الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة تفسير (ش2)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
مقدمة تفسير (ش2)
الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم ف {ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .
{يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته رضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1]{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران/102]{يا أيها أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاعظيما} [الأحزاب/70-71] .
أما بعد معشر الأخوة الكرام لازلنا نتدارس المقدمة لدروسنا فى تفسير كلام ربنا جل وعلا وقلت إن المقدمة تقوم على أمرين.
الأمر الأول: فى منزلة كلام الرحمن وأثره فى عباد الله جل وقد انتهيت من هذا الأمر.
والأمر الثانى: فى الطريقة المثلى القويمة فى تفسير الآيات القيمة الحكيمة وهو ما سنتدارسه فى هذا الدرس بعون الله جل وع صلى الله عليه وسلم.
إخوتى الكرام: الطريقة القويمة فى تفسيرالآيات المحكمة القيمة العظيمة هذا الطريقة تقوم على أمرين اثنين.
الأمر الأول: على التفسير بالمأثور على التفسير بالمنقول.
والثانى: على التفسير بالرأى المقبول المبرور فالطريقة المحكمة لتفسير آيات القرآن إما أن يكون عن طريق النقل وإما أن يكون عن طريق الرأى الحسن.
أما الطريقة الأولى وهى التفسير بالمأثور فيعنى بها ويراد بها أن ينقل المفسر تفسير الآيات المحكمة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقوال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ومن أقوال التابعين الطيبين عليهم رحمة الله جل وعلا فإذا نقل المفسر تفسير آيات القرآن من كتاب الله فسر كلام الله بكلام الله أوفسر كلام الله بكلام رسول الله عليه الصلاة والسلام أو فسر كلام الله جل وعلا بكلام الصحابة رضوان الله عليهم أو فسر كلام الله جل وعلا بكلام التابعين الطيبين عليهم رحمة الله، هذه الطريقة بأقسامها الأربعة يقال لها تفسير بالمأثور وإنما جعلت الطريقين الآخرين من التفسير بالمأثور وهما ما نقل عن الصحابة وما نقل عن التابعين لثلاثة أمور معتبرة.
أولها: بعض ما نقل عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم جميعا له حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتينا.
الأمر الثانى: مانقل عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم جميعا مما ليس له حكم المرفوع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فالنفس تطمئن إليه والقلب يسكن لقبوله ويميل إلى ذلك ويقدمه عل ما سواه والأمر الثالث عمل المفسرين وأئمة الإسلام حيث جعلوا ما نقل عن الصحابة والتابعين رضى الله عنهم جميعا من قبيل التفسير بالمأثور فالأمام السيوطى عليه رحمة الله عندما ألف كتابه العظيم النافع فى التفسير بالمأثور وهو المسمى بالدر المنثور فى التفسير بالمأثور ولم يرد به تفسيرا بالرأى على الإطلاق قصر هذا الكتاب على تفسير كلام الله جل وعلا بما نقل عن النبى عليه الصلاة والسلام وبما نقل عن الصحابة الطيبين وبما نقل عن التابعين الطاهرين رضوان الله عليهم أجمعين،هذا عمله فى تفسيره الدر المنثور فى التفسير بالمأثور والكتاب عظيم ونافع جدا وهو فى ست مجلدات كبيرة ولو حقق لربما لوصل الكتاب إلى عشرين مجلدا فى التفسير بالمأثور المنقول فقط على أقل تقدير {الدر المنثور فى التفسير بالمأثور} وعلى هذا سار بعد ذلك من كتب فى التفسير من أئمة المسلمين فالشيخ الذهبى فى كتابه التفسير والمفسرون فى الجزء الأول فى صفحة اثنتين وخمسين ومائة اعتبر ما نقل عن الصحابة الطيبين وما نقل التابعين الطاهرين من طرق التفسير بالمأثور.
وهكذا أحمد أمين فى كتابه ظهر الإسلام فى الجزء الثانى فى صفحة سبعين وثلاثين وعليه فالتفسير بالمأثور هو: أن ينقل المفسر تفسير كلام الله جل وعلا من كلام الله ومن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن أقوال الصحابة الكرام رضى الله عنهم ومن أقوال التابعين عليهم رحمة الله جل وعلا فليس للمفسر فى هذه الطريقة إلا النقل من هذه المصادر الأربع ولذلك قيل له تفسير بالمأثور من قولك أثرت الحديث آثره إذا ذكرته ورويته عن غيرى ومنه قول إبى سفيان والحديث فى صحيح البخارى عندما أرسل النبى صلى الله عليه وسلم كتابه إلى هرقل عظيم الروم يدعوه إلى الإسلام فجمع هرقل من هم من مكة فى بلاد الشام جاؤا تجارا إلى بلاد الشام ليسألهم عن النبى عليه الصلاة والسلام فلما اجتمعوا قال لهم أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذى يزعم أنه نبى فقلت أبو سفيان أنا فقال قدموه وجعلوا أصحابه وراء ظهره ثم قال هرقل لقوم إبى سفيان إنى سائل هذا أى أبا سفيان عن هذا الرجل الذى يزعم أنه نبى عليه الصلاة والسلام فإن كذبنى فكذبوه فقال أبو سفيان والله لولا أن يأثروا عنى كذبا لكذبت عليه أى لافتريت وقلت فيه ما ليس فيه،يأثروا أى ينقلوا عنى كذبا وتتناقله الأجيال بأن أبا سفيان كذاب فالكذب منقصة فى بنى الإنسان فلذلك لن يتكلم إلا بحقيقة الأمر لولا أن يأثروا عنى كذبا لكذبت عنه فإذن تفسير المأثور أى منقول من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم ومن أقوال التابعين عليه رحمة الله هذه الطرق الأربعة للتفسير بالمأثور ينبغى أن نقف عندها وقفة يسيرة نوضح فيها هذه الطرق.
أولا تفسير القرآن بالقرآن: هذا أحسن طرق التفسير لأن هذا جار على البدهية المقررة بأن صاحب الكلام أدرى بمراد كلامه وصاحب البيت أدرى بما فى بيته وأهل مكة أدرى بشعابها وكلام الله جل وعلا أول من يعلم ماذا يراد به المتكلم وهو الله جل وعلا ولذا إذا وجدنا تفسيرا للقرآن بالقرآن فنعض على ذلك بالنواجذ فهذا تفسير لكلام الله بكلام الله ولهذا أمثلة كثيرة من ذلك قول الله جل وعلا فى سورة الفرقان {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} هذه الليلة التى هى كثيرة الخيرات عظيمة البركات نزلت فيها هذه الآيات المحكمات نزل فيها القران العظيم.
ما هى؟ وفى أى شهر من أشهر السنة هى؟ نقل فى ذلك قولان: قول مهجور مردودوهوأنها ليلة النصف من شعبان ولم ينقل هذا إلا عن عكرمة من التابعين وهذا ثابت عنه بإسناد صحيح عليه رحمة الله لكن القول مردود ولم يرد فى ليلة النصف من شعبان حديث يسوى سماعه كما قال أئمتنا الكرام إذن نحن إذا أردنا أن نبين هذه الليلة نأتى لكلام الله هل وضح الله هذه الليلة فلنستعرض آيات القرآن الكريم فى بيان هذه الليلة ومتى هي يقول الله فى سورة القدر {إنا أنزلناه فى ليلة القدر *وماأدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر} هذه هى البركة التى نزل فيها القرآن أن هذه الليلة مباركة فهى أفضل من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهى أفضل من ألف شهر من بضع وثمانين سنة يتعبد فيها الرجل من الأمم السابقة لقصر أعمار هذه الأمة كما ثبت هذا عن مجاهد رضى الله عنه فى موطأ مالك وغيره.
فإذن ليلة القدر عظيمة البركة ومن بركتها أنها خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهى خير من ألف شهر يتعبد فيها المكلف من الأمم السابقة فهذه الأمة أعمارها قصيرة فأعطاهم الله ليلة هى خير من ألف شهر إذا أحيوها كتب لهم ما يزيد على عبادة بضع وثمانين سنة والأجر لنا خير من تلك السنوات الكثيرة التى يقومها فرد من الأمم السابقة فى عبادة ربه جل وعلا إذن هذه الليلة المباركة هى ليلة القدر ليلة القدر التى لها هذا الشأن فى أى شهر شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هذا تفسيرللقرآن بالقرآن فالليلة المباركة التى لم تحدد فى أى شهر هى ولم تبين متى تكون فى سورة الدخان {إنا أنزلناه فى ليلة مباركة} بين الله فى سورة القدر أن هذه الليلةالمباركة هى ليلة القدر وليلة القدر التى نزل فيها القرآن هى فى شهر رمضان كما قال ربنا الرحمن {شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن} هذا تفسير للقرآن بالقرآن ومن ذلك قول الله جل وعلا فى سورة الإسراء {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذن لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا} لطلب تلك الآلهة طريقا الى الله هذا الطريق الذى يطلبه تلك الآلهة إلى الله ما هو؟
آيات القرآن دلت على أن ذلك الطريق محصور فى أمرين اثنين كل منهما حق، الأمر الأول لطلبو طريقا لمنازعة الله ولمخاصمته ولقتاله كما قال جل وعلا {قل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذن لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا} لحصل النزاع بين تلك الآلهه التى تزعمونها مع الله ومع الله كما قال جل وعلا {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} فلنازعت تلك الآلهه هذا الإله وبالتالى يختل نظام هذا الكون والإحكام الذى فيه دل على إنه إله واحد يسيره ويتصرف فيه {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذن لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا} سبيلا الى منازعته ومخاصمته ومغالبته {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} .
والثانى لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا،طريقا للتقرب إليه والسعى فى خدمته وعبادته لينالوا المنزلة عنده ،لو كان هناك آلهة كما تزعمون لعبدت تلك الآلهة هذا الإله الحق الذى هو الإله العظيم وهذا أشار ربنا جل وعلا إليه فى سورة الإسراء فقال {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} هؤلاء الذين تعبدونهم من دون الله وتزعمونهم أنهم آلهة مع الله من الملائكة والمسيح ابن مريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه هم يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} .
والآية كما ثبت فى صحيح البخارى عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه نزلت فى أناس من العرب من الإنس كانوا يعبدون ناسا من الجن فأسلم الجن وعبدوا الله وبقى المشركون من العرب على عبادتهم فأنزل الله هذه الآية يعيرهم بها فقال أولئك الذين يدعون ،يدعونهم من دون الله ويعبدونهم {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} .
إذن قول الله جل وعلا {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} هذا السبيل مفسر فى آيات القرآن الكريم بأمرين لابتغوا سبيلا لمنازعته وبالتالى يفسد هذا الكون لابتغوا سبيلا إلى عبادته والتقرب إليه فكيف تعبدونهم من دون الإله الحق فاعبدوا من يعبده من تعبدونهم فمن تعبدونه يعبد الله فاعبدوا الله جل وعلا ولا تشركوا به أحدا {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} .
ومن ذلك قول الله جل وعلا {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} من سورة النحل إذا أردت المراد من هذه الآية إذا أردت أن تقرأ وإذا أردت الشروع فى القراءة فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يقال إن الفعل هنا فعل ماض ورتب الله جل وعلا الجزاء على الشرط فإذا قرأت القرآن وانتهيت استعذ بالله من الشيطان الرجيم كما وهم فى ذلك بعض المفسرين ويأتينا هذا إن شاء الله عند تفسير آيات الإستعاذة ونسبوا هذا القول إلى بعض الصحابة كإبى هريرة وغيره رضي الله عنهم بأن الاستعاذة تكون فى آخر القراءة لأن الله يقول {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} إذا انتهيت فاستعذ وهذا الكلام كما قال الإمام أبو بكر ابن العربى فى أحكام القرآن قال فى حق هذا الكلام انتهى العى بقوم إلى أن قالوا إن الإستعاذة بعد القراءة ونسب بعضهم ذلك إلى الإمام مالك والله أعلم بسر هذه الرواية وفقه الإمام مالك وذكائه أعلى من أن ينسب إليه ذلك إذن {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} كيف تقولون إذا أردت أن تقرأ ،نقول لهذا نظائر فى كلام الله وهذا بينته آيات القرآن يقول الله جل وعلا {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} الآية إذا قمتم إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فتطهروا وليس وهو يصلى يتوضأ هذا بينته آيات القرآن ووضحته.
ومن ذلك قول الله جل وعلا {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} أى إذا أردتم مناجاة الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن ذلك قول الله {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} أى إذا أردتم سؤالهن لمتاع من أمتعة الدنيا ومتاع البيوت فاسألوهن من وراء حجاب إذا أردتم.
وهنا فإذا قرأت القرآن فاسعذ بالله إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولهذا أمثلة كثيرة إن شاء الله عندما نتدارس تفسير كلام الله جل وعلا نطبق هذا فنبدأ بتفسيركلام الله بكلام الله فإن وجدنا هذا عضضنا عليه بالنواجذ وإلا انتقلنا إلى الطريقة التى بعدها.
إخوتى الكرام: أبرز من عنى بهذا النوع من التفسير وهو إيضاح القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالقرآن شيخنا المبارك الشيخ محمد الأمين الشنقيطى عليه رحمة الله ونور الله قبره وجعل قبره روضة من رياض الجنة وغفر له ولجميع المسلمين والمسلمات فى كتابه العظيم فى التفسير المسمى بأضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن ،فذكر فى مقدمة كتابه وتفسيره فى الجزء الأول فى صفحة ثلاثة أن أهم المقصود بتفسيره أضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن أمران: الأمر الأول إيضاح القرآن بالقرآن وسلك حقيقة مسلكا لم يسلكه من قبله من المفسرين بالنسبة التى سلكها كانوا يفسرون كلام الله بكلام الله لكن أحيانا يقتصرون فى الإيضاح أما هو لايوجد آية بينت فى آية أخرى إلا واستعرض هذا وذكر النظائر التى توضح كلام الله جل وعلا بكلام الله جل وعلا.
والأمر الثانى والغرض الثانى من تفسيره أنه يبين الأحكام الفقهية فى تفسير الآيات القرآنية ،فأهم المقصود بتفسيره أمران إيضاح القرآن بالقرآن وبيان الأحكام الفقهية عند الآيات المفسرة التى يوضحها عليه رحمة الله.
هذا النوع الأول من أنواع التفسير بالمأثور تفسير القرآن بالقرآن والنوع الثانى تفسير القرآن بالسنة.
إخوتى الكرام: قبل النوع الثانى أحب أن أبين إلى أنه يدخل فى هذا النوع من البيان إيضاح القراءات ببعضها فالقراءة مع القراءة كالآية مع الآية كما قال أئمتنا فقد يكون المعنى فى قراءة من القراءات يحتمل لمعنيين ما المراد منهما تأتى قراءة ثانية توضح أن المراد من هذه القراءة من هذه الآية هو المعنى الأول أو الثانى كقول الله جل وعلا فى سورة النور {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور/22] .
قرأ القراء التسعة العشرة باسثناء إبى جعفر يزيد ابن القعقاع قارىء المدينة المنورة وشيخ نافع عليهم جميعا رحمة الله قرأ التسعة ولا يأتل وقرا أبو جعفر ولا يتأل أولوا الفضل منكم والسعة أن يأتوا أولوا القربى لايأتل ولا يتأل والقراءتان متواترتان ثابتتان عن نبينا عليه الصلاة والسلام وقول الحافظ فى الفتح فى الجزء الثامن صفحة تسع وثمانين وأربعمائة لاتعرف هذه القراءة عن أهل المدينة وإنما قرأ بها الحسن البصرى فقط وهى من الشواذ هذا وهم منه غفر الله له ورحمه فالآية ثابتة عن إبى جعفر يزيد ابن القعقاع ولا يتأل أولوا الفضل قراءة ولا يأتل التى هى قراءة الجمهور والجم الغفير والقراءة الأكثر تحتمل معنيين تحتمل ولا يأتل من الألية بوزن عطية بمعنى اليمين والحلف والقسم، قليل الألايا حافظ ليمينه إذا صدرت منه الألية برة وعليه ولا يأتل أى لا يحلف ،أولوا الفضل منكم والسعة على ألا يأتوا إحسانهم وصدقاتهم ومعروفهم لأولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله والآية نزلت فى عتاب أبى بكر رضي الله عنه عندما حلف ألاينفق على مسطح ابن أثافة رضي الله عنهم أجمعين وهو ابن الكبر خالته وقد خاض فى الإفك رضي الله عنه وغفر له وهو من أهل بدر الكرام رضي الله عنهم أجمعين، ولا يأتل ولا يحلف من الألية بوزن عطية بمعنى القسم واليمين.
وتحتمل من الألو بمعنى التقصير ولا يأتل ولا يقصر فى النفقة ،فاحتملت قراءة الجمهور معنيين لا يأتل لايحلف ،لايأتل لايقصر فأى المعنيين هو المراد قراءة أبى جعفر توضح وترجح معنى من هذا المعنيين لاتحتمل قراءة إبى جعفر غيره ولا يتأل والتال هو الحلف وهذا الذى صدر من أبى بكر رضي الله عنه عندما حلف ألا ينفق على مسطح ابن أثافة فنزلت الآية تعاتبه فقال بلى نحب أن يغفر الله لنا وأعاد نفقته على مسطح ضعف ما كان ينفق عليه رضي الله عنه وأرضاه وهذه كما ثبت فى صحيح مسلم عن عبد الله ابن المبارك هى أرجى آية فى القرآن العظيم فالذى جرى من مسطح ابن أثافة ذنب عظيم عظيم كبير كبير يتكلم على أمه عائشة أمنا أم المؤمنين رضي الله عنها هى زوج النبى عليه الصلاة والسلام هى بنت صديق هذه الأمة هى الصديقة الحصان الرزان حبيبة حبيب الله عليه صلوات الله وسلامه رضي الله عنها هى قريبته فمسطح عندما تكلم بالإفك ارتكب جنايات عظيمة وأبو بكر رضي الله عنه ما قابله بشىء إلا أنه قال كنت أحسن إليه سأقطع إحسانى عنه ولو قطع الإحسان دون جناية من مسطح لما كان عليه لوم إن شاء أن يحسن فله أجر وإن شاء ألا يحسن ضاع منه ذلك الأجر لكن الله ما رضى هذا من أبى بكر رضي الله عنه فقال {ولا يأتل ولا يتأل أولوا الفضل منكم والسعة أن يأتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} .
فالجزاء جزاء من جنس العمل فإذا غفرت يغفر لك وإذا سامحت يسامحك الله فقال أبو بكر بلى وأعاد بالنفقة ضعف ما كان ينفق عليه وفى صحيح مسلم عن عبد الله ابن المبارك يقول هذه أحب آية إلى فى القرآن لأن الله عندما عاتب عبدا من عباده عندما قطع إحسانه فالمؤمن أيضا يقول لربه يارب أحسنت إلى فى هذه الحياة فكيف تقطع إحسانك عنى بعد الممات أنا أحوج إلى الإحسان بعد موتى من إحسانك إلى فى حياتى فالشروع ملزم فى مذهب النعمان فكيف بكرم الرحمن إذا شرعت فى نافلة يجب عليك أن تتمها عند إبى حنيفة وإذا شرعت فى إحسان يجب عليك أن تتمه ،فالله جل وعلا أولى بإتمام المعروف والكرم ولذلك قال أئمتنا فإن قدر الذنب من مسطح يحط قدر النجم من أفقه وقد جرى منه الذى قد جرى وعوتب الصديق فى حقه رضي الله عنه وأرضاه إذن ولا يأتل ولا يتأل والقراءة مع القراءة كالآية مع الآية هذا النوع الأول من أنواع تفسير القرآن بالمأثور تفسير القرآن بالقرآن.
والنوع الثانى من أنواع تفسير القرآن بالمأثور تفسير القرآن بالسنة إذا لم تجد إيضاح كلام الله جل وعلا فى كلام الله فارجع إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فالله بعث نبيه ليبين للناس ما نزل إليهم من ربهم وكان يتلوا عليهم هذا القرآن ويوضح لهم معانيه عليه صلوات الله وسلامه ولذلك قال الإمام الشافعى كل ما حكم به رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو مما فهمه من القرآن ولذلك إذا أعياك طلب التفسير من القرآن فاطلبه من سنة النبى عليه الصلاة والسلام قال الإمام ابن كثير والغرض أنك تطلب تفسير القرآن من القرآن فإن لم تجده ترجع إلى سنة النبى عليه الصلاة والسلام.
كما ثبت فى المسند والسنن بإسناد جيد فى حديث معاذ عندما أرسله النبى صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له بما تحكم قال بكتاب الله قال فإن لم تجد قال بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام قال فإن لم تجد قال أجتهد رأيى ولا آلوا قال الإمام ابن كثير والحديث فى المسند والسنن بإسناد جيد وهذا فى مقدمة تفسير الإمام ابن كثير فى الجزء الأول فى صفحة ثلاثة وهذا الكلام الذى قاله الإمام ابن كثير مأخوذ من كلام شيخه شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية وهو موجود فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثالث عشر فى صفحة ثلاث وستين وثلاثمائة يقول هذا الحديث فى المسند والسنن بإسناد جيد.
والحديث رواه الإمام أحمد فى مسنده والترمذى فى سننه وأبو داود فى سننه ورواه الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله ورواه الخطيب البغدادى فى كتابه الفقيه والمتفقه وقد كتب الإمام ابن القيم عليه ما يزيد على صفحة فى تفسير هذا الحديث وقبوله واعتماد أئمة الإسلام فى كتابه العظيم إعلام الموقعين ويقال بالهمزة من فوق أعلام الموقعين إعلام الموقعين الذين يوقعون عن رب العالمين يعلمهم وينبههم بالاحتياط وما ينبغى عليهم فى فتاويهم أعلام الموقعين المعالم البارزة التى يهتدى بها المفتون فى أمور الدين إعلام الموقعين أعلام الموقعين يقول فى الجزء الأول فى صفحة مائتين واثنتين هذا الحديث تلقاه الكافة عن الكافة وهو حديث عملت به الأمة وأخذت به والإمام ابن العربى عليه رحمة الله فى عارضة الأحوزى فى الجزء السادس صفحة اثنتين وسبعين بعد أن حكى اختلاف العلماء فى تصحيح هذا الحديث قال والدين القول بصحتة فإنه حديث مشهور.
نعم فى الحديث شىء من الكلام على بعض الرواة فى الإسناد فى جهالة الحارث بن عمر وجهالة أصحاب معاذ وهل يسلم جهالة أصحاب معاذ أم هم من الشهرة بمكان وهذا أعلى مما لو ذكروا كما يقول الإمام بن القيم هذا مجال بحث لكننى أقول الحديث إذا تلقته الأمة بالقبول لا يبحث عن إسناده وقد ذكر هذا إمام المحدثين فى زمنه الإمام السخاوى فى الجزء الأول فى صفحة ثمان وستين ومائتين فقال إذا تلقت الأمة الحديث الضعيف بالقبول ينزل منزلة المتواتر لأن إجماع الأمة معصوم من الخطأ ثم نقل عن الشافعى عليه رحمة الله حديث لا وصية لوارث حديث ضعيف وتلقته الأمة بالقبول ونسخت به مدلول قول الله جل وعلا {كتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} .
فحديث لا وصية لوارث إن الله قد أعطى لكل ذى حق حقه فلا وصية لوارث حديث ضعيف تلقته الأمة بالقبول وعملت به ونسخت الوصية للوالدين والأقربين فكل من يرث لا وصية له ولا تصح الوصية له مع أنه ضعيف وهو حديث معاذ على التسليم بوجود ضعف فى إسناده فالأمة تلقته بالقبول وإذا تلقت الأمة حديثا بالقبول ينزل منزلة المتواتر ولذلك قال شيخنا عليه رحمة الله فى مذكرته فى أصول الفقه فى صفحة ثلاث وثلاثين هذا حديث مشهور ومثله لا يحتاج للبحث عن إسناده وإن كان فيه ضعف أى تكلم فى إسناده وفيه ضعف هذا مثله لا يحتاج للبحث عن إسناده حديث مشهور وتلقته الأمة بالقبول إذن نطلب تفسير كلام الله جل وعلا من كلام الله فإذا لم نجده نرجع إلى سنة النبى صلى الله عليه وسلم لنطلب تفسير القرآن من السنة وما ثبت فى حديث معاذ ثبت مدلوله من كلام ابن مسعود وعمر ابن الخطاب رضى الله عنهم فى سنن النسائى والبيهقى ومن كلام أبى بكر فى سنن البيهقى.
ففى سنن النسائى فى الجزء الثامن صفحة مائتين وثلاثة فى سنن النسائى فى كتاب القضاء باب القضاء باتفاق أهل العلم وفيه فى هذا الحديث والإسناد هذا المكان سئل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وأكثر عليه فى السؤال فقال قد مضى علينا زمان وما كنا نفتي ولسنا بأهل للفتيا والقضاء حتى صرنا إلى ما ترون فمن جاءه قضاء وعرض عليه مسألة فليقض بما فى كتاب الله فإن لم يجد فبسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن لم يجد القضاء فى كتاب الله ولا فى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فليقض بما قضى به الصالحون ولا يقل إنى أخاف إنى أخاف فإن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات قال أبو عبد الرحمن الإمام النسائى عليه رحمة الله هذا حديث جيد جيد ومثل هذا قال أيضا عمر رضى الله عنه كما فى سنن النسائى والبيهقى عندما كتب له أبو موسى الأشعرى رضى الله عنهم جميعا يسئله فقال له اقض بما فى كتاب الله فإن لم تجد فاقض بما في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن لم تجد فاقض بما قضى به الصالحون فإن لم تجد فإن شئت فتقدم أى اجتهد وإن شئت فتأخر ولا أرى إلا التأخر خيرا لك أى أحجم وسل أهل العلم ولا تتجرأ بنفسك على الفتيا والإجتهاد حتى تأخذ رأى أهل الخير والصلاح فإذا وجدت قضاء فى كتاب الله فاقض به فى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فاقض به قضى به الصالحون قبلك فاقض به لن تجد إن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر ولاأرى التأخر إلا خيرا لك ،فمدلول حديث معاذ ثابت من كلام ابن مسعود وعمر وأبى بكر رضى الله عنهم أجمعين.
إخوتى الكرام: نحو الطريق الثانى من تفسير القرآن بالمأثور وهو تفسير القرآن بالسنة ينبغى أن نحذر التعويل على ما لا أصل له وعلى ما لا يثبت مما نسب إلى النبى عليه الصلاة والسلام وقد وضع على نبينا عليه الصلاة والسلام أحاديث كثيرة لاسيما فى التفسير ولذلك ثبت عن الإمام أحمد عليه رحمة الله أنه قال ثلاثة كتب ليس لها أصل التفسير والملاحم والمغازى الغالب على هذه الكتب كما قال أئمة الإسلام الغالب عليها الإرسال وعدم الاتصال والضعيف والتفسير والملاحم والمغازى.
الملاحم مايتعلق بأمور الفتن والأمور التى ستقع والمغازى ما وقع فى الأمر الأول فينقل بلا إسناد ويتساهل فيه وهكذا التفسير قال الإمام ابن حجر فى مقدمة لسان الميزان وينبغى أن يضاف إليها الفضائل كتب الفضائل ثم قال فهذه أودية الحديث الضعيف ،التفسير والفضائل والملاحم والمغازى فانتبه وحذارى حذارى أن تأخذ بما لم يثبت عن النبى عليه الصلاة والسلام فى تفسير كلام الرحمن فلا بد من أن تعول على أثر صحيح ثابت تداولته الأمة وأخذوا به فى تفسير كلام الله جل وعلا.
أخوتى الكرام: لهذا النوع من التفسير نماذج نذكر بعضها فى هذا الدرس قال الله جل وعلا فى كتابه {الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} من سورة الأنعام الظلم يشمل كل معصية ولذلك لما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة كما ثبت فى الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنهم أجمعين يقول لما نزل قول الله {الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالوا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه والله شرط الأمن والاهتداء الأمن فى الآخرة والاهتداء فى الدنيا بعدم خلط الإيمان بشىء من الظلم وكل معصية ظلم تجاوز الإنسان الحدود الشرعية ووضع الأمر فى غير موضعه وغير نصابه فإذن لايحصل له اهتداء فى الدنيا ولا أمنا فى الآخرة إذا خلطوا إيمانهم بشىء من المعاصى ومن ينفك عن معصية الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم شق ذلك على أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالوا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه أينا لايظلم نفسه.
فقال ليس بالذى تعنون ليس المراد من الظلم مطلق المعاصى لا إنما المراد من الظلم الشرك ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح لقمان {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} وعليه الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم أى لم يخلطوا إيمانهم بشرك وحدوا الله جل وعلا توحيدا حقيقيا أما أن الجبلة البشرية الطبيعة الإنسانية تنفك عن معصية فهيهات هيهات يا عبادى إنكم تخطئون فى الليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى أغفر لكم مؤمن لايخلط إيمانه بهفوة وبتقصير هذا لا يمكن أن يوجد هذا لعله يوجد فى الملأ الأعلى فى حال الكرام الكاتبين الذين لا يعصون الله ما أمرهم يفعلون ما يؤمرون أما هذا البشر الذى فيه ما فيه من أمور الغضب والغفلة والشهوة والسهو والنسيان وغير ذلك يقع ،يقع فى هفوات وزلات فإذ سلم من الشرك فليحمد الله الذين آمنوا ولم يلبثوا بظلم أى بشرك أولئك لهم الأمن فى الآخرة وهم على اهتداء فى هذه الحياة الدنيا ففسرت.. الأفراد فخص هذا العموم بنوع من أفراده وهو الشرك إن الشرك لظلم عظيم ليس المراد بالظلم ماتعنونه وتفهمونه مطلق المعاصى إنما المراد منه الشرك إن الشرك لظلم عظيم.
ومن ذلك أيضا ماثبت فى الصحيحين وسنن الترمذى وأبى داود والحديث فى مسند الإمام أحمد عن ابن أبى مليكة من أئمة التابعين قال كانت أمنا عائشة رضي الله عنها لاتسمع شيئا لاتعرفه إلا سألت عنه حتى تعرفه رضي الله عنها وأرضاها وأكرم بها من أم واعية صالحة قانتة طيبة تقول أمنا عائشة سمعت النبى عليه الصلاة والسلام يقول من نوقش الحساب عذب وفى رواية من حوسب هلك فقالت أمنا عائشة يا رسول ألم يقل الله فى كتابه {فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا} بل سيحاسب وأنت تقول من حوسب هلك من نوقش الحساب عذب فقال يا عائشة إنما ذلك العرض ،الحساب اليسير وعرض الصحف على العامل فقط دون أن يحاسبه الله ودون أن يناقشه إنما ذلك العرض لكن من حوسب عذب ففسر صلى الله عليه وسلم هنا قول الله {فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا} بعرض الكتاب عليه يعرض عليه ثم لايناقش ولايحاسب ولايجادل ويقال له عبدى سترتك فى الدنيا وان أسترك فى الآخرة هذا هوالحساب اليسير لكن من حاسبه الله وناقشه وجرى بينه وبين عبده مجادلة هلك العبد وعذب ولابد من حوسب عذب من نوقش الحساب عذب من حوسب هلك والحساب اليسير فى قوله الله فسوف يحاسب حسابا يسيرا هوالعرض وهكذا قول الله جل وعلا فى سورة الزلزلة والزلزال يومئذ تحدث أخبارها سألوا النبى عليه الصلاة والسلام عن أخبارها التى تتحدث بها الأرض ما هذه الأخبار التى تتحدث بها الأرض يوم القيامة.
والحديث ثابت فى مسند الإمام أحمد والترمذى ومستدرك الحاكم وهو بسند حسن قالوا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما أخبارها قال أن تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير أو شر أن تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير وشر سبحان الله الجوارح تشهد والأرض تشهد العمر ينقص والذنوب تزيد وتقال عثرات الفتى فيعود هل يستطيع جحود ذنب واحد رجل جوارحه عليه شهود الجوارح تشهد والبقعة التى عصيت الله عليها تشهد عليك والبقعة التى أطعت الله فيها تشهد لك هذه الأخبار تتحدث بها الأرض يوم القيامة يومئذ تحدث أخبارها ما أخبارها أن تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير أو شر وهكذا قول الله جل وعلا {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} ما السبيل سألوا النبى عليه الصلاة والسلام فقالوا يا رسول الله ما السبيل الذى إذا استطاعه الإنسان وجب عليه الحج.
والحديث ثابت فى سنن الترمذى وابن ماجة وسنن البيهقى والدار قطنى ومستدرك الحاكم بسند صحيح لكثرة طرقه وشواهده قال شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان الذى يظهر أن الحديث ثابت لكثرة طرقه وقال الإمام الشوكانى فى نيل الأوتار ولايخفى أن كثرة هذه الطرق تفيد ثبوت الحديث والحديث ثابت عن ثمانية الصحابة الكرام عن على وابن عمر وابن عباس وأنس وابن عمرو وابن مسعود وجابر ابن عبد الله وأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين قالو ما السبيل قال الزاد والراحلة فإذا ملك زادا وراحلة فاضلتين عن حوائجه الأصلية وجب عليه أن يذهب إلى الحج {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} ولذلك إذا لم يملك الزاد والراحلة الزاد وأجرة الطريق ونفقة عياله فلا يجب عليه الحج وبهذا قال الأئمة الثلا ثة الحنفية والشافعية والحنابلة والإمام مالك عليه رحمة الله اعتبر تفسير النبى عليه الصلاة والسلام من باب التفسير بالأمر الغالب.
ولذلك يجب الحج عند الإمام مالك على المسلم إذا كان مكلفا ولم يملك زادا وراحلة وتفسير النبى عليه الصلاة والسلام يقول جرى هذا على حسب الأغلب لأن غالب الحجاج آفاقيون وإذا كانوا من بلاد بعيدة فسيتكلفون المشى على أرجلهم وفى الغالب يشق عليهم فإذا كان يشق عليهم فلا بد إذن من زاد وراحلة أما من تمكن من الحج لقرب المكان كما لو كان من أهل المدينة المنورة أو من بلاد الشام مثلا ماشيا على رجليه والطريق يقرب منه مدة أسبوع ليس كما هو الحال من بلاد المغرب ،كان شيخنا عليه رحمة الله يقول إذا عيدوا عيد الأضحى فى بلاد موريتانيا التى هى شنقيط يخرجون إلى الحج فيبقون فى الطريق سنة كاملة حتى يدركوا عيد الأضحى فى السنة الآتية فى بلاد الحجاز فى مكة المكرمة سنة كاملة فهذا يشق عليه أن يمشى على رجليه فغالب الحجاج آفقيون ولذلك إذا كانت المسافات بعيدة فلابد من زاد وراحلة لكن إذا كانت المسافة قريبة وبإمكانه أن يمشى على رجليه فوجب عليه أن يحج وإن لم يملك زادا ولا راحلة لأن تفسير النبى عليه الصلاة والسلام جرى على الأمر الغالب وإذا جرى على الأمر الغالب فليس له مفهوم مخالفة أى لايفهم منه أنه إذا لم يملك زادا وراحلة لا يجب عليه الحج.
هذا كقول الله جل وعلا {وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن} فالربيبة بنت الزوجة تحرم عليك سواء كانت فى حجرك أو لم تكن فى حجرك إذن لما هذا القيد قال أئمتنا أغلبى لأن الغالب أن بنت الزوجة تكون مع الزوجة فى حجرك وفى بيتك لكن لو تزوجت امرأة ولها بنت ولم ترها ولم تربى فى حجرك يحرم عليك أن تجمع بين المراة وابنتها فلا يجوز إذن لما قال الله فى حجوركم قالوا هذا قيد أغلبى الغالب الربيبة تكون فى حجر الزوج ولذلك ليس له مفهوم مخالفة أى إن كانت فى حجرك تحرم عليك وإن لم تكن فى حجرك تحرم عليك وهنا كلام النبى عليه الصلاة والسلام الزاد والراحلة هذا باعتبار الأمر الغالب ولذلك قال الإمام مالك عليه رحمة الله إذا أمكنه أن يحج على رجليه وجب عليه ذلك فإذا لم يمكن وكان من بلاد بعيدة ويصعب عليه أن يحج على رجليه فهناك لا بد من زاد وراحلة أما إن أمكنه المشى وجب عليه وإن لم يكن عنده زاد نقول له حالتين فإن كان من أهل المروءات الذين يصعب عليهم أن يعملوا فى كل منطقة يذهبون إليها فلا يجب عليه حتى يجد زادا وإن لم يكن من أهل المروءات واحد عادى وليس عنده نفقة وعنده القدرة أن يمشى على رجليه فيجب عليه أن يمشى وأن يشتغل بكل بلدة يصل إليها ليحصل قوته ليؤدى هذه الفريضة التى أوجبها الله عليه {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} هو الزاد والراحلة هل هذا التفسير أغلبى او لبيان شرط وجوب الحج ، اختلف الأئمة فى ذلك بعد اتفاقهم على ثبوت هذا التفسير عن النبى عليه الصلاة والسلام ،إذن هذا من أنواع تفسير القرآن بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا الطريق الثانى من طرق التفسير بالمأثور.
والطريق الثالث: تفسير القرآن الكريم بأقوال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فهذا أيضا يأتى فى المرتبة الثالثة فالصحابة أكثرهم عرب خلص والقرآن نزل بلسان عربى مبين فيفهمون المراد من كلام الله جل وعلا على حسب لغتهم وهم حضروا وقائع التنزيل وشهدوا أسباب نزول الآيات الكريمات فيعرفون ماذا يراد بتلك الآيات وماذا يعنى بها ثم لهم من الفهم ورسوخ القدم فى الدين ما ليس لغيرهم فكلامهم يقدم على كلام من بعدهم ولا شك لهذه الاعتبارات الثلاثة رضوان الله عليهم أكثرهم عرب خلص ،شهدوا نزول القرآن، لهم من الفهم فى دين الرحمن والمنزلة ما ليس لغيرهم فكلامهم مقدم على كلام من بعدهم.
وأقوال الصحابة فى تفسير كلام الله جل وعلا أقوالهم لها حالتان: الحالة الأولى أن يكون لأقوالهم حكم الرفع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم وذلك يكون إذا قال الصحابى قولا فى تفسير كلام الله وهذا القول لا يدرك بالرأى وليس طريقه اللغة وليس مأخوذا عن أخبار أهل الكتاب إذا كان ذلك الصحابى يأخذ عنهم كعبد الله ابن عمرو ابن العاص رضى الله عن الصحابة أجمعين فإذا قال الصحابى قولا فى تفسير الله ذلك القول لا يدرك بالرأى وليس طريقه اللغة وليس معروفا بالأخذ عن أهل الكتاب إذا كان ذلك الخبر يحتمل أخذه عنهم فإذا خلا عن هذه الأمور فلقول الصحابى فى تفسير كلام الله حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام كما لو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فى تفسير الآية وهذا ما أشار إليه أئمتنا عليهم رحمة الله بلا خلاف بينهم يقول الشيخ عبد الرحيم ابن الحسين الأثرى فى الألفية الشهيرة بألفية الأمام العراقى عليه رحمة الله وما أتى عن صاحب بحيث لا يقال رأيا حكمه الرفع على ما قال فى المحصول نحو من أتى فالحاكم الرفع لهذا أثبت وماأتى عن صاحب بحيث لا يقال رأيا أى لا يمكن أن يكون ذلك القول مصدره الاجتهاد ولا اللغة ولا الأخذ عن أهل الكتاب إن كان الصحابى معروفا بالأخذ عنهم حكمه الرفع على ما قال فى المحصول كتاب فى أصول الفقه للإمام الرازى نحو من أتى فالحاكم الرفع لهذا اثبتا من أتى أى من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد عليه الصلاة والسلام.
والأثر مروى عن عبد الله ابن مسعود موقوفا عليه فى هذه الرواية من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد عليه الصلاة والسلام هذا الأثر موقوف من ناحية اللفظ لكنه مرفوع من ناحية الحكم إلى النبى عليه الصلاة والسلام فالصحابى لا يمكن أن يقول هذا الحكم فى دين الله عن طريق رأيه وهواه واجتهاده هذا مأخوذا عن النبى عليه الصلاة والسلام لكنه ما صرح بإضافة هذا الكلام إليه ،وما أتى عن صاحب بحيث لا يقال رأيا حكمه الرفع على ماقال فى المحصول نحو من أتى أى من أتى كاهنا أو عرافا كلام ابن مسعود نحو من أتى فالحاكم الرفع لهذا أثبت أى جعله مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فإذن إذا قال الصحابى قولا لا يدرك بالرأى له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام.
إخوتى الكرام: وهذا الأثر الذى ثبت موقوفا عن ابن مسعود رواه الإمام فى مسنده عن أبى هريرة مرفوعا صراحة إلى النبى صلى الله عليه وسلم وعن الحسن ابن على رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد عليه الصلاة والسلام والأثر رواه الإمام أحمد ومسلم فى صحيحه عن بعض أزواج النبى عليه الصلاة والسلام بلفظ [من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين ليلة] هذه رواية مسلم والرواية الأولى كما قلت رواية الإمام أحمد عن أبى هريرة وعن الحسن وهى موقوفة عن ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين فإذن إذا قال الصحابى قولا لا يدرك بالرأى له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام.
مثال هذا فى تفسير كلام الله ما ثبت فى الصحيحين ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذى عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال [كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها فى قبلها جاء الولد أحول] أى أن يجامعها من وراءها بشرط أن يكون الإيلاج والإدخال فى القبل الذى أحل الله الجماع فيه ،إذا أتى الرجل امرأته من دبرها فى قبلها جاء الولد أحول ،فأنزل الله جل وعلا {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فهذا الأثر الثابت عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه فى سبب نزول هذه الآية له جكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لا يدرك بالرأى كانت اليهود تقول كذا فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم فإذن هذا له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام كأن النبى عليه الصلاة والسلام يقول نزلت هذه الآية للرد على اليهود الذين يقولون إذا جامع الرجل امرأته من وراءها بشرط أن يكون الجماع فى قبلها يأتى الولدأحول هم يكذبون فى ذلك ولا حرج أن يأتى الرجل زوجته على أى جهة كانت بشرط أن يقع الإيلاج والإدخال فى القبل الذى أحل الله جل وعلاالجماع فيه فهذا هو موضع البذر وهذا هو موضع الزرع {نساؤكم حرث لكم} وأما الدبر فليس هو بموضع الزرع ولا إخراج الذرية التى تعبد رب البرية فمحرم الوطء فيه باتفاق وملعونا من فعل ذلك كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا هو اللوطية الصغرى وإذا فعل الإنسان هذا بزوجه ورفعت أمره إلى الحاكم يستتيبه فإن تاب وإلا يفرق بينه وبين زوجه وإذا أعلن توبته ثم عاد إلى ذلك يفرق القاضى والحاكم بينهما رغم أنفه فإذن هذا الأثر ثابت ابن عبد الله رضي الله عنهما له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام.
ومن ذلك ما رواه الحاكم فى معرفة علوم الحديث بسنده إلى أبى هريرة رضي الله عنه فى تفسير قول الله جل وعلا {لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر} فى سورة المدثر أوليس كذلك فقال أبو هريرة رضي الله عنه لواحة للبشر فى تفسير لواحة للبشر أى تلوح لهم وتلوح وتظهر لهم وتترائى لهم وتخيفهم وتفزعهم وتفعل وتفعل بهم يقول تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحة فلا تترك لهم لحما على عظم إلا ألقته على العراقيب وهى جمع عرقوب العصب الغليظ الذى يكون فوق العقب ويمسك القدم العراقيب العصب الغليظ ويل للعراقيب من النار فى مؤخرة الرجل عصب غليظ عرقوب تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحا فلا تترك لهم لحما على عظم إلا ألقته على العراقيب أى تسقط لحمهم ويبقى هيكل عظمى فقط وتلك العظام تسقط على أرجلهم وعلى عراقيبهم.
هذا التفسير الثابت عن أبى هريرة رضي الله عنه لا يمكن أن يقال من قبل الرأى فهو يتعلق بأمر مغيب بأمر يوم القيامة وما يكون فيها وهى غيب فأبو هريرة رضي الله عنه ما أخذ هذا عن أهل الكتاب ولايمكن أن يؤخذ هذا منهم ولم يعرف بالأخذ عنهم ،هل قال هذا من طريق رأيه واجتهاده لا الكلام فى أمور الغيبيات عن طريق الرأى بدعة ضلالة وليس فى الصحابة مبتدع رضوان الله عليهم إذن من أين لأبى هريرة هذا الكلام ،تلقاه عن النبى عليه الصلاة والسلام لكن ما صرح برفعه إلى النبى عليه الصلاة والسلام لواحة للبشر تلوح لهم وتلفحهم تلك اللفحة فلا تترك لهم لحما على عظم إلا ألقته على العراقيب هذا تفسير له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فهو ملحق بالطريق الثانى من أنواع التفسير بالمأثور والنوع الثانى من تفسير الصحابة مما له حكم الوقف عليهم وليس له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وذلك إذا قال الصحابى قولا عن طريق الاجتهاد والاستنباط أو عن طريق تفسير الكلام حسب مدلولات اللغة أو أخذ شيئا من أخبار أهل الكتاب فى إيضاح بعض الأمور السابقة عنهم كما فعل عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عن الصحابة أجمعين فكان أصاب يوم اليرموك زاملتين من أهل الكتاب وكان يحدث بما فيهما من الأمور التى وقعت للأنبياء السابقين والأمم السابقة ويدخل هذا فى تفسير كلام الله أى فى إيضاح وتفصيل بعض ماجرى للأنبياء مع أممهم فإذا جرى هذا فهذا ليس له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فهو موقوف عليهم من أقوالهم.
مثال هذا ما رواه الطبرى فى تفسيره عن على رضي الله عنه فى تفسير قول الله {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} فقال هم القسيسون القسيسون وهم علماء النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى هذه الحياة الدنياوهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا هذا القسيس الذى هو ضال مضل يزعم أنه يتقرب إلى الله بحب عيسى وأن عيسى ابنا لله وما شاكل هذا وهذا هو أخسر الناس عملا يظن أنه على شىء وهو على ضلال ويظن أن عمله مقبول وهو عليه مردود يقول على هم القسيسون.
وثبت فى تفسير الطبرى ومستدرك الحاكم عن سعد ابن أبى وقاص مثل هذا فقال القسيسون وثبت فى صحيح البخارى عن سعد ابن أبى وقاص رضي الله عنهم أجمعين أنه قال هم اليهود والنصارى عمم فى هذا القول هناك قسيسون فقط علماء النصارى وهنا فرقتان ملعونتان يهود ونصارى ثابت فى صحيح البخارى عن سعد الأخسرون أعمالا اليهود والنصارى هذا التفسير ليس له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لأن هذا من باب ما يدخل فى هذه الآية وما تشمله هذه الآية فالآية تشمل القسيسين تشمل اليهود تشمل النصارى أقول تشمل المنافقين والمبتدعين والضالين فى هذه الأمة أيضا ولفظها عام ولذلك قال الإمام ابن كثير فى تفسيره عند هذه الآية فى الجزء الثالث صفحة سبعة ومائة الآية عامة فى كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب وأن عمله مقبول وهو مخطأ وعمله مردود عامة فى اليهود والنصارى فى القسيسين فى المنافقين فى المبتدعين كل هؤلاء يشملهم قول الله {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبوننهم يحسنون صنعا} هذا الطريق الثالث من طرق تفسير القرآن بالمأثور.
والطريق الرابع: تفسير القرآن بكلام التابعين الطيبين عليهم رحمة رب العالمين وأقوال التابعين فى التفسير لها ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أن يجمعوا على قول فى تفسير آية من الآيات فلا بد من الأخذ بهذا القول لمحل الإجماع والله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة ولا على خطأ وهل لهذا مثال ،لهذا أمثلة كثيرة من ذلك ما ثبت عن الإمام الأوزاعى بسند صحيح أنه قال كنا نقول والتابعون متوافرون إن الله فوق عرشه وعلمه فى كل مكان فعن سفيان الثورى وغيره فى تفسير قول الله {وهو معكم أينما كنتم} بعلمه ،معية الله العامة {وهو معكم أينما كنتم} بعلمه فى كل مكان المراد من المعية معية العلم والإحاطة طلاع والرقابة وعدم خفاء شىء عن الله جل وعلا {ألم تر أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} بأى شىء بعلمه واطلاعه ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا بعلمه ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شىء عليم هذا التأويل أجمع عليه التابعون وأن تفسير المعية هنا معية علم وإحاطة واطلاع فالأوزاعي كنا نقول والتابعون متوافرون الله فوق عرشه سبحانه وتعالى وعلمه فى كل مكان فآيات المعية العامة معية علم وإحاطة وإطلاع ومراقبة وليست بمعية ذاتية فيستحيل أن يكون الخالق فى شىء من مخلوقاته كما يستحيل أن تكون المخلوقات فى شىء من ذات الخالق سبحانه وتعالى وأفضل ما قيل وأحسن ما قيل فى بيان حقيقة التوحيد إفراد الحادث عن القديم والحدوث عن القدم والمفاصلة بينهما فالله ليس كمثله شىء وهو السميع البصير سبحانه وتعالى فلا يمكن أن تكون ذات الخالق فى شىء من المخلوقات ولا أن تكون المخلوقات فى شىء من ذات الخالق.
إذن ما المراد بالمعية معية علم وإحاطة وهذه المعية العامة وأما المعية الخاصة فأجمع السلف على أن المراد منها معية نصر وتأييد وتوفيق ورعاية وحفظ وكلائة وعناية {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} ، {لاتحزن إن الله معنا} ، {إن معى ربى سيهدين} ليست المعية هنا هى المعية فى قول الله {مايكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} فبما سيمتاز المؤمن عن الكافر إذن إذا كانت معيته لنبيه عليه الصلاة والسلام كمعيته لعدوه أبى جهل وغيره فما ميزة النبى عليه الصلاة والسلام على غيره حتى يقول إن الله معنا معنا بنصره وتأييده وتوفيقه ورعايته وحفظه وكلائته ومعونته وهناك معية عامة بعلمه وإحاطته واطلاعه ورقابته سبحانه وتعالى إذن هنا تفسير أجمع عليه التابعون فلا بد من الأخذ به ومخالفة هذا هوعين الضلال {الرحمن على العرش استوى} .
كما ثبت هذا عن التابعين رضي الله عنهم آيات المعية {وهو معكم أينما كنتم} بعلمه كنا نقول والتابعون متوافرون الله فوق عرشه وعلمه فى كل مكان سبحانه وتعالى هذا نوع من أنواع التفسير إذا وجدته فعض عليه بالنواجذ وحذارى حذارى من تركه فلا يتركه إلا من كان ضالا وغضب الله عليه لأن مخالف الإجماع ضال {ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} .
النوع الثانى: من أنواع التفسير المنقول عن التابعين أن يكون تفسير منقول عن التابعين ولا إجماع عليه ما حصل هناك إجماع ونقل وإتفاق عليه قال بعض التابعين قولا فى تفسير كلام الله لكن ذلك القول له الحالات التى قيلت فى تفسير الصحابة فى الحالة الأولى ذلك القول لا يدرك بالرأى وليس طريقه اللغة ولم يؤخذ عن أهل الكتاب إذا كان يمكن أخذ ذلك الخبر عن أهل الكتاب فتابعى قال قولا فى تفسير كلام الله لا يمكن أن يكون ذلك القول مصدره الرأى فليس باجتهاده ولا عن طريق اللغة ولم يأخذه عن أهل الكتاب إذا كان يحتمل أخذه ذلك الخبر عن أهل الكتاب فهنا له حكم المرفوع الى النبى عليه الصلاة والسلام أيضا لكن يختلف هذا عن حكم مرفوع الصحابة مرفوع الصحابة حكما متصل ومرفوع التابعين حكما مرسل فنقول لقول التابعي إذا صدر منه قول فى تفسير كلام الله ولا يدرك بالرأى فله حكم الرفع المرسل إلى النبى عليه الصلاة والسلام حين احتجوا به نقول لهذا المرفوع المرسل حالتان:الحالة الأولى أن يتعزز ويتقوى بمرسل آخر فيوافقه تابعى آخر على هذا القول أو أن يتقوى بحديث مسند مروى عن الصحابة وله حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام ففى هاتين الحالتين نقبل قول التابعى فى تفسير كلام الله القوى سبحانه وتعالى بلا خلاف بين أئمة الإسلام أئمة تفسير القرآن قال التابعى قولا لا يدرك بالرأى له حكم الرفع المرسل نقبله إذا تعزز بمرسل آخر أو وافقه حديث مسند هذه الحالة الأولى فإذا تقوى مرسل التابعى بمرسل آخر يقبل لأن الضعيف بغير سبب انخرام العدالة وضياعها إذا جاء من طريق آخر يرتفع لدرجة الحسن لغيره فيقبل لكن الضعيف الذى لا ينجبر هو الذى سبب ضعفه فقدان العدالة فذاك لا ينجبر بحال أما الضعيف بسبب خفة ضبط أو بسبب كما هنا عدم اتصال جاء من طريق آخر فيزول ما فى هذا الطريق من ضعف لأن الضعيفين يعدلان قويا، مرسل تعزز بمرسل أو شهد له مسند يقبل هنا كلام التابعي فى
تفسير كلام الله جل وعلا ولذلك يقول الإمام عبد الرحيم بن الحسين الأثرى فى ألفيته الشهيرة فإن يقل يحتج بالضعيف فقل إذا كان من الموصوف رواته بسوء حفظ يجبروا بكونه من غير وجه يذكروا وإن يكن لكذب أو شذ أو قوى الضعفوف لم يجبرذا ألا ترى المرسل حيث أسند أو أرسلوا كما يجىء اعتضدا.
فالضعيف من غير انخرام العدالة وضياعها يتقوى إذا جاء من طريق آخر وهنا مرسل التابعى ضعيف فإذا تعزز بمرسل آخر نقبله تعزز بمسند نقبله وهناك شرط آخر يقبل فيه قول التابعى الذى له حكم الرفع إذا كان قائل هذا التفسير من أئمة التابعين الذين تلقوا تفسيرهم عن الصحابة كسعيد ابن جبير عندما تلقى التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فكونه تلقى غالب تفسيره عن الصحابة فعندما يقول قولا لا يدرك بالرأى عندنا ما يشعر بأن هذا القول مأخوذ عن شيخه الصحابى وبما أنه لايدرك بالرأى فله حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام فيقبل فإذا القائل من أئمة التفسير من التابعين الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة هذا لايحتاج إلى تعزز بمرسل آخر أو بمسند يأتى من طريق آخر هذه الحالة الأولى لكلام التابعين فى تفسير كلام رب العالمين إذا كانت كلامهم تفسيرهم لا يدرك بالرأى فإذا لم يتعزز بمرسل ولا كان قائل التفسير من أئمة التفسير الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة هل نحتج بتفسيره وبقوله أم لا وقلنا له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام لكنه مرسل فذهب الأئمة الثلاثة إلى الاحتجاج بخبر التابعى إذا كان مرسلا أبو حنيفة ومالك والإمام أحمد والإمام الشافعى ما قبل مرسل التابعى إلا بشروط كما تقدم أن يكون متعززا بمرسل آخر أن يشهد له مسند وما شاكل هذا كما تقدم أما الأئمة الثلاثة فاحتجوا به دون أن يأتى له طريق آخر ولذلك يقول الإمام عبد الرحيم ابن الحسين أثرى عليه رحمة الله واحتج مالك كذا النعمان وتابعوه ما به ودانوا ورده جماهر النقاد للجهل بالساقط فى الإسناد
ومسلم صدر الكتاب أصل عندما قال فى مقدمة صحيح المرسل فى قولنا وقول أهل العلم ليس بحجة وصاحب التمهيد عنهم نقلا أى نقله عن أئمة الحديث لأن المرسل فى هذه الحالة لا يقبل.
الحالة الثالثة: من أقوال التابعين أن يكون قول التابعي ليس له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام كالحالة الثانية من أقوال الصحابة فهذا الذى هو قول ليس له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام هل نعول عليه أم لا؟ تقدم معنا أن قول الصحابى نعول عليه إن لم يكن له حكم الرفع أما هذا فجرى حول كلام التابعين فى تفسير كلام رب العالمين إذا لم يكن لكلامهم حكم الرفع خلاف على قولين.
القول الأول: نعول عليه وذهب إلى هذا سفيان الثورى وغيره وكان يقول إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به وبعض أئمة الإسلام قالوا لا نعول علي ما جاء عن التابعين فى تفسير كلام رب العالمين مما هو موقوف عليهم وليس له حكم الرفع قال شعبة ابن الحجاج أقوال التابعين ليست حجة فى الفروع فكيف تكون حجة فى التفسير قال الإمام ابن كثير عليه رحمة الله يعنى لا تكون حجة على من خالفهم وعند ذلك يرجع علماء الإسلام إلى لغة العرب وإلى عمومات القرآن لبيان المراد من كلام الرحمن جل وعلا.
هذه هى طرق التفسير بالمأثور تفسير القرآن بالقرآن تفسير القرآن بالسنة تفسير القرآن بأقوال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم تفسير القرآن بأقوال التابعين حول هذه الطرق عندنا تنبيه مهم نتكلم عليه فى أول الدرس الآتى إن شاء الله وأكمل الكلام على الطريق الثانى من طرق التفسير وهو التفسير بالرأى المقبول المبرور.
صلى الله علي نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما معنى المعية بتفصيل؟
لعلنى فصلت المعية تنقسم إلى قسمين:
معية عامة مع البر والفاجر والمؤمن والكافر {وهو معكم أينما كنتم} فهذا معناها قلنا العلم والإحاطة والاطلاع والمراقبة.
ومعية خاصة تكون مع من رضى الله عنهم وأحبهم وهم عباده المؤمنون المتقون فمعية نصر وتأييد وحفظ وكلائة ومعونة.
كيف يتم إحياء ليلة القدر؟
يتم بأن يشغلها الإنسان بالطاعات ولا يشترط أن يحيى الليلة وأن يقومها من أول الليل إلى آخرها وليلة القدر ممتدة كما قال الله {سلام هى حتى مطلع الفجر} فممتدة إلى طلوع الفجر فمن وفق فى تلك الليلة للتقرب إلى الله جل وعلا بطاعة ومناجاته حصل له ذلك القيام ولا يشترط أن يقوم الليلة من أولها إلى آخرها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الإنبياء والمرسلين