الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين عمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين
سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد إخوتى الكرام
كنا نتدارس مقدمة لعلم ال
فقه
الشريف تقوم هذه المقدمة على أمرين اثنين كما ذكرت فى الموعظة السابقة
الأمر الأول فى
منزلة علم الفقه وفضله
والأمر الثانى فى ترجمة موجزة لأئمتنا الفقهاء الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين
الأمر الأول إخوتى الكرام قدمت له بمقدمة فى بيان منزلة العلم وفضله وبيان رتبة العالم ودرجته وانتهينا من هذا وسنشرع فى هذه الموعظة فى مدارسة منزلة علم الفقه وفضله
إخوتى الكرام
آخر شىء تدارسناه أن أمور الدين تقوم على خمسة أمور يجمعها خمسة أمور:
أولها العقائد والآداب وقلت لا دخل لنا فيهما فى موضوع علم الفقه فى علم الفقه وبقيت معنا ثلاثة أمور من خمسة العبادات والمعاملات والعقوبات
هذه الأمور الخمسة إخوتى الكرام عليها يدور ويقوم الإسلام وبها هدى الله عباده للتى هى أقوم فى جميع شئون هذه الحياة نسأل الله أن يمن علينا بالإلتزام بشرعه وأن يقبلنا من الصالحين من عباده إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين
إخوتى الكرام أما فى هذه الموعظة كما قلت سنتدارس منزلة علم الفقه وبيان منزلة هذا العلم فى العلوم الشرعية ستكون دراستنا لهذا الأمر ضمن أمرين اثنين:
الأمر الأول سنتدارسه فى هذه الموعظة إن شاء الله فى بيان معنى الفقه ومنزلته
والأمر الثانى مرتبط به وهو ضرورى فى بيان الفروق الحقيقية بين الشريعة الربانية والقوانين الوضيعة الوضعية
هذه إخوتى الكرام لا بد من بيانها أيضا الفروق المعتبرة بين شريعة الله المطهرة وبين القوانين الوضيعة الوضعية التى شرعها الكفرة الفجرة
هذا الأمر الثانى أترك الكلام عليه إن شاء الله إلى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه
أما فى هذه الموعظة كما قلت سنتدارس معنى علم الفقه
لفظ العلم إخوتى الكرام تقدم معنا بيان منزلة العلم وفضلة ورتبة العالم ودرجته وما عرفت معنى العلم فى لغة العرب ما معناه وعلى أى شىء يدل وما معنى العلم فى الاصطلاح عند أئمتنا الكرام ونحن الآن مضطرون لتعريفه لأن علم الفقه لا يمكن أن يعرف هذا العلَم المركب إلا بعد معرفة مفرديه عندنا علم مضاف، الفقه مضاف إليه والأصل أن نبدأ فى تعريف المضاف إليه لأن المضاف لا يعرف إلا بعد معرفة المضاف إليه ولا مانع أن يبدأ بالمضاف لأنه سبق فى الذكر والأمر يسير أبدأ به لأن لفظ العلم تقدم معنا كما قلت فى الموعظة الماضية
العلم إخوتى الكرام يطلق فى لغة العرب على معنيين اثنين:
المعنى الأول على الاعتقاد الجازم إذاً يقين قطع ومنه قول الله جل وعلا {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم} [محمد/19]
فاعلم المراد من العلم هنا الاعتقاد الجازم القطعى الذى لا تردد فيه بوجه من الوجوه والعقائد يطلب فيها اليقين والقطع (فاعلم أنه لا إله إلا الله) لو كان يعلم صحة هذه القضية بالمائة تسعة وتسعين وهو يشك فى واحد من مائة فى وجود رب العالمين سبحانه وتعالى أو فى استحقاقه للعبادة أو باتصافه بكل كمال وتنزه عن كل نقصان واحد فقط يشك بالمائة أو لا يشك يظن ما صح اعتقاده إلا أن يجزم جزما قاطعا
إخوتى الكرام الاعتقاد الجازم له حالتان إما أن يكون حقا كاعتقاد المؤمنين لرب العالمين، اعتقاد حق وضابطه اعتقاد جازم طابق الواقع عن دليل يدل عليه طابق الواقع لقيام الدليل الذى يدل على ذلك فهذه اعتقاد حق
قولنا الله جل وعلا خالق كل شىء رب العالمين لا إله غيره ولا رب سواه سبحانه وتعالى هذا اعتقاد جازم يطابق الواقع يطابق حقيقة الألوهية عن أدلة وبراهين تدل على هذه القضية فهذا اعتقاد جازم حق وصدق
وهناك اعتقاد جازم لكنه خرافة وباطل سبحان الله اعتقاد جازم وباطل نعم كاعتقاد النصارى بأن الله ثلاثة الأب والابن والروح القدس وتقدم معنا أن هذا الأمر هو أحد ضلالاتهم العشرة التى ضلوا بها وكفروا بها منها قولهم بالتثليث
وتقدم معنا كيف تم توحيد ديانتهم من التوحيد إلى التثليث على مرحلتين اثنتين:
المرحلة الأولى كما تقدم معنا عن طريق الخديعة والمكر من قِبل اللعين بولس الذى كان يهوديا وتنصر ظاهرا ليكيد للنصرانية باسمها
والأمر الثانى عن طريق القوة أيضا الحسية عن طريق الملك قسطنطين فهنا خديعة ماكرة وهناك قوة قاهرة واجتمع الأمران لتحويل النصرانية من التوحيد إلى التثليث
إخوتى الكرام إذا كان أحد منكم فى مجالس العلم فيسن له ألا يتشاغل بشىء لا بسواك ولا بيد ولا بنظر ولا بشىء من الأشياء لأن حضور مجالس العلم يتطلب الخشوع وأى حركة من الجالس تؤثر على المتكلم المتحدث فمن يعنى فرغ نفسه وخشع للحضور فبها ونعمت وإلا خروجه أنفع له ولغيره لأنه يشوش دينى حقيقة وكل شىء يوضع فى موضعه وأعط كل ذى حق حقه السواك له وقت ولو تسوكت فى الصلاة أثمت كل شىء يوضع فى موضعه، من يجلس الإنسان فى حلق العلم يتسوك أو يعنى يعبث بغطرته بعمته بلحيته هذا كله لا بنبغى فلا بد من الخشوع فى مجالس الذكر وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من الخاشين الخاشعين لرب العالمين أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين
إذا قد يكون الاعتقاد جازما وهو باطل خرافة كاعتقاد النصارى بأن الله ثالث ثلاثة بأن الإله ثلاثة الأب والابن والروح القدس ويقولون الثلاثة إله واحد الواحد ثلاثة والثلاثة واحد ويعنى قسسهم فى هذه الأيام يلعبون على الأذهان التى هى كأذهان الصبيان يأتى يقول له هذا الثوب هذا واحد وهذا اثنين وهذه ثلاثة هذه ثلاث طيات اعمل هكذا صارت واحد هى ثلاثة وهى واحد وهكذا رب العالمين ثلاثة وهو واحد عيسى والله جل وعلا ومريم هؤلاء الثلاثة واحد يا إخوتى الكرام أنتم بأى لغة تتكلمون بأى لغة ولا لغة الحيوانات تقبل هذا فكيف بعد ذلك تخادعون عقول المخلوقات
وقد أشار الله جل وعلا فى كتابه بأوجز عبارة وألطف إشارة إلى بطلان ألوهية عيسى وأمه على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه فقال جل وعلا فى سورة المائدة {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} [المائدة/75]
كلمة كانا يأكلان الطعام هذه للرد على النصارى اللئام فإذا كان عيسى وأمه على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه إذا كان عيسى وأمه محتاجَين إلى الطعام كيف يصلح أن يكون كل منهما إلها وأخص صفة فى الإله كما تقدم معنا الغنى والقيام بالنفس وأخص صفة فى المخلوق الفقر والاحتياج إلى الغير فالعالم من عرشه إلى فرشه فقير إلى الله جل وعلا ولا يوجد غنى إلا ربنا القوى سبحانه وتعالى هو الغنى عن العالمين {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} [فاطر/15]
فإذا منع الطعام عن عيسى وأمه على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه ماتا ثم هناك إشارة أخرى كما قلت بألطف عبارة بأوجز عبارة وألطف إشارة هناك دلالة ثانية الذى يأكل الطعام يحتاج إلى الحمام لكن الله كريم يكنى عن الأمور المستهجنة بما يدل عليها كا نا يأكلان الطعام ويذهبان إلى الحمام فإذا هما فقيران إن منع عنهما الطعام ماتا وإذا احتبس الطعام فى بطنهما ماتا هل يصلح أن يكون واحد منهما إلها؟ لا
إذاً اعتقاد جازم لكنه لم يطابق الواقع لعدم وجود دليل يدل على ذلك بل الدليل يدل على خلاف هذه القضية فمن بحث فى واقع نبى الله عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وفى واقع أمه الصديقة المباركة سيدتنا مريم رضى الله عنها وعن سائر الصديقين والصديقات عَلِم عِلْم اليقين أنهما عبدان لرب العالمين {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام}
لذلك لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله وأول كلمة قالها {إنى عبد الله آتنى الكتاب وجعلنى نبيا *وجعلنى مباركا أينما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا* وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا* (على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه) والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا}
الاحتياج من صفة المخلوق والفقر من صفة المخلوق وكما قلت مرارا أخص وصف فى الخالق الغى وأخص وصف فى المخلوق الفقر
والفقر لى وصف ذات لازم أبدا كما الغنى أبدا وصف له ذات
وهذه الحال حال الخلق أجمعهم وكلهم عنده عبد له آتِ
فمن بغى مطلبا من غير خالقه فهو الظلوم الجهول المشرك العاتى
وتقدم معنا أن هذه الأبيات من كلام شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية وهى آخر شىء نظمه وقاله قبل لقاء ربه بفترة قليلة والأبيات موجودة فى قصيدة تزيد على العشرة أبيات كما قلت فى مدارج السالكين فى آخر الجزء الأول فى حدود صفحة خمس وعشرين وخمسمائة فى آخر الجزء الأول ذكرتها مرارا فى المواعظ الماضية
إذا عيسى وأمه على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه محتاجان والمحتاج لا يصلح أن يكون إلها فاعتقاد النصارى فيهما اعتقاد باطل ما طابق الواقع لعدم وجود دليل يدل عليه
ذكر أئمتنا الكرام فى ترجمة العبد الصالح محمد ابن السماك وهو محمد ابن صبيح بفتح الصاد ابن السماك أبو العباس توفى سنة ثلاث وثمانين ومائة ولم يرو له شىء فى الكتب الستة وترجمه الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية فى حوادث سنة ثلاث وثمانين ومائة فى الجزء العاشر صفحة خمس عشرة ومائتين وانظروا ترجمته الطيبة فى السير فى الجزء الثامن صفحة ثمان وعشرين وثلاثمائة ونعته بأنه الزاهد القدوة سيد الوعاظ يقول كما فى المصدر الأول فى البداية والنهاية
كان فى مجلس أمير المؤمنين هارون الرشيد على جميع المؤمنين رحمة رب العالمين فدعا هارون الرشيد بقلة فيها ماء مبرد وهذا كان يعنى أعلى ما يتمكن منه الخليفة فى ذلك الأيام إن أراد أن يشرب الماء يعنى لا ثلاجات وثلج كما هو فى هذه الأيام إنما قلة تبرد الماء وإذا أراد أن يسافر من العراق إلى مكة المكرمة على الدواب وهذا الغنى والفقير على رجليه دعا بقلة فيها ماء مبرد وأراد أن يشرب
فقال محمد ابن السماك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يا أمير المؤمنين لا تشرب
قال ولمَ؟
قال حتى أسألك قال سل
قال إن مُنع عنك هذا الكوز من الماء فى هذه اليوم القائظ الحار فكم تدفع ثمنا له؟
قال ادفع نصف ملكى وهو يقول هذا فى حال الاختيار أما فى حال الاضطرار يدفع ملكه كله من أجل شربة ماء
قال اشرب فبعد أن شرب فقال يا أمير المؤمنين إذا احتبس هذا الماء فى بطنك وما استطعت أن تخرجه كم تدفع ثمنا لإخراجه؟
قال ادفع نصف ملكى الآخر
قال يا أمير المؤمنين إن ملكا لا يسوى بولة لا يبنبغى أن ينافس الإنسان فيه يعنى ملكك من أوله لآخره لا يسوى بولة ثمن بولة تشرب شربة الماء ثم تخرجها تقول ادفع نصف ملكى ثمن شربة الماء ثم ادفع النصف الآخر لإخراج هذه الشربة التى استقرت فى بطنى إذا ما خرجت تقتل الإنسان {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} وهذه نعمة الله علينا الماء فكيف بالهواء وتقدم معنا لو كان الهواء يحتاج إلى كلفة منا أو ثمن لمات أكثر المخلوقات الهواء وهو أعظم من الماء بكثير {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}
إخوتى الكرام هذا العبد الصالح القانت كما قال عنه الإمام الذهبى سيد الوعاظ حقيقة له كلام فى الوعظ عجيب منه ما يتعلق بموضوعنا فى أمر العلم كان يقول عليه رحمة الله كما فى السير
كم شىء إذا لم ينفع لم يضر أشياء كثيرة إذا لم تنفع لا تضر يقول لكن العلم إذا لم ينفع ضر فأنت نحو العلم إما أن تنتفع وإما أن تتضرر لأن القرآن حجة لك أو عليك العلم إذا لم ينفع ضر
وهذا الكلام إخوتى الكرام مأثور عن العبد الصالح أبى محمد سفيان ابن عيينة وقد توفى سنة ثمان وتسعين ومائة يعنى بعد محمد ابن السماك كلا سفيان ابن عيينة فى كتاب اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه فى صفحة خمس وخمسين يقول سفيان ابن عيينة العلم إذا لم ينفع ضر قال الخطيب فى توجيه هذا الكلام قلت إذا لم ينفع بأن لم يعمل به ضر كيف يكون؟
يكون بكونه حجة عليه توجيه هذا الكلام العلم إذا لم ينفع أى لم يعمل به ضر صار العلم حجة عليه العلم إذا لم ينفع ضر
ومن كلام العبد الصالح أيضا محمد ابن السماك ويتعلق أيضا يعنى بطلبنا لنبتعد عن البطالة والجهالة يقول عليه رحمة الله
(همة العاقل النجاة والهرب)
همه أن يهرب من سخط الله وأن ينجى نفسه من غضب الله هذه همة العاقل النجاة والهرب وهمة الأحمق اللهو والطرب همه أن يلهو وأن يغنى وأن يستمع الغناء همة الأحمق اللهو والطرب وهمة العاقل النجاة والهرب
وكان يقول عليه رحمة الله (الدنيا كلها قليل وهى لا تعدل عند ربنا الجليل جناح بعوضة الدنيا كلها قليل والذى بقى منها قليل والذى لك من الباقى قليل ولم يبق من قليلك إلا القليل
أصبحت يا ابن آدم فى دار العزاء وعما قليل ستنتقل إلى دار الجزاء فاشترى نفسك لعلك تنجو)
الدنيا كلها قليل وما بقى منها إلا القليل وليس لك من القليل الباقى إلا القليل ولم يبق من قليلك إلا القليل
هذه دار العزاء وعما قليل سنذهب إلى دار الجزاء ونسأل الله حسن الخاتمة فاشترى نفسك لعلك تنجو
هذا المعنى الأول إخوتى الكرام للفظ العلم اعتقاد جازم إن طابق الواقع الوجودى دليل يدل عليه فهو حق وإن لم يطابق الواقع لعدم وجود دليل يدل عليه فهو باطل مع أنه اعتقاد جازم لكنه باطل
المعنى الثانى الذى يأتى إليه العلم كما قلت فى لغة العرب وهو مستعمل فى كلام الرب سبحانه وتعالى يأتى بمعنى غلبة الظن ومنه قول الله جل وعلا فى سورة الممتحنة {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم} [الممتحنة/10]
إخوتى الكرام هذه الآية هى فى سورة الممتحنة فى سورة الامتحان نزلت هذه الآية عقب حادثة شهيرة وهى صلح الحديبية وقد تم الاتفاق فيها بين نبينا عليه الصلاة والسلام وبين مشركى مكة على وضع الحرب عشرة سنين وعلى أن من جاء من المشركين إلى نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام فى هذه الفترة يرده إلى مكة وأن من جاء من المؤمنين مرتدا إلى المشركين لا يردونه إلى نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه
وهذا إخوتى الكرام له حِكم وأسرار أما من آمن وإن رد يدافع عن نفسه وعما قريب سيجعل الله له فرجا ومخرجا وأما من كفر منا فلا خير فيه ولا نريد رؤية وجهه هذه الشروط التى تم لاتفاق عليها ما نص فيها على النساء
وحقيقة النساء يختلفن عن الرجال المرأة كما يقال يعنى جناح مقصوص لا يمكن أن تطير ولا يمكن أن تدافع عن نفسها كحال الرجل فلا بد أن يشرع لها حكم يتناسب مع ضعفها فإذا آمنت وهاجرت هل نردها كما يرد الرجال
يا إخوتى هذه تفتن عن دينها ويهتك عرضها فلا بد إذا البحث فى حالها فالله جل وعلا هو رب العالمين رب الموحدين ورب المشركين فصل فى هذه القضية قال هذه ما جرى الاتفاق عليها حكمى فى هذه القضية وأن رب الخلق سبحانه وتعالى أن المهاجرات من المؤمنات يمتحن فإذا ثبت عندنا إيمانهن علمنا إيمانهن لا يجوز أن نردهن إلى الكفار
الرجل إخوتى الكرام ينبغى أن يخدم المرأة وأن يدافع عليها عرضا يصان فكيف بعد ذلك يعنى نمكن منها الكافرين اللئام فهاجر مؤمنات فأنزل الله هذه الآيات (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) اختبروهن ماذا نقول نستحلفها بالله أنها هاجرت حبا لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام وإيما نا بالله وبرسوله عليه الصلاة والسلام ما هاجرت من أجل بغض زوج ولا طلبا لدنيا ولا كراهية لأرض ورغبة فى أرض أخرى لمَ هاجرت؟ تقول آمنت وهؤلاء كفار سيفتنونى عن دينى فلجأت إلى نبيى وإلى المؤمنين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه إذا كان كذلك لا يجوز أن نردهن
استمع عندنا لفظ العلم كرر مرتين فى الآية (الله أعلم بإيمانهن) غلبة ظن أو قطع؟
قطع قطعا لا يتصور فى علم الله جل وعلا وهم وخطأ وظن واضح هذا علم يعنى عام أزلى محيط بكل شىء إذا هنا علم قطعى
(إن علمتموهن مؤمنات) علمتوهن هذا العلم إخوتى الكرام علم قطع أو غلبة ظن؟
غلبة ظن قطعا وجزما لمَ؟
لأن ما فى القلب لا يعلمه إلا الرب
أعظم أركان الإيمان الاعتقاد بالجنان وما فى الجنان لا يتطلع عليه إلا الرحمن ،هى ممكن أنها أبغضت زوجها وهاجرت من أجل فراق الزوج ممكن ،ممكن أنها هاجرت لتتزوج وإن لم تكن مزوجة ممكن أنها كرهت أرضها تريد أرضا أخرى، ممكن أنها هاجرت لأمر من الأمور لا يعلم هذا إلا العزيز الغفور سبحانه وتعالى لكن نحن لنا الظاهر إذا ثبت عندنا علمنا أنها هاجرت حبا فى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام لا يجوز أن نردها {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن} هو الذى يعنى يعلم كل شىء وهل هذه آمنت حقيقة وهاجرت من أجل الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أو هاجرت من أجل عرض الدنيا مرد ذلك إلى الله وسيؤول العباد إليه ليوفى كلا بما يستحق لكن أنتم (الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) كما قلت علمتموهن غلب على ظنكم إيمانهن
قال الإمام النسفى فى تفسيره عند تفسير هذه الآية فى الطبعة التى عندى فى الجزء الخامس صفحة ثمان وثمانين المراد من العلم هنا (فإن علمتموهن مؤمنات) هو الظن الغالب بظهور الأمارات بظهور العلامات وهذا قرره المفسرون قاطبة
قال وتسمية الظن علما يؤذن بأن الظن وما يفضى إليه القياس جار مجرى العلم وصاحبه لا يدخل فى قول الله جل وعلا {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} [الإسراء/36] تسمية الظن علما لأنه علمتموهن أى كما قلت غلب على ظنكم ولذلك يقول هنا علمتموهن هو الظن الغالب بظهور أمارات علامات
عندما تحلف أنها ما هاجرت إلا من أجل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وفى تسمية الظن علما إيذان بأن الظن وما يفضى إليه القياس جار مجرى العلم وصاحبه لا يدخل فى قول الله جل وعلا {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}
وأكثر إخوتى الكرام الأمور العملية أكثرها مبنية على غلبة ظن
عندما يقضى القاضى بقص الرقبة وقطعها لوجود شاهدين على أن فلانا قتل فلانا هذه الشهادة قطعية؟ خبر الإثنين قطعى أو غلبة ظن؟ غلبة ظن، ممكن أنهما تواطئا على الكذب ممكن ،ممكن هذا يعنى هو خبر ما دون العشرة لا يفيد القطع بل خبر العشرة والعشرين والمائة والمئات إذا كانت العادة لا تحيل تواطئهم على الكذب لا يفيد القطع لو شهد ألف لكنهم من قبيلة واحدة واضح هذا العادة
قل ممكن أن يتواطؤا على الكذب لكن عندما عشرة من جهات مختلفة ما بينهم رابط يربطهم لأمر دنيوى أما أنهم أسرة واحدة قبيلة واحدة أهل محلة واحدة ممكن أن يتواطؤا على الكذب العادة لا تحيل تواطئهم على الكذب فلو اجتمع مائة أو ألف والعادة لا تحيل تواطئهم على الكذب لا يكون خبرهم قطعيا فشهادة الإثنين من باب أولى سواء العادة تحيل أو لا تحيل واضح هذا يعنى سواء بينهما فى الأصل اتفاق ويمكن التواطؤ أو لا كل واحد من جهة خبر الإثنين لا يفيد القطع
فحكم القاضى بقص الرقبة لوجود شاهدين لوجود شهادة شاهدين هذا غلبة ظن وهذا كاف كما قلت فى الأحكام العملية وسيؤول العباد بعد ذلك إلى رب البرية ليجد كل واحد جزائه حسب ما يستحق {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [الزلزلة/6-7]
فإن علمتوهن مؤمنات كما قلت أن المراد من العلم هنا غلبة الظن
هذا معنى العلم فى اللغة اعتقاد جازم حق أو باطل والمعنى الثانى بمعنى غلبة الظن
ما معنى العلم فى الاصطلاح عند أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين؟
قالوا العلم هو صفة انكشاف يظهر بها المطلوب على ما هو عليه ،صفة انكشاف هذه الصفة تظهر المطلوب على ما هو عليه، يتضح لك عندما تعلم أن هذا رجل هذه العين انكشفت لك حقيقته وعندما تعلم بعد ذلك أركان الصلاة كيفية الصلاة انكشفت لك حقيقة الصلاة صفة ينكشف بها المطلوب على ما هو عليه هذا معنى كما قلت فى الاصطلاح
وهذا التعريف إخوتى الكرام هو أسد ما قيل فى بيان العلم من أقوال كثيرة انظروها إن شئتم فى إرشاد الفحول للإمام الشوكانى فى صفحة أربعة إلى تحيق الحق من علم الأصول وقيل العلم هو إدراك الشىء على ما هو عليه إدراك الشىء بجملته لكن كما قلت صفة ينكشف بها المطلوب على ما هو عليه هذا معنى العلم
وأما الفقه،
الفقه معناه فى اللغة الفهم والذى يظهر والعلم عند الله أنه فهم دقيق فهم مستنير فهم معه تأمل وتدقيق
قال الإمام الفيروز آبادى فى بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز فى الجزء الرابع صفحة ثلاثين ومائتين الفقه هو العلم بالشىء والفهم له والفطنة، علم وفهم وفطنة إذا جتمعت يقال لمن حصل فيه ذلك إنه فقيه، علم فهم وفطنة
قال وغَلب يعنى لفظ الفقه على علم الدين لشرفه ولكن أن تقول غُلب أى ذلك اللفظ على علم الدين فى الإطلاق لشرفه الذى هو الفقه
الفقه إذاً الفهم علم وفهم وفطنة فهم كما قلت معه تدقيق تأمل علم معه فطنة معه وعى يقال له فقه
وأئمتنا فى كتب الفقه يعنى ذكروا شيئا من اللطائف فى ضبط كلمة فَقِهَ فَقَهَ فَقُهَ بالكسر والفتح والضم كما فى رد المحتار على الدر المختار فى الجزء الأول صفحة ست وثلاثين قال
فقِه بالكسر إذا فهم
وفقَه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم
وفقُه إذا صار الفقه له سجية وملكة وصار فقيها فقِه فهم فقَه سبق غيره إلى الفهم يقال بالضم إذا صار الفقه له سجية وملكة وطبيعة فقُه فقِه فقَه فقٌه
وهذا المعنى إخوتى الكرام أى استعمال الفقه بمعنى الفهم، بمعنى الفهم الدقيق، بمعنى العلم والفهم والفطنة استعمل فى آيات كثيرة من كلام الله عز وجل منها قول الله جل وعلا فى سورة النساء {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا * ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا} [النساء/78-79]
(وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله) الحسنة إخوتى الكرام المراد مهنا هنا الحسنة الدنيوية وهى الصحة والنعمة والعافية والخيرات من الغيث والبركات من مطر وخروج زرع وما شاكل هذا (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله)
والآية نازلة فى اليهود وفى المنافقين الذين كانوا يساكنون النبى الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه إذا أصيبوا بخير قالوا قدوم النبى عليه الصلاة والسلام بركة علينا فالسماء أمطرت والأرض أنبتت والخيرات كثرت يقولون قدومه بركة وإذا نزل بهم ضر يقول هذا بشؤم محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله) ولما جاءنا هذا الرجل عليه صلوات الله وسلامه الله أنعم علينا (وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك) بسببك (قل كل من عند الله) هو المقدر والمدبر وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا)
انتبه ما نفى عنهم صفة الفقه إنما مقاربة الفقه يعنى هؤلاء بينهم وبين مقاربة الفقه درجات
أما الفقه هذا لا يوصفون به فى وقت من الأوقات لا يكادون يفقهون وهذا أعظم من قولك لا يفقهون نفى عنهم مقاربة حصول الفقه لهم لا نفى حصول الفقه لهم فما لهؤلاء القوم لا يفقهون حديثا ما ولا يعون قضية ما ثم قرر ربنا جل وعلا الاعتقاد الحق فقال (ما أصابك من حسنة فمن الله) فالنعم منه سبحانه وتعالى وهو مسديها والمتفضل بها (وما أصابك من سيئة) حقيقة فمن نفسك (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وأنت الذى تسببت فى ذلك {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} وما وقعت عقوبة إلا بذنب ولا ترفع إلا بتوبة {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} هذا لا يقرر ما تقدم لا هناك (قل كل من عند الله) وهنا كذلك لكن الله جل وعلا هو المقدر وهناك كما يقال سبب بعد ذلك يعنى عادى وهو الإنسان الذى تسبب فى هذا {وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا} الشاهد إخوتى الكرام (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا)
الآية الثانية فى سورة الأعراف وفيها يقول الله جل وعلا {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} [الأعراف/179]
(لهم قلوب لا يفقهون بها) لا يعلمون علما مع فهم وفطنة فلا يهتدون إلى الرشد والصواب (لهم قلوب لا يفقهون بها)
والآية الثالثة إخوتى الكرام فى سورة الأنفال وفيها يقول ذى العزة والجلال {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} [الأنفال/65]
لا يفقهون القليل منا يقابل الكثير لمَ لأنهم لا يفقهون لأنهم لا يقاتلون فى الأصل من أجل غاية معتبرة وهى الجهاد فى سبيل الله لينالوا رضوان الله وهم عندما يقاتلون فى سبيل الطاغوت لا يضعون فى حسابهم حسبانهم إلا الأمور الحسية والمادية وأما بعد ذلك لطف رب البرية فهذا ليس على اعتبارهم وليس فى أذهانهم وأما نحن فنرجو نصر الله ونؤمل رحمة الله ونطمع بالشهادة ونحصل الخيرات فى جميع الجهات عندما نقاتل
ولذلك هنا يقول الله جل وعلا (وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون)
هذ الفقه عن الله جل وعلا وهو أن الله جل وعلا ينصر جنده ويؤيد الصادقين من عباده {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون}
الآية الرابعة إخوتى الكرام فى سورة نبى الله هود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه {قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز} [هود/91] علم مع فهم وفطنة
والآية الخامسة فى سورة الإسراء فيها يقول رب الأرض والسماء سبحانه وتعالى {تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا} [الإسراء/44] لا تفقهون والسبب فى ذلك أننا لا نسمع صوت الجمادات والمخلوقات والتى نسمع صوتها من العجماوات يختلف عن صوتنا فلا نعلم ما تريد لكنها تسبح الله جل وعلا (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)
وهكذا قول الله جل وعلا فى سورة طه مخبرا عن نبيه وكليمه موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أنه قال {قال رب اشرح لي صدري* ويسر لي أمري* واحلل عقدة من لساني *يفقهوا قولي} [طه/25-28]
وفى سورة الحشر يقول الله عز وجل {لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} [الحشر/13]
والآية الأخيرة التى سأذكرها فى سورة المنافقون فى أولها وفى وسطها ،فى أولها الآية الثالثة (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) وفى آخرها يقول الله جل وعلا {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون} [المنافقون/7] يظنون أنهم إذا منعوا النفقة والمساعدة للمحتاجين من الصحابة الكرام الطيبين يعنى أن أولئك سيتضررون ،لا خزائن الله ملأى سبحانه وتعالى (ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون)
والآيات إخوتى الكرام فى ذلك كثيرة وفيرة
ومن استعمال لفظ الفقه بمعنى الفهم ويعنى طلب الفهم الدقيق علم مع فهم وفطنة
ما ثبت فى صحيح البخارى معلقا عن أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها والأثر وصله الإمام أحمد فى المسند والإمام مسلم فى صحيحه وهكذا الإمامان المباركان أبو داود وابن ماجة فى السنن وكما قلت هو معلق بصيغة الجزم فى صحيح البخارى فى كتاب العلم باب الحياء فى العلم ووصل الأثر فى الكتب التى ذكرتها فى المسند وصحيح مسلم وسنن أبى داود وابن ماجة والبخارى أورده معلقا بصيغة الجزم باب الحياء فى العلم فقال قال مجاهد (لا يتعلم العلم مستحى ولا مستكبر)
وقالت عائشة رضى الله عنها وأرضاها أمنا الصديقة المباركة (نعم النساء نصاء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين) والمراد من التفقه هو التفهم الواعى المستنير الدقيق بحيث تنجلى الصورة للإنسان على وجه التمام (نعم النساء نصاء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين) وأمنا الصديقة المباركة رضى الله عنها وأرضاها قالت هذا عقيب سؤال وقع من أنصارية وهى المباركة السيدة أسماء بنت يزيد رضى الله عنها وأرضاها كما فى المسند وصحيح مسلم وسنن أبى داود وابن ماجة أوليس كذلك
جاءت أسماء بنت يزيد إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فقالت يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه كيف أتطهر من المحيض قال خذى فرصة من مسك فتطهرى بها قالت كيف أتطهر قال تطهرى قالت كيف أتطهر يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال سبحان الله تطهرى قالت أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها فاجتذبتها إلى وقلت لها تتبعى بها أثر الدم
والفرصة إخوتى الكرام القطعة من القطن أو الصوف أو القماش قطعة يوضع عليها شىء من المسك قطعة ممسكة يستحب للمرأة أن يعنى تفعل هذا عقيب غسلها من المحيض لأن الدم الذى يخرج أيام الحيض دم منتن له رائحة كريهة ولا سيما فى العصر الأول يعنى ماء قليل فالمرأة يعنى لا يمكنها أن تصب الماء الكثير من أجل يعنى التطهر الكامل يضاف إلى هذا يعنى قد يكون عند الإنسان شىء من الحاجة والفقر فلا يكون عنده شىء من 000 يعنى المواد المطيبة
فالنبى عليه الصلاة والسلام يقول المرأة إذا تطهرت تأخذ شيئا قليلا من المسك تضعه على قطنة على قطعة قماش على قطعةصوف تمسح ذلك المكان الذى أصابه الدم من أجل أن تستأصل الروائح وتكون على وجه التمام فهى تقول كيف سأفعل أين أضع هذا قال سبحان الله تطهرى، النساء أدرى يعنى بذلك من الرجال ولا يسمح المقام بكلام أكثر من هذا بين الرجل والمرأة
أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت لها تتبعى بها أثر الدم خذى فرصة
وفى بعض روايات أبى داود خذى قرصة بالقاف قرصة وهى التى تكون بين أصبعين قرصه يقرصه بأصبعيه كأنه يريد أن يقول خذى شيئا قليلا من المسك بمقدار ما يعلق بين الأصبعين كالقرصة اليسيرة يعنى قليل من المسك من أجل إزالة تلك الروائح الكريهة خذى فرصة من مسك خذى قرصة من مسك فتطهرى بها فقالت أمنا عائشة بعد ذلك (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين)
والمراد من الحياء هنا إخوتى الكرام الحياء الطبيعى ليس الحياء الشرعى فالحياء الشرعى يجب على الإنسان أن يحافظ عليه فى جميع الأوقات إنما الحياء الطبيعى وهو الذى يقال له الخجل أحيانا من خوف ما يعاب به الإنسان على حسب أعراف الأنام يعنى امرأة تسأل الرجال لا سيما عن هذا الأمر هذا كما قلت فى الطبيعة البشرية يعنى غير محمود فقد المرأة تستحى من ذلك (ونعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين)
هذا إخوتى الكرام فى بيان معنى الفقه فى اللغة واضح هذا حسب ما استعمل فى القرآن وفى السنة
وأما معنى الفقه فى الاصطلاح فهو العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية ، العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أى شىء من أدلتها التفصيلية
العلم ما الذى يراد به الجازم أو غلبة الظن؟ غلبة الظن
العلم بالأحكام الشرعية خرج معنا الأحكام العقلية ككون الواحد نصف الإثنين ما لنا علاقة بهذا وخرج معنا الأحكام الحسية ككون مثلا الثلج باردا والنارة حارة وما شاكل هذا ، هذه أحكام ما لنا علاقة بها فى الفقه وخرج معنا الأحكام العادية كتوقع الناس نزول المطر عند حصول الغيوم وتلبد السماء بالغيوم هذه أحكام عادية أحكام عقلية أحكام حسية أحكام عادية لا دخل لنا بها فى علم الفقه
العلم بالأحكام الشرعية انتبه التى طريقها الاجتهاد خرج معنا ما يُعلم ضرورة من الدين بحيث لا يجهله أحد من المكلفين هذا أيضا لا يبحث فى كتب الفقه ككون الزنا حراما إنما يبحث عندنا عقوبة الزنا إنه حرام هذا معلوم من الدين بالضرورة وهذا النصوص قطعية فيه لا يحتاج إلى اجتهاد
وهكذا ككون الصلاة فريضة وواجبا
إذاً العلم بالأحكام الشرعية العملية التى طريقها الاجتهاد فيها مجال للاجتهاد من أدلتها التفصيلية من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والإجماع والقياس أن تلحق النظير بنظيره ما لم ينص عليه على مانص عليه لاستوائهما فى العلة من أدلتها التفصيلية
هذا هو إخوتى الكرام علم الفقه وهذا التعريف هو أسد ما قيل فى بيان حد علم الفقه العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية هذا أسد ما قيل فى تعريف علم الفقه وقيل غير ذلك
قيل علم الفقه هو جملة من العلوم يعلم بالاضطرار أنها من دين الحى القيوم يعنى عندما تبحث فى العبادات فى المعاملات فى العقوبات نعلم أن هذه أحكام شرعيات ،جملة من العلوم يعلم بالاضطرار أنها من دين الحى القيوم لكن التعريف كما ترون هنا فيه شىء من العموم واضح هذا يعنى أدخل معنا الأحكام العملية التى طريقها الاجتهاد كما أدخل معنا العقائد الإسلامية كما أدخل معنا الأخلاق والآداب كلها دخلت فى هذا التعريف جملة من العلوم يعلم بالاضطرار أنها من دين الحى القيوم هذا شامل لعلوم العقائد لعلوم الآداب مثل علم الفقه
وقيل أيضا علم الفقه هو معرفة النفس ما لها وما عليها عملا ،ما الذى لها وما الذى يجب عليها من طريق العمل لا من طريق الاعتقاد
وقيل علم الفقه هو العلم الحاصل بجملة من الأحكام الشرعية الفروعية بالنظر والاستدلال ،
تعريفات إخوتى الكرام كما قلت أسدها وأدقها أولها وانظروا أيضا إرشاد الفحول فى مقدمته وبدايته فى صفحة ثلاثة
وبذلك يختلف علم الفقه عن علم أصول الفقه ،أصول الفقه هذا قواعده علم الفقه قواعد فعلم أصول الفقه ضابطه وتعريفه كما قال أئمتنا علم يبحث عن أحوال أدلة الفقه الأجمالية وطرق الاستفادة منها وحال المستفيد وهذا يختلف عن كما قلت تعريف علم الفقه ،يبحث عن أحوال أدلة الفقه الإجمالية، علم يبحث عن أحوال أدلة الفقه الإجمالية انتبه الأمر يفيد الوجوب النهى يفيد التحريم القياس حجة الإجماع حجة هذا يبحث فى أصول الفقه الأمر على شىء يدل للوجوب متى يفيد بعد ذلك الإباحة متى يفيد الاستحباب هذا يقرر هنا صيغة الأمر على أى شىء تدل هذا هو عمل الأصولى ثم تطبيق هذا بعد ذلك على نصوص الشرع التفصيلية هذا عمل الفقيه
القياس يستدل به أم لا عمل الأصولى أما الفقيه لا يأتى ليثبت حجية القياس يأتى يثبت حكما شرعيا عن طريق القياس لأنه حجة وأتى بعد ذلك ليثبت حكما شرعيا عن طريق الإجماع ولو قلت له هذا يعنى كيف تثبت دليلا بالإجماع يقول يا عبد الله اذهب وتعلم أصول الفقه واضح هذا لأنه ليس ممن شأنى أن أبين لك أن الإجماع حجة كما ليس من شأنى أن أبين لك أنه يستدل بالقرآن أو بأحاديث النبى عليه الصلاة والسلام هذا مفروغ منه تلك أدلة يبحث عن مكانتها وعن رتبة الاستدلال بها فى علم أصول الفقه
إذا هنا علم يبحث عن أحوال أدلة الفقه الإجمالية وطرق الاستفادة منها أدلة فى الظاهر تعارضت يأتى بعد ذلك يقول تقدم الإجماع تقدم النص القطعى من قرآن وسنة متواترة بعد ذلك الخبر الذى هو يفيد الظن ولا يفيد القطع هذا ترتيب الأدلة هذا يبحث فى أصول الفقه
وحال المستدل شروطه وأحوال الذى يبنغى أن يستدل وأن يأخذ الأحكام من أدلتها هذه تقرر فى كتب أصول الفقه علم يبحث عن أحوال أدلة الفقه الأجمالية وطرق الاستفادة منها وحال المستفيد وأما علم الفقه العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية
منزلة علم الفقه
سأذكر آية واحدة وأربعة أحاديث فقط فى بيان علم الفقه وأتبعها ببعض الآثار عن أئمتنا الأخيار الأبرار
سؤال فى تعريف علم الفقه من أحد طلبة العلم؟
العلم بالأحكام الشرعية يا إخوتى الكرام لما قلنا التى طريقها الاجتهاد واضح هذا التى طريقها الاجتهاد ما دام طريقها الاجتهاد وللعقل فيها مجال هى أحكام عملية واضح هذا يعنى عندما تقول العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد فقولك طريقها الاجتهاد لا دخل للإجتهاد فى أمور العقائد يعنى عندما ذُكر فى التعريف طريقها الاجتهاد أغنى عن ذكر العملية ،لا بد الأحكام العملية أن تدخل فيها أمور الاجتهاد يعنى هنا الاجتهاد لا بد منه لكن يعنى إذا ما ذكر العملية يعنى كلمة الاجتهاد تغنى فإذا ذكرت زيادة فى الإيضاح لأنه لو قال العلم بالأحكام العملية فقط دون أن يقول التى طريقها الاجتهاد دخلت معك الأخلاق والآداب وأيضا لا مجال للاجتهاد فيها إنما هنا أحكام شرعية ما بين راجح ومرجوح وتقديم أما بعد ذلك هناك أخلاق وآداب متفق عليها لذلك لا تدخل حتى فى دائرة النسخ
يعنى الصدق فضيلة والأمانة والكذب بعد ذلك رزيلة والخيانة هذا مما لا يدخل فى دائرة النسخ ومما يعنى جاءت به جميع الشرائع المباركة فأيضا لا مجال للاجتهاد فيها إنما عندنا نحن أحكام شرعية وهى التى إخوتى الكرام تدور على أمور خمسة الفرض والمستحب والحرام والمكروه والمباح والأحناف بعد ذلك زادوا اثنين كما سيأتينا بعد ذلك ضمن أحكام الفقه فى موضوع الواجب الذى هو دون الفرض والمكروه تحريما الذى هو فوق المكروه ودون الحرام ما يخرج عن هذه القسمة أيضا الخماسية وإن صار شىء من التفريع فيه دقة فالفرض عندهم ما ثبت بدليل قطعى لا شبهة فيه والواجب ما ثبت بدليل ظنى فانحط عن رتبة الفرضية لكن الإتيان به مطلوب ليس هو من بابا الاستحباب على كل حال كما قلت هذا أمر فعندما نقول العلم بالأحكام الشرعية وهى الخمسة من فرض وسنة وحرام ومكروه ومباح كما قلت التى طريقها الاجتهاد عُيِِِِِِِِِِِِن أن تكون تلك الأحكام أحكاما عملية فإن ذكرت الأحكام العملية لا بد من تُتبع أيضا بطريقها الاجتهاد لا بد من أجل أن تخرج يعنى أحكاما عملية لا اجتهاد فيها وهى كما يقال الأخلاق والآداب
أما الأدلة التى تقرر منزلة علم الفقه ومكانته سأذكر كما قلت آية كريمة واحدة وأربعة أحاديث
أما الآية فهى قول الله جل وعلا فى سورة التوبة {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [التوبة/122]
(وما كان المؤمنون لينفروا كافة) النفر هو الانزعاج عن الشىء وإلى الشىء كالفزع إلى الشىء وعن الشىء ،النفر لينفروا من النفر وهو الانزعاج وكما قلت الفزع، الانزعاج عن الشىء وإلى الشىء (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) يعنى بمعنى هنا ينزعجوا يخرجوا خروجا جماعيا إنما يخرج البعض ويبقى البعض كما سيأتينا فى بيان معنى الآية
إذا الانزعاج عن الشىء إلى الشىء كما ذكر ذلك الراغب فى المفردات (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) الفرقة هى الطائفة من الناس أقلهم ثلاثة (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) والطائفة القطعى من الفرقة أقلها واحد هى الواحد فما فوقه كما ثبت ذلك عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) أتى بصيغة التفعل يتفقه ولم يقل ليفقهوا للإشارة إلى أن طلب العلم والفقه يحتاج إلى جد واجتهاد وإلى صبر ومصابرة
تمنيت أن تمسى فقيها مناظرا بغير عناء فالفنون جنون
وليت اكتساب العلم دون مشقة تلقيتها فالعلم كيف يكون
يعنى من أراد أن يبنى بيت دجاجة يتعب ومن أراد أن يكون خليفة النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ينبغى أن يجد وينصب وأما بعد ذلك يعنى المراتب ستصل إليه وهو يعنى بطال فى النهار ونائم فى الليل هذا لا يمكن إخوتى الكرام أن يكون أبدا فلا بد إذا من جد واجتهاد
كان بعض شيوخنا الشيخ جمعة أبو زلام عليه وعلى أهل الإسلام رحمة الرحيم الرحمن ينقل عن والده الشيخ مصطفى أبو زلام وما أدركت عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه كان يقول لهم
العلم كالأسد لا يركبه إلا أسد والأسد لا يسيطر عليه إلا الأسد والتصوف كالحمار يركبه كل أحد ،كالأسد لا يركبه إلا أسد وأما التصوف هذا يركبه كل أحد الحمار كل واحد يركبه
إذا كان موضوع مجرد يعنى يريد أوراد وأذكار وبعد ذلك لا يفكر فى علم ولا فى سهر من أجل يعنى حمل هذا الإسلام والدعوة إلى الرحمن ،يا عباد الله هذا ما حصل كما قلت جدا واجتهادا مع أنه يعنى يمسك السبحة ويطقطق هو على خير لكن شتان يعنى من يركب الأسد وبين من يركب الحمار شتان
لذلك قال الله ليتفقهوا يحتاج إلى صيغة التفعل جد واجتهاد وتعب ونصب وواقع الأمر كذلك (ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)
الإنذار إخوتى الكرام إخبار مقترن بتخويف ويقال أيضا فى تعريفه زجر مقترن بتخويف ،إذا إخبار بأمر مخيف كما أن الإشارة إخبار بأمر مفرح هنا أمر سار وهناك أمر ضار (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) الحذر هو الاحتراز عن مخيف احتراز عن مخيف
إخوتى الكرام معنى الآية ير تبط بتحديد صلة الآية بما قبلها فتحتمل ثلاثة أمور انتبهوا لها واضبطوها أمران يرتبطان بصلة معينة وأمر يرتبط بصلة ثانية فانتبهوا صلة الآية بما قبلها تتحدد فى أمرين اثنين ينتج معنى ثلاثة معان للآية كلها مقبولة منقولة عن أئمتنا:
القول الأول فى بيان صلة الآية بما قبلها وتقدم معنا فى آخر مباحثنا فى تفسير سورة الفاتحة فى علم المناسبات بين السور والآيات وقلت إنه علم جليل شريف فاضل وأكثر لطائف القرآن مودعة فيه الترتيبات والروابط وقلت أُلف فى ذلك كتب مستقلة فى الحكمة من ترابط السور ترتيب السور مع بعضها وترابطها مع بعضها وترتيب الآيات ضمن السورة الواحدة، هنا ما صلة هذه الآية بما قبلها إما أن تكون إخوتى الكرام هذه الآية مرتبطة بما قبلها ولا زالت أحكام الجهاد تتلى علينا وقبلها {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين* ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} [التوبة/120-121]{وما كان المؤمنون لينفروا كافة}
فالآية لا زالت تتحدث عن أحكام الجهاد ومرتبطة بما قبلها إذا كانت الصلة كذلك فمعنى الآية يتحدد فى أمرين اثنين منقولان عن سلفنا الكرام:
الأمر الأول:إذا كانت هذه الآية لا زالت مرتبطة بأحكام الجهاد بآيات الجهاد التى سبقتها فالتفقه التفقه سيحصل ويكون للفرقة المقيمة فلا بد من إضمار فى الآية ماذا يصبح تقدير الآية (فلولا نفر من كل طائفة منهم طائفة) نفر خرج من كل فرقة قلنا جماعة ثلاثة فأكثر منهم طائفة قطعة واحد فما زاد فلولا خرج من كل نفر جماعة بعضهم لأى شىء للقتال فى سبيل الله (فلولا نفر من كل طائفة منهم طائفة) طائفة نفرت وأقامت طائفة ليتفقهوا فى الدين والسبب فى هذا أن إقامة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام كانت أكثر إقامته من غزواته وتقدم معنا غزا ستا وعشرين غزوة فقط وأرسل ستا وخمسين سرية والسبب فى ذلك أحيانا لا يستدعى أن يخرج بنفسه المباركة عليه صلوات الله وسلامه لأن الأمر لا يستدعى ذلك الأعداء قلة ،أحيانا يستدعى الأمر لكن ما عنده ما يحمل المستضعفين ويشق عليهم أن يتخلفوا عنه فى جميع غزواته فيخرج أحيانا مع من يخرج وأحيانا يبقى من يبقى ليجمع بين المصلحتين مصلحة من خرج معهم أحيانا ومصلحة من قعد معهم أحيانا وأولئك يسدون مسده عليه وعليهم صلوات الله وسلامه
إذا يصبح الآية (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) ، طائفة نفرت إلى أى شىء إلى الجهاد وأقامت طائفة مع النبى عليه الصلاة والسلام لتتفقه أما أن يخرج الكل ولا بيقى مع النبى عليه الصلاة والسلام أحد فمن الذى يحمل دين الله ومن يبلغ رسالة الله وأقامت طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم من خرجوا ونفروا لعلهم يحذرون واضح هذا المعنى إخوتى الكرام
هذا المعنى الأول على الصلة الأولى لا زلنا من أوجه الصلة أنها مرتبطة بآيات الجهاد فرقة خرجت وفرقة قعدت لتتفقه
المعنى الثانى وهو منقول عن سيدنا الحسن البصرى ومال إليه جم غفير من المفسرين منهم سيد قطب عليه وعلى المسلمين رحمة رب العالمين من المعاصرين أذكر لكم يعنى كلام الحسن البصرى فهو كلام كما قلت السلف المتقدمين رضوان الله عليهم أجمعين يقول التفقه هنا للفرقة النافرة لا للفرقة القاعدة يصبح معنى الآية فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة هلا لولا كما سيأتينا بمعنى للتحضيض والحث وهو طلب الشىء بإلحاح وشدة فلولا هلا نفر من كل فرقة منهم طائفة هذه الطائفة هى ستتفقه فى الدين متى؟ فى حال نفيرها وخروجها للجهاد فى سبيل ربها كيف هذا؟ لما يرون من عظيم آيات الله كيف تنتصر القلة على الكثرة وكيف يثبت الله أولياءه وينزل السكينة عليهم ويلقى الرعب فى قلوب أعدائهم وهذه كلها مما يشهدها المجاهدون ويغفل عنها القاعدون ما باشروها إذا التفقه هنا كما قلت يعنى هذا التفهم لمعونة الله لنصر الله لتأييد الله لأوليائه سبحانه وتعالى
وحقيقة هذا تفقه عظيم لكن مرتبط بأى شىء ليقين المؤمن وقوة إيمانه لا أنه بذلك سيصبح فقيها يستنبط الأحكام لا ثم لا واضح هذا لكن تفقه فى أمر من الأمور وهو قوى إيمانه بربه وحقيقة يعنى وضع المجاهد يعنى من أقوى الخلق يقينا بالله جل وعلا إذا كان يجاهد من أجل إعلاء كلمة الله
يا إخوتى الكرام روحه فى كفه وعنده أرخص عليه من بصقة ويعلم أن ما قدر كان وأن مغامرته لن تقدم أجله وأن جبنه لن يزيد فى عمره أوليس كذلك؟ ما بعد هذا اليقين يقين وأما القاعد قد أحيانا إن حركته يقول والأهل والأولاد والوظيفة وتراه يتعنت أين إيمانك هذا من إيمان ذاك يعنى هذا لا بد من وعيه هذا مثل الموظف والتاجر أضعف الناس يقينا بالله نحو أمر الرزق الموظفون هو فقط يعول على الراتب كل شهر لو تأخر عشر أيام المسكين لا يعرف كيف يعيش يدبر نفسه أما التاجر حقيقة هذا مثل الطير يغدو خماصا ويروح بطانا هو ما علق همته على شىء معلوم يأتيه من فلان وفلان يفتح الدكان يقول باسم الرحيم الرحمن ما جاءه نعمة وخير وبركة وهكذا المزارع أما أضعف الناس يقينا بامر الرزق الموظفون ولذلك تراه فى منتهى الخوف من أجل يعنى الفصل كأنه إذا فصل سيموت جوعا يا عبد الله أنت عبد لله وسيرزقك الله لو كنت فى مغرات ليس فى مغارة وعندما كنت فى ظلمات ثلاث كان يأتيك رزق من حيث لا تحتسب فبعد أن مشيت على الأرض وقلت لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام سينساك ذو الجلال والإكرام لكن كما قلت ربط يقينه بشىء محسوس معلوم وكل شهر يستلم على تعبير الناس الفيزات إذا ما جاءت تكون مشكلة كيف سأطعم عيالى ولذلك كان دائما السلاطين فى جميع العصور يهددون الموظفين بقطع رواتبهم
الأب نعيم الفضل ابن ذكيل رضى الله عنه وأرضاه ما كان له راتب كما هو الحال فى هذه الأيام لكن لهم عطاء لما يعنى لما كُلم من أجل كلمه المأمون من أجل خلق القرآن ومحنة خلق القرآن ومن أجل أن يجيب وأن القرآن مخلوق فامتنع فلجلالته وكبر سنه ما يعنى بطشوا به ولا عذبوه إنما هدده فقط قال أقطع عطاءك فقطع زره من قميصه ورمى به وجه الخليفة وقال والله ما دنياكم عندى إلا أهون من هذا الزر إن قطعت عطائى قطع رزقى؟ دنيكم من أولها لآخرها مثل هذا الزر خذ هذه الدنيا نزعتها من يدى وذهب
لكن التهديد هنا أقطع عطاءك وهنا إخوتى الكرام المجاهد إذا التفقه لمن للفرقة النافرة الخارجة فى سبيل الله أى لتقاتل من أجل إعلاء كلمة الله فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة لمَ قال ليتفقهوا فى الدين ليشهدوا يعنى شهود العيان نصر ذى الجلال والإكرام لأهل الإيمان
يقول سيد قطب عليه رحمة الله وهذا الدين دين حركى وفقهه لا يظهر إلا فى الحركة وكلامه حق لكن كما قلت فى جانب معين وهو فى ما يتعلق بتقوية يقين الإنسان وإيمانه لا يعنى أنه إذا حضر غزوة سيصبح كأبى حنيفة وأن هذه الغزوة يعنى تفتح عليه آفاق العلم ليستنبط أحكاما شرعية من عبادات ومعاملات وعقوبات لا قف عند حدك أنت فى جانب كما قلت حقيقة تميزت على غيرك وشهدت كما قلت يعنى نصر الله لعباده فصار لك فقه ووعى وفهم فى الإيمان ما حصل لكثير من أهل الإيمان
هذا كله على أن هذه الآية مرتبطة بما قبلها لا زالت آيات الجهاد تتلى علينا
وقيل وهو وجه الصلة الثانية إن هذه الآية كلام مبتدأ بعد أن ذكر الله عبادتين لا تحصلان إلا بسفر الهجرة {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} [التوبة/40]
هذا نوع من العبادات لا يحصل إلا بسفر ونوع من العبادات وهو الجهاد وأكثر آيات التوبة تتحث عن {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} [التوبة/41]
والآيات قبل هذه {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله} عليه الصلاة والسلام
إذا ذكر عبادتان لا تحصل واحدة منهما إلا بسفر هجرة وجهاد بعد هذا
ذكر الله نوعا ثالثا من أنواع العبادات وهو طلب العلم أيضا لا يحصل إلا بالرحلة إلا بالسفر كما حصلت الهجرة بالسفر وحصل الجهاد بالسفر هنا طلب العلم أيضا يحصل بالسفر فذكر الله عبادة ثالثة فاضلة وهى طلب العلم التى أيضا تشارك العبادتين المتقدمتين فى طريق حصولها وهى السفر فقال وما كان المؤمنون انتبه لينفروا كافة فى أى شىء فى طلب العلم ليخرجوا جميعا ليتعلموا ويتركوا بلادهم ومصالحهم فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة يكفى أن يذهب من هذا الحى واحد سيتعلم ثم يعود إليهم ينذرهم ويحذرهم فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم أى بعد تعلمهم لعلهم يحذرون
قال الإمام الرازى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا لفظ الآية دليل على السفر فى طلب العلم وإن كان الإنسان يحصل العلم فى بلده من غير سفر وإن كان يقول فيبقى وقد رأينا أن العلم المبارك المنتفع به لا يحصل إلا بسفر ولذلك إخوتى الكرام يعنى عدد من أئمتنا دار الدنيا منهم الإمام المبجل أحمد ابن حنبل رضى الله عنهم أجمعين رحل أربع مرات يدور الدنيا وكلما كثرت رحلة الإنسان كلما كثر علمه وأخذ علم أهل المشرق وأهل المغرب عندما دار هذا حقيقة وإن كان العلم يحصله فى بلاده فالسفر أنفع له
العلم المبارك ما يحصله الإنسان عن طريق السفر والسبب أنه تعب فى تحصيله فإذا يجد ويجتهد فى العمل به وفى الدعوة إليه
أما فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام فالعلم واضح لا يحصل الأمر واضح لا يحصل العلم إلا بسفر فهو مشكاة العلم عليه الصلاة والسلام فكأن الله يقول يا معشر العباد لا يلزمكم أن تهاجروا جميعا لو من كل قوم ذهب واحد أو اثنان إلى النبى عليه الصلاة والسلام فتعلم أو تعلما ثم عاد أو عادا إليكم لكفى
ولذلك اتفق أئمتنا على أن هذه الآية نص صريح فى قبول خبر الواحد والأحاديث فى ذلك متواترة كان النبى عليه الصلاة والسلام يرسل رسله آحادا ليبلغوا دعوة الله جل وعلا وليبينوا أحكام الله فخبر الواحد الثقة كاف فى الحجة والعمل به وهنا فلولا نفر من كل فرقة كما قلنا أقلهم ثلاثة منهم طائفة يشمل الواحد فما فوقه إذا لو واحد خرج وتعلم وعاد ثم أنذر وحذر لقبل ذلك منه (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)
إخوتى الكرام عندنا كان مبحث لطيف فيما يتعلق بلولا وكما قلت هى للتحضيض وبمعنى هلا وهى طلب الشىء بإلحاح ورغبة كيف تركب هذا المعنى فيها لأنها مركبة من هل الاستفهامية هل ولا النافية لا أشرح هذا فيما يأتى وماذا يكون معناها إذا دخلت على المضارع وعلى الأمر ضمن هذه الآية فلولا نفر من كل فرقة لولا هلا لو كلها بمعنى واحد تفيد طلب الشىء كما قلت بإلحاح بغضبة بشدة
هذا أتكلم عليه فيما يأتى إن شاء الله
وأما الأحاديث الأربعة أذكرها أيضا فى اول الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه فى بيان فضل التفقه فى دين الله عز وجل
كان فى نيتى أن ننتهى منها فى هذه الموعظة وقدر الله وما شاء فعل فلا أريد أن أطيل أكثر من هذا والموعد كما قلت سابقا من الساعة إلى الساعة والربع يعنى إذا زادت بعد العشاء فى ذلك شىء من المشقة
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
اللهم إنا نسألك من كل شىء أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا
اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا
اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه
اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا
والحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته