المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الموعظة العاشرةرجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٦٤

[عبد الرحيم الطحان]

الفصل: ‌الموعظة العاشرةرجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع

رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع

الموعظة العاشرة

(من خطب الجمعة)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

بسم الله الرحمن الرحيم

‌الموعظة العاشرة

رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع

الحمد لله، نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا.

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما، وهدانا صراطا مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (1) .

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عميا، وآذاناً صما، وقلوباً غلفا، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمّن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (2) .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (3) .

(1) سورة فاطر: 3

(2)

) ) سورة النساء: 1

(3)

) ) آل عمران: 102

ص: 1

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (1) .

أما بعد: معشر الإخوة المؤمنين..

أفضل البقاع وأحبها إلى رب الأرض والسماء المساجد، فهي بيوت الله في الأرض، وفيها نوره وهداه، وقد وصف الله الذين يعمرونها ويتواجدون فيها بأنهم رجال، ثم نعتهم بأربع خصال تدل على أنهم أهل الرشد والعقول والكمال {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وإِقَامِ الصَّلاةِ وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ} (2) لا يلهيهم عرض الدنيا ومتاعها، هذه الصفة الأولى يعظمون الله، فيصلون له، ويذكرونه سبحانه وتعالى، يشفقون على عباد الله، ويحسنون إليهم، فيتصدقون عليهم، ويواسونهم، ثم هم في أتم استعدادٍ ليوم الميعاد {يَخَافُونَ يَوْمَاً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ والأبْصَارُ} وهذه الصفات التي نعت الله بها الرجال الذين يعمرون بيوته في هذه الحياة ينبغي أن نقف عندها، لنتصف بها، ونسأل الله أن يجعلنا من أهلها، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

الصفة الأولى:

يلهي من يعمرون بيوت الله عرض الدنيا ومتاعها، لا يلهيهم ذلك ولا يشغلهم عما أوجب الله عليهم، وعن الغاية التي خلقوا من أجلها {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} وعند هذه الآية المباركة يوجد تنبيهان ينبغي أن نقف عندهما على وجه الاختصار.

(1)) ) سورة الأحزاب 70، 71

(2)

) ) سورة النور: 37

ص: 2

التنبيه الأول: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} فأثبت الله لهم التجارات والبيوع في هذه الحياة، وهذا من كمال رجولتهم، لئلا يحتاجوا إلى غير ربهم جل وعلا؛ فهم يزاولون البيوع والتجارات في هذه الحياة؛ لكن لا يشغلهم ذلك طرفة عين عن الحقوق والواجبات، وعن طاعة رب الأرض والسماوات، وهذا المعنى هو المعنى الحق الذي ينبغي أن تفسر به الآية، ولا يجوز أن تحمل على غير ذلك، وما ذهب إليه بعض الناس، من أن الله جل وعلا نفى التلهي والالْتِهَاءَ عن من يعمرون بيوته لعدم وجود تجارةٍ وبيعٍ عندهم؛ فهو معنىً ركيك، ينبغي أن يتنزه عنه كلام الله جل وعلا، قال الإمام الألوسي عليه رحمة الله:"إنما أثبت الله لهم البيوع والتجارات، وأخبر أن هذه البيوع، وتلك التجارات لا تلهيهم عن طاعة رب الأرض والسماوات؛ فهذا أمدح لهم وأحسن في أوصافهم، فعندهم عرض الدنيا لكن في الأيدي، ولا أثر له في القلوب، وإذا نادى منادي طاعة الله جل وعلا أسرعوا إليه ولبوه". وقال الإمام الرَّازي: "هذا المعنى الذي قاله بعض الناس فاسدٍ باطل؛ فلا يقال فلانٌ لا تلهيه تجارته ولا بيعه إلا إذا كان يزاول البيع والشراء؛ فهم يزاولون البيوع ويعملون التجارات في هذه الحياة، لكنَّ ذلك لا يشغلهم عن طاعة رب الأرض والسماوات.

ص: 3

الأمر الثاني: أما ما يتساءل عنه كثيرٌ من الناس، لمَ ذكر الله البيع بعد التجارة وما البيع إلا نوعٌ من التجارة؛ فالتجارة بيعٌ وشراء، وأخذٌ وإعطاء، فلم خُصَّ البيع مع أنه يدخل في ضمن التجارة؟ وهل تكون التجارة دون أن يبيع الإنسان ويشتري؟ لا، ثم لا؛ فالتجارة قائمة على أمرين؛ يشتري التاجر ما يشتريه، ثم بعد ذلك يبيعه لحصول ربحٍ فيه، فعلامَ خص الله البيع بعد التجارة وهو داخلٌ في التجارة؟ ولِمَ لَمْ يذكر الله جل وعلا الشراء بعد التجارة كما ذكر البيع؟ فالبيع يدخل في التجارة والشراء يدخل في التجارة فعلامَ ذكر الله البيع بعد التجارة دون الشراء؟ وما الحكمة من ذكر هذا الخاص بعد دخوله في لفظ التجارة؟ إنما ذكر الله البيع بعد التجارة لثلاثة أمورٍ معتبرة:(1) لأن البيع هو أدخل في الإلهاء من الشراء من ثلاثة أوجه:

فالتجارة بيعٌ وشراء؛ لكنَّ التلهي والاشتغال يكون في البيع أكثر ما يكون في الشراء وذلك من ثلاثة أوجه كما قرر هذا أئمتنا العلماء:

أولها: البيع في الغالب الربح فيه مضمونٌ متيقنٌ، وأما الشراء فربح فيه غيبٌ مستقبل، وذلك مظنونٌ أو مشكوكٌ فيه.

التاجر عندما يبيع السلعة في الغالب حصل ربحاً، وأما عندما يشتري الأمر موقوف على المستقبل، قد يباع السلعة بربحٍ وقد تباع بخسارة، وأما البيع فهذا ربحٌ متيقنٌ؛ فلا يلهيه البيع والشراء، لا تلهيه التجارة، ثم ذكر ما هو أدخل في الإلهاء، وما ينبغي أن يُنَصَّ عليهُ لبيان قدر هؤلاء الرجال، وكمال عقولهم، وطاعتهم لربهم. هذا البيع الذي فيه الربح متيقن إذا حان وقت طاعة الله جل وعلا والإحسان إلى عباد الله، يقومون بذلك على وجه التمام، ولا يشتغلون بالبيع الذي الربح فيه - كما قلنا - حاضر متيقنٌ لا شك فيه.

ص: 4

الأمر الثاني: البيع في الغالب يكون مقابل إعطاء سلعة وأخذ نقد، وأما الشراء ففي الغالب أن يعطي الإنسان نقداً ويأخذ سلعة، والنفوس البشرية تتعلق بالنقد وتميل إليه أكثر من ميلها إلى السلع، إذاً البيع محبوبٌ إلى النفس أكثر من الشراء؛ من أجل أن يحصِّل الدراهم والدنانير ويملأُ جيبه من هذه الفلوس، فالتلهي في البيع أكثر من التلهي بالشراء؛ ولذلك خصه الله جل وعلا بعد التجارة بالذكر.

والأمر الثالث: وهو معتبرٌ أيضا، التجارة يمكن أن تكون عن طريق الجلب، وأن يجلب الإنسان البضائع والسلع من أماكن أخرى بواسطة من يحملها له، وأما البيع فيكون عندما يُصَرِّفُها عن طريق يديه وبيديه، فالإلهاء بالبيع أكثر من التجارة التي تجلب من كل جهةٍ، ومن كل مكان، عن طريق من يحملها، ومن يُوصلها إليه.

{لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} إذاً عروض: الدنيا أمتعتها، زخرفها، زينتها، لا يشغلهم ذلك عما أوجبه الله عليهم.

عباد الله: كيف ينتهي هؤلاء الرجال العقلاء بمتاع الدنيا وزينتها، وكلها سريعة الزوال إلى فناءٍ، لا تبقى ولا تدوم، وليس لها عند الحي القيوم أي وزنٍ وأي اعتبار، كيف يتلهى هؤلاء الرجال، الذين نُعِتُوا بأنهم رجال؟ كيف يتلهون ويشغَلَون بمتاع الدنيا وزينتها؟ والدنيا من أولها وآخرها ليس لها قدرٌ عند ربها جل وعلا.

ص: 5

ثبت في سنن الترمذي وسنن ابن ماجه، والحديث رواه الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة، الطبراني في معجمه الكبير، وأبي نعيم في الحلية، البيهقي في شعب الإيمان، وإسناده صحيح من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضةٍ ما سقى كافراً منها شربة ماء] سبحان ربي العظيم؟؟ الدنيا من أولها لآخرها بجميع أمتعتها وزخارفها، لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولو كان لها هذا المقدار عند العزيز القهار، ما سقى الكفار في هذه الحياة شربة ماء، ولا جرعة ماء، لهوانهم على ربهم جل وعلا، لكنَّ هذه الدنيا لا وزن لها، ولا قدر لها، فيعطيها الله لمن يحب ولمن يكره، [لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضةٍ ما سقى كافر منها شربة ماء] فكيف يتلهى العقلاء بالتجارة والبيوع عن طاعة رب الأرض والسماوات؟ وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن كل ما في هذه الدنيا ملعون، إلا ما أريد به وجه الحي القيوم، فكيف يتلهى هؤلاء المؤمنون الموحدون، الذين يعكفون في بيوت الله، ويذكرون الله، كيف يتلهون ويُشْغَلون بالبيوع والتجارات؟ ثبت في سنن الترمذي، وابن ماجه، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث روي عند عدة من الصحابة الكرام روي عن عبد الله بن مسعود عن أبي الدرداء، وعن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهم أجمعين، والحديث إسناده صحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال [الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، وعالماً، أو متعلما] .

ص: 6

الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله، وما والاه، وعالماً، أو متعلما، وفي بعض رواة الحديث [الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما أريد به وجه الله منها] وفي بعض الروايات [الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما أريد به وجه الله منها، إلا ما ابتغي به وجه الله] وفي بعض الروايات [الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا أمر بمعروفٍ، أو نهيٍ عن منكر، أو ذكر الله جل وعلا] وخلاصة الكلام كل ما في هذه الدنيا ملعون، إلا من أطاع الحيَّ القيوم، الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، وعالماً، أو متعلما، فكيف يتلهى هؤلاء الأخيار بهذه الدنيا التي ليس لها قدر واعتبار عند العزيز الغفار سبحانه وتعالى.

إخوتي الكرام: أخبرنا الله في كتابه في كثير من الآيات عن حقيقة هذه الدنيا، وعن أحوالها، فكيف يركن إليها من يعمرون بيوت الله، ونُعِتُوا بأنهم رجال؟ يقول الله جل وعلا في سورة الأنعام {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلْذِينَ يَتْقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ} (1) الحياة الدنيا في سرعة زوالها وقصر أيامها، حالها كحال من يلعب بشيءٍ ويتلهى به، سرعان ما يزول، وسرعان ما ينقضي، وهكذا الحياة الدنيا.

(1)) ) سورة الأنعام: 32

ص: 7

والمعنى الثاني للآية الكريمة {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} ما أمرها من أولها لآخرها، وما حال من يركن إليها إلا لعبٌ ولهوٌ، كحال لاعبين عندما يلعبون هم يلعبون فسيزولون ولعبهم، لا قيمة له، ولا وزن، ولا اعتبار {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلْذِينَ يَتْقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ} قال أئمتنا المفسرون: في ذلك إشارة إلى أن أمور التقوى في هذه الحياة ليست من الدنيا {وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلْذِينَ َيَتْقُون} اتقوا الله في هذه الحياة؛ فعظموه وأطاعوه؛ فهؤلاء ما بِاللَّهْوِ ولا باللعب.

إخوتي الكرام:

وإذا قرن الله بين اللعب وبين اللهو في كتابه، فيفترقان من حيث المعنى افتراقاً لطيفاً، مع أن كل منهما يدل على أن صاحب اللعب وصاحب اللهو اشتغلا بالباطل، لكن بينهما مفارقةً عندما يقترنان؛ إذا قرن اللعب باللهو، فمراد من اللعب أن الإنسان يشتغل بالباطل، وقد يفعل الحق، وقد لا يفعله، قد يقوم بالواجب، وقد لا يقوم به، وأما إذا ذكر اللهو بعده، دل على أنه اشتغل بالباطل مع إعراضه عن الحق وعدم المبالاة به، وأما اللعب فقط، فقد يلعب الإنسان ويشتغل بالباطل، ثم يقوم بالواجبات وبالحقوق، ويقوم بشيءٍ منها، ولا يلزم من ذلك أن يعرض عنها، أما اللهو فقد لهى قلبه عنه، وأعرض قلبه عن هذا الحق، بحيث اشتغل بالباطل مع نفرةٍ من الحق وكراهيةً له، وهكذا حال الحياة الدنيا

ص: 8

{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَعِبٌ} : اشتغالٌ بأمور الباطل، {ولهو} : إعراضٌ عن الحق مع اشغال بالباطل، هذا حالها، وهذا أمرها، وهذا حال من يركن إليها، ويستقر فيها، إلا المتقين، {وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتْقَوْا أفَلا تَعْقِلُونَ} وقال جل وعلا في سورة العنكبوت:{وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدَّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِي الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (1) ، {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} .

(1)) ) سورة العنكبوت: 64

ص: 9

حيوان: أي حياة كاملةٌ تامة، من حيَّ، والأصل أن يقول: حَيَيَان قال أئمتنا قلبت الياء الثانية واواً، فصارت حيوان، حياة كاملة، وإنما أتى بصيغة فَعَلان؛ ليدل على الحياة والإطراب والبهجة والكمال والتمام، لأن ذلك يقابل السكون الذي يكون عن طريق الموت (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) ؛ أي الحياة الكاملة التي فيها بهجةٌ وحيويةٌ ونشاطٌ على وجه التمام والكمال {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} (1) ، {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِي الْحَيَوَانُ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} إذاً هذه الحياة الدنيا لهو ولعب، {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدَّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنَّ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكَمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} (2) كما قال الله في سورة محمد، على نبينا صلوات الله وسلامه، وهكذا قَصَّ الله علينا حال الدنيا في كثيرٍ من الآيات في كتابه فقال جل وعلا في سورة الحديد:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدَّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأمْوَالِ وَالْأوْلَادِ كَمَثِلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُه ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرَّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَامَاً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدَّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (3) يتمتع بها على وجهٍ ما، ثم تنقضي وتزول، لكنَّ هذا المتاع الزائل يَغْتَرُّ به كثيرٌ من ضعاف العقول، لا يغتر بذلك الرجال الذين يذكرون الله في بيوته في هذه الحياة، {رِجَالٌ} ، {وَمَا الْحَيَاةُ الدَّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} لا يغتر بها إلا من اغتر عقله، ولم يكن رجلاً {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكَمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ

(1)) ) سورة ق: 22

(2)

) ) سورة محمد: 36

(3)

) ) سورة الحديد: 20

ص: 10

زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدَّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (1) .

عباد الله: ولذلك نهانا الله جل وعلا من التلهي بها، والاشتغال بها، والعكوف عليها، بحيث يشغلنا ذلك عما أوجبه الله علينا، فقال جل وعلا في سورة المنافقون:{يَا أَيَّهَا الذِّينَ آمَنُوْا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلا أَوْلَادَكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وأَنْفِقُوْا مِنْ مَا رَزَقْنَاكَمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أخَّرْتَنِي إِلى أجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ *وَلَنْ يُؤَخِّرُ اللهُ نَفْسَاً إِذَا جَاءَ أجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (2) وقد أخبرنا الله جل وعلا عن حال الضعفاء ضعاف العقول عن حال الأنذال في هذه الحياة، أنهم أقبلوا على اللهو واللعب، واشتغلوا بذلك عن طاعة الله جل وعلا قال الله جل وعلا في أول سورة الأنبياء - على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه -:{اقْتَربَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} (3) لفظ الناس من أسماء العموم، وكل ما ورد من صيغ الذم بألفاظ العموم في كلام الحي القيوم يخرج منه المهتدون، يخرج منه الصالحون، فلا يدخلون في ألفاظ الذم العامة، إنما تلك تنال العُصَاةَ والكافرين {وَالْعَصَرَ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الذِّينَ آمَنُوْا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِ وَتَوَاصَوْا بِالصَبِر} (4) ، {لَقَدْ خَلَقَنَا الإنْسَانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ فِي أسْفَلِ سَافِلِينَ * إِلا الذِّينَ آمَنُوْا وَعَمِلُوا

(1)) ) سورة آل عمران: 185

(2)

) ) سورة المنافقون: 9 – 11

(3)

) ) سورة الأنبياء: 1

(4)

) ) سورة العصر: 1- 3

ص: 11

سبحان ربي العظيم؟؟ لعبوا فاشتغلوا بالباطل، ثم أعرضوا بعد ذلك عن الحق، على وجه التمام والكمال، وعادوه ونفروا منه عندما اشتغلوا بالتلهي، {لاهية قلوبهم} ، {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبَّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} (1) فجمعوا بين اللعب واللهو، اشتغلوا بالباطل، ثم أعرضوا بعد ذلك عن الحق، على وجه التمام والكمال، ليتهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم، إنما لعبوا واشتغلت قلوبهم بعد ذلك باللهو والأعراض والنُفْرَةِ عن كلام رب العباد، {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبَّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وأسَرُّوا النَّجْوَى الذِّينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأنْتُمْ تُبْصِرُونَ * قَالَ رَبِي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2) وأخبرنا الله جل وعلا عن مثل هذا في أول سورة الحجر فقال جل وعلا:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الذِّينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} (3) وذلك عندما يرون عصاة الموحدين، الذين عملوا الباطل، ومن انحرف بعد ذلك عن الحق، ولا أعرضوا عنه على وجه التمام، إنما خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، عندما يخرجون من نار الجحيم، بعد أن يعذبوا، يتمنى الكفار لو أسلموا في هذه الحياة، ونطقوا بتوحيد رب الأرض والسماوات {رُبَمَا يَوَدُّ الذِّينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِيهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (4) .

(1)) ) سورة الأنبياء: 2، 3

(2)

) ) سورة الأنبياء:2- 4

(3)

) ) سورة الحجر: 1، 2

(4)

) ) سورة الحجر: 2، 3

ص: 13

إذاً عباد الله: الأبرار الرجال العقلاء، أهل الكمال، الذين يوحدون الله في بيوته، ويشهدون الصلوات، ومجالس الخير في هذه البيوت، لا تلهيهم البيوع، ولا التجارات، وهذان الوصفان ينبغي أن نقف عندهما، آخذ الوصف الأول؛ ألا وهو وجود بيوعٍ وتجارات واكتساب رزق من قبل المؤمنين الذين يعبدون الله في المساجد، وأما الوصف الثاني، وهو متعلق بعدم الالتهاء من هذا المال، وعدم الانسياق معه في جميع الأحوال، يأتي الكلام عليه -إن شاء الله- في الموعظة الآتية، إن أحيانا الله.

عباد الله: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} (1) لهم تجارات، وعندهم بيوعٌ يقومون بها، فهم يعبدون الله، ثم يكدحون في هذه الحياة، وهذه من صفات الكمال فيهم، وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن طلب الرزق -في هذه الحياة عن طريق ما أحل الله- واجبٌ واجبٌ على كل مسلم، فمن فرط في ذلك، وهو مستطيع ثم تعرض لهذا أو ذاك؛ فهو عاصٍ لله جل وعلا معجم الطبراني الأوسط بإسنادٍ حسن من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه: قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [طلب الحلال فريضة على كل مسلمٍ] طلب الحلال فريضةٌ على كل مسلم، كما أن العلم ينور قلوبنا، نطلب الحلال والقوت؛ من أجل أن نغذيَ أبداننا، لئلا تكون بنا حاجةً إلى أحدٍ من خلق الله، حاجتنا إلى ربنا جل وعلا.

(1)) ) سورة النور: 37

ص: 14

[طلب الحلال فريضة على كل مسلم] وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن خير لقمةٍ يدخلها الإنسان جوفه هي ما يكتسبه عن طريق يده، ثم بين لنا أن أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، كانوا يتصفون بهذا الوصف، فكانوا يكدحون ويعملون، ويأكلون من كسب أيدهم، ومن عمل يمينهم، ثبت في مسند الإمام أحمد، وصحيح البخاري، والحديث رواه الإمام ابن ماجه، وغيرهم، والحديث صحيحٌ صحيح، فهو ثابت في صحيح البخاري، من حديث المقدام بن معد كرب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [ما أكل أحدٌ طعاماً قطُ خيراً من أن يأكل من عمل يده وإنَّ نبي الله داود كان يأكل من عمل يده] .

نعم كان الأنبياء ينزلون إلى الأسواق، ويعملون، وليس في ذلك منقصةٌ، ولا ابتذال، إنما المنقصة والابتذال أن يكون الإنسان عالة على غيره، {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الْطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرَاً أوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إنَّ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} (1) وأي منقصة إذا دخل الإنسان إلى السوق، وباع واشترى، وقد كان أنبياء الله الكرام -عليهم جميعاً الصلاة والسلام- وهذا أفضل الكسب [ما أكل أحدٌ طعاماً قطُ خيراً من أن يأكل من عمل يده وإنَّ نبي الله داود -عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه- كان يأكل من عمل يده] .

(1)) ) سورة الفرقان: 7، 8

ص: 15

فإذا كنا ندخل بيوت الله لذكر الله، وعبادة الله، فعلينا واجبٌ آخر؛ ألا وهو السعي من أجل تحصيل الرزق والإحسان إلى عباد الله بعد ذلك، فنحن ممن يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ونحن ممن يعظمون الله، ويحسنون إلى عباد الله، ويشفقون على خلق الله، وأما أن يمد الإنسان يديه إلى غيره، فهذه النذالة، وهذا هو النقصان ولا يمكن أن يتصف المؤمن بهذا، إلا إذا وصل إلى حد الضرورة، بحيث لو لم يجد لمات، ومع ذلك فلو مات لكان عدم سؤاله أولى، لو مات وما سئل غير الله، لكان هذا خيراً له في هذه الحياة، وبعد الممات، وإذا جاع الإنسان ولم يسأل حتى مات، فلا إثم عليه، ولا حرج، نعم إذا كان عنده طعام، وما أكله حتى مات، فهو من أهل النار، أما إذا ما سئل أحداً من خلق الله وقال السؤال ذل، أنا عندما أسأل غير الله جل وعلا أضيع حق الله فقد أمرني الله أن أسأله [إذا سئلت فسأل الله] ، فكيف أصرف هذا السؤال إلى عبدٍ لا يملك لنفسه -فضلاً عن غيره- نفعاً ولا ضرا؟ ثم بعد ذلك أظلم هذا العبد، وأعتدي عليه، وأضجره، فأحب ما عند الناس من أموالهم التي اكتسبوها، وأنا عندما أحرجهم بالسؤال، وآخذ منهم هذه الأموال؛ فقد آذيتهم، وأضجرتهم، ولذلك قال الله:{وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَلَكُمْ * إِنَّ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} (1) ، أي أن الله جل وعلا، ما أمرنا أن نتصدق بجميع أموالنا، وإذا بالغ في الطلب، وطلب منا أن نتصدق بجزءٍ كبير، بخل بذلك عددٌ كثير، إنما فرض الله نصيباً معلوماً، مقدراً يسيراً، فأنت كيف إذاً تضجر هؤلاء الناس، وتأخذ منهم ما جمعوه وما أخذوه، إن أعطوك عن طيب نفسٍ فبها ونعمة، وأما الإلحاح هذا، في حال حاجة النقص فكيف في عدم الحاجة؟ والأمر الثالث تذل نفسك أيها الإنسان، أنت عبدٌ للرحمن ما يرضى الله أن تتذلل إلا له، كيف تريق مال وجهك من أجل أن تأخذ من فلانٍ، أو من غيره، ولذلك [ما أكل أحدٌ طعاماً

(1)) ) سورة محمد: 36، 37

ص: 16

قط خير من أن يأكل من عمل يده] إذا كنا نشهد بيوت الله؛ فينبغي أن يكون عندنا عزاً، وينبغي أن يكون عندنا مروءة، وينبغي أن يكون عندنا شهامة، نحن عباد الله في هذه الحياة، ليس لنا إلى غير الله حاجة.

{لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وإِقَامِ الصَّلاةِ وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} (1) وقد أخبرنا نبينا أن الذين يحرزون المال من طريقٍ حلال، ويكون عندهم ثروةٌ طائلة ينتفعون وينفعون، فنعم ما فعلوا، ولهم أجرٌ كبيرٌ عند الله جل وعلا، ثبت في مسند الإمام أحمد، ومستدرك الحاكم، والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير والأوسط، ورواه ابن سعدٍ في الطبقات، والبيهقي في شعب الإيمان، وإسناده صحيحٌ كالشمس من رواية عمرو بن العاص، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:[نِعِمَّا المال للرجل الصالح] ، [نعم المال الصالح للرجل الصالح] ، فهؤلاء العباد لهم تجارات، ولهم بيوع، ولكن ذلك لا يشغلهم عن طاعة الله جل وعلا [نِعِمَّا المال للرجل الصالح] .

(1)) ) سورة النور: 37

ص: 17

عباد الله: إن استغناء الإنسان عن غيره، عندما يبيع ويشتري، هذا عزٌ له في هذه الحياة، ورفعةً لقدره بعد الممات، ثبت في مستدرك الحاكم، ومعجم الطبراني الأوسط، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أتاني جبريل فقال لي يا محمد -على نبينا صلوات الله وسلامه- عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وأن عز المؤمن استغنائه عن الناس] وأن عز المؤمن استغنائه عن الناس، فأنت أيها العبد الذي تدخل في بيت سيدك في هذه الحياة، ينبغي أن يكون لك حرفة، وينبغي أن يكون لك مهنة، ولا عار ولا منقصة إذا دخلت السوق، أو إذا ذهبت لتحتطب، أو إذا سافرت لتتاجر، فهذا نعت المؤمنين الذين يعبدون رب العالمين في هذه البيوت، {لا تُلهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} (1) عندك بيوع، وعندك تجارات تكتسب وتنتفع وتنفع، لكنَّ هذه التجارات لا تشغلك ولا تلهيك عن الواجبات.

[عز المؤمن استغنائه عن الناس] .

(1)) ) سورة النور: 37

ص: 18

عباد الله: إن الرزق مقسوم كما يقال، وإن العمر محتوم، وإذا كان الأمر كذلك، فنحن نتعرض لنفحات الحي القيوم، نكدح في الأسواق، ونعمل في المزارع، ونزاول التجارات، ونبيع ونشتري، لكن كما قال الله:{لا تُلهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} (1) ، إننا عندما نتعرض لتحصيل فضل الله ورزق الله، نعلم أنه لن يأتينا إلا ما قسم لنا، ولن يأتينا إلا ما تَفضَّل به ربنا علينا، فهذا المقسوم محض فضلٍ من الحي القيوم، وهذا يكسب أبداننا راحةً، فلا نلهث وراء المال، كما تلهث السباع الضارية في البرِّيَّة، ويكسب قلوبنا قناعةً، فنعلم أن ما قدر لنا سيأتينا، إنما حالنا كما قال الله:{هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (2) ، ذَلْلَّهَا ويسرها من أجل أن نمشي عليها، فلا نقاسي فيها عنتاً ولا شدةً، من أجل أن نحصل الرزق والخير والبركة {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} هذا من رزق الله، ومن فضل الله، والرزق الذي يحصله الإنسان في هذه الحياة محض فضلٍ وكرمٍ من رب الأرض والسماوات، كما قال جل وعلا في سورة الجمعة:{يَا أيَّهَا الذِّينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنَّ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} (3) فالرزق الذي نحصله محض فضلٍ وكرم من الله جل وعلا، {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرَاً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (4) وهكذا أخبر الله عن الرزق في كثير من الآيات بأنه محض فضلٍ وكرم، يعطيه الله من يشاء من عباده، فقال جل وعلا: {

(1)) ) سورة النور: 37

(2)

) ) سورة الملك: 15

(3)

) ) سورة الجمعة: 9

(4)

) ) سورة الجمعة: 10

ص: 19

رَبُّكُمُ الذِّي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحَرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيِمَا} (1) لتبتغوا من فضله: لتحصلوا الرزق والتجارة في البر والبحر، {رَبُّكُمُ الذِّي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحَرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيِمَا} .

والله جل وعلا فاوت بين عباده في أمر الرزق، لتتم مصلحة الكون، وليتم أمر الناس والعالم، فهذا غنيٌ، وذاك فقير، وهذا الغني يستعمل الفقير في عملٍ، فيعطيه عليه أجرة، وينتظم نظام الكون، ولله جل وعلا حكمة في ما خلق وقدر، كما قال جل وعلا في سورة الزخرف:{وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرَآنَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَينِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعَضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً سُخْرِيَّا} (2) أي بالتسخير والعمل، والقراء والأجرة {لِيَتَخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً سُخْرِيَّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمِّا يَجْمَعُونَ} (3) .

(1)) ) سورة الإسراء: 66

(2)

) ) سورة الزخرف: 32

(3)

) ) سورة الزخرف: 32

ص: 20

ثم أخبرنا الله جل وعلا أن ذلك في هذه الحياة لا وزن له عند رب الأرض والسماوات، فقال جل وعلا: هذه الدنيا حقيرةٌ مهينة، ولو أردت أن أعطيَ الكافر ما يستحقه في هذه الحياة، لجعلت له من النعيم ما يخطر ببال أحد، لهوان الدنيا على الله جل وعلا، فقال:{وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمِّا يَجْمَعُونَ * وَلَوْلا أنَّ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} (1) أي: على الكفر، فيكفر ضعاف العقول عندما يعطى للكافر من النعيم؛ لأنه كفر {وَلَوْلا أنَّ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجْعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقْفَاً مِنْ فِضَةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلبيوتهم أبواباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفَاً وَإِنَّ كُلُ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَقِينَ} (2) إذاً عباد الله نحن بهذا الرزق نتعرض لطلبه، نتعرض لنفحات الله جل وعلا، ونوقن أن ما قدر لنا سيأتينا فلا ننصب ونتعب أبداننا، ولا ندخل القلق والهم إلى قلوبنا، قلوبنا فيها القناعة، وأبداننا فيه الراحة، وما قدر لنا سيأتينا، وزاولنا بعد ذلك أمور البيوع والتجارات، والرزق.

(1)) ) سورة الزخرف: 32، 33

(2)

) ) سورة 33، 35

ص: 21

كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي الإنسان حسب ما قدر له، كما سيأتيه أجله، كما أنك لا يمكن أن تفر من أجلك، لا يمكن أن تفر من رزقك، ولذلك ثبت في مستدرك الحاكم بسندٍ صحيح، عن عبد الله ابن مسعودٍ رضي الله عنه، والحديث رواه الحاكم، وابن حبان، ورواه الإمام ابن ماجه في سننه، من رواية جابر بن عبد الله، ورواه الطبراني في معجمه الكبير، وأبو نعيم في الحلية، من رواية أبي أمامة رضي الله عنهم أجمعين- من رواية عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، ومن رواية جابر، ومن رواية أبي أمامة، ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال [إن روح القدس نفث في روعي] أي: في قلبي [أنه ليس من نفسٍ تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب] ما قدر لك سيأتيك، فخذه بعز، وخذه بطاعة الله جل وعلا، ولا داعي بعد ذلك أن تتعرض لما يسخط الله جل وعلا.

[إن روح القدس نفث في روعي، أنه ليس من نفسٍ تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب] وثبت في صحيح ابن حبان، ومعجم الطبراني الكبير، والحديث رواه أبو نعيم في الحلية، والبزار في مسنده من رواية أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله] .

ص: 22

وفي رواية الطبراني [إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله] فكما أنك لا تفر من أجلك، وأينما كنت سيوافيك الموت، ولو كنت في بروجٍ مشيدة، والله لو كنت في جحر ضب لجاءك ما قسم لك وما قدر لك، نعم أنت مأمورٌ بالسعي والكسب والتعرض لنفحات الله عن طريق ما أحل الله، فهذا وصف عباد الله، يبيعون ويتاجرون ويعبدون الحي القيوم [إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله] وقد جعل الله الرزق بين الحياة وبين الممات، فوسط الرزق بين الأمرين، وكما أننا لا نشك في خلقنا، ولا نشك في موتنا، ولا نشك في بعثنا، فما ينبغي أن يعترينا شك نحو رزقنا {اللهُ الذِّي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثَمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مِنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (1) وأنت الواجب عليك -كما قلت- أن تتعرض لنفحات الله، فإذا قدر لك رزقٌ كثيرٌ جاءك، إذا قدر عليك في الرزق، جاءك ما قدر لك، وأنت على الحالتين راضٍ بما قسم لك، لكن الرزق لا ينال بمعصية الله، ولا بشطارة، ولا باحتيال، ما قدر لك سيأتيك، فإما أن تأخذه من طريقٍ حلال، وإما أن تأخذه من طريقٍ حرام، ورحمة الله على من قال:

كَمْ مِنْ قَوِّيٍ وَقَوِّي فِي تَقَلْبُهِ

مُهَذَّبُ الرَّأْيَ عَنْهُ الرِّزْقَ يَنْحَرِفُ

وكم من ضَعِيفٍ ضَعِيفٍ فِي تَقَلْبُهِ

كَأَنَّهُ مِنْ خَلِيجِ الْبَحْرِ يَغْتَرِفُ

هذا دَلِيلٌ على أنَّ الإلِهَ لَهُ

فِي الْخَلْقِ سِرٌ خَفِيٌ لَيْسَ يَنْكَشِفُ

إذاً هؤلاء العباد الرجال الأبرار الذين يذكرون الله في بيوته رجال {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} (2) لا تلهيهم تجارة ولا بيع يتاجرون ويبايعون، لكن ذلك لا يشغلهم عن طاعة الحي القيوم.

(1)) ) سورة الروم: 40

(2)

) ) سورة النور: 37

ص: 23

عباد الله: وإذا كانت لنا تجارات وبيوع في هذه الحياة -كما قلت- نتعرض لنفحات رب الأرض والسماوات، لتحصيل هذا الرزق الذي أحله الله، هذا ينبغي أن يكون في قلبنا عند تحصيلنا قناعة، ولا داعي بعد ذلك للجشع، ولا لطمع، ولا للحرص، كم سيأتينا تفصيل هذا في الموعظة الآتية، فالقناعة الحقيقةً هي غنىً في هذه الحياة، وهي زخرٌ لك بعد الممات، والقناعة أن ترضى بما يكفيك، وأن لا تكثر من أمانيك، ما جاءك وما فيه كفاية فاحمد الله عليه، وهذا غنىً ليس بعده فقر، ثبت في مسند الإمام أحمد، والصحيحين، والحديث رواه الإمام الترمذي وابن ماجه، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وروي عن أنس، وأبي ذر رضي الله عنهم أجمعين- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ليس الغنى عن كثر العرب إنما الغنى عنى النفس] ليس الغنى عن كثر العرب، إنما الغنى عنى النفس، فأنت إذا كان في قلبك هذه القناعة، ما جاءك يكفيك، وبعد ذلك تتفرغ لطاعة الله جل وعلا، ولا يلهيك البيع ولا التجارة عن طاعة الله جل وعلا، ورحمة الله على شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عندما ينشد، ويردد هذا كثيراً فيقول:

رأيتُ القناعة ثَوبَ الغَنَى

فَصِرْتُ بِأَذْيَالِها أَنْتَسِكُ

فَأَلْبَسَنِي جَاهُهَا حُلَّةً

يَمُرُ الزَّمَانَ وَلَنْ تُنْتَهَكُ

فَصِرْتُ غَنِيَاً بِلا دِرْهَمٍ

أَمُرُّ عَزِيزَاً كَأَنَّنِي مَلِكُ

هذا حال عباد الله {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} (1) يكدحون في هذه الحياة، وما جاءهم رضوا به، ثم بعد ذلك تفرغوا لطاعة الله جل وعلا.

أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء، أن يربينا بما قسم لنا، وأن يجعل غنانا في نفوسنا، ونسأله أن يجعل نعمته عوناً لنا على طاعته، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، أقول هذا القول وأستغفر الله.

(1)) ) سورة النور: 37

ص: 24

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده الله ورسوله، خير خلق الله أجمعين.

اللهم صلي على نبينا محمدٍ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمّن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

عباد الله: إذا جمع الإنسان المال، وأحرزه من طريقٍ حلال، ينبغي ألا يتعلق به، وألا يحبه، كما سيأتينا، وألا يبخل به، وألا يمنع الواجب فيه، وينبغي ألا يحرص عليه، وألا يتعلق به، وألا يشغله عن طاعة الله، وينبغي أن يقنع بما قسمه الله له. هذه أمورٌ خمسةٌ، نتدارسها في الموعظة الآتية إن شاء الله، والقناعة راحة الإنسان في هذه الحياة، وسعادة له بعد الممات.

وقد أخبرنا خير البريات عليه الصلاة والسلام أن من هداه الله للإسلام، وجعل في قلبه في هذه الحياة فهنيئاً له هنيئاً له، ثبت في مسند الإمام أحمد، وصحيح مسلم، والحديث رواه ابن ماجه، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:[قد أفلح من أسلم ورُزِق كفافا وقَنَّعَهُ الله بما آتاه] ، قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه، والكفاف هو: ما كف على السؤال، وكان بمقدار الكفاية، فإذا هديت للإسلام، ورزقت رزقاً حلالا يكفك عن السؤال، وعن الاحتياج إلى الإمام ووجدت في قلبك القناعة، فهنيئاً لك يا عبد الرحمن.

[قد افلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه] والحديث رواه الإمام أحمد أيضاً، والترمذي، والإمام النسائي، والحاكم في المستدرك، وابن حبان في صحيحه، عن نبينا عليه الصلاة والسلام بلفظ [طوبى] عن فضالة بن عبيد الله رضي الله عنه، عن نبينا عليه الصلاة والسلام بلفظ [طوبى لمن أسلم وكان عيشه كفافاً وقنع] ، طوبى لمن أسلم وكان عشه كفافاً وقنع، فهذه الأمور هي راحة لك في هذه الحياة وسعادةٌ بعد الممات.

ص: 25

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادنا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، بفضلك ورحمتك يا أرحم الرحمين، اللهم صلي على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا، وآثرنا، ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارضَ عنا، اللهم صلي على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم إنا نعوذ بك من نفسٍ لا تشبع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن علمٍ لا ينفع، ومن دعاءٍ لا يسمع، اللهم صلي على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا يا أرحم الراحمين، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض، بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وارحمهم كما رَبَّوْنا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا، ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ} (1)

(1)) ) سورة الإخلاص: 1 – 4

ص: 26