الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معجزة الثروة الفقهية لخير البرية
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
معجزة الثروة الفقهية لخير البرية
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.
اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} .
أما بعد: معشر الأخوة الكرام..
إخوتي الكرام: تقدم معنا أن البدعة من أسباب سوء الخاتمة للإنسان، وقلت سنتدارس هذا البحث ضمن ثلاثة أمور.
الأول: ما يتعلق بتعريف البدعة.
والثاني: في النصوص المخدرة من البدعة.
وثالثها: في أقسام البدعة.
ومازلنا اخوتي الكرام: في المبحث الأول في تعريف البدعة: فهي الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن، ولا يشهد لذلك الحدث نصوص الشرع الحسان.
نحو هذا التعريف السديد للبدعة، ظل فرقتان من الأنام، فرقة أفرطت فوسعت تعريف البدعة وأدخلت فيها ما ليس منها، وفرقة فرطت فضيقت مفهوم البدعة فألفت البدعة من الدين كلاً أو بعضاً، والفرقتان على ضلال، وتدارسنا ضلال الفرقة الأولى، وقبل أن ننتقل إلى هذيان الفرقة الثانية التي ألفت البدعة من الدين، قلت يحسن بنا أن نتدارس بين هذين الفرقتين الضاليتن معالم ثلاث تنفعنا في الرد على هاتين الفرقتين وتنفعنا في حياتنا، وهذه المعالم.
الأول: تشريع الأحكام من خصائص ذي الجلال والإكرام، ولا يجوز لأي إنسان أن يدخل عقله في أمر الحلال والحرام، ومن استحسن فقد شرع في الدين ما لم يأذن ذي الجلال والإكرام.
والمعلم الثاني: منزلة الاجتهاد في شريعة رب العباد، وقد تقدم الكلام عن الاجتهاد وفي هذه الموعظة سنتكلم على أمرين اثنين ينبغي أن نعيهما تمام الوعي.
أولهما: إن المجتهدين ليسوا بمشرعين.
وثاني الأمرين: إن اجتهاد أئمتنا الفقهاء ثروة فقهية وهذه الثروة هي من أعظم معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام، وإليكم تفصيل هذين الأمرين.
أولهما: إن المجتهدين كما تقدم معنا حالهم يؤجرون في جميع أحوالهم وبينت أن الأظهر من أقوال العلماء أن المجتهد له أجران وهو مصيبٌ على الدوام إلا إذا صادم قوله نص من نصوص الشرع الحسان، فيلغى القول ويلتمس له العذر، ويستغفر للقائل ن والله أثبت له الأجر، لأن هذا ما صدر عن طريق الهوى ولا صدر عن طريق الاحتكام إلى الجاهلية، فبذل ما في وسعه لمعرفة حكم الله في هذه القضية، فلو قدر أنه صادم اجتهاده نصاً، طرح الاجتهاد وهو معذور، وخطئه مغفور، وهو مثاب عند العزيز الغفور، وأما إذا احتمل النص كلامه وقال فيه نصاً وخالفه إمام آخر، فهذه المفاهيم كلها كما قلت على المعتمد كلها حق وصواب وهدى ورشاد ولكل واحد من أصحاب هذه المفاهيم من أئمتنا أجران عند ربنا العظيم، ولا يحكم على الإجتهاد بأنه خطأً إلا إذا صادم نصاً ولم يبلغ الإمام ذلك النص.
إن المجتهدين فيما يفعلون، ويستنبطون ويقررون الأحكام التفصيلة، الأحكام الشرعية، إنهم بفعلهم هذا ليسوا بمشرعين ولا نزاع على هذا عند المسلمين الموحدين، وهذا كما تقدم معنا أن جميع الأحكام من خصائص ذي الجلال والإكرام، التشريع من خصائص الله، ولذلك قرر أئمتنا الكرام ولا نزاع بينهم، وهذا الكلام موجود في مجموع الفتاوى الجزء الثاني والعشرون صفحة سبعة وثمانون 22/87 فما بعدها.
وقلت هذه القضية لا نزاع فيها، قرروا أنه من اعتقد أنه يجوز لأحد ن يخرج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وعن اتباعه وعن طاعته ولا يلتزم بما نزل عليه من الكتاب وبما آتاه الله من الحكمة فلا شك في كفره وخروجه من دين الله جل وعلا.
إن الفقهاء ليسوا بمشرعين، ولذلك قل أئمتنا في كتب الفقه في مبحث القضاء مبين لهذه الأمة أن القضاء مبني على الإتباع لا على الابتداع والاختراع، يقول الأئمة في كتب الفقه (إن القضاء مظهر لا مثبت) أي أن القاضي في قضاءه يظهر الحكم الشرعي الذي حكم به ربنا القوي، ولا يستطيع للقاضي أن يثبت أو ينفي على حسب رأيه، فإذا فعل ذلك فقد جعل نفسه نداً لربه جل وعلا.
إن القضاء مظهر الأحكام الشرعية، يبين أن حكم الله كذا في هذه القضية، وأما أن يثبت القاضي الأحكام من عنده وأن يخترع من الدين ما لم يأذن به رب العالمين فهذا مردود عليه.
وأما ما يحصل للأئمة الفقهاء من المنزلة والامتياز في هذه الأمة فإن هذا الامتياز ليس بامتياز الحكم، إنما هو بامتياز العلم، نعم لهم ميزة ومنزلة ومن حقهم أن يستنبطوا وأن يقرروا الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، وهذا الذي امتازوا فيه لوجود شروط الاجتهاد فيهم، لا يعني أنهم مشرعون، إنما امتازوا بأنهم علموا من الحي القيوم، وهؤلاء هم ورثة نبينا المعصوم.
فالامتياز الذي يحصل لأئمتنا الفقهاء في هذه الأمة ولهم حق الاجتهاد والاستنباط من شريعة الله جل وعلا هذا الامتياز على امتياز العلم لا على امتياز الحكم، فالحكم خاص لله جل وعلا {إنِ الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه} .
ومع أن الفقهاء ليسوا بمشرعين فاجتهاداتهم تشريع معتبر في ديننا العظيم، ليسوا بمشرعين واجتهاداتهم شرع معتبر يلزم به المكلفون، فإن قيل كيف هذا الإشكال في هذا؟ فاستمع للجمع بين الأمرين ليسوا بمشرعين واجتهاداتهم شرع يلتزم به البرية.
نعم الحكم لله جل وعلا والمبلغ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمستنبط لأحكام الشرع من نصوص الكتاب والسنة أئمتنا وسادتنا فقهاء هذه الأمة المباركة، وعليه استنباطهم حكم شرعي ليسوا بمشرعين، فهذا الاستنباط ينبني على النصوص الثابتة من الكتاب والسنة وما بني بعد ذلك على رأيٍ أو عرفٍ أو هديً أو مصلحة أو غير ذلك، وعليه فإن هذا الاستنباط حكم شرعي ومستنبطه ليس بمشرعٍ لأنه يظهر هذا الحكم الذي استنبطه من نصوص الشرع وليس هو بمثبت له من نفسه وليس هو مخترع له من عنده.
نعم اخوتي الكرام: إن فقه أئمتنا تشريع وإن أئمتنا ليسوا بمشرعين، فالتشريع من خصائص الله رب العالمين، وقد تقدم معنا أن لفظ الشريعة مقول على ثلاثة أمور يطلق لفظ الشريعة على الشريعة المنزلة، وهي شريعة مقدسة مطهرة وهي نصوص الكتاب والسنة، وهذه يحتج بها ولا يحتج لها فهي المهيمنة على ما سواها، ولفظ الشريعة يقال أيضاً على شريعة مؤوله وهي اجتهادات أئمتنا البررة، وهذه الاجتهادات أحكام شرعية معتبرة في شريعتنا المطهرة، هذه الشريعة المؤله بذل فيها الوسع للوصول للحكم الشرعي في أمرٍ ما مبنياً علي الأدلة الشرعية، هذه الشريعة المؤولة يحتج لها ولا يحتج بها، فينبغي أن نثبت صحتها وأن يبرهن المجتهد على ثبوت هذا الحكم في شريعة الله جل وعلا وما مصدر هذا الحكم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، إجماع قوي قطعي، قياس سديد سوي، ينبغي أن يحتج لها وينبغي للمجتهد أن يبين أدلته على ما قال ولا يحتجُ بها وإنما يحتج كما قلت بالشريعة المنزلة المقدسة، وهناك شريعة ثالثة باطلة، وهي الشريعة الوضعية، وهي الشريعة المبدلة وهي الآراء الجاهلية والقوانين الوضعية وهي كما قال أئمتنا الكرام شريعة جاهلية بخسة قذرة، فلفظ مقول على ثلاث أمور شرعية منزله مقدسة مطهرة، شرعية مؤوله معتبرة على شريعة مبدله نجسه قذرة، ونحن في المعنى الثاني الشريعة المؤولة في اجتهاد أئمتنا الكرام، فما قرروه في أحكام فأحكام شرعية ومع ذلك ليس لهم صفه التشريع فهذه من خصائص ربنا الذي خلقنا ويعلم ما يصلحنا، هذه الشريعة المؤولة التي هي اجتهاد أئمتنا الكرام البررة من نصوص الشريعة المقدسة المطهرة هذه الاجتهادات هي شريعة مؤولة معتبرة هذه كما قلت يحتج لها لا بها ويجب علينا أن نعمل بها فهي شرع في حقنا.
هذه الشريعة المؤولة ضل نحوها فريقان من الأنام لاسيما في هذا الزمان، فريق جعلوا اجتهادات أئمتنا شريعة ثابتة، وهذا لا نزاع فيه، إنما زادوا فقالوا إن الأئمة مشرعون فما قالوه شرع وهم مشرعون وأرادوا بنا الأمر أن يحولوا هذا الوصف إليهم ـ يشرعوا بعد ذلك ما شاءوا بحجة أن الأمة الإسلامية وجد فيها فقهاء مشرعون، وقالوا ما قالوا في زمانهم ونحن نقول في أزماننا ما يناسبنا لأن المجتهد له أن يشرع وأن يقرر ما يشاء هذا كلام ضلال وهذا كلام باطل فأئمتنا كما قلت ليس لواحد منهم صفة التشريع، وجعل هذه الصفة لمخلوق فقد كفر بالله وأشرك بالله ومن جعل لمخلوق حق التشريع ورأي المخلوق أنه لا يلزم بأن يتقيد باتباع النبي عليه الصلاة والسلام ورأى أنه يحق لمخلوق أن يخرج عن طاعة النبي فقد كفر بالله وكفر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً قولهم تشريع معتبر حق على العين والرأس قولهم إن الفقهاء مشرعون كلام باطل مردود في دين الحق القيوم فهم متبعون وليسوا بمشرعين وليسوا بمبتدعين، وفريق ثاني قالوا إن أقواله الفقهاء لا تعتبر تشريعاً ولا يعتبر أحكاماً شرعية، وانقسم هؤلاء فيما بينهم على قسمين كل واحد أضل من الآخر، ففريق وهو ما نسمعه في هذه الأيام من ضجيج النوابت في ملة الإسلام، يقولون إن أقوالهم الفقهاء أراء رجال ونحن رجال كما هم رجال ولا يلزمنا أن نتقيد بأقوال أئمتنا الأبرار، ونرى صعالك الناس في هذه الأيام ممن لا يتقن قراءة صفحة، ولا يعرف أحكام الطهارة يتبجح في المجالس ويقول أخطاء الإمام مالك وما فهم المسائلة أبو حنيفة والشافعي ما بلغه الحديث، والإمام أحمد ما استوعب القضية ومن الذي فهم هذا الصعلوك الذي يحلن عندما يقراء أكثر مما يصيب وبعد ذلك عنده في الضلال والهدى ما الله به عليم، نعم هم رجال أما نحن فالإنسان على نفسه بصيرا، والله لو قلنا على أنفسنا شياطين في صورة آدميين لما بالفناهل نعرض أنفسنا ونقارن أنفسنا مع أئمتنا رحم الله امرئ عرف قدره ووقف عند حده.
يقولون أن أقوالهم ليست تشريعاً ولا نلزم بها فهذه آراء رجال ن وفريق ثاني أضل من هؤلاء وقال هذا القول والذي قبله أناس كبار ممن يتبوؤن أعلى المناصب في هذه الأيام ويضلون عباد الرحمن، وممن يقال لهم بأنهم من كبار وكبار، قال بعض هؤلاء الأشرار: إن المذاهب الأربعة والأحكام الشرعية التي قررت فيها بينت على سياسات الحكام.
أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد قرروا ما قرروا اتباعاً لسياسات الحكام، والله لو عرض هذا الكلام على الشيطان لقال إنها هذا كذب وبهتان، فكيف يقوله من يتبوؤن أعلى المناصب في الإسلام في هذه الأيام ويقولون ما لا يقبله الشيطان، وأنا لا أريد أن أدخل في مناقشة في هذه القضية لكن أريد أن أبين لهم حال إمامين مباركين لذي من يتبع سياسات الحكام ويمشي وراء أهوائهم، هذا الفقيه الأول الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت توفي سنة خمسين ومائة للهجرة 150هـ قال أبو معاوية الضرير محمد بن خازم من رجال الكتب الستة توفي سنة خمسة وتسعين ومائة للهجرة 195هـ، وهو أثبت الناس في شيخه الأعمش قال أبو معاوية الضرير (حب أبي حنيفة من السنة) ويقصد بالسنة هنا أي بالدين اللازم الثابت كما ألف أئمتنا كتب التوحيد وسموها بكتب السنة، أي هذا من سنة المسلمين، فمن لم يحب أبا حنيفة ومن بعده من أئمتنا فليس من عباد الرحمن الموحدين المسلمين، حب أبي حنفية دين نتقرب به إلى رب العالمين، هذا الإمام المبارك في أول أمره رأى في نومه أنه ينبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم فتأثر وعرض الرؤية على شيخ الإسلام محمد بن سيرين وقال ما ترى في رجل رأى أنه ينبش قبر النبي عليه الصلاة والسلام قال أبشر أبشر ستكون فقيه هذه الأمة وستستنبط الأحكام من أخبار نبينا عليه الصلاة والسلام، هذا الإمام المبارك عرض عليه أبو جعفر المنصور القضاء فأبى، لأنه كان يرى أن القضاء بعد الخلافة الراشدة حصل فيه ما حصل، فرعاه ورعه أن يبتعد عن هذا الأمر فهدده أبو جعفر ورأى أن امتناع أفقه المسلمين في زمانه عن القضاء كأن في ذلك تعريض في حكم أبي جعفر، فهدده أبو جعفر بالضرب فقال لا ألي فحلف أبو جعفر أن يلي أبو حنيفة القضاء، فقال والله لا ألي القضاء، فقال الربيع يحلف أمير المؤمنين وتحلف قال هو أقدر على الكفارة مني، ثم أشتط أبو جعفر فضربه مائة سوطٍ في عشرة أيام كل يومٍ عشرة سوط
على أن يلي أبو حنيفة القضاء فما ولي القضاء، فهل هذا بني فقهه على سياسات الحكام؟ وهل هذا بني فقهه على قول فلان وفلان؟ ألا تتقون الله يا من أسُندت إليكم طويلة عريضة ثم بدئتم تستعملونها بعد ذلك في هدم الإسلام، {سبحانك هذا بهتانٌ عظيم} .
وأم آخر الأئمة وهو الإمام أحمد بن حنبل عليه رحمة الله بعد أن حصل له في المحنة ما حصل وضرب وأغمي عليه مراراً وانخلعت كتفه فلما آل الحكم إلى الخليفة المتوكل أفرج عنه جاء المتوكل ليزوره في بيته بعد أن أفرج عن هذا الإمام المبارك، فلما جاء ووصل أمام البيت واستأذن خرج عبد الله ولد الإمام أحمد ثم جاء إلى والده وقال أمير المؤمنين في الباب، قال له إن أمير المؤمنين أعفاني مما أكره، وزيارته إلى بيتي مما أكره فلينصرف من حيث جاء، فعاد الخليفة المتوكل ولم يتمعر وجهه مثل هذا الإمام يقرر أحكامه تبعاً لأهواء الحكام، سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم.
اخوتي الكرام: دعاء ضالة في هذه لأيام تنتشر نحو فقه أئمة الإسلام، فواحد يقول إنهم مشرعون لينتحل هذه الصفة ولينحرف وليخبط في دين الله كما يريد، وواحد يقول أقوال رجال، وواحد يقول فقه أئمتنا بني على أراء وأهواء الحكام في زمنهم، فنحن إذاً نقول أيضاً كما حصل من أئمة الإسلام.
اخوتي الكرام: إن هذا كما قلت افتراء بهتان وأما لفظ السياسة الذي يتعلق به من قال إن مذاهب الفقهاء الأربعة بنيت على السياسة وقال في مؤتمر عظيم وكما قلت هو من الكبار المسؤولين لكن أخطر ما يكون على هذه الأمة الإنسان إذا كان منافقاً عليم اللسان، الذي يقول إن مذاهب أئمتنا بنيت على السياسة أقول له لفظ السياسة لأبد أن يعيه هو وغيره لأن هذا اللفظ حصل حوله من التخليط والتضليل ما حصل فلا بد من وضع الأمر في موضعه الشرعي.
لفظ السياسة معناه في لغة العرب: القيام على الشيء بما يصلحه، رعاية الشيء برفق وحكمة يقال له سياسة، جميع أنبياء الله سياسيون مصلحون على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وقد أشار إلى هذا نبينا عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز لأحد أن يدخل قوله في هذا الأمر.
ثبت في المسند والصحيحين وسنن ابن ماجة والحديث رواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى والبغوي في شرح السنة، وهو في أعلى درجات الحديث فهو في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:[كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كما هلك نبي خلَّفه آخر] أي كان الأنبياء يتتبعون على رعاية أممهم في الأمم السابقة ويعاملونهم بالسياسة الحكيمة الرشيدة بتعاليم الشريعة المطهرة مع علم ورفق وأناه في نفوس الأنبياء، وكانت بنوا إسرائيل
…
وأنه لا نبي بعدي وسيكون عليكم خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال فو بيعة الأول فالأول وأعطوهم الحق الذي جعله الله لهم وسلوا الله حقكم فإن الله سائلهم عما استرعاهم.
إذاً كان الأنبياء المتقدمون على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه يسوسون أممهم، ويتصفون بهذه الصفة ألا وهي السياسة الحكيمة الرشيدة، القيام على الشيء بما يصلحه، رعاية الشيء برفق وحكمة وأناه ورشد لكن هذه الأمة لا نبي بعد نبيها وسيأتي خلفاء وقد تنحرف أحياناً سياسة بعض الخلفاء عن المنهج السديد الرشيد القويم فالتزموا بهذا الهدى من نبينا الكريم.
إذاً قد يحصل في سياسة الحكام بعد نبينا ما يحصل، أما في سياسة الأنبياء السابقين كلما هلك نبي خلفه نبي، هناك سياسة شرعية سياسة راشدة رشيدة لا خلل فيها ولا ظلم ولا جور وزيغ ولا أغرن.
إذاً لفظ السياسة القيام على الشيء بما يصلحه، وأما التلبيس الذي حصل والتضليل حول هذا اللفظ في هذه الأيام من أن السياسة كلها كذب واحتيال ولا يصلح الحكم إلا بذلك الضلال هذا افتراء وبهتان في تعريف السياسة وقد استغل كثير من الضالين هذا التعريف اللعين في السياسة ألا وهو كذب واحتيال ولا يصلح الحكم إلا بذلك الضلال، استغلوه فقالوا لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، وإذا قال هذا بعض الطواغيت في هذا الحين فالأعجب والأعجب من ترداد هذه المقولة ممن ينسبون أنفسهم إلى السلف الصالح، فاستمع لقول بعضهم عندما يتحدث عن حزبه وشيعته فيقول وأحب أن مقولة ما لقيصر لقيصر وما لله لله كلمة حكيمة في هذا الزمن ينبغي على الناس أن يأخذوا بها، هل هي السلفية أو هذا شرك برب البرية؟
السياسة تترك لمن يخبط فيها كما يريد وبعد ذلك يكفينا أن نعبد الله في المسجد، هذه هي السياسة الشرعية، هذا هو دين الله تحب أن هذه المقولة مقولة حكيمة ثم قال بعد ذلك وإننا نرى أن العمل السياسي محظور عندنا شرعاً (محظور عندك من أنا ومن أنت) وأما شرعاً فهذا افتراء على الله، وهذا اشترك الآن في جرم قوله كما قلت عتاة المجرمين ومن ينسبون بعد ذلك أنفسهم إلى السلف الصالح (تشابه القلوب فتشابه الأقوال) .
نعم هناك اختلاف في الأشكال، لكن الحقائق ضالة والمراد من هذه الدعوات المضلة إفساد دين الله جل وعلا.
اخوتي الكرام: إن هذا الكون من عرشه إلى فرشه ملك لله جل وعلا وما شارك الله جل وعلا أحدٌ في خلقه، فينبغي أن يكون هذا الكون بكل ما فيه عبداً لله جل وعلا، وأن يُعَبَّدَ هذا الكون طاعة لله جل وعلا.
نعم إذا أردت أن تكون عبداً لله عن طريق الاختيار فأنت عبدٌ له على رغم أنفك عن طريق الاضطرار، فخرجت إلى الدنيا من غير اختيارك وستخرج منها على غير اختيارك، والله جل وعلا هو العزيز القهار جل وعلا {إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً * لقد أحصاهم وعدَّهم عدَّا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا *} إن الحكم إذا لم ينشد وإذا لم يطلب ولم يسعى في إقامة حكم الله وتعبيد الخلق لله إنه كصوصية في هذه الحياة، وأما الأدعى بعد ذلك بأنه لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة وأن المقولة الباطلة (ما لقيصر لقيصر وما لله لله) كلمة حكيمة ينبغي أن يأخذ الناس بها هذا هو الضلال وهذا هو الافتراء.
اخوتي الكرام: إن لفظ السياسة كما قلت حصل حوله من التلبيس ما حصل وصار هذا اللفظ إذا ذكر في مجلس كأنك أخرجت ثعباناً وتنيناً ورميته بين الحاضرين، ويقولون ما دَخْلَنا وما علاقتنا بهذا اللفظ وبما يدل عليه سبحان ربي العظيم وهل السياسة إلا القيام على الشيء بما يصلحه وهل السياسة إلا رعاية الأشياء رعاية شؤون الأمة برفق وحكمة وأناة وروية، وهل السياسة إلا الحكم بما أنزل رب البرية؟
وأنا أقول للذين يسيرون وراء هذا الحكم الجاهلي اللذين لا دخل لنا في السياسة ولا علاقة لنا في السياسة ولا يجوز أن تذكرا ساس يسوسُ فهي مسوسة، أقول لهؤلاء استمعوا إلى حال نبينا عليه الصلاة والسلام، ثبت في المسند ومعجم الطبراني الكبير ومسند أبي يعلى، والحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ورواه عبد بن حميد في مسنده والطحاوي في شرح مشكل الآثار، وإسناد الحديث حسن من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
[بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعْبَدُ الله وحده، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم] أين ضاعت هذه المفاهيم من أذهان المسلمين، [بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده] ونحن أرسلنا الله رحمة للناس نخرجهم من الظلمات إلى النور، إن أرادوا بالحسنى، وإن أرادوا بالحديد الذي يفصل الله به بيننا وبين العبيد {وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب، إن الله قويٌ عزيزٌ} .
اخوتي الكرام: هذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام بعث السيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده، وأعظم وأفضل رزقٍ يحصله من المغانم (رزقه تحت ظل رمحه) جعل الذل والصغار على من خالف أمره، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم، ولذلك عندنا في الدولة الإسلامية تقدم الجيوش الجرارة، وهذه هي الوظيفة الأولى للجيوش في البلاد الإسلامية، تقدم بتبليغ الدعوة ن تقدم بهداية الناس تخرج هذه الجيوش الجرارة وكلها قراء وأئمة وأتقياء وفقهاء فيذهبون إلى بلاد الكفار الأعداء يقولون أرسلنا الله إليكم رحمة، ولا نقاتل أحداً لنستعليا عليه لنجعله عبداً لنا، إنما أنتم بين ثلاث، أنتم إخواننا إن آمنتم لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم نقركم على دينكم على أن تؤدوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون وأن تحكموا في هذه الحياة بحكم الحي القيوم، وإن أبيتم هذا وذاك فأنتم عباد الله ولا يجوز أن تخرجوا عن طاعته وأمره فيحكم الله بيننا وبينكم في هذا السيف وهو خير الحاكمين، وآخر الحديث ومن تشبه بقومٍ فهو منهم رواه الإمام أبي داود في سننه، وهذا ايضاً من رواية عبد الله بن عمر بسندٍ حسن كما نص على ذلك الإمام ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم، ورواه الإمام الطبراني في الأوسط عن حذيفة ابن اليمان، ورواه الإمام الترمذي والقضاعي في مسنده من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[من تشبه بقومٍ فهو منهم] .
والحديث قد نص على تصحيحه كما قلت الإمام ابن تيمية وقبله الإمام المنذري وبعدهم الإمام بن حجر عليهم رحمة الله ورضوانه، ليعلم من يقولون له أن لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ليعلموا هذا الحديث والحديث الثاني ليعلموا أمنية النبي عليه الصلاة والسلام كيف كان يتمنى في حياته، هذا الأمر ليقر في نفوسنا هذه المعاني، ثبت في المسند والصحيحين، والحديث في سنن النسائي، ورواه الإمام مالك في الموطأ، وهو في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [والذي نفسي بيده لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلاف سرية تغزو، ولوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل في المرة الرابعة] وورد في بعض الروايات [لا أجد ما أحملهم على ظهر] أي ليس عندي سعة لأحملهم على ظهر لجاهدوا معي ولا تطيبُ أنفسهم ليتخلفوا عني فإذا خرجت في كل سرية يصبح حرج على المسلمين، سيخرجون معي وليس عندي ما أحملهم، ومع ذلك تدرون كم غزوة خرجها النبي عليه الصلاة والسلام في ثمانِ سنين فقط وفي السنة الثانية فرض الجهاد وكم سرية أرسل؟ بلغ مجموع غزوات النبي عليه الصلاة والسلام اثنتين وثمانين 82 غزوة وسرية، شهد بنفسه الطيبة المباركة ستاً وعشرين 26 غزوة وتمنى أن يستشهد أو يقتل أربع مرات، وأرسل ستاً وخمسين 56 سرية ما كان فيها عليه الصلاة والسلام، المجموع اثنين وثمانين 82 ما بين غزوة وسرية ذهبت في زمن خير البرية لنشر الدعوة لتبليغ الإسلام ليخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، لإخراج الناس من عبادة العبيد إلى توحيد الله المجيد سبحانه، إنا لا نقاتل أحد لنستعلي عليه، وكل قتالٍ غير القتال الإسلامي كله من باب العلو والبغي والاستكبار في الأرض إلا القتال الإسلامي، نقاتلهم من أجل أن نخرجهم من الظلمات إلى النور، لا للاستعباد ولا حباً للسيطرة، ولا اشفئاً
للغليل.
اخوتي الكرام: إن المقولة التي يرددها أتباع الشيطان في هذه الأيام (أن مذاهب أئمتنا الكرام بنيت على سياسات الحكام) كما قلت افتراء وبهتان.
إن اجتهاد أئمتنا شريعة مؤولة معتبرة ومن قال بها لا يعتبر من المشرعين، فالتشريع من خصائص رب العالمين لأن وظيفة الفقهاء أنهم أظهروا هذه الأحكام من شريعة الله الغراء فقط، وأما أن يشرع هو، فلو أدخل واحد عقله في تشريعٍ في تحليلٍ أو تحريمٍ لحكم بخروجه من الدين، أئمتنا الكرام أظهروا أحكام الإسلام مبنياً على النصوص الثابتة الحسان من آيات القرآن وأحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام.
اخوتي الكرام: اجتهادات أئمتنا الكرام شريعة مؤولة نلتزم بها ومن قال بها واجتهد بها من أئمتنا فهو على هدىً في جميع أحواله، فإن علم المجتهد الحديث واستنبطا منه معنى علم النص الشرعي ثم جمع بينه وبين نصوص شرعية أو قدم بعض النصوص على بعضها لحجج معتبرة في شريعة الله المطهرة، فهو مصيب وله أجران سواء وافقه الأئمة الكرام بعد ذلك أم لا.
إذاً متى يطرح هذا الاجتهاد وينبذ في حالة واحدة كما قلت أخبر عن عدم علمه بالنص الشرعي وعرض عليه قضية وتعينت عليه فُتية، فبذل ما في وسعه في الوصول إلى لحكم ربه في هذه المسألة بعد أن تريث وتريث وتريث، والفتوى متعلقة عليه فأطلق الحكم فإن أصاب في هذه الحالة مع عدم علمه بالدليل، هذه القضية فله أجران وهو محمود، وإن أخطأ فله أجر وخطئه معفو عنه ويرد اجتهاده لأن هذا الاجتهاد يعتبر ملغي في شريعة الله المطهرة واستمعوا إلى هذه القضية التي جرت في العصر الأول في زمن الصحابة الكرام بعد موت نبينا عليه الصلاة والسلام، ثبت في مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في السنن الكبرى من رواية مسروق وهو من أئمة التابعين الطيبين عن شيخه ابن مسعود عندما كان معلماً في الكوفة وقد أرسله عمر مع عمار فجعل عمار أميراً وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً جاء أهل الكوفة إلى عبد الله بن مسعود وعرضوا عليه قضية أن امرأة توفي عنها زوجها وقد عقد النكاح عليها ولم يدخل بها ولم يترك لها مهراً فما حكم هذه المرأة هل يجب لها مهر وما الحكم الشرعي فيها؟ أما أنها سترت لا شك لأنها زوجة والعدة عليها لأنها زوجة معقود عليها، لكن ما الحكم بعد ذلك في مهرها، عقد رجل على امرأة عقد النكاح ولم يدخل بها ثم مات فما الذي يجب لهذه المرأة وماذا يجب عليها؟ فأخرهم عبد الله بن مسعود وقال لا أعلم بذلك سنة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، لينظر وليتأمل في الأدلة الشرعية، ثم جاءوا إليه بعد أيام أخرهم حتى مضى شهر كامل، ثم قالوا أفتنى أبا عبد الرحمن فقال اسألوا غيري، قالوا من نسأل وأنت المعلم المرشد في هذا المكان، قال والله ما عرضت علياً مسألة بعد أفارقت رسول الله عليه الصلاة والسلام أشدُ عليَّ من هذه المسالة اسألوا غيري، قالوا من نسأل وأنت صاحب رسول الله كنت تصاحبه في الحضر والسفر، فقال عبد
الله بن مسعود أقول فيها برأيي، إياك أن تفهم برأيي بهواي، لا ثم لا، حاشاه من ذلك، إنما يريد أن يقول فيها باجتهادي الذي يبنى على أدلة عامة دون دليل خاص في هذه المسالة، أقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان والله ورسوله من ذلك بريئاً، لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط لا ناقص ولا زائد، تعطها المهر بمهر أمثالها مثل هذه الفتاة كم تزوج في الكوفة في ذلك الوقت بعشرين ألف إذا مهرها عشرون ألف، لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط، وعليها العدة ولها الميراث فجاء رجال من أشجع فقالوا أبا عبد الرحمن حضرنا النبي عليه الصلاة والسلام فقضى فيها بمثل ما قضيت فكبر عبد الله بن مسعود وهلل وما فرح في شيء بعد الإسلام فرحه بأن وافق قضئه قضاء النبي عليه الصلاة والسلام، قضى فيها بمثل ما قضيت في [بدوع بنت واشق زوجه هلال بن أمية عندما توفي زوجها هلال وهو من الصحابة الكرام وقد عقد عليها ولم يدخل بها ولم يسمى لها مهراً وقد رفعت القضية إلى خير البرية فقال لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقال عبد الله بن مسعود الله أكبر ولا إله إلا الله.
اخوتي الكرام: الذي قضاه عبد الله بن مسعود هل قال فيه برأيه؟ هل قاله بمشتهى؟ هل قاله بغرض؟ لا ثم لا، انتبه لوجه القضاء الشرعي في هذه المسألة لو لم يكن هناك نص، إن المولد يلحق بالوطء في تقرير المسمى بلا نزاع بين علماؤنا الكرام، فلو وطء الإنسان امرأة ثم مات عنها لها المهر المسمى ولو سمي لها مهراً ثم مات عنها لها المهر المسمى ولو لم يطأها، هذا محل اتقاق، فنتبه للقياس الشرعي الصحيح، المدت يلحق بالوطء وفي تقرير المسمى في وجود المهر المسمى للمرأة إذا سمى لها مهر إن وطئها زوجها ثم مات عنها فلها ذلك المهر، وإن مات عنها زوجها ولم يطئها لها ذلك المهر بلا نزاع، قضاء عبد الله بن مسعود وهو الذي قضى به أبو حنيفة وهو المعتمد عند الحنابلة وأحد القولين عند الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله.
هذا القضاء مبناه بما أن الموت كالوطء في تقرير ووجوب المهر المسمى هو كالوطء في وجوب المهر إذا لم يسمى؟! كيف هذا فلو أن إنسان عقد على امرأة ولم يسمى لها مهراً ثم وطئها عن طريق ما أحل الله وتزوجها ثم مات، ماذا يجب لها؟ يجب لها مهر المثل ولو مات ولم يسمي لها مهراً فلها مهر المثل كما أننا قلنا هناك إن سمى لها مهراً فلها المسمى سواء وطئها أو لم يطئها إذا مات.
وهنا كذلك إذا لم يسمي مهراً ووطئها فلها مهر مثلها فإذا مات عنها، فلها مهر مثلها، هذا هو القياس الذي بني على هذا النظير وجعل هذا النظير لهذا النظير، والإمام الشافعي في قوله القديم قال إن صح حديث ابرَّوع بنت واشق قلت به) قال الإمام أبو عبد الله بن الأخرم وهو محمد بن يعقوب توفي سنة أربعة وأربعين وثلاثمائة للهجرة 344هـ وهو من شيوخ الإمام الحاكم رحمة الله عليه ونقل عنه هذا الحاكم في مستدركه عند تخريج الحديث الذي ذكرته لأنه رواه الحاكم مع أهل السنن الأربعة قال الإمام الأخرم (لو أدركت الشافعي لقمت على رأسه وقلت أبا عبد الله قد صح حديث بروع بنت واشق فقل به) إن المجتهد إذا اجتهد لا ينقض حكمه إلا إذا لم يبلغه نص، وخالف اجتهاده ذلك النص الذي ما بلغه، أما إذا بلغه النص وفهمه فهماً معيناً لو خالفه بقية المجتهدين كلهم على هدى ولهم أجران، لو بلغه النص وجمع بينه وبين غيره من النصوص أو قدم عليه نصاً أقوى منه له أجران، وهو على هدى ولا ينقض اجتهاده ولا يرد، وقد فصلت الكلام عن هذا وعن حديث بروع في دروس الحديث الشريف في سنن الترمذي.
إذاً أئمتنا الفقهاء ليسوا بمشرعين والتشريع خصائص رب العالمين، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: اجتهادات أئمتنا الفقهاء كما قلت ثروة فقهية وهي من أكبر معجزات خير البرية معجزة عظيمة كشف عنها الفقهاء لو لهجت الأمة بعظيم الثناء لهم ليل ونهار لما وَفَّوهم حقهم إجلالاً لنبينا عليه الصلاة والسلام، هؤلاء كشفوا عن صلاحية رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام في كل زمان ومكان بما استنبطوا من هذه النصوص الشرعية من أحكام، إن نصوص الشريعة محددة وهي تحتمل أحكاماً كثيرة متعددة كشف عنها أئمتنا الفقهاء، هذه النصوص نص يستنبط منه أحكام متعددة هذه من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام يكشف عنها الفقهاء، فقهاء هذه الأمة المباركة.
كفاك بالعلم في الأمي معجزة
…
في الجاهلية والتأديب في اليتم
إن هذه المعجزة صلاحية النصوص الشرعية في كل زمان ومكان لما تحتمله من أحكام شرعية، كشف عنها أئمتنا الفقهاء، إن هذه المعجزة لا تبلى رجَّدتها، وتفنى جدتها، هذه ثروة عظيمة لأئمتنا فلنقف نحوهم موقف يتناسب مع وصفهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
انظر إلى هذا الحديث الشريف الذي استنبط أئمتنا ما يشبهه من ما دل عليه من أحكام، وانظر لتخبط المجتهدين في هذه الأيام، ثبت في المسند والسنن الأربع والحديث في موطأ الإمام مالك وسنن الدارمي ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، والبيهقي في السنن الكبرى وإسناد الحديث صحيح كالشمس من رواية عقبة ونسيبة زوجة ابن أبي قتادة رضي الله عنهم أجمعين من رواية كبشة بنت زوجة بن أبي قتادة رضي الله عنهم أجمعين، قالت دخل عليَّ أبي قتادة وهو والد زوجها فسكبت له وضوء ليتوضأ فجاءت هرةٌ فأصغى لها الإناء وبدأ يسقيها فقالت كبشة رضي الله عنها فلما رآني أنظر قال لعلكي تعجبين أنني أسقي الهرة ثم سأتوضأ من فضل سؤرها، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [إنها ليست بنجس إنها من الطوفين عليكم والطوافات] أي سؤرها ليس بنجس وإنها إذا شربت من الماء لا تنجسه إلما؟! يشق الاحتراز منها لعله الطواف تدخل إلى بيتك فتشرب من الماء واللبن وتلعق من الطعام بغير اختيارك، فلو حكم بنجاسة سؤرها تبعاً لنجاسة لحمها لتضرر الناس وتعطل كثير من مطاعمهم ومشاربهم، إنها ليست بنجس إنها من الطوفين عليكم والطوافات، قال أئمتنا: هذه العلة التي هي علة هذا الحكم وهو سؤر الهرة طاهر لأنها تطوف قالوا هذه العلة إنها وجدت يثبت هذا الحكم.
انظروا مثلاً المذهب الأول مذهب أبي حنيفة الجزء الأول صفحة أربعة وعشرين والبيهقي في السنن الكبرى 24 في الرد المحتار على الدر المختار، وانظروا أمر المذاهب في المغني الجزء الأول صفحة أربعة وأربعين 1/44 يقولون (السؤر وما يلحق به في الحجم وما دونه مما هو من سواكن البيوت وحشرات الأرض كالفأرة ولذلك الجرذان الذي يدخل إلى البيوت بغير اختيار الإنسان لو شرب من الماء سؤره طاهر ولو أكل من الطعام، سؤره طاهر، لما؟ لعله الطواف، إذا كانت الهرة سؤرها طاهر لأنها تطوف فألفأرة تطوف أكثر من الهرة تدخل عليك من الحجر ومن تحت الباب وأما الهرة لو أغلقت الباب والنوافذ لما دخلت عليك، فالهرة يشق الاحتراز عنها، وأما الفأرة يتعذر الاحتراز ويستحيل الاحتراز منها، ستدخل عليك بغير اختيارك، فإذا عفى عن سؤر الهرة فيعفى عن سؤر الفأرة من باب أولى، وحديث كبشة الذي يقرر هذا، رواه أيضاً أبو داود والبيهقي في السنن الكبرى عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنه دخلت عليها هرة فأكلت من هريسة لها فأكلت عائشة رضي الله عنها من مكان سؤرها ثم قالت رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضل سؤرها.
إذاً لست بنجس، من الطوافين عليكم والطوافات.
انظر لبعض السفهاء في هذه الأيام: اللذين يقولون الفقهاء رجال ونحن رجال لنرى الفارق بين هؤلاء الرجال، قيل لمن يدعي الاجتهاد ولا يعجبه أحد من أئمتنا أهل الرشاد، قيل له في مناظرة جرت له مع بعض شيوخنا في بلدة حلب قيل له ما تقول في سؤر الفأرة طاهر أو نجس هات دليل على ذلك؟ قال إن سؤر الفأرة طاهر قال ما الدليل؟ قال أستغفر الله أخطأت سؤر الفأرة نجس قيل له ما الدليل؟ قال لا أعلم الدليل؟ فقال له الشيخ أما تستحي سؤر الفأرة لا تعرف حكمه وتذكر حكمين متناقضين في وقتٍ واحدٍ، والحكمان بناءً على رأيك الذي سيلقيك في نار جهنم، يجوز أن تفتي في دين الله بلا دليل، سؤر الفأرة لا تعرف حكمه ثم تدعي أنك مجتهد وتتطاول عل أئمتنا.
وأنا أقول والله إذا كنا لا نعرف حكم سؤر الفأرة فلا نؤتمن على الفأرة في هذه الأيام لا علم ولا أمانة ولا صدق ولا ديانة ثم نتطاول على بعد ذلك على أئمتنا، واستمع أيضاً لحال بعض هؤلاء في قصة ذكرها الإمام أبو نعيم في حلية الأولياء الجزء التاسع صفحة ثمانية وسبعين وثلاثمائة 9/378 في ترجمة العبد الصالح ذي النون المصري أبي الفيضي الذي توفي سنة خمسة وأربعين ومائتين للهجرة 245هـ بعد الإمام أحمد بأربع سنين، وكان شيخ الديار المصرية كما تقدم معنا، هذا العبد الصالح كان عنده بعض الناس ممن يسلكون هذا المسلك في هذه الأيام يريد أن يصل إلى الحقائق ويقول للشيخ يعني اسم الله الأعظم، ويقول وأريد أن أعرف اسم الله الأعظم ولو خصصتني بشيء من العلوم لأتميز على أصحابي، ففي يوم من الأيام قال له الشيخ يا ولدي أريد أن تأخذ هذا الصندوق مني إلى فلان العالم ففيه هدية أريد أن أرسله له وكان بينهما نهر ينبغي أن يعبره يصل إلى العالم الثاني فأخذ الصندوق ويقول عندما حمله خفيف وفيه شيء يتحرك يريد أن يفتح الصندوق فيفكر هل يفتح الصندوق وهذه خيانة، هل يفتح هل يفتح فقال لأفتحنَّ الصندوق مهما جرى ففتح الصندوق وفيه فأرة فقفزت وشردت، فردع إلى الشيخ وقال يعني الصندوق فتح والفأرة شردت فقال يا ولدي وأتمنت على فأرة تريد بعد ذلك الحقائق وتريد أن أني أخصك بعلوم اذهب فالزم السوق، والله ما تؤتمن على فأرة ومن لازمنا عرف ذلك منا.
قال بعض السفهاء من هؤلاء اللذين يقولون عن أئمتنا هم رجال ونحن رجال وما كلفنا الله باتباع أبي حنيفة ولا الشافعي ولا أحمد، قال له دع أئمة الإسلام من أولهم إلى آخرهم، من أين ستأخذ الأحكام من الكتاب والسنة؟ قال فإذا قرأت قول الله وقرأ إنسان قول الله {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} ؟ هذه الآية لا تلزم الناس بالتوجه إلى القبلة إذا صلوا لله تعالى، استدبر القبلة وصلي إلى الجهة المعاكسة، صلاة صحيحه أو باطلة، قال صحيحه قال بلغه أن الفقهاء الأربعة قالوا يشترط لصحة الصلاة استقبال القبلة، قال يلزمه الله باتباع الفقهاء الأربعة، هو فهم من الآية فهم أنه يلزمه استقبال القبلة.
إذاً ليس يشترط في حقه استقبال القبلة يصلي إلى غير القبلة صلاة جائزة قال جائزة قال سأنشر هذا للناس قال أنشره أنا لا أخاف أحد قال إذا كنت لا تخاف من الله وتقول هذا الكلام فهل ستخف من عباد الرحمن؟ نعم لا تخف أحد، أنت لا تخاف إلا إذا ألقيت في نار جهنم.
اخوتي الكرام: من لم تكن عنده عدة الاجتهاد التي تقدم معنا واجتهد فهو ضال مضل لجهنم حطباً سواء أصاب أو أخطأ.
ومن كانت عنده عدة الاجتهاد وآلته فهو على هدىً والله جل وعلا سيلهمه ويسدده واللذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع الصابرين.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض الله اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إخوتي الكرام: كان في نيتي أن أذكر بعد هذين الأمرين، الأول أئمتنا ليسوا بمشرعين واجتهاداتهم ثروة فقهية، وهي من أكبر معجزات نبينا خير البرية، كان في نيتي أن أذكر بعد هذين الأمرين عشرة معالم كنت قد ذكرت خمسة منها في موعظة سابقة أضيف إليها خمسة حقيقياً لو ضرب الناس أكباد الإبل لوعيها والانتباه لها لكان ذلك قليل في شأنها.
كنت سأذكر كذلك أمر آخر شاع في هذه الأيام، لكن الوقت قد داهمنا.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ومن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن لمن أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.