول بالمنع وأن التحريم فى حق كل أحد من الإنس والجن فلا يجوز أن يقع التزاوج بينهما لسبعة أمور وقلت لكم اكتبوها إجمالا فى آخر الموعظة الماضية وأشرحها الآن تفصيلا وترى بعد ذلك سعة هذه الشريعة وعظمتها ودقتها كما قلت فى تشريعها ويزداد الإنسان بصيرة بأن هذا الشرع هو شرع الحكيم الخبير سبحانه وتعالى.
أول هذه الأمور كما تقدم معنا إخوتى الكرام التى تدل على التحريم قلت كتاب الله وثانيها حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وثالثها الآثار المنقولة عن سلفنا الكرام ورابعها القياس السوى الذى هو من أعلى أنواع الأقيسة لهذه المسألة ألا وهو قياس الأولى كما سيأتينا وخامسها التمسك بالأصل فالأصل فى الأبضاع التحريم ولا يحل لك بضع إلا بدليل كما سيأتينا وسادسها اختلاف الجنس وسابعها عدم حصول المقصود من الزواج عند تزاوج الإنسى بجنية أو جنى بإنسية لا يحصل مقصود.
التزاوج مقصود النكاح وهو السكن الذى أشار إليه ربنا فى كتابه كما سيأتينا ومن أجله يتزوج الإنسان فلن يحصل هذا المقصود وبالتالى لا يجوز التناكح بين الإنس والجن.
الدليل الأول: كتاب الله جل وعلا دل على تحريم التناكح بين الإنس والجن والله أشار إلى هذا فى آيتين من كتابه جل وعلا:
الآية الأولى: فى سورة النحل وفيها يقول عز وجل: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون} .
والآية الثانية: فى سورة الروم: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون} قول الله جل وعلا فى الآيتين جعل لكم من أنفسكم ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم من أنفسكم كلمة من هنا إما أن تكون للجنس وعليه من جنسكم ونوعكم وعليه من هنا ابتدائية من أنفسكم وإما أن تكون للتبعيض والله جعل لكم من أنفسكم ويراد من ذلك هنا خصوص حواء التى خلقت من خصوص أبينا آدم على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه جعل لكم من أنفسكم أزواجا يعنى جعل حواء من بعض وجزء أبينا آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام لأنه خلقها من ضلعه الأيسر الأقصى فإذن هنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا فإن قيل كيف جمع والمراد فرد من أنفسكم وهى مخلوقة من نفس واحدة أزواجا وهى زوج فهذا من باب تغليب الجمع على المفرد لأجل التعظيم لأن ما حصل عظيم عظيم أن تخلق أنثى من ذكر بدون اتصال بين الأنثى والذكر هذا أمر عظيم والله جل وعلا خلق ذكرا من غير أنثى وذكر وهو أبونا آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام وخلق أنثى من ذكر بلا أنثى كما خلق أمنا حواء من أبينا آدم على نبينا وعليهما الصلاة والسلام خلق ذكرا من غير ذكر يعنى من أنثى فقط وهو عيسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام وخلقنا نحن من ذكر وأنثى فاكتمل الخلق يعنى من أنثى من أم بلا أب ومن أب بلا أم ومن غير أب وأم ومن أب وأم سبحان الخالق سبحانه وتعالى هو الذى يخلق ما يشاء إذن والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا يعنى جعل حواء من آدم من للتبعيض خلقها من بعضه من أحد أجزائه وهى بعد ذلك يعنى أصل لكل أنثى وأبونا آدم أصل لكل ذكر على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا كما قلت إما للجنس وإما للتبعيض وهى إما ابتدائية وإما بعضية كما تقدم معنا وكون أمنا حواء مخلوقة من أبينا آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام هذا ثابت إخوتى الكرام عن
نبينا عليه الصلاة والسلام.
كما ثبت هذا فى كتاب الرد على الجهمية صفحة خمسين وهو لابن منده أيضا الرد على الجهمية للإمام الدارمى أيضا لكن هذا لابن منده الرد على الجهمية لابن منده صفحة خمسين عن أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال إن الله لما خلق آدم مسح ظهره سبحانه وتعالى وجرى من ظهره كل نسمة كائنة إلى يوم القيامة ثم انتزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حواء فهى مخلوقة من أحد أضلاعه وإلى هذا أشار الله فى أول سورة النساء {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة} وهى آدم وأنثت واحدة لتأنيث لفظ النفس لا للتأنيث المعنوى الحقيقى فيه إنما للتأنيث اللفظى من نفس واحدة لأن لفظ النفس مؤنث تقول هذه نفسى ولا تقول هذا نفسى هذه وهذه أنفسكم إذن من نفس واحدة {وخلق منها زوجها} وهى أمنا حواء على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه.
وهذا التفسير هو الذى أشار إليه نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذا الحديث مسح على ظهر آدم فخرج من ظهره كل نسمة كائنة إلى يوم القيامة وأشهدهم بعد ذلك على أنفسهم أنه ربهم فشهدوا ثم انتزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حواء ولذلك هى مخلوقة من شىء حى قيل لها حوا وحواء وهى أم لكل حى حواء خلقت من شىء حى من أبينا آدم على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه وهى أم لكل حى حى حوا حواء وهذا هو التفسير الحق وما قاله بعض الضالين فى هذه الأيام فى أمريكا قال إن آدم خلق من حواء لأن الله يقول: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة} من نفس واحدة قال هى حواء لأنها مؤنث وخلق منها زوجها وهو آدم فقال الزوج هذا ذكر والنفس الواحدة هى أنثى فخلق الذكر من الأنثى وهذا هو تفسير الأعاجم الذين يتلاعبون بكلام الله عز وجل الزوج يطلق على الذكر والأنثى والأفصح إطلاق هذا اللفظ على المرأة إذا كانت زوجة تقول لها هذه زوجى ولا تقول زوجتى ولو قلت يصح من حيث اللغة يعنى كلاهما صحيح فصيح لكن الأفصح وبه نزل القرآن الزوج فى حق الذكر والأنثى ولذلك ولكم نصف ما ترك أزواجكم لم يقل زوجاتكم واستعمال الزوجة فصيحا أيضا وورد فى أشعار العرب لكن الأفصح ونزل به القرآن الزوج لكل منهما وعليه وخلق منها زوجها لا يراد منه الزوج الذكر وخلق منها زوجها خلق منها حواء فهى الزوج لأبينا آدم على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه.
وهذا التفسير كما هو ثابت على نبينا وعليه الصلاة والسلام منقول أيضا عن حبر الأمة وبحرها سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين نقل ذلك عنه ابن أبى حاتم فى تفسيره وابن المنذر فى تفسيره والبيهقى فى شعب الإيمان وإسناد الأثر إليه صحيح والأثر فى تفسير ابن كثير انظروه فى الجزء الأول صفحة ثمان وأربعين وأربعمائة وانظروه فى الدر المنثور فى الجزء الثانى صفحة مائة وست عشرة يقول عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما يقول [إن الرجل خلق من الأرض فجعلت نهمته فى الأرض وإن المرأة خلقت من الرجل فجعلت نهمتها فيه فاحبسوا نسائكم] يعنى تريد أن ترجع إلى أصلها وتتعلق به ولا تستقر المرأة إلا إذا كانت فى كنف رجل والرجل لو أعطيته نساء الدنيا يتطلع إلى تملك العقار والديار وأما هى إذا حصلت رجلا لو لم تملك من الأرض شبرا لا تبالى لذلك الرجل خلق من الأرض فجعلت نهمته فى الأرض يريد يتملك يبنى مع أنه حبب إليه أيضا الشهوات الأخرى من النساء والبنين لكن الأرض هذه خلق منها يحب أن تزداد عنده المساحات والدور العقارات فجعلت نهمته فى الأرض والمرأة خلقت من الرجل فجعلت نهمتها فى الرجل فاحبسوا نسائكم لأنها إذا خرجت الرجل يريدها لأنها محل شهوته وهى تريده لأنها فرعا منه فالفتنة مشتركة من الجانبين هو يريدها وهى تريده فاحبسوا نسائكم.
الشاهد كما قلت مخلوقة من أبينا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وما يوجد فى الأصل من خصائص يسرى إلى الفرع {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} ، {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها} وهناك جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وتقدم معنا غالب ظنى ضمن مباحث النبوة ما يتعلق بهذه الآية وقلت البنين المراد إما خصوص الأولاد الذكور وهذا هو الظاهر وحفدة يراد منها على أحد أقوال الستة قيلت البنات لأن صفة الخدمة فيهن من الحفد وهو الخدمة بسرعة على وجه السرعة والنشاط أكثر من البنين وعليه بنين وبنات وقيل الحفدة كما تقدم معنا الأولاد الذكور أيضا وأعيد هنا العطف مع الاختلاف فى الحقيقة فنزل تغاير الصفات منزلة تغاير الذوات كما تقدم معنا إذن بنين يعنى تحبونهم وهم جنس الذكور ولهم شأن وهم يخدمونكم أيضا أو أن المراد الأولاد مطلقا بنين وبنات أو أولاد الأولاد كما تقدم معنا أو أولاد الزوجة أو الأصهار والأختان أو أن المراد من الحفدة الخدم من غير هذه الزوجة وعليه جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة وجعل لكم خدما تستعينون به وترتفقون بهم فى هذه الحياة والعلم عند الله كما تقدم معنا فى سرد هذه الأقوال.
إذن {وجعل لكم من أنفسكم وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات} ، {أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون} قد يقول قائل ما وجه الدلالة فى هاتين الآتين على تحريم التناكح والتزاوج بين الإنس والجن وأئمتنا استدلوا بهايتين الآيتين على المنع منهم شيخ الإسلام الإمام البارزى وهو هبة الله ابن عبد الرحيم توفى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة للهجرة وكان قاضى القضاة فى بلاد الشام فى حماه فى القرن الثامن للهجرة ولما مات غلقت حماه من أجل شهود جنازته رحمة الله ورضوانه عليه هبة الله ابن عبد الرحيم سأله تلميذه الإسنوى كما سيأتينا عدة أسئلة من جملتها عن موضوع التزاوج بين الإنس والجن فأفتى بالمنع من هايتين الآيتين والإمام البارزى كان إماما راسخا خيرا محبا للعلم ونشره قال أئمتنا فى ترجمته كما فى الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة لحزام المحدثين الحافظ ابن حجر فى الجزء الرابع صفحة واحدة وأربعمائة يقول صارت إليه الرحلة فى زمانه يرتحل إليه طلبة العلم قال الإمام الإسنوى فيما ينقله عنه الحافظ ابن حجر وقف على شىء من كلامى أى اطلع البارزى على شىء من كلام الإسنوى يقول فأعجب به وأرسل لى إذنا بالفتوى يقول أنت تأهلت للفتيا والإمام الإسنوى من تلاميذ البارزى وتوفى سنة اثنتين وسبعمائة للهجرة يعنى عاش بعده فترة طويلة ذاك ثمان وثلاثين وهذا اثنتين وسبعين قال الحافظ ابن حجر فى الدرر الكامنة قلت كان الإسنوى قد جهز إليه أسئلة للإمام البارزى فأجابه عنها وأذن له وهى أجوبة مشهورة من جملة هذه الأسئلة والإجابة عليها التناكح بين الإنس والجن فأفتى بالمنع لهايتين الآيتين وسيأتينا وجه الاستدلال إن شاء الله.
وقد حكى استدلاله الإمام الشبلى فى آكام المرجان والإمام السيوطى فى لقط المرجان والسيوطى فى الأشباه والنظائر حكوا استدلاله بهاتين الآيتين وأقروه على تحريم التناكح بين الإنس والجن والإمام البارزى كما قلت كان قاضى القضاة والإمام ابن كثير عندما ترجمه فى البداية والنهاية فى حوادث سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة فى الجزء الرابع عشر صفحة اثنتين وثمانين ومائة والإمام ابن كثير أدرك الإمام البارزى وعاش معه قرابة ثلاثين سنة لأن الإمام ابن كثير ولد سنة سبعمائة للهجرة وتوفى سنة واحدة وسبعين أوليس كذلك وسبعمائة فعاش مع الإمام البارزى ثلاثين سنة فهو يعرفه وكلاهما من بلاد الشام يقول كان شيخ الإسلام والإمام الذهبى ترجمه فى معجم الشيوخ واعتبره من شيوخه الإمام البارزى فى معجم الشيوخ فى الجزء السادس صفحة ست وخمسين وثلاثمائة يقول شارك فى الفضائل وصنف التصانيف مع العبادة والدين والتواضع ولطف الأخلاق وما فى طباعه من الكبر ذرة وله ترامن على الصالحين وحسن ظن فيه أى يحب الصالحين الزهاد العابدين ويحسن ظنه فيهم رحمة الله ورضوانه عليه وعلى أئمة المسلمين أجمعين وهذه الكلمة له ترامن على الصالحين وحسن ظن فيهم سيأتينا شىء من التعليق عليها عند كلام الذهبى فى الحرانى أحد أئمة الإسلام أيضا لكن جرى حوله كلام فيما سيأتينا إن شاء الله ضمن مبحث الصرع فسينقل عن الحرانى كلام الحرانى كان بينه وبين البارزى صلة أبينها هناك إن شاء الله.
وأما الإسنوى الذى وجه الأسئلة فهو عبد الرحيم ابن الحسن ابن على الإسنوى من بلاد إسنا وهى فى مصر الإسنوى ضبطها بالكسر الإسنوى كثير من الناس يلحنون يقولون الأسنوى الإسنوى إسنا كان بينه وبين الإمام أبى حيان صلة وكتب إليه أبو حيان فنعته بالشيخ وقال ما شيخت أحدا فى سنك أى أنت أصغر منى ومن هو فى عمرك أنا ما أخاطبه بلفظ الشيخ هذه يعنى اعتبرها واحفظها أبو حيان يكتب إلى الإسنوى أيها الشيخ ما شيخت أحدا فى سنك وترجمه أيضا الحافظ ابن حجر فى الدرر الكامنة فى الجزء الخامس صفحة أربع وخمسين وثلاثمائة فى الجزء الثانى إخوتى الكرام فى الجزء الثانى أربع وخمسين وثلاثمائة قال كان شيخنا يجله أى يريد به الإمام العراقى حافظ الدنيا فى زمنه كان شيخنا يجله يقول وكان هو يحبه أى الإسنوى ونعته بأنه حافظ عصره الإسنوى يقول عن العراقى أنه حافظ عصره والأمر كذلك إذن الإسنوى سأل البارزى عن موضوع التناكح بين الإنس والجن فأفتى بالتحريم والمنع واستدل بهاتين الآيتين وجه استدلاله اضبطوه وانتبهوا له إخوتى الكرام.
الله جل وعلا يقول: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} نكرة أو معرفة نكرة ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا أيضا نكرة النكرة إذا جاءت فى سياق نفى فى سياق نهى فى سياق شرط فى سياق نفى ونهى وشرط تفيد العموم طيب وهنا لا يوجد لا نفى ولا نهى ولا شرط فلما تفيد العموم وأئمتنا قالوا المراد منها العموم والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا يعنى عموم الزوجات لا يخرجن عن كونهن من أنفسكم لا يمكن أن توجد زوجة من غير جنسك التى خلقت منك وهى آدمية من أنفسكم أزواجا وللجن يقال لهم من أنفسكم أزواجا كما أن الجنية للجنى فالإنسية للإنسى إذن هنا نكرة فى سياق اثبات والأصل أنها لا تفيد العموم يعنى مما جعل لكم من أزواجكم مما جعل لكم زوجات من جنسكم يمكن أن تقول هناك زوجات من غير جنسكم يعنى الجنيات هذا الظاهر فهنا استدل بالآية على العموم ما وجه ذلك؟
أئمتنا يقولون النكرة إذا كانت فى سياق الإثبات وسيقت فى معرض الامتنان تفيد العموم فى معرض الامتنان تفيد العموم ومنه قول الله جل وعلا: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} كل ماء ينزل نكرة فى سياق اثبات لكن هذا للامتنان كل ماء ينزل من السماء فهو طهور طاهر مطهر وهنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا لا يوجد زوجة نفسك وجنسك لا يوجد الزوجة آدمية فما خرج عن ذلك هذا محرم ومنهى عنه فالنكرة إذا كانت فى سياق امتنان وإخبار عن فضل الرحمن تفيد العموم كما هو هنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وإن كانت فى سياق نفى أيضا تفيد العموم كما تقدم معنا.
ومنه قول الله جل وعلا: {ما لكم من إله إلا الله} ، {ما لكم من إله غيره} ، {ما لكم من إله} قوله من إله ما لكم نفى فتفيد العموم أى الآلهة كلها إلا هذا الإله الحق وهكذا إذا وردت كما قلت فى سياق شرط {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره} إن أحد أحد نكرة أيضا فى سياق نفى فى سياق شرط تفيد العموم وهكذا إذا وقعت النكرة فى سياق النهى ولا تطع منهم آثما أو كفورا فتفيد العموم وعليه النكرة إذا كانت فى سياق اثبات وهى فى معرض الامتنان تفيد العموم وإذا كانت فى سياق نفى تفيد العموم فى سياق نهى تفيد العموم فى سياق الشرط تفيد العموم وهنا نكرة فى سياق اثبات لكن فى معرض الامتنان الله يمن علينا بنعمه التى أنعم بها علينا فلو كان هناك زوجة من غير جنسها لما صح الامتنان بهذه الآية لأنه يوجد زوجة أخرى لما ما ذكرت فإذن هنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا نكرة فى سياق اثبات لكن فى معرض امتنان تفيد العموم يعنى لا يوجد زوجة من غير هذا الصنف من عدا هذا الصنف هذا محرم فى شريعة الله جل وعلا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا نكرة فى سياق اثبات لكن فى معرض الامتنان فأفادت العموم فانحصرت الزوجات فى هذ النوع للآدمى آدمية وللجنى جنية ولا يجوز لأحد الصنفين أن يتزوج من الآخر والعلم عند الله عز وجل هذا استدلال أئمتنا وهذا هو كما قلت استدلال الإمام البارزى وغيره وهو الذى أيضا وضحه شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان فى الجزء الثالث صفحة عشرين وثلاثمائة إذن هذا الدليل الأول آيتان من القرآن نصتا على أن الزوجات منحصرات فى جنسنا فلا يجوز أن نتزوج الجنيات والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا وإن قال قائل هذه نكرة فى سياق اثبات ولا تفيد العموم نقل إذا ورد فى معرض الامتنان تفيد العموم فالله يخبر عن منته على عباده لأنه جعل لهم زوجات من هذا الصنف وعليه ما خرج عن هذا الصنف فلا يحل وسورة النحل من أولها
إلى آخرها هى سورة النعم وتقدم معنا أن الله عدد نعمه على عباده فيها أصول النعم وعدد متمات النعم فيها جميع النعم الأصول والفروع ذكرت فيها وهنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا فلو كان هناك زوجة من غير جنسنا ونوعنا لما حصل الامتنان الكامل لهذه الآية فى الإخبار والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا والعلم عند الله.
الدليل الثانى: السنة سنة النبى عليه الصلاة والسلام دلت على تحريم التناكح بين الإنس والجن روى الحديث بذلك عن نبينا عليه الصلاة والسلام لكنه مرسل وسيأتينا أن الحديث المرسل يستدل به إذا اعتضد بشواهد وقد أفتى بموجبه كثير من أئمة التابعين ولذلك هذه الشواهد تعتبر مقوية لهذا المرسل ويحتج به وأما المرسل فقد رواه حرب كما تقدم معنا فى مسائل حرب قلنا هى من أجل كتب الإسلام ومن أجل ما نقل عن الإمام الهمام أحمد ابن حنبل فى حرب ما نقله عن الإمام أحمد فى مسائل حرب نقل عن الإمام الزهرى مرسلا أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الجن والأثر فى آكام المرجان ولقط المرجان والأشباه والنظائر لابن نجيم وللإمام السيوطى أيضا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الجن قال قال ابن نجيم من أئمة الحنفية والإمام السيوطى من أئمة الشافعية فى الأشباه والنظائر أيضا الأشباه والنظائر لابن نجيم إن شئت صفحة سبع وعشرين وثلاثمائة وللسيوطى الأشباه والنظائر صفحة ست وخمسين ومائتين قال هذان الإمامان الأثر وإن كان مرسلا لكنه اعتضد بأقوال العلماء والمرسل عند من لم يحتج به يحتج به إذا اعتضد بأقوال العلماء أفتى بموجبه صحابى أو قال به إمام من أئمة التابعين وهنا اعتضد
تقدم معنا أن قتادة والحسن البصرى تقدم معنا نهيا عن نكاح الجن فإذن يقول السوقى وابن نجيم وهو وإن كان مرسلا لكنه اعتضد بأقوال العلماء والإمام الحموى فى حاشيته على ابن نجيم وهو أربع مجلدات فى حاشيته على الأشباه والنظائر لابن نجيم فى الجزء الثالث صفحة تسع وأربعمائة يقول هذا الكلام فيه نظر لابن نجيم والنظر هو يقول المرسل عندنا حجة بنفسه فلا داعى بأن يعتضد بأقوال العلماء لأن المرسل حجة عند الأئمة الثلاثة عند أبى حنيفة ومالك والإمام أحمد من غير قيد ولا شرط المرسل حجة بنفسه يقول الإمام العراقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الألفية:
واحتج مالك كذا النعمان
…
وتابعوهما به ودانوا
ورده جماهر النقاد من جاهل
…
الساقط فى الإسناد
يعنى جماهير المحدثين ردوا المرسل ولذلك يقول الإمام مسلم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى أول صحيحه المرسل فى قولنا وقول عامة أهل العلم ليس بحجة لكن الفقهاء خالفوا المحدثين فى ذلك فأبو حنيفة يحتج بالمرسل بلا قيد ولا شرط وهكذا الإمام مالك وهكذا الإمام أحمد والشافعى لا يحتج به إلا بشروط.
وغالب ظنى تقدمت معنا بين مباحث الحديث فى مسجد..عند مبحث الحديث المرسل الشاهد هنا بما أن ابن نجيم من الحنفية يقول أنت تقول هذا مرسل اعتضد بأقوال العلماء احتجوا به يقول هذا خطأ على حسب أصول المذهب المرسل يحتج به من غير اعتضاد إذا كان هذا المرسل ثابتا يحتج به ثم قال الإمام الحموى والأولى أن يقال إن فى إسناده ابن لهيعة فهو ضعيف فما ينبغى أن نعلل الضعف بالإرسال فهو ضعيف ويحتج به مع وجود ابن لهيعة لفتيا العلماء بمدلوله يعنى قولك إنه مرسل اعتضد بأقوال العلماء الإرسال ليس بآفة تمنعنا من أن نحتج بهذا الأثر إنما فى إسناده ابن لهيعة وابن لهيعة فيه ضعف فإذن مرسل فيه ضعف لا يقوى بنفسه هذا الضعف الذى فيه انجبر بفتيا العلماء بمدلوله ابن لهيعة تقدم معنا حاله إطلاق القول بضعفه غير مسلم وقلت إن شاء الله إن حديثه لا ينزل عن درجة الحسن والعلم عند الله كما تقدم معنا مرارا فى ترجمة ابن لهيعة خلاصة الكلام أثر مرسل ثابت عن الزهرى رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الجن وعليه هذا دليل من السنة يفيد التحريم فإن قلنا إن المرسل حجة بنفسه الأمر واضح وإن قلنا لا بد له من تقوية لأجل أن يحتج به فقد أفتى بموجبه أئمة التابعين الكرام رضوان الله عليه أجمعين.
الدليل الثالث: الذى يحرم التناكح بين الإنس والجن الآثار المنقولة عن السلف الأبرار منها ما تقدم معنا أثر الحسن لا تزوجوه ولا تكرموه عندما قالوا له إن جنيا يخطب منا ويزعم أنه يعنى علق وأحب إحدى بناتنا ولا نريد..